الكتاب: عناية الأصول في شرح كفاية الأصول
المؤلف: السيد مرتضى الحسيني اليزدي الفيروز آبادي
الجزء: ٦
الوفاة: معاصر
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة: السابعة
سنة الطبع: ١٣٨٥ - ١٣٨٦
المطبعة:
الناشر: منشورات الفيروزآبادي - قم
ردمك:
ملاحظات: الطبعة الأولى في النجف الأشرف / الطبعة الثانية - ايران ١٣٩٥ - الطبعة الثالثة - بيروت ١٤٠٠ / الطبعة الرابعة - ايران - ١٤٠٠

عناية الأصول
في
شرح كفاية الأصول
هوية الكتاب 1

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف والناشر
الطبعة الأولى في النجف الأشرف
الطبعة الثانية - إيران 1395 هجرية
الطبعة الثالثة - بيروت 1400 ه‍
الطبعة الرابعة - إيران 1400 ه‍
توزيع انتشارات
فيروزآبادي - قم
هوية الكتاب 2

عناية الأصول
في
شرح كفاية الأصول
الجزء السادس
يشتمل على مباحث التعادل والتراجيح والاجتهاد والتقليد
بقلم سماحة حجة الإسلام والمسلمين
السيد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي
النجفي مولدا ومسكنا
هذه التعليقة هي ستة أجزاء جزءان في مباحث الألفاظ وأربعة أجزاء في الأدلة العقلية وهي لا تدع في الكفاية مشكلة الا وقد حلتها ولا معضلة الا وأوضحتها بل وتتكفل هي حل مطالب شيخنا الأنصاري أيضا أعلى الله مقامه وقد أخذت آراؤه الشريفة في مباحث الألفاظ من التقريرات المعروفة لبعض أجلاء تلامذته وفي الأدلة العقلية من كتاب الرسائل وهو بقلمه الشريف (هذا) مضافا إلى تكفل هذه التعليقة لحل جملة من مطالب الفصول وغيره أيضا حيثما يشير إليه المصنف قدس سره والله ولى التوفيق.
مطبعة النجف - النجف الأشرف - تلفون: 62
1386 هجري
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعترته المعصومين الطيبين واللعنة الدائمة على أعدائهم ومعادي أوليائهم وموالي أعدائهم أجمعين من الآن إلى يوم الدين (اما بعد) فهذا هو الجزء السادس من كتابنا الموسوم بعناية الأصول في شرح كفاية الأصول أسأل الله تعالى أن يوفقني لإتمامه كما وفقني للأجزاء المتقدمة انه سميع مجيب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ولا يخيب رجاء من رجاه انه أجود مسؤول وأكرم من أعطى.
في التعادل والتراجيح وبيان تعريف التعارض
(قوله المقصد الثامن في تعارض الأدلة والأمارات فصل التعارض هو تنافي الدليلين... إلخ)
قد أشرنا في بحث الاجتماع إلى الفرق بين التعارض والتزاحم (وأن التعارض) هو تنافي الدليلين في مرحلة الجعل والتشريع على نحو يعلم إجمالا بكذب أحدهما من أصله وان الشارع لم يجعل أحدهما أبدا كما إذا قال أحد الدليلين تجب صلاة الجمعة وقال الآخر تحرم صلاة الجمعة فهاهنا نعلم إجمالا بكذب أحدهما بلا شبهة ولو في خصوص ما إذا كانا قطعيين دلالة وجهة لا مطلقا وإلا فيحتمل صدور كليهما جميعا وان يكون المراد من أحدهما خلاف ما هو ظاهره أو انه قد صدر تقية لا لبيان الواقع (وان التزاحم) هو تنافي الدليلين في مرحلة الامتثال والإتيان على
2

نحو لا قدرة للمكلف على رعايتهما جميعا كما إذا قال أحد الدليلين يجب إنقاذ العالم وقال الآخر يجب إنقاذ الهاشمي وقد غرقا دفعة واحدة ولم يتمكن المكلف من إنقاذهما جميعا.
(قوله أو الأدلة... إلخ)
كما إذا قال أحدها تجب صلاة الجمعة وقال الآخر تحرم صلاة الجمعة وقال الثالث تستحب صلاة الجمعة أو تكره أو تباح.
(قوله بحسب الدلالة ومقام الإثبات... إلخ)
عدول عن تعريف الشيخ أعلى الله مقامه للتعارض حيث جعله عبارة عن تنافي الدليلين بحسب مدلولهما لا بحسب دلالتهما (قال) أعلى الله مقامه وغلب يعني التعارض في الاصطلاح على تنافي الدليلين وتمانعهما باعتبار مدلولهما (قال) ولذا ذكروا ان التعارض تنافي مدلولي الدليلين على وجه التناقض أو التضاد.
(قوله على وجه التناقض أو التضاد... إلخ)
فالأول مثل ما إذا قال أحدهما يجب صلاة الجمعة وقال الآخر لا يجب صلاة الجمعة والثاني مثل ما إذا قال أحدهما يجب صلاة الجمعة وقال الآخر تحرم صلاة الجمعة.
(قوله حقيقة أو عرضا... إلخ)
الظاهر ان هذا التشقيق راجع إلى خصوص التضاد فقط (فالتضاد الحقيقي) هو مثل ما إذا امر أحدهما بصلاة الجمعة ونهى الآخر عن إتيانها (والتضاد العرضي) هو مثل ما إذا امر أحدهما بصلاة الجمعة وأمر الآخر بصلاة الظهر في يوم الجمعة فإن وجوب كل من الظهر والجمعة وإن لم يمتنع اجتماعهما مع الآخر ذاتا ولكن حيث نعلم من الخارج انه لا يجب في يوم واحد صلاتين أي الظهر والجمعة جميعا بالإجماع والضرورة فيتنافيان الدليلان قهرا ويتضادان بالعرض وهذا واضح.
3

(قوله وعليه فلا تعارض بينهما بمجرد تنافي مدلولهما إذا كان بينهما حكومة رافعة للتعارض والخصومة... إلخ)
تفريع على كون التعارض هو تنافي الدليلين أو الأدلة بحسب الدلالة ومقام الإثبات لا بحسب مدلولهما (وبعبارة أخرى) شروع في الثمرة التي تظهر بين تعريف المصنف للتعارض وتعريف الشيخ له فعلى تعريف المصنف إذا كان بين الدليلين المتنافيين حكومة أو ورود أو توفيق عرفي أو تخصيص أو تقييد وقد تقدم شرح كل من الحكومة والورود والتخصيص في آخر الاستصحاب كما تقدم شرح التوفيق العرفي في آخر الاشتغال فالدليلان خارجان عن تعريف التعارض موضوعا لعدم تنافيهما بحسب الدلالة ومقام الإثبات بخلافهما على تعريف الشيخ أعلى الله مقامه فهما داخلان فيه لتنافيهما بحسب المدلول والمعنى وسيأتي تصريح المصنف بذلك (فيقول) وبالجملة الأدلة في هذه الصور وإن كانت متنافية بحسب مدلولاتها إلا انها غير متعارضة لعدم تنافيها في الدلالة وفي مقام الإثبات بحيث تبقى أبناء المحاورة متحيرة (انتهى)
(أقول)
والظاهر انه لا ثمرة بين التعريفين أصلا فإن الدليلين في الموارد المذكورة كما انه لا تنافي بينهما بحسب الدلالة ومقام الإثبات وإن كان بينهما تناف بدوي يزول بأدنى تأمل فكذلك لا تنافي بينهما بحسب المدلول والمعنى أيضا فكما ان أبناء المحاورة إذا لم يبقوا متحيرين فيهما بل عرفوا المقصود منهما لبا التأم الدلالتان بعضهما مع بعض فكذلك التأم المدلولان أيضا بعضهما مع بعض وهذا أيضا واضح.
(قوله بأن يكون أحدهما قد سيق ناظرا إلى بيان كمية ما أريد من الآخر... إلخ)
سعة وضيقا وقد تقدم شرح أقسام الحكومة من الحكومة المعممة والمخصصة والحكومة الواقعية والظاهرية إلى غير ذلك من الأقسام في أو آخر الاستصحاب مفصلا عند بيان وجه تقدم الأمارات على الاستصحاب فتذكر.
4

(قوله مقدما كان أو مؤخرا... إلخ)
تضعيف لما اعتبره الشيخ أعلى الله مقامه في الحكومة من لزوم تأخر الحاكم عن المحكوم وتفرعه عليه (قال) في صدر التعادل والتراجيح (ما لفظه) وضابط الحكومة ان يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي متعرضا لحال الدليل الآخر ورافعا للحكم الثابت بالدليل الآخر عن بعض افراد موضوعه فيكون مبينا لمقدار مدلوله مسوقا لبيان حاله متفرعا عليه نظير الدليل على انه لا حكم للشك في النافلة أو مع كثرة الشك أو مع حفظ الإمام أو المأموم أو بعد الفراغ من العمل فإنه حاكم على الأدلة المتكفلة لأحكام الشكوك فلو فرض انه لم يرد من الشارع حكم الشكوك لا عموما ولا خصوصا لم يكن مورد للأدلة النافية لحكم الشك في هذه الصور (انتهى)
(أقول)
قد عرفت منا في أواخر الاستصحاب ان الحكومة هي عبارة عما إذا كان أحد الدليلين ناظرا إلى الآخر ومتصرفا فيه وقد اعترف المصنف هناك وهاهنا أيضا باعتبار النظر في الحكومة (فقال) هناك في تضعيف كلام الشيخ واما حديث الحكومة فلا أصل له أصلا فإنه لا نظر لدليلها إلى مدلول دليله (وقال) هاهنا في تعريف الحكومة كما تقدم آنفا بأن يكون أحدهما قد سيق ناظرا إلى بيان كمية ما أريد من الآخر (وقال أيضا) فيما سيأتي في تضعيف كلام الشيخ وليس وجه تقديمها حكومتها على أدلتها لعدم كونها ناظرة إلى أدلتها بوجه... إلخ (وعلى هذا كله) فلا محيص على الظاهر من اعتبار لزوم التقدم في المحكوم وتفرع الحاكم عليه وتأخره عنه صدورا وإلا فإلى أي شيء يكون الحاكم ناظرا وكيف يعقل النظر إلى المحكوم بدون تحقق المنظور إليه أولا وهذا لدى التدبر واضح فتدبر.
(قوله أو كانا على نحو إذا عرضا على العرف وفق بينهما... إلخ)
بحمل أحدهما على الاقتضاء والآخر على العلية التامة وقد تقدم شرح التوفيق العرفي كما أشير آنفا في آخر بحث الاشتغال في ذيل قاعدة لا ضرر ولا ضرر فراجع.
5

(قوله بالتصرف في خصوص أحدهما... إلخ)
هذا مناف لما ظهر منه في ذيل قاعدة لا ضرر ولا ضرار من كون التوفيق العرفي عبارة عن كون الدليلين على نحو إذا عرضا على العرف وفق بينهما بحمل أحدهما على الاقتضاء والآخر على العلية التامة فإن ظاهر ذلك هو التصرف في كليهما جميعا لا في خصوص أحدهما (هذا مضافا) إلى أنه لو قلنا بأن التوفيق العرفي عبارة عن كون الدليلين على نحو إذا عرضا على العرف وفق بينهما بالتصرف في خصوص أحدهما لم يبق فرق بينه وبين حمل الظاهر على الأظهر كما في العام والخاص ونحوهما فإنهما ليسا إلا كذلك أي يتصرف في خصوص أحدهما أي الظاهر بقرينة الأظهر فيحمل عليه وسيأتي الإشارة إلى ذلك بقوله أو في أحدهما المعين لو كان الآخر
أظهر... إلخ وإن كان الأولى ان يقول هكذا لو كان الآخر نصا أو أظهر (اللهم) إلا ان يقال أن كلا من التوفيق العرفي وحمل الظاهر على الأظهر وإن كان تصرفا في خصوص أحد الدليلين لا في كليهما ولكن في التوفيق العرفي يكون الأقوى ملاكا هو القرينة على التصرف في الآخر وانه بنحو الاقتضاء وفي حمل الظاهر على الأظهر يكون الأظهر هو القرينة على التصرف في الآخر وان المراد منه ما لا ينافي الأظهر
(قوله كما هو مطرد في مثل الأدلة المتكفلة لبيان أحكام الموضوعات بعناوينها الأولية مع مثل الأدلة النافية للعسر والحرج والضرر والإكراه والاضطرار مما يتكفل لأحكامها بعناوينها الثانوية... إلخ)
وقد أشار المصنف إلى هذا كله قبلا في ذيل قاعدة لا ضرر ولا ضرار (فقال) بعد ما حكم بتقدم أدلة الضرر على أدلة الأحكام الثابتة للأفعال بعناوينها الأولية بالتوفيق العرفي (ما لفظه) كما هو الحال في التوفيق بين ساير الأدلة المثبتة أو النافية لحكم الأفعال بعناوينها الثانوية والأدلة المتكفلة لحكمها بعناوينها الأولية... إلخ) غير انه ذكر هناك أمرا آخر لم يؤشر إليه هاهنا وهو انه قد ينعكس الأمر فيقدم الحكم الثابت للفعل بعنوانه الأولي على الحكم الثابت للفعل بعنوانه الثانوي وقد مثلنا له
6

بحرمة قتل المؤمن المقدمة على كل من الحرج والضرر والاضطرار والإكراه ونحو ذلك إلا الخطأ والنسيان وما لا يعلمون.
(نعم) نحن لم نختر هناك في وجه تقدم أدلة الحرج والضرر والإكراه والاضطرار وأخوات الإكراه والاضطرار من الخطأ والنسيان وما لا يعلمون على أدلة الأحكام الثابتة للأفعال بعناوينها الأولية التوفيق العرفي بل قلنا هناك بتقدم كل منها عليها بالحكومة إلا أدلة الضرر إن كانت هي لتحريم الضرر لا لرفع الأحكام الضررية فتقدم عليها بالتوفيق العرفي غير أن أدلة الحرج وهكذا أدلة الضرر بناء على كونها لنفي الأحكام الضررية هي حاكمة على أدلة الأحكام الأولية حكومة واقعية أي ترفع الأحكام من أصلها نظير حكومة قوله عليه السلام لا شك لكثير الشك على الأدلة المتكفلة لحكم الشكوك وفي البقية تكون الحكومة ظاهرية أي ترفع الأحكام في الظاهر برفع تنجزها فقط لا حكومة واقعية ترفعها من أصلها وقد تقدم شرح كل من الحكومة الواقعية والظاهرية في آخر الاستصحاب مفصلا وأشير إليه في بحث الإجزاء مختصرا فراجع الموضعين ولا نعيد الكلام هاهنا ثانيا
(قوله ويتفق في غيرهما كما لا يخفى... إلخ)
أي وقد يتفق التوفيق العرفي في غير الأدلة المتكفلة لبيان أحكام الموضوعات بعناوينها الأولية مع الأدلة المتكفلة لبيان أحكامها بعناوينها الثانوية كما إذا اتفق ذلك بين دليلي العنوانين الثانويين كدليل نفي العسر ودليل نفي الضرر وقد تقدم ذلك من المصنف في ذيل قاعدة لا ضرر ولا ضرار ومثلنا له بما إذا دار الأمر بين لزوم الضرر أو الحرج فإن حفر المالك بالوعة في ملكه تضرر بها الجار ولا ضرر ولا ضرار وإن لم يحفرها وقع المالك بنفسه في الحرج الشديد وما جعل عليكم في الدين من حرج (وقد يتفق ذلك) بين دليلي العنوانين الأوليين كما إذا أمر بإنقاذ زيد العامي وأمر أيضا بإنقاذ عمرو العالم وقد غرقا دفعة واحدة ولم يتمكن المكلف من الجمع بين إنقاذيهما جميعا.
7

(وبالجملة) إن التوفيق العرفي الذي قد صرحنا في ذيل قاعدة نفي الضرر أن مرجعه إلى ترجيح أحد الدليلين بأقوائية المناط وأهمية المقتضي (قد يكون) بين العنوانين الأوليين (وقد يكون) بين العنوانين الثانويين (وقد يكون) بين العنوان الأولي والثانوي وفي الأخير.
(تارة) يقدم الثانوي على الأولي كما هو الأغلب.
(وأخرى) يقدم الأولي على الثانوي وهو النادر وقد مثلنا له فيما تقدم كما أشير آنفا بحرمة قتل المؤمن المقدمة على الحرج والضرر وأخواتهما من العناوين الثانوية جميعا إلا الخطأ والنسيان وما لا يعلمون.
(قوله أو بالتصرف فيهما فيكون مجموعهما قرينة على التصرف فيهما إلى آخره)
عطف على قوله بالتصرف في خصوص أحدهما... إلخ أي كانا على نحو إذا عرضا على العرف وفق بينهما بالتصرف فيهما... إلخ غير ان مراده من التوفيق بينهما بالتصرف في خصوص أحدهما كان هو التوفيق العرفي المصطلح كما عرفت ومراده من التوفيق بينهما بالتصرف فيهما... إلخ لو تم هو أحد مصاديق حمل الظاهر على الأظهر (وعلى كل حال) ان التصرف فيهما على نحو كان مجموعهما قرينة على التصرف فيهما هو (كما في قوله عليه السلام) في رواية يعقوب بن شعيب ثمن العذرة سحت (وقوله عليه السلام) في رواية محمد بن المصادف لا بأس ببيع العذرة.
(قال الشيخ) أعلى الله مقامه في المسألة الثانية من مسائل الاكتساب بالأعيان النجسة (ما لفظه) وقد جمع الشيخ بينهما يعني به الطوسي رضوان الله عليه بين الروايتين بحمل الأول على عذرة الإنسان والثاني على عذرة البهائم (ثم قال) ولعله لأن الأول نص في عذرة الإنسان ظاهر في غيرها بعكس الخبر الثاني فيطرح ظاهر كل بنص الآخر (انتهى).
8

(أقول)
ليس الأول نصا في عذرة الإنسان ولا الثاني نصا في عذرة البهائم كي يؤخذ في كل منهما بنصه وبه يرفع اليد عن ظاهر الآخر ويندرج ذلك تحت حمل الظاهر على النص ويكون من الجمع العرفي المقبول.
(ولعل من هنا قال الشيخ) أعلى الله مقامه أخيرا بعد ما ذكر وجوها أخر للجمع بين الروايتين من غير واحد من الأعلام (ما لفظه) والأظهر ما ذكره الشيخ لو أريد التبرع بالحمل لكونه أولى من الطرح (انتهى) ومقصوده ان الجمع بينهما لو أريد به التبرع نظرا إلى كونه أولى من الطرح فما ذكره الطوسي رضوان الله عليه هو
أظهر مما ذكره غيره وإلا فلا يمكن الاستناد إلى هذا الجمع والاعتماد عليه في مقام العمل والفتوى فإنه بلا شاهد عليه ولا دليل كما لا يخفى.
في الجمع بين الدليلين المتنافيين وبيان الجمع العرفي المقبول
(وكيف كان) ليس الجمع بين الدليلين المتنافيين المتوقف على التصرف في كليهما هو من الجمع العرفي المقبول الذي يرتضيه أهل اللسان وأبناء المحاورة (فإذا تعلق الأمر والنهي) بطبيعة واحدة فورد مثلا أكرم العالم وورد أيضا لا تكرم العالم لم يمكن الجمع بينهما بحمل أحدهما على صنف من الطبيعة والآخر على صنف آخر منها أو بحمل الأمر في أحدهما على الجواز والنهي في الآخر على الكراهة (وهكذا ليس الجمع بين الدليلين المتنافيين) المتوقف على التصرف في
9

أحدهما الغير المعين من الجمع العرفي المقبول (فإذا تعارض عامان من وجه) في مادة الاجتماع لم يمكن الجمع بينهما بالتصرف في أحدهما الغير المعين بإخراج مادة الاجتماع عن تحت أحدهما وإبقائها تحت الآخر (وإذا تعارض أمران) متعلقان بشيء واحد أحدهما ظاهر في الوجوب والآخر ظاهر في الاستحباب لم يمكن الجمع بينهما برفع اليد إما عن ظهور هذا في الوجوب أو عن ظهور ذاك في الاستحباب.
(وإنما الجمع العرفي المقبول) هو ما إذا توقف الجمع بين الدليلين المتنافيين على التصرف في أحدهما المعين بأن كان الآخر نصا أو أظهر فيكون قرينة عرفا على التصرف في الظاهر وذلك (كما في العام والخاص) (والمطلق والمقيد) (والحاكم والمحكوم) (أو فيما كان الدليلان) أحدهما أقوى مناطا فيكون قرينة على التصرف في الآخر الأضعف وأنه بنحو الاقتضاء والأول بنحو العلية التامة على التفصيل المتقدم لك سابقا في قاعدة لا ضرر ولا ضرار في ذيل التوفيق العرفي (أو فيما كان الدليلان) على نحو يزيل أحدهما موضوع الآخر ويعدمه من أصله إما وجدانا أو تعبدا على التفصيل المتقدم لك شرحه في أواخر الاستصحاب في ذيل بيان حقيقة الورود وماهيته (ويطلق) على كل من التخصيص والتقييد والحكومة الجمع الدلالي (ويطلق) على مجموع الخمسة أي على التخصيص والتقييد والحكومة والتوفيق العرفي والورود الجمع العرفي (وأما التخصص) فليس فيه الدليلان متنافيين كي يجمع بينهما العرف ويطلق عليه الجمع العرفي بل هو خارج عن المقام تخصصا (ثم إنه إذا فرض) في القسم الأول من الجمع الذي قد قلنا انه غير مقبول وهو المتوقف على التصرف في كليهما جميعا أن كلا من الدليلين كان أظهر من صاحبه عرفا بالنسبة إلى صنف خاص من الطبيعة اندرج الدليلان حينئذ في الظاهر والأظهر ودخلا في الجمع العرفي المقبول (والظاهر) ان مقصود المصنف في المقام من قوله أو بالتصرف فيهما فيكون مجموعهما قرينة على التصرف فيهما... إلخ هو هذا النحو من الجمع بين الدليلين أي فيما كان كل منهما أظهر من صاحبه عرفا في
10

خاص ليدخلا في الظاهر والأظهر لا ان مطلق الجمع بين الدليلين بالتصرف في كليهما جمع عرفي مقبول ولو لم يكونا كذلك (ويشهد لذلك) ما سيأتي منه في آخر الفصل الثاني (فيقول) بعد الفراغ عن بيان مقتضي القاعدة الأولية في المتعارضين وهو التساقط في الجملة على التفصيل الآتي (ما لفظه) هذا هو قضية القاعدة في تعارض الأمارات لا الجمع بينها بالتصرف في أحد المتعارضين أو في كليهما كما هو قضية ما يتراءى مما قيل من أن الجمع مهما أمكن أولى من الطرح إذا لا دليل عليه فيما لا يساعد عليه العرف مما كان المجموع أو أحدهما قرينة عرفية على التصرف في أحدهما بعينه أو فيهما كما عرفته في الصور السابقة يعني بها هذا المقام (انتهى) (وهكذا إذا فرض) في القسم الثاني الذي قد قلنا أيضا انه جمع غير مقبول وهو المتوقف على التصرف في أحدهما الغير المعين ان أحد العامين من وجه كان أظهر من صاحبه عرفا في مادة الاجتماع أو فرض ان أحد الأمرين المتعلقين بشيء واحد كان أظهر عرفا في الاستحباب من صاحبه في الوجوب أو بالعكس اندرج الدليلان أيضا في الظاهر والأظهر ودخلا في الجمع العرفي المقبول.
(وبالجملة) ان المعيار في الجمع العرفي المقبول بين الدليلين المتنافيين (ان يكون) أحدهما نصا أو أظهر ويكون الآخر ظاهرا فتكون النصوصية أو الأظهرية قرينة عرفية على التصرف في الظاهر (أو كان) أحدهما أقوى ملاكا وأشد مناطا وكان الآخر أضعف فتكون الأقوائية في الملاك قرينة عرفية على التصرف في الآخر وانه بنحو الاقتضاء دون العلية التامة (أو كان) أحدهما مزيلا معدما لموضوع الآخر إما وجدانا وإما تعبدا على نحو لا يبقى للثاني مع الأول موضوع أصلا فإن كان أحد هذه الأمور الثلاثة موجودا بين الدليلين المتنافيين فالجمع بينهما قبول مقبول مرضي عرفا وإلا فلا جمع ولا التئام بين الدليلين أبدا ولا بد من المعاملة معهما معاملة المتعارضين (هذا كله إذا) لم نؤخذ بظاهر القضية المشهورة من أن الجمع بين الدليلين مهما أمكن أولى من الطرح وإلا فلا بد من الجمع بينهما مهما
11

أمكن وان لم يساعده فهم العرف ولا يوافقه أبناء المحاورة كما في القسم الأول والثاني من الجمع بين الدليلين المتنافيين مع عدم وجود أحد الأمور الثلاثة المذكورة بينهما وسيأتي الكلام في القضية المشهورة في آخر الفصل الثاني إن شاء الله تعالى فانتظر يسيرا.
(قوله أو في أحدهما المعين... إلخ)
عطف على قوله أو بالتصرف فيهما... إلخ فالمعطوف عليه إشارة إلى القسم الأول من الجمع بين الدليلين المتنافيين والمعطوف إشارة إلى القسم الثالث من الجمع بين الدليلين المتنافيين واما القسم الثاني وهو المتوقف على التصرف في أحدهما الغير المعين فلم يؤشر إليه هاهنا وسيأتي الإشارة إليه في آخر الفصل الثاني بقوله لا الجمع بينها بالتصرف في أحد المتعارضين يعني به أحدهما الغير المعين فانتظر.
(قوله لو كان الآخر أظهر... إلخ)
قد أشرنا قبلا أن الأولى كان ان يقول لو كان الآخر نصا أو أظهر فتذكر.
في وجه تقدم الأمارات على الأصول الشرعية
(قوله ولذلك تقدم الأمارات المعتبرة على الأصول الشرعية... إلخ)
أي ولأجل توفيق العرف بينهما تقدم الأمارات المعتبرة على الأصول الشرعية فان أهل العرف لا يتحيرون بينهما فيقدمون الأول على الثاني نظرا إلى انه (إن أخذنا بالأمارة) فلا يلزم منه شيء سوى ارتفاع موضوع الأصول وهو الشك بسببها وهذا ليس بمحذور (وإن أخذنا بالأصول) فإن كان رفع اليد عن الأمارات بلا مخصص لها يخرجها عن تحت أدلة اعتبارها فهو تخصيص بلا وجه وان كان لأجل
12

مخصصية الأصول لها فهو دور فإن مخصصيتها للأمارات يتوقف على اعتبارها معها واعتبارها معها يتوقف على مخصصيتها لها وإلا لكانت الأمارة رافعة لموضوعها وكل من التخصيص بلا وجه والتخصيص على نحو دائر محال باطل (وقد تقدم) شرح هذا كله في وجه تقدم الأمارات على الاستصحاب والأصل السببي على المسببي بل وتقدم الاستصحاب على القرعة على ما سبق من المصنف في جواب لا يقال المتقدم في آخر الاستصحاب حيث ان ظاهره فيه هو العدول عن التخصيص إلى الورود فراجع (بقي شيء) وهو ان المصنف قد صرح في آخر الاستصحاب ان وجه تقدم الأمارات على الاستصحاب هو الورود وظاهر قوله في المقام ولذلك تقدم الأمارات... إلخ هو الإشارة إلى التوفيق العرف وهما لا يخلو ان عن التنافي ولكن الظاهر ان مراده من ذلك هو الإشارة إلى التوفيق العرفي بمعنى عام الشامل للورود أيضا فإن لفظ التوفيق العرفي وهكذا الجمع العرفي كلمة جامعة تطلق على الكل جميعا ويؤيده انه قدس سره بعد ما اختار هناك ورود الأمارات على الاستصحاب وأبطل الحكومة قال وأما التوفيق فان كان بما ذكرنا يعني به الورود فنعم الاتفاق وان كان بتخصيص دليله بدليلها فلا وجه له فراجع وتدبر.
(قوله وليس وجه تقديمها حكومتها على أدلتها لعدم كونها ناظرة إلى أدلتها بوجه... إلخ)
جواب عن الشيخ أعلى الله مقامه حيث اختار في المقام حكومة الأمارات على الأصول الشرعية كما اختار في آخر الاستصحاب حكومتها على الاستصحاب نظرا إلى كون الاستصحاب أحد أفراد الأصول الشرعية وقد ذكرنا هناك كلماته الشريفة في كلا المقامين جميعا فلا نعيدها هاهنا ثانيا (وحاصل جواب المصنف) عنه ان الحكومة كما تقدم شرحها مفصلا هي مما تحتاج إلى شرح ونظر وأدلة الأمارات مما لا نظر لها بوجه إلى أدلة الأصول أصلا كي تكون حاكمة عليها وقد
13

تقدم عين ذلك في جوابه عن الشيخ أيضا عند دعواه حكومة الأمارات على الاستصحاب فأنكر نظر دليل الأمارات إلى مدلول دليل الاستصحاب وإن اعترف هناك بدلالته يعني عقلا لا لفظا على إلغاء الاستصحاب مع الأمارة ثبوتا وواقعا لمنافاة لزوم العمل بها مع العمل به لو كان على خلافها ولكن هذا المعنى كما انه موجود في طرف الأمارة فكذلك موجود في طرف الاستصحاب أيضا لمنافاة لزوم العمل به مع العمل بها قطعا لو كانت هي على خلافه.
(قوله وتعرضها لبيان حكم موردها لا يوجب كونها ناظرة إلى أدلتها وشارحة لها... إلخ)
إشارة إلى ما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه في المقام بقوله وضابط الحكومة أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي متعرضا لحال الدليل الآخر.
(فيقول المصنف) إن أدلة الأمارات مما لا تعرض لها لحال أدلة الأصول سوى انها تتعرض بإطلاقها لبيان حكم مورد الاجتماع ومجرد ذلك مما لا يوجب كونها ناظرة إلى أدلتها حاكمة عليها وإلا فأدلة الأصول أيضا تتعرض بإطلاقها لبيان حكم مورد الاجتماع فتكون ناظرة إلى أدلة الأمارات حاكمة عليها.
(وبالجملة) ملخص جواب المصنف فيما تقدم عن حكومة الأمارات على الاستصحاب وفي المقام عن حكومتها على الأصول الشرعية ان دليل الأمارة مما لا دلالة له لفظا على نفي ما هو قضية الأصل في مورد الاجتماع كي يكون ناظرا إليه وحاكما عليه ضرورة عدم دلالة نفس الأمارة ولا دليل اعتبارها على ذلك بل له دلالة عقلا على نفي ما هو قضية الأصل في مورد الاجتماع لمنافاة وجوب العمل بها مع العمل به لو كان على خلافها وهذا المعنى بعينه موجود في طرف الأصل أيضا كما لا يخفى.
(قوله وإلا كانت أدلتها أيضا دالة ولو بالالتزام... إلخ)
ومحصله انه كما يقال إن أدلة الأمارات دالة بالمطابقة على حكم مورد الاجتماع
14

وبالالتزام على نفي ما هو قضية الأصول وهذا هو معنى حكومة أدلة الأمارات على أدلة الأصول فكذلك يقال إن أدلة الأصول أيضا دالة بالمطابقة على حكم مورد الاجتماع وبالالتزام على نفي ما هو قضية الأمارات وهذا هو معنى حكومة أدلة الأصول على أدلة الأمارات وكما يقال في الثاني انه ليست فيه دلالة التزامية لفظية كي يتم النظر والحكومة بل عقلية فلا نظر ولا حكومة فكذلك يقال في الأول حرفا بحرف فلا تغفل.
(قوله هذا مع احتمال أن يقال أنه ليس قضية الحجية شرعا إلا لزوم العمل على وفق الحجة عقلا وتنجز الواقع مع المصادفة وعدم تنجزه في صورة المخالفة... إلخ)
هذا في قبال قوله المتقدم وقضية حجيتها ليست إلا لزوم العمل على وفقها شرعا المنافي عقلا للزوم العمل على خلافها... إلخ والمجموع إشارة إلى الخلاف المتقدم في بحث إمكان التعبد بالأمارات من أن قضية حجية الأمارات شرعا هل هي جعل أحكام ظاهرية ووجوب العمل على طبق مؤدياتها شرعا أو ان مقتضي حجيتها شرعا هو وجوب العمل على طبقها عقلا ومنجزيتها عند الإصابة وعذريتها عند الخطأ كما في العلم عينا فراجع.
(قوله وكيف كان ليس مفاد دليل الاعتبار هو وجوب إلغاء احتمال الخلاف تعبدا... إلخ)
جواب عما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه في أو آخر الاستصحاب في وجه حكومة الأمارات على الاستصحاب وقد ذكرنا هناك كلماته الشريفة مفصلا (فقال) في جملتها (ما لفظه) ففيما نحن فيه إذا قال الشارع اعمل بالبينة في نجاسة ثوبك والمفروض ان الشك موجود مع قيام البينة على نجاسة الثوب فالشارع جعل الاحتمال المخالف للبينة كالعدم فكأنه قال لا تحكم على هذا الشك بحكمه المقرر في قاعدة الاستصحاب وافرضه كالمعدوم (انتهى).
15

(فيقول المصنف) ليس مفاد دليل الاعتبار هو وجوب إلغاء احتمال الخلاف تعبدا كي يختلف الحال في الأمارات والأصول ويكون مفاد دليل الاعتبار في الأمارة نفي حكم
الأصل نظرا إلى ان حكم الأصل هو حكم الاحتمال أي الشك فإذا ألغي الاحتمال بدليل الأمارة فقد ألغي الحكم المترتب عليه بخلاف مفاد دليل الاعتبار في الأصل فلا ينفي حكم الأمارة لأن حكم الأمارة هو الحكم الواقعي والواقعي ليس حكم الاحتمال كي إذا ألغي بدليل الأصل ألغي الحكم المترتب عليه بل حكم الأصل هو حكم الاحتمال أي الشك فإذا الغي بدليل الأمارة الغي الحكم المترتب عليه وهذا واضح (ثم إن مراد المصنف) من عدم كون مفاد دليل الاعتبار هو وجوب إلغاء احتمال الخلاف تعبدا هو عدم دلالته لفظا كي يختلف الحال ويكون دليل الأمارة حاكما على دليل الأصل دون العكس لا عدم دلالته عقلا فإن دلالته عقلا مما لا ريب فيه.
(ولذا قال المصنف) ونحن أيضا قد قلنا بورود الأمارات على الأصول العملية لارتفاع موضوع الأصول أي الشك بها ولو ارتفاعا تعبديا لا وجدانيا لبقاء الشك على حاله غالبا حتى مع قيام الأمارة كما لا يخفى.
(قوله فانقدح بذلك انه لا يكاد ترتفع غائلة المطاردة والمعارضة بين الأصل والأمارة إلا بما أشرنا سابقا وآنفا... إلخ)
تفريع على ما حققه المصنف في المقام من أن وجه تقدم الأمارات على الأصول الشرعية هو الورود ودوران الأمر بين التخصيص والتخصص على التقريب المتقدم لك شرحه آنفا وسابقا لا حكومة أدلة الأمارات على أدلة الأصول كما أفاد الشيخ أعلى الله مقامه فإنه قد دفع غائلة المعارضة بين الأمارات والأصول الشرعية بالحكومة لا بالورود وإن اعترف بورود الأمارات على الأصول العقلية (قال) في صدر التعادل والتراجيح (ما لفظه) وكيف كان فلا يتحقق يعني التعارض إلا بعد اتحاد الموضوع وإلا لم يمتنع اجتماعهما يعني الدليلين ومنه يعلم انه لا تعارض
16

بين الأصول وما يحصله المجتهد من الأدلة الاجتهادية لأن موضوع الحكم في الأصول الشيء بوصف أنه مجهول الحكم وفي الدليل نفس ذلك الشيء من دون ملاحظة ثبوت حكم له فضلا عن الجهل بحكمه فلا منافاة بين كون العصير المتصف بجهالة حكمه حلالا على ما هو مقتضى الأصل وبين كون نفس العصير حراما كما هو مقتضي الدليل الدال على حرمته (إلى ان قال) فإن كان الأصل مما كان مؤداه بحكم العقل كأصالة البراءة العقلية والاحتياط والتخيير العقليين فالدليل أيضا وارد عليه ورافع لموضوعه (إلى ان قال) وإن كان مؤداه من المجعولات الشرعية كالاستصحاب ونحوه كان ذلك الدليل حاكما على الأصل بمعنى انه يحكم عليه بخروج مورده عن مجرى الأصل (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه وقد ذكرنا في آخر الاستصحاب كلماته الشريفة هناك حول حكومة الأمارات على الاستصحاب خاصة وكلماته الشريفة في المقام حول حكومتها على الأصول الشرعية عامة بنحو أبسط فراجع.
(قوله هذا ولا تعارض أيضا إذا كان أحدهما قرينة على التصرف في الآخر كما في الظاهر مع النص أو الأظهر... إلخ)
قد تقدم الإشارة إلى ذلك بقوله أو في أحدهما المعين وكأن الإعادة لزيادة التوضيح والبيان فإنا قد قسمنا الجمع بين الدليلين المتنافيين إلى أقسام ثلاثة.
(الأول) ما يتوقف على التصرف في كليهما جميعا (وقد أشار) إليه هناك بقوله أو بالتصرف فيهما فيكون مجموعهما قرينة على التصرف فيهما... إلخ.
(الثاني) ما يتوقف على التصرف في أحدهما الغير المعين (ولم يؤشر إليه) في هذا الفصل وسيأتي الإشارة إليه في آخر الفصل الثاني بقوله لا الجمع بينها بالتصرف في أحد المتعارضين... إلخ يعني به أحدهما الغير المعين.
(الثالث) ما يتوقف على التصرف في أحدهما المعين (وقد أشار إليه) قبلا وفي المقام أيضا لمزيد الاهتمام به وهو مورد الجمع الدلالي بأن يكون أحدهما ظاهرا
17

والآخر نصا أو أظهر فيكون قرينة على التصرف في الظاهر كما في العام والخاص والمطلق والمقيد والحاكم والمحكوم (بل قد يتفق) ذلك في العامين من وجه أيضا فيكون أحدهما أظهر من صاحبه في مادة الاجتماع فيقدم عليه (أو يتفق) في الحكمين المتضادين إذا تعلقا بطبيعة واحدة فيكون أحدهما أظهر من صاحبه في بعض الأفراد والآخر أظهر منه في البعض الآخر فيتصرف في ظاهر كل بالأظهر (وقد أشرنا إلى هذا كله) فيما تقدم ومضى وبينا أن الجمع الدلالي مما يطلق على كل من التخصيص والتقييد والحكومة وأما الجمع العرفي المقبول فهي كلمة أوسع يطلق على كل من المذكورات الثلاثة وعلى التوفيق العرفي والورود جميعا.
(قوله وبالجملة الأدلة في هذه الصور وان كانت متنافية بحسب مدلولاتها إلا انها غير متعارضة لعدم تنافيها في الدلالة وفي مقام الإثبات... إلخ)
قد تقدم منا المناقشة في ذلك وان الأدلة إذا كان بينها جمع عرفي مقبول كما انه لا تنافي بينها بحسب الدلالة ومقام الإثبات فكذلك لا تنافي بينها بحسب المدلول أيضا بعد فرض عدم تحير أبناء المحاورة فيها بل يلتئم المدلولات بعضها مع بعض كما يلتئم الدلالات بعضها مع بعض عينا (ومن هنا قلنا) في صدر البحث إنه لا تظهر الثمرة بين تعريف المصنف للتعارض وبين تعريف الشيخ له حيث عرفه المصنف بتنافي الدليلين أو الأدلة بحسب الدلالة ومقام الإثبات وعرفه الشيخ أعلى الله مقامه بتنافي الدليلين وتمانعهما باعتبار مدلولهما.
18

الدليلان الظنيان لا يتعارضان إلا بحسب السند
(قوله وإنما يكون التعارض بحسب السند فيما إذا كان كل واحد منها قطعيا دلالة وجهة أو ظنيا... إلخ)
وحاصل الكلام ان الدليلين الظنيين إذا تنافيا فلا يتعارضان إلا بحسب السند فقط سواء كان كل واحد منهما قطعيا دلالة وجهة أو كان كل واحد منهما ظنيا من الجهتين أيضا أي من حيث الدلالة والجهة.
(أما في الأول) فواضح فإن الدليلين المتنافيين إذا فرض كون الدلالة والجهة فيهما قطعيتين على نحو لا تقبلان الحمل والتصرف أبدا فيحصل القطع لا محالة بكذب أحدهما من أصله.
(واما في الثاني) فإن الدلالة والجهة فيهما وان كانتا ظنيتين تقبلان الحمل والتصرف بإرادة خلاف الظاهر في أحدهما أو بصدور أحدهما لا لبيان الواقع فلا يحصل العلم
الإجمالي حينئذ بكذب أحدهما من أصله (ولكن لا معنى) في هذا الفرض للتعبد بصدور كليهما جميعا بمقتضي إطلاق دليل اعتبارهما إذ الإخلال حينئذ يقع في دلالتهما أو جهتهما بمعنى انه يعلم حينئذ ان أحدهما إما قد أريد خلاف ظاهره وإما قد صدر لا لبيان الواقع لتقية أو لحكمة أخرى ومن المعلوم ان التعبد بصدور دليلين مجملين لخلل في أحدهما لا محالة إما في دلالته وإما في جهته على نحو لا يمكن الانتفاع بهما مما لا معنى له فيتعارضان قهرا بحسب السند ويتنافيان في الدرج تحت دليل الاعتبار بلا شبهة (هذا كله) في الدليلين الظنيين بحسب السند كخبري الثقة.
19

(وأما في الدليلين القطعيين) بحسب السند كآيتين أو روايتين متواترتين إذا تنافيا فالتعارض لا محالة يكون بحسب الدلالة أو الجهة بمعنى أنه يعلم حينئذ إجمالا بكذب إحدى الدلالتين أو الجهتين بلا شبهة وإذا فرض كونهما قطعيين أيضا بحسب إحدى الجهتين من الدلالة والجهة فالتعارض لا محالة يكون في الجهة الأخرى ولا يكاد يعقل فرض الدليلين المتنافيين قطعيين من تمام الجهات سندا ودلالة وجهة بلا كلام.
(قوله فيما إذا لم يكن التوفيق بينها بالتصرف في البعض أو الكل... إلخ)
هذا التقييد راجع إلى خصوص قوله أو ظنيا لا إلى مجموع قوله قطعيا دلالة وجهة أو ظنيا ثم إن وجه التقييد بذلك أي بأن لا يكون بينها التوفيق بالتصرف في البعض أو الكل انه لو كان بينها التوفيق كذلك لم تكن الأدلة متنافية حينئذ كي يقع الكلام في ان التعارض بينها هل هو بحسب السند أو بغيره وهذا واضح.
(قوله إما للعلم بكذب أحدهما... إلخ)
هذا فيما إذا كان كل واحد من الأدلة الظنية المتنافية قطعيا دلالة وجهة.
(قوله أو لأجل انه لا معنى للتعبد بصدورها مع إجمالها... إلخ)
هذا فيما إذا كان كل واحد من الأدلة الظنية المتنافية ظنيا من حيث الدلالة والجهة أيضا.
20

في بيان مقتضى القاعدة الأولية في الخبرين
المتعارضين على الطريقية دون السببية
(قوله فصل التعارض وإن كان لا يوجب الا سقوط أحد المتعارضين عن الحجية رأسا... إلخ)
المقصود من عقد هذا الفصل هو بيان مقتضي القاعدة الأولية في الخبرين المتعارضين بناء على الطريقية، (تارة) وبناء على السببية.
(أخرى) كل ذلك مع قطع النظر عن الاخبار العلاجية التي سيأتي شرحها في الفصل الآتي إن شاء الله تعالى.
(فنقول) (أما على السببية) فسيأتي الكلام في مقتضي القاعدة الأولية عليها قريبا فانتظر.
(وأما على الطريقية) فالخبران المتعارضان هما على قسمين.
(فتارة) متكافئان من حيث المزايا والمرجحات.
(وأخرى) متفاضلان.
(أما المتكافئان) فالمحصل من مجموع كلمات الشيخ أعلى الله مقامه التي لا تخلو عن اضطراب وتشويش في المقام انه قد يقال بل قيل إن مقتضي الأصل أي القاعدة الأولية فيهما هو التساقط رأسا وفرضهما كأن لم يكونا على نحو جاز الرجوع إلى الثالث (وقد اختار) هو أعلى الله مقامه التساقط في الجملة وعبر عنه
21

بالتوقف (قال) بمعنى ان شيئا منهما ليس طريقا في مؤداه بالخصوص ومقتضاه الرجوع إلى الأصول العملية ويعني بذلك الرجوع إلى الأصل العملي المطابق لأحدهما لا المخالف لكليهما لأنه طرح للأمارتين كما صرح به في بعض كلماته الشريفة.
(ثم ذكر) ما ملخصه ان هذا ما تقتضيه القاعدة الأولية إلا ان الأخبار المستفيضة بل المتواترة قد دلت على عدم التساقط أصلا لا رأسا بحيث جاز الرجوع إلى الثالث ولا في الجملة بحيث لم يكن شيء منهما حجة في مؤداه وحينئذ فهل يحكم بالتخيير أو العمل بما طابق منهما الاحتياط أو بالاحتياط ولو كان مخالفا لهما كالجمع بين الظهر والجمعة مع تصادم أدلتهما وكذا بين القصر والإتمام وجوه المشهور وهو الذي عليه جمهور المجتهدين الأول للاخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة عليه إلى آخر ما أفاد (هذا كله) في المتكافئين.
(وأما المتفاضلان) فالشيخ أعلى الله مقامه وإن لم يتصد ذكر مقتضي القاعدة الأولية فيهما كما تصدي في المتكافئين مفصلا ولكن يظهر من بعض كلماته الشريفة ان مقتضي القاعدة الأولية فيهما هو عين ما تقتضيه القاعدة الأولية في المتكافئين حرفا بحرف (هذا كله) من أمر الشيخ أعلى الله مقامه.
(وأما المصنف) فقد اختار أيضا بمقتضي إطلاق كلامه في المقام أن مقتضي القاعدة الأولية في مطلق الخبرين المتعارضين سواء كانا متكافئين أو متفاضلين هو التساقط في الجملة بمعنى عدم حجية شيء منهما في مؤداه بالخصوص وان كان مجموع الطرفين حجة في نفي الثالث.
(وتقريب التساقط في الجملة) على ما يظهر من مجموع كلام المصنف في المقام بمزيد توضيح منا ان تعارض الدليلين هو مما يوجب العلم الإجمالي بكذب أحدهما من أصله والعلم بالكذب مانع عن الاعتبار جدا وإن لم يكن نفس الكذب الواقعي مانعا عنه بمعنى ان ما علم كذبه ليس بحجة وما لم يعلم كذبه حجة إذا كان واجدا لملاك الحجية وإن كان كاذبا واقعا فإذا كان أحدهما معلوم الكذب وساقطا
22

عن الحجية رأسا لم يكن شيء منهما حجة في خصوص مؤداه لعدم التعين في الحجة كما لا يخفى.
(نعم) حيث ان الآخر باق على حجيته فينفي به الثالث ولا يجوز الخروج عن مؤدي المجموع بلا شبهة.
(قوله حيث لا يوجب الا العلم بكذب أحدهما... إلخ)
هذا انما يتم إذا كان المتعارضان الظنيان قطعيين دلالة وجهة فعند ذلك يوجب التعارض العلم الإجمالي بكذب أحدهما من أصله وأما إذا كانا ظنيين دلالة وجهة أيضا أو بحسب إحدى الجهتين فلا يكاد يوجب التعارض العلم الإجمالي بكذب أحدهما وذلك لجواز صدورهما جميعا وإرادة خلاف الظاهر في أحدهما أو الصدور لا لبيان الواقع.
(نعم) حيث لا معنى في هذا الفرض كما تقدم للتعبد بصدور كليهما جميعا إذ يقع الخلل حينئذ في دلالتهما أو في جهتهما ولا محصل للتعبد بصدور دليلين يعلم إجمالا بخلل في أحدهما إما في دلالته وإما في جهته فيقع التعارض قهرا بحسب السند ويحصل العلم الإجمالي بخروج أحدهما عن تحت دليل الاعتبار بلا شبهة.
(وبالجملة) إن الدليلين الظنيين بحسب السند إذا تعارضا فإن كانا قطعيين دلالة وجهة فيعلم إجمالا بكذب أحدهما من أصله والا فيعلم إجمالا بعدم اندراج أحدهما تحت دليل الاعتبار بلا كلام فتأمل جيدا.
(قوله الا أنه حيث كان بلا تعيين ولا عنوان واقعا فإنه لم يعلم كذبه إلا كذلك... إلخ)
بمعنى أن أحدهما الذي قد علم كذبه إجمالا ليس له واقع معين نحن لا نعلمه إثباتا بل هو غير معين حتى واقعا إذ لم يعلم كذبه إلا كذلك أي بلا تعيين ولا عنوان.
(وقد أشار إليه الشيخ) أيضا في كلام له في المقام حيث قال لا بمعنى ان أحدهما المعين واقعا طريق ولا نعلمه بعينه كما لو اشتبه خبر صحيح بين خبرين بل
23

بمعنى أن شيئا منهما ليس طريقا في مؤداه بالخصوص... إلخ.
(أقول)
بل الخبر المعلوم كذبه إجمالا من الخبرين المتعارضين مما له واقع معين ثبوتا نحن لا نعرفه إثباتا ومجرد تعلق العلم الإجمالي بكذب أحدهما بلا تعيين ولا عنوان مثل عنوان الخبر السابق صدورا أو الخبر اللاحق صدورا أو خبر زرارة بن لطيفة عند اشتباهه بخبر زرارة بن أعين ونحو ذلك من العناوين المخصوصة لا يكاد يخرجه عن التعين الثبوتي بل يكفي للتعين كذلك كذب أحدهما واقعا وصدق الآخر لبا.
(وبالجملة) ان المعلوم بالإجمال (سواء كان في بدو الأمر) معلوما بالتفصيل ثم طرأه الإجمال بعدا (كما إذا علم) ان هذا الإناء بعينه هو الذي قد تنجس دون الآخر ثم اشتبه أحدهما بالآخر فانقلب العلم التفصيلي إلى الإجمالي.
(أو كان من الأول) معلوما بالإجمال بعنوان مخصوص (كما إذا علم) ان الإناء المكشوف قد تنجس بوقوع قطرة فيه من الدم دون المغطي ولكن اشتبه المكشوف بالمغطي من قبل العلم.
(أو كان من الأول) معلوما بالإجمال بلا عنوان مخصوص (كما إذا علم) ان أحد الإناءين قد تنجس إجمالا بملاقاته النجاسة (هو مما له واقع معين) ثبوتا في جميع هذه الصور كلها نحن لا نعرفه إثباتا ولا نشخصه في الظاهر بل العلم المتعلق بذلك المعلوم أيضا مما له واقع معين بتبع المعلوم بالإجمال نحن لا نعرف موطنه ولا نعلم مقره إثباتا وقد تقدم شرحه في صدر قاعدة الاشتغال عند تقريب الوجه الثالث من وجوه وجوب الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي فراجع.
(ثم ان الظاهر) انه لا ثمرة عملية في كون المعلوم بالإجمال وهو الخبر المعلوم كذبه مما لا واقع له معين ثبوتا كما أفاد المصنف أو مما له واقع معين ثبوتا نحن لا نعلمه إثباتا كما حققناه فإن مجرد الإجمال وعدم التعين في مقام الإثبات مما يكفي في سقوط المتعارضين ولو في الجملة بالمعنى المتقدم (وعليه) فثمرة النزاع بيننا وبين
24

المصنف علمية لا عملية فتأمل جيدا.
(قوله واحتمال كون كل منهما كاذبا... إلخ)
الظاهر ان الواو هاهنا بمعنى مع أي فإنه لم يعلم كذبه إلا كذلك مع احتمال كون كل منهما كاذبا واقعا بمعنى ان أحد الخبرين المتعارضين معلوم الكذب والآخر محتمل الكذب وذلك لجواز كذب كل منهما ثبوتا وعدم صدور شيء منهما واقعا.
(ثم لا يخفى) انه على تقدير احتمال كذب الآخر ومطابقة الاحتمال مع الواقع لا يكاد يكون الخبر المعلوم كذبه مما له واقع معين ثبوتا بعد فرض كون المجموع كاذبا غير صادق فإن المعلوم بالإجمال الذي قد ادعينا أن له واقع معين ثبوتا إنما يكون إذا علم بكذب أحدهما دون الآخر بأن علم أن أحدهما كاذب والآخر ليس بكاذب لا مع احتمال كذب الآخر ومطابقة الاحتمال مع الواقع ثبوتا وهذا واضح ظاهر.
في بيان مقتضى القاعدة الأولية في الخبرين المتعارضين على السببية دون الطريقية
(قوله هذا بناء على حجية الأمارات من باب الطريقية كما هو كذلك إلى آخره)
أي ان جميع ما تقدم إلى هنا من كون مقتضي القاعدة الأولية في الخبرين المتعارضين هو التساقط في الجملة بالمعنى المتقدم هو مبني على القول بحجية الأمارات من باب الطريقية كما تقدم شرحها في بحث إمكان التعبد بالأمارات.
25

(وأما بناء على حجية) الأمارات من باب السببية بمعنى كون قيام الأمارة سببا لحدوث مصلحة أو مفسدة في المتعلق موجبة لجعل الحكم الشرعي على طبقها (فهل يكون مقتضي) القاعدة الأولية في الخبرين المتعارضين (هو التساقط) في الجملة كما على الطريقية عينا (أو هو التزاحم) فنتخير بينهما عقلا إذا لم يكن أحدهما أهم أو محتمل الأهمية دون الآخر وإلا فيتعين الأهم أو محتمل الأهمية.
(فيه تفصيل من المصنف) (وحاصله) أنه إن قلنا بسببية الأمارات في خصوص ما لم يعلم كذبه من الخبرين المتعارضين بأن لا يكون ما علم كذبه سببا لحدوث مصلحة أو مفسدة في المتعلق فحال الخبرين المتعارضين حينئذ من حيث مقتضي القاعدة الأولية بناء على السببية هو كحالهما بناء على الطريقية عينا.
(واما إذا قلنا بالسببية مطلقا) ولو فيما علم كذبه فالمتعارضان حينئذ هما من تزاحم الواجبين إذا كانا مؤديين إلى وجوب الضدين أو وجوب المتناقضين كوجوب شيء ووجوب تركه فنتخير بينهما عقلا لو لم يكن أحدهما معلوم الأهمية أو محتمل الأهمية وإلا فيتعين الأهم أو محتمل الأهمية (هذا كله) من أمر المصنف.
(واما الشيخ) أعلى الله مقامه فيظهر منه كون المتعارضين بناء على السببية من تزاحم الواجبين مطلقا من غير تفصيل فيهما أصلا (قال) فيما أفاده في المقام (ما لفظه) هذا كله على تقدير أن يكون العمل بالخبر من باب السببية بأن يكون قيام الخبر على وجوب فعل واقعا سببا شرعا لوجوبه ظاهرا على المكلف فيصير المتعارضان من قبيل السببين المتزاحمين فيلغى أحدهما مع وجود وصف السببية فيه لإعمال الآخر كما في كل واجبين متزاحمين أما لو جعلناها من باب الطريقية كما هو ظاهر أدلة حجية الأخبار بل غيرها من الأمارات بمعنى ان الشارع لاحظ الواقع وأمر بالتوصل إليه من هذا الطريق لغلبة إيصالها إلى الواقع فالمتعارضان لا يصيران من قبيل الواجبين المتزاحمين للعلم بعدم إرادة الشارع سلوك الطريقين معا لأن أحدهما مخالف للواقع قطعا (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
26

(أقول)
والحق في المقام هو التفصيل الذي فصله المصنف فإن مجرد القول بالسببية مما لا يوجب صيرورة المتعارضين من باب تزاحم الواجبين فيما إذا أديتا إلى وجوب الضدين أو المتناقضين ما لم يلتزم القائل بالسببية بسببية الأمارات لحدوث المصلحة أو المفسدة في الفعل مطلقا حتى في الأمارة المعلومة كذبها إجمالا والا فيكون حال القول بالسببية كحال القول بالطريقية عينا من حيث كون مقتضي القاعدة الأولية بناء عليه هو التساقط دون التزاحم فتأمل جيدا.
(قوله حيث لا يكاد يكون حجة طريقا الا ما احتمل إصابته فلا محالة كان العلم بكذب أحدهما مانعا عن حجيته... إلخ)
علة لكون التساقط في الجملة بالمعنى المتقدم في الخبرين المتعارضين مبنيا على حجية الأمارات من باب الطريقية (وحاصل العلة) انه لا يكاد يكون شيء حجة من باب الطريقية والوصول إلى الواقع إلا ما احتمل إصابته ومطابقته للواقع لا ما علم كذبه وعدم مطابقته له (وعليه) فما علم كذبه من المتعارضين لا يكاد يكون حجة قطعا ويكون الآخر باقيا على الحجية بلا مانع عنها وحيث لا تعيين في الحجة فلا يكون شيء منهما حجة في خصوص مؤداه أصلا وان كان الثالث مما ينفي بهما بلا شبهة بعد فرض بقاء أحدهما على الحجية وهذا هو التساقط في الجملة كما تقدم في قبال التساقط بتمام المعنى وجواز الرجوع حتى إلى الثالث.
(قوله ونحوها... إلخ)
أي ونحو التقية من حكمة مقتضية لإظهار خلاف الواقع.
(قوله وظهوره فيه لو كان هو الآيات والأخبار... إلخ)
أي وظهور دليل اعتبار السند في خصوص ما لم يعلم كذبه لو كان دليل اعتباره هو الآيات والأخبار لا بناء العقلاء كي يكون دليلا لبيا لا ظهور له فيه سوى كون المتيقن منه ذلك.
27

(قوله لكان التعارض بينهما من تزاحم الواجبين فيما إذا كانا مؤديين إلى وجوب الضدين أو لزوم المتناقضين... إلخ)
كما أنهما إذا أديا إلى حرمة ضدين لا ثالث لهما أو حرمة المتناقضين فيكون المتعارضان من تزاحم المحرمين وإذا أدى أحدهما إلى وجوب شيء والآخر إلى حرمته فيكون المجمع من باب التزاحم كالمجمع في باب الاجتماع بعينه غير ان المجمع هاهنا قد اجتمع فيه الأمر والنهي بعنوان واحد وهناك بعنوانين بينهما عموم من وجه (ومن هنا) يظهر انه كان الأولى أن يقول لكان التعارض بينهما من تزاحم الدليلين ليشمل هذه الصور كلها لا من تزاحم الواجبين ليختص بالصورتين المذكورتين في المتن فقط كما لا يخفى.
(قوله لا فيما إذا كان مؤدى أحدهما حكما غير إلزامي... إلخ)
كان الأولى ان يقول لا فيما إذا كان مؤدي أحدهما حكما غير اقتضائي كالإباحة إلى آخره فإن مجرد كون المؤدي في أحدهما حكما غير إلزامي مما لا يوجب نفي التزاحم بينهما ضرورة ان الاستحباب وهكذا الكراهة أيضا حكم غير إلزامي ومع ذلك مما يصلح للتزاحم مع الوجوب أو الحرمة لما فيه من اقتضاء الفعل أو الترك غايته انه مزاحم مغلوب للوجوب أو الحرمة لأقوائية المقابل مناطا نظرا إلى كونه إلزاميا بخلاف الاستحباب أو الكراهة.
(قوله الا أن يقال بأن قضية اعتبار دليل الغير الإلزامي أن يكون عن اقتضاء فيزاحم به حينئذ ما يقتضى الإلزامي... إلخ)
استدراك عما أفاده بقوله لا فيما إذا كان مؤدي أحدهما حكما غير إلزامي... إلخ (ووجه الاستدراك) ان من الجائز أن يقال إن قضية اعتبار دليل الغير الإلزامي حتى في مثل الإباحة أن يكون هو عن اقتضاء عدم الإلزام فيزاحم به حينئذ ما يقتضي الحكم الإلزامي.
28

(قوله ويحكم فعلا بغير الإلزامي ولا يزاحم بمقتضاه ما يقتضى الغير الإلزامي لكفاية عدم تمامية علة الإلزامي في الحكم بغيره... إلخ)
هذا من متممات ما استدركه بقوله إلا ان يقال... إلخ فإنا لو قلنا ان الحكم الغير الإلزامي أيضا يكون عن اقتضاء عدم الإلزام ويزاحم به الإلزامي فقهرا يحكم فعلا بغير الإلزامي لكفاية عدم تمامية علة الإلزامي في الحكم بغير الإلزامي.
(قوله نعم يكون باب التعارض من باب التزاحم مطلقا لو كان قضية الاعتبار هو لزوم البناء والالتزام بما يؤدى إليه من الأحكام... إلخ)
استدراك عما حكم به من كون التعارض بينهما من تزاحم الواجبين فيما إذا كانا مؤديين إلى وجوب الضدين أو لزوم المتناقضين لا فيما إذا كان مؤدي أحدهما حكما غير إلزامي... إلخ أي نعم يكون باب التعارض من باب التزاحم مطلقا حتى فيما إذا كان مؤدي أحدهما حكما غير إلزامي إذا قلنا بوجوب الموافقة الالتزامية كالموافقة العملية عينا ضرورة عدم إمكان الالتزام بحكمين في موضوع واحد كما إذا قال أحدهما يجب الأمر الفلاني وقال الآخر مباح هو ولا يجب شرعا.
(قوله ضرورة عدم إمكان الالتزام بحكمين في موضوع واحد... إلخ)
ولا بحكم واحد في موضوعين متضادين أو متناقضين بل ولا الالتزام في الجملة بحكمين متضادين في ضدين أو متناقضين كالالتزام بوجوب شيء واستحباب ضده أو نقيضه أو بحرمة شيء وكراهة ضده أو نقيضه إلى غير ذلك من الصور وإن أمكن الالتزام بوجوب شيء وحرمة ضده أو نقيضه أو بحرمة شيء ووجوب ضده أو نقيضه.
(قوله إلا انه لا دليل نقلا ولا عقلا على الموافقة الالتزامية للأحكام الواقعية فضلا عن الظاهرية كما مر تحقيقه... إلخ)
بل قد مر منا في بحث القطع في الأمر الخامس ما هو خلاف ذلك أي وجوب الالتزام بالأحكام الشرعية الإلهية التي جاء بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع
29

قطع النظر عن موافقتها عملا على نحو لا يكاد يكون المؤمن مؤمنا إذا لم يلتزم بحكم واحد من الأحكام الإلهية بعد حصول العلم له واليقين به فضلا عما إذا لم يلتزم بشيء منها (والظاهر) انه لا فرق في الحكم الشرعي الإلهي بين كونه واقعيا أو ظاهريا في وجوب الالتزام به والانقياد والتسليم له بعد العلم واليقين به وانه حكم مجعول من قبل الشارع.
(قوله وحكم التعارض بناء على السببية فيما كان من باب التزاحم هو التخيير لو لم يكن أحدهما معلوم الأهمية أو محتملها... إلخ)
فإذا قام أحدهما على وجوب شيء وقام الآخر على وجوب ضده أو نقيضه وعلمنا أو احتملنا أهمية أحدهما المعين تعين الإتيان به دون الآخر.
(بل قد عرفت من المصنف) في دوران الأمر بين الوجوب والحرمة الترجيح بكل من الأهمية المعلومة والمحتملة مطلقا سواء كان منشأ الدوران هو تعارض الخبرين أم لا.
(قوله في الجملة... إلخ)
الظاهر أن قوله في الجملة راجع إلى كل من معلوم الأهمية ومحتمل الأهمية (ومقصوده) ان الأهمية المعلومة أو المحتملة في أحدهما المعين يجب أن تكون بمقدار لا يجوز الإخلال بها لا بمقدار يسير لا يوجب استقلال العقل بالترجيح به وقد صرح بذلك في دوران الأمر بين الوجوب والحرمة تصريحا (فقال) ولكن الترجيح انما يكون لشدة الطلب في أحدهما وزيادته على الطلب في الآخر بما لا يجوز الإخلال بها في صورة المزاحمة ووجب الترجيح بها وكذا وجب ترجيح احتمال ذي المزية في صورة الدوران (انتهى).
(قوله حسبما فصلناه في مسألة الضد... إلخ)
لم يفصل هو شيئا في مسألة الضد أصلا بل لم يتعرض حال الترجيح بمعلوم الأهمية أو محتملها أبدا لا بنحو التفصيل ولا بنحو الإجمال وإنما أشار إليه في دوران
30

بين الوجوب والحرمة كما أشير آنفا فلا تشتبه.
(قوله وفيما لم يكن من باب التزاحم هو لزوم الأخذ بما دل على الحكم الإلزامي... إلخ)
قد أشار بقوله هذا إلى ما تقدم من قوله لا فيما إذا كان مؤدي أحدهما حكما غير إلزامي فإنه حينئذ لا يزاحم الآخر... إلخ (وحاصله) ان فيما إذا كان مؤدي أحدهما حكما غير إلزامي ولم يكن من باب التزاحم يجب الأخذ بما دل على الحكم الإلزامي.
(قوله لو لم يكن في الآخر مقتضيا لغير الإلزامي والا فلا بأس بأخذه والعمل عليه لما أشرنا إليه من وجهه آنفا... إلخ)
قد أشار بذلك إلى قوله المتقدم إلا أن يقال بأن قضية اعتبار دليل الغير الإلزامي أن يكون عن اقتضاء... إلخ (وحاصله) أنه لو قلنا إن الحكم الغير الإلزامي أيضا يكون عن اقتضاء عدم الإلزام فيزاحم به حينئذ ما يقتضي الإلزامي فلا بأس بالأخذ به أي بغير الإلزامي والعمل عليه لما أشرنا إليه من كفاية عدم تمامية علة الإلزامي في الحكم بغير الإلزامي.
(قوله فافهم... إلخ)
ولعله إشارة إلى ان الحكم الغير الإلزامي إما يكون هو عن ضعف في الاقتضاء كما في الاستحباب والكراهة أو عن عدم الاقتضاء من أصله كما في الإباحة الشرعية (وعليه) فلا يمكن الأخذ بغير الإلزامي في قبال الإلزامي.
(قوله هذا هو قضية القاعدة في تعارض الأمارات لا الجمع بينها بالتصرف في أحد المتعارضين أو في كليهما... إلخ)
أي إن التساقط في الجملة على التفصيل المتقدم لك شرحه هو مقتضي القاعدة الأولية في تعارض الأمارات (لا الجمع بينها بالتصرف) في أحد المتعارضين يعني به أحدهما الغير المعين.
31

(وهو إشارة إلى القسم الثاني) من أقسام الجمع بين الدليلين المتنافيين التي قد أشرنا إليها في أوائل الفصل الأول ولم يؤشر إليه المصنف هناك (ولا الجمع بينها بالتصرف) في كلا المتعارضين جميعا.
(وهو إشارة إلى القسم الأول) من أقسام الجمع بين الدليلين المتنافيين وقد أشار إليه المصنف هناك بقوله أو بالتصرف فيهما فيكون مجموعهما قرينة على التصرف فيهما... إلخ كما أنه قد أشار إلى القسم الثالث من الجمع بين الدليلين المتنافيين وهو الجمع العرفي المقبول الذي به يرتفع التعارض من البين بقوله أو في أحدهما المعين فراجع.
الكلام حول القضية المشهورة وهي الجمع
مهما أمكن أولى من الطرح
(قوله كما هو قضية ما يتراءى مما قيل من ان الجمع مهما أمكن أولى من الطرح... إلخ)
(وقد استدل) على العمل بهذه القضية المشهورة بأمرين.
(أحدهما) ما حكاه الشيخ أعلى الله مقامه قبل الشروع في بيان حكم المتكافئين والمتفاضلين من ان الأصل في الدليلين الإعمال فيجب الجمع بينهما مهما أمكن.
(ثانيهما) ما حكاه الشيخ والمحقق القمي جميعا.
(قال في القوانين) وقد استدل بعضهم في تقديم الجمع بين الدليلين بأن دلالة اللفظ على جزء مفهومه دلالة تابعة للدلالة على كل مفهومه ودلالته على كل
32

مفهومه أصلية فإذا عملنا بكل واحد منهما من وجه دون آخر فقد تركنا العمل بالدلالة التابعة وإذا عملنا بأحدهما وتركنا العمل بالآخر بالكلية تركنا العمل بالدلالة الأصلية ولا شك في ان الأول أولى.
(ثم قال) واعترضه العلامة في النهاية على ما نقل عنه بأن العمل بكل واحد منهما من وجه عمل بالدلالة التابعة من الدليلين معا والعمل بأحدهما دون الآخر عمل بالدلالة الأصلية والتابعة في أحد الدليلين وإبط لهما في الآخر ولا شك في أولوية العمل بالأصل وتابع على العمل بالتابعين وإبطال الأصلين (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(أقول)
اما كون الأصل في الدليلين الإعمال فهو مسلم بمقتضي عموم أدلة اعتبار الدليلين ولكن إعمالهما سندا والجمع بين ظاهريهما اقتراحا بما لا يساعد عليه فهم العرف من دون أن يكون أحدهما نصا أو أظهر ليكون قرينة عرفية على المراد من الآخر مما لا دليل عليه لا عقلا ولا شرعا.
(واما) أولوية ترك العمل بالدلالة التابعة من ترك العمل بالدلالة الأصلية فهي أمر استحساني نظير ما ذكروه في تعارض الأحوال من الأمور الواهية التي لا يمكن الركون إليها والاعتماد عليها في مقام العمل والفتوى بالحكم الشرعي ما لم يورث أقوائية في الظهور بحسب المتفاهم العرفي وهكذا الحال فيما اعترضه العلامة أعلى الله مقامه فإنه أيضا أمر استحساني لا يعتمد عليه ولا يركن إليه (والأقوى) من الكل في إبطال العمل بظاهر القضية المشهورة هو أن يقال إن العمل بظاهرها مما يوجب سد باب التعارض وترك العمل بالأخبار العلاجية الآمرة بعضها بالترجيح وبعضها بالتخيير رأسا الا فيما لم يمكن الجمع بينهما بوجه من الوجوه أصلا كما في النصين المتعارضين وهو شاذ نادر جدا.
(قال الشيخ) أعلى الله مقامه ولا يخفى ان العمل بهذه القضية على ظاهرها
33

يوجب سد باب الترجيح والهرج في الفقه كما لا يخفى ولا دليل عليه بل الدليل على خلافه من الإجماع والنص (انتهى) ويعني بالنص الأخبار العلاجية الواردة في جواب السؤال عن حكم الخبرين المتعارضين الآمرة بعضها بالترجيح والرجوع إلى المرجحات الخاصة وبعضها بالتخيير على التفصيل الآتي إن شاء الله تعالى (وقد أفاد) أعلى الله مقامه في بيان الإجماع (ما لفظه) فإن علماء الإسلام من زمن الصحابة إلى يومنا هذا لم يزالوا يستعملون المرجحات في الأخبار المتعارضة بظواهرها (ثم ساق الكلام) إلى أن شرع في التحقيق الذي عليه أهله فقسم الجمع بين الخبرين المتنافيين بظاهر هما إلى الأقسام الثلاثة التي قد ذكرناها في أوائل الفصل السابق من المتوقف على التصرف في كليهما جميعا والمتوقف على التصرف في أحدهما الغير المعين والمتوقف على التصرف في أحدهما المعين وجعل الجمع العرفي المقبول خصوص القسم الأخير منها على طبق ما شرحناه لك مفصلا فراجع تمام كلامه زيد في علو مقامه.
(قوله إذ لا دليل عليه... إلخ)
سوى الأمرين المذكورين آنفا وقد عرفت فسادهما جميعا بل قد عرفت الدليل على عدم جواز العمل به من جهة لزوم سد باب التعارض وترك العمل بالأخبار العلاجية الآمرة بعضها بالترجيح وبعضها بالتخيير رأسا إلا نادرا وقد عبر عنه الشيخ أعلى الله مقامه بسد باب الترجيح والهرج في الفقه كما تقدم آنفا.
(قوله فيما لا يساعد عليه العرف مما كان المجموع أو أحدهما قرينة عرفية على التصرف في أحدهما بعينه أو فيهما... إلخ)
فإذا ساعد عليه العرف بحيث كان المجموع قرينة على التصرف في كليهما جميعا أو كان أحدهما المعين قرينة على التصرف في الآخر دخل ذلك في الظاهر والأظهر وكان هو من الجمع العرفي المقبول (وقد أشرنا) في أوائل الفصل السابق بعد ذكر الأقسام الثلاثة للجمع بين الدليلين المتنافيين.
34

(ان القسم الأول) من الجمع وهو المتوقف على التصرف في كليهما جميعا كما في ثمن العذرة سحت ولا بأس ببيع العذرة إذا فرض أن كلا منهما أظهر من صاحبه في صنف خاص من الطبيعة اندرج الدليلان حينئذ في الظاهر والأظهر وكان الجمع بينهما من الجمع العرفي المقبول بل.
(وهكذا القسم الثاني) أيضا من الجمع وهو المتوقف على التصرف في أحدهما الغير المعين كما في العامين من وجه فإذا فرض ان أحد العامين هو أظهر من صاحبه
عرفا في شموله لمادة الاجتماع اندرج الدليلان أيضا في الظاهر والأظهر وكان الجمع بينهما من الجمع العرفي المقبول فتذكر.
(قوله كما عرفته في الصور السابقة... إلخ)
حيث أشار إلى الأول أي ما كان المجموع قرينة عرفية على التصرف فيهما بقوله المتقدم في صدر الفصل السابق أو بالتصرف في كليهما فيكون مجموعهما قرينة على التصرف فيهما... إلخ وأشار إلى الثاني أي ما كان أحدهما قرينة عرفية على التصرف في أحدهما بعينه بقوله المتقدم هناك أو في أحدهما المعين... إلخ.
(قوله مع ان في الجمع كذلك أيضا طرحا للأمارة أو الأمارتين... إلخ)
أي مع ان في الجمع بين الأمارات بالتصرف في أحد المتعارضين أو في كليهما جميعا فيما لا يساعد عليه العرف مما كان المجموع أو أحدهما قرينة عرفية على التصرف في أحدهما بعينه أو فيهما أيضا طرحا للأمارة أو الأمارتين ففي الأول طرح لأمارة واحدة وهي ظهور الدليل المتصرف فيه وفي الثاني طرح لأمارتين وهما ظهورا الدليلين المتعارضين.
(قوله وقد عرفت ان التعارض بين الظهورين فيما كان سنداهما قطعيين وفي السندين إذا كانا ظنيين وقد عرفت ان قضية التعارض إنما هو سقوط المتعارضين... إلخ)
(إن قوله) وقد عرفت ان التعارض بين الظهورين فيما كان سنداهما قطعيين وفي
35

السندين إذا كانا ظنيين (هو بمنزلة الصغرى) لقوله وقد عرفت ان قضية التعارض انما هو سقوط المتعارضين... إلخ أي وقد عرفت في آخر الفصل السابق ان التعارض في المتعارضين يكون بين الظهورين إذا كان سنداهما قطعيين ويكون بين السندين إذا كان السندان ظنيين كما انك قد عرفت في أول هذا الفصل أن مقتضي القاعدة الأولية في المتعارضين هو سقوطهما جميعا ولو في الجملة بمعنى عدم حجية شيء منهما في خصوص مؤداه وان كان الثالث مما ينفي بمجموعهما لا بقاء الظهورين على الحجية بما يتصرف فيهما أو في أحدهما أو بقاء السندين على الحجية كذلك أي بما يتصرف فيهما أو في أحدهما بلا دليل يساعد عليه من عقل أو نقل.
(أقول)
نعم قد تقدم في آخر الفصل السابق أن التعارض يكون بحسب السند إذا كان السندان ظنيين سواء كان كل واحد من الدلالة والجهة قطعيا أو ظنيا ولكن لم يتقدم ان التعارض يكون بين الظهورين إذا كان السندان قطعيين وان تقدم ذلك منا في ذيل التعليق على كلام المصنف وانما يكون التعارض بحسب السند... إلخ فقلنا واما في الدليلين القطعيين بحسب السند كآيتين أو روايتين متواترتين إذا تنافيا فالتعارض لا محالة يكون بحسب الدلالة والجهة... إلخ فتذكر.
(قوله فلا يبعد ان يكون المراد من إمكان الجمع هو إمكانه عرفا... إلخ)
تفريع على مجموع ما تقدم في المقام من أن التعارض يكون بين الظهورين فيما كان سنداهما قطعيين وفي السندين إذا كانا ظنيين وان مقتضي القاعدة الأولية في المتعارضين هو سقوطهما جميعا بالمعنى المتقدم لا الجمع بينهما اقتراحا بالتصرف في كليهما أو في أحدهما بلا دليل يساعد عليه من عقل أو نقل (أي فعلي هذا كله) لا يبعد ان يكون المراد من إمكان الجمع في القضية المشهورة أي الجمع مهما أمكن أولى من الطرح هو إمكانه عرفا بحيث كان في البين ظاهر وأظهر وكان ذلك قرينة عرفية على التصرف في كليهما أو في أحدهما المعين لا مطلقا أي ولو أمكن
36

