الكتاب: حقائق الأصول
المؤلف: السيد محسن الحكيم
الجزء: ١
الوفاة: ١٣٩١
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة: الخامسة
سنة الطبع: ١٤٠٨
المطبعة: الغدير
الناشر: مكتبة بصيرتي - قم
ردمك:
ملاحظات: حقائق الأصول وهي تعليقة على "كفاية" الأستاذ الأعظم المحقق الخراساني

حقائق الأصول
وهي
تعليقة على (كفاية) الأستاذ الأعظم المحقق الخراساني قدس سره
تأليف
المحقق الأوحدي علم الشريعة ومرجع الشيعة
السيد محسن الطباطبائي الحكيم
قدس سره
الجزء الأول
من منشورات
مكتبة بصيرتي قم ارم
1

تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه صحف لم يقدر لها أن تنشر قبل اليوم (والأمور مرهونة بأوقاتها)
أملاها سيدي الوالد - مد ظله العالي - منذ عهد بعيد لا يقل عن ستة وعشرين عاما
يوم كان يدرس طلابه كتاب أستاذه الأعظم (كفاية الأصول) ذلك الكتاب
الذي توفق كل التوفيق والذي عكف عليه طلاب أصول الفقه قراءة وتفهما، وكل
ما كان يريده - مد ظله - يومئذ أن يشرح كلمات أستاذه، ويكشف القناع عن
معمياتها، ولم يشأ أن يعرض لآراء أساتذته الآخرين وغيرهم ومناقشتها الحساب
على أنه - مد ظله - لم يظن على قرائه من إبداء ملاحظاته ومآخذه على الكتاب
المذكور وتحقيق ما يراه حقا لا محيد عنه.
أما اليوم وقد آن لهذه الصحف أن تنشر، فلم يكن في مقدور سيدنا أن
ينظر فيها مجددا، نظرا للظروف والملابسات التي تحيط به من كل جانب وفى كل
وقت، ولم يكن منه تجاهها سوى الاذن في نشرها، تقريبا لها من الانتفاع،
وتبعيدا لها من الضياع. على انها - مع اختصارها - والاختصار عادة
لسيدي - مد ظله العالي - في جميع مؤلفاته - حاوية لحقائق الأصول، خالية من كل
فضول، والله سبحانه ولى العصمة والسداد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
17 محرم الحرام 1372 ه‍ يوسف الطباطبائي
الحكيم
3

بسم الله الرحمن الرحيم
نحمدك اللهم يامن أضاء على مطالع العقول والألباب وأنار عليها بسواطع السنة
والكتاب فاحكم الفروع بأصولها في كل باب ونصلي على أفضل من أوتي الحكمة
وفصل الخطاب وعلى آله الطاهرين الأطياب لا سيما المخصوص بالاخوة سيد أولى
الألباب ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول وآل الرسول فاغفر لنا ذنوبنا وقنا سوء
الحساب واللعنة على أعدائهم من اليوم إلى يوم الحساب (وبعد) فالعلم على تشعب شؤونه
وتفنن غصونه مفتقر إلى علم الأصول افتقار الرعية إلى السلطان ونافذ حكمه عليها
بالوجدان ولا سيما العلوم الدينية وخصوصا الأحكام الشرعية فلولا الأصول لم تقع
في علم الفقه على محصول فبه استقرت قواعد الدين وبه صار الفقه كشجرة طيبة تؤتي
اكلها كل حين فلذا بادر علماء الأمصار وفضلاء الاعصار في كل دور من الأدوار
إلى تمهيد قواعده وتقييد شوارده وتبيين ضوابطه وتوضيح روابطه وتهذيب أصوله
واحكام قوانينه وترتيب فصوله لكنه لما فيه من محاسن النكت والفقر ولطائف
معان تدق دونها الفكر جل عن أن يكون شرعة لكل وارد أو ان يطلع على حقايقه
إلا واحد بعد واحد فنهض بها من أولى البصائر كابر بعد كابر فلله درهم من عصابة تلقوا
4

وأذعنوا وبرعوا فأتقنوا وأجادوا فجادوا وصنفوا وأفادوا أثابهم الله برضوانه وبوأهم
بحبوحات جنانه حتى انتهى الامر إلى أوحد علماء العصر قطب فلك الفقاهة والاجتهاد
ومركز دائرة البحث والانتقاد الطود الشامخ والعلم الراسخ محي الشريعة وحامى
الشيعة النحرير الأواه والمجاهد في سبيل الله خاتم الفقهاء والمجتهدين وحجة الاسلام
والمسلمين الوفي الصفي مولانا الآخوند ملا محمد كاظم الهروي الطوسي النجفي مد الله
اطناب ظلاله على رؤس الأنام وعمر بوجوده دوارس شرع الاسلام فقد فاز دام ظله
منه بالقدح المعلى وجل عن قول أين وانى وجرى بفكر صائب تقف دونه الأفكار
ونظر ثاقب يكاد سنا برقه يذهب بالابصار فلذا أذعن بفضله الفحول وتلقوه بأنعم
القبول وأظهر صحفا هي المنتهى في التبيان ذوات نكت لم يطمثهن قبله انس ولا جان ويغنيك
العيان عن البيان والوجدان عن البرهان فما قدمته لك احدى مقالاته الشافية ورسائله
الكافية فقد اخذت بجزئيها على شطري الأصول الأصلية من مباحث الألفاظ والأدلة
العقلية وأغنت بالإشارة عن المطولات فهي النهاية والمحصول فحري بان يسمى بكفاية
الأصول فأين من يعرف قدرها ولا يرخص مهرها وعلى الله قصد السبيل وهو حسبي
ونعم الوكيل قال - أدام الله ظله - بعد التسمية والتحميد والتصلية: وبعد فقد رتبته على
مقدمة ومقاصد وخاتمة اما المقدمة ففي بيان أمور (الأول) ان موضوع
كل علم
5

وهو الذي يبحث فيه عن عوارضه الذاتية أي بلا واسطة في العروض
6

هو نفس موضوعات مسائله عينا وما يتحد معها خارجا وان كان يغايرها مفهوما تغاير
الكلي ومصاديقه والطبيعي وافراده والمسائل عبارة عن جملة من قضايا متشتة جمعها
اشتراكها في الدخل في الغرض الذي لاجله دون هذا العلم
8

فلذا قد يتداخل بعض العلوم في بعض المسائل مما كان له دخل في مهمين لاجل كل
منهما دون علم على حدة فيصير من مسائل العلمين (لا يقال): على هذا يمكن تداخل
علمين في تمام مسائلهما فيما كلا هناك مهمان متلازمان في الترتب على جملة من القضايا
لا يكاد يمكن انفكاكهما (فإنه يقال): مضافا إلى بعد ذلك بل امتناعه عادة لا يكاد يصح
لذلك تدوين علمين وتسميتهما باسمين بل تدوين علم واحد يبحث فيه تارة لكلا
المهمين وأخرى لأحدهما وهذا بخلاف التداخل في بعض المسائل فان حسن تدوين
علمين كانا مشتركين في مسألة أو أزيد في جملة مسائلهما المختلفة لاجل مهمين مما لا
يخفى، وقد انقدح
9

بما ذكرنا أن تمايز العلوم انما هو باختلاف الأغراض الداعية إلى التدوين لا الموضوعات
ولا المحمولات وإلا كان كل باب بل كل مسألة من كل علم علما على حدة كما هو
واضح لمن كان له أدنى تأمل فلا يكون الاختلاف بحسب الموضوع أو المحمول موجبا
للتعدد كما لا يكون وحدتهما سببا لان يكون من الواحد (ثم) انه ربما لا يكون
لموضوع العلم وهو الكلي المتحد مع موضوعات المسائل عنوان خاص واسم مخصوص
فيصح أن يعبر عنه بكل ما دل عليه بداهة عدم دخل ذلك في موضوعيته أصلا. وقد
انقدح بذلك أن موضوع علم الأصول هو الكلي المنطبق على موضوعات مسائله المتشتة
10

لا خصوص الأدلة الأربعة بما هي أدلة بل ولا بما هي هي ضرورة أن البحث في غير
واحد من مسائله المهمة ليس من عوارضها وهو واضح لو كان المراد بالسنة منها هو
نفس قول المعصوم أو فعله أو تقريره كما هو المصطلح فيها لوضوح عدم البحث في
كثير من مباحثها المهمة
12

كعمدة مباحث التعادل والتراجيح بل ومسألة حجية خبر الواحد لا عنها ولا عن سائر
الأدلة (ورجوع) البحث فيهما في الحقيقة إلى البحث عن ثبوت السنة بخبر الواحد في
مسألة حجية الخبر كما أفيد وبأي الخبرين في باب التعارض فإنه أيضا بحث في الحقيقة
عن حجية الخبر في هذا الحال (غير مفيد) فان البحث عن ثبوت الموضوع وما هو مفاد
كان التامة ليس بحثا عن عوارضه فإنها مفاد
13

كان الناقصة (لا يقال): هذا في الثبوت الواقعي (وأما) الثبوت التعبدي كما هو
المهم في هذه المباحث فهو في الحقيقة يكون مفاد كان الناقصة (فإنه يقال): نعم لكنه
مما لا يعرض السنة بل الخبر الحاكي لها فان الثبوت التعبدي يرجع إلى وجوب العمل
على طبق الخبر كالسنة المحكية به وهذا من عوارضه لا عوارضها كما لا يخفى (وبالجملة)
الثبوت الواقعي ليس من العوارض والتعبدي وان كان منها إلا أنه ليس للسنة بل
للخبر فتأمل جيدا، واما إذا كان المراد من السنة ما يعم حكايتها فلان البحث في
تلك المباحث وان كان عن أحوال السنة بهذا المعنى الا ان البحث في غير واحد
14

من مسائلها كمباحث الألفاظ وجملة من غيرها لا يخص الأدلة بل يعم غيرها وان كان
المهم معرفة أحوال خصوصها كما لا يخفى ويؤيد ذلك تعريف الأصول بأنه العلم بالقواعد
الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية وان كان الأولى تعريفه بأنه صناعة يعرف بها القواعد
التي يمكن ان تقع في طريق استنباط الاحكام
15

أو التي ينتهى إليها في مقام العمل
16

بناء على أن مسألة حجية الظن على الحكومة ومسائل الأصول العملية في الشبهات
الحكمية من الأصول - كما هو كذلك - ضرورة أنه لا وجه لالتزام الاستطراد
في مثل هذه المهمات (الامر الثاني) الوضع
17

هو نحو اختصاص اللفظ بالمعنى وارتباط خاص بينهما ناشئ من تخصيصه به (تارة)
ومن كثرة استعماله فيه (أخرى) وبهذا المعنى صح تقسيمه إلى التعييني والتعيني كمالا
يخفى. ثم
19

إن الملحوظ حال الوضع إما يكون معنى عاما فيوضع اللفظ له تارة ولافراده ومصاديقه
أخرى، وإما يكون معنى خاصا لا يكاد يصح إلا وضع اللفظ له دون العام فتكون
الأقسام ثلاثة، وذلك لان العام يصلح لان يكون آلة للحاظ أفراده ومصاديقه بما
هو كذلك، فإنه من وجوهها ومعرفة وجه الشئ معرفته بوجه، بخلاف الخاص
فإنه - بما هو خاص - لا يكون وجها للعام ولا لسائر الافراد فلا يكون معرفته وتصوره
20

معرفة له ولا لها أصلا - ولو بوجه - نعم ربما يوجب تصوره تصور العام بنفسه
فيوضع له اللفظ فيكون الوضع عاما كما كان الموضوع له عاما، وهذا بخلاف ما في
الوضع العام والموضوع له الخاص فان الموضوع له وهي الافراد لا يكون متصورا إلا
بوجهه وعنوانه، وهو العام، وفرق واضح بين تصور الشئ بوجهه وتصوره
بنفسه ولو كان بسبب تصور أمر آخر ولعل خفاء ذلك على بعض الاعلام وعدم تمييزه
بينهما كان موجبا لتوهم امكان ثبوت قسم رابع، وهو أن يكون الوضع خاصا مع
كون الموضوع له عاما مع أنه واضح لمن كان له أدنى تأمل ثم إنه لا ريب في ثبوت
الوضع الخاص والموضوع له الخاص كوضع الاعلام، وكذا الوضع العام والموضوع
له العام، كوضع أسماء الأجناس، وأما الوضع العام والموضوع له الخاص فقد توهم
أنه وضع الحروف وما ألحق بها من الأسماء، كما توهم أيضا أن المستعمل فيه فيها
خاصا مع كون الموضوع له كالوضع عاما (والتحقيق) حسبما يؤدي إليه النظر الدقيق
21

أن حال المستعمل فيه والموضوع له فيها حالهما في الأسماء، وذلك لان الخصوصية
المتوهمة ان كانت هي الموجبة لكون المعنى المتخصص بها جزئيا خارجيا فمن الواضح ان
كثيرا ما لا يكون المستعمل فيه كذلك، بل كليا ولذا التجأ
22

بعض الفحول إلى جعله جزئيا إضافيا - هو كما ترى - وإن كانت هي الموجبة
لكونه جزئيا ذهنيا
24

حيث أنه لا يكاد يكون المعنى حرفيا الا إذا لوحظ حالة لمعنى آخر ومن خصوصياته
القائمة به ويكون حاله كحال العرض فكما لا يكون في الخارج إلا في الموضوع
كذلك هو لا يكون في الذهن الا في مفهوم آخر، ولذا قيل في تعريفه بأنه ما دل
على معنى في غيره، فالمعنى وإن كان لا محالة يصير جزئيا بهذا اللحاظ بحيث يباينه
إذا لوحظ ثانيا كما لوحظ أولا ولو كان اللاحظ واحدا، إلا أن هذا اللحاظ
لا يكاد يكون مأخوذا في المستعمل فيه وإلا فلا بد من لحاظ آخر متعلق بما هو ملحوظ
بهذا اللحاظ، بداهة أن تصور المستعمل فيه مما لابد منه في استعمال الألفاظ - وهو
كما ترى - مع أنه يلزم أن لا يصدق على الخارجيات لامتناع صدق
25

الكلي العقلي عليها حيث لا موطن له الا الذهن فامتنع امتثال مثل: سر من
البصرة، إلا بالتجريد وإلغاء الخصوصية هذا مع أنه ليس لحاظ المعنى حالة لغيره
في الحروف الا كلحاظه في نفسه في الأسماء، وكما لا يكون هذا اللحاظ معتبرا في
المستعمل فيه فيها كذلك ذاك اللحاظ في الحروف كما لا يخفى (وبالجملة): ليس
المعنى في كلمة (من) ولفظ الابتداء مثلا إلا الابتداء، فكما لا يعتبر في معناه
لحاظه في نفسه ومستقلا كذلك لا يعتبر في معناها لحاظه في غيره وآلة، وكما لا يكون
لحاظه فيه موجبا لجزئيته فليكن كذلك فيها " إن قلت ": على هذا لم يبق فرق
بين الاسم والحرف في المعنى (ولازم) ذلك كون مثل كلمة (من) ولفظ الابتداء
مترادفين صح استعمال كل منهما في موضع الاخر وهكذا سائر الحروف مع الأسماء
الموضوعة لمعانيها وهو باطل بالضرورة كما هو واضح " قلت ": الفرق بينهما إنما
هو في اختصاص كل منهما بوضع حيث إنه وضع الاسم ليراد منه معناه بما هو هو
وفى نفسه والحرف ليراد منه معناه لا كذلك بل بما هو حالة لغيره - كما مرت الإشارة
إليه غير مرة - فالاختلاف بين الاسم والحرف في الوضع يكون موجبا لعدم جواز استعمال
26

أحدهما في موضع الاخر وان اتفقا فيما له الوضع، وقد عرفت بما لا مزيد عليه أن نحو
إرادة المعنى لا يكاد يمكن أن يكون من خصوصياته ومقوماته. ثم لا يبعد أن يكون
الاختلاف في الخبر والانشاء أيضا كذلك فيكون الخبر موضوعا ليستعمل
في حكاية ثبوت معناه في موطنه والانشاء ليستعمل في قصد تحققه وثبوته وان اتفقا
فيما استعملا فيه فتأمل. ثم إنه قد انقدح مما حققناه أنه يمكن أن يقال: إن
المستعمل فيه في مثل أسماء الإشارة والضمائر أيضا عام وأن تشخصه إنما نشأ من قبل
طور استعمالها
27

حيث أن أسماء الإشارة وضعت ليشار بها إلى معانيها
29

وكذا بعض الضمائر، وبعضها ليخاطب بها المعنى، والإشارة والتخاطب
يستدعيان التشخص كما لا يخفى (فدعوى) أن المستعمل فيه في مثل هذا، أو هو،
أو إياك، إنما هو المفرد المذكر، وتشخصه إنما جاء من قبل الإشارة أو التخاطب
بهذه الألفاظ إليه، فان الإشارة أو التخاطب لا يكاد يكون الا إلى الشخص أو معه
(غير مجازفة) فتلخص مما حققناه أن التشخص الناشئ من قبل الاستعمالات
لا يوجب تشخص المستعمل فيه سواء كان تشخصا خارجيا كما في مثل أسماء الإشارة
أو ذهنيا كما في أسماء الأجناس، والحروف، ونحوهما من غير فرق في ذلك أصلا
بين الحروف وأسماء الأجناس، ولعمري هذا واضح، ولذا ليس في كلام القدماء
من كون الموضوع له أو المستعمل فيه خاصا في الحرف عين ولا أثر،
30

وإنما ذهب إليه بعض من تأخر، ولعله لتوهم كون قصده بما هو في غيره من خصوصيات
الموضوع له أو المستعمل فيه، والغفلة عن أن قصد المعنى من لفظه على أنحائه لا يكاد
يكون من شؤونه وأطواره، وإلا فليكن قصده بما هو هو وفي نفسه كذلك، فتأمل في
المقام فإنه دقيق وقد زل فيه اقدام غير واحد من أهل التحقيق والتدقيق (الثالث) صحة
استعمال اللفظ فيما يناسب ما وضع له هل هو بالوضع أو بالطبع؟ وجهان، بل قولان أظهرهما
أنه بالطبع، بشهادة الوجدان بحسن الاستعمال فيه ولو مع منع الواضع عنه، وباستهجان
الاستعمال فيما لا يناسبه ولو مع ترخيصه، ولا معنى لصحته إلا حسنه، والظاهر أن
صحة استعمال اللفظ في نوعه أو مثله من قبيله كما تأتي الإشارة إلى تفصيله (الرابع)
لا شبهة في صحة اطلاق اللفظ وإرادة نوعه به كما إذا قيل: ضرب مثلا فعل ماض
أو صنفه كما إذا قيل: زيد في (ضرب زيد) فاعل، إذا لم يقصد به شخص القول،
31

أو مثله ك‍ (ضرب) في المثال فيما إذا قصد، وقد أشرنا إلى أن صحة الاطلاق
كذلك وحسنه إنما كان بالطبع لا بالوضع، وإلا كانت المهملات موضوعة لذلك
لصحة الاطلاق كذلك فيها، والالتزام بوضعها كذلك كما ترى، وأما اطلاقه
وإرادة شخصه كما إذا قيل: زيد لفظ، وأريد منه شخص نفسه ففي صحته بدون
تأويل، لاستلزامه اتحاد الدال والمدلول أو تركب القضية من جزئين - كما
في الفصول - بيان ذلك أنه إن اعتبر دلالته على نفسه حينئذ
32

لزم الاتحاد والا لزم تركبها من جزئين لان القضية اللفظية على هذا إنما تكون حاكية
عن المحمول والنسبة لا الموضوع فتكون القضية المحكية بها مركبة من جزئين - مع
امتناع التركيب إلا من الثلاثة، ضرورة استحالة ثبوت النسبة بدون المنتسبين
(قلت): يمكن أن يقال: إنه يكفي تعدد الدال والمدلول اعتبارا وإن اتحدا
ذاتا، فمن حيث إنه لفظ صادر عن لافظه كان دالا، ومن حيث أن نفسه
وشخصه مراده كان مدلولا - مع أن حديث تركب القضية من جزئين لولا اعتبار
الدلالة في البين إنما يلزم إذا لم يكن الموضوع نفس شخصه والا كان اجزاؤها الثلاثة
33

تامة وكان المحمول فيها منتسبا إلى شخص اللفظ ونفسه غاية الامر انه نفس الموضوع
لا الحاكي عنه، فافهم فإنه لا يخلو عن دقة، وعلى هذا ليس من باب استعمال اللفظ
بشئ، بل يمكن أن يقال: إنه ليس أيضا من هذا الباب ما إذا أطلق اللفظ
34

وأريد به نوعه، أو صنفه، فإنه فرده ومصداقه حقيقة لا لفظه وذاك معناه كي
يكون مستعملا فيه استعمال اللفظ في المعنى، فيكون اللفظ نفس الموضوع الملقى إلى
المخاطب خارجا قد احضر في ذهنه بلا وساطة حاك وقد حكم عليه ابتداء بدون واسطة
أصلا لا لفظه كما لا يخفى فلا يكون في البين لفظ قد استعمل في معنى، بل فرد قد
حكم في القضية عليه بما هو مصداق لكلي اللفظ لا بما هو خصوص جزئيه. نعم فيما
إذا أريد به فرد آخر مثله كان من قبيل استعمال اللفظ في المعنى، اللهم إلا أن يقال:
إن لفظ (ضرب) وان كان فردا له الا انه إذا قصد به حكايته وجعل عنوانا له
ومرآته كان لفظه المستعمل فيه، وكان حينئذ كما إذا قصد به فرد مثله (وبالجملة)
فإذا أطلق وأريد به نوعه كما إذا أريد به فرد مثله كان من باب استعمال اللفظ في
المعنى وإن كان فردا منه وقد حكم في القضية بما يعمه، وإن أطلق ليحكم عليه
بما هو فرد كليه ومصداقه لا بما هو لفظه وبه حكايته فليس من هذا الباب لكن
الاطلاقات المتعارفة ظاهرا ليست كذلك كما لا يخفى وفيها ما لا يكاد يصح ان
يراد منه ذلك مما كان الحكم في القضية لا يكاد يعم شخص اللفظ كما في مثل
ضرب فعل ماض (الخامس) لا ريب في كون الألفاظ موضوعة بإزاء معانيها من
حيث هي لا من حيث هي مرادة للافظها لما عرفت بما لا مزيد عليه من أن قصد المعنى
35

على أنحائه من مقومات الاستعمال فلا يكاد يكون من قيود المستعمل فيه هذا مضافا إلى
ضرورة صحة الحمل والاسناد في الحمل بلا تصرف في ألفاظ الأطراف - مع أنه لو كانت
موضوعة لها بما هي مرادة لما صح بدونه، بداهة أن المحمول على زيد في زيد قائم
36

والمسند إليه في ضرب زيد، مثلا هو نفس القيام والضرب، لا بما هما مرادان - مع
أنه يلزم كون وضع عامة الألفاظ عاما والموضوع له خاصا لمكان اعتبار خصوص
إرادة اللافظين فيما وضع له اللفظ، فإنه لا مجال لتوهم أخذ مفهوم الإرادة فيه كما لا
يخفى وهكذا الحال في طرف الموضوع
37

(وأما) ما حكي عن العلمين الشيخ الرئيس والمحقق الطوسي من مصيرهما إلى أن
الدلالة تتبع الإرادة، فليس ناظرا إلى كون الألفاظ موضوعة للمعاني بما هي مرادة
- كما توهمه بعض الأفاضل - بل ناظرا إلى أن دلالة الألفاظ على معانيها بالدلالة
التصديقية: أي دلالتها على كونها مرادة للافظها، تتبع ارادتها منها، وتتفرع
عليها تبعية
38

مقام الاثبات للثبوت، وتفرع الكشف عن الواقع المكشوف، فإنه لولا الثبوت
في الواقع لما كان للاثبات والكشف والدلالة مجال، ولذا لا بد من إحراز كون
المتكلم بصدد الإفادة في إثبات إرادة ما هو ظاهر كلامه، ودلالته على الإرادة،
وإلا لما كانت لكلامه هذه الدلالة وإن كانت له الدلالة التصورية: أي كون
سماعه موجبا لاخطار معناه الموضوع له، ولو كان من وراء الجدار أو من لافظ
بلا شعور ولا اختيار (إن قلت): على هذا يلزم أن لا يكون هناك دلالة
عند الخطأ
39

والقطع بما ليس بمراد، والاعتقاد بإرادة شئ ولم يكن له من اللفظ مراد (قلت):
نعم لا يكون حينئذ دلالة، بل يكون هناك جهالة وضلالة يحسبها الجاهل دلالة
ولعمري ما أفاده العلمان من التبعية على ما بيناه واضح لا محيص عنه، ولا يكاد
ينقضي تعجبي كيف رضي المتوهم أن يجعل كلامهما ناظرا إلى ما لا ينبغي صدوره
عن فاضل فضلا عمن هو علم في التحقيق والتدقيق.
(السادس) لا وجه لتوهم وضع للمركبات غير وضع المفردات ضرورة
عدم الحاجة إليه بعد وضعها
40

بموادها في مثل: زيد قائم، و: ضرب عمرو بكرا شخصيا، وبهيئاتها المخصوصة
من خصوص إعرابها نوعيا، ومنها خصوص هيئات المركبات الموضوعة لخصوصيات
النسب والإضافات بمزاياها الخاصة من تأكيد وحصر وغيرهما نوعيا، بداهة أن
وضعها كذلك واف بتمام المقصود منها كما لا يخفى من غير حاجة إلى وضع آخر لها
بجملتها - مع استلزامه الدلالة على المعنى (تارة) بملاحظة وضع نفسها (وأخرى)
بملاحظة وضع مفرداتها
41

ولعل المراد من العبارات الموهمة لذلك هو وضع الهيئات على حدة غير وضع المواد،
لا وضعها بجملتها علاوة على وضع كل منهما.
(السابع) لا يخفى ان تبادر المعنى من اللفظ وانسباقه إلى الذهن من نفسه
وبلا قرينة علامة كونه حقيقة فيه بداهة أنه لولا وضعه له لما تبادر (لا يقال):
كيف يكون علامة مع توقفه على العلم بأنه موضوع له - كما هو واضح - فلو كان
العلم به موقوفا عليه لدار (فإنه يقال): الموقوف عليه غير الموقوف عليه،
42

فان العلم التفصيلي بكونه موضوعا له موقوف على التبادر، وهو موقوف على العلم
الاجمالي الارتكازي به لا التفصيلي فلا دور هذا إذا كان المراد به التبادر عند المستعلم
وأما إذا كان المراد به التبادر عند أهل المحاورة فالتغاير أوضح من أن يخفى ثم إن
هذا فيما لو علم استناد الانسباق إلى نفس اللفظ، وأما فيما احتمل استناده إلى قرينة
فلا يجدي أصالة عدم القرينة في احراز كون الاستناد إليه لا إليها - كما قيل - لعدم
الدليل على اعتبارها الا في إحراز المراد لا الاستناد (ثم) إن عدم صحة سلب اللفظ
بمعناه المعلوم المرتكز في الذهن اجمالا
43

عن معنى كذلك يكون علامة كونه حقيقة فيه، كما أن صحة سلبه علامة كونه مجازا
في الجملة (والتفصيل) أن عدم صحة السلب عنه وصحة الحمل عليه بالحمل الأولي
الذاتي الذي كان ملاكه الاتحاد مفهوما علامة كونه نفس المعنى وبالحمل الشايع الصناعي
الذي ملاكه الاتحاد وجودا بنحو من انحاء الاتحاد علامة كونه من مصاديقه وافراده (1)
الحقيقية، كما أن صحة سلبه كذلك علامة أنه ليس منها وإن لم نقل بأن اطلاقه عليه
من باب المجاز في الكلمة،

(1) فيما إذا كان المحمول والمحمول عليه كليا وفردا لا فيما إذا كان كليين
متساويين أو غيرهما كما لا يخفى. من الماتن قدس سره
44

بل من باب الحقيقة وان التصرف فيه في أمر عقلي - كما صار إليه السكاكي -
واستعلام حال اللفظ وأنه حقيقة أو مجاز في هذا المعنى بهما ليس على وجه دائر، لما
عرفت في التبادر من التغاير بين الموقوف والموقوف عليه بالاجمال والتفصيل، أو
الإضافة إلى المستعلم والعالم فتأمل جيدا (ثم) إنه قد ذكر الاطراد وعدمه علامة
للحقيقة والمجاز أيضا، ولعله بملاحظة نوع العلائق المذكورة في المجازات حيث لا يطرد
صحة استعمال اللفظ معها والا فبملاحظة خصوص ما يصح معه الاستعمال فالمجاز مطرد
كالحقيقة، وزيادة قيد:
45

من غير تأويل، أو: على وجه الحقيقة، وان كان موجبا لاختصاص الاطراد
كذلك بالحقيقة الا انه حينئذ لا يكون علامة لها الا على وجه دائر، ولا يتأتى التفصي
عن الدور بما ذكر في التبادر هنا ضرورة أنه مع العلم بكون الاستعمال على نحو الحقيقة
لا يبقى مجال لاستعلام حال الاستعمال بالاطراد أو بغيره
46

(الثامن) انه للفظ أحوال خمسة وهي التجوز والاشتراك والتخصيص والنقل
والاضمار لا يكاد يصار إلى أحدها فيما إذا دار الامر بينه وبين المعنى الحقيقي الا
بقرينة صارفة عنه إليه، وأما إذا دار الامر بينها فالأصوليون - وان ذكروا
لترجيح بعضها على بعض وجوها - إلا أنها استحسانية لا اعتبار بها الا إذا كانت
موجبة لظهور اللفظ في المعنى لعدم مساعدة دليل على اعتبارها بدون ذلك كما لا يخفى
(التاسع) انه اختلفوا في ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه على أقوال، وقبل
الخوض في تحقيق الحال لا بأس بتمهيد مقال وهو أن الوضع التعييني كما يحصل
بالتصريح بانشائه كذلك يحصل باستعمال اللفظ في غير ما وضع له كما إذا وضع له،
بان يقصد الحكاية عنه
47

والدلالة عليه بنفسه لا بالقرينة وان كان لا بد حينئذ من نصب قرينة إلا أنه للدلالة على
ذلك لا على إرادة المعنى كما في المجاز (فافهم) وكون استعمال اللفظ فيه كذلك في غير
ما وضع له بلا مراعاة ما اعتبر في المجاز فلا يكون بحقيقة ولا مجاز غير ضائر بعد ما كان مما
48

يقبله الطبع ولا يستنكره، وقد عرفت سابقا أنه في الاستعمالات الشايعة في المحاورات
ما ليس بحقيقة ولا مجاز، إذا عرفت هذا فدعوى الوضع التعييني في الألفاظ المتداولة
في لسان الشارع هكذا قريبة جدا ومدعي القطع به غير مجازف قطعا، ويدل عليه
تبادر المعاني الشرعية منها في محاوراته، ويؤيد ذلك أنه ربما لا يكون علاقة معتبرة
49

بين المعاني الشرعية واللغوية فأي علاقة بين الصلاة شرعا والصلاة بمعنى الدعاء ومجرد
اشتمال الصلاة على الدعاء لا يوجب ثبوت ما يعتبر من علاقة الجزء والكل بينهما كما
لا يخفى هذا كله بناء على كون معانيها مستحدثة في شرعنا وأما بناء على كونها ثابتة
في الشرايع السابقة كما هو قضية غير واحد من الآيات مثل قوله تعالى (كتب عليكم
الصيام كما كتب... الخ) وقوله تعالى (وأذن في الناس بالحج) وقوله (تعالى):
(وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا)... إلى غير ذلك، فألفاظها حقايق
لغوية لا شرعية، واختلاف الشرايع فيها جزءا أو شرطا لا يوجب اختلافها في
الحقيقة والماهية، إذ لعله كان من قبيل الاختلاف في المصاديق والمحققات كاختلافها
بحسب الحالات في شرعنا كما لا يخفى (ثم) لا يذهب عليك أنه مع هذا الاحتمال
لا مجال لدعوى الوثوق فضلا عن القطع بكونها حقايق شرعية، ولا لتوهم دلالة
الوجوه التي ذكروها على ثبوتها لو سلم دلالتها على الثبوت لولاه (ومنه) انقدح
50

حال دعوى الوضع التعيني معه، ومع الغض عنه فالانصاف أن منع حصوله في زمان
الشارع في لسانه ولسان تابعيه مكابرة (نعم) حصوله في خصوص لسانه ممنوع
فتأمل، وأما الثمرة بين القولين فتظهر في لزوم حمل الألفاظ الواقعة في كلام الشارع
بلا قرينة على معانيها اللغوية مع عدم الثبوت، وعلى معانيها الشرعية على الثبوت فيما
إذا علم تأخر الاستعمال، وفيما إذا جهل التاريخ ففيه اشكال، وأصالة تأخر الاستعمال
- مع معارضتها بأصالة تأخر الوضع - لا دليل على اعتبارها تعبدا إلا على القول
51

بالأصل المثبت ولم يثبت بناء من العقلاء على التأخر مع الشك، وأصالة عدم النقل
إنما كانت معتبرة فيما إذا شك في أصل النقل لا في تأخره فتأمل.
(العاشر) انه وقع الخلاف في أن ألفاظ العبادات أسامي لخصوص الصحيحة
أو للأعم منها، وقبل الخوض في ذكر أدلة القولين يذكر أمور (منها) انه لا شبهة
في تأتي الخلاف على القول بثبوت الحقيقة الشرعية، وفى جريانه
52

على القول بالعدم إشكال، وغاية ما يمكن أن يقال في تصويره: أن النزاع وقع
على هذا في أن الأصل في هذه الألفاظ المستعملة مجازا في كلام الشارع هو استعمالها
في خصوص الصحيحة أو الأعم بمعنى أن أيهما قد اعتبرت العلاقة بينه وبين المعاني
اللغوية ابتداء وقد استعمل في الآخر بتبعه ومناسبته؟ كي ينزل كلامه عليه مع
القرينة الصارفة عن المعاني اللغوية وعدم قرينة أخرى معينة للآخر، وأنت خبير
بأنه لا يكاد يصح هذا الا إذا علم أن العلاقة إنما اعتبرت كذلك، وأن بناء الشارع
في محاوراته استقر - عند عدم نصب قرينة أخرى - على ارادته بحيث كان هذا
قرينة عليه من غير حاجة إلى قرينة معينة أخرى
53

وأنى لهم باثبات ذلك، وقد انقدح بما ذكرنا تصوير النزاع على ما نسب إلى الباقلاني
وذلك بأن يكون النزاع في أن قضية القرينة المضبوطة التي لا يتعدى عنها الا بالأخرى
54

الدالة على أجزاء المأمور به وشرائطه هو تمام الأجزاء والشرائط أو هما في الجملة
فلا تغفل (ومنها) أن الظاهر أن الصحة عند الكل بمعنى واحد وهو التمامية وتفسيرها
باسقاط القضاء - كما عن الفقهاء - أو بموافقة الشريعة - كما عن المتكلمين -
أو غير ذلك انما هو بالمهم من لوازمها، لوضوح اختلافه بحسب اختلاف الانظار،
وهذا لا يوجب تعدد المعنى، كما لا يوجبه اختلافها
55

بحسب الحالات من السفر والحضر والاختيار والاضطرار.. إلى غير ذلك كما لا
يخفى، ومنه ينقدح أن الصحة والفساد أمران إضافيان فيختلف شئ واحد صحة
وفسادا بحسب الحالات فيكون تاما بحسب حالة وفاسدا بحسب أخرى فتدبر جيدا
(ومنها) انه لا بد على كلا القولين من قدر جامع في البين كان هو المسمى بلفظ
كذا، ولا إشكال في وجوده بين الافراد الصحيحة، وإمكان الإشارة إليه
بخواصه وآثاره، فان الاشتراك في الأثر كاشف عن الاشتراك في جامع واحد
يؤثر الكل فيه بذاك الجامع، فيصح تصوير المسمى بلفظ الصلاة مثلا بالناهية عن
الفحشاء، وما هو معراج المؤمن ونحوهما (والاشكال فيه) بأن الجامع لا يكاد
يكون أمرا
56

مركبا إذ كل ما فرض جامعا يمكن أن يكون صحيحا وفاسدا لما عرفت، ولا
أمرا بسيطا لأنه لا يخلو إما أن يكون هو عنوان المطلوب، أو ملزوما مسلوبا له،
والأول غير معقول لبداهة استحالة أخذ ما لا يأتي الا من قبل الطلب في متعلقه
- مع لزوم الترادف بين لفظة الصلاة والمطلوب وعدم جريان البراءة مع الشك في
أجزاء العبادات وشرائطها لعدم الاجمال حينئذ في المأمور به فيها وإنما الاجمال فيما
يتحقق به وفى مثله لا مجال لها - كما حقق في محله
57

- مع أن المشهور القائلين بالصحيح قائلون بها في الشك فيها، وبهذا يشكل
لو كان البسيط هو ملزوم المطلوب أيضا (مدفوع) بأن الجامع انما هو مفهوم
واحد منتزع عن هذه المركبات المختلفة زيادة ونقيصة بحسب اختلاف الحالات متحد
معها نحو اتحاد وفى مثله تجرى البراءة، وإنما لا تجرى فيما إذا كان المأمور به امرا واحدا
خارجيا مسببا عن مركب
58

مردد بين الأقل والأكثر كالطهارة المسببة عن الغسل والوضوء فيما إذا شك في
أجزائهما هذا على الصحيح، وأما على الأعم فتصوير الجامع في غاية الاشكال
فما قيل في تصويره أو يقال وجوه
60

(أحدها) أن يكون عبارة عن جملة من أجزاء العبادة كالأركان في الصلاة مثلا وكان
الزائد عليها معتبرا في المأمور به لا في المسمى (وفيه) ما لا يخفى فان التسمية بها
حقيقة لا تدور مدارها ضرورة صدق الصلاة مع الاخلال ببعض الأركان، بل وعدم
الصدق عليها مع الاخلال بساير الأجزاء والشرائط عند الأعمي - مع أنه يلزم أن يكون
الاستعمال فيما هو المأمور به باجزائه وشرائطه مجازا عنده وكان من باب استعمال اللفظ
الموضوع للجزء في الكل لا من باب اطلاق الكلي على الفرد والجزئي - كما هو واضح -
ولا يلتزم به القائل بالأعم فافهم " ثانيها " ان تكون موضوعة لمعظم الاجزاء التي
تدور مدارها التسمية عرفا فصدق الاسم كذلك يكشف عن وجود المسمى وعدم
صدقه عن عدمه " وفيه " - مضافا إلى ما أورد على الأول
61

أخيرا، أنه عليه يتبادل ما هو المعتبر في المسمى فكان شئ واحد داخلا فيه تارة
وخارجا عنه أخرى بل مرددا بين أن يكون هو الخارج أو غيره عند اجتماع تمام
الاجزاء وهو كما ترى، لا سيما إذا لوحظ هذا مع ما عليه العبادات من الاختلاف
الفاحش بحسب الحالات (ثالثها) أن يكون وضعها كوضع الاعلام الشخصية كزيد
62

فكما لا يضر في التسمية فيها تبادل الحالات المختلفة من الصغر والكبر، ونقص
بعض الاجزاء وزيادته كذلك فيها (وفيه) ان الاعلام إنما تكون موضوعة للاشخاص
والتشخص إنما يكون بالوجود الخاص، ويكون الشخص حقيقة باقيا ما دام وجوده
باقيا وان تغيرت عوارضه من الزيادة والنقصان وغيرهما من الحالات والكيفيات،
فكما لا يضر اختلافها في التشخص لا يضر اختلافها في التسمية، وهذا بخلاف مثل
ألفاظ العبادات مما كانت موضوعة للمركبات والمقيدات ولا يكاد يكون موضوعا له
الا ما كان جامعا لشتاتها وحاويا لمتفرقاتها كما عرفت في الصحيح منها (رابعها)
أن ما وضعت له الألفاظ ابتداء هو الصحيح التام الواجد لتمام الأجزاء والشرائط إلا
أن العرف يتسامحون - كما هو ديدنهم - ويطلقون تلك الألفاظ على الفاقد للبعض
تنزيلا له منزلة الواجد
63

فلا يكون مجازا في الكلمة على ما ذهب إليه السكاكي في الاستعارة، بل يمكن دعوى
صيرورته حقيقة فيه بعد الاستعمال فيه كذلك دفعة أو دفعات من دون حاجة إلى
الكثرة والشهرة، للانس الحاصل من جهة المشابهة في الصورة أو المشاركة في التأثير
كما في أسامي المعاجين الموضوعة ابتداء لخصوص مركبات واجدة لاجزاء خاصة حيث
يصح اطلاقها على الفاقد لبعض الاجزاء المشابه له صورة والمشارك في المهم أثرا تنزيلا أو
حقيقة (وفيه) أنه انما يتم في مثل أسامي المعاجين وسائر المركبات الخارجية مما يكون
الموضوع فيها ابتداء مركبا خاصا، ولا يكاد يتم في مثل العبادات التي عرفت أن
الصحيح منها يختلف حسب اختلاف الحالات وكون الصحيح بحسب حالة فاسدا
بحسب حالة أخرى كما لا يخفى فتأمل جيدا
64

(خامسها) أن يكون حالها حال أسامي المقادير والأوزان مثل المثقال والحقة
والوزنة إلى غير ذلك مما لا شبهة في كونها حقيقة في الزائد والناقص في الجملة، فان
الواضع وان لاحظ مقدارا خاصا الا انه لم يضع له بخصوصه بل للأعم منه ومن الزائد
والناقص، أو أنه وإن خص به أولا إلا أنه بالاستعمال كثيرا فيهما بعناية انهما منه
قد صار حقيقة في الأعم ثانيا (وفيه) أن الصحيح كما عرفت في الوجه السابق
يختلف زيادة ونقيصة فلا يكون هناك ما يلحظ الزائد والناقص بالقياس إليه كي يوضع
65

اللفظ لما هو الأعم فتدبر جيدا (ومنها) ان الظاهر أن يكون الوضع والموضوع له
في ألفاظ العبادات عامين، واحتمال كون الموضوع له خاصا بعيد جدا لاستلزامه
كون استعمالها في الجامع في مثل: الصلاة تنهى عن الفحشاء، و: الصلاة معراج
المؤمن، وعمود الدين، و: الصوم جنة من النار، مجازا أو منع استعمالها فيه في مثلها
وكل منهما بعيد إلى الغاية كما لا يخفى على أولي النهاية (ومنها) ان ثمرة النزاع اجمال
الخطاب على القول الصحيحي وعدم جواز الرجوع إلى اطلاقه
66

في رفع ما إذا شك في جزئية شئ للمأمور به أو شرطيته أصلا لاحتمال دخوله في
المسمى كما لا يخفى، وجواز الرجوع إليه في ذلك على القول الأعمي في غير ما احتمل
دخوله فيه مما شك في جزئيته أو شرطيته. نعم لابد في الرجوع إليه فيما ذكر من
كونه واردا مورد البيان كما لا بد منه في الرجوع إلى سائر المطلقات وبدونه لا مرجع
أيضا الا البراءة أو الاشتغال على الخلاف في مسألة دوران الامر بين الأقل والأكثر
67

الارتباطيين، وقد انقدح بذلك أن الرجوع إلى البراءة والاشتغال في موارد
إجمال الخطاب أو إهماله على القولين، فلا وجه لجعل الثمرة هو الرجوع إلى البراءة
على الأعم والاشتغال على الصحيح، ولذا ذهب المشهور إلى البراءة مع ذهابهم إلى
الصحيح، وربما قيل بظهور الثمرة في النذر أيضا (قلت): وإن كان يظهر فيما
لو نذر لمن صلى اعطاء درهم
68

في البرء فيما لو أعطاه لمن صلى ولو علم بفساد صلاته لاخلاله بما لا يعتبر في الاسم على
الأعم وعدم البرء على الصحيح، إلا أنه ليس بثمرة لمثل هذه المسألة، لما عرفت
من أن ثمرة المسألة الأصولية هي أن تكون نتيجتها واقعة في طريق استنباط الأحكام الفرعية
فافهم (وكيف) كان
69

فقد استدل للصحيح بوجوه (أحدها) التبادر ودعوى أن المنسبق إلى الأذهان
منها هو الصحيحي، ولا منافاة بين دعوى ذلك وبين كون الألفاظ على هذا القول
مجملات فان المنافاة انما تكون فيما إذا لم تكن معانيها على هذا مبينة وقد عرفت
كونها مبينة بغير وجه (ثانيها) صحة السلب عن الفاسد بسبب الاخلال ببعض
أجزائه أو شرائطه بالمداقة وان صح الاطلاق عليه بالعناية (ثالثها) الاخبار
الظاهرة في إثبات بعض الخواص والآثار للمسميات مثل: الصلاة عمود الدين،
أو: معراج المؤمن، والصوم جنة من النار، إلى غير ذلك، أو نفي ماهيتها
وطبايعها مثل:
70

لا صلاة الا بفاتحة الكتاب، ونحوه مما كان ظاهرا في نفي الحقيقة بمجرد فقد ما
يعتبر في الصحة شطرا أو شرطا
71

(وإرادة) خصوص الصحيح من الطائفة الأولى ونفي الصحة من الثانية لشيوع
استعمال هذا التركيب في نفي مثل الصحة أو الكمال (خلاف الظاهر) لا يصار
إليه مع عدم نصب قرينة عليه، واستعمال هذا التركيب في نفي الصفة ممكن المنع حتى
في مثل: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، مما يعلم أن المراد نفي الكمال
بدعوى استعماله في نفي الحقيقة في مثله أيضا بنحو من العناية لا على الحقيقة، وإلا
لما دل على المبالغة (1) فافهم (رابعها) دعوى القطع بان طريقة الواضعين
وديدنهم وضع الألفاظ للمركبات التامة - كما هو قضية

(1) إشارة إلى أن الاخبار المثبتة للآثار وان كانت ظاهرة في ذلك لمكان
أصالة الحقيقة ولازم ذلك كون الموضوع للأسماء هو الصحيح ضرورة اختصاص
تلك الآثار به إلا أنه لا يثبت بأصالتها كما لا يخفى لاجرائها العقلاء في اثبات المراد
لا في أنه على نحو الحقيقة أو المجاز فتأمل جيدا. من الماتن قدس سره
72

الحكمة الداعية إليه - والحاجة وإن دعت أحيانا إلى استعمالها في الناقص أيضا إلا أنه
لا يقتضي أن يكون بنحو الحقيقة، بل ولو كان مسامحة تنزيلا للفاقد منزلة الواجد،
والظاهر أن الشارع غير متخط عن هذه الطريقة، ولا يخفى أن هذه الدعوى وان
كانت غير بعيدة الا انها قابلة للمنع فتأمل، وقد استدل للأعمي أيضا بوجوه
(منها) تبادر الأعم (وفيه) أنه قد عرفت الاشكال في تصوير الجامع الذي لا بد
منه فكيف يصح معه دعوى التبادر (ومنها) عدم صحة السلب عن الفاسد (وفيه)
منع لما عرفت (ومنها) صحة التقسيم إلى الصحيح والسقيم (وفيه) أنه إنما يشهد
على انها للأعم لو لم تكن هناك دلالة على كونها موضوعة للصحيح، وقد عرفتها،
فلا بد أن يكون التقسيم بملاحظة ما يستعمل فيه اللفظ ولو بالعناية (ومنها) استعمال
الصلاة وغيرها في غير واحد من الاخبار
73

في الفاسدة كقوله عليه الصلاة والسلام: بني الاسلام على الخمس، الصلاة، والزكاة،
والحج، والصوم، والولاية، ولم يناد أحد بشئ كما نودي بالولاية فاخذ الناس
بأربع وتركوا هذه فلو أن أحدا صام نهاره وقام ليله ومات بغير ولاية لم يقبل له صوم
ولا صلاة، فان الاخذ بالأربع لا يكون بناء على بطلان عبادات تاركي الولاية الا
إذا كانت أسامي للأعم، وقوله (ع): دعي الصلاة أيام أقرائك، ضرورة أنه
لو لم يكن المراد منها الفاسدة لزم عدم صحة النهي عنها لعدم قدرة الحائض على الصحيحة
منها (وفيه) أن الاستعمال أعم من الحقيقة - مع أن المراد في الرواية الأولى هو
خصوص الصحيح بقرينة أنها مما بني عليها الاسلام ولا ينافي ذلك بطلان عبادة منكري
74

الولاية إذ لعل أخذهم بها انما كان بحسب اعتقادهم لا حقيقة، وذلك لا يقتضي استعمالها
في الفاسد أو الأعم، والاستعمال في (قوله: فلو أن أحدا صام نهاره... الخ)
كان كذلك أي بحسب اعتقادهم، أو للمشابهة والمشاكلة، وفى الرواية الثانية
النهي للارشاد إلى عدم القدرة على الصلاة وإلا كان الاتيان بالأركان وسائر ما يعتبر
في الصلاة بل بما يسمى في العرف بها، ولو أخل بما لا يضر الاخلال به بالتسمية عرفا
محرما على الحائض ذاتا وإن لم تقصد به القربة، ولا أظن أن يلتزم به المستدل بالرواية
فتأمل جيدا
75

(ومنها) انه لا شبهة في صحة تعلق النذر وشبهه بترك الصلاة في مكان تكره فيه
وحصول الحنث بفعلها ولو كانت الصلاة المنذور تركها خصوص الصحيحة لا يكاد
يحصل به الحنث أصلا لفساد الصلاة المأتي بها لحرمتها كما لا يخفى بل يلزم المحال فان النذر
حسب الفرض قد تعلق بالصحيح منها
76

ولا تكاد تكون معه صحيحة وما يلزم من فرض وجوده عدمه محال (قلت): لا يخفى
انه لو صح ذلك لا يقتضي الا عدم صحة تعلق النذر بالصحيح لا عدم وضع اللفظ
له شرعا - مع أن الفساد من قبل النذر لا ينافي صحة متعلقه فلا يلزم من فرض
وجودها عدمها، ومن هنا انقدح ان حصول الحنث انما يكون
77

لاجل الصحة لولا تعلقه
78

نعم لو فرض تعلقه بترك الصلاة المطلوبة بالفعل (1) لكان منع حصول الحنث بفعلها
بمكان من الامكان

(1) اي ولو مع النذر ولكن صحته كذلك مشكل لعدم كون الصلاة معه
صحيحة مطلوبة فتأمل جيدا من الماتن قدس سره
79

(بقي أمور الأول) ان أسامي
80

المعاملات ان كانت موضوعة للمسببات فلا مجال للنزاع في كونها موضوعة للصحيحة
أو للأعم لعدم اتصافها بهما كما لا يخفى بل بالوجود تارة وبالعدم أخرى واما ان
كانت موضوعة للأسباب فللنزاع فيه مجال لكنه لا يبعد دعوى كونها موضوعة للصحيحة
أيضا وان الموضوع له هو العقد المؤثر لاثر كذا شرعا وعرفا والاختلاف بين الشرع والعرف
81

فيما يعتبر في تأثير العقد لا يوجب الاختلاف بينهما في المعنى بل الاختلاف في
المحققات والمصاديق وتخطئة الشرع العرف في تخيل كون العقد بدون ما اعتبره في
تأثيره محققا لما هو المؤثر كما لا يخفى فافهم.
(الثاني) أن كون ألفاظ المعاملات أسامي للصحيحة لا يوجب إجمالها
كألفاظ العبادات
83

كي لا يصح التمسك باطلاقها عند الشك في اعتبار شئ في تأثيرها شرعا وذلك لان
اطلاقها لو كان مسوقا في مقام البيان ينزل على أن المؤثر عند الشارع هو المؤثر عند
أهل العرف ولم يعتبر في تأثيره عنده غير ما اعتبر فيه عندهم كما ينزل عليه اطلاق
كلام غيره حيث إنه منهم ولو اعتبر في تأثيره ما شك في اعتباره كان عليه البيان
ونصب القرينة عليه وحيث لم ينصب بان عدم اعتباره عنده أيضا ولذا يتمسكون
بالاطلاق في أبواب المعاملات مع ذهابهم إلى كون ألفاظها موضوعة للصحيح نعم لو
شك في اعتبار شئ فيها عرفا
84

فلا مجال للتمسك باطلاقها في عدم اعتباره بل لا بد من اعتباره لأصالة عدم الأثر بدونه
فتأمل جيدا
(الثالث) ان دخل شئ وجودي أو عدمي في المأمور به تارة بأن يكون
داخلا فيما يأتلف منه ومن غيره وجعل جملته متعلقا للامر فيكون جزءا له وداخلا في
قوامه وأخرى بأن يكون خارجا عنه لكنه كان مما لا يحصل الخصوصية المأخوذة فيه
بدونه كما إذا أخذ شئ مسبوقا أو ملحوقا به أو مقارنا له متعلقا للامر فيكون من
مقدماته لا مقوماته
85

(وثالثة) بأن يكون مما يتشخص به المأمور به بحيث يصدق على المتشخص به عنوانه
وربما يحصل له بسببه مزية أو نقيصة، ودخل هذا فيه أيضا طورا بنحو الشطرية
وآخر بنحو الشرطية فيكون الاخلال بما له دخل بأحد النحوين في حقيقة المأمور به
وماهيته موجبا لفساده لا محالة بخلاف ماله الدخل في تشخصه وتحققه مطلقا شطرا
حيث لا يكون الاخلال به الا اخلالا بتلك الخصوصية مع تحقق الماهية بخصوصية
أخرى غير موجبة لتلك المزية بل كانت موجبة لنقصانها كما أشرنا إليه كالصلاة في
الحمام ثم إنه ربما يكون الشئ مما يندب إليه فيه بلا دخل له أصلا لا شطرا ولا شرطا
في حقيقته ولا في خصوصيته وتشخصه بل له دخل ضرفا في مطلوبيته بحيث لا يكون
مطلوبا الا إذا وقع في أثنائه فيكون مطلوبا نفسيا في واجب أو مستحب كما إذا كان
مطلوبا كذلك قبل أحدهما أو بعده فلا يكون الاخلال به موجبا للاخلال به ماهية
ولا تشخصا وخصوصية أصلا إذا عرفت هذا كله فلا شبهة في عدم دخل ما ندب إليه
في العبادات نفسيا في التسمية بأساميها وكذا فيما له دخل في تشخصها مطلقا، وأما
86

ماله الدخل شرطا في أصل ماهيتها فيمكن الذهاب أيضا إلى عدم دخله في التسمية بها
مع الذهاب إلى دخل ماله الدخل جزءا فيها فيكون الاخلال بالجزء مخلا بها دون
الاخلال بالشرط لكنك عرفت أن الصحيح اعتبارهما فيها
(الحادي عشر) الحق وقوع الاشتراك للنقل والتبادر وعدم صحة السلب
بالنسبة إلى معنيين أو أكثر للفظ واحد وان أحاله بعض لاخلاله بالتفهم المقصود من
الوضع لخفاء القرائن لمنع الاخلال (أولا) لامكان الاتكال على القرائن الواضحة
ومنع كونه مخلا بالحكمة (ثانيا) لتعلق الغرض بالاجمال أحيانا، كما أن الاستعمال
المشترك في القرآن ليس بمحال
87

كما توهم لاجل لزوم التطويل بلا طائل مع الاتكال على القرائن والاجمال في المقال
لولا الاتكال عليها وكلاهما غير لائق بكلامه تعالى جل شأنه كما لا يخفى، وذلك
لعدم لزوم التطويل فيما كان الاتكال على حال أو مقال أتى به لغرض آخر ومنع كون
الاجمال غير لائق بكلامه تعالى مع كونه مما يتعلق به الغرض والا لما وقع المشتبه في
كلامه وقد أخبر في كتابه الكريم بوقوعه فيه قال الله تعالى: (فيه آيات محكمات
هن أم الكتاب وأخر متشابهات) وربما توهم وجوب وقوع الاشتراك في اللغات
لاجل عدم تناهي المعاني وتناهي الألفاظ المركبات فلا بد من الاشتراك فيها (وهو
فاسد) بوضوح امتناع الاشتراك في هذه المعاني لاستدعائه الأوضاع غير المتناهية،
ولو سلم لم يكد يجدي الا في مقدار متناه مضافا إلى تناهي المعاني الكلية، وجزئياتها
وان كانت غير متناهية إلا أن وضع الألفاظ بإزاء كلياتها يغني عن وضع لفظ بإزائها
كما لا يخفى - مع أن المجاز باب واسع فافهم
88

