الكتاب: منتهى الدراية
المؤلف: السيد محمد جعفر الشوشتري
الجزء: ١
الوفاة: معاصر
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة: السادسة
سنة الطبع: ١٤١٥
المطبعة: غدير
الناشر: مؤسسة دار الكتاب (الجزائري) للطباعة والنشر
ردمك:
ملاحظات: مطبعة النجف - ١٣٨٨

منتهى الدراية
في
توضيح الكفاية
تأليف
السيد محمد جعفر الجزائري المروج
الجزء الأول
مطبعة النجف
1388 هج
1

منتهى الدراية في توضيح الكفاية
آية الله السيد محمد جعفر الجزائري المروج
الجزء الأول
الطبعة السادسة 1415 هجري
مطبعة غدير
العدد 1200 نسخة
الناشر: مؤسسة دار الكتاب (الجزائري) للطباعة والنشر
تليفون وفاكس 24568 شارع ارم - قم - ايران
2

بسم الله الرحمن الرحيم
نرجو من المطالع ملاحظة ما يلي
جعل المتن في أول الصحيفة وتوضيحه تحت خط افقي يتلو المتن مباشرة
وأشرنا إلى ذلك بالأرقام 1، 2، 3، 4... إلخ. والتعليق مرموزا بهذه العلامة
(*) وهذا لا يرتبط بالتوضيح أصلا. وجعلنا الحواشي التي كتبها المصنف رحمه
الله في الكفاية معلمة ب‍ (×).
3

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد النبيين محمد وآله الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين
أما بعد: فلا يخفى أن الأمور مرهونة بأوقاتها وجارية على ما تقتضيها
مصالحها وهذا الشرح المبني على توضيح كفاية الأصول قد مرت عليه الأعوام
ولم تقتض المصلحة ابرازه لذوي العلم والافهام إلى أن من الله تعالى علينا في هذه
الأزمنة بتسهيل وسائل طبعه ورفع عوائق نشره. ولذا جددت النظر فيه بصورة
الاجمال مع اختلال الحال وانحراف المزاج وغيره من الأمور لعدم سقوط الميسور
بالمعسور فأسقطت منه بعض الجمل التوضيحية واضفت إليه تعليقات غير مرتبطة
بالتوضيح وجعلتها تحت خط افقي فاصل بينها وبين الحواشي التوضيحية واسأل الله
سبحانه وتعالى أن يمن علي بالقبول وأن يجعله ذخرا لي يوم فقري وحاجتى إنه
خير معين ومسؤول.
النجف الأشرف
25 / 12 / 1387 هج
المؤلف
محمد جعفر الموسوي (المروج)
4

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأفضل صلواته و تحياته على أشرف أنبياءه محمد الكاظم
للغيظ وآله الأئمة الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين.
اما بعد فيقول أحوج العباد إلى رحمة ربه الباري محمد جعفر بن محمد علي
الموسوي الجزائري الشوشتري المدعو بالمروج عفا الله تعالى عن جرائمهما انه لما
كان كتاب كفاية الأصول الذي صنفه المحقق الفقيه الأصولي أستاذ العلماء الامامية
في القرن الرابع عشر بحر العلم المتلاطم الشيخ محمد كاظم الخراساني قدس سره
محورا للأبحاث الأصولية في الأقطار العلمية لما أودع فيه من بدائع الأفكار
الثاقبة ونتائج الأنظار الصائبة وتحقيقات بادر إلى اقتطافها علماء الأمصار من زمان
نشره وسائر الاعصار وكان من الكتب الوجيزة الغامضة أحببت أن أعلق عليه
تعليقة تكشف عن أستاره و تبحث عن أسراره وتبين مجملاته وتظهر مضمراته فعلقت
عليه هذه الحواشي وسميتها بمنتهى الدراية في توضيح الكفاية مقتصرا فيها على
إيضاح مرام المصنف قدس سره بأوضح تقرير وأظهر تعبير و أبين تفسير لتكون
عونا لاخواني الطالبين للعلم والفضيلة المشتغلين بدراسة المتن وبحثه على الوصول
إلى حقائقه والنزول بفناء دقائقه محترزا عن التعرض لما لا يرتبط بتوضيحه وان
رجع إلى تأييده أو تعلق بتزييفه، وأسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل هذا الجهد
بقبول حسن وأن ينفع به إخواننا المتقين من طلاب علوم الدين إلى عصر حضور
خاتم الأوصياء المعصومين صلى الله عليه وعلى آبائه الحجج الطاهرين وعجل فرجه
الشريف وجعلنا فداه وأن يجعله خير الزاد ليوم المعاد.
5

وبعد فقد رتبته على مقدمة ومقاصد وخاتمة
أما المقدمة ففي بيان أمور (1):
الأول (2)
أن موضوع كل علم وهو الذي يبحث فيه عن عوارضه الذاتية أي بلا واسطة في العروض (3)
6



[1] لكنه مساوق لوجود المعلول بلا علة وهو ممتنع، فعروض العارض بلا واسطة ثبوتية غير معقول، ولا بد من التأمل في كلماتهم،
فلاحظ ولا تغفل.
[2] ويمكن حله بأن يقال: إن موضوع العلم هو ما يبحث فيه عن أحواله وأوصافه سواء كانت عرضا مصطلحا أم أمرا اعتباريا كالأحكام
الشرعية العارضة لافعال المكلفين، لعدم انطباق حد العرض عليها، حيث إن العرض يوجد بوجود موضوعه والحكم يسقط بوجود
موضوعه، لتحقق الامتثال المسقط له، فالعرض الذاتي هو كل محمول يحمل حقيقة على الموضوع بحيث لا يصح سلبه عنه وإن لم ينطبق
على المحمول حد العرض المصطلح، فتأمل.
8

هو نفس (1) موضوعات مسائله عينا وما يتحد معها خارجا وإن كان يغايرها
9

مفهوما تغاير الكلي ومصاديقه (1) والطبيعي (2) وأفراده.

[1]
لعل الداعي إلى جعل موضوع العلم نفس موضوعات مسائله هو الفرار عن محذور قاعدة استحالة صدور الواحد عن الكثير، إذ
الغرض كالقدرة على الاستنباط والعصمة عن الخطأ في الفكر المترتبتين على علمي الأصول والمنطق واحد، فلا بد أن يستند إلى مؤثر
واحد، وليس ذلك إلا موضوع العلم، إذ المفروض تكثر موضوعات المسائل. لكن فيه: أن المقام أجنبي عن تلك القاعدة، إذ موردها هو
الغرض الوحداني البسيط من جميع الجهات دون ما له جهات كالقدرة على الاستنباط المترتبة على مباحث الألفاظ، فإنها غير القدرة
المترتبة على حجية الامارات وباب الاستلزامات، والمسائل الأصولية مختلفة الدخل في ذلك، فبعضها تحفظ الجهة الأولى وبعضها
تحفظ الجهة الثانية، فلا مانع من إنكار الموضوع لعلم الأصول وما هو بمنزلة من العلوم في تعدد جهات الاغراض المترتبة عليها.
10

والمسائل (1) عبارة عن جملة من قضايا متشتتة جمعها اشتراكها في الدخل في الغرض (2) الذي لأجله دون هذا العلم، فلذا قد يتداخل
بعض العلوم في بعض
11

المسائل مما كان له دخل في مهمين (1) لأجل كل منهما دون علم على حدة، فيصير من مسائل العلمين. لا يقال: على هذا (2) يمكن تداخل
علمين في تمام مسائلهما فيما كان هناك مهمان متلازمان في الترتب على جملة من القضايا لا يمكن انفكاكهما.
فإنه يقال (3): مضافا إلى بعد ذلك بل امتناعه عادة - لا يكاد يصح لذلك تدوين علمين وتسميتهما باسمين، بل تدوين علم واحد يبحث
فيه تارة لكلا المهمين وأخرى لأحدهما، وهذا بخلاف التداخل في بعض المسائل، فإن حسن تدوين علمين كانا مشتركين في مسألة أو
أزيد في جملة (4)
12

من مسائلهما المختلفة لأجل مهمين مما لا يخفى (1).
وقد انقدح بما ذكرنا (2): أن تمايز العلوم إنما هو باختلاف الاغراض الداعية إلى التدوين لا الموضوعات (3) ولا المحمولات (4)
13

وإلا كان كل باب (1) بل كل مسألة (2) من كل علم علما على حدة كما هو واضح لمن كان له أدنى تأمل، فلا يكون الاختلاف بحسب
الموضوع أو المحمول موجبا للتعدد (3) كما لا يكون وحدتهما سببا لان يكون من الواحد (4). ثم إنه ربما لا يكون لموضوع العلم - و
هو الكلي المتحد مع موضوعات المسائل - عنوان خاص واسم مخصوص، فيصح أن يعبر عنه بكل ما دل عليه (5)، بداهة عدم دخل ذلك
في موضوعيته أصلا (6).
14

وقد انقدح بذلك (1): أن موضوع علم الأصول هو الكلي [1] المنطبق على موضوعات مسائله المتشتتة، لا خصوص الأدلة الأربعة بما هي
أدلة (2) بل ولا بما هي هي (3)

[1]
هذا مما لا يمكن المساعدة عليه، إذ لا ينطبق هذا الكلي على الموضوعات المتباينة هوية لمسائل علم الأصول كقولنا: (خبر الواحد
حجة) و (الاستصحاب حجة) و (الظن حجة) و (إتيان المأمور به على وجهه يقتضي الاجزاء) وغير ذلك من المسائل المختلفة موضوعاتها
حقيقة، ولا سبيل إلى استكشاف جامع متحد مع موضوعات المسائل الأصولية، لما عرفت من أجنبية قاعدة عدم صدور الواحد إلا عن
الواحد عن المقام، فإنكار الموضوع لعلم الأصول ودعوى كونه نفس موضوعات المسائل عينا ومفهوما أولى من الالتزام بكون
موضوعه كليا مجهول الاسم متحدا مع موضوعات مسائله، لما عرفت من عدم جامع بين تلك الموضوعات.
فالمتحصل: أن موضوع علم الأصول ليس كليا، بل هو نفس موضوعات مسائله التي يترتب عليها القدرة على استنباط الاحكام بحيث لو
لم يكن هذا الغرض لم تدون تلك المسائل ولم تكن فائدة مهمة في البحث عنها.
15

ضرورة أن البحث في غير واحدة من مسائله المهمة (1) ليس من عوارضها (2) وهو واضح لو كان المراد بالسنة منها (3) هو نفس قول
المعصوم أو فعله أو تقريره كما هو المصطلح فيها، لوضوح عدم البحث في كثير من مباحثها المهمة كعمدة (4)
16

مباحث التعادل والترجيح بل ومسألة حجية خبر الواحد لا عنها (1) ولا عن سائر الأدلة (2)، ورجوع البحث فيهما (3) في الحقيقة إلى
البحث عن ثبوت السنة بالخبر الواحد في مسألة حجية الخبر كما أفيد (4) وبأي الخبرين (5) في باب التعارض فإنه
17

أيضا بحث في الحقيقة عن حجية الخبر في هذا الحال (1) غير مفيد (2)، فإن البحث عن ثبوت الموضوع وما هو مفاد كان التامة ليس
بحثا عن عوارضه (3)، فإنها (4) مفاد كان الناقصة لا يقال: هذا (5) في الثبوت الواقعي، وأما الثبوت التعبدي
18

كما هو (1) المهم في هذه المباحث، فهو في الحقيقة يكون مفاد كان الناقصة (2)، فإنه يقال: نعم (3) لكنه مما لا يعرض السنة بل الخبر
الحاكي لها، فإن الثبوت التعبدي
19