عقلا في قبال ما لا يمكن الجمع بينهما بوجه من الوجوه أصلا كما في النصين المتعارضين
(أقول)
ويظهر هذا التوجيه من الشيخ أيضا فإنه أعلى الله مقامه بعد أن نقل عن ابن أبي جمهور الأحسائي في غوالي اللئالي كلاما في وجوب العمل بالدليلين مهما أمكن مشعرا بتقدمه على الترجيح والتخيير المستفادين من المقبولة الآتية وأن العلاج بهما مما ينحصر بما إذا لم يمكن الجمع بينهما أصلا (قال ما لفظه) وأما ما تقدم من غوالي اللئالي فليس نصا بل ولا ظاهرا في دعوى تقديم الجمع بهذا النحو على الترجيح والتخيير فإن الظاهر من الإمكان في قوله وإن أمكنك التوفيق بينهما هو الإمكان العرفي في مقابل الامتناع العرفي بحكم أهل اللسان فإن حمل اللفظ على خلاف ظاهره بلا قرينة غير ممكن عند أهل اللسان بخلاف حمل العام والمطلق على الخاص والمقيد (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(قوله ولا ينافيه الحكم بأنه أولى... إلخ)
إشارة إلى ما قد يقال من أن المراد من الإمكان في قولهم الجمع مهما أمكن أولى من الطرح لو كان هو الإمكان العرفي لكان الجمع حينئذ لازما متعينا لا انه أولى من الطرح (فيجيب عنه المصنف) بأن الأولية مما لا تنافي التعين كما في قوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله (وعليه) فلا إشكال ولا كلام
37

في بيان مقتضى القاعدة الثانوية في الخبرين
المتعارضين
(قوله فصل لا يخفى ان ما ذكر من قضية التعارض بين الأمارات انما هو بملاحظة القاعدة في تعارضها... إلخ)
(وحاصله) ان ما تقدم في الفصل السابق من ان قضية التعارض بين الخبرين المتنافيين هو التساقط في الجملة انما هو بملاحظة القاعدة الأولية والا فالإجماع والأخبار العلاجية قائمان على عدم سقوط الخبرين المتعارضين بلا شبهة بل لا بد فيهما من العمل بأحدهما لا محالة إما تعيينا أو تخييرا.
(وقد أشار الشيخ) أعلى الله مقامه إلى كل من الإجماع والاخبار مختصرا (فقال) فيما أفاده في المقام الأول من مقامات التراجيح (ما لفظه) هذا والتحقيق انا إن قلنا
بأن العمل بأحد المتعارضين في الجملة مستفاد من حكم الشارع به بدليل الإجماع والأخبار العلاجية كان اللازم الالتزام بالراجح وطرح المرجوح (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(قوله ولا يخفى ان اللازم فيما إذا لم تنهض حجة على التعيين أو التخيير بينهما هو الاقتصار على الراجح منهما... إلخ)
شروع في بيان مقتضي القاعدة الثانوية في الخبرين المتعارضين (وحاصله) انه بعد ما قام الإجماع والاخبار العلاجية على عدم سقوط الخبرين المتعارضين بلا كلام وانه لا بد فيهما من العمل بأحدهما لا محالة إما تعيينا أو تخييرا إذا فرض انه لم تنهض
38

حجة على التعيين أو التخيير بمعنى انه عجزنا عن الجمع بين الأخبار العلاجية ولم نستفد منها وجوب الترجيح في الخبرين المتعارضين بتقييد إطلاقات التخيير بأخبار الترجيح أو التخيير بينهما بحمل اخبار الترجيح على الاستحباب أو غيره وإن استفدنا من مجموعهما عدم سقوط المتعارضين على الإجمال (فالأصل) هل هو يقتضي وجوب الأخذ بالراجح والعمل على طبقه أو يقتضي جواز العمل بالمرجوح وطرح الراجح.
(فيقول المصنف) ما حاصله ان مقتضي القاعدة الثانوية هو وجوب العمل على طبق الراجح لا جواز العمل على طبق المرجوح.
(وقد صرح الشيخ) أعلى الله مقامه بالأصل الثانوي بهذا النحو بعينه فيما أفاده في المقام الأول من مقامات التراجيح (قال ما لفظه) هذا وقد عرفت فيما تقدم انا لا نقول بأصالة التخيير في تعارض الأخبار بل ولا غيرها من الأدلة بناء على ان الظاهر من أدلتها وأدلة حكم تعارضها كونها من باب الطريقية ولازمه التوقف والرجوع إلى الأصل المطابق لأحدهما أو أحدهما المطابق للأصل إلا ان الدليل الشرعي دل على وجوب العمل بأحد المتعارضين في الجملة وحيث كان ذلك بحكم الشرع فالمتيقن من التخيير هو صورة تكافؤ الخبرين اما مع مزية أحدهما على الآخر من بعض الجهات فالمتيقن هو جواز العمل بالراجح وأما العمل بالمرجوح فلم يثبت فلا يجوز الالتزام به فصار الأصل وجوب العمل بالمرجح وهو أصل ثانوي بل الأصل فيما يحتمل كونه مرجحا الترجيح به (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(قوله للقطع بحجيته تفسيرا أو تعيينا بخلاف الآخر لعدم القطع بحجيته والأصل عدم حجية ما لم يقطع بحجيته... إلخ)
إشارة إلى مدرك الأصل الثانوي في الخبرين المتعارضين (وحاصله) انه بعد ما ثبت بالإجماع والاخبار العلاجية عدم سقوط الخبرين المتعارضين بلا شبهة ووجوب
39

العمل بأحدهما لا محالة إما تعيينا أو تخييرا فالمدرك في كون الأصل عند عدم نهوض حجة على التعيين أو التخيير هو وجوب العمل على طبق الراجح دون المرجوح ما هو فنقول إنه ليس إلا دوران الأمر بين التعيين والتخيير فيجب الاحتياط بالاقتصار على المتيقن دون المشكوك وذلك للقطع بحجية الراجح إما تعيينا أو تخييرا والشك في حجية المرجوح ولو تخييرا والأصل عدم حجية ما شك في حجيته (وقد تقدم) منا في آخر البراءة تفصيل أقسام الدوران بين التعيين والتخيير مشروحا (وانه قد يدور الأمر) بين التعيين الشرعي والتخيير العقلي (وقد يدور الأمر) بين التعيين والتخيير الشرعيين (وقد يدور الأمر) بين التعيين والتخيير العقلين وانه في الكل يجب الاحتياط والاقتصار على المتيقن ويجري الأصل عن الوجوب التخييري في المشكوك والمقام من قبيل الثاني أي الدوران بين التعيين والتخيير الشرعيين إذ المفروض انا نعلم بالإجماع والاخبار العلاجية وجوب العمل شرعا بأحد الخبرين المتعارضين لا محالة ولكن لم نعلم انه هل يجب العمل بالراجح تعيينا أو يجب العمل بكل من الراجح والمرجوح تخييرا فيكون هو من قبيل ما إذا علم إجمالا انه إما يجب العتق تعيينا أو يجب كل من العتق وصوم ستين يوما تخييرا فيحتاط بإتيان العتق خارجا تفريغا للذمة عما اشتغلت به من التكليف يقينا ولا يجتزئ بصوم ستين يوما أبدا للشك في حصول الفراغ به كما لا يخفى.
(أقول)
بل يمكن دعوى ان مدرك كون الأصل الثانوي في الخبرين المتعارضين وجوب العمل بالراجح منهما دون المرجوح (مضافا) إلى كون المقام من دوران الأمر بين التعيين والتخيير وقد أثبتنا فيه وجوب الاحتياط والاقتصار على المتيقن دون المشكوك (هو حكم العقل) بوجوب العمل بأقوى الدليلين دون الآخر مع قطع النظر عما ادعى من الإجماع على هذه القاعدة في كلام جماعة كما ستأتي الإشارة إليها في بحث التعدي وعدم التعدي عن المرجحات المنصوصة و
40

بحث المرجحات الخارجية أيضا وهو آخر فصل من فصول هذا المقصد الثامن ومن الواضح المعلوم ان الراجح من الخبرين المتعارضين هو أقوى الدليلين بلا شبهة ولا ريب.
في بعض الوجوه التي استدل بها
لوجوب الترجيح
(قوله بل ربما ادعى الإجماع أيضا على حجية خصوص الراجح واستدل عليه بوجوه أخر أحسنها الأخبار... إلخ)
شروع في أهم مسائل التعادل والتراجيح وهو ان اللازم في الخبرين المتعارضين هل هو الترجيح بينهما والأخذ بالراجح أو التخيير بينهما والأخذ بأيهما شاء.
(وقد اختار الشيخ) أعلى الله مقامه تبعا للمشهور وجوب الترجيح (واستدل عليه) بوجوه عديدة (قال) أما المقام الأول يعني به من مقامات التراجيح فالمشهور فيه وجوب الترجيح وحكى عن جماعة منهم الباقلاني والجبائيان عدم الاعتبار بالمزية وجريان حكم التعادل.
(ثم قال) ويدل على المشهور مضافا إلى الإجماع المحقق والسيرة القطعية والمحكية عن الخلف والسلف وتواتر الأخبار بذلك ان حكم المتعارضين من الأدلة (إلخ) فشرع أعلى الله مقامه في وجه رابع طويل بعبارات لا تخلو بعضها عن اضطراب (وملخصها) هو الأصل الثانوي المتقدم في الخبرين المتعارضين.
(ثم ذكر) وجها خامسا بعد هذا كله (فقال) وقد يستدل على وجوب
41

الترجيح بأنه لو لا ذلك لاختل نظم الاجتهاد بل نظام الفقه من حيث لزوم التخيير بين الخاص والعام والمطلق والمقيد وغير هما من الظاهر والنص المتعارضين (ثم رد عليه فقال) وفيه ان الظاهر خروج مثل هذه المعارضات عن محل النزاع فإن الظاهر لا يعد معارضا للنص إما لأن العمل به لأصالة عدم الصارف المندفعة بوجود النص وإما لأن ذلك لا يعد تعارضا في العرف ومحل النزاع في غير ذلك (انتهى) (هذا وسيأتي) عند قول المصنف نعم قد استدل على تقييدها ووجوب الترجيح في المتفاضلين بوجوه أخر... إلخ الإشارة إلى بقية الوجوه التي استدل بها للترجيح غير هذه الوجوه الخمسة فانتظر لها وتأمل.
(قوله وهي على طوائف... إلخ)
أي مطلق الاخبار العلاجية الواردة في أحكام المتعارضين التي منها اخبار الترجيح هي على طوائف لا خصوص الاخبار التي استدل بها لوجوب الترجيح على طوائف كما هو ظاهر العبارة فالضمير في قوله وهي على طوائف راجع إلى الاخبار بمعنى آخر أوسع مما أريد من لفظها فالمراد من لفظ الاخبار في قوله أحسنها الاخبار خصوص الاخبار الدالة على الترجيح والمراد منها حين عود الضمير إليها هو مطلق الاخبار العلاجية الواردة في المتعارضين فلا تغفل.
42

في الاخبار العلاجية الدالة على التخيير
على الإطلاق
(قوله منها ما دل على التخيير على الإطلاق كخبر الحسن الجهم عن الرضا عليه السلام... إلخ)
قد رواه في الوسائل في القضاء في باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة (وتمام الحديث هكذا) قال قلت له تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة فقال ما جاءك عنا فقس على كتاب الله عز وجل وأحاديثنا فإن كان يشبههما فهو منا وإن لم يكن يشبههما فليس منا قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم أيهما الحق قال فإذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت.
(قوله وخبر الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليه السلام إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم فترد عليه... إلخ)
قد رواه أيضا في الوسائل بعد الخبر السابق بلا فصل وقال في آخره فترد إليه لا فترد عليه كما في المتن والظاهر أن هذا الخبر ليس من الاخبار الواردة في علاج المتعارضين وإنما هو يؤدي جواز العمل بحديث الأصحاب إذا كانوا ثقات حتى يرى القائم فيعرضه عليه ولا يؤدي أكثر من ذلك كما لا يخفى.
43

(قوله ومكاتبة عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله عليه السلام في ركعتي الفجر في السفر فروى بعضهم صلها في المحمل وروى بعضهم لا تصلها إلا على الأرض فوقع عليه السلام موسع عليك بأية عملت... إلخ)
قد رواها أيضا في الوسائل في الباب المتقدم عن الطوسي رضوان الله عليه مسندا عن علي بن مهزيار قال قرأت في كتاب لعبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام اختلف أصحابنا وذكر الحديث مثل ما ذكره المصنف عينا.
(قوله ومكاتبة الحميري إلى الحجة عليه السلام... إلخ)
قد روى الوسائل في الباب المتقدم جواب المكاتبة (قال ما لفظه) أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في الإحتجاج في جواب مكاتبة محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلى صاحب الزمان (قال) إلى ان قال في الجواب عن ذلك حديثان اما أحدهما فإذا انتقل من حالة إلى أخرى فعليه التكبير واما الآخر فإنه روى انه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير وكذلك التشهد الأول يجري هذا المجرى وبأيهما أخذت من باب التسليم كان صوابا (قال) ورواه الشيخ يعني به الطوسي رضوان الله عليه في كتاب الغيبة بالإسناد الآتي.
(أقول)
واما المكاتبة بنفسها فقد ذكرها شيخنا الأنصاري أعلى الله مقامه في البراءة في المسألة الثالثة من الشبهة الوجوبية (قال) ومما يدل على الأمر بالتخيير في خصوص ما نحن فيه من اشتباه الوجوب بغير الحرمة التوقيع المروي في الإحتجاج عن الحميري حيث كتب إلى الصاحب عجل الله فرجه يسألني بعض الفقهاء عن المصلي إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه ان يكبر فإن بعض أصحابنا قال لا يجب عليه تكبيرة ويجوز ان يقول بحول الله وقوته أقوم وأقعد قال
44

الجواب في ذلك حديثان وذكر الحديث بعينه.
(ثم إن) لشيخنا الأنصاري أعلى الله مقامه كلاما بعد نقل هذا التوقيع الشريف لا بأس بذكره (قال) فان الحديث الثاني يعني به قوله عليه السلام واما الآخر فإنه روي انه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير وإن كان أخص من الأول يعني به قوله عليه السلام اما أحدهما فإذا انتقل من حالة أخرى فعليه التكبير وكان اللازم تخصيص الأول به والحكم بعدم وجوب التكبير الا ان جوابه صلوات الله وسلامه عليه بالاخذ بأحد الخبرين من باب التسليم يدل على ان الحديث الأول نقله الإمام عليه السلام بالمعنى وأراد شموله لحالة الانتقال من القعود إلى القيام بحيث لا يمكن إرادة ما عدا هذا الفرد منه فأجاب عليه السلام بالتخيير (قال) ثم ان وظيفة الإمام عليه السلام وان كانت إزالة الشبهة عن الحكم الواقعي الا ان هذا الجواب لعله طريق تعليم العمل عند التعارض مع عدم وجوب التكبير عنده في الواقع وليس فيه الإغراء بالجهل من حيث قصد الوجوب فيما ليس بواجب ولعله لأجل كفاية قصد القربة في العمل (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(قوله إلى غير ذلك من الإطلاقات... إلخ)
لم نجد غير ما ذكر من الاخبار المتقدمة آنفا ما يدل على التخيير على الإطلاق الا روايتين.
(إحداهما) ما رواه الكليني رضوان الله عليه (قال في الوسائل) في الباب المتقدم (ما لفظه) وعن علي بن إبراهيم يعني به ان الكليني قد روي عن علي بن إبراهيم (إلى ان قال) عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في امر كلاهما يرويه أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه كيف يصنع قال يرجئه حتى يلقى من يخبره فهو في سعة حتى يلقاه.
(ثم قال) قال الكليني وفي رواية أخرى بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك
45

(وأخراهما) ما رواه في المستدرك في الباب المتقدم عن فقه الرضا عليه السلام (قال) والنفساء تدع الصلاة أكثره مثل أيام حيضها (إلى ان قال) وقد روي ثمانية عشر يوما وروي ثلاثة وعشرين يوما وبأي هذه الأحاديث أخذ من باب التسليم جاز.
(قوله ومنها ما دل على التوقف مطلقا... إلخ)
ليس في الأخبار الواردة في علاج المتعارضين ما دل على التوقف مطلقا إلا روايتين (إحداهما) رواية سماعة المتقدمة حيث قال فيها يرجئه حتى يلقي من يخبره.
(وأخراهما) ما رواه في الوسائل في الباب المتقدم مسندا عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام قلت يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به والآخر ينهانا عنه قال لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأله قلت لا بد أن نعمل بواحد منهما قال خذ بما فيه خلاف العامة.
(قوله ومنها ما دل على ما هو الحائط منها... إلخ)
ليس ما دل على ما هو الحائط منها قسما خاصا في قبال القسم الآتي وهو ما دل على الترجيح بمزايا مخصوصة ومرجحات منصوصة بل هو من جملتها كما ستعرف فلا ينبغي عدها قسما مستقلا برأسه والا فيلزم عد ما دل على الأخذ بما وافق الكتاب والسنة أو الأخذ بما خالف العامة ونحو ذلك من المرجحات قسما مستقلا برأسه وهو كما ترى ضعيف (هذا) مضافا إلى انه ليس في الاخبار العلاجية ما دل على الأخذ بما فيه الحائط إلا رواية واحدة وهي مرفوعة زرارة الآتية فعدها طائفة خاصة من طوائف الأخبار العلاجية مما لا يخلو عن مسامحة.
46

في الاخبار العلاجية الدالة على الترجيح
بمزايا مخصوصة ومرجحات منصوصة
(قوله ومنها ما دل على الترجيح بمزايا مخصوصة ومرجحات منصوصة إلى آخره)
الأخبار العلاجية الدالة على الترجيح بمزايا مخصوصة كثيرة، (منها) مقبولة عمر بن حنظلة وهي عمدة ما في الباب (وقد ذكرها) في الوافي في أبواب العقل والعلم في باب اختلاف الحديث والحكم عن المشايخ الثلاثة الكليني والطوسي والصدوق بإسنادهم عن عمر بن حنظلة (قال) سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحا كما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل ذلك (قال) من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فإنما يأخذ سحتا وان كان حقا ثابتا له لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر الله أن يكفر به قال الله تعالى يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به (قلت) فكيف يصنعان (قال) ينظران من كان منكم قد روي حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله (قلت) فان كان كل رجل اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم (قال) الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في
47

الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر (قال قلت) فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على الآخر (قال فقال) ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه وإنما الأمور ثلاثة أمر بين رشده فيتبع وأمر بين غيه فيجتنب وأمر مشكل يرد علمه إلى الله وإلى رسوله قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم (قلت) فإن كان الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات عنكم (قال) ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة (قلت) جعلت فداك أرأيت ان كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ (قال) ما خالف العامة ففيه الرشاد (فقلت) جعلت فداك فإن وافقها الخبران جميعا (قال) ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر (قلت) فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا (قال) إذا كان ذلك فأرجه حتى تلقى إمامك فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات.
(ومنها) مرفوعة زرارة وقد ذكرها في الوافي في الباب المتقدم في ذيل البيان المتعلق بمقبولة عمر بن حنظلة المتقدمة نقلا عن محمد بن علي بن إبراهيم بن أبي جمهور الأحسائي في كتاب غوالي اللئالي عن العلامة الحلي مرفوعا إلى زرارة (قال) سألت أبا جعفر عليه السلام (فقلت) جعلت فداك يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ (فقال) يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر (فقلت) يا سيدي إنهما معا مشهوران مرويان مأثوران عنكم (فقال) خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك (فقلت) إنهما معا عدلان مرضيان
48

موثقان (فقال) انظر إلى ما وافق منهما مذهب العامة فاتركه وخذ بما خالفهم فإن الحق فيما خالفهم (قلت) ربما كانا معا موافقين لها أو مخالفين فكيف أصنع (فقال)
إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط (فقلت) انهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف أصنع فقال إذن فتخير أحدهما فنأخذ به وتدع الآخر.
(ومنها) ما رواه في الوسائل في القضاء في باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة مسندا عن أحمد بن الحسن الميثمي انه سأل الرضا عليه السلام يوما وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه وقد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الشيء الواحد (فقال عليه السلام) وساق حديثا طويلا (إلى ان قال) فما ورود عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله فما كان في كتاب الله موجودا حلالا أو حراما فاتبعوا ما وافق الكتاب وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما كان موجودا منهيا عنه نهي حرام أو مأمورا به عن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر إلزام فاتبعوا ما وافق نهي رسول الله صلى الله عليه وآله وأمره وما كان في السنة نهي إعافة أو كراهة ثم كان الخبر الأخير خلافه فذاك رخصة فيما عافه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو كرهه ولم يحرمه فذلك الذي يسع الأخذ بهما جميعا وبأيهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم والاتباع والرد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم بالكف والتثبت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا (ومنها) ما رواه في الباب المذكور عن الحسن بن الجهم عن الرضا عليه السلام (قال) قلت له تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة فقال ما جاءك عنا فقس على كتاب الله عز وجل وأحاديثنا فإن كان يشبههما فهو منا وإن لم يكن يشبههما فليس منا (الحديث) وقد تقدم تمامه في ذيل أخبار التخيير.
49

(ومنها) ما رواه في الباب المذكور عن الحسن بن الجهم أيضا عن العبد الصالح (قال) إذا جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب الله وأحاديثنا فإن أشبههما فهو حق وإن لم يشبههما فهو باطل.
(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضا مسندا عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (قال) قال الصادق عليه السلام إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه فإن لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامة فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه.
(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضا مسندا عن الحسين بن الري (قال) قال أبو عبد الله عليه السلام إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم (ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضا مسندا عن الحسن بن الجهم (قال) قلت للعبد الصالح هل يسعنا فيما ورد علينا منكم إلا التسليم لكم فقال لا والله لا يسعكم إلا التسليم لنا فقلت فيروى عن أبي عبد الله عليه السلام شيء ويروي عنه خلافه فبأيهما نأخذ فقال خذ بما خالف القوم وما وافق القوم فاجتنبه.
(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضا مسندا عن محمد بن عبد الله (قال) قلت للرضا عليه السلام كيف نصنع بالخبرين المختلفين فقال إذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا إلى ما يخالف منهما العامة فخذوه وانظروا إلى ما يوافق أخبارهم فدعوه.
(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضا عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت) يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به والآخر ينهانا عنه (قال) لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأله (قلت) لا بد أن نعمل بواحد منهما قال خذ بما فيه خلاف العامة (انتهى) وقد تقدم ذكر هذا الحديث فيما دل على التوقف فتذكر.
50

(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضا مسندا عن المعلى بن خنيس (قال) قلت لأبي عبد الله عليه السلام إذا جاء حديث عن أولكم وحديث عن آخركم بأيهما نأخذ فقال خذوا به حتى يبلغكم عن الحي فإن بلغكم عن الحي فخذوا بقوله (قال) ثم قال أبو عبد الله عليه السلام إنا والله لا ندخلكم إلا فيما يسعكم (قال) صاحب الوسائل قال الكليني وفي حديث آخر خذوا بالأحدث.
(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضا مسندا عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال أرأيتك لو حدثتك بحديث العام ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه بأيهما كنت تأخذ قال كنت آخذ بالأخير فقال لي رحمك الله.
(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضا مسندا عن أبي عمر والكناني (قال) قال لي أبو عبد الله عليه السلام يا أبا عمرو أرأيت لو حدثتك بحديث أو أفتيتك بفتيا ثم جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك أو أفتيتك بخلاف ذلك بأيهما كنت تأخذ قلت بأحدثهما وأدع الآخر فقال قد أصبت يا أبا عمرو أبى الله إلا أن يعبد سرا أما والله لئن فعلتم ذلك إنه لخير لي ولكم أبى الله عز وجل لنا في دينه إلا التقية.
(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضا مسندا عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له ما بال أقوام يروون عن فلان وفلان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يتهمون بالكذب فيجيء منكم خلافه قال إن الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن (قال) صاحب الوسائل (ما لفظه) أقول هذا مخصوص بحديث الرسول صلى الله عليه وآله فيكون حديث الأئمة عليهم السلام كاشفا عن الناسخ (انتهى).
(ومنها) ما رواه في المستدرك في الباب المذكور (قال) وعن حماد بن عثمان قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن الأحاديث تختلف عنكم قال فقال إن القرآن نزل على سبعة أحرف وأدنى ما للإمام ان يفتى على سبعة وجوه (ثم قال) هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب.
51

(ومنها) ما رواه في المستدرك في الباب المذكور أيضا بعد الحديث السابق مسندا عن عبد الله بن سنان عن موسى بن أشيم (قال) دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فسألته عن مسألة فأجابني فبينا انا جالس إذ جاءه رجل فسأله عنها بعينها فأجابه بخلاف ما أجابني ثم جاءه آخر فسأله عنها بعينها فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي ففزعت من ذلك وعظم علي فلما خرج القوم نظر إلي فقال يا بن أشيم كأنك جزعت قلت جعلني الله فداك إنما فزعت من ثلاث أقاويل في مسألة واحدة فقال يا بن أشيم إن الله فوض إلى سليمان بن داود امر ملكه فقال تعالى هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب وفوض إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم امر دينه فقال ما آتيكم الرسول
فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وإن الله تبارك وتعالى فوض إلى الأئمة منا وإلينا ما فوض إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم فلا تجزع.
(ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه بعد ما ذكر اخبار التراجيح وقد ذكر دون ما ذكرنا بيسير نقل حديثين آخرين.
(أحدهما) ما رواه في الوسائل في الباب المذكور أيضا مسندا عن أبي حيون مولى الرضا عليه السلام عن الرضا عليه السلام (قال) من رد متشابه القرآن إلى محكمه فقد هدى إلى صراط مستقيم (ثم قال) إن في أخبارنا محكما كمحكم القرآن ومتشابها كمتشابه القرآن فردوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا (ثانيهما) ما رواه في الباب المذكور أيضا مسندا عن داود بن فرقد (قال) سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا إن الكلمة لتنصرف على وجوه فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب
(أقول)
والظاهر ان الحديثين الأخيرين أجنبيان عن المقام أي عن مقام الترجيح السندي وإنما يأمران بالجمع الدلالي كما اعترف به الشيخ أعلى الله مقامه (قال) بعد ما لقلهما في آخر اخبار التراجيح (ما لفظه) وفي هاتين الروايتين الأخيرتين دلالة
52

وجوب الترجيح بحسب قوة الدلالة (انتهى).
الكلام حول مجموع الاخبار العلاجية
(ثم إنك) قد عرفت فيما تقدم ان مجموع الاخبار العلاجية هو على طوائف أربع.
(الأولى) ما دل على التخيير على الإطلاق.
(الثانية) ما دل على التوقف على الإطلاق.
(الثالثة) ما دل على ما هو الحائط منها.
(الرابعة) ما دل على الترجيح بمزايا مخصوصة ومرجحات منصوصة.
(اما ما دل على ما هو الحائط منها) فقد عرفت انه ليس قسما خاصا في قبال ما دل على الترجيح بمزايا مخصوصة ومرجحات منصوصة.
(وأما ما دل على التوقف) فقد عرفت أنه روايتان والظاهر اختصاصهما بزمان الحضور فقط وذلك بقرينة الأمر فيهما بالإرجاء حتى يلقي من يخبره أو تلقي صاحبك يعني به الإمام عليه السلام (ولعل من هنا) لم يتعرض المصنف الجواب عن الطائفتين أصلا بعد ما اختار في المسألة التخيير على الإطلاق كما سيجيء.
(وأما ما دل على الترجيح بمزايا مخصوصة) ومرجحات منصوصة فقد عرفت انه روايات كثيرة يبلغ عددها ستة عشر حديثا غير الأخيرين الذين قد ذكرهما الشيخ أعلى الله مقامه واعترف بدلالتهما على الترجيح بحسب قوة الدلالة لا الترجيح السندي.
(ثم لا يخفى إن الرواية السادسة عشر) التي دلت على انه تعالى فوض إلى
53

محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإلى أهل بيته أمر دينه كما فوض إلى سليمان أمر ملكه فلهم أن يقولوا في مسألة واحدة بأقاويل متعددة.
(وهكذا ما قبلها من الرواية الخامسة عشر) التي دلت على أن أدنى ما للإمام عليه السلام أن يفتي على سبعة وجوه كما نزل القرآن على سبعة أحرف (هما من متشابهات الاخبار) فالأولى رد علمهما إلى أهله فهم أولى بتفسيرهما وأعلم بظاهرهما وباطنهما.
(وأما الرواية الرابعة عشر) التي دلت على أن الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن (فهي) بعد تسليم جواز النسخ في روايات الأئمة بتوجيه قد تقدم من صاحب الوسائل وسيأتي في كلام الشيخ أيضا ليست هي مما تؤدي أكثر من إمكانه أو وقوعه في الجملة ولم تدل على ان كل حديث متأخر إذا كان معارضا مع حديث سابق فالمتأخر منهما هو ناسخ يعمل به لا بسابقة بل نحن حيث نعلم ان النسخ هو قليل جدا فلا يكاد يمكن الاعتناء به في مقام الجمع أصلا بل لا بد من الاقتصار على ما إذا ثبت النسخ بعلم أو بعلمي.
(قال الشيخ) أعلى الله مقامه فيما أفاده في المقام الثاني من مقامات التراجيح بعد الفراغ عن ذكر اخبار الترجيح كلها (ما لفظه) الرابع ان الحديث الثاني عشر يعني به الرابع عشر مما ذكرناه الدال على نسخ الحديث بالحديث على تقدير شموله للروايات الإمامية بناء على القول بكشفهم عن الناسخ الذي أودعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندهم (هل هو مقدم) على باقي الترجيحات (أو مؤخر) وجهان (من ان النسخ) من جهات التصرف يعني به في الدلالة لأنه من تخصيص الأزمان ولذا ذكروه في تعارض الأحوال وقد مر وسيجئ تقدم الجمع بهذا النحو على الترجيحات الأخر يعني بها الترجيحات السندية (ومن ان النسخ) على فرض ثبوته في غاية القلة فلا يعتني به في مقام الجمع ولا يحكم به العرف فلا بد من الرجوع إلى المرجحات الأخر كما إذا امتنع الجمع (قال) وسيجئ بعض الكلام في ذلك (انتهى).
54

(واما الرواية الحادية عشر والثانية عشر والثالثة عشر) الآمرة بالأخذ بالأخير الأحدث فالظاهر منها سيما الأخير منها ان الأسبق زمانا هو صادر تقية وان الخير الأحدث هو صادر لبيان حكم الله الواقعي ولكن هذا بظاهره مخدوش إذ كما جاز ان يكون الأول للتقية والثاني لبيان حكم الله الواقعي جاز بالعكس أيضا (ولعل من هنا) لم يسمع ان أحدا من الأصحاب قد أخذ بهذه الأحاديث الثلاثة وعمل بها ورجح الحديث المتأخر على الحديث السابق بحمل الأول على التقية والثاني على بيان حكم الله الواقعي.
(فالأولى) بل اللازم رد علم هذه الروايات الثلاث أيضا إلى أهله فإنهم أولى بفهمها وبسندها وصدورها (بقي) من اخبار الترجيح مقبولة عمر بن حنظلة ومرفوعة
زرارة وما بعدهما إلى الرواية العاشرة ومجموعها آمرة بالترجيح بالشهرة وبموافقة الكتاب والسنة وبالأعدلية والأوثقية وبمخالفة العامة بل وبمخالفة ميل الحكام وبموافقة الاحتياط وبقي في قبال هذه الاخبار كلها من الطوائف الأربع المتقدمة كلها خصوص ما دل على التخيير على الإطلاق فاللازم هو الجمع بين هاتين الطائفتين فقط فنلاحظ ان مقتضي الجمع بينهما هل هو تحكيم إطلاقات التخيير وحمل اخبار الترجيح على الاستحباب أو على غير ذلك أو العمل بظاهر اخبار الترجيح وتقييد إطلاقات التخيير وحملها على صورة التساوي بين الخبرين فتأمل جيدا
(قوله من مخالفة القوم وموافقة الكتاب والسنة والأعدلية والأصدقية والأفقهية والأورعية والأوثقية والشهرة... إلخ)
إن الترجيح بالأعدلية والأفقهية والأصدقية والأورعية وإن كان هو مذكورا في المقبولة ولكن الأمور المذكورة كلها كانت من مرجحات الحكم لا من مرجحات الخبر وإنما شرع الإمام عليه السلام في مرجحات الخبر من الشهرة وما بعدها كما يظهر بالتأمل (ومن هنا) قد عدل الشيخ أعلى الله مقامه بعد ذكر اخبار الترجيح كلها عما ذهب إليه أولا من معارضة المقبولة مع المرفوعة في تقديم الترجيح بصفات
55

الراوي من الأعدلية وما بعدها على الترجيح بالشهرة بعكس المرفوعة (فقال) أخيرا ما حاصله ان الصفات المذكورة في المقبولة إنما هي من مرجحات الحكم لا من مرجحات الخبر (قال) فأول المرجحات الخبرية يعني بها في المقبولة هي الشهرة بين الأصحاب فينطبق على المرفوعة (انتهى).
(وبالجملة) إن المزايا المخصوصة والمرجحات المنصوصة المستفادة من مجموع أخبار الترجيح هي (الشهرة بين الأصحاب) (وموافقة الكتاب والسنة) (والأعدلية) (والأوثقية) (ومخالفة العامة) بل (ومخالفة ميل الحكام) (وموافقة الاحتياط) ولم يذكر المصنف المرجحين الأخيرين أصلا وكأنه غفل عنهما قدس سره فلا تغفل أنت.
(قوله على اختلافها في الاقتصار على بعضها... إلخ)
(فالمقبولة) قد اقتصرت في مرجحات الخبر بعد مرجحات الحكم على الشهرة وموافقة الكتاب والسنة ومخالفة العامة ثم مخالفة ميل الحكام (والمرفوعة) لم يذكر موافقة الكتاب والسنة وإنما ذكر مكانها الترجيح بالأعدلية والأوثقية وذكر في الآخر مكان مخالفة ميل الحكام موافقة الاحتياط (وأما ما سوى) المقبولة والمرفوعة فهو بين مقتصر على موافقة الكتاب والسنة ومقتصر على موافقة الكتاب ومخالفة العامة ومقتصر على مخالفة العامة فقط فتأمل الجميع جيدا وتدبره بدقة.
(قوله وفي الترتيب بينها... إلخ)
الاختلاف في الترتيب هو عبارة عن الاختلاف في تقديم بعض المرجحات على بعض (والظاهر) ان نظر المصنف في ذلك هو إلى اختلاف المقبولة مع المرفوعة في الترتيب فالمقبولة قدمت الترجيح بالأعدلية وما بعدها على الترجيح بالشهرة بعكس المرفوعة فأخرته عن الترجيح بالشهرة (ولكنك) قد عرفت آنفا ان الأعدلية وما بعدها من الأفقهية والأصدقية والأورعية في المقبولة إنما هي من مرجحات الحكم لا من مرجحات الخبر حيث يقول عليه السلام الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما
56

وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر... إلخ (فالمقبولة) في هذه القطعة ليست هي الا (كرواية داود بن حصين) المشتملة على مرجحات الحكم فقط عن أبي عبد الله عليه السلام وقد ذكرها في الوسائل في القضاء في باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة في رجلين اتفقا على عدلين جعلاهما بينهما في حكم وقع بينهما خلاف فرضيا بالعدلين فاختلف العدلان بينهما على قول أيهما يمضي الحكم قال ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما فينفذ حكمه ولا يلتفت إلى الآخر (ورواية موسى بن أكيل) وقد ذكرها في الباب المذكور أيضا قال سأل عن رجل يكون بينه وبين أخ له منازعة في حق فيتفقان على رجلين يكونان بينهما فحكما فاختلفا فيما حكما قال وكيف يختلفان قال حكم كل واحد منهما للذي اختاره الخصمان فقال ينظر إلى أعدلهما وأفقههما في دين الله فيمضى حكمه (وقد أشير آنفا) أن من هنا قد عدل الشيخ أعلى الله مقامه أخيرا عما ذهب إليه أولا من معارضة المقبولة مع المرفوعة في الترتيب (وقال) في وجه العدول ما حاصله ان الصفات المذكورة في المقبولة إنما هي من مرجحات الحكم لا من مرجحات الخبر فينطبق المقبولة على المرفوعة.
(قوله ولأجل اختلاف الأخبار اختلفت الأنظار... إلخ)
أي ولأجل اختلاف أخبار العلاجية اختلفت الأنظار لكن إلى قولين كما عرفت فيما تقدم لا إلى أكثر.
(أحدهما) وجوب الترجيح وهو المنسوب إلى المشهور.
(ثانيهما) عدم الاعتبار بالمزية وجريان حكم التعادل أي التخيير مطلقا وهو المحكي عن جماعة منهم الباقلاني والجبائيان ومن الأصحاب الكليني رضوان الله عليه والسيد الصدر الشارح للوافية رحمه الله وقد ذهب المصنف أيضا إلى التخيير على الإطلاق وسيأتي تفصيل الكل قريبا إن شاء الله تعالى فانتظر.
57

(قوله فمنهم من أوجب الترجيح بها مقيدين باخباره إطلاقات التخيير... إلخ)
وهم المشهور كما ان منهم من لم يوجب الترجيح بها والتزم بالتخيير على الإطلاق حاملين أخبار الترجيح على الاستحباب أو غير ذلك مما سيأتي شرحه مفصلا ولم يؤشر إليه المصنف مع اقتضاء سوق العبارة ذلك فإن لفظة فمنهم من أوجب الترجيح بها... إلخ مما تحتاج إلى لفظة ومنهم من لم يوجب الترجيح بها... إلخ وهذا واضح
(قوله وهم بين من اقتصر على الترجيح بها ومن تعدى منها إلى ساير المزايا... إلخ)
القائلون بوجوب الترجيح أي المشهور (هم بين من يقتصر) على الترجيح بالمزايا المخصوصة والمرجحات المنصوصة وهم الأخباريون (وبين من يتعدى) منها إلى ساير المزايا وهم جمهور المجتهدين وسيأتي تفصيل هذا كله في صدر الفصل الآتي إن شاء الله تعالى كما ان القائلين بالتعدي (هم بين من يتعدى) إلى كل مزية موجبة
للظن الشأني بالصدق وقد عبر عنه المصنف بالمزية الموجبة للأقربية وهذا هو الذي اختاره الشيخ أعلى الله مقامه وصرح به في المقام الرابع من مقامات التراجيح بعد الفراغ عن بعض الكلام في مرجحات الدلالة وذكر نبذة من المرجحات السندية (وبين من يتعدى) إلى خصوص ما يوجب الظن الفعلي بالصدق وقد عبر عنه المصنف بالمزية المفيدة للظن وهذا هو الذي اختاره بعضهم وسيأتي تفصيل هذا كله أيضا في الفصل الآتي إن شاء الله تعالى كما انه يأتي فيه ان المصنف بناء على الترجيح والتعدي يختار التعدي إلى كل مزية ولو لم تكن موجبة للأقربية ولا الظن أصلا (وبعبارة أخرى) يتعدى إلى كل مزية ولو لم تكن موجبة للظن أبدا لا شأنا ولا فعلا.
58

في الجواب عن خصوص المقبولة والمرفوعة
من اخبار الترجيح
(قوله فالتحقيق أن يقال إن أجمع خبر للمزايا المنصوصة في الأخبار هو المقبولة والمرفوعة... إلخ)
شروع في الجواب عن خصوص المقبولة والمرفوعة من بين اخبار الترجيح وقد أشرنا قبلا أن مسألة الترجيح والتخيير هي من أهم مسائل التعادل والتراجيح بل وهي من أهم المسائل الأصولية كلها بعد مسألة حجية خبر الواحد فلا تغفل.
(قوله مع اختلافهما... إلخ)
(هذا أول جواب) عن خصوص المقبولة والمرفوعة وهو اختلافهما في الاقتصار على بعض المرجحات وفي الترتيب بينها كما أشار إليه آنفا بقوله على اختلافها في الاقتصار على بعضها وفي الترتيب بينها... إلخ وقد عرفت منا شرح الاختلاف بينهما في الاقتصار على بعضها وفي الترتيب بينها فلا تنس.
(قوله وضعف سند المرفوعة جدا... إلخ)
(هذا جواب) يختص بالمرفوعة فقط وهو ضعف سندها بل وضعف كتاب غوالي اللئالي الذي قد أخذ منه المرفوعة بل وضعف ابن أبي جمهور الأحسائي الذي ألف كتاب غوالي اللئالي.
(قال الشيخ) أعلى الله مقامه في بحث البراءة في المسألة الثالثة من الشبهة التحريمية (ما لفظه) وهذه الرواية يعني بها المرفوعة وان كانت أخص من أخبار
59

التخيير إلا انها ضعيفة السند وقد طعن صاحب الحدائق فيها وفي كتاب الغوالي وصاحبه فقال إن الرواية المذكورة لم نقف عليها في غير كتاب الغوالي مع ما عليها من الإرسال وما عليه الكتاب المذكور من نسبة صاحبه إلى التساهل في نقل الأخبار والإهمال وخلط غثها بسمينها وصحيحها بسقيمها كما لا يخفى على من لاحظ الكتاب المذكور (انتهى).
(قوله والاحتجاج بهما على وجوب الترجيح في مقام الفتوى لا يخلو عن إشكال لقوة احتمال اختصاص الترجيح بها بمورد الحكومة لرفع المنازعة وفصل الخصومة كما هو موردهما... إلخ)
هكذا في نسختي وهي طبع بغداد ولكن الظاهر ان ساير النسخ أيضا كذلك وكأنه سهو من المصنف لا من الناسخ وسيأتي منه سهو آخر أيضا وهو قوله وإن أبيت إلا عن ظهورهما في الترجيح في كلا المقامين... إلخ (والصحيح) أن يقال والاحتجاج بالمقبولة على وجوب الترجيح في مقام الفتوى لا يخلو عن إشكال (إلى ان يقال) كما هو موردها... إلخ أي مورد المقبولة لا موردهما فإن مورد المرفوعة ليس هو مورد الحكومة بلا شبهة (وكيف كان) (هذا جواب) يختص بالمقبولة فقط دون المرفوعة (وحاصله) بمزيد توضيح منا ان الإمام عليه السلام بعد ما ذكر مرجحات الحكمين وإن كان قد ذكر مرجحات الخبرين أيضا ولكن الترجيح في الخبرين انما يكون لدفع خصومة المتخاصمين فلا يمكن الإحتجاج بها لوجوب الترجيح في مقام الفتوى أيضا وذلك لقوة احتمال اختصاص الترجيح بتلك المزايا المنصوصة بمورد الحكومة فقط فإن قطع الخصومة عند اختلاف الحاكمين لاختلاف ما استندا إليه من الخبرين لا يكاد يمكن الا بالترجيح بخلاف مقام العمل والفتوى فيمكن الأخذ فيه بأيهما شاء من باب التسليم كما تقدم ذلك في أخبار التخيير صريحا.
(نعم) ان الترجيح مما يناسب مقام العمل والفتوى أيضا ولكن مجرد ذلك
60

مما لا يكفي في دلالة المقبولة على الترجيح في كلا المقامين كما لا يخفى.
(قوله بخلاف مقام الفتوى... إلخ)
فيمكن الأمر فيه بالتخيير دون الترجيح.
(قوله وإن أبيت الا عن ظهورهما في الترجيح في كلا المقامين... إلخ)
أي في مقام الحكومة والفتوى جميعا وقد أشرنا آنفا ان هذه العبارة هي سهو من المصنف مثل قوله والاحتجاج بهما... إلخ (والصحيح) أن يقال وإن أبيت إلا عن ظهورها أي عن ظهور المقبولة في كلا المقامين... إلخ فإن المرفوعة ليس موردها مورد الحكومة بلا شبهة ولا ريب كي صح أن يقال وإن أبيت الا عن ظهورهما في الترجيح في كلا المقامين... إلخ فتأملها جيدا.
(قوله فلا مجال لتقييد إطلاقات التخيير في مثل زماننا مما لا يتمكن من لقاء الإمام عليه السلام بهما لقصور المرفوعة سندا وقصور المقبولة دلالة لاختصاصها بزمان التمكن من لقائه عليه السلام... إلخ)
(هذا جواب ثاني) عن كل من المقبولة والمرفوعة جميعا (وحاصله) ان شيئا من المقبولة والمرفوعة مما لا يصلح لتقييد إطلاقات التخيير (اما المرفوعة) فلضعف
سندها كما أشير آنفا (واما المقبولة) فلاختصاصها بزمان الحضور والتمكن من لقاء الإمام عليه السلام بقرينة أمره في آخرها بالإرجاء حتى تلقى إمامك فوجوب الترجيح في زمان الحضور لا يكاد يكون دليلا على وجوبه في زمان الغيبة أيضا (وعليه) فيبقى إطلاقات التخيير سالمة محكمة.
(أقول)
اما قصور المرفوعة عن تقييد إطلاقات التخيير لضعف سندها فهو حق ولكنه ليس جوابا جديدا غير ما أشار إليه قبلا بقوله وضعف سند المرفوعة جدا... إلخ (واما اختصاص المقبولة) بزمان الحضور فهو وان كان حقا أيضا بقرينة الأمر فيها بالإرجاء عند فقد المرجح ولكن مجرد كون الأمر بالترجيح واقعا في زمان
61

الحضور مما لا يمنع عن وجوب الترجيح في زمان الغيبة أيضا كما لا يخفى بل الترجيح إذا وجب في زمان الحضور ففي زمان الغيبة بطريق أولى (وعلى هذا) فالجواب الثاني عن كل من المقبولة والمرفوعة جميعا مما لا يتم وإن تم الجواب الأول عنهما بلا شبهة ولا ريب فتأمل جيدا.
(قوله مع ان تقييد الإطلاقات الواردة في مقام الجواب عن سؤال حكم المتعارضين بلا استفصال عن كونهما متعادلين أو متفاضلين مع ندرة كونهما متساويين جدا بعيد قطعا... إلخ)
(هذا جواب ثالث) عن كل من المقبولة والمرفوعة جميعا ولكنه مما يجري عن جميع أخبار الترجيح قاطبة كما يشهد به قوله الآتي ومنه قد انقدح حال سائر أخباره... إلخ يعني اخبار الترجيح وهو من أصح الأجوبة وأمتنها (ومرجعه) لدى الحقيقة إلى جوابين مستقلين لا يرتبط بعضهما ببعض.
(أحدهما) ان تقييد إطلاقات التخيير مثل قوله عليه السلام (فموسع عليك بأيهما أخذت) (أو موسع عليك بأية عملت) (أو بأيهما أخذت من باب التسليم كان صوابا) (أو وسعك) (أو جاز) الواردة جميعا في الجواب عن سؤال حكم المتعارضين بلا استفصال عن كونهما متعادلين أو متفاضلين كلها بأخبار الترجيح من المقبولة والمرفوعة وما بعدهما من الروايات وحمل الإطلاقات المذكورة جميعا على مقام الإجمال والإهمال بعيد قطعا.
(ثانيهما) ان تقييد إطلاقات التخيير كلها وحملها بأجمعها على ما إذا كان المتعارضان متساويين من جميع الجهات والمزايا المنصوصة مع ندرة صورة التساوي جدا بعيد أيضا غاية البعد ان لم يكن أبعد من الحمل السابق كما لا يبعد.
(قوله بحيث لو لم يكن ظهور المقبولة في ذاك الاختصاص لوجب حملها عليه أو على ما لا ينافيها من الحمل على الاستحباب... إلخ)
أي بحيث لو لم تكن المقبولة بنفسها ظاهرة في الاختصاص بمورد الحكومة كما
62

لوجب حملها على ذلك توفيقا بينها وبين إطلاقات التخيير أو وجب حملها على ما لا ينافي الإطلاقات من الاستحباب والحكم الندبي دون الوجوبي.
(قوله كما فعله بعض الأصحاب... إلخ)
الظاهر انه يعني ببعض الأصحاب السيد الصدر شارح الوافية ولكنه رحمه الله حمل جميع اخبار الترجيح على الاستحباب لا خصوص المقبولة فقط.
(قال الشيخ) أعلى الله مقامه في آخر المقام الأول من مقامات التراجيح (ما لفظه) ثم إنه يظهر من السيد الصدر الشارح للوافية الرجوع في المتعارضين من الأخبار إلى التخيير والتوقف والاحتياط وحمل اخبار الترجيح على الاستحباب حيث قال بعد إيراد إشكالات على العمل بظاهر الاخبار ان الجواب عن الكل ما أشرنا إليه من ان الأصل التوقف في الفتوى والتخيير في العمل إن لم يحصل من دليل آخر العلم بعدم مطابقة أحد الخبرين للواقع يعني أحدهما المعين وان الترجيح هو الفضل والأولى (انتهى).
في استبعاد الشيخ حمل أخبار الترجيح
على الاستحباب والجواب عنه
(هذا) ولكن الشيخ أعلى الله مقامه قد استبعد حمل اخبار الترجيح على الاستحباب (قال) بعد العبارة المذكورة آنفا (ما لفظه) ولا يخفى بعده عن مدلول أخبار الترجيح وكيف يحمل الأمر بالأخذ بمخالف العامة وطرح ما وافقهم على الاستحباب خصوصا مع التعليل بأن الرشد في خلافهم وان قولهم في المسائل مبني
63

على مخالفة أمير المؤمنين عليه السلام فيما يسمعونه منه وكذا الأمر بطرح الشاذ النادر وبعدم الاعتناء والالتفات إلى حكم غير الأعدل والأفقه من الحكمين مع ان في سياق تلك الأخبار موافقة الكتاب والسنة ومخالفتهما ولا يمكن حمله على الاستحباب فلو حمل غيره عليه لزم التفكيك فتأمل (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (ويعني بقوله) ان قولهم في المسائل مبني على مخالفة أمير المؤمنين عليه السلام فيما يسمعونه منه.
(ما رواه في الوسائل) في القضاء في باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة عن أبي إسحاق الأرجاني رفعه قال قال أبو عبد الله عليه السلام أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة فقلت لا أدري فقال إن عليا عليه السلام لم يكن يدين الله بدين الا خالف عليه الأمة إلى غيره إرادة لإبطال امره وكانوا يسألون أمير المؤمنين عليه السلام عن الشيء الذي لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضدا من عندهم ليلتبسوا على الناس (انتهى)،
(أقول)
(أما ما دل على الترجيح) بموافقة الكتاب والسنة وطرح المخالف لهما فلا بأس بحمله على الاستحباب وذلك لما ستعرف من أن المراد من مخالفة الكتاب والسنة ها هنا هو مخالفة ظهورهما لا مخالفة نصهما كما استظهرناها في صدر خبر الواحد في الأخبار الناهية عن الخبر المخالف للكتاب والسنة وأنه زخرف أو باطل أو لم أقله (وعليه) فإذا حمل غيره على الاستحباب حينئذ كما حمل هو على الاستحباب لم يلزم التفكيك كما لا يخفى ولعله إليه أشار الشيخ أخيرا بقوله فتأمل (وأما الترجيح)
بالأعدلية والأفقهية والأصدقية في الحديث والأورعية فقد بينا فيما تقدم واعترف به الشيخ أيضا انه ليس من مرجحات الخبر وإنما هو من مرجحات الحكم بلا كلام فيه من أحد قطعا (وأما الترجيح) بالشهرة والشذوذ فالظاهر انه خارج عن إطلاقات التخيير جميعا وذلك لأن المفروض في اخبار التخيير هو تعارض الخبرين
64

بعضهما مع بعض أو الاخبار بعضها مع بعض والخبر المشهور المجمع عليه هو الخبر المروي بطرق عديدة فيكون هو بمنزلة روايات فإذا عارض الخبر المشهور المجمع عليه مع الخبر الشاذ النادر فقد عارض روايات كثيرة مع رواية واحدة وإطلاقات التخيير لا تكاد تشمل هذه الصورة كي إذا حمل الترجيح بالشهرة لأجلها على الاستحباب كان ذلك بعيدا جدا بل المقبولة والمرفوعة بالنسبة إلى الترجيح بالشهرة باقيتان على ظهورهما في الوجوب ولا عجب في كون رواية واحدة متكفلة لبيان أحكام متعددة بعضها وجوبي وبعضها ندبي كصحيحة حماد الواردة في بيان أفعال الصلاة المشتملة على الواجبات والمستحبات جميعا (واما الترجيح) بمخالفة العامة (فالمستفاد من التعليل) المذكور في المقبولة ما خالف العامة ففيه الرشاد (والتعليل المذكور) في المرفوعة فان الحق فيما خالفهم (بشهادة التعليل) المذكور في مرفوعة أبي إسحاق المتقدمة (بل وهكذا التعليل) المذكور في رواية علي بن أسباط المروية في الوسائل في الباب المتقدم قلت للرضا عليه السلام يحدث الأمر لا أجد بدا من معرفته وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك قال فقال ائت فقيه البلد فاستفته من أمرك فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإن الحق فيه... إلخ (هو ان الرشد والحق) يكونان في الخبر المخالف للعامة وأن الغي والبطلان يكونان في الخبر الموافق للعامة مطلقا وإن لم يكن له معارض ومقتضي ذلك أن لا يكون الخبر الموافق للعامة حجة أصلا ولو مع عدم المعارض له مع أنا لا نقول بذلك ولا يقول به الشيخ أيضا وذلك لإطلاقات الاخبار المتواترة الدالة على حجية خبر الثقة مثل قوله عليه السلام لا عذر لأحد من موالينا التشكيك فيما يرويه ثقاتنا وغير ذلك من غير تقييد فيها بمخالفته للعامة أصلا مع ورودها في مقام البيان جدا (وعليه) فإذا قلنا بحجية خبر الثقة الموافق للعامة مع عدم المعارض له فلا يبقى عجب في حجيته أيضا إذا كان له معارض غايته انه في الأول حجة تعيينا وفي الثاني حجة تخييرا وإن كان الفضل مع ذلك هو الأخذ بالمخالف للعامة فتدبر جيدا.
65

(قوله ويشهد به الاختلاف الكثير بين ما دل الترجيح من الأخبار إلى آخره)
هذا لدي الحقيقة جواب آخر يجري عن جميع أخبار الترجيح بتمامها قاطبة أي ويشهد بالحمل على الاستحباب الاختلاف الكثير الموجود في نفس أخبار الترجيح على ما تقدم وعرفت (من اقتصار المقبولة) بعد مرجحات الحكم على الشهرة ثم موافقة الكتاب والسنة ومخالفة العامة ثم مخالفة ميل الحكام (والمرفوعة) قد ذكر مكان موافقة الكتاب والسنة الأعدلية والأوثقية وذكر مكان مخالفة ميل الحكام موافقة الاحتياط (وأما ما سوى المقبولة والمرفوعة) فهو بين مقتصر على موافقة الكتاب والسنة وبين مقتصر على موافقة الكتاب ومخالفة العامة وبين مقتصر على مخالفة العامة فقط دون غيرها فهذا كله مما يشهد بأن الترجيح بتلك الأمور المذكورة هو أمر راجح شرعا لا واجب متعين والا لم تختلف الأخبار بعضها مع بعض في الاقتصار على بعض المرجحات دون بعض وفي تبديل بعضها ببعض.
(أقول)
ان مجرد الاختلاف الموجود في أخبار الترجيح وإن لم يكن هو شاهدا على الاستحباب على نحو صح الاعتماد عليه والاستناد إليه كما يظهر من المصنف ولكنه مع ذلك مما لا يخلو عن تأييد كالاختلاف الشديد الموجود في أخبار منزوحات البئر فإنه مؤيد قوي لاستحباب النزح دون وجوبه كما حقق في محله.
(قوله ومنه قد انقدح حال سائر أخباره... إلخ)
أي ومما تقدم من قوله مع ان تقييد الإطلاقات الواردة في مقام الجواب إلى قوله بعيد قطعا قد انقدح حال سائر أخبار الترجيح وقد أشرنا قبلا ان كلامه هذا مما يشهد بأن الجواب الثالث المتقدم عن كل من المقبولة والمرفوعة جميعا هو مما يجري عن تمام أخبار الترجيح قاطبة فتذكر.
66

في الجواب عن بقية أخبار الترجيح
(قوله مع أن في كون أخبار موافقة الكتاب أو مخالفة القوم من أخبار الباب نظرا... إلخ)
هذا جواب عن بقية أخبار الترجيح المشتملة بعضها على الترجيح بموافقة الكتاب والسنة وبعضها على الترجيح بمخالفة العامة بل بموافقة الكتاب ومخالفة العامة كما في الحديث السادس من أحاديث الترجيح (اما المشتمل على الترجيح) بموافقة الكتاب والسنة فحاصل الجواب عنه انه ليس هو من اخبار الباب أي ترجيح الحجة على الحجة وإنما هو في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة وذلك لأمرين.
(أحدهما) قوة احتمال أن يكون الخبر المخالف للكتاب والسنة في نفسه غير حجة ولو لم يكن له معارض أصلا وذلك بشهادة ما ورد في شأنه من أنه زخرف أو باطل أو لم أقله ونحو ذلك مما تقدم تفصيله في صدر خبر الواحد.
(ثانيهما) ان الصدور أو الظهور في الخبر المخالف للكتاب والسنة يكون موهونا بحيث لا يعمه أدلة اعتبار السند ولا الظهور أبدا (واما المشتمل على الترجيح) بمخالفة العامة فحاصل الجواب عنه انه ليس أيضا من اخبار الباب أي ترجيح الحجة على الحجة وإنما هو في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة فإن الخبر الموافق للعامة بملاحظة الخبر المخالف لهم مع الوثوق بصدوره أي بصدور المخالف لو لم ندع القطع بصدوره من جهة مخالفته لهم مما لا يجري فيه أصالة عدم صدوره تقية وذلك للوثوق حينئذ بصدوره كذلك أي تقية.
67

(أقول)
اما الخبر المشتمل على الترجيح بموافقة الكتاب والسنة فلا وجه لعدم كونه من اخبار الباب فان الأخبار الناهية عن الخبر المخالف للكتاب التي تعبر عنه بالزخرف أو
الباطل أو لم أقله إلى غير ذلك مما تقدم تفصيله في أول خبر الواحد وإن لم يكن محيص عن حملها على الخبر المخالف لنص الكتاب ولصريحه وذلك للقطع بصدور كثير من الأخبار المخالفة لظهور الكتاب المخصصة لعموماته أو المقيدة لإطلاقاته أو المؤولة لظواهره إلى معنى آخر مخالف ولكن اخبار ترجيح الخبر الموافق للكتاب على المخالف له مما لا ملزم لحملها على ذلك بل هي محمولة على ترجيح الموافق لظاهر الكتاب على المخالف لظاهر الكتاب لا المخالف لنصه وصريحه وذلك بشهادة تقديم المقبولة الترجيح بالشهرة على الترجيح بموافقة الكتاب والسنة فإن معنى تقديمه عليه هو الأخذ بالخبر المشهور المجمع عليه وإن كان مخالفا للكتاب والسنة فلو كان المراد من المخالف لهما هو المخالف لنصهما وصريحهما لم يجز الأخذ به ولو فرض كونه مشهورا مجمعا عليه عند الأصحاب وهذا واضح ظاهر (وعلى هذا) إذا كان المراد من الخبر المخالف للكتاب في اخبار الترجيح هو المخالف لظهوره لا لنصه وصريحه لم يكن الخبر المخالف للكتاب في نفسه غير حجة كي تكون اخبار الترجيح بموافقة الكتاب هي في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة لا ترجيح الحجة على الحجة.
(هذا كله حال الأمر الأول) الذي قد أفاده المصنف لعدم كون المشتمل على الترجيح بموافقة الكتاب من اخبار الباب.
(واما الأمر الثاني) فضعفه أظهر من ذلك فإن الخبر المخالف للكتاب إن كان مخالفا لنصه ولصريحه فهذا مما لا يكون الصدور أو الظهور فيه موهونا بل يكون مقطوع البطلان وإن كان مخالفا لظاهره لا لنصه وصريحه فالصدور أو الظهور فيه مما لا وجه لوهنه بعد القطع بصدور أخبار كثيرة مخالفة لظاهر الكتاب
68

كما أشير آنفا المخصصة لعموماته أو المقيدة لإطلاقاته أو المؤولة لظواهره.
(واما الخبر المشتمل على الترجيح بمخالفة العامة) فلا وجه أيضا لعدم كونه من اخبار الباب فإن الخبر المخالف للعامة بمجرد كونه مخالفا لهم لا يكون موثوق الصدور دائما كي يوجب الوثوق بصدور الخبر الموافق لهم تقية وان لا يجري فيه أصالة عدم صدوره كذلك فلا يكون حجة ويكون اخبار الترجيح بمخالفة العامة في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة لا ترجيح الحجة على الحجة.
(نعم يمكن ان يقال) إن اخبار الترجيح بموافقة الكتاب والسنة أو بمخالفة العامة ليست هي من اخبار الباب من وجه آخر غير ما ذكره المصنف وهو ان هذه الاخبار بأجمعها محمولة على اخبار غير الثقات (وذلك) بشهادة ذيل الرواية الرابعة من أحاديث الترجيح (قال قلت له) تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة (فقال) ما جاءك عنا فقس على كتاب الله عز وجل وأحاديثنا فإن كان يشبههما فهو منا وإن لم يكن يشبههما فليس منا (قلت) يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم أيهما الحق (قال) فإذا لم تعلم فموسع عليك (انتهى) (فإن) امر الإمام عليه السلام في بدو الأمر بمقايسة الحديث على كتاب الله وأحاديثهم فإن كان يشبههما فهو منهم وإلا فليس منهم وفرض الراوي بعدا مجيء ثقتين بحديثين مختلفين وجوابه عليه السلام بقوله فموسع عليك بأيهما أخذت (مما يعرف منه) ان الكلام أولا كان مفروضا في اختلاف أحاديث غير الثقات ففي مثلها يؤخذ بالموافق للكتاب ولأحاديثهم ويطرح الآخر وأما إذا اختلف الحديثان من ثقتين فلا ترجيح لأحدهما على الآخر بموافقة الكتاب والسنة أو بغير ذلك من أمور أخر بل موسع علينا وبأيهما أخذنا صح وجاز.
(وبالجملة) إن اخبار الترجيح بموافقة الكتاب والسنة أو بمخالفة العامة كما أشرنا غير مرة هي بين ما يقتصر على موافقة الكتاب والسنة وبين ما يقتصر على موافقة الكتاب ومخالفة العامة وبين ما يقتصر على مخالفة العامة فقط دون غيرها
69

(ومقتضي) الجمع بين الكل وتقييد بعضها ببعض هو الترجيح بموافقة الكتاب ثم بموافقة السنة ثم بمخالفة العامة (كما ان مقتضي) الجمع بين ذيل الرواية الرابعة وبين بقية الأخبار هو اعتبار تلك المرجحات الثلاثة في غير اخبار الثقات وأما في اخبار الثقات فموسع علينا وبأيهما أخذنا من غير ترجيح لبعضها على بعض جاز وصح فتدبر جيدا فإن المقام لا يخلو عن دقة.
(قوله بشهادة ما ورد في أنه زخرف وباطل وليس بشيء أو أنه لم نقله أو أمر بطرحه على الجدار... إلخ)
لم نجد في الأخبار الناهية عن الخبر المخالف للكتاب ما أمر بطرحه على الجدار أو انه ليس بشيء.
(نعم) ورد فيها أنه زخرف أو باطل أو لم أقله ونحو ذلك فراجع.
(قوله فافهم... إلخ)
الظاهر انه إشارة إلى ضعف كون أخبار الترجيح بموافقة الكتاب أو بمخالفة العامة في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة لا ترجيح الحجة على الحجة ولعل نظره في وجه الضعف إلى ما ذكرناه والله العالم.
(قوله وإن أبيت عن ذلك فلا محيص عن حملها توفيقا بينها وبين الإطلاقات إما على ذلك أو على الاستحباب... إلخ)
أي وإن أبيت عما ذكرناه لك من عدم كون أخبار الترجيح بموافقة الكتاب أو بمخالفة العامة من أخبار الباب أي ترجيح الحجة على الحجة بل هي في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة فلا محيص عن حملها توفيقا بينها وبين إطلاقات التخيير إما على ذلك أو على الاستحباب كما تقدم نظيره في المقبولة عينا (حيث قال ما لفظه) بحيث لو لم يكن ظهور المقبولة في ذاك الاختصاص يعني بمورد الحكومة لوجب حملها عليه أو على ما لا ينافيها من الحمل على الاستحباب... إلخ.
70

(قوله ثم إنه لو لا التوفيق بذلك للزم التقييد أيضا في اخبار المرجحات وهي آبية عنه كيف يمكن تقييد مثل ما خالف قول ربنا لم نقله أو زخرف أو باطل... إلخ)
أي ثم إنه لو لم نوفق بين أخبار الترجيح بموافقة الكتاب أو بمخالفة العامة وبين إطلاقات التخيير بحمل أخبار الترجيح على كونها في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة لا في مقام ترجيح الحجة على الحجة أو بحملها على الاستحباب كما أشير آنفا بل وفقنا بينهما تبعا للمشهور بتقييد إطلاقات التخيير بأخبار الترجيح لزم التقييد في نفس أخبار
الترجيح أيضا فإن جملة من أخبار الترجيح كما تقدم شرحها مشتملة على الترجيح بموافقة الكتاب والسنة أو بموافقة الكتاب ومخالفة العامة أو بمخالفة العامة فقط فلا بد من تقييد إطلاقاتها بالمقبولة المشتملة عليها وعلى مرجحات أخر أيضا بأن نرفع اليد عن إطلاقاتها ونرجح في بدو الأمر (بالشهرة والشذوذ) ثم (بموافقة الكتاب والسنة ومخالفة العامة) ثم (بمخالفة ميل الحكم) على الترتيب المذكور في المقبولة مع ان اخبار الترجيح بموافقة الكتاب والسنة أو بموافقة الكتاب ومخالفة العامة أو بمخالفة العامة فقط آبية عن التقييد جدا وكيف يمكن تقييد مثل ما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله أو زخرف أو باطل بما إذا لم يكن أحدهما أشهر رواية بحيث لو كان أحدهما أشهر أخذنا به ولو خالف كتاب الله.
(أقول)
إن هذه التعبيرات الثلاثة من الزخرف والباطل ولم أقله ليس منها في أخبار الترجيح على ما تقدم تفصيلها عين ولا أثر وإنما هي في الأخبار الناهية عن الخبر المخالف للكتاب والسنة ولو لم يكن له معارض وقد عرفت الفرق بين المقامين وأن المراد من المخالف في تلك الاخبار الناهية هو المخالف لنص الكتاب وصريحه وذلك للقطع بصدور كثير من الأخبار المخالفة لظهور الكتاب وان المراد من المخالف للكتاب في أخبار الترجيح بقرينة وقوعه في المقبولة بعد الترجيح بالشهرة والشذوذ
71

هو المخالف لظهوره لا لنصه وصريحه ومن المعلوم ان الترجيح بموافقة ظاهر الكتاب بمعنى الأخذ بالخبر الموافق لظاهره وطرح الخبر المخالف لظاهره هو أمر قابل للتقييد بلا كلام ولا ريب.
(قوله فتلخص مما ذكرنا ان إطلاقات التخيير محكمة وليس في الأخبار ما يصلح لتقييدها... إلخ)
نعم قد تلخص من مجموع ما ذكر إلى هنا أن إطلاقات التخيير محكمة ولكن في غير مثل الترجيح بالشهرة والشذوذ وذلك لأن المفروض في اخبار التخيير كما أشير قبلا هو تعارض الحديثين بعضهما مع بعض أو الأحاديث المختلفة بعضها مع بعض وليس في شيء منها تعارض الأحاديث مع حديث واحد والظاهر من الحديث المشهور المجمع عليه عند أصحابك هو الحديث المروي بطرق عديدة فإذا تعارض المشهور مع الشاذ النادر فقد تعارض أحاديث عديدة مع حديث واحد وأخبار التخيير مما لا تشمل مثل هذه الصورة بلا شبهة (وعليه) فيقدم الخبر المشهور على الخبر الشاذ إما استنادا إلى المقبولة والمرفوعة أو استنادا إلى الأصل الثانوي الذي أسسناه في الخبرين المتعارضين بعد قيام الإجماع والأخبار العلاجية جميعا على عدم سقوطهما رأسا وقد عرفت ان مقتضي الأصل الثانوي هو وجوب الأخذ بالراجح بل محتمل الرجحان دون المرجوح (ثم إن) ملخص الكلام عندنا إلى هنا انه لا يجوز تقييد إطلاقات التخيير بالمقبولة لاختصاصها بمورد الحكومة ولا بالمرفوعة لضعف سندها بالإرسال ولا بما سواهما من اخبار الترجيح لاختصاصه بغير اخبار الثقات بشهادة ذيل الرواية الرابعة على التفصيل المتقدم لك شرحه (مضافا) إلى ان تقييد إطلاقات التخيير باخبار الترجيح بعيد من جهتين.
(الأولى) لزوم حمل الإطلاقات جميعا مع ورودها في مقام بيان الجواب عن حكم المتعارضين على الإجمال والإهمال.
(الثانية) لزوم حملها جميعا على ما إذا كان المتعارضان متساويين في
72

المزايا المنصوصة مع ندرة صورة التساوي بلا كلام ولا ريب (وعلى هذا) فاللازم هو الأخذ بإطلاقات التخيير فيما سوى تعارض المشهور مع الشاذ النادر وحمل أخبار الترجيح بأجمعها إما على غير اخبار الثقات أو على الاستحباب كما تقدم من السيد الصدر رحمه الله وسيأتي من الكليني رضوان الله عليه (ويؤيده) اختلاف نفس أخبار الترجيح بعضها مع بعض على النحو الذي قد أشير إليه فيما تقدم.
(ثم إنا) لو قلنا بالترجيح كما عليه المشهور فقد عرفت عند التعليق على قوله على اختلافها في الاقتصار على بعضها... إلخ اختلاف المقبولة مع المرفوعة في الاقتصار على بعض المرجحات دون بعض فان المرفوعة قد ذكر مكان موافقة الكتاب والسنة الأعدلية والأوثقية وذكر مكان مخالفة ميل الحكام موافقة الاحتياط وأنه لا يكاد يمكن الجمع بينهما عرفا أبدا (وعليه) فاللازم على الترجيح هو الأخذ بالمقبولة لرجحان سندها ثم تقييد ما سواها من اخبار الترجيح المشتملة على مرجح واحد أو مرجحين على كثرتها بما في المقبولة فيكون مجموع المرجحات المنصوصة اللازمة المراعاة هو أمورا معدودة (الشهرة عند الأصحاب) ثم (موافقة الكتاب والسنة) ثم (مخالفة العامة) ثم (مخالفة ميل الحكام).
(هذا ولكن يظهر من الشيخ) أعلى الله مقامه في صدر المقام الثالث من مقامات التراجيح انه بناء على الترجيح يجب الترجيح أولا (بالشهرة والشذوذ) ثم (بالأعدلية والأوثقية) ثم (بمخالفة العامة) ثم (بمخالفة ميل الحكام) (قال) وأما الترجيح بموافقة الكتاب والسنة فهو من باب اعتضاد أحد الخبرين بدليل قطعي الصدور ولا إشكال في وجوب الأخذ به (انتهى).
(أقول)
وفيه مسامحة واضحة من وجوه.
(الأول) ان مجرد اعتضاد أحد الخبرين بدليل قطعي الصدور مما لا يخرجه عن ترجيح الحجة على الحجة وذلك لما عرفت من عدم كون المراد من المخالف
73

للكتاب والسنة في المقام هو المخالف لنصهما وصريحهما كي لا يكون حجة في نفسه ويكون الترجيح بموافقة الكتاب والسنة من باب تمييز الحجة عن اللاحجة كما تقدم شرح ذلك في توضيح كلام المصنف عند التعليق على قوله مع ان في كون أخبار موافقة الكتاب أو مخالفة القوم من أخبار الباب نظرا... إلخ.
(الثاني) أن ذكر الأعدلية والأوثقية هو مما يكشف عن اعتماد الشيخ أعلى الله مقامه على المرفوعة وهو كما ترى في غير محله فإنه هو الذي نقل عن صاحب الحدائق
الطعن فيها وفي كتاب غوالي اللئالي وصاحبه بالعبارة المتقدمة لك شرحها عند التعليق على قول المصنف وضعف سند المرفوعة... إلخ فكيف يعتمد عليها هاهنا (الثالث) انه لو أغمضنا النظر عن ضعف سند المرفوعة فما وجه عدم ذكره الترجيح بموافقة الاحتياط أصلا وهي مذكورة في آخر المرفوعة على ما تقدم لك متنها وكأنه أعلى الله مقامه قد غفل عنها ونسي فلا تغفل أنت ولا تنس (بقي شيء) وهو انه قد ظهر لك من جميع ما تقدم إلى هنا حكم ما إذا تعارض الخبر المشهور مع الخبر الشاذ فيقدم المشهور على الشاذ (وهكذا) ظهر لك حكم ما إذا تعارض خبران بعضهما مع بعض (أو تعارض) اخبار بعضها مع بعض فنتخير بينهما أو بينها وان كان الترجيح أفضل (وأما إذا تعارض) خبر واحد مع خبرين أو تعارض خبران مع اخبار ثلاثة إلى غير ذلك من الصور التي كان أحد الطرفين فيها أكثر عددا من الآخر (فالظاهر) ان شيئا من الاخبار العلاجية مما لا يشمل هذه الصور أصلا فإن المفروض في أكثرها تعارض الخبرين.
(نعم) المفروض في خبر واحد من اخبار التخيير تعارض الأحاديث (وهو قوله عليه السلام والنفساء تدع الصلاة أكثره مثل أيام حيضها (إلى ان قال) وقد روي ثمانية عشر يوما وروي ثلاثة وعشرين يوما وبأي هذه الأحاديث أخذ من باب التسليم جاز (وهكذا) المفروض في خبر واحد من أخبار الترجيح (وهو قوله) تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة... إلخ (ولكن) صريح الأول وظاهر الثاني هو
74

تعارض الأحاديث بعضها مع بعض على نحو كان مؤدي كل واحد منها شيئا غير مؤدي الآخر لا على نحو كان مؤدي اثنين منها شيئا ومؤدي الآخر شيئا آخر.
(وبالجملة) ان تعارض الروايات بعضها مع بعض على نحو كان أحد الطرفين أكثر عددا من الطرف الآخر هو خارج عن مفروض الاخبار العلاجية بلا شبهة ولا ريب فاللازم في مثل هذه الصورة هو الرجوع إلى الأصل الثانوي المؤسس في الخبرين المتعارضين بعد الإجماع والاخبار العلاجية على عدم السقوط رأسا (وقد عرفت قبلا) ان مقتضي الأصل الثانوي هو وجوب العمل بالراجح لمدركين.
(أحدهما) دوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعيين وقد أثبتنا فيه الاحتياط (ثانيهما) حكم العقل بوجوب العمل بأقوى الدليلين وان الراجح هو أقواهما بلا كلام (وقد تقدم) تفصيل ذلك كله تحت عنوان مقتضي القاعدة الثانوية في الخبرين المتعارضين فراجع.
في بقية الوجوه التي استدل بها لوجوب
الترجيح وجوابها
(قوله نعم قد استدل على تقييدها ووجوب الترجيح في المتفاضلين بوجوه أخر... إلخ)
أي نعم قد استدل على تقييد إطلاقات التخيير ووجوب الترجيح في المتفاضلين بوجوه أخر غير أخبار الترجيح كلها.
75