(الثاني عشر) انه قد اختلفوا في جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى
على سبيل الانفراد والاستقلال بأن يراد منه كل واحد كما إذا لم يستعمل إلا فيه على
أقوال أظهرها عدم جواز الاستعمال في الأكثر عقلا (وبيانه) أن حقيقة الاستعمال
ليس مجرد جعل اللفظ علامة لإرادة المعنى بل جعله وجها وعنوانا له بل بوجه نفسه
كأنه الملقى ولذا يسري
89

إليه قبحه وحسنه كما لا يخفى ولا يكاد يمكن جعل اللفظ كذلك الا لمعنى
واحد ضرورة ان لحاظه هكذا في إرادة معنى ينافي لحاظه كذلك في إرادة
الآخر حيث إن لحاظه كذلك لا يكاد يكون الا بتبع لحاظ المعنى فانيا فيه فناء الوجه
في ذي الوجه والعنوان في المعنون ومعه كيف يمكن إرادة معنى آخر كذلك في
استعمال واحد مع استلزامه للحاظ آخر غير لحاظه كذلك في هذا الحال (وبالجملة)
لا يكاد يمكن في حال استعمال واحد لحاظه وجها لمعنيين وفانيا في الاثنين إلا أن
يكون اللاحظ
90

أحول العينين فانقدح بذلك امتناع استعمال اللفظ مطلقا مفردا كان أو غيره في
أكثر من معنى بنحو الحقيقة أو المجاز ولولا امتناعه فلا وجه لعدم جوازه فان اعتبار
الوحدة في الموضوع له واضح المنع
91

وكون الوضع في حال وحدة المعنى وتوقيفيته لا يقتضى عدم الجواز بعد ما لم تكن
الوحدة قيدا للوضع ولا للموضوع له كما لا يخفى. ثم لو تنزلنا عن ذلك فلا وجه
للتفصيل بالجواز على نحو الحقيقة في التثنية والجمع وعلى نحو المجاز في المفرد مستدلا على
كونه بنحو الحقيقة فيهما لكونهما بمنزلة تكرار اللفظ وبنحو المجاز فيه لكونه موضوعا
للمعنى بقيد الوحدة فإذا استعمل في الأكثر لزم إلغاء قيد الوحدة فيكون مستعملا في
جزء المعنى بعلاقة الكل والجزء فيكون مجازا
92

وذلك لوضوح أن الألفاظ لا تكون موضوعة إلا لنفس المعاني بلا ملاحظة قيد
الوحدة وإلا لما جاز الاستعمال في الأكثر لان الأكثر ليس جزء المقيد بالوحدة
بل يباينه مباينة الشئ بشرط شئ والشئ بشرط لا كما لا يخفى، والتثنية والجمع
وان كانا بمنزلة التكرار في اللفظ إلا أن الظاهر أن اللفظ فيهما كأنه كرر وأريد من
كل لفظ فرد من أفراد معناه لا أنه أريد منه معنى من معانيه فإذا قيل مثلا: جئني
بعينين، أريد فردان من العين الجارية لا العين الجارية والعين الباكية،
93

والتثنية والجمع في الاعلام إنما هو بتأويل المفرد إلى المسمى بها - مع أنه لو قيل
بعدم التأويل وكفاية الاتحاد في اللفظ في استعمالها حقيقة بحيث جاز إرادة عين جارية
وعين باكية من تثنية العين حقيقة لما كان هذا من باب استعمال اللفظ في الأكثر
لان هيئتها انما تدل على إرادة المتعدد مما يراد من مفردهما فيكون استعمالهما وإرادة
المتعدد من معانيه استعمالا لهما في معنى واحد كما إذا استعملا وأريد المتعدد عن معنى
واحد منهما كما لا يخفى. نعم لو أريد مثلا من عينين فردان من الجارية وفردان
من الباكية كان من استعمال العينين في المعنيين إلا أن حديث التكرار لا يكاد
يجدي في ذلك أصلا فان فيه إلغاء قيد الوحدة المعتبرة أيضا ضرورة ان التثنية عنده
انما تكون لمعنيين أو لفردين بقيد الوحدة، والفرق بينها وبين المفرد انما يكون في أنه
موضوع للطبيعة وهي موضوعة لفردين منها أو معنيين كما هو أوضح من أن يخفى،
(وهم ودفع) لعلك تتوهم أن الاخبار الدالة على أن للقرآن بطونا سبعة أو سبعين تدل
على وقوع استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد فضلا عن جوازه ولكنك غفلت عن انه
94

لا دلالة لها أصلا على أن ارادتها كان من باب إرادة المعنى من اللفظ فلعله كان
بإرادتها في أنفسها حال الاستعمال في المعنى لا من اللفظ كما إذا استعمل فيها أو كان
المراد من البطون لوازم معناه المستعمل فيه اللفظ وان كان افهامنا قاصرة عن إدراكها
(الثالث عشر): انه اختلفوا في أن المشتق حقيقة في خصوص ما تلبس
بالمبدأ في الحال أو فيما يعمه وما انقضى عنه على أقوال بعد الاتفاق على كونه مجازا
فيما يتلبس به في الاستقبال وقبل الخوض في المسألة وتفصيل الأقوال فيها وبيان
الاستدلال عليها ينبغي تقديم أمور (أحدها) أن المراد بالمشتق هاهنا ليس مطلق المشتقات بل
95

خصوص ما يجرى منها على الذوات مما يكون مفهومه منتزعا عن الذات بملاحظة
اتصافها بالمبدأ واتحادها معه بنحو من الاتحاد كان بنحو الحلول أو الانتزاع أو
الصدور أو الايجاد كأسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهات بل وصيغ المبالغة
وأسماء الأزمنة والأمكنة والآلات كما هو ظاهر العنوانات وصريح بعض المحققين
مع عدم صلاحية ما يوجب اختصاص النزاع بالبعض الا التمثيل به وهو غير صالح كما
هو واضح فلا وجه لما زعمه بعض الاجلة من الاختصاص باسم الفاعل وما بمعناه من
الصفات المشبهة وما يلحق بها وخروج سائر الصفات (ولعل) منشأه توهم كون
96

ما ذكره لكل منها من المعنى مما اتفق عليه الكل وهو كما ترى، واختلاف انحاء
التلبسات حسب تفاوت مبادئ المشتقات بحسب الفعلية والشأنية والصناعة والملكة
حسبما يشير إليه لا يوجب تفاوتا في المهم من محل النزاع هاهنا كما لا يخفى (ثم)
إنه لا يبعد أن يراد بالمشتق في محل النزاع مطلق ما كان مفهومه ومعناه جاريا على
الذات ومنتزعا عنها بملاحظة اتصافها بعرض أو عرضي ولو كان جامدا كالزوج
والزوجة والرق والحر، فان أبيت إلا عن اختصاص النزاع المعروف بالمشتق - كما
هو قضية الجمود على ظاهر لفظه - فهذا القسم من الجوامد أيضا محل النزاع كما يشهد
به ما عن الايضاح في باب الرضاع في مسألة من كانت له زوجتان كبيرتان أرضعتا
زوجته الصغيرة ما هذا لفظه:
97

تحرم المرضعة الأولى والصغيرة مع الدخول بالكبيرتين واما المرضعة الآخرة ففي تحريمها
خلاف فاختار والدي المصنف (ره) وابن إدريس تحريمها لان هذه يصدق عليها أم
زوجته لأنه لا يشترط في المشتق بقاء المشتق منه هكذا هاهنا
98

وما عن المسالك في هذه المسألة من ابتناء الحكم فيها على الخلاف في مسألة المشتق فعليه
كلما كان مفهومه منتزعا من الذات بملاحظة اتصافها بالصفات الخارجة عن الذاتيات
كانت عرضا أو عرضيا كالزوجية والرقية والحرية وغيرها من الاعتبارات والإضافات
كان محل النزاع وان كان جامدا وهذا بخلاف ما كان مفهومه منتزعا عن مقام الذات
والذاتيات فإنه لا نزاع في كونه حقيقة في خصوص ما إذا كانت الذات باقية بذاتياتها
(ثانيها) قد عرفت أنه لا وجه لتخصيص النزاع ببعض المشتقات الجارية على الذوات
الا انه ربما يشكل بعدم إمكان جريانه في اسم الزمان لان الذات فيه وهي الزمان
بنفسه ينقضي وينصرم فكيف يمكن ان يقع النزاع في أن الوصف الجاري عليه حقيقة
99

في خصوص المتلبس بالمبدأ في الحال أو فيما يعم المتلبس به في المضي (ويمكن) حل
الاشكال بأن انحصار مفهوم عام بفرد - كما في المقام - لا يوجب أن يكون وضع
اللفظ بإزاء الفرد دون العام وإلا لما وقع الخلاف فيما وضع له لفظ الجلالة مع أن الواجب
موضوع للمفهوم العام مع انحصاره فيه تبارك وتعالى (ثالثها) انه من الواضح خروج
الأفعال والمصادر المزيد فيها عن حريم النزاع لكونها غير جارية على الذوات ضرورة
أن المصادر المزيد فيها كالمجردة في الدلالة على ما يتصف به الذات ويقوم بها كما
100

لا يخفى، وأن الأفعال انما تدل على قيام المبادئ بها قيام صدور أو حلول أو طلب
فعلها أو تركها منها على اختلافها (إزاحة شبهة) قد اشتهر في ألسنة النحاة دلالة
الفعل على الزمان حتى اخذوا الاقتران بها في تعريفه، وهو اشتباه ضرورة عدم
دلالة الامر ولا النهى عليه بل على إنشاء طلب الفعل أو الترك غاية الامر نفس
الانشاء بهما في الحال كما هو الحال في الاخبار بالماضي أو المستقبل أو بغيرهما كما لا يخفى،
بل يمكن منع دلالة غيرهما من الأفعال على الزمان لا بالاطلاق والاسناد إلى الزمانيات
وإلا لزم القول بالمجاز والتجريد عند الاسناد إلى غيرها من نفس الزمان والمجردات
نعم لا يبعد أن يكون لكل من الماضي والمضارع
101

بحسب المعنى خصوصية أخرى موجبة للدلالة على وقوع النسبة في الزمان الماضي في
الماضي وفى الحال أو الاستقبال في المضارع فيما كان الفاعل من الزمانيات " ويؤيده "
أن المضارع يكون مشتركا معنويا بين الحال والاستقبال ولا معنى له إلا أن يكون له
خصوص معنى صح انطباقه على كل منهما لا انه يدل على مفهوم زمان يعمهما، كما
أن الجملة الاسمية كزيد ضارب يكون لها معنى صح انطباقه على كل واحد من الأزمنة
مع عدم دلالتها على واحد منها أصلا فكانت الجملة الفعلية مثلها، وربما يؤيد ذلك أن
الزمان الماضي في فعله وزمان الحال أو الاستقبال في المضارع لا يكون ماضيا أو
مستقبلا حقيقة لا محالة بل ربما يكون في الماضي مستقبلا حقيقة وفي المضارع ماضيا
كذلك وانما يكون ماضيا أو مستقبلا في فعلهما بالإضافة كما يظهر من مثل قوله:
يجيئني زيد بعد عام وقد ضرب قبله بأيام، وقوله: جاء زيد في شهر كذا وهو
102

يضرب في ذلك الوقت أما فيما بعده مما مضى، فتأمل جيدا ثم لا بأس بصرف عنان
الكلام إلى بيان ما به يمتاز الحرف عما عداه بما يناسب المقام لاجل الاطراد في
الاستطراد في تمام الأقسام (فاعلم) أنه وان اشتهر بين الاعلام ان الحرف ما دل
على معنى في غيره وقد بيناه في الفوائد بما لا مزيد عليه الا انك عرفت فيما تقدم
عدم الفرق فيما بينه وبين الاسم بحسب المعنى وانه فيهما لم يلحظ فيه الاستقلال
بالمفهومية ولا عدم الاستقلال بها، وانما الفرق هو انه وضع ليستعمل وأريد منه
معناه حالة لغيره وبما هو في الغير، ووضع غيره ليستعمل وأريد منه معناه بما هو هو
وعليه يكون كل من الاستقلال بالمفهومية وعدم الاستقلال بها انما اعتبر في جانب
الاستعمال لا في المستعمل فيه ليكون بينهما تفاوت بحسب المعنى فلفظ الابتداء لو
استعمل في المعنى الآلي ولفظة (من) في المعنى الاستقلالي لما كان مجازا واستعمالا
له في غير ما وضع له وان كان بغير ما وضع له فالمعنى في كليهما في نفسه كلي طبيعي
يصدق على كثيرين، ومقيدا باللحاظ الاستقلالي أو الآلي
103

أو الآلي كلي عقلي، وان كان بملاحظة أن لحاظه وجوده ذهنا كان جزئيا ذهنيا فان
الشئ ما لم يتشخص لم يوجد وإن كان بالوجود الذهني (فافهم وتأمل) فيما وقع
في المقام من الاعلام من الخلط والاشتباه وتوهم كون الموضوع له أو المستعمل فيه في
الحروف خاصا بخلاف ما عداه فإنه عام، وليت شعري إن كان قصد الآلية فيها
موجبا لكون المعنى جزئيا فلم لا يكون قصد الاستقلالية فيه موجبا له، وهل يكون
ذلك إلا لكون هذا القصد ليس مما يعتبر في الموضوع له ولا المستعمل فيه بل في
الاستعمال؟ فلم لا يكون فيها كذلك كيف والا لزم أن يكون معاني المتعلقات غير
منطبقة على الجزئيات الخارجية لكونها - على هذا - كليات عقلية والكلي العقلي
لا موطن له إلا الذهن، فالسير والبصرة والكوفة في: سرت من البصرة إلى
الكوفة، لا يكاد يصدق على السير والبصرة والكوفة لتقيدها بما اعتبر فيه القصد فتصير
105

عقلية فيستحيل انطباقها على الأمور الخارجية وبما حققنا (1) يوفق بين جزئية المعنى
الحرفي بل الاسمي والصدق على الكثيرين وأن الجزئية باعتبار تقييد المعنى باللحاظ في
موارد الاستعمالات آليا أو استقلاليا وكليته بلحاظ نفس المعنى، ومنه ظهر عدم
اختصاص الاشكال والدفع بالحرف بل يعم غيره، فتأمل في المقام فإنه دقيق ومزال
الاقدام للاعلام وقد سبق في بعض الأمور بعض الكلام والإعادة مع ذلك لما فيها
من الفائدة والإفادة (فافهم)
(رابعها) أن اختلاف المشتقات في المبادئ وكون المبدأ في بعضها حرفة
وصناعة وفى بعضها قوة وملكة وفي بعضها فعليا لا يوجب اختلافا في دلالتها بحسب
الهيئة أصلا، ولا تفاوتا في الجهة المبحوث عنها كما لا يخفى (غاية الامر) أنه يختلف
التلبس به في المضي أو الحال فيكون التلبس به فعلا لو أخذ حرفة أو ملكة ولو لم
يتلبس به إلى الحال أو انقضى عنه، ويكون مما مضى أو يأتي لو أخذ فعليا فلا
يتفاوت فيها انحاء التلبسات وأنواع التعلقات كما أشرنا إليه

(1) ثم إنه قد انقدح بما ذكرنا أن المعنى بما هو معنى اسمى وملحوظ
استقلالي أو بما هو معنى حرفي وملحوظ آلي كلي عقلي في غير الاعلام الشخصية
وفيها جزئي كذلك وبما هو هو أي بلا أحد اللحاظين كلى طبيعي أو جزئي
خارجي وبه (نسخه بدل)
106

(خامسها) أن المراد بالحال في عنوان المسألة هو حال التلبس لا حال النطق
ضرورة أن مثل: كان زيد ضاربا أمس، أو: سيكون غدا ضاربا، حقيقة إذا
كان متلبسا بالضرب في الأمس في المثال الأول، ومتلبسا به في الغد في الثاني، فجري
المشتق حيث كان بلحاظ حال التلبس وان مضى زمانه في أحدهما ولم يأت بعد في آخر
107

كان حقيقة بلا خلاف، ولا ينافيه الاتفاق على أن مثل: زيد ضارب غدا، مجاز
فان الظاهر أنه فيما إذا كان الجري في الحال كما هو قضية الاطلاق والغد إنما يكون
لبيان زمان التلبس فيكون الجري والاتصاف في الحال والتلبس في الاستقبال، ومن
هنا ظهر الحال في مثل: زيد ضارب أمس، وأنه دخل في محل الخلاف والاشكال
ولو كانت لفظة (أمس) أو (غد) قرينة على تعيين زمان النسبة والجري أيضا كان
المثالان حقيقة (وبالجملة): لا ينبغي الاشكال في كون المشتق حقيقة فيما إذا
جرى على الذات بلحاظ حال التلبس ولو كان في المضي أو الاستقبال، وإنما الخلاف
في كونه حقيقة في خصوصه أو فيما يعم ما إذا جرى عليها في الحال بعد ما انقضى عنه
التلبس بعد الفراغ عن كونه مجازا فيما إذا جرى عليها فعلا بلحاظ التلبس في
الاستقبال
108

ويؤيد ذلك اتفاق أهل العربية على عدم دلالة الاسم على الزمان ومنه الصفات الجارية
على الذوات ولا ينافيه اشتراط العمل في بعضها بكونه بمعنى الحال أو الاستقبال ضرورة
أن المراد الدلالة على أحدهما بقرينة، كيف لا وقد اتفقوا على كونه مجازا في الاستقبال
(لا يقال): يمكن أن يكون المراد بالحال في العنوان زمانه كما هو الظاهر منه
عند اطلاقه وادعي انه الظاهر في المشتقات إما لدعوى الانسباق من الاطلاق أو بمعونة
قرينة الحكمة (لأنا نقول): هذا الانسباق وإن كان مما لا ينكر إلا أنهم في
هذا العنوان بصدد تعيين ما وضع له المشتق لا تعيين ما يراد بالقرينة منه.
(سادسها) أنه لا أصل في نفس هذه المسألة يعول عليه عند الشك،
وأصالة عدم ملاحظة الخصوصية - مع
109

معارضتها بأصالة عدم ملاحظة العموم - لا دليل على اعتبارها في تعيين الموضوع له،
وأما ترجيح الاشتراك المعنوي على الحقيقة والمجاز إذا دار الامر بينهما لاجل الغلبة
فممنوع لمنع الغلبة (أولا) ومنع نهوض حجة على الترجيح بها (ثانيا)
110

وأما الأصل العملي فيختلف في الموارد فأصالة البراءة في مثل: أكرم كل عالم،
يقتضى عدم وجوب اكرام ما انقضى عنه المبدأ قبل الايجاب كما أن قضية الاستصحاب
وجوبه لو كان الايجاب قبل الانقضاء فإذا عرفت ما تلونا عليك (فاعلم) أن
الأقوال في المسألة وان كثرت إلا أنها حدثت بين المتأخرين بعد ما كانت ذات
قولين بين المتقدمين لاجل توهم اختلاف المشتق باختلاف مبادئه في المعنى أو بتفاوت
ما يعتريه من الأحوال، وقد مرت الإشارة إلى أنه لا يوجب التفاوت فيما نحن
بصدده ويأتي له مزيد بيان في أثناء الاستدلال على ما هو المختار وهو اعتبار التلبس
في الحال وفاقا لمتأخري الأصحاب والأشاعرة وخلافا لمتقدميهم والمعتزلة، ويدل عليه
111

تبادر خصوص المتلبس بالمبدأ في الحال، وصحة السلب مطلقا عما انقضى عنه
كالمتلبس به في الاستقبال وذلك لوضوح أن مثل القائم والضارب والعالم وما يرادفها
من سائر اللغات لا يصدق على من لم يكن متلبسا بالمبادئ وان كان متلبسا بها قبل
الجري والانتساب ويصح سلبها عنه كيف وما يضادها بحسب ما ارتكز من معناها في
الأذهان يصدق عليه، ضرورة صدق القاعد عليه في حال تلبسه بالقعود بعد انقضاء
تلبسه بالقيام مع وضوح التضاد بين القاعد والقائم بحسب ما ارتكز لهما من المعنى كما
لا يخفى، وقد يقرر هذا وجها على حدة ويقال: لا ريب في مضادة الصفات المتقابلة
المأخوذة من المبادئ المتضادة على ما ارتكز لها من المعاني فلو كان المشتق حقيقة في
الأعم لما كان بينها مضادة بل محالفة لتصادقها فيما انقضى عنه المبدأ وتلبس بالمبدأ
الآخر، ولا يرد على هذا التقرير ما أورده بعض الاجلة من المعاصرين من عدم
التضاد على القول بعدم الاشتراط لما عرفت من ارتكازه بينها كما في مبادئها (إن قلت)
112

ارتكازها لاجل الانسباق من الاطلاق لا الاشتراط (قلت): لا يكاد يكون
لذلك لكثرة استعمال المشتق في موارد الانقضاء لو لم يكن بأكثر (ان قلت):
على هذا يلزم أن يكون في الغالب أو الأغلب مجازا وهذا بعيد ربما لا يلائمه حكمة
الوضع (لا يقال): كيف وقد قيل بان أكثر المحاورات مجازات (فان)
ذلك - لو سلم - فإنما هو لاجل تعدد المعاني المجازية بالنسبة إلى المعنى الحقيقي الواحد
نعم ربما يتفق ذلك بالنسبة إلى معنى مجازى لكثرة الحاجة إلى التعبير عنه لكن
أين هذا مما إذا كان دائما كذلك فافهم (قلت): مضافا إلى أن مجرد الاستبعاد
غير ضائر بالمراد بعد مساعدة الوجوه المتقدمة عليه، أن ذلك إنما يلزم لو لم يمكن
استعماله فيما انقضى بلحاظ حال التلبس مع أنه بمكان من الامكان فيراد من: جاء
الضارب، أو الشارب - وقد انقضى عنه الضرب والشرب -: جاء الذي كان
ضاربا وشاربا قبل مجيئه حال التلبس بالمبدأ
113

لا حينه بعد الانقضاء كي يكون الاستعمال بلحاظ هذا الحال وجعله معنونا بهذا العنوان
فعلا بمجرد تلبسه قبل مجيئه ضرورة أنه لو كان للأعم لصح استعماله بلحاظ كلا
الحالين (وبالجملة): كثرة الاستعمال في حال الانقضاء تمنع عن دعوى انسباق
خصوص حال التلبس من الاطلاق، إذ مع عموم المعنى وقابلية كونه حقيقة في المورد
ولو بالانطباق لا وجه لملاحظة حالة أخرى كما لا يخفى، بخلاف ما إذا لم يكن له
العموم فان استعماله حينئذ مجازا بلحاظ حال الانقضاء وان كان ممكنا إلا أنه لما كان
بلحاظ حال التلبس على نحو الحقيقة بمكان من الامكان
114

فلا وجه لاستعماله وجريه على الذات مجازا وبالعناية وملاحظة العلاقة، وهذا غير
استعمال اللفظ فيما لا يصح استعماله فيه حقيقة كما لا يخفى فافهم (ثم) إنه ربما أورد
على الاستدلال بصحة السلب بما حاصله أنه إن أريد بصحة السلب صحته مطلقا فغير
سديد، وإن أريد مقيدا فغير مفيد، لان علامة المجاز هي صحة السلب المطلق
(وفيه) أنه ان أريد بالتقييد تقييد المسلوب الذي يكون سلبه أعم من سلب المطلق
- كما هو واضح - فصحة سلبه وإن لم تكن علامة على كون المطلق مجازا فيه إلا أن
تقييده ممنوع، وإن أريد تقييد السلب فغير ضائر بكونها علامة ضرورة صدق
المطلق على افراده على كل حال مع مكان منع تقييده أيضا بأن يلحظ حال الانقضاء
115

في طرف الذات الجاري عليها المشتق فيصح سلبه مطلقا بلحاظ هذا الحال كما لا يصح
سلبه بلحاظ حال التلبس فتدبر جيدا (ثم) لا يخفى انه لا يتفاوت في صحة السلب عما
انقضى عنه المبدأ بين كون المشتق لازما وكونه متعديا لصحة سلب الضارب عمن
يكون فعلا غير متلبس بالضرب وكان متلبسا به سابقا، وأما إطلاقه عليه في الحال
فإن كان بلحاظ حال التلبس فلا اشكال كما عرفت، وإن كان بلحاظ الحال فهو
وان كان صحيحا الا انه لا دلالة على كونه بنحو الحقيقة لكون الاستعمال أعم منها
كما لا يخفى، كما لا يتفاوت في صحة السلب عنه بين تلبسه بضد المبدأ وعدم تلبسه لما
عرفت من وضوح صحته مع عدم التلبس أيضا وان كان معه أوضح، ومما ذكرنا
ظهر حال كثير من التفاصيل فلا نطيل بذكرها على التفصيل (حجة القول بعدم
الاشتراط، وجوه)
(الأول) التبادر وقد عرفت أن المتبادر هو خصوص حال التلبس
(الثاني) عدم صحة السلب في مضروب ومقتول عمن انقضى عنه المبدأ
(وفيه) أن عدم صحته في مثلهما انما هو لاجل انه أريد من المبدأ معنى يكون
التلبس به باقيا في الحال ولو مجازا وقد انقدح من بعض المقدمات انه لا يتفاوت الحال
116

فيما هو المهم في محل البحث والكلام ومورد النقض والابرام اختلاف ما يراد من
المبدأ في كونه حقيقة أو مجازا، وأما لو أريد منه نفس ما وقع على الذات مما صدر
عن الفاعل فإنما لا يصح السلب فيما لو كان بلحاظ حال التلبس والوقوع كما عرفت
لا بلحاظ الحال أيضا لوضوح صحة ان يقال: إنه ليس بمضروب الآن بل كان
(الثالث) استدلال الإمام (عليه السلام) تأسيا بالنبي - صلوات الله عليه - كما
عن غير واحد من الاخبار بقوله تعالى: (لا ينال عهدي الظالمين) على عدم لياقة
من عبد صنما أو وثنا لمنصب الإمامة والخلافة تعريضا بمن تصدى لها ممن عبد الصنم
مدة مديدة ومن الواضح توقف ذلك على كون المشتق موضوعا للأعم والا لما صح
التعريض لانقضاء تلبسهم بالظلم وعبادتهم للصنم حين التصدي للخلافة (والجواب)
منع التوقف على ذلك بل يتم الاستدلال ولو كان موضوعا لخصوص المتلبس،
وتوضيح ذلك يتوقف على تمهيد مقدمة وهي أن الأوصاف العنوانية التي تؤخذ في
موضوعات الاحكام تكون على أقسام (أحدها) أن يكون أخذ العنوان لمجرد
الإشارة إلى ما هو في الحقيقة موضوعا للحكم لمعهوديته بهذا العنوان من دون دخل
لاتصافه به في الحكم أصلا (ثانيها) أن يكون لاجل الإشارة إلى علية المبدأ للحكم
مع كفاية مجرد صحة جري المشتق عليه ولو فيما مضى (ثالثها) أن يكون لذلك مع
عدم الكفاية بل كان الحكم دائرا مدار صحة الجرى عليه واتصافه به حدوثا وبقاء
إذا عرفت هذا فنقول: إن الاستدلال بهذا الوجه انما يتم لو كان أخذ العنوان
في الآية الشريفة على النحو الأخير ضرورة انه لو لم يكن المشتق للأعم لما تم بعد
عدم التلبس بالمبدأ ظاهرا حين التصدي فلا بد أن يكون للأعم ليكون حين التصدي
117

حقيقة من الظالمين ولو انقضى عنهم التلبس بالظلم، وأما إذا كان على النحو الثاني فلا
كما لا يخفى ولا قرينة على أنه على النحو الأول لو لم نقل بنهوضها على النحو الثاني فان
الآية الشريفة في مقام بيان جلالة قدر الإمامة والخلافة وعظم خطرها ورفعة محلها
وأن لها خصوصية من بين المناصب الا لاهية ومن المعلوم ان المناسب لذلك هو أن لا
يكون المتقمص بها متلبسا بالظلم أصلا كما لا يخفى (ان قلت): نعم ولكن الظاهر
أن الإمام (عليه السلام) انما استدل بما هو قضية ظاهر العنوان وضعا لا بقرينة المقام مجازا
فلا بد أن يكون للأعم والا لما تم (قلت): لو سلم لم يكن يستلزم جري المشتق
على النحو الثاني كونه مجازا بل يكون حقيقة لو كان بلحاظ حال التلبس كما عرفت
118

فيكون معنى الآية - والله العالم -: من كان ظالما ولو آنا في زمان سابق لا ينال
عهدي ابدا، ومن الواضح ان إرادة هذا المعنى لا يستلزم الاستعمال لا بلحاظ حال
التلبس، ومنه قد انقدح ما في الاستدلال على التفصيل بين المحكوم عليه والمحكوم
به باختيار عدم الاشتراط في الأول بآية حد السارق والسارقة والزاني والزانية وذلك
حيث ظهر انه لا ينافي إرادة خصوص حال التلبس دلالتها على ثبوت القطع والجلد
مطلقا ولو بعد انقضاء المبدأ - مضافا إلى وضوح بطلان تعدد الوضع حسب وقوعه
محكوما عليه أو به كما لا يخفى، ومن مطاوي ما ذكرنا ههنا وفى المقدمات ظهر حال
سائر الأقوال وما ذكر لها من الاستدلال ولا يسع المجال لتفصيلها ومن أراد الاطلاع
عليها فعليه بالمطولات (بقي أمور الأول) أن مفهوم المشتق على ما حققه المحقق
119

الشريف في بعض حواشيه بسيط منتزع عن الذات باعتبار تلبسها بالمبدأ واتصافها
به غير مركب، وقد أفاد في وجه ذلك أن مفهوم الشئ لا يعتبر في مفهوم الناطق
مثلا وإلا لكان العرض العام داخلا في الفصل، ولو اعتبر فيه ما صدق عليه الشئ
انقلبت مادة الامكان الخاص ضرورة، فان الشئ الذي له الضحك هو الانسان
وثبوت الشئ لنفسه ضروري. هذا ملخص ما افاده الشريف على ما لخصه بعض
الأعاظم، وقد أورد عليه في الفصول بأنه يمكن أن يختار الشق الأول ويدفع
120

الاشكال بأن كون الناطق - مثلا - فصلا مبنى على عرف المنطقيين حيث اعتبروه
مجردا عن مفهوم الذات وذلك لا يوجب وضعه لغة كذلك (وفيه) أنه من المقطوع
أن مثل الناطق قد اعتبر فصلا بلا تصرف في معناه أصلا بل بما له من المعنى كما لا يخفى
" والتحقيق " أن يقال: إن مثل الناطق ليس بفصل حقيقي بل لازم ما هو الفصل وأظهر خواصه
وانما يكون فصلا مشهورا منطقيا يوضع مكانه إذا لم يعلم نفسه بل لا يكاد يعلم كما حقق في محله
ولذا ربما يجعل لا زمان مكانه إذا كانا متساويي النسبة إليه كالحساس والمتحرك بالإرادة
في الحيوان، وعليه فلا بأس بأخذ مفهوم الشئ في مثل الناطق فإنه وان كان عرضا
عاما لا فصلا مقوما للانسان الا انه بعد تقييده بالنطق واتصافه به كان من أظهر
خواصه " وبالجملة ": لا يلزم من أخذ مفهوم الشئ في معنى المشتق إلا دخول
العرض في الخاصة التي هي من العرضي لا في الفصل الحقيقي الذي هو من الذاتي
فتدبر جيدا
121

ثم قال: إنه يمكن ان يختار الوجه الثاني أيضا ويجاب بأن المحمول ليس مصداق الشئ
والذات مطلقا بل مقيدا بالوصف وليس ثبوته للموضوع حينئذ بالضرورة لجواز أن
لا يكون ثبوت القيد ضروريا. انتهى، ويمكن أن يقال: إن عدم كون ثبوت القيد
ضروريا لا يضر بدعوى الانقلاب فان المحمول إن كان ذات المقيد وكان القيد
خارجا وان كان التقييد داخلا بما هو معنى حرفي، فالقضية لا محالة تكون ضرورية
ضرورة ضرورية ثبوت الانسان الذي يكون مقيدا بالنطق للانسان، وان كان المقيد بما
هو مقيد على أن يكون القيد داخلا فقضية: الانسان ناطق، تنحل في الحقيقة إلى
قضيتين إحداهما قضية: الانسان انسان، وهي ضرورية والأخرى قضية: الانسان
له النطق، وهي ممكنة وذلك لان الأوصاف قبل العلم
122

بها اخبار كما أن الاخبار بعد العلم بها تكون أوصافا، فعقد الحمل ينحل إلى القضية
كما أن عقد الوضع ينحل إلى قضية مطلقة عامة عند الشيخ وقضية ممكنة عند الفارابي
" فتأمل " لكنه قدس سره تنظر فيما افاده بقوله: وفيه نظر
123

لان الذات المأخوذة مقيدة بالوصف قوة أو فعلا ان كانت مقيدة به واقعا صدق
الايجاب بالضرورة، وإلا صدق السلب بالضرورة مثلا لا يصدق: زيد كاتب
124

بالضرورة، لكن يصدق زيد الكاتب بالقوة أو بالفعل بالضرورة. انتهى،
- ولا يذهب عليك أن صدق الايجاب بالضرورة بشرط كونه مقيدا به واقعا
لا يصحح دعوى الانقلاب إلى الضرورية ضرورة صدق الايجاب بالضرورة بشرط
المحمول في كل قضية ولو كانت ممكنة كما لا يكاد يضربها صدق السلب كذلك بشرط
عدم كونه مقيدا به واقعا لضرورة السلب بهذا الشرط، وذلك لوضوح أن المناط
في الجهات
125

ومواد القضايا انما هو بملاحظة ان نسبة هذا المحمول إلى ذلك الموضوع موجهة بأي
جهة منها ومع أية منها في نفسها صادقة؟ لا بملاحظة ثبوتها له واقعا أو عدم ثبوتها له
كذلك والا كانت الجهة منحصرة بالضرورة ضرورة صيرورة الايجاب أو السلب
بلحاظ الثبوت وعدمه واقعا ضروريا ويكون من باب الضرورة بشرط المحمول.
(وبالجملة): الدعوى هو انقلاب مادة الامكان بالضرورة فيما ليست مادته
واقعا في نفسه وبلا شرط غير الامكان وقد انقدح بذلك عدم نهوض ما أفاده (ره)
بابطال الوجه الأول كما زعمه - قدس سره - فان لحوق مفهوم الشئ والذات
لمصاديقهما انما يكون ضروريا مع اطلاقهما لا مطلقا ولا مع التقيد إلا بشرط تقيد
المصاديق به أيضا وقد عرفت حال الشرط فافهم، ثم إنه
126

لو جعل التالي في الشرطية الثانية لزوم أخذ النوع في الفصل ضرورة أن مصداق
الشئ الذي له النطق هو الانسان كان أليق بالشرطية الأولى بل كان الأولى لفساده
127

مطلقا ولو لم يكن مثل الناطق بفصل حقيقي ضرورة بطلان أخذ الشئ في لازمه
وخاصته فتأمل جيدا. ثم إنه يمكن أن يستدل على البساطة بضرورة عدم تكرار
الموصوف في مثل: زيد كاتب، ولزومه من التركب وأخذ الشئ مصداقا
أو مفهوما في مفهومه (إرشاد) لا يخفى أن معنى البساطة بحسب المفهوم وحدته
إدراكا وتصورا بحيث لا يتصور عند تصوره إلا شئ واحد لا شيئان وان انحل
بتعمل من العقل إلى شيئين كانحلال مفهوم الشجر أو الحجر إلى شئ له الحجرية أو
الشجرية مع وضوح بساطة مفهومهما (وبالجملة): لا تنثلم بالانحلال إلى الاثنينية
بالتعمل العقلي وحدة المعنى وبساطة المفهوم كما لا يخفى، والى ذلك يرجع الاجمال
والتفصيل الفارقين بين المحدود والحد مع ما هما عليه من الاتحاد ذاتا فالعقل بالتعمل
يحلل النوع ويفصله إلى جنس وفصل بعد ما كان أمرا واحدا ادراكا وشيئا فاردا
تصورا فالتحليل يوجب فتق ما هو عليه من الجمع والرتق.
128

(الثاني) الفرق بين المشتق ومبدئه مفهوما أنه بمفهومه لا يأبى عن الحمل
على ما تلبس بالمبدأ ولا يعصي عن الجري عليه لما هما عليه من نحو من الاتحاد بخلاف
المبدأ فإنه بمعناه يأبى عن ذلك بل إذا قيس ونسب إليه كان غيره لا هو هو، وملاك
الحمل والجري انما هو نحو من الاتحاد والهوهوية، والى هذا يرجع ما ذكره أهل
المعقول في الفرق بينهما من أن المشتق يكون لا بشرط والمبدأ يكون بشرط (لا) أي
يكون مفهوم المشتق غير آب عن الحمل ومفهوم المبدأ يكون آبيا عنه: وصاحب
الفصول (ره) حيث توهم ان مرادهم انما هو بيان التفرقة بهذين الاعتبارين
130

بلحاظ الطوارئ والعوارض الخارجية مع حفظ مفهوم واحد أورد عليهم بعدم استقامة
الفرق بذلك لاجل امتناع حمل العلم والحركة على الذات وإن اعتبرا لا بشرط وغفل
عن أن المراد ما ذكرنا كما يظهر منهم
131

من بيان الفرق بين الجنس والفصل وبين المادة والصورة فراجع.
(الثالث): ملاك الحمل كما أشرنا إليه
132

هو الهوهوية والاتحاد من وجه والمغايرة من وجه آخر كما يكون بين المشتقات والذوات
ولا يعتبر معه ملاحظة التركيب بين المتغايرين واعتبار كون مجموعهما بما هو كذلك واحدا،
133

بل يكون لحاظ ذلك مخلا لاستلزامه المغايرة بالجزئية والكلية، ومن الواضح أن
ملاك الحمل لحاظ بنحو الاتحاد بين الموضوع والمحمول مع وضوح عدم لحاظ ذلك في
التحديدات وسائر القضايا في طرف الموضوعات بل لا يلحظ في طرفها الا نفس
معانيها كما هو الحال في طرف المحمولات ولا يكون حملها عليها إلا بملاحظة ما هما عليه
من نحو من الاتحاد مع ما هما عليه من المغايرة ولو بنحو من الاعتبار، فانقدح بذلك فساد
ما جعله في الفصول تحقيقا للمقام، وفى كلامه موارد للنظر تظهر بالتأمل وإمعان النظر
135

(الرابع) لا ريب في كفاية مغايرة المبدأ مع ما يجرى المشتق عليه مفهوما
وان اتحدا عينا وخارجا فصدق الصفات مثل العالم والقادر والرحيم والكريم... إلى
غير ذلك من صفات الكمال والجلال عليه تعالى على ما ذهب إليه أهل الحق من عينية
صفاته يكون على الحقيقة فان المبدأ فيها وان كان عين ذاته تعالى خارجا الا انه غير ذاته
تعالى مفهوما (ومنه) قد انقدح ما في الفصول من الالتزام بالنقل أو التجوز في
ألفاظ الصفات الجارية عليه تعالى - بناء على الحق من العينية - لعدم المغايرة المعتبرة
بالاتفاق، وذلك لما عرفت من كفاية المغايرة مفهوما ولا اتفاق على اعتبار غيرها
إن لم نقل بحصول الاتفاق على عدم اعتباره كما لا يخفى وقد عرفت ثبوت المغايرة كذلك
بين الذات ومبادئ الصفات
136

(الخامس) انه وقع الخلاف - وبعد الاتفاق على اعتبار المغايرة كما عرفت
بين المبدأ وما يجرى عليه المشتق - في اعتبار قيام المبدأ به في صدقه على نحو الحقيقة
وقد استدل من قال بعدم الاعتبار بصدق الضارب والمؤلم مع قيام الضرب والألم
بالمضروب والمؤلم - بالفتح - والتحقيق أنه لا ينبغي أن يرتاب من كان من أولي
الألباب في أنه يعتبر في صدق المشتق على الذات وجريه عليها من التلبس بالمبدأ بنحو
خاص على اختلاف أنحائه الناشئة من اختلاف المواد تارة واختلاف الهيئات أخرى
من القيام صدورا أو حلولا أو وقوعا عليه أو فيه أو انتزاعه عنه مفهوما مع اتحاده
معه خارجا كما في صفاته تعالى - على ما أشرنا إليه آنفا - أو مع عدم تحقق الا
للمنتزع عنه كما في الإضافات والاعتبارات التي لا تحقق لها ولا يكون بحذائها في الخارج
شئ وتكون من الخارج المحمول لا المحمول بالضميمة، ففي صفاته الجارية عليه
تعالى يكون المبدأ مغايرا له تعالى مفهوما وقائما به عينا لكنه بنحو من القيام لا بأن
يكون هناك اثنينية وكان ما بحذائه غير الذات بل بنحو الاتحاد والعينية وكان ما بحذائه
عين الذات (وعدم) اطلاع العرف على مثل هذا التلبس من الأمور الخفية
(لا يضر) بصدقها عليه تعالى على نحو الحقيقة إذا كان لها مفهوم صادق عليه تعالى
حقيقة ولو بتأمل وتعمل من العقل (والعرف) إنما يكون مرجعا في تعيين المفاهيم
لا في تطبيقها على مصاديقها و (بالجملة) يكون مثل العالم والعادل وغيرهما من الصفات
الجارية عليه تعالى وعلى غيره جارية عليهما بمفهوم واحد ومعنى فارد وان اختلفا فيما
137

يعتبر في الجري من الاتحاد وكيفية التلبس بالمبدأ حيث إنه بنحو العينية فيه تعالى وبنحو
الحلول أو الصدور في غيره (فلا وجه) لما التزم به في الفصول من نقل الصفات
الجارية عليه تعالى عما هي عليها من المعنى كما لا يخفى كيف ولو كانت بغير معانيها العامة
جارية عليه تعالى كانت صرف لقلقة لسان وألفاظ بلا معنى، فان غير تلك
المفاهيم العامة الجارية على غيره تعالى غير مفهوم ولا معلوم إلا بما يقابلها ففي مثل ما إذا
قلنا: انه تعالى عالم، إما أن يعني أنه من ينكشف لديه الشئ فهو ذاك المعنى
العام، أو أنه مصداق لما يقابل ذاك المعنى فتعالى عن ذلك علوا كبيرا، وإما أن
لا يعني شيئا فتكون كما قلناه من كونها صرف اللقلقة وكونها بلا معنى كما لا يخفى
(والعجب) أنه جعل ذلك علة لعدم صدقها في حق غيره وهو كما ترى وبالتأمل
فيما ذكرنا ظهر الخلل فيما استدل من الجانبين
138

والمحاكمة بين الطرفين فتأمل
(السادس) الظاهر أنه لا يعتبر في صدق المشتق وجريه على الذات حقيقة
التلبس بالمبدأ حقيقة وبلا واسطة في العروض كما في الماء الجاري، بل يكفى التلبس
به ولو مجازا ومع هذه الواسطة كما في الميزاب الجاري فاسناد الجريان إلى الميزاب
وان كان إسنادا إلى غير ما هو له وبالمجاز إلا أنه في الاسناد لا في الكلمة، فالمشتق
في مثل المثال بما هو مشتق قد استعمل في معناه الحقيقي وان كان مبدؤه مسندا إلى
الميزاب بالاسناد المجازى ولا منافاة بينهما أصلا كما لا يخفى، ولكن ظاهر الفصول
بل صريحه اعتبار الاسناد الحقيقي في صدق المشتق حقيقة
139

وكأنه من باب الخلط بين المجاز في الاسناد والمجاز في الكلمة. قد انتهى هاهنا محل
الكلام بين الاعلام والحمد لله وهو خير ختام
المقصد الأول في الأوامر
وفيه فصول (الأول) فيما يتعلق بمادة الامر من الجهات وهي
عديدة (الأولى) أنه قد ذكر للفظ الامر معاني متعددة، منها (الطلب) كما
يقال: أمره بكذا، ومنها " الشأن " كما يقال: شغله أمر كذا، ومنها " الفعل "
كما في قوله تعال: (وما أمر فرعون برشيد) ومنها " الفعل العجيب " كما في
قوله تعالى: " فلما جاء أمرنا " ومنها " الشئ " كما تقول: رأيت اليوم
أمرا عجيبا، ومنها " الحادثة " ومنها " الغرض " كما تقول: جاء زيد لامر
كذا، ولا يخفى أن عد بعضها من معانيه من اشتباه المصداق بالمفهوم
140

ضرورة أن الامر في: جاء زيد لامر كذا، ما استعمل في معنى الغرض بل
اللام قد دلت على الغرض. نعم يكون مدخوله مصداقه (فافهم) وهكذا الحال
في قوله تعالى: (فلما جاء أمرنا) يكون مصداقا للتعجيب لا مستعملا في مفهومه
وكذا في الحادثة والشأن، وبذلك ظهر ما في دعوى الفصول من كون لفظ الامر
حقيقة في المعنيين الأولين ولا يبعد دعوى كونه حقيقة
141

في الطلب في الجملة والشئ. هذا بحسب العرف واللغة، وأما بحسب الاصطلاح
فقد نقل الاتفاق على أنه حقيقة في القول المخصوص ومجاز في غيره ولا يخفى انه عليه
لا يمكن منه الاشتقاق فان معناه حينئذ لا يكون معنى حدثيا - مع أن الاشتقاقات
منه ظاهرا تكون بذلك المعنى المصطلح عليه بينهم لا بالمعنى الآخر (فتدبر)
ويمكن أن يكون مرادهم به هو الطلب بالقول لا نفسه تعبيرا عنه بما يدل عليه. نعم
القول المخصوص أي صيغة الامر إذا أراد العالي بها الطلب يكون من مصاديق الامر
لكنه بما هو طلب مطلق أو مخصوص (وكيف كان) فالأمر سهل لو ثبت النقل
ولا مشاحة في الاصطلاح، وإنما المهم بيان ما هو معناه عرفا ولغة ليحمل عليه فيما إذا
ورد بلا قرينة، وقد استعمل في غير واحد من المعاني في الكتاب والسنة ولا حجة
على أنه على نحو الاشتراك اللفظي أو المعنوي أو الحقيقة والمجاز، وما ذكر في الترجيح
عند تعارض هذه الأحوال - لو سلم ولم يعارض بمثله - فلا دليل على الترجيح به فلا بد
مع التعارض من الرجوع إلى الأصل في مقام العمل. نعم لو علم ظهوره في أحد
معانيه - ولو احتمل انه كان للانسباق من الاطلاق - فليحمل عليه وإن لم يعلم انه
142

حقيقة فيه بالخصوص أو فيما يعمه كما لا يبعد أن يكون كذلك في المعنى الأول،
(الجهة الثانية) الظاهر اعتبار العلو في معنى الامر فلا يكون الطلب من السافل أو
المساوي أمرا، ولو أطلق عليه كان بنحو من العناية، كما أن الظاهر عدم اعتبار
الاستعلاء فيكون الطلب من العالي أمرا ولو كان مستخفضا لجناحه، وأما احتمال
اعتبار أحدهما فضعيف وتقبيح الطالب السافل من العالي المستعلي عليه وتوبيخه بمثل
انك لم تأمره؟ إنما هو على استعلائه لا على أمره حقيقة بعد استعلائه وانما يكون
اطلاق الامر على طلبه بحسب ما هو قضية استعلائه (وكيف كان) ففي صحة
سلب الامر عن طلب السافل ولو كان مستعليا كفاية (الجهة الثالثة) لا يبعد
كون لفظ الامر حقيقة في الوجوب لانسباقه عنه عند اطلاقه، ويؤيده قوله تعالى:
(فليحذر الذين يخالفون عن أمره) وقوله - صلى الله عليه وآله -: (لولا أن
أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك) وقوله - صلى الله عليه وآله - لبريرة بعد قوله:
143

أتأمرني يا رسول الله؟: (لا بل إنما أنا شافع)... إلى غير ذلك، وصحة
الاحتجاج على العبد، ومؤاخذته بمجرد مخالفة أمره، وتوبيخه على مجرد مخالفته
كما في قوله تعالى: (ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك) وتقسيمه إلى الايجاب
والاستحباب إنما يكون قرينة على إرادة المعنى الأعم منه في مقام تقسيمه، وصحة
الاستعمال في معنى أعم من كونه على نحو الحقيقة كما لا يخفى (وأما) ما أفيد من
أن الاستعمال فيهما ثابت فلو لم يكن موضوعا للقدر المشترك بينهما لزم الاشتراك أو
المجاز فهو غير مفيد، لما مرت الإشارة إليه في الجهة الأولى وفي تعارض الأحوال
فراجع، والاستدلال بأن فعل المندوب طاعة وكل طاعة فهو فعل المأمور به، فيه
ما لا يخفى من منع الكبرى - لو أريد من المأمور به معناه الحقيقي - وإلا لا
يفيد المدعى (الجهة الرابعة) الظاهر أن الطلب الذي يكون هو
144

معنى الامر ليس هو الطلب الحقيقي الذي يكون طلبا بالحمل الشايع الصناعي بل الطلب
الانشائي الذي لا يكون بهذا الحمل طلبا مطلقا بل طلبا انشائيا سواء أنشئ بصيغة إفعل
أو بمادة الطلب، أو بمادة الامر، أو بغيرهما. ولو أبيت إلا عن كونه موضوعا
للطلب فلا أقل من كونه منصرفا إلى الانشائي منه عند اطلاقه كما هو الحال في لفظ
الطلب أيضا، وذلك لكثرة الاستعمال في الطلب الانشائي، كما أن الامر في لفظ
الإرادة على عكس لفظ الطلب والمنصرف عنها عند اطلاقها هو
145

الإرادة الحقيقية، واختلافهما في ذلك ألجأ بعض أصحابنا إلى الميل إلى ما ذهب إليه
الأشاعرة من المغايرة بين الطلب والإرادة خلافا لقاطبة أهل الحق والمعتزلة من
اتحادهما، فلا بأس بصرف عنان الكلام إلى بيان ما هو الحق في المقام وان حققناه
في بعض فوائدنا إلا أن الحوالة لما لم تكن عن المحذور خالية والإعادة بلا فائدة ولا
إفادة كان المناسب هو التعرض هاهنا أيضا " فاعلم " أن الحق - كما عليه اهله
وفاقا للمعتزلة وخلافا للأشاعرة هو اتحاد الطلب والإرادة بمعنى أن لفظيهما موضوعان
بإزاء مفهوم واحد وما بإزاء أحدهما في الخارج يكون بإزاء الآخر والطلب المنشأ بلفظه
أو بغيره عين الإرادة الانشائية (وبالجملة): هما متحدان مفهوما وانشاء وخارجا
لا ان الطلب الانشائي الذي هو المنصرف إليه باطلاقه - كما عرفت - متحد مع
الإرادة الحقيقية التي ينصرف إليها اطلاقها أيضا ضرورة أن المغايرة بينهما أظهر من
الشمس وأبين من الأمس، فإذا عرفت المراد من حديث العينية والاتحاد ففي مراجعة
146

الوجدان عند طلب شئ والامر به حقيقة كفاية فلا يحتاج إلى مزيد بيان وإقامة برهان،
فان الانسان لا يجد غير الإرادة القائمة بالنفس صفة أخرى قائمة بها يكون هو الطلب
غيرها سوى ما هو مقدمة تحققها عند خطور الشئ، والميل وهيجان الرغبة إليه،
والتصديق بفائدته، وهو الجزم بدفع ما يوجب توقفه عن طلبه لاجلها (وبالجملة)
لا يكاد يكون غير الصفات المعروفة والإرادة هناك صفة أخرى قائمة بها يكون هو
الطلب فلا محيص عن اتحاد الإرادة والطلب وأن يكون ذاك الشوق المؤكد المستتبع
لتحريك العضلات في إرادة فعله بالمباشرة، أو المستتبع لامره عبيده به فيما لو اراده
لا كذلك مسمى بالطلب والإرادة كما يعبر به تارة وبها أخرى كما لا يخفى. وكذا
الحال في سائر الصيغ الانشائية والجمل الخبرية فإنه لا يكون غير الصفات المعروفة القائمة
بالنفس من الترجي والتمني والعلم... إلى غير ذلك صفة أخرى كانت قائمة بالنفس
وقد دل اللفظ عليها كما قيل:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما * جعل اللسان على الفؤاد دليلا
وقد انقدح مما حققناه
147

ما في استدلال الأشاعرة على المغايرة بالأمر مع عدم الإرادة كما في صورتي الاختبار
والاعتذار: من الخلل، فإنه كما لا إرادة حقيقية في الصورتين لا طلب كذلك
فيهما، والذي يكون فيهما إنما هو الطلب الانشائي الايقاعي الذي هو مدلول الصيغة
أو المادة ولم يكن بينا ولا مبينا في الاستدلال مغايرته مع الإرادة الانشائية،
(وبالجملة): الذي يتكفله الدليل ليس إلا الانفكاك بين الإرادة الحقيقية
والطلب المنشأ بالصيغة الكاشف عن مغايرتهما وهو مما لا محيص عن الالتزام به
- كما عرفت - ولكنه لا يضر بدعوى الاتحاد أصلا لمكان هذه المغايرة
والانفكاك بين الطلب الحقيقي والانشائي كما لا يخفى (ثم) إنه يمكن مما حققناه
ان يقع الصلح بين الطرفين ولم يكن نزاع في البين بان يكون المراد بحديث الاتحاد
ما عرفت من العينية مفهوما ووجودا حقيقيا وانشائيا ويكون المراد بالمغايرة والاثنينية
هو اثنينية الانشائي من الطلب - كما هو كثيرا ما يراد من إطلاق لفظه -
والحقيقي من الإرادة - كما هو المراد غالبا منها حين اطلاقها -
148

فيرجع النزاع لفظيا. فافهم (دفع وهم) لا يخفى انه ليس غرض الأصحاب
والمعتزلة من نفي غير الصفات المشهورة وأنه ليس صفة أخرى قائمة بالنفس كانت
كلاما نفسيا مدلولا للكلام اللفظي كما يقول به الأشاعرة أن هذه الصفات المشهورة
مدلولات للكلام " فان قلت ": فماذا يكون مدلولا عليه عند الأصحاب
والمعتزلة " قلت ": أما الجمل الخبرية فهي دالة على ثبوت النسبة بين طرفيها أو
نفيها في نفس الامر من ذهن أو خارج
149

كالانسان نوع أو كاتب. وأما الصيغ الانشائية فهي - على ما حققناه في بعض
فوائدنا - موجدة لمعانيها في نفس الامر، أي (قصد ثبوت معانيها وتحققها بها)
وهذا نحو من الوجود وربما يكون هذا منشأ لانتزاع اعتبار مترتب عليه شرعا وعرفا
آثار كما هو الحال في صيغ العقود والايقاعات (نعم) لا مضايقة في دلالة مثل صيغة
الطلب والاستفهام والترجي والتمني بالدلالة الالتزامية على ثبوت هذه الصفات حقيقة
إما لاجل وضعها لإيقاعها فيما إذا كان الداعي إليه ثبوت هذه الصفات أو انصراف
إطلاقها إلى هذه الصورة، فلو لم تكن هناك قرينة كان إنشاء الطلب أو الاستفهام
أو غيرهما بصيغتهما لاجل قيام الطلب والاستفهام وغيرهما بالنفس وضعا أو اطلاقا
(اشكال ودفع) أما الاشكال فهو انه يلزم - بناء على اتحاد الطلب والإرادة -
في تكليف الكفار بالايمان بل مطلق أهل العصيان في العمل بالأركان إما أن
لا يكون هناك تكليف
150