يرجع إلى وجوب العمل على طبق الخبر كالسنة المحكية به، وهذا من عوارضه لا عوارضها كما لا يخفى. وبالجملة الثبوت الواقعي ليس
من العوارض، والتعبدي وان كان منها إلا أنه ليس للسنة بل للخبر، فتأمل جيدا. وأما (1) إذا كان المراد من السنة ما يعم حكايتها (2)
فلان البحث في تلك المباحث وان كان عن أحوال
20

السنة بهذا المعنى، إلا أن البحث في غير واحدة من مسائلها كمباحث الألفاظ وجملة من غيرها (1) لا يخص الأدلة بل يعم غيرها (2) وان
كان المهم معرفة أحوال خصوصها (3) كما لا يخفى. ويؤيد ذلك (4) تعريف الأصول بأنه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية
وان كان الأولى (5) تعريفه بأنه صناعة يعرف
21



[1] لكن لا يخفى ما في التعبير بالصناعة من الاشكال أيضا، لان المراد بها ظاهرا هو الملكة، ولازمه خروج نفس القواعد عن علم
الأصول، وهو كما ترى، فالأولى تعريفه بنفس القواعد. ولعل الداعي إلى أخذ الصناعة في التعريف دون العلم كما صنعه المشهور هو:
أنه ليس لعلم الأصول قواعد مضبوطة كسائر العلوم حتى يعرف بالعلم بالقواعد، بل علم الأصول صناعة يقتدر بها على تأسيس قواعد
يمكن وقوعها في طريق الاستنباط، فتدبر.
22

بها القواعد التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الاحكام أو التي (1) ينتهي إليها في مقام العمل بناء (2) على أن مسألة حجية الظن على
الحكومة ومسائل الأصول العملية في الشبهات الحكمية (3) من الأصول (4) كما هو كذلك (5)، ضرورة أنه لا وجه لالتزام الاستطراد في
مثل هذه المهمات.
(الامر الثاني):
الوضع (6) هو نحو اختصاص اللفظ بالمعنى وارتباط خاص بينهما
23

ناشئ من تخصيصه (1) به تارة ومن كثرة استعماله فيه أخرى، وبهذا المعنى (2) صح تقسيمه إلى التعييني والتعيني كما لا يخفى. ثم إن
الملحوظ (3) حال الوضع إما يكون معنى عاما فيوضع اللفظ له تارة ولأفراده ومصاديقه أخرى، وإما يكون معنى خاصا لا يكاد يصح إلا
وضع اللفظ له دون العام، فتكون الأقسام ثلاثة، وذلك لان العام (4) يصلح لان يكون آلة للحاظ أفراده ومصاديقه
25

بما هو كذلك (1)، فإنه (2) من وجوهها (3) ومعرفة وجه الشئ معرفته بوجه، بخلاف الخاص، فإنه بما هو خاص لا يكون وجها للعام و
لا لسائر الافراد، فلا يكون معرفته وتصوره معرفة له ولا لها أصلا ولو بوجه، نعم ربما يوجب تصوره تصور

[1] إلا أن يقال: إن التصور التفصيلي التحليلي للخاص تصور إجمالي للعام، وهذا المقدار كاف في صحة الوضع له وإن لم يكن الخاص
وجها له كما يكشف عنه عدم صحة حمله على العام، فمجرد علية تصور الخاص لتصور العام يكفي في صحة الوضع للمعنى العام، فتدبر.
26

العام بنفسه فيوضع له اللفظ فيكون الوضع عاما كما كان الموضوع له عاما، وهذا بخلاف ما في الوضع العام والموضوع له الخاص، فإن
الموضوع له وهي الافراد لا يكون متصورا إلا بوجهه وعنوانه وهو العام، وفرق [1] واضح بين تصور الشئ بوجهه (1) وتصوره
بنفسه (2) ولو كان بسبب تصور أمر آخر (3)، ولعل خفاء ذلك على بعض الاعلام وعدم تمييزه بينهما كان موجبا لتوهم إمكان ثبوت
قسم رابع وهو أن يكون الوضع خاصا مع كون الموضوع له عاما، مع أنه واضح لمن كان له أدنى تأمل (4). ثم إنه لا ريب في ثبوت الوضع
الخاص والموضوع له الخاص كوضع الاعلام (5) وكذا الوضع العام والموضوع له العام

[1] وضوح الفرق بينهما كصحة الحمل في أحدهما - وهو ما إذا كان العام وجها للخاص دون الاخر - لا يمنع عن التصور الاجمالي
الكافي في الوضع.
27

كوضع أسماء الأجناس (1). وأما الوضع العام والموضوع له الخاص فقد توهم (2) أنه وضع الحروف وما ألحق بها من الأسماء (3)، كما
توهم أيضا (4) أن المستعمل فيه

[1] ولا بأس بالتعرض إجمالا للأقوال المذكورة في وضع الحروف.
(منها) ما عن نجم الأئمة الشيخ الرضي من أن الحرف لا معنى له أصلا، بل جعل علامة على خصوصية معنى مدخوله، فكما يكون الرفع
علامة على فاعلية زيد مثلا في قولنا: (قام زيد) كذلك يكون - في - علامة على ظرفية مدخوله كالدار في قولنا (زيد في الدار) هذا. و
فيه (أولا) أنه مجرد دعوى لا برهان عليه، وصرف إمكانه لا يكفي في الوقوع. (وثانيا) أنه خلاف ما اتفقوا عليه من انقسام الكلمة إلى
اسم وفعل وحرف، وعزل الحرف عن المعنى يستلزم انحصار الكلمة في الأولين. (وثالثا) أنه يستلزم التجوز في الاستعمالات،
توضيحه: أن (الدار) مثلا وضعت لذات معناها وهي البناء الموجود العيني الجوهري، وخصوصية ظرفيتها لزيد مثلا خارجة عنه، و
حينئذ فان لم يكن لكلمة (في) معنى الظرفية يلزم التجوز في استعمال كلمة (الدار) في معناها المتخصص بهذه الخصوصية، وهو كما
ترى، فلا بد أن تكون الخصوصية مدلولة لكلمة (في).
28



نعم قيل بصحة دعوى العلامية في علائم الاعراب كالرفع، إذ الدال على الفاعلية التي هي النسبة الصدورية أو الحلولية هي الهيئة الكلامية.
فمقايسة الحروف على مثل الرفع في غير محلها، بل هذه الدعوى في المشبه به أعني به علائم الاعراب أيضا في حيز المنع، فتدبر.
ومنها: الأقوال المترتبة على وضع الحروف لمعان في مقابل قول من جعلها علامة لخصوصية مدخولها.
(أحدها): أنها وضعت لمعنى لوحظ حالة للغير ونعتا له بحيث لا يتصور في الذهن بنفسه ومع الغض عن الغير كالأعراض الخارجية التي
لا توجد مستقلة بل في موضوعاتها، حتى قيل: (إن وجوداتها في أنفسها عين وجوداتها لموضوعاتها) فالمعنى الحرفي حالة لمعنى آخر
وقائم به كالعرض، وليس كالمعنى الاسمي القائم بنفسه، هذا.
وفيه: أن المعنى الحرفي لو كان كذلك لم يكن محتاجا إلى طرفين بل إلى طرف واحد كالأعراض الخارجية.
(ثانيها): أنها وضعت للنسب والارتباطات المتقومة بالطرفين مثلا قولنا:
(سرت من البصرة) يدل على مفهومي السير والبصرة اللذين هما مدلولا (سرت) والبصرة) والنسبة الابتدائية بينهما التي هي معنى
(من) فلو لم تكن كلمة (من) في الكلام لم يكن لهذه النسبة دال، فمعنى (من) هي النسبة الابتدائية، كما أن معنى (إلى) هي النسبة
الانتهائية، وهكذا سائر الحروف.
ومن هنا يظهر: أن حال الهيئات - لدلالتها على النسب والارتباطات من الصدورية والقيامية والايجادية والطلبية وغيرها - حال
الحروف بناء على هذا القول.
29



وبالجملة: فالأسماء تدل على المعاني الاستقلالية، والحروف تدل على النسب والارتباطات التي بينها، ولا فرق بين أقسام الحروف
من الجارة وغيرها في الدلالة على النسب، فإن لفظة (يا) مثلا تدل على النسبة الندائية المتقومة بالمنادي والمنادى. وقد ظهر مما
ذكرنا: أن المعنى الحرفي بذاته غير مستقل وغير متصور بالاستقلال كالمعنى الاسمي، إذ النسبة متقومة بالمنتسبين، فليس عدم
استقلاله ناشئا من اللحاظ كما هو مقتضى القول الآتي.
(ثالثها) ما في المتن تبعا للفصول: من أن المعنى إذا لوحظ آليا فهو معنى حرفي وإذا لوحظ استقلاليا فهو معنى اسمي، فالتفاوت بين
المعنى الحرفي والاسمي إنما هو باللحاظ من دون فرق بينهما في نفس المعنى وهويته، إذ الموضوع له في كل من الاسم والحرف هو
الماهية المبهمة المعراة عن قيد الاستقلال وعدمه. فكما لم تلاحظ الاستقلالية جزا في معاني الأسماء لا في الموضوع له ولا في
المستعمل فيه، فكذلك لم تلاحظ الالية التي هي كون المعنى حالة للغير جز لمعاني الحروف، لما سيذكره المصنف (قده) من الوجوه
الثلاثة الدالة على عدم أخذ لحاظ الالية جز للمعاني الحرفية.
(رابعها) ما أفاده شيخ مشايخنا المحقق النائيني (قده) وهو يعتمد على أربعة أركان:
(الأول): أن المعاني الحرفية إيجادية لا إخطارية، توضيحه: أنه ليس للمعنى الحرفي مفهوم متصور في الذهن كالمفاهيم الاسمية، بل
المعاني الحرفية هي النسب والارتباطات التي توجد في موطن الاستعمال، فكلمة (من) مثلا وضعت
30



لايجاد الربط الابتدائي بين السير والبصرة في مثل قولك: (سر من البصرة إلى الكوفة) وكلمة (على) لايجاد النسبة الاستعلائية بين
زيد والسطح، في مثل (زيد على السطح)، وهيئة (زيد قائم) لايجاد النسبة القيامية بين زيد وقائم، ومثلها سائر الحروف والهيئات. و
بالجملة: فلا تقرر للمعنى الحرفي في الذهن حتى يتصور، بل تقرره وتحصله موطن الاستعمال، فالحروف آلات لايجاد معانيها لا
كواشف عن مداليلها.
(الثاني): أن المعاني الحرفية لا استقلال لها في هوية ذاتها، بل هي قائمة بغيرها، بداهة أن النسب والارتباطات التي تحكيها الحروف و
الهيئات لا تقوم بذاتها، لكونها قائمة بالطرفين، وإلى هذا ينظر قولهم (الحرف ما دل على معنى في غيره)، فإن معنى كلمة (من) هي
الابتدائية التي تقوم بما يليها من البصرة ونحوها.
(الثالث): أن تلك المعاني الايجادية لا موطن لها إلا وعاء الاستعمال، ولا تقرر لها في شئ، من أوعية الواقع والاعتبار والذهن، فليس
الموضوع له في الحروف مفاهيم النسب والارتباطات، بل مصاديقها الموجودة في موطن الاستعمال في مقابل القول بالاخطارية
المنوطة باللحاظ والتصور وتعدد وعاء التحصل والتقرر، فإن لازم الايجادية هو وحدة عالم التقرر والتحصل، فوجود المعنى الحرفي
حدوثا وبقاء يدور مدار الاستعمال.
(الرابع): أن المعاني الحرفية مغفول عنها وغير ملتفت إليها حال إيجادها، كالألفاظ التي يراد بها معانيها، فإن النظر إلى الألفاظ حينئذ
آلي كالنظر إلى المرآة ان كان الغرض معرفة حال المرئي، فإن المعنى الحرفي بناء على كونه إيجاديا لا يمكن
31