(قوله منها دعوى الإجماع على الأخذ بأقوى الدليلين... إلخ)
الظاهر انه يعني بدعوى الإجماع على الأخذ بأقوى الدليلين ما تقدم منه في صدر الفصل الثالث من الإجماع على الأخذ بالخبر الراجح حيث قال بل ربما ادعى الإجماع أيضا على حجية خصوص الراجح... إلخ (وقد تقدم) أيضا ان الشيخ أعلى الله مقامه قد اختار تبعا للمشهور وجوب الترجيح واستدل عليه بوجوه عديدة (الإجماع) المحقق (والسيرة) القطعية (وتواتر الأخبار) يعني بها أخبار التراجيح ثم ذكر وجها رابعا وهو (الأصل الثانوي) الذي تقدم تأسيسه في الخبرين المتعارضين بعد قيام الإجماع والاخبار العلاجية على عدم سقوطهما رأسا ثم ذكر من غيره (وجها خامسا) بقوله وقد يستدل على وجوب الترجيح بأنه لو لا ذلك لاختل نظم الاجتهاد... إلخ.
(قوله وفيه أن دعوى الإجماع مع مصير مثل الكليني إلى التخيير وهو في عهد الغيبة الصغرى ويخالط النواب والسفراء قال في ديباجة الكافي ولا نجد شيئا أوسع ولا أحوط من التخيير مجازفة... إلخ)
(وقد حكى الشيخ) أعلى الله مقامه في صدر المقام الثالث من مقامات التراجيح كلام الكليني في ديباجة الكافي (وذكره صاحب الوسائل) أيضا في القضاء في باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة (وذكره المحدث الكاشاني) أيضا في الوافي في أبواب العقل والعلم في باب اختلاف الحديث والحكم في ذيل البيان المتعلق بمقبولة عمر بن حنظلة (ولفظه) على حكاية الشيخ هكذا اعلم يا أخي أرشدك الله انه لا يسع أحدا تمييز شيء مما اختلف الرواية فيه من العلماء عليهم السلام برأيه إلا على ما أطلقه العالم عليه السلام بقوله اعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله عز وجل فخذوه وما خالف كتاب الله عز وجل فذروه وقوله عليه السلام دعوا ما وافق للقوم فإن الرشد في خلافهم وقوله عليه السلام خذوا بالمجمع عليه فإن المجمع عليه مما لا ريب فيه ولا نعرف من جميع ذلك الا أقله ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من رد علم
76

ذلك كله إلى العالم عليه السلام وقبول ما وسع من الأمر فيه بقوله بأيهما أخذتم من باب التسليم وسعكم (انتهى) (هذا وقد ذكرنا) فيما تقدم عند التعليق على قول المصنف كما فعله بعض الأصحاب... إلخ كلام السيد الصدر الشارح للوافية في التخيير وحمله اخبار الترجيح على الاستحباب فتذكر.
(قوله ومنها انه لو لم يجب ترجيح ذي المزية لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح عقلا بل ممتنع قطعا... إلخ)
الظاهر ان هذا الوجه هو للمحقق القمي غير انه لم يقل وهو قبيح عقلا بل ممتنع قطعا (قال) أعلى الله مقامه في الخاتمة في القانون الثالث من قوانين التعادل والتراجيح بعد الفراغ عن تعريف الترجيح لغة واصطلاحا (ما لفظه) وإذا حصل الترجيح لإحدى الأمارتين يجب تقديمها لئلا يلزم ترجيح المرجوح (انتهى).
(قوله وفيه انه إنما يجب الترجيح لو كانت المزية موجبة لتأكد ملاك الحجية في نظر الشارع... إلخ)
(وحاصل الجواب) ان وجوب ترجيح ذي المزية هو امر مسلم ولكن إذا كانت المزية موجبة لتأكد ملاك الحجية بنظر الشارع لا مطلقا إذا من الممكن ان تكون المزية
بالنسبة إلى ملاك الحجية هي كالحجر في جنب الإنسان ومعه لا يكاد يجب الترجيح بل الترجيح بها ترجيح بلا مرجح وهو قبيح عقلا كترجيح المرجوح على الراجح عينا (وفيه) ان بعض المزايا بالنسبة إلى ملاك الحجية وان كان هو كالحجر في جنب الإنسان مثل كون الراوي لأحد الخبرين هاشميا أو جوادا أو شجاعا ونحو ذلك ولكن كلام المستدل ليس في الترجيح بمثل هذه المزايا قطعا بل في الترجيح بالمزايا المنصوصة أو الغير المنصوصة مما يوجب أقربية أحدهما إلى الواقع ورجحانه بالنسبة إلى معارضه ومن المعلوم ان مثل ذلك هو مما يوجب تأكد ملاك الحجية بلا كلام (وعليه) فالأولى بل اللازم في مقام الجواب هو ان يقال إن بعد قيام الإجماع والاخبار العلاجية جميعا على عدم سقوط الخبرين المتعارضين عن الحجية
77

رأسا وإن وجب الترجيح والأخذ بالراجح قطعا بمقتضي الأصل الثانوي المؤسس فيهما قبلا لكن ذلك إذا لم تنهض حجة على التعيين أو التخيير بمعنى انه عجزنا عن الجمع بين الاخبار العلاجية ولم نستفد منها ان اللازم هل هو التخيير أو الترجيح واما إذا جمعنا بينها بتحكيم إطلاقات التخيير وحمل اخبار الترجيح كلها على الاستحباب أو غيره كما عرفته مفصلا مبسوطا فلا قيمة لهذا الأصل الثانوي أصلا ولا موجب لترجيح الراجح بنحو الإلزام أبدا.
(قوله هذا مضافا إلى ما هو في الإضراب من الحكم بالقبح إلى الامتناع إلى آخره)
هذا جواب آخر عن الاستدلال المتقدم غير أنه عن خصوص إضراب المستدل من الحكم بقبح ترجيح المرجوح إلى الامتناع القطعي لا عن أصل الاستدلال بنفسه (وحاصله) ان ترجيح المرجوح على الراجح في الأفعال الاختيارية كاختيار أحد الكأسين مع كونه دون صاحبه في المزايا والجهات المحسنة بلا داعي عقلائي هو أمر قبيح عقلا وليس بممتنع أبدا وذلك لجواز وقوعه من غير الحكيم خارجا بلا استحالة له أصلا فإن الممتنع هو تحقق الشيء بلا علة وسبب وليس ترجيح المرجوح كذلك إذ يكفي إرادة الفاعل المختار علة له وسببا.
(نعم) يستحيل وقوع ذلك من الحكيم تعالى بالعرض بعد فرض كونه حكيما لا يرتكب القبيح أبدا.
(وبالجملة) ان ترجيح المرجوح على الراجح ليس أمرا ممتنعا لا ذاتا ولا وقوعا وإنما يستحيل وقوعه في الخارج من الحكيم خاصة بالعرض دون غيره وقد تقدمت الإشارة إلى كل من المحال الذاتي والعرضي في بحث إمكان التعبد بالأمارات الغير العلمية بنحو أبسط فراجع.
(قوله ومنها الأحكام الشرعية... إلخ)
أي ومن الأفعال الاختيارية الأحكام الشرعية أي جعلها وتشريعها مثل جعل
78

الوجوب دون الحرمة أو بالعكس أو جعل الاستحباب دون الكراهة أو بالعكس وهكذا.
(قوله ومنها غير ذلك مما لا يكاد يفيد الظن فالصفح عنه أولى وأحسن إلى آخره)
الظاهر انه إشارة إلى الوجه الخامس الذي قد ذكره الشيخ أعلى الله مقامه أخيرا (فقال) وقد يستدل على وجوب الترجيح بأنه لو لا ذلك لاختل نظم الاجتهاد إلى آخره وقد ذكر قبله وجوها أربعة قد استند إليها في وجوب الترجيح من الإجماع المحقق والسيرة القطعية وتواتر الأخبار والأصل الثانوي الذي أسسه في المتعارضين من الأخبار بعد قيام الإجماع والأخبار العلاجية جميعا على عدم سقوطهما رأسا وقد سبق الإشارة إلى الكل آنفا وتقدم شرح الجميع من قبل ذلك مفصلا فيكون مجموع الوجوه مع ما ذكره المصنف هاهنا بقوله ومنها أنه لو لم يجب ترجيح ذي المزية... إلخ وجوها ستة فتأمل جيدا.
هل يجب الإفتاء بما اختاره من الخبرين أو بالتخيير في المسألة الأصولية أو يجوز كلا الأمرين جميعا
(قوله ثم إنه لا إشكال في الإفتاء بما اختاره من الخبرين في عمل نفسه وعمل مقلديه ولا وجه للإفتاء بالتخيير في المسألة الفرعية لعدم الدليل عليه فيها نعم له الإفتاء به في المسألة الأصولية... إلخ)
الشيخ أعلى الله مقامه حيث لم يقل بالتخيير في الخبرين المتعارضين الا في المتساويين
79

فقط دون المتفاضلين لم يتعرض هذه المسألة الا في المتكافئين (وعلى كل حال) أصل المسألة انه حيث قلنا بالتخيير في الخبرين المتعارضين سواء كان في المتكافئين أو مطلقا ولو في المتفاضلين فلا إشكال في عمل نفس المفتي فيختار أحدهما ويعمل على طبقه ولكن بالنسبة إلى مقلديه (هل يجب عليه) أن يفتي لهم بالتخيير في المسألة الأصولية بأن يبين لهم ان في المسألة الفقهية حديثين متعارضين بأيهما أخذتم من باب التسليم وسعكم (أو يجب عليه) أن يفتي لهم بما اختاره من الخبرين في عمل نفسه (أو للمفتي) كلا الأمرين جميعا فيجوز له أن يفتي لهم بالتخيير في المسألة الأصولية على نحو لو اختار المقلد من الخبرين المتعارضين غير ما اختاره المفتي جاز ويجوز له أن يفتي لهم بما اختاره من الخبرين في عمل نفسه (وجوه بل أقوال).
(الأول) ما اختاره المشهور وقواه الشيخ أعلى الله مقامه.
(والثاني) ما احتمله الشيخ أعلى الله مقامه ولم يختره.
(والثالث) ما اختاره المصنف قدس سره بعد التسالم من الكل ظاهرا على عدم جواز الإفتاء بالتخيير في المسألة الفقهية فإذا قام مثلا أحد الخبرين على وجوب شيء والآخر على حرمته لم يجز الإفتاء بإباحة الفعل وذلك لعدم الدليل عليها بل الدليل على خلافها فإن الإباحة هي أمر ثالث خارج عن مؤدي الخبرين جميعا وقد عرفت عدم جواز الرجوع إلى الثالث بلا شبهة لبقاء أحدهما على الحجية.
(قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد الفراغ عما تقتضيه القاعدة في المتكافئين وما يقتضيه الاخبار بينهما (ما لفظه) ثم المحكي عن جماعة بل قيل انه مما لا خلاف فيه ان
التعادل ان وقع للمجتهد في عمل نفسه كان مخيرا في عمل نفسه وإن وقع للمفتي لأجل الإفتاء فحكمه أن يخير المستفتي فيتخير في العمل كالمفتي ووجه الأول واضح واما وجه الثاني فلأن نصب الشارع للأمارات وطريقيتها يشمل المجتهد والمقلد إلا ان المقلد عاجز عن القيام بشروط العمل بالأدلة من حيث تشخيص مقتضاها ودفع موانعها فإذا أثبت ذلك المجتهد جواز العمل بكل من
80

الخبرين المتكافئين المشترك بين المقلد والمجتهد تخير المقلد كالمجتهد ولأن إيجاب مضمون أحد الخبرين على المقلد لم يقم دليل عليه فهو تشريع (قال) ويحتمل ان يكون التخيير للمفتي فيفتي بما اختار لأنه حكم للمتحير وهو المجتهد (إلى ان قال) والمسألة بعد محتاجة إلى التأمل وإن كان وجه المشهور أقوى (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(أقول)
والظاهر ان الحق مع المصنف (فيجوز للمفتي) أن يفتي لمقلديه بالتخيير في المسألة الأصولية (ويجوز له ان يفتي) لهم بما اختاره من الخبرين في عمل نفسه.
(أما الأول) فلأن حكم الإمام عليه السلام بالتخيير بين الخبرين المتعارضين حكم شرعي أصولي يشترك فيه الكل نعم يحتاج العمل به إلى إحراز موضوع التخيير وهو تعارض الخبرين فإذا أخبر المفتي بتحقق الموضوع في مورد خاص وأحرز المقلد ذلك بإخبار المفتي أو بغير ذلك ثم أفتى المفتي ان حكمه الشرعي الأصولي هو التخيير لم يبق مانع للمقلد ان يقلد المفتي في هذا الحكم الشرعي الأصولي ويرتبه على موضوعه بنفسه فيختار أحد الخبرين ويعمل على طبقه وإن كان مخالفا لما اختاره المفتي من الخبرين (ومن هنا يظهر) ان ما احتمله الشيخ أعلى الله مقامه من كون التخيير حكما للمتحير يعني من قام عنده الخبران المتعارضان ولم يعلم أيهما الحق هو كلام صحيح لا ننكره ولكن المتحير ليس خصوص المجتهد بل المقلد أيضا إذا أحرز تعارض الخبرين ولم يعلم أيهما الحق اندرج تحت هذا الموضوع وجاز له تقليد المجتهد في حكمه الشرعي الأصولي وهو التخيير بينهما (ولعل من هنا) قال أخيرا والمسألة بعد محتاجة إلى التأمل وإن كان وجه المشهور أقوى (انتهى).
(واما الثاني) فلأن ما اختاره المجتهد من الخبرين المتعارضين في عمل نفسه هو حكم الله الظاهري بمقتضي الدليل القائم على التخيير بينهما شرعا فإذا أفتى على طبق ما اختاره من الخبرين فقد أفتى بحكم الله الظاهري (ومن هنا يظهر) ما في
81

الدليل الثاني للمشهور من ان إيجاب مضمون أحد الخبرين على المقلد لم يقم دليل عليه فهو تشريع... إلخ فإن الدليل القائم عليه هو نفس دليل التخيير فإنه الذي جعل مضمون كلا من الخبرين حكم الله ظاهرا وجعل المفتي في سعة من الإفتاء بمضمون أيهما شاء وهذا واضح.
هل التخيير بدوي أو استمراري
(قوله وهل التخيير بدوي أم استمراري قضية الاستصحاب لو لم نقل بأنه قضية الإطلاقات أيضا كونه استمراريا... إلخ)
المصنف لم يؤشر إلى هذه المسألة في أصالة التخيير وقد أشرنا إليها هناك في آخر المبحث وبينا ان الحق هو كون التخيير استمراريا كما اختاره المصنف هاهنا.
(واما الشيخ) أعلى الله مقامه فقد صرح هناك باستمرار التخيير أيضا ولكن يظهر منه في المخالفة الالتزامية للعلم الإجمالي خلافه كما يظهر منه الخلاف في المقام أيضا أي في التعادل والتراجيح وقد عنون المسألة في ذيل تخيير الحاكم والقاضي (قال) بعد الفراغ عن المسألة المتقدمة وهي الإفتاء بالتخيير في المسألة الأصولية أو بما اختاره من الخبرين في عمل نفسه أو بجواز كليهما جميعا (ما لفظه) هذا حكم المفتي واما الحاكم والقاضي فالظاهر كما عن جماعة انه يتخير أحدهما فيقضي به لأن القضاء والحكم عمل له لا للغير فهو المتحير ولما عن بعض من ان تخير المتخاصمين لا يرفع معه الخصومة (قال) ولو حكم على طبق إحدى الأمارتين في واقعة فهل له الحكم على طبق الأخرى في واقعة أخرى المحكي عن العلامة وغيره الجواز بل حكي نسبته إلى المحققين لما عن النهاية من انه ليس في العقل ما يدل على خلاف
82

(إلى ان قال) أقول يشكل الجواز لعدم الدليل عليه لأن دليل التخيير إن كان الاخبار الدالة عليه فالظاهر انها مسوقة لبيان وظيفة المتحير في ابتداء الأمر فلا إطلاق فيها بالنسبة إلى حال المتحير بعد الالتزام بأحدهما واما العقل الحاكم بعدم جواز طرح كليهما فهو ساكت من هذه الجهة والأصل عدم حجية الآخر بعد الالتزام بأحدهما كما تقرر في دليل عدم جواز العدول عن فتوى مجتهد إلى مثله نعم لو كان الحكم بالتخيير في المقام من باب تزاحم الواجبين كان الأقوى استمراره لأن المقتضي له في السابق موجود بعينه بخلاف التخيير الظاهري في تعارض الطريقين فإن احتمال تعيين ما التزمه قائم بخلاف التخيير الواقعي فتأمل واستصحاب التخيير غير جار لأن الثابت سابقا ثبوت الاختيار لمن لم يتخير فإثباته لمن اختار والتزم إثبات للحكم في غير موضوعه الأول (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(أقول)
أما التخيير في دوران الأمر بين المحذورين فقد عرفت قبلا انه ليس إلا بحكم العقل وليس في العقل ما يمنع عن استمرار التخيير إلى الآخر سوى لزوم المخالفة القطعية إذا اختار في الواقعة الثانية غير ما اختاره في الواقعة الأولى وقد أجبنا عنها بأنه كما تلزم حينئذ المخالفة القطعية فكذلك تلزم حينئذ الموافقة القطعية ولم يعلم ان مصلحة الموافقة القطعية هي أقل من مفسدة المخالفة القطعية (وأما التخيير في تعارض الخبرين) فقد عرفت هنا انه ليس الا بحكم الشرع والا فمقتضي القاعدة الأولية هو تساقطهما جميعا والرجوع إلى الأصل العملي المطابق لأحدهما وليس في البين ما يمنع عن استمرار التخيير الشرعي سوى احتمال تعيين ما التزمه أولا شرعا فيدور الأمر فيه بين التعيين والتخيير الشرعيين فيجب الاحتياط (ولكن يدفع) احتمال التعيين في المقام إطلاقات التخيير فان موضوعها وان كان هو المتحير ولكن لا يكاد يرتفع التحير بمجرد الالتزام بأحدهما فإن المراد من المتحير في المقام ليس الا من
83

جاءه الخبران المتعارضان ولم يعلم أيهما الحق وهو بهذا المعنى باق على حاله إلى الآخر (ولو أغمضنا النظر) عن إطلاقات التخيير فاستصحاب التخيير أيضا يدفع
احتمال التعيين شرعا (ودعوى) عدم جريانه في المقام ضعيفة جدا فإن الموضوع فيه ليس إلا المتحير بالمعنى المذكور وهو لم يتغير ولم يتبدل وليس موضوعه من لم يختر أحد الخبرين كي يرتفع ذلك بمجرد الاختيار فإن الاختيار وعدم الاختيار هو من حالات الموضوع لا من القيود المقومة له (ومن تمام ما ذكر) يظهر لك حال ما أشار إليه الشيخ من كون الأصل عدم حجية الآخر بعد الالتزام بأحدهما فإن الأصل المذكور هو محكوم بإطلاقات التخيير أو باستصحاب التخيير فلا يكاد يبقى له مع الإطلاقات أو الاستصحاب مجال أصلا (ونظير هذا الأصل) في المحكومية استصحاب حكم المختار أيضا فإنه محكوم أيضا بإطلاقات التخيير أو باستصحاب التخيير كما لا يخفى
هل على القول بالترجيح يقتصر على
المرجحات المنصوصة أو يتعدى إلى غيرها
(قوله فصل هل على القول بالترجيح يقتصر فيه على المرجحات المخصوصة المنصوصة أو يتعدى إلى غيرها قيل بالتعدي... إلخ)
القائل بالتعدي عن المرجحات المنصوصة هو الشيخ أعلى الله مقامه ويظهر منه ان الأخباريين قائلون بالاقتصار على المرجحات المنصوصة وان جمهور المجتهدين قائلون بعدم الاقتصار عليها (قال) أعلى الله مقامه (ما لفظه) المقام الثالث يعني به من مقامات التراجيح في عدم جواز الاقتصار على المرجحات المنصوصة.
84

(ثم ساق الكلام إلى ان قال) ولذا طعن غير واحد من الأخباريين على رؤساء المذهب مثل المحقق والعلامة بأنهم يعتمدون في الترجيحات على أمور اعتمدها العامة في كتبهم مما ليس في النصوص منه عين ولا أثر (قال) قال المحدث البحراني في هذا المقام من مقدمات الحدائق انه قد ذكر علماء الأصول من الترجيحات في هذا المقام ما لا يرجع أكثرها إلى محصول والمعتمد عندنا ما ورد من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من الاخبار المشتملة على وجوه الترجيحات (انتهى) (ثم قال الشيخ) أقول قد عرفت ان الأصل بعد ورود التكليف الشرعي بالعمل بأحد المتعارضين هو العمل بما يحتمل ان يكون مرجحا في نظر الشارع لأن جواز العمل بالمرجوح مشكوك حينئذ (إلى ان قال) إلا أن يقال إن إطلاقات التخيير حاكمة على هذا الأصل فلا بد للمتعدي من المرجحات الخاصة المنصوصة من أحد امرين إما أن يستنبط من النصوص ولو بمعونة الفتاوي وجوب العمل بكل مزية توجب أقربية ذيها إلى الواقع وإما ان يستظهر من إطلاقات التخيير الاختصاص بصورة التكافؤ من جميع الوجوه (قال) والحق ان تدقيق النظر في اخبار الترجيح يقتضي التزام الأول كما ان التأمل الصادق في اخبار التخيير يقتضي التزام الثاني ولذا ذهب جمهور المجتهدين إلى عدم الاقتصار على المرجحات الخاصة بل ادعى بعضهم ظهور الإجماع وعدم ظهور الخلاف على وجوب العمل بالراجح من الدليلين بعد ان حكي الإجماع عليه عن جماعة (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(أقول)
إن مقتضي الأصل الثانوي الذي أمسسناه في الخبرين المتعارضين بعد قيام الإجماع والأخبار العلاجية على عدم سقوطهما رأسا (وإن كان) هو العمل بالراجح بل العمل بكل ما احتمل رجحانه (ولكن) هذا الأصل الثانوي كما أشير قبلا هو مؤسس في وعاء العجز عن الجمع بين الاخبار العلاجية بأن لم نعرف ان اللازم
85

هل هو الترجيح وتقييد إطلاقات التخيير باخبار الترجيح أو اللازم هو التخيير وحمل اخبار الترجيح كلها على الاستحباب أو غيره (واما إذا جمعنا) بينها بتقييد إطلاقات التخيير بأخبار الترجيح كما هو مفروض البحث ومختار الشيخ أيضا على ما صرح به في غير موضع من كلماته الشريفة فلا محالة تكون إطلاقات التخيير محكمة في غير مورد المرجحات المنصوصة ولا يكاد يبقى مجال لأصالة العمل بالراجح أصلا فضلا عما احتمل رجحانه في نظر الشارع (وعليه) فاللازم على المتعدي من المرجحات المنصوصة كما أفاد الشيخ أعلى الله مقامه ان يستفيد (إما من اخبار الترجيح) وجوب العمل بكل مزية (أو من إطلاقات التخيير) اختصاصها بصورة التساوي في تمام المزايا والمرجحات المنصوصة وغير المنصوصة جميعا.
(اما الثاني) فالإنصاف انه في غاية البعد فان حمل اخبار التخيير على التساوي في خصوص المزايا والمرجحات المنصوصة بعيد جدا كما تقدم قبلا لندرته وقلته فكيف بحملها على التساوي في تمام المزايا من المنصوصة وغير المنصوصة جميعا، (وأما الأول) وهو استفادة وجوب العمل بكل مزية من أخبار الترجيح فسيأتي الكلام فيها قريبا فانتظر.
(قوله لما في الترجيح بمثل الأصدقية والأوثقية ونحوهما مما فيه من الدلالة على ان المناط في الترجيح بها هو كونها موجبة للأقربية إلى الواقع إلى آخره)
(قال الشيخ) أعلى الله مقامه بعد عبارته المتقدمة (ما لفظه) وكيف كان فما يمكن استفادة هذا المطلب منه يعني به عدم الاقتصار على المرجحات الخاصة فقرات من الروايات منها الترجيح بالأصدقية في المقبولة وبالأوثقية في المرفوعة فإن اعتبار هاتين الصفتين ليس الا لترجيح الأقرب إلى مطابقة الواقع في نظر الناظر في المتعارضين من حيث أنه أقرب من غير مدخلية خصوصية سبب وليستا كالأعدلية والأفقهية تحتملان لاعتبار الأقربية الحاصلة من السبب الخاص وحينئذ فنقول إذا
86

كان أحد الراويين أضبط من الآخر أو أعرف بنقل الحديث بالمعنى أو شبه ذلك فيكون أصدق وأوثق من الراوي الآخر ونتعدى من صفات الراوي المرجحة إلى صفات الرواية الموجبة لأقربية صدورها لأن أصدقية الراوي وأوثقيته لم يعتبر إلا من حيث حصول صفة الصدق والوثاقة في الرواية فإذا كان أحد الخبرين منقولا باللفظ والآخر منقولا بالمعنى كان الأول أقرب إلى الصدق وأولى بالوثوق (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(وحاصل ما أجاب به المصنف) عن هذا التعليل بمزيد توضيح منا ان مجرد جعل شيء فيه جهة الإراءة والكشف حجة كخبر الصادق أو الثقة أو جعله مرجحا كالأصدقية والأوثقية في الخبرين المتعارضين هو مما لا دلالة فيه على أن الملاك فيه بتمامه جهة إراءته على نحو نقطع بذلك ونتيقن به ويكون من باب تنقيح المناط
القطعي ويجوز التعدي عن مورد النص بلا شبهة ولا ريب ولا كلام فيه من أحد وذلك لاحتمال دخل خصوصية ذلك الشيء في حجيته أو مرجحيته لا جهة إراءته فقط (وعليه) فإذا لم يدل دليل على ذلك أي ان الملاك هو جهة إراءته فقط ولم نحرز المناط على نحو القطع واليقين فإطلاقات التخيير لا محالة محكمة متعينة ولا بد في تقييدها ورفع اليد عنها من الاقتصار على القدر المتيقن وهو مورد المرجحات المخصوصة والمزايا المنصوصة دون غيرها.
(وبالجملة) ان مجرد جعل الأصدقية في المقبولة والأوثقية في المرفوعة مرجحا مما لا يوجب القطع بأن المناط في جعلها هو محض الأقربية إلى الواقع كي يتعدى منها إلى كل ما يوجب الأقربية ويرفع لليد عن إطلاقات التخيير وتحمل هي على صورة التساوي من تمام الجهات والمرجحات من المنصوصة وغير المنصوصة جميعا.
(أقول)
هذا مضافا إلى ما عرفت من ان الأصدقية وأخواتها في المقبولة إنما هي من
87

مرجحات الحكم لا من مرجحات الخبر وأما الأوثقية في المرفوعة فهي وان كانت من مرجحات الخبر ولكنك قد عرفت ضعف سندها جدا ومعارضتها مع المقبولة فإن المرفوعة بعد الترجيح بالشهرة هي رجحت بالأعدلية والأوثقية والمقبولة هي رجحت بعدها بموافقة الكتاب والسنة فلا بد من الأخذ بالمقبولة ورفع اليد عن المرفوعة بلا شبهة.
(قوله ولما في التعليل بأن المشهور مما لا ريب فيه من استظهار ان العلة هو عدم الريب فيه بالإضافة إلى الخبر الآخر ولو كان فيه الف ريب... إلخ)
هذا التعليل أيضا للشيخ أعلى الله مقامه (قال) ومنها أي من الفقرات التي يمكن أن نستفيد منها عدم الاقتصار على المرجحات الخاصة تعليله عليه السلام الأخذ بالمشهور بقوله فإن المجمع عليه لا ريب فيه (قال) توضيح ذلك أن معنى كون الرواية مشهورة كونها معروفة عند الكل كما يدل عليه فرض السائل كليهما مشهورين والمراد بالشاذ ما لا يعرفه الا القليل ولا ريب ان المشهور بهذا المعنى ليس قطعيا من جميع الجهات حتى يصير مما لا ريب فيه والا لم يمكن فرضهما مشهورين (إلى ان قال) فالمراد بنفي الريب نفيه بالإضافة إلى الشاذ ومعناه ان الريب المحتمل في الشاذ غير محتمل فيه فيصير حاصل التعليل ترجيح المشهور على الشاذ بأن في الشاذ احتمالا لا يوجد في المشهور ومقتضي التعدي عن مورد النص في العلة وجوب الترجيح بكل ما يوجب كون أحد الخبرين أقل احتمالا لمخالفة الواقع (انتهى) كلامه رفع مقامه.
(وحاصل ما أجاب به المصنف) عن ذلك بمزيد توضيح منا انا نسلم أن معنى كون الرواية مشهورة كونها معروفة عند الكل وان المشهور بهذا المعنى ليس قطعيا من جميع الجهات (ولكن لا نسلم أن المراد من كونها مما لا ريب فيه هو نفي الريب فيها بالإضافة إلى الخبر الشاذ بل المراد كونها مما لا ريب فيه في نفسها فان الخبر إذا كان مشهورا بين الرواة في الصدر الأول وكان مجمعا عليه عندهم
88

فهو مما يطمئن بصدوره على نحو صح ان يقال عرفا انه مما لا ريب فيه ولا بأس بالتعدي عن مثل هذه المزية إلى كل مزية توجب ذلك عينا.
(وبالجملة) لو كان المراد من كونها مما لا ريب فيه هو كونها كذلك بالإضافة إلى الخبر الشاذ لكان مقتضي التعدي عن مورد النص في العلة وجوب الترجيح بكل مزية في الخبر توجب نفي الريب فيه بالإضافة إلى الخبر المعارض له كما ادعاه الشيخ أعلى الله مقامه (واما إذا كان المراد) من كونها مما لا ريب فيه هو كونها مما لا ريب فيه في نفسها كما هو كذلك واقعا فمقتضي التعدي عن مورد النص في العلة هو وجوب الترجيح بكل مزية توجب نفي الريب في نفسها لا وجوب الترجيح بكل مزية توجب أقربية ذيها إلى الواقع بالإضافة إلى الخبر المعارض له فتأمل جيدا.
(قوله ولما في التعليل بأن الرشد في خلافهم... إلخ)
هذا التعليل أيضا للشيخ أعلى الله مقامه (قال) ومنها أي من الفقرات التي يمكن أن نستفيد منها عدم الاقتصار على المرجحات الخاصة تعليلهم عليهم السلام لتقديم الخبر المخالف للعامة بأن الحق والرشد في خلافهم وأن ما وافقهم فيه التقية فإن هذه كلها قضايا غالبية لا دائمية فيدل بحكم التعليل على وجوب ترجيح كل ما كان معه أمارة الحق والرشد وترك ما فيه مظنة خلاف الحق والصواب بل الإنصاف ان مقتضي هذا التعليل كسابقه وجوب الترجيح بما هو أبعد عن الباطل من الآخر وإن لم يكن عليه أمارة المطابقة (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(وحاصل جواب المصنف) عن هذا التعليل بمزيد توضيح منا ان في تعليل الإمام عليه السلام لتقديم الخبر المخالف للعامة بأن فيه الرشاد كما في المقبولة أو بأن فيه الحق كما في المرفوعة احتمالات ثلاثة.
(الأول) أن يكون الرشد في نفس المخالفة لهم لحسنها ورجحانها.
(الثاني) أن يكون الرشد والحق غالبا فيما خالفهم والغي والباطل فيما
89

وافقهم كما هو ظاهر التعليل (بل وظاهر رواية علي بن أسباط) قلت للرضا عليه السلام يحدث الأمر لا أجد بدا من معرفته وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك قال فقال ائت فقيه البلد فاستفته من أمرك فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإن الحق فيه (بل وصريح رواية أبي إسحاق الأرجاني) قال قال أبو عبد الله عليه السلام أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة فقلت لا أدري فقال ان عليا عليه السلام لم يكن يدين الله بدين إلا خالف عليه الأمة إلى غيره إرادة لإبطال أمره وكانوا يسألون أمير المؤمنين عليه السلام عن الشيء الذي لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضدا من عندهم ليلتبسوا على الناس (انتهى) وقد سبق منا الروايتان في ذيل التعليق على قول المصنف كما فعله بعض الأصحاب فتذكر.
(الثالث) أن يكون التعليل لأجل انفتاح باب التقية فيما وافقهم وانسداده فيما خالفهم (ويؤيده) ما رواه في الوسائل في القضاء في باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة
مسندا عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال ما سمعته مني يشبه قول الناس ففيه التقية وما سمعت مني لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه (هذه) هي الاحتمالات الثلاثة التي احتملها المصنف في تعليل الإمام عليه السلام.
(أما على الاحتمال الأول) وهو كون الرشد في نفس المخالفة لهم لحسنها ورجحانها فتعليله عليه السلام أجنبي عن مقصد الشيخ أي التعدي إلى كل مزية توجب أقربية ذيها إلى الواقع بلا شبهة.
(وأما على الاحتمال الثاني) وهو كون الرشد والحق غالبا فيما خالفهم والغي والباطل فيما وافقهم فلا شبهة في حصول الوثوق حينئذ بخلل في الخبر الموافق لهم إما صدورا أو جهة ولا بأس بالتعدي عن مثل هذه المزية الموجبة للوثوق بخلل في المقابل إلى كل مزية توجب ذلك لا إلى كل مزية توجب أقربية ذيها إلى الواقع.
(وأما على الاحتمال الثالث) وهو كون التعليل لأجل انفتاح باب التقية فيما وافقهم وانسداده فيما خالفهم فلا شبهة أيضا في حصول الوثوق حينئذ بصدور
90

الموافق لهم تقية بعد الوثوق بصدور الطرفين جميعا لو لا القطع بالصدور في الصدر الأول لقلة الوسائط ومعرفة حالها ولا بأس بالتعدي أيضا عن مثل هذه المزية إلى كل مزية توجب الوثوق بصدور المقابل تقية لا إلى كل مزية توجب أقربية ذيها إلى الواقع بالنسبة إلى معارضه كما هو دعوى الشيخ أعلى الله مقامه (هذا كله) ملخص جواب المصنف عن التعليل.
(أقول)
قد ذكر الشيخ في المقام الرابع من مقامات التراجيح بعد مرجحات الدلالة والشروع في مرجحات الرواية في ذيل الترجيح من حيث وجه الصدور نفس هذه الاحتمالات الثلاثة عينا (وأضاف إليها) احتمالا آخر أيضا وهو كون الترجيح بمخالفة العامة لمجرد التعبد من الشرع لا لغيره (قال) كما هو ظاهر كثير من أخباره (ثم قال) ويظهر من المحقق استظهاره من الشيخ يعني به الطوسي رضوان الله عليه (انتهى) والظاهر ان مقصوده من كثير من اخباره هو اخبار الترجيح بمخالفة العامة من غير تعليل فيها بشيء وهو كما ترى ضعيف فان عدم التعليل في بعض الأخبار مما لا يوجب التعبد الشرعي المحض مع التعليل في البعض الآخر (وعليه) فاحتمال التعبد في الترجيح بمخالفة العامة ضعيف جدا (وقد ذكر) لاحتمال كون الترجيح لمجرد حسن المخالفة لهم شاهدا من الاخبار (قال) ويشهد لهذا الاحتمال بعض الروايات (مثل قوله عليه السلام) في مرسلة داود بن الحصين إن من وافقنا خالف عدونا ومن وافق عدونا في قول أو عمل فليس منا ولا نحن منه (ورواية الحسين ابن خالد) شيعتنا المسلمون لأمرنا الآخذون بقولنا المخالفون لأعدائنا فمن لم يكن كذلك فليس منا (انتهى) (وفيه ما لا يخفى) فإن أقصى ما دل عليه الروايتان أن الموافق لأعدائهم في قول أو عمل ليس منهم ولا هم منه وليس فيهما دلالة على ان ذلك لأجل كون مخالفتهم حسنا راجحا بل من المحتمل ان يكون ذلك لأن قولهم وعملهم باطلان ليس فيهما رشد ولا حق فمن وافقهم في قول أو عمل فقد وقع في
91

الباطل وصار بعيدا عن الحق والصواب كما هو الظاهر (ومن هنا) ضعف الشيخ أخيرا هذا الاحتمال أعني احتمال كون الترجيح لمجرد حسن المخالفة لهم (بل وضعف احتمال التعبد) أيضا فقال اما الوجه الأول يعني به مجرد التعبد فمع بعده عن مقام ترجيح أحد الخبرين المبني اعتبارهما على الكشف النوعي ينافيه التعليل المذكور في الاخبار المستفيضة يعني به قوله عليه السلام ما خالف العامة ففيه الرشاد ونحوه (ثم قال) ومنه يظهر ضعف الوجه الثالث يعني به احتمال كون الترجيح لمجرد حسن المخالفة لهم (ثم قال) مضافا إلى صريح رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال ما أنتم والله على شيء مما هم فيه ولا هم على شيء مما أنتم فيه فخالفوهم فإنهم ليسوا من الحنيفية على شيء فقد فرع الأمر بمخالفتهم على مخالفة أحكامهم للواقع لا لمجرد حسن المخالفة (قال) فتعين الوجه الثاني يعني به الترجيح لكون الرشد في خلافهم (قال) لكثرة ما يدل عليه من الاخبار (ثم قال) أو الوجه الرابع يعني به الترجيح لأجل الحكم بصدور الموافق تقية للخبر المذكور وذهاب المشهور (انتهى) ويعني بالخبر المذكور قوله عليه السلام ما سمعته مني يشبه قول الناس ففيه التقية... إلخ.
(وكيف كان) يرد على جواب المصنف عن التعليل (مضافا) إلى كون كل من الاحتمال الأول والثالث من احتمالات المصنف هو خلاف ظاهر التعليل وان الظاهر منه هو خصوص الثاني فقط أي كون الرشد والحق في خلافهم والغي والباطل فيما وافقهم (ان الخبر) المخالف للعامة بمجرد كونه مخالفا لهم لا يكاد يكون موثوق الصدور دائما ولو كان في الصدر الأول مع قلة الوسائط ومعرفة حالها كي يوجب ذلك حصول الوثوق بخلل في الخبر الموافق لهم إما صدورا أو جهة أو حصول الوثوق بصدوره تقية لا لبيان الواقع ونتعدى حينئذ إلى كل مزية توجب ذلك.
(وعليه فالحق في جواب الشيخ) أعلى الله مقامه ان يقال إن
92

عليهم السلام لتقديم الخبر المخالف للعامة بأن الحق والرشد في خلافهم وإن كان هو قضية غالبية لا دائمية لجواز أن لا يكون في الخبر المخالف لهم في مورد خاص الرشد والحق بل كان الرشد والحق في الخبر الموافق لهم (ولكن ذلك) مما لا يوجب التعدي عن مخالفة العامة إلى كل أمارة غالبية على الرشد والحق وذلك لجواز أن لا يكون الرشد والحق فيها بالمقدار اللازم الذي هو ملاك الاعتبار في نظر الشارع (فإذا قال مثلا خبر الثقة حجة) لأنه مطابق للواقع فالتعليل المذكور وإن كان قضية غالبية لا دائمية لجواز تخلف خبر الثقة عن الواقع أحيانا لخطإ أو نسيان أو لغير ذلك ولكن ذلك مما لا يوجب التعدي في الحجية عن خبر الثقة إلى كل أمارة يغلب فيها المطابقة للواقع وذلك لجواز كون غلبتها دون المقدار اللازم في نظر الإمام عليه السلام.
(نعم لو صرح) في التعليل وقال خبر الثقة حجة لأن الغالب فيه المطابقة للواقع جاز التعدي حينئذ إلى كل أمارة يغلب فيها المطابقة للواقع لإطلاق التعليل بخلاف ما إذا لم يكن فيه تصريح بالغلبة بل نحن من الخارج قد علمنا انه قضية غالبية فحينئذ لا يجوز التعدي إلى كل أمارة غالبية بعد احتمال كون غلبتها دون المقدار اللازم في نظر
الإمام عليه السلام فتأمل جيدا فان المقام لا يخلو عن دقة.
(قوله بل لا إشعار فيه كما لا يخفى... إلخ)
إن نفي الإشعار هو خلاف الإنصاف جدا بل الإنصاف أن جعل شيء فيه جهة الإراءة والطريقية حجة أو مرجحا فيه إشعار تام بأن الملاك فيه هو جهة إراءته وطريقيته ولكن ليس ذلك بحد يوجب القطع واليقين كي يكون هو من باب تنقيح المناط القطعي ويجوز التعدي منه إلى كل ما فيه جهة الإراءة والطريقية وذلك لاحتمال دخل خصوصية ذلك الشيء في حجيته أو مرجحيته كما تقدم.
(قوله لا سيما قد ذكر فيها ما لا يحتمل الترجيح به إلا تعبدا... إلخ)
مقصوده مما لا يحتمل الترجيح به الا تعبدا كما سيأتي هو الأورعية والا فقهية ولكن
93

الظاهر ان الأورعية هي مما توجب الأقربية إلى الواقع فإن الورع هو الكف عن محارم الله ومنها الكذب والافتراء وهكذا الكف عن الشبهات فإذا كان أحدهما أورع من الآخر فكلامه قهرا يكون أقرب إلى الواقع وآمن من الكذب نظير ما إذا كان أحدهما أصدق من الآخر.
(قوله فافهم... إلخ)
ولعله إشارة إلى أن ما لا يحتمل الترجيح به الا تعبدا كالأورعية والأفقهية على ما سيأتي ليس هو من مرجحات الخبر كي يقال إنه لا سيما قد ذكر فيها ما لا يحتمل الترجيح به إلا تعبدا... إلخ وإنما هو من مرجحات الحكم كما أشير مرارا حيث يقول عليه السلام في المقبولة الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما... إلخ ومن المعلوم ان الأورعية والأفقهية في الحاكم هما مما توجبان أقربية حكمه إلى الواقع وإن فرض أنهما مما لا يوجبان في الخبر أقربيته إلى الواقع أصلا.
(قوله هذا مع ما في عدم بيان الإمام عليه السلام للكلية كي لا يحتاج السائل إلى إعادة السؤال مرارا... إلخ)
هذا جواب عن أصل التعدي عن المرجحات المنصوصة إلى غيرها غير ما أجيب به عن التعليلات الثلاثة التي قد استند إليها الشيخ أعلى الله مقامه (وحاصله) انه لو وجب التعدي عن المرجحات المنصوصة إلى كل مزية توجب أقربية ذيها إلى الواقع كما اختار الشيخ أعلى الله مقامه لبين الإمام عليه السلام من الأول بنحو الضابطة الكلية انه يجب الأخذ بالأقرب من الخبرين إلى الواقع من دون حاجة إلى ذكر تلك المرجحات المخصوصة والمزايا والمنصوصة واحدا بعد واحد كي يحتاج السائل إلى إعادة السؤال مرة بعد مرة وهذا واضح.
(قوله وما في أمره عليه السلام بالإرجاء بعد فرض التساوي فيما ذكره من المزايا المنصوصة... إلخ)
هذا جواب آخر عن أصل التعدي عن المرجحات المنصوصة إلى غيرها وهو جواب
94

متين جدا (وحاصله) انه لو وجب التعدي عن المرجحات المخصوصة والمزايا المنصوصة إلى كل مزية توجب أقربية ذيها إلى الواقع كما اختار الشيخ أعلى الله مقامه تبعا للمشهور لم يأمر الإمام عليه السلام في آخر المقبولة بعد ما فرض السائل تساوي الطرفين في جميع ما ذكر من المرجحات المنصوصة بالإرجاء حتى تلقى إمامك بل كان يأمره عليه السلام بالترجيح بسائر المرجحات والمزايا الموجبة لأقربية أحدهما من الآخر وهذا أيضا واضح.
هل على القول بالتعدي يتعدى إلى خصوص
المزية الموجبة للظن الشأني دون الفعلي أو بالعكس أو إلى كل مزية
(قوله ثم إنه بناء على التعدي حيث كان في المزايا المنصوصة ما لا يوجب الظن بذي المزية ولا أقربيته... إلخ)
إشارة إلى نزاع جار بين الشيخ أعلى الله مقامه وبين بعضهم من أنه بناء على التعدي من المزايا المنصوصة (هل يتعدى) إلى خصوص المزية الموجبة للظن الشأني دون الفعلي بمعنى أنه لو فرض القطع بكذب أحدهما كان احتمال مطابقة ذي المزية أرجح من الآخر (أو يتعدى) إلى خصوص المزية الموجبة للظن الفعلي دون الشأني (فالشيخ) أعلى الله مقامه قد اختار التعدي إلى خصوص المزية الموجبة للظن الشأني دون الفعلي وقد عبر عنه المصنف بالأقربية (وبعضهم) قد اختار التعدي إلى خصوص المزية الموجبة للظن الفعلي دون الشأني وقد عبر عنه المصنف بالظن.
(قال الشيخ) أعلى الله مقامه في المقام الرابع من مقامات التراجيح بعد
95

الفراغ عن مرجحات الدلالة وذكر نبذة من مرجحات السند (ما لفظه) هذه نبذة من المرجحات السندية التي توجب القوة من حيث الصدور وعرفت ان معنى القوة كون أحدهما أقرب إلى الواقع من حيث اشتماله على مزية غير موجودة في الآخر بحيث لو فرضنا العلم بكذب أحدهما ومخالفته للواقع كان احتمال مطابقة ذي المزية للواقع أرجح وأقوى من مطابقة الآخر وإلا فقد لا يوجب المرجح الظن بكذب الخبر المرجوح لكنه من جهة احتمال صدق كلا الخبرين فان الخبرين المتعارضين لا يعلم غالبا كذب أحدهما وإنما التجأنا إلى طرح أحدهما بناء على تنافي ظاهريهما وعدم إمكان الجمع بينهما لعدم الشاهد فيصيران في حكم ما لو وجب طرح أحدهما لكونه كاذبا فيؤخذ بما هو أقرب إلى الصدق من الآخر (قال) والغرض من إطالة الكلام هنا ان بعضهم تخيل ان المرجحات المذكورة في كلماتهم للخبر من حيث السند أو المتن بعضها يفيد الظن القوي وبعضها يفيد الظن الضعيف وبعضها لا يفيد الظن أصلا فحكم بحجية الأولين واستشكل في الثالث من حيث ان الأحوط الأخذ بما فيه المرجح ومن إطلاق أدلة التخيير وقوى ذلك بناء على انه لا دليل على الترجيح بالأمور التعبدية في مقابل إطلاقات التخيير.
(ثم قال الشيخ) وأنت خبير بأن جميع المرجحات المذكورة مفيدة للظن الشأني بالمعنى الذي ذكرنا وهو انه لو فرض القطع بكذب أحد الخبرين كان احتمال كذب المرجوح أرجح من صدقة وإذا لم يفرض العلم بكذب أحد الخبرين فليس في المرجحات المذكورة ما يوجب الظن بكذب أحد الخبرين ولو فرض شيء منها كان في نفسه موجبا للظن بكذب الخبر كان مسقطا للخبر من درجة الحجية ومخرجا للمسألة عن التعارض فيعد ذلك الشيء موهنا لا مرجحا إذ فرق واضح عند التأمل بين ما يوجب في نفسه مرجوحية الخبر وبين ما يوجب مرجوحيته بملاحظة التعارض وفرض عدم الاجتماع (انتهى) كلامه رفع مقامه.
(هذا) وقد اختار المصنف ان بناء على التعدي من المزايا المنصوصة نتعدى
96

إلى كل مزية ولو لم يكن موجبة للظن الفعلي ولا للظن الشأني أي الأقربية (وذلك) استنادا إلى ما ادعاه من ان في المزايا المنصوصة ما لا يوجب شيئا منهما أصلا كالأورعية إذا كانت عن الشبهات أو بالجهد في العبادات وكالأفقهية إذا كانت بكثرة التتبع في المسائل الفقهية أو بالمهارة في القواعد الأصولية (وعليه) فلا وجه للتعدي إلى خصوص ما يوجب الظن الفعلي أو الشأني أي الأقربية بل نتعدى إلى كل مزية ولو لم تكن موجبة لأحدهما أصلا.
(أقول)
قد أشرنا آنفا أن الورع هو عبارة عن الكف عن محارم الله ومنها الكذب والافتراء وهكذا الكف عن الشبهات (وعلى هذا) إذا كان أحد الراويين أورع من صاحبه فقهرا يكون خبره أقرب إلى الواقع وآمن من الكذب (وأما الورع) بمعنى الجهد في العبادات فلم نسمعه من أحد ولا رأيناه في اللغة فإن الأجهد في العبادات هو أعبد من صاحبه لا أورع (مضافا) إلى ان كلا من الأورعية والأفقهية في المقبولة إنما هو قد جعل من مرجحات الحكم كالأعدلية والأصدقية لا من مرجحات الخبر كما أشير قبلا ومن المعلوم أنهما في الحكم مما يوجبان الأقربية إلى الواقع وان فرض انهما في الخبر مما لا يوجبان الأقربية.
(وعليه فالحق) بناء على الترجيح والتعدي هو التعدي إلى كل مزية موجبة للظن مطلقا سواء كان فعليا أو شأنيا (لا التعدي) إلى خصوص ما يوجب الظن الشأني كما اختاره الشيخ أعلى الله مقامه وذلك لما سيأتي من الجواب عما أفاده في وجه الاختصاص (ولا التعدي) إلى خصوص ما يوجب الظن الفعلي كما اختاره بعضهم وذلك لأن اعتبار الظن الفعلي في كل مورد بالخصوص بناء على التعدي واستظهاره من الفقرات المتقدمة من الاخبار العلاجية بعيد جدا ولا شاهد عليه أبدا (ولا التعدي) إلى كل مزية ولو لم تكن موجبة للظن الفعلي ولا الظن الشأني أصلا كما اختاره المصنف وذلك لما عرفته آنفا من ضعف مستنده من وجهين فتأملهما جيد
97

(قوله وتوهم أن ما يوجب الظن بصدق أحد الخبرين لا يكون بمرجح بل موجب لسقوط الآخر عن الحجية للظن بكذبه حينئذ فاسد... إلخ)
هذا رد على الشيخ أعلى الله مقامه إذ كان محصل كلامه المتقدم بعد التدبر التام فيه ان المرجح إذا فرض كونه موجبا للظن الفعلي بصدق أحدهما دون الشأني فهو موجب للظن الفعلي بكذب الآخر فيسقطه عن درجة الاعتبار وتخرج المسألة عن تعارض الحجتين ويكون المرجح هو موهنا لا مرجحا وحينئذ.
(يرد عليه أولا) ان المرجح إذا كان موجبا للظن الفعلي بصدق أحد الخبرين فهذا مما لا يوجب الظن الفعلي بكذب الآخر وذلك لجواز الظن بصدور كليهما جميعا وان يكون الخلل مظنونا في دلالة أحدهما أو في جهته وهذا واضح.
(نعم) إن الظن بصدق أحدهما مما يوجب الظن بكذب الآخر فيما إذا كان المتعارضان مما علم إجمالا بكذب أحدهما صدورا فحينئذ إذا أوجب المرجح الظن بصدق أحدهما فهو لا محالة مما يوجب الظن بكذب الآخر لا مطلقا.
(وقد أشار المصنف) إلى هذا الجواب أخيرا بقوله هذا مضافا إلى اختصاص حصول الظن بالكذب بما إذا علم بكذب أحدهما صدورا وإلا فلا يوجبه الظن بصدور أحدهما... إلخ.
(وثانيا) لو سلم ان الظن بصدق أحدهما مما يوجب الظن بكذب الآخر فهذا مما لا يوجب سقوط الآخر عن الحجية فإن الظن بالكذب ما لم يبلغ مرتبة الوثوق والاطمئنان مما لا يضر بحجية الخبر إذا كان واجدا لملاك الحجية من العدالة أو الوثاقة ونحوهما ما لم نقل باعتبار الظن الشخصي أو اعتبار عدم الظن على الخلاف ولم نقل باعتبار شيء منهما على ما تقدم في محله أصلا.
(وقد أشار المصنف) إلى هذا الجواب قبل الجواب الأول بقوله فإن الظن بالكذب لا يضر بحجية ما اعتبر من باب الظن نوعا... إلخ.
98

(أقول)
ويرد عليه (ثالثا) ان مقتضي ما ذكره الشيخ أعلى الله مقامه هو ان يكون موارد حصول العلم الإجمالي بكذب أحد الخبرين المتعارضين كما إذا كانا قطعيين دلالة وجهة هي خارجة عن بحث التعارض رأسا إذا المرجح فيها مما يوجب الظن الفعلي بكذب المرجوح فيسقطه عن درجة الاعتبار وتخرج المسألة عن تعارض الحجتين موضوعا وهو كما ترى ضعيف جدا.
(قوله نعم لو كان وجه التعدي اندراج ذي المزية في أقوى الدليلين لوجب الاقتصار على ما يوجب القوة في دليليته وفي جهة إثباته وطريقيته إلى آخره)
استدراك عما اختاره آنفا من انه على التعدي لا وجه للاقتصار على التعدي إلى خصوص ما يوجب الظن أو الأقربية بل نتعدى إلى كل مزية ولو لم يكن موجبة لأحدهما (وحاصل الاستدراك) انه لو كان وجه التعدي من المزايا المنصوصة إلى ساير المزايا هو اندراج ذي المزية تحت القاعدة المعروفة وهي وجوب العمل بأقوى الدليلين التي تحكم بها العقل كما تقدم في ذيل مقتضي القاعدة الثانوية في الخبرين المتعارضين بل ادعى الإجماع عليها كما في كلام جماعة كما سيأتي في بحث المرجحات الخارجية في الفصل الآخر من هذا المقصد الثامن إن شاء الله تعالى لوجب الاقتصار حينئذ في التعدي على كل مزية توجب قوة ذيها من حيث دليليته وطريقيته إلى الواقع
لا التعدي إلى كل مزية ولو لم تكن موجبة لذلك وإن فرض كونها موجبة لأقوائية مضمونه ثبوتا كما في المزايا الخارجية كالشهرة في الفتوى أو الأولوية الظنية ونحوهما فإن مثل هذه المزايا وإن كانت هي موجبة لأقوائية ذيها مضمونا ولكن المنساق من قاعدة أقوى الدليلين إنما هو الأقوى دليلية وطريقية.
99

(قوله فإن المنساق من قاعدة أقوى الدليلين أو المتيقن منها إنما هو الأقوى دلالة... إلخ)
علة لقوله لوجب الاقتصار على ما يوجب القوة في دليليته... إلخ فلا تغفل.
(قوله فافهم... إلخ)
ولعله إشارة إلى قوله دلالة والصحيح كان ان يقول دليلية فإن المنساق من أقوى الدليلين أو المتيقن منها لو كان هو الأقوى دلالة فكيف وجب الاقتصار على ما يوجب القوة في دليليته وفي جهة إثباته وطريقيته كما صرح به بل وجب الاقتصار على ما يوجب القوة في دلالته (ويحتمل) أن يكون قوله فافهم إشارة إلى ضعف قوله من دون التعدي إلى ما لا يوجب ذلك وان كان موجبا لقوة مضمون ذيه كالشهرة الفتوائية أو الأولوية الظنية... إلخ فإن الشهرة الفتوائية أو الأولوية الظنية المطابقة لأحد الخبرين المتعارضين أيضا مما يوجب القوة في دليليته وفي جهة إثباته وطريقيته فيندرج بذلك في أقوى الدليلين كما في المرجحات الداخلية عينا.
هل التخيير أو الترجيح يختص بغير موارد
الجمع العرفي أم لا
(قوله فصل قد عرفت سابقا انه لا تعارض في موارد الجمع والتوفيق العرفي... إلخ)
(أي قد عرفت سابقا) انه لا تعارض في موارد الجمع العرفي حتى أنه صرح المصنف في الفصل الأول (وقال) وبالجملة الأدلة في هذه الصور يعني بها في
100

موارد الجمع العرفي وان كانت متنافية بحسب مدلولاتها إلا انها غير متعارضة لعدم تنافيها في الدلالة وفي مقام الإثبات بحيث تبقى أبناء المحاورة متحيرة... إلخ (وقد عرفت أيضا) ان ما تقتضيه القاعدة الأولية في الخبرين المتعارضين من التساقط في الجملة على التفصيل المتقدم لك شرحه في الفصل الثاني هو مما لا يعم موارد الجمع العرفي بل هو يختص بغير موارد الجمع العرفي (ولكن هل التخيير أو الترجيح) المستفاد من الأخبار العلاجية هو يختص أيضا بغير موارد الجمع العرفي أو هو مما يعمها ويشملها (قولان).
(أولهما) المشهور بل يظهر من الشيخ أعلى الله مقامه تبعا لبعض مشايخه المعاصرين له انه مما لا خلاف فيه.
(وثانيهما) المحكي عن شيخ الطائفة رضوان الله عليه وبعض من تأخر عنه.
(قال الشيخ) أعلى الله مقامه في صدر المقام الرابع من مقامات التراجيح بعد ما أشار إلى المرجح الصدوري والجهتي والمضموني (ما لفظه) وهذه الأنواع الثلاثة كلها متأخرة عن الترجيح باعتبار قوة الدلالة فإن الأقوى دلالة مقدم على ما كان أصح سندا وموافقا للكتاب ومشهور الرواية بين الأصحاب لأن صفات الرواية لا يزيده على المتواتر وموافقة الكتاب لا يجعله أعلى من الكتاب وقد تقرر في محله تخصيص الكتاب والمتواتر بأخبار الآحاد فكل ما يرجع التعارض إلى تعارض الظاهر والأظهر فلا ينبغي الارتياب في عدم ملاحظة المرجحات الأخر (إلى ان قال) وما ذكرناه كأنه مما لا خلاف فيه كما استظهره بعض مشايخنا المعاصرين ويشهد له ما يظهر من مذاهبهم في الأصول وطريقتهم في الفروع (قال) نعم قد يظهر من عبارة الشيخ في الإستبصار خلاف ذلك بل يظهر منه ان الترجيح بالمرجحات يلاحظ بين النص والظاهر فضلا من الظاهر والأظهر (ثم ذكر عبارته) في الإستبصار (ثم عبارته) في العدة (ومحصلهما) الرجوع أولا إلى مرجحات الرواية ثم الرجوع إلى مرجحات الدلالة (ثم قال) وهذا كله كما ترى يشمل حتى تعارض
101

العام والخاص مع الاتفاق فيه على الأخذ بالنص (قال) وقد صرح في العدة في باب بناء العام على الخاص بأن الرجوع إلى الترجيح والتخيير انما هو في تعارض العامين دون العام والخاص بل لم يجعلهما من المتعارضين أصلا (قال) واستدل على العمل بالخاص بما حاصله ان العمل بالخاص ليس طرحا للعام بل حمله على ما يمكن أن يريده الحكيم وان العمل بالترجيح والتخيير فرع التعارض الذي لا يجري فيه الجمع (ثم قال) وهو مناقض لما ذكره هنا يعني به في الإستبصار وفي العدة في غير باب بناء العام على الخاص (إلى أن قال) وقد يظهر ما في العدة من كلام بعض المحدثين حيث أنكر حمل الخبر الظاهر في الوجوب أو التحريم على الاستحباب والكراهة لمعارضة خبر الرخصة زاعما انه طريق جمع لا إشارة إليه في أخبار الباب بل ظاهرها تعين الرجوع إلى المرجحات المقررة (قال) وربما يلوح هذا أيضا من كلام المحقق القمي في باب بناء العام على الخاص فإنه بعد ما حكم بوجوب البناء قال وقد يستشكل بأن الأخبار قد وردت في تقديم ما هو مخالف للعامة أو موافق للكتاب أو نحو ذلك وهو يقتضي تقديم العام لو كان هو الموافق أو المخالف للعامة أو نحو ذلك وفيه ان البحث منعقد لملاحظة العام والخاص من حيث العموم والخصوص لا بالنظر إلى المرجحات الخارجية إذ قد يصير التجوز في الخاص أولى من التخصيص في العام من جهة مرجح خارجي وهو خارج عن المتنازع (قال) انتهى أي كلام المحقق القمي.
(قوله وقصارى ما يقال في وجهه ان الظاهر من الاخبار العلاجية سؤالا وجوابا هو التخيير أو الترجيح في موارد التحير... إلخ)
أي وقصارى ما يقال في وجه المشهور... إلخ (والظاهر) انه إشارة إلى ما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه في وجه ما ذهب إليه المشهور من اختصاص التخيير أو الترجيح بغير موارد الجمع العرفي (فإنه قال أعلى الله مقامه) بعد قوله المتقدم فكل ما يرجع التعارض إلى تعارض الظاهر والأظهر فلا ينبغي الارتياب في
102

ملاحظة المرجحات الأخر (ما لفظه) والسر في ذلك ما أشرنا إليه سابقا من أن مصب الترجيح بها هو ما إذا لم يمكن الجمع بوجه عرفي يجري في كلامي مقطوعي
الصدور على غير جهة التقية بل في جزئي كلام واحد لمتكلم واحد (قال) وبتقرير آخر إذا أمكن فرض صدور الكلامين على غير جهة التقية وصيرورتهما كالكلام الواحد على ما هو مقتضى دليل وجوب التعبد بصدور الخبرين فيدخل في قوله عليه السلام أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا إلى آخر الرواية المتقدمة وقوله عليه السلام إن في كلامنا محكما ومتشابها فردوا متشابهها إلى محكمها ولا يدخل ذلك في مورد السؤال عن علاج المتعارضين بل مورد السؤال عن العلاج مختص بما إذا كان المتعارضان لو فرض صدورهما بل اقترانهما تحير السائل فيهما ولم يظهر المراد منهما إلا ببيان آخر لأحدهما أو لكليهما (انتهى) (ومحصله) ان موارد السؤال في الاخبار العلاجية هي مختصة بما إذا كان المتعارضان على نحو يوجبان تحير السائل ولم يظهر المراد منهما إلا ببيان آخر لأحدهما أو لكليهما وهو في غير موارد الجمع العرفي.
(أقول)
إن عنوان التعارض وإن كان مما يصدق في كل من موارد الجمع العرفي وغيرها جميعا (غير ان التعارض) في موارد الجمع العرفي وهي التخصيص والتقييد والحكومة بل مطلق الظاهر والأظهر أو النص والظاهر وهكذا في الورود والتوفيق العرفي على ما تقدم لك الإشارة إلى الكل في الفصل الأول (هو يكون) بدويا يزول بأدنى تأمل كما سيأتي التصريح به من المصنف (فيقول) لأجل ما يتراءى من المعارضة وإن كان يزول عرفا بحسب المآل... إلخ وعليه ينزل كلامه في أول هذا الفصل (قد عرفت سابقا انه لا تعارض في موارد الجمع والتوفيق العرفي... إلخ) أي لا تعارض يبقى إلى الآخر (وفي غير موارد الجمع العرفي) يكون التعارض باقيا إلى الآخر على نحو لا يزول من العرف تحيرهم وترددهم إلا إذا ورد دليل من
103

الخارج على بيان المراد في المتعارضين (ولكن لا ينبغي التأمل) في أن الأخبار العلاجية سؤالا وجوابا هي منصرفة عن التعارض البدوي الغير الموجب لتحير السائل إلى الآخر وتكون بأجمعها ظاهرة في التعارض الموجب لتحيره إلى الآخر كما هو ظاهر قوله كيف يصنع أو كيف نصنع أو لا نعلم أيهما الحق أو فبأيهما آخذ إلى غير ذلك من التعبيرات الواقعة في الأسئلة (وعلى هذا) كله فلا يبقى وجه لتعميم التخيير أو الترجيح المستفاد من الأخبار العلاجية إلى موارد الجمع العرفي التي لا تحير لأهل العرف فيها إلا بدوا بل يختص التخيير أو الترجيح بغير موارد الجمع العرفي مما لا شاهد فيه على الجمع ولا سبيل فيه إلى التوفيق أبدا بل يبقى أهل العرف متحيرين مترددين إلى الآخر.
(قوله ويشكل بأن مساعدة العرف على الجمع والتوفيق وارتكازه في أذهانهم على وجه وثيق لا يوجب اختصاص السؤالات بغير موارد الجمع لصحة السؤال بملاحظة التحير في الحال... إلخ)
(هذا الإشكال) مما لا وجه له أصلا فان مساعدة العرف على الجمع والتوفيق وارتكازه في أذهانهم على وجه وثيق مما يوجب انصراف الأخبار العلاجية سؤالا وجوابا إلى غير موارد الجمع العرفي مما فيه الحيرة والتردد إلى الآخر (ومجرد صحة السؤال) في موارد الجمع العرفي بملاحظة التعارض البدوي الزائل بأدنى تأمل مما لا يمنع عن انصراف الاخبار العلاجية إلى غير موارد الجمع العرفي ولا يكاد يوجب تعميمها إلى موارد الجمع العرفي أبدا.
(قوله أو التحير في الحكم واقعا وإن لم يتحير فيه ظاهرا... إلخ)
(هذا وجه ثاني) لصحة السؤال في موارد الجمع العرفي.
(فالوجه الأول) هو التحير في الحال لأجل ما يتراءى من المعارضة وان كان يزول عرفا بحسب المآل كما صرح به آنفا في الكتاب.
(والوجه الثاني) هو التحير في الحكم واقعا وإن لم يكن تحير فيه ظاهرا (وفيه
104

ما لا يخفى) فإن التحير في الحكم الواقعي مما لا يكاد يصحح السؤال أصلا لا في موارد الجمع العرفي ولا في غيرها أبدا إذا الحكم الواقعي مما ليس له ضابط معين كي يمكن الجواب عنه بنحو كلي وأنه في الطرف الأقوى دلالة أو في الطرف الأرجح سندا وذلك لجواز كونه أحيانا في الطرف الأضعف دلالة أو في الطرف الأضعف سندا بل ويجوز أن لا يكون في شيء منهما أصلا بل الظاهر من الأخبار العلاجية كلها هو السؤال عما هو الوظيفة الفعلية بعد تعارض الخبرين وتنافيهما بحسب الدلالة ومقام الإثبات ظاهرا فتأمل جيدا.
(قوله مع إمكان أن يكون لاحتمال الردع شرعا عن هذه الطريقة المتعارفة بين أبناء المحاورة... إلخ)
(هذا وجه ثالث) لصحة السؤال في موارد الجمع العرفي وهو وجه صحيح ولكنه مع ذلك مما لا يمنع عن انصراف الأخبار العلاجية كلها سؤالا وجوابا إلى غير موارد الجمع العرفي (وذلك) لما تقدم من أن مساعدة العرف على الجمع والتوفيق وارتكازه في أذهانهم على وجه وثيق هو مما يوجب انصراف الأخبار العلاجية جميعا إلى غير موارد الجمع العرفي.
(قوله وجل العناوين المأخوذة في الأسئلة لو لا كلها يعمها... إلخ)
نعم جل العناوين المأخوذة في الأسئلة مثل قوله تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة أو يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين أو يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان إلى غير ذلك من العناوين المأخوذة في الاخبار العلاجية هو مما يعم موارد الجمع العرفي ولكن مجرد عمومه لها مما لا يجدي شيئا بعد انصراف الاخبار بأسرها سؤالا وجوابا إلى غير موارد الجمع العرفي لما أشير إليه غير مرة (ثم إن الظاهر) ان قوله هذا هو تتميم لقوله السابق ويشكل بأن مساعدة العرف على الجمع والتوفيق وارتكازه في أذهانهم على وجه وثيق لا يوجب اختصاص السؤالات بغير موارد
105

الجمع... إلخ فذاك بمنزلة دفع ما يقتضي الاختصاص وهذا بمنزلة إثبات ما يقتضي التعميم فلا تغفل.
(قوله ودعوى ان المتيقن منها غيرها مجازفة... إلخ)
بل عرفت منا دعوى انصراف الاخبار العلاجية سؤالا وجوابا إلى غير موارد الجمع العرفي فضلا عن كون المتيقن منها هو ذلك فلا تنس.
(قوله غايته انه كان كذلك خارجا لا بحسب مقام التخاطب... إلخ)
قد عرفت الفرق بين المتيقن بحسب مقام التخاطب والمتيقن بحسب الخارج عن مقام التخاطب في المطلق والمقيد في ذيل مقدمات الحكمة مفصلا فلا نعيد.
(قوله وبذلك ينقدح وجه القول الثاني... إلخ)
أي وبما تقدم من الإشكال في وجه المشهور حيث قال ويشكل بأن مساعدة العرف إلى آخره ينقدح وجه القول الثاني وهو عدم اختصاص التخيير أو الترجيح بغير موارد الجمع العرفي بل هو مما يعمها (وملخص وجهه) هو عدم الموجب لاختصاص السؤالات بغير تلك الموارد وشمول جل العناوين المأخوذة في الأسئلة لموارد الجمع العرفي جميعا ولكنك قد عرفت منا المناقشة في الوجهين المذكورين جدا وأن الأوجه هو ما قاله المشهور من اختصاص التخيير أو الترجيح بغير موارد الجمع العرفي.
(قوله اللهم إلا أن يقال إن التوفيق في مثل الخاص والعام والمقيد والمطلق كان عليه السيرة القطعية... إلخ)
هذا شروع في تصحيح قول المشهور لكنه من غير الطريق الذي نحن سلكناه من انصراف الاخبار العلاجية سؤالا وجوابا إلى غير موارد الجمع العرفي بل هو من طريق آخر لا يخلو عن مناقشة واضحة (وحاصل التصحيح) هو تسليم الإشكال المتقدم من عدم الموجب لاختصاص السؤالات بغير موارد الجمع العرفي وأن جل العناوين المأخوذة في الأسئلة لو لا كلها هو مما يعم موارد الجمع العرفي ولكن
106

السيرة القطعية من لدن زمان الأئمة عليهم السلام كانت هي قائمة على الجمع بين العام والخاص والمطلق والمقيد وغيرهما من موارد الجمع العرفي فهي تكشف إجمالا عن وجود ما يوجب تخصيص أخبار العلاج بغير موارد الجمع العرفي (وفيه) ان بعد الاعتراف بعموم الاخبار العلاجية سؤالا وجوابا لموارد الجمع العرفي وعدم انصرافها عنها أبدا لا يكاد تصح السيرة القطعية أصلا وذلك لكون الاخبار حينئذ بعمومها رادعة عن السيرة وهذا بخلاف ما إذا أنكرنا شمولها لموارد الجمع العرفي وادعينا انصرافها إلى غير موارد الجمع العرفي فتكون السيرة حينئذ مما لا رادع عنها فتكون معتبرة جدا فتأمل جيدا.
(قوله ولا ينافيها مجرد صحة السؤال لما لا ينافي العموم ما لم يكن هناك ظهور انه لذلك فلم يثبت باخبار العلاج ردع عما هو عليه بناء العقلاء... إلخ)
أي ولا ينافي السيرة القطعية مجرد صحة السؤال عما لا ينافي العموم والشمول لموارد الجمع العرفي ما لم يكن هناك ظهور في ان السؤال هو لذلك أي كان عما لا ينافي العموم والشمول (وعليه) فلم يثبت بأخبار العلاج ردع عما استقر عليه سيرة العقلاء من الجمع والتوفيق في الموارد الخاصة (وفيه) انه اعترف آنفا في ذيل تقرير الإشكال بقوله ويشكل... إلخ بعموم الاخبار العلاجية وشمولها لموارد الجمع العرفي تماما وانه لا موجب لاختصاص السؤالات بغير موارد الجمع أصلا وأن جل العناوين المأخوذة في الأسئلة لو لا كلها مما يعمها ومع هذا الاعتراف بالعموم كيف لا تكون الاخبار هي رادعة عن السيرة العقلائية وهذا واضح.
(قوله فتأمل... إلخ)
الظاهر أنه إشارة إلى ما أشكلناه عليه آنفا من أنه مع الاعتراف في ذيل تقرير الإشكال بقوله ويشكل... إلخ بعموم الاخبار العلاجية وشمولها لموارد الجمع العرفي كيف لا تكون الاخبار هي رادعة عن السيرة العقلائية فتأمل جيدا.
107

في ذكر جملة من المرجحات النوعية للدلالة
(قوله فصل قد عرفت حكم تعارض الظاهر والأظهر وحمل الأول على الآخر فلا إشكال فيما إذا ظهر أن أيتهما ظاهر وأيهما أظهر وقد ذكر فيما اشتبه الحال لتمييز ذلك ما لا عبرة به... إلخ)
المقصود من عقد هذا الفصل هو ذكر جملة من المرجحات النوعية للدلالة (وتوضيحه ان الشيخ) أعلى الله مقامه قد عقد المقام الرابع من مقامات التراجيح لذكر المرجحات.
(فشرع فيه أولا) في تقدم مرجحات الدلالة على مرجحات الرواية.
(وعقد له المصنف) الفصل السابق فتكلم فيه ان التخيير أو الترجيح المستفاد من الاخبار العلاجية هل هو يختص بغير موارد الجمع العرفي فيكون الجمع العرفي مقدما على غيره أم لا يختص به بل يعم موارد الجمع العرفي كما قبل.
(ثم شرع الشيخ) في ذكر جملة من المرجحات النوعية للدلالة وقال ولنشر إلى جملة من هذه المرجحات النوعية لظاهر أحد المتعارضين في مسائل... إلخ.
(وعقد لها المصنف) هذا الفصل الذي نحن فيه فعلا.
(ثم شرع الشيخ) في بحث انقلاب النسبة.
(وعقد له المصنف) الفصل الآتي بعد هذا الفصل.
(ثم شرع الشيخ) في المقصد الأصلي من عقد المقام الرابع وهو بيان مرجحات الرواية من الجهات الأخر غير الدلالة من الداخلية والخارجية بأقسامهما.
(وعقد لهما المصنف) الفصلين الأخيرين من هذا المقصد الثامن وسيأتي
108

تفصيل كل منها واحدا بعد واحد إن شاء الله تعالى فانتظر.
(قوله منها ما قيل في ترجيح ظهور العموم على الإطلاق وتقديم التقييد على التخصيص فيما دار الأمر بينهما من كون ظهور العام في العموم تنجيزيا... إلخ)
(القائل هو الشيخ) أعلى الله مقامه (قال) ومنها تعارض الإطلاق والعموم فيعارض تقييد المطلق وتخصيص العام ولا إشكال في ترجيح التقييد على ما حققه سلطان العلماء من كونه حقيقة لأن الحكم بالإطلاق من حيث عدم البيان والعام بيان فعدم البيان للتقييد جزء من مقتضى الإطلاق والبيان للتخصيص مانع عن اقتضاء العام للعموم فإذا دفعنا المانع عن العموم بالأصل والمفروض وجود المقتضي له ثبت بيان التقييد وارتفع المقتضي للإطلاق فالمطلق دليل تعليقي والعام دليل تنجيزي فإن العمل بالتعليقي موقوف على طرح التنجيزي لتوقف موضوعه على عدمه فلو كان طرح التنجيزي متوقفا على العمل بالتعليقي ومسببا عنه لزم الدور بل هو يتوقف على حجة أخرى راجحة عليه نعم إذا استفيد العموم الشمولي من دليل الحكمة كانت الإفادة غير مستندة إلى الوضع كمذهب السلطان في العموم البدلي (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (ومحصله) انه إذا تعارض الإطلاق مع العموم (فقال) مثلا أكرم عالما (وقال) أيضا لا تكرم الفساق وتنافيا في العالم الفاسق فالتقييد راجح لأن الإطلاق تعليقي أي معلق على عدم بيان التقييد بحيث كان عدم البيان جزءا من مقتضي الإطلاق والعموم تنجيزي مستند إلى الوضع بحيث كان المقتضي للعموم موجودا حتى مع المانع أي مع بيان التخصيص فإذا دفعنا المانع بالأصل ثبت العموم قهرا وكان بيانا للتقييد ورافعا لمقتضي الإطلاق من أصله (ومن هنا) يتضح ان العمل بالإطلاق التعليقي موقوف على طرح العام التنجيزي لتوقف موضوع الإطلاق على عدم العام فلو كان طرح العام التنجيزي لأجل العمل بالإطلاق لزم الدور (هذا محصل) كلام الشيخ أعلى الله مقامه.
109

(وقد أجاب عنه المصنف) بما حاصله ان الإطلاق وان كان هو معلقا على عدم البيان لكن لا إلى الأبد بل على عدمه في مقام التخاطب كما تقدم تحقيقه في المطلق والمقيد فإذا انتفى البيان في مقام التخاطب وتحقق موضوع الإطلاق خارجا فقد عارض العموم بلا شبهة.
(أقول)
قد تقدم في مقدمة الواجب عند دوران أمر القيد بين الرجوع إلى الهيئة أو المادة ان المناط في تقدم إطلاق الهيئة على إطلاق المادة في نظر الشيخ أعلى الله مقامه على ما يظهر من تقريرات بحثه الشريف هو شمولية إطلاق الهيئة وبدلية إطلاق المادة ويظهر منه في المقام ان المناط في تقدم العموم على الإطلاق هو كون الإطلاق تعليقيا معلقا على عدم البيان والعموم تنجيزيا مستندا إلى الوضع لا كون العموم شموليا والإطلاق بدليا وهو غريب جدا (ونظير ذلك) في الغرابة بل وهو أغرب منه ما صدر من المصنف فإنه رأي هناك ان المناط في تقديم أحد الإطلاقين على الآخر هو الوضع لا الشمولية وهاهنا لا يرى العبرة بذلك بل يرى العبرة بأظهرية أحدهما من الآخر وانها مما تختلف فلا بد في كل قضية من ملاحظة خصوصياتها الموجبة لأظهرية أحدهما من الآخر كما اخترنا ذلك هناك ونختاره في المقام أيضا فتأمل جيدا
(قوله بخلاف العكس فإنه موجب لتخصيصه بلا وجه إلا على نحو دائر... إلخ)
ويعني بالعكس تقديم الإطلاق على العام فإنه موجب لتخصيص العام إما بلا وجه أي بلا مخصص أو على نحو دائر إذا كان المخصص نفس الإطلاق فإن مخصصية الإطلاق للعام يتوقف على تحققه مع العام وتحققه معه يتوقف على مخصصيته له والا فلا يتحقق معه لارتفاعه بسبب العام (وقد تقدم) ما يقرب من ذلك في وجه تقدم الأمارات على الاستصحاب وانه لو قدم دليل الأصل على دليل الأمارة لزم اما التخصيص بلا مخصص أو على وجه دائر فتذكر (ومن هنا) يتضح ان الدور
110