جدي إن لم يكن هناك إرادة حيث إنه لا يكون حينئذ طلب حقيقي، واعتباره في
الطلب الجدي ربما يكون من البديهي، وإن كان هناك إرادة
151

فكيف تتخلف عن المراد؟ ولا يكاد يتخلف (إذا أراد الله شيئا يقول له كن فيكون)
(واما الدفع) فهو ان استحالة التخلف إنما يكون في الإرادة التكوينية
152

وهو العلم بالنظام على النحو الكامل التام دون الإرادة التشريعية وهو العلم بالمصلحة
في فعل المكلف، وما لا محيص عنه في التكليف إنما هو هذه الإرادة التشريعية
لا التكوينية فإذا توافقتا فلا بد من الطاعة والايمان وإذا تخالفتا فلا محيص عن أن
يختار الكفر والعصيان (ان قلت): إذا كان الكفر والعصيان والطاعة والايمان
بإرادته تعالى التي لا تكاد تتخلف عن المراد فلا يصح ان يتعلق بها التكليف لكونها
خارجة عن الاختيار المعتبر فيه عقلا (قلت): إنما يخرج بذلك عن الاختيار لو لم
153

يكن تعلق الإرادة بها مسبوقة بمقدماتها الاختيارية، وإلا فلا بد من صدورها
بالاختيار والا لزم تخلف ارادته عن مراده تعالى عن ذلك علوا كبيرا (ان قلت):
إن الكفر والعصيان من الكافر والعاصي ولو كانا مسبوقين بإرادتهما الا انهما منتهيان
إلى مالا بالاختيار كيف وقد سبقهما الإرادة الأزلية والمشية الآلهية؟ ومعه كيف
تصح المؤاخذة على ما يكون بالآخرة بلا اختيار؟ (قلت): العقاب إنما يستتبعه
الكفر والعصيان التابعان للاختيار الناشئ عن مقدماته الناشئة عن شقاوتهما الذاتية
اللازمة لخصوص ذاتهما، فان السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه
154

والناس معادن كمعادن الذهب والفضة - كما في الخبر - والذاتي لا يعلل فانقطع سؤال انه
لم جعل السعيد سعيدا والشقي شقيا، فان السعيد سعيد بنفسه والشقي شقي كذلك،
وإنما أوجدهما الله تعالى (قلم اينجا رسيد وسر بشكست) قد انتهى الكلام في المقام
إلى ما ربما لا يسعه كثير من الافهام ومن الله الرشد والهداية وبه الاعتصام (وهم ودفع)
لعلك تقول إذا كانت الإرادة التشريعية منه تعالى عين علمه بصلاح الفعل لزم -
بناء على أن تكون عين الطلب - كون المنشأ بالصيغة في الخطابات الآلهية هو العلم وهو
بمكان من البطلان، لكنك غفلت
155

عن أن اتحاد الإرادة مع العلم بالصلاح إنما يكون خارجا لا مفهوما، وقد عرفت أن
المنشأ ليس إلا المفهوم لا الطلب الخارجي ولا غر واصلا في اتحاد الإرادة والعلم عينا
وخارجا، بل لا محيص عنه في جميع صفاته تعالى لرجوع الصفات إلى ذاته المقدسة
قال (أمير المؤمنين) صلوات الله وسلامه عليه: (وكمال توحيده الاخلاص له،
وكمال الاخلاص له نفى الصفات عنه)
الفصل الثاني
فيما يتعلق بصيغة الامر وفيه مباحث (الأول) أنه ربما يذكر للصيغة معان
قد استعملت فيها وقد عد منها الترجي والتمني والتهديد والانذار والإهانة والاحتقار
156

والتعجيز والتسخير... إلى غير ذلك. وهذا كما ترى ضرورة ان الصيغة ما استعملت
في واحد منها، بل لم تستعمل إلا في إنشاء الطلب إلا أن الداعي إلى ذلك كما يكون
تارة هو البعث والتحريك نحو المطلوب الواقعي يكون أخرى أحد هذه الأمور كما
لا يخفى، وقصارى ما يمكن أن يدعى أن تكون الصيغة موضوعة لانشاء الطلب
فيما إذا كان بداعي البعث والتحريك لا بداع آخر منها فيكون إنشاء الطلب بها بعثا
حقيقة وإنشاؤه بها
157

تهديدا مجازا وهذا غير كونها مستعملة في التهديد وغيره فلا تغفل (إيقاظ) لا يخفى
أن ما ذكرناه في صيغة الامر جار في سائر الصيغ الانشائية فكما يكون الداعي إلى
انشاء التمني أو الترجي أو الاستفهام بصيغها (تارة) هو ثبوت هذه الصفات حقيقة
يكون الداعي غيرها (أخرى) فلا وجه للالتزام بانسلاخ صيغها عنها واستعمالها في
غيرها إذا وقعت في كلامه تعالى لاستحالة مثل هذه المعاني في حقه تبارك وتعالى مما
لازمه العجز أو الجهل، وأنه لا وجه له فان المستحيل إنما هو الحقيقي منها لا الانشائي
الايقاعي الذي يكون بمجرد قصد حصوله بالصيغة كما عرفت، ففي كلامه تعالى
قد استعملت في معانيها الايقاعية الانشائية أيضا لا لاظهار ثبوتها حقيقة بل لامر آخر
- حسبما يقتضيه الحال - من إظهار المحبة أو الانكار أو التقرير... إلى غير ذلك
(ومنه) ظهر أن ما ذكر من المعاني الكثيرة لصيغة الاستفهام ليس كما ينبغي أيضا
(المبحث الثاني) في أن الصيغة
158

حقيقة في الوجوب أو في الندب أو فيهما أو في المشترك بينهما " وجوه " بل
" أقوال " لا يبعد تبادر الوجوب عند استعماله بلا قرينة، ويؤيده عدم صحة
الاعتذار عن المخالفة باحتمال إرادة الندب مع الاعتراف بعدم دلالته عليه بحال أو مقال
وكثرة الاستعمال فيه في الكتاب والسنة وغيرهما لا يوجب نقله إليه أو حمله عليه
لكثرة استعماله في الوجوب أيضا - مع أن الاستعمال وإن كثر فيه إلا أنه كان مع
القرينة المصحوبة، وكثرة الاستعمال
159

كذلك في المعنى المجازى لا يوجب صيرورته مشهورا فيه ليرجح أو يتوقف - على
الخلاف في المجاز المشهور - كيف وقد كثر استعمال العام في الخاص حتى قيل: ما من
عام إلا وقد خص، ولم ينثلم به ظهوره في العموم، بل يحمل عليه ما لم تقم قرينة
بالخصوص على إرادة الخصوص (المبحث الثالث) هل الجمل الخبرية التي تستعمل
في مقام الطلب والبعث مثل يغتسل ويتوضأ ويعيد ظاهرة في الوجوب؟ أولا لتعدد
المجازات فيها وليس الوجوب بأقواها بعد تعذر حملها
160

على معناها من الاخبار بثبوت النسبة والحكاية عن وقوعها الظاهر الأول، بل يكون
أظهر من الصيغة، ولكنه لا يخفى أنه ليست الجمل الخبرية الواقعة في ذلك المقام
" أي الطلب " مستعملة في غير معناها بل تكون مستعملة فيه إلا أنه ليس بداعي
الاعلام بل بداعي البعث بنحو آكد
161

حيث أنه أخبر بوقوع مطلوبه في مقام طلبه إظهارا بأنه لا يرضى إلا بوقوعه فيكون
آكد في البعث من الصيغة كما هو الحال في الصيغ الانشائية على ما عرفت من أنها
أبدا تستعمل في معانيها الايقاعية لكن بدواع أخر كما مر (لا يقال): كيف
ويلزم الكذب كثيرا لكثرة عدم وقوع المطلوب كذلك في الخارج تعالى الله
وأولياؤه عن ذلك علوا كبيرا (فإنه يقال): إنما يلزم الكذب إذا أتي بها
بداعي الاخبار والاعلام لا لداعي البعث، كيف وإلا يلزم الكذب في غالب الكنايات
فمثل: زيد كثير الرماد، أو مهزول الفصيل، لا يكون كذبا إذا قيل
كناية عن وجوده ولو لم يكن له رماد وفصيل أصلا، وإنما يكون كذبا إذا لم يكن
بجواد فيكون الطلب بالخبر في مقام التأكيد أبلغ فإنه مقال بمقتضى الحال. هذا
162

مع أنه إذا أتي بها في مقام البيان فمقدمات الحكمة مقتضية لحملها على الوجوب فان
تلك النكتة إن لم تكن موجبة لظهورها فيه فلا أقل من كونها موجبة لتعينه من بين
محتملات ما هو بصدده فان شدة مناسبة الاخبار بالوقوع مع الوجوب موجبة لتعين
ارادته إذا كان بصدد البيان مع عدم نصب قرينة خاصة على غيره (فافهم)
(المبحث الرابع) انه إذا سلم أن الصيغة لا تكون حقيقة في الوجوب هل لا
تكون ظاهرة فيه أيضا أو تكون؟ قيل بظهورها فيه إما لغلبة الاستعمال فيه أو لغلبة وجوده
163

أو أكمليته، والكل - كما ترى - ضرورة أن الاستعمال في الندب وكذا
وجوده ليس بأقل لو لم يكن بأكثر، وأما الأكملية فغير موجبة للظهور إذ الظهور
لا يكاد يكون الا لشدة أنس اللفظ بالمعنى بحيث يصير وجها له ومجرد الأكملية لا
يوجبه كما لا يخفى (نعم) فيما كان الآمر بصدد البيان فقضية مقدمات الحكمة
هو الحمل على الوجوب فان الندب كأنه يحتاج إلى مؤنة بيان التحديد والتقييد بعدم
المنع من الترك بخلاف الوجوب فإنه لا تحديد فيه للطلب ولا تقييد فاطلاق اللفظ
وعدم تقييده مع كون المطلق في مقام البيان كاف في بيانه فافهم (المبحث الخامس)
164

أن إطلاق الصيغة هل يقتضى كون الوجوب توصليا؟ فيجزئ إتيانه مطلقا ولو
بدون قصد القربة أولا؟ فلا بد من الرجوع فيما شك في تعبديته وتوصليته إلى الأصل
لا بد في تحقيق ذلك من تمهيد مقدمات (إحداها) الوجوب التوصلي هو ما كان الغرض منه
165

يحصل بمجرد حصول الواجب ويسقط بمجرد وجوده بخلاف التعبدي فان
الغرض منه لا يكاد يحصل بذلك بل لا بد في سقوطه وحصول غرضه من الاتيان به
متقربا به منه تعالى (ثانيتها) أن التقرب المعتبر في التعبدي (إن كان) بمعنى قصد
الامتثال والاتيان بالواجب بداعي أمره كان مما يعتبر في الطاعة عقلا لا مما أخذ في
نفس العبادة شرعا، وذلك لاستحالة أخذ ما لا يكاد يتأتى الا من قبل الامر بشئ
في متعلق ذاك الامر مطلقا شرطا أو شطرا
166

فما لم تكن نفس الصلاة متعلقة للامر لا يكاد يمكن اتيانها بقصد امتثال أمرها (وتوهم)
إمكان تعلق الامر بفعل الصلاة بداعي الامر وإمكان الاتيان بها بهذا الداعي
ضرورة امكان تصور الآمر لها مقيدة والتمكن من اتيانها كذلك بعد تعلق الامر
بها، والمعتبر من القدرة المعتبرة عقلا في صحة الامر إنما هو في حال الامتثال لا حال
167

الامر (واضح الفساد) ضرورة انه وان كان تصورها كذلك بمكان من الامكان
إلا أنه لا يكاد يمكن الاتيان بها بداعي أمرها لعدم الامر بها فان الامر حسب
الفرض تعلق بها مقيدة بداعي الامر ولا يكاد يدعو الامر الا إلى ما تعلق به لا إلى
غيره (ان قلت): نعم ولكن نفس الصلاة أيضا صارت مأمورة بها بالأمر بها
مقيدة (قلت): كلا لان ذات المقيد لا تكون مأمورا بها فان الجزء التحليلي العقلي
لا يتصف بالوجوب أصلا فإنه ليس إلا وجود واحد واجب بالوجوب النفسي كما ربما
يأتي في باب المقدمة
168

(ان قلت): نعم لكنه إذا أخذ قصد الامتثال شرطا، وأما إذا أخذ شطرا
فلا محالة نفس الفعل الذي تعلق الوجوب به مع هذا القصد يكون متعلقا للوجوب إذ
المركب ليس إلا نفس الاجزاء بالاسر ويكون تعلقه بكل بعين تعلقه بالكل ويصح
أن يؤتى به بداعي ذاك الوجوب ضرورة صحة الاتيان باجزاء الواجب بداعي وجوبه
(قلت): مع امتناع اعتباره كذلك فإنه يوجب تعلق الوجوب بامر غير اختياري
فان الفعل وان كان بالإرادة اختياريا الا ان ارادته حيث لا تكون بإرادة أخرى
وإلا لتسلسلت ليست باختيارية كما لا يخفى
169

انما يصح الاتيان بجزء الواجب بداعي وجوبه في ضمن اتيانه بهذا الداعي ولا يكاد
يمكن الاتيان بالمركب من قصد الامتثال بداعي امتثال أمره (ان قلت): نعم
لكن هذا كله إذا كان اعتباره في المأمور به بأمر واحد وأما إذا كان بأمرين تعلق
أحدهما بذات الفعل وثانيهما باتيانه بداعي أمره فلا محذور أصلا كما لا يخفى فللآمر
أن يتوسل بذلك في الوصلة إلى تمام غرضه ومقصده بلا منعة (قلت): - مضافا
إلى القطع بأنه ليس في العبادات إلا أمر واحد كغيرها
170

من الواجبات والمستحبات غاية الامر يدور مدار الامتثال وجودا وعدما فيها المثوبات
والعقوبات بخلاف ما عداها فيدور فيه خصوص المثوبات وأما العقوبة فمترتبة على ترك
الطاعة ومطلق الموافقة - ان الامر الأول إن كان يسقط بمجرد موافقته ولو لم يقصد
به الامتثال - كما هو قضية الامر الثاني -
171

فلا يبقى مجال لموافقة الثاني مع موافقة الأول بدون قصد امتثاله، فلا يتوسل الآمر
إلى غرضه بهذه الحيلة والوسيلة، وإن لم يكد يسقط بذلك فلا يكاد يكون له
وجه الا عدم حصول غرضه بذلك من أمره لاستحالة سقوطه مع عدم حصوله والا لما
كان موجبا لحدوثه، وعليه فلا حاجة في الوصول إلى غرضه إلى وسيلة تعدد الامر
لاستقلال العقل مع عدم حصول غرض الآمر بمجرد موافقة الامر بوجوب الموافقة
على نحو يحصل به غرضه فيسقط امره. هذا كله إذا كان التقرب المعتبر في العبادة بمعنى
قصد الامتثال،
172

واما إذا كان بمعنى الاتيان بالفعل بداعي حسنه أو كونه ذا مصلحة أو له تعالى فاعتباره
في متعلق الامر وان كان بمكان من الامكان إلا أنه غير معتبر فيه قطعا لكفاية
الاقتصار على قصد الامتثال الذي عرفت عدم امكان أخذه فيه بديهة، تأمل فيما
ذكرناه في المقام تعرف حقيقة المرام كيلا تقع فيما وقع فيه من الاشتباه بعض الاعلام
(ثالثها) انه إذا عرفت بما لا مزيد عليه عدم امكان أخذ قصد الامتثال في المأمور
173

به أصلا فلا مجال للاستدلال باطلاقه ولو كان مسوقا في مقام البيان
174

على عدم اعتباره كما هو أوضح من أن يخفى، فلا يكاد يصح التمسك به إلا فيما يمكن
اعتباره فيه، فانقدح بذلك انه لا وجه لاستظهار التوصلية من اطلاق الصيغة بمادتها
ولا لاستظهار عدم اعتبار مثل الوجه مما هو ناشئ من قبل الامر من اطلاق المادة في
العبادة لو شك في اعتبار فيها. نعم إذا كان الآمر في مقام بصدد بيان تمام ماله
دخل في حصول غرضه وإن لم يكن
175

له دخل في متعلق أمره ومعه سكت في المقام ولم ينصب دلالة على دخل قصد الامتثال
في حصوله كان هذا قرينة على عدم دخله في غرضه وإلا لكان سكوته نقضا له
وخلاف الحكمة، فلا بد عند الشك وعدم احراز هذا المقام من الرجوع إلى ما
يقتضيه الأصل ويستقل به العقل (فاعلم) أنه لا مجال هاهنا الا لأصالة الاشتغال
ولو قيل بأصالة البراءة فيما إذا دار الامر بين الأقل والأكثر الارتباطيين وذلك لان
الشك هاهنا في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم
176

مع استقلال العقل بلزوم الخروج عنها فلا يكون العقاب مع الشك وعدم احراز
الخروج عقابا بلا بيان والمؤاخذة عليه بلا برهان ضرورة أنه
177

بالعلم بالتكليف تصح المؤاخذة على المخالفة وعدم الخروج عن العهدة لو اتفق عدم
الخروج عنها بمجرد الموافقة بلا قصد القربة وهكذا الحال في كل ما شك في دخله في
الطاعة والخروج به عن العهدة مما لا يمكن اعتباره في المأمور به كالوجه والتمييز (نعم)
يمكن أن يقال: ان كل ما يحتمل بدوا دخله في الامتثال وكان مما يغفل عنه غالبا
العامة كان على الآمر بيانه ونصب قرينة على دخله واقعا وإلا لأخل بما هو همه
وغرضه، أما إذا لم ينصب دلالة على دخله كشف عن عدم دخله وبذلك يمكن
القطع بعدم دخل الوجه والتمييز في الطاعة بالعبادة حيث ليس منهما عين ولا أثر في
الاخبار والآثار وكانا مما يغفل عنه العامة وان احتمل اعتباره بعض الخاصة فتدبر
جيدا " ثم " إنه لا أظنك أن تتوهم وتقول: ان أدلة البراءة الشرعية مقتضية
لعدم الاعتبار وان كان قضية الاشتغال عقلا هو الاعتبار
178

لوضوح أنه لا بد في عمومها من شئ قابل للرفع والوضع شرعا وليس هاهنا فان
دخل قصد القربة ونحوها في الغرض ليس بشرعي بل واقعي ودخل الجزء
والشرط فيه وان كان كذلك إلا أنهما قابلان للوضع والرفع شرعا فدليل
الرفع ولو كان أصلا يكشف انه ليس هناك أمر فعلى بما يعتبر فيه المشكوك
يجب الخروج عن عهدته عقلا بخلاف المقام فإنه علم بثبوت الامر الفعلي كما عرفت فافهم
(المبحث السادس) قضية إطلاق الصيغة كون الوجوب نفسيا تعيينيا عينيا لكون كل
واحد مما يقابلها يكون فيه تقييد الوجوب وتضييق دائرته، فإذا كان في مقام البيان
ولم ينصب قرينة عليه فالحكمة تقتضي كونه مطلقا وجب هناك شئ آخر أولا أتي
بشئ آخر أولا أتى به آخر أولا
179

كما هو واضح لا يخفى (المبحث السابع) انه اختلف القائلون بظهور صيغة الامر في
الوجوب وضعا أو اطلاقا فيما إذا وقع عقيب الحظر أو في مقام توهمه على أقوال نسب
إلى المشهور ظهورها في الإباحة، والى بعض العامة ظهورها في الوجوب، والى
بعض تبعيته لما قبل النهى
180

ان علق الامر بزوال علة النهى... إلى غير ذلك (والتحقيق) أنه لا مجال للتشبث
بموارد الاستعمال فإنه قل مورد منها يكون خاليا عن قرينة على الوجوب أو الإباحة
أو التبعية، ومع فرض التجريد عنها لم يظهر بعد كون عقيب الحظر موجبا لظهورها في
غير ما تكون ظاهرة فيه غاية الامر يكون موجبا لاجمالها غير ظاهرة في واحد منها
الا بقرينة أخرى كما أشرنا (المبحث الثامن) الحق أن صيغة الامر مطلقا لا دلالة
لها على المرة ولا التكرار، فان المنصرف عنها ليس إلا طلب إيجاد الطبيعة المأمور بها
فلا دلالة لها على أحدهما لا بهيئتها ولا بمادتها، والاكتفاء بالمرة فإنما هو
181

لحصول الامتثال بها في الامر بالطبيعة كما لا يخفى (ثم) لا يذهب عليك أن الاتفاق
على أن المصدر المجرد عن اللام والتنوين لا يدل الا على الماهية - على ما حكاه
السكاكي - لا يوجب كون النزاع ههنا في الهيئة - كما في الفصول - فإنه غفلة
وذهول عن أن كون المصدر كذلك لا يوجب الاتفاق على أن مادة الصيغة لا تدل
إلا على الماهية، ضرورة أن المصدر ليس مادة لسائر المشتقات بل هو صيغة مثلها
182

كيف وقد عرفت في باب المشتق مباينة المصدر وسائر المشتقات بحسب المعنى؟ فكيف
بمعناه يكون مادة لها؟ فعليه يمكن دعوى اعتبار المرة أو التكرار في مادتها كما لا يخفى
(إن قلت): فما معنى ما اشتهر من كون المصدر أصلا في الكلام (قلت):
- مع أنه محل الخلاف - معناه أن الذي وضع أولا بالوضع الشخصي ثم بملاحظته وضع
نوعيا أو شخصيا سائر الصيغ التي تناسبه مما جمعه معه مادة لفظ متصورة في كل منها
ومنه بصورة ومعنى كذلك، هو المصدر أو الفعل فافهم (ثم) المراد بالمرة والتكرار
هل هو الدفعة والدفعات أو الفرد والافراد؟ والتحقيق أن يقعا بكلا المعنيين محل النزاع
183

وان كان لفظهما ظاهرا في المعنى الأول (وتوهم) أنه لو أريد بالمرة الفرد لكان
الأنسب بل اللازم أن يجعل هذا المبحث تتمة للمبحث الآتي من أن الامر هل يتعلق
بالطبيعة أو بالفرد؟ فيقال عند ذلك: وعلى تقدير تعلقه بالفرد هل يقتضي التعلق
بالفرد الواحد أو المتعدد أو لا يقتضي شيئا منهما؟ ولم يحتج إلى إفراد كل منهما
بالبحث - كما فعلوه - وأما لو أريد بها الدفعة فلا علقة بين المسألتين كما لا يخفى
(فاسد) لعدم العلقة بينهما لو أريد بها الفرد أيضا فان الطلب - على القول
بالطبيعة - إنما يتعلق بها باعتبار وجودها في الخارج ضرورة أن الطبيعة من حيث هي
184

ليست الا هي لا مطلوبة ولا غير مطلوبة، وبهذا الاعتبار كانت مرددة بين المرة
والتكرار بكلا المعنيين فيصح النزاع في دلالة الصيغة على المرة والتكرار بالمعنيين
وعدمها، أما بالمعنى الأول فواضح، وأما بالمعنى الثاني فلوضوح أن المراد من
الفرد أو الافراد وجود واحد أو وجودات، وإنما عبر بالفرد لان وجود الطبيعة
في الخارج هو الفرد غاية الامر خصوصيته وتشخصه - على القول بتعلق الامر
بالطبايع - يلازم المطلوب وخارج عنه بخلاف القول بتعلقه بالافراد فإنه مما يقومه
(تنبيه) لا إشكال - بناء على القول بالمرة - في الامتثال وأنه لا مجال للاتيان بالمأمور
به ثانيا على أن يكون أيضا به الامتثال فإنه من الامتثال بعد الامتثال (وأما) على
المختار من دلالته على طلب الطبيعة من دون دلالة على المرة ولا على التكرار فلا يخلو
الحال إما أن لا يكون هناك إطلاق الصيغة في مقام البيان بل في مقام الاهمال أو
الاجمال
185

فالمرجع هو الأصل، وإما أن يكون اطلاقها في ذاك المقام فلا اشكال في الاكتفاء
بالمرة في الامتثال، وإنما الاشكال في جواز أن لا يقتصر عليها فان لازم اطلاق
الطبيعة المأمور بها هو الاتيان بها مرة أو مرارا لا لزوم الاقتصار على المرة كما لا يخفى
(والتحقيق) أن قضية الاطلاق انما هو جواز الاتيان بها مرة في ضمن فرد أو
افراد فيكون ايجادها في ضمنها نحوا من الامتثال كايجادها في ضمن الواحد لا جواز
الاتيان بها مرة ومرات فإنه مع الاتيان بها مرة لا محالة يحصل الامتثال ويسقط به الامر
فيما إذا كان امتثال الامر علة تامة لحصول الغرض الأقصى بحيث يحصل بمجرده فلا يبقى
معه مجال لاتيانه ثانيا بداعي امتثال آخر أو بداعي أن يكون الاتيانان امتثالا واحدا
لما عرفت من حصول الموافقة باتيانها وسقوط الغرض معها وسقوط الامر بسقوطه
فلا يبقى مجال لامتثاله أصلا، وأما إذا لم يكن الامتثال علة تامة لحصول الغرض
186

كما إذا أمر بالماء ليشرب أو يتوضأ فأتى به ولم يشرب أو لم يتوضأ فعلا فلا يبعد
صحة تبديل الامتثال باتيان فرد آخر أحسن منه بل مطلقا كما كان له ذلك قبله على
ما يأتي بيانه في الاجزاء (المبحث التاسع) الحق انه لا دلالة للصيغة
187

لا على الفور ولا على التراخي (نعم) قضية إطلاقها جواز التراخي والدليل عليه
تبادر طلب ايجاد الطبيعة منها بلا دلالة على تقيدها بأحدهما فلا بد في التقييد من دلالة
أخرى كما ادعي دلالة غير واحد من الآيات على الفورية، وفيه منع الضرورة أن
سياق آية: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) وكذا آية: (واستبقوا الخيرات)
انما هو البعث نحو المسارعة إلى المغفرة والاستباق إلى الخير من دون استتباع تركهما
للغضب والشر ضرورة أن تركهما لو كان مستتبعا للغضب والشر كان البعث بالتحذير
عنهما أنسب كما لا يخفى " فافهم " مع لزوم كثرة تخصيصه في المستحبات وكثير من
الواجبات بل أكثرها فلا بد من حمل الصيغة فيهما على خصوص الندب أو مطلق
الطلب ولا يبعد دعوى استقلال العقل بحسن المسارعة والاستباق وكان ما ورد من
الآيات والروايات في مقام البعث نحوه ارشادا إلى ذلك كالآيات والروايات الواردة
في البعث على أصل الإطاعة فيكون الامر فيها لما يترتب على المادة بنفسها ولو لم يكن
188

هناك أمر بها كما هو الشأن في الأوامر الارشادية " فافهم " (تتمة) بناء
على القول بالفور فهل قضية الامر الاتيان فورا ففورا بحيث لو عصى لوجب عليه
الاتيان به فورا أيضا في الزمان الثاني أولا؟ وجهان مبنيان على أن مفاد الصيغة
- على هذا القول - هو وحدة المطلوب
189

أو تعدده ولا يخفى أنه لو قيل بدلالتها على الفورية لما كان لها دلالة على نحو المطلوب
من وحدته أو تعدده فتدبر جيدا
الفصل الثالث
الاتيان بالمأمور به على وجهه يقتضى الاجزاء في الجملة بلا شبهة، وقبل الخوض
في تفصيل المقام وبيان النقض والابرام ينبغي تقديم أمور (أحدها) الظاهر أن
المراد من (وجهه) في العنوان هو النهج الذي ينبغي أن يؤتى به على ذاك النهج شرعا
190

وعقلا مثل أن يؤتى به بقصد التقرب في العبادة، لا خصوص الكيفية المعتبرة في
المأمور به شرعا فإنه عليه يكون (على وجهه) قيدا - توضيحيا - وهو بعيد - مع أنه
يلزم خروج التعبديات عن حريم النزاع بناء على المختار كما تقدم من أن قصد القربة من
كيفيات الإطاعة عقلا لا من قيود المأمور به شرعا، ولا الوجه المعتبر عند بعض
الأصحاب فإنه - مع عدم اعتباره عند المعظم، وعدم اعتباره عند من اعتبره إلا في
خصوص العبادات لا مطلق الواجبات، لا وجه لاختصاصه به بالذكر على تقدير الاعتبار
فلا بد من إرادة ما يندرج فيه من المعنى وهو ما ذكرناه كما لا يخفى
191

(ثانيها) الظاهر أن المراد من الاقتضاء ههنا الاقتضاء بنحو العلية والتأثير لا بنحو
الكشف والدلالة، ولذا نسب إلى الاتيان لا إلى الصيغة (ان قلت): هذا
إنما يكون كذلك بالنسبة إلى أمره وأما بالنسبة إلى أمر آخر كالاتيان بالمأمور به
بالأمر الاضطراري أو الظاهري بالنسبة إلى الامر الواقعي فالنزاع في الحقيقة في دلالة
دليلهما على اعتباره بنحو يفيد الاجزاء أو بنحو آخر لا يفيده (قلت): نعم
لكنه لا ينافي كون النزاع فيها كان في الاقتضاء بالمعنى المتقدم غايته ان العمدة في سبب
الاختلاف فيهما انما هو الخلاف في دلالة دليلهما هل انه على نحو يستقل العقل بان
الاتيان به موجب للاجزاء ويؤثر فيه وعدم دلالته، ويكون النزاع فيه صغرويا
أيضا بخلافه في الاجزاء بالإضافة إلى أمره فإنه لا يكون الا كبرويا لو كان هناك نزاع
192

كما نقل عن بعض (فافهم) (ثالثها) الظاهر أن الاجزاء ههنا بمعناه لغة وهو
الكفاية وان كان يختلف ما يكفى عنه فان الاتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي يكفى
فيسقط به التعبد به ثانيا، وبالامر الاضطراري أو الظاهري الجعلي فيسقط به القضاء
لا أنه يكون ههنا اصطلاحا بمعنى اسقاط التعبد أو القضاء فإنه بعيد جدا
193

(رابعها) الفرق بين هذه المسألة ومسألة المرة والتكرار لا يكاد يخفى، فان البحث
ههنا في أن الاتيان بما هو المأمور به يجزئ عقلا بخلافه في تلك المسألة فإنه في تعيين ما هو
المأمور به شرعا بحسب دلالة الصيغة بنفسها أو بدلالة أخرى (نعم) كان التكرار
عملا موافقا لعدم الاجزاء لكنه لا بملاكه، وهكذا الفرق بينها وبين مسألة تبعية
القضاء للأداء فان البحث في تلك المسألة في دلالة الصيغة على التبعية وعدمها بخلاف
هذه المسألة فإنه كما عرفت في أن الاتيان بالمأمور يجزئ عقلا عن اتيانه ثانيا أداء أو
194

قضاء أولا يجزئ فلا علقة بين المسألة والمسئلتين أصلا (إذا) عرفت هذه الأمور
فتحقيق المقام يستدعي البحث والكلام في موضعين (الأول) أن الاتيان بالمأمور
به بالأمر الواقعي بل بالأمر الاضطراري أو الظاهري أيضا يجزئ عن التعبد به
ثانيا، لاستقلال العقل بأنه لا مجال مع موافقة الامر باتيان المأمور به على وجهه
لاقتضائه التعبد به ثانيا. نعم لا يبعد ان يقال بأنه يكون للعبد تبديل الامتثال والتعبد
به ثانيا بدلا عن التعبد به أولا لا منضما إليه كما أشرنا إليه في المسألة السابقة، وذلك
فيما علم أن مجرد امتثاله لا يكون علة تامة لحصول الغرض وان كان وافيا به لو اكتفى
195

به كما إذا أتى بماء امر به مولاه ليشربه فلم يشربه بعد فان الامر بحقيقته وملاكه لم
يسقط بعد ولذا لو أهرق الماء واطلع عليه العبد وجب عليه اتيانه ثانيا كما لم يأت
به أولا ضرورة بقاء طلبه ما لم يحصل غرضه الداعي إليه والا لما أوجب حدوثه فحينئذ
يكون له الاتيان بماء آخر موافق للامر كما كان له قبل اتيانه الأول بدلا عنه. نعم فيما
كان الاتيان علة تامة لحصول الغرض فلا يبقى موقع التبديل كما إذا أمر بإهراق الماء
في فمه لرفع عطشه فأهرقه، بل لو لم يعلم أنه من أي القبيل فله التبديل باحتمال أن لا
يكون علة فله إليه السبيل، ويؤيد ذلك بل يدل عليه ما ورد من الروايات في باب
إعادة من صلى فرادى جماعة وان الله تعالى يختار أحبهما إليه (الموضع الثاني) وفيه
مقامان (المقام الأول) في أن الاتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري هل يجزئ
عن الاتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي ثانيا بعد رفع الاضطرار في الوقت إعادة وفى
خارجه قضاء أولا يجزئ؟ تحقيق الكلام فيه يستدعي التكلم فيه (تارة) في بيان
ما يمكن ان يقع عليه الامر الاضطراري من الانحاء وبيان ما هو قضية كل منها من الاجزاء
وعدمه (وأخرى) في تعيين ما وقع عليه فاعلم أنه يمكن
196

أن يكون التكليف الاضطراري في حال الاضطرار كالتكليف الاختياري في حال
الاختيار وافيا بتمام المصلحة وكافيا فيما هو المهم والغرض ويمكن أن لا يكون وافيا به
كذلك بل يبقى منه شئ أمكن استيفاؤه أو لا يمكن، وما أمكن كان بمقدار يجب
تداركه أو يكون بمقدار يستحب، ولا يخفى انه ان كان وافيا به فيجزئ فلا يبقى
مجال أصلا للتدارك لا قضاء ولا إعادة، وكذا لو لم يكن وافيا ولكن لا يمكن
تداركه ولا يكاد يسوغ له البدار في هذه الصورة الا لمصلحة كانت فيه لما فيه من
نقض الغرض وتفويت مقدار من المصلحة لولا مراعاة ما هو فيه من الأهم فافهم
197

(لا يقال): عليه فلا مجال لتشريعه ولو بشرط الانتظار لامكان استيفاء الغرض
بالقضاء (فإنه يقال): هذا كذلك لولا المزاحمة بمصلحة الوقت، وأما تسويغ
البدار أو ايجاب الانتظار في الصورة الأولى فيدور مدار كون العمل بمجرد الاضطرار
مطلقا أو بشرط الانتظار أو مع اليأس عن طرؤ الاختيار ذا مصلحة ووافيا بالغرض،
وإن لم يكن وافيا وقد أمكن تدارك الباقي في الوقت أو مطلقا ولو بالقضاء خارج
198

الوقت فإن كان الباقي مما يجب تداركه فلا يجزئ فلا بد من ايجاب الإعادة أو
القضاء وإلا فاستحبابه ولا مانع عن البدار في الصورتين غاية الامر يتخير في الصورة
الأولى بين البدار والاتيان بعملين العمل الاضطراري في هذا الحال والعمل الاختياري
بعد رفع الاضطرار أو الانتظار والاقتصار باتيان ما هو تكليف المختار، وفي الصورة
الثانية يتعين عليه استحباب البدار واعادته بعد طروء الاختيار. هذا كله فيما يمكن
أن يقع عليه الاضطراري من الانحاء، وأما ما وقع عليه فظاهر إطلاق دليله مثل
قوله تعالى: (فان لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) وقوله (عليه السلام): (التراب
أحد الطهورين ويكفيك عشر سنين) هو الاجزاء وعدم وجوب الإعادة أو القضاء
ولا بد في ايجاب الاتيان به ثانيا من دلالة دليل بالخصوص (وبالجملة):
199

فالمتبع هو الاطلاق لو كان والا فالأصل وهو يقتضى البراءة من ايجاب الإعادة
لكونه شكا في أصل التكليف، وكذا عن ايجاب القضاء
201

بطريق أولى. نعم لو دل دليله على أن سببه فوت الواقع ولو لم يكن هو فريضة
كان القضاء واجبا عليه لتحقق سببه وان أتى بالغرض لكنه مجرد الفرض (المقام
الثاني) في إجزاء الاتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري وعدمه " والتحقيق " أن
ما كان منه يجري
202

في تنقيح ما هو موضوع التكليف وتحقيق متعلقه وكان بلسان تحقق ما هو شرطه أو
شطره كقاعدة الطهارة أو الحلية بل واستصحابهما
204

في وجه قوي ونحوها بالنسبة إلى كل ما اشترط بالطهارة أو الحلية يجزئ: فان دليله
206

يكون حاكما على دليل الاشتراط ومبينا لدائرة الشرط وانه أعم من الطهارة
الواقعية والظاهرية فانكشاف الخلاف فيه لا يكون موجبا لانكشاف فقدان العمل
لشرطه، بل بالنسبة إليه يكون من قبيل ارتفاعه من حين ارتفاع الجهل وهذا بخلاف
207

ما كان منها بلسان أنه ما هو الشرط واقعا - كما هو لسان الامارات - فلا يجزئ فان
دليل حجيته حيث كان بلسان انه واجد لما هو الشرط الواقعي فبارتفاع الجهل ينكشف
انه لم يكن كذلك بل كان لشرطه فاقدا. هذا على ما هو الأظهر الأقوى في الطرق
والامارات مع أن حجيتها ليست بنحو السببية، وأما بناء عليها وأن العمل بسبب
أداء امارة إلى وجدان شرطه أو شطره يصير حقيقة صحيحا كأنه واجد له مع كونه
فاقده فيجزئ لو كان الفاقد له في هذا الحال كالواجد في كونه وافيا بتمام الغرض،
ولا يجزئ لو لم يكن كذلك، ويجب الاتيان بالواجد لاستيفاء الباقي ان وجب وإلا
لاستحب هذا مع امكان استيفائه وإلا فلا مجال لاتيانه كما عرفت في الامر الاضطراري
208

ولا يخفى أن قضية إطلاق دليل الحجية - على هذا - هو الاجتزاء بموافقته أيضا.
هذا فيما إذا أحرز ان الحجية بنحو الكشف والطريقية أو بنحو الموضوعية والسببية،
وأما إذا شك ولم يحرز أنها على أي الوجهين فأصالة عدم الاتيان بها يسقط معه
التكليف مقتضية للإعادة في الوقت،
209

واستصحاب عدم كون التكليف بالواقع فعليا في الوقت لا يجدي ولا يثبت كون ما
اتي به مسقطا إلا على القول بالأصل المثبت
210

وقد علم اشتغال ذمته بما يشك في فراغها عنه بذلك المأتي. وهذا بخلاف ما إذا علم أنه
مأمور به واقعا وشك في أنه يجزئ عما هو المأمور به الواقعي الأولي كما في الأوامر
الاضطرارية أو الظاهرية بناء على أن يكون الحجية على نحو السببية فقضية الأصل فيها
- كما أشرنا إليه - عدم وجوب الإعادة للاتيان بما اشتغلت به الذمة يقينا وأصالة
عدم فعلية التكليف الواقعي بعد رفع الاضطرار وكشف الخلاف، وأما القضاء فلا
يجب بناء على أنه فرض جديد وكان الفوت المعلق عليه وجوبه لا يثبت بأصالة عدم
الاتيان
211

إلا على القول بالأصل المثبت والا فهو واجب كما لا يخفى على المتأمل فتأمل جيدا.
ثم إن هذا كله فيما يجري في متعلق التكاليف من الامارات الشرعية والأصول
العملية، وأما ما يجري في إثبات أصل التكليف كما إذا قام الطريق أو الأصل على
وجوب صلاة الجمعة يومها في زمان الغيبة فانكشف بعد أدائها وجوب صلاة الظهر في
زمانها فلا وجه لاجزائها مطلقا غاية الامر ان تصير صلاة الجمعة فيها أيضا ذات مصلحة
لذلك، ولا ينافي هذا بقاء صلاة الظهر على ما هي عليه من المصلحة كما لا يخفى
212

إلا أن يقوم دليل بالخصوص على عدم وجوب صلاتين في يوم واحد (تذنيبان)
(الأول) لا ينبغي توهم الاجزاء في القطع بالأمر في صورة الخطأ فإنه لا يكون
موافقة للامر فيها وبقي الامر بلا موافقة أصلا وهو أوضح من أن يخفى. نعم ربما
يكون ما قطع بكونه مأمورا به مشتملا على المصلحة في هذا الحال أو على مقدار منها
ولو في غير الحال غير ممكن مع استيفائه استيفاء الباقي منه ومعه لا يبقى مجال لامتثال
الامر الواقعي وهكذا الحال في الطرق فالاجزاء ليس لاجل اقتضاء امتثال الامر
القطعي أو الطريقي
213

للاجزاء بل انما هو لخصوصية اتفاقية في متعلقهما كما في الاتمام والقصر والاخفات
والجهر (الثاني): لا يذهب عليك أن الاجزاء في بعض موارد الأصول والطرق
والامارات على ما عرفت تفصيله لا يوجب التصويب المجمع على بطلانه في تلك الموارد
فان الحكم الواقعي بمرتبة محفوظ فيها، فان الحكم المشترك بين العالم والجاهل والملتفت
والغافل ليس إلا الحكم الانشائي المدلول عليه بالخطابات المشتملة على بيان الاحكام
للموضوعات بعناوينها الأولية بحسب ما يكون فيها من المقتضيات، وهو ثابت في
تلك الموارد كسائر موارد الامارات وإنما المنفى فيها ليس إلا الحكم الفعلي البعثي وهو
منفي في غير موارد الإصابة وإن لم نقل بالاجزاء، فلا فرق بين الاجزاء وعدمه
إلا في سقوط التكليف بالواقع بموافقة الامر الظاهري وعدم سقوطه بعد انكشاف
عدم الإصابة وسقوط التكليف بحصول غرضه أو لعدم امكان تحصيله غير التصويب
المجمع على بطلانه وهو خلو الواقعة عن الحكم غير ما أدت إليه الامارة
214

كيف وكان الجهل بها بخصوصيتها أو بحكمها مأخوذا في موضوعها فلا بد من أن يكون
الحكم الواقعي بمرتبة محفوظا فيها كما لا يخفى
فصل في مقدمة الواجب
وقبل الخوض في المقصود ينبغي رسم أمور (الأول) الظاهر أن المهم
المبحوث عنه في هذه المسألة البحث عن الملازمة بين وجوب الشئ ووجوب مقدمته
فتكون مسألة أصولية لا عن نفس وجوبها كما هو المتوهم من بعض العناوين كي تكون
فرعية، وذلك لوضوح أن البحث كذلك لا يناسب الأصولي، والاستطراد لا وجه
له بعد إمكان أن يكون البحث على وجه تكون من المسائل الأصولية ثم الظاهر أيضا أن
215

المسألة عقلية والكلام في استقلال العقل بالملازمة وعدمه لا لفظية كما ربما يظهر من
صاحب المعالم حيث استدل على النفي بانتفاء الدلالات الثلاث - مضافا إلى أنه ذكرها في
مباحث الألفاظ ضرورة انه إذا كان نفس الملازمة بين وجوب الشئ ووجوب
مقدمته ثبوتا محل الاشكال فلا مجال لتحرير النزاع في الاثبات والدلالة عليها باحدى
الدلالات الثلاث كما لا يخفى (الامر الثاني) انه ربما تقسم المقدمة إلى تقسيمات (منها)
تقسيمها إلى داخلية وهي الاجزاء المأخوذة في الماهية المأمور بها والخارجية وهي الأمور
الخارجة عن ماهيته مما لا يكاد يوجد بدونه (وربما) يشكل كون الاجزاء مقدمة له
وسابقة عليه بأن المركب ليس إلا نفس الاجزاء بأسرها (والحل) أن المقدمة هي
216

نفس الاجزاء بالاسر وذو المقدمة هو الاجزاء بشرط الاجتماع فيحصل المغايرة بينهما
وبذلك ظهر انه لا بد في اعتبار الجزئية من اخذ الشئ بلا شرط كما لا بد في اعتبار
الكلية من اعتبار اشتراط الاجتماع
217

وكون الاجزاء الخارجية كالهيولي والصورة هي الماهية المأخوذة بشرط لا، لا ينافي ذلك
فإنه انما يكون في مقام الفرق بين نفس الاجزاء الخارجية والتحليلية من الجنس والفصل
وان الماهية إذا اخذت بشرط لا تكون هيولى أو صورة وإذا اخذت لا بشرط
تكون جنسا أو فصلا
218

لا بالإضافة إلى المركب فافهم ثم لا يخفى أنه ينبغي خروج الاجزاء عن محل النزاع كما
صرح به بعض وذلك لما عرفت من كون الاجزاء بالأسر عين المأمور به ذاتا وانما
كانت المغايرة بينهما اعتبارا فتكون واجبة بعين وجوبه ومبعوثا إليها بنفس الامر
الباعث إليه فلا تكاد تكون واجبة بوجوب آخر لامتناع اجتماع المثلين ولو قيل
بكفاية تعدد الجهة وجواز اجتماع الأمر والنهي
219

معه لعدم تعددها هاهنا لان الواجب بالوجوب الغيرى - لو كان - إنما هو نفس
الاجزاء لا عنوان مقدميتها والتوسل بها إلى المركب المأمور به ضرورة ان الواجب
بهذا الوجوب ما كان بالحمل الشايع مقدمة لأنه المتوقف عليه لا عنوانها. نعم يكون
هذا العنوان علة لترشح الوجوب على المعنون، فانقدح بذلك فساد توهم اتصاف
كل جزء من اجزاء الواجب بالوجوب النفسي والغيري باعتبارين فباعتبار كونه في
ضمن الكل واجب نفسي وباعتبار كونه مما يتوسل به إلى الكل واجب غيري،
اللهم إلا أن يريد أن فيه ملاك الوجوبين وان كان واجبا بوجوب واحد نفسي
220

لسبقه (1) فتأمل هذا كله في المقدمة الداخلية واما المقدمة الخارجية فهي ما كان
خارجا عن المأمور به وكان له دخل في تحققه لا يكاد يتحقق بدونه وقد ذكر لها
أقسام وأطيل الكلام في تحديدها بالنقض والابرام الا انه غير مهم في المقام (ومنها)
تقسيمها إلى العقلية والشرعية والعادية، فالعقلية هي ما استحيل واقعا وجود ذي
المقدمة بدونه، والشرعية - على ما قيل - ما استحيل وجوده بدونه شرعا،
ولكنه لا يخفى رجوع الشرعية إلى العقلية ضرورة انه لا يكاد يكون مستحيلا

(1) وجهه انه لا يكون فيه أيضا ملاك الوجوب الغيرى حيث إنه لا وجود له
غير وجوده في ضمن الكل يتوقف على وجوده وبدونه لا وجه لكونه مقدمة كي
يجب بوجوبه أصلا كما لا يخفى، وبالجملة لا يكاد يجدي تعدد الاعتبار الموجب
للمغايرة بين الاجزاء والكل في هذا الباب وحصول ملاك الوجوب الغيرى المترشح
من وجوب ذي المقدمة عليها لو قيل بوجوبها فافهم منه قدس سره
221

ذلك شرعا إلا إذا أخذ فيه شرطا وقيدا واستحالة المشروط والمقيد بدون شرطه
وقيده يكون عقليا، وأما العادية فان كانت بمعنى أن يكون التوقف عليها بحسب
العادة بحيث يمكن تحقق ذيها بدونها إلا أن العادة جرت على الاتيان به بواسطتها،
فهي وإن كانت غير راجعة إلى العقلية إلا أنه لا ينبغي توهم دخولها في محل النزاع
(وإن كانت) بمعنى ان التوقف عليها وان كان فعلا واقعيا كنصب السلم ونحوه
للصعود على السطح - إلا أنه لاجل عدم التمكن عادة من الطيران الممكن عقلا
(فهي) أيضا راجعة إلى العقلية ضرورة - استحالة الصعود بدون مثل النصب
عقلا لغير الطاير فعلا وإن كان طيرانه ممكنا ذاتا (فافهم) " ومنها " تقسيمها
إلى مقدمة الوجود، ومقدمة الصحة، ومقدمة الوجوب.
222

ومقدمة العلم. لا يخفى رجوع مقدمة الصحة إلى مقدمة الوجود - ولو على القول
بكون الأسامي موضوعة للأعم - ضرورة أن الكلام في مقدمة الواجب لا في
مقدمة المسمى بأحدها كما لا يخفى، ولا اشكال في خروج مقدمة الوجوب عن محل
النزاع وبداهة عدم اتصافها بالوجوب من قبل الوجوب المشروط بها، وكذلك
المقدمة العلمية وان استقل العقل بوجوبها إلا أنه من باب وجوب الإطاعة ارشادا
ليؤمن من العقوبة على مخالفة الواجب المنجز لا مولويا
223

من باب الملازمة وترشح الوجوب عليها من قبل وجوب ذي المقدمة " ومنها " تقسيمها
إلى المتقدم والمقارن والمتأخر بحسب الوجود بالإضافة إلى ذي المقدمة وحيث أنها كانت
من أجزاء العلة - ولا بد من تقدمها بجميع أجزائها على المعلول - أشكل الامر
في المقدمة المتأخرة كالأغسال

(1) لان تأثير الشرط حال عدمه راجع إلى تأثير العدم وهو مقارن فينقلب المتأخر
متقدما ويكون وجود الشرط مانعا لما سيأتي فينقلب الشرط مانعا. منه مد ظله
224

الليلية المعتبرة في صحة صوم المستحاضة عند بعض، والإجازة في صحة العقد على
الكشف كذلك، بل في الشرط أو المقتضى المتقدم على المشروط زمانا المتصرم
حينه كالعقد في الوصية، والصرف والسلم، بل في كل عقد بالنسبة إلى غالب
اجزائه لتصرمها حين تأثيره مع ضرورة اعتبار مقارنتها معه زمانا، فليس إشكال
انخرام القاعدة العقلية مختصا بالشرط المتأخر في الشرعيات - كما اشتهر في الألسنة -
بل يعم الشرط والمقتضى المتقدمين المتصرمين حين الأثر (والتحقيق) في رفع
هذا الاشكال (أن يقال): إن الموارد التي توهم انخرام القاعدة فيها لا يخلو إما
يكون المتقدم والمتأخر شرطا للتكليف، أو الوضع، أو المأمور به (أما الأول)
فكون أحدهما شرطا له ليس إلا أن للحاظه دخلا في تكليف الآمر كالشرط المقارن
بعينه فكما أن اشتراطه بما يقارنه
225

ليس إلا أن لتصوره دخلا في أمره بحيث لولاه لما كاد يحصل له الداعي إلى الامر،
كذلك المتقدم أو المتأخر (وبالجملة) حيث كان الامر من الأفعال الاختيارية كان من
مبادئه - بما هو كذلك - تصور الشئ بأطرافه ليرغب في طلبه والامر به بحيث
لولاه لما رغب فيه ولما أراده واختاره فيسمى كل واحد من هذه الأطراف التي
لتصورها دخل في حصول الرغبة فيه وإرادته شرطا لاجل دخل لحاظه في حصوله
كان مقارنا له أو لم يكن كذلك متقدما أو متأخرا فكما في المقارن يكون لحاظه في
الحقيقة شرطا كان فيهما كذلك، فلا اشكال،
226

وكذا الحال في شرائط الوضع مطلقا - ولو كان مقارنا - فان دخل شئ في الحكم
به وصحة انتزاعه لدى الحاكم به ليس إلا ما كان بلحاظه يصح انتزاعه وبدونه
لا يكاد يصح اختراعه عنده فيكون دخل كل من المقارن وغيره بتصوره ولحاظه وهو
مقارن وأين انخرام القاعدة العقلية في غير المقارن؟ فتأمل تعرف (وأما الثاني)
فكون شئ شرطا للمأمور به ليس إلا ما يحصل لذات المأمور به بالإضافة إليه وجها
وعنوانا به يكون حسنا ومتعلقا للغرض بحيث لولاه لما كان كذلك، واختلاف
الحسن والقبح والغرض باختلاف الوجوه والاعتبارات الناشئة من الإضافات مما لا
شبهة فيه ولا شك يعتريه، والإضافة كما تكون إلى المقارن تكون إلى المتأخر أو
المتقدم بلا تفاوت أصلا كما لا يخفى على المتأمل، فكما تكون إضافة شئ إلى مقارن
له موجبا لكونه معنونا بعنوان يكون بذلك العنوان حسنا ومتعلقا للغرض كذلك
227

اضافته إلى متأخر أو متقدم، بداهة أن الإضافة إلى أحدهما ربما توجب ذلك أيضا
فلو لا حدوث المتأخر في محله لما كانت للمتقدم تلك الإضافة الموجبة لحسنه الموجب
لطلبه والامر به كما هو الحال في المقارن أيضا، ولذلك أطلق عليه الشرط مثله بلا
انخرام للقاعدة أصلا لان المتقدم أو المتأخر كالمقارن ليس إلا طرف الإضافة الموجبة
للخصوصية الموجبة للحسن، وقد حقق في محله أنه بالوجوه والاعتبارات، ومن
الواضح أنها تكون بالإضافات، فمنشأ توهم الانخرام اطلاق الشرط على المتأخر
وقد عرفت أن اطلاقه عليه فيه كاطلاقه على المقارن انما يكون لاجل كونه طرفا
للإضافة الموجبة للوجه الذي يكون بذلك الوجه مرغوبا ومطلوبا كما كان في الحكم
لاجل دخل تصوره فيه كدخل تصور سائر الأطراف والحدود التي لولا لحاظها لما
حصل له الرغبة في التكليف، أو لما صح عنده الوضع، وهذه خلاصة ما بسطناه
من المقال في دفع هذا الاشكال في بعض فوائدنا، ولم يسبقني أحد إليه فيما أعلم فافهم
229

واغتنم، ولا يخفى أنها بجميع أقسامها داخلة في محل النزاع وبناء على الملازمة يتصف
اللاحق بالوجوب كالمقارن والسابق إذ بدونه لا يكاد يحصل الموافقة ويكون سقوط
الامر باتيان المشروط به مراعى باتيانه فلولا اغتسالها بالليل - على القول
بالاشتراط - لما صح الصوم في اليوم (الامر الثالث) في تقسيمات الواجب " منها "
تقسيمه إلى المطلق والمشروط، وقد ذكر لكل منهما تعريفات وحدود تختلف
بحسب ما أخذ فيها من القيود وربما أطيل الكلام بالنقض والابرام في النقض على الطرد
والعكس مع أنها - كما لا يخفى - تعريفات لفظية لشرح الاسم، وليست بالحد ولا بالرسم
230

والظاهر أنه ليس لهم اصطلاح جديد في لفظ المطلق والمشروط، بل يطلق كل منهما
بما له من معناه العرفي، كما أن الظاهر أن وصفي الاطلاق والاشتراط وصفان إضافيان
لا حقيقيان والا لم يكد يوجد واجب مطلق ضرورة اشتراط وجوب كل واجب
ببعض الأمور لا أقل من الشرائط العامة كالبلوغ والعقل، فالحري أن يقال: إن
الواجب مع كل شئ يلاحظ معه (إن) كان وجوبه غير مشروط به (فهو)
مطلق بالإضافة إليه، وإلا فمشروط كذلك وان كان بالقياس إلى شئ آخر كانا
بالعكس ثم الظاهر أن الواجب المشروط كما أشرنا إليه أن نفس الوجوب فيه
مشروط بالشرط بحيث لا وجوب حقيقة ولا طلب واقعا قبل حصول الشرط
231

كما هو ظاهر الخطاب التعليقي ضرورة ان ظاهر خطاب: إن جاءك زيد فأكرمه،
كون الشرط من
232