أن يكون ملتفتا إليه قبل الاستعمال أصلا، لتوقف الالتفات إليه على تصوره في الذهن والمفروض أنه لا وجود له في غير موطن
الاستعمال، فكيف يمكن تصوره قبل الاستعمال؟ ويترتب على عدم وجوده قبل الاستعمال امتناع الاطلاق والتقييد اللحاظيين فيه، هذا.
ثم استدل المحقق النائيني (قده) على القول بالايجادية على ما يستفاد من كلمات مقرري بحثه الشريف بوجوه ثلاثة:
(الأول): الخبر الذي رواه أبو الأسود الدؤلي عن مولانا أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين، قال: (قال عليه السلام: الاسم ما أنبأ
عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أوجد معنى في غيره) تقريب الاستدلال به: أن في العدول عن الانباء في
الحرف إلى الايجاد دلالة على عدم تقرر لمعنى الحرف في غير وعاء الاستعمال حتى يدل عليه الحرف ويحكي عنه كحكاية أخويه عن
معنييهما، بل الحرف آلة لايجاد معناه، هذا.
(الثاني): أن حرف النداء في مثل (يا زيد) لا يمكن أن يكون حاكيا عن النسبة الندائية المتقررة في غير موطن الاستعمال، إذ لا نداء ولا
منادي ولا منادى قبل الاستعمال، بل هذه العناوين توجد بنفس الاستعمال، فلا وجود لها قبله، فيوجد بحرف النداء مصداق لمفهوم
النداء، فالمعنى الحرفي مصداق للمعنى الاسمي.
(الثالث): أنه لا شك في أن مفاهيم أجزاء الجمل سواء كانت تامة أم ناقصة واسمية أم فعلية وخبرية أم إنشائية مفاهيم بسيطة مستقلة في
الأذهان غير مرتبطة بعضها ببعض كالماء والكوز، فإنهما موضوعان لمفهومين متغايرين
32



لا يرتبط أحدهما بالآخر بحيث لا يمكن تأليف كلام منهما، فلو استعملت كلمة - في - في مفهوم النسبة الظرفية لا في حقيقتها فما الرابط
بين هذين المفهومين الاسميين المستقلين؟ فلا بد أن تكون الحروف والهيئات موضوعة لمصاديق النسب والارتباطات ليتحقق الربط
بينهما، فالموجد للارتباط بين المفاهيم المتغايرة هي الحروف والهيئات، هذا. وأنت خبير بما في الجميع، إذ في الأول وهو الخبر أولا:
أنه مروي عن طرق العامة. وثانيا: اختلاف متنه، لان المحكي عن بعض النسخ هكذا: (والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل) و
الترجيح بعلو المضمون على فرض صحته في نفسه غير ثابت هنا، لما سيظهر من وهن إيجادية المعاني الحرفية. وثالثا: أنه يمكن أن
يكون وجه العدول عن الانباء في الحروف إلى الايجاد ملاحظة كون النسب والارتباطات التي هي المعاني الحرفية الرابطة بين
المفاهيم الاسمية علة لتحقق الهيئة في الذهن كعلية النسب والارتباطات الخارجية لتحقق هيئة في الخارج، كالهيئة السريرية الحاصلة
بارتباطات خاصة بين قطعات الخشب. ولما كانت الحروف حاكية عن النسب التي هي علة لوجود تلك الهيئة، صحت إضافة الايجاد
عناية إلى نفس الحروف الحاكية عنها، فتدبر.
وفي الثاني - وهو عدم إمكان حكاية حرف النداء عن النسبة الندائية - أولا:
أنه أخص من المدعى، لعدم تطرقه في الجمل الخبرية المشتملة على النسب التحقيقية، لحكاية الهيئة فيها عن الارتباط الذهني المتحقق قبل
وعاء الاستعمال، فلاحظ.
وثانيا: أن الفرق بين مثل (يا زيد) وبين سائر الجمل الانشائية تحكم، لامتناع تأليف الكلام من حرف واسم، فلهذا الكلام مقدر وهو
كلمة (أدعو) مثلا
33



كما قدره النحويون.
ومن الواضح أن للدعوة نسبة صدورية إلى المتكلم الذي يقال له المنادي (بالكسر) والدال على هذه النسبة هيئة (أدعو) ونسبة
المدعوية إلى طرفه وهو زيد في المثال المدعو بالمنادى (بالفتح) والدال على هذه النسبة هي لفظة (يا)، ولا بد من تصور أجزاء الكلام
بما لها من المفاهيم الاستقلالية والروابط الموجبة لارتباطها وتألف الكلام منها ليتحقق التطابق بين القضية المعقولة والملفوظة، من
غير فرق في ذلك بين الجمل الانشائية والأخبارية.
والحاصل: أنه كما يعتبر تصور المفاهيم الاستقلالية التي تدل عليها أطراف القضية من المسند والمسند إليه كذلك يعتبر تصور النسب
والارتباطات التي تدل عليها الحروف والهيئات، فإن كل متكلم لا يلقي كلامه إلى مخاطبه إلا بعد تصور مضمونه من المفاهيم المستقلة
وروابطها، فالكلام الملقى إلى الطرف كما يشتمل على الألفاظ التي تدل على المفاهيم المستقلة، كذلك يشتمل على الحروف والهيئات
التي تحكي عن الارتباطات والنسب، وهل يمكن إلقاء كلام مفيد بدون التصور المزبور بعد وضوح لزوم التطابق بين القضية المعقولة
والملفوظة كما أشرنا إليه آنفا؟ وثالثا: أنه لا معنى لمصداقية النسبة الندائية الموجدة بحرف النداء في موطن الاستعمال لمفهوم النداء
الذي هو معنى اسمي، وذلك لعدم انطباق ضابط المصداقية على المعنى الحرفي، فإن ضابطها هو صحة وقوع المصداق مسندا إليه و
المفهوم مسندا نظير (زيد إنسان)، ومن المعلوم عدم صحته في المقام، ضرورة عدم صحة وقوع الحرف مسندا إليه، وإلا لخرج عن
كونه حرفا كما هو واضح
34



وفي الثالث - وهو كون مفاهيم أجزاء الجمل بسائط مستقلة في الذهن - أولا: ما مر آنفا من أن القضية الملفوظة كما تحتاج إلى وجود
رابط يربط أطرافها، كذلك القضية المعقولة تتوقف على وجود رابط بين أجزائها الذهنية، فالملقي للكلام المفيد يحتاج أولا إلى تصور
الأطراف والربط بينها ليتمكن من إلقائه ثانيا. وببيان أوضح: كما أن الماهيات المبهمة اللابشرط المقسمي التي وضعت لها الألفاظ -
بناء على المذهب الصحيح الذي اختاره السلطان في وضع أسامي الأجناس - تحتاج إلى حاك يحكي عنها، كذلك الخصوصيات الطارئة
عليها كتخصص السير بكونه من البصرة في قوله: (سر من البصرة)، وتقيد الصوم بكونه من الطلوع إلى الغروب في قوله: (صم من
الطلوع إلى الغروب) وغير ذلك، فإن الحاكي عن نفس الطبيعة المهملة لا يغني عما يحكى عن خصوصيتها، لعدم دلالته عليها، فكل من
الطبيعة وخصوصياتها تحتاج إلى دال يخصها، ولذا نحتاج في إثبات الاطلاق إلى مقدمات الحكمة، إذ المفروض أن اللفظ لا يدل إلا على
نفس الطبيعة المهملة المعراة عن كل خصوصية وارتباط. فنتيجة هذا البيان كون مداليل الحروف والهيئات كمداليل الأسماء إخطارية لا
إيجادية.
وثانيا: أن إيجادية المعاني الحرفية تستلزم محذورا لم يلتزم به أحد، وهو خروج جميع القيود عن حيز الطلب المنشأ بالهيئة وتوضيحه
منوط بتقديم أمرين مسلمين:
أحدهما: أن الطلب لا يتعلق إلا بما يكون مقدما عليه رتبة، لتأخر الحكم عن موضوعه تأخر المعلول عن علته.
ثانيهما أن وحدة رتبة علتين تستلزم وحدة رتبة معلوليهما، إذا عرفت
35



هذين الامرين فاعلم: أنه إذا قال المولى: (سر من البصرة إلى الكوفة) ففيه دلالات: (إحداها) دلالته على مفهومين اسميين وهما مفهوما:
السير والبصرة.
(ثانيتها) دلالته على الارتباط الخاص بينهما، وهو تقيد السير بكون مبدئه البصرة ومنتهاه الكوفة. (ثالثتها) دلالته على الطلب، ولما
كان الطلب والارتباط بين السير والبصرة معلولين للأداة والهيئة اللتين هما في رتبة واحدة، فلا محالة يكون نفس الطلب والارتباط
أيضا في رتبة واحدة ومتأخرين عن مفهومي السير والبصرة، وقد مر في الامر الأول: أن الطلب لا يتعلق إلا بما يتقدم عليه رتبة، فلا
يتعلق بما هو في رتبته أو متأخر عنه، ولازم وحدة رتبتي الطلب والإضافة بين مفهومي السير والبصرة هو عدم تعلق الطلب بالإضافة،
وكون المطلوب مطلق السير وإن لم يكن ابتداؤه من البصرة، وهذا مما لم يلتزم به أحد، إذ المسلم عندهم في مثل هذه القضية هو جعل
القيد متعلق الطلب، وكون المطلوب السير المتخصص بخصوصية كذائية لا مطلق السير. ولا يرد هذا المحذور على القول بإخطارية
المعاني الحرفية، لأنه يتصور المعنى الاسمي مقيدا بالخصوصية ويطلبه كذلك، فيكون القيد متصورا قبل تعلق الطلب به. نعم في مقام
الدلالة يكون الدالان على القيد والطلب في رتبة واحدة، لكنه لا يقدح، لعدم استلزام عرضية الكاشفين لعرضية المنكشفين كما لا يخفى.
وثالثا: أنه يلزم تأخر الارتباط المترتب على الحروف أو الهيئات عما يقوم به من المفهومين الاسميين وعدم كونه في رتبتهما،
توضيحه:
أن الارتباط المعلول للأداة يوجد في وعاء الاستعمال، وهو متأخر عن تصور المفهومين اللذين يقوم بهما الارتباط، فمع تصور مفهوم
زيد بدون ارتباطه بالقيام
36