الذي قد أفاده المصنف هو غير الدور الذي قد أفاده الشيخ أعلى الله مقامه.
(فالشيخ قد ادعى) ان العمل بالإطلاق التعليقي موقوف على طرح العموم التنجيزي فلو كان طرح العموم التنجيزي مستندا إلى العمل بالإطلاق التعليقي لدار (والمصنف يدعي) ان مخصصية الإطلاق للعموم يتوقف على تحققه معه وتحققه معه يتوقف على مخصصيته له وهو دور محال فتدبر جيدا.
(قوله ومن ان التقييد أغلب من التخصيص... إلخ)
هذا وجه آخر لترجيح التقييد على التخصيص وإن شئت قلت لترجيح ظهور العموم على الإطلاق غير ان الوجه الأول كان على تقدير وهذا الوجه على تقدير آخر.
(قال الشيخ) أعلى الله مقامه في قبال قوله المتقدم ولا إشكال في ترجيح التقييد على ما حققه سلطان العلماء من كونه حقيقة... إلخ (ما لفظه) واما على القول بكونه مجازا فالمعروف في وجه تقديم التقييد كونه أغلب من التخصيص وفيه تأمل (انتهى).
(وقد أجاب عنه المصنف) بأن أغلبية التقييد مع كثرة التخصيص بمثابة حتى قيل ما من عام الا وقد خص غير مفيد.
(أقول)
هذا مضافا إلى أن أغلبية التقييد من التخصيص غير معلومة من أصلها (ولعله) إليه أشار الشيخ أعلى الله مقامه بقوله وفيه تأمل.
(قوله ومنها ما قيل فيما إذا دار بين التخصيص والنسخ كما إذا ورد عام بعد حضور وقت العمل بالخاص حيث يدور بين أن يكون الخاص مخصصا أو يكون العام ناسخا أو ورد الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام حيث يدور بين أن يكون الخاص مخصصا للعام أو ناسخا له... إلخ)
(قد عرفت) في بحث العام والخاص في الفصل الآخران العام والخاص المتخالفين المنفصل بعضهما عن بعض على صور أربع.
111

(الأولى) أن يكون الخاص بعد العام قبل حضور وقت العمل به.
(الثانية) أن يكون الخاص بعد العام وبعد حضور وقت العمل به.
(الثالثة) أن يكون العام بعد الخاص قبل حضور وقت العمل به.
(الرابعة) أن يكون العام بعد الخاص وبعد حضور وقت العمل به.
(وقد عرفت أيضا) انه لا خلاف يعتد به في كون الخاص مخصصا فيما إذا كان بعد العام قبل حضور وقت العمل به وهكذا فيما إذا كان العام بعد الخاص قبل حضور وقت العمل به (ولعل من هنا) لم يؤشر المصنف هاهنا إلى هاتين الصورتين أصلا (وإنما الخلاف) في الصورتين الآخرتين وهما ما إذا كان الخاص بعد العام وبعد حضور وقت العمل به أو كان العام بعد الخاص وبعد حضور وقت العمل به.
(ففي الأولى) يدور الأمر بين كون الخاص المتأخر مخصصا أو ناسخا.
(وفي الثانية) يدور الأمر بين كون الخاص المتقدم مخصصا أو العام المتأخر ناسخا.
(وقد اختار المصنف) هناك في الأولى تبعا للتقريرات كون الخاص المتأخر ناسخا إذا كان العام المتقدم واردا لبيان الحكم الواقعي لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وإلا كان مخصصا.
(واختار في الثانية) كون الخاص المتقدم مخصصا نظرا إلى شيوع التخصيص وندرة النسخ وأن ذلك مما يوجب ان يكون ظهور الخاص في الدوام والاستمرار الزماني وإن كان بمقدمات الحكمة هو أقوى من ظهور العام في العموم الأفرادي وان كان بالوضع (ولكن في المقام) يظهر منه خلاف ذلك كما سيأتي فانتظر.
(قوله من غلبة التخصيص وندرة النسخ... إلخ)
يظهر من كلام الشيخ أعلى الله مقامه ان هذا الوجه هو المعروف عندهم في
112

تقديم التخصيص على النسخ (ولكن) قول المصنف ومنها ما قيل... إلخ هو مما يشعر بأنه وجه غير معروف.
(قال الشيخ) أعلى الله مقامه في المقام الرابع من مقامات التراجيح بعد ذكر تقدم مرجحات الدلالة على مرجحات الرواية (ما لفظه) ولنشر إلى جملة من هذه المرجحات النوعية لظاهر أحد المتعارضين في مسائل الأولى لا إشكال في تقديم ظهور الحكم الملقى من الشارع في مقام التشريع في استمراره باستمرار الشريعة على ظهور العام في العموم الأفرادي ويعبر عن ذلك بأن التخصيص أولى من النسخ من غير فرق بين ان يكون احتمال المنسوخية في العام أو في الخاص والمعروف تعليل ذلك بشيوع التخصيص وندرة النسخ (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(قوله ولا يخفى أن دلالة الخاص أو العام على الاستمرار والدوام إنما هو بالإطلاق لا بالوضع فعلى الوجه العقلي في تقديم التقييد على التخصيص إلى آخره)
شروع في اختيار عدم ترجيح التخصيص على النسخ في الصورتين المذكورتين في الكتاب من غير تفصيل فيهما أصلا على خلاف ما اختاره في العام والخاص كما أشير آنفا فاختار هناك في أحدهما ترجيح التخصيص وفي الآخر التفصيل (وحاصل كلامه) في المقام ان بناء على الوجه العقلي المتقدم من الشيخ أعلى الله مقامه لتقديم التقييد على التخصيص يجب في هذا الدوران تقديم النسخ على التخصيص فإن الاستمرار الأزماني مستفاد من الإطلاق ومقدمات الحكمة وهو معلق على عدم البيان والعموم الأفرادي للعام تنجيزي مستند إلى الوضع فيكون بيانا له.
(ففي الخاص المتأخر) يدور الأمر بين استمرار حكم العام زمانا وبين عموم العام أفرادا.
(وفي العام المتأخر) يدور الأمر بين استمرار حكم الخاص زمانا وبين عموم
113

العام أفرادا وفي كلتا الصورتين يقتضي ارتفاع الاستمرار الأزماني بالعموم الأفرادي (هذا حال الوجه العقلي) المتقدم من الشيخ أعلى الله مقامه.
(وأما الوجه المعروف) في ترجيح التخصيص على النسخ من غلبة الأول وندرة الثاني فهو مما لا يوجب أقوائية ظهور الكلام في الاستمرار الأزماني من ظهور العام في العموم الأفرادي إذ ليست غلبة التخصيص مرتكزة في أذهان أهل المحاورة بمثابة تعد من القرائن المكتنفة بالكلام وتوجب أقوائية الظهور كما لا يخفى (ثم ان) ظاهر المصنف في المقام بعد ما ناقش في هذا الوجه المعروف انه لا بد في كل قضية من ملاحظة خصوصياتها الموجبة لأظهرية أحدهما من الآخر كما تقدم ذلك في دوران الأمر بين التقييد والتخصيص آنفا.
(أقول)
أما الوجه العقلي المتقدم من الشيخ أعلى الله مقامه فقد عرفت حاله وانه قد أنكره المصنف وأنكرناه فلا يكاد يوجب هو ترجيح النسخ على التخصيص أصلا.
(وأما الوجه المعروف) لترجيح التخصيص على النسخ فغلبة التخصيص وان لم تكن هي مرتكزة في أذهان أهل المحاورة بمثابة تعد من القرائن المكتنفة بالكلام كما أفاد المصنف عينا ولكن مجرد غلبته خارجا حتى قيل ما من عام إلا وقد خص وندرة النسخ جدا هو مما يوجب وهن عموم العام ولو كان بالوضع بالنسبة إلى ظهور الكلام في الاستمرار والدوام ولو كان بالإطلاق ومقدمات الحكمة وهو مما يكفي في تقديم التخصيص على النسخ وترجيح ظهور الكلام في الاستمرار الأزماني على ظهور العام في العموم الأفرادي.
(وقد اعترف المصنف) في العام والخاص كما أشير في المقام بأن غلبة التخصيص وندرة النسخ هي مما توجب أقوائية ظهور الكلام في الاستمرار من ظهور العام في العموم فراجع.
114

(قوله وان غلبة التخصيص... إلخ)
عطف على قوله ان دلالة الخاص أو العام... إلخ أي ولا يخفى ان غلبة التخصيص إلى آخره.
(قوله ثم إنه بناء على اعتبار عدم حضور وقت العمل في التخصيص لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة يشكل الأمر في تخصيص الكتاب أو السنة بالخصوصات الصادرة عن الأئمة عليهم السلام... إلخ)
(وحاصل الكلام) ان بناء على جواز التخصيص بعد حضور وقت العمل بالعام لا إشكال ولا كلام (وأما بناء على عدم جواز التخصيص) بعد حضور وقت العمل بالعام لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة يقع الإشكال حينئذ في تخصيص الكتاب أو السنة بالأخبار الصادرة عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام نظرا إلى صدورها بعد حضور وقت العمل بالعام ولزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة (وعليه) فيدور الأمر في المخصصات الواقعة في أخبارهم على ما أفاد الشيخ أعلى الله مقامه بين وجوه ثلاثة.
(الأول) أن يكون الخاص ناسخا بمعنى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أودع عندهم علم أجل الحكم وانتهائه فهم يبينون غاية الحكم وأمده بعد حلول أجله.
(الثاني) ان يكون الخاص الصادر بعد حضور وقت العمل بالعام كاشفا عن وجود قرينة مع العام على التخصيص قد خفيت علينا فلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة.
(الثالث) ان يكون تأخير المخصص عن وقت العمل بالعام لمصلحة أهم فيكون تكليف السابقين هو العمل بالعموم ظاهرا مع إرادة الخصوص واقعا.
(وقد اختار الشيخ) أعلى الله مقامه في حل الإشكال هذا الوجه الثالث الأخير وتبعه المصنف في الكتاب غير انه لم يؤشر إلى الوجه الثاني.
115

(قال الشيخ) أعلى الله مقامه (ما لفظه) وكيف كان فلا إشكال في ان احتمال التخصيص مشروط بعدم ورود الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام كما ان احتمال النسخ مشروط بورود الناسخ بعد الحضور فالخاص الوارد بعد حضور وقت العمل بالعام يتعين فيه النسخ (إلى ان قال) ومن هنا يقع الإشكال في تخصيص العمومات المتقدمة في كلام النبي صلى الله عليه وآله أو الوصي عليه السلام أو بعض الأئمة عليهم السلام بالمخصصات الواردة بعد ذلك بمدة عن باقي الأئمة فإنه لا بد ان يرتكب فيه النسخ أو كشف الخاص عن قرينة مع العام مختفية أو كون المخاطبين بالعام تكليفهم ظاهرا العمل بالعموم المراد به الخصوص واقعا (اما النسخ) فبعد توجيه وقوعه بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإرادة كشف ما بينه النبي صلى الله عليه وآله للوصي عليه السلام عن غاية الحكم الأول وابتداء الحكم الثاني مدفوع بأن غلبة هذا النحو من التخصيصات يأبى عن حملها على ذلك (إلى ان قال واما اختفاء المخصصات) فيبعده بل ويحيله عادة عموم البلوى بها من حيث العلم والعمل مع إمكان دعوى العلم بعدم علم أهل العصر المتقدم وعملهم بها بل المعلوم جهلهم بها.
(فالأوجه هو الاحتمال الثالث) فكما ان رفع مقتضى البراءة العقلية ببيان التكليف كان على التدريج كما يظهر من الاخبار والآثار مع اشتراك الكل في الأحكام الواقعية فكذلك ورود التقييد والتخصيص للعمومات والمطلقات فيجوز ان يكون الحكم الظاهري للسابقين الترخيص في ترك بعض الواجبات وفعل بعض المحرمات الذي يقتضيه العمل بالعمومات وان كان المراد منها الخصوص الذي هو الحكم المشترك (إلى ان قال) غاية الأمر ان الأول من قبيل عدم البيان والثاني من قبيل بيان العدم ولا قبح فيه بعد فرض المصلحة (إلى ان قال) والحاصل ان المستفاد من التتبع في الاخبار والظاهر من خلو العمومات والمطلقات عن القرينة ان النبي صلى الله عليه وآله جعل الوصي عليه السلام مبينا لجميع ما أطلقه وأطلق في كتاب الله الكريم وأودعه علم ذلك وغيره وكذلك الوصي بالنسبة إلى من بعده من
116

الأوصياء صلوات الله عليهم أجمعين فبينوا ما رأوا فيه المصلحة وأخفوا ما رأوا المصلحة في إخفائه (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(أقول)
(أما اشتراط احتمال التخصيص) بعدم ورود الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام الذي ادعاه الشيخ أعلى الله مقامه في صدر كلامه فقد عرفت حاله في ذيل كلامه ومحصله ان تأخير البيان عن وقت الحاجة وإن كان قبيحا ولكن لا قبح فيه إذا كان لمصلحة أهم في تأخيره أو لمفسدة أهم في تعجيله كما أفاد المصنف في الكتاب (واما اشتراط احتمال النسخ) بورود الناسخ بعد حضور وقت العمل بالمنسوخ فقد أنكرنا ذلك في آخر العام والخاص وجوزنا النسخ قبل حضور وقت العمل بالمنسوخ وذكرنا وجهه هناك فلا نعيد ولو كان التخصيص غير جائز إلا قبل حضور وقت العمل بالعام وكان النسخ غير جائز الا بعد حضور وقت العمل بالمنسوخ لم يبق مجال للنزاع المعروف من انه إذا دار الأمر بين التخصيص والنسخ فأيهما يقدم (إذا الخاص المتأخر) ان كان قبل حضور وقت العمل بالعام فهو مخصص وإن كان بعد حضور وقت العمل بالعام فهو ناسخ (وهكذا الأمر في العام المتأخر) فان كان قبل حضور وقت العمل بالخاص فالخاص مخصص وان كان بعد حضور وقت العمل بالخاص فالعام ناسخ (اللهم إلا أن يقال) ان للنزاع المذكور مجال واسع فيما إذا جهل التاريخ ولم يعلم الورود قبل حضور وقت العمل أو بعده ولكن الظاهر عدم اختصاص النزاع بهذه الصورة فقط على ما يظهر من كلماتهم في تعارض الأحوال فراجع.
(قوله ولأجله لا بأس بالالتزام بالنسخ بمعنى رفع اليد بها عن ظهور تلك العمومات بإطلاقها في الاستمرار والدوام أيضا... إلخ)
أي ولأجل عدم البأس بتخصيص عمومات الكتاب أو السنة بالخصوصات الصادرة عن الأئمة عليهم السلام واستكشاف أن مورد الخصوصات كان خارجا عن حكم
117

العام واقعا وان كان داخلا فيه ظاهرا نظرا إلى ما تقدم من وجود مصلحة في إخفاء الخصوصات أو مفسدة في إبدائها (لا بأس) بالالتزام بنسخ تلك العمومات التي هي أحكام ظاهرية بصدور تلك الخصوصات التي هي أحكام واقعية فكما ان نسخ الأحكام الواقعية يكون بورود الناسخ فكذلك نسخ الأحكام الظاهرية يكون بورود الأحكام الواقعية.
(ثم إن مراد المصنف) من قوله عن ظهور تلك العمومات بإطلاقها في الاستمرار والدوام أيضا هو إطلاقها الأحوالي الأزماني فعمومها الأفرادي يكون بالوضع وعمومها
الأحوالي يكون بالإطلاق ومقدمات الحكمة.
في انقلاب النسبة
(قوله فصل لا إشكال في تعين الأظهر لو كان في البين إذا كان التعارض بين الاثنين وأما إذا كان بين الزائد عليهما فتعينه ربما لا يخلو عن خفاء ولذا وقع بعض الأعلام في اشتباه وخطأ حيث توهم انه إذا كان هناك عام وخصوصات... إلخ)
المراد من بعض الاعلام الذي وقع في اشتباه وخطأ هو بعض معاصري الشيخ أعلى الله مقامه (والظاهر) انه النراقي رحمه الله (وتوضيح المقام) انه إذا وقع التعارض بين أكثر من دليلين أي بين أدلة ثلاثة وما فوقها.
(فتارة) تكون النسبة بينها مختلفة وسيأتي الكلام فيها عند قول المصنف وقد ظهر منه حالها فيما كانت النسبة بينها متعددة... إلخ.
(وأخرى) تكون النسبة بينها متحدة (فان كانت النسبة بينها هي التساوي)
118

كما إذا قال أحدها يجب إكرام العلماء وقال الآخر يستحب إكرام العلماء وقال الثالث يحرم إكرام العلماء (أو كانت النسبة بينها هي العموم من وجه) كما إذا قال أحدها يجب إكرام العلماء وقال الآخر يستحب إكرام الشعراء وقال الثالث يحرم إكرام الفساق وجب الترجيح بينها ولو في مادة الاجتماع أو التخيير بينها على الخلاف المتقدم في تعارض الدليلين أو الأدلة (وأما إذا كانت النسبة بينها هي العموم المطلق) بمعنى انه كان هناك عام وخاصان (سواء كان بين الخاصي أيضا عموم مطلق) كما في قوله يجب إكرام العلماء ويحرم إكرام فساق العلماء ويكره إكرام زيد العالم الفاسق (أو كان بينهما التباين) كما إذا قال يجب إكرام العلماء ويحرم إكرام فساق العلماء ويستحب إكرام عدول العلماء (أو كان بينهما العموم من وجه) كما إذا قال يجب إكرام العلماء ويحرم إكرام فساق العلماء ويكره إكرام النحويين (فإن لم يمكن) إخراج كلا الخاصين جميعا من العام بأن استلزم المحذور وهو بقاء العام بلا مورد كما في المثال الثاني وقعت المعارضة بين العام وبين مجموع الخاصين كما في الدليلين المتعارضين عينا (وان أمكن) إخراج كلا الخاصين من العام جميعا كما في المثال الأول والثالث أخرج الخاصان جميعا.
(وقد توهم بعض) معاصري الشيخ أعلى الله مقامه واشتبه عليه الأمر في المقام (فقال) إذا اخرج أحد الخاصين وانقلبت النسبة بين العام والخاص الآخر إلى عموم من وجه لوحظت النسبة المنقلبة لكن مفروض كلامه هو فيما إذا كان أحد الخاصين لبيا كإجماع ونحوه وإلا فلا وجه لتقديم أحد الخاصين على الخاص الآخر كي تلحظ النسبة المنقلبة بين العام والخاص الآخر فإذا قال مثلا يجب إكرام العلماء وقام دليل لبي من إجماع ونحوه على حرمة إكرام فساق العلماء ثم قال يكره إكرام النحويين انقلبت النسبة بين العلماء بعد خروج الفساق منهم بإجماع ونحوه وبين النحويين إلى عموم من وجه.
(قال الشيخ) أعلى الله مقامه في المقام الرابع من مقامات التراجيح بعد الفراغ
119

عن بيان تقدم مرجحات الدلالة على غيرها والفراغ عن الإشارة إلى جملة من المرجحات النوعية لظاهر أحد المتعارضين وبعض المرجحات الصنفية (ما لفظه) بقي في المقام شيء وهو ان ما ذكرنا من حكم التعارض من ان النص يحكم على الظاهر والأظهر على الظاهر لا إشكال في تحصيله في المتعارضين وأما إذا كان بين أزيد من دليلين فقد يصعب تحصيل ذلك (إلى ان قال) وقد وقع التوهم في بعض المقامات (فنقول) توضيحا لذلك أن النسبة بين المتعارضات المذكورة ان كانت نسبة واحدة فحكمها حكم المتعارضين (فان كانت) النسبة العموم من وجه وجب الرجوع إلى المرجحات مثل قوله يجب إكرام العلماء ويحرم إكرام الفساق ويستحب إكرام الشعراء فيعارض الكل في مادة الاجتماع (وان كانت) النسبة عموما مطلقا فإن لم يلزم محذور من تخصيص العام بهما خصص بهما مثل المثال الآتي وإن لزم محذور مثل قوله يجب إكرام العلماء ويحرم إكرام فساق العلماء وورد يكره إكرام عدول العلماء فإن اللازم من تخصيص العام بهما بقائه بلا مورد فحكم ذلك كالمتباينين لأن مجموع الخاصين مباين للعام (قال) وقد توهم بعض من عاصرناه فلاحظ العام بعد تخصيصه ببعض الأفراد بإجماع ونحوه مع الخاص المطلق الآخر فإذا ورد أكرم العلماء ودل من الخارج دليل على عدم وجوب إكرام فساق العلماء وورد أيضا لا تكرم النحويين كانت النسبة على هذا بينه وبين العام بعد إخراج الفساق عموما من وجه ولا أظن يلتزم بذلك فيما إذا كان الخاصان دليلين لفظيين إذ لا وجه لسبق ملاحظة العام مع أحدهما على ملاحظته مع العام الآخر وإنما يتوهم ذلك في العام المخصص بالإجماع أو العقل لزعم ان المخصص المذكور يكون كالمتصل فكأن العام استعمل فيما عدا ذلك الفرد المخرج والتعارض انما يلاحظ بين ما استعمل فيه لفظ كل من الدليلين لا بين ما وضع اللفظ له وإن علم عدم استعماله فيه فكأن المراد بالعلماء في المثال المذكور عدولهم والنسبة بينه وبين النحويين عموم من وجه (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
120

(قوله الا إذا كانت النسبة بعده على حالها... إلخ)
كما إذا قال يجب إكرام العلماء ويحرم إكرام فساق العلماء ويستحب إكرام زيد العالم العادل فإن العلماء بعد ما خرج عنهم فساقهم وانحصر وجوب الإكرام بعدولهم خاصة كانت النسبة بين العلماء العدول وبين زيد العالم العادل عموما مطلقا كما كانت كذلك قبل خروج الفساق عنهم.
(قوله وفيه ان النسبة انما هي بملاحظة الظهورات وتخصيص العام بمخصص منفصل ولو كان قطعيا لا ينثلم به ظهوره وإن انثلم به حجيته ولذلك يكون بعد التخصيص حجة في الباقي... إلخ)
(وحاصل جواب) المصنف عن التوهم المذكور ان النسبة بين الدليلين المتعارضين أو الأدلة المتعارضة إنما هي بملاحظة ظهوريهما أو ظهوراتها وقد حققنا في العام والخاص في الفصل الثالث عند التكلم حول حجية العام المخصص مطلقا ولو بمنفصل في الباقي ان المخصص المنفصل مما لا يصادم أصل ظهور العام في العموم وإنما
يصادم حجيته بالنسبة إلى مورد الخاص تحكيما للنص أو الأظهر عليه (وعليه) فإذا قال مثلا أكرم العلماء ثم قال ولا تكرم فساق العلماء ثم قال ولا تكرم النحويين فظهور العام في العموم محفوظ على حاله لا يكاد ينثلم بقوله ولا تكرم فساق العلماء وان انثلم به حجيته بالنسبة إلى فساقهم فإذا كان ظهوره محفوظا على حاله ولو بعد تخصيصه بلا تكرم فساق العلماء كانت النسبة بينه وبين لا تكرم النحويين عموما مطلقا كما في السابق فيعامل معهما معاملة العام والخاص لا معاملة العامين من وجه وهذا واضح (هذا كله) حاصل جواب المصنف عن التوهم المذكور.
(واما الشيخ) أعلى الله مقامه فله جواب طويل عريض وقد عرفت قبلا ان كلام المتوهم هو مفروض فيما إذا كان أحد الخاصين لبيا والآخر لفظيا وإن لم يؤشر إليه المصنف أصلا (وملخص جوابه عنه بطوله) أن العام المذكور بعد تخصيصه باللبي (إن لوحظ) بالنسبة إلى ظهوره الوضعي في العموم مع قطع النظر
121

عن تخصيصه به فكل من المخصص اللبي واللفظي سواء في المانعية عن ظهوره في العموم فيرفع اليد عن الموضوع له بهما لا بأحدهما دون الآخر (وإن لوحظ) ظهوره فيما سوى القدر المخرج باللبي أي في الباقي فلا ظهور له فيه الا بعد نفي احتمال مخصص آخر بأصالة العدم وإلا فيجمل العام ويردد بين تمام الباقي وبعضه ومن المعلوم انه لا يكاد يجري في المقام أصالة العدم بعد فرض ورود مخصص آخر لفظي (وبالجملة إن لوحظ) ظهور العام في العموم وضعا فهو على حد سواء بالنسبة إلى كل من المخصص اللبي واللفظي فنسبته إلى كل منهما عموم مطلق (وإن لوحظ) ظهوره في الباقي بعد تخصيصه باللبي فلا ظهور له فيه كي تكون النسبة بينه وبين اللفظي عموما من وجه وذلك لتوقفه على أصالة عدم مخصص آخر ولا يكاد تجري في المقام أصالة عدمه مع ورود مخصص آخر لفظي.
(أقول)
والحق في الجواب هو ما أجاب به المصنف من عدم انثلام ظهور العام في العموم بمخصص منفصل أصلا وانه يبقى الظهور محفوظا على حاله وإن انثلم به حجيته بالنسبة إلى مورد الخاص وعليه فالنسبة بينه وبين المخصص الثاني هي العموم المطلق كما في السابق قبل تخصيصه بالأول.
(وأما جواب الشيخ) أعلى الله مقامه فهو مبتن على أمرين:
(أحدهما) كون المخصص مصادما لأصل ظهور العام في العموم كما يظهر ذلك من قوله المتقدم فكل من المخصص اللبي واللفظي سواء في المانعية عن ظهوره في العموم... إلخ.
(وثانيهما) انه ينعقد للعام ظهور في الباقي بوسيلة أصالة عدم مخصص آخر غير انه لا يجري هذا الأصل في المقام بعد فرض ورود مخصص آخر لفظي وفي كلا الأمرين ما لا يخفى.
(اما الأول) فلما حققناه في مبحث العام والخاص من ان العام
122

ولو بمنفصل هو مستعمل في معناه الحقيقي من العموم وان ظهوره فيه محفوظ حتى بعد ورود المخصص وإن سقط حجيته بمقدار مورد الخاص تحكيما للنص أو الأظهر على الظاهر.
(واما الثاني) فلأنه لو سلم ان العام ينعقد له ظهور في الباقي بوسيلة أصالة عدم مخصص آخر فما المانع عن انعقاده في المقام عند ورود المخصص الأول فيجري أصالة عدم مخصص آخر نظرا إلى عدم وروده بعد فينعقد الظهور في الباقي فإذا ورد المخصص الثاني كانت النسبة بينه وبين الباقي عموم من وجه كما زعم بعض معاصري الشيخ أعلى الله مقامه ويتم دعواه (فالصحيح إذا) في الجواب عنه هو ما أجاب به المصنف دون ما أجاب به الشيخ.
(نعم) حيث ان جواب المصنف ليس فيه إشارة إلى ما فرضه المتوهم من كون المخصص الأول لبيا فالأصح الأتم في الجواب عنه أن يقال إن المخصص اللبي ليس هو بمنزلة المخصص المتصل كي يوجب انعقاد ظهور العام في الباقي وتنقلب النسبة بينه وبين المخصص الثاني المنفصل ويكون المدار على النسبة المنقلبة بل العام ظاهر في الجميع وبعد تخصيصه باللبي باق على ظهوره في العموم وإن انثلم حجيته بالنسبة إلى مورد اللبي فإذا ورد المخصص الثاني اللفظي لوحظ ظهور العام في للعموم مع هذا المخصص الثاني الجديد والنسبة بينهما عموم مطلق فيخصص العام به كما خصص باللبي من قبل وهذا واضح (اللهم) الا إذا فرض أن يكون المخصص اللبي من الوضوح والضرورة بمثابة عد هو من المخصص المتصل فيوجب ذلك ظهور العام في الباقي وتنقلب نسبته مع المخصص الثاني إلى العموم من وجه إلا ان ذلك نادر جدا بل مجرد فرض كما لا يخفى.
(قوله لا يقال ان العام بعد تخصيصه بالقطعي لا يكون مستعملا في العموم قطعا فكيف يكون ظاهرا فيه... إلخ)
الظاهر ان وجه التخصيص بالقطعي في نظر المستشكل هو ان المخصص إذا كان
123

قطعيا فيحصل القطع حينئذ بعدم كون العام مستعملا في العموم فكيف يكون ظاهرا فيه ولا ينثلم بالمخصص ظهوره (وحاصل الجواب) ان المخصص المنفصل لا يكاد يكون قرينة على أكثر من عدم إرادة العموم لبا في مقام الثبوت وفي عالم الواقع من دون أن يكون قرينة على عدم استعماله فيه بل الممكن استعماله فيه لإفادة القاعدة الكلية ليعمل بها عند الشك في التخصيص.
(وقد أشار المصنف) إلى ذلك كله في مبحث العام والخاص (فقال) واما في المنفصل فلأن إرادة الخصوص واقعا لا تستلزم استعماله فيه وكون الخاص قرينة عليه بل من الممكن قطعا استعماله معه في العموم قاعدة وكون الخاص مانعا عن حجية ظهوره تحكيما للنص أو الأظهر على الظاهر لا مصادما لأصل ظهوره (إلخ) بل قد تقدم منا تقريب الدليل على استعماله في العموم مضافا إلى دعوى إمكانه قطعا فراجع.
(قوله وإلا لم يكن وجه في حجيته في تمام الباقي لجواز استعماله حينئذ فيه وفي غيره من المراتب... إلخ)
أي ولو كان المعلوم عدم استعمال العام في العموم لم يكن وجه في حجية العام في تمام الباقي بعد ما خصص وخرج منه مقدار مخصوص وذلك لجواز استعماله في تمام الباقي أو في غيره من مراتب الخصوصات كما استدل به النافي وتقدم شرحه في مبحث العام والخاص.
(فقال المصنف) هناك واحتج النافي بالإجمال لتعدد المجازات حسب مراتب الخصوصات وتعين الباقي من بينها بلا معين ترجيح بلا مرجح... إلخ.
(قوله وأصالة عدم مخصص آخر لا يوجب انعقاد ظهور له لا فيه ولا في غيره من المراتب لعدم الوضع ولا القرينة المعينة لمرتبة منها كما لا يخفى... إلخ)
تعريض لما تقدم من الشيخ أعلى الله مقامه واستفيد من مجموع كلامه في المقام من
124

انعقاد الظهور للعام في الباقي بوسيلة أصالة عدم مخصص آخر.
(قوله نعم ربما يكون عدم نصب قرينة مع كون العام في مقام البيان قرينة على إرادة التمام... إلخ)
أي نعم إذا كان العام في مقام البيان وكان خروج بعض الافراد منه متيقنا معلوما فحينئذ عدم نصب قرينة معينة لمرتبة من مراتب الخصوصات هو قرينة واضحة على إرادة تمام الباقي دون بعضه.
(قوله فانقدح بذلك انه لا بد من تخصيص العام بكل واحد من الخصوصات مطلقا ولو كان بعضها مقدما أو قطعيا... إلخ)
أي فانقدح بجميع ما تقدم إلى هنا انه لو كان هناك عام وخصوصات فلا بد حينئذ من تخصيص العام بكل واحد من الخصوصات ولو كان بعضها مقدما زمانا أو كان قطعيا موجبا للقطع بعدم كون العام مستعملا في العموم لبا لا انه يخصص ببعضها أولا فإذا انقلبت النسبة بينه وبين باقي الخصوصات كان المدار على النسبة المنقلبة فتأمل جيدا.
(قوله ما لم يلزم منه محذور انتهائه إلى ما لا يجوز الانتهاء إليه عرفا ولو لم يكن مستوعبة لأفراده فضلا عما إذا كانت مستوعبة لها... إلخ)
إشارة إلى ما أشرنا إليه وأشار إليه الشيخ أيضا في كلامه المتقدم من انه إذا كانت النسبة بين الأدلة عموما مطلقا فاللازم هو تخصيص العام بكلا الخاصين جميعا ما لم يلزم منه محذور بقاء العام بلا مورد وقد تقدم التمثيل له بما إذا قال يجب إكرام العلماء ويحرم إكرام فساق العلماء ويستحب إكرام عدول العلماء غير ان المصنف قد ألحق بهذا المحذور أمرا آخر وهو ما إذا لزم من تخصيص العام بكلا الخاصين جميعا محذور انتهاء التخصيص إلى ما لا يجوز الانتهاء إليه عرفا كتخصيص الأكثر وهو جيد.
125

(قوله فلا بد حينئذ من معاملة التباين بينه وبين مجموعها ومن ملاحظة الترجيح بينهما وعدمه... إلخ)
تفريع على لزوم المحذور من تخصيص العام بكل واحد من الخصوصات أو الخاصين وقد أشرنا وأشار الشيخ أيضا إلى حصول التعارض حينئذ بين العام وبين مجموع الخاصين كما في الدليلين المتعارضين عينا غير أن المصنف قد شرح ذلك بنحو أبسط (فقال ما حاصله) انه بعد ما وقعت المعارضة بين العام وبين مجموع الخصوصات لا بد من الترجيح أو التخيير فإن رجحنا الخصوصات أو قدمناها تخييرا فيطرح العام ولا يعمل به أصلا وإن رجحنا العام أو قدم تخييرا فلا يطرح من الخصوصات إلا بمقدار يندفع به المحذور من بقاء العام بلا مورد أو لزوم تخصيص الأكثر ومن هنا تقع المعارضة حينئذ بين نفس الخصوصات أيضا فلا بد من تقديم بعضها على بعض إما ترجيحا أو تخييرا.
(قوله فلا يطرح منها إلا خصوص ما لا يلزم مع طرحه المحذور إلى آخره)
ولو قال فلا يطرح منها إلا خصوص ما يندفع به المحذور كان أوضح وأجلى.
(قوله من التخصيص بغيره... إلخ)
بيان لطرح ما لا يلزم مع طرحه المحذور فإن طرحه عبارة عن التخصيص بغيره أي عبارة عن جعل الغير مخصصا للعام دونه.
(قوله وقد ظهر منه حالها فيما كانت النسبة بينها متعددة كما إذا ورد هناك عامان من وجه مع ما هو أخص مطلقا من أحدهما وأنه لا بد من تقديم الخاص على العام ومعاملة العموم من وجه بين العامين... إلخ)
قد أشرنا في صدر البحث ان الأدلة المتعارضة قد تكون النسبة بينها مختلفة وانه سيأتي الكلام فيها عند قول المصنف وقد ظهر منه حالها فيما كانت النسبة بينها متعددة... إلخ فها هو موضع ذلك (وحاصله) انك قد عرفت الحال فيما إذا
126

كانت النسبة بين الأدلة متحدة وأما إذا كانت النسبة بينها مختلفة كما إذا ورد عام ثم خاص ثم ورد ثالث بينه وبين الأول عموم من وجه فيخصص الأول بالثاني ويجري معاملة الترجيح أو التخيير بين الأول والثالث في مادة الاجتماع وإن انقلبت النسبة بينهما إلى عموم مطلق بعد التخصيص بالثاني.
(وهذا هو معنى قول المصنف) كما إذا ورد هناك عامان من وجه مع ما هو أخص مطلقا من أحدهما وانه لا بد من تقديم الخاص على العام ومعاملة العموم من وجه بين العامين من الترجيح والتخيير بينهما وإن انقلبت النسبة بينهما إلى العموم المطلق بعد تخصيص أحدهما... إلخ (فإذا قال) مثلا يجب إكرام العلماء ويحرم إكرام فساق العلماء ويستحب إكرام العدول وجب تقديم الثاني على الأول لأخصيته منه فيختص وجوب الإكرام في الأول بالعلماء العدول ولا يقدم الأول على الثالث وإن انقلبت النسبة بينهما بعد التخصيص إلى عموم مطلق وذلك لما تقدم من ان التعارض بين الأدلة إنما هو بملاحظة ظهوراتها وأن المخصص المنفصل مما لا يصادم أصل الظهور وإن صادم حجيته بالنسبة إلى مورد الخاص (وعليه) فظهور قوله يجب إكرام العلماء في العموم محفوظ على حاله حتى بعد تخصيصه بقوله يحرم إكرام فساق العلماء فإذا
كان ظهوره محفوظا على حاله فالنسبة بينه وبين قوله يستحب إكرام العدول هي العموم من وجه كما في السابق عينا.
(وهذا معنى قول المصنف) لما عرفت من أنه لا وجه إلا لملاحظة النسبة قبل العلاج... إلخ (هذا كله) بناء على ما حققه المصنف وحققناه في انقلاب النسبة (وأما الشيخ) أعلى الله مقامه فيظهر منه هاهنا رعاية النسبة المنقلبة فإذا انقلبت النسبة بين العامين من وجه بعد تخصيص أحدهما بمخصص إلى عموم مطلق يجب ملاحظة النسبة الجديدة المتأخرة فنقدم الأخص بالعرض على الأعم (قال) أعلى الله مقامه (ما لفظه) وان كانت النسبة بين المتعارضات مختلفة فإن كان فيها ما يقدم على بعض آخر منها إما لأجل الدلالة كما في النص والظاهر أو الظاهر
127

والأظهر وإما لأجل مرجح آخر قدم ما حقه التقديم ثم لوحظ النسبة مع باقي المعارضات فقد تنقلب النسبة ويحدث الترجيح كما إذا ورد أكرم العلماء ولا تكرم فساقهم ويستحب إكرام العدول فإنه إذا خص العلماء بعدولهم يصير أخص مطلق من العدول فيخصص العدول بغير علمائهم (قال) والسر في ذلك واضح إذ لو لا الترتيب في العلاج لزم إلغاء النص أو طرح الظاهر المنافي له رأسا وكلاهما باطل (انتهى) موضع الحاجة من كلامه (وفيه ما لا يخفى) فإنه مضافا إلى كونه خلاف التحقيق لما عرفت من بقاء ظهور العام في العموم على حاله حتى بعد تخصيصه بالثاني فلا وجه لرعاية النسبة المنقلبة بينه وبين الثالث.
(أن ما ذكره الشيخ) من لزوم إلغاء النص أو طرح الظاهر المنافي له انما هو يلزم على تقدير واحد لا على كل تقدير فإنا إذا خالفنا الترتيب في العلاج ولاحظنا النسبة بين الأول والثالث أي بين أكرم العلماء وبين يستحب إكرام العدول فإن قدمنا الثالث في مادة الاجتماع ترجيحا أو تخييرا وبقي لأكرم العلماء فساق العلماء فقط فحينئذ إن تركنا قوله ولا تكرم فساقهم لزم طرح النص وإن تركنا أكرم العلماء لزم طرح الظاهر المنافي للنص وأما إذا قدمنا الأول في مادة الاجتماع ترجيحا أو تخييرا ثم خصصناه بالثاني لم يلزم شيء من المحذورين أصلا بل تكون النتيجة وجوب إكرام العالم العادل وحرمة إكرام العالم الفاسق واستحباب إكرام العادل من غير العلماء وهذا لدى التدبر واضح فتدبر جيدا.
(قوله نعم لو لم يكن الباقي تحته بعد تخصيصه إلا ما لا يجوز أن يجوز عنه التخصيص أو كان بعيدا جدا... إلخ)
فإذا قال مثلا يجب إكرام العلماء ويحرم إكرام فساق العلماء ويستحب إكرام الهاشميين وقدمنا الثاني على الأول لأخصيته منه وفرضنا انه لم يبق للعلماء بعد إخراج الفساق عنهم إلا مقدارا قليلا لو جعلنا مادة الاجتماع بينه وبين الهاشميين تحت قوله ويستحب إكرام الهاشميين لبلغ التخصيص في العلماء إلى ما لا يجوز الانتهاء إليه كما
128

في تخصيص الأكثر أو كان بعيدا جدا كما في تخصيص المساوي لقدمنا الأول على الثالث لكن ذلك لا لانقلاب النسبة بل لصيرورة لفظ العلماء بعد التخصيص كالنص بالنسبة إلى الهاشميين لقلة أفراده وضيق دائرته فيجعل مورد الاجتماع تحت لفظ العلماء لأظهريته من لفظ الهاشميين.
(وهذا معنى قول المصنف) بل لكونه كالنص فيه فيقدم على الآخر الظاهر فيه بعمومه كما لا يخفى.
(أقول)
ان المخصص المنفصل كما انه مما لا يوجب انعقاد ظهور جديد للعام في الباقي بل العام باق على ظهوره الأولي فكذلك مما لا يوجب أظهريته بالنسبة إلى عام آخر (وعليه) ففي المثال كما ان قوله يجب إكرام العلماء من قبل تخصيصه بيحرم إكرام فساق العلماء كان معارضا لقوله ويستحب إكرام الهاشميين في مادة الاجتماع ولم يكن أحدهما أظهر من الآخر بل كان يجب الترجيح بينهما أو التخيير على الخلاف المتقدم في الدليلين المتعارضين فكذلك بعد تخصيصه به بلا شبهة.
في بيان كون المرجحات على أنحائها كلها من مرجحات السند
(قوله فصل لا يخفى ان المزايا المرجحة لأحد المتعارضين الموجبة للأخذ به وطرح الآخر بناء على وجوب الترجيح وان كانت على أنحاء مختلفة... إلخ)
(الشيخ أعلى الله مقامه) في صدر المقام الرابع من مقامات التراجيح قسم مجموع
129

المرجحات من غير تقييد بكونها من المنصوصات أو غيرها على قسمين (داخلية) (وخارجية).
(أما الداخلية) أعني كل مزية غير مستقلة في نفسها فهي على أقسام (فقد تكون) راجعة إلى الصدور سواء كان موردها السند كأعدلية الراوي أو المتن كأفصحية اللفظ وقد ذكر تفصيل هذا القسم بعد الفراغ عن بعض الكلام في المرجحات من حيث الدلالة (وقد تكون) راجعة إلى جهة الصدور كمخالفة العامة وقد ذكر تفصيل هذا القسم بعد الفراغ عن القسم الأول (وقد تكون) راجعة إلى المضمون وقد مثل لهذا القسم في صدر المقام الرابع بالمنقول باللفظ بالنسبة إلى المنقول بالمعنى.
(وأما المرجحات الخارجية) أعني كل مزية مستقلة في نفسها ولو لم يكن هناك خبر أصلا (فهي على قسمين) كما ذكرها بعد الفراغ عن المرجحات الداخلية بأقسامها الثلاثة وأشار إليها قبلا في صدر المقام الرابع مختصرا (فقد تكون) غير معتبرة في نفسها كالشهرة في الفتوى ونحوها وهذا القسم من الخارجي معاضد لمضمون الخبر ومؤثر في أقربيته إلى الواقع (وقد تكون) معتبرة في نفسها وهذه أيضا على قسمين (فقد تكون) معاضدة لمضمون أحد الخبرين ومؤثرة في أقربيته إلى الواقع كالكتاب والسنة (وقد تكون) غير معاضدة لمضمون أحد الخبرين ولا مؤثرة في أقربيته إلى الواقع كالأصل بناء على عدم اعتباره من باب الظن وأن مضمونه حكم الله الظاهري المحض من دون كونه طريقا إلى حكم الله الواقعي.
(ثم ان المرجحات المذكورة) على أنحائها بناء على الترجيح والتعدي من المزايا المنصوصة إلى غيرها هي كلها لدى المصنف من مرجحات السند فإنها لدى النتيجة موجبة لتقديم أحد السندين وحجيته فعلا ووجوب الأخذ به وطرح الآخر رأسا وهو حسن جيد متين جدا.
130

(قوله ومواردها متعددة من راوي الخبر ونفسه ووجه صدوره ومتنه ومضمونه... إلخ)
وسيأتي التمثيل لكل واحد منها على حدة فانتظر.
(قوله مثل الوثاقة والفقاهة... إلخ)
هذان المثالان هما للمرجح الذي مورده راوي الخبر.
(قوله والشهرة... إلخ)
أي الشهرة في الرواية وهي مثال للمرجح الذي مورده نفس الخبر.
(قوله ومخالفة العامة... إلخ)
مثال للمرجح الذي مورده وجه صدور الخبر بناء على الوجه الرابع من الوجوه الأربعة التي احتملها الشيخ أعلى الله مقامه في الترجيح بمخالفة العامة وقد تقدم تفصيلها في مبحث التعدي وعدم التعدي من المرجحات المنصوصة والاحتمالات الأربعة بحسب ترتيب الشيخ هكذا.
(أولها) أن يكون الترجيح لمجرد التعبد.
(وثانيها) أن يكون الترجيح لكون الرشد والحق في خلافهم.
(وثالثها) أن يكون الترجيح لمجرد حسن المخالفة لهم.
(ورابعها) أن يكون الترجيح للحكم بصدور الموافق للعامة تقية (وقد عرفت) هناك ضعف الوجه الأول والثالث وان المتعين من بينها إما الوجه الثاني كما هو ظاهر التعليل في المقبولة ما خالف العامة ففيه الرشاد أو في المرفوعة خذ بما خالفهم فإن الحق فيما خالفهم وظاهر غيرهما من الأخبار كرواية علي بن أسباط ورواية أبي إسحاق الأرجاني ورواية أبي بصير المتقدمات كلها هناك أو الوجه الرابع كما دل عليه رواية عبيد بن زرارة ما سمعته مني يشبه قول الناس ففيه التقية وما سمعت مني لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه (وعرفت) أيضا أن المصنف قد احتمل هذه الاحتمالات بعينها سوى الأول منها.
131

(وبالجملة) ان في الترجيح بمخالفة العامة احتمالات أربعة والمتعين من بينها اثنان إما احتمال كون الترجيح لأجل كون الرشد والحق في خلافهم والغي والباطل في وفاقهم وعلى هذا الاحتمال تكون مخالفة العامة هي من المرجحات المضمونية كالشهرة في الفتوى ونحوها وإما احتمال كون الترجيح لأجل أن الموافق لهم صادر تقية وعلى هذا الاحتمال تكون مخالفة العامة هي من المرجحات الجهتية وقول المصنف في المقام ومخالفة العامة... إلخ هو مبنى على هذا الاحتمال الأخير الرابع فلا تغفل.
(بقي شيء) وهو ان مخالفة العامة هل هي من المرجحات الداخلية أو الخارجية ظاهر الشيخ أعلى الله مقامه بل صريحه أنه (إن كان) وجه الترجيح بها هو الوجه الرابع من الوجوه المتقدمة من كون الموافق صادرا تقية فهي من المرجحات الداخلية الجهتية (وان كان) وجه الترجيح بها هو الوجه الثاني منها من كون الرشد في خلافهم فهي من المرجحات الخارجية المضمونية كل ذلك يظهر من مراجعة مجموع كلماته الشريفة في صدر المقام الرابع من مقامات التراجيح وعند التعرض للمرجحات الخارجية وهو كما ترى ضعيف لا يخلو عن مناقشة فإن مخالفة جمهور العامة كموافقة مشهور الأصحاب هي من المرجحات الخارجية لا محالة فإنها مزية مستقلة بنفسها ولو لم يكن هناك خبر أصلا وقد عرف هو بنفسه المزية الخارجية بذلك غايته انه إن كان وجه الترجيح بها هو كون الموافق لهم صادرا تقية فهي من المرجحات الخارجية الجهتية وإن كان وجه الترجيح بها هو كون الرشد والحق في خلافهم فهي من المرجحات الخارجية المضمونية فهي على كل حال مرجح خارجي لا داخلي فتأمل جيدا.
(قوله والفصاحة... إلخ)
مثال للمرجح الذي مورده متن الخبر.
132

(قوله وموافقة الكتاب والموافقة لفتوى الأصحاب... إلخ)
مثالان للمرجح الذي مورده مضمون الخبر كمخالفة العامة بناء على الوجه الثاني من الوجوه الأربعة المتقدمة وهو كون الترجيح بها لأجل كون الرشد والحق في خلافهم والغي والباطل في وفاقهم.
(قوله خصوصا لو قيل بالتعدي من المزايا المنصوصة... إلخ)
بل أصل هذا البحث هو مبني على التعدي كما أشرنا قبلا والا فلا وجه لتمثيله بالفصاحة وبالموافقة لفتوى الأصحاب فإنهما ليستا من المزايا المنصوصة في شيء من الاخبار العلاجية أصلا بل ولا وجه لتمثيله بالفقاهة أيضا فإنها وإن كانت من مرجحات الحكمين كما في المقبولة ولكنها لم تكن من مرجحات الخبرين قطعا.
(قوله حتى مخالفة الخبر للتقية... إلخ)
أي حتى أن مخالفة الخبر للتقية التي هي من المرجحات الجهتية عند المشهور تكون هي من المرجحات السندية وذلك لكونها لدي النتيجة كما يستفاد من اخبار العلاج هي مما يوجب ترجيح أحد السندين وحجيته فعلا ووجوب الأخذ به وطرح الآخر رأسا.
(قوله وكونها في مقطوعي الصدور متمحضة في ترجيح الجهة لا يوجب كونها كذلك في غيرهما... إلخ)
(دفع لما قد يتوهم) من ان مخالفة الخبر للتقية في مقطوعي السند متمحضة في ترجيح الجهة بلا كلام فكما انها متمحضة فيهما لذلك فليكن كذلك في مظنوني السند أيضا
بعد كون الأصل فيهما الصدور بمقتضي إطلاق دليل اعتبارهما (وحاصل الدفع) ان كونها في مقطوعي السند متمحضة في ذلك هو مما لا يوجب كونها كذلك في مظنوني السند أيضا إذ لا معنى في مظنوني السند للتعبد بصدور كليهما جميعا ثم حمل أحدهما الموافق للعامة على التقية فإن التعبد بصدور المخالف وان كان مما له وجه وجيه ولكن التعبد بصدور الموافق ليحمل على التقية مما لا محصل له
133

فقهرا يقع التعارض في مرحلة السند دون الجهة ويدور الأمر بين التعبد بسند هذا أو بسند ذاك فتكون المخالفة للعامة حينئذ مرجحة سندا لا جهة (وقد تقدم) في آخر الفصل الأول من مباحث التعارض ان الدليلين الظنيين إذا تنافيا فلا يكاد يتعارضان إلا بحسب السند سواء كانا قطعيين دلالة وجهة أو كانا ظنيين دلالة وجهة (أما في الأول) فواضح (وأما في الثاني) فلأنه لا معنى للتعبد بصدور كليهما جميعا بمقتضى إطلاق دليل اعتبارهما ليقع الإخلال في دلالتهما أو جهتهما على نحو لا ينتفع بهما أصلا فقهرا يقع التعارض في سندهما وفي الدرج تحت دليل اعتبارهما لا في دلالتهما أو جهتهما فراجع وتدبر.
لا وجه لمراعاة الترتيب بين المرجحات
لو قيل بالتعدي من المزايا المنصوصة
(قوله ثم إنه لا وجه لمراعاة الترتيب بين المرجحات لو قيل بالتعدي وإناطة الترجيح بالظن أو بالأقربية إلى الواقع... إلخ)
(وحاصل الكلام) ان بناء على القول بالتعدي من المزايا المنصوصة (إما إلى) كل مزية موجبة للظن الشأني بمعنى انه لو فرض العلم بكذب أحدهما كان احتمال مطابقة ذي المزية أرجح من الآخر (أو إلى) كل مزية موجبة للظن الفعلي على الخلاف المتقدم بين الشيخ أعلى الله مقامه وبين بعضهم وقد عبر المصنف عن الأول بالأقربية إلى الواقع وعن الثاني بالظن (لا وجه) لمراعاة الترتيب بين المرجحات وملاحظة أن أيهما يقدم وأيهما يؤخر إذ المناط حينئذ حصول الظن الشأني أو الفعلي
134

فإن حصل في جانب فهو المقدم وإن حصل في كلا الطرفين جميعا إذ حصوله كذلك أمر ممكن حتى في الظن الفعلي كما إذا كان المتعارضان كلاهما مظنوني الصدور وكان الخلل مظنونا في دلالتهما أو في جهتهما فاللازم حينئذ التخيير.
(أقول)
هذا مضافا إلى ان جميع المرجحات على ما حققه المصنف آنفا هو من مرجحات السند دون غيره (وعليه) فعدم ملاحظة الترتيب بينها حينئذ يكون أظهر وأوضح جدا.
(قوله فلا وجه لإتعاب النفس في بيان أن أيهما يقدم أو يؤخر... إلخ)
كما فعل الوحيد البهبهاني وفعل الشيخ الأنصاري أيضا وبعض أعاظم تلاميذه أعلى الله تعالى مقامهم فأتعبوا أنفسهم الزكية في سبيل ذلك جدا وفي البحث عن أن أيهما يقدم وأيهما يؤخر وسيأتي تفصيل ذلك كله قريبا فانتظر.
(قوله وأما لو قيل بالاقتصار على المزايا المنصوصة فله وجه... إلخ)
أي فلمراعاة الترتيب بين المرجحات وجه (قال) في المتن لما يتراءى من ذكرها مرتبا في المقبولة والمرفوعة.
(قوله مع إمكان أن يقال إن الظاهر كونهما كسائر أخبار الترجيح بصدد بيان أن هذا مرجح وذاك مرجح... إلخ)
بل لا يمكن القول بذلك جدا فإن الظاهر من المقبولة والمرفوعة بل كاد أن يكون صريحهما هو الترتيب بين المرجحات فإن مقتضى أمره عليه السلام بالترجيح بالشهرة مثلا هو أن المناط في تقديم أحدهما شهرته رواية سواء كان موافقا للكتاب أم لا كما ان مقتضى فرض الراوي كليهما مشهورين وأمره عليه السلام بالترجيح بموافقة الكتاب هو أن المعيار في التقديم حينئذ موافقة أحدهما للكتاب سواء كان مخالفا للعامة أم لا وهكذا إلى آخر المرجحات وهذا هو عين الترتيب بلا شبهة (واما كون) ساير أخبار الترجيح بصدد بيان ان هذا مرجح وذاك مرجح فهو ليس مربوطا
135

بالمقبولة والمرفوعة أصلا (كما ان اقتصار) غير واحد من الأخبار على ذكر مرجح واحد لا أكثر مما لا يشهد بعدم الترتيب في المقبولة والمرفوعة أبدا ولزوم تقييد جميع أخبار الترجيح على كثرتها بما في المقبولة على القول بالترتيب وان كان هو بعيدا جدا ولكنه مع ذلك مما لا ينافي ظهور المقبولة في الترتيب كما لا يخفى.
(قوله وعليه فمتى وجد في أحدهما مرجح وفي الآخر آخر منها كان المرجع هو إطلاقات التخيير... إلخ)
تفريع على قوله مع إمكان أن يقال إن الظاهر... إلخ (وحاصله) ان بناء على عدم الترتيب في المزايا المنصوصة متى وجد في أحد المتعارضين مرجح من المرجحات المنصوصة وفي الآخر آخر منها كان المرجح هو إطلاقات التخيير لتساويهما حينئذ في المزية وليس كذلك على القول بالترتيب بل لا بد حينئذ من ملاحظة الرتبة فإذا وجد في أحدهما مرجح وفي الآخر آخر فلا عبرة بأحد المرجحين لعدم كونه في عرض الآخر.
(نعم) إذا تساوي الطرفان في تمام المزايا المنصوصة فحينئذ يرجع إلى التخيير وإن كان في آخر المقبولة قد أمر بالإرجاء إلى لقاء الإمام عليه السلام ولكنه مختص بزمان الحضور قطعا.
(قوله وانقدح بذلك أن حال المرجح الجهتي حال ساير المرجحات إلى آخره)
أي وانقدح بما تقدم من قوله ثم انه لا وجه لمراعاة الترتيب بين المرجحات لو قيل بالتعدي وإناطة الترجيح بالظن أو بالأقربية إلى الواقع... إلخ ان حال المرجح الجهتي هو كحال ساير المرجحات عينا فإذا كان مرجح جهتي في جانب ومرجح صدوري في جانب آخر فلا بد من ملاحظة ان أيهما موجب للظن الفعلي أو الشأني أي الأقربية إلى الواقع بالمعنى المتقدم فيقدم هو دون الآخر وإذا تساويا في المناطين فنتخير بينهما بمقتضي إطلاقات التخيير (وعليه) فلا وجه لتقديم المرجح الجهتي
136

على غيره كما عن الوحيد البهبهاني قدس سره على ما سيأتي التصريح به من المصنف في المتن (ثم قال) وبالغ فيه بعض أعاظم المعاصرين أعلى الله درجته يعني به صاحب البدائع (قال) ولا لتقديم غير الجهتي أي الصدوري عليها كما اختاره الشيخ أعلى الله مقامه وسيأتي أيضا من المصنف نقل عبارته الشريفة بطولها فانتظر.
(قوله فلا وجه لتقديمه على غيره... إلخ)
أي فلا وجه لتقديم المرجح الجهتي على غيره.
فيما أفاده الشيخ لتقديم المرجح الصدوري
على الجهتي وتضعيفه
(قوله كما يظهر من شيخنا العلامة أعلى الله مقامه قال أما لو زاحم الترجيح بالصدور الترجيح من حيث جهة الصدور... إلخ)
(وحاصل كلام الشيخ) أعلى الله مقامه بطوله في وجه تقديم المرجح الصدوري على الجهتي ان جهة الصدور متفرع على أصل الصدور (فإذا كان) الخبران المتعارضان مقطوعي الصدور كما في المتواترين فتصل النوبة حينئذ إلى المرجح الجهتي (وهكذا إذا كان) الخبران بحكم مقطوعي الصدور يعني بهما المتكافئين من حيث الصدور على نحو لا يمكن التعبد بصدور أحدهما دون الآخر بعد تساويهما من تمام الجهات فحينئذ تصل النوبة أيضا إلى المرجح الجهتي (واما إذا كانا) متفاضلين من حيث الصدور فيجب التعبد حينئذ بالراجح صدورا ولا يكاد تصل النوبة إلى المرجوح صدورا كي يلاحظ رجحانه جهة هذا ملخص كلامه أعلى الله تعالى مقامه.
137

(قوله بناء على تعليل الترجيح بمخالفة العامة باحتمال التقية في الموافق إلى آخره)
أي بناء على الوجه الرابع من الوجوه الأربعة التي احتملها الشيخ أعلى الله مقامه في الترجيح بمخالفة العامة وهو كون الترجيح بها لأجل الحكم بصدور الموافق للعامة تقية كما دل عليه قوله عليه السلام ما سمعته مني يشبه قول الناس ففيه التقية... إلخ واما بناء على الوجه الثاني وهو كون الترجيح بها لأجل كون الرشد والحق في خلافهم فهي من المرجحات المضمونية كما أشرنا قبلا دون الجهتية.
(قوله فإن قلت إن الأصل في الخبرين الصدور فإذا تعبدنا بصدورهما اقتضى ذلك الحكم بصدور الموافق تقية... إلخ)
(وحاصل الإشكال) انه كما في مقطوعي الصدور وما بحكمهما من المتكافئين من حيث الصدور مما لا يمكن التعبد بصدور أحدهما دون الآخر تصل النوبة إلى المرجح الجهتي فكذلك في المتفاضلين من حيث الصدور بعد اقتضاء الأصل صدورهما جميعا بمقتضي إطلاق دليل اعتبارهما شرعا فإذا عبدنا الشارع بصدورهما جميعا كانا كمقطوعي الصدور وما بحكمهما عينا فيؤخذ بالراجح جهة دون الآخر (وهذا نظير) ما إذا كان المتعارضان بينهما جمع عرفي مقبول بان كان أحدهما ظاهرا والآخر أظهر فكما ان مقتضى الأصل فيهما صدورهما جميعا فيؤخذ بالأقوى دلالة ويحمل الآخر عليه فكذلك في المقام يقتضي الأصل صدورهما جميعا فيؤخذ بالأقوى جهة دون الآخر فيكون حال المرجح الجهتي هو كحال المرجح الدلالي عينا أي يكون مقدما على غيره ومع فقده تصل النوبة إلى غيره (وحاصل الجواب) انه فرق عظيم بين المقامين فإن المتعارضين إذا كان بينهما جمع عرفي مقبول يعقل التعبد بصدورهما جميعا فيؤخذ بالأظهر ويحمل الظاهر عليه كما في العام والخاص والمطلق والمقيد ولا يطرح الظاهر إلى الآخر بخلاف ما إذا لم يكن بينهما جمع عرفي وكانا متفاضلين من حيث الصدور فلا يعقل التعبد بصدورهما جميعا إذ لا محصل
138

للتعبد بصدورهما ليحمل الموافق منهما للعامة على التقية فإنه إلغاء له رأسا وهذا واضح
(قوله وفيه مضافا إلى ما عرفت ان حديث فرعية جهة الصدور على أصله إنما يفيد إذا لم يكن المرجح الجهتي من مرجحات أصل الصدور... إلخ)
أي وفيه مضافا إلى ما عرفت من انه لا وجه لمراعاة الترتيب بين المرجحات وملاحظة ان أيهما يقدم وأيهما يؤخر بعد ان كان المناط على القول بالتعدي هو حصول الظن الشأني بالمعنى المتقدم أو الظن الفعلي فإن حصل في جانب فهو المقدم وإن حصل في كليهما فنتخير.
(أن ما ذكره الشيخ) أعلى الله مقامه من تفريع جهة الصدور على أصل الصدور انما يتم إذا لم نقل برجوع تمام المزايا إلى المرجحات السندية أي الصدورية كما حققناه في صدر هذا الفصل وإلا فلا وجه لمراعاة الترتيب بين المرجحات أصلا إذا لا فرق حينئذ بين مرجح ومرجح كما لا يخفى (وقد أشرنا) نحن إلى هذين الوجهين عند التعليق على قوله ثم انه لا وجه لمراعاة الترتيب... إلخ فتذكر.
(قوله ومع عدم الدلالة ولو لعدم التعرض لهذه الصورة فالمحكم هو إطلاق التخيير... إلخ)
أي مع عدم دلالة أخبار العلاج على الترجيح بين المرجحين أي الصدوري والجهتي فالمحكم هو إطلاق التخيير.
(أقول)
قد أشرنا قبلا في ذيل التعليق على قوله مع إمكان أن يقال... إلخ ان ظاهر المقبولة والمرفوعة بل كاد صريحهما هو الترتيب بين المرجحات فإنهما قد أمرتا أولا بالترجيح ببعض المرجحات الصدورية ثم في فرض الراوي تساويهما في ذلك قد أمرتا بالترجيح بالمرجح الجهتي وهذا كالصريح في تقديم الصدوري على الجهتي (اللهم) الا ان يقال إن الكلام مع الشيخ في لزوم الترتيب بين الصدوري والجهتي وعدمه ليس هو في المزايا المنصوصة بل في غيرها على التعدي وليس فيهما دلالة على تقديم
139

كل صدوري على الجهتي ولو لم يكن الصدوري من المنصوصة.
(قوله وقد أورد بعض أعاظم تلاميذه عليه بانتقاضه بالمتكافئين من حيث الصدور... إلخ)
الظاهر ان المراد من بعض أعاظم تلاميذ الشيخ هو صاحب البدائع الذي عبر عنه المصنف فيما تقدم ببعض أعاظم المعاصرين (وكيف كان) حاصل ما أورده بعض
الأعاظم على الشيخ انه لو لم يعقل التعبد بصدور المتفاضلين من حيث الصدور نظرا إلى أنه لا معنى للتعبد بصدورهما جميعا ليحمل الموافق منهما للعامة على التقية فإنه إلغاء له رأسا كما تقدم آنفا في جواب (ان قلت) لم يعقل التعبد بالخبرين المتكافئين أيضا من حيث الصدور لعين هذا المحذور.
(وقد أجاب عنه المصنف) بما حاصله ان بعض الأعاظم تخيل ان الشيخ أعلى الله مقامه قد اعتبر في الترجيح بحسب الجهة ان يكون المتعارضان إما مقطوعي الصدور كما في المتواترين أو مما وقع التعبد بصدورهما فعلا كما في المتكافئين فأورد عليه النقض المذكور (ولم يتفطن) أن غرض الشيخ ليس أن المتكافئين مما وقع التعبد بصدورهما فعلا كما يوهمه قوله فمورد هذا الترجيح تساوي الخبرين من حيث الصدور إما علما كما في المتواترين أو تعبدا كما في المتكافئين... إلخ بل وقوله السابق لأن هذا الترجيح ملحوظ في الخبرين بعد فرض صدورهما قطعا كما في المتواترين أو تعبدا كما في الخبرين... إلخ (بل غرضه) ان المتكافئين متساويان بحسب دليل التعبد بالصدور فلا يمكن التعبد بصدور أحدهما دون الآخر كما صرح به في صدر عبارته المتقدمة (فقال) أو تعبدا كما في الخبرين بعد عدم إمكان التعبد بصدور أحدهما وترك التعبد بصدور الآخر... إلخ فإذا لم يمكن التعبد بصدور أحدهما دون الآخر كانا قهرا كمقطوعي الصدور في كونهما موردا للترجيح الجهتي خاصة دون الصدوري فتأمل جيدا.
140

(قوله باعتبار تساويهما من حيث الصدور... إلخ)
متعلق بقوله التزم قدس سره... إلخ فلا تغفل.
(قوله ضرورة ان دليل حجية الخبر لا يقتضى التعبد فعلا بالمتعارضين إلى آخره)
أي بالمتعارضين المتكافئين من حيث الصدور.
(قوله بل ولا بأحدهما... إلخ)
أي بل ولا بأحدهما المعين فإن دليل حجية الخبر إذا اقتضى التعبد بصدور أحدهما المعين فقد عارضه الآخر لاشتراكه معه في مناط الدخول تحت دليل الاعتبار.
(قوله وقضية دليل العلاج ليس إلا التعبد بأحدهما تخييرا أو ترجيحا إلى آخره)
على الخلاف المتقدم في الدليلين المتعارضين لا التعبد بكليهما جميعا.
(وبالجملة) إن شيئا من دليل حجية الخبر ودليل العلاج أي الاخبار العلاجية مما لا يقتضي التعبد فعلا بالمتكافئين من حيث الصدور أصلا فحسبان ان الشيخ أعلى الله مقامه قد التزم في المقام بالتعبد الفعلي بهما في غير محله.
فيما أفاده بعض تلاميذ الشيخ من امتناع تقديم المرجح الصدوري على الجهتي وتضعيفه
(قوله وبرهن عليه بما حاصله امتناع التعبد بصدور الموافق لدوران أمره بين عدم صدوره من أصله وبين صدوره تقية... إلخ)
إذ الشيخ أعلى الله مقامه قد صرح في كلامه المتقدم في المتن بأن الأرجح صدورا
141

إذا كان موافقا للعامة فالظاهر تقديمه على غيره وإن كان مخالفا للعامة وبعض تلاميذه يدعي في قباله امتناع ذلك جدا نظرا إلى دوران امر الموافق بين عدم صدوره من أصله وبين صدوره تقية فعلي كلا التقديرين مما لا يعقل التعبد به.
(وقد رد عليه المصنف) كما سيأتي بما حاصله ان أمر الموافق مما يدور بين احتمالات ثلاثة عدم صدوره من أصله وصدوره تقية وصدوره لبيان حكم الله الواقعي وانما يدور أمره بين الاحتمالين الأولين إذا كان المعارض المخالف للعامة قطعيا من جهاته الثلاث أي من جهة السند والدلالة والجهة جميعا فعند ذلك يدور امر الموافق للعامة بين عدم صدوره من أصله أو صدوره تقية وهذا واضح.
(قوله بل الأمر في الظني الصدور أهون... إلخ)
هذا من كلام بعض تلاميذ الشيخ أعلى الله مقامه الذي ادعي امتناع التعبد بصدور الموافق أي بل الأمر في الظني الصدور الموافق للعامة أهون وعدم تعقل التعبد به هو أوضح وأظهر من عدم تعقل التعبد بالقطعي الصدور الموافق للعامة وذلك لاحتمال عدم الصدور في الأول بخلاف الثاني.
(قوله ومنه قد انقدح إمكان التعبد بصدور الموافق القطعي لبيان الحكم الواقعي... إلخ)
رد على ما تقدم في المتن من بعض تلاميذ الشيخ أعلى الله مقامه من قوله كما انه لا يعقل التعبد بالقطعي الصدور الموافق... إلخ (وحاصل الرد) انه قد انقدح بما تقدم في تضعيف عدم تعقل التعبد بالظني الموافق للعامة ضعف عدم تعقل التعبد بالقطعي الموافق لهم غايته انه في الظني الموافق للعامة احتمالات ثلاثة عدم الصدور من أصله وصدوره تقية وصدوره لبيان حكم الله الواقعي وفي القطعي الموافق لهم يحتمل الأخيران فقط وهما الصدور تقية والصدور لبيان حكم الله الواقعي ومن المعلوم ان مجرد احتمال الصدور لبيان حكم الله الواقعي هو مما يكفي في تعقل التعهد به شرعا.
142

(قوله إذا كان معارضه المخالف قطعيا بحسب السند والدلالة... إلخ)
ولو قال بحسب السند والجهة والدلالة كان أولى فإن المعارض المخالف للعامة وإن كان مأمونا من احتمال التقية ولكن مع ذلك لا يكون قطعيا جهة وذلك لجواز صدوره لا لبيان حكم الله الواقعي بل لبيان خلاف الواقع لمصلحة قد اقتضت ذلك غير التقية والصحيح هو ما تقدم منه قبلا (فقال) إذا كان المخالف قطعيا صدورا وجهة ودلالة.
(قوله لتعين حمله على التقية حينئذ... إلخ)
أي لتعين حمل الموافق القطعي على التقية حينئذ بعد ما كان معارضه المخالف قطعيا سندا ودلالة وجهة.
(أقول)
نعم يتعين حمله على التقية ولكن إذا كان الموافق القطعي قطعيا دلالة أيضا مثل ما يكون قطعيا سندا والا فيتردد الخلل فيه بين الجهة والدلالة جميعا لا في الجهة فقط كما لا يخفى.
(قوله ثم إن هذا كله إنما هو بملاحظة ان هذا المرجح مرجح من حيث الجهة... إلخ)
أي ثم ان جميع ما تقدم إلى هنا من تقدم الأرجح صدورا على المخالف للعامة أو بالعكس أو انه لا فرق بينهما أصلا كما هو المختار لكون المعيار في التقدم هو حصول أحد المناطين السابقين من الظن الشأني بالمعنى المتقدم أو الفعلي انما هو بملاحظة كون المخالفة للعامة هي من المرجحات الجهتية (وأما بملاحظة) كونها من المرجحات الدلالية نظرا إلى ما في الموافق للعامة من احتمال التورية الموجب لضعف ظهوره ودلالته وان المخالف للعامة يكون هو أقوى منه دلالة وظهورا لعدم احتمال التورية فيه أصلا فهي مقدمة على جميع المرجحات الصدورية لما عرفت من تقدم المرجحات الدلالية على ما سواها من المرجحات طرا (وفيه) ان
143

الكبرى وهي تقدم المرجحات الدلالية على ما سواها من المرجحات وان كانت هي مسلمة ولكن كون مخالفة العامة هي من المرجحات الدلالية محل تأمل بل منع فان مجرد كون الخبر موافقا للعامة وجريان احتمال التورية فيه دون بيان الواقع مما لا يخل بظهوره عرفا ليكون المخالف للعامة هو أقوى منه ظهورا (ومن هنا ترى المصنف) قد رجع أخيرا عن ذلك (فقال) اللهم إلا أن يقال إن باب احتمال التورية وان كان مفتوحا... إلخ.
الكلام حول المرجحات الخارجية بأقسامها
وبيان حال القسم الأول منها
(قوله فصل موافقة الخبر لما يوجب الظن بمضمونه... إلخ)
قد أشرنا في صدر الفصل المتقدم أن الشيخ أعلى الله مقامه قد جعل مجموع المرجحات من غير تقييد بكونها من المنصوصات أو غيرها على قسمين (داخلية) (وخارجية) (فالداخلية) أعني كل مزية غير مستقلة بنفسها هي (بين ما يرجع) إلى الصدور كأعدلية الراوي (وبين ما يرجع) إلى جهة الصدور كمخالفة العامة بناء على كون مثل هذا الخبر صادرا لا لأجل التقية (وبين ما يرجع) إلى المضمون كالنقل باللفظ بالنسبة إلى النقل بالمعنى.
(وأما الخارجية) وهي كل مزية مستقلة بنفسها ولو لم يكن هناك خبر أصلا (فقد تكون) غير معتبرة في نفسها ومعاضدة لمضمون أحد الخبرين كالشهرة في الفتوى (وقد تكون) معتبرة في نفسها وهذه أيضا على قسمين.
144

(فقد تكون) معاضدة لمضمون أحد الخبرين كالكتاب والسنة.
(وقد لا تكون) معاضدة لمضمون أحد الخبرين كالأصل بناء على عدم اعتباره من باب الظن فمجموع أقسام المرجحات الخارجية ثلاثة.
(والمصنف قد عقد) هذا الفصل الأخير للتكلم حول هذه المرجحات الخارجية بأقسامها الثلاثة غير انه قد أشار إلى القسم الأول منها بقوله موافقة الخبر لما يوجب الظن بمضمونه... إلخ يعني به موافقته لمثل الشهرة في الفتوى ونحوها ويشهد بذلك قوله الآتي هذا حال الأمارة الغير المعتبرة لعدم الدليل على اعتبارها إلى آخره وسيأتي منه الإشارة إلى القسم الثاني والثالث جميعا فانتظر.
(قوله ولو نوعا... إلخ)
الظاهر أنه احتراز عن اعتبار الظن الفعلي كما قال به بعضهم في قبال الشيخ أعلى الله مقامه الذي قال باعتبار الظن الشأني (وقد تقدم) تفصيل الكل في بحث التعدي وعدم التعدي عن المرجحات المنصوصة.
(أقول)
بل مقتضى ما تقدم من المصنف من انه على التعدي لا وجه للاقتصار على خصوص ما يوجب الظن الفعلي أو الشأني بل يتعدى إلى كل مزية ولو لم تكن موجبة لأحدهما هو وجوب التعدي في المقام إلى كل مزية خارجية ولو لم تكن هي موجبة للظن بالمضمون أصلا لا فعلا ولا شأنا.
(قوله في الجملة... إلخ)
والظاهر ان المقصود من قوله في الجملة هو إخراج مثل القياس المنهي عنه كما سيأتي فليس موافقة الخبر لكل ما يوجب الظن بمضمونه ولو نوعا هي من المرجحات حتى موافقته لمثل القياس.
145

(قوله بناء على لزوم الترجيح لو قيل بالتعدي من المرجحات المنصوصة أو قيل بدخوله في القاعدة المجمع عليها... إلخ)
في العبارة مسامحة واضحة فان مقتضى عطف قوله أو قيل بدخوله... إلخ على قوله لو قيل بالتعدي... إلخ ان موافقة الخبر لما يوجب الظن بمضمونه ولو نوعا هي من المرجحات إذا قيل بدخوله في القاعدة المجمع عليها ولو لم نقل بالتعدي من المرجحات المنصوصة وهو كما ترى غير مستقيم (والصحيح) هكذا لو قيل بالتعدي من المرجحات المنصوصة سواء كان ذلك لاستفادته من الفقرات الخاصة من الروايات كما تقدم من الشيخ أعلى الله مقامه أو كان لدخول الخبر الراجح في القاعدة المجمع عليها.
(وقد أشار المصنف) إلى الأخير في بحث التعدي وعدم التعدي بقوله نعم لو كان وجه التعدي اندراج ذي المزية في أقوى الدليلين... إلخ فتذكر.
(قوله كما ادعى وهي لزوم العمل بأقوى الدليلين... إلخ)
المدعي لذلك هو الشيخ أعلى الله مقامه فإنه الذي يظهر منه دخول الخبر الموافق لما يوجب الظن بمضمونه ولو نوعا أي شأنا لا فعلا في القاعدة المجمع عليها وهي لزوم العمل بأقوى الدليلين (قال) عند التعرض للمرجحات الخارجية بعد بيان القسم الأول منها وهو ما يكون غير معتبر في نفسه ومعاضدا لمضمون أحد الخبرين كالشهرة في الفتوى ونحوها (ما لفظه) ثم الدليل على الترجيح بهذا النحو من المرجح ما يستفاد من الأخبار من الترجيح بكل ما يوجب أقربية أحدهما إلى الواقع وان كان خارجا عن الخبرين (قال) بل يرجع هذا النوع إلى المرجح الداخلي فإن أحد الخبرين إذا طابق أمارة ظنية فلازمه الظن بوجود خلل في الآخر إما من حيث الصدور أو من حيث جهة الصدور فيدخل الراجح فيما لا ريب فيه والمرجوح فيما فيه الريب (إلى ان قال) ومن هنا يمكن أن يستدل على المطلب بالإجماع المدعي في كلام جماعة على وجوب العمل بأقوى الدليلين بناء على عدم شمولها للمقام من
146