قيود الهيئة وأن طلب الاكرام وايجابه معلق على المجئ لا أن الواجب فيه يكون
مقيدا به بحيث يكون الطلب والايجاب في الخطاب فعليا ومطلقا وإنما الواجب يكون
233

خاصا ومقيدا وهو الاكرام على تقدير المجئ فيكون الشرط من قيود المادة لا الهيئة
كما نسب ذلك لي شيخنا العلامة أعلى الله مقامه مدعيا لامتناع كون الشرط من قيود
الهيئة واقعا ولزوم كونه من قيود المادة لبا مع الاعتراف بأن قضية القواعد العربية
أنه من قيود الهيئة ظاهرا، أما امتناع كونه من قيود الهيئة فلانه لا إطلاق في
الفرد الموجود من الطلب المتعلق بالفعل المنشأ بالهيئة حتى يصح القول بتقييده بشرط
ونحوه فكل ما يحتمل رجوعه إلى الطلب الذي يدل عليه الهيئة فهو عند التحقيق راجع
إلى نفس المادة، وأما لزوم كونه من قيود المادة لبا فلان العاقل إذا توجه إلى شئ
والتفت إليه فاما ان يتعلق طلبه به أو لا يتعلق به طلبه أصلا، لا كلام على الثاني،
وعلى الأول فاما أن يكون ذاك الشئ موردا لطلبه وأمره مطلقا على اختلاف
طوارئه أو على تقدير خاص، وذلك التقدير (تارة) يكون من الأمور الاختيارية
(وأخرى) لا يكون كذلك، وما كان من الأمور الاختيارية قد يكون مأخوذا
فيه على نحو يكون موردا للتكليف، وقد لا يكون كذلك على اختلاف الأغراض
الداعية إلى طلبه والامر به من غير فرق في ذلك بين القول بتبعية الاحكام للمصالح
والمفاسد والقول بعدم التبعية كما لا يخفى هذا موافق لما افاده بعض الأفاضل المقرر
لبحثه بأدنى تفاوت، ولا يخفى ما فيه، أما حديث عدم الاطلاق في مفاد الهيئة
234

فقد حققناه سابقا أن كل واحد من الموضوع له والمستعمل فيه في الحروف يكون عاما
كوضعها وإنما الخصوصية من قبل الاستعمال كالأسماء، وإنما الفرق بينهما أنها وضعت
لتستعمل وقصد بها المعنى بما هو هو، والحروف وضعت لتستعمل وقصد بها معانيها
بما هي آلة وحالة لمعاني المتعلقات فلحاظ الآلية كلحاظ الاستقلالية ليس من طوارئ
المعنى بل من مشخصات الاستعمال كما لا يخفى على أولى الدراية والنهى، والطلب
المفاد من الهيئة المستعملة فيه مطلق قابل لان يقيد - مع أنه لو سلم أنه فرد فإنما يمنع
عن التقييد لو أنشئ أولا غير مقيد لا ما إذا أنشئ من الأول مقيدا غاية الامر قد دل
235

عليه بدالين وهو غير انشائه أولا ثم تقييده ثانيا فافهم (فان قلت) على ذلك يلزم
تفكيك الانشاء عن المنشأ حيث لا طلب قبل حصول الشرط (قلت): المنشأ
إذا كان هو الطلب على تقدير حصوله فلا بد أن لا يكون قبل حصوله طلب وبعث
والا لتخلف عن انشائه، وإنشاء أمر على تقدير كالاخبار به بمكان من الامكان
كما يشهد به الوجدان فتأمل جيدا، وأما حديث لزوم رجوع الشرط إلى المادة
لبا ففيه أن الشئ إذا توجه إليه وكان موافقا للغرض بحسب ما فيه من المصلحة
236

أو غيرها كما يمكن ان يبعث فعلا إليه ويطلبه حالا لعدم مانع عن طلبه كذلك يمكن
أن يبعث إليه معلقا ويطلبه استقبالا على تقدير شرط متوقع الحصول لاجل مانع عن
الطلب والبعث فعلا قبل حصوله فلا يصح منه الا الطلب والبعث معلقا بحصوله لا مطلقا
ولو متعلقا بذاك على التقدير، فيصح منه طلب الاكرام بعد مجئ زيد، ولا يصح
منه الطلب المطلق الحالي للاكرام المقيد بالمجئ هذا بناء على تبعية الاحكام لمصالح
فيها في غاية الوضوح، وأما بناء على تبعيتها للمصالح والمفاسد في المأمور بها والمنهى
عنها فكذلك، ضرورة ان التبعية كذلك انما تكون في الأحكام الواقعية بما هي واقعية
لا بما هي فعلية فان المنع عن فعلية تلك الأحكام غير عزيز
237

كما في موارد الأصول والامارات على خلافها وفي بعض الاحكام في أول البعثة بل
إلى يوم قيام القائم - عجل الله فرجه - مع أن حلال محمد صلى الله عليه وآله حلال إلى يوم
القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة، ومع ذلك ربما يكون المانع عن فعلية بعض
الاحكام باقيا مر الليالي والأيام إلى أن تطلع شمس الهداية ويرتفع الظلام كما يظهر
من الاخبار المروية عن الأئمة عيهم السلام (فان قلت): فما فائدة الانشاء
إذا لم يكون المنشأ به طلبا فعليا وبعثا حاليا (قلت): كفى فائدة له أنه يصير
بعثا فعليا بعد حصول الشرط بلا حاجة إلى خطاب آخر
238

بحيث لولاه
239

لما كان فعلا متمكنا من الخطاب هذا - مع شمول الخطاب كذلك للإيجاب فعلا بالنسبة
إلى الواجد للشرط فيكون بعثا فعليا بالإضافة إليه وتقديريا بالنسبة إلى الفاقد له فافهم
وتأمل جيدا. ثم الظاهر دخول المقدمات الوجودية للواجب المشروط في محل النزاع
أيضا فلا وجه لتخصيصه بمقدمات الواجب المطلق غاية الامر تكون في الاطلاق
والاشتراط تابعة لذي المقدمة كأصل الوجوب بناء على وجوبها من باب الملازمة وأما
الشرط المعلق عليه الايجاب في ظاهر الخطاب فخروجه مما لا شبهة فيه ولا ارتياب أما
على ما هو ظاهر المشهور والمنصور فلكونه مقدمة وجوبية، وأما على المختار لشيخنا
العلامة - أعلى الله مقامه - فلانه وان كان من المقدمات الوجودية للواجب الا
انه أخذ على نحو لا يكاد يترشح عليه الوجوب منه فإنه جعل الشئ واجبا على تقدير
حصول ذاك الشرط فمعه كيف يترشح عليه الوجوب ويتعلق به الطلب؟ وهل هو
إلا طلب الحاصل؟ نعم على مختاره - قدس سره - لو كانت له مقدمات وجودية
غير معلق عليها وجوبه لتعلق بها
240

بها الطلب في الحال على تقدير اتفاق وجود الشرط في الاستقبال وذلك لان ايجاب
ذي المقدمة على ذلك حالي والواجب إنما هو استقبالي كما يأتي في الواجب المعلق،
فان الواجب المشروط على مختاره هو بعينه ما اصطلح عليه صاحب الفصول من المعلق
فلا تغفل. هذا في غير المعرفة والتعلم من المقدمات، وأما المعرفة فلا يبعد القول
بوجوبها حتى في الواجب المشروط بالمعنى المختار قبل حصول شرطه لكنه لا بالملازمة
بل من باب استقلال العقل بتنجز الاحكام على الأنام بمجرد قيام احتمالها الا مع
الفحص واليأس عن الظفر بالدليل على التكليف فيستقل
241

بعده بالبراءة
242

وأن العقوبة على المخالفة بلا حجة وبيان والمؤاخذة عليها بلا برهان فافهم (تذنيب)
لا يخفى أن اطلاق الواجب على الواجب المشروط بلحاظ حال حصول الشرط على
الحقيقة مطلقا وأما بلحاظ حال قبل حصوله فكذلك على الحقيقة على مختاره - قدس
سره - في الواجب المشروط لان الواجب وان كان أمرا استقباليا عليه إلا أن
تلبسه بالوجوب في الحال ومجاز على المختار حيث لا تلبس بالوجوب عليه قبله كما عن
البهائي لتصريحه بأن لفظ الواجب مجاز في المشروط بعلاقة الأول أو المشارفة، وأما
الصيغة مع الشرط فهي حقيقة على كل حال لاستعمالها على مختاره - قدس سره -
في الطلب المطلق وعلى المختار في الطلب المقيد على نحو تعدد الدال والمدلول كما هو
الحال فيما إذا أريد منها المطلق المقابل للمقيد لا المبهم المقسم فافهم (ومنها) تقسيمه
إلى المعلق والمنجز قال في الفصول: إنه ينقسم باعتبار آخر إلى ما يتعلق وجوبه
بالمكلف ولا يتوقف حصوله على أمر غير مقدور له
243

كالمعرفة وليسم منجزا والى ما يتعلق وجوبه به فيتوقف حصوله على أمر غير مقدور له
وليسم معلقا كالحج فان وجوبه يتعلق بالمكلف من أول زمن الاستطاعة أو خروج
الرفقة ويتوقف فعله على مجئ وقته وهو غير مقدور له، والفرق بين هذا النوع
وبين الواجب المشروط هو أن التوقف هناك للوجوب وهنا للفعل. انتهى كلامه
رفع مقامه، لا يخفى أن شيخنا العلامة أعلا الله مقامه حيث اختار في الواجب
المشروط ذاك المعنى وجعل الشرط لزوما من قيود المادة ثبوتا واثباتا حيث ادعى
امتناع كونه من قيود الهيئة كذلك أي اثباتا وثبوتا على خلاف القواعد العربية
وظاهر المشهور كما يشهد به ما تقدم آنفا عن البهائي أنكر على الفصول هذا التقسيم
ضرورة أن المعلق بما فسره يكون من المشروط بما اختار له من المعنى على ذلك كما هو
واضح حيث لا يكون حينئذ هناك معنى آخر معقول كان هو المعلق المقابل للمشروط
ومن هنا انقدح أنه في الحقيقة إنما أنكر الواجب المشروط بالمعنى الذي يكون هو
ظاهر المشهور والقواعد العربية لا الواجب المعلق بالتفسير المذكور، وحيث قد عرفت
بما لا مزيد عليه إمكان رجوع الشرط إلى الهيئة كما هو ظاهر القواعد وظاهر المشهور
244

فلا يكون مجال لانكاره عليه. نعم يمكن أن يقال: إنه لا وقع لهذا التقسيم لأنه
بكلا قسميه من المطلق المقابل للمشروط، وخصوصية كونه حاليا أو استقباليا لا يوجبه
ما لم يوجب الاختلاف في المهم والا لكثر تقسيماته لكثرة الخصوصيات ولا اختلاف
فيه فان ما رتبه عليه من وجوب المقدمة فعلا كما يأتي انما هو من أثر اطلاق وجوبه
وحاليته لا من استقبالية الواجب فافهم (ثم) إنه ربما حكي عن بعض أهل النظر
من أهل العصر اشكال في الواجب المعلق وهو ان الطلب والايجاب انما يكون بإزاء
الإرادة المحركة للعضلات نحو المراد فكما لا تكاد تكون الإرادة منفكة عن المراد
فليكن الايجاب غير منفك عما يتعلق به فكيف يتعلق بأمر استقبالي؟ فلا يكاد يصح
الطلب والبعث فعلا نحو أمر متأخر (قلت): فيه أن الإرادة تتعلق بامر متأخر
استقبالي كما تتعلق بأمر حالي وهو أوضح من أن يخفى على عاقل فضلا عن فاضل،
ضرورة أن تحمل المشاق في تحصيل المقدمات فيما إذا كان
245

المقصود بعيد المسافة وكثير المؤنة ليس إلا لاجل تعلق ارادته به، وكونه مريدا له
قاصدا إياه لا يكاد يحمله على التحمل الا ذلك، ولعل الذي أوقعه في الغلط ما قرع
سمعه من تعريف الإرادة بالشوق المؤكد المحرك للعضلات نحو المراد وتوهم أن
تحريكها نحو المتأخر مما لا يكاد، وقد غفل عن أن كونه محركا نحوه يختلف حسب
اختلافه في كونه مما لا مؤنة له كحركة نفس العضلات أو مما له مؤنة ومقدمات قليلة
أو كثيرة، فحركة العضلات تكون أعم من أن تكون بنفسها مقصودة أو مقدمة
له، والجامع أن يكون نحو المقصود، بل مرادهم من هذا الوصف في تعريف
الإرادة بيان مرتبة الشوق الذي يكون هو الإرادة وإن لم يكن هناك فعلا تحريك
لكون المراد وما اشتاق إليه كمال الاشتياق أمرا استقباليا غير محتاج إلى تهيئة مؤنة
أو تمهيد مقدمة
246

ضرورة أن شوقه إليه ربما يكون أشد من الشوق المحرك فعلا نحو أمر حالي أو استقبالي
محتاج إلى ذلك. هذا - مع أنه لا يكاد يتعلق البعث إلا بأمر متأخر عن زمان
البعث ضرورة أن البعث إنما يكون لاحداث الداعي للمكلف إلى المكلف به بأن يتصوره بما
يترتب عليه من المثوبة وعلى تركه من العقوبة، ولا يكاد يكون هذا إلا بعد البعث
بزمان فلا محالة يكون البعث نحو أمر متأخر عنه بالزمان ولا يتفاوت طوله وقصره فيما هو ملاك
الاستحالة والامكان في نظر العقل الحاكم في هذا الباب، ولعمري ما ذكرناه واضح لا سترة عليه
والاطناب إنما هو لاجل رفع المغالطة الواقعة في أذهان بعض الطلاب (وربما) أشكل
على المعلق أيضا بعدم القدرة على المكلف به في حال البعث مع أنها من الشرائط
العامة (وفيه) أن الشرط إنما هو القدرة على الواجب في زمانه لا في زمان الايجاب
والتكليف غاية الامر يكون من باب الشرط المتأخر وقد عرفت بما لا مزيد عليه انه
كالمقارن من غير انخرام للقاعدة العقلية أصلا فراجع (ثم) لا وجه
247

لتخصيص المعلق بما يتوقف حصوله على أمر غير مقدور، بل ينبغي تعميمه إلى
امر مقدور متأخر أخذ على نحو لا يكون موردا للتكليف ويترشح عليه الوجوب
من الواجب

(1) إشارة إلى أن الزمان المأخوذ قيدا في الواجب كسائر القيود إذا كان
خارجا عن الاختيار يمتنع تعلق الإرادة بالمقيد به لان تعلق الإرادة بالمقيد به يستلزم
تعلقها به أعني بالمقيد المستلزم تعلق الإرادة بما هو خارج عن الاختيار وهو ممتنع
من دون فرق بين الإرادة النفسية والغيرية، وانما يصح تعلق الإرادة بالمقيد
به بعد حصول القيد، ومنه يظهر ان شرطية القدرة للإرادة ليست بنحو الشرط
المتأخر بل هي بالإضافة إلى نفس المراد أو بالإضافة إلى بعض المقدمات من الشرط
المقارن، فتأمل جيدا (منه مد ظله)
248

لعدم تفاوت فيما يهمه من وجوب تحصيل المقدمات التي لا يكاد يقدر عليها في زمان
الواجب على المعلق دون المشروط لثبوت الوجوب الحالي فيه فيترشح منه الوجوب
على المقدمة - بناء على الملازمة - دونه لعدم ثبوته فيه إلا بعد الشرط (نعم)
لو كان الشرط على نحو الشرط المتأخر وفرض وجوده كان الوجوب المشروط به
حاليا أيضا فيكون وجوب سائر المقدمات الوجودية للواجب أيضا حاليا، وليس
الفرق بينه وبين المعلق حينئذ إلا كونه مرتبطا بالشرط بخلافه وان ارتبط به الواجب
(تنبيه) قد انقدح من مطاوي ما ذكرناه أن المناط في فعلية وجوب المقدمة
الوجودية وكونه في الحال بحيث يجب على المكلف تحصيلها هو فعلية وجوب ذيها ولو
كان أمرا استقباليا كالصوم في الغد، والمناسك في الموسم كان وجوبه (مشروطا)
249

بشرط موجود أخذ فيه ولو متأخرا " أو مطلقا " منجزا كان أو معلقا فيما إذا لم يكن
مقدمة للوجوب أيضا أو مأخوذة في الواجب على نحو يستحيل أن يكون موردا
للتكليف كما إذا أخذ عنوانا للمكلف كالمسافر والحاضر والمستطيع... إلى غير ذلك
أو جعل الفعل المقيد باتفاق حصوله وتقدير وجوده بلا اختيار أو باختياره موردا
للتكليف، ضرورة أنه لو كان مقدمة الوجوب أيضا لا يكاد يكون هناك وجوب
الا بعد حصوله وبعد الحصول يكون وجوبه طلب الحاصل، كما أنه إذا اخذ على
أحد النحوين يكون كذلك فلو لم يحصل لما كان الفعل موردا للتكليف ومع حصوله
لا يكاد يصح تعلقه به (فافهم) إذا عرفت ذلك فقد عرفت أنه لا اشكال أصلا في
250

لزوم الاتيان بالمقدمة قبل زمان الواجب إذا لم يقدر عليه بعد زمانه فيما كان وجوبه
حاليا مطلقا ولو كان مشروطا بشرط متأخر كان معلوم الوجود فيما بعد كما لا يخفى،
ضرورة فعلية وجوبه وتنجزه بالقدرة عليه بتمهيد مقدمته فيترشح منه الوجوب عليها
- على الملازمة - ولا يلزم منه محذور وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها وانما اللازم
الاتيان بها قبل الاتيان به، بل لزوم الاتيان بها عقلا ولو لم نقل بالملازمة لا يحتاج
إلى مزيد بيان ومؤنة برهان كالاتيان بسائر المقدمات في زمان الواجب قبل اتيانه،
فانقدح بذلك أنه لا ينحصر التفصي عن هذه العويصة بالتعلق بالتعليق أو بما يرجع
إليه من جعل الشرط من قيود المادة في المشروط، فانقدح بذلك انه لا اشكال في
الموارد التي يجب في الشريعة الاتيان بالمقدمة قبل زمان الواجب كالغسل في الليل في
شهر رمضان وغيره
251

مما وجب عليه الصوم في الغد إذ يكشف به بطريق الآن عن سبق وجوب الواجب،
وإنما المتأخر هو زمان اتيانه ولا محذور فيه أصلا، ولو فرض العلم بعدم سبقه
لاستحال اتصاف مقدمته بالوجوب الغيري فلو نهض دليل على وجوبها فلا محالة يكون
وجوبها نفسيا ولو تهيؤا ليتهيأ باتيانها ويستعد لايجاب ذي المقدمة عليه فلا محذور أيضا
(ان قلت): لو كان وجوب المقدمة في زمان كاشفا عن سبق وجوب ذي المقدمة
لزم وجوب جميع مقدماته ولو موسعا وليس كذلك بحيث يجب عليه المبادرة لو فرض
252

عدم تمكنه منها لو لم يبادر (قلت): لا محيص عنه إلا إذا اخذ في الواجب من
قبل سائر المقدمات قدرة خاصة وهي القدرة عليه بعد مجئ زمانه لا القدرة عليه
في زمانه من زمان وجوبه فتدبر جدا (تتمة) قد عرفت اختلاف القيود في
وجوب التحصيل وكونه موردا للتكليف وعدمه فان علم حال القيد فلا اشكال،
وإن دار أمره ثبوتا بين أن يكون راجعا إلى الهيئة نحو الشرط المتأخر أو المقارن وأن
يكون راجعا إلى المادة على نهج يجب تحصيله أو لا يجب، فإن كان في مقام الاثبات ما يعين
حاله وأنه راجع إلى أيهما من القواعد العربية فهو وإلا فالمرجع هو الأصول العملية
وربما قيل في الدوران بين الرجوع إلى الهيئة أو المادة بترجيح الاطلاق في طرف
الهيئة وتقييد المادة بوجهين " أحدهما " أن اطلاق الهيئة يكون شموليا كما في شمول
العام لافراده فان وجوب الاكرام على تقدير الاطلاق
253

يشمل جميع التقادير التي يمكن أن يكون تقديرا له، واطلاق المادة يكون بدليا غير
شامل لفردين في حالة واحدة (ثانيهما) ان تقييد الهيئة يوجب بطلان محل الاطلاق
في المادة ويرتفع به مورده بخلاف العكس وكلما دار الامر بين تقييدين كذلك كان
التقييد الذي يوجب بطلان الآخر أولى (أما الصغرى) فلأجل انه لا يبقى مع
تقييد الهيئة محل حاجة وبيان لاطلاق المادة لأنها لا محالة لا تنفك عن وجود قيد الهيئة
بخلاف تقييد المادة فان محل الحاجة إلى اطلاق الهيئة على حاله فيمكن الحكم بالوجوب
على تقدير وجود القيد وعدمه (واما الكبرى) فلان التقييد وإن لم يكن مجازا إلا أنه
خلاف الأصل، ولا فرق في الحقيقة بين تقييد الاطلاق وبين أن يعمل عملا
يشترك مع التقييد في الأثر
254

وبطلان العمل به، وما ذكرناه من الوجهين موافق لما افاده بعض مقرري بحث
الاستاد العلامة (أعلى الله مقامه) وأنت خبير بما فيهما (اما في الأول) فلان مفاد
اطلاق الهيئة وان كان شموليا بخلاف المادة إلا أنه لا يوجب ترجيحه على اطلاقها
لأنه أيضا كان بالاطلاق ومقدمات الحكمة غاية الامر أنها تارة تقتضي العموم الشمولي
وأخرى البدلي كما ربما يقتضى التعيين أحيانا كما لا يخفى، وترجيح عموم العام على
اطلاق المطلق إنما هو لاجل كون دلالته بالوضع لا لكونه شموليا بخلاف المطلق فإنه
بالحكمة فيكون العام أظهر منه فيقدم عليه، فلو فرض أنهما في ذلك على العكس
255

فكان عام بالوضع دل على العموم البدلي ومطلق باطلاقه دل على الشمول لكان العام
يقدم بلا كلام (واما في الثاني) فلان التقييد وان كان خلاف الأصل إلا أن العمل
الذي يوجب عدم جريان مقدمات الحكمة وانتفاء بعض مقدماته لا يكون على خلاف الأصل
أصلا إذ معه لا يكون هناك اطلاق كي يكون بطلان العمل به في الحقيقة مثل التقييد
الذي يكون على خلاف الأصل (وبالجملة) لا معنى لكون التقييد خلاف الأصل
الا كونه خلاف الظهور المنعقد للمطلق ببركة مقدمات الحكمة ومع انتفاء المقدمات
لا يكاد ينعقد له هناك ظهور ليكون ذاك العمل المشارك مع التقييد في الأثر وبطلان
العمل باطلاق المطلق مشاركا معه في خلاف الأصل أيضا وكأنه توهم أن اطلاق المطلق
كعموم العام ثابت ورفع اليد عن العمل به تارة لاجل التقييد وأخرى بالعمل المبطل
للعمل به، وهو فاسد لأنه لا يكون اطلاق إلا فيما جرت هناك المقدمات. نعم إذا كان
التقييد بمنفصل ودار الامر بين الرجوع إلى المادة أو الهيئة كان لهذا التوهم مجال
256

حيث انعقد للمطلق اطلاق وقد استقر له ظهور ولو بقرينة الحكمة فتأمل (ومنها)
تقسيمه إلى النفسي والغيري وحيث كان طلب شئ وايجابه لا يكاد يكون بلا
داع فإن كان الداعي فيه هو التوصل به إلى واجب لا يكاد يمكن التوصل
بدونه إليه لتوقفه عليه فالواجب غيرى، وإلا فهو نفسي سواء كان الداعي
محبوبية الواجب بنفسه كالمعرفة بالله تعالى، أو محبوبيته بما له من فائدة مترتبة عليه
كأكثر الواجبات من العبادات والتوصليات. هذا لكنه لا يخفى أن الداعي لو كان
هو محبوبيته كذلك (أي بما له من الفائدة المترتبة عليه) كان الواجب في الحقيقة
واجبا غيريا فإنه لو لم يكن وجود هذه الفائدة لازما لما دعا إلى ايجاب ذي الفائدة
257

(فان قلت): نعم وإن كان وجودها محبوبا لزوما إلا أنه حيث كانت من
الخواص المترتبة على الأفعال التي ليست داخلة تحت قدرة المكلف لما كاد يتعلق
بهذا الايجاب (قلت): بل هي داخلة تحت القدرة لدخول أسبابها تحتها، والقدرة
على السبب قدرة على المسبب وهو واضح، وإلا لما صح وقوع مثل التطهير والتمليك
والتزويج والطلاق والعتاق إلى غير ذلك من المسببات موردا لحكم من الأحكام
التكليفية (فالأولى) أن يقال: إن الأثر المترتب عليه وإن كان لازما إلا أن
ذا الأثر لما كان معنونا بعنوان حسن يستقل العقل بمدح فاعله بل ويذم تاركه صار
متعلقا للإيجاب بما هو كذلك، ولا ينافيه كونه مقدمة لامر مطلوب واقعا بخلاف
الواجب الغيرى لتمحض وجوبه في أنه لكونه مقدمة لواجب نفسي، وهذا أيضا
258

لا ينافي أن يكون معنونا بعنوان حسن في نفسه الا انه لا دخل له في ايجابه الغيرى
ولعله مراد من فسرهما بما أمر به لنفسه وما أمر به لاجل غيره فلا يتوجه عليه
الاعتراض بان جل الواجبات لولا الكل يلزم أن يكون من الواجبات
الغيرية فان المطلوب النفسي قل ما يوجد في الأوامر فان جلها مطلوبات لاجل الغايات
التي هي خارجة عن حقيقتها فتأمل (ثم) إنه لا إشكال فيما إذا علم بأحد القسمين
وأما إذا شك في واجب انه نفسي أو غيرى فالتحقيق أن الهيئة وان كانت
موضوعة لما يعمهما الا ان اطلاقها يقتضى كونه نفسيا فإنه لو كان شرطا لغيره لوجب
التنبيه عليه على المتكلم الحكيم (وأما) ما قيل من أنه لا وجه للاستناد إلى اطلاق
الهيئة لدفع الشك المذكور بعد كون مفادها الافراد التي لا يعقل فيها التقييد. نعم
لو كان مفاد الامر هو مفهوم الطلب صح القول بالاطلاق لكنه بمراحل من الواقع
إذ لا شك في اتصاف الفعل بالمطلوبية بالطلب المستفاد من الامر، ولا يعقل اتصاف
المطلوب بالمطلوبية بواسطة مفهوم الطلب فان الفعل يصير مرادا بواسطة تعلق واقع
259

الإرادة وحقيقتها لا بواسطة مفهومها. ذلك واضح لا يعتريه ريب (ففيه) أن
مفاد الهيئة - كما مرت الإشارة إليه - ليس الافراد بل هو مفهوم الطلب كما عرفت
تحقيقه في وضع الحروف ولا يكاد يكون فرد الطلب الحقيقي والذي يكون بالحمل
الشايع طلبا والا لما صح إنشاؤه بها ضرورة انه من الصفات الخارجية الناشئة من الأسباب
الخاصة. نعم ربما يكون هو السبب لانشائه كما يكون غيره أحيانا واتصاف الفعل بالمطلوبية
الواقعية والإرادة الحقيقية الداعية إلى ايقاع طلبه وانشاء ارادته بعثا نحو مطلوبه الحقيقي
وتحريكا إلى مراده الواقعي لا ينافي اتصافه بالطلب الانشائي أيضا والوجود الانشائي لكل
شئ ليس إلا قصد حصول مفهومه بلفظه كان هناك طلب حقيقي أو لم يكن، بل كان إنشاؤه
بسبب آخر، ولعل منشأ الخلط والاشتباه تعارف التعبير عن مفاد الصيغة بالطلب المطلق
260

فتوهم منه أن مفاد الصيغة يكون طلبا حقيقيا يصدق عليه الطلب بالحمل الشايع، ولعمري
انه من قبيل اشتباه المفهوم بالمصداق، فالطلب الحقيقي إذا لم يكن قابلا للتقييد
لا يقتضي أن لا يكون مفاد الهيئة قابلا له وان تعارف تسميته بالطلب أيضا، وعدم
تقييده بالانشائي لوضوح إرادة خصوصه وأن الطلب الحقيقي لا يكاد ينشأ بها كما لا
يخفى. فانقدح بذلك صحة تقييد مفاد الصيغة بالشرط كما مر هاهنا بعض الكلام
وقد تقدم في مسألة اتحاد الطلب والإرادة ما يجدي في المقام. هذا إذا كان هناك
اطلاق وأما إذا لم يكن فلا بد من الاتيان به فيما إذا كان التكليف بما احتمل كونه
شرطا له فعليا للعلم بوجوبه فعلا وإن لم يعلم جهة وجوبه وإلا فلا، لصيرورة الشك
فيه بدويا كما لا يخفى (تذنيبان) الأول: لا ريب
261

في استحقاق الثواب على امتثال الامر النفسي وموافقته واستحقاق العقاب على عصيانه
ومخالفته عقلا، وأما استحقاقهما على امتثال الغيرى ومخالفته ففيه اشكال وان كان
التحقيق عدم الاستحقاق على موافقته ومخالفته بما هو موافقة ومخالفة ضرورة استقلال
العقل بعدم الاستحقاق إلا لعقاب واحد أو لثواب كذلك فيما خالف الواجب
ولم يأت بواحدة من مقدماته على كثرتها أو وافقه وأتاه بما له من المقدمات. نعم
لا بأس باستحقاق العقوبة على المخالفة عند ترك المقدمة وبزيادة المثوبة على الموافقة فيما
لو أتى بالمقدمات
262

بما هي مقدمات له من باب أنه يصير حينئذ من أفضل الاعمال حيث صار أشقها،
وعليه ينزل ما ورد في الاخبار من الثواب على المقدمات، أو على التفضل فتأمل
جيدا، وذلك لبداهة أن موافقة الامر الغيرى بما هو أمر لا بما هو شروع في
إطاعة الامر النفسي لا يوجب قربا ولا مخالفته بما هو كذلك بعدا والمثوبة والعقوبة
انما يكونان من تبعات القرب والبعد (اشكال ودفع) أما الأول فهو أنه إذا
كان الامر الغيري - بما هو - لا إطاعة له ولا قرب في موافقته ولا مثوبة على امتثاله
فكيف حال بعض المقدمات كالطهارات حيث لا شبهة في حصول الإطاعة والقرب
والمثوبة بموافقة امرها؟ هذا - مضافا إلى أن الامر الغيرى لا شبهة في كونه توصليا
263

وقد اعتبر في صحتها اتيانها بقصد القرية، وأما الثاني فالتحقيق أن يقال: إن المقدمة
فيها بنفسها مستحبة وعبادة وغاياتها إنما تكون متوقفة على إحدى هذه العبادات فلا بد
أن يؤتى بها عبادة والا فلم يؤت بما هو مقدمة لها، فقصد القربة فيها انما هو لاجل
كونها في نفسها أمورا عبادية ومستحبات نفسية لا لكونها مطلوبات غيرية،
والاكتفاء بقصد أمرها الغيرى فإنما هو لاجل انه يدعو إلى ما هو كذلك في نفسه
حيث إنه لا يدعو الا إلى ما هو المقدمة فافهم وقد تفصي عن الاشكال
264

بوجهين آخرين (أحدهما) ما ملخصه أن الحركات الخاصة ربما لا تكون محصلة لما هو
المقصود منها من العنوان الذي يكون بذاك العنوان مقدمة وموقوفا عليها فلا بد في
اتيانها بذاك العنوان من قصد أمرها لكونه لا يدعو الا إلى ما هو موقوف عليه
فيكون عنوانا اجماليا ومرآة لها فاتيان الطهارات عبادة وإطاعة لأمرها ليس لاجل
أن امرها المقدمي يقضي بالاتيان كذلك، بل إنما كان لاجل إحراز نفس العنوان
الذي يكون بذاك العنوان موقوفا عليها (وفيه) مضافا إلى أن ذلك لا يقتضي
الاتيان بها كذلك لامكان الإشارة إلى عناوينها التي تكون بتلك العناوين موقوفا
عليها بنحو آخر ولو بقصد أمرها وصفا
266

لا غاية وداعيا بل كان الداعي إلى هذه الحركات الموصوفة بكونها مأمورا بها شيئا آخر
غير أمرها، غير واف بدفع إشكال ترتب المثوبة عليها كما لا يخفى (ثانيهما)
ما محصله ان لزوم وقوع الطهارات عبادة إنما يكون لاجل ان الغرض من الامر
النفسي بغاياتها كما لا يكاد يحصل بدون قصد التقرب بموافقته كذلك لا يحصل ما لم
يؤت بها كذلك لا باقتضاء أمرها الغيرى (وبالجملة) وجه لزوم اتيانها عبادة إنما
هو لاجل ان الغرض في الغايات لا يحصل الا باتيان خصوص الطهارات من بين
مقدماتها أيضا بقصد الإطاعة (وفيه) أيضا أنه غير واف بدفع اشكال ترتب المثوبة
عليها (واما) ما ربما قيل في تصحيح اعتبار قصد الإطاعة في العبادات: من الالتزام
بأمرين أحدهما كان متعلقا بذات العمل والثاني باتيانه بداعي امتثال الأول (لا يكاد)
يجدي في تصحيح اعتبارها في الطهارات إذ لو لم تكن بنفسها مقدمة لغاياتها لا يكاد
267

يتعلق بها امر من قبل الامر بالغايات فمن أين يجيئ طلب آخر من سنخ الطلب
الغيرى متعلق بذاتها ليتمكن به من المقدمة في الخارج؟ هذا مع أن في هذا الالتزام
ما في تصحيح اعتبار قصد الطاعة في العبادة على ما عرفته مفصلا سابقا فتذكر (الثاني)
انه قد انقدح مما هو التحقيق في وجه اعتبار قصد القربة في الطهارات صحتها ولو لم
يؤت بها قصد التوصل بها إلى غاية من غاياتها. نعم لو كان المصحح لاعتبار قصد
القربة فيها أمرها الغيري لكان قصد الغاية مما لا بد منه في وقوعها صحيحة فان
الامر الغيرى لا يكاد يمتثل الا إذا قصد التوصل إلى الغير حيث لا يكاد يصير داعيا
الا مع هذا القصد، بل في الحقيقة يكون هو الملاك لوقوع المقدمة عبادة ولو لم يقصد
أمرها بل ولو لم نقل بتعلق الطلب بها أصلا، وهذا هو السر في اعتبار قصد التوصل
في وقوع المقدمة عبادة (لا ما توهم) من أن المقدمة إنما تكون مأمورا بها بعنوان
268

المقدمية فلا بد عند إرادة الامتثال بالمقدمة من قصد هذا العنوان، وقصدها كذلك
لا يكاد يكون بدون قصد التوصل إلى ذي المقدمة بها، فإنه فاسد جدا، ضرورة ان
عنوان المقدمية ليس بموقوف عليه الواجب ولا بالحمل الشايع مقدمة له وإنما كان
المقدمة هو نفس المعنونات بعناوينها الأولية والمقدمية إنما تكون علة لوجوبها (الامر
الرابع) لا شبهة في أن وجوب المقدمة - بناء على الملازمة - يتبع في الاطلاق
والاشتراط وجوب ذي المقدمة كما أشرنا إليه في مطاوي كلماتنا ولا يكون مشروطا
بإرادته كما يوهمه ظاهر عبارة صاحب المعالم - رحمه الله - في بحث الضد قال: وأيضا
فحجة القول بوجوب المقدمة على تقدير تسليمها إنما ينهض دليلا على الوجوب في
حال كون المكلف مريدا للفعل المتوقف عليها كما لا يخفى على من أعطاها حق النظر
وأنت خبير بأن نهوضها على التبعية واضح لا يكاد يخفى وان كان نهوضها على أصل
الملازمة لم يكن
269

بهذه المثابة كما لا يخفى، وهل يعتبر في وقوعها على صفة الوجوب أن يكون الاتيان
بها بداعي التوصل بها إلى ذي المقدمة؟ كما يظهر مما نسبه إلى شيخنا العلامة - أعلى
الله مقامه - بعض أفاضل مقرري بحثه، أو ترتب ذي المقدمة عليها بحيث لو لم
يترتب عليها يكشف عن عدم وقوعها على صفة الوجوب - كما زعمه صاحب الفصول
قدس سره - أولا يعتبر في وقوعها كذلك شئ منهما الظاهر عدم الاعتبار أما
عدم اعتبار قصد التوصل فلأجل ان الوجوب لم يكن بحكم العقل الا لاجل المقدمية
والتوقف وعدم دخل قصد التوصل
270

فيه واضح، ولذا اعترف بالاجتزاء بما لم يقصد به ذلك في غير المقدمات العبادية
لحصول ذات الواجب فيكون تخصيص الوجوب بخصوص ما قصد به التوصل من
المقدمة بلا مخصص فافهم. نعم إنما اعتبر ذلك في الامتثال لما عرفت من انه لا يكاد
يكون الآتي بها بدونه ممتثلا لأمرها وآخذا في امتثال الامر بذيها فيثاب بثواب
أشق الاعمال فيقع الفعل المقدمي على صفة الوجوب ولو لم يقصد به التوصل كسائر
الواجبات التوصلية لا على حكمه السابق الثابت له لولا عروض صفة توقف الواجب
الفعلي المنجز عليه، فيقع الدخول في ملك الغير واجبا إذا كان مقدمة لانقاذ غريق
271

أو إطفاء حريق واجب فعلي لا حراما وإن لم يلتفت إلى التوقف والمقدمية غاية الامر
يكون حينئذ متجرئا فيه كما أنه مع الالتفات يتجرأ بالنسبة إلى ذي المقدمة فيما لم
يقصد التوصل إليه أصلا، وأما إذا قصده ولكنه لم يأت بها بهذا الداعي بل بداع
آخر أكده بقصد التوصل فلا يكون متجرئا أصلا (وبالجملة) يكون التوصل بها
إلى ذي المقدمة من الفوائد المترتبة على المقدمة الواجبة لا أن يكون قصده قيدا وشرطا
لوقوعها على صفة الوجوب لثبوت ملاك الوجوب في نفسها بلا دخل له فيه أصلا والا
272

لما حصل ذات الواجب ولما سقط الوجوب به كما لا يخفى، ولا يقاس على ما إذا أتى
بالفرد المحرم منها حيث يسقط به الوجوب مع أنه ليس بواجب وذلك لان الفرد
المحرم انما يسقط به الوجوب لكونه كغيره في حصول الغرض به بلا تفاوت أصلا
إلا أنه لاجل وقوعه على صفة الحرمة لا يكاد يقع على صفة الوجوب وهذا بخلاف
ما ها هنا فإنه إن كان كغيره مما يقصد به التوصل في حصول الغرض فلا بد ان يقع
على صفة الوجوب مثله لثبوت المقتضي فيه بلا مانع والا لما كان يسقط به الوجوب
ضرورة والتالي باطل بداهة فيكشف هذا عن عدم اعتبار قصده في الوقوع على
صفة الوجوب قطعا وانتظر لذلك مهمة توضيح، والعجب أنه شدد النكير على
القول بالمقدمة الموصلة واعتبار ترتب ذي المقدمة عليها في وقوعها على صفة الوجوب
على ما حرره بعض مقرري بحثه - قدس سره - بما يتوجه على اعتبار قصد التوصل
273

في وقوعها كذلك فراجع تمام كلامه - زيد في علو مقامه - وتأمل في نقضه وإبرامه
وأما عدم اعتبار ترتب ذي المقدمة عليها في وقوعها على صفة الوجوب فلانه لا يكاد
يعتبر في الواجب الا ما له دخل في غرضه الداعي إلى ايجابه والباعث على طلبه وليس
الغرض من المقدمة الا
274

حصول ما لولاه لما أمكن حصول ذي المقدمة ضرورة انه لا يكاد يكون الغرض
الا ما يترتب عليه من فائدته وأثره ولا يترتب على المقدمة الا ذلك ولا تفاوت فيه
بين ما يترتب عليه الواجب وما لا يترتب عليه أصلا وانه لا محالة يترتب عليهما كما
لا يخفى. وأما ترتب الواجب فلا يعقل أن يكون الغرض الداعي إلى ايجابها
والباعث على طلبها فإنه ليس بأثر تمام المقدمات فضلا عن إحداها في غالب الواجبات
فان الواجب الا ما قل في الشرعيات والعرفيات فعل اختياري
275

يختار المكلف تارة اتيانه بعد وجود تمام مقدماته وأخرى عدم اتيانه فكيف يكون
اختيار اتيانه غرضا من ايجاب كل واحدة من مقدماته مع عدم ترتبه على عامتها فضلا
عن كل واحدة منها (نعم) فيما كان الواجب من الأفعال التسبيبية والتوليدية
كان مترتبا لا محالة على تمام مقدماته لعدم تخلف المعلول عن علته، ومن هنا قد
انقدح أن القول بالمقدمة الموصلة يستلزم انكار وجوب المقدمة في غالب الواجبات
والقول بوجوب خصوص العلة التامة في خصوص الواجبات التوليدية (فان قلت):
276

ما من واجب الا وله علة تامة ضرورة استحالة وجود الممكن بدونها فالتخصيص بالواجبات
التوليدية بلا مخصص (قلت): نعم وان استحال صدور الممكن بلا علة الا ان مبادئ
اختيار الفعل الاختياري من اجزاء علته وهي لا يكاد تتصف بالوجوب لعدم كونها
بالاختيار والا لتسلسل - كما هو واضح لمن تأمل - ولأنه لو كان معتبرا فيه
الترتب لما كان الطلب يسقط بمجرد الاتيان بها من دون انتظار لترتب الواجب عليها
بحيث لا يبقى في البين
277

الا طلبه وايجابه كما إذا لم تكن هذه بمقدمة أو كانت حاصلة من الأول قبل ايجابه
- مع أن الطلب لا يكاد يسقط الا بالموافقة أو العصيان والمخالفة أو بارتفاع موضوع
التكليف كما في سقوط الامر بالكفن أو الدفن بسبب غرق الميت أحيانا أو حرقه
ولا يكون الاتيان بها - بالضرورة - من هذه الأمور غير الموافقة (ان قلت): كما
يسقط الامر في تلك الأمور كذلك يسقط بما ليس بالمأمور به فيما يحصل به الغرض
منه كسقوطه في التوصليات بفعل الغير أو المحرمات (قلت): نعم لكن لا محيص
عن أن يكون ما يحصل به الغرض من الفعل الاختياري للمكلف متعلقا للطلب فيما لم
يكن فيه مانع وهو كونه بالفعل محرما، ضرورة أنه لا يكون بينهما تفاوت أصلا
فكيف يكون أحدهما متعلقا له فعلا دون الآخر؟ وقد استدل صاحب الفصول على
ما ذهب إليه بوجوه
278

حيث قال - بعد بيان أن التوصل بها إلى الواجب من قبيل شرط الوجود لها لا من
قبيل شرط الوجوب ما هذا لفظه -: والذي يدلك على هذا - يعنى الاشتراط
بالتوصل - أن وجوب المقدمة لما كان من باب الملازمة العقلية فالعقل لا يدل عليه زائدا
على القدر المذكور، وأيضا لا يأبى العقل أن يقول الآمر الحكيم: أريد الحج وأريد
المسير الذي يتوصل به إلى فعل الواجب دون ما لم يتوصل به إليه بل الضرورة قاضية
بجواز تصريح الآمر بمثل ذلك كما أنها قاضية بقبح التصريح بعدم مطلوبيتها له
مطلقا أو على تقدير التوصل بها إليه وذلك آية عدم الملازمة بين وجوبه ووجوب
مقدماته على تقدير عدم التوصل بها إليه، وأيضا حيث أن المطلوب بالمقدمة مجرد
التوصل بها إلى الواجب وحصوله فلا جرم يكون التوصل بها إليه وحصوله معتبرا في
مطلوبيتها فلا تكون مطلوبة إذا انفكت عنه وصريح الوجدان قاض بأن من يريد
شيئا بمجرد حصول شئ آخر لا يريده إذا وقع مجردا عنه ويلزم منه أن يكون وقوعه
على الوجه المطلوب منوطا بحصوله. انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه،
279

وقد عرفت بما لا مزيد عليه أن العقل الحاكم بالملازمة دل على وجوب مطلق المقدمة
لا خصوص ما إذا ترتب عليها الواجب فيما لم يكن هناك مانع عن وجوبه كما إذا كان
بعض مصاديقه محكوما فعلا بالحرمة لثبوت مناط الوجوب حينئذ في مطلقها وعدم
اختصاصه بالمقيد بذلك منها، وقد انقدح منه أنه ليس للآمر الحكيم غير المجازف
بالقول ذلك التصريح وان دعوى أن الضرورة قاضية بجوازه مجازفة كيف يكون ذا
مع ثبوت الملاك في الصورتين بلا تفاوت أصلا كما عرفت؟ (نعم) إنما يكون
التفاوت بينهما في حصول المطلوب النفسي في إحداهما وعدم حصوله في الأخرى من
دون دخل لها في ذلك أصلا، بل كان بحسن اختيار المكلف وسوء اختياره، وجاز
للآمر أن يصرح بحصول هذا المطلوب في إحداهما وعدم حصوله في الأخرى،
وحيث أن الملحوظ بالذات هو هذا المطلوب وانما كان الواجب الغيرى ملحوظا
اجمالا بتبعه كما يأتي أن وجوب المقدمة على الملازمة تبعي جاز في صورة عدم حصول
المطلوب النفسي التصريح بعدم حصول المطلوب أصلا لعدم التفاوت إلى ما حصل من
المقدمة فضلا عن كونها مطلوبة كما جاز التصريح بحصول الغيرى مع عدم فائدته لو
التفت إليها كما لا يخفى فافهم (ان قلت): لعل التفاوت بينهما في صحة اتصاف
إحداهما بعنوان الموصلية دون الأخرى أوجب التفاوت بينهما في المطلوبية وعدمها
280

وجواز التصريح بهما وإن لم يكن بينهما تفاوت في الأثر كما مر (قلت): إنما
يوجب ذلك تفاوتا فيهما لو كان ذلك لاجل تفاوت في ناحية المقدمة لا فيما إذا لم يكن
في ناحيتها أصلا كما ههنا ضرورة أن الموصلية إنما تنتزع من وجود الواجب وترتبه
عليها من دون اختلاف في ناحيتها وكونها في كلتا الصورتين على نحو واحد وخصوصية
واحدة ضرورة ان الاتيان بالواجب بعد الاتيان بها بالاختيار تارة وعدم الاتيان
به كذلك أخرى لا يوجب تفاوتا فيها كما لا يخفى، وأما ما أفاده قدس سره من أن
مطلوبية المقدمة حيث كانت بمجرد التوصل بها فلا جرم يكون التوصل بها إلى
الواجب معتبرا فيها ففيه انه انما كانت مطلوبيتها لاجل عدم التمكن من التوصل بدونها
لا لاجل التوصل بها لما عرفت من أنه ليس من آثارها بل مما يترتب عليه أحيانا بالاختيار
بمقدمات أخرى وهي مبادئ اختياره ولا يكاد يكون مثل ذا غاية لمطلوبيتها وداعيا إلى
إيجابها وصريح الوجدان إنما يقضى بأن ما أريد لاجل غاية وتجرد عن الغاية بسبب
عدم حصول سائر ما له دخل في حصولها يقع على ما هو عليه من المطلوبية الغيرية كيف
وإلا يلزم أن يكون وجودها من قيوده ومقدمة لوقوعه على نحو تكون الملازمة بين
وجوبه بذاك النحو ووجوبها وهو - كما ترى - ضرورة أن الغاية لا تكاد
تكون قيدا لذي الغاية بحيث كان تخلفها موجبا لعدم وقوع ذي الغاية على ما هو
عليه من المطلوبية الغيرية والا يلزم أن تكون مطلوبة بطلبه كسائر قيوده فلا يكون
281

وقوعه على هذه الصفة منوطا بحصولها كما افاده، ولعل منشأ توهمه خلطه بين الجهة
التقييدية والتعليلية هذا مع ما عرفت من عدم التخلف ههنا وأن الغاية إنما هو حصول
ما لولاه لما تمكن من التوصل إلى المطلوب النفسي فافهم واغتنم. ثم إنه
282

لا شهادة على الاعتبار في صحة منع المولى عن مقدماته بأنحائها الا فيما إذا رتب عليه
الواجب لو سلم أصلا ضرورة أنه وإن لم يكن الواجب منها حينئذ غير المواصلة إلا أنه
ليس لاجل اختصاص الوجوب بها في باب المقدمة، بل لاجل المنع عن غيرها لمانع
عن الاتصاف بالوجوب ها هنا كما لا يخفى - مع أن في صحة المنع عنه كذلك نظرا
وجهه أنه يلزم أن لا يكون ترك الواجب حينئذ مخالفة وعصيانا لعدم التمكن شرعا
منه لاختصاص جواز مقدمته بصورة الاتيان به
283

(وبالجملة): يلزم أن يكون الايجاب مختصا بصورة الاتيان لاختصاص جواز
المقدمة بها وهو محال فإنه يكون (1) من طلب الحاصل المحال فتدبر جيدا (بقي
شئ) وهو أن

(1) حيث كان الايجاب فعلا متوقفا على جواز المقدمة شرعا وجوازها
كذلك كان متوقفا على ايصالها المتوقف على الاتيان بذي المقدمة بداهة فلا محيص
إلا عن كون ايجابه على تقدير الاتيان به وهو من طلب الحاصل الباطن.
(منه قدس سره)
284

ثمرة القول بالمقدمة الموصلة هو تصحيح العبادة التي يتوقف على تركها فعل الواجب
بناء على كون ترك الضد مما يتوقف عليه فعل ضده فان تركها - على هذا القول -
لا يكون مطلقا واجبا ليكون فعلها محرما فتكون فاسدة، بل فيما يترتب عليه الضد
الواجب ومع الاتيان بها لا يكاد يكون هناك ترتب فلا يكون تركها مع ذلك واجبا
فلا يكون فعلها منهيا عنه فلا تكون فاسدة، وربما أورد على تفريع هذه الثمرة بما
حاصله أن فعل الضد وإن لم يكن نقيضا للترك الواجب مقدمة بناء على المقدمة الموصلة
إلا أنه لازم لما هو من أفراد النقيض حيث أن نقيض ذاك الترك الخاص رفعه
285

وهو أعم من الفعل والترك الآخر المجرد وهذا يكفي في اثبات الحرمة والا لم يكن
الفعل المطلق محرما فيما إذا كان الترك المطلق واجبا لان الفعل أيضا ليس نقيضا للترك
لأنه أمر وجودي ونقيض الترك انما هو رفعه ورفع الترك انما يلازم الفعل مصداقا
وليس عينه فكما أن هذه الملازمة تكفي في اثبات الحرمة لمطلق الفعل فكذلك
تكفي في المقام غاية الامر أن ما هو النقيض في مطلق الترك انما ينحصر مصداقه في
الفعل فقط وأما النقيض للترك الخاص فله فردان وذلك لا يوجب فرقا فيما نحن بصدده
كما لا يخفى (قلت): وأنت خبير بما بينهما من الفرق فان الفعل في الأول
لا يكون إلا مقارنا لما هو النقيض من رفع الترك المجامع معه تارة ومع الترك المجرد
286

أخرى ولا يكاد يسرى حرمة الشئ إلى ما يلازمه فضلا عما يقارنه أحيانا. نعم
لا بد أن لا يكون الملازم محكوما فعلا بحكم آخر على خلاف حكمه إلا أن يكون
محكوما بحكمه وهذا بخلاف الفعل في الثاني فإنه بنفسه يعاند الترك المطلق وينافيه لا
ملازم لمعانده ومنافيه فلو لم يكن عين ما يناقضه بحسب الاصطلاح مفهوما لكنه متحد
معه عينا وخارجا فإذا كان الترك واجبا فلا محالة يكون الفعل منهيا عنه قطعا فتدبر
جيدا
287

(ومنها) تقسيمه إلى الأصلي والتبعي، والظاهر أن يكون هذا التقسيم (بلحاظ)
الأصالة والتبعية في الواقع ومقام الثبوت حيث يكون الشئ تارة متعلقا للإرادة
والطلب مستقلا للالتفات إليه بما هو عليه مما يوجب طلبه فيطلبه كان طلبه نفسيا أو
غيريا وأخرى متعلقا للإرادة تبعا لإرادة غيره لاجل كون ارادته لازمة لإرادته من
دون التفات إليه بما يوجب ارادته (لا بلحاظ) الأصالة والتبعية في مقام الدلالة
والاثبات
288

فإنه يكون في هذا المقام تارة مقصودا بالإفادة وأخرى غير مقصود بها على حدة إلا أنه
لازم الخطاب كما في دلالة الإشارة ونحوها. وعلى ذلك فلا شبهة في انقسام
الواجب الغيري إليهما واتصافه بالأصالة والتبعية كلتيهما حيث يكون متعلقا للإرادة
على حدة عند الالتفات إليه بما هو مقدمة، وأخرى لا يكون متعلقا لها كذلك عند
عدم الالتفات إليه كذلك فإنه يكون لا محالة مرادا تبعا لإرادة ذي المقدمة على
الملازمة، كما لا شبهة في اتصاف النفسي أيضا بالأصالة ولكنه لا يتصف بالتبعية
ضرورة أنه لا يكاد يتعلق به الطلب النفسي ما لم يكن فيه مصلحة نفسية ومعها يتعلق
الطلب بها مستقلا ولو لم يكن هناك شئ آخر مطلوب أصلا كما لا يخفى. نعم لو كان
الاتصاف بهما بلحاظ الدلالة اتصف النفسي بهما أيضا ضرورة انه قد يكون غير
مقصود بالإفادة بل أفيد بتبع غيره المقصود بها لكن الظاهر - كما مر - أن
الاتصاف بهما انما هو في نفسه لا بلحاظ حال الدلالة عليه والا لما اتصف بواحدة
منهما إذا لم يكن بعد مفاد دليل وهو كما ترى. ثم إنه إذا كان الواجب التبعي ما لم
يتعلق به إرادة مستقلة فإذا شك في واجب انه أصلي أو تبعي فبأصالة عدم تعلق إرادة
مستقلة به
289

يثبت انه تبعي ويترتب عليه آثاره إذا فرض له أثر شرعي كسائر الموضوعات
المتقومة بأمور عدمية. نعم لو كان التبعي أمرا وجوديا خاصا غير متقوم بعدمي وان
كان يلزمه لما كان يثبت بها الا على القول بالأصل المثبت كما هو واضح فافهم
(تذنيب) في بيان الثمرة وهي في المسألة الأصولية كما عرفت سابقا ليست إلا أن
تكون نتيجتها صالحة للوقوع في طريق الاجتهاد واستنباط حكم فرعي - كما لو قيل
بالملازمة في المسألة - فإنه بضميمة مقدمة كون شئ مقدمة لواجب يستنتج انه واجب
ومنه قد انقدح انه ليس منها مثل برء النذر باتيان مقدمة واجب عند نذر الواجب
290