وتصور مفهوم القيام بدون ارتباطه بزيد كيف يحصل الارتباط بينهما بالحروف أو الهيئات مع عدم انقلاب الواقع عما هو عليه من
الاطلاق وعدم الارتباط؟ إذ المفروض وجود كل منهما غير مرتبط بالآخر، فلا يرتبطان بما يوجد في مرحلة الاستعمال المتأخر عن
مقام التصور، فتدبر. ورابعا: أنه يلزم من إيجادية المعنى الحرفي إنكار القضية المعقولة، لعدم رابط ذهني يربط الطرفين، أو الالتزام
بإمكان تألف القضية من دون ارتباط بين طرفيها، وكلاهما كما ترى. وخامسا: أن إيجادية المعنى الحرفي تستلزم تحصيل الحاصل،
لان مقتضى القضية المعقولة هو ثبوت الارتباطات والنسب الخاصة بين طرفي القضية قبل وعاء الاستعمال، فعلى القول بالايجادية يلزم
إيجاد الارتباط الموجود قبل الاستعمال، وهذا بخلاف القول بالاخطارية، إذ الحروف أو الهيئات ليست إلا حاكية عن النسب و
الارتباطات الموجودة قبل الاستعمال كما لا يخفى.
خامسها: ما عن صاحب الحاشية من التفصيل بين الحروف بالايجادية في بعضها كحروف النداء والترجي، والاخطارية في بعضها
الاخر. وقد ظهر فساد هذا التفصيل مما ذكرناه في بطلان القول الرابع فلا نعيده. فتحصل من جميع ما ذكرنا:
أنه لا وجه للقول بإيجادية المعاني الحرفية أصلا، لا في الكل ولا في البعض.
وأما كيفية وضع الحروف وأنها من أي قسم من الأقسام الثلاثة الممكنة، فالحق أنها من قبيل الوضع العام والموضوع له العام. (وتوهم)
عدم إمكان عمومية الموضوع له فيها، لعدم جامع ذاتي قابل للتعقل في الذهن بدون أطرافه بين الارتباطات التي هي المعاني الحرفية،
بحيث ينطبق عليها انطباق الكلي الطبيعي
37



على مصاديقه، إلا مفهوم الربط الذي هو معنى اسمي، ولذا ذهب المشهور على ما قيل إلى كون الموضوع له في الحروف خاصا (فاسد)،
لان الجامع المفهومي الذاتي بين المعاني الحرفية بحيث يكون نسبته إليها نسبة الكلي إلى مصاديقه وان كان غير ممكن لاستلزامه
انقلاب المعنى الحرفي إلى الاسمي، إلا أن جهة الاشتراك بين أشخاص صنف كالنسبة الابتدائية المدلول عليها بكلمة - من - التي هي
الجهة المشتركة بين أفراد هذا الصنف تجدي في عمومية الموضوع له، لان المفهوم العام الاسمي المتصور حين الوضع كما يكون مرآة
للخصوصيات والافراد كذلك يكون مرآة لتلك الجهة المشتركة، فلا مانع من جعل الموضوع له كالوضع في الحروف عاما، لان عمدة
مستند المنكر لعموم الموضوع له في الحروف هو عدم إمكان وجود جامع ذاتي بين هذه النسب الخاصة بحيث يكون ذلك كليا طبيعيا و
تلك النسب مصاديقه، وبعد إمكانه ومساعدة الوجدان عليه لا بد من الالتزام به.
وأما عدم خصوصية كل من الوضع والموضوع له في الحروف، فلعدم قابلية أشخاص المعاني الحرفية للتصور بدون توسيط معنى
اسمي، وإلا خرجت عن كونها معاني حرفية، ولعدم تناهيها وعدم تعقل استحضار ما لا نهاية له بالصور التفصيلية كما هو شأن الوضع
الخاص. وأما الوضع العام والموضوع له الخاص فلا مجال له أيضا، لان عمدة نظر القائل به كما مر آنفا إلى عدم إمكان وجود جامع
ذاتي بين هذه النسب الخاصة بحيث يكون ذلك كليا طبيعيا وتلك النسب مصاديقه، ولكن قد عرفت إمكانه ومساعدة الوجدان على
الالتزام به. وأما الوضع العام والموضوع له العام والمستعمل فيه الخاص، ففساده غني عن البيان، إذ لازمه لغوية
38

فيها خاص مع كون الموضوع له كالوضع عاما (1). والتحقيق حسبما يؤدي إليه النظر الدقيق: أن حال المستعمل فيه والموضوع له فيها
(2) حالهما (3) في الأسماء (4) وذلك لان (5) الخصوصية المتوهمة ان كانت هي الموجبة لكون المعنى المتخصص بها جزئيا خارجيا،
فمن الواضح أن كثيرا ما لا يكون المستعمل فيه فيها كذلك (6)

الوضع وبطلان حكمته، لأن المفروض عدم استعمالها في المعنى الموضوع له، وقبح وضع لفظ لمعنى لا يستعمل فيه أصلا ظاهر.
فتلخص من جميع ما ذكرنا: أن المعاني الحرفية إخطارية لا إيجادية، وأنها نسب وارتباطات، وأن كلا من الوضع والموضوع له و
المستعمل فيه في الحروف عام، وأن المعاني الحرفية وان كانت قائمة بالمفاهيم الاسمية كقيام الاعراض بموضوعاتها، إلا أن بينهما
فرقا واضحا، وهو: أن الاعراض بما أنها من الماهيات قابلة للتصور بالاستقلال، كتصور مفهوم السواد والبياض، بخلاف المعاني
الحرفية، فإنها غير قابلة له كذلك، بل تتصور مع الأطراف.
39

بل كليا، ولذا التجأ بعض الفحول (1) إلى جعله جزئيا إضافيا، وهو كما ترى (2) وان كانت هي الموجبة لكونه جزئيا ذهنيا، حيث إنه لا
يكاد يكون المعنى حرفيا إلا إذا لوحظ حالة لمعنى آخر ومن خصوصياته القائمة به، ويكون حاله
40

كحال العرض (1) فكما لا يكون (2) في الخارج إلا في الموضوع كذلك هو (3) لا يكون في الذهن (4) إلا في مفهوم آخر، ولذا (5) قيل
في تعريفه بأنه ما دل على معنى في غيره، فالمعنى (6) وان كان (7) لا محالة يصير جزئيا بهذا اللحاظ بحيث يباينه (8) إذا لوحظ ثانيا
كما لوحظ أولا ولو كان اللاحظ واحدا (9) إلا أن هذا اللحاظ (10) لا يكاد يكون مأخوذا في المستعمل فيه، وإلا فلا بد من لحاظ آخر
متعلق بما هو ملحوظ بهذا اللحاظ (11)
41

بداهة (1) أن تصور المستعمل فيه مما لا بد منه في استعمال الألفاظ، وهو كما ترى (2).
مع أنه (3) يلزم أن لا يصدق على الخارجيات، لامتناع صدق الكلي العقلي (4)
42

عليها حيث لا موطن له إلا الذهن، فامتنع امتثال مثل - سر من البصرة - إلا بالتجريد وإلغاء الخصوصية، هذا. مع (1) أنه ليس لحاظ
المعنى حالة لغيره في الحروف إلا كلحاظه في نفسه في الأسماء، وكما لا يكون هذا اللحاظ (2) معتبرا في المستعمل فيه فيها (3) كذلك
ذاك اللحاظ (4) في الحروف كما لا يخفى.
وبالجملة: ليس المعنى في كلمة - من - ولفظ الابتداء مثلا إلا الابتداء، فكما لا يعتبر في معناه (5) لحاظه في نفسه (6) ومستقلا كذلك لا
يعتبر
43

في معناها (1) لحاظه في غيرها (2) آلة، وكما لا يكون لحاظه فيه (3) موجبا لجزئيته (4) فليكن كذلك فيها (5).
إن قلت: على هذا (6) لم يبق فرق بين الاسم والحرف في المعنى، ولزم كون مثل كلمة - من - ولفظ الابتداء مترادفين صح استعمال كل
منهما في موضع الاخر، وهكذا سائر الحروف مع الأسماء الموضوعة لمعانيها، وهو باطل بالضرورة كما هو واضح. قلت: الفرق بينهما
(7) إنما هو في اختصاص كل منهما بوضع
44

حيث إنه وضع الاسم ليراد منه معناه بما هو هو وفي نفسه، والحرف ليراد منه

[1] لا يخفى أن مرجع ذلك أن كان إلى الشرط على المستعملين كما توهم ليكون على حذو الشروط الواقعة في ضمن العقود، فيرد عليه:
أنه لا وجه للزوم الوفاء بهذا الشرط بعد البناء على كون الموضوع له في كل من الاسم والحرف ذات المعنى بدون تقيده بشئ من
لحاظي الاستقلالية والالية، فيلغو هذا الشرط، وقضية لغويته جواز استعمال كل منهما في مكان الاخر، مع أن المسلم عدم جوازه. وان
كان مرجعه إلى الالتزام الخارجي المتحقق بعد تمامية الوضع، فلا وجه لاعتباره بالأولوية، لان الواضع إنما يتبع في وضع الألفاظ
للمعاني، لا في تعيين الوظيفة للمستعملين في كيفية الاستعمال بعد تحقق الوضع، لعدم تقيد الوضع المتحقق أولا بالالتزام الجديد الحاصل
ثانيا، لعدم انقلاب ما وقع مطلقا عما وقع عليه، فإنه نظير تقييد البيع بعد إنشائه مطلقا في عدم الأثر للتقييد الواقع بعد تمامية البيع. وان
كان مرجعه إلى أخذ اللحاظ بنحو الداعي، بأن يكون داعي الواضع في وضع الحرف للمعنى هو كونه حالة لغيره، ففيه أيضا: أنه لا دليل
على اعتبار الدواعي، ولذا لا يقدح تخلفها، ولكن عدم تحقق التخلف في المقام المستكشف من عدم جواز استعمال الحرف مكان الاسم
يكشف عن عدم كونه بنحو الداعي. نعم يمكن توجيه ما أفاده (قده): (بأن ضيق الاغراض الداعية إلى الانشاءات موجب لضيق دائرة
المنشآت والمجعولات، نظير الأوامر العبادية، فإن ضيق الاغراض الداعية لها يوجب ضيقا في ناحية المتعلقات بحيث لا يبقى لها إطلاق
يعم صورة خلوها عن قصد دعوة الامر. وفي المقام لما كان غرض الواضع من وضع الحروف دلالتها على معانيها حال كونها ملحوظة
باللحاظ الآلي، فلا محالة
45

معناه لا كذلك، بل بما هو حالة لغيره كما مرت الإشارة إليه غير مرة. فالاختلاف بين الاسم والحرف في الوضع يكون موجبا لعدم جواز
استعمال أحدهما في موضع الاخر وان اتفقا فيما له الوضع (1)، وقد عرفت بما لا مزيد عليه: أن نحو إرادة المعنى (2) لا يكاد يمكن أن
يكون من خصوصياته ومقوماته. ثم لا يبعد أن يكون الاختلاف في الخبر والانشاء (3) أيضا

تتضيق دائرة موضوع وضعه أيضا، لكن لا بنحو التقييد، لما مر من استحالة تقيد المعنى باللحاظ المتأخر عنه، ومن المعلوم أن من لوازم
تضيق دائرة الوضع عدم صحة استعمال أحدهما موضع الاخر) هذا ملخص ما يستفاد من بيان بعض أعاظم أساتيذنا (قده). لكن هذا
التوجيه لا يمنع عن نتيجة التقييد، كما لا يمنع عن ذلك تأخر قصد الامر عن المتعلق في العبادات. نعم ذلك مانع عن التقييد اللحاظي،
ففيما نحن فيه يمكن دعوى تقيد الموضوع له لبا باللحاظ، فاختلف المعنى الاسمي والحرفي باختلاف القيد الملحوظ فيهما، لكن لازم
هذا التقييد صحة استعمال الحرف مكان الاسم وبالعكس مجازا مع وضوح بطلانه وغلطيته. فالأولى ما ذكرناه سابقا من: أن المعاني
الحرفية ليست إلا الارتباطات والنسب، وأنها من الوجود الرابط، وأنها بذاتها مباينة للمعاني الاسمية، فتدبر.
46