حيث ان الظاهر من الأقوى أقواهما في نفسه ومن حيث هو لا مجرد كون مضمونه أقرب إلى الواقع لموافقة أمارة خارجية فيقال في تقريب الاستدلال إن الأمارة موجبة لظن خلل في المرجوح مفقود في الراجح فيكون الراجح أقوى احتمالا من حيث نفسه (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (ومحصله بطوله) أن الدليل على الترجيح بالقسم الأول من المرجح الخارجي هو وجوه ثلاثة.
(الأول) الفقرات الخاصة من الأخبار العلاجية التي استفيد منها الترجيح بكل ما يوجب أقربية أحد المتعارضين إلى الواقع وقد تقدم تفصيل الكل في بحث التعدي وعدم التعدي عن المرجحات المنصوصة فراجع.
(الثاني) أن مرجع هذا النوع من المرجح الخارجي هو إلى المرجح الداخلي فإنه مما يوجب الظن بخلل في المرجوح إما في صدوره أو في جهة صدوره فيدخل الراجح فيما لا ريب فيه والمرجوح فيما فيه الريب فيقدم ما لا ريب فيه على ما فيه الريب.
(الثالث) عين الوجه الثاني بتغيير في الجملة فنقول ان مرجع هذا النوع من المرجح الخارجي هو إلى المرجح الداخلي بالتقريب المذكور آنفا فيكون الراجح أقوى احتمالا من حيث نفسه فيدخل في القاعدة المجمع عليها وهي وجوب العمل بأقوى الدليلين (هذا محصل كلامه) أعلى الله تعالى مقامه.
(قوله وقد عرفت ان التعدي محل نظر بل منع... إلخ)
قد عرفت ذلك في بحث التعدي وعدم التعدي عن المرجحات المنصوصة عند تضعيف تمسك الشيخ أعلى الله مقامه بالفقرات الخاصة من الأخبار العلاجية وبه يحصل لك الجواب عن الوجه الأول من الوجوه المتقدمة آنفا التي استدل بها الشيخ للترجيح بالقسم الأول من المرجح الخارجي.
147

(قوله وان الظاهر من القاعدة هو ما كان الأقوائية من حيث الدليلية والكشفية... إلخ)
وقد عرفت ذلك أيضا في بحث التعدي وعدم التعدي عن المرجحات المنصوصة.
(عند قول المصنف) نعم لو كان وجه التعدي اندراج ذي المزية في أقوى الدليلين لوجب الاقتصار على ما يوجب القوة في دليليته وفي جهة إثباته وطريقيته من دون التعدي إلى ما لا يوجب ذلك وان كان موجبا لقوة مضمون ذيه ثبوتا كالشهرة الفتوائية أو الأولوية الظنية ونحوهما... إلخ.
(وبالجملة) ملخص الكلام ان الظاهر من القاعدة المذكورة وهي وجوب العمل بأقوى الدليلين هو وجوب العمل بأقواهما في دليليته في حد نفسه من حيث هو لا بمجرد كون مضمونه مؤيدا بأمارة خارجية.
(أقول)
قد أشرنا عند تأسيس الأصل الثانوي في الخبرين المتعارضين بعد قيام الإجماع والأخبار العلاجية على عدم سقوطهما جميعا وانه لا بد من العمل بأحدهما لا محالة إما تعيينا أو تخييرا ان القاعدة المذكورة هي مما استقل به العقل وحكم به اللب (ومن المعلوم) ان العقل مما لا يفرق بين ما إذا كانت الأقوائية في أحد الدليلين في دليليته وطريقيته إلى الواقع أو في مضمونه ومؤداه من جهة تأيده بأمارة خارجية على طبقه فأحد الدليلين بمجرد أن كان أقوى من صاحبه ولو مضمونا كان العمل به متعينا عقلا دون العمل بصاحبه نظرا إلى رجحان الأول ومرجوحية الثاني (بل لا يبعد) ان يقال إن المرجح الخارجي كالشهرة الفتوائية أو الأولوية الظنية ونحوهما هو مما يوجب القوة في أصل دليليته وفي جهة إثباته وطريقيته كما أشير قبلا في بحث التعدي إلى المزية الموجبة للظن الشأني أو الفعلي في ذيل التعليق على قوله فافهم (وعليه) فما ادعاه الشيخ هنا من دخول الخبر بمجرد كونه راجحا بمرجح
148

خارجي تحت القاعدة المجمع عليها وهي وجوب العمل بأقوى الدليلين هو دعوى في محلها فتأمل جيدا.
(قوله ومطابقة أحد الخبرين لها لا يكون لازمه الظن بوجود خلل في الآخر إما من حيث الصدور أو من حيث جهته... إلخ)
هذا رد على الوجه الثاني بل الوجهين الأخيرين من الوجوه الثلاثة المتقدمة من الشيخ أعلى الله مقامه للترجيح بالقسم الأول من المرجح الخارجي وذلك لتوقفهما على إرجاع هذا النوع من المرجح الخارجي إلى الداخلي بدعوى كون الأمارة الخارجية المطابقة لأحد الخبرين موجبة للظن بخلل في المرجوح إما في صدوره وإما في جهته فيدخل الراجح فيما لا ريب فيه أو في أقوى الدليلين.
(وحاصل رد المصنف) عليهما هو المنع عن كون مطابقة أحد الخبرين لأمارة خارجية هي موجبة للظن بخلل في الآخر إما في صدوره أو في جهته كيف ونحن نقطع
بوجود جميع ما اعتبر في حجية المخالف للأمارة الخارجية لو لا معارضته بالموافق لها فكيف يجتمع القطع المذكور مع الظن بخلل فيه إما في صدوره وإما في جهته.
(وفيه) أن المراد من الظن بخلل فيه ليس هو الظن بخلل فيما اعتبر في حجيته كي لا يجتمع ذلك مع القطع بوجود جميع ما اعتبر في حجيته لو لا المعارضة بل المراد منه هو الظن بكذبه ثبوتا إما صدورا أو جهة ومن المعلوم جواز اجتماع ذلك مع القطع بوجود جميع ما اعتبر في حجيته لو لا المعارضة بل قد يجتمع القطع بكذبه ثبوتا إما صدورا أو جهة مع القطع بوجود جميع ما اعتبر في حجيته لو لا المعارضة فكيف بالظن بكذبه كذلك (ولعله) إليه أشار المصنف أخيرا بقوله فافهم فتأمل جيدا.
(ثم إن الحق في الجواب) عن الوجهين الأخيرين من وجوه الشيخ أعلى الله مقامه أن يقال.
149

(أولا) إن مطابقة أحد الخبرين لأمارة خارجية هي قد لا توجب الظن الفعلي بمضمونه كي توجب الظن بخلل في الآخر إما في صدوره أو في جهة صدوره ليدخل الراجح فيما لا ريب فيه أو في أقوى الدليلين.
(بل الشيخ) أعلى الله مقامه على ما تقدم في بحث التعدي وعدم التعدي عن المرجحات المنصوصة قد منع أكيدا عن الظن الفعلي في المرجح وقال باعتبار الظن الشأني فيه خاصة على نحو لو حصل الظن الفعلي لسقط المرجوح عن الحجية وخرجت المسألة عن تعارض الحجتين وعد ذلك المرجح موهنا لا مرجحا فتذكر (وثانيا) إن القاعدة المذكورة وهي وجوب العمل بأقوى الدليلين وإن كانت هي مقبولة مرضية بل يستقل بها العقل على ما تقدم في تأسيس الأصل الثانوي في الخبرين المتعارضين (ولكنها) إنما تنفع هي إذا لم تنهض حجة على التعيين أو التخيير بأن عجزنا عن الجمع بين الأخبار العلاجية ولم نستفد منها ان اللازم هل هو التخيير أو الترجيح (وأما إذا نهض) حجة على التخيير كما اخترنا ذلك واختاره المصنف أو اخترنا الترجيح كما اختاره الشيخ واختاره المشهور فلا يكاد يبقى مجال للقاعدة المذكورة أصلا.
(أما على الأول) فواضح إذ المفروض تحكيم إطلاقات التخيير ومعها لا مجال للقاعدة المذكورة أبدا.
(واما على الثاني) فلبقاء إطلاقات التخيير فيما سوى المرجحات المنصوصة سالمة محكمة ومعها لا مجال أيضا للأصل الثانوي أبدا وقد تقدم من الإشارة إلى هذا كله في صدر بحث التعدي عن المرجحات المنصوصة وعدمه عند تضعيف تمسك الشيخ للتعدي بأن الأصل هو العمل بما يحتمل ان يكون مرجحا في نظر الشارع فراجع (وثالثا) لو سلم ان مطابقة أحد الخبرين لأمارة خارجية هي موجبة للظن بخلل في الآخر فلا وجه لحصر الخلل بين صدوره وجهته بل يتردد الخلل بين صدوره وجهته ودلالته بمعنى انه نظن أن الخبر المخالف لأمارة خارجية إما غير صادر من
150

أصله أو صادر لا لبيان الواقع أو ان ظاهره غير مراد للمتكلم وهذا واضح.
(قوله والصدق واقعا لا يكاد يعتبر في الحجية كما لا يكاد يضر بها الكذب كذلك... إلخ)
أي والصدق الواقعي لا يكاد يعتبر في حجية الخبر كما لا يكاد يضر بها الكذب الواقعي كي إذا حصل الظن بكذب الآخر واقعا كان ذلك ظنا بخلل في حجيته.
(قوله فافهم... إلخ)
قد أشير آنفا إلى وجه قوله فافهم في ذيل التعليق على قوله ومطابقة أحد الخبرين إلى آخره فتذكر.
(قوله فهو وإن كان كالغير المعتبر لعدم الدليل... إلخ)
بمعنى ان ما ليس بمعتبر لأجل الدليل على عدم اعتباره بالخصوص كالقياس وإن كان هو كالغير المعتبر لعدم الدليل على اعتباره كالشهرة في الفتوى من حيث وجوب الترجيح به بناء على التعدي اما لاستفادته من الفقرات الخاصة من الأخبار العلاجية أو لدخول الخبر الراجح في القاعدة المجمع عليها وهي وجوب العمل بأقوى الدليلين الا أن الأخبار الناهية عن القياس مانعة عن الترجيح به.
(قوله بناء على دخول مظنون المضمون في أقوى الدليلين... إلخ)
كما عرفت ذلك من الشيخ أعلى الله مقامه بالتقريب المتقدم لك شرحه في ذيل التعليق على قوله كما ادعى وهي لزوم العمل بأقوى الدليلين... إلخ وعرفته منا أيضا في ذيل التعليق على قوله وان الظاهر من القاعدة هو ما كان الأقوائية من حيث الدليلية والكشفية... إلخ.
(قوله الا أن الأخبار الناهية عن القياس وأن السنة إذا قيست محق الدين مانعة عن الترجيح به... إلخ)
ولعل من هنا قد ذهب المشهور إلى عدم الترجيح به:
(قال الشيخ) أعلى الله مقامه ظاهر المعظم العدم كما يظهر من طريقتهم في
151

كتبهم الاستدلالية في الفقه (قال) وحكى المحقق في المعارج عن بعض القول بكون القياس مرجحا (إلى ان قال) ومال إلى ذلك بعض سادة مشايخنا المعاصرين (ثم قال) والحق خلافه لأن رفع الخبر المرجوح بالقياس عمل به حقيقة كرفع العمل بالخبر السليم عن المعارض والرجوع معه إلى الأصول وأي فرق بين رفع القياس لوجوب العمل بالخبر السليم عن المعارض وجعله كالمعدوم حتى يرجع إلى الأصل وبين رفعه لجواز العمل بالخبر للتكافؤ لخبر آخر وجعله كالمعدوم حتى يتعين العمل بالخبر الآخر (إلى ان قال) ولذا استقرت طريقة أصحابنا على هجره في باب الترجيح ولم نجد منهم موضعا يرجحون به ولو لا ذلك لوجب تدوين شروط القياس في الأصول ليرجح به في الفروع (انتهى) كلامه رفع مقامه.
(قوله استعمال له في المسألة الشرعية الأصولية... إلخ)
وهي جواز ترجيح أحد الخبرين المتعارضين بالقياس وعدمه.
(قوله وتوهم ان حال القياس هاهنا ليس في تحقق الأفوائية به إلا كحاله فيما ينقح به موضوع آخر ذو حكم... إلخ)
(وحاصل التوهم) ان القياس كما انه قد ينقح به موضوع آخر ويرتب عليه حكمه كما إذا حصل منه الظن بالضرر ورتب عليه جواز الإفطار أو حصل منه الظن بالقبلة في جهة خاصة ورتب عليه جواز الصلاة إليها فكذلك ينقح به موضوع الأقوائية في أحد المتعارضين فيندرج به تحت قاعدة وجوب العمل بأقوى الدليلين (وحاصل الجواب) ان القياس في الموضوعات الخارجية الصرفة ليس هو قياسا في الدين وإن رتب عليها أحكام شرعية جزئية بخلاف إعمال القياس في المسألة الأصولية أو الفرعية فإنه قياس في الدين لما يترتب عليه من استنباط حكم شرعي كلي لا جزئي.
(قوله والتخيير بينه وبين معارضه بمقتضى أدلة العلاج... إلخ)
أي وبعد التخيير بينه وبين معارضه بمقتضي الاخبار العلاجية حتى اخبار
152

إذا المفروض تكافؤ الخبرين المتعارضين من تمام الجهات إلا في موافقة أحدهما للقياس دون الآخر فمع قطع النظر عن القياس ليس مقتضي أخبار العلاج الا التخيير بينهما لتكافئهما فإذا تعين الخبر الموافق للقياس دون المخالف له كان ذلك نحو إعمال له في الدين فيحرم شرعا.
في بيان حال القسم الثاني من
المرجحات الخارجية
(قوله وأما ما إذا اعتضد بما كان دليلا مستقلا في نفسه كالكتاب والسنة القطعية... إلخ)
قد أشرنا في صدر هذا الفصل والفصل المتقدم أيضا إلى أقسام المرجحات الخارجية وعرفت حال القسم الأول منها مفصلا (وهذا شروع) من المصنف في بيان حال القسم الثاني منها وهو ما إذا كان المرجح الخارجي دليلا معتبرا في حد نفسه معاضدا لمضمون أحد الخبرين كالكتاب والسنة.
(ثم إن الشيخ) أعلى الله مقامه قد جعل للخبر المخالف لظاهر الكتاب المعارض بالخبر الموافق لظاهره صورا ثلاثة.
(الأولى) أن يكون الخبر المخالف لو خلى عن معارضه لكان مقدما على ظاهر الكتاب لكونه نصا بالنسبة إليه أو أظهر (وقد حكم في هذه الصورة) بوجوب ملاحظة جميع ما يمكن أن يرجح به المخالف على الموافق فإن كان راجحا رجح عليه وقدم على ظاهر الكتاب وإن كان متكافئا كان اللازم التخيير فله أن
153

يأخذ بالموافق وله أن يأخذ بالمخالف ويخصص به عموم الكتاب (قال) لما سيجيء من ان موافقة أحد الخبرين للأصل يعني به عموم الكتاب لا يوجب رفع التخيير (إلى ان قال) فتلخص أن الترجيح بظاهر الكتاب لا يتحقق بمقتضي القاعدة في شيء من فروض هذه الصورة انتهى.
(الثانية) أن يكون الخبر المخالف لو خلي عن معارضه لكان مطروحا لمخالفته مع ظاهر الكتاب بنحو المباينة الكلية (وقد حكم في هذه الصورة) بخروج الخبر المخالف عن الحجية رأسا لتواتر الأخبار ببطلان الخبر المخالف للكتاب والسنة والمتيقن من المخالفة هو هذا النحو منها ففي هذه الصورة أيضا لا مورد للترجيح بظاهر الكتاب.
(الثالثة) أن يكون الخبر المخالف لو خلي عن المعارض لخالف الكتاب لكن لا على وجه التباين الكلي بل يمكن الجمع بينهما بصرف أحدهما عن ظاهره يعني به المخالفة بنحو العموم من وجه (قال) وحينئذ فإن قلنا بسقوط الخبر المخالف بهذه المخالفة عن الحجية كان حكمها حكم الصورة الثانية يعني به كون المخالف مطروحا ليس بحجة وانه لا ترجيح في هذه الصورة أيضا كما في الصورة السابقة عينا (ثم قال) والا كان الكتاب مع الخبر المطابق بمنزلة دليل واحد عارض الخبر المخالف والترجيح حينئذ بالتعاضد وقطعية سند الكتاب فالترجيح بموافقة الكتاب منحصر في هذه الصورة الأخيرة (انتهى) (هذا كله ملخص كلام الشيخ) أعلى الله مقامه.
(وأما المصنف) فحاصل كلامه ان الخبر المخالف للكتاب أو السنة (إن كانت) مخالفته بنحو المباينة الكلية فهذه الصورة خارجة عن مورد الترجيح لعدم حجية الخبر المخالف للكتاب بهذا النحو من المخالفة مطلقا ولو مع عدم المعارض لأنه المتيقن من الاخبار الدالة على انه زخرف أو باطل أو لم نقله إلى غير ذلك (وهكذا إذا كانت) مخالفته بنحو العموم والخصوص من وجه فحكمها حكم
154

المخالفة في الصورة الأولى وقد ذكر هذه الصورة في آخر كلامه (وأما إذا كانت) مخالفته بنحو العموم والخصوص المطلق فمقتضي القاعدة وإن كان ملاحظة الترجيح بينه وبين معارضه كما ذكر الشيخ أعلى الله مقامه فإن كان المخالف راجحا رجح على معارضه وخصص به الكتاب وإن كان متكافئا نتخير بين الأخذ به وتخصيص الكتاب به وبين الأخذ بمعارضه المعتضد بظاهر الكتاب ولكن أخبار الترجيح بموافقة الكتاب غير قاصرة عن الشمول لهذه الصورة فنرجح بها الموافق لعموم الكتاب على المخالف لعموم الكتاب وإن كان المخالف لو خلي عن المعارض قدم على عموم الكتاب لأخصيته منه (هذا إن قلنا) إن اخبار الترجيح بموافقة الكتاب والسنة هي في مقام الترجيح (وأما إذا قلنا) إنها في مقام تعيين الحجة عن اللاحجة كما تقدم منه عند الجواب عن أخبار الترجيح فلا ترجيح كي يرجح الموافق على المخالف (هذا كله) محصل كلام المصنف.
(أقول)
قد عرفت منا سابقا في بحث تخصيص الكتاب بخبر الواحد وفي بحث حجية خبر الواحد أيضا بل وعند ذكر جواب المصنف عن أخبار الترجيح ان الأخبار الناهية عن الخبر المخالف للكتاب أو السنة ولو لم يكن له معارض التي تعبر عنه بالزخرف أو الباطل أو أنه لم أقله إلى غير ذلك هي محمولة على النهي عن الخبر المخالف لنص الكتاب أو السنة ولصريحه دون ظهوره (وذلك) بشهادة القطع بصدور كثير من الأخبار المخالفة لظهور الكتاب أو السنة ولو بنحو المباينة الكلية فضلا عن غيرها مثل ما
دل على أن البحرين في قوله تعالى مرج البحرين يلتقيان علي عليه السلام وفاطمة عليها السلام وأن البرزخ بينهما هو النبي صلى الله عليه وآله وأن اللؤلؤ والمرجان هما الحسنان عليهما السلام ونحو ذلك من الأخبار المؤولة لظواهر الكتاب أو السنة إلى معان يباينها بنحو الكلية (كما انك قد عرفت) منا عند ذكر جواب المصنف عن أخبار الترجيح ان المراد من المخالفة في أخبار الترجيح بموافقة الكتاب أو السنة
155

هي المخالفة لظهور الكتاب أو السنة لا لنصه ولصريحه (وذلك) بشهادة الترجيح بالشهرة والشذوذ في المقبولة قبل الترجيح بموافقة الكتاب والسنة فإن معنى تقديمه عليه هو وجوب الأخذ بالمشهور وان كان مخالفا للكتاب والسنة فلو كان المراد من المخالفة مخالفة الخبر لنص الكتاب أو السنة دون ظهوره لم يجز ذلك قطعا ولو كان الخبر مشهورا مجمعا عليه عند الأصحاب (وعليه) فالمعيار في كون الخبر المخالف زخرفا باطلا لم يقل به الإمام عليه السلام هو كونه مخالفا لنص الكتاب أو السنة ولو بنحو العموم والخصوص المطلق فضلا عن المخالفة بنحو المباينة الكلية أو العموم من وجه (وأما إذا كان) الخبر مخالفا لظهور الكتاب أو السنة دون نصه وصريحه كان الخبر حجة قهرا وان كان مخالفته بنحو المباينة الكلية فضلا عن غيرها (والصحيح) في تصوير الصور في المقام أن يقال (إن الخبر المخالف) للكتاب أو السنة المعارض بالموافق لأحدهما (قد يكون) مخالفا لنصه وصريحه (وفي هذه الصورة) يكون الخبر المخالف مطروحا غير حجة (وقد يكون) مخالفا لظهور الكتاب أو السنة ويكون بينهما جمع عرفي بأن كان المخالف نصا أو أظهر (وفي هذه الصورة) بناء على وجوب الترجيح يرجح الخبر الموافق على المخالف ويندرج الموافق تحت أخبار الترجيح بموافقة الكتاب والسنة فإذا جاءنا مثلا خبر يأمر بإكرام فساق العلماء وجاءنا خبر ينهى عن إكرام فساق العلماء وكان في الكتاب العزيز أمر بإكرام العلماء بنحو العموم قدم الخبر الموافق لعموم الكتاب على المخالف لعمومه (وأما ما تقدم) من الشيخ أعلى الله مقامه من أن موافقة أحد الخبرين للأصل يعني به عموم الكتاب مما لا يوجب رفع التخيير فهو ضعيف جدا فإن الأصل الذي لا يجدي موافقته للخبر هو الأصل العملي كما سيأتي لا أصالة الظهور التي هي أمارة ظنية (مضافا) إلى ان موافقة الكتاب أو السنة هي من المرجحات المنصوصة فيجب الترجيح بها على كل حال سواء كانت هي أصلا أو أمارة وهذا واضح (وقد يكون) مخالفا لظهور الكتاب أو السنة وليس بينهما
156

جمع عرفي بأن لم يكن المخالف نصا ولا أظهر (والظاهر ان هذه الصورة) ملحقة بالصورة الأولى فيكون الخبر المخالف للكتاب أو السنة بهذا النحو من المخالفة مطروحا غير حجة مندرجا تحت الأخبار الناهية عن الخبر المخالف فإنا وإن نقطع بصدور كثير من الأخبار المخالفة لظهور الكتاب أو السنة لكن فيما كان المخالف نصا أو أظهر لا مطلقا كما هو الظاهر.
(قوله وتخصيص الكتاب به تعيينا أو تخييرا لو لم يكن الترجيح في الموافق... إلخ)
أي وتخصيص الكتاب بالخبر المخالف تعيينا إذا كان فيه ترجيح أو تخييرا إذا لم يكن فيه ترجيح.
(قوله كما نزلناها عليه... إلخ)
أي عند الجواب عن أخبار الترجيح فقال مع ان في كون أخبار موافقة الكتاب أو مخالفة القوم من اخبار الباب نظرا... إلخ فراجع.
(قوله ويؤيده اخبار العرض على الكتاب الدالة على عدم حجية المخالف من أصله... إلخ)
أي ويؤيد كون اخبار الترجيح هي في مقام تعيين الحجة عن اللاحجة لا ترجيح الحجة على الحجة أخبار العرض على الكتاب يعني بها الأخبار الناهية عن الخبر المخالف للكتاب والسنة ولو لم يكن له معارض التي تعبر عنه بالزخرف والباطل ونحوهما فإنهما تفرغان عن لسان واحد فلا وجه لحمل المخالفة في الطائفة الأولى على خلاف المخالفة في الطائفة الثانية بأن يحمل المخالفة في الطائفة الأولى على المخالفة بالعموم والخصوص المطلق ويحمل المخالفة في الطائفة الثانية على المخالفة بالمبائنة الكلية أو بالعموم والخصوص من وجه.
(أقول)
قد عرفت منا مرارا أنه فرق بين الطائفتين جدا (وان المراد من المخالفة) في الطائفة
157

الأولى أعني اخبار الترجيح هو المخالفة لظهور الكتاب أو السنة بشهادة كون الترجيح بموافقة الكتاب والسنة في المقبولة هو بعد الترجيح بالشهرة والشذوذ فإن معنى تأخره عنه هو وجوب الأخذ بالمشهور ولو كان مخالفا للكتاب أو السنة فلو كان المراد من المخالفة فيها المخالفة لنص الكتاب أو السنة لم يجز ذلك قطعا (وأن المراد من المخالفة) في الطائفة الثانية أعني اخبار العرض على الكتاب هو المخالفة لنص الكتاب ولصريحه وذلك بشهادة القطع بصدور كثير من الأخبار المخالفة لظاهر الكتاب دون نصه وصريحه المخصصة لعموماته أو المقيدة لإطلاقاته أو المؤولة لظواهره إلى معان أخر يباين المعاني الظاهرة (وعليه) فالتأييد الذي قد ذكره المصنف من ان الطائفتين تفرغان عن لسان واحد هو في غير محله (ولعل) من هنا قد رجع أخيرا عن هذا التأييد بقوله اللهم الا ان يقال نعم... إلخ.
(قوله اللهم إلا أن يقال نعم إلا أن دعوى اختصاص هذه الطائفة بما إذا كانت المخالفة بالمبائنة... إلخ)
رجوع عما ذكره من التأييد كما أشرنا آنفا (وحاصل) وجه الرجوع ان دعوى اختصاص الطائفة الثانية وهي اخبار العرض على الكتاب التي تنهى عن الخبر المخالف ولو لم يكن له معارض وانه زخرف باطل لم نقله بما إذا كانت المخالفة بالمبائنة بقرينة القطع بصدور المخالف الغير المباين عنهم عليهم السلام غير بعيدة (وعليه) فلا يبقى مجال للتأييد المتقدم من ان الطائفتين تفرغان عن لسان واحد.
(أقول)
ولو قال بما إذا كانت المخالفة لنص الكتاب بقرينة القطع بصدور المخالف لظهوره عنهم عليهم السلام كان هو الصحيح وذلك لما عرفت من ان المعيار في كون الخبر المخالف زخرفا باطلا لم يقل به الإمام عليه السلام هو ان يكون مخالفا لنص الكتاب ولصريحه ولو كانت مخالفته بنحو العموم والخصوص المطلق وأن الخبر المخالف لظهور الكتاب يكون حجة إذا كان نصا أو أظهر وان كانت مخالفته بنحو المباينة الكلية.
158

(قوله وإباء مثل ما خالف قول ربنا لم أقله أو زخرف أو باطل عن التخصيص... إلخ)
مقصوده ان القطع بصدور المخالف الغير المباين عنهم عليهم السلام بضميمة إباء مثل قوله عليه السلام ما خالف قول ربنا لم أقله أو زخرف أو باطل عن التخصيص هو قرينة واضحة على كون المراد من المخالفة في هذه الأخبار أي الدالة على عدم حجية المخالف هو المخالفة بالمبائنة ولو لا الإباء عن التخصيص لقلنا بشمولها لمطلق المخالفة غايته انه ما قطعنا بصدوره عنهم من المخالف الغير المباين كان خارجا بالتخصيص.
(قوله وإن كانت المخالفة بالعموم والخصوص من وجه فالظاهر انها كالمخالفة في الصورة الأولى... إلخ)
قد أشرنا فيما تقدم ان المصنف قد ألحق المخالفة بالعموم والخصوص من وجه بالصورة الأولى وهي المخالفة بالمبائنة الكلية وانه قد ذكر هذه الصورة في آخر كلامه فهذا هو محل ذكرها فلا تغفل.
في بيان حال القسم الثالث من
المرجحات الخارجية
(قوله وأما الترجيح بمثل الاستصحاب... إلخ)
بل بالبراءة والاحتياط أيضا (ومن هنا قال) الشيخ أعلى الله مقامه ولا فرق في ذلك بين الأصول الثلاثة أعني أصالة البراءة والاحتياط والاستصحاب (انتهى)
159

وكيف كان هذا شروع من المصنف في بيان حال القسم الثالث من أقسام المرجحات الخارجية وهو الدليل المعتبر في نفسه الغير المعاضد لمضمون أحد الخبرين (وقد تقدم) التمثيل له في صدر هذا الفصل والفصل السابق أيضا بالأصل العملي.
(بل الشيخ) أعلى الله مقامه قد ذكر من القوم مرجحين آخرين أيضا غير الأصل العملي مثل كون أحد الخبرين متضمنا للإباحة والآخر مفيد للحظر فيقدم الحاظر على المبيح أو كون أحد الدليلين دليل الحرمة والآخر دليل الوجوب فيقدم دليل الحرمة على دليل الوجوب:
(قوله فالظاهر أنه لأجل اعتباره من باب الظن والطريقية عندهم إلى آخره)
وقد أشار الشيخ أعلى الله مقامه إلى ذلك (فقال) بعد عبارته المتقدمة (ما لفظه) لكن يشكل الترجيح بها يعني الأصول الثلاثة أي البراءة والاحتياط والاستصحاب من حيث ان مورد الأصل ما إذا فقد الدليل الاجتهادي المطابق أو المخالف فلا مورد لها إلا بعد فرض تساقط المتعارضين لأجل التكافؤ والمفروض ان الاخبار المستفيضة دلت على التخيير مع فقد المرجح فلا مورد للأصل في تعارض الخبرين رأسا فلا بد من التزام عدم الترجيح بها وأن الفقهاء انما رجحوا بأصالة البراءة والاستصحاب في الكتب الاستدلالية من حيث بنائهم على حصول الظن النوعي بمطابقة الأصل وأما الاحتياط فلم يعلم منهم الاعتماد عليه الا في مقام الاستناد لا في مقام الترجيح (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(وبالجملة) محصل كلام الشيخ والمصنف جميعا ان ترجيح الأصحاب أحد الخبرين المتعارضين بالأصل العملي مبني على اعتبار الأصل من باب الظن وأما بناء على اعتباره تعبدا وكونه أصلا عمليا محضا فيشكل الترجيح به.
(غير أن وجه الإشكال في نظر الشيخ) أن الأصل العملي كما تقدم شرحه هو مما لا مورد له مع الدليل الاجتهادي سواء كان الدليل مخالفا له أو موافقا معه
160

وذلك لحكومة الدليل على الأصل ففي المقام لا مورد للأصل العملي الا بعد تساقط الخبرين المتعارضين جميعا والاخبار العلاجية قد دلت على عدم تساقطهما فلا يبقى معه مجال للأصل أصلا.
(ووجه الإشكال في نظر المصنف) كما صرح به في الكتاب ان الأصل بناء على اعتباره تعبدا من باب الاخبار وكونه أصلا عمليا محضا لا طريقا إلى الواقع هو مما لا يتقوى به مضمون الخبر الموافق له كي يرجح به الموافق على المخالف فإن الخبر مما يؤدي الحكم الواقعي والأصل مما يؤدي الحكم الظاهري وليس بين الحكمين سنخية كي يعتضد بعضهما ببعض وهذا واضح ظاهر.
(أقول)
إن كلا من وجهي الإشكال في الترجيح بالأصل العملي هو صحيح تام في محله بل وجه الشيخ مما يبطل الترجيح بالاستصحاب حتى على القول بكونه أمارة ظنية كما اخترناه وقويناه وذلك لحكومة الدليل الاجتهادي أو وروده عليه على الخلاف المتقدم في أواخر الاستصحاب مفصلا فإذا دلت الاخبار العلاجية بل الإجماع القطعي على عدم سقوط الخبرين المتعارضين بمجرد تعارضهما فلا يكاد يبقى معه مجال للاستصحاب أصلا كي يرجح به الخبر الموافق له على المخالف له كما لم يبق معه مجال للبراءة والاحتياط أيضا.
في الاجتهاد وبيان معناه لغة واصطلاحا
(قوله فصل الاجتهاد لغة تحمل المشقة... إلخ)
الاجتهاد من الجهد وهو في اللغة لمعان كثيرة (جهد) في الأمر جد وتعب (جهده)
161

المرض هزله (أجهد) الطعام اشتهاه (وأجهد) الدابة حملها فوق طاقتها (أجهد) المال فرقه وأفناه إلى غير ذلك من المعاني (واجتهد) في الأمر جد وبذل وسعه وتحمل المشقة.
(قوله واصطلاحا كما عن الحاجبي والعلامة استفراغ الوسع في تحصيل الظن بالحكم الشرعي... إلخ)
يظهر من البهائي رحمه الله في الزبدة أنه عرفه الحاجبي باستفراغ الفقيه الوسع في تحصيل الظن بحكم شرعي وانه وافقه العلامة في التهذيب ويظهر منه أيضا انه عرفه العلامة في النهاية باستفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية بحيث ينتفي اللوم عليه بسبب التقصير.
(قوله وعن غيرهما ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعي الفرعي من الأصل فعلا أو قوة قريبة... إلخ)
الظاهر ان المقصود من غيرهما هو البهائي رحمه الله (قال في الزبدة) المنهج الرابع في الاجتهاد والتقليد (ثم قال) الاجتهاد ملكة يقتدر بها وذكر العبارة كما ذكرها المصنف (والمراد) من الأصل هو مدرك الحكم الشرعي سواء كان دليلا اجتهاديا أو أصلا عمليا (كما ان المراد) من قوله فعلا أو قوة قريبة هو الإشارة إلى قسمي الاقتدار على الاستنباط (فقد يكون) الاقتدار على استنباط الحكم الشرعي بالفعل (وقد يكون) الاقتدار على استنباطه بالقوة أي قوة قريبة في قبال القوة البعيدة الموجودة في كثير من العوام أيضا.
(أقول)
ولو ترك قوله أو قوة قريبة بل مجموع قوله فعلا أو قوة قريبة كان أولى بل كان أصح إذ الاقتدار على استنباط الحكم الشرعي ما لم يكن فعليا في الخارج فلا اجتهاد فعلا كما لا يخفى (ثم إنه قد ظهر) مما ذكر إلى هنا ان الاجتهاد في الاصطلاح
162

عرف بتعاريف ثلاثة (استفراغ الفقيه الوسع... إلخ) و (استفراغ الوسع... إلخ) و (ملكة يقتدر بها... إلخ).
(اما التعريف الأول) فلا يخلو هو عن خلل ومناقشة وذلك لما أخذ فيه من كلمة الفقيه فإن معرفة الاجتهاد على هذا يتوقف على معرفة الفقيه ومعرفة الفقيه بتوقف على معرفة الاجتهاد إذ لا فقه بلا اجتهاد وهو دور واضح.
(وقد أشار المحقق القمي) إلى هذا الدور بقوله وفيه انه مستلزم للدور إذ الفقيه هو العالم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها وهو لا يتحقق إلا بكونه مجتهدا فلا فقه إلا مع الاجتهاد (انتهى).
(وقد يتصدى لدفع الدور) بدعوى أن المراد من الفقيه هو من مارس الفقه احترازا عن الأجنبي البحت فلا دور حينئذ إذ لا يتوقف الفقيه بهذا المعنى على الاجتهاد (وقد أورد عليه) المحقق المذكور مضافا إلى انه مجاز ليس بحقيقة أن استفراغ وسع الفقيه بهذا المعنى مما لا يكفي في تحقق الاجتهاد إذ من قرأ الكتب الفقهية وزاول رؤس المسائل أو بعض الكتب الاستدلالية أيضا ولم يحصل له بعد قوة رد الفرع إلى الأصل لا يسمى استفراغ وسعه اجتهادا بلا كلام (ثم تصدي) هو أعلى الله مقامه بنفسه لدفع الدور بدعوى ان المراد من الفقيه هو صاحب الاستعداد لفيضان العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عليه (وفيه ما لا يخفى) إذ المراد بالفقيه ليس الا العالم الفعلي بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها ومداركها لا صاحب الاستعداد فإن مجرد الاستعداد مما لا يوجب صدق عنوان الفقيه عليه وإن صدق عليه عنوان المجتهد كما سيأتي ومن المعلوم ان الفقيه بمعنى العالم الفعلي بالأحكام الشرعية عن أدلتها ومداركها مما يتوقف هو على الاجتهاد قطعا فالدور باق على حاله بلا شبهة (فيبقى) في المقام التعريف الثاني والثالث (وهو استفراغ الوسع) (وملكة يقتدر بها) والظاهر ان الاجتهاد في الاصطلاح هو نفس الفعل الخارجي أعني استفراغ الوسع في تحصيل الأحكام الشرعية عن أدلتها فالاجتهاد
163

لغة هو استفراغ الوسع في مطلق الأمور واصطلاحا هو استفراغ الوسع في خصوص تحصيل الأحكام الشرعية عن أدلتها غير أن الاجتهاد ليس هو استفراغ الوسع من كل أحد بل هو ممن له ملكة الاستنباط فبالنتيجة يكون الاجتهاد في الاصطلاح هو استفراغ صاحب الملكة وسعه في تحصيل الأحكام الشرعية عن أدلتها.
(نعم) قد يطلق المجتهد في الاصطلاح على من له ملكة الاستنباط ولو لم يتلبس بعد بالفعل الخارجي أصلا أي باستفراغ الوسع في تحصيل الأحكام الشرعية فيكون المراد من المبدأ حينئذ هو نفس الملكة لا الفعل الخارجي.
(قوله ولا يخفى ان اختلاف عباراتهم في بيان معناه اصطلاحا ليس من جهة الاختلاف في حقيقته وماهيته لوضوح انهم ليسوا في مقام بيان حده أو رسمه بل انما كانوا في مقام شرح اسمه... إلخ)
قد تقدم هذه الدعوى من المصنف في العام والخاص وقبله مختصرا في مقدمة الواجب في المطلق والمشروط وهي ان تعاريف القوم كلها لفظية لشرح الاسم وحصول الميز في الجملة وليست هي حقيقية لبيان الكنه والماهية لتكون بالحد أو الرسم (وقد استند) في هذه الدعوى إلى أمرين.
(أحدهما) ما ذكره في العام والخاص من ان المعنى المركوز في الذهن هو أوضح وأجلى مما ذكروه من التعريف مع انه يعتبر في التعريف الحقيقي ان يكون هو أضح وأجلى من المعرف فمنه يعرف انهم ليسوا في مقام التحديد والتعريف الحقيقي (وقد أجبنا) نحن عن هذا الأمر بأن المراد من اعتبار كون التعريف أوضح وأجلى هو كونه كذلك في بيان الحقيقة والماهية لا كونه أوضح وأجلى من المعرف مفهوما وإلا فما من تعريف حقيقي بالحد أو الرسم الا والمعرف هو أوضح وأجلى منه مفهوما كالإنسان والحيوان الناطق أو الحمار والحيوان الناهق وهكذا.
(ثانيهما) ما ذكره في المقام من عدم الإحاطة لغير علام الغيوب بالأشياء بكنهها أو بخواصها الموجبة لامتيازها عما عداها كي يمكن التعريف الحقيقي بالحد
164

أو الرسم (وقد أجبنا) نحن عن هذا الأمر هناك بأن عدم الإحاطة لغير علام الغيوب بكنه الأشياء أو بخواصها على الضبط والدقة مما لا ينافي كونهم بصدد التعريف الحقيقي على حسب وسعهم ومقدار طاقتهم كيف وهم قد يصرحون في أثناء كلامهم بأن القيد الفلاني هو لإخراج كذا أو لإدخال كذا وهو قرينة قطعية على كونهم بصدد التعريف الحقيقي وفي مقام بيان الكنه والماهية (وعليه) فكيف يحمل تعاريفهم على التعاريف اللفظية وانهم بصدد شرح الاسم وحصول الميز في الجملة
(قوله ولو كان أخص منه مفهوما... إلخ)
كتعريف بني هاشم بأنهم آل محمد أو انهم ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(قوله أو أعم... إلخ)
كتعريف السعدانة بأنه نبت أو الرمد بأنه داء أو السنا بأنه دواء وهكذا.
(قوله كما هو الحال في تعريف جل الأشياء لو لا الكل... إلخ)
أي فلا وقع أيضا للإيراد عليه بعدم الانعكاس أو الاطراد بعد ان كان التعريف لفظيا لشرح الاسم لا حقيقيا لبيان الكنه والماهية.
(قوله فافهم... إلخ)
الظاهر انه إشارة إلى ضعف ما أفاده في المقام في وجه كون التعاريف لفظية لا حقيقية من عدم الإحاطة بالأشياء بكنهها أو بخواصها (ولعل) وجه الضعف هو ما أشرنا إليه آنفا دون غيره والله العالم.
(قوله وكيف كان فالأولى تبديل الظن بالحكم بالحجة عليه... إلخ)
لا إشكال في ان مراد العلامة أعلى الله مقامه وكل من وافقه من الأصحاب في تعريف الاجتهاد باستفراغ الفقيه الوسع في تحصيل الظن بحكم شرعي هو الظن المعتبر إما بأدلة خاصة أو بدليل الانسداد لا الظن بما هو هو كيف وهو منهي عنه بمقتضي غير واحد من الآيات فكيف يريدونه ويقصدونه (وعليه) فلا نقص في التعريف من هذه الناحية (غير ان التعبير) بالظن حيث انه مما يوجب استيحاش
165

الأخباريين وتنفرهم طبعا (ولعل) من هنا قد حرموا الاجتهاد ونفوه شرعا كما ستأتي الإشارة إليه فالأولى هو تبديل الظن بالحكم بالحجة عليه أي على الحكم الواقعي (وأولى منه) إسقاط الظن رأسا فيقال كما أشرنا قبلا الاجتهاد هو استفراغ الوسع في تحصيل الحكم الشرعي أي سواء كان ظاهريا أو واقعيا.
(نعم إن المصنف) حيث لا يقول في الأمارات بجعل حكم ظاهري بل بجعل الحجية كما تقدم في محله فالتزم في المقام بتبديل الظن بحكم شرعي بالحجة عليه أي على الحكم الواقعي فتأمل جيدا.
(قوله فإن المناط فيه هو تحصيلها قوة أو فعلا... إلخ)
أي فإن المناط في الاجتهاد هو تحصيل الحجة على الحكم إما قوة على نحو لو أراد فعلا تحصيلها أمكنه ذلك وإما فعلا.
(قوله مما اعتبر من الطرق التعبدية الغير المفيدة للظن ولو نوعا... إلخ)
ليس لنا طريق تعبدي ولا غير تعبدي هو مما لا يفيد الظن ولو نوعا فإن من شأن الطرق والأمارات أن تكون هي مفيدة للظن ولو نوعا لا شخصا وهذا هو الفارق بينها وبين الأصول التعبدية المحضة كالبراءة وقاعدتي الحل والطهارة ونحو ذلك ولو جاز ان يكون الطريق غير مفيد للظن ولو نوعا لم يبق فرق بينه وبين الأصل العملي المحض أصلا.
(قوله ومنه قد انقدح أنه لا وجه لتأبي الأخباري عن الاجتهاد بهذا المعنى... إلخ)
أي ومما تقدم من كون الأولى تبديل الظن بالحكم بالحجة عليه قد انقدح انه لا وجه لتأبي الاخباري عن الاجتهاد بمعنى استفراغ الوسع في تحصيل الحجة على الحكم فإنه مما لا محيص عن الاجتهاد بهذا المعنى وإن كان يتأبى عن الاجتهاد بمعنى استفراغ الوسع في تحصيل الظن بالحكم الشرعي كما صرح به المحقق القمي أعلى الله مقامه (قال) قبيل الشروع في التجزي بيسير (ما لفظه) ثم إن الأخباريين أنكروا
166

الاكتفاء بالظن وحرموا العمل عليه ونفوا الاجتهاد والإفتاء والتقليد ظنا منهم بأن باب العلم غير منسد بدعوى ان أخبارنا قطعية فيحرم العمل بالظن ويجب متابعة الاخبار ويحرم التقليد بل يجب على كل أحد متابعة كلام المعصومين عليهم السلام (ثم قال) وهذا كلام لا يفهمه غيرهم وساق الكلام في تضعيفه فراجع
(أقول)
قد أشير آنفا ان مراد العلامة أعلى الله مقامه وكل من وافقه من الأصحاب في التعبير بتحصيل الظن بحكم شرعي في تعريف الاجتهاد هو الظن المعتبر (وعليه) فلا وجه لتأبي الاخباري عن الاجتهاد بهذا المعنى.
(نعم) إن التعبير بالظن بحكم شرعي كما ذكرنا حيث انه مما يوجب استيحاشهم فكان الأولى تبديله بالحجة عليه أو إسقاطه رأسا على نحو ما تقدم آنفا
(قوله له أن ينازع في حجية بعض ما يقول الأصولي باعتباره إلى آخره)
كظواهر الكتاب أو أصل البراءة في الشبهات التحريمية الحكمية ونحو ذلك.
في تقسيم الاجتهاد إلى مطلق وتجزي
(قوله فصل ينقسم الاجتهاد إلى مطلق وتجزى فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الأحكام الفعلية... إلخ)
من تعريف المصنف هذا للاجتهاد المطلق يعرف انه قد اختار في تعريف الاجتهاد ما تقدم من البهائي رحمه الله من انه ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعي إلى آخره وإن لم يظهر ذلك منه في صدر الفصل (وعلى كل حال) قد أشرنا فيما
167

تقدم ان الاجتهاد في الاصطلاح هو نفس ذلك الفعل الخارجي أعني استفراغ الوسع لا الملكة وانه قد يطلق المجتهد ويراد منه صاحب الملكة ولو لم يتلبس بعد بالفعل الخارجي (والظاهر) ان إطلاق لفظ المجتهد المطلق في قبال المجتهد المتجزي هو بهذا المعنى الأخير فمن له ملكة يقتدر بها على استنباط نوع الأحكام الشرعية فهو مجتهد مطلق وإن لم يستفرغ وسعه بعد في مسألة واحدة ولم يستنبط حكمها الشرعي أصلا ومن له ملكة يقتدر بها على استنباط بعض الأحكام الشرعية فهو متجزي (ثم إن الظاهر) ان وجه تعبير المصنف بالفعلية بدل الشرعية مع ان ما تقدم في تعريف الاجتهاد هو الحكم الشرعي لا الفعلي ليس الا التحفظ على قوله بعد هذا من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا... إلخ فلو قال علي استنباط الأحكام الشرعية لم يدخل فيها الحكم المستنبط من أصل عملي عقلي وهذا واضح.
(قوله في الموارد التي لم يظفر فيها بها... إلخ)
هذا راجع إلى خصوص قوله أو أصل معتبر عقلا أو نقلا بمعنى انه يستنبط الحكم الفعلي من الأصل المعتبر العقلي أو النقلي في الموارد التي لم يظفر فيها بأمارة معتبرة.
(قوله والتجزي هو ما يقتدر به على استنباط بعض الأحكام... إلخ)
لازم هذه العبارة أن يكون الاجتهاد المطلق هو عبارة عما يقتدر به على استنباط جميع الأحكام ولا يعتبر ذلك قطعا بل المعتبر في الاجتهاد المطلق كما أشرنا آنفا هو ما يقتدر به على استنباط نوع الأحكام وإن لم يقتدر به على استنباط جميع الأحكام لغموضة بعضها كما يتفق ذلك لكثير من الاعلام من دون أن يكون مضرا بصدق اجتهادهم المطلق (ومن هنا قال في الفصول) فالمجتهد المطلق من كان له ملكة تحصيل الظن بجملة يعتد بها من الأحكام يعني بها نوع الأحكام كما قلنا (إلى ان قال) ولا يقدح قصور نظره عن تحصيل الظن بالبعض (إلى ان قال) وإنما لم نعتبر ملكة تحصيل الظن بالكل مما عدا قطعياته لتعذره عادة فإن الأدلة قد تتعارض ولتردد كثير من المجتهدين في جملة من الأحكام كالمحقق والعلامة
168

والشهيدين وأضرابهم مع ان أحدا لم يقدح بذلك في اجتهادهم (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (هذا ولكن سيأتي من المصنف) الاعتراف بتردد الاعلام في بعض المسائل وانه لا يضر باجتهادهم المطلق فقهرا يكون المراد من قوله المتقدم فالاجتهاد المطلق... إلخ هو ما يقتدر به على استنباط نوع الأحكام لا جميعها.
في إمكان الاجتهاد المطلق
(قوله ثم انه لا إشكال في إمكان المطلق وحصوله للأعلام... إلخ)
وإنما الإشكال هو في إمكان التجزي كما سيأتي التعرض له في الموضع الأول من مواضع الكلام فيه فانتظر.
(قوله والتردد منهم في بعض المسائل إنما هو بالنسبة إلى حكمها الواقعي... إلخ)
(دفع لما قد يتوهم) من عدم إمكان الاجتهاد المطلق نظرا إلى ان الأعلام قد يترددون في بعض المسائل بل تقدم من الفضول انه يتعذر عادة الاجتهاد في الكل (وعليه) فكيف يكون الاجتهاد المطلق حاصلا لهم (وحاصل الدفع) ان ترددهم في بعض المسائل إنما هو بالنسبة إلى حكمها الواقعي لأجل عدم دليل مساعد في المسألة عليه أو عدم الظفر به بعد الفحص عنه بالمقدار اللازم وأما بالنسبة إلى حكمها الظاهري الفعلي فلا تردد لهم فيه أصلا فإنهم بعد الفحص عنه بحد اليأس يرجعون لا محالة إلى الأصول العملية ومؤداها هو الحكم الظاهري الفعلي من غير ترديد لهم فيه أبدا (وأصل هذا الدفع) من صاحب الفصول (قال) بعد عبارته المتقدمة
169

(ما لفظه) فإن ترددهم إنما هو في مقام الاجتهاد والا فلا تردد في مقام الحكم (انتهى) وظاهره ما أراده المصنف عينا (وكيف كان) يرد على هذا الدفع ان المراد من ترددهم في بعض المسائل ليس ترددهم في الحكم الواقعي فإن مجرد التردد فيه مما لا يوجب التردد في مقام الفتوى إذ مع عدم الدليل الاجتهادي على الحكم الواقعي يفتي لا محالة على طبق الأصل العملي بل المراد من ترددهم في بعض المسائل هو ترددهم في مقام الفتوى على نحو لا يفتي بشيء أصلا لا على طبق الدليل الاجتهادي ولا على طبق الأصل العملي إلا بالاحتياط الذي هو في قبال الاجتهاد والتقليد (وعليه فالحق) في دفع التوهم أن يقال إن التردد في بعض المسائل أحيانا مما لا يضر بالاجتهاد المطلق وإنما المضر به هو التردد في نوع المسائل وإن كان قد أفتى في جملة منها فهذا هو الذي لا يصدق معه الاجتهاد المطلق وإن صدق معه التجزي كما سيأتي لا التردد في بعض المسائل أحيانا فتأمل جيدا.
في جواز العمل بالاجتهاد المطلق لمن
اتصف به ولغيره
(قوله كما لا إشكال في جواز العمل بهذا الاجتهاد لمن اتصف به وأما لغيره... إلخ)
في المجتهد المطلق فروع ثلاثة.
(الأول) انه هل يجوز له ان يعمل باجتهاد نفسه.
(وقد أشار إليه المصنف) بقوله كما لا إشكال في جواز العمل بهذا الاجتهاد لمن اتصف به... إلخ.
170

(الثاني) انه هل يجوز للغير ان يعمل باجتهاده وفتاواه إذا كان المجتهد انفتاحيا.
(وقد أشار إليه المصنف) بقوله واما لغيره فكذا لا إشكال فيه إذا كان المجتهد ممن كان باب العلم أو العلمي بالأحكام مفتوحا له على ما يأتي من الأدلة على جواز التقليد... إلخ.
(وقد جمع صاحب الفصول) بين هذين الفرعين بقوله اما المجتهد المطلق فلا ريب في ان ظنونه التي أدي نظره إلى حجيتها حجة في حقه وحق مقلديه مع تحقق الشرائط وهو إجماعي بل ضروري (قال) ويدل عليه مضافا إلى ذلك العقل والنقل ثم شرع في بيانهما مشروحا.
(الثالث) أنه هل يجوز للغير أن يعمل باجتهاد المجتهد المطلق إذا كان انسداديا (وقد أشار إليه المصنف) بقوله الآتي بخلاف ما إذا انسد عليه بابهما فجواز تقليد الغير عنه في غاية الإشكال... إلخ.
(أقول)
(اما الفرع الأول) فلا إشكال في جواز عمل المجتهد المطلق باجتهاد نفسه كما ذكر المصنف فإنه قاطع لا محالة إما بالحكم الواقعي أو بالحجة عليه أو بالحكم الظاهري الشرعي أو العقلي ومع القطع بأحد هذه الأمور لا يكاد يمكنه رفع اليد عن قطعه والعمل باجتهاد الغير الذي لا يعتقد برأيه أبدا وهذا واضح.
(وأما الفرع الثاني) فجواز عمل الغير باجتهاد المجتهد المطلق وإن كان هو محل الخلاف وقد ذهب الأخباريون من أصحابنا إلى عدم جوازه ولكن المشهور كما سيأتي شرحه مفصلا هو جوازه حسب الأدلة الآتية إن شاء الله تعالى (ومن هنا يظهر) لك ما في كلام الفصول من دعوى الإجماع بل الضرورة في المسألة فإن الإجماع غير متحقق مع ذهاب الأخباريين إلى عدم الجواز فكيف بدعوى الضرورة فيها.
171

(نعم) لا بأس بدعوى الإجماع بل الضرورة في الفرع الأول فقط كما لا يخفى دون الثاني.
(وأما الفرع الثالث) فسيأتي الكلام فيه بلا فصل فتأمل يسيرا.
في جواز تقليد الانسدادي وعدمه
(قوله بخلاف ما إذا انسد عليه بابهما فجواز تقليد الغير عنه في غاية الإشكال... إلخ)
(وحاصل) ما أفاده في وجه إشكال تقليد الغير عن الانسدادي ان رجوع الغير إليه إما يكون بأدلة التقليد أو بمقدمات الانسداد الجارية عند الانسدادي وكلاهما مما لا يجدي شيئا.
(أما أدلة التقليد) فلأنها دلت على جواز رجوع الجاهل إلى العالم بالأحكام الشرعية دون الجاهل والانسدادي جاهل ليس بعالم.
(وأما مقدمات الانسداد) الجارية عند الانسدادي فمقتضاها حجية الظن في حق نفسه دون غيره (وعليه) فلا بد في رجوع الغير إلى الانسدادي من التماس دليل آخر ولا دليل إلا إذا ادعي الإجماع أو انسداد آخر يجري عند الغير ويوجب له حجية ظن المجتهد الانسدادي.
(أما الإجماع) فلا مجال له بعد كون الانسداد أمرا حادثا من أصله فكيف يحصل الاتفاق على جواز تقليد الانسدادي ويكون ذلك دليلا قاطعا في المسألة.
(وأما انسداد آخر) فلا يكاد يتم مقدماته عند الغير كي يوجب له حجية ظن الانسدادي إذ لا ينحصر المجتهد بالانسدادي فقط ولو اتفق حصره فلا يلزم
172

ترك العمل بقوله محذورا عقليا أعني اختلال النظام وأما العسر فهو وإن كان يلزم ولكن الغير ممن لا يدرك عدم وجوبه شرعا بعد فرض كونه عاميا محضا ليس بمجتهد (نعم) إذا فرض الحصر ولزوم الاختلال أو العسر وقد أدرك حرمة الاحتياط إذا كان مخلا بالنظام أو عدم وجوبه إذا كان عسريا تم الانسداد حينئذ في حقه وأوجب حجية ظن المجتهد الانسدادي له ولكنه مجرد فرض لا يتحقق في الخارج أبدا.
(هذا كله) على تقدير الحكومة واستقلال العقل بحجية الظن في حال الانسداد كاستقلاله بحجية العلم في حال الانفتاح.
(وأما بناء على الكشف) وان الظن طريق منصوب من قبل الشارع في حال الانسداد كالطرق المعتبرة بأدلة خاصة عند الانفتاحي عينا فجواز تقليد الغير عن الانسدادي القائل بالكشف مما لا ينبغي التأمل فيه وإن استشكل فيه المصنف بدعوى عدم مساعدة أدلة التقليد على جواز الرجوع إلى من اختص حجية ظنه بنفسه وان قضية مقدمات الانسداد هو اختصاص حجية الظن بمن جرت في حقه يعني الانسدادي دون الغير (وفيه ما لا يخفى) إذ لا قصور في أدلة التقليد من حيث شمولها له ودلالتها على جواز الرجوع إليه فإنه عالم بالاحكام الشرعية الظاهرية كالإنفتاحي القائل بالظنون الخاصة عينا غايته أن الانفتاحي قد علم بالطرق الشرعية المنصوبة بأدلة خاصة من الآيات والروايات والانسدادي قد علم بنصبها شرعا من مقدمات الانسداد وهذا مما لا يوجب تفاوتا فيما نحن بصدده أبدا.
(قوله أو جريان مقدمات دليل الانسداد في حقه... إلخ)
أي في حق غير المجتهد.
(قوله الثابت حجيته بمقدماته له أيضا... إلخ)
أي الثابت حجيته بمقدمات الانسداد لغير المجتهد أيضا.
173

(قوله ومقدماته كذلك غير جارية في حقه... إلخ)
الظاهر ان قوله كذلك إشارة إلى قوله بحيث تكون منتجة... إلخ أي ومقدمات الانسداد بحيث تكون منتجة بحجية الظن غير جارية في حق غير المجتهد.
(قوله لجواز الرجوع إليه في غاية الإشكال... إلخ)
كان الأنسب بقوله المتقدم فجواز تقليد الغير عنه في غاية الإشكال أن يزيد هاهنا كلمة أيضا فيقول فجواز الرجوع إليه في غاية الإشكال أيضا.
(قوله ولو سلم... إلخ)
كلمة ولو وصلية أي ولو سلم ان قضية المقدمات هو الكشف دون الحكومة.
(قوله فتأمل... إلخ)
ولعله إشارة إلى ما أشرنا إليه آنفا من جواز تقليد الغير عن الانسدادي القائل بالكشف وأن ما أفاده المصنف في وجه الإشكال فيه ضعيف كما عرفته منا فتأمل جيدا.
(قوله إن قلت حجية الشيء شرعا... إلخ)
(حاصل الإشكال) انه قد تقدم في بحث إمكان التعبد بالأمارات الغير العلمية ان حجية الطرق والأمارات ليست هي بمعنى جعل أحكام ظاهرية على طبق المؤديات بل بمعنى تنجز الواقع بها إن أصابته وكونها عذرا للمكلف إن أخطأته (وعليه) فالمجتهد الانفتاحي القائم عنده الطرق والأمارات المعتبرة ليس هو عالما بالأحكام الشرعية بل هو جاهل بها كالمجتهد الانسدادي عينا (اما عدم علمه) بالأحكام الواقعية فواضح (واما عدم علمه) بالاحكام الظاهرية فلأن المفروض عدم القول بها ومقتضي ذلك عدم جواز الرجوع إليه كما لم يجز الرجوع إلى المجتهد الانسدادي أيضا (وحاصل الجواب) انه نعم ولكن المجتهد الانفتاحي القائل يجعل الحجية هو عالم بموارد قيام الحجة على الأحكام الشرعية وهو يكفي في شمول أدلة التقليد له وجواز الرجوع إليه (وفيه ما لا يخفى) فإن أدلة التقليد هي تجوز
174

الرجوع إلى العالم بالأحكام الشرعية لا إلى العالم بموارد قيام الحجة عليها وإلا فصح أن يقال إن الانسدادي أيضا هو عالم بموارد قيام الظن على الأحكام الشرعية فتشمله أدلة التقليد ويجوز الرجوع إليه وهو كما ترى (والصحيح في الجواب) أن يقال إن من قامت عنده الحجة المعتبرة على الحكم الشرعي هو كالعالم بالحكم الشرعي عينا فإن أدلة الاعتبار كما انها على القول بجعل الحجية تنزل الطرق والأمارات بمنزلة العلم واليقين فكذلك تنزل هي من قامت عنده الطرق والأمارات بمنزلة من علم بالحكم الواقعي فإذا كانت أدلة التقليد هي مما تجوز رجوع الجاهل إلى العالم فتشمل هي قهرا جواز الرجوع إلى كل من العالم الحقيقي والتنزيلي جميعا نظرا إلى حكومة أدلة الاعتبار على أدلة التقليد وإلى تصرفها في موضوعها بتوسعة دائرة العالم وجعله أعم من الحقيقي والتنزيلي جميعا فتأمل جيدا.
(قوله مطلقا... إلخ)
راجع إلى كلمة الشيء أي حجية الشيء شرعا مطلقا سواء كان الشيء من الأمارات المعتبرة بالخصوص أو من الظن المطلق المعتبر بالانسداد على الكشف دون الحكومة إذ على الحكومة تكون حجيته عقلية لا شرعية وهذا واضح.
(قوله إن قلت رجوعه إليه في موارد فقد الأمارة المعتبرة عنده التي يكون المرجع فيها الأصول العقلية... إلخ)
(وحاصل الإشكال) ان رجوع الغير إلى المجتهد الانفتاحي في موارد فقد الأمارة المعتبرة التي يكون المرجع فيها الأصول العقلية كالبراءة العقلية وأصالة التخيير وأصالة الاشتغال يكون رجوعا إلى الجاهل بالحكم الشرعي كرجوعه إلى الانسدادي عينا فلا يجوز الرجوع إليه كما لم يجز الرجوع إلى الانسدادي أيضا (وحاصل الجواب) ان رجوع الغير إلى المجتهد الانفتاحي في تلك الموارد إنما يكون رجوعا إليه في فقد الأمارة المعتبرة لعجزه عن تمييز ذلك وأما تعيين ما هو حكم العقل حينئذ فهو أمر راجع إلى نفس الغير (وفيه ما لا يخفى) فإن الغير لو ميز
175

ما هو حكم العقل حينئذ لم يكن مقلدا عاميا بل كان مجتهدا كمقلده بالفتح فإن تعيين ما هو حكم العقل عند فقد الأمارة المعتبرة من البراءة أو التخيير أو الاحتياط ليس إلا من شأن الأوحدي من الأعلام لا من شأن العامي الغير المجتهد (والصحيح في الجواب) ان يقال إن أدلة التقليد كما سيأتي تفصيلها مما لا تنحصر بالآيات والروايات فقط كي يدعي انها مما تجوز الرجوع إلى العالم بالاحكام الشرعية لا الجاهل بها والمجتهد الانفتاحي في تلك الموارد هو جاهل بها كالإنسدادي عينا بل عمدة أدلتها هي سيرة العقلاء وهي مستقرة على الرجوع إلى أهل الخبرة من كل فن لا إلى خصوص العالم بالأحكام الشرعية ومن المعلوم ان الانفتاحي هو ممن يصدق عليه عنوان أهل الخبرة حتى في الموارد التي يكون المرجع فيها الأصول العقلية دون الشرعية.
(قوله وأنه مع عدمها هو البراءة أو الاحتياط... إلخ)
والصحيح كان أن يقول هو البراءة أو التخيير أو الاحتياط فإن الأصول العقلية ثلاثة لا اثنان.
(قوله فهو إنما يرجع إليه... إلخ)
أي فتعيين ما هو حكم العقل امر يرجع إلى الغير.
(قوله فافهم... إلخ)
إشارة إلى ضعف جوابه عن الإشكال وقد عرفت منا وجه الضعف وان الصحيح في الجواب هو ما ذكرناه فلا تغفل.
176

في نفوذ حكم المجتهد المطلق إذا كان
انفتاحيا وإلا ففيه إشكال
(قوله وكذلك لا خلاف ولا إشكال في نفوذ حكم المجتهد المطلق إذا كان باب العلم أو العلمي له مفتوحا... إلخ)
ها هنا فرعان آخران في المجتهد المطلق غير الفروع الثلاثة المتقدمة راجعان إلى نفوذ حكمه وقضائه والمناسب لهما هو تعرضهما في الفقه غير أن المصنف قد أحب ذكرهما في المقام استطرادا وعلى كل حال.
(الفرع الأول) أنه هل ينفذ حكم المجتهد المطلق الانفتاحي أم لا.
(وقد أشار إليه المصنف) بقوله وكذلك لا خلاف ولا إشكال في نفوذ حكم المجتهد المطلق إذا كان باب العلم أو العلمي له مفتوحا... إلخ والسر في ذلك أي في عدم الخلاف هي الروايات المأثورة في الباب من المقبولة وغيرها كما لا يخفى.
(الثاني) انه هل ينفذ حكم المجتهد المطلق الانسدادي أم لا.
(وقد أشار إليه) بقوله الآتي وأما إذا انسد عليه بابهما ففيه إشكال على الصحيح من تقرير المقدمات على نحو الحكومة... إلخ.
(قوله وأما إذا انسد عليه بابهما ففيه إشكال على الصحيح من تقرير المقدمات على نحو الحكومة... إلخ)
فإنه على الكشف يكون الظن طريقا منصوبا من قبل الشارع كالطرق المنصوبة من
177

قبله عند الانفتاحي فيكون الانسدادي عالما بالأحكام الشرعية الظاهرية كالإنفتاحي عينا وأما على الحكومة فأقصى ما تقتضيه المقدمات حينئذ هو استقلال العقل بحجية الظن في هذا الحال كحجية العلم في حال الانفتاح فلا يكون الانسدادي على هذا عالما بالأحكام الشرعية بل هو جاهل بها (ومن المعلوم) ان المنصوب للقضاء في لسان الأخبار ليس إلا العالم بها (كما في المقبولة) ينظران من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله... إلخ.
(وفي رواية أبي خديجة) اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا وحرامنا فإني قد جعلته عليكم قاضيا.
(وفي رواية أخرى لأبي خديجة) انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا (وفي طريق الكليني) شيئا من قضائنا... إلخ.
(قوله إلا أن يقال بكفاية انفتاح باب العلم في موارد الإجماعات والضروريات من الدين أو المذهب والمتواترات... إلخ)
(وحاصل ما يمكن أن يقال) في توجيه نفوذ حكم الانسدادي القائل بالحكومة إن الانسدادي القائل بذلك وان كان جاهلا بالأحكام الشرعية لكن لا بجميعها بل بمعظمها ففي موارد الإجماعات والضروريات من الدين أو المذهب والمتواترات عالم بالأحكام الشرعية بل قد يتفق للإنسدادي أن يقول باعتبار بعض الطرق والأمارات كالإنفتاحي عينا غير انه لا يكون وافيا بمعظم الفقه في نظره فمجموع هذه إذا انضم بعضها إلى بعض يكون جملة معتدة بها ويوجب صدق عنوان قوله عليه السلام وعرف أحكامنا عليه فتشمله أدلة القضاء من المقبولة وغيرها فينفذ حكمه وقضائه (وفيه ما لا يخفى) فإن الظاهر من قوله عليه السلام في المقبولة ينظران من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما
178

إلى آخره انه يعتبر ذلك في الحاكم ليكون عارفا بأحكامهم في القضاء فيحكم على طبق حكمهم في مورد الخصومة لا ان مجرد معرفته بأحكامهم ولو في غير القضاء مما له مدخلية وموضوعية في جعله قاضيا وحاكما علينا (وأظهر من ذلك) كله قوله عليه السلام بعد ذلك فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخف بحكم الله فإنه كالصريح في لزوم كون حكم القاضي على طبق حكمهم في مورد الخصومة ومن المعلوم توقفه على معرفة أحكامهم في القضاء لا على معرفة أحكامهم في الجملة ولو في غير مورد القضاء (وأصرح من الكل) قوله عليه السلام في الرواية الثانية لأبي خديجة انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا أو من قضائنا حيث أخذ فيها العلم بشيء من قضاياهم أو بقضائهم في كونه قاضيا حاكما من قبلهم من دون كفاية العلم بشيء من أحكامهم ولو في غير القضاء (وعليه) فمعرفة الانسدادي القائل بالحكومة بجملة معتدة بها من أحكامهم ولو في غير القضاء مما لا يكاد يكفي في نفوذ حكمه وقضائه وإن فرض صدق عنوان قوله عليه السلام وعرف أحكامنا عليه.
(قوله وأما قوله عليه السلام في المقبولة فإذا حكم بحكمنا فالمراد ان مثله إذا حكم كان بحكمهم حكم حيث كان منصوبا منهم... إلخ)
دفع لما أشرنا إليه من ان قوله عليه السلام فإذا حكم بحكمنا... إلخ هو كالصريح في لزوم كون حكم القاضي على طبق حكمهم وأنه مما يتوقف على معرفة أحكامهم في القضاء فلا يكاد يكفي مجرد معرفة الانسدادي القائل بالحكومة بجملة معتدة بها من أحكامهم ولو في غير القضاء من موارد الإجماعات والضروريات من الدين أو المذهب والمتواترات (وحاصل الدفع) ان المراد من قوله عليه السلام فإذا حكم بحكمنا... إلخ أي فإذا حكم بأمرنا لكونه منصوبا من قبلنا... إلخ لا انه إذا حكم على طبق حكمنا كي يتوقف ذلك على معرفة أحكامهم في القضاء كيف وحكم القاضي غالبا يكون في الموضوعات الخارجية من قبيل ملكية دار لزيد أو زوجية
179

امرأة لعمرو ونحوهما ولا حكم لهم عليهم السلام في الموضوعات كي يكون حكمه على طبق حكمهم فصحة إسناد حكم الحاكم إليهم إنما هو لأجل كونه بأمرهم ومنصوبا من قبلهم لا من جهة كون حكمه على طبق حكمهم (وفيه ما لا يخفى) بعد ما عرفت ان قوله عليه السلام فإذا حكم بحكمنا... إلخ هو كالصريح في لزوم الحكم على طبق حكمهم المتوقف ذلك على معرفة أحكامهم في القضاء لا في الحكم بأمرهم لأجل كونه منصوبا من قبلهم وانه أصرح من الكل قوله عليه السلام في الرواية الثانية لأبي خديجة انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا أو من قضائنا فإنه نص في اعتبار العلم بشيء من قضاياهم أو قضائهم فلا يكاد يكفي مجرد المعرفة بشيء من أحكامهم ولو في غير القضاء فكأن المصنف قد غفل عن الرواية الثانية لأبي خديجة فلا تغفل أنت ولا تنس.
(وأما دعوى) أن حكم القاضي غالبا يكون في الموضوعات الخارجية ولا حكم لهم عليهم السلام فيها (ففيها) ان لهم عليهم السلام أحكاما كلية كبروية في أصول
القضاء كالأحكام الواردة في المدعي والمنكر والتداعي والتحالف ونحو ذلك وحكم القاضي في الموضوعات الخارجية هو ناش من تلك الأحكام الكلية الكبروية الواردة عنهم في تلك الأصول (وعليه) فصحة إسناد حكم القاضي في الموضوعات الخارجية إليهم إنما هو من جهة نشوء حكمه من تلك الأحكام الكبروية المأخوذة عنهم لا من مجرد كونه منصوبا من قبلهم مجعولا من طرفهم وهذا كله لدى التدبر واضح فتدبر جيدا.
180

في إمكان التجزي
(قوله وأما التجزي في الاجتهاد ففيه مواضع من الكلام الأول في إمكانه... إلخ)
وقد أفاد في وجه إمكان التجزي ما مرجعه إلى وجوه ثلاثة.
(الأول) ان أبواب الفقه مختلفة مدركا ومستندا فمدرك بعض الأبواب سهل واضح ومدرك بعضها صعب مشكل وهذا قد يوجب حصول الاقتدار على استنباط الأحكام في بعض الأبواب دون بعض.
(الثاني) ان الأشخاص مختلفون في المهارة على النقليات والعقليات فرب شخص له مهارة تامة في النقليات دون العقليات أو في العقليات دون النقليات وهذا أيضا قد يوجب الاقتدار على استنباط الأحكام في بعض الأبواب لابتنائه على ماله المهارة التامة فيه دون بعض الأبواب لابتنائه على ما لا مهارة فيه.
(الثالث) انه يستحيل عادة حصول الاجتهاد المطلق أي ملكة يقتدر بها على استنباط نوع الأحكام قبل التجزي أي قبل حصول ملكة يقتدر بها على استنباط بعض الأحكام فإن الملكة هي ذات مراتب عديدة ضعيفة ومتوسطة وشديدة فلا يمكن عادة حصول تلك المرتبة الشديدة دفعة واحدة من دون السبق بحصول مرتبة ضعيفة أو متوسطة وذلك للزوم الطفرة (هذا كله) ملخص كلام المصنف في وجه إمكان التجزي (وهو جيد متين) غير أن وقوع التجزي في الخارج هو أدل دليل على إمكانه ولم يذكره المصنف.
(وقد أشار إليه في الفصول) كما أشار إلى الوجه الأول والثالث أيضا من
181

وجوه المصنف (قال) مشيرا إلى إمكان التجزي (ما لفظه) وهذا هو الحق بدليل وقوعه المعلوم بالوجدان والمشاهدة والاعتبار فإن مسائل الفقه ليست على حد سواء بل متفاوتة وضوحا وغموضا ولا يلزم من الاقتدار على تحصيل الواضح منها الاقتدار على تحصيل الغامض (إلى ان قال) فإن الاجتهاد في الأحكام تدريجي الحصول ولا يتوقف الاجتهاد في مسألة على الاجتهاد في بقية المسائل (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(قوله وهو وان كان محل الخلاف... إلخ)
وسيأتي دليل المخالف المنكر للتجزي قريبا فانتظر.
(قوله وبساطة الملكة وعدم قبولها التجزئة لا يمنع من حصولها بالنسبة إلى بعض الأبواب... إلخ)
(إشارة إلى دفع) ما قد يقال من أن الملكة أمر بسيط وليست هي مركبة من أجزاء على نحو تحصل جزءا فجزءا فهي إما موجودة وإما معدومة فلا تقبل التجزئة والتبعيض بالنسبة إلى باب دون باب فكيف يدعي تبعضها وحصولها في بعض أبواب الفقه دون بعض (وحاصل الدفع) ان الملكة وإن كانت هي أمرا بسيطا ليست ذات أجزاء ولكن مجرد ذلك مما لا يمنع عن حصولها بالنسبة إلى بعض الأبواب دون بعض وذلك لما أشير آنفا من أنها ذات مراتب عديدة فقد تحصل بمرتبتها الضعيفة وهي ما يقدر به على استنباط بعض الأحكام دون بعض وقد تحصل بمرتبتها القوية وهي ما يقدر به على استنباط نوع الأحكام وأغلبها فالمصحح في الحقيقة لتبعض الملكة بمعنى حصولها بالنسبة إلى بعض الأبواب دون بعض هو كونها ذات مراتب لا كونها ذات أجزاء كي ينكر ذلك ويدعي بساطتها ويمنع عن حصولها بالنسبة إلى بعض الأبواب دون بعض فتأمل جيدا.
182

(قوله بحيث يتمكن بها من الإحاطة بمداركه كما إذا كانت هناك ملكة الاستنباط في جميعها ويقطع بعدم دخل ما في سائرها به أصلا... إلخ)
رد على دليل المخالف المنكر للتجزي (قال في الفصول) وخالف بعضهم فزعم ان من لا إحاطة له بالجميع يجوز تجويزا مساويا في كل مسألة يقف على مداركها ودلائلها الظنية أن يكون في جملة ما لا يحيط به من الدلائل ما يعارض تلك الدلائل التي وقف عليها على وجه يساويها أو يترجح عليها فلا يحصل له ظن منها (انتهى) (وحاصل رد المصنف) على الدليل المذكور انه يتمكن المتجزي الذي قد اجتهد في بعض أبواب الفقه من الإحاطة بجميع مدارك ذلك الباب كالمجتهد المطلق عينا على نحو يقطع بعدم تعلق ما في ساير الأبواب بهذا الباب الذي قد اجتهد فيه أصلا (وله) رد آخر أيضا قد أشار إليه بقوله الآتي أو لا يعتني باحتماله لأجل الفحص... إلخ.
(وحاصله) كفاية الظن الاطمئناني بعدم تعلق ما في ساير الأبواب بهذا الباب الحاصل ذلك بوسيلة الفحص بالمقدار اللازم كما يكفي ذلك للمجتهد المطلق أيضا إذ لا يعتبر فيه الإحاطة الفعلية بجميع الأبواب قطعا.
(وقد أشار) صاحب الفصول إلى هذين الردين جميعا بتقديم وتأخير.
(مضافا إلى جواب آخر) منه نقضي وقدمه عليهما في الذكر (قال) بعد عبارته المتقدمة (ما لفظه) وهذا مع كونه قريبا من المكابرة مردود.
(اما أولا) فبالنقض بالمجتهد المطلق إذ المعتبر فيه انما هو الملكة لا الإحاطة الفعلية فيتأتى في حقه الاحتمال الآتي في حق المتجزي لتساويهما في منشأه فإن وجود الملكة لا يوجب الاطلاع على المعارض.
(إلى ان قال وأما ثانيا) فبالحل وهو أن الظن بعدم المعارض كثيرا ما يعرف بالفحص في مظانه أو بتصريح المتفحصين به فلا يتوقف على إحاطة الجميع (قال) مع ان إحاطة الجميع لا تنافي مرتبة المتجزي لإمكان إحاطته بها على وجه يعلم بعدم
183