وحصول الفسق بترك واجب واحد بمقدماته إذا كانت له مقدمات كثيرة لصدق
الاصرار على الحرام بذلك وعدم جواز اخذ الأجرة على المقدمة مع أن البرء
وعدمه انما يتبعان قصد الناذر فلا برء باتيان المقدمة لو قصد الوجوب النفسي كما هو
المنصرف عند اطلاقه - ولو قيل بالملازمة - وربما يحصل البرء به لو قصد ما يعم المقدمة
- ولو قيل بعدمها - كما لا يخفى، ولا يكاد يحصل الاصرار على الحرام بترك واجب
ولو كانت له مقدمات غير عديدة لحصول العصيان بترك أول مقدمة لا يتمكن معه من
الواجب ولا يكون ترك سائر المقدمات بحرام أصلا لسقوط التكليف حينئذ كما هو
واضح لا يخفى، وأخذ الأجرة على الواجب لا بأس به إذا لم يكن ايجابه على المكلف
مجانا وبلا عوض بل كان وجوده المطلق مطلوبا كالصناعات الواجبة كفائيا التي لا يكاد
ينتظم بدونها البلاد ويختل لولاها معاش العباد، بل ربما يجب أخذ الأجرة عليها
لذلك أي لزوم الاختلال وعدم الانتظام لولا اخذها هذا في الواجبات التوصلية
291

وأما الواجبات التعبدية فيمكن أن يقال بجواز أخذ الأجرة على اتيانها بداعي امتثالها
لا على نفس الاتيان كي ينافي عباديتها فيكون من قبيل الداعي إلى الداعي غاية الامر
يعتبر فيها كغيرها أن يكون فيها منفعة عائدة إلى المستأجر كيلا يكون المعاملة سفهية
وأخذ الأجرة عليها اكلا بالباطل، (وربما) يجعل من الثمرة اجتماع الوجوب
والحرمة إذا قيل بالملازمة فيما كانت المقدمة محرمة فيبتني على جواز اجتماع الأمر والنهي
وعدمه بخلاف ما لو قيل بعدمها وفيه (أولا) انه لا يكون من باب الاجتماع
كي تكون مبتنية عليه لما أشرنا إليه غير مرة ان الواجب ما هو بالحمل الشايع
292

مقدمة لا بعنوان المقدمة فيكون على الملازمة من باب النهى في العبادة والمعاملة (وثانيا) أن
الاجتماع وعدمه لا دخل له في التوصل بالمقدمة المحرمة وعدمه أصلا فإنه يمكن التوصل
بها ان كانت توصلية ولو لم نقل بجواز الاجتماع وعدم جواز التوصل بها ان كانت
تعبدية على القول بالامتناع قيل بوجوب المقدمة أو بعدمه وجواز التوصل بها على
القول بالجواز كذلك أي قيل بالوجوب أو بعدمه، وبالجملة لا يتفاوت الحال في
جواز التوصل بها وعدم جوازه أصلا بين ان يقال بالوجوب أو يقال بعدمه
كما لا يخفى.
293

في تأسيس الأصل في المسألة
اعلم أنه لا أصل في محل البحث في المسألة فان الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذي
المقدمة وعدمها ليست لها حالة سابقة بل تكون الملازمة أو عدمها أزلية نعم نفس وجوب
المقدمة يكون مسبوقا بالعدم حيث يكون حادثا بحدوث وجوب ذي المقدمة فالأصل
عدم وجوبها (وتوهم) عدم جريانه لكون وجوبها على الملازمة من قبيل لوازم
الماهية غير مجعولة
294

ولا اثر آخر مجعول مترتب عليه، ولو كان لم يكن بمهم ههنا (مدفوع) بأنه
وان كان غير مجعول بالذات لا بالجعل البسيط الذي هو مفاد كان التامة ولا بالجعل
التأليفي الذي هو مفاد كان الناقصة إلا أنه مجعول بالعرض ويتبع جعل وجوب ذي
المقدمة وهو كاف في جريان الأصل
295

(ولزوم) التفكيك بين الوجوبين مع الشك لا محالة لأصالة عدم وجوب المقدمة مع
وجوب ذي المقدمة (لا ينافي) الملازمة بين الواقعيين وانما ينافي الملازمة بين الفعليين
(نعم) لو كانت الدعوة هي الملازمة المطلقة حتى في المرتبة الفعلية لما صح التمسك بالأصل
كما لا يخفى إذا عرفت ما ذكرنا فقد تصدى غير واحد من الأفاضل لإقامة البرهان على
الملازمة وما أتى منهم بواحد خال من الخلل والأولى إحالة ذلك إلى الوجدان حيث إنه
أقوى شاهد على أن الانسان إذا أراد شيئا له مقدمات أراد تلك المقدمات لو التفت
إليها بحيث ربما يجعلها في قالب الطلب مثله
296

ويقول مولويا: ادخل السوق واشتر اللحم، مثلا بداهة أن الطلب المنشأ بخطاب
(ادخل) مثل المنشأ بخطاب: (اشتر) في كونه بعثا مولويا وانه حيث تعلقت
ارادته بايجاد عبده الاشتراء ترشحت منها له إرادة أخرى بدخول السوق بعد الالتفات
إليه وأنه يكون مقدمة له كما لا يخفى، ويؤيد الوجدان بل يكون من أوضح البرهان
وجود الأوامر الغيرية في الشرعيات والعرفيات لوضوح انه لا يكاد متعلق بمقدمة
امر غيرى الا إذا كان فيها مناطه وإذا كان فيها كان في مثلها فيصح تعلقه به أيضا لتحقق ملاكه
ومناطه والتفصيل بين السبب وغيره والشرط الشرعي وغيره سيأتي بطلانه وانه لا تفاوت في باب
الملازمة بين مقدمة ومقدمة ولا بأس بذكر الاستدلال الذي هو كالأصل لغيره مما ذكره الأفاضل
من الاستدلالات وهو ما ذكره أبو الحسن البصري وهو انه لو لم يجب المقدمة لجاز تركها
وحينئذ فان بقي الواجب على وجوبه يلزم التكليف بما لا يطاق وإلا خرج الواجب المطلق عن
297

وجوبه، وفيه - بعد إصلاحه بإرادة عدم المنع الشرعي من التالي في الشرطية الأولى
لا الإباحة الشرعية وإلا كانت الملازمة واضحة البطلان، وإرادة الترك عما أضيف
إليه الظرف لا نفس الجواز وإلا فمجرد الجواز بدون الترك لا يكاد يتوهم معه صدق القضية
الشرطية الثانية - ما لا يخفى فان الترك بمجرد عدم المنع شرعا لا يوجب صدق إحدى
الشرطيتين ولا يلزم منه أحد المحذورين فإنه وإن لم يبق له وجوب معه الا انه كان ذلك
بالعصيان لكونه متمكنا من الإطاعة والاتيان وقد اختار تركه بترك مقدمته بسوء
اختياره مع حكم العقل بلزوم اتيانها ارشادا إلى ما في تركها من العصيان المستتبع للعقاب
298

(نعم) لو كان المراد من الجواز جواز الترك شرعا وعقلا يلزم أحد المحذورين الا
ان الملازمة على هذا في الشرطية الأولى ممنوعة بداهة انه لو لم يجب شرعا لا يلزم أن يكون
جائزا شرعا وعقلا لامكان أن لا يكون محكوما بحكم شرعا وان كان واجبا
عقلا ارشادا وهذا واضح (وأما) التفصيل بين السبب وغيره فقد استدل على
وجوب السبب بأن التكليف لا يكاد يتعلق الا بالمقدور والمقدور لا يكون الا هو السبب
وإنما المسبب من آثاره المترتبة عليه قهرا ولا يكون من أفعال المكلف وحركاته أو
سكناته فلا بد من صرف الامر المتوجه إليه عنه إلى سببه. ولا يخفى ما فيه من أنه
ليس بدليل على التفصيل بل على أن الامر النفسي إنما يكون متعلقا بالسبب دون المسبب
- مع وضوح فساده - ضرورة أن المسبب مقدور للمكلف وهو متمكن منه
299

بواسطة السبب ولا يعتبر في التكليف أزيد من القدرة كانت بلا واسطة أو معها كما
لا يخفى (واما) التفصيل بين الشرط الشرعي وغيره فقد استدل على الوجوب في
الأول بأنه لولا وجوبه شرعا لما كان شرطا بحيث انه ليس مما لا بد منه عقلا أو عادة
(وفيه) مضافا إلى ما عرفت من رجوع الشرط الشرعي إلى العقلي - أنه
لا يكاد يتعلق الامر الغيرى الا بما هو مقدمة الواجب فلو كان مقدميته متوقفة على
تعلقه بها لدار، والشرطية وإن كانت منتزعة عن التكليف الا انه عن التكليف
النفسي المتعلق بما قيد بالشرط لا عن الغيرى فافهم (تتمة) لا شبهة في أن مقدمة المستحب
كمقدمة الواجب فتكون مستحبة لو قيل بالملازمة، وأما مقدمة الحرام والمكروه
300

فلا يكاد يتصف بالحرمة أو الكراهة إذ منها ما يتمكن معه من ترك الحرام أو المكروه
اختيارا كما كان متمكنا قبله فلا دخل له أصلا في حصول ما هو المطلوب من ترك
الحرام أو المكروه فلم يترشح من طلبه طلب ترك مقدمتهما (نعم) ما لا يتمكن
معه من الترك المطلوب لا محالة يكون مطلوب الترك ويترشح من طلب تركهما طلب
ترك خصوص هذه المقدمة فلو لم يكن للحرام مقدمة لا يبقى معها اختيار تركه لما اتصف
بالحرمة مقدمة من مقدماته (لا يقال): كيف ولا يكاد يكون فعل إلا عن مقدمة
لا محالة معها يوجد ضرورة ان الشئ ما لم يجب لم يوجد (فإنه يقال):
301

نعم لا محالة يكون من جملتها ما يجب معه صدور الحرام لكنه لا يلزم أن يكون ذلك
من المقدمات الاختيارية بل من المقدمات غير الاختيارية كمبادئ الاختيار التي
لا تكون بالاختيار والا لتسلسل فلا تغفل وتأمل.
فصل
(الامر بالشئ هل يقتضي النهي عن ضده أولا؟)
فيه أقوال وتحقيق الحال يستدعي رسم أمور (الأول) الاقتضاء في
العنوان أعم من أن يكون بنحو (العينية) أو (الجزئية) أو (اللزوم) من
جهة التلازم بين طلب أحد الضدين وطلب ترك الآخر أو (المقدمية) على ما
سيظهر، كما أن المراد بالضد هاهنا هو مطلق المعاند والمنافي وجوديا كان أو عدميا
(الثاني) أن الجهة المبحوث عنها في المسألة وان كانت انه هل يكون للامر اقتضاء
302

بنحو من الانحاء المذكورة؟، وإلا أنه لما كان عمدة القائلين بالاقتضاء في الضد الخاص
إنما ذهبوا إليه لاجل توهم مقدمية ترك الضد كان المهم صرف عنان الكلام في المقام
إلى بيان الحال وتحقيق المقال في المقدمية وعدمها فنقول وعلى الله الاتكال: إن توهم
توقف الشئ على ترك ضده ليس إلا من جهة المضادة والمعاندة بين الوجودين
وقضيتها الممانعة بينهما ومن الواضحات ان عدم المانع من المقدمات (وهو توهم فاسد)
وذلك لان المعاندة والمنافرة بين الشيئين لا تقتضي الا عدم اجتماعهما في التحقق
وحيث لا منافاة أصلا بين أحد العينين وما هو نقيض الآخر وبديله بل بينهما كمال
الملائمة كان أحد العينين مع نقيض الآخر وما هو بديله في مرتبة واحدة من دون
أن يكون في البين ما يقتضي تقدم أحدهما على الآخر كما لا يخفى فكما أن قضية المنافاة بين
المتناقضين لا تقتضي تقدم ارتفاع أحدهما في ثبوت الآخر كذلك في المتضادين كيف
ولو اقتضى التضاد توقف وجود الشئ على عدم ضده توقف الشئ على عدم
303

مانعه لاقتضى توقف عدم الضد على وجود الشئ توقف عدم الشئ على مانعه
بداهة ثبوت المانعية في الطرفين وكون المطاردة من الجانبين وهو دور واضح،
(وما قيل) في التفصي عن هذا الدور بان التوقف من طرف الوجود فعلي بخلاف
التوقف من طرف العدم فإنه يتوقف على فرض ثبوت المقتضي له مع شراشر شرائطه
304

غير وجود ضده ولعله كان محالا لاجل انتهاء عدم وجود أحد الضدين مع وجود
الآخر إلى عدم تعلق الإرادة الأزلية به وتعلقها بالآخر حسب ما اقتضته الحكمة
البالغة فيكون العدم دائما مستندا إلى عدم المقتضي فلا يكاد يكون مستندا إلى وجود
المانع كي يلزم الدور (إن قلت): هذا إذا لوحظا منتهيين إلى إرادة شخص
واحد، وأما إذا كان كل منهما متعلقا لإرادة شخص فأراد - مثلا - أحد
الشخصين حركة شئ وأراد الآخر سكونه فيكون المقتضي لكل منهما حينئذ
موجودا فالعدم لا محالة يكون فعلا مستندا إلى وجود المانع (قلت): هاهنا
أيضا يكون مستندا إلى عدم قدرة المغلوب منهما في ارادته وهي مما لا بد منه في وجود
المراد ولا يكاد يكون بمجرد الإرادة بدونها لا إلى وجود الضد لكونه مسبوقا بعدم
قدرته كما لا يخفى (غير سديد) فإنه وان كان قد ارتفع به الدور
305

إلا أن غائلة لزوم توقف الشئ على ما يصلح ان يتوقف عليه على حالها لاستحالة أن
يكون الشئ الصالح لان يكون موقوفا عليه الشئ موقوفا عليه ضرورة انه لو كان في مرتبة
يصلح لان يستند إليه لما كاد يصح أن يستند فعلا إليه " والمنع " عن صلوحه لذلك بدعوى أن
قضية كون العدم مستندا إلى وجود الضد لو كان مجتمعا مع وجود المقتضي وان كانت
صادقة الا ان صدقها لا يقتضي كون الضد صالحا لذلك لعدم اقتضاء صدق الشرطية
307

صدق طرفيها مساوق لمنع (1) مانعية الضد وهو يوجب رفع التوقف رأسا من البين
ضرورة انه لا منشأ لتوهم توقف أحد الضدين على عدم الآخر الا توهم مانعية الضد
كما أشرنا إليه وصلوحه لها (ان قلت): التمانع بين الضدين كالنار على المنار بل كالشمس
في رابعة النهار وكذا كون عدم المانع مما يتوقف عليه مما لا يقبل الانكار

(1) مع أن حديث عدم اقتضاء صدق الشرطية لصدق طرفيها وان كان
صحيحا الا ان الشرطية ههنا غير صحيحة فان وجود المقتضي للضد لا يستلزم
بوجه استناد عدمه إلى ضده ولا يكون الاستناد مترتبا على وجوده ضرورة ان
المقتضي لا يكاد يقتضي وجود ما يمنع عما يقتضيه أصلا كما لا يخفى فليكن المقتضي
لاستناد عدم الضد إلى وجود ضده فعلا عند ثبوت مقتضي وجوده هو الخصوصية
التي فيه الموجبة للمنع عن اقتضاء مقتضيه كما هو الحال في كل مانع وليست في
الضد تلك الخصوصية كيف وقد عرفت أنه لا يكاد يكون مانعا إلا على وجه
دائر. نعم انما المانع عن الضد هو العلة التامة لضده لاقتضائها ما يعانده وينافيه
فيكون عدمه كوجود ضده مستندا إليها. فافهم. منه قدس سره
308

فليس ما ذكر الا شبهة في مقابل البداهة
309

(قلت): التمانع بمعنى التنافي والتعاند الموجب لاستحالة الاجتماع مما ريب فيه
ولا شبهة تعتريه الا انه لا يقتضي إلا امتناع الاجتماع وعدم وجود أحدهما الا مع
عدم الآخر الذي هو بديل وجوده المعاند له فيكون في مرتبته لا مقدما عليه ولو
طبعا والمانع الذي يكون موقوفا على عدم الوجود هو ما كان ينافي ويزاحم المقتضي
في تأثيره لا ما يعاند الشئ ويزاحمه في وجوده (نعم) العلة التامة لاحد الضدين
310

ربما يكون مانعا عن الآخر ومزاحما لمقتضيه في تأثيره مثلا يكون شدة الشفقة على
الولد الغريق وكثرة المحبة له تمنع عن أن تؤثر ما في الأخ الغريق من المحبة والشفقة
لإرادة انقاذه مع المزاحمة فينقذ به الولد دونه فتأمل جيدا، ومما ذكرنا ظهر أنه
لا فرق بين الضد الموجود والمعدوم في أن عدمه الملائم للشئ المناقض لوجوده المعاند
لذاك لابد ان يجامع معه من غير مقتض لسبقه، بل قد عرفت
311

ما يقتضي عدم سبقه فانقدح بذلك ما في تفصيل بعض الاعلام حيث قال بالتوقف
على رفع الضد الموجود وعدم التوقف على عدم الضد المعدوم فتأمل في أطراف
ما ذكرناه فإنه دقيق وبذلك حقيق، فقد ظهر عدم حرمة الضد من جهة المقدمية وأما
من جهة لزوم عدم اختلاف المتلازمين في الوجود في الحكم فغايته أن لا يكون أحدهما
فعلا محكوما بغير ما حكم به الآخر لا أن يكون محكوما بحكمه،
312

وعدم خلو الواقعة عن الحكم انما يكون بحسب الحكم الواقعي لا الفعلي فلا حرمة للضد
من هذه الجهة أيضا بل على ما هو عليه لولا الابتلاء بالمضاد للواجب الفعلي من الحكم الواقعي
(الامر الثالث) انه قيل بدلالة الامر بالشئ بالتضمن على النهى عن الضد العام بمعنى
الترك حيث إنه يدل على الوجوب المركب من طلب الفعل والمنع عن الترك
(والتحقيق) أنه لا يكون الوجوب إلا طلبا بسيطا ومرتبة وحيدة أكيدة من الطلب
313

لا مركبا بين طلبين (نعم) في مقام تحديد تلك المرتبة وتعيينها ربما يقال: الوجوب
يكون عبارة عن طلب الفعل مع المنع عن الترك، ويتخيل منه انه يذكر له حدا
فالمنع عن الترك ليس من أجزاء الوجوب ومقوماته بل من خواصه ولوازمه بمعنى
انه لو التفت الآمر إلى الترك لما كان راضيا به لا محالة وكان يبغضه البتة. ومن
هنا انقدح انه لا وجه لدعوى العينية ضرورة ان اللزوم يقتضي الاثنينية، لا
الاتحاد والعينية (نعم) لا بأس بها بان يكون المراد بها أنه يكون هناك طلب واحد
وهو كما يكون حقيقة منسوبا إلى الوجود وبعثا إليه كذلك يصح ان ينسب إلى الترك
بالعرض والمجاز ويكون زجرا وردعا عنه فافهم (الامر الرابع) تظهر الثمرة في أن
نتيجة المسألة وهي النهي عن الضد بناء على الاقتضاء - بضميمة ان النهى في العبادات
يقتضي الفساد - ينتج فساده إذا كان عبادة، وعن البهائي (رحمه الله) أنه أنكر الثمرة
بدعوى أنه لا يحتاج في استنتاج الفساد إلى النهي عن الضد بل يكفي عدم الامر به
لاحتياج العبادة إلى الامر، وفيه أنه يكفي مجرد الرجحان والمحبوبية للمولى كي
يصح ان يتقرب به منه كما لا يخفى والضد بناء على عدم حرمته يكون كذلك فان
المزاحمة - على هذا - لا توجب الا ارتفاع الامر المتعلق به فعلا مع
314

بقائه على ما هو عليه من ملاكه (من المصلحة) كما هو مذهب العدلية، أو
(غيرها) أي شئ كان كما هو مذهب الأشاعرة وعدم حدوث ما يوجب مبغوضيته
وخروجه عن قابلية التقرب به كما حدث بناء على الاقتضاء (ثم) انه تصدى جماعة
من الأفاضل لتصحيح الامر بالضد بنحو الترتب على العصيان وعدم إطاعة الامر
بالشئ
315

بنحو الشرط المتأخر أو البناء على المعصية بنحو الشرط المتقدم أو المقارن بدعوى أنه
لا مانع عقلا عن تعلق الامر بالضدين كذلك أي بان يكون الامر بالأهم مطلقا
والامر بغيره معلقا على عصيان ذاك الامر أو البناء والعزم عليه بل هو واقع كثيرا
عرفا (قلت): ما هو ملاك استحالة طلب الضدين في عرض واحد آت في
طلبهما كذلك فإنه
316

وإن لم يكن في مرتبة طلب الأهم اجتماع
317

طلبهما الا انه كان في مرتبة الامر بغيره اجتماعهما بداهة فعلية الامر بالأهم في هذه
المرتبة وعدم سقوطه بعد بمجرد المعصية فيما بعد ما لم يعص أو العزم عليها مع فعلية
الامر بغيره أيضا لتحقق ما هو شرط فعليته فرضا (لا يقال): نعم لكنه
بسوء اختيار المكلف حيث يعصي فيما بعد بالاختيار فلولاه لما كان متوجها إليه إلا
الطلب بالأهم ولا برهان على امتناع الاجتماع إذا كان بسوء الاختيار (فإنه يقال):
استحالة طلب الضدين ليس إلا لاجل استحالة طلب المحال واستحالة طلبه من الحكيم
318

الملتفت إلى محاليته لا تختص بحال دون حال والا لصح فيما علق على أمر اختياري
في عرض واحد بلا حاجة في تصحيحه إلى الترتب مع أنه محال بلا ريب ولا اشكال
(إن قلت): فرق بين الاجتماع في عرض واحد والاجتماع كذلك فان الطلب
في كل منهما في الأول يطارد الآخر بخلافه في الثاني فان الطلب بغير الأهم لا يطارد
طلب الأهم فإنه يكون على تقدير عدم الاتيان بالأهم فلا يكاد يريد غيره على تقدير
اتيانه وعدم عصيان امره (قلت): ليت شعري كيف لا يطارده الامر بغير
الأهم؟ وهل يكون طرده له إلا من جهة فعليته ومضادة متعلقه للأهم؟ والمفروض
فعلية ومضادة متعلقه له، وعدم إرادة غير الأهم على تقدير الاتيان به لا يوجب
عدم طرده لطلبه مع تحققه على تقدير عدم الاتيان به وعصيان امره فيلزم اجتماعهما على
هذا التقدير مع ما هما عليه من المطاردة من جهة المضادة بين المتعلقين - مع أنه يكفي
الطرد من طرف الامر بالأهم فإنه - على هذا الحال - يكون طاردا لطلب الضد كما
كان في غير هذا الحال فلا يكون له معه أصلا بمجال (ان قلت) فما الحيلة فيما وقع
كذلك من طلب الضدين
319

في العرفيات (قلت): لا يخلو إما أن يكون الامر بغير الأهم بعد التجاوز عن
الامر به وطلبه حقيقة، وإما أن يكون الامر به ارشادا إلى محبوبيته وبقائه على ما
هو عليه من المصلحة والغرض لولا المزاحمة وان الاتيان به يوجب استحقاق المثوبة
فيذهب بها بعض ما استحقه من العقوبة على مخالفة الامر بالأهم لا أنه امر مولوي فعلي
كالامر به. فافهم وتأمل جيدا (ثم) انه لا أظن أن يلتزم القائل بالترتب بما
هو لازمه من الاستحقاق في صورة مخالفة الامرين لعقوبتين ضرورة قبح العقاب
على ما لا يقدر عليه العبد ولذا كان سيدنا الاستاد - قدس سره - لا يلتزم به
على ما هو ببالي وكنا نورد به على الترتب وكان بصدد تصحيحه فقد ظهر انه لا وجه
لصحة العبادة مع مضادتها لما هو أهم منها إلا ملاك الامر
320

(نعم) فيما إذا كانت موسعة وكانت مزاحمة بالأهم ببعض الوقت لا في تمامه
يمكن أن يقال إنه حيث كان الامر بها على حاله وان صارت مضيقة بخروج ما زاحمه
الأهم من افرادها من تحتها أمكن أن يؤتى بما زوحم منها بداعي ذاك الامر فإنه وان
كان خارجا عن تحتها بما هي مأمور بها الا انه لما كان وافيا بغرضها كالباقي تحتها
كان عقلا مثله في الاتيان به في مقام الامتثال والاتيان به بداعي ذلك الامر بلا تفاوت
في نظره بينهما أصلا (ودعوى) أن الامر لا يكاد يدعو الا إلى ما هو من
أفراد الطبيعة المأمور بها وما زوحم منها بالأهم وان كان من أفراد الطبيعة لكنه
ليس من أفرادها بما هي مأمور بها (فاسدة) فإنه إنما يوجب ذلك إذا كان
خروجه عنها بما
321

هي كذلك تخصيصا لا مزاحمة فإنه معها وان كان لا تعمها الطبيعة المأمور بها الا انه
ليس لقصور فيه بل لعدم امكان تعلق الامر بما يعمه عقلا وعلى كل حال فالعقل
لا يرى تفاوتا في مقام الامتثال وإطاعة الامر بها بين هذا الفرد وسائر الافراد أصلا.
هذا على القول بكون الأوامر متعلقة بالطبايع وأما بناء على تعلقها بالافراد فكذلك
وان كان جريانه عليه اخفى كما لا يخفى فتأمل (ثم) لا يخفى انه بناء على إمكان
الترتب وصحته لا بد من الالتزام بوقوعه من دون انتظار دليل آخر عليه وذلك
لوضوح ان
322

المزاحمة على صحة الترتب لا تقتضي عقلا الا امتناع الاجتماع في عرض واحد
لا كذلك، فلو قيل بلزوم الامر في صحة العبادة ولم يكن في الملاك كفاية كانت
العبادة مع ترك الأهم صحيحة لثبوت الامر بها في هذا الحال كما إذا لم تكن
هناك مضادة.
فصل
(لا يجوز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه)
خلافا لما نسب إلى أكثر مخالفينا ضرورة أنه لا يكاد يكون الشئ مع
عدم علته كما هو المفروض ها هنا فان الشرط من اجزائها وانحلال المركب بانحلال بعض
أجزائه مما لا يخفى، وكون الجواز في العنوان بمعنى الامكان الذاتي
323

بعيد عن محل الخلاف بين الاعلام (نعم) لو كان المراد من لفظ الامر الامر
ببعض مراتبه ومن الضمير الراجع إليه بعض مراتبه الاخر بان يكون النزاع في أن
أمر الآمر يجوز انشاء مع علمه بانتفاء شرطه بمرتبة فعليته (وبعبارة أخرى) كان
النزاع في جواز إنشائه مع العلم بعدم بلوغه إلى المرتبة الفعلية لعدم شرطه لكان
جائزا وفى وقوعه في الشرعيات والعرفيات غنى وكفاية ولا تحتاج معه إلى مزيد بيان
أو مؤونة برهان، وقد عرفت سابقا أن داعي إنشاء الطلب لا ينحصر بالبعث
والتحريك جدا حقيقة بل قد يكون صوريا امتحانا وربما يكون غير ذلك، ومنع
كونه أمرا إذا لم يكن بداعي البعث جدا واقعا وان كان في محله إلا أن إطلاق
الامر عليه إذا كانت هناك قرينة على أنه بداع آخر غير البعث توسعا مما لا بأس به
أصلا كما لا يخفى، وقد ظهر بذلك حال ما ذكره الاعلام في المقام من النقض
والابرام وربما يقع به التصالح بين الجانبين ويرتفع النزاع من البين فتأمل جيدا.
324

فصل
(الحق أن الأوامر والنواهي تكون متعلقة بالطبايع دون الافراد)
ولا يخفى أن المراد ان متعلق الطلب في الأوامر هو صرف الايجاد كما أن متعلقه
في النواهي هو محض الترك ومتعلقهما هو نفس الطبيعة المحدودة بحدود
تعلق الأوامر والنواهي بالطبايع أو الافراد
325

والمقيدة بقيود تكون بها موافقة للغرض والمقصود من دون تعلق غرض باحدى
الخصوصيات اللازمة للوجودات بحيث لو كان الانفكاك عنها بأسرها ممكنا لما كان
ذلك مما يضر بالمقصود أصلا كما هو الحال في القضية الطبيعية في غير الاحكام، بل
في المحصورة على ما حقق في غير المقام وفى مراجعة الوجدان للانسان غنى وكفاية
عن إقامة البرهان على ذلك حيث يرى إذا راجعه انه لا غرض له في مطلوباته الا
نفس الطبايع ولا نظر له الا إليها من دون نظر إلى خصوصياتها الخارجية وعوارضها
العينية وأن نفس وجودها السعي بما هو وجودها تمام المطلوب وان كان ذاك الوجود
لا يكاد ينفك في الخارج عن الخصوصية (فانقدح) بذلك أن المراد بتعلق
الأوامر بالطبايع دون الافراد انها بوجودها السعي بما هو وجودها - قبالا لخصوص
الوجود - متعلقة للطلب لا أنها بما هي هي كانت متعلقة له كما ربما يتوهم فإنها كذلك
ليست الا هي (نعم) هي كذلك تكون متعلقة للامر فإنه طلب الوجود
327

فافهم (دفع وهم) لا يخفى ان كون وجود الطبيعة أو الفرد متعلقا للطلب انما يكون
بمعنى ان الطالب يريد صدور الوجود من العبد وجعله بسيطا الذي هو مفاد كان
التامة وإفاضته لا أنه يريد ما هو صادر وثابت في الخارج كي يلزم طلب الحاصل كما
توهم ولا جعل الطلب متعلقا بنفس الطبيعة وقد جعل وجودها غاية لطلبها وقد عرفت أن
الطبيعة بما هي هي ليست الا هي لا يعقل ان يتعلق بها طلب لتوجد أو تترك وأنه
لابد في تعلق الطلب من لحاظ الوجود أو العدم معها فيلاحظ وجودها فيطلبه ويبعث
328

إليه كي يكون ويصدر منه هذا بناء على أصالة الوجود وأما بناء على أصالة الماهية
فمتعلق الطلب ليس هو الطبيعة بما هي أيضا بل بما هي بنفسها في الخارج فيطلبها
كذلك لكي يجعلها بنفسها من الخارجيات والأعيان الثابتات لا بوجودها كما كان
الامر بالعكس على أصالة الوجود، وكيف كان فيلحظ الآمر ما هو المقصود من
الماهية الخارجية أو الوجود فيطلبه ويبعث نحوه ليصدر منه ويكون ما لم يكن فافهم
وتأمل جيدا
فصل
(إذا نسخ الوجوب فلا دلالة لدليل الناسخ ولا المنسوخ على بقاء الجواز)
بالمعنى الأعم ولا بالمعنى الأخص كما لا دلالة لهما على ثبوت غيره من الاحكام
ضرورة ان ثبوت كل واحد من الاحكام الأربعة الباقية بعد ارتفاع الوجوب واقعا
ممكن ولا دلالة لواحد من دليلي الناسخ أو المنسوخ باحدى الدلالات على تعيين
واحد منها
329

كما هو أوضح من أن يخفى فلا بد للتعيين من دليل آخر ولا مجال لاستصحاب الجواز
إلا بناء على جريانه في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي وهو ما إذا شك
في حدوث فرد كلي مقارنا لارتفاع فرده الآخر وقد حققنا في محله أنه لا يجرى
الاستصحاب فيه ما لم يكن الحادث المشكوك من المراتب القوية أو الضعيفة المتصلة
بالمرتفع بحيث عد عرفا - لو كان - أنه باق لا أنه أمر حادث غيره ومن المعلوم
ان كل واحد من الاحكام مع الآخر عقلا وعرفا من المباينات والمتضادات غير
الوجوب والاستحباب فإنه
330

وان كان بينهما التفاوت بالمرتبة والشدة والضعف عقلا الا انهما متباينان عرفا فلا
مجال للاستصحاب إذا شك في تبدل أحدهما بالآخر فان حكم العرف ونظره يكون
متبعا في هذا الباب
فصل
إذا تعلق الامر بأحد الشيئين أو الأشياء ففي وجوب كل واحد على التخيير
331

بمعنى عدم جواز تركه إلا إلى بدل، أو وجوب الواحد لا بعينه، أو وجوب كل
منهما مع السقوط بفعل أحدهما، أو وجوب المعين عند الله أقوال (والتحقيق)
ان يقال: إنه (ان كان) الامر بأحد الشيئين بملاك أنه هناك غرض واحد يقوم
به كل واحد منهما بحيث إذا أتي بأحدهما حصل به تمام الغرض ولذا يسقط به الامر
كان الواجب في الحقيقة هو الجامع بينهما وكان التخيير بينهما بحسب الواقع عقليا
لا شرعيا وذلك لوضوح أن الواحد لا يكاد يصدر من الاثنين بما هما اثنان ما لم يكن
بينهما جامع في البين لاعتبار نحو من السنخية بين العلة والمعلول وعليه فجعلهما متعلقين
للخطاب الشرعي لبيان ان الواجب هو الجامع بين هذين الاثنين (وان كان)
332

بملاك أنه يكون في كل واحد منهما غرض لا يكاد يحصل مع حصول الغرض في
الآخر كان كل واحد واجبا بنحو من الوجوب يستكشف عنه تبعاته من عدم
جواز تركه إلا إلى الآخر وترتب الثواب على فعل الواحد
333

منهما والعقاب على تركهما فلا وجه في مثله للقول بكون الواجب هو (1) أحدهما
لا بعينه مصداقا ولا مفهوما كما هو واضح الا ان يرجع إلى ما ذكرنا فيما إذا كان
الامر بأحدهما بالملاك الأول من أن الواجب هو الواحد الجامع بينهما

(1) فإنه وان كان مما يصح ان يتعلق به بعض الصفات الحقيقية ذات
الإضافة كالعلم فضلا عن الصفات الاعتبارية المحضة كالوجوب والحرمة وغيرهما
مما كان من خارج المحمول الذي ليس بحذائه في الخارج شئ غير ما هو منشأ
انتزاعه الا انه لا يكاد يصح البعث حقيقة إليه والتحريك نحوه كما لا يكاد يتحقق
الداعي لإرادته والعزم عليه ما لم يكن مائلا إلى إرادة الجامع والتحرك نحوه فتأمل
جيدا. منه قدس سره
334

ولا أحدهما معينا مع كون كل منهما مثل الآخر في أنه واف بالفرض ولا كل واحد
منهما تعينا مع السقوط بفعل أحدهما بداهة عدم السقوط مع امكان استيفاء ما في كل
منهما من الغرض وعدم جواز الايجاب كذلك مع عدم امكانه فتدبر (بقي الكلام)
في أنه هل يمكن التخيير عقلا أو شرعا بين الأقل والأكثر أولا؟ ربما يقال بأنه
محال فان الأقل إذا وجد كان هو الواجب لا محالة ولو كان في ضمن الأكثر لحصول
الغرض به وكان الزائد عليه من أجزاء الأكثر زائدا على الواجب لكنه ليس
كذلك فإنه إذا فرض ان المحصل للغرض فيما إذا وجد الأكثر هو الأكثر لا الأقل
الذي في ضمنه بمعنى أن يكون لجميع أجزائه حينئذ دخل في حصوله وان كان الأقل
لو لم يكن في ضمنه كان وافيا به أيضا فلا محيص عن التخيير بينهما إذ تخصيص
الأقل بالوجوب حينئذ كان بلا مخصص فان الأكثر بحده يكون مثله على الفرض
مثل أن يكون الغرض الحاصل من رسم الخط مترتبا على الطويل إذا رسم بماله من
الحد لا على القصير في ضمنه، ومعه كيف يجوز
335

تخصيصه بما لا يعمه ومن الواضح كون هذه الفرض بمكان من الامكان (ان قلت):
هبه في مثل ما إذا كان للأكثر وجود واحد لم يكن للأقل في ضمنه وجود على
حدة كالخط الطويل الذي رسم دفعة بلا تخلل سكون في البين لكنه ممنوع فيما
كان له في ضمنه وجود كتسبيحة في ضمن تسبيحات ثلاث أو خط طويل رسم مع
تخلل العدم في رسمه فان الأقل قد وجد بحده وبه يحصل الغرض على الفرض ومعه
لا محالة يكون الزائد عليه مما لا دخل له في حصوله فيكون زائدا على الواجب لا من
أجزائه (قلت): لا يكاد يختلف الحال بذاك فإنه مع الفرض لا يكاد يترتب الغرض
على الأقل في ضمن الأكثر وإنما يترتب عليه بشرط عدم الانضمام ومعه كان مترتبا على
الأكثر بالتمام (وبالجملة) إذا كان كل واحد من الأقل والأكثر بحده مما يترتب عليه
الغرض فلا محالة يكون الواجب هو الجامع بينهما وكان التخيير بينهما عقليا ان كان
هناك غرض واحد وتخييرا شرعيا فيما كان هناك غرضان على ما عرفت (نعم) لو
كان الغرض مترتبا على الأقل من دون دخل للزائد لما كان الأكثر مثل الأقل
وعدلا له بل كان فيه اجتماع الواجب وغيره
336

مستحبا كان أو غيره حسب اختلاف الموارد فتدبر جيدا
فصل في وجوب الواجب الكفائي
والتحقيق انه سنخ من الوجوب وله تعلق بكل واحد بحيث لو أخل بامتثاله الكل
337

لعوقبوا على مخالفته جميعا وان سقط عنهم لو أتى به بعضهم وذلك لأنه قضية ما إذا
كان هناك غرض واحد حصل بفعل واحد صادر عن الكل أو البعض كما أن الظاهر
هو امتثال الجميع لو أتوا به دفعة واستحقاقهم للمثوبة وسقوط الغرض بفعل الكل كما
هو قضية توارد العلل المتعددة على معلول واحد.
فصل
لا يخفى انه وان كان الزمان مما لابد منه عقلا في الواجب الا انه (تارة)
مما له دخل فيه شرعا فيكون موقتا (وأخرى) لا دخل له فيه أصلا فهو غير
موقت والموقت إما أن يكون الزمان المأخوذ فيه بقدره فمضيق، وإما أن يكون
أوسع منه فموسع ولا يذهب عليك ان الموسع كلي كما كان له أفراد دفعية كان له افراد
تدريجية يكون التخيير بينهما كالتخيير بين أفرادها الدفعية عقليا
338

ولا وجه لتوهم أن يكون التخيير بينها شرعيا ضرورة أن نسبتها إلى الواجب نسبة
أفراد الطبايع إليها كما لا يخفى، ووقوع الموسع فضلا عن امكانه مما لا ريب فيه ولا
شبهة تعتريه ولا اعتناء ببعض التسويلات كما يظهر من المطولات (ثم) انه لا دلالة
339

للامر بالموقت بوجه على الامر به في خارج الوقت بعد فوته في الوقت لو لم نقل
بدلالته على عدم الامر به (نعم) لو كان التوقيت بدليل منفصل لم يكن له
اطلاق على التقييد بالوقت وكان لدليل الواجب اطلاق لكان قضية اطلاقه ثبوت
الوجوب بعد انقضاء الوقت وكون التقييد به بحسب تمام المطلوب لا أصله (وبالجملة)
340

التقييد بالوقت كما يكون بنحو وحدة المطلوب كذلك ربما يكون بنحو تعدد المطلوب
بحيث كان أصل الفعل ولو في خارج الوقت مطلوبا في الجملة وإن لم يكن بتمام المطلوب
الا انه لا بد في اثبات انه بهذا النحو من دلالة ولا يكفى الدليل على الوقت الا فيما
عرفت ومع عدم الدلالة فقضية أصالة البراءة عدم وجوبها في خارج الوقت ولا مجال
لاستصحاب وجوب الموقت بعد انقضاء الوقت فتدبر جيدا
341

فصل
الامر بالأمر بشئ أمر به لو كان الغرض حصوله ولم يكن له غرض في
توسيط أمر الغير به الا بتبليغ امره به كما هو المتعارف في أمر الرسل بالأمر أو النهي
وأما لو كان الغرض من ذاك يحصل بامره بذلك الشئ من دون تعلق غرضه به أو مع تعلق
غرضه به لا مطلقا بل بعد تعلق أمره به فلا يكون أمرا بذاك الشئ كما لا يخفى وقد انقدح
بذلك أنه لا دلالة بمجرد الامر بالأمر على كونه أمرا به ولابد في الدلالة عليه من قرينة عليه
342

فصل
إذا ورد أمر بشئ بعد الامر به قبل امتثاله فهل يوجب تكرار ذاك الشئ
أو تأكيد الامر الأول والبعث الحاصل به؟ قضية إطلاق المادة هو التأكيد فان
الطلب تأسيسا لا يكاد يتعلق بطبيعة واحدة مرتين من دون أن يجيئ تقييد لها في
البين ولو كان بمثل مرة أخرى كي يكون متعلق كل منهما غير متعلق الآخر كما لا
يخفى، والمنساق من اطلاق الهيئة وان كان هو تأسيس الطلب لا تأكيده إلا أن
الظاهر هو انسباق التأكيد عنها فيما كانت مسبوقة بمثلها ولم يذكر هناك سبب،
أو ذكر سبب واحد.
343

المقصد الثاني في النواهي
(فصل)
الظاهر أن النهي بمادته وصيغته في الدلالة على الطلب مثل الامر بمادته وصيغته
غير أن متعلق الطلب في أحدهما الوجود وفى الآخر العدم فيعتبر فيه
344

ما استظهرنا اعتباره فيه بلا تفاوت أصلا. نعم يختص النهي بخلاف وهو أن متعلق
الطلب فيه هل هو الكف أو مجرد الترك وان لا يفعل؟ والظاهر هو الثاني (وتوهم)
أن الترك ومجرد أن لا يفعل خارج عن تحت الاختيار فلا يصح ان يتعلق به البعث
345

والطلب (فاسد) فان الترك أيضا يكون مقدورا والا لما كان الفعل مقدورا
وصادرا بالإرادة والاختيار وكون العدم الأزلي لا بالاختيار لا يوجب أن يكون كذلك
بحسب البقاء والاستمرار الذي يكون بحسبه محلا للتكليف (ثم) إنه لا دلالة
لصيغته على الدوام والتكرار كما لا دلالة لصيغة الامر وان كان قضيتهما عقلا تختلف
ولو مع وحدة متعلقهما بأن يكون طبيعة واحدة بذاتها وقيدها تعلق بها الامر مرة
والنهي أخرى ضرورة أن وجودها يكون بوجود فرد واحد وعدمها لا يكاد يكون
إلا بعدم الجميع كما لا يخفى
346

ومن ذلك يظهر أن الدوام والاستمرار إنما يكون في النهي إذا كان متعلقه طبيعة
مطلقة
347

غير مقيدة بزمان أو حال فإنه حينئذ لا يكاد يكون مثل هذه الطبيعة معدومة إلا بعدم جميع
أفرادها الدفعية والتدريجية (وبالجملة) قضية النهي ليس إلا ترك تلك الطبيعة التي
تكون متعلقة له كانت مقيدة أو مطلقة وقضية تركها عقلا انما هو ترك جميع افرادها
(ثم) انه لا دلالة للنهي على إرادة الترك لو خولف أو عدم ارادته بل لابد في تعيين
ذلك من دلالة
348

ولو كان إطلاق المتعلق من هذه الجهة ولا يكفى إطلاقها من سائر الجهات فتدبر جيدا
فصل
اختلفوا في جواز اجتماع الأمر والنهي في واحد وامتناعه على أقوال (ثالثها)
جوازه عقلا وامتناعه عرفا وقبل الخوض في المقصود يقدم أمور (الأول) المراد
بالواحد مطلق ما كان ذا وجهين ومندرجا تحت عنوانين بأحدهما كان موردا للامر
349

وبالآخر للنهي وان كان كليا مقولا على كثيرين كالصلاة في المغصوب وإنما ذكر
لاخراج ما إذا تعدد متعلق الامر والنهى ولم يجتمعا وجودا ولو جمعهما واحد مفهوما
كالسجود لله تعالى والسجود للصنم مثلا لا لاخراج الواحد الجنسي أو النوعي
كالحركة والسكون الكليين المعنونين بالصلاتية والغصبية (الثاني) الفرق بين هذه
المسألة ومسألة النهى في العبادات هو أن الجهة المبحوث عنها فيها التي بها تمتاز المسائل
هي أن تعدد الوجه والعنوان في الواحد يوجب تعدد متعلق الأمر والنهي - بحيث
350

يرتفع به غائلة استحالة الاجتماع في الواحد بوجه واحد - أولا يوجبه بل يكون حاله
حاله؟ فالنزاع في سراية كل من الامر والنهى إلى متعلق الآخر لاتحاد متعلقيهما
وجودا وعدم سرايته لتعددهما وجها وهذا بخلاف الجهة المبحوث عنها في المسألة الأخرى
فان البحث فيها في أن النهي في العبادة أو المعاملة يوجب فسادها بعد الفراغ عن
التوجه إليها (نعم) لو قيل بالامتناع مع ترجيح جانب النهي في مسألة الاجتماع
يكون مثل الصلاة في الدار المغصوبة من صغريات تلك المسألة فانقدح أن الفرق بين
المسألتين في غاية الوضوح
351

(واما) ما افاده في الفصول من الفرق بما هذه عبارته: ثم اعلم أن الفرق بين المقام والمقام
المتقدم هو أن الأمر والنهي هل يجتمعان في شئ واحد أولا؟ أما في المعاملات
فظاهر وأما في العبادات فهو ان النزاع هناك فيما إذا تعلق الأمر والنهي بطبيعتين
متغايرتين بحسب الحقيقة وان كان بينهما عموم مطلق وهنا فيما إذا اتحدتا حقيقة وتغايرتا
بمجرد الاطلاق والتقييد بان تعلق الامر بالمطلق والنهي بالمقيد انتهى موضع الحاجة
(فاسد) فان مجرد تعدد الموضوعات وتغايرها بحسب الذوات لا يوجب التمايز بين
المسائل ما لم يكن هناك اختلاف الجهات ومعه لا حاجة أصلا إلى تعددها بل لا بد من
عقد مسألتين مع وحدة الموضوع وتعدد الجهة المبحوث عنها وعقد مسألة واحدة في
صورة العكس كما لا يخفى. ومن هنا انقدح أيضا فساد الفرق بأن النزاع هنا في جواز
الاجتماع عقلا وهناك في دلالة النهي لفظا فان مجرد ذلك
352

ما لم يكن تعدد الجهة في البين لا يوجب الا تفصيلا في المسألة الواحدة لا عقد مسألتين
هذا مع عدم اختصاص النزاع في تلك المسألة بدلالة اللفظ كما سيظهر (الثالث)
انه حيث كانت نتيجة هذه المسألة مما تقع في طريق الاستنباط كانت المسألة من
المسائل الأصولية لا من مباديها الاحكامية ولا التصديقية
353

ولا من المسائل الكلامية ولا من المسائل الفرعية وان كانت فيها جهاتها كما لا يخفى
ضرورة أن مجرد ذلك لا يوجب كونها منها إذا كانت فيها جهة أخرى يمكن عقدها
معها من المسائل إذ لا مجال حينئذ لتوهم عقدها من غيرها في الأصول وان عقدت
كلامية في الكلام وصح عقدها فرعية أو غيرها بلا كلام وقد عرفت في أول
الكتاب أنه لا ضير في كون مسألة واحدة يبحث فيها عن جهة خاصة من مسائل علمين
لانطباق جهتين عامتين على تلك الجهة كانت بإحداهما من مسائل علم وبالأخرى من
آخر فتذكر (الرابع) انه قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه أن المسألة عقلية ولا
اختصاص للنزاع في جواز الاجتماع والامتناع فيها بما إذا كان الايجاب والتحريم
باللفظ كما ربما يوهمه التعبير بالأمر والنهى الظاهرين في الطلب بالقول الا انه لكون
الدلالة عليهما غالبا بهما كما هو أوضح من أن يخفى وذهاب البعض إلى الجواز عقلا
والامتناع عرفا ليس بمعنى
354

دلالة اللفظ بل بدعوى أن الواحد بالنظر الدقيق العقلي اثنان وأنه بالنظر المسامحي
العرفي واحد ذو وجهين وإلا فلا يكون معنى محصلا للامتناع العرفي غاية الامر دعوى
دلالة اللفظ على عدم الوقوع بعد اختيار جواز الاجتماع فتدبر جيدا (الخامس)
لا يخفى ان ملاك النزاع في جواز الاجتماع والامتناع يعم جميع أقسام الايجاب
والتحريم كما هو قضية اطلاق لفظ الامر والنهى ودعوى الانصراف إلى النفسيين
التعيينيين العينيين في مادتهما غير خالية عن الاعتساف وان سلم في صيغتهما - مع أنه
فيها ممنوع نعم لا يبعد دعوى الظهور والانسباق من الاطلاق بمقدمات الحكمة غير
الجارية في المقام لما عرفت من عموم الملاك لجميع الأقسام وكذا ما وقع في البين من
النقض والابرام (مثلا) إذا أمر بالصلاة والصوم تخييرا بينهما وكذلك نهى عن
التصرف في الدار والمجالسة مع الأغيار فصلى فيها مع مجالستهم كان حال الصلاة فيها
حالها كما إذا أمر بها تعيينا ونهى عن التصرف
355

فيها كذلك في جريان النزاع في الجواز والامتناع ومجيئ أدلة الطرفين وما وقع
من النقض والابرام في البين فتفطن (السادس) انه ربما يؤخذ في محل النزاع
قيد المندوحة في مقام الامتثال بل ربما قيل بأن الاطلاق إنما هو للاتكال على الوضوح
إذ بدونها يلزم التكليف بالمحال ولكن التحقيق مع ذلك عدم اعتبارها في ما هو المهم
في محل النزاع من لزوم المحال وهو اجتماع الحكمين المتضادين وعدم الجدوى في كون
356

موردهما موجها بوجهين في رفع غائلة اجتماع الضدين أو عدم لزومه وأن تعدد الوجه
يجدي في رفعها ولا يتفاوت في ذلك أصلا وجود المندوحة وعدمها، ولزوم التكليف
بالمحال بدونها محذور آخر لا دخل له بهذا النزاع (نعم) لا بد من اعتبارها في
الحكم بالجواز فعلا لمن يرى التكليف بالمحال محذورا ومحالا كما ربما لا بد من اعتبار
أمر آخر في الحكم به كذلك أيضا (وبالجملة) لا وجه لاعتبارها إلا لاجل اعتبار
القدرة على الامتثال وعدم لزوم التكليف بالمحال ولا دخل له بما هو المحذور في المقام
من التكليف المحال فافهم واغتنم (السابع) أنه ربما يتوهم تارة أن النزاع في
الجواز والامتناع يبتني على القول بتعلق الاحكام بالطبايع، وأما الامتناع - على
القول بتعلقها بالافراد - فلا يكاد يخفى ضرورة لزوم تعلق الحكمين بواحد شخصي
ولو كان
357

ذا وجهين على هذا القول وأخرى أن القول بالجواز مبني على القول بالطبايع لتعدد
متعلق الأمر والنهي ذاتا عليه وان اتحد وجودا والقول بالامتناع على القول بالافراد
لاتحاد متعلقهما شخصا خارجا وكونه فردا واحدا (وأنت خبير) بفساد كلا
التوهمين فان تعدد الوجه ان كان يجدي بحيث لا يضر معه الاتحاد بحسب الوجود
والايجاد لكان يجدي ولو على القول بالافراد فان الموجود الخارجي الموجه بوجهين
يكون فردا لكل من الطبيعتين فيكون مجمعا لفردين موجودين بوجود واحد فكما
لا يضر وحدة الوجود بتعدد الطبيعتين لا يضر بكون المجمع اثنين بما هو مصداق
وفرد لكل من الطبيعتين وإلا لما كان يجدي أصلا حتى على القول بالطبايع كما
لا يخفى لوحدة الطبيعتين وجودا واتحادهما خارجا فكما أن وحدة الصلاتية والغصبية
في الصلاة في الدار المغصوبة وجودا غير ضائر بتعددهما وكونهما طبيعتين كذلك وحدة
358

ما وقع في الخارج من خصوصيات الصلاة فيها وجودا غير ضائر بكونه فردا للصلاة
فيكون مأمورا به وفردا للغصب فيكون منهيا عنه فهو - على وحدته وجودا -
يكون اثنين لكونه مصداقا للطبيعتين فلا تغفل (الثامن) أنه لا يكاد يكون من
باب الاجتماع الا إذا كان في كل واحد من متعلقي الايجاب والتحريم مناط حكمه مطلقا حتى
في مورد التصادق والاجتماع كي يحكم على الجواز بكونه فعلا محكوما بالحكمين وعلى الامتناع
بكونه محكوما بأقوى المناطين أو بحكم آخر غير الحكمين فيما لم يكن هناك أحدهما أقوى كما
يأتي تفصيله، وأما إذا لم يكن للمتعلقين مناط كذلك فلا يكون من هذا الباب ولا يكون
مورد الاجتماع محكوما الا بحكم واحد منهما إذا كان له مناطه أو حكم آخر غيرهما فيما لم
يكن لواحد منهما قيل بالجواز أو الامتناع. هذا بحسب مقام الثبوت وأما بحسب
مقام الدلالة والاثبات فالروايتان الدالتان على الحكمين متعارضتان إذا أحرز أن
المناط من قبيل الثاني فلا بد
359

من عمل المعارضة حينئذ بينهما من الترجيح والتخيير وإلا فلا تعارض في البين بل كان
من باب التزاحم بين المقتضيين فربما كان الترجيح مع ما هو أضعف دليلا لكونه
أقوى مناطا فلا مجال حينئذ لملاحظة مرجحات الروايات أصلا بل لا بد من ملاحظة
مرجحات المقتضيات المتزاحمات كما يأتي الإشارة إليها (نعم) لو كان كل منهما
متكفلا للحكم الفعلي لوقع بينهما التعارض فلا بد من ملاحظة مرجحات باب المعارضة
لو لم يوفق بينهما بحمل أحدهما على الحكم الاقتضائي بملاحظة مرجحات باب المزاحمة
360

فتفطن (التاسع) أنه قد عرفت أن المعتبر في هذا الباب أن يكون كل واحد من
الطبيعة المأمور بها والمنهي عنها مشتملة على مناط الحكم مطلقا حتى في حال الاجتماع
فلو كان هناك ما دل على ذلك من اجماع أو غيره فلا اشكال ولو لم يكن الا اطلاق
دليلي الحكمين ففيه تفصيل وهو ان الاطلاق لو كان في بيان الحكم الاقتضائي لكان
دليلا على ثبوت المقتضي والمناط في مورد الاجتماع فيكون من هذا الباب ولو كان
بصدد الحكم الفعلي فلا اشكال في استكشاف ثبوت المقتضي في الحكمين على القول
بالجواز الا إذا علم اجمالا بكذب أحد الدليلين فيعامل معهما معاملة المتعارضين (وأما)
على القول بالامتناع فالاطلاقان متنافيان من غير دلالة على ثبوت المقتضي للحكمين في
مورد الاجتماع أصلا فان انتفاء أحد المتنافيين كما يمكن أن يكون لاجل المانع مع ثبوت
المقتضي له يمكن أن يكون لاجل انتفائه (إلا) أن يقال: إن
361

قضية التوفيق بينهما هو حمل كل منهما على الحكم الاقتضائي لو لم يكن أحدهما أظهر
وإلا فخصوص الظاهر منهما (فتلخص) أنه كلما كانت هناك دلالة على ثبوت
المقتضى في الحكمين كان من مسألة الاجتماع وكلما لم تكن هناك دلالة عليه فهو من
باب التعارض مطلقا إذا كانت هناك دلالة على انتفائه في أحدهما بلا تعيين ولو على
الجواز وإلا فعلى الامتناع (العاشر) أنه لا اشكال في سقوط الامر وحصول
الامتثال باتيان المجمع
362

بداعي الامر على الجواز مطلقا ولو في العبادات وان كان معصية للنهي أيضا وكذا
الحال على الامتناع مع ترجيح جانب الامر إلا أنه لا معصية عليه وأما عليه وترجيح
جانب النهي فيسقط به الامر به مطلقا في غير العبادات لحصول الغرض الموجب له
وأما فيها فلا مع الالتفات إلى الحرمة
363