كذلك (1)، فيكون الخبر (2) موضوعا ليستعمل (3) في حكاية ثبوت معناه في موطنه، والانشاء ليستعمل في قصد تحققه وثبوته وان
اتفقا فيما استعملا فيه فتأمل (4). ثم إنه قد انقدح
47



[1] الظاهر أن مورد البحث هو الجمل التي يراد بها الانشاء تارة والاخبار أخرى، وأما ما يختص بأحدهما، كصيغة - افعل - التي
تستعمل دائما في إنشاء المادة على اختلاف الاغراض الداعية إلى الانشاء، وكالجملة الاسمية مثل - زيد قائم - التي يراد بها الاخبار
دائما، فهو خارج عن هذا البحث، فالمبحوث عنه فعلا هو ما يراد به الانشاء في استعمال والاخبار في آخر كلفظ - بعت -، وملخص
الكلام فيه: أن المعنى في مثله واحد وهو نسبة المبدأ إلى الذات، والأخبارية والانشائية من الاغراض الداعية إلى الاستعمال، فان قصد
المستعمل حكايته عن النسبة الواقعية فهو إخبار، وان قصد الايجاد فهو إنشاء. وعليه فلا يكون الاستعمال في الانشاء مجازا، إذ
المفروض أنه قد استعمل في الموضوع له، والانشائية من أغراض الاستعمال ودواعيه، خلافا لبعض المحققين، حيث ذهب إلى المجازية.
نعم لما كان الرابط بين حاشيتي القضية مرآة للخارج سواء قصد به المستعمل حكايته عن الخارج أم لا، ولذا يتبادر من لفظة - بعت -
مثلا الصادرة من النائم أو الساهي الحكاية عن الثبوت في الخارج يحمل كلام المتكلم إذا أحرز كونه في مقام البيان على ما يقتضيه طبع
القضية من الاخبار، ولا يحمل على الانشاء إلا مع القرينة، هذا.
48

مما حققناه (1) أنه يمكن أن يقال: إن المستعمل فيه في مثل أسماء الإشارة والضمائر أيضا عام، وأن تشخصه (2) إنما نشأ من قبل طور
استعمالها، حيث إن أسماء الإشارة وضعت ليشار بها إلى معانيها، وكذا بعض الضمائر (3)، وبعضها (4) ليخاطب بها
49

المعنى والإشارة والتخاطب يستدعيان التشخص كما لا يخفى. فدعوى أن المستعمل فيه في مثل (هذا) أو (هو) أو (إياك) إنما هو
المفرد المذكر، وتشخصه إنما جاء من قبل الإشارة أو التخاطب بهذه الألفاظ إليه، فإن الإشارة أو التخاطب لا يكاد يكون إلا إلى
الشخص (1) أو معه (2) غير مجازفة (3). فتلخص مما حققناه: أن التشخص الناشئ من قبل الاستعمالات لا يوجب تشخص المستعمل فيه
سواء كان تشخصا خارجيا كما في مثل أسماء الإشارة، أو ذهنيا كما في أسماء الأجناس والحروف ونحوهما (4) من غير فرق في ذلك
(5) أصلا بين الحروف وأسماء الأجناس،

[1] لا يخفى أن مجرد عدم المجازفة ليس برهانا على المدعى بعد إمكان دخل الإشارة والتخاطب في نفس الموضوع له، لعدم دليلية
مجرد الامكان على الوقوع، مع أنه اجتهاد في اللغة
50

و لعمري هذا واضح، ولذا (1) ليس في كلام القدماء من كون الموضوع له أو المستعمل فيه خاصا في الحروف عين ولا أثر، وإنما ذهب
إليه بعض من تأخر، ولعله (2) لتوهم كون قصده بما هو في غيره من خصوصيات الموضوع له أو المستعمل فيه، والغفلة عن أن قصد
المعنى من لفظه على أنحائه (3) لا يكاد يكون من شؤونه وأطواره (4)، وإلا (5) فليكن قصده بما هو هو
51

وفي نفسه كذلك (1) فتأمل في المقام، فإنه دقيق وقد زل فيه أقدام غير واحد من أهل التحقيق والتدقيق.
(الثالث)
صحة استعمال اللفظ فيما يناسب ما وضع له، هل هو بالوضع أو الطبع؟ وجهان بل قولان، أظهرهما أنها بالطبع، بشهادة الوجدان بحسن
الاستعمال فيه (2) ولو مع منع الواضع عنه (3)، وباستهجان الاستعمال فيما لا يناسبه ولو مع ترخيصه (4)، ولا معنى لصحته إلا

[1] لا يخفى أنه بناء على خروج الإشارة والتخاطب وغيرهما عن حيز الموضوع له والمستعمل فيه - ينهدم أساس الشبه المعنوي الذي
جعله النحويون موجبا لبناء جملة من الأسماء وان كان لا يلزم منه إعراب تلك الأسماء، لوجود ما عدا الشبه المعنوي فيها مما يوجب
بناءها كما لا يخفى.
52



[1] لا يخفى أن المراد بهذا الوضع ليس هو الوضع الشخصي، كالاعلام الشخصية الملحوظ فيه كل من مادة اللفظ وهيئته وخصوصية
المعنى، ولا الوضع النوعي الملحوظ فيه الهيئة فقط مع الغض عن المادة كما في وضع هيئة فاعل وغيرها من هيئات المشتقات، ولا وضع
المادة فقط مع الغض عن هيئة خاصة، نظير - ض ر ب -، بل المراد بالوضع هنا وضع اللفظ بمادته وهيئته لكل معنى يناسب ما وضع له
أولا من المعاني، كوضع لفظ - أسد - ثانيا لكل معنى يناسب معناه الموضوع له أولا - وهو الحيوان المفترس - في الشجاعة أو غيرها، و
هذا الوضع الثانوي يوجب الاشتراك اللفظي، فيصح استعماله في كل معنى يكون بينه وبين المعنى الموضوع له أولا إحدى العلائق
المعهودة، وهذا وضع نوعي باعتبار عدم خصوصية المعنى، وشموله لكل معنى مناسب للمعنى الأولي، كنوعية وضع
53



الهيئات باعتبار عدم لحاظ خصوصية مادة من المواد فيها.
وبالجملة: فعدم تعين المعنى في المقام يوجب نوعية الوضع. لكن فيه:
أولا: أنه مجرد إمكان لا دليل على وقوعه، بل مقتضى الأصل عدمه.
وثانيا: أنه مخالف لما ذكره علماء العربية من تعريف المجاز بأنه الكلمة المستعملة في غير ما وضع له، إذ لازم الوضع النوعي للمجاز هو
إنكار المجاز رأسا، مع أنهم قسموا الاستعمال إلى الحقيقي والمجازي. ودعوى إرادتهم الوضع الشخصي في تعريف المجاز خالية عن
البرهان، مضافا إلى أن إرادته تهدم أساس الوضع النوعي في سائر الموارد، وتوجب انحصار الحقيقة في الوضع الشخصي، وصيرورة
الاستعمال في المعاني الموضوعة بالوضع النوعي مجازيا، وهو كما ترى.
وأما ترخيص الواضع للاستعمال في غير المعنى الموضوع له أولا، فان أريد به الوضع النوعي المتقدم فقد عرفت ما فيه، وان أريد به
الاذن - كما هو الظاهر - فلا وجه لتوقف صحة الاستعمال المجازي عليه، إذ لا دليل على هذا التوقف بعد انحصار وظيفة الواضع في
جعل اللفظ حاكيا عن المعنى وقالبا له بحيث يكون إلقاء اللفظ إلقاء للمعنى. إلا أن يقال: إن هذا الترخيص من شؤون الوضع الذي هو
وظيفة الواضع، لكن هذا بمجرده لا يثبت الوقوع، لأعمية الامكان منه، بل الأصل عدمه.
فالحق أن يقال: إن الاستعمال فيما يناسب المعنى الموضوع له ليس بالوضع والترخيص، بل بالطبع، فكل ما يستحسنه الطبع من
الاستعمال يصح وإن لم يكن شئ من العلائق المجازية المذكورة في كتب القوم موجودا، وكل
54

حسنه (1)، والظاهر أن صحة استعمال اللفظ في نوعه (2) أو مثله (3) من قبيله (4) كما تأتي الإشارة إلى تفصيله (5).
(الرابع)
لا شبهة في صحة إطلاق اللفظ وإرادة نوعه (6) به كما إذا قيل:

ما لا يستحسنه الطبع لا يصح وان كان مع وجود بعض تلك العلائق، كاستعمال - الحمار - في - زيد - إذا فرض ركوبه على الحمار
دائما أو غالبا، فإن عدم حسنه بديهي مع وجود علاقة الحال والمحل.
55

(ضرب مثلا فعل ماض) أو صنفه كما إذا قيل: (زيد في ضرب زيد فاعل) إذا لم يقصد به (1) شخص القول (2) أو مثله (3) ك - ضرب - في
المثال (4) فيما إذا قصد (5)، وقد أشرنا (6) إلى أن صحة الاطلاق كذلك (7) وحسنه (8) إنما كان بالطبع لا بالوضع، وإلا (9) كانت
المهملات موضوعة
56

لذلك (1) لصحة الاطلاق كذلك (2) فيها (3)، والالتزام بوضعها لذلك (4) كما ترى (5). وأما إطلاقه وإرادة شخصه، كما إذا قيل: (زيد
لفظ) وأريد منه شخص نفسه، ففي صحته بدون تأويل (6) نظر، لاستلزامه اتحاد الدال
57

والمدلول (1) أو تركب القضية من جزين (2) كما في الفصول، بيان ذلك (3):
أنه إن اعتبر دلالته على نفسه حينئذ (4) لزم الاتحاد (5)، وإلا (6) لزم تركبها من جزين، لان القضية اللفظية - على هذا (7) - إنما تكون
حاكية عن المحمول والنسبة لا الموضوع، فتكون القضية المحكية بها مركبة من جزين (8)، مع امتناع
58

التركيب إلا من الثلاثة (1)، ضرورة استحالة ثبوت النسبة بدون المنتسبين (2)، قلت: يمكن أن يقال (3): إنه يكفي تعدد الدال والمدلول
اعتبارا وان اتحدا

[1] يرد عليه: لزوم اجتماع اللحاظ الآلي والاستقلالي، لان لحاظه من حيث كونه دالا آلي ومن حيث كونه مدلولا استقلالي، مع أن دلالة
اللفظ على معناه ليست متقومة بحيثية صدوره، بل هي متقومة بالعلم بوضع اللفظ لمعناه. وأيضا لا تناط مدلولية المعنى بكونه مرادا
للمتكلم، إذ المحكي ذات المعنى لا بوصف كونه مرادا له، فالتغاير الاعتباري غير كاف، ولا يندفع به إشكال الاتحاد.
59

ذاتا، فمن حيث إنه لفظ صادر عن لافظه كان دالا، ومن حيث إن نفسه وشخصه مراده كان مدلولا، مع أن حديث تركب القضية من
جزين - لولا اعتبار الدلالة في البين - إنما يلزم إذا لم يكن الموضوع نفس شخصه، وإلا كان أجزاؤها الثلاثة تامة، وكان المحمول
فيها منتسبا إلى شخص اللفظ ونفسه، غاية الامر أنه نفس الموضوع، لا الحاكي عنه (1)، فافهم فإنه لا يخلو عن دقة (2)، وعلى هذا ليس
من باب استعمال اللفظ بشئ (3)، بل يمكن أن يقال: إنه ليس أيضا
60