تعلقها بمقصوده وطن عجز عن تحصيل مقتضياتها وما يترتب عليها (انتهى) كلامه رفع مقامه.
في حجية اجتهاد المتجزي لنفسه
(قوله الثاني في حجية ما يؤدى إليه على المتصف به وهو أيضا محل الخلاف... إلخ)
(قال في الفصول) الثاني في حجية ظنه في حقه يعني به ظن المتجزي في حق نفسه.
(ثم قال) وهو موضع خلاف بين القائلين بإمكانه فذهب قوم إلى القول بالحجية وذهب آخرون إلى إنكارها.
(قال) وربما نسب القول الأول إلى الأكثر (انتهى).
(قوله الا ان قضية أدلة المدارك حجيته لعدم اختصاصها بالمتصف بالاجتهاد المطلق... إلخ)
هذا ثالث الوجوه التي احتج بها القائلون بحجية اجتهاد المتجزي في حق نفسه ومجموعها ستة قد ذكرها في الفصول واحدا بعد واحد فذكر الأول والثاني.
(ثم قال) الثالث ان ما دل من الكتاب والسنة على حجية الأدلة المقررة في حق المجتهد المطلق يدل بعمومه بحجيتها في حق المتجزي أيضا (انتهى) وملخصه ان أدلة مدارك الفقه كبناء العقلاء على حجية ظواهر الكلام أو الاخبار المتواترة الدالة على حجية خبر الثقة ونحو ذلك من الأدلة هي مطلقة تشمل كلا من المجتهد المطلق والمتجزي جميعا فلا يختص حجيتها بالمجتهد المطلق فقط دون المتجزي
184

غايته انه يجب تقييد تلك الأدلة بما إذا تمكن المجتهد من دفع معارضاتها والمتجزي قادر على ذلك فيما اجتهد فيه وان لم يقدر عليه فيما سواه إذ المفروض ان المتجزي هو كالمجتهد المطلق في الإحاطة بمدارك ما اجتهد فيه ودفع معارضات الأدلة وحفظ جهاتها وشئونها.
(ثم إن الظاهر) ان السبب في تخصيص المصنف الوجه الثالث بالذكر هو كونه أوجه الوجوه (ولكن الإنصاف) ان الوجه الأول أيضا مما لا يخلو عن وجه فلا بأس بالإشارة إليه.
(قال في الفصول) قد احتج الأولون يعني بهم القائلين بحجية اجتهاد المتجزي في حق نفسه بوجوه.
(الأول) أن المتجزي إذا استقصى أدلة مسألة بالفحص والتتبع فقد سلوى المجتهد المطلق في تلك المسألة وقصوره عن الإحاطة بأدلة بقية المسائل مما لا مدخل له في معرفة تلك المسألة وحينئذ فكما جاز للمجتهد المطلق ان يعول على نظره واجتهاده فيها فكذلك المتجزي عينا (انتهى).
في رجوع الغير إلى المتجزي
(قوله الثالث في جواز رجوع غير المتصف به إليه في كل مسألة اجتهد فيها وهو أيضا محل الإشكال... إلخ)
(وقد أفاد المصنف) في وجه الإشكال والترديد بين الجواز والعدم ان رجوع الغير إلى المجتهد المتجزي فيما اجتهد فيه (حيث انه) من رجوع الجاهل إلى العالم فتعمه أدلة التقليد فيجوز (وحيث ان) أدلة التقليد مما لا إطلاق فيها ولم
185

يحرز ان بناء العقلاء أو سيرة المتشرعة قد استقر على الرجوع إلى مثله أيضا فلا يجوز (وفيه ما لا يخفى) فإن أدلة التقليد إن كانت هي لفظية فلا وجه لعدم الإطلاق فيها وان كانت لبية كبناء العقلاء فالعقلاء لا يفرقون في الرجوع إلى أهل الخبرة فيما هو خبير به بين ان يكون خبيرا بسائر الأبواب أيضا أم لا بل يتعين الرجوع عندهم إلى المتجزي إذا كان فيما هو خبير به أشد خبرة من الخبير المطلق.
(واما عدم إحراز) سيرة المتشرعة على الرجوع إلى مثله (ففيه) انه لا متجزي غالبا يعرف في الخارج انه متجزي لتكون سيرتهم مستقرة على الرجوع إلى مثله أو على عدمه فإن الناس غالبا بين من يعرف انه عامي محض وبين من يعرف انه من طلبة العلم ولم يبلغ درجة الاجتهاد وبين من يعرف انه مجتهد مطلق قد حاز رتبة الاجتهاد والاستنباط في عموم أبواب الفقه وإذا فرض انه قد عرف أحيانا ان هذا متجزي فلا يعلم غالبا انه فيما هو خبير به أعلم من الغير أو مساوي معه ليصح الرجوع إليه.
(وبالجملة) إن الإشكال في جواز تقليد المتجزي في الجملة أي فيما هو مجتهد فيه خبير بصير به في غير محله وذلك لإطلاقات أدلة التقليد ولما عرفت من ان العقلاء لا يفرقون في الرجوع إلى أهل الخبرة فيما هو خبير به بين ان يكون خبيرا بسائر الأبواب أيضا أم لا (ومن هنا يظهر) ضعف ما استند إليه الفصول في وجه المنع من الأصل.
(قال) الثالث في حجية نظره في حق غيره يعني به نظر المتجزي (قال) والحق عدم حجيته له بناء على حجيته في حق نفسه مع التمكن من الرجوع إلى المجتهد المطلق للأصل (انتهى) والسر في الضعف هو ما عرفته من إطلاقات الأدلة فالأصل منقطع به بل وبتعميم العقلاء أيضا وعدم فرقهم في الرجوع إلى أهل الخبرة فيما هو خبير به بين كونه خبيرا بسائر الأبواب أيضا أم لا (وعليه) فلا مجال حينئذ للاستناد إلى الأصل أصلا.
186

في حكومة المتجزي وفصل خصومته
(قوله وأما جواز حكومته ونفوذ فصل خصومته فأشكل... إلخ)
بل لا إشكال فيه أيضا إذا كان عارفا بأحكامهم عليهم السلام في القضاء وذلك لما عرفت فيما تقدم من أن المعتبر في نفوذ قضاء القاضي على ما يستفاد من الأخبار المتقدمة من المقبولة وغيرها هو معرفته بأحكامهم فإذا عرفها كما هو حقه وتمكن من الحكم بحكمهم لم يكن فرق بين المتجزي والمطلق في نفوذ حكمهما وقضائهما أبدا وإن لم يكن المتجزي عارفا بأحكامهم في ساير أبواب الفقه غير القضاء أصلا.
(قوله نعم لا يبعد نفوذه فيما إذا عرف جملة معتدا بها واجتهد فيها بحيث يصح أن يقال في حقه عرفا انه ممن عرف أحكامهم... إلخ)
بل قد عرفت فيما تقدم انه لا يكاد يكفي في نفوذ حكم الحاكم مجرد المعرفة بجملة معتدة بها من أحكامهم ولو في غير مورد القضاء وإن صدق عليه عرفا انه ممن عرف أحكامهم بل لا بد من معرفته بأحكامهم في خصوص القضاء كما هو صريح الرواية الثانية لأبي خديجة المتقدمة وذلك ليحكم على طبق حكمهم (وعلى هذا) فإذا عرف الحاكم أحكامهم في القضاء كما ينبغي فلا محالة ينفذ حكمه وإن كان متجزيا غير مجتهد في ساير الأبواب وإذا لم يعرف أحكامهم فيه ليحكم على طبق حكمهم فلا ينفذ حكمه وإن كان مجتهدا مطلقا له الملكة والاقتدار على استنباط أحكامهم في جميع أبواب الفقه إذا شاء وأراد بالمراجعة إلى الأخبار حتى القضاء ما لم تصل معرفته إلى الفعلية والتحقق في الخارج.
187

(قوله كما مر في المجتهد المطلق المنسد عليه باب العلم والعلمي في معظم الأحكام... إلخ)
يعني به الانسدادي القائل بالحكومة دون الكشف وذلك لما عرفت من أن المصنف قد خصص الإشكال في نفوذ حكم الانسدادي بما إذا قلنا بتقرير المقدمات على نحو الحكومة كما هو الصحيح دون الكشف.
في بيان ما يتوقف عليه الاجتهاد
(قوله فصل لا يخفى احتياج الاجتهاد إلى معرفة العلوم العربية في الجملة ولو بأن يقدر على معرفة ما يتبنى عليه الاجتهاد في المسألة بالرجوع إلى ما دون فيه... إلخ)
المقصود من عقد هذا الفصل هو بيان ما يتوقف عليه الاجتهاد ويعبر عنه بشرائط الاجتهاد في قبال شرائط المجتهد بعد حصول الاجتهاد له من البلوغ والعقل والذكورة والإيمان والعدالة ونحو ذلك مما سيأتي شرحه مفصلا (والظاهر) ان المراد من الاجتهاد في المقام هو ذلك الفعل الخارجي الذي قد أشير إليه قبلا من استفراغ الوسع في تحصيل الأحكام الشرعية عن أدلتها ومداركها فهو المتوقف على الأمور الآتية لا مجرد الملكة والا فالظاهر ان الملكة هي مما يحصل مع انتفاء جملة منها كعلم التفسير والعلم بالأحاديث المتعلقة بالاحكام والعلم بمواقع الإجماع ونحو ذلك (كما ان الظاهر) ان المراد من العلوم العربية هي اللغة والنحو الصرف (قال في الفصول) في وجه اعتبار هذه العلوم الثلاثة (ما لفظه) لأن من جملة الأدلة الكتاب والسنة وهما عربيان لا يمكن معرفة معانيهما إلا بالعلوم المذكورة
188

فلا بد من الاطلاع عليها قدر ما يتوقف معرفة مواضع الحاجة منهما عليه (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(قوله ومعرفة التفسير كذلك... إلخ)
أي في الجملة ولو بأن يقدر على معرفة ما يبتني عليه الاجتهاد في المسألة (والظاهر) أن اللازم من معرفة تفسير الكتاب المجيد هو معرفة تفسير الآيات المتعلقة بالأحكام وهي على المشهور خمسمائة آية.
(قال المحقق القمي) السابع العلم بتفسير آيات الأحكام ومواقعها من القرآن أو الكتب الاستدلالية بحيث يتمكن منها حين يريد وهي خمسمائة آية عندهم.
(وقال في الفصول) ومنها معرفة الدلائل الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع والعقل (إلى ان قال) واللازم من معرفة الكتاب معرفة ما يتعلق منها بالأحكام وهي خمسمائة آية تقريبا ولا يجب العلم بما عداها بل ولا بما هو منسوخ منها ما لم يتوقف معرفتها عليه فيجب العلم به على قدر الحاجة (انتهى) موضع الحاجة من كلامه.
(ثم لا يخفى) إن المحقق القمي رحمه الله قد أضاف إلى علم التفسير علما آخر وهو العلم بالأحاديث المتعلقة بالأحكام وقد جعله ثامن الأمور المتوقفة عليها الاجتهاد وهكذا العلم بمواقع الإجماع ليتحرز عن مخالفته وقد جعله عاشر الأمور المتوقفة عليها الاجتهاد.
(وقد جمع الفصول) بين الكل في عبارته المتقدمة وأضاف إليها العقل كما تقدم (ثم قال) بعد الفراغ عن بيان مقدار اللازم من معرفة الكتاب والسنة ومواقع الإجماع (ما لفظه) وعلى هذا القياس الأدلة العقلية إلا ان مواضع بيانها علم الأصول (انتهى) وكأن مقصوده ان معرفة الأدلة العقلية ليست هي أمرا آخر غير معرفة علم الأصول فمعرفتها هي حاصلة في ضمن معرفته.
189

(قوله وعمدة ما يحتاج إليه هو علم الأصول... إلخ)
وقد أفاد المصنف في وجه كون الأصول هي عمدة ما يحتاج إليه انه ما من مسألة إلا ونحن نحتاج في استنباط حكمها إلى قاعدة أو قواعد برهن عليها في الأصول وهو حق لا ننكره غير أن الاحتياج إلى جميع المباحث الأصولية غير معلوم فكل مسألة فقهية وإن توقف استنباط حكمها على قاعدة أو قواعد أصولية ولكن ليس كل مسألة أصولية هو مما يتوقف عليه مسألة فقهية (ومن هنا قيدها صاحب الفصول) بالمباحث المحتاج إليها (فقال) ومنها العلم بالمباحث المحتاج إليها من علم الأصول وهي أكثر مسائله (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(ثم ان صاحب الفصول) (وهكذا المحقق القمي) أعلى الله مقامهما قد ذكرا فيما يتوقف عليه الاجتهاد أشياء أخر غير الأمور المذكورة.
(منها) معرفة ما يبتني عليه صورة الاستدلال من المباحث المنطقية.
(ومنها) معرفة ما يتوقف عليه حجية الأدلة من علم الكلام كوجوده تعالى وعلمه وحكمته وتعاليه عن فعل القبيح والخطاب بما لا يفهم منه المراد مع عدم البيان ورسالة الرسول وخلافة أوصيائه وعصمتهم وحجية أقوالهم.
(ومنها) معرفة أحوال الرجال ولو بالرجوع إلى النقلة في الكتب المعتمدة (ومنها) أن يكون له قوة يتمكن بها من رد الفروع إلى الأصول على وجه يعتد به عند أهل الصناعة من الفقهاء الماهرين وهي المعبر عنها بالقوة القدسية.
(أقول)
(أما علم المنطق وعلم الرجال) فهما وان كانا مما يتوقف عليه الاجتهاد في الجملة (ولكن علم الكلام) مما لا يتوقف عليه الاجتهاد أبدا فإن معرفة الله جل وعلا ومعرفة الرسول وأوصيائه وعصمتهم وحجية أقوالهم وان كانت هي لازمة في حد ذاتها ولكنها مما لا ربط لها باستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها الخاصة إذ من الجائز حصول ذلك ولو مع فقد الإيمان بالله فضلا عن الرسول والأئمة الأطهار.
190

(وأما قوة رد الفروع على الأصول) فإن كان المقصود من الاجتهاد هو ذلك الفعل الخارجي الذي قد أشير إليه غير مرة وهو استفراغ الوسع كما استظهرناه فنعم ان الاجتهاد هو مما يتوقف على تلك القوة (وأما إذا كان) المراد من الاجتهاد هو نفس الملكة أي ملكة يقتدر بها على استنباط الأحكام الشرعية فالاجتهاد هو نفس تلك القوة عينا أي قوة رد الفروع على الأصول لا هو مما يتوقف عليها وجودا وخارجا (وعليه) فما حاوله المحقق القمي أعلى الله مقامه في تنبيه مستقل من تصحيح توقف الاجتهاد عليها حتى على القول بكون الاجتهاد هي الملكة بدعوى ان الملكة التي هي عبارة عن الاجتهاد هي الملكة الخاصة المترتبة على مجموع شرائط الفقه التي من جملتها الملكة العامة أعني تمكن رد مطلق الجزئيات إلى الكليات والفروع إلى الأصول لا رد جزئيات الفقه إلى كلياته مما لا يخلو عن تكلف بل هو عجيب جدا.
(وأعجب منه) ما ذكره الفصول في آخر الأمور المتوقفة عليه الاجتهاد (قال) ومنها أن يكون عالما بجملة يعتد بها من الأحكام علما فعليا بحيث يسمى في العرف فقيها كما في النحوي والصرفي فإنهما لا يصدقان عرفا بمجرد حصول الملكة بل لا بد معها من الفعلية المعتدة بها عند أهل الصناعة (قال) وهذا الشرط قد ذكره بعض أفاضل متأخري المتأخرين.
(ثم قال) والتحقيق ان الملكة المعتبرة في الاجتهاد المطلق أعني الملكة الكلية لا يحصل غالبا إلا بالممارسة المستلزمة للفعلية المذكورة (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(أقول)
إن الاجتهاد سواء كان عبارة عن ملكة يقتدر بها على الاستنباط أو كان عبارة عن ذلك الفعل الخارجي الخاص وهو استفراغ الوسع في تحصيل الأحكام الشرعية ليس هو مما يتوفق على العلم بجملة يعتد بها من الأحكام أبدا بل العلم بتلك الجملة
191

هو مما يتوقف على الاجتهاد فلو لا تلك الملكة أو استفراغ الوسع الخارجي لم يحصل العلم بتلك الجملة أصلا.
(نعم) إن العلم بجملة يعتد بها من الأحكام الشرعية هو مما يعتبر في صدق عنوان الفقهية على المجتهد فما لم يعلم من الأحكام الشرعية بمقدار يعتد به لم يصدق عليه انه فقيه ولكن لا ربط لذلك بتوقف الاجتهاد عليه قطعا فتأمل جيدا.
(قوله وتدوين تلك القواعد المحتاج إليها على حده لا يوجب كونها بدعة وعدم تدوينها في زمانهم عليهم السلام لا يوجب ذلك... إلخ)
إشارة إلى بعض ما استند إليه جماعة من الأخباريين رحمهم الله في وجه عدم الحاجة إلى علم الأصول.
(قال في الفصول) في ذيل التكلم حول علم الأصول وانه من جملة ما يحتاج إليه في الاجتهاد (ما لفظه) وزعم جماعة من قاصري الدراية من الفرقة الموسومة بالأخبارية ان العلم المذكور مما لا حاجة إليه ولا طائل يترتب عليه وتمسكوا بشبه ضعيفة أقواها أمران ثم ذكر الأول (إلى أن قال) الثاني ان هذا العلم لم يكن بين أصحاب الأئمة وإنما أحدثه علماء العامة ثم تسرى منهم إلى أصحابنا الإمامية في زمن الغيبة وخفاء الحجة فهو إما من البدع المستحدثة والطرق المخترعة التي يجب التجنب عنها في امر الشريعة أو انه مما لا حاجة إليه في معرفة الأحكام والا لما أهمل بيانه من أهل العصمة (انتهى) كلامهم غفر الله لهم.
(ثم إن المصنف) قد أجاد في جوابهم (فأورد عليهم) بالنقض بتدوين الفقه والنحو والصرف فإن تدوين الاخبار وإن كان في زمن الأئمة الأطهار ولكن تدوين الفقه مثلا بهذا النحو المتعارف الآن عند الأصولي والاخباري جميعا لم يكن في زمن الأئمة عليهم السلام.
(واما الجواب عنهم) بالحل فهو ظاهر واضح فإن السر في عدم تدوين أصحاب الأئمة عليهم السلام علم الأصول في زمانهم هو عدم احتياجهم إليه في
192

الزمان لتمكنهم من استعلام حكم المسألة من أئمة الهدى شفاها أو كتبا كما لم يحتاجوا إلى تدوين علم الرجال أيضا ولكن حيث تأخر عصرنا عن عصرهم بكثير واشتدت الحاجة إلى تمهيد قواعد كلية متخذة عن الآيات والروايات المأثورة عن الأئمة الأطهار أو من العقل الصريح الذي به عرفنا الله ورسوله وحججه المعصومين المبتنية عليها استنباط الأحكام الشرعية فمهدها أصحابنا الإمامية رضوان الله عليهم وأفردوها في الذكر اهتماما بحالها وسموها بعلم الأصول وهو عمدة ما يحتاج إليه المجتهد وأهم ما يتوقف عليه الاجتهاد والاستنباط كما هو ظاهر لدى المصنف وإن كان غير واحد من مسائلها مما لا حاجة إليه ولا يتوقف عليه الاجتهاد كما أشرنا قبلا ولكن ذلك مما لا يوجب عدم الحاجة إلى علم الأصول رأسا.
في التخطئة والتصويب
(قوله فصل اتفقت الكلمة على التخطئة في العقليات واختلفت في الشرعيات فقال أصحابنا بالتخطئة... إلخ)
الظاهر ان الاختلاف الواقع بيننا وبين مخالفينا في مسألة التخطئة والتصويب في الشرعيات مختص بما إذا لم يكن عليها دليل قاطع (وبعبارة أخرى) كانت المسألة من المسائل الاجتهادية التي هي محل إعمال الأمارات الظنية دون القطعية.
(قال في الفصول) فصل لا خلاف في عدم تصويب المختلفين في العقليات مطلقا بمعنى عدم مطابقة آرائهم جميعا للواقع لأدائه إلى وقوع المتناقضين أو المتنافيين في الواقع ولا فرق في ذلك بين ما تعلق منها بالشريعة وبين ما لا يتعلق بها (إلى ان قال) وأما المختلفون في الأحكام الشرعية الفرعية من التكليفية
193

والوضعية فإن كان عليها دليل قاطع فلا خلاف في تخطئة المخالف فيها وإن لم يكن عليها دليل قاطع بل كانت المسألة اجتهادية فقد أطبق أصحابنا على عدم إصابة الكل فيها أيضا وخالف فيها جماعة من مخالفينا فقالوا بإصابة الجميع (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(قوله ولا يخفى انه لا يكاد يعقل الاجتهاد في حكم المسألة الا إذا كان لها حكم واقعا... إلخ)
هذا شروع من المصنف في تمهيد مقدمة يبطل بها تصويب المخالفين القائلين بأن له تعالى أحكاما بعدد آراء المجتهدين (وحاصل المقدمة) انه لا يكاد يعقل الاجتهاد في حكم مسألة إلا إذا كان لها حكم واقعا من قبل أن يجتهد فيه المجتهد ويتفحص عنه المتفحص والا ففي أي شيء يجتهد وعم يتفحص وإلى أي شيء يؤدي ظنه ويستقر عليه رأيه (وعليه فإن كان مراد) المخالفين من تصويبهم هو ان الله سبحانه وتعالى قد أنشأ أحكاما واقعية بعدد آراء المجتهدين من قبل اجتهادهم على طبق ما يؤدي إليه ظنهم ويستقر عليه رأيهم (فهذا وإن كان) أمرا معقولا ثبوتا لا استحالة فيه أصلا (ولكنه باطل قطعا) لتواتر الاخبار وإجماع الأصحاب على ان لله تعالى في كل واقعة حكما يشترك فيه الكل يصيبه قوم ويخطئه آخرون لا ان له تعالى في كل واقعة أحكاما عديدة بعدد آراء المجتهدين لكل واحد منهم حكم يختص به (وإن كان مرادهم) ان الله تبارك وتعالى ينشأ أحكاما واقعية بعدد آراء المجتهدين من بعد اجتهادهم على طبق ما أدي إليه ظنهم واستقر عليه رأيهم (فان كان ذلك) من دون أن يكون هناك حكم قبل الاجتهاد واقعا (فهذا مضافا) إلى بطلانه لما تقدم من تواتر الأخبار وإجماع الأصحاب (هو أمر غير معقول) كما أشير آنفا إذ لو لم يكن قبل اجتهاد المجتهد حكم واقعي ففيم يجتهد المجتهد وعم يتفحص المتفحص وعلام يستقر رأيه ويؤدي إليه ظنه وهذا واضح ظاهر.
(ثم إن مرجع) هذا النحو من التصويب هو إلى النحو الأول من السببية
194

المتقدمة شرحها في بحث إمكان التعبد بالأمارات الغير العلمية غير ان السببية هناك كانت في قيام الأمارات وهاهنا تكون في اجتهاد المجتهد وقد أشرنا هناك إلى عدم تعقل هذا النحو من السببية فتذكر.
(وأما إذا كان ذلك) مع الاعتراف بأن هناك حكما واقعا من قبل الاجتهاد يشترك فيه الكل غير أنه لا يكون فعليا عند أداء الاجتهاد على خلافه وأن الحكم الفعلي المنجز هو خصوص ما أنشأه الله تعالى على طبق الاجتهاد (فهذا ليس تصويبا باطلا) ولا هو أمر غير معقول بل تصويب جائز ثبوتا غير انه لا دليل عليه إثباتا ومرجع هذا النحو من التصويب إلى النحو الثاني من السببية المتقدمة في إمكان التعبد بالأمارات وقد أشار إليه المصنف هاهنا بقوله الآتي إلا أن يراد التصويب بالنسبة إلى الحكم الفعلي وأن المجتهد وإن كان يتفحص عما هو الحكم واقعا وإنشاء إلا أن ما أدي إليه اجتهاده يكون هو حكمه الفعلي حقيقة... إلخ.
(وبالجملة) ان الالتزام بإنشاء أحكام واقعية بعدد آراء المجتهدين على أنحاء ثلاثة.
(فتارة) يلتزم بإنشائها من قبل اجتهاد المجتهدين على طبق ما يؤدي إليه ظنهم ويستقر عليه رأيهم (وهذا النحو) من التصويب باطل جدا لتواتر الاخبار والإجماع المنعقد من الأصحاب على الحكم المشترك بين الكل لا على الأحكام العديدة بعدد آراء المجتهدين لكل واحد منهم حكم يختص به.
(وأخرى) يلتزم بإنشائها من بعد اجتهاد المجتهدين على طبق ما أدي إليه ظنهم واستقر عليه رأيهم من دون أن يكون هناك حكم واقعا من قبل الاجتهاد (وهذا النحو) من التصويب مضافا إلى بطلانه كما تقدم هو أمر غير معقول ومرجعه لدى الحقيقة إلى النحو الأول من السببية كما أشرنا.
(وثالثة) يلتزم بإنشائها من بعد اجتهاد المجتهدين على طبق ما أدي إليه ظنهم واستقر عليه رأيهم مع الاعتراف بأن هناك حكم واقعا من قبل الاجتهاد
195

يشترك فيه الكل (وهذا النحو) من التصويب ليس بباطل ولا هو أمر غير معقول ومرجعه إلى النحو الثاني من السببية كما نبهنا عليه آنفا غير انه كما تقدم في بحث إمكان التعبد بالأمارات هو أمر لا دليل عليه إثباتا فراجع.
(قوله فلو كان غرضهم من التصويب هو الالتزام بإنشاء أحكام في الواقع بعدد الآراء... إلخ)
إشارة إلى النحو الأول من أنحاء التصويب فلا تغفل.
(قوله أحكاما واقعية كما هي ظاهرية... إلخ)
(أما كونها واقعية) فواضح إذ المفروض هو الالتزام بإنشاء أحكام واقعية بعدد آراء المجتهدين من قبل اجتهادهم على طبق ما أدي إليه ظنهم واستقر عليه رأيهم (واما كونها ظاهرية) فكذلك إذ المفروض انها قد أداها اجتهاد المجتهد فهي مجعولة له في ظرف الشك وعدم انكشاف الواقع وان كان جعله من قبل ومن المعلوم ان كل حكم مجعول في ظرف الشك هو حكم ظاهري سواء كان الشك مأخوذا في لسان الدليل كما في أدلة الأصول العملية أم لم يؤخذ فيه ولكن قد علم من الخارج أن وعاء جعله هو ظرف الشك وعدم إحراز الواقع بالعلم الوجداني كما في أدلة الأمارات الظنية المعتبرة بالخصوص جميعا.
(قوله ولو كان غرضهم منه الالتزام بإنشاء الأحكام على وفق آراء الأعلام بعد الاجتهاد... إلخ)
إشارة إلى النحو الثاني من أنحاء التصويب وقد ذكرنا نحن ان مرجعه إلى النحو الأول من السببية فتذكر.
196

(قوله الا أن يراد التصويب بالنسبة إلى الحكم الفعلي وان المجتهد وإن كان يتفحص عما هو الحكم واقعا وإنشاء إلا ان ما أدى إليه اجتهاده يكون هو حكمه الفعلي حقيقة... إلخ)
إشارة إلى النحو الثالث من أنحاء التصويب وقد ذكرنا نحن ان مرجعه إلى النحو الثاني من السببية فلا تغفل.
(قوله فلا استحالة في التصويب بهذا المعنى بل لا محيص عنه في الجملة بناء على اعتبار الأخبار من باب السببية والموضوعية... إلخ)
أي فلا استحالة في التصويب بالنحو الثالث وهو الالتزام بإنشاء أحكام واقعية بعدد آراء المجتهدين من بعد اجتهادهم على طبق ما أدي إليه ظنهم واستقر عليه رأيهم مع الاعتراف بوجود الحكم المشترك بين الكل وإن لم يكن فعليا عند أداء الاجتهاد إلى خلافه بل لا محيص عن التصويب في الجملة بناء على السببية غايته ان التصويب على النحو الثاني مرجعه إلى النحو الأول من السببية أي الذي ليس فيه اعتراف بوجود الحكم المشترك بين الكل والتصويب على النحو الثالث مرجعه إلى النحو الثاني من السببية أي الذي فيه اعتراف بوجود الحكم المشترك وقد أشرنا إلى هذا كله آنفا فتدبر.
(قوله وربما يشير إليه ما اشتهرت بيننا ان ظنية الطريق لا تنافي قطعية الحكم... إلخ)
أي وربما يشير إلى التصويب بالمعنى الثالث ما اشتهرت بيننا من ان ظنية الطريق لا ينافي قطعية الحكم (ولكن فيه ما لا يخفى) إذ العبارة المذكورة كما انها مما تلائم التصويب بالمعنى الثالث الذي مرجعه إلى النحو الثاني من السببية فكذلك هي تلائم القول بجعل الأحكام الظاهرية الطريقية على طبق مؤديات الأمارات الظنية لأجل الوصول بها إلى الأحكام الواقعية في قبال القول بجعل الحجية للأمارات الظنية
197

أي المنجزية لها عند الإصابة والعذرية لها عند الخطأ كما اختاره المصنف في بحث إمكان التعبد بالأمارات الغير العلمية فتذكر.
(قوله نعم بناء على اعتبارها من باب الطريقية... إلخ)
أي نعم بناء على اعتبار الأخبار من باب الطريقية كما هو كذلك على ما تقدم لك شرحه في بحث إمكان التعبد بالأمارات فمؤديات الطرق والأمارات ليست هي أحكاما حقيقية نفسية ناشئة عن مصلحة أو مفسدة حادثة في المتعلقات بسبب قيام الأمارات كما على القول بالسببية والموضوعية بل هي أحكام ظاهرية طريقية أي مقدمية قد شرعت لأجل الوصول بها إلى الأحكام الواقعية.
(بل تقدم من المصنف) ان المجعول في الطرق والأمارات هو مجرد جعل الحجية أي المنجزية عند الإصابة والعذرية عند الخطأ وقد مر تفصيل هذا كله في محله مبسوطا فلا نعيد.
في اضمحلال الاجتهاد السابق
(قوله فصل إذا اضمحل الاجتهاد السابق بتبدل الرأي الأول بالآخر أو بزواله بدونه... إلخ)
(المقصود من عقد هذا الفصل) انه إذا اضمحل الاجتهاد السابق وتبدل إلى اجتهاد جديد أو إلى الحيرة في المسألة والتردد فيها (فلا كلام) بالنسبة إلى الأعمال اللاحقة فيعمل فيها إما بالاجتهاد الجديد أو بالاحتياط (ولكن الأعمال السابقة) فهل يعامل معها معاملة البطلان على نحو إذا كانت هي عبادة فتحتاج إلى الإعادة أو القضاء وإن كانت معاملة من عقد أو إيقاع فلا بد من تكرار السبب أم لا يعامل
198

معها معاملة البطلان بل يرتب عليها آثار الصحة والتمامية بلا إعادة ولا قضاء ولا تكرار السبب.
(ثم إن الظاهر) ان الفرق بين مسألتنا هذه ومسألة إجزاء الأمر الظاهري وعدمه أن مسألة الإجزاء هي مما تعم الشبهة الموضوعية والحكمية جميعا فإذا قامت الأمارة أو الأصل على تحقق جزء أو شرط للمأمور به كالسورة أو طهارة الثوب أو البدن ونحوهما للصلاة ثم انكشف الخلاف وبان عدم تحققه في الخارج أو قامت الأمارة أو الأصل على وجوب صلاة الجمعة ثم انكشف الخلاف وأن الواجب كان هو الظهر مكان الجمعة فيقع الكلام حينئذ في أن المأتي به هل هو يجزي عن الواقع أم لا بخلاف مسألتنا هذه فتختص هي بالشبهات الحكمية فقط إذ الاجتهاد لا يكاد يكون الا فيها دون الشبهات الموضوعية (كما ان) مسألتنا هذه هي مما تعم العبادات والمعاملات جميعا ومسألة الإجزاء عي الظاهر هي مما تختص بالواجبات فقط أي بما إذا كان هناك تكليف واقعا فيقع الكلام في ان ما أتى به مما قام عليه أمر ظاهري هل هو يجزي عن الواقعي عند كشف الخلاف أم لا.
(قوله ولزوم اتباع اجتهاد اللاحق مطلقا... إلخ)
أي سواء كان الاجتهاد اللاحق عن علم ويقين أو عن طريق معتبر شرعي أو عن أصل عملي شرعي أو عقلي.
199

في بيان مقتضى القاعدة الأولية في الأعمال
السابقة المطابقة للاجتهاد الأول
(قوله وأما الأعمال السابقة الواقعة على وفقه المختل فيها ما اعتبر في صحتها بحسب هذا الاجتهاد فلا بد من معاملة البطلان معها... إلخ)
(وحاصل كلام المصنف) في الأعمال السابقة المطابقة للاجتهاد الأول ان مقتضي القاعدة الأولية فيها هو معاملة البطلان معها في صورتين ومعاملة الصحة معها في صورتين آخرتين.
(اما الصورة الأولى) من صورتي البطلان فهي ما إذا كان مدرك الاجتهاد الأول هو القطع بالحكم.
(وقد أشار إليها المصنف) بقوله الآتي وذلك فيما كان بحسب الاجتهاد الأول قد حصل القطع بالحكم وقد اضمحل واضح... إلخ (ووجه البطلان) في هذه الصورة انه لا حكم مجعول شرعا في مورد القطع بالحكم كي يجزي هو عن الإتيان بالواقعي ويكفي عنه وهذا واضح.
(واما الصورة الثانية) من صورتي البطلان فهي ما إذا كان مدرك الاجتهاد الأول هو الطريق المعتبر شرعا وقد بنينا على اعتبار الأمارات من باب الطريقية كما اخترنا ذلك وتقدم تفصيله في بحث إمكان التعبد بالأمارات الغير العلمية.
(وقد أشار المصنف) إلى هذه الصورة بقوله الآتي وكذلك فيما كان هناك طريق معتبر شرعا عليه بحسبه وقد ظهر خلافه... إلخ (ووجه البطلان) في هذه
200

الصورة ان الأمارات بناء على الطريقية مما لا تخلو من أحد قولين.
(فإما ان نقول) فيها بجعل الحجية أي المنجزية عند الإصابة والعذرية عند الخطأ.
(وعلى هذا القول) لا وجه لصحة الأعمال السابقة بعد كشف الخلاف فيها إذ المفروض ان الأمارة التي قد أدت إلى صحتها وانكشف خلافها لم تكن هي إلا مجرد عذر للفوت من دون ان يتدارك بها مصلحة الواقع أبدا.
(وإما ان نقول) فيها بجعل الأحكام الظاهرية الطريقية.
(وعلى هذا القول) أيضا لا وجه لصحة الأعمال السابقة بعد كشف الخلاف فيها فان الحكم الظاهري الطريقي لا مصلحة فيه سوى الوصول به إلى الواقع فإن أصاب فقد تنجز به الواقع وإن أخطأ فيكون عذرا لفوته من دون أن يتدارك به مصلحة الواقع أصلا.
(واما الصورة الأولى) من صورتي الصحة فهي ما إذا كان مدرك الاجتهاد السابق هو الطريق المعتبر شرعا وقد بنينا على اعتبار الأمارات من باب السببية والموضوعية.
(وقد أشار المصنف) إلى هذه الصورة بقوله الآتي وأما بناء على اعتبارها من باب السببية والموضوعية فلا محيص عن القول بصحة العمل على طبق الاجتهاد الأول عبادة كان أو معاملة... إلخ (ووجه الصحة) ان الأمارة في هذا الفرض هي سبب لحدوث مصلحة أو مفسدة في متعلق الحكم موجبة لجعل حكم نفسي على طبق مؤداها بلا شبهة (وعليه) فلا يبقى الواقع بلا تدارك لمصلحته كما على القول بالطريقية كي لا يجزي المأتي به ولا يكفي.
(أقول)
إن الحكم بصحة الأعمال السابقة بنحو الإطلاق على نحو لو كانت هي عبادة فلا تحتاج إلى الإعادة أو القضاء وإن كانت هي معاملة من عقد أو إيقاع فلا تحتاج إلى تكرار السبب بمجرد القول بالسببية والموضوعية في الطرق والأمارات هو (مما لا
201

وجه له) (فإنه إذا قامت) الأمارة السببية على أصل التكليف كوجوب صلاة الجمعة وقد أتينا بها مدة من الزمن ثم انكشف الخلاف وان الواجب كان صلاة الظهر مكانها دون الجمعة فلا بد من قضاء صلوات الظهر في تلك المدة بلا كلام إلا إذا قام دليل معتبر من إجماع ونحوه على عدم وجوب صلاتين في يوم واحد (ووجه القضاء أو الإعادة) في الوقت ان أقصى ما تقتضيه الأمارة السببية هو وجوب صلاة الجمعة حقيقة بمجرد قيامها على وجوبها ولا يكاد ينافي ذلك بقاء صلاة الظهر على وجوبها بلا تدارك لمصلحتها وقد تقدم اعتراف المصنف بذلك في بحث الإجزاء صريحا (ويلحق) بذلك ما إذا قامت الأمارة السببية على وجوب جزء أو شرط للمأمور به ثم انكشف الخلاف وأن الجزء أو الشرط كان أمرا آخر مكانه وذلك لعين ما قلنا في الأمارة السببية القائمة على أصل التكليف حرفا بحرف فإن وجوب جزء أو شرط بقيام الأمارة السببية هو مما لا ينافي بقاء الجزء أو الشرط الواقعي على وجوبه بلا تدارك لمصلحته (وهكذا إذا قامت) الأمارة السببية على عدم وجوب جزء أو شرط للمأمور به ثم انكشف الخلاف وانه كان جزءا أو شرطا واقعا فلا وجه للإجزاء أيضا فإن القائل بالسببية إنما يدعي حدوث المصلحة في المتعلق على طبق مؤدي الأمارة إذا كانت مثبتة لحكم تكليفي أو وضعي وأما إذا قامت على نفي حكم تكليفي أو وضعي فلم يعلم دعواه نفي المصلحة أو المفسدة عن المتعلق بسبب قيام الأمارة على نفيه.
(نعم إذا قامت) الأمارة السببية على تحقق جزء أو شرط للمأمور به كما إذا قامت على إتيان السورة أو على طهارة الثوب أو البدن أو كون القبلة إلى هذه الجهة وقد صلينا على طبق الأمارة ثم انكشف الخلاف فهاهنا لا بأس بالإجزاء عن الواقع وذلك لتحقق مصلحة الجزء أو الشرط بقيامها حقيقة ولكن ذلك خارج عما نحن بصدده من اضمحلال الاجتهاد السابق فإن الأمارة في هذه الأمثلة كلها قائمة في الشبهة الموضوعية ولا اجتهاد في الشبهة الموضوعية كما لا يخفى.
202

(اللهم إلا إذا فرض) قيام الأمارة السببية في الشبهة الحكمية على طهارة شيء أو حلية حيوان وقد صلينا في ذلك الشيء أو في جلد ذلك الحيوان أو في شعره أو وبره ثم انكشف الخلاف لم يبعد الصحة حينئذ على السببية والموضوعية ويكون هو من تبدل الاجتهاد إلى اجتهاد جديد قطعا (هذا كله في العبادات) (ومنها يظهر لك حال المعاملات) أيضا فإذا قامت الأمارة السببية على جزئية شيء أو شرطيته لعقد أو لإيقاع وتحقق العقد أو الإيقاع على طبق تلك الأمارة السببية ثم انكشف الخلاف وان الجزء أو الشرط كان أمرا آخر مكانه لم يصح العقد أو الإيقاع وهكذا إذا قامت على عدم جزئية شيء أو عدم شرطيته له وانكشف الخلاف وأنه كان جزءا أو شرطا له لم يصح أيضا.
(نعم) إذا قامت الأمارة السببية في الشبهة الموضوعية على تحقق البلوغ مثلا في البائع ثم انكشف الخلاف وانه لم يكن بالغا أو قامت في الشبهة الحكمية على ان من دخل في الثانية عشر فهو بالغ ثم انكشف الخلاف وان البلوغ مما لا يتحقق الا بالدخول في السادسة عشر صح البيع ولم يحتج إلى الإعادة أصلا وذلك لحدوث مصلحة
البلوغ فيه بمجرد قيام الأمارة بعد فرض كونها بنحو السببية والموضوعية (والغرض من إطالة الكلام) بهذا المقدار هو بيان ان الحكم بصحة الأعمال السابقة المطابقة للاجتهاد الأول مطلقا من غير تفصيل فيها بمجرد القول بالسببية والموضوعية ليس في محله وإن كانت هي صحيحة في الجملة على التفصيل الذي قد عرفت شرحه آنفا فلا تغفل.
(واما الصورة الثانية) من صورتي الصحة فهي ما إذا كان مدرك الاجتهاد السابق هو الاستصحاب أو البراءة الشرعية.
(وقد أشار إليها المصنف) بقوله في الآخر وكذلك الحال إذا كان بحسب الاجتهاد الأول مجري الاستصحاب أو البراءة النقلية... إلخ فإذا قامت البراءة الشرعية في الشبهة الحكمية على عدم وجوب شيء أو عدم جزئيته أو عدم
203

لعبادة أو لمعاملة ثم انكشف الخلاف وتبدل الاجتهاد الأول إلى اجتهاد جديد قد أدى إلى وجوبه أو جزئيته أو شرطيته لم نحتج إلى الإعادة أو القضاء في العبادة أو إلى تكرار السبب في المعاملة (والظاهر) ان السر في نظره هو حكومة دليل البراءة على دليل الواقع أو على أدلة الاجزاء والشرائط فلا يبقى وجوب ولا جزئية ولا شرطية في حال الجهل أبدا فلا إعادة ولا قضاء ولا تكرار السبب (وقد استفيد) حكومة دليل البراءة من كلام المصنف في الأقل والأكثر الارتباطيين قبل الشروع في التنبيه على أمور (بل وصرح) في بحث الإجزاء أيضا بحكومة الأصول العملية الجارية في تنقيح الجزء أو الشرط على أدلة الأجزاء والشرائط كقاعدة الطهارة أو الحلية (قال) بل واستصحابهما في وجه قوى ونحوها... إلخ (هذا كله في البراءة النقلية) ومثلها استصحاب العدم.
(واما استصحاب الوجود) فإذا قام في الشبهة الحكمية على طهارة شيء أو حلية حيوان فصلينا في ذلك الشيء أو في جلد ذلك الحيوان أو في شعره أو وبره ثم انكشف الخلاف وتبدل الاجتهاد الأول إلى اجتهاد جديد فقد صح العمل السابق لحكومة الاستصحاب على دليل الشرط وان الطهارة أو الحلية المشروطة بها الصلاة هي أعم من الواقعية والظاهرية المحرزة بالأصل فالعمل في الحقيقة كان واجدا لشرطه ولو شرطه الظاهري لا الواقعي ومن حين ارتفاع الجهل وانكشاف الخلاف قد ارتفع الشرط الظاهري.
(أقول)
إنك قد عرفت.
(أولا) في بحث الإجزاء ان حكومة مثل قاعدة الطهارة والحل واستصحابهما والبراءة على دليل الواقع أو على أدلة الأجزاء والشرائط هي حكومة ظاهرية والحكومة الظاهرية مما لا تجدي شيئا ما لم تكن هناك حكومة واقعية توجب الرفع حقيقة أو توسع دائرة الجزء أو الشرط واقعا أو تضيقها كذلك وقد تقدم سر ذلك كله هناك فلا نعيد.
204

(وثانيا) لو سلم ذلك كله فلا إشكال في أنه إذا قام الاستصحاب على أصل التكليف كوجوب صلاة الجمعة ثم انكشف الخلاف وأن الواجب كان هو الظهر لم يجز قطعا وقد اعترف المصنف بذلك في الإجزاء كما أشير آنفا وألحقنا به ما إذا قام الاستصحاب على وجوب جزء أو شرط ثم انكشف الخلاف وظهر أن الجزء أو الشرط كان أمرا آخر (وعليه) فحكمه في المقام بصحة العمل بمجرد ان كان بحسب الاجتهاد الأول مجري الاستصحاب نظرا إلى عمله بما هو وظيفته في تلك الحال مما لا وجه له.
(وبالجملة) إن الحكم بصحة الأعمال السابقة المطابقة للاجتهاد السابق بعد تبدله إلى اجتهاد جديد أو إلى التحير والتردد في غاية الإشكال من غير فرق في ذلك بين صورة وصورة إلا على السببية في الجملة على التفصيل الذي قد عرفت شرحه آنفا (هذا كله) مقتضي القاعدة الأولية في الأعمال السابقة.
(وأما مقتضي القاعدة الثانوية) المستفادة من أدلة خاصة فسيأتي الكلام فيها بلا فصل بعد هذا.
في بيان مقتضي القاعدة الثانوية في الأعمال
السابقة المطابقة للاجتهاد الأول
(قوله فيما لم ينهض دليل على صحة العمل فيما إذا اختل فيه لعذر كما نهض في الصلاة وغيرها مثل لا تعاد وحديث الرفع بل الإجماع على الإجزاء في العبادات على ما ادعى... إلخ)
إشارة إلى مقتضي القاعدة الثانوية في الأعمال السابقة المطابقة للاجتهاد الأول
205

(فيقول) إن مقتضاها هو صحة تلك الأعمال وذلك لأدلة خاصة نعتمد عليها ونستند إليها.
(منها) ما يختص بالصلاة فقط دون غيرها وهو حديث لا تعاد الصلاة إلا من خمس فإذا أدى الاجتهاد الأول إلى عدم جزئية شيء للصلاة أو عدم شرطيته لها أو عدم مانعيته عنها أو عدم قاطعيته لها وأوقعنا الصلاة على طبق ذلك الاجتهاد ثم انكشف الخلاف وظهر جزئية ذلك الشيء أو شرطيته أو مانعيته أو قاطعيته صحت الصلاة ولا حاجة إلى الإتيان بها ثانيا إعادة أو قضاء الا إذا كان الأمر المختل هو أحد الأمور الخمسة وهي الوقت والقبلة والطهور والركوع والسجود (هذا) ولكن الاستدلال بالحديث الشريف مبني على شموله لصورة الجهل بالحكم أو الموضوع وعدم اختصاصه بصورة النسيان فقط كما قد يدعي ذلك والا فلا يكاد ينفع المقام شيئا أبدا.
(ومنها) ما يختص بالعبادات فقط دون غيرها وهو الإجماع على الإجزاء الذي ادعاه بعضهم على ما يظهر من المصنف واشتهر على الألسن (وفيه) ان الاتكال في مثل هذه المسألة المهمة وهي صحة الأعمال السابقة من صلاة وصيام وحج وزكاة ونحوها من العبادات على مجرد الإجماع المنقول الذي لا يعرف قائله فضلا عن صحته
وسقمه في غير محله جدا (مضافا) إلى ما تقدم في الإجماع المنقول من ان مجرد اتفاق العلماء وأرباب الاجتهاد والفتوى ما لم ينضم إليهم أصحاب الأئمة عليهم السلام وحملة الاخبار الذين ليست أقوالهم مستندة إلى الاجتهاد والاستنباط غالبا بل إلى السماع عن الإمام عليه السلام لم ينفع في الحدس عن رأي المعصوم وفي استكشاف قوله عليه السلام وذلك لجواز استناد العلماء جميعا على اجتهادهم في المسألة وعلى استنباطهم فيها من الأدلة وقد أخطئوا فيها تماما وهذا ظاهر واضح (ومنها) ما يشمل العبادات والمعاملات جميعا وهو حديث الرفع (والظاهر) ان المقصود من ذلك هو الاستدلال بفقرة ما لا يعلمون نظرا إلى حكومتها على
206

أدلة الواقع كما أشير آنفا فإذا أدي الاجتهاد إلى عدم وجوب شيء أو إلى عدم جزئيته أو عدم شرطيته لعبادة أو لمعاملة ثم تبدل الاجتهاد وانكشف وجوبه أو جزئيته أو شرطيته واقعا فحديث الرفع حيث يرفع الوجوب أو الجزئية أو الشرطية في الزمان الأول أي في حال الجهل فلا وجه للإتيان بالعمل ثانيا (وفيه) ما تقدم آنفا من ان حكومة حديث الرفع ونحوه هي حكومة ظاهرية ولا يرتفع بها الأمر المجهول ارتفاعا حقيقيا من أصله فلا يكاد تجدي (هذا) ويحتمل أيضا ان يكون المقصود من الاستدلال بحديث الرفع هو التشبث بالفقرة الأولى منه أي رفع عن أمتي تسعة أشياء (الخطاء)... إلخ بناء على إطلاقه وشموله للخطاء في الأحكام أيضا ولكن يرد عليه.
(أولا) ان ظاهر الخطاء هو الخطاء في الموضوعات دون الأحكام.
(وثانيا) ان الخطاء في الأحكام ليس الا عبارة عن الجهل وليس هو شيئا آخر وراء ما لا يعلمون.
(وثالثا) ان الاستدلال به مبني على كون الخطاء مما يرتفع به الأثر الوضعي والتكليفي جميعا دون التكليفي فقط أي يرتفع به الجزئية والشرطية ونحوهما كما يرتفع به المؤاخذة والعقاب قطعا وهو خلاف التحقيق كما عرفته منا في محله وان المرفوع به ليس الا خصوص الأثر التكليفي فقط دون غيره فتأمل جيدا.
(قوله وذلك فيما كان بحسب الاجتهاد الأول قد حصل القطع بالحكم وقد اضمحل واضح... إلخ)
علة لقوله فلا بد من معاملة البطلان معها... إلخ وهو إشارة إلى الصورة الأولى من صورتي البطلان كما أشير قبلا.
(قوله وكذلك فيما كان هناك طريق معتبر شرعا عليه بحسبه وقد ظهر خلافه... إلخ)
إشارة إلى الصورة الثانية من صورتي البطلان كما ذكرنا قبلا.
207

في الرد على تفصيل الفصول في
الاجتهاد السابق
(قوله من غير فرق بين تعلقه بالأحكام أو بمتعلقاتها ضرورة ان كيفية اعتبارها فيهما على نهج واحد ولم يعلم وجه للتفصيل بينهما كما في الفصول إلى آخره)
رد على تفصيل صاحب الفصول في المقام وعنوان كلامه رحمه الله وان لم يكن هو التفصيل بين الحكم والمتعلق بل التفصيل بين ما إذا كانت الواقعة مما يتعين في وقوعها شرعا أخذها بمقتضي الفتوى وبين ما لم يكن كذلك (لكن) يظهر من أواخر كلامه ان المقصود من ذلك هو التفصيل بين الحكم ومتعلقه.
(قال في الفصول) فصل إذا رجع المجتهد عن الفتوى انتقضت في حقه بالنسبة إلى مواردها المتأخرة عن زمن الرجوع قطعا وهو موضع وفاق (إلى أن قال) وأما بالنسبة إلى مواردها الخاصة التي فيها قبل رجوعه عنها (فإن قطع) ببطلانها واقعا فالظاهر وجوب التعويل على مقتضي قطعه فيها بعد الرجوع (إلى ان قال) وكذا لو قطع ببطلان دليل واقعا وان لم يقطع ببطلان نفس الحكم كما لو زعم حجية القياس فأفتى بمقتضاه ثم قطع ببطلانه (إلى ان قال) وان لم يقطع ببطلانها ولا ببطلانه فإن كانت الواقعة مما يتعين في وقوعها شرعا أخذها بمقتضي الفتوى فالظاهر بقائها على مقتضاها السابق فيترتب عليها لوازمها بعد الرجوع (إذ الواقعة) الواحدة لا تتحمل اجتهادين ولو بحسب زمانين لعدم دليل عليه (ولئلا يؤدي)
208

إلى العسر والحرج المنفيين عن الشريعة السمحة لعدم وقوف المجتهد غالبا على رأي واحد فيؤدي إلى الاختلال فيما يبني فيه عليها من الأعمال (ولئلا يرتفع) الوثوق في العمل من حيث ان الرجوع في حقه محتمل وهو مناف للحكمة الداعية إلى تشريع حكم الاجتهاد ولا يعارض ذلك بصورة القطع لندرته وشذوذه (ولأصالة بقاء) آثار الواقعة إذ لا ريب في ثبوتها قبل الرجوع بالاجتهاد ولا قطع بارتفاعها بعده إذ لا دليل على تأثير الاجتهاد المتأخر فيها (إلى ان قال) وعلى ما قررنا فلو بنى على عدم جزئية شيء للعبادة أو عدم شرطيته فأتى بها على الوجه الذي بنى عليه ثم رجع بنى على صحة ما أتى به حتى انها لو كانت صلاة وبنى فيها على عدم وجوب السورة ثم رجع بعد تجاوز المحل بنى على صحتها من جهة ذلك أو بنى على صحتها في شعر الأرانب والثعالب ثم رجع ولو في الأثناء إذا نزعها قبل الرجوع وكذا لو بنى على طهارة شيء ثم صلى في ملاقيه ورجع ولو في الأثناء وكذا لو تطهر بما يراه طاهرا أو طهورا ثم رجع ولو في الأثناء فلا يلزمه الاستئناف (وكذلك القول) في بقية مباحث العبادات وساير مسائل العقود والإيقاعات (فلو عقد) أو أوقع بصيغة يرى صحتها ثم رجع بنى على صحتها واستصحب أحكامها من بقاء الملكية والزوجية والبينونة والحرية وغير ذلك (إلى ان قال) ولو كانت الواقعة مما لا تتعين أخذها بمقتضي الفتوى فالظاهر تغير الحكم بتغير الاجتهاد كما لو بنى على حلية حيوان فذكته ثم رجع بنى على تحريم المذكى منه وغيره أو على طهارة شيء كعرق الجنب من الحرام فلاقاه ثم رجع بنى على نجاسته ونجاسة ملاقيه قبل الرجوع وبعده أو على عدم تحريم الرضعات العشر فتزوج من أرضعته ذلك ثم رجع بنى على تحريمها لأن ذلك كله رجوع عن حكم الموضوع وهو لا يثبت بالاجتهاد على الإطلاق بل ما دام باقيا على اجتهاده فإذا رجع ارتفع (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(ومحصل هذا الكلام بطوله) انه إذا لم يقطع ببطلان ما اجتهده أولا ولا
209

ببطلان دليله كما إذا اجتهد استنادا إلى دليل كان يرى حجيته ثم زالت حجيته في نظره مع بقاء احتمال حجيته في الواقع فحينئذ.
(ان كان الاجتهاد الأول) في نفس الحكم الشرعي فيتغير الحكم الشرعي بتغير الاجتهاد الأول ولا يبقى إلى الآخر كما يشهد به قوله فالظاهر تغير الحكم يتغير الاجتهاد... إلخ وقوله في الآخر لأن ذلك كله رجوع عن حكم الموضوع وهو لا يثبت بالاجتهاد على الإطلاق بل ما دام باقيا على اجتهاده... إلخ.
(وأما إذا كان) في متعلق الحكم الشرعي وقد وقع المتعلق في الخارج على طبق ذلك الاجتهاد الأول ثم تغير الاجتهاد فلا يتغير الفعل أي المتعلق للحكم الشرعي عما كان عليه من الصحة بل يبقى على آثاره حتى بعد الرجوع كما يشهد به.
(قوله) فالظاهر بقائها يعني الواقعة على مقتضاها السابق فيترتب عليها لوازمها بعد الرجوع (إلى ان قال) ولأصالة بقاء آثار الواقعة (إلى ان مثل لها) بالصلاة في أمثلة متعددة (إلى ان قال) وكذلك القول في بقية مباحث العبادات وسائر مسائل العقود والإيقاعات... إلخ.
(أقول)
(وفيه مضافا) إلى ما سيأتي مما يرد على أدلته المتقدمة واحدا بعد واحد من عدم تحمل الواقعة الواحدة لاجتهادين ونحو ذلك (ان مقتضي) ما تقدم منه انه إذا اجتهد عدم تحريم الرضعات العشر فتزوج من أرضعته ذلك ثم رجع لم يبن علي تحريمها لأن التزويج بحسب الاجتهاد الأول كان صحيحا نافذا مؤثرا في الزوجية والواقعة الواحدة لا تتحمل اجتهادين ولو بحسب زمانين مع انه قد حكم بالبناء على تحريمها (بل لا يبعد) ان يقال إنه إذا اجتهد حلية حيوان فذكاه ثم رجع لم يبن علي تحريمه لأن التذكية بحسب اجتهاده الأول كانت مؤثرة في الحلية والواقعة الواحدة مما لا تتحمل اجتهادين مع انه قد حكم بالبناء على تحريمه (هذا وعليك) بالتأمل التام في كلماته في المقام وفيما أفدناه في شرح مرامه فإنه من مزال الأقدام
210

وقد زل فيه بعض أساتذتي العظام رحمه الله ففسر كلام الفصول في مجلس الدرس بما لا يرضى به الفصول (ثم أورد عليه) من وجوه شتى يبلغ على ما ببالي من نحو أربعة عشر وجها فباحثته في تفسير كلام الفصول وفي شرح مرامه مدة طويلة فلم يقبل مني حتى أتيته بالكتاب في اليوم القابل وقرأت له عبارات الفصول في المقام وذكرت له ما فيها من الشواهد على ما فهمت حتى عدل عن تفسيره ورجع عما أورد عليه من الوجوه الأربعة عشر واعترف بالاشتباه بمحضر من أصحابه.
(هذا وقد حكى) عن الشيخ أيضا أعلى الله مقامه انه قد تردد في فهم مراد الفصول في المقام وأشكل عليه الأمر حتى أرسل بعض السادة من أفاضل تلامذته إلى كربلاء لملاقاة صاحب الفصول واستيضاح الحال منه شفاهيا فرجع السيد ولم يأت بشيء يرجع إلى محصل هكذا نقل بعض الأجلة في بعض مؤلفاته (والله العالم)
(قوله وان المتعلقات لا تتحمل اجتهادين بخلاف الأحكام إلا حسبان ان الأحكام قابلة للتغيير والتبدل بخلاف المتعلقات والموضوعات... إلخ)
إشارة إلى الدليل الأول للفصول وهو قوله المتقدم إذ الواقعة الواحدة لا تتحمل اجتهادين ولو بحسب زمانين... إلخ.
(وقد أجاب عنه المصنف) بما حاصله انه لا فرق بين الأحكام والمتعلقات من ناحية تغير الاجتهاد فإن الواقع في كل منهما واحد لا يتحمل اجتهادين من غير اختصاص بالمتعلقات فقط وهو جيد متين.
(قوله ولزوم العسر والحرج... إلخ)
إشارة إلى الدليل الثاني للفصول وهو قوله المتقدم ولئلا يؤدي إلى العسر والحرج المنفيين عن الشريعة السمحة... إلخ.
(وقد أجاب عنه المصنف) بجوابين جواب حلي وجواب نقضي.
(اما الجواب الحلي) فقد أشار إليه بقوله لا يكون الا أحيانا... إلخ أي لا يكون دائما كي يلزم منه العسر والحرج المنفيين عن الشريعة.
211

(واما الجواب النقضي) فقد أشار إليه بقوله مع عدم اختصاص ذلك بالمتعلقات أي مع عدم اختصاص لزوم العسر بالمتعلقات فقط بل يجري ذلك في الأحكام أيضا فإذا اجتهد عدم وجوب شيء مثلا أو عدم نجاسته ثم رجع عن ذلك وعرف وجوبه أو نجاسته وجب عليه إتيان ذلك الواجب إعادة أو قضاء إن كان مما شرع فيه القضاء أو وجب الاجتناب عن كل ما لاقى ذلك النجس الذي لم يعامل معه معاملة النجاسة أو تطهير كل ما لاقاه مما هو محل ابتلائه فعلا وهذا مما يؤدي إلى العسر والحرج بلا شبهة.
(قوله والحرج والمرج المخل بالنظام والموجب للمخاصمة بين الأنام إلى آخره)
ليس هذا الدليل مذكورا في كلام صاحب الفصول أصلا وانما هو شيء قد ذكره المصنف من عند نفسه انتصارا للفصول (وحاصله) انه لو عاملنا معاملة البطلان مع الأعمال السابقة جميعا من العبادات والمعاملات من عقودها وإيقاعها لاستلزم ذلك وقوع الهرج والمرج المخل بالنظام وأوجب ذلك المخاصمة بين الأنام.
(وقد أجاب) عنه بانسداد باب ذلك بالحكومة وفصل الخصومة بما يراه القاضي بين المتخاصمين ويحكم به بين المترافعين وهو جيد متين أيضا.
(ثم إن المصنف) لم يؤشر إلى الدليلين الآخرين للفصول (من قوله) ولئلا يرتفع الوثوق في العمل من حيث ان الرجوع في حقه محتمل... إلخ.
(وقوله) ولأصالة بقاء آثار الواقعة... إلخ (والظاهر) انه لضعفهما جدا فإن الوثوق في العمل ما لم يرجع المجتهد عن اجتهاده هو حاصل متحقق فعلا وأما استصحاب بقاء آثار الواقعة بعد رجوع المجتهد عن الاجتهاد الأول فمما لا وجه له فإن المجتهد بعد ما اضمحل اجتهاده الأول وإن فرض انه لم يقطع ببطلانه ولا ببطلان دليله كما هو مفروض الفصول على ما تقدم ولكنه لا يعلم فعلا للواقعة التي قد أتى بها على طبق اجتهاده الأول آثار كي يستصحبها في هذا الحال فإنه من
212

قبيل الشك الساري وليس هو موردا للاستصحاب قطعا وإن كان موردا لقاعدة اليقين ولم يثبت اعتبارها كما تقدم تفصيلها في الاستصحاب فتذكر.
(قوله ولزوم العسر في الأحكام كذلك أيضا... إلخ)
أي ولزوم العسر في الأحكام لا يكون إلا أحيانا أيضا كما في المتعلقات عينا.
(قوله وأما بناء على اعتبارها من باب السببية والموضوعية فلا محيص عن القول بصحة العمل على طبق الاجتهاد الأول عبادة كان أو معاملة... إلخ)
إشارة إلى الصورة الأولى من صورتي الصحة كما أشير قبلا وقد عرفت ما فيها من النقض والإبرام وأن الصحة فيها ليست الا في الجملة على التفصيل المتقدم لك شرحه وبيانه لا مطلقا كما ادعي المصنف فتذكر.
(قوله وكذلك الحال إذا كان بحسب الاجتهاد الأول مجرى الاستصحاب أو البراءة النقلية... إلخ)
إشارة إلى الصورة الثانية من صورتي الصحة كما ذكرنا قبلا وقد عرفت انه لا وجه للصحة فيها أصلا فتأمل ما ذكرناه لك في وجه عدم الصحة جيدا.
في التقليد وبيان معناه لغة واصطلاحا
(قوله فصل في التقليد وهو أخذ قول الغير ورأيه للعمل به في الفرعيات أو للالتزام به في الاعتقاديات تعبدا بلا مطالبة دليل على رأيه... إلخ)
(التقليد في اللغة) هو تعليق القلادة ونحوها في العنق وذكر بعض اللغويين معنى آخر للتقليد (فقال) وقلده في كذا أي تبعه من غير تأمل ولا نظر (والظاهر) ان المقصود من هذا المعنى هو ان يفعل الإنسان كما يفعل الغير من غير أن
213

وجهه وحكمته فإذا فعل كذلك فقد صدق عليه أنه قلد الغير (ومن هنا يعرف) ان التقليد المذموم عند أهل العرف في الأمور العادية هو هذا المعنى فيفعل كما يفعل الغير من غير دراية ولا بصيرة ولا علم ولا معرفة.
(واما في الاصطلاح) فقد عرفوا التقليد بتعاريف متعددة.
(منها) ما نسبه المحقق القمي إلى علماء الأصول كالعضدي وغيره وهو العمل بقول الغير من غير حجة (والظاهر) انهم يعنون به من غير حجة على ما قاله الغير لا من غير حجة على العمل بقول الغير (ويظهر من بعض المحشين) أن المراد من غير العضدي في كلام المحقق المذكور هو صاحب المعالم والسيد صدر الدين في شرحه على الوافية وغيرهما (كما انه يظهر من الشيخ) في رسالته المستقلة ان هذا التعريف هو محكي عن نهاية الأحكام والمعالم وشرح المختصر.
(ومنها) ما نسبه في الفصول إليهم وهو الأخذ بقول الغير من غير حجة.
(ومنها) ما ذكره الشيخ أعلى الله مقامه في رسالته المستقلة في آخر الأقوال وهو كون التقليد متابعة قول الغير.
(ومنها) ما ذكره الشيخ أيضا في رسالته المستقلة في أول المسألة (قال) وفي الاصطلاح كما عن الفخر قبول قول الغير في الأحكام الشرعية من غير دليل على خصوص ذلك الحكم.
(ثم قال) وأحسن منه ما عن جامع المقاصد قبول قول الغير المستند إلى الاجتهاد.
(ومنها) ما ذكره المصنف من انه أخذ قول الغير وهو غير الأخذ بقول الغير كما ستعرف.
(وقد أشار) إلى ما اعتبروه من كونه من غير حجة بقوله تعبدا بلا مطالبة دليل على رأيه.
(ومنها) ما ذكره الفقيه الطباطبائي في العروة من ان التقليد هو الالتزام
214

بالعمل بقول مجتهد معين وإن لم يعمل بعد بل ولو لم يأخذ فتواه... إلخ.
(ويظهر من الشيخ) أيضا أعلى الله مقامه في رسالته المستقلة احتمال هذا المعنى (قال) والحاصل ان التقليد في اصطلاحهم هو مجرد الانقياد والاستناد والالتزام القلبي أو العمل الجاري على طبق قوله... إلخ.
(أقول)
والظاهر ان كلا من العمل بقول الغير والأخذ بقول الغير ومتابعة قول الغير هو بمعنى واحد فما لم يعمل بقوله لم يصدق عليه انه أخذ بقوله أو تابع قوله (كما ان الظاهر) ان قبول قول الغير وأخذ قول الغير هما بمعنى واحد وهو الذي يكون مقدمة للعمل.
(ومن هنا قال المصنف) وهو أخذ قول الغير ورأيه للعمل به في الفرعيات إلى آخره وأما الالتزام والأمر القلبي فهو أوسع من الكل لجواز وقوعه قبل الأخذ فضلا عن العمل به ومن هنا قال في العروة في عبارته المتقدمة وإن لم يعمل بعد بل ولو لم يأخذ فتواه... إلخ (وعلى هذا) فالمعاني التي قد ادعوها للتقليد في الاصطلاح هي أمور ثلاثة (العمل بقول الغير) (وأخذ قول الغير للعمل) (والالتزام بالعمل بقول الغير) ولو لم يأخذ بعد فتواه فضلا من أن يعمل به.
(ثم إنه قد يقال) إن التقليد في الاصطلاح هو مأخوذ عن المعنى الأول اللغوي فكأن العامي الذي يقلد المجتهد هو يجعل أعماله في عاتق المجتهد وفي عهدته فهي كالقلادة في عنقه ولكنه بعيد جدا (بل الظاهر) انه مأخوذ عن المعنى الثاني اللغوي وهو ان يفعل الإنسان كما يفعل الغير من غير ان يعرف وجهه وحكمته فإن العامي الذي يقلد المجتهد يفعل كما يفعل مجتهده أو كما يقول مجتهده من غير ان يعرف مدرك حكمه ودليله وإن كان أصل تقليده منه عن مدرك ودليل فالتقليد في الحقيقة هو مندرج تحت هذا المعنى الكلي ويكون من صغريات هذه الكبرى ومن جزئياتها (وعلى هذا) فالمتعين من بين المعاني المذكورة للتقليد اصطلاحا هو
215

المعنى الأول منها وهو العمل بقول الغير من غير حجة دون مجرد أخذ قول الغير لأجل العمل به ولو لم يعمل به بعد أو مجرد الالتزام والعقد القلبي ولو لم يأخذ قول
الغير بعد أو أخذه ولم يعمل به بعد فإنهما بعيدان جدا لا سيما الثاني منهما كما لا يخفى.
(قوله ولا يخفى انه لا وجه لتفسيره بنفس العمل ضرورة سبقه عليه والا كان بلا تقليد فافهم... إلخ)
قد أورد على تفسير التقليد بالعمل بقول الغير أمور عديدة.
(منها) ما أشار إليه المصنف من ان التقليد سابق على العمل فلو كان التقليد هو نفس العمل لكان العمل بلا تقليد (وفيه) انه لم تنزل آية ولم ترد رواية ولا انعقد الإجماع ولا استقل العقل بوجوب كون العمل عن تقليد كي يجب ان يكون التقليد سابقا على العمل وإلا كان العمل بلا تقليد بل الذي يجب على العامي أو يجوز له بمقتضي الأدلة الآتية هو التقليد فإذا عمل بقول المجتهد وأخذ بكلامه فقد صدق عليه انه قلده وإن لم يصدق عليه انه عمل عن تقليد (ولعله) إليه أشار المصنف بقوله فافهم.
(ومنها) ما أشار إليه الفصول بقوله لئلا يلزم الدور في العبادات من حيث ان وقوعها يتوقف على قصد القربة وهو يتوقف على العلم بكونها عبادة فلو توقف العلم بكونها عبادة على وقوعها كان دورا (والظاهر) ان مراده من ذلك ان وقوع العبادة في الخارج هو مما يتوقف على قصد القربة وقصد القربة على العلم بكونها عبادة والعلم بذلك للعامي مما يتوقف على التقليد فلو كان التقليد هو العمل أي وقوع العبادة في الخارج لتوقف وقوعها في الخارج على وقوعها في الخارج وهو دور صريح (وفيه) ان العلم بكونها عبادة للعامي هو مما يتوقف على قول المجتهد الجامع للشرائط لا على التقليد (وعليه) فلو كان التقليد هو العمل ووقوع العبادة في الخارج لم يلزم الدور فتأمل جيدا.
216

(ومنها) ما حكاه الشيخ أعلى الله مقامه في رسالته المستقلة (ومحصله) ان التقليد لو كان هو العمل امتنع ان يقع العمل على صفة الوجوب أو الندب إذا كان مما اختلف فيه المجتهدون كغسل الجمعة بل امتنع ان يقع على صفة المشروعية إذا كان مما اختلف في مشروعيته كصلاة الجمعة في زمان الغيبة وصلاة القصر في أربع فراسخ (ووجه الامتناع) ان وقوع العمل في الخارج على صفة الوجوب أو الندب أو المشروعية مما لا يتحقق إلا بالتقليد فلو كان التقليد هو العمل الخارجي لتوقف وقوع العمل في الخارج على وقوع العمل في الخارج (وفيه) ان وقوع العمل على صفة الوجوب أو الندب أو المشروعية مما لا يتحقق الا بقول المجتهد الجامع للشرائط لا بالتقليد (وعليه) فلو كان التقليد هو العمل الخارجي لم يلزم توقف وقوع العمل في الخارج على وقوعه كذلك كما تقدم آنفا في جواب الفصول
في الاستدلال على جواز التقليد ببناء العقلاء
(قوله ثم إنه لا يذهب عليك ان جواز التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم في الجملة يكون بديهيا جبليا فطريا لا يحتاج إلى دليل والا لزم سد باب العلم به على العامي... إلخ)
والظاهر ان قوله في الجملة إشارة إلى الشرائط المعتبرة في المجتهد حيث لا يجوز رجوع الجاهل إلى العالم مطلقا (كما ان الظاهر) ان وجه لزوم سد باب العلم بجواز التقليد على العامي إن لم يكن الجواز بديهيا جبليا فطريا انه لو كان جواز التقليد بتقليد آخر فإن كان ذاك التقليد الآخر بهذا التقليد لزم الدور وإن كان بتقليد آخر أيضا وهلم جرا لزم التسلسل وهذا معنى قوله ولا يجوز التقليد فيه أيضا وإلا لدار أو تسلسل.
217

(ثم هل المراد) من كون جواز التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم بديهيا جبليا فطريا أن جواز التقليد مما استقر عليه بناء العقلاء وقد جرى عليه ديدنهم أو أن جواز التقليد مما استقل به العقل وحكم به اللب مقتضي ما تقدم منه في الموضع الثالث من مواضع التجزي من قوله وعدم إحراز ان بناء العقلاء أو سيرة المتشرعة على الرجوع إلى مثله... إلخ هو الأول ومقتضي ما سيأتي منه في بحث اشتراط الحياة في المفتي من قوله فإن جواز التقليد إن كان بحكم العقل وقضية الفطرة كما عرفت فواضح... إلخ هو الثاني فإنه كالصريح في الإشارة إلى ما ذكره في المقام.
(وعلى كل حال) الحق ان جواز التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم بل إلى مطلق أهل الخبرة من كل فن هو مما استقر عليه بناء العقلاء وقد جرى عليه ديدنهم ولو في الجملة كما صرح به المصنف أي فيما حصل منه الوثوق والاطمئنان لا مطلقا وهذا من غير أن يستقل به العقل ويحكم به اللب فإن العقل انما يستقل بحجية شيء إذا لم يحتمل فيه الخلاف كما في العلم واليقين دون ما احتمل فيه الخلاف والخطأ وإن حصل منه الوثوق والاطمئنان (ومن هنا يظهر) ان مجرد بناء العقلاء على رجوع الجاهل إلى العالم مما لا يكفي مدركا لجواز التقليد ما لم يحرز إمضاء الشارع له وعدم ردعه عنه ولو بسكوته وعدم نهيه عنه بالخصوص فإن مجرد ذلك كاشف قطعي عن إمضائه له وعدم ردعه عنه وعن خروجه عن تحت الآيات الناهية عن مطلق الظن فلو كان التقليد والعمل بقول العلماء من الأصحاب محرما منهيا عنه شرعا لم يكتف الشارع بعموم تلك الآيات الناهية بل كان ينهي عنه بالخصوص كما نهي عن القياس كذلك وورد في حقه من الأخبار الكثيرة ما شاء الله (وقد تقدم) نظير ذلك كله في حجية خبر الواحد في بناء العقلاء على العمل بخبر الثقة بعد الاعتراف بصلاحية الآيات الناهية عن الظن للردع عنه إثباتا من دون لزوم الدور كما ادعاه المصنف هناك فراجع وتدبر.
(بقي شيء) وهو ان العامي الجاهل إن كان رجوعه إلى العالم هو بمقتضي
218

طبعه الأصلي وجبليته وفطرته من دون التفات إلى شيء فهو وإلا بأن تفطن أن مجرد بناء العقلاء مما لا يكاد يكفي مدركا ما لم ينضم إليه الإمضاء من الشرع لم يجز له الرجوع إلى العالم عقلا ما لم يحرز بنفسه إمضاء الشارع له أو يعرف دلالة ساير الأدلة الدالة عليه مما سيأتي شرحه وتفصيله قريبا فانتظر.
(قوله مطلقا... إلخ)
الظاهر ان قوله مطلقا إشارة إلى عدم الفرق في العامي بين أن يكون عاميا بحتا لاحظ له من العلم أصلا أو كان له حظ من العلم في الجملة ولم يبلغ درجة الاجتهاد
(قوله غالبا... إلخ)
الظاهر انه إشارة إلى ما قد يتفق للمقلد من أن يكون خبيرا في خصوص جواز التقليد عالما بأدلته بصيرا على مدركه مجتهدا فيه غير مقلد فإن مثل هذا المقلد إذا لم يكن رجوعه إلى العالم بديهيا جبليا فطريا له لم يلزم سد باب العلم بجواز التقليد عليه بعد فرض اطلاعه على أدلته ومداركه مما سيأتي من الآيات والروايات جميعا.
الكلام حول الإجماع بقسميه من المحصل والمنقول على جواز التقليد
(قوله لبعد تحصيل الإجماع في مثل هذه المسألة مما يمكن أن يكون القول فيه لأجل كونه من الأمور الفطرية الارتكازية... إلخ)
قد ادعى الإجماع في المسألة جملة من العلماء الخاصة والعامة كالسيد المرتضى وغيره على ما يظهر من المحقق القمي (قال) أعلى الله مقامه في القانون الأول من التقليد
219