أو بدونه تقصيرا فإنه وإن كان متمكنا مع عدم الالتفات من قصد القربة وقد قصدها
إلا أنه مع التقصير لا يصلح لان يتقرب به أصلا فلا يقع مقربا وبدونه لا يكاد يحصل
به الغرض الموجب للامر به عبادة كما لا يخفى (وأما) إذا لم يلتفت إليها قصورا
وقد قصد القربة باتيانه فالامر يسقط لقصد التقرب بما يصلح أن يتقرب به لاشتماله على
المصلحة مع صدوره حسنا لاجل الجهل بحرمته قصورا فيحصل به الغرض من الامر
364

فيسقط به قطعا وإن لم يكن امتثالا له بناء على تبعية الاحكام لما هو الأقوى من جهات
المصالح والمفاسد واقعا لا لما هو المؤثر منها فعلا للحسن أو القبح
365

لكونهما تابعين لما علم منهما كما حقق في محله - مع أنه يمكن أن يقال بحصول الامتثال
مع ذلك
366

فان العقل لا يرى تفاوتا بينه وبين سائر الافراد في الوفاء بغرض الطبيعة المأمور بها
وإن لم تعمه بما هي مأمور بها لكنه لوجود المانع لا لعدم المقتضى، ومن هنا انقدح
انه يجزى ولو قيل باعتبار قصد الامتثال في صحة العبادة وعدم كفاية الاتيان بمجرد
المحبوبية كما يكون كذلك في ضد الواجب حيث لا يكون هناك امر يقصد أصلا
(وبالجملة) مع الجهل قصورا بالحرمة موضوعا أو حكما يكون الاتيان بالمجمع امتثالا
وبداعي الامر بالطبيعة لا محالة غاية الامر انه لا يكون مما تسعه بما هي مأمور بها لو قيل
بتزاحم الجهات في مقام تأثيرها للاحكام الواقعية، وأما لو قيل بعدم التزاحم إلا في
مقام فعلية الاحكام لكان مما تسعه وامتثالا لأمرها بلا كلام وقد انقدح بذلك
الفرق بين ما إذا كان دليلا الحرمة والوجوب متعارضين وقدم دليل الحرمة تخييرا
أو ترجيحا حيث لا يكون معه مجال للصحة أصلا وبين ما إذا كانا من باب الاجتماع
وقيل بالامتناع وتقديم جانب الحرمة حيث يقع صحيحا في غير مورد من موارد
الجهل والنسيان لموافقته للغرض بل للامر ومن هنا علم أن الثواب عليه من قبيل
367

الثواب على الإطاعة لا الانقياد ومجرد اعتقاد الموافقة وقد ظهر بما ذكرناه وجه حكم
الأصحاب بصحة الصلاة في الدار المغصوبة مع النسيان أو الجهل بالموضوع بل أو
الحكم إذا كان عن قصور مع أن الجل لولا الكل قائلون بالامتناع وتقديم الحرمة
ويحكمون بالبطلان في غير موارد العذر فلتكن من ذلك على ذكر (إذا) عرفت
هذه الأمور فالحق هو القول بالامتناع - كما ذهب إليه المشهور - وتحقيقه على
وجه يتضح به فساد ما قيل أو يمكن ان يقال من وجوه الاستدلال لسائر الأقوال
يتوقف على تمهيد مقدمات (إحداها) انه لا ريب في أن الأحكام الخمسة متضادة
في مقام فعليتها وبلوغها إلى مرتبة البعث والزجر ضرورة ثبوت المنافاة والمعاندة التامة
بين البعث نحو واحد في زمان والزجر عنه في ذاك الزمان وإن لم يكن بينها مضادة
ما لم تبلغ إلى تلك المرتبة لعدم المنافاة والمعاندة
368

بين وجوداتها الانشائية قبل البلوغ إليها كما لا يخفى فاستحالة اجتماع الأمر والنهي
في واحد لا يكون من باب التكليف بالمحال بل من جهة انه بنفسه محال فلا يجوز عند
من يجوز التكليف بغير المقدور أيضا (ثانيتها) أنه لا شبهة في أن متعلق الاحكام
هو فعل المكلف
369

وما هو في الخارج يصدر عنه وهو فاعله وجاعله لا ما هو اسمه - وهو واضح - ولا
ما هو عنوانه مما قد انتزع عنه بحيث لولا انتزاعه تصورا واختراعه ذهنا لما كان
بحذائه شئ خارجا ويكون خارج المحمول كالملكية والزوجية والرقية والحرية
والمغصوبية إلى غير ذلك من الاعتبارات والإضافات، ضرورة ان البعث ليس نحوه
والزجر لا يكون نحوه وانما يؤخذ في متعلق الاحكام آلة للحاظ متعلقاتها والإشارة
إليها بمقدار الغرض منها والحاجة إليها لا بما هو هو وبنفسه وعلى استقلاله وحياله (ثالثتها)
370

أنه لا يوجب تعدد الوجه والعنوان تعدد المعنون ولا ينثلم به وحدته فان المفاهيم
المتعددة والعناوين الكثيرة ربما تنطبق على الواحد وتصدق على الفارد الذي لا كثرة
فيه من جهة بل بسيط من جميع الجهات ليس فيه حيث غير حيث وجهة مغايرة لجهة
أصلا كالواجب تبارك وتعالى فهو على بساطته ووحدته وأحديته تصدق عليه مفاهيم
الصفات الجلالية والكمالية له الأسماء الحسنى والأمثال العليا لكنها بأجمعها حاكية عن
ذاك الواحد الفرد الأحد
عباراتنا شتى وحسنك واحد * وكل إلى ذاك الجمال يشير
(رابعتها) أنه لا يكاد يكون للموجود بوجود واحد إلا ماهية واحدة وحقيقة فاردة
لا يقع في جواب السؤال عن الحقيقة بما هو الا تلك الماهية فالمفهومان المتصادقان على
371

على ذاك لا يكاد يكون كل منهما ماهية وحقيقة وكانت عينه في الخارج كما هو شأن
الطبيعي وفرده فيكون الواحد وجودا واحدا ماهية وذاتا لا محالة فالمجمع وان تصادقا
عليه متعلقا الأمر والنهي الا انه كما يكون واحدا وجودا يكون واحدا ماهية وذاتا
ولا يتفاوت فيه القول بأصالة الوجود أو أصالة الماهية. ومنه ظهر عدم ابتناء القول
بالجواز والامتناع في المسألة على القولين في تلك المسألة كما توهم في الفصول
372

كما ظهر عدم الابتناء على تعدد وجود الجنس والفصل في الخارج وعدم تعدده
ضرورة عدم كون العنوانين المتصادقين عليه من قبيل الجنس والفصل له وأن مثل
الحركة في دار من أي مقولة كانت لا يكاد يختلف حقيقتها وماهيتها ويتخلف
ذاتياتها وقعت جزءا للصلاة أو لا كانت تلك الدار مغصوبة أولا (1) إذا عرفت
ما مهدناه عرفت أن المجمع حيث كان واحدا وجودا وذاتا كان تعلق الأمر والنهي
به محالا ولو كان تعلقهما به بعنوانين لما عرفت من كون فعل المكلف بحقيقته وواقعيته
الصادرة عنه متعلقا للاحكام لا بعناوينه الطارية عليه وأن غائلة اجتماع الضدين فيه
لا تكاد ترتفع بكون الاحكام تتعلق بالطبايع لا الافراد فان غاية تقريبه أن يقال:
إن الطبايع من حيث هي هي وان كانت ليست الا هي ولا يتعلق بها الأحكام الشرعية
كالآثار العادية والعقلية الا انها - مقيدة بالوجود بحيث كان القيد خارجا
والتقييد داخلا - صالحة لتعلق الاحكام بها. ومتعلقا الأمر والنهي على هذا لا
يكونان متحدين أصلا لا في مقام تعلق البعث والزجر

(1) وقد عرفت أن صدق العناوين المتعددة لا يكاد تنثلم به وحدة المعنون
لا ذاتا ولا وجودا غايته أن يكون له خصوصية بها يستحق الاتصاف بها،
ومحدودا بحدود موجبة لانطباقها عليه كما لا يخفى وحدوده ومخصصاته لا توجب
تعدده بوجه أصلا فتدبر جيدا (منه قدس سره)
373

ولا في مقام عصيان النهي وإطاعة الامر باتيان المجمع بسوء الاختيار (أما) في المقام الأول
فلتعددهما بما هما متعلقان لهما وان كانا متحدين فيما هو خارج عنهما بما هما كذلك (وأما) في المقام
الثاني فلسقوط أحدهما بالإطاعة والآخر بالعصيان بمجرد الاتيان ففي أي مقام اجتمع
الحكمان في واحد؟ وأنت خبير بأنه لا يكاد يجدي بعد ما عرفت من أن تعدد
العنوان لا يوجب تعدد المعنون لا وجودا ولا ماهية ولا تنثلم به وحدته أصلا، وأن
المتعلق للاحكام هو المعنونات لا العنوانات، وأنها إنما تؤخذ في المتعلقات بما هي
حاكيات كالعبارات لا بما هي على حيالها واستقلالها. كما ظهر مما حققناه أنه لا يكاد
يجدي أيضا كون الفرد مقدمة لوجود الطبيعي المأمور به أو المنهي عنه وأنه لا ضير
في كون المقدمة
374

محرمة في صورة عدم الانحصار بسوء الاختيار، وذلك - مضافا إلى وضوح فساده وأن
الفرد هو عين الطبيعي في الخارج كيف والمقدمية تقتضي الاثنينية بحسب الوجود
ولا تعدد كما هو واضح؟ أنه انما يجدي لو لم يكن المجمع واحدا ماهية وقد عرفت
بما لا مزيد عليه انه بحسبها أيضا واحد. ثم إنه قد استدل على الجواز بأمور (منها)
انه لو لم يجز اجتماع الأمر والنهي لما وقع نظيره وقد وقع كما في العبادات المكروهة
كالصلاة في مواضع التهمة وفى الحمام والصيام في السفر وفى بعض الأيام (بيان)
الملازمة انه لو لم يكن تعدد الجهة مجديا في امكان اجتماعهما لما جاز اجتماع حكمين
375

آخرين في مورد مع تعددها لعدم اختصاصهما من بين الاحكام بما يوجب الامتناع
من التضاد بداهة تضادها بأسرها والتالي باطل لوقوع اجتماع الكراهة والايجاب أو
الاستحباب في مثل الصلاة في الحمام والصيام في السفر وفي عاشوراء - ولو في
الحضر - واجتماع الوجوب أو الاستحباب مع الإباحة أو الاستحباب في مثل الصلاة
في المسجد أو الدار (والجواب) عنه أما إجمالا فبأنه لا بد من التصرف والتأويل
فيما وقع في الشريعة مما ظاهره الاجتماع بعد قيام الدليل على الامتناع ضرورة أن
الظهور لا يصادم البرهان - مع أن قضية ظهور تلك الموارد اجتماع الحكمين فيها
بعنوان واحد ولا يقول الخصم بجوازه كذلك بل بالامتناع ما لم يكن بعنوانين
وبوجهين فهو أيضا لا بدله من التفصي عن اشكال الاجتماع فيها لا سيما إذا لم يكن
هناك مندوحة كما في العبادات المكروهة التي لا بدل لها فلا يبقى له مجال للاستدلال
بوقوع الاجتماع فيها على جوازه أصلا كما لا يخفى (وأما) تفصيلا فقد أجيب
عنه بوجوه يوجب ذكرها بما فيها من النقض والابرام طول الكلام بما لا يسعه المقام
فالأولى الاقتصار على ما هو التحقيق في حسم مادة الاشكال فيقال وعلى الله
الاتكال: إن العبادات المكروهة على ثلاثة أقسام (أحدها) ما تعلق به
النهي بعنوانه وذاته ولا بدل له كصوم يوم عاشوراء والنوافل المبتدأة في بعض
376

الأوقات (ثانيها) ما تعلق به النهي كذلك ويكون له البدل كالنهي عن
الصلاة في الحمام (ثالثها) ما تعلق النهي به لا بذاته بل بما هو مجامع معه وجودا
أو ملازم له خارجا كالصلاة في مواضع التهمة بناء على كون النهي عنها لاجل اتحادها
مع الكون في مواضعها (أما القسم الأول) فالنهي تنزيها عنه بعد الاجماع على أنه
يقع صحيحا ومع ذلك يكون تركه أرجح كما يظهر من مداومة الأئمة عليهم
السلام على الترك إما لاجل انطباق عنوان ذي مصلحة على الترك فيكون الترك كالفعل
ذا مصلحة موافقة للغرض وان كان مصلحة الترك أكثر فهما حينئذ يكونان من
قبيل المستحبين المتزاحمين فيحكم بالتخيير بينهما لو لم يكن أهم في البين والا فيتعين
الأهم وان كان الآخر يقع صحيحا حيث إنه كان راجحا وموافقا للغرض كما هو
الحال في سائر المستحبات المتزاحمات بل الواجبات وأرجحية الترك من الفعل
377

لا توجب (1) حزازة ومنقصة فيه أصلا كما يوجبها ما إذا كان فيه مفسدة غالبة على
مصلحته ولذا لا يقع صحيحا على الامتناع فان الحزازة والمنقصة فيه مانعة عن صلاحية
التقرب به بخلاف المقام فإنه على ما هو عليه من الرجحان وموافقة الغرض كما إذا لم
يكن تركه راجحا بلا حدوث حزازة فيه أصلا (وإما) لاجل ملازمة الترك لعنوان
كذلك من دون انطباقه عليه فيكون كما إذا انطبق عليه من غير تفاوت إلا في أن
الطلب المتعلق به حينئذ ليس بحقيقي بل بالعرض والمجاز فإنما يكون في الحقيقة متعلقا

(1) ربما يقال: أن أرجحية الترك وإن لم توجب منقصة وحزازة في
الفعل أصلا إلا أنه يوجب المنع منه فعلا والبعث إلى الترك قطعا كما لا يخفى ولذا
كان ضد الواجب بناء على كونه مقدمة له حراما ويفسد لو كان عبادة مع أنه
لا حزازة في فعله وانما كان النهي عنه وطلب تركه لما فيه من المقدمية له وهو
على ما هو عليه من المصلحة فالمنع لذلك كاف في فساده لو كان عبادة (قلت):
يمكن أن يقال: ان النهي التحريمي لذلك وان كان كافيا في ذلك بلا اشكال
إلا أن التنزيهي غير كاف إلا إذا كان عن حزازة فيه وذلك لبداهة عدم قابلية
الفعل للتقرب منه تعالى مع المنع عنه وعدم ترخيصه في ارتكابه بخلاف التنزيهي
عنه إذا كان لا لحزازة فيه بل لما في الترك من المصلحة الراجحة حيث إنه معه
مرخوص فيه وهو على ما هو عليه من الرجحان والمحبوبية له تعالى ولذلك لم تفسد
العبادة إذا كانت ضد المستحبة أهم اتفاقا فتأمل. (منه قدس سره)
379

بما يلازمه من العنوان بخلاف صورة الانطباق لتعلقه به حقيقة كما في سائر المكروهات
من غير فرق الا ان منشأه فيها حزازة ومنقصة في نفس الفعل وفيه رجحان في الترك
من دون حزازة في الفعل أصلا غاية الامر كون الترك أرجح (نعم) يمكن أن
يحمل النهي في كلا القسمين على الارشاد إلى الترك الذي هو أرجح من الفعل أو
ملازم لما هو الأرجح وأكثر ثوابا لذلك وعليه يكون النهي على نحو الحقيقة
لا بالعرض والمجاز فلا تغفل (وأما القسم الثاني) فالنهي فيه يمكن أن يكون لاجل
ما ذكر في القسم الأول طابق النعل بالنعل كما يمكن أن يكون بسبب حصول
380

منقصة في الطبيعة المأمور بها لاجل تشخصها في هذا القسم بمشخص غير ملائم لها كما في
الصلاة في الحمام فان تشخصها بتشخص وقوعها فيه لا يناسب كونها معراجا وإن لم
يكن نفس الكون في الحمام في الصلاة بمكروه ولا حزازة فيه أصلا بل كان راجحا
كما لا يخفى وربما يحصل لها لاجل تخصصها بخصوصية شديدة الملائمة معها مزية فيها كما
في الصلاة في المسجد والأمكنة الشريفة، وذلك لان الطبيعة المأمور بها في حد
نفسها إذا كانت مع تشخص لا يكون له شدة الملائمة ولا عدم الملائمة لها مقدار من
المصلحة والمزية كالصلاة في الدار مثلا وتزداد تلك المزية فيما كان تشخصها بما له شدة
الملائمة وتنقص فيما إذا لم تكن له ملائمة ولذلك ينقص ثوابها تارة ويزيد أخرى
ويكون النهي فيه لحدوث نقصان في مزيتها فيه
381

إرشادا إلى ما لا نقصان فيه من سائر الافراد ويكون أكثر ثوابا منه وليكن هذا
مراد من قال: إن الكراهة في العبادة بمعنى أنها تكون أقل ثوابا، ولا يرد
عليه بلزوم اتصاف العبادة التي تكون أقل ثوابا من الأخرى بالكراهة ولزوم
اتصاف ما لا مزية فيه ولا منقصة بالاستحباب لأنه أكثر ثوابا مما فيه المنقصة، لما
عرفت من أن المراد من كونه أقل ثوابا إنما هو بقياسه إلى نفس الطبيعة المتشخصة
بما لا يحدث معه مزية لها ولا منقصة من المشخصات، وكذا كونه أكثر ثوابا.
ولا يخفى أن النهي في هذا القسم لا يصح الا للارشاد بخلاف القسم الأول فإنه يكون
فيه مولويا وان كان حمله على الارشاد بمكان من الامكان
382

(وأما القسم الثالث) فيمكن أن يكون النهى فيه عن العبادة المتحدة مع ذاك
العنوان أو الملازمة له بالعرض والمجاز وكان المنهي عنه به حقيقة ذاك العنوان
ويمكن أن يكون على الحقيقة ارشادا إلى غيرها من سائر الافراد مما لا يكون متحدا
معه أو ملازما له إذ المفروض التمكن من استيفاء مزية العبادة بلا ابتلاء بحزازة ذاك
العنوان أصلا. هذا على القول بجواز الاجتماع، وأما على الامتناع فكذلك في
صورة الملازمة، وأما في صورة الاتحاد وترجيح جانب الامر - كما هو المفروض -
383

حيث أنه صحة العبادة فيكون حال النهي فيه حاله في القسم الثاني فيحمل على ما حمل
عليه فيه طابق النعل بالنعل حيث أنه بالدقة يرجع إليه، إذ على الامتناع ليس
الاتحاد مع العنوان الآخر إلا من مخصصاته ومشخصاته التي تختلف الطبيعة المأمور بها
في المزية زيادة ونقيصة بحسب اختلافها في الملائمة كما عرفت وقد انقدح بما ذكرناه
أنه لا مجال أصلا لتفسير الكراهة في العبادة بأقلية الثواب في القسم الأول مطلقا
وفي هذا القسم على القول بالجواز،
384

كما انقدح حال اجتماع الوجوب والاستحباب فيها وان الامر الاستحبابي يكون على
نحو الارشاد إلى أفضل الافراد مطلقا على نحو الحقيقة، ومولويا اقتضائيا كذلك،
وفعليا بالعرض والمجاز فيما كان ملاكه ملازمتها لما هو مستحب أو متحد معه على
القول بالجواز (ولا يخفى) أنه لا يكاد يأتي القسم الأول ههنا فان انطباق عنوان
راجح على الفعل الواجب الذي لا بدل له إنما يؤكد ايجابه لا أنه يوجب استحبابه
أصلا ولو بالعرض والمجاز
385

إلا على القول بالجواز، وكذا فيما إذا لازم مثل هذا العنوان فإنه لو لم يؤكد الايجاب لما
يصحح الاستحباب الا اقتضائيا بالعرض والمجاز فتفطن (ومنها) أن أهل العرف يعدون من أتى
بالمأمور به في ضمن الفرد المحرم مطيعا وعاصيا من وجهين فإذا امر المولى عبده بخياطة ثوب ونهاه
عن الكون في مكان خاص كما مثل به الحاجبي والعضدي فلو خاطه في ذاك المكان عد
مطيعا لامر الخياطة وعاصيا للنهي عن الكون في ذلك المكان (وفيه) - مضافا إلى المناقشة
في المثال بأنه ليس من باب الاجتماع ضرورة أن الكون المنهي عنه غير متحد مع الخياطة
386

وجودا أصلا كما لا يخفى (المنع) إلا عن صدق أحدهما إما الإطاعة بمعنى الامتثال
فيما غلب جانب الامر أو العصيان فيما غلب جانب النهي لما عرفت من البرهان على
الامتناع (نعم) لا بأس بصدق الإطاعة بمعنى حصول الغرض والعصيان في التوصليات
وأما في العبادات فلا يكاد يحصل الغرض منها إلا فيما صدر من المكلف فعلا غير
محرم وغير مبغوض عليه كما تقدم (بقي) الكلام في حال التفصيل من بعض
الاعلام والقول بالجواز عقلا والامتناع عرفا (وفيه) أنه لا سبيل للعرف في الحكم
بالجواز أو الامتناع إلا طريق العقل فلا معنى لهذا التفصيل إلا ما أشرنا إليه من
النظر المسامحي غير المبتنى على التدقيق والتحقيق وأنت خبير بعدم العبرة به بعد
الاطلاع على خلافه بالنظر الدقيق وقد عرفت فيما تقدم أن النزاع ليس في خصوص
مدلول صيغة الأمر والنهي بل في الأعم فلا مجال لان يتوهم أن العرف هو المحكم في
تعيين المداليل ولعله كان بين مدلوليهما حسب تعيينه تناف لا يجتمعان في واحد ولو
387

بعنوانين وان كان العقل يرى جواز اجتماع الوجوب والحرمة في واحد
بوجهين فتدبر
وينبغي التنبيه على أمور
(الأول) أن الاضطرار إلى ارتكاب الحرام وان كان يوجب ارتفاع
حرمته والعقوبة عليه مع بقاء ملاك وجوبه - لو كان - مؤثرا له كما إذا لم
يكن بحرام
388

بلا كلام الا انه إذا لم يكن الاضطرار إليه بسوء الاختيار بأن يختار ما يؤدى إليه
لا محالة فان الخطاب بالزجر عنه حينئذ وان كان ساقطا إلا أنه حيث يصدر عنه مبغوضا
عليه وعصيانا لذاك الخطاب ومستحقا عليه العقاب لا يصلح لان يتعلق به الايجاب،
وهذا في الجملة مما لا شبهة فيه ولا ارتياب وإنما الاشكال فيما إذا كان ما اضطر إليه
بسوء اختياره مما ينحصر به التخلص عن محذور الحرام كالخروج عن الدار المغصوبة
فيما إذا توسطها بالاختيار
389

في كونه منهيا عنه أو مأمورا به مع جريان حكم المعصية عليه أو بدونه فيه أقوال.
هذا على الامتناع، وأما على القول بالجواز فعن أبي هاشم انه مأمور به ومنهي عنه
واختاره الفاضل القمي ناسبا له إلى أكثر المتأخرين وظاهر الفقهاء (والحق) أنه
منهي عنه بالنهي السابق الساقط بحدوث الاضطرار إليه وعصيان له بسوء الاختيار
ولا يكاد يكون مأمورا به كما إذا لم يكن هناك توقف (1) عليه أو بلا انحصار به

(1) لا يخفى انه لا توقف هاهنا حقيقة بداهة ان الخروج انما هو مقدمة
للكون في خارج الدار لا مقدمة لترك الكون فيها الواجب لكونه ترك الحرام
نعم بينهما ملازمة لاجل التضاد بين الكونين ووضوح الملازمة بين وجود
الشئ وعدم ضده فيجب الكون في خارج الدار عرضا لوجوب ملازمه حقيقة
فتجب مقدمته كذلك وهذا هو الوجه في المماشاة والجري على أن مثل الخروج
يكون مقدمة لما هو الواجب من ترك الحرام فافهم. منه قدس سره
390

وذلك ضرورة انه حيث كان قادرا على ترك الحرام رأسا لا يكون عقلا معذورا في
مخالفته فيما اضطر إلى ارتكابه بسوء اختياره ويكون معاقبا عليه كما إذا كان ذلك بلا
توقف عليه أو مع عدم الانحصار به ولا يكاد يجدي توقف انحصار التخلص عن
الحرام به لكونه بسوء الاختيار
391

(ان قلت): كيف لا يجديه ومقدمة الواجب واجبة؟ (قلت) إنما تجب المقدمة
لو لم تكن محرمة ولذا لا يترشح الوجوب من الواجب إلا على ما هو المباح من
المقدمات دون المحرمة مع اشتراكهما في المقدمية، واطلاق الوجوب بحيث ربما
يترشح منه الوجوب عليها مع انحصار المقدمة بها إنما هو فيما إذا كان الواجب أهم
من ترك المقدمة المحرمة والمفروض ههنا
392

وإن كان ذلك الا انه كان بسوء الاختيار ومعه لا يتغير عما هو عليه من الحرمة
والمبغوضية والا لكانت الحرمة معلقة على إرادة المكلف واختياره لغيره وعدم
حرمته مع اختياره له وهو كما ترى - مع أنه خلاف الفرض
393

وأن الاضطرار يكون بسوء الاختيار (ان قلت): إن التصرف في أرض الغير
بدون اذنه بالدخول والبقاء حرام بلا إشكال ولا كلام وأما التصرف بالخروج الذي
يترتب عليه رفع الظلم ويتوقف عليه التخلص عن التصرف الحرام فهو ليس بحرام في
حال من الحالات بل حاله حال مثل شرب الخمر المتوقف عليه النجاة من الهلاك في
الاتصاف بالوجوب في جميع الأوقات، ومنه ظهر المنع عن كون جميع أنحاء التصرف
في أرض الغير مثلا حراما قبل الدخول وأنه يتمكن من ترك الجميع حتى الخروج،
وذلك لأنه لو لم يدخل لما كان متمكنا من الخروج وتركه وترك الخروج بترك
الدخول رأسا ليس في الحقيقة الا ترك الدخول فمن لم يشرب الخمر لعدم وقوعه في
المهلكة التي يعالجها به مثلا لم يصدق عليه الا انه لم يقع في المهلكة لا أنه مما ما شرب
الخمر فيها إلا على نحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع كما لا يخفى (وبالجملة)
لا يكون الخروج - بملاحظة كونه مصداقا للتخلص عن الحرام أو سببا له - إلا مطلوبا
394

ويستحيل أن يتصف بغير المحبوبية ويحكم عليه بغير المطلوبية (قلت): هذا
غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال على كون ما انحصر به التخلص مأمورا
به وهو موافق لما أفاده شيخنا العلامة - أعلى الله مقامه - على ما في تقريرات
بعض الاجلة، لكنه لا يخفى أن ما به التخلص عن فعل الحرام أو ترك الواجب
إنما يكون حسنا عقلا ومطلوبا شرعا بالفعل وان كان قبيحا ذاتا إذا لم يتمكن المكلف
من التخلص بدونه ولم يقع بسوء اختياره إما في الاقتحام في ترك الواجب أو فعل
الحرام، وإما في الاقدام على ما هو قبيح وحرام لولا أن به التخلص بلا كلام
395

كما هو المفروض في المقام ضرورة تمكنه منه قبل اقتحامه فيه بسوء اختياره،
(وبالجملة) كان قبل ذلك متمكنا من التصرف خروجا كما يتمكن منه دخولا
غاية الامر يتمكن منه بلا واسطة ومنه بالواسطة ومجرد عدم التمكن منه إلا بواسطة
لا يخرجه عن كونه مقدورا كما هو الحال في البقاء فكما يكون تركه مطلوبا في جميع
الأوقات فكذلك الخروج - مع أنه مثله في الفرعية على الدخول فكما لا تكون
الفرعية مانعة عن مطلوبيته قبله وبعده كذلك لم تكن مانعة عن مطلوبيته وان كان
العقل يحكم بلزومه إرشادا إلى اختيار أقل المحذورين وأخف القبيحين، ومن هنا
ظهر حال شرب الخمر علاجا وتخلصا عن المهلكة وانه انما يكون مطلوبا على كل
حال لو لم يكن الاضطرار إليه بسوء الاختيار وإلا فهو على ما هو عليه من الحرمة
وان كان العقل يلزمه ارشادا إلى ما هو أهم وأولى بالرعاية من تركه
396

لكون الغرض فيه أعظم فمن ترك الاقتحام فيما يؤدى إلى هلاك النفس أو شرب
الخمر لئلا يقع في أشد المحذورين منهما فيصدق انه تركهما ولو بتركه ما لو فعله لادى
لا محالة إلى أحدهما كسائر الأفعال التوليدية حيث يكون العمد إليها بالعمد إلى أسبابها
واختيار تركها بعدم العمد إلى الأسباب. وهذا يكفي في استحقاق العقاب على
الشرب للعلاج وإن كان لازما عقلا للفرار عما هو أكثر عقوبة، ولو سلم عدم
الصدق إلا بنحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع فهو غير ضائر بعد تمكنه من الترك
ولو على نحو هذه السالبة ومن الفعل بواسطة تمكنه مما هو من قبيل الموضوع في
هذه السالبة فيوقع نفسه بالاختيار في المهلكة أو يدخل الدار فيعالج بشرب الخمر
397

ويتخلص بالخروج أو يختار ترك الدخول والوقوع فيهما لئلا يحتاج إلى التخلص
والعلاج (إن قلت): كيف يقع مثل الخروج والشرب ممنوعا عنه شرعا
ومعاقبا عليه عقلا مع بقاء ما يتوقف عليه على وجوبه لسقوط الوجوب مع امتناع
المقدمة المنحصرة ولو كان بسوء الاختيار والعقل قد استقل بأن الممنوع شرعا
كالممتنع عادة أو عقلا (قلت): أولا إنما كان الممنوع كالممتنع إذا لم يحكم
العقل بلزومه إرشادا إلى ما هو أقل المحذورين وقد عرفت لزومه بحكمه فإنه مع لزوم
الاتيان بالمقدمة عقلا لا بأس في بقاء ذي المقدمة على وجوبه فإنه حينئذ ليس من
التكليف بالممتنع كما إذا كانت المقدمة ممتنعة (وثانيا) لو سلم فالساقط إنما هو
الخطاب فعلا بالبعث والايجاب لا لزوم اتيانه عقلا خروجا عن عهدة ما تنجز عليه
سابقا ضرورة أنه لو لم يأت به لوقع في المحذور الأشد ونقض الغرض الأهم حيث
398

أنه الآن كما كان عليه من الملاك والمحبوبية بلا حدوث قصور أو طروء فتور فيه
أصلا وانما كان سقوط الخطاب لاجل المانع وإلزام العقل به لذلك إرشادا كاف
لا حاجة معه إلى بقاء الخطاب بالبعث إليه والايجاب له فعلا فتدبر جيدا، وقد ظهر
مما حققناه فساد القول بكونه مأمورا به مع إجراء حكم المعصية عليه نظرا إلى النهي
السابق - مع ما فيه من لزوم اتصاف فعل واحد بعنوان واحد بالوجوب والحرمة
ولا يرتفع غائلته باختلاف زمان التحريم والايجاب قبل الدخول أو بعده كما في
الفصول مع اتحاد زمان الفعل المتعلق لهما وإنما المفيد اختلاف زمانه ولو مع اتحاد زمانهما
وهذا أوضح من أن يخفى كيف ولازمه وقوع الخروج بعد الدخول عصيانا للنهي
السابق وإطاعة للامر اللاحق فعلا ومبغوضا ومحبوبا كذلك بعنوان واحد. وهذا
399

مما لا يرضى به القائل بالجواز فضلا عن القائل بالامتناع كما لا يجدي في رفع هذه
الغائلة كون النهي مطلقا وعلى كل حال وكون الامر مشروطا بالدخول ضرورة
منافات حرمة شئ كذلك مع وجوبه في بعض الأحوال (وأما) القول بكونه
مأمورا به ومنهيا عنه ففيه - مضافا إلى ما عرفت من امتناع الاجتماع فيما إذا كان
بعنوانين فضلا عما إذا كان بعنوان واحد كما في المقام حيث كان الخروج بعنوانه
سببا للتخلص وكان بغير إذن المالك وليس التخلص الا منتزعا عن ترك الحرام
المسبب (1) عن الخروج لا عنوانا له - أن الاجتماع هاهنا لو سلم انه لا يكون
بمحال لتعدد العنوان وكونه مجديا في رفع غائلة التضاد كان محالا لاجل كونه طلب

(1) قد عرفت مما علقت على الهامش ان ترك الحرام غير مسبب عن
الخروج حقيقة وانما المسبب عنه هو الملازم له وهو الكون في خارج الدار.
نعم يكون مسببا عنه مسامحة وعرضا وقد انقدح بذلك انه لا دليل في البين إلا
على حرمة الغصب المقتضي لاستقلال العقل بلزوم الخروج من باب انه أقل
المحذورين وانه لا دليل على وجوبه بعنوان آخر فحينئذ يجب اعماله أيضا بناء على
القول بجواز الاجتماع كاحتمال النهي عن الغصب ليكون الخروج مأمورا به
ومنهيا عنه فافهم. (منه قدس سره)
400

المحال حيث لا مندوحة هنا وذلك لضرورة عدم صحة تعلق الطلب والبعث حقيقة
بما هو واجب أو ممتنع ولو كان الوجوب أو الامتناع بسوء الاختيار (وما قيل)
أن الامتناع أو الايجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار (انما) هو في قبال استدلال
الأشاعرة للقول بأن الأفعال غير اختيارية بقضية أن الشئ ما لم يجب لم يوجد. فانقدح
401

بذلك فساد الاستدلال لهذا أقول بان الامر بالتخلص والنهي عن الغصب دليلان
يجب إعمالهما ولا موجب للتقييد عقلا لعدم استحالة كون الخروج واجبا وحراما
باعتبارين مختلفين إذ منشأ الاستحالة إما لزوم اجتماع الضدين وهو غير لازم مع
تعدد الجهة وإما لزوم التكليف بما لا يطاق وهو ليس بمحال إذا كان مسببا عن سوء
الاختيار وذلك لما عرفت من ثبوت الموجب للتقييد عقلا ولو كانا بعنوانين وأن
اجتماع الضدين لازم ولو مع تعدد الجهة مع عدم تعددها ههنا والتكليف بما لا يطاق
محال على كل حال (نعم) لو كان بسوء الاختيار لا يسقط العقاب بسقوط التكليف
بالتحريم أو الايجاب. ثم لا يخفى أنه لا إشكال في صحة الصلاة مطلقا في الدار المغصوبة
على القول بالاجتماع (وأما) على القول بالامتناع فكذلك مع الاضطرار إلى الغصب
402

لا بسوء الاختيار أو معه ولكنها وقعت في حال الخروج على القول بكونه مأمورا
به بدون إجراء حكم المعصية عليه أو مع غلبة ملاك الامر على النهي مع ضيق الوقت
أما مع السعة فالصحة وعدمها مبنيان على عدم اقتضاء الامر بالشئ للنهي عن الضد
واقتضائه فان الصلاة في الدار المغصوبة وان كانت مصلحتها غالبة على ما فيها من
المفسدة الا انه لا شبهة في أن الصلاة في غيرها تضادها بناء على أنه لا يبقى مجال
مع إحداهما للأخرى مع كونها
404

أهم منها لخلوها من المنقصة الناشئة من قبل اتحادها مع الغصب لكنه عرفت عدم
الاقتضاء بما لا مزيد عليه فالصلاة في الغصب اختيارا في سعة الوقت صحيحة وإن لم
تكن مأمورا بها
405

(الامر الثاني) قد مر في بعض المقدمات أنه لا تعارض بين مثل الخطاب (صل)
وخطاب (لا تغصب) على الامتناع تعارض الدليلين بما هما دليلان حاكيان كي
يقدم الأقوى منهما دلالة أو سندا، بل إنما هو من باب تزاحم المؤثرين والمقتضيين
406

فيقدم الغالب منهما وان كان الدليل على مقتضى الآخر أقوى من دليل
409

مقتضاه هذا فيما إذا أحرز الغالب منهما وإلا كان بين الخطابين تعارض فيقدم الأقوى منهما
دلالة أو سندا وبطريق الآن يحرز به أن مدلوله أقوى مقتضيا. هذا لو كان كل
من الخطابين متكفلا لحكم فعلي وإلا فلا بد من الاخذ بالمتكفل لذلك منهما لو كان
وإلا فلا محيص عن الانتهاء إلى ما تقتضيه الأصول العملية. ثم لا يخفى أن ترجيح
أحد الدليلين وتخصيص الآخر به في المسألة لا يوجب خروج مورد الاجتماع عن
تحت الآخر رأسا كما هو قضية التقييد والتخصيص في غيرها مما لا يحرز فيه المقتضي
لكلا الحكمين بل قضيته ليس إلا خروجه فيما كان الحكم الذي هو مفاد الآخر
فعليا وذلك لثبوت المقتضي في كل واحد من الحكمين فيها فإذا لم يكن المقتضي
لحرمة الغصب مؤثرا لها لاضطرار أو جهل أو نسيان
410

كان المقتضي لصحة الصلاة مؤثرا لها فعلا كما إذا لم يكن دليل الحرمة أقوى أو لم يكن
واحد من الدليلين دالا على الفعلية أصلا فانقدح بذلك فساد الاشكال في صحة
الصلاة في صورة الجهل أو النسيان ونحوهما فيما إذا قدم خطاب (لا تغصب) كما
هو الحال فيما إذا كان الخطابان من أول الامر متعارضين ولم يكونا من باب الاجتماع
أصلا وذلك لثبوت المقتضي في هذا الباب كما إذا لم يقع بينهما تعارض ولم يكونا
متكفلين للحكم الفعلي فيكون وزان التخصيص في مورد الاجتماع وزان التخصيص
العقلي الناشئ من جهة تقديم أحد المقتضيين وتأثيره فعلا المختص بما إذا لم يمنع عن
تأثيره مانع المقتضى لصحة مورد الاجتماع مع الامر أو بدونه فيما كان هناك مانع
عن تأثير المقتضي للنهي له أو عن فعليته كما مر تفصيله (وكيف كان) فلا بد
في ترجيح أحد الحكمين من مرجح وقد ذكروا لترجيح النهي وجوها " منها "
أنه أقوى دلالة لاستلزامه انتفاء جميع الافراد بخلاف الامر وقد أورد عليه بأن
ذلك فيه من جهة اطلاق متعلقه بقرينة الحكمة كدلالة الامر على الاجتزاء بأي فرد
كان، وقد أورد عليه بأنه لو كان العموم المستفاد من النهي بالاطلاق بمقدمات
الحكمة وغير مستند إلى دلالته عليه بالاستلزام لكان استعمال مثل (لا تغصب)
411

في بعض افراد الغصب حقيقة. وهذا واضح الفساد فتكون دلالته على العموم من
جهة أن وقوع الطبيعة في حيز النفي أو النهي يقتضي عقلا سريان الحكم إلى جميع
الافراد ضرورة عدم الانتهاء عنها أو انتفائها إلا بالانتهاء عن الجميع أو انتفائه
(قلت): دلالتهما على العموم والاستيعاب ظاهرا مما لا ينكر لكنه من الواضح
أن العموم المستفاد منها كذلك إنما هو بحسب ما يراد من متعلقهما فيختلف سعة
وضيقا فلا يكاد يدل على استيعاب جميع الافراد الا إذا أريد منه الطبيعة مطلقة وبلا
قيد ولا يكاد يستظهر ذلك مع عدم دلالته عليه بالخصوص الا بالاطلاق وقرينة
الحكمة بحيث لو لم يكن هناك قرينتها بأن يكون الاطلاق في غير مقام البيان لم يكد
يستفاد استيعاب أفراد الطبيعة وذلك لا ينافي دلالتهما على استيعاب أفراد ما يراد من
المتعلق إذ الفرض عدم الدلالة على أنه المقيد أو المطلق اللهم إلا أن يقال: إن في
دلالتهما على الاستيعاب كفاية ودلالة على أن المراد من المتعلق هو المطلق كما ربما
يدعى ذلك في مثل: " كل رجل " وأن مثل لفظة (كل) تدل على استيعاب
جميع أفراد الرجل من غير حاجة إلى ملاحظة اطلاق مدخوله وقرينة الحكمة بل
يكفي إرادة ما هو معناه من الطبيعة المهملة (ولا بشرط) في دلالته على الاستيعاب
وان كان لا يلزم مجاز أصلا لو أريد منه خاص بالقرينة
412

(لا فيه) لدلالته على استيعاب أفراد ما يراد من المدخول (ولا فيه) إذا كان
بنحو تعدد الدال والمدلول لعدم استعماله الا فيما وضع له والخصوصية مستفادة من
دال آخر فتدبر " ومنها " أن دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة. وقد أورد عليه
في القوانين بأنه - مطلقا - ممنوع لان في ترك الواجب أيضا مفسدة إذا تعين،
ولا يخفى ما فيه فان الواجب ولو كان معينا ليس إلا لاجل أن في فعله مصلحة يلزم
استيفاؤها من دون أن يكون في تركه مفسدة كما أن الحرام ليس إلا لاجل المفسدة
في فعله بلا مصلحة في تركه ولكن يرد عليه أن الأولوية - مطلقا - ممنوعة
413

بل ربما يكون العكس أولى كما يشهد به مقايسة فعل بعض المحرمات مع ترك بعض
الواجبات خصوصا مثل الصلاة وما يتلو تلوها ولو سلم فهو أجنبي (1) عن المقام فإنه
فيما إذا دار بين الواجب والحرام، ولو سلم فإنما يجدي فيما

(1) فان الترجيح به انما يناسب ترجيح المكلف واختياره للفعل أو الترك
بما هو أوفق بغرضه لا المقام وهو جعل الاحكام فان المرجح هناك ليس إلا حسنها
وقبحها العقليان لا موافقة الأغراض ومخالفتها كما لا يخفى تأمل تعرف.
(منه قدس سره)
414

لو حصل القطع، ولو سلم انه يجدي ولو لم يحصل فإنما يجدي فيما لا يكون هناك مجال
لأصالة البراءة أو الاشتغال كما في دوران الامر بين الوجوب والحرمة التعينيين لا فيما
يجري كما في محل الاجتماع لأصالة البراءة عن حرمته فيحكم بصحته ولو قيل بقاعدة
الاشتغال في الشك في الأجزاء والشرائط فإنه لا مانع عقلا الا فعلية الحرمة المرفوعة
415

عقلا ونقلا بأصالة البراءة عنها (نعم) لو قيل (1) بأن المفسدة الواقعية
الغالبة مؤثرة في المبغوضية ولو لم تكن الغلبة بمحرزة فأصالة البراءة غير جارية بل
كانت أصالة الاشتغال بالواجب لو كان عبادة محكمة ولو قيل بأصالة البراءة في الأجزاء والشرائط
لعدم تأتي قصد القربة

(1) كما هو غير بعيد كله بتقريب ان احراز المفسدة والعلم بالحرمة الذاتية
كاف في تأثيرها بما لها من المرتبة ولا يتوقف تأثيرها كذلك على احرازها بمرتبتها
ولذا كان العلم بمجرد حرمة شئ موجبا لتنجز حرمته على ما هي عليه من المرتبة
ولو كانت في أقوى مراتبها ولاستحقاق العقوبة الشديدة على مخالفتها حسب
شدتها كما لا يخفى. هذا لكنه انما يكون إذا لم يحرز أيضا ما يحتمل أن يزاحمها
ويمنع عن تأثيرها المبغوضية وأما معه فيكون الفعل كما إذا لم يحرز انه ذو مصلحة
أو مفسدة مما لا يستقل العقل بحسنه أو قبحه وحينئذ يمكن أن يقال بصحته عبادة
لو أتى به بداعي الامر المتعلق بما عليه من الطبيعة بناء على عدم اعتبار أزيد من
اتيان العمل قربيا في العبادة وامتثالا للامر بالطبيعة وعدم اعتبار كونه ذاتا راجحا
كيف ويمكن أن لا يكون جل العبادات ذاتا راجحا بل انما يكون كذلك فيما إذا
أتي بها على نحو قربي. نعم المعتبر في صحة العبادة انما هو أن لا يقع منه مبغوضا عليه
كما لا يخفى. وقولنا: فتأمل، إشارة إلى ذلك. " منه قدس سره "
416

مع الشك في المبغوضية فتأمل " ومنها " الاستقراء فإنه يقتضي ترجيح جانب
الحرمة على جانب الوجوب كحرمة الصلاة في أيام الاستظهار وعدم جواز الوضوء من
الإناءين المشتبهين (وفيه) أنه لا دليل على اعتبار الاستقراء
417

ما لم يفد القطع ولو سلم فهو لا يكاد يثبت بهذا المقدار ولو سلم فليس حرمة الصلاة في
تلك الأيام ولا عدم جريان الوضوء منهما مربوطا بالمقام لان حرمة الصلاة فيها إنما
تكون لقاعدة الامكان والاستصحاب المثبتين لكون الدم حيضا فيحكم بجميع
أحكامه ومنها حرمه الصلاة عليها لا لاجل تغليب جانب الحرمة كما هو المدعى. هذا
لو قيل بحرمتها الذاتية في أيام الحيض وإلا فهو خارج عن محل الكلام. ومن هنا
انقدح انه ليس منه ترك الوضوء من الإناءين فان حرمة الوضوء من الماء النجس ليس
إلا تشريعيا ولا تشريع فيما لو توضأ منهما احتياطا فلا حرمة في البين غلب جانبها فعدم
جواز الوضوء منهما ولو كذلك بل اراقتهما
418

الظاهر لحوق تعدد الإضافات بتعدد العنوانات والجهات في أنه لو كان تعدد الجهة
والعنوان كافيا مع وحدة المعنون وجودا في جواز الاجتماع كان تعدد الإضافات مجديا
ضرورة أنه يوجب أيضا اختلاف المضاف بها بحسب المصلحة والمفسدة والحسن
والقبح عقلا وبحسب الوجوب والحرمة شرعا فيكون مثل: (أكرم العلماء) و
420

(لا تكرم الفساق) من باب الاجتماع (كصل ولا تغصب) لا من باب التعارض إلا إذا
لم يكن للحكم في أحد الخطابين في مورد الاجتماع مقتض كما هو الحال أيضا في تعدد
العنوانين فما يترائى منهم من المعاملة مع مثل (أكرم العلماء) (ولا تكرم الفساق)
معاملة تعارض العموم من وجه انما يكون بناء على الامتناع أو عدم المقتضي لاحد
الحكمين في مورد الاجتماع
فصل في أن النهى عن الشئ هل يقتضى فساده أم لا؟
وليقدم أمور (الأول) أنه قد عرفت في المسألة السابقة الفرق بينها وبين
هذه المسألة وانه لا دخل للجهة المبحوث عنها في إحداهما بما هو جهة البحث في الأخرى
وان البحث في هذه المسألة في دلالة النهي - بوجه يأتي تفصيله - على الفساد
بخلاف تلك المسألة فان البحث فيها في أن تعدد الجهة يجدي في رفع غائلة اجتماع الأمر والنهي
في مورد الاجتماع (الثاني) انه لا يخفى ان عد هذه المسألة من مباحث
الألفاظ انما هو لاجل انه في الأقوال قول بدلالته على الفساد في المعاملات
421

مع انكار الملازمة بينه وبين الحرمة التي هي مفاده فيها ولا ينافي ذلك أن الملازمة على
تقدير ثبوتها في العبادة انما تكون بينه وبين الحرمة ولو لم تكن مدلولة بالصيغة وعلى
تقدير عدمها تكون منتفية بينهما لامكان أن يكون البحث معه في دلالة الصيغة بما
تعم دلالتها بالالتزام فلا تقاس بتلك المسألة التي لا يكاد يكون لدلالة اللفظ بها
مساس فتأمل جيدا (الثالث) ظاهر لفظ النهي وان كان النهي التحريمي إلا أن
ملاك البحث يعم التنزيهي ومعه لا وجه لتخصيص العنوان،
422

واختصاص عموم ملاكه بالعبادات لا يوجب التخصيص به كما لا يخفى، كما لا وجه
لتخصيصه بالنفسي فيعم الغيري إذا كان أصليا وأما إذا كان تبعيا فهو وان كان
خارجا عن محل البحث لما عرفت أنه في دلالة النهي، والتبعي منه من مقولة المعنى
إلا أنه داخل فيما هو ملاكه فان دلالته على الفساد - على القول به فيما لم يكن
للارشاد إليه - إنما يكون لدلالته على الحرمة من غير دخل لاستحقاق العقوبة على
مخالفته في ذلك كما توهمه القمي قدس سره ويؤيد ذلك أنه جعل ثمرة النزاع في أن
الامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده فساده إذا كان عبادة فتدبر جيدا (الرابع)
ما يتعلق به النهي إما أن يكون عبادة أو غيرها،
423

والمراد بالعبادة ههنا (ما) يكون بنفسه وبعنوانه عبادة له تعالى موجبا بذاته للتقرب
من حضرته لولا حرمته كالسجود والخضوع والخشوع له وتسبيحه وتقديسه،
(أوما) لو تعلق الامر به كان أمره امرا عباديا لا يكاد يسقط الا إذا أتي به
بنحو قربي كسائر أمثاله نحو صوم العيدين والصلاة في أيام العادة، لا (ما) أمر به
لاجل التعبد به ولا (ما) يتوقف صحته على النية
424

ولا (ما) لا يعلم انحصار المصلحة فيه في شئ كما عرف بكل منها العبادة
ضرورة انها بواحد منها لا يكاد يمكن ان يتعلق بها النهي - مع ما أورد عليها
بالانتقاض طردا أو عكسا أو بغيره كما يظهر من مراجعة المطولات وإن كان الاشكال
بذلك فيها في غير محله لاجل كون مثلها من التعريفات ليس بحد ولا برسم بل من
قبيل شرح الاسم كما نبهنا عليه غير مرة فلا وجه لإطالة الكلام بالنقض والابرام في تعريف
العبادة ولا في تعريف غيرها كما هو العادة (الخامس) انه لا يدخل في عنوان النزاع الا
ما كان قابلا للاتصاف بالصحة والفساد بان يكون تارة تاما يترتب عليه ما يترقب عنه من
425

الأثر وأخرى لا كذلك لاختلال بعض ما يعتبر في ترتبه أما ما لا اثر له شرعا أو
كان أثره مما لا يكاد ينفك عنه كبعض أسباب الضمان فلا يدخل في عنوان النزاع
لعدم طروء الفساد عليه كي ينازع في أن النهي عنه يقتضيه أولا فالمراد بالشئ في
العنوان هو العبادة بالمعنى الذي تقدم والمعاملة بالمعنى الأعم مما يتصف بالصحة والفساد
عقدا كان أو إيقاعا أو غيرهما فافهم (السادس) أن الصحة والفساد وصفان إضافيان
يختلفان بحسب الآثار والانظار فربما يكون شئ واحد صحيحا بحسب أثر أو نظر
وفاسدا بحسب آخر ومن هنا صح أن يقال: إن الصحة في العبادة والمعاملة لا تختلف
بل فيهما بمعنى واحد وهو التمامية وإنما الاختلاف فيما هو المرغوب منهما من الآثار
التي بالقياس عليها تتصف بالتمامية وعدمها
426

وهكذا الاختلاف بين الفقيه والمتكلم في صحة العبادة انما يكون لاجل الاختلاف
فيما هو المهم لكل منهما من الأثر بعد الاتفاق ظاهرا على أنها بمعنى التمامية كما هي
معناها لغة وعرفا ولما كان غرض الفقيه هو وجوب القضاء أو الإعادة أو عدم
الوجوب فسر صحة العبادة بسقوطهما وكان غرض المتكلم هو حصول الامتثال
الموجب عقلا لاستحقاق المثوبة فسرها بما يوافق الامر تارة وبما يوافق
الشريعة أخرى
427

وحيث أن الامر في الشريعة يكون على أقسام من الواقعي الأولي، والثانوي،
والظاهري، والانظار تختلف في أن الأخيرين يفيدان الاجزاء أو لا يفيدان
كان الاتيان بعبادة موافقة لامر ومخالفة لآخر ومسقطا للقضاء والإعادة بنظر وغير
مسقط لهما بنظر آخر فالعبادة الموافقة للامر الظاهري تكون صحيحة عند المتكلم
والفقيه بناء على أن الامر في تفسير الصحة بموافقة الامر أعم من الظاهري مع
اقتضائه للاجزاء وعدم اتصافها بها عند الفقيه بموافقته بناء على عدم الاجزاء
428

وكونه مراعى بموافقة الامر الواقعي عند المتكلم بناء على كون الامر في تفسيرها
خصوص الواقعي (تنبيه) وهو انه لا شبهة في أن الصحة والفساد
429

عند المتكلم وصفان اعتباريان ينتزعان من مطابقة المأتي به مع المأمور به وعدمها وأما
الصحة بمعنى سقوط القضاء والإعادة عند الفقيه فهي من لوازم الاتيان بالمأمور به بالأمر
الواقعي الأولي عقلا حيث لا يكاد يعقل ثبوت الإعادة أو القضاء معه جزما فالصحة
بهذا المعنى فيه وان كان ليس بحكم وضعي مجعول بنفسه أو بتبع تكليف الا انه
ليس بامر اعتباري ينتزع كما توهم بل مما يستقل به العقل كما يستقل باستحقاق المثوبة
به وفي غيره فالسقوط ربما يكون مجعولا وكان الحكم به تخفيفا ومنة على العباد مع
ثبوت المقتضي لثبوتهما كما عرفت في مسألة الاجزاء كما ربما يحكم بثبوتهما فيكون
الصحة والفساد فيه حكمين مجعولين لا وصفين انتزاعيين (نعم) الصحة والفساد في الموارد
430

الخاصة لا يكاد يكونان مجعولين بل انما هي يتصف بهما بمجرد الانطباق على ما هو
المأمور به. هذا في العبادات، وأما الصحة في المعاملات فهي تكون مجعولة حيث
كان ترتب الأثر على معاملة إنما هو بجعل الشارع وترتيبه عليها ولو إمضاء ضرورة
أنه لولا جعله لما كان يترتب عليه لأصالة الفساد (نعم) صحة كل معاملة
شخصية وفسادها ليس إلا لاجل انطباقها مع ما هو المجعول سببا وعدمه كما هو الحال
في التكليفية من الاحكام ضرورة ان اتصاف المأتي به بالوجوب أو الحرمة أو غيرهما
ليس إلا لانطباقه مع ما هو الواجب أو الحرام (السابع) لا يخفى أنه لا أصل في
المسألة يعول عليه لو شك في دلالة النهي على الفساد. نعم كان الأصل في المسألة
الفرعية الفساد لو لم يكن هناك اطلاق أو عموم يقتضي الصحة في المعاملة وأما العبادة
431

فكذلك لعدم الامر بها مع النهى عنها كما لا يخفى (الثامن) ان متعلق النهي إما
أن يكون نفس العبادة أو جزءها أو شرطها الخارج عنها أو وصفها الملازم لها
كالجهر (1) والاخفات للقراءة أو وصفها غير الملازم كالغصبية لا كون الصلاة

(1) فان كل واحد منهما لا يكاد ينفك عن القراءة وان كانت هي تنفك عن
أحدهما فالنهي عن أيهما يكون مساوقا للنهي عنها كما لا يخفى.
(منه قدس سره)
432

المنفكة عنها لا ريب في دخول القسم الأول في محل النزاع وكذا القسم الثاني
بلحاظ أن جزء العبادة عبادة إلا أن بطلان الجزء لا يوجب بطلانها الا مع الاقتصار عليه
لا مع الاتيان بغيره مما لا نهى عنه إلا أن يستلزم محذورا آخر (وأما) القسم
الثالث فلا يكون حرمة الشرط والنهي عنه موجبا لفساد العبادة الا فيما كان عبادة كي
يكون حرمته موجبة لفساده المستلزم لفساد المشروط به (وبالجملة) لا يكاد يكون
النهي عن الشرط موجبا لفساد العبادة المشروطة به لو لم يكن موجبا لفساده كما إذا
433