من هذا الباب (1) ما ذا أطلق اللفظ وأريد به نوعه أو صنفه، فإنه (2) فرده
61

ومصداقه حقيقة، لا لفظه وذاك معناه كي يكون مستعملا فيه استعمال اللفظ في المعنى، فيكون اللفظ نفس الموضوع الملقى إلى
المخاطب خارجا قد أحضر في ذهنه بلا واسطة حاك (1) وقد حكم عليه ابتداء بدون واسطة أصلا، لا لفظه (2) كما لا يخفى، فلا يكون
في البين لفظ قد استعمل في معنى، بل فرد قد حكم في القضية عليه بما هو مصداق لكلي اللفظ، لا بما هو خصوص جزئية (3)، نعم (4) فيما
إذا أريد به فرد آخر مثله كان من قبيل استعمال اللفظ في المعنى. اللهم (5)
62

إلا أن يقال: إن لفظ - ضرب - وان كان فردا له، إلا أنه إذا قصد به حكايته وجعل عنوانا له ومرآته كان لفظه (1) المستعمل فيه (2) و
كان حينئذ (3) كما إذا (4) قصد به فرد مثله.
وبالجملة (5): فإذا أطلق وأريد به نوعه، كما إذا أريد به فرد مثله، كان من باب استعمال اللفظ في المعنى، وان كان فردا منه (6) وقد
حكم في القضية بما يعمه (7) وان
63

أطلق (1) ليحكم عليه بما هو فرد كليه ومصداقه (2)، لا بما هو لفظه (3) وبه حكايته، فليس من هذا الباب (4)، لكن الاطلاقات المتعارفة
ظاهرا ليست كذلك (5) كما لا يخفى، وفيها (6) ما لا يكاد يصح أن يراد منه ذلك مما كان الحكم في القضية لا يكاد يعم شخص اللفظ،
كما في مثل - ضرب فعل ماض -.
64

(الخامس)
(1) لا ريب في كون الألفاظ موضوعة بإزاء معانيها من حيث هي، لا من حيث هي مرادة للافظها، لما (2) عرفت بما لا مزيد عليه من أن
قصد المعنى على أنحائه من مقومات الاستعمال، فلا يكاد يكون من قيود المستعمل فيه، هذا. مضافا (3) إلى ضرورة صحة الحمل و
الاسناد في الجمل بلا تصرف في
65

ألفاظ الأطراف، مع (1) أنه لو كانت موضوعة لها بما هي مرادة لما صح بدونه (2)، بداهة (3) أن المحمول على زيد في - زيد قائم - و
المسند إليه (4) في - ضرب زيد - مثلا هو نفس القيام والضرب لا بما هما مرادان (5). مع (6) أنه يلزم كون وضع
66

عامة الألفاظ عاما والموضوع له خاصا، لمكان اعتبار خصوص إرادة اللافظين فيما وضع له اللفظ، فإنه لا مجال لتوهم أخذ مفهوم
الإرادة فيه (1) كما لا يخفى (2)، وهكذا الحال في طرف الموضوع (3). وأما ما حكي عن العلمين الشيخ الرئيس (4)

[1] ويدل أيضا على عدم دخل الإرادة في الموضوع له تبادر ذات المعنى من اللفظ من دون اتصافه بالمرادية، بل هذا الوصف مغفول عنه
رأسا، واستلزامه لتركب جميع المعاني الموضوع لها من المعنى والإرادة، فلا يبقى معنى بسيط، وهو معلوم البطلان. وعدم صدق
المعاني على الخارجيات، لتقيدها بقيد ذهني لا بد من تجريدها عنه، لاستحالة تحققه في الخارج، فيلزم كون الاستعمالات طرا من
المجاز، لاستعمال الألفاظ حينئذ في غير ما وضعت له، فيلغو حكمة الوضع.
وتسالمهم على توقف إحراز كون المعنى مرادا للمتكلم على الأصول المرادية، فلو كان الموضوع له المعنى بوصف كونه مرادا لم يكن
وجه للتوقف المزبور كما لا يخفى.
67

والمحقق الطوسي (1) من مصيرهما إلى أن الدلالة تتبع الإرادة (2) فليس ناظرا إلى كون الألفاظ موضوعة للمعاني بما هي مرادة (3)
كما توهمه بعض الأفاضل (4)، بل ناظر إلى أن دلالة الألفاظ على معانيها بالدلالة التصديقية (5) أي دلالتها على
68

كونها مرادة للافظها تتبع إرادتها منها (1) وتتفرع عليها (2) تبعية مقام الاثبات للثبوت، وتفرع الكشف على الواقع المكشوف،

[1] الحق أن لمثل قوله تعالى: (أحل الله البيع) دلالات ثلاثا:
إحداها: خطور المعاني الافرادية من ألفاظها، وهذه الدلالة كما تقدم لا تتوقف على أزيد من العلم بوضع الألفاظ لمعانيها.
ثانيتها: حضور المعنى المتحصل الجملي في الذهن المنوط بضم المعاني الافرادية بعضها إلى بعض، وملاحظة القرائن، والمترتب على
هذه الدلالة هو صحة نسبة مضمون الكلام إلى المتكلم، بأن يقال: إنه قال بجواز البيع مثلا، ولا بأس بتسمية هذه الدلالة بالتصديقية،
نظرا إلى دلالته على المعنى المتحصل المتوقف على إسناد المحمولات إلى موضوعاتها، والاذعان بأن مفاد كلامه كذا وكذا، وأما
تسميتها بالتصديقية - لأجل الدلالة على كون مضمون الكلام وظاهره مرادا للمتكلم - فلا وجه لها.
ثالثتها: دلالة الكلام على كون المعنى المتحصل منه مقصودا للمتكلم، بحيث صح للمخاطب أن يحتج بها عليه. وهذه الدلالة تتوقف على
إحراز كون المتكلم في مقام البيان، والدلالة التصديقية التي تكون تابعة للإرادة هي هذه الدلالة، ولا ينبغي الارتياب في تبعيتها لها،
كيف لا؟ وصحة احتجاج العبد على مولاه بظاهر كلامه منوطة بإثبات كون المولى في مقام البيان ولو بأصل
69

فإنه (1) لولا الثبوت في الواقع لما كان للاثبات والكشف والدلالة مجال،

عقلائي، فلو لم تكن التبعية ثابتة لم يكن وجه لهذه الإناطة. (وتوهم) كون الدلالة الوضعية تابعة للإرادة، لأجل ضيق دائرة الغرض من
الوضع - وهو تفهيم المعنى المقيد بإرادته دون المعنى المطلق - وضيق الغرض يسري إلى دائرة الوضع، فلا يبقى له إطلاق يعم صورة
عدم الإرادة، وعليه فالدلالة تابعة للإرادة دائما (مدفوع) بمنع كون الغرض من الوضع تفهيم المعنى المراد بحيث يكون الإرادة قيدا
للمعنى، بل الغرض الداعي إلى الوضع هو إيجاد علقة وربط بين اللفظ والمعنى، لينتقل الذهن بمجرد سماع اللفظ إلى المعنى انتقالا
تصوريا ولو كان صادرا من لافظ غير ذي شعور، هذا. مضافا إلى: أن الداعي خارج عن حيز الموضوع له وغير موجب لتقيده كما لا
يخفى. ومثله في الضعف ما يقال من: (أن الدلالة ليست مطلق التفات النفس إلى المعنى، بل هو التفات مخصوص، وهو التفات النفس إلى
المعنى، من جهة أنه هو الذي صار للمتكلم داعيا إلى التكلم لأجل الاعراب عما في الضمير، وهذه لا يتصور فيها الانقسام إلى التصورية و
التصديقية) انتهى. توضيح وجه الضعف: أن إنكار دلالة اللفظ للعالم بالوضع على ذات معناه مجردة عن الجهة التي صارت داعيه للمتكلم
إلى التكلم خلاف الوجدان، فإن حقيقة الدلالة هي إخطار المعنى في ذهن السامع، ولا ريب في أن سماع اللفظ يوجب ذلك، والجهة
الداعية إلى إلقاء الكلام من الجهات التعليلية للتكلم دون التقييدية، وهي خارجة عن حيز المعنى، ولا دخل لها في الدلالة أصلا، فما أفيد لا
يتم في الدلالة التصورية، وإنما يتم في التصديقية كما اعترف به القائل، فصح انقسام الدلالة إلى التصورية والتصديقية.
70

ولذا (1) لا بد من إحراز كون المتكلم بصدد الإفادة في إثبات إرادة ما هو ظاهر كلامه ودلالته (2) على الإرادة، وإلا (3) لما كانت
لكلامه هذه الدلالة (4) وان كانت له الدلالة التصورية أي كون سماعه (5) موجبا لاخطار معناه الموضوع له ولو كان من وراء الجدار (6)
أو من لافظ بلا شعور ولا اختيار (7).
ان قلت: على هذا (8) يلزم أن لا يكون هناك دلالة عند الخطأ والقطع (9)
71

بما ليس بمراد أو الاعتقاد (1) بإرادة شئ ولم يكن له (2) من اللفظ مراد.
قلت: نعم لا يكون حينئذ (3) دلالة، بل يكون هناك جهالة وضلالة يحسبها الجاهل دلالة، ولعمري ما أفاده العلمان من التبعية على ما
بيناه واضح (4)
72

لا محيص عنه، ولا يكاد ينقضي تعجبي كيف رضي المتوهم أن يجعل كلامهما ناظرا إلى ما لا ينبغي صدوره عن فاضل فضلا عمن هو علم
في التحقيق والتدقيق؟.
(السادس) لا وجه لتوهم (1) وضع للمركبات غير وضع
73

المفردات (1)، ضرورة عدم الحاجة إليه بعد وضعها بموادها (2) في مثل - زيد قائم - وضرب عمرو بكرا - شخصيا (3) [1]

[1]
شخصية وضع المواد مختصة بالجوامد، وأما المشتقات فوضعها بالنسبة إلى كل من المادة والهيئة نوعي، إذ المراد بالنوعية هو عدم
الاختصاص بمادة أو هيئة، فكما يكون وضع هيئة - فاعل - لمن قام به المبدأ من أي مادة كانت نوعيا، فكذلك يكون وضع مادة - ن -
ص - ر - للحدث الخاص بأي هيئة كانت نوعيا، فملاك نوعية وضع الهيئات - وهو عدم اختصاصها بمادة دون مادة - موجود في وضع
المواد أيضا، لعدم اختصاصها بهيئة دون هيئة. وكما لا يمكن وضع الهيئة بلا مادة، كذلك لا يمكن وضع المادة بلا هيئة.
74

وبهيئاتها المخصوصة (1) من خصوص إعرابها نوعيا، ومنها (2) خصوص هيئات المركبات الموضوعة لخصوصيات النسب والإضافات
بمزاياها الخاصة من تأكيد وحصر وغيرهما نوعيا (3)

(فدعوى) استقلال المادة في الوجود وإمكان وضعها لمعنى مع الغض عن هيئة، بخلاف الهيئة لعدم استقلالهما في الوجود، فلا بد من
لحاظها في ضمن مادة من المواد (غير مسموعة) إذ لا محصل لها بعد امتناع وجود المادة بدون هيئة ما كالعكس.
75

بداهة (1) أن وضعها (2) كذلك (3) واف بتمام المقصود منها كما لا يخفى من غير حاجة إلى وضع آخر لها بجملتها، مع استلزامه (4)
الدلالة على المعنى تارة بملاحظة وضع نفسها (5)، وأخرى بملاحظة وضع مفرداتها (6)، ولعل المراد
76