(ما لفظه) وكيف كان فالمشهور بين علمائنا المدعي عليه الإجماع انه يجوز لمن لم يبلغ رتبة الاجتهاد التقليد للمجتهد في المسائل الفرعية (إلى أن قال) قال في الذكرى وعليه أكثر الإمامية وخالف فيه بعض قدمائهم وفقهاء حلب فأوجبوا على العوام الاستدلال (إلى أن قال) وقال بعض البغداديين من المعتزلة إنما يجب على العامي أن يسأل العالم بشرط أن يتبين له صحة اجتهاد المجتهد بدليله.
(ثم قال) والحق الجواز مطلقا سواء كان عاميا بحتا أو عالما بطرق من العلوم للإجماع المعلوم بتتبع حال السلف من الإفتاء والاستفتاء وتقريرهم وعدم إنكارهم والمدعي في كلماتهم (قال) وصرح بالإجماع السيد المرتضى رحمه الله وغيره من علماء الخاصة والعامة (قال) قال في الذكرى بعد ما نقلنا عنه ويدفعه إجماع السلف والخلف على الاستفتاء من غير نكير ولا تعرض لدليل بوجه من الوجوه (انتهى) (ثم إن حاصل) مناقشة المصنف في الإجماع بقسميه أن تحصيل الإجماع في المسألة على وجه يكشف عن رأي الإمام عليه السلام بعيد جدا لاحتمال أن يكون مدرك إجماعهم هو كون التقليد من الأمور الفطرية الارتكازية من دون أن يكون مدركه رأي الإمام عليه السلام (ومن المعلوم) ان الإجماع الذي قد احتمل له المدرك مما لا يجدي شيئا ما لم ينحصر مدركه برأي الإمام عليه السلام (ومن هنا يظهر) حال الإجماع المنقول في المسألة ولو قيل بحجيتها في غير المسألة فإن المحصل منه إذا نوقش في حجيته لكونه محتمل المدرك فكيف بمنقوله دون المحصل.
(أقول)
هذا مضافا إلى ما تقدم من الذكرى آنفا من التصريح بمخالفة بعض قدماء الإمامية وفقهاء حلب فإن تحصيل الإجماع مع مخالفة جملة من الأصحاب صريحا متعذر فضلا عن بعده لكونه محتمل المدرك فتأمل جيدا.
220

(قوله ومنه قد انقدح إمكان القدح في دعوى كونه من ضروريات الدين... إلخ)
بل بطلان هذه الدعوى مما لا يبعد أن يكون من الضروريات وذلك لما عرفت من أن الإجماع على جواز التقليد مما لم يتم في المسألة فكيف بدعوى كون الجواز فيها من ضروريات الدين.
الكلام حول سيرة المتدينين على التقليد
(قوله وكذا القدح في دعوى سيرة المتدينين... إلخ)
بل لا قدح في دعوى سيرة المتدينين فإن احتمال ان سيرتهم لأجل كون رجوع الجاهل إلى العالم من الأمور الفطرية الارتكازية أو من ضروريات العقل وفطرياته على اختلاف تعبير المصنف مما لا يكاد يضر بالسيرة وإن أضر بالإجماع قطعا (والسر في ذلك) ان الإجماع اتفاق قولي فإذا احتمل كون المدرك لأقوالهم غير رأي الإمام عليه السلام فلا حجية له بخلاف السيرة فإنها عمل خارجي فإذا كان عملهم متصلا بزمان الإمام عليه السلام ولم يردعهم المعصوم كشف ذلك عن رضائه بفعلهم فيكون حجة قهرا على كل حال.
(ثم إنه) قد أشار إلى السيرة المذكورة صاحب الفصول (حيث قال) في جملة ما استدل به لجواز التقليد (ما لفظه) ولجريان طريقة السلف عليه من غير نكير... إلخ بل يمكن أن يقال إن مرجع كلام المحقق القمي في عبارته المتقدمة من قوله للإجماع المعلوم بتتبع حال السلف من الإفتاء والاستفتاء وتقريرهم وعدم إنكارهم... إلخ بل ومرجع كلام الذكرى المتقدم أيضا من قوله ويدفعه إجماع
221

السلف والخلف على الاستفتاء من غير نكير... إلخ هو إلى السيرة المستمرة وإن كانا قد عبرا عنها بإجماع السلف (وكيف كان) ان سيرة المتدينين على الرجوع إلى العالم بالأحكام الشرعية من زماننا هذا إلى زمن الأئمة عليهم السلام هي أضيق دائرة من بناء العقلاء كافة على رجوع الجاهل إلى العالم بل إلى مطلق أهل الخبرة من كل فن ولكن لم يثبت ان المتدينين هل هم يبنون على الرجوع إلى العالم بالمسائل الشرعية بما هم متدينون بهذا الدين ليكون وجها مستقلا غير بناء العقلاء أو انهم يبنون عليه بما هم عقلاء فيكون من شعب الدليل السابق لا دليلا مستقلا برأسه.
الكلام حول الاستدلال بآيتي النفر
والسؤال على جواز التقليد
(قوله واما الآيات فلعدم دلالة آية النفر والسؤال على جوازه... إلخ)
(اما آية النفر) فهي في أواخر التوبة قال الله تعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم
لعلهم يحذرون.
(واما آية السؤال) فهي في النحل والأنبياء جميعا قال الله تعالى وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون (وقد استدل) بالآيتين الشريفتين صاحب الفصول والشيخ أعلى الله مقامهما في جملة ما استدلا به على جواز التقليد واستدل المحقق القمي بآية السؤال فقط دون النفر (قال في الفصول) ولعموم قوله تعالى فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون
222

بناء على ان المراد بأهل الذكر أهل القرآن من العلماء كما نص عليه جماعة وقد مر الكلام فيه يعني به في حجية خبر الواحد (قال) ولقوله تعالى في آية النفر ولينذروا قومهم الشامل للإنذار بطريق الفتوى أيضا.
(وقال الشيخ) في رسالته المستقلة (ما لفظه) اما حكم التقليد فالمعروف بين أصحابنا جوازه بالمعنى الأعم وينسب إلى بعض أصحابنا القول بالتحريم ويحكي عن بعض العامة والحق هو الأول للأدلة الأربعة آيتا النفر والسؤال إلى آخر ما قال (وقال) المحقق القمي بعد الاستدلال بالإجماع (ما لفظه) ويدل عليه أيضا عموم قوله تعالى فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون (انتهى).
(قوله لقوة احتمال أن يكون الإرجاع لتحصيل العلم لا للأخذ تعبدا إلى آخره)
هذا جواب عن الاستدلال بآية النفر والسؤال جميعا (وحاصله) ان من المحتمل ان يكون الإرجاع إلى المتفقهين المنذرين وهكذا الأمر بسؤال أهل الذكر هو لتحصيل العلم من أقوالهم فيعمل بالعلم لا بأقوالهم تعبدا ليثبت المطلوب.
(أقول)
إنك قد عرفت في حجية خبر الواحد في ذيل الاستدلال بآية النفر.
(ان المصنف) قد نفي الملازمة بين وجوب الإنذار ووجوب الحذر مطلقا ولو لم يحصل العلم من قول المنذر ليثبت بها المطلوب (وقد أشار إليه) بقوله هناك لعدم انحصار فائدة الإنذار بإيجاب التحذر تعبدا.
(وان الشيخ أيضا) قد أشكل على الاستدلال بالآية أمورا أهمها نفي الإطلاق لوجوب الحذر ولو لم يحصل العلم من قول المنذر ليثبت به المطلوب (قال) فالمعنى لعله يحصل لهم العلم فيحذروا فالآية مسوقة لبيان مطلوبية الإنذار بما يتفقهون ومطلوبية العمل من المنذرين بما أنذروا وهذا لا ينافي اعتبار العلم في العمل ولهذا صح ذلك فيما يطلب فيه العلم فليس في هذه الآية تخصيص للأدلة
223

للعمل بما لم يعلم ولذا استشهد الإمام عليه السلام فيما سمعت من الأخبار المتقدمة على وجوب النفر في معرفة الإمام وإنذار النافرين المتخلفين مع ان الإمامة لا يثبت الا بالعلم (انتهى).
(وقد أشار المصنف) إلى الإشكال المذكور هناك بقوله لعدم إطلاق يقتضي وجوبه على الإطلاق غير أنه قدس سره قد ادعى كون الآية مسوقة لبيان وجوب النفر ولم يقل لبيان مطلوبية الإنذار بما يتفقهون كما ادعى الشيخ أعلى الله مقامه (وعلى كل حال) يحتمل ان يكون مقصود المصنف من قوله هاهنا لقوة احتمال ان يكون الإرجاع لتحصيل العلم لا للأخذ تعبدا... إلخ هو الإشارة إلى نفي الملازمة الذي ادعاه هناك ويحتمل أن يكون مقصوده هو الإشارة إلى نفي الإطلاق الذي ادعاه الشيخ هناك وأشار إليه المصنف أيضا تبعا للشيخ بقوله المتقدم (هذا كله) من أمر آية النفر (واما آية السؤال) فقد عرفت هناك أيضا ان الشيخ أعلى الله مقامه قد أورد على الاستدلال بها إيرادات.
(من جملتها) ان الظاهر من وجوب السؤال عند عدم العلم هو وجوب تحصيل العلم لا وجوب السؤال للعمل بالجواب تعبدا كما يقال في العرف سل إن كنت جاهلا.
(وقد أشار إليه المصنف) هناك بقوله وفيه ان الظاهر منها إيجاب السؤال لتحصيل العلم لا للتعبد بالجواب.
(والظاهر ان مقصود المصنف) من قوله في المقام لقوة احتمال أن يكون الإرجاع لتحصيل العلم لا للأخذ تعبدا... إلخ بعد ما عرفت انه جواب عن كلتا الآيتين أي النفر والسؤال جميعا هو الإشارة أيضا إلى الإيراد المذكور في آية السؤال
(قوله مع ان المسؤول في آية السؤال هم أهل الكتاب كما هو ظاهرها أو أهل بيت العصمة والأطهار كما فسر به في الأخبار... إلخ)
إشارة إلى الإيراد الأول من الإيرادات التي أوردها الشيخ أعلى الله مقامه على
224

الاستدلال بآية السؤال في خبر الواحد ولم يؤشر إليه المصنف هناك.
(قال الشيخ) في خبر الواحد بعد تقريب الاستدلال بها (ما لفظه) ويرد عليه أولا ان الاستدلال إن كان بظاهر الآية فظاهرها بمقتضي السياق إرادة علماء أهل الكتاب كما عن ابن عباس ومجاهد وحسن وقتادة (إلى أن قال) وان كان مع قطع النظر عن سياقها ففيه انه ورد في الأخبار المستفيضة أن أهل الذكر هم الأئمة عليهم السلام وقد عقد في أصول الكافي بابا لذلك (انتهى).
(ومحصله) أن الآية الشريفة على كلا التقديرين هي أجنبية عن حجية قول العالم وجواز الرجوع إليه.
(أقول)
قد ذكرنا هناك وأشرنا في المقام أيضا أن الآية الشريفة هي مذكورة في موضعين من القرآن المجيد في سورة النحل وفي سورة الأنبياء جميعا وذكرنا هناك أيضا أن
الطبرسي رحمه الله قد ذكر في تفسير أهل الذكر أقوالا.
(أحدها) أن المغيا بذلك أهل العلم بأخبار من مضى من الأمم سواء كانوا مؤمنين أو كفارا.
(ثانيها) أن المراد بأهل الذكر أهل الكتاب أي فاسألوا أهل التورية والإنجيل إن كنتم لا تعلمون (قال) عن ابن عباس ومجاهد (وقال) في الموضع الثاني من موضعي الآية عن الحسن وقتادة.
(ثالثها) ان المراد بهم أهل القرآن لأن الذكر هو القرآن (قال) عن ابن زيد (ثم قال) ويقرب منه ما رواه جابر ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام انه قال نحن أهل الذكر وقد سمى الله رسوله ذكرا في قوله ذكرا رسولا يعني به في سورة الطلاق (وقال) أيضا في الموضع الثاني فروي عن علي عليه السلام انه قال نحن أهل الذكر (انتهى).
(فعلى هذا كله ان كان) المراد من أهل الذكر هم أهل الكتاب أو الأئمة
225

الأطهار فالآية الشريفة أجنبية عن حجية قول العالم وجواز الرجوع إليه كما هو محصل كلام الشيخ والمصنف جميعا في المقام.
(بل وهكذا إذا كان) المراد منهم أهل العلم بأخبار من مضي من الأمم سواء كانوا مؤمنين أو كفارا.
(واما إذا كان) المراد من أهل الذكر هم أهل القرآن أي العلماء بالقرآن كما تقدم في كلام الفصول انه قد نص عليه جماعة بل وهو ظاهر ما نسبه الطبرسي أيضا إلى ابن زيد (فلتوهم) دلالة الآية الشريفة على حجية قول العالم مجال واسع بدعوى الملازمة بين وجوب السؤال ووجوب القبول تعبدا وإلا لكان إيجاب السؤال لغوا جدا (ولكن يدفعه) الإيراد المتقدم آنفا وهو ظهور الآية الشريفة في إيجاب السؤال لتحصيل العلم لا للعمل بالجواب تعبدا.
(قوله نعم لا بأس بدلالة الأخبار عليه بالمطابقة أو الملازمة... إلخ)
فما دل على وجوب اتباع قول العلماء وهكذا ما دل على ان للعوام تقليد العلماء كما سيأتي شرحهما هما يدلان على حجية قول العالم بالمطابقة وأما ما دل على جواز الإفتاء سواء كان مفهوما أو منطوقا كما سيأتي أيضا شرحهما فهما يدلان على حجية قول العالم بالملازمة وستعرف تفصيل هذا كله قريبا فانتظر.
في الاخبار الدالة على وجوب اتباع قول العلماء
(قوله حيث دل بعضها على وجوب اتباع قول العلماء... إلخ)
وهي روايات كثيرة قد دل.
(بعضها) على وجوب اتباع قول العلماء عموما.
226

(وبعضها) على اتباع قول أشخاص معينين ونحن نعلم من الخارج انه لا وجه لاتباع كلامهم إلا كونهم من العلماء بالحلال والحرام.
(فمن تلك الروايات) الكثيرة ما رواه في الوسائل في القضاء في باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث مسندا عن إسحاق بن يعقوب قال سألت محمد بن عثمان العمري ان يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك (إلى ان قال) واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وانا حجة الله (وتقريب الاستدلال) بهذا الحديث الشريف ان رواة أحاديثهم الذين هم حجتهم علينا هم العلماء بحلالهم وحرامهم فإذا وجب الرجوع إليهم فقد وجب الرجوع إلى العلماء بحلالهم وحرامهم.
(ومنها) ما رواه في الوسائل في القضاء في باب وجوب التوقف والاحتياط في القضاء والفتوى عن عنوان البصري عن أبي عبد الله عليه السلام جعفر بن محمد يقول فيه سل العلماء ما جهلت وإياك ان تسألهم تعنتا وتجربة (الحديث).
(ومنها) ما رواه في المستدرك في القضاء في باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث عن الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول من كلام الحسين بن علي عليهما السلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (قال) ويروي عن أمير المؤمنين عليه السلام اعتبروا أيها الناس بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار إذ يقول لو لا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم (إلى ان قال) وأنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تسعون ذلك بأن مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه فأنتم المسلوبون تلك المنزلة وما سلبتم ذلك الا بتفرقكم عن الحق واختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة (الحديث).
(ومنها) ما رواه في المستدرك أيضا في الباب المذكور عن أبي الفتح الكراجكي
227

في كنز الفوائد عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال الملوك حكام على الناس والعلماء حكام على الملوك.
(ومنها) ما رواه في المستدرك في القضاء في باب عدم جواز استنباط الأحكام النظرية من ظواهر القرآن إلا بعد معرفة تفسيرها من الأئمة عن الصدوق مسندا عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث قال فيه فإياك ان تفسر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء (الحديث).
(ومنها) ما رواه في الوسائل في القضاء في باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث مسندا عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي (قال) سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المتعة فقال الق عبد الملك بن جريح فسله عنها فإن عنده منها علما (الحديث).
(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضا مسندا عن شعيب العقرقوفي (قال) قلت لأبي عبد الله عليه السلام ربما احتجنا ان نسأل عن الشيء فمن نسأل قال عليك
بالأسدي يعني أبا بصير.
(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضا مسندا عن عبد الله بن أبي يعفور (قال) قلت لأبي عبد الله عليه السلام انه ليس كل ساعة ألقاك ولا يمكن القدوم ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كل ما يسألني عنه فقال ما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي (الحديث).
(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضا مسندا عن علي بن مسيب الهمداني (قال) قلت للرضا عليه السلام شقتي بعيدة ولست أصل إليك في كل وقت فممن آخذ معالم ديني قال من زكريا بن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا (الحديث) (ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضا مسندا عن عبد العزيز بن المهتدي والحسن بن علي بن يقطين جميعا عن الرضا عليه السلام (قال) قلت لا أكاد أصل إليك أسألك عن كل ما احتاج إليه من معالم ديني أفيونس بن عبد الرحمن
228

ثقة آخذ منه ما احتاج إليه من معالم ديني فقال نعم (وروي بعده) حديثا عن عبد العزيز قال فيه فعمن آخذ معالم ديني فقال خذ عن يونس بن عبد الرحمن (وروي بعده) أيضا حديثا عن عبد العزيز قال فيه فآخذ معالم ديني عن يونس مولى آل يقطين قال نعم.
(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضا مسندا عن علي بن سويد السابي (قال) كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام وهو في السجن واما ما ذكرت يا علي ممن تأخذ معالم دينك لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا.
(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضا مسندا عن أحمد بن حاتم بن ماهويه قال) كتبت إليه يعني أبا الحسن الثالث عليه السلام أسأله عمن آخذ معالم ديني وكتب أخوه أيضا بذلك فكتب إليهما فهمت ما ذكرتما فاصمدا في دينكما على كل مسن في حبنا وكل كثير القدم في أمرنا فإنهما كافوكما إن شاء الله.
(ومنها) ما رواه في المستدرك في الباب المذكور (فذكر حديثا) عن أبي حماد الرازي يقول دخلت على علي بن محمد عليهما السلام بسر من رأي فسألته عن أشياء من الحلال والحرام فأجابني فيهما فلما ودعته قال لي يا حماد إذا أشكل عليك شيء من أمر دينك بناحيتك فسل عنه عبد العظيم بن عبد الله الحسني وأقرئه مني السلام
ما دل على ان للعوام تقليد العلماء
(قوله وبعضها على ان للعوام تقليد العلماء... إلخ)
وهي رواية واحدة قد رواها في الوسائل في القضاء في باب عدم جواز تقليد غير المعصوم فيما يقول برأيه وفيما لا يعمل فيه بنص عنهم عن أحمد بن علي بن أبي طالب
229

الطبرسي في الإحتجاج عن أبي محمد العسكري عليه السلام في قوله فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله (فساق الحديث إلى ان قال عليه السلام) وكذلك عوامنا إذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر والعصبية الشديدة والتكالب على الدنيا وحرامها فمن قلد مثل هؤلاء فهو مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقة علمائهم فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه وذلك لا يكون الا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم فإن من ركب من القبائح والفواحش مراكب علماء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا ولا كرامة (الحديث).
(قال صاحب الوسائل) وأورده العسكري عليه السلام في تفسيره.
في الاخبار الدالة على جواز الإفتاء مفهوما
(قوله وبعضها على جواز الإفتاء مفهوما مثل ما دل على المنع عن الفتوى بغير علم... إلخ)
وهي روايات كثيرة.
(منها) ما رواه في الوسائل في القضاء في باب عدم جواز القضاء والإفتاء بغير علم مسندا عن أبي عبيدة (قال) قال أبو جعفر عليه السلام من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه (وروي) حديثا في القضاء أيضا في باب عدم جواز استنباط الأحكام النظرية من ظواهر القرآن الا بعد معرفة تفسيرها من الأئمة قال فيه لعنته ملائكة السماوات والأرض.
230

(ومنها) ما رواه في الوسائل في باب عدم جواز القضاء والإفتاء بغير علم أيضا مسندا عن مفضل بن يزيد (قال) قال لي أبو عبد الله عليه السلام أنهاك عن خصلتين فيهما هلك الرجال أنهاك أن تدين الله بالباطل وتفتي الناس بما لا تعلم.
(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضا مسندا عن عبد الرحمن بن الحجاج قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام إياك وخصلتين ففيهما هلك من هلك إياك أن تفتي الناس برأيك أو تدين بما لا تعلم (ورواه) في الباب ثانيا بطريق آخر باختلاف يسير في المتن.
(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضا مسندا عن عبيدة السلماني (قال) سمعت عليا عليه السلام يقول يا أيها الناس اتقوا الله ولا تفتوا الناس بما لا تعلمون (الحديث).
(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضا مسندا عن موسى بن بكير (قال) قال أبو الحسن عليه السلام من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة الأرض وملائكة السماء (وروي) بعده حديثا آخر قال فيه لعنته ملائكة السماء والأرض.
(ومنها) ما رواه في الباب المذكور أيضا عن تحف العقول عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (قال) من أفتى الناس بغير علم فليتبوأ مقعده من النار.
(ومنها) ما رواه في المستدرك في الباب المذكور عن دعائم الإسلام (قال) وروينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسألوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا.
(ومنها) ما رواه في المستدرك في الباب المذكور أيضا عن غوالي اللئالي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (قال) من أفتى الناس بغير علم كان ما يفسده أكثر مما يصلحه.
(ومنها) ما ذكره في المستدرك في الباب المذكور أيضا عن الشهيد الثاني في
231

منية المريد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه (قال) من أفتى بفتيا من غير تثبت (قال) وفي لفظ بغير علم فإنما إثمه على من أفتاه.
(ومنها) ما رواه في الوسائل في القضاء في باب عدم جواز القضاء والحكم بالرأي والاجتهاد مسندا عن أبي بكر بن حزم (قال) توضأ رجل فمسح على خفيه فدخل المسجد يصلي فجاء علي عليه السلام فوطئ على رقبته وقال ويلك تصلي على غير وضوء فقال أمرني به عمر بن الخطاب قال فأخذ به فانتهى إليه فقال انظر ما يروي هذا عليك ورفع صوته فقال نعم أنا أمرته إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسح على خفيه فقال قبل المائدة أو بعدها قال لا أدري قال فلم تفتي وأنت لا تدري سبق الكتاب الخفين.
(ومنها) ما رواه في الباب المذكور مسندا عن مسعدة بن صدقة (قال) قال أبو جعفر عليه السلام من أفتى الناس برأيه فقد دان الله بما لا يعلم ومن دان الله بما لا يعلم فقد ضاد الله حيث أحل وحرم فيما لا يعلم.
(ومنها ما رواه في المستدرك في الباب المذكور عن غوالي اللئالي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (قال) من عمل بالمقاييس فقد هلك وأهلك ومن أفتى الناس وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك.
(ومنها) ما رواه في الوسائل في القضاء في باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث مسندا عن حمزة بن حمران (قال) سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول من استأكل بعلمه افتقر قلت إن في شيعتك قوما يتحملون علومكم ويبثونها في شيعتكم فلا يعدمون منهم البر والصلة والإكرام فقال ليس أولئك بمستأكلين انما ذاك الذي يفتى بغير علم ولا هدى من الله ليبطل الحقوق طمعا في حطام الدنيا.
(ومنها) ما رواه في القضاء أيضا في باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة مسندا عن علي بن أسباط (قال) قلت للرضا عليه السلام يحدث الأمر
232

لا أجد بدا من معرفته وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك قال فقال ائت فقيه أهل البلد فاستفته من أمرك فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإن الحق فيه (دلت الرواية الشريفة) مفهوما على جواز الاستفتاء من مواليهم إذا وجدوا في البلد وأنه أمر مفروغ عنه بين الراوي والإمام عليه السلام وهو مما يكفي.
(ومنها) ما رواه في المستدرك في القضاء في باب نوادر ما يتعلق بأبواب صفات القاضي عن مصباح الشريعة (قال) قال الصادق عليه السلام لا يحل الفتيا لمن لا يستفتي من الله عز وجل بصفاء سره وإخلاص عمله وعلانيته وبرهان عن ربه في كل حال لأن من أفتى فقد حكم والحكم لا يصح الا بإذن الله وبرهانه ومن حكم بالخبر بلا معاينة فهو جاهل مأخوذ بجهله ومأثوم بحكمه.
(قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على الله عز وجل أولا يعلم المفتي انه هو الذي يدخل بين الله تعالى وبين عباده وهو الحائر بين الجنة والنار ولا يحل الفتيا في الحلال والحرام بين الخلق (الا لمن اتبع الحق) من أهل زمانه وناحيته وبلده بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وعرف ما يصلح من فتياه.
(قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذلك لربما ولعل ولعسى لأن الفتيا عظيمة.
(وقال أمير المؤمنين عليه السلام) لقاض هل تعرف الناسخ من المنسوخ قال لا قال فهل أشرفت على مراد الله عز وجل في أمثال القرآن قال لا قال إذا هلكت وأهلكت والمفتي يحتاج إلى معرفة معاني القرآن وحقائق السنن ومواطن الإشارات والآداب والإجماع والاختلاف والاطلاع على أصول ما اجتمعوا عليه وما اختلفوا فيه ثم إلى حسن الاختيار ثم إلى العمل الصالح ثم الحكمة ثم التقوي ثم حينئذ إن قدر (انتهى) الحديث الشريف.
233

(أقول)
هكذا وجدت في نسختي ولكن الظاهر أن كلمة (إلا لمن اتبع الحق) مغلوطة واحتمل أن الصحيح هكذا (إلا لمن كان اتبع الخلق) من أهل زمانه وناحيته وبلده بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم... إلخ.
(وقد أشار الشيخ) أعلى الله مقامه في رسالته المستقلة إلى الحديث الشريف بلفظ آخر (قال) في مسألة تقديم الأورع على غير الأورع (ما لفظه) ويؤيده ما ورد في أنه لا يحل الفتيا (إلا لمن كان أتبع) أهل زمانه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (انتهى).
في الاخبار الدالة على جواز الإفتاء منطوقا
(قوله أو منطوقا مثل ما دل على إظهاره عليه السلام المحبة لأن يرى في أصحابه من يفتى الناس بالحلال والحرام... إلخ)
(وهو ما رواه) في المستدرك في القضاء في باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث عن أحمد بن علي النجاشي في كتاب الرجال (قال) وقال له أبو جعفر عليه السلام يعني لأبان بن تغلب اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك.
(ومثل ما رواه) في الباب المذكور عن نهج البلاغة (قال) عليه السلام فيما كتب إلى قثم بن عباس واجلس لهم العصرين فأفت للمستفتي وعلم الجاهل وذاكر العالم.
(ومثل ما رواه) في الوسائل في الباب المذكور مسندا عن معاذ بن مسلم
234

النحوي عن أبي عبد الله عليه السلام (قال) بلغني انك تقعد في الجامع فتفتي الناس قلت نعم وأردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج اني أقعد في المسجد فيجيء الرجل
فيسألني عن الشيء فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون ويجيء الرجل أعرفه بمودتكم وحبكم فأخبره بما جاء عنكم ويجيء الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو فأقول جاء عن فلان كذا وجاء عن فلان كذا فأدخل قولكم فيما بين ذلك فقال لي اصنع كذا فإني كذا أصنع.
(قوله لا يقال إن مجرد إظهار الفتوى للغير لا يدل على جواز أخذه واتباعه فإنه يقال ان الملازمة العرفية بين جواز الإفتاء وجواز اتباعه واضحة وهذا غير وجوب إظهار الحق والواقع حيث لا ملازمة بينه وبين وجوب أخذه تعبدا... إلخ)
وتوضيح المقام مما يقتضي ذكر أمور.
(الأول) انك قد عرفت في حجية خبر الواحد وقد أشيرها هنا أيضا أن المصنف قد نفي الملازمة في آية النفر بين وجوب الإنذار ووجوب الحذر مطلقا ولو لم يحصل العلم من قول المنذر تعبدا كما انه قد نفي الملازمة في آية الكتمان أيضا بين حرمة الكتمان ووجوب القبول مطلقا ولو لم يحصل العلم من قول المظهر تعبدا (واما في آية السؤال) فمضافا إلى نفي الملازمة بين وجوب السؤال من أهل الذكر ووجوب القبول مطلقا قد ادعى تبعا للشيخ ظهور الآية بقرينة قوله تعالى إن كنتم لا تعلمون في إيجاب السؤال لتحصيل العلم لا للعمل بالجواب تعبدا (وعرفت أيضا) ان الشيخ أعلى الله مقامه قد نفي الإطلاق في آية النفر لوجوب الحذر ولو لم يحصل العلم من قول المنذر كما انه قد نفي الإطلاق في آية الكتمان أيضا لوجوب القبول وإن لم يحصل العلم من قول المظهر وأن المصنف قد اعترف بنفي الإطلاق في آية النفر وأشار إليه بقوله وعدم إطلاق يقتضي وجوبه على الإطلاق... إلخ بل اعترف بنفي الإطلاق في آية الكتمان أيضا غير أنه قد ادعى أنه ما لم يمنع الملازمة لم
235

يكن مجال لنفي الإطلاق ودعوى الإهمال كما لا يخفى.
(الثاني) انك قد عرفت آنفا ان الأخبار الدالة على جواز التقليد هي على أقسام أربعة (ما دل) على وجوب اتباع قول العلماء (وما دل) على ان للعوام تقليد العلماء (وما دل) على جواز الإفتاء مفهوما (وما دل) على جواز الإفتاء منطوقا.
(الثالث) ان المستشكل في المقام ممن لا كلام له في القسم الأول والثاني من الاخبار الدالة على جواز التقليد من ناحية إطلاقهما.
(فان مثل قوله عليه السلام) واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا.
(أو قوله عليه السلام) من كان من الفقهاء صائنا لنفسه إلى قوله فللعوام ان يقلدوه إلى غير ذلك من الاخبار مما له إطلاق يشمل ما إذا حصل العلم من قول العالم أو لم يحصل.
(وإنما كلام المستشكل) هو في القسم الثالث والرابع من أقسام الاخبار الدالة على جواز التقليد.
(مثل قوله عليه السلام) من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب.
(أو قوله عليه السلام) اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك إلى غير ذلك من الاخبار المتقدمة وليس إشكاله إلا من ناحية الملازمة بين جواز الإفتاء وجواز اتباعه نظرا إلى أن أقصى ما دل عليه القسمان المذكوران هو جواز الإفتاء للناس وهذا مما لا يستلزم جواز اتباعه مطلقا ولو لم يحصل العلم من قول المفتي تعبدا فكما ان المصنف قد أنكر الملازمة في آية النفر وآية الكتمان وآية السؤال فلينكرها في المقام أيضا هذا محصل الإشكال.
(وقد أجاب عنه المصنف) بأن الملازمة العرفية بين جواز الإفتاء وجواز
236

اتباعه يعني مطلقا ولو لم يحصل العلم من قول المفتي واضحة وهذه غير الملازمة بين وجوب إظهار الحق يعني به في آية الكتمان أو إظهار الواقع يعني به في آيتي النفر والسؤال وبين وجوب أخذه تعبدا.
(أقول)
والظاهر ان وجه الملازمة العرفية بين جواز الإفتاء وجواز اتباعه مطلقا وعدم الملازمة كذلك بين وجوب إظهار الحق والواقع ووجوب أخذهما مطلقا ان الفتوى هي إخبار عن حدس ونظر وعن اجتهاد واستنباط وهذا مما لا يوجب العلم غالبا للعامي إلا نادرا فلو اختص حجية قول المفتي بما إذا حصل العلم منه كان الأمر بالإفتاء لغوا جدا وهذا بخلاف إظهار الحق والواقع فإنه إخبار عن حس وعيان وعن شهود ووجدان وهو في الأغلب مما يوجب العلم واليقين فلو اختص حجية قول المظهر للحق والواقع بما إذا حصل العلم منه لم يكن الأمر بإظهار الحق والواقع لغوا جدا فتأمل جيدا.
الكلام حول الاستدلال بدليل الانسداد
على جواز التقليد
(ثم إن هذا كله) تمام الكلام فيما ذكره المصنف من أدلة التقليد (وقد بقي منها) دليل واحد لم يذكره وهو دليل الانسداد المركب من مقدمات عديدة.
(وقد أشار إلى بعضها) صاحب الفصول (وإلى بعضها) المحقق القمي (وإلى أكثرها) الشيخ أعلى الله مقامه في رسالته المستقلة.
237

(قال في الفصول) فصل لا ريب في جواز التقليد لغير المجتهد (إلى أن قال) للقطع ببقاء التكليف بالأحكام وانسداد طريق تحصيلها في حق غيره بغير طريق التقليد غالبا (انتهى).
(وقال المحقق القمي) ويدل عليه أيضا لزوم العسر والحرج الشديد بل اختلال نظام العالم إذ الاجتهاد ليس أمرا سهلا يحصل عند وقوع الواقعة بل يحتاج إلى صرف مدة العمر أو أغلبه فيه (انتهى).
(وقال الشيخ) في رسالته المستقلة (ما لفظه) وحكم العقل بأنه بعد بقاء التكليف وانسداد باب العلم وعدم وجوب الاحتياط للزوم العسر إذا دار الأمر بين العمل على الاجتهاد الناقص الذي يتمكن منه العامي والعمل على التمام الذي يتمكن منه المجتهد كان الثاني أرجح لكونه أقرب إلى الواقع (انتهى) وكأن كلام الشيخ أعلى الله مقامه بقرينة قوله إذا دار الأمر بين العمل على الاجتهاد الناقص... إلخ مفروض في غير العامي البحت بل في العامي الذي له حظ من العلم على نحو يتمكن من مراجعة كتب الأخبار كالوسائل ونحوه وإن لم يتمكن من علاج المعارضات ودفع الشبهات والجمع بين الروايات.
(وكيف كان) ملخص الكلام في تقرير دليل الانسداد هاهنا انه مركب من مقدمات.
(الأولى) القطع ببقاء التكليف والأحكام الشرعية.
(الثانية) انسداد باب العلم والعلمي بأغلبها لغير المجتهد.
(وقد أشار) إلى هاتين المقدمتين صاحب الفصول في كلامه المتقدم.
(الثالثة) ان فتح باب العلم أو العلمي بالتكاليف للعامي بتحصيل الاجتهاد واكتساب طريقة الاستنباط مستلزم للعسر والحرج الشديد بل مستلزم لاختلال النظام (وقد أشار) إلى هذه المقدمة المحقق القمي.
(الرابعة) ان الاحتياط في المسائل الشرعية بإتيان محتمل الوجوب وترك
238

محتمل الحرمة مستلزم للعسر أيضا (وقد أشار) إلى هذه المقدمة الرابعة مع الأولى والثانية الشيخ أعلى الله مقامه في كلامه المتقدم فقهرا يتعين للعامي من بعد هذه المقدمات الأربع بتمامها العمل بفتوى المجتهد الجامع للشرائط لا تحصيل الاجتهاد ولا العمل بالاحتياط.
(أقول)
إن المقدمة الأولى بل والثانية أيضا وان كانت هي مسلمة لا ريب فيها.
(ولكن المقدمة الثالثة) قابلة للمناقشة جدا فإن تحصيل الاجتهاد واكتساب طريقة الاستنباط ليس هو حرجيا على كل أحد فضلا من أن يكون مخلا بالنظام (نعم) تحصيله عند وقوع الواقعة وان كان هو عسريا بل لعله مستحيل لضيق الوقت واحتياج تحصيله إلى صرف مدة من العمر ولكن تحصيله للوقائع الآتية ليس عسريا فلو كان الاعتماد في جواز التقليد على هذا الدليل فقط لم يجز لمن تمكن من تحصيل الاجتهاد للوقائع الآتية من غير عسر عليه ولا حرج أن يقلد الغير فيها مع أن المدعي هو جوازه مطلقا حتى لمثل هذا الشخص.
(وأما المقدمة الرابعة) فكذلك هي قابلة للمناقشة أيضا فإن الاحتياط التام في جميع المسائل الشرعية وإن كان عسريا حرجيا ولكن مجرد الاحتياط ولو في بعض المسائل الشرعية ليس عسريا حرجيا فلو كان الاعتماد في جواز التقليد على هذا الدليل فقط لم يجز التقليد إلا بعد الاحتياط في جملة من المسائل الشرعية بمقدار لو جاز عنه لزم العسر والحرج فعند ذلك كان يجوز التقليد في بقية المسائل لا مطلقا ولو لم يحتط بعد في شيء منها أصلا مع أن المدعي هو جوازه مطلقا ولو لم يحتط بعد في شيء منها أبدا.
239

(قوله وأما قياس المسائل الفرعية على الأصول الاعتقادية في أنه كما لا يجوز التقليد فيها مع الغموض فيها كذلك لا يجوز فيها بالطريق الأولى لسهولتها فباطل... إلخ)
إن وضوح بطلان قياس المسائل الفرعية على الأصول الاعتقادية في عدم جواز التقليد فيها هو بمثابة لا يرضى به حتى من أسس القياس وبني بنيانه (فإنه مضافا) إلى بطلان القياس في حد ذاته وانه في المقام مع الفارق لما أشار إليه المصنف بقوله ضرورة ان الأصول الاعتقادية مسائل معدودة بخلافها... إلخ (ان التقليد) في الأصول الاعتقادية كالتوحيد والنبوة ونحوهما هو مما لا يجوزه العقل ما لم يحصل القطع واليقين من كلام المقلد بالفتح فيكفي حينئذ كما قواه الشيخ أعلى الله مقامه على ما تقدم تفصيله في بحث الظن في آخر الظن بالأمور الاعتقادية وهذا بخلاف المسائل الفرعية.
في وجوب تقليد الأعلم
(قوله فصل إذا علم المقلد اختلاف الأحياء في الفتوى مع اختلافهم في العلم والفقاهة فلا بد من الرجوع إلى الأفضل إذا احتمل تعينه للقطع بحجيته والشك في حجية غيره... إلخ)
المقصود من عقد هذا الفصل هو التكلم حول وجوب تقليد الأعلم والكلام فيه يقع في مقامين.
(الأول) في المقلد العاجز عن الاجتهاد في مسألة تقليد الأعلم وغيرها وانه مع عجزه عن ذلك هل يتعين عليه التقليد من الأعلم أو يجوز له الرجوع إلى غير الأعلم أيضا.
240

(الثاني) في المجتهد القادر على الاستنباط في مسألة تقليد الأعلم وغيرها وانه إذا نظر في الأدلة الشرعية فهل مقتضيها وجوب تقليد الأعلم على العامي وتعينه عليه أو جواز الرجوع للعامي إلى غير الأعلم أيضا.
(وقد أشار المصنف) إلى كلا المقامين جميعا بقوله الآتي هذا حال العاجز عن الاجتهاد في تعيين ما هو قضية الأدلة في هذه المسألة واما غيره فقد اختلفوا في جواز تقديم المفضول وعدم جوازه... إلخ.
(وقد أخذ هذا المعنى) من تقريرات الشيخ أعلى الله مقامه حيث أشار إلى ذلك بقوله وقبل الخوض ينبغي رسم أمرين أحدهما انه لا يعقل الخلاف في وجوب رجوع العامي الغير البالغ رتبة الاجتهاد في هذه الواقعة إلى الأعلم والأفضل بل لا بد أن يكون الخلاف في مقتضي الأدلة الشرعية (انتهى).
(وكيف كان حاصل) كلام المصنف في المقام الأول ان المقلد إذا احتمل تعين الرجوع إلى الأعلم فبمجرد أن احتمل ذلك وجب عليه الرجوع إلى الأعلم وذلك لقطعه بحجيته وشكه في حجية غيره فالمقام من دوران الأمر بين التعيين والتخيير وقد تقدم منا شرح أقسام الدوران في آخر البراءة وانه في الكل يجب الاحتياط والاقتصار على المتيقن وإجراء الأصل عن المشكوك.
(أقول)
هذا مضافا إلى استقلال عقل المقلد بوجوب الأخذ بقول الأعلم وذلك لكونه من أقوى الدليلين وقد عرفت منا في التعادل والتراجيح غير مرة استقلال العقل بذلك بل ادعى انها قاعدة مجمعة عليها فتذكر.
(قوله ولا وجه لرجوعه إلى الغير في تقليده إلا على نحو دائر... إلخ)
فإن المقلد إذا رجع إلى غير الأعلم في جواز تقليد غير الأعلم فهو مستلزم للدور فان الرجوع إليه متوقف على جواز تقليد غير الأعلم فلو كان جواز تقليد غير الأعلم مستندا إلى الرجوع إليه لزم الدور.
241

(وقد أخذ المصنف) هذا المعنى من تقريرات الشيخ أيضا أعلى الله مقامه (قال) فإذا حاول أي المقلد استعلام حال هذه الواقعة يعني مسألة تقليد الأعلم بالتقليد فلا يعقل لرجوعه إلى غير الأعلم على وجه التقليد وجه لأن استعلام حال هذه الواقعة من غير الأعلم لعله غير مفيد إذ لم يثبت جوازه بعد فان كان ذلك منه على سبيل عدم المبالاة باحكام الشريعة فالعياذ بالله وان كان الاعتماد في الاستعلام المذكور هو قول غير الأعلم فهو دور (انتهى).
(قوله نعم لا بأس برجوعه إليه إذا استقل عقله بالتساوي وجواز الرجوع إليه أيضا... إلخ)
استدراك عن قوله ولا وجه لرجوعه إلى الغير... إلخ أي نعم لا بأس برجوع المقلد إلى غير الأعلم إذا استقل عقله بمساواة غير الأعلم مع الأعلم في جواز الرجوع إليه (وقد أخذ هذا المعنى) من التقريرات أيضا (قال) وتوضيحه ان المقلد إما أن يكون ملتفتا إلى الخلاف في هذه الواقعة أولا وعلى الثاني فلا كلام فيه في المقام (إلى ان قال) وعلى الأول فإما أن يستقل عقله بالتساوي فلا كلام أيضا إذ لا يعقل تكليفه بخلاف علمه وإما ان يكون مترددا كغيرها من الوقائع المشكوك فيها فإذا حاول استعلام حال هذه الواقعة بالتقليد فلا يعقل (ثم ساق الكلام) نحو ما تقدم آنفا.
(أقول)
نعم إذا استقل عقله بالتساوي جاز له الرجوع إلى غير الأعلم أيضا إلا انه مجرد فرض لا واقع له وذلك لما أشرنا إليه من استقلال عقله بالأخذ بقول الأعلم نظرا إلى كونه من أقوى الدليلين (هذا) مضافا إلى ما أفاده المصنف من القطع بحجية قول الأعلم والشك في حجية غيره فتأمل جيدا.
242

(قوله هذا حال العاجز عن الاجتهاد في تعيين ما هو قضية الأدلة في هذه المسألة وأما غيره فقد اختلفوا في جواز تقديم المفضول وعدم جوازه إلى آخره)
قد أشير آنفا ان المصنف قد أشار بهذه العبارة إلى كلا المقامين في هذا الفصل وقد عرفت حاصل كلامه في المقام الأول.
(واما المقام الثاني) وهو المجتهد القادر على الاستنباط في مسألة تقليد الأعلم وغيرها وانه إذا نظر في الأدلة الشرعية فهل مقتضيها وجوب تقليد الأعلم على العامي أو جواز التقليد عن غيره أيضا.
(فحاصل كلام المصنف) فيه هو عدم جواز تقديم المفضول على الأفضل (واستدل لذلك) بالأصل والظاهر ان مقصوده من الأصل ان قول المفضول مع وجود الأفضل مشكوك الاعتبار وقد تقدم في صدر مباحث الظنون أن الأصل فيما شك في اعتباره عدم حجيته جزما بمعنى عدم ترتب الآثار المرغوبة من الحجة عليه قطعا من المنجزية عند الإصابة والعذرية عند الخطأ وحكم العقل بوجوب المتابعة وذلك لأن الآثار المذكورة مما لا تترتب الا على ما اتصف بالحجية الفعلية أي المحرزة المعلومة في مقام الإثبات لا على ما اتصف بالحجية ولو ثبوتا ولم يعلم بها إثباتا.
(وقد أضفنا نحن) إلى ذلك ان الأمارة المشكوكة الاعتبار هي مما يحرم العمل به والاستناد إليه شرعا وعقلا وقد تقدم التفصيل هناك مبسوطا فراجعه ولا نعيد الكلام هاهنا ثانيا (هذا) وقد استدل صاحب التقريرات أيضا بالأصل المذكور (قال) الثاني في تأسيس الأصل في المسألة فنقول إن الظاهر من كل من تعرض للمسألة ووصل كلامه إلينا أن الأصل مع المانعين (قال) وتقريره انه لا شك ان العمل بقول الغير ومطابقة العمل بقوله وهو المعبر عندهم بالتقليد عمل بما وراء العلم (إلى ان قال) والأصل المستفاد من الأدلة القطعية كتابا وسنة و
243

وعقلا على ما مر تفصيل القول فيه في محله هو حرمة العمل بغير العلم خرج منه متابعة الفاضل يعني الأعلم بالاتفاق من المجوزين والمانعين فإنه هو المجمع عليه فيبقى متابعة المفضول في حرمة العمل بما وراء العلم (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(أقول)
قد يشكل التمسك بالأصل لعدم حجية قول المفضول وذلك لأن الكلام في المقام ليس إلا فيما تعارض فتوى الأفضل مع المفضول كما أشار إليه المصنف بقوله في صدر البحث إذا علم المقلد اختلاف الأحياء في الفتوى مع اختلافهم في العلم والفقاهة... إلخ ومقتضي القاعدة الأولية في الأمارتين المتعارضتين كما حقق في صدر التعادل
والتراجيح هو تساقط الطرفين جميعا (وعليه) فكيف يؤخذ بقول الأفضل ويجري الأصل عن المفضول (ولكن) حل الإشكال أن مقتضي القاعدة الأولية في الأمارتين المتعارضتين وإن كان هو التساقط إلا ان مقتضي الإجماع القطعي على عدم تساقط قولي المجتهدين بمجرد معارضة بعضهما مع بعض هو حجية أحدهما لا محالة ثم لا شك في ان مقتضي احتمال التعيين في قول الأفضل مع احتمال التخيير بين الأفضل والمفضول شرعا هو القطع بحجية قول الأفضل إما تعيينا أو تخييرا والشك في حجية قول المفضول ولو تخييرا فيكون المقام من دوران الأمر بين التعيين والتخيير فيؤخذ بالمتيقن ويجري الأصل عن المشكوك وقد تقدم شرح أقسام الدوران في آخر البراءة مفصلا كما تقدم في صدر التعادل والتراجيح عند تأسيس الأصل الثانوي في الخبرين المتعارضين بعد التمسك باندراجهما في دوران الأمر بين التعيين والتخيير التمسك أيضا بحكم العقل بالاخذ بأقوى الدليلين (وعليه فيكون الوجه الوجيه بالنتيجة في تقديم قول الأفضل على المفضول في كل من المقام الأول والثاني من هذا الفصل هو شيء واحد وهو دوران الأمر بين التعيين والتخيير وحكم العقل بالاخذ بأقوى الدليلين فتأمل جيدا.
244

(هذا كله) حكم ما إذا اختلفوا في الفتوى واختلفوا في العلم والفضيلة على ما أشار إليه المصنف في صدر البحث كما أشير آنفا بقوله إذا علم المقلد اختلاف الأحياء في الفتوى مع اختلافهم في العلم والفقاهة... إلخ (ومنه يظهر) حكم ما إذا اختلفوا في الفتوى واتحدوا في العلم والفضيلة فإن مقتضي عدم تساقطهما بالمعارضة لأجل الإجماع القطعي كما تقدم وعدم مزية لأحدهما على الآخر في العلم والفضيلة كما هو المفروض هو التخيير بينهما عقلا (بل ويظهر) من ذلك حكم ما إذا انعكس الأمر فاتحدوا في الفتوى واختلفوا في العلم والفضيلة وهو التخيير بينهما أيضا وذلك لإطلاقات أدلة التقليد المحفوظة في مثل هذه الصورة أعنى صورة الاتحاد في الفتوى وعدم الاختلاف والتعارض كي لا يمكن التمسك بإطلاقات أدلة التقليد من جهة التساقط وإن كان يظهر من صاحب العروة قدس سره الاحتياط في المسألة.
(قال) مسألة الأحوط عدم تقليد المفضول حتى في المسألة التي توافق فتواه فتوى الأفضل (انتهى) ولكنه على الظاهر مما لا وجه له إلا بنحو الاستحباب (وقد أشار) إلى ما قلناه صاحب التقريرات (فقال) الثامن يعنى من الأمور التي ينبغي التنبيه عليها في المسألة لا دليل على وجوب تعيين المجتهدين في العمل بقولهم إذا كانوا متوافقين في الفتوى وإن كان بينهما تفاضل بعد كون كل واحد منهم حجة شرعية (انتهى).
(وأظهر من هذا كله) حكم ما إذا اتحدوا في الفتوى واتحدوا في العلم والفضيلة جميعا وهو التخيير بينهما أيضا فتأمل جيدا.
245

في القائلين بجواز تقليد غير الأعلم
وتضعيف أدلتهم
(قوله ذهب بعضهم إلى الجواز... إلخ)
يعنى إلى جواز تقديم المفضول (قال صاحب التقريرات) وحدث لجماعة ممن تأخر عن الشهيد الثاني قول بالتخيير بين الفاضل والمفضول تبعا للحاجبي والعضدي والقاضي وجماعة من الأصوليين والفقهاء فيما حكى عنهم وصار إليه جملة من متأخري أصحابنا حتى صار في هذا الزمان قولا معتدا به والأقرب ما هو المعروف بين أصحابنا يعنى به وجوب الأخذ بقول الأعلم.
(أقول)
ولعل مراد القائلين بجواز تقليد المفضول هو عند عدم معارضة فتوى المفضول مع الأفضل كما يظهر ذلك من صاحب الفصول رحمه الله وهو من القائلين بجواز تقليد المفضول فيرجع النزاع حينئذ لفظيا (قال في الفصول) بعد ما ذكر أدلة المنع (ما لفظه) ويشكل بمنع الإجماع لا سيما بعد تصريح جماعة بالجواز (إلى أن قال) والرواية المذكورة يعنى بها مقبولة عمر بن حنظلة بعد تسليم سندها واردة في صورة التعارض في الحكم فلا تدل على عدم الاعتداد بحكم المفضول عند عدم المعارضة فضلا عن دلالتها على عدم الاعتداد بفتواه مطلقا (انتهى) موضع الحاجة من كلامه وظاهره تسليم عدم تقديم المفضول في صورة التعارض وان التخيير بينه وبين الأفضل إنما هو عند عدم المعارضة لا مطلقا وهو متين جدا لا كلام لنا فيه كما تقدم.
246

(قوله والمعروف بين الأصحاب على ما قيل عدمه... إلخ)
القائل هو صاحب التقريرات رحمه الله (قال) هداية إذا اختلف الأحياء في العلم والفضيلة فمع علم المقلد بالاختلاف على وجه التفصيل هل يجب الأخذ والعمل بفتوى الفاضل أو يجوز العمل بفتوى المفضول قولان المعروف بين أصحابنا وجماعة من العامة هو الأول كما هو خيرة المعارج والإرشاد ونهاية الأصول وذكر كثيرا من كتب الأصحاب رضوان الله عليهم (إلى أن قال) وفي المعالم هو قول الأصحاب الذين وصل إلينا كلامهم (قال) وصرح بدعوى الإجماع المحقق الثاني (ثم قال) ويظهر من السيد في الذريعة كونه من مسلمات الشيعة (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(قوله وهو الأقوى للأصل وعدم دليل على خلافه... إلخ)
قد ذكرنا فيما تقدم ان المصنف قد استدل للمنع عن تقليد المفضول بالأصل وقد عرفت منا شرحه ومعناه فلا نعيده ثانيا.
(قوله ولا إطلاق في أدلة التقليد بعد الغض عن نهوضها على مشروعية أصله... إلخ)
جواب عن الوجه الثاني من وجوه القائلين بجواز تقليد المفضول (قال في التقريرات) هداية في ذكر احتجاج القائلين بالجواز وهو وجوه (إلى أن قال) الثاني إطلاقات الأدلة كتابا وسنة إذ لا أثر فيها على اشتراط الأعلمية فيكون هذه الإطلاقات قاطعة للأصل على تقدير تسليم اقتضائه المنع (انتهى) (وحاصل جواب المصنف عنه هو المنع عن إطلاقات الأدلة بعد الغض عن دلالتها على أصل لتقليد وسيأتي وجه المنع عن الإطلاقات بعد قوله هذا بلا فصل.
247

(قوله لوضوح انها إنما تكون بصدد بيان أصل جواز الأخذ بقول العالم لا في كل حال من غير تعرض أصلا لصورة معارضته بقول الفاضل... إلخ)
علة للمنع عن إطلاقات أدلة التقليد التي تمسك بها القائلون بجواز تقليد المفضول (وقد أخذ هذه العلة) من صاحب التقريرات (قال) في مقام الجواب عن الإطلاقات (ما لفظه) وأما الثاني فلان الإطلاقات المذكور بعد الغض عن نهوضها على مشروعية أصل التقليد كما عرفت الوجه في ذلك فيما مر ان هذه الإطلاقات بين أصناف.
(ثم ذكر الأصناف إلى أن قال) والظاهر ان هذه الأقسام كلها مسوقة لبيان جواز نفس التقليد من دون ملاحظة أمر آخر كقولك فارجع إلى الأطباء أو إلى الطبيب أو إلى كل من يعالج مثلا فان المفهوم منها بيان أصل المرجع واما الواقعة المترتبة على هذه الواقعة من وقوع التعارض بين أقوال الأطباء فلا يستفاد منها (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(أقول)
والعمدة في الجواب عن الإطلاقات ان الكلام كما عرفت غير مرة وأشار إليه صاحب التقريرات في كلامه المتقدم آنفا أعني قوله هداية إذا اختلف الأحياء في العلم والفضيلة... إلخ. هو فيما إذا تعارض فتوى الأفضل مع فتوى المفضول.
(ولا إشكال) في انه مع معارضة الفتويين يحصل العلم الإجمالي بكذب أحدهما من أصله وبخروجه عن تحت أدلة الاعتبار رأسا من غير تعيين له إثباتا بل ولا ثبوتا على ما تقدم من المصنف في صدر التعادل والتراجيح عند الكلام في الأصل الأولى في تعارض الأمارتين (كما لا إشكال) أيضا في انه مع العلم الإجمالي بكذب أحدهما وعدم حجيته من غير تعيين له إثباتا تسقطان الفتويان عن الحجية جميعا لعدم التعيين في الحجة فلا يمكن التمسك حينئذ لحجية قول المفضول
248

بإطلاقات الأدلة أصلا (نعم يمكن) دعوى الإجماع القطعي على عدم سقوطهما جميعا بالتعارض كما تقدم قريبا فيتعين الأفضل لدوران الأمر فيه بين التعيين والتخيير ولاستقلال العقل بوجوب الأخذ بأقوى الدليلين كما سبق وعرفت غير مرة فتأمل جيدا.
(قوله ودعوى السيرة على الأخذ بفتوى أحد المخالفين في الفتوى من دون فحص عن أعلميته مع العلم بأعلمية أحدهما ممنوعة... إلخ)
(جواب عن الوجه الثالث) من وجوه القائلين بجواز تقليد المفضول (قال في التقريرات) الثالث دعوى استقرار سيرة أصحاب الأئمة على الأخذ بفتاوى أرباب النظر والاجتهاد من دون فحص عن الأعلمية مع القطع باختلافهم في العلم والفضيلة ويكفي في ذلك ملاحظة تجويز التكلم لهشام وأضرابه دون غيرهم ويعني بذلك انه يكفي في اختلافهم في العلم والفضيلة كون هشام وأضرابه مأذونين في المناظرة مع المخالفين في الإمامة ونحوها دون غيرهم فلو كانوا متساوين في العلم والفضيلة جميعا لم يختص الإذن ببعضهم دون بعض.
(ثم إن جواب المصنف) عن الوجه الثالث هو مجرد المنع عن السيرة (ولكن) صاحب التقريرات قد أجاب عنها بنحو أبسط (قال) وأما السيرة فالمسلم منها انهم مع عدم علمهم بالاختلاف في الفتاوى كانوا يرجعون بعضهم إلى بعض وأما مع العلم بالاختلاف إجمالا فلا نسلم عدم فحصهم عن الفاضل وعدم رجوعهم إليه فكيف بما إذا علموا بالفضيلة والاختلاف تفصيلا (قال) بل يمكن دعوى ندرة الاختلاف بين أصحاب الأئمة أيضا ولا ننكر أصل الاجتهاد في حقهم بل نقول بالفرق بيننا وبينهم من وجوه أسباب الاختلاف في حقنا دونهم فإن حالهم كما مر مرارا حال المقلدين في أمثال زماننا حيث انهم لا يختلفون في الفتاوى المنقولة عن مجتهدهم فإنه كلما يزداد بعد عهدنا عن مشكاة الإمامة ومصباح الولاية يزداد الحيرة والاختلاف فينا (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
249

(أقول)
بل لا يبعد أن يقال ان السيرة كانت هي جارية على الرجوع إلى أصحاب الأئمة عليهم السلام مع عدم احتمال اختلافهم في الفتاوى أصلا فضلا عن عدم العلم باختلافهم فإن الاختلاف غالبا كما أشار إليه التقريرات إنما هو يحصل من جهة البعد عن عصر الإمام عليه السلام لا مع حضوره ودرك أيامه وهذا واضح.
(قوله ولا عسر في تقليد الأعلم لا عليه لأخذ فتاواه من رسائله وكتبه ولا لمقلديه لذلك أيضا... إلخ)
جواب عن الوجه الرابع من وجوه القائلين بجواز تقليد المفضول (قال في التقريرات) الرابع ان في وجوب تقليد الأعلم عسرا لا يتحمل في العادة فيكون منفيا في الشريعة فإن الأعلم في الأغلب منحصر في واحد أو في اثنين ومن المعلوم ان رجوع جميع أهل الإسلام إليه عسر عليه وعليهم كما هو ظاهر (انتهى).
(وقد أجاب عنه المصنف) بنفي العسر لا على الأعلم ولا على مقلديه وذلك لارتفاع العسر عنهما بأخذ الفتاوى من رسائل الأعلم وكتبه وهو جواب صحيح لا يناقش فيه.
(قوله وليس تشخيص الأعلمية بأشكل من تشخيص أصل الاجتهاد مع ان قضية نفي العسر الاقتصار على موضع العسر فيجب فيما لا يلزم منه عسر... إلخ)
هذان جوابان آخران عن الوجه الرابع من وجوه القائلين بجواز تقليد المفضول:
(أحدهما) جواب عن خصوص دعوى العسر على المقلد إذا كان لزومه من ناحية تشخيص الأعلمية فيجيب عنها بأن تشخيص الأعلمية ليس بأشكل من تشخيص أصل الاجتهاد وهو جيد متين.
(ثانيهما) جواب عن دعوى العسر على كل من الأعلم ومقلديه إذا كان لزومه من ناحية الانحصار في الأغلب فيجيب عنها بأن مقتضي ذلك هو الاقتصار
250

على مورد العسر لا التعدي منه إلى غيره (وعليه) فالفتوى بجواز تقليد المفضول بنحو الإطلاق ولو في غير مورد العسر هي في غير محلها وهو جيد متين أيضا.
(وقد أخذ) المصنف هذين الجوابين من صاحب التقريرات (قال) وأما لزوم الحرج فإن أريد لزومه في تشخيص موضوعه يعني به موضوع الأعلم ففيه ان تشخيص
الأعلم ليس بأخفى من تشخيص نفس الاجتهاد (إلى أن قال) وإن أريد لزومه من حيث الانحصار ففيه ان الواجب حينئذ الرجوع إلى الأعلم فيما لا يلزم منه العسر (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
في الوجوه التي استدل بها المانعون
عن تقليد غير الأعلم غير ما تقدم
(قوله وقد استدل للمنع أيضا بوجوه أحدها نقل الإجماع على تعيين تقليد الأفضل... إلخ)
(قال في التقريرات) هداية في ذكر احتجاج المانعين وهو بعد الأصل كما عرفت تقريره يعني به في صدر البحث وجوه:
(الأول) الإجماعات المنقولة صريحا في كلام المحقق الثاني كما حكاه الأردبيلي عن بعضهم أيضا وظاهرا في كلام الشهيد الثاني المؤيد بنقل عدم الخلاف عند أصحابنا كما يظهر من السيد في الذريعة والبهائي حيث قال وتقليد الأفضل معين عندنا وفي المعالم وهو قول الأصحاب الذين وصل إلينا كلامهم المعاضدة بالشهرة المحققة بين الأصحاب وهي الحجة في مثل المقام الملحق بالفرعيات بل ولا يجوز
251

الاجتراء في الإفتاء في مثل هذه المسألة التي بمنزلة الإفتاء في جميع الفقه بخلاف المنقول من الأصحاب (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(قوله ثانيها الأخبار الدالة على ترجيحه مع المعارضة كما في المقبولة وغيرها أو على اختياره للحكم بين الناس كما دل عليه المنقول عن أمير المؤمنين عليه السلام اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك... إلخ)
(قال في التقريرات) الثاني الأخبار الدالة على ترجيح الأعلم على غيره:
(منها) مقبولة عمر بن حنظلة حيث قال فيها الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما حكم به الآخر.
(ومنها) رواية الصدوق بإسناده عن داود بن الحصين عن الصادق عليه السلام في رجلين اتفقا على عدلين جعلاهما بينهما في حكم وقع بينهما خلاف واختلف العدلان بينهما عن قول أيهما يمضي الحكم قال ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا.
(ومنها) قول أمير المؤمنين عليه السلام المنقول في نهج البلاغة اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك (قال) والتقريب في الكل ظاهر فإن الإمام عليه السلام قدم قول الأفقه والأعلم على غيره عند العلم بالمعارضة والمخالفة وهو المطلوب (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(قوله ثالثها ان قول الأفضل أقرب من غيره جزما فيجب الأخذ به عند المعارضة عقلا... إلخ)
(قال في التقريرات) الثالث ان فتوى الأعلم أقرب من غيرها فيجب الأخذ بها عند التعارض لأن الأخذ بالأقرب لازم عند التعارض أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلقضاء صريح العقل به (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
252

(قوله ولا يخفى ضعفها أما الأول فلقوة احتمال أن يكون وجه القول بالتعيين للكل أو الجل هو الأصل... إلخ)
(وحاصل ما أفاده) في ضعف الوجه الأول من وجوه المانعين وهو الإجماعات المنقولة ان من المحتمل قويا أن يكون وجه ذهاب الكل أو الجل إلى تعيين قول الأعلم هو ما تمسكنا به من الأصل في المسألة ومع هذا الاحتمال لا يكاد يبقى مجال لتحصيل الإجماع الكاشف عن رأي الإمام عليه السلام بمجرد الظفر على اتفاق الكل فإن الاتفاق كذلك إنما يكون هو كاشفا عن رأيه عليه السلام إذا لم يحتمل له مدرك سواه وأما إذا احتمل له مدرك غيره سيما إذا كان الاحتمال قويا كما في المقام فلا إجماع على النحو المعتبر قطعا ويكون نقله موهونا جدا مع عدم حجية الإجماع المنقول في حد نفسه ولو مع عدم وهنه على التفصيل المتقدم لك شرحه في محله إلا في بعض الصور فيكون حجة شرعا.
(أقول)
هذا كله مضافا إلى عدم تحقق الاتفاق في الخارج أصلا ليكون كاشفا عن رأي الإمام عليه السلام فإنه تقدم من صاحب التقريرات أقوال جماعة من الأصحاب وغيرهم بالتخيير بين الأفضل والمفضول (فقال) وحدث لجماعة ممن تأخر عن الشهيد الثاني قول بالتخيير بين الفاضل والمفضول تبعا للحاجبي والعضدي والقاضي وجماعة من الأصوليين والفقهاء فيما حكى عنهم وصار إليه جملة من متأخري أصحابنا حتى صار في هذا الزمان قولا معتدا به... إلخ. ومعه كيف يمكن دعوى الإجماع في المسألة أو الاعتماد على المنقول منه مع مصير جملة معتدة بها إلى الخلاف وهذا واضح.
253

(قوله وأما الثاني فلان الترجيح مع المعارضة في مقام الحكومة لأجل رفع الخصومة التي لا يكاد ترتفع إلا به لا يستلزم الترجيح في مقام الفتوى... إلخ)
(وحاصل ما أفاده) في ضعف الوجه الثاني من وجوه المانعين وهو الاخبار المتقدمة ان المستفاد منها هو ترجيح الأعلم على غيره عند تعارض حكمي الحاكمين وهو لا يستلزم ترجيحه عند تعارض فتوى المفتيين أيضا.
(وقد تفطن لهذا المعنى) صاحب التقريرات ولكنه قد أجاب عنه من وجهين (فقال) بعد عبارته المتقدمة في بيان الوجه الثاني (ما لفظه لا يقال) إن ظاهر المقبولة هو اختصاصها بالقضاء كما هو المصرح به في صدرها حيث سئل الراوي عن رجلين بينهما منازعة في دين أو ميراث فلا يستقيم الاستدلال بها في الفتوى (لأنا نقول أولا) يتم المطلوب بالإجماع المركب إذ لا قائل بالفصل بين وجوب قضاء الأعلم وتقليده وان احتمل عدم تحققه في العكس (إلى أن قال وثانيا) إن ظاهر المقبولة صدرا وذيلا فيما إذا كان الاشتباه في الحكم الشرعي الذي مرجعه إلى الاختلاف في الفتوى دون الأمور الخارجية التي لا يكون رفع الاشتباه فيها بالرجوع إلى الأحاديث فتكون الرواية
دليلا على الترجيح بالأعلمية عند اختلاف أرباب الفتوى (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(أقول)
(أما الإجماع المركب) وهو إطباق الأمة على عدم الفصل بين وجوب قضاء الأعلم ووجوب تقليد الأعلم على نحو يستكشف منه رأي الإمام عليه السلام (فغير ظاهر) ولا واضح.
(وأما ظهور المقبولة) مثل قوله واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم... إلخ في الاشتباه في الحكم الشرعي الذي مرجعه إلى الاختلاف في الفتوى لو سلم بدعوى ان منشأ اختلاف الحاكمين هو اختلاف فتواهما ومنشأ اختلاف
254

فتواهما هو اختلاف الحديثين (فهو مما لا يجدي) فإن ترجيح فتوى الأعلم في مقام الحكومة ورفع الخصومة مما لا يدل على ترجيحها في غير هذا المقام أيضا.
(قوله اما الثالث ممنوع صغرى وكبرى... إلخ)
(وحاصل ما أفاده) في ضعف الوجه الثالث من وجوه المانعين وهو كون فتوى الأعلم أقرب من غيرها فيجب الأخذ بها عند التعارض عقلا هو منع الصغرى والكبرى جميعا.
(اما منع الصغرى) فلما قد يتفق من كون فتوى غير الأعلم أقرب من فتوى الأعلم من جهة مطابقة فتواه لفتوى من هو أعلم الكل ممن مات قبلا.
(وأما منع الكبرى) فلان ملاك حجية قول المجتهد شرعا بل مطلق الأمارات الظنية المعتبرة لدى الشارع ولو بناء على الطريقية دون الموضوعية والسببية لم يعلم أنه القرب إلى الواقع كي يجب الأخذ بالأقرب عند معارضة بعضها مع بعض بل لعل الملاك في الحجية هو أمر آخر مما لم يكن لزيادة القرب فيه دخل أصلا.
(أقول)
(أما منع الصغرى) فمما لا وجه له فان الكلام هاهنا متمحض فيما إذا تعارض فتوى الأعلم مع غير الأعلم مع قطع النظر عن المرجحات الخارجية مثل المطابقة لفتوى من هو أعلم الكل ممن مات قبلا أو المطابقة للشهرة ونحوهما من أمور أخر فمع قطع النظر عن هذه المرجحات كلها نحن ندعي ان فتوى الأعلم أقوى وأقرب إلى الواقع فيحتمل فيها التعيين فتكون من دوران الأمر بين التعيين والتخيير فيجب الاحتياط فيها بالأخذ بها وعدم التعدي عنها وقد عرفت في صدر المسألة وقبله وجه وجوب الاحتياط عند الدوران مكررا (هذا) مضافا إلى كونها موردا لاستقلال العقل بالأخذ بها نظرا إلى كونها من أقوى الدليلين.
(واما منع الكبرى) فكذلك مما لا وجه له فإن الأمارة الظنية المعتبرة شرعا وان لم يعلم أن تمام ملاكها هو القرب إلى الواقع ولكن بعد تسليم كون
255

اعتبارها من باب الطريقية دون الموضوعية والسببية لا بد وأن يكون القرب إلى الواقع مما له دخل في ملاكها ومع دخله فيها لا محالة يستقل العقل بوجوب الأخذ بالأقرب إلى الواقع دون الأبعد عنه وهذا واضح ظاهر.
(ثم إن المصنف) قد أخذ منعه عن الصغرى والكبرى جميعا عن غيره كما يظهر من التقريرات (قال) بعد ذكره الوجه الثالث (ما لفظه) واعترض عليه تارة في الصغرى وأخرى في الكبرى (أما الأول) فبأن الأقربية على وجه الإطلاق مما لا وجه لها إذ ربما يكون فتوى غيره أقرب بواسطة اعتضادها بالأمور الخارجية كموافقتها للمشهور أو لفتوى أعلم الأموات أو غير ذلك (إلى ان قال واما الثاني) فبأنه لا دليل على اعتبار الأقربية في الأمارات التعبدية التي منها قول المفتي في حق المستفتي (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(قوله ولا يصغى إلى أن فتوى الأفضل أقرب في نفسه فإنه ولو سلم انه كذلك إلا أنه ليس بصغرى لما ادعى عقلا من الكبرى... إلخ)
(دفع لما قد يجاب) عن منع المصنف من الصغرى بتقريب ان مراد المانعين من قولهم في الوجه الثالث ان فتوى الأعلم أقرب من غيرها هو الأقرب في نفسها فلا يتوجه إليهم أن فتوى غير الأعلم قد تكون أقرب بلحاظ مطابقتها مع فتوى أعلم الكل ممن مات قبلا.
(وحاصل الدفع) أن فتوى الأعلم وان كانت أقرب في نفسها ولكن الأقرب كذلك مما لا يكون صغرى للكبرى التي قد ادعاها الخصم من وجوب الأخذ بالأقرب عند المعارضة عقلا فإن الذي يستقل به العقل هو الأخذ بالأقرب مطلقا سواء كان أقرب في نفسه أو لمرجح خارجي دون خصوص الأقرب في نفسه.
(أقول)
إنك قد عرفت منا آنفا ان الكلام هاهنا متمحض فيما إذا تعارض فتوى الأعلم مع
256

غير الأعلم مع قطع النظر عن المرجحات الخارجية وظاهر المصنف بل صريحه هو تسليم الصغرى أي أقربية فتوى الأعلم في هذه الصورة (وعليه) فيرجع النزاع معه لفظيا فلا تغفل أنت ولا تشتبه.
(قوله نعم لو كان تمام الملاك هو القرب كما إذا كان حجة بنظر العقل لتعين الأقرب قطعا فافهم... إلخ)
لا يجب أن يكون القرب هو تمام الملاك حتى يتعين الأقرب بل يكفي في ذلك كما أشير آنفا ان يكون القرب مما له دخل في الملاك فإن مع دخله فيه لا بد وأن يكون الأقرب متعينا عقلا (والظاهر) انه إليه أشار بقوله فافهم فافهم جيدا.
في بيان معنى الأعلم
(ثم إن صاحب التقريرات) قد نبه في خاتمة تقليد الأعلم على أمور تسعة ونحن نكتفي بالمهم منها وهو أمور ثلاثة:
(الأول) في بيان معنى الأعلم والظاهر ان مقتضى اشتقاقه من العلم أن يكون الأعلم عبارة عمن كان الانكشاف له بنحو أشد فإن الانكشاف مما له مراتب فنحن عالمون بالله والأنبياء أيضا عالمون بالله وكم فرق بين علمنا وعلمهم وببالي ان في النهج قيل لعلي عليه السلام إن عيسى كان يمشي على الماء فقال عليه السلام ولو ازداد يقينا لمشى على الهواء.
(وبالجملة) ان للعلم مراتب ودرجات والمناسب للمعنى اللغوي أن يكون الأعلم عبارة عمن كان علمه بالأحكام الشرعية بنحو أشد من غير الأعلم مع وحدة المعلوم فيهما بلا تفاوت فيه أصلا (ولكن الظاهر) ان هذا المعنى غير مراد
257

قطعا (بل المراد من الأعلم) في المقام (إما من كان هو أقوى ملكة) وأشد سلطة في استنباط الأحكام وفهمها من الآيات والروايات (أو كان أكثر معلوما) وأوسع إحاطة بالاحكام الشرعية والمسائل الدينية وإن لم يكن أقوى ملكة (والظاهر) ان المعيار في الأعلمية هو الأول أي من كان أقوى ملكة وأشد سلطة (ويشهد له) ما تقدم في ذيل أخبار التراجيح من قوله عليه السلام أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا حيث يستفاد منه ان المعيار في الأفقهية ان يكون المجتهد هو أعرف بمعاني كلامهم لا أكثر معلوما وأوسع إحاطة بالاحكام فإذا كان أحدهما أعرف بمعان كلامهم والآخر أكثر معلوما كان الأول أفقه من الثاني (بل قد يدعى) ان كثرة المعلومات مع ضعف ملكة الاجتهاد ربما يوجب مزيد البعد عن الواقع وهو غير بعيد فراجع تقريرات بحث شيخنا العلامة أعلى الله تعالى مقامه فان له كلاما طويلا حول هذا المعنى لا بأس بمراجعته وتأمله.
إذا شك في اختلافهم في الفتوى
فهل يجب الفحص عنه
(الثاني) انك قد عرفت فيما تقدم ان وجوب تقليد الأعلم إنما هو فيما إذا اختلفوا العلماء في الفتوى واختلفوا في العلم والفضيلة (فإذا لم يختلفوا في الفتوى) (أو لم يختلفوا في العلم والفضيلة) (أو لم يختلفوا لا في الفتوى ولا في العلم والفضيلة) (فالحكم هو التخيير) فالمعتبر إذا في وجوب تقليد الأعلم هو أمر آن الاختلاف في في الفتوى والاختلاف في العلم والفضيلة (وعليه) فإذا شك في اختلافهم في
258

الفتوى مع العلم باختلافهم في العلم والفضيلة.
(فهل يجب على المقلد الفحص) عن الاختلاف في الفتوى ليأخذ بفتوى الأعلم إذا كانوا مختلفين فيها أم لا (مختار التقريرات) عدم وجوب الفحص عنه وقد استدل عليه بأمرين:
(الأول) ما محصله ان مقتضى الأصل وإن كان هو وجوب الفحص عنه إذ بدونه لا بد من الاحتياط والأخذ بفتوى الأعلم إذ لو كان هناك اختلاف في الفتوى واقعا ففتوى الأعلم متعينة وإلا فنتخير، فيدور الأمر فيها بين التعيين والتخيير فيتعين الاحتياط فيها بالاخذ بها للقطع بحجيتها على كل حال إما تعيينا أو تخييرا والشك في حجية فتوى غير الأعلم فيجري الأصل عنها ولكن الأصل منقطع بالسيرة والظاهر أن مراده من السيرة هو ما تقدم منه في ذيل الجواب عن الوجه الثالث من وجوه القائلين بجواز تقليد غير الأعلم من استقرار السيرة على الرجوع إلى أصحاب الأئمة مع عدم العلم باختلافهم في الفتوى والعلم باختلافهم في العلم والفضيلة.
(الثاني) أصالة عدم المعارض فإذا أفتى أحدهم بطهارة العصير المغلي مثلا وشك في وجود فتوى أخرى بنجاسته فمقتضى الاستصحاب عدمها فيجوز حينئذ الأخذ بالفتوى بطهارته.
(أقول)
إن السيرة وإن كانت هي قابلة للمناقشة وذلك لما تقدم منا من استقرارها على الرجوع إليهم مع عدم احتمال اختلافهم في الفتوى أصلا لا مع الشك فيه واحتماله ولكن مع ذلك يكفي الدليل الثاني لعدم وجوب الفحص عن الاختلاف في الفتوى فإن استصحاب عدم وجود فتوى أخرى بنجاسة العصير المغلي في المثال المتقدم وارد على الاحتياط الجاري في دوران الأمر بين التعيين والتخيير رافع لموضوعه من أصله وهو الشك في وجود فتوى أخرى من الأعلم مخالفة لهذه الفتوى غير ان
259