كانت عبادة (وأما) القسم الرابع فالنهي عن الوصف اللازم مساوق للنهي عن
موصوفه فيكون النهي عن الجهر في القراءة مثلا مساوقا للنهى عنها لاستحالة كون
القراءة التي يجهر بها مأمورا بها مع كون الجهر بها منهيا عنه فعلا كما لا يخفى.
434

وهذا بخلاف ما إذا كان مفارقا كما في القسم الخامس فان النهي عنه لا يسرى إلى
إلى الموصوف الا فيما إذا اتحد معه وجودا بناء على امتناع الاجتماع، وأما بناء على
الجواز فلا يسري إليه كما عرفت في المسألة السابقة. هذا حال النهى المتعلق بالجزء أو
الشرط أو الوصف (وأما) النهي عن العبادة لاجل أحد هذه الأمور فحاله حال
النهي عن أحدها إن كان من قبيل الوصف بحال المتعلق وبعبارة أخرى كان النهي
عنها بالعرض وان كان النهي عنه على نحو الحقيقة والوصف بحاله وان كان بواسطة
أحدها إلا أنه من قبيل الواسطة في الثبوت لا العروض كان حاله حال النهي في القسم
الأول فلا تغفل. ومما ذكرنا في بيان أقسام النهي في العبادة يظهر حال الأقسام في
المعاملة فلا يكون بيانها على حدة بمهم كما أن تفصيل الأقوال في الدلالة على الفساد
وعدمها التي ربما تزيد على العشرة - على ما قيل - كذلك إنما المهم بيان ما هو
الحق في المسألة ولا بد في تحقيقه على نحو يظهر الحال في الأقوال من بسط المقال في
مقامين (الأول) في العبادات فنقول وعلى الله الاتكال: إن النهي المتعلق
بالعبادة بنفسها ولو كانت جزء عبادة بما هو عبادة كما عرفت مقتض لفسادها لدلالته
435

على حرمتها ذاتا ولا يكاد يمكن اجتماع الصحة بمعنى موافقة الامر أو الشريعة مع
الحرمة. وكذا بمعنى سقوط الإعادة فإنه مترتب على اتيانها بقصد القربة وكانت مما
يصلح لان يتقرب بها ومع الحرمة لا يكاد يصلح لذلك ويأتي قصدها من الملتفت إلى
حرمتها كما لا يخفى (لا يقال):
436

هذا لو كان النهي عنها دالا على الحرمة الذاتية ولا يكاد يتصف بها العبادة لعدم
الحرمة بدون قصد القربة وعدم القدرة عليها مع قصد القربة بها الا تشريعا ومعه تكون
محرمة بالحرمة التشريعية لا محالة ومعه لا تتصف بحرمة أخرى لامتناع اجتماع المثلين
كالضدين (فإنه يقال): لا ضير في اتصاف ما يقع عبادة - لو كان مأمورا به -
بالحرمة الذاتية مثلا صوم العيدين كان عبادة منهيا عنها بمعنى انه لو أمر به كان عبادة
لا يسقط الامر به الا إذا اتي به بقصد القربة كصوم سائر الأيام هذا فيما إذا لم يكن
437

ذاتا عبادة كالسجود لله تعالى ونحوه وإلا كان محرما مع كونه فعلا عبادة مثلا إذا نهي
الجنب والحائض عن السجود له تبارك وتعالى كان عبادة محرمة ذاتا حينئذ لما فيه من
المفسدة والمبغوضية في هذا الحال مع أنه لا ضير في اتصافه بهذه الحرمة مع الحرمة
التشريعية بناء على أن الفعل فيها لا يكون في الحقيقة متصفا بالحرمة بل انما يكون
المتصف بها ما هو من أفعال القلب كما هو الحال في التجري والانقياد فافهم. هذا مع
أنه لو لم يكن النهي فيها دالا على الحرمة لكان دالا على الفساد لدلالته على الحرمة
التشريعية فإنه لا أقل من دلالته على انها ليست بمأمور بها وان عمها اطلاق دليل
الامر بها أو عمومه (نعم) لو لم يكن النهي عنها إلا عرضا كما إذا نهى عنها فيما كانت
ضدا لواجب مثلا لا يكون مقتضيا للفساد بناء على عدم الاقتضاء للامر بالشئ للنهي
عن الضد الا كذلك (أي عرضا)
438

فيخصص به أو يقيد (المقام الثاني) في المعاملات ونخبة القول: أن النهي الدال
على حرمتها لا يقتضي الفساد لعدم الملازمة فيها لغة ولا عرفا بين حرمتها وفسادها أصلا
كانت الحرمة متعلقة بنفس المعاملة بما هو فعل المباشرة أو بمضمونها بما هو
فعل بالتسبيب
439

أو بالتسبب بها إليه وإن لم يكن السبب ولا المسبب - بما هو فعل من الأفعال -
بحرام وانما يقتضي الفساد فيما إذا كان دالا على حرمة ما لا يكاد يحرم مع صحتها
مثل النهي عن أكل الثمن أو المثمن
440

في بيع أو بيع شئ. نعم لا يبعد دعوى ظهور النهى عن المعاملة في الارشاد
إلى فسادها كما أن الامر بها يكون ظاهرا في الارشاد إلى صحتها من دون دلالته على
ايجابها أو استحبابها كما لا يخفى لكنه في المعاملات بمعنى العقود والايقاعات لا المعاملات
بالمعنى الأعم المقابل للعبادات فالمعول هو ملاحظة القرائن في خصوص المقامات ومع
عدمها لا محيص عن الاخذ بما هو قضية صيغة النهي من الحرمة وقد عرفت انها غير
مستتبعة للفساد لا لغة ولا عرفا. نعم ربما يتوهم استتباعها له شرعا من جهة دلالة غير
واحد من الاخبار عليه منها ما رواه في الكافي والفقيه عن زرارة عن الباقر (عليه
السلام) سأله عن مملوك تزوج بغير إذن سيده فقال: ذلك إلى سيده إن شاء اجازه وان شاء
فرق بينهما، قلت: أصلحك الله تعالى إن الحكم بن عيينة وإبراهيم النخعي وأصحابهما
يقولون: إن أصل النكاح فاسد ولا يحل إجازة السيد له، فقال أبو جعفر (عليه
السلام): إنه لم يعص الله إنما عصى سيده فإذا أجاز فهو له جائز) حيث دل بظاهره
على أن النكاح لو كان مما حرمه الله تعالى عليه كان فاسدا، ولا يخفى أن
441

الظاهر أن يكون المراد بالمعصية المنفية ههنا ان النكاح ليس مما لم يمضه الله ولم
يشرعه كي يقع فاسدا ومن المعلوم استتباع المعصية بهذا المعنى للفساد كما لا يخفى ولا
بأس باطلاق المعصية على عمل لم يمضه الله ولم يأذن به كما أطلق (1) عليه بمجرد عدم
اذن السيد فيه أنه معصية وبالجملة لو لم يكن ظاهرا في ذلك لما كان ظاهرا فيما توهم
وهكذا حال سائر الأخبار الواردة في هذا الباب فراجع وتأمل (تذنيب) حكي
عن أبي حنيفة والشيباني دلالة النهي على الصحة وعن الفخر انه وافقهما في ذلك
(والتحقيق) أنه

(1) وجه ذلك أن العبودية تقتضي عدم صدور العبد إلا عن أمر سيده
واذنه حيث إنه كل عليه لا يقدر على شئ فإذا استقل بأمر كان عاصيا حيث
أتى بما ينافيه مقام عبوديته لا سيما مثل التزوج الذي كان خطرا، واما وجه
انه لم يعص الله فيه فلأجل كون التزوج بالنسبة إليه أيضا كان مشروعا مطلقا
غايته انه يعتبر في تحقيقه إذن سيده ورضاه وليس كالنكاح في العدة غير مشروع
من أصله فان أجاز ما صدر عنه بدون اذنه فقد وجد شرط نفوذه وارتفع محذور
عصيانه فعصيانه لسيده. منه قدس سره
442

في المعاملات كذلك إذا كان عن المسبب أو التسبب لاعتبار القدرة في متعلق النهي
كالامر ولا يكاد يقدر عليهما الا فيما كانت المعاملة مؤثرة صحيحة واما إذا كان عن
443

السبب فلا لكونه مقدورا وإن لم يكن صحيحا. نعم قد عرفت أن النهي عنه
لا ينافيها، وأما العبادات فما كان منها عبادة ذاتية كالسجود والركوع والخشوع
والخضوع له تبارك وتعالى فمع النهي عنه يكون مقدورا كما إذا كان مأمورا به
وما كان منها عبادة لاعتبار قصد القربة فيه لو كان مأمورا به فلا يكاد يقدر عليه
إلا إذا قيل باجتماع الأمر والنهي في شئ ولو بعنوان واحد وهو محال. وقد عرفت
أن النهى في هذا القسم انما يكون نهيا عن العبادة بمعنى انه لو كان مأمورا به كان
الامر به أمر عبادة لا يسقط الا بقصد القربة فافهم
444

المقصد الثالث في المفاهيم
(مقدمة) وهي ان المفهوم كما يظهر من موارد إطلاقه هو عبارة عن حكم
إنشائي أو اخباري تستتبعه خصوصية المعنى الذي أريد من اللفظ بتلك الخصوصية
ولو بقرينة الحكمة وكان يلزمه لذلك وافقه في الايجاب والسلب أو خالفه فمفهوم
(إن جاءك زيد فأكرمه) مثلا - لو قيل به - قضية شرطية سالبة بشرطها
وجزائها لازمة للقضية الشرطية التي تكون معنى القضية اللفظية ويكون لها خصوصية
بتلك الخصوصية كانت مستلزمة لها فصح ان يقال: إن المفهوم انما هو حكم غير مذكور
لا أنه حكم لغير مذكور - كما فسر به - وقد وقع فيه النقض والابرام بين
445

الاعلام - مع أنه لا موقع له كما أشرنا إليه في غير مقام لأنه من قبيل شرح الاسم
كما في التفسير اللغوي ومنه قد انقدح حال غير هذا التفسير مما ذكر في المقام فلا يهمنا
التصدي لذلك كما لا يهمنا بيان انه من صفات المدلول أو الدلالة وان كان بصفات
المدلول أشبه وتوصيف الدلالة أحيانا كان من باب التوصيف بحال المتعلق وقد انقدح
من ذلك أن النزاع في ثبوت المفهوم وعدمه في الحقيقة انما يكون في أن القضية
الشرطية أو الوصفية أو غيرهما
446

هل تدل بالوضع أو بالقرينة العامة على تلك الخصوصية المستتبعة لتلك القضية
الأخرى أم لا؟
فصل
الجملة الشرطية هل تدل على الانتفاء عند الانتفاء - كما تدل على الثبوت
عند الثبوت بلا كلام - أم لا؟ فيه خلاف بين الاعلام لا شبهة في استعمالها وإرادة الانتفاء
447

عند الانتفاء في غير مقام، إنما الاشكال والخلاف في أنه بالوضع أو بقرينة عامة
بحيث لا بد من الحمل عليه لو لم يقم على خلافه قرينة من حال أو مقال؟ فلا بد للقائل
بالدلالة من إقامة الدليل على الدلالة بأحد الوجهين على تلك الخصوصية المستتبعة لترتب
الجزاء على الشرط نحو ترتب المعلول على علته المنحصرة وأما القائل بعدم الدلالة ففي
448

فسحة فان له منع دلالتها على اللزوم بل على مجرد الثبوت عند الثبوت - ولو من باب
الاتفاق - أو منع دلالتها على الترتب، أو على نحو الترتب على العلة، أو العلة المنحصرة
- بعد تسليم اللزوم أو العلية - لكن منع دلالتها على اللزوم (ودعوى) كونها
اتفاقية (في غاية) السقوط لانسباق اللزوم منها قطعا، وأما المنع عن أنه بنحو
الترتب على العلة فضلا
449

عن كونها منحصرة فله مجال واسع (ودعوى) تبادر اللزوم والترتب بنحو الترتب
على العلة المنحصرة مع كثرة استعمالها في الترتب على نحو الترتب على غير المنحصرة
منها بل في مطلق اللزوم (بعيدة) عهدتها على مدعيها كيف ولا يرى في استعمالها فيها
عناية ورعاية علاقة؟ بل إنما تكون ارادته كإرادة الترتب على العلة المنحصرة بلا عناية
كما يظهر على من أمعن النظر وأجال البصيرة في موارد الاستعمالات وفي عدم
الالزام والاخذ بالمفهوم في مقام المخاصمات والاحتجاجات وصحة الجواب بأنه لم يكن
لكلامه مفهوم (وعدم) صحته لو كان له ظهور فيه (معلوم) وأما دعوى
الدلالة بادعاء انصراف إطلاق العلاقة اللزومية إلى ما هو أكمل افرادها وهو اللزوم
450

بين العلة المنحصرة ومعلولها (ففاسدة) جدا لعدم كون الأكملية موجبة للانصراف
إلى الأكمل لا سيما مع كثرة الاستعمال في غيره كما لا يكاد يخفى. هذا مضافا إلى
منع كون اللزوم بينهما أكمل مما إذا لم تكن العلة بمنحصرة فان الانحصار لا يوجب
أن يكون ذاك الربط الخاص الذي لابد منه في تأثير العلة في معلولها آكد وأقوى
(ان قلت): نعم ولكنه قضية الاطلاق بمقدمات الحكمة كما أن قضية
اطلاق صيغة الامر هو الوجوب النفسي (قلت): أولا هذا فيما تمت هناك
مقدمات الحكمة ولا تكاد تتم فيما هو مفاد الحرف كما هاهنا وإلا لما كان معنى
حرفيا كما يظهر وجهه بالتأمل (وثانيا) تعينه من بين أنحائه بالاطلاق المسوق في
مقام البيان بلا معين، ومقايسته مع تعين الوجوب النفسي باطلاق صيغة الامر مع
الفارق فان النفسي هو الواجب على كل حال بخلاف الغيرى فإنه واجب على تقدير
دون تقدير فيحتاج بيانه إلى مؤونة التقييد بما إذا وجب الغير فيكون الاطلاق في الصيغة
مع مقدمات الحكمة محمولا عليه. وهذا بخلاف اللزوم والترتب بنحو الترتب على
العلة المنحصرة ضرورة ان كل واحد من انحاء اللزوم والترتب محتاج في تعينه إلى
451

القرينة مثل الآخر بلا تفاوت أصلا كما لا يخفى (ثم) إنه ربما يتمسك للدلالة على
المفهوم باطلاق الشرط بتقريب انه لو لم يكن بمنحصر يلزم تقييده ضرورة انه لو قارنه
أو سبقه الآخر لما أثر وحده وقضية اطلاقه انه يؤثر كذلك مطلقا (وفيه) أنه
لا تكاد تنكر الدلالة على المفهوم مع اطلاقه كذلك الا انه من المعلوم ندرة تحققه
لو لم نقل بعدم اتفاقه (فتلخص) بما ذكرناه أنه لم ينهض دليل على وضع مثل
(إن) على تلك الخصوصية المستتبعة للانتفاء عند الانتفاء ولم تقم عليها قرينة عامة
أما قيامها أحيانا كانت مقدمات الحكمة أو غيرها مما لا يكاد ينكر فلا يجدي القائل
452

بالمفهوم انه قضية الاطلاق في مقام من باب الاتفاق (وأما) توهم انه قضية اطلاق
الشرط بتقريب ان مقتضاه تعينه كما أن مقتضى اطلاق الامر تعين الوجوب) ففيه)
أن التعين ليس في الشرط نحوا يغاير نحوه فيما إذا كان متعددا كما كان في الوجوب
كذلك وكان الوجوب في كل منهما متعلقا بالواجب بنحو آخر لابد في التخييري
منهما من العدل وهذا بخلاف الشرط واحدا كان أو متعددا كان نحوه واحدا
ودخله في المشروط بنحو واحد لا تتفاوت الحال فيه ثبوتا كي تتفاوت عند الاطلاق
إثباتا وكان الاطلاق مثبتا لنحو لا يكون له عدل لاحتياج ماله العدل إلى زيادة
مؤونة وهو ذكره بمثل (أو كذا) واحتياج ما إذا كان الشرط متعددا
453

إلى ذلك انما يكون لبيان التعدد لا لبيان نحو الشرطية فنسبة اطلاق الشرط إليه
لا تختلف كان هناك شرط آخر أم لا حيث كان مسوقا لبيان شرطيته بلا إهمال
ولا إجمال بخلاف اطلاق الامر فإنه لو لم يكن لبيان خصوص الوجوب التعييني فلا محالة
يكون في مقام الاهمال أو الاجمال تأمل تعرف. هذا مع أنه لو سلم لا يجدي القائل
بالمفهوم لما عرفت أنه لا يكاد ينكر فيما إذا كان مفاد الاطلاق من باب الاتفاق. ثم
إنه ربما استدل المنكرون للمفهوم بوجوه " أحدها " ما عزي إلى السيد من أن تأثير
الشرط انما هو تعليق الحكم به وليس بممتنع ان يخلفه وينوب منابه شرط آخر يجري
مجراه ولا يخرج عن كونه شرطا فان قوله تعالى: " فاستشهدوا شهيدين من
رجالكم " يمنع من قبول الشاهد الواحد حتى ينظم إليه شاهد آخر فانضمام الثاني
إلى الأول شرط في القبول ثم علمنا أن ضم امرأتين إلى الشاهد الأول شرط في القبول
ثم علمنا ان ضم اليمين يقوم مقامه أيضا فنيابة بعض الشروط عن بعض أكثر من أن
تحصى مثل الحرارة فان انتفاء الشمس لا يلزم انتفاء الحرارة لاحتمال قيام النار مقامها
454

والأمثلة لذلك كثيرة شرعا وعقلا " والجواب " انه - قدس سره - إن
كان بصدد إثبات امكان نيابة بعض الشروط عن بعض في مقام الثبوت وفي الواقع
فهو مما لا يكاد ينكر ضرورة ان الخصم يدعى عدم وقوعه في مقام الاثبات ودلالة
القضية الشرطية عليه، وإن كان بصدد إبداء احتمال وقوعه فمجرد الاحتمال لا يضره
ما لم يكن بحسب القواعد اللفظية راجحا أو مساويا وليس فيما افاده ما يثبت ذلك
أصلا كما لا يخفى " ثانيها " أنه لو دل لكان باحدى الدلالات والملازمة
- كبطلان التالي - ظاهرة، وقد أجيب عنه بمنع بطلان التالي وان الالتزام ثابت
وقد عرفت بما لا مزيد عليه ما قيل أو يمكن ان يقال في اثباته أو منعه فلا تغفل،
" ثالثها " قوله تبارك وتعالى: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن
تحصنا) وفيه ما لا يخفى ضرورة أن استعمال الجملة الشرطية فيما لا مفهوم له أحيانا
وبالقرينة لا يكاد ينكر كما في الآية وغيرها وانما القائل به يدعي ظهورها فيما له المفهوم
وضعا أو بقرينة عامة كما عرفت (بقي هاهنا أمور الامر الأول) أن المفهوم هو
انتفاء سنخ الحكم المعلق على الشرط عند انتفائه لا انتفاء شخصه ضرورة انتفائه عقلا
بانتفاء موضوعه ولو ببعض قيوده ولا يتمشى الكلام في أن للقضية الشرطية مفهوما
أو ليس لها مفهوم الا في مقام كان هناك ثبوت سنخ الحكم في الجزاء وانتفاؤه عند انتفاء
الشرط ممكنا وانما وقع النزاع في أن لها دلالة على الانتفاء أو لا يكون لها دلالة. ومن هنا
انقدح أنه ليس من المفهوم ودلالة القضية على الانتفاء عند الانتفاء في الوصايا والأوقاف
455

والنذور والايمان - كما توهم - بل عن الشهيد - قدس سره - في تمهيد القواعد
انه لا اشكال في دلالتها على المفهوم وذلك لان انتفاءها عن غير ما هو المتعلق لها من
الاشخاص التي يكون بألقابها أو بوصف شئ أو بشرطه مأخوذة في العقد أو مثل
العهد ليس بدلالة الشرط أو الوصف أو اللقب عليه بل لاجل انه إذا صار شئ وقفا
على أحد أو أوصى به أو نذر له... إلى غير ذلك لا يقبل ان يصير وقفا على غيره
أو وصية أو نذرا له وانتفاء شخص الوقف أو النذر أو الوصية عن غير مورد المتعلق
قد عرفت أنه عقلي مطلقا ولو قيل بعدم المفهوم في مورد صالح له " اشكال ودفع "
لعلك تقول: كيف يكون المناط في المفهوم هو سنخ الحكم لا نفس شخص الحكم
في القضية؟ وكان الشرط في الشرطية انما وقع شرطا بالنسبة إلى الحكم
456

الحاصل بانشائه دون غيره فغاية قضيتها انتفاء ذاك الحكم بانتفاء شرطه لا انتفاء سنخه
وهكذا الحال في سائر القضايا التي تكون مفيدة للمفهوم " ولكنك " غفلت عن
أن المعلق على الشرط انما هو نفس الوجوب الذي هو مفاد الصيغة ومعناها " وأما "
الشخص والخصوصية الناشئة من قبل استعمالها فيه لا تكاد تكون من خصوصيات
معناها المستعملة فيه كما لا يخفى كما لا تكون الخصوصية الحاصلة من قبل الاخبار به
من خصوصيات ما أخبر به واستعمل فيه إخبارا لا إنشاء (وبالجملة) كما لا يكون
المخبر به المعلق على الشرط خاصا بالخصوصيات الناشئة من قبل الاخبار به كذلك المنشأ
بالصيغة المعلق عليه وقد عرفت بما حققناه في معنى الحرف وشبهه ان ما استعمل فيه
الحرف عام كالموضوع له وأن خصوصية لحاظه بنحو الآلية والحالية لغيره من
خصوصية الاستعمال كما أن خصوصية لحاظ المعنى بنحو الاستقلال في الاسم كذلك
فيكون اللحاظ الآلي كالاستقلالي من خصوصيات الاستعمال لا المستعمل فيه، وبذلك
قد انقدح فساد ما يظهر من التقريرات في مقام التفصي عن هذا الاشكال من التفرقة
457

بين الوجوب الاخباري والانشائي بأنه كلي في الأول وخاص في الثاني حيث دفع
الاشكال بأنه لا يتوجه في الأول لكون الوجوب كليا وعلى الثاني بان ارتفاع مطلق
الوجوب فيه من فوائد العلية المستفادة من الجملة الشرطية حيث كان ارتفاع شخص
الوجوب ليس مستندا إلى ارتفاع العلة المأخوذة فيها فإنه يرتفع ولو لم يوجد في حيال
أداة الشرط كما في اللقب والوصف، وأورد على ما تفصي به عن الاشكال بما ربما يرجع
458

إلى ما ذكرناه بما حاصله أن التفصي لا يبتني على كلية الوجوب لما أفاده وكون
الموضوع في الانشاء عاما لم يقم عليه دليل لو لم نقل بقيام الدليل على خلافه حيث
أن الخصوصيات بأنفسها مستفادة من الألفاظ وذلك لما عرفت من أن الخصوصيات
في الانشاءات والاخبارات انما تكون ناشئة من الاستعمالات بلا تفاوت أصلا بينهما
ولعمري لا يكاد ينقضي تعجبي كيف تجعل خصوصيات الانشاء من خصوصيات
المستعمل فيه مع أنها كخصوصيات الاخبار تكون ناشئة من الاستعمال ولا يكاد يمكن
أن يدخل في المستعمل فيه ما ينشأ من قبل الاستعمال كما هو واضح لمن تأمل،
(الامر الثاني) أنه إذا تعدد الشرط مثل: إذا خفى الأذان فقصر، وإذا
خفي الجدران فقصر، فبناء على ظهور الجملة الشرطية في المفهوم لا بد من التصرف
ورفع اليد عن الظهور (إما) بتخصيص مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر فيقال بانتفاء
وجوب القصر عند انتفاء الشرطين (وإما) برفع اليد عن المفهوم فيهما فلا دلالة
لهما على عدم مدخلية شئ آخر في الجزاء بخلاف الوجه الأول
459

فان فيهما الدلالة على ذلك (وإما) بتقييد إطلاق الشرط في كل منهما بالآخر فيكون
الشرط هو خفاء الأذان والجدران معا فإذا خفيا وجب القصر ولا يجب عند انتفاء
خفائهما ولو خفى أحدهما (وإما) بجعل الشرط هو القدر المشترك بينهما بأن يكون تعدد
الشرط قرينة على أن الشرط في كل منهما ليس بعنوانه الخاص بل بما هو مصداق
لما يعمهما من العنوان. ولعل العرف يساعد على الوجه الثاني كما أن العقل ربما يعين
460

هذا الوجه بملاحظة أن الأمور المتعددة - بما هي مختلفة - لا يمكن أن يكون كل
منها مؤثرا في واحد فإنه لا بد من الربط الخاص بين العلة والمعلول ولا يكاد يكون الواحد
بما هو واحد مرتبطا بالاثنين - بما هما اثنان - ولذلك أيضا لا يصدر من الواحد
الا الواحد فلا بد من المصير إلى أن الشرط في الحقيقة واحد وهو المشترك بين
الشرطين بعد البناء على رفع اليد عن المفهوم وبقاء اطلاق الشرط في كل منهما على
حاله وإن كان بناء العرف والأذهان العامية على تعدد الشرط وتأثير كل شرط
بعنوانه الخاص فافهم (الامر الثالث) إذا تعدد الشرط
461

واتحد الجزاء فلا إشكال على الوجه الثالث وأما على سائر الوجوه فهل اللازم الاتيان
بالجزاء متعددا حسب تعدد الشروط أو يتداخل ويكتفى باتيانه دفعة واحدة؟ فيه
أقوال والمشهور عدم التداخل، وعن جماعة منهم المحقق الخوانساري التداخل وعن
الحلي التفصيل بين اتحاد جنس الشروط وتعدده (والتحقيق) أنه لما كان ظاهر
الجملة الشرطية حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بسببه أو بكشفه عن سببه وكان
قضيته تعدد الجزاء عند تعدد الشرط كان الاخذ بظاهرها إذا تعدد الشرط حقيقة
أو وجودا محالا ضرورة ان لازمه أن يكون الحقيقة الواحدة مثل الوضوء - بما هي
واحدة - في مثل: إذا بلت فتوضأ، وإذا نمت فتوضأ، أو فيما إذا بال مكررا
أو نام كذلك محكوما بحكمين متماثلين وهو واضح الاستحالة كالمتضادين فلا بد على
القول بالتداخل من التصرف فيه (إما) بالالتزام بعدم دلالتها في هذا الحال على
462

الحدوث عند الحدوث بل على مجرد الثبوت (أو) الالتزام بكون متعلق الجزاء وان
كان واحدا صورة إلا أنه حقائق متعددة - حسب تعدد الشرط - متصادقة
على واحد فالذمة وان اشتغلت بتكاليف متعددة حسب تعدد الشروط إلا أن
الاجتزاء بواحد، لكونه مجمعا لها كما في: أكرم هاشميا، وأضف عالما، فأكرم
العالم الهاشمي بالضيافة، ضرورة انه بضيافته بداعي الامرين يصدق انه امتثلهما ولا
محالة يسقط الامر بامتثاله وموافقته وان كان له امتثال كل منهما على حدة
كما إذا أكرم الهاشمي بغير الضيافة وأضاف العالم غير الهاشمي (ان قلت): كيف
يمكن ذلك؟ (أي الامتثال بما تصادق عليه العنوانان) مع استلزامه محذور اجتماع
الحكمين المتماثلين فيه (قلت): انطباق عنوانين واجبين على واحد لا يستلزم
اتصافه بوجوبين بل غايته ان انطباقهما عليه يكون منشأ لاتصافه بالوجوب وانتزاع
صفته له مع أنه على القول بجواز الاجتماع لا محذور في اتصافه بهما بخلاف ما إذا كان
بعنوان
463

واحد فافهم (أو) الالتزام بحدوث الأثر عند وجود كل شرط الا انه وجوب
الوضوء في المثال عند الشرط الأول وتأكد وجوبه عند الآخر (ولا يخفى) أنه
لا وجه لان يصار إلى واحد منها فإنه رفع اليد عن الظاهر بلا وجه مع، ما في الأخيرين
من الاحتياج إلى اثبات ان متعلق الجزاء متعدد متصادق على واحد وان كان - صورة -
واحدا سمي باسم واحد كالغسل، والى اثبات ان الحادث بغير الشرط الأول
ما حدث بالأول ومجرد الاحتمال لا يجدي ما لم يكن في البين ما يثبته (ان قلت)
وجه ذلك هو لزوم التصرف في ظهور الجملة الشرطية لعدم إمكان الاخذ بظهورها
حيث إن قضيته اجتماع الحكمين في الوضوء في المثال كما مرت الإشارة إليه
464

(قلت): نعم إذا لم يكن المراد بالجملة فيما إذا تعدد الشرط كما في المثال هو وجوب
الوضوء مثلا بكل شرط غير ما وجب بالآخر ولا ضير في كون فرد محكوما بحكم فرد
آخر أصلا كما لا يخفى (ان قلت): نعم لو لم يكن تقدير تعدد الفرد على خلاف
الاطلاق (قلت): نعم لو لم يكن ظهور الجملة الشرطية في كون الشرط سببا أو
كاشفا عن السبب مقتضيا لذلك (أي لتعدد الفرد) وبيانا لما هو المراد من الاطلاق
(وبالجملة) لا دوران بين ظهور الجملة في حدوث الجزاء وظهور الاطلاق ضرورة
ان ظهور الاطلاق يكون معلقا على عدم البيان وظهورها في ذلك صالح لان يكون
بيانا فلا ظهور له مع ظهورها فلا يلزم على القول بعدم التداخل تصرف أصلا بخلاف
القول بالتداخل
465

كما لا يخفى، فتلخص بذلك ان قضية ظاهر الجملة الشرطية هو القول بعدم التداخل
عند تعدد الشرط، وقد انقدح مما ذكرناه أن المجدي للقول بالتداخل هو أحد الوجوه
التي ذكرناها لا مجرد كون الأسباب الشرعية معرفات لا مؤثرات، فلا وجه لما عن الفخر
وغيره من ابتناء المسألة على انها معرفات أو مؤثرات، مع أن الأسباب الشرعية
حالها حال غيرها في كونها معرفات تارة ومؤثرات أخرى ضرورة أن الشرط للحكم الشرعي
في الجملة الشرطية ربما يكون مما له دخل في ترتب الحكم بحيث لولاه لما وجدت
466

له علة كما أنه في الحكم غير الشرعي قد يكون امارة على حدوثه بسببه وان كان
ظاهر التعليق أن له الدخل فيهما كما لا يخفى. نعم لو كان المراد بالمعرفية في الأسباب
الشرعية انها ليست بدواعي الاحكام التي هي في الحقيقة علل لها وان كان لها دخل
في تحقق موضوعاتها بخلاف الأسباب غير الشرعية فهو وان كان
467

له وجه الا انه مما لا يكاد يتوهم انه يجدي فيما هم وأراد (ثم) إنه لا وجه للتفصيل بين
اختلاف الشروط بحسب الأجناس وعدمه واختيار عدم التداخل في الأول والتداخل
في الثاني الا توهم عدم صحة التعلق بعموم اللفظ في الثاني لأنه من أسماء الأجناس فمع
تعدد أفراد شرط واحد لم يوجد الا السبب الواحد بخلاف الأول لكون كل منها
سببا فلا وجه لتداخلها (وهو فاسد) فان قضية إطلاق الشرط في مثل: إذا بلت
فتوضأ، هو حدوث الوجوب عند كل مرة لو بال مرات والا فالأجناس المختلفة
لا بد من رجوعها إلى واحد فيما جعلت شروطا وأسبابا لواحد لما مرت إليه الإشارة
من أن الأشياء المختلفة بما هي مختلفة لا تكون أسبابا لواحد. هذا كله فيما إذا كان
468

موضوع الحكم في الجزاء قابلا للتعدد وأما ما لا يكون قابلا لذلك فلا بد من تداخل
الأسباب فيما لا يتأكد المسبب ومن التداخل فيه فيما يتأكد
فصل
الظاهر أنه لا مفهوم للوصف وما بحكمه
469

مطلقا لعدم ثبوت الوضع وعدم لزوم اللغوية بدونه لعدم انحصار الفائدة به وعدم قرينة
أخرى ملازمة له، وعليته - فيما إذا استفيدت - غير مقتضية له كما لا يخفى، ومع كونها بنحو
الانحصار وان كانت مقتضية له إلا أنه لم يكن من مفهوم الوصف ضرورة أنه قضية
العلة الكذائية المستفادة من القرينة عليها في خصوص مقام وهو مما لا إشكال فيه ولا
كلام، فلا وجه لجعله تفصيلا في محل النزاع وموردا للنقض والابرام ولا ينافي ذلك
ما قيل من أن الأصل في القيد أن يكون احترازيا لان الاحترازية لا توجب الا تضييق دائرة
موضوع الحكم في القضية مثل ما إذا كان بهذا الضيق بلفظ واحد، فلا فرق أن يقال:
470

جئني بانسان، أو بحيوان ناطق، كما أنه لا يلزم في حمل المطلق على المقيد فيما
وحد شرائطه إلا ذلك من دون حاجة فيه إلى دلالته على المفهوم فإنه من المعلوم ان
قضية الحمل ليس إلا أن المراد بالمطلق هو المقيد وكأنه لا يكون في البين غيره، بل ربما
قيل: انه لا وجه للحمل لو كان بلحاظ المفهوم فان ظهوره فيه ليس بأقوى من ظهور
المطلق في الاطلاق كي يحمل عليه لو لم نقل بأنه الأقوى لكونه بالمنطوق كما لا يخفى
471

" واما " الاستدلال على ذلك - أي عدم الدلالة على المفهوم - بآية: " وربائبكم اللاتي في
حجوركم " ففيه أن الاستعمال في غيره أحيانا مع القرينة مما لا يكاد ينكر كما في الآية
قطعا مع أنه يعتبر في دلالته عليه - عند القائل بالدلالة - أن لا يكون واردا مورد
الغالب كما في الآية، ووجه الاعتبار واضح لعدم دلالته معه على الاختصاص وبدونها
لا يكاد يتوهم دلالته على المفهوم فافهم (تذنيب) لا يخفى انه لا شبهة في جريان
النزاع فيما إذا كان الوصف أخص من موصوفه ولو من وجه في مورد الافتراق
من جانب الموصوف وأما في غيره ففي جريان
472

اشكال أظهره عدم جريانه وان كان يظهر مما عن بعض الشافعية حيث قال: قولنا:
في الغنم السائمة زكاة، يدل على عدم الزكاة في معلوفة الإبل. جريانه فيه ولعل
وجهه استفادة العلية المنحصرة منه وعليه فيجري فيما كان الوصف مساويا أو أعم
مطلقا أيضا فيدل على انتفاء سنخ الحكم عند انتفائه فلا وجه في التفصيل بينهما وبين
ما إذا كان أخص من وجه فيما إذا كان الافتراق من جانب الوصف بأنه لا وجه
للنزاع فيهما معللا بعدم الموضوع واستظهار جريانه من بعض الشافعية فيه كما لا يخفى
فتأمل جيدا.
فصل
هل الغاية في القضية تدل على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية؟ بناء على دخول
الغاية في المغيى؟ أو عنها وبعدها بناء على خروجها أولا فيه خلاف وقد نسب إلى المشهور
473

الدلالة على الارتفاع والى جماعة منهم السيد والشيخ عدم الدلالة عليه (والتحقيق)
انه إذا كانت الغاية بحسب القواعد العربية قيدا للحكم كما في قوله: (كل شئ
حلال حتى تعرف أنه حرام) و (كل شئ طاهر حتى تعلم أنه قذر) كانت
دالة على ارتفاعه عند حصولها لانسباق ذلك منها كما لا يخفى وكونه قضية تقييده بها
وإلا لما كان ما جعل غاية له بغاية وهو واضح إلى النهاية وأما إذا كانت بحسبها
قيدا للموضوع مثل:
474

سر من البصرة إلى الكوفة، فحالها حال الوصف في عدم الدلالة وان كان
تحديده بها بملاحظة حكمه وتعلق الطلب به وقضيته ليس إلا عدم الحكم فيها الا بالمغيى
من دون دلالة لها أصلا على انتفاء سنخه عن غيره لعدم ثبوت وضع لذلك وعدم
قرينة ملازمة لها ولو غالبا دلت على اختصاص الحكم به وفائدة التحديد بها كسائر
انحاء التقييد غير منحصرة بإفادته كما مر في الوصف. ثم إنه في الغاية خلاف آخر كما
أشرنا إليه وهو أنها هل هي داخلة في المغيى بحسب الحكم أو خارجة عنه؟ والأظهر
خروجها لكونها من حدوده فلا تكون محكومة بحكمه ودخوله فيه في بعض الموارد
إنما يكون بالقرينة وعليه يكون كما بعدها بالنسبة إلى الخلاف الأول كما أنه على القول
الآخر تكون محكومة بالحكم منطوقا. ثم لا يخفى أن هذا الخلاف لا يكاد يعقل
جريانه فيما إذا كان قيدا للحكم فلا تغفل
475

فصل
لا شبهة في دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم سلبا أو ايجابا بالمستثنى منه
ولا يعم المستثنى ولذلك يكون الاستثناء من النفي إثباتا ومن الاثبات نفيا وذلك
للانسباق عند الاطلاق قطعا فلا يعبأ بما عن أبي حنيفة من عدم الإفادة محتجا بمثل:
لا صلاة الا بطهور، ضرورة ضعف احتجاجه (أولا) بكون المراد من مثله أنه
لا تكون الصلاة التي كانت واجدة لاجزائها وشرائطها المعتبرة فيها صلاة الا إذا
كانت واجدة للطهارة وبدونها لا تكون صلاة
476

على وجه وصلاة تامة مأمورا بها على آخر (وثانيا) بأن الاستعمال مع القرينة كما في مثل التركيب
مما علم فيه الحال لا دلالة له على مدعاه أصلا كما لا يخفى. ومنه قد انقدح انه لا موقع للاستدلال
على المدعى بقبول رسول الله - صلى الله عليه وآله - إسلام من قال كلمة التوحيد
لامكان دعوى أن دلالتها على التوحيد كان بقرينة الحال أو المقال " والاشكال " في
دلالتها عليه بأن خبر (لا) اما يقدر " ممكن " أو " موجود " وعلى كل تقدير لا دلالة لها
على التوحيد اما على الأول فإنه حينئذ لا دلالة لها إلا على اثبات امكان وجوده
تبارك وتعالى لا وجوده واما على الثاني فلانها وان دلت على وجوده تعالى الا انه لا
دلالة لها على عدم امكان إله آخر " مندفع " بأن المراد من الآلة هو واجب الوجود ونفي
ثبوته ووجوده في الخارج واثبات فرد منه فيه وهو الله يدل بالملازمة البينة على امتناع
تحققه في ضمن غيره تبارك وتعالى ضرورة أنه لو لم يكن ممتنعا لوجد
477

لكونه من أفراد الواجب ثم إن الظاهر أن دلالة الاستثناء على الحكم في طرف
المستثنى بالمفهوم وانه لازم خصوصية الحكم في جانب المستثنى منه التي دلت عليها الجملة
الاستثنائية. نعم لو كانت الدلالة في طرفه بنفس الاستثناء لا بتلك الجملة كانت بالمنطوق كما هو
478

ليس ببعيد وان كان تعيين ذلك لا يكاد يفيد ومما يدل على الحصر والاختصاص
(انما) وذلك لتصريح أهل اللغة بذلك وتبادره منها قطعا عند أهل العرف والمحاورة،
(ودعوى) أن الانصاف أنه لا سبيل لنا إلى ذلك فان موارد استعمال هذه اللفظة
مختلفة ولا يعلم بما هو مرادف لها في عرفنا حتى يستكشف منها ما هو المتبادر منها
(غير مسموعة) فان السبيل إلى التبادر لا ينحصر بالانسباق إلى أذهاننا فان
الانسباق إلى أذهان أهل العرف أيضا سبيل، وربما يعد مما دل على الحصر كلمة (بل)
الاضرابية (والتحقيق) أن الاضراب على انحاء منها ما كان لاجل ان المضرب
عنه إنما أتى به
479

غفلة أو سبقه به لسانه فيضرب بها عنه إلى ما قصد بيانه فلا دلالة له على الحصر أصلا
فكأنه أتى بالمضرب إليه ابتداء كما لا يخفى ومنها ما كان لاجل التأكيد فيكون
ذكر المضرب عنه كالتوطئة والتمهيد لذكر المضرب إليه فلا دلالة له عليه أيضا (ومنها)
ما كان في مقام الردع وإبطال ما أثبت أولا فيدل عليه (1) وهو واضح، ومما يفيد
الحصر - على ما قيل - تعريف المسند إليه باللام (والتحقيق) أنه لا يفيده
إلا فيما اقتضاه المقام لان الأصل في اللام أن تكون لتعريف الجنس كما أن الأصل
في الحمل في القضايا المتعارفة هو الحمل المتعارف الذي ملاكه مجرد الاتحاد في الوجود
فإنه الشايع فيها الا الحمل الذاتي الذي ملاكه الاتحاد بحسب المفهوم كما لا يخفى، وحمل
شئ على جنس وماهية كذلك لا يقتضي اختصاص تلك الماهية به وحصرها عليه
" نعم " لو قامت قرينة على أن اللام للاستغراق أو أن مدخوله أخذ بنحو

" 1 " إذا كان بصدد الردع عنه ثبوتا أما إذا كان بصدده إثباتا كما إذا
كان مثلا بصدد بيان انه انما أثبته أولا بوجه لا يصح معه الاثبات اشتباها فلا
دلالة على الحصر أيضا. فتأمل جيدا. منه " قدس سره "
480

بنحو الارسال والاطلاق أو على أن الحمل عليه كان ذاتيا لأفيد حصر مدخوله على
محموله واختصاصه به. وقد انقدح بذلك الخلل في كثير من كلمات الاعلام في المقام وما وقع
منهم من النقض والابرام ولا نطيل بذكرها فإنه بلا طائل كما يظهر للمتأمل فتأمل جيدا
فصل
لا دلالة لللقب ولا للعدد على المفهوم وانتفاء سنخ الحكم عن غير موردهما أصلا
وقد عرفت أن انتفاء شخصه ليس بمفهوم كما أن قضية التقييد بالعدد منطوقا عدم جواز
الاقتصار على ما دونه لأنه ليس بذاك الخاص والمقيد، وأما الزيادة فكالنقيصة إذا
481

كان التقييد به للتحديد بالإضافة إلى كلا طرفيه (نعم) لو كان لمجرد التحديد
بالنظر إلى طرفه الأقل لما كان في الزيادة ضير أصلا بل ربما كان فيها فضيلة وزيادة
كما لا يخفى (وكيف كان) فليس عدم الاجتزاء بغيره من جهة دلالته على المفهوم بل
إنما يكون لاجل عدم الموافقة مع ما أخذ في المنطوق كما هو معلوم.
المقصد الرابع في العام والخاص
(فصل)
قد عرف العام بتعاريف وقد وقع من الاعلام فيها النقض بعدم الاطراد تارة
والانعكاس أخرى بما لا يليق بالمقام فإنها تعاريف لفظية تقع في جواب السؤال عنه
(ما) الشارحة لا واقعة في جواب السؤال عنه (ما) الحقيقية " وكيف كان "
المعنى المركوز منه في الأذهان
482

أوضح مما عرف به مفهوما ومصداقا، ولذا يجعل صدق ذاك المعنى على فرد وعدم
صدقه المقياس في الاشكال عليها بعدم الاطراد أو الانعكاس بلا ريب فيه ولا شبهة
تعتريه من أحد والتعريف لا بد أن يكون بالأجلى كما هو أوضح من أن يخفى فالظاهر
أن الغرض من تعريفه إنما هو بيان ما يكون بمفهومه جامعا بين ما لا شبهة في أنها
أفراد العام ليشار
483

به إليه في مقام إثبات ماله من الاحكام لا بيان ما هو حقيقته وماهيته لعدم تعلق غرض
به بعد وضوح ما هو محل الكلام بحسب الاحكام من افراده ومصاديقه حيث
لا يكون بمفهومه العام محلا لحكم من الاحكام (ثم) الظاهر أن ما ذكر له من
الأقسام من الاستغراقي والمجموعي والبدلي إنما هو باختلاف كيفية (1) تعلق الأحكام به
وإلا فالعموم في الجميع بمعنى واحد وهو شمول المفهوم لجميع ما يصلح ان ينطبق عليه
غاية الامر أن تعلق الحكم به (تارة) بنحو يكون كل فرد موضوعا على حدة للحكم
(وأخرى) بنحو يكون الجميع موضوعا واحدا بحيث لو أخل باكرام واحد في
(أكرم كل فقيه) مثلا لما امتثل أصلا بخلاف الصورة الأولى فإنه أطاع وعصى (وثالثة)
بنحو يكون كل واحد موضوعا على البدل بحيث لو أكرم واحدا منهم لقد أطاع وامتثل

(1) ان قلت: كيف ذلك ولكل واحد منها لفظ غير ما للآخر مثل أي
رجل للبدلي وكل رجل للاستغراقي قلت: نعم ولكنه لا يقتضي ان تكون هذه الأقسام
له ولو بملاحظة اختلاف كيفية تعلق الاحكام لعدم امكان تطرق هذه الأقسام إلا
بهذه الملاحظة فتأمل جيدا. منه " قدس سره "
484

كما يظهر لمن أمعن النظر وتأمل. وقد انقدح أن مثل شمول عشرة وغيرها لآحادها
المندرجة تحتها ليس من العموم لعدم صلاحيتها بمفهومها للانطباق على كل واحد منها فافهم
485

فصل
لا شبهة في أن للعموم صيغة تخصه لغة وشرعا كالخصوص كما يكون ما يشترك بينهما
ويعمهما ضرورة ان مثل لفظ (كل) وما يرادفه في أي لغة كان تخصه ولا يخص الخصوص
ولا يعمه ولا ينافي اختصاصه به استعماله في الخصوص عناية بادعاء أنه العموم أو بعلاقة
العموم والخصوص. ومعه لا يصغى إلى أن إرادة الخصوص المتيقنة ولو في ضمنه
بخلافه وجعل اللفظ حقيقة في المتيقن أولى، ولا إلى أن التخصيص قد اشتهر وشاع
حتى قيل: ما من عام إلا وقد خص، والظاهر يقتضي كونه حقيقة لما هو الغالب
تقليلا للمجاز
486

- مع أن تيقن إرادته لا يوجب اختصاص الوضع به مع كون العموم كثيرا ما يراد
واشتهار التخصيص لا يوجب كثرة المجاز لعدم الملازمة بين التخصيص والمجازية كما
يأتي توضيحه ولو سلم فلا محذور فيه أصلا إذا كان بالقرينة كما لا يخفى (فصل)
ربما عد من الألفاظ الدالة على العموم (النكرة) في سياق النفي أو النهى ودلالتها
عليه لا ينبغي أن تنكر عقلا لضرورة انه لا يكاد يكون طبيعة معدومة الا إذا لم يكن
فرد منها بموجود وإلا كانت موجودة، لكن لا يخفى أنها تفيده إذا أخذت
مرسلة (1) لا مبهمة قابلة للتقيد والا فسلبها لا يقتضى إلا استيعاب السلب لما أريد
منها يقينا لا استيعاب ما يصلح

(1) وإحراز الارسال فيما أضيفت إليه انما هو بمقدمات الحكمة فلولاها
كانت مهملة وهي ليست الا بحكم الجزئية فلا تقييد نفي هذه الطبيعة في الجملة ولو في
ضمن صنف منها فافهم فإنه لا يخلو من دقة. منه قدس سره
487

انطباقها عليه من افرادها وهذا لا ينافي كون دلالتها عليه عقلية فإنها بالإضافة إلى افراد
ما يراد منها لا الافراد التي يصلح لانطباقها عليها، كما لا ينافي دلالة مثل لفظ (كل)
على العموم وضعا كون عمومه بحسب ما يراد من مدخوله ولذا لا ينافيه تقييد المدخول
بقيود كثيرة (نعم) لا يبعد أن يكون ظاهرا عند اطلاقها في استيعاب جميع أفرادها
وهذا هو الحال في المحلى باللام جمعا كان أو مفردا - بناء على افادته للعموم -
ولذا لا ينافيه تقييد المدخول بالوصف وغيره وإطلاق التخصيص على تقييده ليس إلا
من قبيل (ضيق فم
488

الركية) لكن دلالته على العموم وضعا محل منع بل انما يفيده فيما إذا اقتضت
الحكمة أو قرينة أخرى وذلك لعدم اقتضائه وضع (اللام) ولا مدخوله ولا وضع
آخر للمركب منهما كما لا يخفى وربما يأتي في المطلق والمقيد بعض الكلام مما
يناسب المقام
فصل
لا شبهة في أن العام المخصص بالمتصل أو المنفصل حجة فيما بقي فيما علم عدم دخوله في
المخصص مطلقا ولو كان متصلا وما احتمل دخوله فيه أيضا إذا كان منفصلا كما هو
المشهور بين الأصحاب بل لا ينسب الخلاف إلا إلى بعض اهل الخلاف وربما فصل بين
المخصص المتصل - فقيل بحجيته فيه - وبين المنفصل فقيل بعدم حجيته واحتج
النافي بالاجمال
489

لتعدد المجازات حسب مراتب الخصوصيات وتعيين الباقي من بينها بلا معين ترجيح
بلا مرجح (والتحقيق) في الجواب أن يقال: إنه لا يلزم من التخصيص كون
العام مجازا اما في التخصيص بالمتصل فلما عرفت من أنه لا تخصيص أصلا وأن أدوات
العموم قد استعملت فيه وان كان دائرته سعة وضيقا تختلف باختلاف ذوي الأدوات
فلفظة (كل) في مثل (كل رجل) (وكل رجل عالم) قد استعملت في العموم
وان كان أفراد أحدهما بالإضافة إلى الآخر بل في نفسها في غاية القلة. وأما في
المنفصل فلان إرادة الخصوص واقعا لا تستلزم استعماله فيه وكون الخاص قرينة عليه
بل من الممكن - قطعا - استعماله معه في العموم قاعدة وكون الخاص مانعا عن
حجية ظهوره تحكيما للنص أو الأظهر على الظاهر لا مصادما لأصل ظهوره ومعه
لا مجال للمصير إلى أنه قد استعمل فيه مجازا كي يلزم الاجمال (لا يقال): هذا
مجرد احتمال ولا يرتفع به الاجمال لاحتمال الاستعمال في خصوص مرتبة من مراتبه
490

(فإنه يقال): مجرد احتمال استعماله فيه لا يوجب إجماله بعد استقرار ظهوره في
العموم والثابت من مزاحمته بالخاص انما هو
491

بحسب الحجية تحكيما لما هو الأقوى كما أشرنا إليه آنفا " وبالجملة ": الفرق بين
المتصل والمنفصل وان كان بعدم انعقاد الظهور في الأول الا في الخصوص وفي الثاني
الا في العموم الا انه لا وجه لتوهم استعماله مجازا في واحد منهما أصلا وإنما اللازم
الالتزام بحجية الظهور في الخصوص في الأول وعدم حجية ظهوره في خصوص
ما كان الخاص حجة فيه في الثاني فتفطن " وقد أجيب " عن الاحتجاج بان الباقي
أقرب المجازات (وفيه) أنه لا اعتبار في الأقربية بحسب المقدار وإنما المدار على
الأقربية بحسب زيادة الانس الناشئة من كثرة الاستعمال وفى تقريرات بحث شيخنا
الأستاذ " قدس سره " في مقام الجواب عن الاحتجاج ما هذا لفظه: والأولى
أن يجاب - بعد تسليم مجازية الباقي - بان دلالة العام على كل فرد من أفراده
غير منوطة بدلالته على فرد آخر من أفراده
492

ولو كانت دلالة مجازية إذ هي بواسطة عدم شموله للافراد المخصوصة لا بواسطة
دخول غيرها في مدلوله فالمقتضي للحمل على الباقي
493

موجود والمانع مفقود لان المانع في مثل المقام إنما هو ما يوجب صرف اللفظ عن
مدلوله والمفروض انتفاؤه بالنسبة إلى الباقي لاختصاص المخصص بغيره فلو شك
فالأصل عدمه انتهى موضع الحاجة. " قلت ": لا يخفى أن دلالته على كل فرد
إنما كانت لاجل دلالته على العموم والشمول فإذا لم يستعمل فيه واستعمل في
الخصوص - كما هو المفروض - مجازا وكان إرادة كل واحدة من مراتب
الخصوصيات مما جاز انتهاء التخصيص إليه واستعمال العام فيه مجازا ممكنا كان تعين
بعضها - بلا معين ترجيحا بلا مرجح ولا مقتضي لظهوره فيه ضرورة ان الظهور
إما بالوضع وإما بالقرينة والمفروض أنه ليس بموضوع له ولم يكن هناك قرينة وليس
له موجب آخر ودلالته على كل فرد على حدة حيث كانت في ضمن دلالته على
العموم لا يوجب ظهوره في تمام الباقي بعد عدم استعماله في العموم إذا لم تكن هناك
قرينة على تعيينه فالمانع عنه وان كان مدفوعا بالأصل إلا أنه لا مقتضي له بعد رفع
اليد عن الوضع. نعم إنما يجدي إذا لم يكن مستعملا إلا في العموم كما فيما حققناه في
الجواب فتأمل جيدا
494

" فصل " إذا كان الخاص بحسب المفهوم مجملا بأن كان دائرا بين الأقل
والأكثر وكان منفصلا فلا يسرى إجماله إلى العام لا حقيقة ولا حكما بل كان العام
متبعا فيما لا يتبع فيه الخاص لوضوح أنه حجة فيه بلا مزاحم أصلا ضرورة أن
الخاص إنما يزاحمه فيما هو حجة على خلافه تحكيما للنص أو الأظهر على الظاهر لا فيما
لا يكون كذلك كما لا يخفى وإن لم يكن كذلك بأن كان دائرا بين المتباينين
495

مطلقا أو بين الأقل والأكثر فيما كان متصلا فيسرى إجماله إليه حكما في المنفصل
المردد بين المتباينين وحقيقة في غيره " أما الأول " فلان العام على ما حققناه
كان ظاهرا في عمومه إلا أنه لا يتبع ظهوره في واحد من المتباينين اللذين علم تخصيصه
بأحدهما. وأما الثاني فلعدم انعقاد ظهور من رأس للعام لاحتفاف الكلام بما يوجب
احتماله لكل واحد من الأقل والأكثر أو لكل واحد من المتباينين لكنه حجة
في الأقل لأنه المتيقن في البين. فانقدح بذلك الفرق بين المتصل والمنفصل وكذا في
المجمل بين المتباينين، والأكثر والأقل فلا تغفل. وأما إذا كان مجملا بحسب
المصداق بأن اشتبه فرد وتردد بين أن يكون فردا له أو باقيا تحت العام فلا كلام في
عدم جواز التمسك بالعام لو كان متصلا به ضرورة عدم انعقاد ظهور للكلام إلا في
الخصوص كما عرفت وأما إذا كان منفصلا عنه ففي جواز التمسك به خلاف،
496