من العبارات الموهمة لذلك (1): هو وضع الهيئات على حدة غير وضع المواد، لا وضعها بجملتها علاوة على وضع كل واحد منهما (2).
(السابع) لا يخفى أن تبادر المعنى من اللفظ وانسباقه إلى الذهن من نفسه (3) وبلا قرينة علامة كونه حقيقة فيه، بداهة أنه لولا وضعه (4)
له لما تبادر. لا يقال (5): كيف

[1] قد عرفت أنه لا بد من هذا الوضع، فلا ينبغي جعله موردا للنزاع، ولتلاحظ كلماتهم.
77

يكون (1) علامة مع توقفه على العلم بأنه موضوع له كما هو واضح؟ فلو كان العلم به موقوفا عليه لدار (2). فإنه يقال (3):

[1] بل لا ترتفع به، لان العلم الاجمالي بكون أحد المعاني المعلومة تفصيلا هو ما وضع له اللفظ لا يوجب تبادر خصوص الموضوع له من
بين
78

الموقوف عليه (1) غير الموقوف عليه، فان العلم التفصيلي بكونه موضوعا له موقوف على التبادر وهو (2) موقوف على العلم الاجمالي
الارتكازي به لا التفصيلي، فلا دور. هذا (3) إذا كان

تلك المعاني قطعا، بل جهل السامع بالمعنى الموضوع له معينا بعد سماع اللفظ كجهله به قبل سماعه، والعلم الاجمالي لا يؤثر في انسباق
خصوص المعنى الموضوع له، فينحصر سبب الانسباق في العلم التفصيلي بالوضع، هذا. مضافا إلى أن التبادر على هذا يكون أخص من
المدعى، لاختصاصه حينئذ بما إذا علم بالوضع تفصيلا، ثم نسي وبقيت صورة ارتباط الألفاظ بالمعاني موجودة في خزانة النفس، وبعد
المراجعة إذا تبادر معنى من المعاني الموجودة في النفس كان ذلك أمارة الوضع.
وأما إذا لم يعلم بالوضع تفصيلا، فلا تكون صورة الارتباط موجودة في خزانتها، فلا تبادر حينئذ حتى يكون علامة للوضع، فالأولى
إنكار التبادر رأسا حتى في صورة سبق العلم الاجمالي بالوضع، لعدم تحقق التبادر إلا مع العلم التفصيلي بالموضوع له كما مر آنفا.
79

المراد به (1) التبادر عند المستعلم، وأما إذا كان المراد به التبادر عند أهل المحاورة، فالتغاير أوضح من أن يخفى. ثم إن هذا (2) فيما
لو علم استناد الانسباق
80

إلى نفس اللفظ، وأما فيما احتمل استناده إلى قرينة، فلا تجدي أصالة عدم القرينة في إحراز كون الاستناد إليه (1) لا إليها (2) كما قيل
(3)، لعدم الدليل على اعتبارها (4) إلا في إحراز المراد، لا الاستناد (5). ثم إن عدم صحة سلب اللفظ بمعناه المعلوم المرتكز في الذهن (6)
إجمالا (7) كذلك (8)
81

عن معنى (1) يكون علامة كونه (2) حقيقة فيه، كما أن صحة سلبه (3) عنه علامة كونه مجازا في الجملة (4)، والتفصيل (5): أن عدم صحة
السلب عنه وصحة
82

الحمل عليه بالحمل الأولي الذاتي الذي كان ملاكه الاتحاد مفهوما علامة كونه نفس
83

المعنى، وبالحمل الشائع الصناعي الذي ملاكه الاتحاد وجودا بنحو من أنحاء الاتحاد علامة كونه (1) من مصاديقه وأفراده
(×) الحقيقية، كما أن صحة سلبه (2) كذلك (3) علامة أنه ليس منهما (4) وإن لم نقل بأن إطلاقه

(×) فيما إذا كان المحمول والمحمول عليه كليا وفردا، لا فيما إذا كانا كليين متساويين أو غيرهما كما لا يخفى.
84

عليه (1) من باب المجاز في الكلمة، بل من باب الحقيقة، وأن التصرف فيه في أمر عقلي - كما صار إليه السكاكي - واستعلام حال اللفظ،
وأنه حقيقة أو مجاز في هذا
85

المعنى بهما (1) ليس على وجه دائر، لما عرفت في التبادر من التغاير بين الموقوف والموقوف عليه بالاجمال والتفصيل، أو الإضافة
إلى المستعلم والعالم، فتأمل جيدا (2). ثم إنه قد ذكر الاطراد وعدمه علامة للحقيقة والمجاز أيضا (3)

[1] وأما عدم علامية تبادر العالم للمستعلم، فلان استناد هذا التبادر إلى الوضع دون القرينة مما لا سبيل إلى إحرازه، وأصالة عدم
القرينة لا تجدي لما مر.
86

ولعله (1) بملاحظة نوع العلائق المذكورة في المجازات، حيث لا يطرد صحة
87

استعمال اللفظ معها (1)، وإلا فبملاحظة خصوص ما يصح معه الاستعمال (2) فالمجاز مطرد كالحقيقة (3) وزيادة قيد من غير تأويل، أو
على وجه الحقيقة (4) وإن كان موجبا لاختصاص الاطراد كذلك (5) بالحقيقة، إلا أنه
88

حينئذ (1) لا يكون علامة لها (2) إلا على وجه دائر (3)، ولا يتأتى التفصي عن الدور بما ذكر في التبادر هنا (4)، ضرورة أنه مع العلم
بكون الاستعمال على نحو

[1] لا يخفى أنه على هذا ينحصر طريق معرفة الأوضاع بتنصيص الواضع وهو أيضا مفقود، لان اللغويين لا يتعرضون إلا لموارد
الاستعمالات، وليس شأنهم إلا ذلك، إذ لا طريق لهم إلى العلم بالأوضاع كما لا يخفى. ثم إن الظاهر
89

الحقيقة لا يبقى مجال لاستعلام حال الاستعمال بالاطراد أو بغيره.
(الثامن)
أنه للفظ أحوال خمسة، وهي: التجوز والاشتراك والتخصيص والنقل والاضمار، لا يكاد يصار إلى أحدها، فيما إذا دار الامر بينه (1) و
بين المعنى الحقيقي إلا بقرينة صارفة عنه إليه (2)، وأما إذا دار الامر بينها (3) فالأصوليون وان ذكروا لترجيح بعضها على بعض
وجوها (4)، إلا

عدم ترتب ثمرة عملية على العلم بالحقائق حتى يتشبث في إثباته بإحدى العلائم المتقدمة. (وتوهم) أن الثمرة المترتبة عليه هي ظهور
الألفاظ الواقعة في الكتاب والسنة، كلفظ الظاهر والباطن والصعيد وغيرها مما أخذ موضوعا للأحكام الشرعية في معانيها مع العلم
بالأوضاع، فتحمل الألفاظ عليها، وإجمالها مع الجهل بها، فينسد باب الاستنباط حينئذ (فاسد)، لعدم حاجة إلى معرفة المعنى الحقيقي
حتى في هذه الألفاظ أيضا، ضرورة أنها بين ما لها قدر متيقن، وبين ما يظهر المراد منها بمعونة الروايات، وعلى التقديرين لا حاجة
إلى العلم بالوضع، لوضوح الامر في الثاني، ولزوم الاخذ بالمتيقن في الأول، وإجراء الأصل في المشكوك فيه، فتدبر.
90

أنها استحسانية لا اعتبار بها، إلا إذا كانت موجبة لظهور اللفظ في المعنى، لعدم (1) مساعدة دليل على اعتبارها بدون ذلك (2)، كما لا
يخفى.
91

(التاسع)
أنه اختلفوا في ثبوت الحقيقة الشرعية (1) وعدمه على أقوال (2)
92

وقبل الخوض في تحقيق الحال لا بأس بتمهيد مقال، وهو: أن الوضع التعييني كما يحصل بالتصريح بإنشائه كذلك يحصل باستعمال
اللفظ في غير ما وضع له كما إذا وضع له، بأن يقصد الحكاية عنه والدلالة عليه بنفسه (1) لا بالقرينة وإن كان لا بد حينئذ (2) من نصب
قرينة، إلا أنه (3) للدلالة على ذلك، لا على إرادة المعنى كما في المجاز (4)،
93

فافهم (1). وكون (2) استعمال اللفظ فيه

[1]
هذا واضح بناء على أن المراد بالاستعمال المحقق للوضع إفناء اللفظ في معناه، وأما بناء على كون المراد به إلقاء اللفظ بقصد إيجاد
العلقة بينه وبين المعنى مع نصب قرينة على كونه بصدد إيجاد تلك العلقة - وهي الوضع - وهذا إنشاء للوضع بالفعل - كإنشاء التمليك
بالمعاطاة - فلا بأس به ولا محذور فيه وبالجملة: فليس هذا من باب الاستعمال المنقسم إلى الحقيقي والمجازي، ولذا اعترف المصنف
(قده) بأن عدم كونه حقيقيا ولا مجازيا غير ضائر. فالاشكال عليه بأن إنشاء الوضع بنفس الاستعمال يستلزم اجتماع اللحاظين
المتضادين غير ظاهر، هذا. مضافا إلى أنه - على فرض غلطية هذا الاستعمال - لا وجه لمنع إنشاء الوضع به، لتحقق العلقة الوضعية به
قهرا من دون إناطة بشئ، كاللحن غير المغير للمعنى في إنشاء العقود، فإنه غير مانع عن إنشائها.
94

كذلك (1) في غير ما وضع له بلا مراعاة ما اعتبر في المجاز، فلا يكون بحقيقة ولا مجاز غير (2) ضائر بعد ما كان مما يقبله الطبع ولا
يستنكره، وقد عرفت سابقا (3) أنه في الاستعمالات الشائعة في المحاورات ما ليس بحقيقة ولا مجاز (4).
إذا عرفت هذا (5) فدعوى الوضع التعييني في الألفاظ المتداولة في لسان الشارع هكذا (6) قريبة جدا [1]
ومدعي القطع به غير مجازف قطعا [2]

[1] لم يظهر وجه وجيه لقربها، فإن ما أفاده من كون إنشاء الوضع بنفس الاستعمال لا يترتب عليه إلا إمكانه، وهو أعم من الوقوع، فلا
يرتفع الشك في ثبوت الحقيقة الشرعية بهذه الدعوى.
[2] لم يظهر منشأ لهذا القطع، ومجرد عدم برهان على خلافه لا يصلح لان يكون موجبا للقطع بوقوعه.
95

ويدل عليه (1) تبادر المعاني الشرعية منها في محاوراته. ويؤيد ذلك (2)

[1] إن أريد به التبادر في زماننا فلا إشكال فيه، لكن الثابت به هو الحقيقة في الجملة، وذلك لا يجدي، لان المقصود هو صيرورة
الألفاظ حقيقة في المعاني الشرعية في زمان الشارع، وهذا لا يثبت بالتبادر عندنا، وإنما يثبت بالتبادر في زمان الشارع، وذلك أول
الكلام، واستصحاب القهقرى معارض بأصالة عدم النقل عن المعاني اللغوية، فالتبادر يثبت الحقيقة المتشرعية دون الشرعية، وهو
خلاف المقصود.
96