الظاهر ان هذه الصورة الأولى وهي صورة عدم العلم باختلافهم في الفتوى هي مجرد فرض في أمثال زماننا هذا كما لا يخفى.
(وعلى كل حال) هذا تمام الكلام فيما إذا شك في اختلافهم في الفتوى وعلم باختلافهم في العلم والفضيلة وقد عرفت ان حكمها هو عدم الفحص عن الاختلاف في الفتوى إذا فرض اتفاقها أحيانا.
إذا شك في اختلافهم في العلم والفضيلة
فهل يجب الفحص عن الأعلم
(واما إذا انعكس الأمر) بأن علم باختلافهم في الفتوى وشك في اختلافهم في العلم والفضيلة ففي هذه الصورة الثانية (هل يجب) الفحص عن الأعلم ليأخذ بفتواه أم لا (مختار التقريرات هو وجوب الفحص عن الأعلم.
(قال في التنبيه الثالث) وإذا علم الاختلاف يعني في الفتوى واحتمل التفاضل فهل يجب الفحص أولا وجهان بل لعل قولان (إلى ان قال) ويدل على الوجوب أمور:
(منها) الأصل حيث ان قبل الفحص لا يعلم البراءة بخلافه بعد الفحص فالواجب هو الفحص.
(ومنها) قوله عليه السلام في رواية داود بن الحصين ينظر إلى أفقههما فان في قوله ينظر دلالة واضحة على وجوب الفحص مضافا إلى كونه معمولا به في جميع
الطرق المتعارضة (قال) ولعل وجوب الفحص موافق للقاعدة أيضا فإن
260

التكليف معلوم إجمالا وإنما الشك في كونه على وجه التعيين على تقدير التفاضل أو على وجه التخيير على تقدير عدمه ومنشأ الشك هو الاشتباه في المصداق مع انتفاء ما يشخصه من الأصول وإمكان استعلامه فلا بد من الفحص حتى يعلم المكلف به (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(أقول)
أما رواية داود بن الحصين عن أبي عبد الله عليه السلام ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما فينفذ حكمه ولا يلتفت إلى الآخر فهي آمرة بالرجوع إلى الأفقه الأعلم الأورع وليست هي آمرة بالفحص عنه عند الشك في وجوده (مضافا) إلى كونها واردة في مورد الحكومة ورفع الخصومة فلا دلالة لها في مقام التقليد أصلا (وأما الأصل) فالظاهر ان المراد منه بقرينة قوله حيث ان قبل الفحص لا يعلم البراءة بخلافه بعد الفحص... إلخ هو أصل الاشتغال وهو وإن كان حقا لا مجال لإنكاره ولكنه على الظاهر ليس هو وجها آخر غير الوجه الأخير الذي قد أشار إليه بقوله ولعل وجوب الفحص موافق للقاعدة أيضا... إلخ (وعلى كل حال) تقريب أصل الاشتغال هو أنا نعلم إجمالا باشتغال الذمة بوجوب العمل بإحدى الفتويين إما تعيينا ان كان أحدهما فتوى الأعلم وأما تخييرا إن كان الفتويان متساويتين والاشتغال اليقيني مما يقتضي البراءة اليقينية وهي لا تحصل إلا بالفحص عن الأعلم فان كان أحدهما أعلم أخذنا بفتواه وإلا فنتخير بين الفتويين (إلا ان الحق) ان لنا أصل موضوعي مقدم على الاشتغال رافع لموضوعه (وتوضيحه) انه إذا أفتى أحدهم بطهارة الخمر مثلا والآخر بنجاسته وفرضنا ان صاحب فتوى الطهارة ملكته هي بحد الاعتدال وشككنا في ان صاحب فتوى النجاسة هل هو ملكته أقوى منها وأشد قد تجاوزت من هذا الحد ليكون هو أعلم ويتعين الأخذ بفتواه أم لم تتجاوز فنتخير والأصل عدم تجاوزها عنه وعدم صيرورته أعلم فلا يبقى مجال لقاعدة الاشتغال أصلا.
261

(هذا كله حال ما إذا شك) في الاختلاف في الفتوى وعلم باختلافهم في العلم والفضيلة (وحال ما إذا علم) بالاختلاف في الفتوى وشك في اختلافهم في العلم والفضيلة (ومن هذين القسمين يظهر لك حال) ما إذا شك في الاختلاف في الفتوى وشك في الاختلاف في العلم والفضيلة فلا يجب فيه الفحص لا عن الاختلاف في الفتوى ولا عن وجود الأعلم (بل ويظهر لك حال) ما إذا علم بالاختلاف في الفتوى وعلم بالاختلاف في العلم والفضيلة كما هو الغالب الشائع فيجب فيه الفحص عن الأعلم بمعنى لزوم تعيينه إذا كان مرددا غير متعين بعد ما اتضح لك في صدر هذا الفصل وجوب تقليد الأعلم جدا فتأمل جيدا.
في وجوب تقليد الأورع
(الثالث) إذا اختلف العلماء في الورع مع تساويهم في العلم والفضيلة فهل يجب تقليد الأورع أم لا يجب (قال في التقريرات) في التنبيه الثاني (ما لفظه) قولان ظاهر المنقول من النهاية والتهذيب والذكرى والدروس والجعفرية والمقاصد العلية والمسالك والتمهيد وشرح الزبدة للفاضل الصالح هو الأول (ثم قال) وهو الأقوى لما عرفت من الأصل وبعض الاخبار (انتهى).
(وقال الشيخ) أعلى الله مقامه في رسالته المستقلة بعد ما عنون المسألة بقوله ولو تساوى المجتهدان بالعلم واختلفا في الورع (ما لفظه) فالظاهر ان المشهور تقديم الأورع بل حكى عليه المحقق الثاني قدس سره الإجماع في مسألة تقليد الميت (إلى ان قال) وهو الظاهر من المقبولة ويؤيده ما ورد في انه لا يحل الفتيا إلا لمن كان أتبع أهل زمانه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ثم قال) هذا كله
262

مضافا إلى الأصل السليم عن معارضة الإطلاقات كما عرفت في تقليد الأعلم فالقول به لا يخلو عن قوة (انتهى) كلامه رفع مقامه.
(أقول)
والظاهر أن محل الكلام في المسألة هو ما إذا اختلف الأورع وغير الأورع في الفتوى كما في مسألة تقليد الأعلم عينا وإلا فلا وجه لتعين الأورع وذلك لإطلاقات الأدلة وخلوها عن اعتبار الأورعية كما عرفت خلوها عن اعتبار الأعلمية (وعلى كل حال) إذا اختلفوا في الفتوى وفي الورع جميعا مع تساويهم في العلم والفضيلة فالحكم فيه بعينه ما تقدم في اختلافهم في الفتوى وفي العلم والفضيلة (فمقتضى القاعدة الأولية) المؤسسة في الطريقين المتعارضين هو تساقط قول الورع وغير الأورع جميعا (ومقتضى قيام الإجماع) القطعي على عدم تساقط الفتويين بمجرد المعارضة هو عدم سقوطهما عن الحجية جميعا (ثم ان مقتضى احتمال) التعيين في قول الأورع وعدم احتماله في قول غير الأورع مع احتمال حجية كل منهما تخييرا هو دوران الأمر في الأورع بين التعيين والتخيير للقطع الإجمالي بحجيته إما تعيينا أو تخييرا والشك في حجية قول غير الأورع ولو تخييرا فيحتاط ويقتصر على المتيقن ويجري الأصل عن المشكوك (بل لا يبعد التمسك) باستقلال العقل بعد قيام الإجماع القطعي على عدم التساقط بسبب المعارضة بالاخذ بفتوى الأورع نظرا إلى كونه من أقوى الدليلين وأقربهما إلى الواقع فإن الأورع هو عبارة عمن كان تحرزه عن المحرمات أقوى وأشد ومن جملة المحرمات هي الفتوى بغير علم فلا محالة يكون تدبره في المسألة وجده واجتهاده فيها أزيد وأكثر فيكون أقرب (ومن هنا يظهر) أنه لو كان هناك مزية أخرى في أحد الجانبين غير الأورعية توجب هي أقربيته إلى الواقع والدوران فيه بين التعيين والتخيير فالكلام فيها نفس الكلام في الأعلمية والأورعية عينا فيقدم ذو المزية على غيره قطعا.
263

في تقديم الأعلم على الأورع
(ثم إن هذا تمام الكلام) فيما إذا اختلف العلماء في الورع مع تساويهم في العلم والفضيلة (وأما إذا اختلفوا) في الورع وفي العلم والفضيلة جميعا فكان أحدهم أعلم والآخر أورع (فالظاهر) تقديم الأعلم على الأورع فإن الملاك في الأعلم هو أقوى وأشد فان الطريقين المتعارضين بعد قيام الإجماع القطعي على عدم تساقطهما جميعا
بمقتضى القاعدة الأولية لا بد وأن يلحظ فيهما أقوائية الملاك وهو القرب إلى الواقع كما يلحظ أقوائية الملاك في المتزاحمين عينا (قال في التقريرات) في التنبيه الثاني وهل يتخير بين الأعلم والأورع أو تقدم الأول أو الثاني وجوه الأقرب الثاني لأن المناط في الاستفتاء والعمل بقوله آكد فيه من غيره وان كان أورع (انتهى موضع الحاجة) من كلامه رفع مقامه.
في اشتراط الحياة في المفتي
(قوله فصل اختلفوا في اشتراط الحياة في المفتي والمعروف بين الأصحاب الاشتراط وبين العامة عدمه إلى آخره)
(قال في التقريرات) اختلفت كلمات أرباب النظر في اشتراط الحياة في المفتي
264

والمعروف بين أصحابنا الاشتراط والمنسوب إلى العامة عدمه (انتهى موضع الحاجة من كلامه.
(أقول)
ظاهر الأصحاب رضوان الله عليهم انه يشترط الحياة في المفتي حتى فيما وافق فتوى الميت مع الحي ففي الفتوى الموافق للحي أيضا لا يجوز تقليد الميت والاستناد إلى رأيه وفتواه فاعتبار الحياة في المفتي عندهم يكون على حد اعتبار الإيمان والعدالة ونحوهما لا على حد اعتبار الأعلمية أو الأورعية بحيث كان الاشتراط في خصوص ما إذا تعارض الفتويان لا مطلقا ولو فيما إذا اتحدتا.
(قوله وهو خيرة الأخباريين وبعض المجتهدين من أصحابنا... إلخ)
الظاهر ان بعض المجتهدين من أصحابنا هو المحقق القمي ولا أظن أن أحدا من المجتهدين غيره ممن يعتد به قد وافق الأخباريين في عدم اشتراطهم الحياة في المفتي وفي تجويزهم تقليد الميت ولو ابتداء (قال في التقريرات) مشيرا إلى اشتراط الحياة في المفتي (ما هذا لفظة) وهو خير الأخباريين من أصحابنا ومنهم أمينهم الأسترآبادي والمحدث الكاشاني في محكي السفينة وفي مفاتيحه ظاهرا والسيد الجزائري ووافقهم المحقق القمي من المجتهدين (انتهى).
(وقال) في النسخة الثانية من التقريرات (ما لفظه) والفاضل القمي رحمه الله أناط الحكم مناط حصول الظن الأقوى سواء حصل من قول الميت أو الحي فهو من المجوزين مطلقا ولم أجد غيره من المجتهدين وافقه في كتابه ممن يعتد بشأنه (انتهى).
(أقول)
قد تقدم في صدر مباحث الاجتهاد ان الأخباريين قد نفوا الاجتهاد والإفتاء والتقليد وأوجبوا على كل أحد متابعة كلام المعصومين عليهم السلام وان كان ذلك مما لا يفهمه أحد غيرهم كما تقدم من المحقق القمي (والظاهر) ان بهذا النفي
265

قد صار الأخباري إخباريا والمجتهد مجتهدا (وعليه) فكيف لا يشترط الأخباري ها هنا الحياة في المفتي ويجوز هو تقليد الميت ولو ابتداء (ولعل السر في ذلك) كما يظهر من التقريرات ان الفتوى عندهم هي عبارة عن نقل الحديث بالمعنى فالفتوى بهذا المعنى مما لا يشترط الحياة فيها ويجوزون العمل بها ولو كان من الميت ابتداء وليست الفتوى هي عندهم بالمعنى المصطلح عندنا وهو الإخبار عن الحكم الشرعي الذي استفاده المفتي من الأدلة بالجد والاجتهاد والنظر والاستنباط فإنها بهذا المعنى عندهم هي كالقياس والاستحسان (ومن هنا يمكن) أن يقال إن الأخباريين ليسوا مخالفين في المسألة فإن الفتوى بالمعنى الذي يقصده الأخباريون نحن أيضا نجوز العمل بها ولو كان من الميت وبالمعنى الذي يقصده المجتهدون هم أيضا لا يجوزون العمل بها ولو كان من الحي فضلا عن الميت (قال في التقريرات) في ذيل ما أفاده في صدر المسألة (ما لفظه) فإن الأخبارية بأجمعهم على المنع من الإفتاء فإنه فرع الاجتهاد وهم ليسوا من أصحاب الاجتهاد كما هو المعروف من طريقتهم وكلمات جملة منهم ممن اطلعنا عليهم صريحة فيما ذكرنا فما يجوز عندهم من الفتوى عبارة عن نقل الحديث بالمعنى وما ليس كذلك فلا يجوزونه ويلحقونه بالقول بالقياس والاستحسان (إلى أن قال) ومن هنا يظهر ان خلاف الأخباريين كما نقلنا ليس واردا في هذا المقام (إلى أن قال) قال السيد الجزائري في مقام الاستدلال على ما ذهب إليه من عدم الاشتراط إن كتب الفقه شرح لكتب الحديث ومن فوائدها تقريب معاني الاخبار إلى أفهام الناس لأن فيها العام والخاص والمجمل والمبين إلى غير ذلك وليس كل أحد يقدر على بيان هذه الأمور من مفادها فالمجتهدون بذلوا جهدهم في بيان ما يحتاج إلى البيان وترتيبه على أحسن النظام والاختلاف بينهم مستند إلى اختلاف الأخبار أو فهم معانيها من الألفاظ المحتملة حتى لو نقلت تلك الأخبار لكانت موجبة للاختلاف كما ترى الاختلاف الوارد بين المحدثين مع ان عملهم مقصور على الاخبار المنقولة
266

وبالجملة فلا فرق بين التصنيف في الفقه والتأليف في الحديث (انتهى) كلام السيد الجزائري (قال) صاحب التقريرات ويظهر منه ان تجويزهم لذلك ليس إلا من جهة ان الفتوى عندهم هي الرواية المنقولة بالمعنى (انتهى) موضع الحاجة من كلام التقريرات.
في تفاصيل المسألة
(قوله وربما نقل تفاصيل منها التفصيل بين البدوي فيشترط والاستمراري فلا يشترط... إلخ)
(قد نقل في التقريرات) تفاصيل ثلاثة في المسألة (الأول) التفصيل بين فقد المجتهد الحي فلا يشترط الحياة في المفتي بل يجوز تقليد الميت وبين وجوده فيشترط الحياة فيه ولا يجوز تقليد الميت.
(الثاني) التفصيل بين ما إذا كان المفتي ممن لا يفتي إلا بمنطوق الأدلة كالصدوقين ونحوهما فلا يشترط الحياة فيه ويجوز تقليده حيا وميتا وبين غيره فلا يجوز تقليده لا حيا ولا ميتا.
(الثالث) وهو عمدتها التفصيل بين التقليد البدوي فيشترط الحياة في المفتي بمعنى عدم جواز تقليد الميت ابتداء وبين الاستمراري فلا يشترط الحياة فيه بمعنى جواز البقاء على تقليد الميت استمرارا إذا قلده في حياته (ولكن قد ناقش صاحب التقريرات) في التفصيلين الأولين:
(اما الأول) فلأن الكلام في المقام إنما هو مع وجود المجتهد الحي وأما مع فقده فتلك مسألة أخرى من حيث جواز تقليد الميت أو وجوب العمل بالاحتياط
267

أو العمل بقول المشهور أو غير ذلك وقد عنون ذلك في آخر البحث في هداية مستقلة (وأما التفصيل الثاني) فلأن مرجع ذلك إلى انه من أفتى على طبق مضمون الخبر بتبديل لفظ إلى لفظ آخر فيجوز العمل بفتواه حيا وميتا وإلا فلا يجوز لا حيا ولا ميتا وهو عين قول الأخباريين وقد عرفت انهم منكرون العمل بالفتوى من أصلها سواء كانت لحي أو لميت وإنما يجوزون العمل بها بمعنى نقل الرواية بالمعنى سواء كانت لحي أو لميت ولا كلام لنا فيه (قال في التقريرات) وذهب بعضهم إلى عدمه يعني عدم الاشتراط مع عدم المجتهد الحي نقله فخر المحققين عن والده واستبعده وحمل كلامه على محل آخر وهو المحكي عن الأردبيلي والشيخ سليمان البحراني والشيخ علي بن هلال (ثم قال) قلت ولعله ليس تفصيلا في المقام فان الكلام على ما ستعرف إنما هو في الجواز عند التمكن من استعلام حال الواقعة من الحي واما مع عدمه فلبيان الحكم فيه محل آخر كما لو انقرض الاجتهاد العياذ بالله (ثم قال) وذهب الفاضل التوني إلى عدم الاشتراط فيما إذا كان المفتي ممن علم من حاله انه لا يفتي إلا بمنطوقات الأدلة كالصدوقين ومن شابههما من القدماء فإنه يجوز الأخذ بفتاويهم حيا وميتا واما إذا كان ممن يعمل بالأفراد الخفية للعمومات واللوازم الغير الظاهرة للملزومات فلا يجوز تقليده لا حيا ولا ميتا (ثم قال) وهو أيضا ليس من التفصيل في هذه المسألة وإنما ذلك يعد تفصيلا في أصل التقليد فالأولى عد الفاضل في عداد نظرائه من الأخباريين (ثم قال) ونقل السيد صدر الدين في محكم شرح الوافية عن بعض معاصريه التفصيل بين البدوي والاستمراري فلم يقل بالاشتراط في الثاني وقال به في الأول (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
268

في الاستدلال على عدم جواز تقليد الميت
بالأصل وبالإجماع
(قوله والمختار ما هو المعروف بين الأصحاب للشك في جواز تقليد الميت والأصل عدم جوازه ولا مخرج عن هذا الأصل إلا ما استدل به المجوز على الجواز من وجوه ضعيفة... إلخ)
(قد استدل المصنف) على عدم جواز تقليد الميت بوجه واحد وهو الأصل (واستدل صاحب التقريرات) بوجوه ستة ولكن العمدة من بينها وجهان:
(أحدهما) الأصل.
(ثانيهما) الإجماع ولا بأس بنقل كلامه في بيانهما بألفاظه (فنقول انه قال) فالذي يدل على المختار وجوه:
(الأول) أصالة حرمة العمل بالظن بل بمطلق ما وراء العلم التي دلت الأدلة الأربعة بتمامها عليها خرج عنها فتوى الحي إجماعا (إلى ان قال) بقي الموارد المشكوكة تحت الأصل ومنها فتوى الميت ولا مخرج عن هذا الأصل سوى ما تخيله المجوز وستعرف فساده (إلى ان قال الثاني) ظهور الإجماع المحقق من الطائفة المحقة ويمكن الاطلاع عليه واستعلامه من كلمات أصحابنا الإمامية في المسألة فإن نقل الاتفاق والإجماع فوق حد الاستفاضة (فعن المحقق الثاني) في شرح الألفية لا يجوز الأخذ عن الميت مع وجود المجتهد الحي بلا خلاف بين علماء الإمامية (وعن المسالك) فقد صرح الأصحاب في كتبهم المختصرة والمطولة وفي
269

غيرها باشتراط حياة المجتهد في جواز العمل بقوله وقال ولم يتحقق إلى الآن خلاف في ذلك ممن يعتد بقوله من أصحابنا وان كان للعامة في ذلك خلاف مشهور (وقال في محكي الرسالة) المعمولة في المسألة إنه بعد تحقق التتبع الصادق لما وصل إلينا من كلامهم ما علمنا من أصحابنا ممن يعتبر قوله ويعتمد على فتواه مخالف في ذلك فعلى مدعى الجواز بيان القائل به على وجه لا يلزم منه خرق الإجماع ثم قال ولا قائل بجواز تقليد الميت من أصحابنا السابقين وعلمائنا الصالحين فإنهم ذكروا في كتبهم الأصولية والفقهية قاطعين بما ذكرنا (وادعى في محكي كتاب آداب العلم والتعلم) الإجماع على ذلك (وعن المعالم) العمل بفتاوى الموتى مخالف لما يظهر من اتفاق علمائنا على المنع من الرجوع إلى فتوى الميت مع وجود المجتهد الحي (وعن شارح النجاة) للمحقق الداماد نفي الخلاف صريحا (وهو الظاهر) من العلامة في النهاية حيث لم يذكر الخلاف بعد الفتوى مع ان عادته سيما في النهاية على ذكر الخلاف.
(وعن ابن أبي جمهور الأحسائي) لا بد في جواز العمل بقول المجتهد من بقائه فلو مات بطل العمل بقوله ووجب الرجوع إلى غيره إذ الميت لا قول له وعلى هذا انعقد إجماع الإمامية وبه نطقت مصنفاتهم الأصولية لا أعلم فيه مخالفا منهم (إلى ان قال صاحب التقريرات).
(وعن الوحيد البهبهاني) في فوائده ان الفقهاء أجمعوا على ان الفقيه لو مات لا يكون قوله حجة (قال) وقال في موضع آخر وربما جعل ذلك من المعلوم من مذهب الشيعة (ثم قال) وقال بعض أفاضل متأخري المتأخرين بعد اختياره ذلك يعني اشتراط الحياة في المفتي للإجماع المحقق (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(أقول)
إن أصالة حرمة العمل بالظن مما لا مجال للتمسك بها فيما وافق فتوى الميت مع
270

الحي إذا الأصل منقطع بإطلاقات أدلة التقليد الشاملة لكل من الحي والميت جميعا فكما ان في المسائل التي لم يختلف فيها الأعلم مع غير الأعلم قد جوزنا تقليد غير الأعلم على ما تقدم لك شرحه لإطلاقات أدلة التقليد فكذلك في المسائل التي لم يختلف فيها الميت مع الحي نجوز تقليد الميت والاستناد إلى رأيه وفتواه لإطلاقات الأدلة عينا (نعم) إذا اختلفت فتوى الميت مع الحي ووقعت المعارضة بين الفتويين بعضهما مع بعض فللتمسك بالأصل حينئذ في عدم جواز العمل بفتوى الميت وجه وجيه (وتقريبه)
كما تقدم في تقليد الأعلم ان مقتضى القاعدة الأولية في الأمارتين المتعارضتين على ما حقق في صدر التعادل والتراجيح هو التساقط ولكن مقتضى الإجماع القطعي على عدم تساقط فتوى المجتهدين بمجرد المعارضة واحتمال التعيين في فتوى الحي مع احتمال التخيير بينها وبين فتوى الميت شرعا هو القطع بحجية فتوى الحي لا محالة إما تعيينا أو تخييرا والشك في حجية فتوى الميت ولو تخييرا فيكون المقام من دوران الأمر بين التعيين والتخيير فيؤخذ بالمتيقن ويجري الأصل عن المشكوك وقد تقدم لك شرح أقسام الدوران وتفصيل الكلام في الكل في آخر البراءة مبسوطا فراجع.
(واما الإجماع) الذي تمسك به صاحب التقريرات دون المصنف فهو مشكل جدا إذ من المظنون لو لا المقطوع ان المدرك للإجماعات التي ادعوها في المسألة هي نفس الوجوه التي استدلوا بها من الأصل وغيره وقد أشرنا آنفا ان صاحب التقريرات قد استدل بوجوه ستة ومع تلك الوجوه كيف يمكن الاعتماد على الإجماع في المسألة وان مدركه رأى الإمام عليه السلام أو دليل قد وصل إليهم من إمامهم كما احتمله التقريرات في آخر كلامه (حيث قال) ان هذه الإجماعات يستكشف منها على وجه لا ينبغي الارتياب فيه ان عند المجمعين دليلا معتبرا يدل على ذلك (انتهى).
(هذا مضافا) إلى ان تحقق الإجماع في المسألة غير معلوم فإن التقريرات كما يظهر
271

بمراجعته هو الذي (ذكر عن الأردبيلي) نسبة عدم جواز تقليد الميت إلى الأكثر لا إلى الجميع (ونقل عن الشهيد) انه ذكر في الذكرى خلاف البعض (كما نقل ان الشهيد الثاني) أيضا قد نسب القول بعدم الجواز إلى الأكثر (ونقل أيضا) انه قد حكى عن العلامة في التهذيب انه عبر ان الأقرب كذا... إلخ. فهذا كله شواهد قطعية على ان المسألة خلافية ليست هي محل وفاق واتفاق كما يشهد بذلك أيضا تعبير التقريرات عن المخالف بالمجوزين وأن لهم احتجاجات كثيرة لا تحصى (قال) أقواها أمور منها العقل والكتاب والسنة والإجماع... إلخ فلو كان المخالف في المسألة شاذا نادرا جدا واحدا أو اثنين لو ما يقرب من ذلك لم يعبر عنه بالمجوزين ولم يكن لهم احتجاجات كثيرة لا تحصى إذ من المستبعد ان تكون الاحتجاجات كلها من شخص واحد أو من شخصين اللهم إلا إذا كان مراد التقريرات من المجوزين وان لهم احتجاجات كثيرة لا تحصى هو المجوزين من العامة فلا يشهد حينئذ تعبيره المتقدم بكون المسألة خلافية بين الأصحاب خلافا يعتد به (وعلى كل حال) إن الاعتماد في المسألة على الإجماع الذي قد ادعى تحققه من الطائفة المحقة على وجه يستكشف منه رأى الإمام عليه السلام أو الدليل المعتبر الذي قد وصل إليهم من إمامهم في غاية الإشكال (مضافا) إلى ما عرفت من المناقشة في أصل تحققه وانعقاده (فالعمدة) في المسألة أي في عدم جواز تقليد الميت في خصوص المسائل التي قد اختلف فيها فتوى الميت مع الحي هو ما تقدم من دوران الأمر في فتوى الحي بين التعيين والتخيير فيحتاط بالاخذ بها ويجري الأصل عن حجية فتوى الميت (ولكن) هذا إذا لم يتم استصحاب جواز تقليد الميت من حال حياته إلى بعد مماته وإلا فيقدم هو على هذا الأصل بلا كلام إما حكومة أو ورودا لارتفاع موضوعه وهو الشك في حجية فتواه بهذا الاستصحاب وسيأتي الكلام حول هذا الاستصحاب مفصلا فانتظر.
(بقي شيء) وهو ان في مسألة تقليد الأعلم قد قلنا انه إذا اختلف الفتويان
272

ففتوى الأعلم مقطوعة الحجية فيؤخذ بها وفتوى غيره مشكوكة الحجية فيجري الأصل عنها وبمثل ذلك قد قلنا في مسألتنا هذه فإذا اختلف الفتويان ففتوى الحي مقطوعة الحجية فيؤخذ بها وفتوى الميت مشكوكة الحجية فيجري الأصل عنها فإذا فرضنا انه اختلف الفتويان فكانت إحداهما للأعلم والأخرى للحي فأي القولين حينئذ مقطوع الحجية فيؤخذ به وأيهما مشكوك الحجية ويجري الأصل عن حجيته (وبعبارة أخرى) أي المزيتين حينئذ أولى بالرعاية هل الأعلمية أو الحياة (لا يبعد) دعوى أولوية رعاية الثاني فإنا وإن جوزنا تقليد كل من الميت والحي في المسائل التي لم يختلف فيها الميت والحي نظرا إلى إطلاقات أدلة التقليد وشمولها لكل من الطرفين جميعا.
(ولكن ظاهر الأصحاب) رضوان الله عليهم كما أشير في صدر المسألة هو اشتراط الحياة في المفتي حتى فيما وافق فتوى الميت مع الحي وان اعتبار الحياة فيه عندهم يكون على حد اعتبار الإيمان والعدالة والذكورة ونحوها مما سيأتي لا على نحو اعتبار الأعلمية أو الأورعية بحيث كان الاشتراط هو في خصوص ما إذا اختلف الفتويان ومن المعلوم ان مع كون ظاهر الأصحاب هو ذلك تكون الحياة هي أولى بالرعاية من الأعلمية قطعا فتأمل جيدا.
273

في الاستدلال على جواز تقليد الميت
بالاستصحاب
(قوله منها استصحاب جواز تقليده في حال حياته... إلخ)
أي ومن الوجوه الضعيفة التي استدل بها لجواز تقليد الميت ابتداء هو استصحاب جواز تقليده من حال حياته.
(وقد ذكر) جملة من تلك الوجوه (صاحب التقريرات) بل عرفت من بعض كلامه المتقدم ان للمجوزين احتجاجات كثيرة لا تحصى ولكن الإنصاف ان تلك الوجوه كلها ضعيفة كما ذكر المصنف سوى وجهين منها:
(أحدهما) إطلاقات الأدلة الشاملة لكل من فتوى الحي والميت جميعا وقد عرفت منا انها مما لا تنفع إلا فيما وافق فتوى الميت مع الحي لا مطلقا.
(ثانيهما) استصحاب جواز تقليد الميت من حال حياته إلى بعد مماته.
(ثم إن صاحب التقريرات) قد قرر استصحاب المجوزين من وجوه ثلاثة (استصحاب الحكم المستفتي فيه) (واستصحاب حكم المستفتى) (واستصحاب حكم المفتي) (قال ما لفظه) الثالث الاستصحاب وتقريره من وجوه فإنه (تارة) يراد انسحاب الحكم المستفتى فيه (وأخرى) يراد انسحاب حكم المستفتى (وثالثة) يراد انسحاب حكم المفتي (فعلى الأخير) يقال ان المجتهد الفلاني كان ممن يجوز الأخذ بفتواه والعمل في الخارج مطابقا لأقواله وقد شك بعد الموت انه هل يجوز اتباع أقواله أو لا
فيستصحب كما انه يستصحب ذلك عند تغير حالاته من المرض
274

والصحة والشباب والشيب ونحوها.
(وعلى الثاني) يقال إن للمقلد الفلاني كان الأخذ بفتوى المجتهد الفلاني حال الحياة وبعد الموت نشك فيه فنستصحب الجواز المعلوم في السابق.
(وعلى الأول) يقال إن هذه الواقعة كان حكمها الوجوب بفتوى المجتهد الفلاني ونشك في ذلك فنستصحب حكمها (قال) إلى غير ذلك من وجوه تقريراته (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(أقول)
وأقوى هذه التقارير الثلاثة هو (استصحاب حكم المفتي) وهو الذي اقتصر عليه المصنف ولو تم هذا التقرير لكان نافعا لكل من التقليد الابتدائي والاستمراري جميعا كما سيأتي (واما استصحاب حكم المستفتى) فهو أيضا لو تم لكان نافعا لكل من التقليد الابتدائي والاستمراري جميعا ولكن يختص بما إذا كان المستفتي ممن أدرك أيام حياة المفتي فعند ذلك صح أن يقال إن المقلد الفلاني كان له الأخذ بفتوى المجتهد الفلاني في حال حياته فكذلك الآن بالاستصحاب لا مطلقا ولو لم يدرك أيام حياته وهذا التقرير مما لم يؤشر إليه المصنف لا في المقام ولا فيما سيأتي وليس بمهم بعد عدم اشتداد الحاجة إليه.
(وأما استصحاب الحكم المستفتي فيه) كاستصحاب وجوب الاستعاذة أو حرمة العصير أو نجاسة الخمر ونحو ذلك من الأحكام فهو مما ينفع التقليد الاستمراري فقط دون الابتدائي وقد ادخره المصنف له كما سيأتي فانتظر.
(قوله ولا يذهب عليك انه لا مجال له لعدم بقاء موضوعه عرفا لعدم بقاء الرأي معه فإنه متقوم بالحياة بنظر العرف... إلخ)
شروع من المصنف في المناقشة في استصحاب جواز تقليد الميت من حال حياته إلى بعد مماته.
(وحاصل المناقشة) ان مرجع الاستصحاب المذكور هو إلى استصحاب
275

جواز العمل برأي المجتهد السابق والرأي مما لا يبقى مع الموت لكونه متقوما بالحياة في نظر العرف وإن لم ينعدم واقعا لكون معروضه النفس الناطقة وهي باقية قد انتقلت من عالم إلى عالم وقد تقدم قبلا في الاستصحاب ان المدار في بقاء الموضوع هو نظر العرف لا الدقة العقلية ولا لسان الدليل (وفيه) ان الرأي ليس مما ينعدم عرفا بموت ذي الرأي كيف والعرف قد يعملون بآراء بعض أهل الخبرة في بعض الفنون والصنائع ولو من بعد موته بسنين وليس ذلك إلا من جهة ان الرأي مما لا ينعدم عرفا بموت صاحبه إلا إذا تبدل الرأي إلى رأي آخر جديد أو اضمحل لمرض أو هرم ونحوهما (هذا كله) مناقشة المصنف في الاستصحاب المذكور وقد عرفت ضعفها.
(واما صاحب التقريرات) فقد ناقش في بقاء الموضوع من طريق آخر.
(وملخصه) ان موضوع الاستصحاب مما لا بد من العلم ببقائه على ما حقق في محله وفي المقام لو لم ندع العلم بارتفاعه نظرا إلى ان المناط هو الظن يعني ظن المجتهد وهو مرتفع بعد الموت فلا أقل من الشك في بقاء الموضوع إما لاحتمال ارتفاع الظن بعد الموت على تقدير كون الموضوع هو الظن أو لاحتمال كون الموضوع أمرا آخر غير الظن قد ارتفع بالموت وعلى كلا التقديرين لا مسرح للاستصحاب.
(وفيه) ان الظن مما لا دخل له في المقام أصلا اما فيما كان مدارك الفتاوى هي الأصول العملية فواضح واما فيما كان مدارك الفتاوى هي الأمارات فلأن اعتبارها ليس إلا من باب الظن النوعي لا الشخصي.
(ولو سلم ان الظن مما له دخل في المقام فليس هو موضوع الاستصحاب قطعا بل الموضوع في استصحاب جواز تقليد المجتهد من حال حياته إلى بعد مماته هو نفس المجتهد وهو باق على حاله بمعنى ان موضوع القضيتين المتيقنة والمشكوكة هو شيء واحد وليس معنى اعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب كما حقق في محله إلا ذلك لا بقاء الموضوع في الخارج على حاله وإلا لم يصح استصحاب حياة زيد
276

قطعا وذلك للشك في بقاء الموضوع خارجا وهذا واضح ظاهر.
(هذا تمام الكلام) في استصحاب جواز تقليد الميت من حال حياته إلى بعد مماته وقد عرفت انه مما لا ينبغي الإشكال فيه (نعم) مقتضى أصالة حرمة العمل بالظن كما بينا قبلا هو عدم جواز العمل بفتوى الميت نظرا إلى كونها من دوران الأمر بين التعيين والتخيير فيجب الاحتياط والأخذ بالمتيقن وهو فتوى الحي وإجراء الأصل عن المشكوك وهو فتوى الميت ولكن الاستصحاب المذكور هو حاكم أو وارد عليها كما أشير قبلا رافع لموضوعها وهو الشك في حجيتها.
(إلا ان الإنصاف) مع ذلك كله انه لا يمكن رفع اليد عن الإجماعات المستفيضة المحكية من الأصحاب رضوان الله عليهم المتقدمة تفصيلها جميعا بسبب الاستصحاب المذكور (وعليه) فالأحوط في المسألة إن لم يكن الأقوى هو عدم تقليد الميت ابتداء (والله العالم).
(قوله ولا ينافي ذلك صحة استصحاب بعض أحكام حال حياته كطهارته ونجاسته وجواز نظر زوجته إليه... إلخ)
دفع لما قد يقال من انه لو لم يصح استصحاب جواز تقليد الميت من حال حياته إلى بعد مماته لعدم بقاء موضوعه عرفا وهو الرأي لكونه متقوما بالحياة بنظر العرف فكيف صح استصحاب بعض أحكام حال حياته كطهارته ونجاسته وجواز نظر زوجته إليه ونحو ذلك.
(وحاصل الدفع) ان الموضوع في استصحاب هذه الأحكام كلها في نظر العرف هو ما يعم الحي والميت جميعا وهو الجسد الحاص فيقال هذا الذي كان طاهرا أو نجسا
في السابق فكذلك الآن بالاستصحاب فالحياة بالنسبة إلى الموضوع أي الجسد الخاص تكون من الحالات المتبادلة وإن كان زوالها هو منشأ للشك في البقاء من جهة احتمال دخلها في ثبوت الحكم للموضوع وليست الحياة هي من القيود المقومة للموضوع على نحو لو زالت زال الموضوع عرفا وقد عرفت في محله
277

انه قد يكون شيء واحد بالنسبة إلى حكم في نظر العرف من الحالات المتبادلة بحيث إذا زال لم يزل الموضوع وبالنسبة إلى حكم آخر يكون هو من القيود المقومة له بحيث إذا زال زال الموضوع قطعا وذلك كعنوان النوم في قولك أكرم هذا النائم وفي قولك لا تصح عند النائم ففي الأول يكون من الحالات المتبادلة وفي الثاني يكون من القيود المقومة فتأمل جيدا.
(قوله وبقاء الرأي لا بد منه في جواز التقليد قطعا... إلخ)
هذا من تتمات كلامه السابق والمعنى هكذا ولا يذهب عليك انه لا مجال لاستصحاب جواز تقليده في حال حياته لعدم بقاء موضوعه عرفا لعدم بقاء الرأي معه وبقاء الرأي لا بد منه في جواز التقليد قطعا.
(قوله لا يقال نعم الاعتقاد والرأي وان كان يزول بالموت لانعدام موضوعه إلا ان حدوثه في حال حياته كاف في جواز تقليده في حال موته كما هو الحال في الرواية... إلخ.
(وحاصل الإشكال) هو تسليم زوال الرأي بزوال موضوعه أي المجتهد ولكن وجود الرأي في السابق قبل زواله مما يكفي في جواز التقليد بعد الموت.
(وقد أجاب) عن ذلك بان بقاء الرأي فعلا مما لا بد منه في جواز التقليد ولذا لو زال بجنون أو مرض أو هرم أو تبدل رأي إلى رأي آخر لم يجز التقليد قطعا بل إجماعا كما تقدم من المصنف في المتن.
(أقول)
لو سلم انعدام الرأي بانعدام موضوعه أي المجتهد فيكفي في جواز التقليد تحقق الرأي في السابق كما أفاد المستشكل وذلك لاستصحاب جواز العمل به من حال حدوثه إلى بعد زواله.
(وأما الإجماع) على عدم جواز التقليد فيما إذا زال الرأي بجنون أو مرض
278

أو هرم أو تبدل رأي إلى رأي آخر فهو مما لا دلالة له على عدم جواز التقليد فيما إذا زال بموت المجتهد كما لا يخفى.
في البقاء على تقليد الميت والاستدلال له
بالاستصحاب
(قوله هذا بالنسبة إلى التقليد الابتدائي وأما الاستمراري فربما يقال بأنه قضية استصحاب الأحكام التي قلده فيها إلى آخره.
(قد عرفت في صدر البحث) أن في المسألة تفاصيل ثلاثة عمدتها التفصيل بين البدوي والاستمراري بمعنى عدم جواز تقليد الميت ابتداء وجواز البقاء على تقليده استمرارا إذا قلده في حياته وان التفصيل المذكور قد نسبه السيد صدر الدين في محكم شرح الوافية إلى بعض معاصريه (ونزيدك) في المقام انه قال في التقريرات في الهداية المنعقدة للتفصيل بين الاستدامة والابتداء (ما لفظه) ثم انه ذهب جماعة من المعاصرين ومن قاربهم في العصر إلى التفصيل المذكور (قال) بل ربما يدعى بعضهم كونه من المسلمات (انتهى).
(ونزيدك) أيضا ان صاحب الفصول قد اختار هذا التفصيل وفاقا لجماعة (قال في الفصول) واعلم ان ما قررناه من المنع عن تقليد الميت إنما هو في تقليد الابتدائي كما هو الظاهر وإليه ينصرف إطلاق كلام المانعين وأما استدامة تقليده المنعقد في حال حياته إلى حال موته فالحق ثبوتها وفاقا لجماعة وللأصل لثبوت الحكم المقلد فيه قبل موته فيستصحب إلى ما بعده (انتهى) موضع الحاجة
279

من كلامه رفع مقامه.
(ثم إنك قد عرفت) أيضا عند الاستدلال على جواز تقليد الميت بالاستصحاب ان الاستصحاب في المسألة تقريره من وجوه ثلاثة وان التقرير الثاني والثالث أي استصحاب حكم المستفتي واستصحاب حكم المفتي هما ينفعان للتقليد الابتدائي والاستمراري جميعا وان التقرير الأول أي استصحاب الحكم المستفتي فيه هو مما ينفع للتقليد الاستمراري فقط دون الابتدائي.
(وقد أشرنا ان المصنف) قد ادخره لهذا التفصيل فهذا هو موضع الاستدلال به والتكلم حوله (فنقول) إن حاصله كما تقدم قبلا هو استصحاب الأحكام التي قلد فيها المجتهد كوجوب الاستعاذة أو حرمة العصير أو نجاسة الخمر إلى غير ذلك.
(وقد علله المصنف) مع ما يرى من انعدام الرأي بانعدام ذي الرأي بما حاصله ان رأي المجتهد وان كان دخيلا في حدوث الأحكام إلا أنه عرفا هو من أسباب عروض الحكم وحدوثه وليس هو من مقومات الموضوع كي يختل الاستصحاب لأجل انعدامه.
(قوله ولكنه لا يخفى انه لا يقين بالحكم شرعا سابقا فإن التقليد ان كان بحكم العقل وقضية الفطرة... إلخ)
شروع من المصنف في المناقشة في استصحاب الأحكام التي قلد فيها المجتهد (وحاصل) المناقشة هو ان المقصود من الأحكام التي نستصحبها (ان كان) هي الأحكام الواقعية فهي مما لم نتيقن بثبوتها في السابق كي نستصحبها في اللاحق (وإن كان) هي الأحكام الظاهرية (فإن كان) جواز التقليد أي رجوع الجاهل إلى العالم هو بحكم
العقل والفطرة فمقتضى ذلك ليس إلا منجزية قول العالم عند الإصابة وعذريته عند الخطأ لا جعل أحكام ظاهرية على طبقه كي تستصحب تلك الأحكام عند الشك في بقائها.
280

(وإن كان) بالأدلة النقلية من الآيات والروايات ونحوهما فكذلك مقتضاها ليس إلا ذلك بناء على ما حققه المصنف في صدر مباحث الظنون من ان المجعول في الأمارات الشرعية ليس إلا الحجية بمعنى المنجزية عند الإصابة والعذرية عند الخطأ لا الأحكام الظاهرية على طبق مؤدياتها.
(وأما بناء) على ما هو المعروف من ان المجعول في الأمارات المعتبرة هو أحكام شرعية ظاهرية على طبق مؤدياتها فلاستصحاب تلك الأحكام وإن كان مجال واسع إلا أنه مع ذلك لا يخلو عن إشكال إذ من المحتمل لو لا المقطوع أن يكون رأي المجتهد هو من القيود المقومة للموضوع بحيث إذا تبدل الرأي عد ذلك من انتفاء موضوعه لا من ارتفاع الحكم عن موضوعه ومن المعلوم ان مجرد احتمال ذلك مما يكفي في عدم جريان الاستصحاب لما تحقق في محله من اعتبار بقاء الموضوع على حاله.
(أقول)
والحق ان استصحاب تلك الأحكام التي قلد فيها المجتهد في زمان حياته هو مما لا بأس به (أما على القول) بجعل الأحكام الظاهرية فواضح إذ الموضوع لتلك الأحكام كوجوب الاستعاذة أو حرمة العصير المغلي أو نجاسة الخمر بل وكل مسكر ليس إلا نفس متعلقاتها وهو باق محفوظ على حاله لم يتغير ولم يتبدل بمعنى ان الموضوع في القضيتين هو شيء واحد إذ نحن نشك في بقاء وجوب عين ما تيقنا بوجوبه في السابق أو بحرمته أو بنجاسته فيستصحب واما رأي المجتهد فهو كما قد أشار إليه المصنف في بدو الأمر ليس إلا من أسباب عروض الحكم وحدوثه لا من القيود المقومة للموضوع بحيث إذا زال زال الموضوع في نظر العرف كما في مثل قوله قلد هذا الرجل المجتهد فزال اجتهاده وذهب استنباطه.
(واما على القول) بجعل الحجية فكذلك واضح إذ يستصحب نفس تلك الأحكام الواقعية التي قامت الحجة أي اليقين التنزيلي على وجودها فإن المعتبر في
281

الاستصحاب أن يكون المستصحب هو مما تيقنا به في السابق سواء كان ذلك باليقين الوجداني أو التنزيلي وذلك لحكومة دليل اعتبار الأمارة على دليل الاستصحاب فدليل الاستصحاب يعتبر اليقين في الاستصحاب ودليل اعتبار الأمارة الذي نزلها منزلة اليقين يوسع دائرة اليقين ويجعله أعم من الوجداني والتنزيلي جميعا فتأمل جيدا.
(قوله إلا على ما تكلفنا في بعض تنبيهات الاستصحاب... إلخ)
قد تكلف المصنف تكلفا شديدا في التنبيه الثاني من تنبيهات الاستصحاب لتصحيح استصحاب الأحكام التي قامت عليها الطرق والأمارات بناء على كون المجعول فيها مجرد المنجزية عند الإصابة والعذرية عند الخطأ دون الأحكام الظاهرية (وكان حاصل التكلف) على ما تقدم لك شرحه هناك هو كفاية الثبوت التقديري في صحة الاستصحاب من دون حاجة إلى إحراز الثبوت في السابق بالقطع واليقين فتستصحب الأحكام الواقعية على تقدير ثبوتها واقعا فتكون نتيجة الاستصحاب هي مجرد الملازمة بين الثبوت والبقاء فإذا قامت الحجة على الثبوت كانت حجة على البقاء أيضا للملازمة التعبدية بينهما بوسيلة الاستصحاب.
(وقد أجبنا نحن) هناك بعدم الحاجة إلى هذا التكلف الشديد (فإنه مضافا) إلى ضعفه في حد ذاته فإن اعتبار اليقين السابق في الاستصحاب ربما يكون من البديهي (هو تطويل بلا طائل).
(وان الصحيح في الجواب) هو أن يقال إن اليقين المعتبر في الاستصحاب أعم من اليقين الوجداني واليقين التنزيلي وذلك لحكومة دليل اعتبار الأمارة على دليل الاستصحاب فدليل الاستصحاب ناطق باعتبار اليقين فيه ودليل اعتبار الأمارة تنزل الأمارة بمنزلة اليقين فيتوسع به دائرة اليقين قهرا فكما انه يستصحب بقاء ما أحرز باليقين الوجداني قطعا فكذلك يستصحب بقاء ما أحرز باليقين التنزيلي شرعا.
282

(قوله ولا دليل على حجية رأيه السابق في اللاحق... إلخ)
دفع لما قد يقال من ان استصحاب الأحكام التي قلد فيها المجتهد هب انه مما لم يتم ولكن نفس الحجية التي كانت هي لرأي المجتهد في السابق في حال حياته تستصحب هي من تلك الحال إلى بعد مماته (فيقول) إنه لا دليل على حجية رأيه السابق في اللاحق.
(والظاهر) ان نظره في المنع هو إلى ما تقدم منه غير مرة من انه لا بد في جواز التقليد من بقاء الرأي فعلا فإذا تبدل أو ارتفع لمرض أو هرم أو جنون لم يجز التقليد إجماعا (وفيه) ما أشرنا في جوابه من ان الإجماع على عدم جواز التقليد إنما هو إذا تبدل الرأي إلى رأي آخر أو ارتفع من أصله لمرض أو هرم أو جنون فلا يقاس عليه ما إذا ارتفع الرأي بموت المجتهد لو سلم ارتفاع رأيه بموته.
(قوله هذا كله مع إمكان دعوى انه إذا لم يجز البقاء على التقليد بعد زوال الرأي بسبب الهرم أو المرض إجماعا لم يجز في حال الموت بنحو أولى قطعا فتأمل... إلخ)
بل لا يمكن دعوى ذلك قطعا وذلك لما أشير آنفا وسابقا من ان الإجماع على عدم جواز البقاء على التقليد إنما هو إذا زال الرأي لهرم أو مرض أو جنون أو تبدل إلى رأي آخر فلا يقاس عليه ما إذا زال الرأي بموت المجتهد وانعدامه فإن الأولوية غير قطعية والظنية مما لا تجدي ولعله لذلك أمر أخيرا بالتأمل فتأمل جيدا.
283

في الاستدلال على جواز تقليد الميت
بوجوه أخر غير الاستصحاب
(قوله ومنها إطلاق الآيات الدالة على التقليد... إلخ)
عطف على قوله المتقدم (منها استصحاب جواز تقليده في حال حياته... إلخ) أي ومن الوجوه الضعيفة التي استدل بها المجوز لتقليد الميت ابتداء إطلاق الآيات الدالة على التقليد وقد عرفت عند الكلام في استصحاب جواز تقليد الميت من زمان حياته إلى بعد مماته ان للمجوزين احتجاجات كثيرة لا تحصى كلها ضعيفة سوى وجهين منها:
(أحدهما) إطلاقات الأدلة وقد أخرها المصنف في الذكر وأشار إليها في المقام وسيأتي منه الإشارة إلى غيرها أيضا.
(ثانيهما) استصحاب جواز تقليد الميت من حال حياته إلى بعد مماته وقد قدمه المصنف في الذكر ولعله لأهميته (وعلى كل حال) ان الآيات التي استدل بها المجوزون بإطلاقاتها على ما يظهر من التقريرات هي (آية النفر) فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة... إلخ (وآية السؤال) فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون (وآية الكتمان) ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات... إلخ (وآية النبأ) إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا... إلخ.
(ويرد على الجميع) ان دلالة هذه الآيات الكريمة على أصل التقليد غير معلومة ولا واضحة سيما آية الكتمان وآية النبأ فكيف بدلالة إطلاقاتها على تقليد
284

الميت ابتداء وقد تقدم في صدر التقليد التكلم حول دلالة آيتي النفر والسؤال على التقليد وانها مما لم تتم فضلا عن دلالة غيرهما عليه فراجع.
(قوله وفيه مضافا إلى ما أشرنا إليه من عدم دلالتها عليه منع إطلاقها على تقدير دلالتها وإنما هو مسوق لبيان أصل تشريعه... إلخ.
قد أشار إلى عدم دلالتها عليه في صدر التقليد (فقال) وأما الآيات فلعدم دلالة آية النفر والسؤال على جوازه... إلخ. كما أنه قد أشار إلى منع إطلاقها على تقدير دلالتها في مسألة تقليد الأعلم (فقال) ولا إطلاق في أدلة التقليد بعد الغض عن نهوضها على مشروعية أصله لوضوح انها إنما تكون بصدد بيان أصل جواز الأخذ بقول العالم لا في كل حال... إلخ.
(قوله ومنه انقدح حال إطلاق ما دل من الروايات على التقليد إلى آخره)
لا يقاس إطلاق الروايات على إطلاق الآيات فإن بعض الروايات مما له إطلاق يشمل الحي والميت جميعا (مثل قوله عليه السلام) فأما من كان من الفقهاء... إلخ (وقوله عليه السلام) وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيه إلى رواة أحاديثنا... إلخ.
(وقوله عليه السلام) فأصمدوا في دينكما على كل مسن في حبنا... إلخ.
(بل العقلاء أيضا) لا يفرقون في الرجوع إلى قول أهل الخبرة بين أن يكون صاحب القول حيا أو ميتا (نعم) إن الإطلاقات كما تقدم منا قبلا إنما يصح التمسك بها إذا وافق فتوى الميت مع الحي وأما مع معارضة فتوى الميت مع الحي فلا يكاد يمكن التمسك بها بعد حصول العلم الإجمالي بخطإ أحدهما وخروجه عن تحت دليل الاعتبار رأسا.
(قوله مع إمكان دعوى الانسباق إلى حال الحياة فيها... إلخ)
لا وجه لدعوى الانسباق إلى حال الحياة في روايات التقليد أصلا فإن الانسباق لو سلم أصله فهو بدوي يزول بالتأمل وليس هو بمقدار الدلالة والظهور على نحو
285

صح الاستناد إليه والاعتماد عليه.
(قوله ومنها دعوى انه لا دليل على التقليد إلا دليل الانسداد وقضيته جواز تقليد الميت كالحي بلا تفاوت بينهما أصلا كما لا يخفى... إلخ)
أي ومن الوجوه الضعيفة التي استدل بها المجوز لتقليد الميت ابتداء دعوى انه لا دليل على التقليد إلا دليل الانسداد وقضيته جواز تقليد الميت كالحي... إلخ.
وهذا الوجه هو للمحقق القمي قدس سره وقد لخصه صاحب التقريرات رحمه الله (فقال) هداية في ذكر احتجاج المجوزين وهي كثيرة لا تحصى أقواها أمور منها العقل والكتاب والسنة والإجماع (أما الأول) فتقريره من وجوه.
(أحدها) ما عول عليه المحقق القمي رحمه الله ومحصله ان رجوع العامي إلى المجتهد ليس تعبدا كما يؤمي إليه تعليلهم في وجوب الأخذ بالأعلم بان الظن في طرفه أقوى مضافا إلى انه لا دليل على التعبد أما السيرة والإجماع فلا جدوى فيهما أما الأولى فلأن السلف المعاصرين للإمام عليه السلام كان باب العلم في حقهم مفتوحا وعملهم إنما هو بعلمهم وأما الإجماع فهو موهون بذهاب فقهاء حلب على وجوب الاجتهاد عينا وإنكار جملة من أصحابنا الأخباريين مما لا يقبل الإنكار فأين الإجماع بل التقليد اعتباره في حق العامي إنما هو بواسطة الظن الثابت اعتباره بعد الانسداد على وجه العموم والكلية بالبرهان العقلي ولا فرق بين الظن الحاصل من قول الحي وغيره كما هو قضية ضرورة العقل فمناط العمل بقول الحي موجود في قول الميت بل ربما يكون الظن الحاصل من قول الميت أقوى.
(وبالجملة) فلا فرق بين المجتهد والمقلد في جواز العمل بالظن فإن المسوغ للمجتهد هو موجود بعينه في حق المقلد فلو دار أمره في الفروع بين حي وميت وحصل له الرجحان في أن متابعة ذلك الميت أقرب إلى حكم الله يجب اتباعه (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(هذا وقد أجاب المصنف) عن الدليل المذكور بنحو الاختصار وهو انه
286

لا تكاد تصل النوبة في التقليد إلى دليل الانسداد كي يقتضي ذلك جواز تقليد الميت ولو ابتداء كالحي وذلك لما عرفت من دليل العقل والنقل على التقليد ويعني بالعقل ما تقدم في صدر التقليد من كون رجوع الجاهل إلى العالم بديهيا جبليا فطريا لا يحتاج إلى دليل ويعني بالنقل ما تقدم من طوائف الأخبار المتعددة الدالة على التقليد.
(أقول)
هذا كله مضافا إلى ما في نفس دليل الانسداد من الضعف والوهن جدا وقد ذكرناه قبلا بعد الفراغ عن ذكر الأخبار بطوائفها وكان له مقدمات أربع بعضها كان مأخوذا من
الفصول وبعضها من المحقق القمي وبعضها من الشيخ أعلى الله مقامه في رسالته المستقلة وكان كل من المقدمة الثالثة والرابعة محل المناقشة والمنع الأكيد فراجع.
في البقاء على تقليد الميت
والاستدلال له بدليل آخر غير الاستصحاب
(قوله ومنها دعوى السيرة على البقاء فان المعلوم من أصحاب الأئمة عليهم السلام عدم رجوعهم عما أخذوه تقليدا بعد موت المفتي... إلخ)
ها هنا قد خلط المصنف بين وجوه تقليد الميت ابتداء وبين وجوه تقليد الميت استمرارا فإنه إلى هنا كان يقصد بقوله: (ومنها) (ومنها) أي من الوجوه التي استدل بها لجواز تقليد الميت ابتداء وهاهنا يقصد بقوله (ومنها دعوى السيرة
287

على البقاء... إلخ) أي من الوجوه التي استدل بها لجواز تقليد الميت استمرارا.
(وكيف كان هذا هو الوجه الثالث من وجوه جواز البقاء على تقليد الميت وقد تقدم الوجه الأول وهو الاستصحاب وسيأتي الوجه الثاني والرابع في ذيل التعليق على قوله (ومنها غير ذلك مما لا يليق بأن يسطر أو يذكر... إلخ) فانتظر (ثم إن) تفصيل هذا الوجه الثالث انه (قال في التقريرات ما لفظه) الثالث دعوى استقرار السيرة على البقاء على تقليد الميت ويظهر ذلك بملاحظة أحوال أصحاب الأئمة فإن من المعلوم عدم التزامهم مع وفور قد سهم بالرجوع عما أخذوه تقليدا عمن له الإفتاء بعد عروض موت المفتي ولو كان ذلك لكان بواسطة عموم البلوى منقولا معلوما ومثله يعطي برضاء الإمام عليه السلام وتقريره الشيعة على البقاء (انتهى).
(وقد أجاب المصنف) عن هذا الوجه بما حاصله ان الشيعة في عصر الأئمة عليهم السلام كانوا يأخذون الأحكام غالبا ممن ينقلها من الإمام عليه السلام بلا واسطة أو مع الواسطة من دون دخل لرأي الناقل واجتهاده فيها كما هو الحال فعلا في أخذ العوام أحكامهم الشرعية من نقلة الفتاوى (ومن المعلوم) ان ذلك ليس بتقليد كي إذا لم يرجعوا عما أخذوه من الأحكام بعد موت الناقل كان ذلك بقاء منهم على تقليد الميت وكان حجة لنا بملاحظة تقرير الإمام عليه السلام له وعدم ردعه عنه (نعم إنا) لا ننكر انه كان قد يتفق نادرا أخذهم الأحكام الشرعية من تلامذة الإمام عليه السلام ممن له الاجتهاد والإفتاء كأبان بن تغلب وزرارة بن أعين ومحمد بن مسلم ونظرائهم مع دخل رأي الناقل فيها ولكننا لا نعلم استقرار السيرة في مثل هذه الموارد على البقاء بعد موت الناقل كي نستند إليها ونعتمد عليها.
(أقول)
والظاهر انه قد أخذ المصنف هذا الجواب من صاحب التقريرات (قال بعد نقل الوجه المذكور ما لفظه) والجواب عن ذلك المنع من استقرار السيرة في وجه وعدم
288

جدواها فيما نحن فيه في وجه آخر (قال) وتوضيحه ان الناس في زمن أصحاب الأئمة عليهم السلام بين أصناف فإنهم بين العامل بما يسمعه شفاها عن المعصوم وبين العامل بالأخبار المنقولة عنهم مثل الفتاوى المنقولة عن المجتهدين وبين العامل بفتاوى المجتهدين في تلك الأزمنة كأبان بن تغلب ومحمد بن مسلم وأضرابهما ممن له أهلية الاجتهاد والإفتاء ولا ريب ان القسمين الأولين ليس عملهم من التقليد في شيء وذلك هو الغالب في الموجودين في تلك الأزمنة (إلى أن قال) وأما القسم الثالث فهم المقلدون ولا ريب في قلة هذا القسم بالنسبة إليهم (إلى ان قال) فإن أريد استقرار سيرة القسمين الأولين على عدم الرجوع فمسلم ذلك ولكن لا يرتبط بالمقام وإن أريد استقرار سيرة القسم الثالث فلا نسلم ذلك فإن الإنصاف ان دون إثبات استقرار سيرة المقلدين بالمعنى المصطلح عليه على البقاء خرط القتاد (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
في وجوه أخر لكل من تقليد الميت
ابتداء واستمرارا
(قوله ومنها غير ذلك مما لا يليق بأن يسطر أو يذكر... إلخ)
(يحتمل) أن يكون ذلك عودا إلى وجوه تقليد الميت ابتداء (ويحتمل) أن يكون ذلك ملحقا بقوله المتقدم ومنها دعوى السيرة على البقاء... إلخ (وعلى كل حال) ان كان المراد هو العود إلى وجوه تقليد الميت ابتداء فالباقي من تلك الوجوه كثير جدا فإن احتجاجات المجوزين على ما أشير لك غير مرة كثيرة لا تحصى وقد اقتصر التقريرات على ذكر أقواها وهو أمور (العقل) وله تقرير من وجوه عديدة (ومن جملتها) ما تقدم من المحقق القمي وأشار إليه المصنف بقوله ومنها انه لا دليل على التقليد إلا دليل الانسداد... إلخ (ومن جملتها) الاستصحاب وله
289

تقرير من وجوه عديدة أيضا قد أشار المصنف إلى وجهين منها:
(أحدهما) للتقليد الابتدائي (والآخر) للاستمراري.
(والكتاب) وهي آية النفر وآية السؤال وآية الكتمان وآية النبأ، وقد أشار إليها المصنف بقوله ومنها إطلاق الآيات الدالة على التقليد... إلخ.
(والسنة) وقد أشار إليها المصنف بقوله ومنه انقدح حال إطلاق ما دل الروايات على التقليد.
(والإجماع) ولم يؤشر إليه المصنف أصلا (هذا كله) إذا كان المراد من قوله ومنها غير ذلك هو العود إلى وجوه تقليد الميت ابتداء (واما إذا كان) المراد منه هو العود إلى وجوه تقليد الميت استمرارا فالباقي من تلك الوجوه هو أمران:
(الوجه الثاني) منها وهو إطلاق الآيات والروايات (والوجه الرابع) وهو الحرج والضيق على المقلدين واما الوجه الأول والثالث وهما الاستصحاب والسيرة فقد تقدم الكلام فيهما (ثم إن) كلا من الوجه الثاني والرابع أي الإطلاق والحرج وان كان مذكورا في كل من التقريرات والفصول جميعا إلا انه نحن نذكر كلام الفصول في
شأنهما بلفظه فإنه أخصر وأجمع فنقول (قال في الفصول) بعد ما استدل لجواز البقاء على تقليد الميت بالاستصحاب وقد تقدم عبارته في ذيل التعليق على قول المصنف هذا بالنسبة إلى التقليد الابتدائي وأما الاستمراري... إلخ.
(ما لفظه) ولظاهر الآيات والأخبار الدالة على جواز التقليد فإن المستفاد منها ثبوت الحكم المقلد فيه في حق المقلد مطلقا إذ لم يشترط في وجوب الحذر بقاء المنذر والمستفاد من الأمر بمسألة أهل الذكر التعويل على قولهم وقضية إطلاقه عدم الفرق بين بقائهم بعد التعويل على قولهم وعدمه (إلى أن قال) ولما في الإلزام باستيناف التقليد من الحرج والضيق على المقلدين لكثرة ما يحتاجون إليه من المسائل سيما مع تقارب موت المفتين (انتهى) كلامه رفع مقامه.
290

(أقول)
(اما الآيات) فلم يتم أصل دلالتها على التقليد فضلا عن اقتضاء إطلاقها البقاء على تقليد الميت (وأما الأخبار) فقد عرفت ان إطلاقها مما يشمل تقليد الميت ابتداء فكيف بالبقاء على تقليده استمرارا لكن ذلك إذا لم يعارض فتوى الميت مع الحي وإلا فلا يكاد يجدي الإطلاقات بعد العلم الإجمالي بخطإ إحداهما وخروجها عن تحت أدلة التقليد رأسا (واما لزوم الحرج والضيق) على المقلدين لو قلنا بوجوب الرجوع إلى الحي فممنوع جدا سيما إذا كان فتاوى الحي أسهل من فتاوى الميت.
(وبالجملة) إن الذي صح التمسك به لجواز البقاء على تقليد الميت هو خصوص الاستصحاب بتقريراته الثلاثة المتقدمة دون غيره من ساير الوجوه الأربعة أبدا.
في العدول عن مجتهد إلى مجتهد آخر
(بقي الكلام) في موضعين لم يؤشر إليهما المصنف.
(الأول) في العدول عن مجتهد إلى مجتهد آخر ويقع الكلام فيه في مقامين:
(أحدهما) في العدول عن الحي إلى الحي (ثانيهما) في العدول عن الميت. إلى الحي (واما العدول) عن الحي إلى الميت أو عن الميت إلى الميت فلا يقع الكلام فيه بعد المنع عن تقليد الميت ابتداء (وعلى كل حال) (اما العدول) عن الحي إلى الحي (فان كان) من الأعلم إلى غير الأعلم فلا يجوز قطعا بعد ما عرفته من وجوب تقليد الأعلم (وان كان) من غير الأعلم إلى الأعلم فهو واجب بلا شبهة (واما العدول) عن المساوي إلى المساوي فقد يقال إنه مما لا يجوز (فإنه مضافا) إلى ما ادعى من الإجماع على حرمة العدول شرعا وانه قد حكاها غير واحد من الأصحاب هي مما يقتضيه أصالة التعيين الجارية في الدوران بين التعيين والتخيير إذ
291

تقليد من يريد العدول عنه متيقن إجمالا إما تعيينا أو تخييرا وتقليد من يريد العدول إليه مشكوك ولو تخييرا لاحتمال تعين تقليد من يريد العدول عنه وعدم مشروعية تقليد من يريد العدول إليه إلا بعد اختلال شرط من شرائط التقليد في الأول فيؤخذ حينئذ بالمتيقن ويجري الأصل عن المشكوك.
(أقول)
(أما الإجماع) فلم يثبت وعلى فرض ثبوته لا يمكن الاستناد إليه والاعتماد عليه بعد احتمال كون المدرك هو الوجه المذكور من أصالة التعيين أو نحو ذلك (وأما أصالة التعيين) الجارية عند الدوران بين التعيين والتخيير (فإن كانت) فتوى من يريد العدول إليه موافقا مع فتوى من يريد العدول عنه فإطلاقات أدلة التقليد مما تكفي في انقطاعها أعني انقطاع أصالة التعيين وتقضي بجواز تقليد الثاني كالأول عينا (وإن كانت) معارضة فالإطلاقات وإن لم يجز التمسك بها حينئذ بعد العلم الإجمالي بكذب إحدى الفتويين وخروجها عن تحت دليل الاعتبار قطعا ولكن استصحاب جواز تقليد من يريد العدول إليه من قبل أن يقلد الأول إلى بعد تقليده مما يقضي بجواز العدول إليه وبانقطاع أصالة التعيين من أصلها موضوعا (وأما دعوى) انه إذا عدل في صورة المعارضة من حي إلى حي فالعدول مما يوجب المخالفة القطعية كما إذا قلد من أفتى بطهارة شيء ثم عدل عنه إلى من أفتى بنجاسته وهكذا في الوجوب والحرمة (فهي مما لا وجه له) فإنه كما يوجب المخالفة القطعية فكذلك هو مما يوجب الموافقة القطعية ولم يعلم ان مصلحة الموافقة القطعية هي أقل من مفسدة المخالفة القطعية وقد تقدم نظير ذلك في دوران الأمر بين المحذورين عند التكلم حول كون التخيير بدويا أو استمراريا فتذكر هذا كله في العدول عن الحي إلى الحي (واما العدول) عن الميت إلى الحي (فإن كان) من الميت الأعلم إلى الحي الغير الأعلم فلا يجوز قطعا بعد ما عرفته من وجوب تقليد الأعلم وجواز البقاء على تقليد الميت شرعا (وان كان) بالعكس فهو واجب بلا شبهة.
(واما إذا كان) الميت والحي متساويين في العلم والفضيلة فالظاهر ان
292

الكلام فيه عين الكلام في العدول عن الحي إلى الحي المتساويين فيجوز كل من البقاء والعدول جميعا وإن كان العدول هاهنا أحوط رعاية للحياة في المفتي مهما أمكن والله العالم.
في شرائط المجتهد
(الموضع الثاني) في شرائط المجتهد غير ما تقدم من الأعلمية والأورعية عند معارضة الفتويين وغير الحياة مطلقا ولو مع عدم المعارضة في التقليد الابتدائي دون الاستمراري وهي (أمور) على ما ذكره الشهيد الثاني في الروضة في أول القضاء (قال) بعد قول الشهيد الأول وفي الغيبة ينفذ قضاء الفقيه الجامع لشرائط الإفتاء (ما لفظه) وهي: (البلوغ) (والعقل) (والذكورة) (والإيمان) (والعدالة) (وطهارة المولد) إجماعا (والكتابة) (والحرية) (والبصر) على الأشهر (والنطق) (وغلبة الذكر) (والاجتهاد) في الأحكام الشرعية وأصولها (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(أقول)
(اما البلوغ) (والذكورة) (وطهارة المولد) فإن تم فيها الإجماع فهو وإلا فليس فيما بأيدينا من الأدلة ما يدل على اعتبارها فإن الاعتماد في جواز التقليد (ان كان)
على بناء العقلاء على رجوع الجاهل إلى العالم بل إلى مطلق أهل الخبرة من كل فن فهم لا يفرقون بين البالغ وغير البالغ ولا بين المذكر والمؤنث ولا بين المتولد من نكاح أو من سفاح فإن المعيار عندهم هو خبروية المرجع على نحو يحصل الوثوق والاطمئنان من قوله وكلامه دون غيرها (وان كان) الاعتماد على أخبار الباب فليس فيها على ما تقدم لك تفصيلها واحدا بعد واحد ما يدل على اعتبار تلك الأمور الثلاثة بل إطلاقها مما يقضي بعدم اعتبارها أصلا (فما يظهر من الفصول) في وجه اعتبار البلوغ من عدم شمول الأدلة للصبي (ضعيف جدا) (وأضعف منه)
293

تعليله بأنه لا يقبل روايته فلا يقبل فتواه بطريق أولى فإن عدم قبول روايته مع كونه ثقة مأمونا هو أول الكلام (ولو سلم فلا يقاس فتواه على روايته (نعم في طهارة المولد) إذا قلنا بكفر المتولد من الزنا كما هو المحكي عن جمع من الأصحاب فلاعتبارها وجه وجيه ولكن القول به ضعيف جدا كما حققناه في محله (مضافا) إلى كونها داخلة حينئذ في الإيمان ولا تكون هي شرطا مستقلا في قباله.
(وبالجملة) إن الاعتماد في اعتبار البلوغ والذكورة وطهارة المولد على مجرد الإجماع الذي ادعاه الشهيد الثاني رحمه الله مع احتمال وجود المدرك له مثل ما تقدم من الفصول من عدم شمول الأدلة للصبي أو ما عسى أن يقال إن ولد الزنا لا تصح إمامته ولا شهادته فالفتوى أو القضاء بطريق أولى مشكل جدا (ولكن) مع ذلك الاجتراء في الفتوى بعدم اعتبارها رأسا مع تسالمها بين الأصحاب رضوان الله عليهم أشكل فالأحوط هو رعاية هذه الأمور الثلاثة في المجتهد من البلوغ والذكورة وطهارة المولد مهما أمكن والله العالم.
(واما العقل) فاعتباره على الظاهر مما استقل به العقل وحكم به اللب فلا عبرة بفتوى المجنون لكن في الإطباقي منه دون الأدواري واما الأدواري فإن تم الإجماع على اعتبار العقل بنحو الإطلاق فهو الحجة وإلا فلا دليل على المنع عن فتواه في حال إفاقته وذلك لبناء العقلاء على التعميم ولإطلاق الأخبار المتقدمة وعدم تقييد شيء منها بذلك (ولعل من هنا) صرح صاحب الفصول بعدم قدح الجنون الأدواري وإن أشكل فيه بعدا (فقال قدس سره) وأما الجنون الأدواري والسكر والإغماء فلا يقدح في جواز التقليد مطلقا على إشكال في الأول (انتهى كلامه) رفع مقامه.
(والظاهر) ان مقصوده من عدم قدح السكر في جواز تقليد المجتهد هو ما إذا استعمل المسكر جهلا بالموضوع أو خطأ أو نسيانا أو اضطرارا أو إكراها فعند ذلك لا يقدح السكر بجواز تقليده لا مطلقا ولو عمدا عصيانا وإلا لأخل
294

بعدالته كما هو واضح ضروري.
(وأما الإيمان والعدالة) فمضافا إلى الإجماع الذي ادعاه الشهيد الثاني رحمه الله بل ادعاه المحقق القمي أيضا (حيث قال) والظاهر ان اشتراط الإيمان إجماعي (وقال) أيضا واما العدالة فظاهرهم الوفاق على اعتباره... إلخ. يمكن استفادة اعتبارهما من الأخبار أيضا (اما الإيمان) (فلقوله عليه السلام) في الاخبار المتقدمة لعلي بن سويد لا تأخذن معالم دينك من غير شيعتنا (وقوله عليه السلام) لأحمد بن حاتم بن ماهويه وأخيه فاصمدا في دينكما على كل مسن في حبنا وكل كثير القدم في أمرنا فإنهما كافوكما إن شاء الله (واما العدالة) فلجملة من الأخبار المتقدمة (مثل قوله عليه السلام) فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه (وقوله عليه السلام) فيما حكي عن مصباح الشريعة والمفتي يحتاج إلى معرفة معاني القرآن وحقائق السنن إلى أن قال عليه السلام ثم إلى حسن الاختيار ثم إلى العمل الصالح ثم الحكمة والتقوي ثم حينئذ إن قدر (وقوله عليه السلام) بأن مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه (وقوله عليه السلام) لعلي بن مسيب الهمداني بعد ما سأله ممن يأخذ معالم دينه قال من زكريا بن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا فإن توصيفه عليه السلام زكريا بن آدم بالأمن على الدين والدنيا مما لا يخلو عن إشعار بل عن دلالة على عليته للحكم (بل وقوله عليه السلام) (نعم) في جواب السائل أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ منه ما احتاج إليه من معالم ديني بناء على كون المراد من الوثوق في المقام هي العدالة وان الظاهر من الحديث الشريف كون اعتبار الوثوق أمرا مفروغا عنه عند السائل والمسؤول غايته ان السائل قد سئل الإمام عن الصغرى وأن يونس ثقة أم لا فقال نعم.
(واما الحرية) (والبصر) (والنطق) (وغلبه الذكر) فلا دليل على اعتبارها في المجتهد أصلا لا من الإجماع ولا من الأخبار ولا من بناء العقلاء إذا حصل
295

المقصود بدون تلك الأمور كلها وهو الاطلاع على نظره ورأيه (نعم) قد تقدم في كلام الشهيد الثاني دعوى الشهرة على اعتبار الثلاثة الأولى ولكن مجرد الشهرة مما لا يجدي كما لا يخفى (بل بناء العقلاء) على التعميم كما ان إطلاق الأخبار المتقدمة مما ينفي اعتبار جميع تلك الأمور الأربعة كلها.
(واما الاجتهاد) في الأحكام الشرعية وأصولها فهو حق ولكنه مما يتحقق به الموضوع لا مما يشترط فيه شرعا فإن كلامنا في المقام هو فيما يعتبر في المجتهد لا فيمن يقلده العامي كي يقال إنه يعتبر فيه الاجتهاد بل وهو أهم ما يعتبر فيه.
(نعم يظهر من صاحب العروة) قدس سره اعتبار الاجتهاد المطلق فلا يجوز تقليد المتجزي ولكنك قد عرفت منا في بحث الاجتهاد خلاف ذلك جدا سيما إذا كان المتجزي أعلم فيما اجتهد فيه من غيره (بل ويظهر منه) قدس سره اعتبار أمر آخر ما فوق العدالة وهو أن لا يكون المجتهد مقبلا على الدنيا وطالبا لها مكبا مجدا في تحصيلها (قال) ففي الخبر من كان من الفقهاء وذكر الحديث المتقدم آنفا.
(أقول)
لم يعلم استفادة أمر آخر من الحديث الشريف ما وراء العدالة المعتبرة في المجتهد بل الظاهر من فقراتها الأربع هو شرح العدالة والتقوي دون غيرهما بل لو أردنا النظر إلى قوله عليه السلام قبل الفقرات الأربع (وكذلك عوامنا إذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر والعصبية الشديدة والتكالب على الدنيا وحرامها فمن قلد مثل هؤلاء فهو
مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقة علمائهم) لم يظهر منه أيضا اعتبار أمر آخر ما وراء العدالة والله العالم.
(هذا آخر) ما أراد الله لنا إيراده في الاجتهاد والتقليد وبه تم الجزء السادس، وبالجزء السادس تم كتابنا الموسوم بعناية الأصول في شرح كفاية الأصول والحمد لله أولا وآخرا وقد وقع الفراغ من التأليف في عصر يوم السبت الموافق للسابع من شهر صفر الخير سنة 1373.
296