(والتحقيق) عدم جوازه إذ غاية ما يمكن أن يقال في وجه جوازه: ان الخاص إنما
يزاحم العام فيما كان فعلا حجة ولا يكون حجة فيما اشتبه أنه من أفراده فخطاب لا تكرم
فساق العلماء، لا يكون دليلا على حرمة إكرام من شك في فسقه من العلماء، فلا
يزاحم مثل: أكرم العلماء، ولا يعارضه فإنه يكون من قبيل مزاحمة الحجة بغير
الحجة، وهو في غاية الفساد فان الخاص وإن لم يكن دليلا في الفرد المشتبه فعلا إلا
أنه يوجب اختصاص حجية العام في غير عنوانه من الافراد فيكون: أكرم العلماء،
دليلا وحجة في العلم غير الفاسق فالمصداق المشتبه وان كان مصداقا للعام بلا كلام إلا أنه
لم يعلم أنه من مصاديقه بما هو حجة لاختصاص حجيته بغير الفاسق (وبالجملة):
العام المخصص بالمنفصل وان كان ظهوره في العموم كما إذا لم يكن مخصصا بخلاف
المخصص بالمتصل كما عرفت إلا أنه في عدم الحجية - إلا في غير عنوان الخاص -
497

مثله فحينئذ يكون الفرد المشتبه غير معلوم الاندراج تحت إحدى الحجتين فلا بد من
الرجوع إلى ما هو الأصل في البين. هذا إذا كان المخصص لفظيا وأما إذا كان
لبيا فإن كان مما يصح أن يتكل عليه المتكلم إذا كان بصدد البيان في مقام
التخاطب فهو كالمتصل حيث لا يكاد ينعقد معه ظهور للعام الا في الخصوص وإن لم
يكن كذلك فالظاهر بقاء العام في المصداق المشتبه على حجيته كظهوره فيه (والسر)
في ذلك أن الكلام الملقى من السيد
499

حجة ليس إلا ما اشتمل على العام الكاشف بظهوره عن ارادته للعموم فلا بد من
اتباعه ما لم يقطع بخلافه (مثلا) إذا قال المولى: أكرم جيراني، وقطع بأنه
لا يريد اكرام من كان عدوا له منهم كان أصالة العموم باقية على الحجية بالنسبة
إلى من لم يعلم بخروجه عن عموم الكلام
500

للعلم بعداوته لعدم حجة أخرى بدون ذلك على خلافه بخلاف ما إذا كان المخصص
لفظيا فان قضية تقديمه عليه هو كون الملقى إليه كأنه كان - من رأس - لا يعم
الخاص كما كان كذلك حقيقة فيما كان الخاص متصلا. والقطع بعدم إرادة العدو
لا يوجب انقطاع حجيته الا فيما قطع أنه عدوه لا فيما شك فيه كما يظهر صدق هذا
من صحة مؤاخذة المولى لو لم يكرم واحدا من جيرانه لاحتمال عداوته له وحسن عقوبته على
مخالفته وعدم صحة الاعتذار عنه بمجرد احتمال العداوة كما لا يخفى على من راجع الطريقة المعروفة
والسيرة المستمرة المألوفة بين العقلاء التي هي ملاك حجية أصالة الظهور (وبالجملة):
كان بناء العقلاء على حجيتها بالنسبة إلى المشتبه هاهنا بخلاف هناك ولعله لما أشرنا
إليه من التفاوت بينهما بالقاء حجتين هناك تكون قضيتهما بعد تحكيم الخاص وتقديمه على
العام كأنه لم يعمه حكما من رأس وكأنه لم يكن بعام بخلاف هاهنا فان الحجة الملقاة ليست
الا واحدة والقطع بعدم إرادة اكرام العدو في: أكرم جيراني، مثلا لا يوجب رفع اليد
عن عمومه الا فيما قطع بخروجه من تحته فإنه على الحكيم القاء كلامه على وفق غرضه ومرامه
فلا بد من اتباعه ما لم تقم حجة أقوى على خلافه بل يمكن أن يقال: ان قضية عمومه للمشكوك أنه
501

ليس فردا لما علم بخروجه من حكمه بمفهومه فيقال في مثل: (لعن الله بني أمية قاطبة):
ان فلانا وإن شك في إيمانه يجوز لعنه لمكان العموم وكل من جاز لعنه لا يكون
مؤمنا فينتج أنه ليس بمؤمن فتأمل جيدا (إيقاظ) لا يخفى أن الباقي تحت العام بعد
تخصيصه بالمنفصل أو كالاستثناء من المتصل لما كان غير معنون بعنوان خاص بل
بكل عنوان
502

لم يكن ذلك بعنوان الخاص كان إحراز المشتبه منه بالأصل الموضوعي في غالب الموارد
- الا ما شذ - ممكنا
503

فبذلك يحكم عليه بحكم العام وإن لم يجز التمسك به بلا كلام ضرورة أنه قلما لم
يوجد عنوان يجري فيه أصل ينقح به أنه مما بقي تحته مثلا إذا شك ان امرأة تكون
قرشية فهي وان كانت وجدت إما قرشية أو غيرها فلا أصل يحرز أنها قرشية أو
غيرها
504

إلا أن أصالة عدم تحقق الانتساب بينها وبين قريش يجدي في تنقيح أنها ممن لا تحيض
الا إلى خمسين لان المرأة التي لا يكون بينها وبين قريش انتساب أيضا باقية تحت
ما دل على أن المرأة إنما ترى الحمرة إلى خمسين والخارج عن تحته هي القرشية فتأمل
تعرف (وهم وإزاحة) ربما يظهر من بعضهم التمسك بالعمومات فيما إذا شك
506

في فرد لا من جهة احتمال التخصيص بل من جهة أخرى كما إذا شك في صحة الوضوء
أو الغسل بمايع مضاف فيستكشف صحته بعموم مثل: (أوفوا بالنذور) فيما إذا وقع
متعلقا للنذر بأن يقال: وجب الاتيان بهذا الوضوء وفاء للنذر للعموم، وكل ما يجب
الوفاء به لا محالة يكون صحيحا، للقطع بأنه لولا صحته لما وجب الوفاء به، وربما يؤيد
ذلك بما ورد من صحة الاحرام والصيام قبل الميقات وفى السفر إذا تعلق بهما النذر
كذلك (والتحقيق) أن يقال: إنه لا مجال لتوهم الاستدلال بالعمومات المتكفلة
لاحكام العناوين الثانوية فيما شك من غير جهة تخصيصها إذا أخذ في موضوعاتها أحد
الاحكام المتعلقة بالأفعال بعناوينها الأولية
507

كما هو الحال في وجوب إطاعة الوالد والوفاء بالنذر وشبهه في الأمور المباحة أو الراجحة
ضرورة أنه - معه - لا يكاد يتوهم عاقل إذا شك في رجحان شئ أو حليته جواز
التمسك بعموم دليل وجوب الإطاعة أو الوفاء في رجحانه أو حليته. نعم لا بأس
بالتمسك به في جوازه بعد إحراز التمكن منه والقدرة عليه فيما لم يؤخذ في
موضوعاتها حكم أصلا فإذا شك في جوازه صح التمسك بعموم دليلها في الحكم
بجوازها وإذا كانت محكومة بعناوينها الأولية بغير حكمها بعناوينها الثانوية
509

وقع المزاحمة بين المقتضيين ويؤثر الأقوى منهما لو كان في البين وإلا لم يؤثر أحدهما
وإلا لزم الترجيح بلا مرجح فليحكم عليه حينئذ بحكم آخر كالإباحة إذا كان أحدهما
مقتضيا للوجوب والآخر للحرمة مثلا. وأما صحة الصوم في السفر بنذره فيه -
بناء على عدم صحته فيه بدونه وكذا الاحرام قبل الميقات - فإنما هو لدليل خاص
كاشف عن رجحانهما ذاتا في السفر وقبل الميقات وانما لم يأمر بهما استحبابا أو وجوبا
510

لمانع يرتفع مع النذر. وإما لصيرورتهما راجحين بتعلق النذر بهما بعد ما لم يكونا
كذلك كما ربما يدل عليه ما في الخبر من كون الاحرام قبل الميقات كالصلاة قبل
الوقت (لا يقال): لا يجدي صيرورتهما راجحين بذلك في عباديتهما ضرورة
كون وجوب الوفاء توصليا لا يعتبر في سقوطه الا الاتيان بالمنذور بأي داع كان
" فإنه يقال ": عباديتهما إنما تكون لاجل كشف دليل صحتهما عن عروض
عنوان راجح عليهما
511

ملازم لتعلق النذر بهما. هذا لو لم نقل بتخصيص عموم دليل اعتبار الرجحان في
متعلق النذر بهذا الدليل والا أمكن أن يقال بكفاية الرجحان الطارئ عليهما من قبل
النذر في عباديتهما بعد تعلق النذر باتيانهما عباديا ومتقربا بهما منه تعالى فإنه وإن لم يتمكن
من اتيانهما كذلك قبله إلا أنه يتمكن منه بعده ولا يعتبر في صحة النذر الا التمكن
512

من الوفاء ولو بسببه فتأمل جيدا " بقي شئ " وهو أنه هل يجوز التمسك بأصالة
عدم التخصيص في إحراز عدم كون ما شك في أنه من مصاديق العام مع العلم بعدم
كونه محكوما بحكمه مصداقا له مثل ما إذا علم أن زيدا يحرم إكرامه وشك في أنه عالم
فيحكم عليه - بأصالة عدم تخصيص إكرام العلماء - أنه ليس بعالم بحيث يحكم عليه
بسائر ما لغير العالم من الاحكام؟ فيه اشكال لاحتمال اختصاص حجيتهما بما إذا شك
في كون فرد العام محكوما بحكمه كما هو قضية عمومه والمثبت من الأصول اللفظية وان
كان حجة إلا أنه لا بد من الاقتصار على ما يساعد عليه الدليل ولا دليل هاهنا الا
السيرة وبناء العقلاء ولم يعلم استقرار بنائهم على ذلك فلا تغفل.
513

فصل
هل يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص؟ فيه خلاف وربما نفي الخلاف
عن عدم جوازه بل ادعي الاجماع عليه (والذي) ينبغي أن يكون محل الكلام في
المقام أنه هل يكون أصالة العموم متبعة مطلقا؟ أو بعد الفحص عن المخصص واليأس
عن الظفر به بعد الفراغ من اعتبارها بالخصوص في الجملة من باب الظن النوعي
للمشافه وغيره ما لم يعلم بتخصيصه تفصيلا ولم يكن من أطراف ما علم تخصيصه إجمالا وعليه
فلا مجال لغير واحد مما استدل به على عدم جواز العمل به قبل الفحص واليأس
(فالتحقيق) عدم جواز التمسك به قبل الفحص فيما إذا كان
515

في معرض التخصيص كما هو الحال في عمومات الكتاب والسنة وذلك لاجل أنه لولا
القطع باستقرار سيرة العقلاء على عدم العمل به قبله فلا أقل من الشك كيف وقد
516

ادعي الاجماع على عدم جوازه؟ فضلا عن نفي الخلاف عنه وهو كاف في عدم
الجواز كما لا يخفى وأما إذا لم يكن العام كذلك - كما هو الحال في غالب العمومات
الواقعة في ألسنة أهل المحاورات - فلا شبهة في أن السيرة على العمل به بلا فحص
عن مخصص وقد ظهر لك بذلك أن مقدار الفحص اللازم ما به يخرج عن المعرضية
له كما أن مقداره اللازم منه بحسب سائر الوجوه التي استدل بها من العلم الاجمالي به
أو حصول الظن بما هو التكليف أو غير ذلك رعايتها فيختلف مقداره بحسبها كما
لا يخفى (ثم) إن الظاهر عدم لزوم الفحص عن المخصص المتصل باحتمال أنه كان
ولم يصل
517

بل حاله حال احتمال قرينة المجاز وقد اتفقت كلماتهم على عدم الاعتناء به مطلقا ولو
قبل الفحص عنها كما لا يخفى (إيقاظ) لا يذهب عليك الفرق بين الفحص ههنا
وبينه في الأصول العملية حيث إنه ههنا عما يزاحم الحجية بخلافه هناك فإنه بدونه
لا حجة ضرورة أن العقل بدونه يستقل باستحقاق المؤاخذة على المخالفة فلا يكون
العقاب بدونه بلا بيان والمؤاخذة عليها من غير برهان والنقل وإن دل على البراءة
والاستصحاب في موردهما مطلقا إلا أن الاجماع بقسميه على تقييده
518

به فافهم
فصل
هل الخطابات الشفاهية مثل: (يا أيها المؤمنون) يختص بالحاضر مجلس التخاطب
أو يعم غيره من الغائبين بل المعدومين؟ فيه خلاف ولا بد قبل الخوض في تحقيق
المقام من بيان ما يمكن أن يكون محلا للنقض والابرام بين الاعلام فاعلم أنه يمكن أن
يكون النزاع في أن التكليف المتكفل له الخطاب هل يصح تعلقه بالمعدومين كما
صح تعلقه بالموجودين أم لا؟ أو في صحة المخاطبة معهم بل مع الغائبين عن مجلس
الخطاب بالألفاظ الموضوعة للخطاب أو بنفس توجيه الكلام إليهم وعدم صحتها، أو
في عموم الألفاظ الواقعة عقيب أداة الخطاب للغائبين بل المعدومين وعدم
عمومها لهما بقرينة تلك الأداة ولا يخفى أن النزاع - على الوجهين الأولين
519

يكون عقليا وعلى الوجه الأخير لغويا إذا عرفت هذا فلا ريب في عدم صحة
تكليف المعدوم عقلا بمعنى بعثه أو زجره فعلا ضرورة أنه بهذا المعنى يستلزم الطلب منه
حقيقة ولا يكاد يكون الطلب كذلك الا من الموجود ضرورة. نعم هو بمعنى مجرد
إنشاء الطلب بلا بعث ولا زجر لا استحالة فيه أصلا فان الانشاء خفيف المؤونة
فالحكيم تبارك وتعالى ينشئ على وفق الحكمة
520

والمصلحة طلب شئ قانونا من الموجود والمعدوم حين الخطاب ليصير فعليا بعد ما وجد
الشرائط وفقد الموانع بلا حاجة إلى إنشاء آخر فتدبر. ونظيره من غير الطلب
إنشاء التمليك في الوقف على البطون فان المعدوم منهم يصير مالكا للعين الموقوفة بعد
وجوده بانشائه ويتلقى لها من الواقف بعقده فيؤثر في حق الموجود منهم الملكية الفعلية
ولا يؤثر في حق المعدوم فعلا الا استعدادها لان تصير ملكا له بعد وجوده. هذا
إذا أنشئ الطلب مطلقا وأما إذا أنشئ مقيدا بوجود المكلف ووجد انه الشرائط
فامكانه بمكان من الامكان وكذلك لا ريب في عدم صحة خطاب المعدوم بل الغائب
حقيقة وعدم امكانه ضرورة عدم تحقق توجيه الكلام نحو الغير حقيقة الا إذا كان
موجودا وكان بحيث يتوجه إلى الكلام ويلتفت إليه. ومنه قد انقدح أن ما وضع
للخطاب مثل أدوات النداء لو كان موضوعا للخطاب الحقيقي لأوجب استعماله فيه
تخصيص ما يقع في تلوه
521

بالحاضرين كما أن قضية إرادة العموم منه لغيرهم استعماله في غيره لكن الظاهر أن مثل
أدوات النداء لم يكن موضوعا لذلك بل للخطاب الايقاعي الانشائي فالمتكلم ربما
يوقع الخطاب بها تحسرا وتأسفا وحزنا مثل: " أيا كوكبا ما كان أقصر عمره "
أو شوقا ونحو ذلك كما يوقعه مخاطبا لمن يناديه حقيقة فلا يوجب استعماله في معناه
الحقيقي حينئذ التخصيص بمن يصح مخاطبته. نعم لا يبعد دعوى الظهور انصرافا في
الخطاب الحقيقي كما هو الحال في حروف الاستفهام والترجي والتمني وغيرها - على ما
حققناه في بعض المباحث السابقة - من كونها موضوعة للايقاعي منها بدواع مختلفة
مع ظهورها في الواقعي منها انصرافا إذا لم يكن هناك ما يمنع عنه كما يمكن دعوى
وجوده غالبا في كلام الشارع ضرورة وضوح عدم اختصاص الحكم في مثل:
(يا أيها الناس اتقوا) و (يا أيها المؤمنون) بمن حضر مجلس الخطاب بلا شبهة
ولا ارتياب ويشهد
522

لما ذكرنا صحة النداء بالأدوات مع إرادة العموم من العام الواقع تلوها بلا عناية ولا
للتنزيل والعلاقة رعاية " وتوهم " كونه ارتكازيا " يدفعه " عدم العلم به مع
الالتفات إليه التفتيش عن حاله مع حصوله بذلك لو كان ارتكازيا والا فمن أين
يعلم بثبوته كذلك كما هو واضح؟ وإن أبيت إلا عن وضع الأدوات للخطاب الحقيقي
فلا مناص عن التزام اختصاص الخطابات الإلهية بأداة الخطاب أو بنفس توجيه
الكلام بدون الأداة كغيرها بالمشافهين فيما لم يكن هناك قرينة على التعميم " وتوهم "
صحة التزام التعميم في خطاباته تعالى لغير الموجودين فضلا عن الغائبين لاحاطته
بالموجود في الحال
523

والموجود في الاستقبال " فاسد " ضرورة أن احاطته لا توجب صلاحية المعدوم
بل الغائب للخطاب وعدم صحة المخاطبة معهما لقصورهما لا يوجب نقصا في ناحيته
تعالى كما لا يخفى كما أن خطابه اللفظي لكونه تدريجيا ومتصرم الوجود كان قاصرا
عن أن يكون موجها نحو غير من كان بمسمع منه ضرورة. هذا لو قلنا بان الخطاب
بمثل: (يا أيها الناس اتقوا) في الكتاب حقيقة إلى غير النبي - صلى الله عليه
وآله - بلسانه وأما إذا قيل بأنه المخاطب والموجه إليه الكلام حقيقة وحيا أو إلهاما
فلا محيص إلا عن كون الأداة في مثله للخطاب الايقاعي ولو مجازا وعليه لا مجال
لتوهم اختصاص الحكم المتكفل له الخطاب بالحاضرين بل يعم المعدومين فضلا عن
الغائبين.
فصل
ربما قيل: إنه يظهر لعموم الخطابات الشفاهية للمعدومين ثمرتان " الأولى "
حجية ظهور الخطابات في الكتاب لهم كالمشافهين (وفيه) أنه مبني على اختصاص
حجية الظواهر بالمقصودين بالافهام وقد حقق
524

عدم الاختصاص بهم ولو سلم فاختصاص المشافهين بكونهم مقصودين بذلك ممنوع بل
الظاهر أن الناس كلهم إلى يوم القيامة يكون كذلك وإن لم يعمهم الخطاب كما يومئ
إليه غير واحد من الاخبار (الثانية) صحة التمسك باطلاقات الخطابات القرآنية
بناء على التعميم لثبوت الاحكام لمن وجد وبلغ من المعدومين وإن لم يكن متحدا مع
المشافهين في الصنف وعدم صحته على عدمه لعدم كونها حينئذ متكفلة لاحكام غير
525

المشافهين فلا بد من اثبات اتحاده معهم في الصنف حتى يحكم بالاشتراك مع المشافهين
في الاحكام حيث لا دليل عليه حينئذ إلا الاجماع ولا اجماع عليه الا فيما اتحد الصنف كما
لا يخفى ولا يذهب عليك أنه يمكن إثبات الاتحاد وعدم دخل ما كان البالغ الآن فاقدا له
مما كان المشافهون واجدين له باطلاق الخطاب إليهم من دون التقييد به وكونهم
كذلك لا يوجب صحة الاطلاق مع إرادة المقيد معه فيما يمكن ان يتطرق الفقدان وان
صح فيما لا يتطرق إليه ذلك
526

وليس المراد بالاتحاد في الصنف الا الاتحاد فيما اعتبر قيدا في الاحكام لا الاتحاد فيما
كثر الاختلاف بحسبه والتفاوت بسببه بين الأنام بل في شخص واحد بمرور الدهور
والأيام وإلا لما ثبت بقاعدة الاشتراك للغائبين فضلا عن المعدومين حكم من الاحكام
ودليل الاشتراك إنما يجدي في عدم اختصاص التكاليف باشخاص المشافهين فيما لم
يكونوا مختصين بخصوص عنوان أو لم يكونوا معنونين به للشك في شمولها لهم أيضا
فلولا الاطلاق واثبات عدم دخل ذلك العنوان في الحكم لما أفاد دليل الاشتراك
ومعه كان الحكم يعم غير المشافهين ولو قيل باختصاص الخطابات بهم فتأمل جيدا
فتلخص أنه لا يكاد تظهر الثمرة الا على القول باختصاص حجية الظواهر لمن قصد
إفهامه مع كون غير المشافهين غير مقصودين بالافهام وقد حقق عدم الاختصاص به
في غير المقام وأشير إلى منع كونهم غير مقصودين به في خطاباته تبارك وتعالى في المقام
527

فصل
(هل تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض افراده يوجب تخصيصه به أولا؟)
فيه خلاف بين الاعلام وليكن محل الخلاف ما إذا وقعا في كلامين أو في
كلام واحد مع استقلال العام بما حكم عليه في الكلام كما في قوله تبارك وتعالى:
(والمطلقات يتربصن) إلى قوله: (وبعولتهن أحق بردهن) وأما ما إذا كان
مثل: والمطلقات أزواجهن أحق بردهن، فلا شبهة في تخصيصه به (والتحقيق)
أن يقال: إنه حيث دار الامر بين التصرف في العام بإرادة خصوص ما أريد من
الضمير الراجع إليه والتصرف في ناحية الضمير إما بارجاعه إلى بعض ما هو المراد
من مرجعه أو إلى تمامه مع التوسع في الاسناد باسناد الحكم المسند إلى البعض حقيقة
إلى الكل توسعا وتجوزا كانت أصالة الظهور في طرف العام سالمة عنها في جانب
528

الضمير وذلك لان المتيقن من بناء العقلاء هو اتباع الظهور في تعيين المراد لا في تعيين
كيفية الاستعمال وانه على نحو الحقيقة أو المجاز في الكلمة أو الاسناد مع القطع بما يراد
كما هو الحال في ناحية الضمير (وبالجملة) أصالة الظهور إنما تكون حجة فيما
إذا شك فيما أريد لا فيما إذا شك في أنه كيف أريد؟ فافهم لكنه إذا عقد للكلام
ظهور في العموم بان لا يعد ما اشتمل على الضمير مما يكتنف به عرفا والا فيحكم
عليه بالاجمال ويرجع إلى ما يقتضيه الأصول إلا أن يقال باعتبار أصالة الحقيقة تعبدا
حتى فيما إذا احتف بالكلام ما لا يكون ظاهرا معه في معناه الحقيقي كما عن بعض
الفحول
529

فصل
قد اختلفوا في جواز التخصيص بالمفهوم المخالف مع الاتفاق على الجواز بالمفهوم
الموافق على قولين وقد استدل لكل منهما بما لا يخلو عن قصور وتحقيق المقام انه إذا
ورد العام وماله المفهوم في كلام أو كلامين ولكن على نحو يصلح أن يكون كل منهما قرينة
متصلة للتصرف في الآخر ودار الامر بين تخصيص العموم أو إلغاء المفهوم فالدلالة
على كل منهما ان كانت بالاطلاق بمعونة مقدمات الحكمة أو بالوضع فلا يكون هناك
عموم ولا مفهوم لعدم تمامية مقدمات الحكمة في واحد منهما لاجل المزاحمة كما في مزاحمة
ظهور أحدهما وضعا لظهور الآخر كذلك فلا بد من العمل بالأصول العملية فيما دار
فيه بين العموم والمفهوم إذا لم يكن مع ذلك أحدهما أظهر وإلا كان مانعا عن
انعقاد الظهور أو استقراره في الآخر ومنه قد انقدح الحال فيما إذا لم يكن بين ما دل
على العموم وماله المفهوم ذاك الارتباط والاتصال وانه لابد ان يعامل مع كل منهما
530

معاملة المجمل لو لم يكن في البين أظهر والا فهو المعول والقرينة على التصرف في الآخر
بما لا يخالفه بحسب العمل.
فصل
الاستثناء المتعقب لجمل متعددة هل الظاهر هو رجوعه إلى الكل أو خصوص
الأخيرة أولا ظهور له في واحد منهما بل لا بد في التعيين من قرينة؟ أقوال والظاهر
أنه لا خلاف ولا اشكال في رجوعه إلى الأخيرة على أي حال ضرورة أن رجوعه
إلى غيرها بلا قرينة خارج عن طريقة أهل المحاورة وكذا في صحة رجوعه إلى
الكل وان كان المتراءى من كلام صاحب المعالم - رحمه الله - حيث مهد مقدمة
لصحة رجوعه إليه أنه محل الاشكال والتأمل وذلك ضرورة ان تعدد المستثنى منه
531

كتعدد المستثنى لا يوجب تفاوتا أصلا في ناحية الأداة بحسب المعنى كان الموضوع له
في الحروف عاما أو خاصا وكان المستعمل فيه الأداة فيما كان المستثنى منه متعددا
هو المستعمل فيه فيما كان واحدا كما هو الحال في المستثنى بلا ريب ولا اشكال وتعدد
المخرج أو المخرج عنه خارجا لا يوجب تعدد ما استعمل فيه أداة الاخراج مفهوما
وبذلك يظهر أنه لا ظهور لها في الرجوع إلى الجميع أو خصوص الأخيرة وان كان
الرجوع إليها متيقنا على كل تقدير (نعم) غير الأخيرة أيضا من الجمل لا يكون ظاهرا
في العموم لاكتنافه بما لا يكون معه ظاهرا فيه فلا بد في مورد الاستثناء فيه من
الرجوع إلى الأصول اللهم إلا أن يقال بحجية أصالة الحقيقة تعبدا لا من باب الظهور
فيكون المرجع عليه أصالة العموم إذا كان وضعيا لا ما إذا كان بالاطلاق ومقدمات
الحكمة فإنه لا يكاد تتم تلك المقدمات مع صلوح الاستثناء للرجوع إلى الجميع
فتأمل (1)

(1) إشارة إلى أنه يكفى في منع جريان المقدمات صلوح الاستثناء لذلك
الاحتمال اعتماد المطلق حينئذ في التقييد عليه لاعتقاد انه كاف فيه اللهم ان يقال:
ان مجرد صلوحه لذلك بدون قرينة عليه غير صالح للاعتماد ما لم يكن بحسب متفاهم
العرف ظاهرا في الرجوع إلى الجميع فأصالة الاطلاق مع عدم القرينة محكمة لتمامية
مقدمات الحكمة فافهم منه قدس سره
532

(فصل) الحق جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد المعتبر بالخصوص كما جاز بالكتاب
أو بالخبر المتواتر أو المحفوف بالقرينة القطعية من خبر الواحد بلا ارتياب لما هو
الواضح من سيرة الأصحاب على العمل باخبار الآحاد في قبال عمومات الكتاب
إلى زمن الأئمة عليهم السلام واحتمال أن يكون ذلك بواسطة القرينة واضح البطلان
مع أنه لولاه لزم إلغاء الخبر بالمرة أو ما بحكمه ضرورة ندرة خبر لم يكن على خلافه
عموم الكتاب لو سلم وجود ما لم يكن كذلك وكون العام الكتابي قطعيا صدورا
وخبر الواحد ظنيا سندا لا يمنع عن التصرف في دلالته غير القطعية قطعا والا لما جاز
تخصيص المتواتر به أيضا مع أنه جائز جزما والسر أن الدوران في الحقيقة بين أصالة
العموم ودليل سند الخبر مع أن الخبر بدلالته وسنده صالح للقرينية على التصرف فيها
بخلافها فإنها غير صالحة لرفع اليد عن دليل اعتباره
533

ولا ينحصر الدليل على الخبر بالاجماع كي يقال بأنه فيما لا يوجد على خلافه دلالة ومع
وجود الدلالة القرآنية يسقط وجوب العمل به كيف وقد عرفت أن سيرتهم مستمرة
على العمل به في قبال العمومات الكتابية؟ والاخبار الدالة على أن الاخبار المخالفة
للقرآن يجب طرحها أو ضربها على الجدار أو انها زخرف أو انها مما لم يقل بها الإمام عليه السلام
وان كانت كثيرة جدا وصريحة الدلالة على طرح المخالف الا انه لا محيص عن أن يكون
المراد من المخالفة في هذه الأخبار غير مخالفة العموم إن لم نقل بأنها ليست من
المخالفة عرفا كيف وصدور الاخبار المخالفة للكتاب بهذه المخالفة منهم عليهم السلام
كثيرة جدا؟ مع قوة احتمال أن يكون المراد أنهم لا يقولون بغير ما هو قول الله تبارك
وتعالى واقعا وان كان هو على خلافه ظاهرا شرحا لمرامه تعالى وبيانا لمراده من
كلامه فافهم
534

والملازمة بين جواز التخصيص وجواز النسخ به ممنوعة وان كان مقتضى القاعدة
جوازهما لاختصاص النسخ بالاجماع على المنع مع وضوح الفرق بتوافر الدواعي إلى
ضبطه ولذا قل الخلاف في تعيين موارده بخلاف التخصيص
فصل
لا يخفى أن الخاص والعام المتخالفين يختلف حالهما ناسخا ومخصصا ومنسوخا
فيكون الخاص مخصصا تارة وناسخا مرة ومنسوخا أخرى وذلك لان الخاص ان
535

كان مقارنا مع العام أو واردا بعده قبل حضور وقت العمل به فلا محيص عن كونه مخصصا
وبيانا له وان كان بعد حضوره كان ناسخا لا مخصصا لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت
الحاجة فيما إذا كان العام واردا لبيان الحكم الواقعي وإلا لكان الخاص أيضا
مخصصا له كما هو الحال في غالب العمومات والخصوصات في الآيات والروايات وان
536

كان العام واردا بعد حضور وقت العمل بالخاص فكما يحتمل أن يكون الخاص
مخصصا للعام يحتمل أن يكون العام ناسخا له وان كان الأظهر أن يكون الخاص مخصصا
لكثرة التخصيص حتى اشتهر " ما من عام إلا وقد خص " مع قلة النسخ في
الاحكام جدا وبذلك يصير ظهور الخاص في الدوام ولو كان بالاطلاق أقوى من
ظهور العام ولو كان بالوضع كما لا يخفى. هذا فيما علم تأريخهما وأما لو جهل وتردد
بين أن يكون الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام وقبل حضوره فالوجه هو الرجوع
إلى الأصول العملية وكثرة التخصيص وندرة النسخ هاهنا وإن كانا يوجبان الظن
بالتخصيص أيضا وانه واجد لشرطه إلحاقا له بالغالب إلا أنه لا دليل
537

على اعتباره وإنما يوجبان الحمل عليه فيما إذا ورد العام بعد حضور وقت العمل بالخاص
لصيرورة الخاص بذلك في الدوام أظهر من العام كما أشير إليه فتدبر جيدا (ثم)
ان تعين الخاص (1) للتخصيص إذا ورد قبل حضور وقت العمل بالعام أو ورد العام
قبل حضور وقت العمل به انما يكون مبنيا على عدم جواز النسخ قبل حضور وقت
العمل وإلا فلا يتعين له بل يدور بين كونه مخصصا وناسخا في الأول ومخصصا ومنسوخا
في الثاني الا ان الأظهر كونه مخصصا ولو فيما كان ظهور العام في عموم الافراد أقوى
من ظهور الخاص في الخصوص لما أشير إليه

(1) لا يخفى ان كونه مخصصا بمعنى كونه مبينا بمقدار المرام عن العام
وناسخا بمعنى كون حكم العام غير ثابت في نفس الامر في مورد الخاص مع كونه
مرادا ومقصودا بالافهام في مورده بالعام كسائر الافراد وإلا فلا تفاوت بينهما عملا
أصلا كما هو واضح لا يكاد يخفى. " منه قدس سره "
538

من تعارف التخصيص وشيوعه وندرة النسخ جدا في الاحكام ولا بأس بصرف
الكلام إلى ما هو نخبة القول في النسخ
539

فاعلم أن النسخ وان كان
540

رفع الحكم الثابت اثباتا إلا أنه في الحقيقة دفع الحكم ثبوتا وانما اقتضت الحكمة
إظهار دوام الحكم واستمراره أو أصل انشائه وإقراره مع أنه بحسب الواقع ليس له
قرار أو ليس له دوام واستمرار وذلك لان النبي - صلى الله عليه وآله - الصادع
للشرع ربما يلهم أو يوحى إليه أن يظهر الحكم أو استمراره مع اطلاعه على حقيقة
الحال وأنه ينسخ في الاستقبال أو مع عدم اطلاعه على ذلك لعدم احاطته بتمام ما جرى
في علمه تبارك وتعالى ومن هذا القبيل
542

لعله يكون أمر إبراهيم بذبح إسماعيل وحيث عرفت أن النسخ بحسب الحقيقة يكون
دفعا وان كان بحسب الظاهر رفعا بلا بأس به مطلقا ولو كان قبل حضور وقت العمل
لعدم لزوم البداء المحال في حقه تبارك وتعالى بالمعنى المستلزم لتغير ارادته تعالى مع
اتحاد الفعل ذاتا وجهة وإلا لزم امتناع النسخ أو الحكم المنسوخ فان الفعل ان كان
مشتملا على مصلحة موجبة للامر به امتنع النهى عنه والا امتنع الامر به وذلك لان
الفعل أو دوامه لم يكن متعلقا لإرادته فلا يستلزم نسخ أمره بالنهي تغيير ارادته ولم
يكن الامر بالفعل من جهة كونه مشتملا على مصلحة وإنما كان إنشاء الامر به أو
إظهار دوامه عن حكمة ومصلحة (وأما) البداء في التكوينيات بغير ذاك المعنى فهو
مما دل عليه الروايات المتواترات كما لا يخفى ومجمله ان الله تبارك وتعالى إذا تعلقت
مشيته تعالى باظهار ثبوت ما يمحوه لحكمة داعية إلى إظهاره ألهم أو أوحي إلى نبيه أو
وليه أن يخبر به مع علمه بأنه يمحوه أو مع عدم علمه به لما أشير إليه من عدم الإحاطة
بتمام ما جرى في علمه وإنما يخبر به لأنه حال الوحي أو الالهام لارتقاء نفسه الزكية واتصاله
بعالم لوح المحو الاثبات اطلع على ثبوته ولم يطلع على كونه معلقا على أمر غير واقع
أو عدم الموانع قال الله تبارك وتعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) الآية. نعم
- من شملته العناية الآلهية واتصلت نفسه الزكية بعالم اللوح المحفوظ الذي هو من
543

أعظم العوالم الربوبية وهو أم الكتاب يكشف عنده الواقعيات على ما هي عليها كما
ربما يتفق لخاتم الأنبياء ولبعض الأوصياء كان عارفا بالكائنات كما كانت وتكون.
نعم مع ذلك ربما يوحى إليه حكم من الاحكام (تارة) بما يكون ظاهرا في الاستمرار
والدوام مع أنه في الواقع له غاية وأمد يعينها بخطاب آخر (وأخرى) بما يكون
ظاهرا في الجد مع أنه لا يكون واقعا بجد بل لمجرد الابتلاء والاختبار كما أنه يؤمر
وحيا أو إلهاما بالاخبار بوقوع عذاب أو غيره مما لا يقع لاجل حكمة في هذا الاخبار
أو ذاك الاظهار فبدا له تعالى انه يظهر ما أمر نبيه أو وليه بعدم إظهاره أولا
ويبدي ما خفي ثانيا وإنما نسب إليه تعالى البداء مع أنه في الحقيقة الابداء لكمال شباهة
إبدائه تعالى كذلك بالبداء في غيره وفيما ذكرنا كفاية فيما هو المهم في باب النسخ ولا
داعي بذكر تمام ما ذكروه في ذاك الباب كما لا يخفى على أولى الألباب (ثم) لا يخفى
ثبوت الثمرة بين التخصيص والنسخ ضرورة انه على التخصيص يبنى على خروج
الخاص عن حكم العام رأسا وعلى النسخ على ارتفاع حكمه عنه من حينه فيما دار الامر
بينهما في المخصص واما إذا دار بينهما في الخاص والعام فالخاص على التخصيص غير
محكوم بحكم العام أصلا وعلى النسخ كان محكوما به من حين صدور دليله كما لا يخفى
544

المقصد الخامس في المطلق والمقيد والمجمل والمبين
فصل عرف المطلق بأنه ما دل على شايع في جنسه وقد أشكل عليه بعض
الاعلام بعدم الاطراد أو الانعكاس وأطال الكلام في النقض والابرام وقد نبهنا في
غير مقام على أن مثله شرح الاسم وهو مما يجوز أن لا يكون بمطرد ولا بمنعكس
فالأولى الاعراض عن ذلك ببيان ما وضع له بعض الألفاظ التي يطلق عليها المطلق أو
من غيرها مما يناسب المقام (فمنها) اسم الجنس كانسان ورجل وفرس وحيوان
وسواد وبياض... إلى غير ذلك من أسماء الكليات من الجواهر والاعراض بل
العرضيات ولا ريب انها موضوعة لمفاهيمها بما هي هي مبهمة مهملة بلا شرط أصلا
ملحوظا معها
545

حتى لحاظ انها كذلك (وبالجملة) الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى
وصرف المفهوم غير الملحوظ معه شئ أصلا الذي هو المعنى بشرط شئ ولو كان
ذاك الشئ هو الارسال والعموم البدلي ولا الملحوظ معه عدم لحاظ شئ معه الذي
هو الماهية اللا بشرط القسمي وذلك لوضوح صدقها بما لها من المعنى بلا عناية التجريد
546

عما هو قضية الاشتراط والتقييد فيها كما لا يخفى مع بداهة عدم صدق المفهوم بشرط
العموم على فرد من الافراد وان كان يعم كل واحد منها بدلا أو استيعابا وكذا
المفهوم اللا بشرط القسمي فإنه كلي عقلي لا موطن له الا الذهن لا يكاد يمكن صدقه
وانطباقه عليها بداهة ان مناطه الاتحاد بحسب الوجود خارجا فكيف يمكن ان يتحد
معها ما لا وجود له الا ذهنا " ومنها " علم الجنس كأسامة والمشهور بين أهل
العربية انه موضوع للطبيعة لا بما هي هي بل بما هي متعينة بالتعيين الذهني ولذا يعامل
معه معاملة المعرفة بدون أداة التعريف لكن التحقيق انه موضوع لصرف المعنى بلا
لحاظ شئ معه أصلا كاسم الجنس والتعريف فيه لفظي كما هو الحال في التأنيث
اللفظي وإلا لما صح حمله على الافراد بلا تصرف وتأويل
547

لأنه - على المشهور - كلي عقلي وقد عرفت أنه لا يكاد يصح صدقه عليها مع
صحة حمله عليها بدون ذلك كما لا يخفى ضرورة ان التصرف في المحمول بإرادة نفس
المعنى بدون قيده تعسف لا يكاد يكون بناء القضايا المتعارفة عليه مع أن وضعه
لخصوص معنى يحتاج إلى تجريده عن خصوصيته عند الاستعمال
548

لا يكاد يصدر عن جاهل فضلا عن الواضع الحكيم " ومنها " المفرد المعرف باللام
والمشهور أنه على أقسام المعرف بلام الجنس أو الاستغراق أو العهد بأقسامه على نحو
الاشتراك بينها لفظا أو معنى والظاهر أن الخصوصية في كل واحد من الأقسام من
قبل خصوص اللام أو من قبل قرائن المقام من باب تعدد الدال والمدلول لا باستعمال
المدخول ليلزم فيه المجاز أو الاشتراك فكان المدخول على كل حال مستعملا فيما
يستعمل فيه غير المدخول والمعروف ان اللام تكون موضوعة للتعريف ومقيدة للتعيين
في غير العهد الذهني وأنت خبير بأنه لا تعيين في تعريف الجنس الا الإشارة إلى المعنى
المتميز بنفسه من بين المعاني ذهنا ولازمه أن لا يصح حمل المعرف باللام بما هو معرف
على الافراد لما عرفت من امتناع الاتحاد مع ما لا موطن له الا الذهن الا بالتجريد ومعه لا فائدة
في التقييد مع أن التأويل والتصرف في القضايا المتداولة في العرف غير خال عن التعسف. هذا
551

مضافا إلى أن الوضع لما لا حاجة إليه بل لا بد من التجريد عنه وإلغائه في الاستعمالات
المتعارفة المشتملة على حمل المعرف باللام أو الحمل عليه كان لغوا كما أشرنا إليه فالظاهر
أن اللام مطلقا تكون للتزيين كما في الحسن والحسين واستفادة الخصوصيات انما
تكون بالقرائن التي لابد منها لتعيينها على كل حال ولو قيل بإفادة اللام للإشارة إلى
المعنى ومع الدلالة عليه بتلك الخصوصيات لا حاجة إلى تلك الإشارة لو لم تكن مخلة
وقد عرفت إخلالها فتأمل جيدا وأما دلالة الجمع المعرف باللام على العموم مع عدم
دلالة المدخول عليه فلا دلالة فيها على انها تكون لاجل دلالة اللام على التعيين حيث
لا تعين الا للمرتبة المستغرقة لجميع الافراد وذلك لتعين المرتبة الأخرى وهي أقل
مراتب الجمع كما لا يخفى فلا بد أن يكون دلالته عليه مستندة إلى وضعه كذلك لذلك
لا إلى دلالة اللام على الإشارة إلى المعين ليكون به التعريف وإن أبيت إلا عن استناد
الدلالة عليه إليه فلا محيص عن دلالته على الاستغراق بلا توسيط الدلالة على التعيين
فلا يكون بسببه تعريف الا لفظا فتأمل جيدا (ومنها) النكرة مثل (رجل) في
وجاء رجل من أقصى المدينة، أو في جئني برجل، ولا اشكال أن المفهوم منها في الأول
- ولو بنحو تعدد الدال والمدلول - هو الفرد المعين في الواقع المجهول عند المخاطب المحتمل
الانطباق على غير واحد من افراد الرجل كما أنه في الثاني هي الطبيعة المأخوذة مع قيد
الوحدة فيكون حصة من الرجل ويكون كليا ينطبق على كثيرين
552

لا فردا مرددا بين الافراد وبالجملة النكرة (أي ما بالحمل الشايع يكون نكرة عندهم)
إما هو فرد معين في الواقع غير معين للمخاطب أو حصة كلية لا الفرد المردد بين
الافراد وذلك لبداهة كون لفظ (رجل) في (جئني برجل) نكرة مع أنه يصدق
على كل من يجيئ به من الافراد ولا يكاد يكون واحد منها هذا أو غيره كما هو
قضية الفرد المردد لو كان هو المراد منها ضرورة ان كل واحد هو هو لا هو أو غيره
فلا بد ان تكون النكرة الواقعة في متعلق الامر هو الطبيعي المقيد بمثل مفهوم الوحدة
فيكون كليا قابلا للانطباق فتأمل جيدا إذا عرفت ذلك فالظاهر صحة اطلاق المطلق
عندهم حقيقة
553

على اسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني كما يصح لغة وغير بعيد أن يكون جريهم في
هذا الاطلاق على وفق اللغة من دون أن يكون لهم فيه اصطلاح على خلافها كما لا
يخفى. نعم لو صح ما نسب إلى المشهور من كون المطلق عندهم موضوعا لما قيد بالارسال
والشمول البدلي لما كان ما أريد منه الجنس أو الحصة عندهم بمطلق الا ان الكلام في
صدق النسبة. ولا يخفى ان المطلق
554

بهذا المعنى لطروء القيد غير قابل فان ماله من الخصوصية ينافيه ويعانده بل وهذا
بخلافه بالمعنيين فان كلا منهما له قابل لعدم انثلامهما بسببه أصلا كما لا يخفى وعليه
لا يستلزم التقييد تجوزا في المطلق لامكان إرادة معنى لفظه منه وإرادة قيده من قرينة
حال أو مقال وانما استلزمه لو كان بذاك المعنى. نعم لو أريد من لفظه المعنى المقيد
كان مجازا مطلقا كان التقييد بمتصل أو منفصل
فصل
(قد ظهر لك انه لا دلالة لمثل رجل الا على الماهية المبهمة وضعا)
وان الشياع والسريان كسائر الطوارئ يكون خارجا عما وضع له فلا بد في
الدلالة عليه من قرينة حال أو مقال أو حكمة وهي تتوقف على مقدمات (إحداها)
كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد لا الاهمال أو الاجمال (ثانيهما) انتفاء ما يوجب
التعيين (ثالثها) انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب ولو كان المتيقن بملاحظة
555

الخارج عن ذاك المقام في البين فإنه غير مؤثر في رفع الاخلال بالغرض لو كان بصدد
البيان كما هو الفرض فإنه فيما تحققت لو لم يرد الشياع لأخل بغرضه حيث إنه لم ينبه
مع أنه بصدده وبدونها لا يكاد يكون هناك اخلال به حيث لم يكن مع انتفاء الأولى
إلا في مقام الاهمال أو الاجمال. ومع انتفاء الثانية كان البيان بالقرينة ومع انتفاء
556

الثالثة لا إخلال بالغرض لو كان المتيقن تمام مراده فان الفرض انه بصدد بيان تمامه
وقد بينه لا بصدد بيان انه تمامه كي أخل ببيانه فافهم (1)

(1) إشارة إلى أنه لو كان بصدد بيان انه تمامه ما أخل ببيانه بعد عدم نصب
قرينة على إرادة تمام الافراد فإنه بملاحظته يفهم ان المتيقن تمام المراد والا كان عليه
نصب القرينة على إرادة تمامها والا قد أخل بغرضه. نعم لا يفهم ذلك إذا لم يكن الا
بصدد بيان ان المتيقن مراد ولم يكن بصدد بيان ان غيره مراد أو ليس بمراد
قبالا للاجمال أو الاهمال المطلقين. فافهم فإنه لا يخلو عن دقة. منه قدس سره
557

(ثم) لا يخفى عليك ان المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده مجرد بيان ذلك واظهاره
وافهامه ولو لم يكن عن جد بل قاعدة وقانونا لتكون حجة فيما لم تكن حجة أقوى
على خلافه
558

لا البيان في قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة فلا يكون الظفر بالمقيد ولو كان
مخالفا كاشفا عن عدم كون المتكلم في مقام البيان ولذا
559

لا ينثلم به اطلاقه وصحة التمسك به أصلا فتأمل جيدا وقد انقدح بما ذكرنا أن النكرة
في دلالتها على الشياع والسريان أيضا تحتاج فيما لا يكون هناك دلالة حال أو مقال من
مقدمات الحكمة فلا تغفل (بقي شئ) وهو انه لا يبعد أن يكون الأصل فيما إذا
شك في كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد هو كونه بصدد بيانه وذلك لما جرت
عليه سيرة أهل المحاورات من التمسك بالاطلاقات فيما إذا لم يكن هناك ما يوجب
صرف وجهها إلى جهة خاصة ولذا ترى ان المشهور لا يزالون يتمسكون بها مع عدم
احراز كون مطلقها بصدد البيان وبعد كونه لاجل ذهابهم إلى أنها موضوعة للشياع
والسريان وان كان ربما نسب ذلك إليهم ولعل وجه النسبة ملاحظة انه لا وجه
للتمسك بها بدون الاحراز والغفلة عن وجهه فتأمل جيدا (ثم) انه قد انقدح بما
عرفت من توقف حمل المطلق على الاطلاق فيما لم يكن هناك قرينة حالية أو مقالية
على قرينة الحكمة المتوقفة على المقدمات المذكورة انه لا اطلاق له فيما كان له الانصراف
560

لظهوره فيه أو كونه متيقنا منه ولو لم يكن ظاهرا فيه بخصوصه حسب اختلاف
مراتب الانصراف كما أنه منها ما لا يوجب ذا ولا ذاك بل يكون بدويا زائلا بالتأمل
كما أنه منها ما يوجب الاشتراك أو النقل (لا يقال): كيف يكون ذلك وقد تقدم
ان التقييد لا يوجب التجوز في المطلق أصلا؟ (فإنه يقال): - مضافا إلى أنه إنما
قيل لعدم استلزامه له لا عدم امكانه فان استعمال المطلق في المقيد بمكان من الامكان أن كثرة
إرادة المقيد لدى اطلاق المطلق ولو بدال آخر ربما تبلغ بمثابة توجب له مزية أنس
كما في المجاز المشهور أو تعيينا واختصاصا به كما في المنقول بالغلبة فافهم (تنبيه) وهو
انه يمكن أن يكون للمطلق
561

جهات عديدة كان واردا في مقام البيان من جهة منها وفي مقام الاهمال أو الاجمال
من أخرى فلا بد في حمله على الاطلاق بالنسبة إلى جهة من كونه بصدد البيان من
تلك الجهة ولا يكفى كونه بصدده من جهة أخرى إلا إذا كان بينهما ملازمة عقلا
أو شرعا أو عادة كما لا يخفى
562

فصل
إذا ورد مطلق ومقيد متنافيين فاما يكونان مختلفين في الاثبات والنفي وإما
يكونان متوافقين فان كانا مختلفين مثل (أعتق رقبة) (ولا تعتق رقبة كافرة)
فلا اشكال في التقييد وان كانا متوافقين فالمشهور فيهما الحمل والتقييد وقد استدل
بأنه جمع بين الدليلين وهو أولى وقد أورد عليه بامكان الجمع على وجه آخر مثل حمل
الامر في المقيد على الاستحباب وأورد عليه بان التقييد ليس تصرفا في معنى اللفظ
وانما هو تصرف في وجه من وجوه المعنى اقتضاه تجرده عن القيد مع تخيل وروده في
مقام بيان تمام المراد وبعد الاطلاع على ما يصلح للتقييد نعلم وجوده على على وجه الاجمال
فلا اطلاق فيه حتى يستلزم تصرفا فلا يعارض ذلك بالتصرف في المقيد بحمل امره
على الاستحباب " وأنت خبير " بان التقييد أيضا يكون تصرفا في المطلق لما عرفت
من أن الظفر بالمقيد لا يكون كاشفا عن عدم ورود المطلق في مقام البيان بل عن عدم
كون الاطلاق الذي هو ظاهر بمعونة الحكمة بمراد جدي غاية الامر ان التصرف
563

فيه بذلك لا يوجب التجوز فيه مع أن حمل الامر في المقيد على الاستحباب لا يوجب
تجوزا فيه فإنه في الحقيقة مستعمل في الايجاب فان المقيد إذا كان فيه ملاك الاستحباب
كان من أفضل افراد الواجب لا مستحبا فعلا ضرورة ان ملاكه لا يقتضى استحبابه
إذا اجتمع مع ما يقتضي وجوبه. نعم فيما إذا كان احراز كون المطلق في مقام البيان
بالأصل كان من التوفيق بينهما حمله على أنه سيق في مقام الاهمال على خلاف
مقتضى الأصل " فافهم " ولعل وجه التقييد كون ظهور اطلاق الصيغة في الايجاب
التعييني أقوى من ظهور المطلق في الاطلاق وربما يشكل بأنه يقتضى التقييد في
باب المستحبات مع أن بناء المشهور على حمل الامر بالمقيد فيها على تأكد الاستحباب
اللهم إلا أن يكون الغالب في هذا الباب
564

هو تفاوت الافراد بحسب مراتب المحبوبية فتأمل أو أنه كان بملاحظة التسامح في أدلة
المستحبات وكان عدم رفع اليد من دليل استحباب المطلق بعد مجئ دليل المقيد وحمله
على تأكد استحبابه من التسامح (1) فيها " ثم " أن الظاهر أنه لا يتفاوت فيما
ذكرنا بين المثبتين

(1) ولا يخفى انه لو كان حمل المطلق على المقيد جمعا عرفيا كان قضيته عدم
الاستحباب إلا للمقيد وحينئذ إن كان بلوغ الثواب صادقا على المطلق كان استحبابه
تسامحيا وإلا فلا استحباب له وحده كما لا وجه بناء على هذا الحمل وصدق البلوغ
يؤكد الاستحباب في المقيد فافهم. " منه قدس سره "
565

والمنفيين بعد فرض كونهما متنافيين كما لا يتفاوتان في استظهار التنافي بينهما من
استظهار اتحاد التكليف من وحدة السبب وغيره من قرينة حال أو مقال حسبما
يقتضيه النظر فليتدبر (تنبيه) لا فرق فيما ذكر من الحمل في المتنافيين بين كونهما
في بيان الحكم التكليفي وفي بيان الحكم الوضعي فإذا ورد مثلا أن البيع سبب وأن
البيع الكذائي سبب وعلم أن مراده إما البيع على اطلاقه أو البيع الخاص فلا بد من
التقييد لو كان ظهور دليله في دخل التقييد أقوى من ظهور دليل الاطلاق فيه كما هو
ليس ببعيد ضرورة تعارف ذكر المطلق وإرادة المقيد بخلاف العكس إلغاء القيد وحمله
على أنه غالبي أو على وجه آخر فإنه على خلاف المتعارف (تبصرة) لا تخلو من
تذكرة وهي أن قضية مقدمات الحكمة في المطلقات تختلف حسب اختلاف المقامات
566

فإنها (تارة) يكون حملها على العموم البدلي (وأخرى) على العموم الاستيعابي
(وثالثة) على نوع خاص مما ينطبق عليه حسب اقتضاء خصوص المقام واختلاف
الآثار والاحكام كما هو الحال في سائر القرائن بلا كلام فالحكمة في اطلاق صيغة
الامر تقتضي أن يكون المراد خصوص الوجوب التعييني العيني النفسي فان إرادة
غيره تحتاج إلى مزيد بيان ولا معنى لإرادة الشياع فيه فلا محيص عن الحمل عليه فيما
إذا كان بصدد البيان كما انها قد تقتضي العموم الاستيعابي كما في (أحل الله البيع)
إذا أراد البيع مهملا أو مجملا ينافي ما هو المفروض من كونه بصدد البيان وإرادة
العموم البدلي لا يناسب المقام ولا مجال لاحتمال إرادة بيع اختاره المكلف أي بيع
كان مع أنها تحتاج إلى نصب دلالة عليها لا يكاد يفهم بدونها من الاطلاق ولا يصح
قيامه على ما إذا اخذ في متعلق الامر فان العموم الاستيعابي لا يكاد يمكن ارادته
وإرادة غير العموم البدلي وان كانت ممكنة الا انها منافية للحكمة وكون المطلق بصدد
البيان.
567

فصل في المجمل والمبين
والظاهر أن المراد من المبين في موارد إطلاقه الكلام الذي له ظاهر ويكون
بحسب متفاهم العرف قالبا لخصوص معنى. والمجمل بخلافه فما ليس له ظهور مجمل
وان علم بقرينة خارجية ما أريد منه كما أن ماله الظهور مبين وان علم بالقرينة الخارجية
انه ما أريد ظهوره وأنه مأول ولكل منهما في الآيات والروايات وان كان أفراد
كثيرة لا تكاد تخفى الا ان لهما أفرادا مشتبهة وقعت محل البحث والكلام للاعلام
في أنها من أفراد أيهما كآية السرقة
568

ومثل (حرمت عليكم أمهاتكم) و (أحلت لكم بهيمة الانعام) مما أضيف
التحليل إلى الأعيان ومثل (لا صلاة الا بطهور) ولا يذهب عليك أن اثبات
الاجمال أو البيان لا يكاد يكون بالبرهان لما عرفت من أن ملاكهما أن يكون
للكلام ظهور ويكون قالبا لمعنى وهو مما يظهر بمراجعة الوجدان فتأمل. ثم لا يخفى
أنهما وصفان إضافيان ربما يكون مجملا عند واحد لعدم معرفته بالوضع أو لتصادم
ظهوره بما حف به لديه ومبينا لدى الآخر لمعرفته وعدم التصادم بنظره فلا يهمنا
التعرض لموارد الخلاف والكلام والنقض والابرام في المقام وعلى الله التوكل
وبه الاعتصام.
569