أنه ربما لا يكون علاقة معتبرة بين المعاني الشرعية واللغوية، فأي علاقة بين الصلاة شرعا والصلاة بمعنى الدعاء (1)، ومجرد اشتمال
الصلاة على الدعاء لا يوجب ثبوت ما يعتبر من علاقة الجز والكل بينهما (2) كما لا يخفى (3)، هذا (4) كله بناء على كون معانيها
مستحدثة في شرعنا. وأما بناء على كونها ثابتة في الشرائع السابقة كما هو قضية غير واحدة من الآيات، مثل قوله تعالى: (كتب عليكم
الصيام كما كتب. إلخ) وقوله تعالى: (وأذن في الناس بالحج)، وقوله تعالى: (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا) إلى غير ذلك،
فألفاظها (5) حقائق لغوية لا شرعية (6)، واختلاف الشرائع (7) فيها
97

جزا وشرطا لا يوجب اختلافها في الحقيقة والماهية، إذ لعله كان من قبيل

[1] إذا كانت الألفاظ المستعملة في تلك المعاني في الشرائع السابقة هي نفس ألفاظ الصلاة والصوم وغيرهما من الألفاظ المستعملة
فيها في شريعتنا، فدعوى اتحاد الماهية وكون الاختلاف في المصاديق حينئذ قريبة جدا. (وأما إذا كانت) الألفاظ المستعملة في الشرائع
السابقة غير الألفاظ المستعملة في شريعتنا، ولم تكن هذه الألفاظ في القرآن المجيد إلا حاكية عن وجود هذه المعاني في تلك الشرائع
من دون دلالتها على كون الألفاظ المستعملة فيها هي هذه الألفاظ المتداولة في شريعتنا، بل المقطوع به مغايرة لغاتهم للغة العربية،
(فللنزاع) في ثبوت الحقيقة الشرعية حينئذ مجال، لان التسمية بهذه الأسامي العربية تكون من الشارع، لكن في بعض الروايات أن
سليمان بن داود عليه السلام كان يتكلم مع زوجاته وندمائه وفي الحروب باللغات المختلفة، وكان يسمي العبادات بالألفاظ العربية
المتداولة عندنا، بل وكذلك غيره من الأنبياء عليهم السلام، فلاحظ.
98

الاختلاف في المصاديق والمحققات، كاختلافها (1) بحسب الحالات في شرعنا كما لا يخفى. ثم لا يذهب عليك أنه مع هذا الاحتمال (2) لا
مجال لدعوى الوثوق فضلا عن القطع بكونها (3) حقائق شرعية، ولا (4) لتوهم دلالة الوجوه التي ذكروها على ثبوتها (5) لو سلم دلالتها
(6) على الثبوت لولاه (7)، ومنه (8)
99

انقدح حال دعوى الوضع التعيني معه (1)، ومع الغض عنه (2) فالانصاف أن منع حصوله (3) في زمان الشارع في لسانه ولسان تابعيه
مكابرة، نعم (4) حصوله في خصوص لسانه ممنوع، فتأمل (5)، وأما الثمرة بين القولين (6)
100

فتظهر في لزوم حمل الألفاظ الواقعة في كلام الشارع بلا قرينة على معانيها اللغوية - مع عدم الثبوت - وعلى معانيها الشرعية على
الثبوت فيما إذا علم تأخر الاستعمال (1)، وفيما إذا جهل التاريخ (2) ففيه إشكال (3)، وأصالة (4) تأخر
101

الاستعمال مع معارضتها بأصالة تأخر الوضع لا دليل على اعتبارها تعبدا إلا على القول بالأصل المثبت، ولم يثبت بناء من العقلا على
التأخر مع الشك (1)، وأصالة عدم النقل (2) إنما كانت معتبرة في ما إذا شك في أصل النقل، لا في تأخره،

[1]
الظاهر عدم الفرق في حجية أصالة عدم النقل بين الشك في أصل النقل وتاريخه، فسقوطها إنما هو للمعارضة، لا لعدم حجيتها في
الجهل بتاريخ النقل.
102

فتأمل (1).
(العاشر) أنه وقع الخلاف في أن ألفاظ العبادات أسام لخصوص الصحيحة أو الأعم منها؟
وقبل الخوض في ذكر أدلة القولين يذكر أمور:
(منها) أنه لا شبهة في تأتي الخلاف على القول بثبوت الحقيقة الشرعية (2) وفي جريانه (3) على القول بالعدم (4) إشكال (5)، وغاية ما يمكن
أن يقال في تصويره (6)
103

أن النزاع وقع على هذا (1) في أن الأصل في هذه الألفاظ المستعملة مجازا في كلام الشارع هو استعمالها في خصوص الصحيحة أو الأعم،
بمعنى أن أيهما (2) قد اعتبرت العلاقة بينه وبين المعاني اللغوية ابتداء، وقد استعمل في الاخر بتبعه ومناسبته؟، كي ينزل كلامه عليه
مع القرينة الصارفة عن المعاني اللغوية وعدم قرينة أخرى معينة للاخر (3)، وأنت خبير بأنه لا يكاد يصح هذا (4) إلا إذا
أن العلاقة المجازية هل اعتبرت ابتداء بين المعاني اللغوية وبين المعاني الشرعية الصحيحة، ثم استعملت ألفاظ العبادات فيما يعم
الفاسدة بالتبع والمناسبة ليكون من قبيل سبك مجاز في مجاز؟، أم اعتبرت ابتداء بينها وبين المعاني الشرعية الجامعة بين الصحيحة
والفاسدة؟ فعلى الأول تحمل الألفاظ مع القرينة الصارفة عن المعاني اللغوية وعدم قرينة معينة لاحد المعنيين على الصحيحة، وعلى
الثاني تحمل كذلك على الأعم.
104

علم أن العلاقة إنما اعتبرت كذلك (1)، وأن بناء الشارع في محاوراته استقر عند عدم نصب قرينة أخرى (2) على إرادته (3) بحيث كان
هذا (4) قرينة عليه من غير حاجة إلى قرينة معينة أخرى (5)، وأنى لهم بإثبات ذلك (6).
وقد انقدح بما ذكرنا (7) تصوير النزاع على ما نسب إلى

[1] لم يظهر مما تقدم إلا تصوير النزاع في نفس ألفاظ العبادات بناء على إنكار الحقيقة الشرعية، والبناء على كون استعمالها في
الماهيات المخترعة مجازا،
105

الباقلاني (1)، وذلك بأن يكون النزاع في أن قضية القرينة المضبوطة التي لا يتعدى عنها إلا بالأخرى (2).

وأما تصويره في القرائن الدالة على الأمور الزائدة التي اعتبرها الشارع في معنى الصلاة لغة - كما هو مذهب الباقلاني - فلم يظهر مما
تقدم، إلا أن يكون مراده (قدس سره) مثل التصوير المتقدم في نفس ألفاظ العبادات، وهو وان كان صحيحا لكنه خارج عن مورد
البحث، فإن مورد النزاع في بحث الصحيح والأعم هي ألفاظ العبادات دون غيرها. مضافا إلى أنه مجرد فرض ممكن، ولا دليل على
وقوعه، فالأولى تحرير النزاع على القول بثبوت الحقيقة الشرعية فقط.
106

الدالة (1) على أجزاء المأمور به وشرائطه هو تمام الاجزاء والشرائط (2)، أو هما (3) في الجملة، فلا تغفل.
(ومنها)
أن الظاهر أن الصحة عند الكل بمعنى واحد وهو التمامية (4)، وتفسيرها بإسقاط القضاء كما عن الفقهاء أو بموافقة الشريعة كما عن
المتكلمين أو غير ذلك إنما هو بالمهم من
107

لوازمها (1)، لوضوح

[1] مع وحدة معناها. ثم إن النسبة بين لازميها - وهما إسقاط القضاء وموافقة الامر - عموم من وجه، لاجتماعهما في صلاة المختار،
فإنها - لموافقتها للشريعة وإسقاطها القضاء - يترتب عليها هذان الاثران، وتفارقهما في الصلاة الجهرية التي أخفت فيها جهلا بالحكم،
أو الاخفاتية التي أجهر فيها كذلك، فإنها صحيحة عند الفقيه، لكونها مسقطة للقضاء، وفاسدة عند المتكلم، لعدم موافقتها للامر، ولذا
قيل باستحقاق العقوبة على ترك الجهر أو الاخفات جهلا، وكذا الاتمام في موضع القصر كذلك، وفي الصلوات العذرية المحرزة
شرائطها بالامارات الشرعية أو الأصول العملية، كإتيان الصلاة إلى الجهة التي شهدت البينة بكون القبلة فيها، أو إتيانها في لباس
شهدت البينة بطهارته، أو بعدم كونه من الحرير للرجل أو مما لا يؤكل، أو إتيان الصلاة باستصحاب الطهارة الحدثية مع انكشاف
الخلاف، فإن الصلاة في هذه الموارد موافقة للامر والشريعة، نظرا إلى وجود الامر الظاهري فيها، وليست مسقطة في بعض تلك
الموارد للقضاء. وبالجملة: فقد يترتب على الصحة أثران، وقد يترتب عليها أثر واحد، ومع ذلك لا يختلف معناها وهو التمامية. ثم لا
يخفى ان الفساد في العبادات بناء على وضعها للصحيح غير الفساد في الأعيان الخارجية كالبطيخ والرمان وغيرهما، وذلك لان
الفساد في الماهيات المخترعة مساوق لعدمها، لعدم انطباق المسمى بالصلاة مثلا على فاقد جز أو شرط حقيقة، وهذا بخلاف البطيخ و
أمثاله، فإن عنوانها صادق على الفاسد حقيقة، كصدقه كذلك على الصحيح. وبالجملة: فالناقص جزا أو شرطا من الماهيات المخترعة
ليس من أفرادها حقيقة، فمرادهم بالفساد عدم انطباق المأمور به على المأتي به الكاشف عن عدم فردية الفاسد للطبيعي المأمور به.
108

اختلافه (1) بحسب اختلاف الأنظار، وهذا (2) لا يوجب تعدد المعنى، كما لا يوجبه (3) اختلافها بحسب الحالات من السفر والحضر و
الاختيار والاضطرار إلى غير ذلك، كما لا يخفى (4). ومنه (5) ينقدح أن الصحة والفساد أمران إضافيان، فيختلف شئ واحد صحة و
فسادا بحسب الحالات، فيكون تاما بحسب حالة وفاسدا بحسب أخرى (6)، فتدبر جيدا.
(ومنها) أنه لا بد (7) على كلا القولين من قدر جامع في البين كان هو
109

المسمى بلفظ كذا (1)، ولا إشكال في وجوده بين الافراد الصحيحة وإمكان الإشارة إليه بخواصه وآثاره (2)، فإن الاشتراك في الأثر
كاشف عن الاشتراك في جامع واحد (3) يؤثر الكل

[1]
قد أورد على هذه القاعدة بأن موردها هو: ما إذا كان الأثر
110

فيه (1) بذلك الجامع، فيصح تصوير المسمى بلفظ الصلاة مثلا بالناهية عن الفحشاء وما هو معراج المؤمن ونحوهما (2). والاشكال فيه
(3) بأن الجامع لا يكاد

واحدا شخصيا، دون ما إذا كان واحدا نوعيا كالنهي عن الفحشاء وغيره المترتب على الصلاة، فإن لهذا الأثر وغيره مراتب متفاوتة
بالشدة والضعف، وليس واحدا شخصيا حتى يلزم وجود جامع بين عللها، كالحرارة المختلفة عللها من الشمس والنار والحركة،
فقاعدة عدم صدور الواحد إلا عن الواحد أجنبية عن المقام، ولو سلم جريان هذه القاعدة في الواحد النوعي أيضا فإنما هو فيما إذا كان
المؤثر علة تامة لا معدا كالمقام، فإن العبادات معدات لاثارها لا علل تامة.
111

يكون أمرا مركبا، إذ كل ما فرض جامعا يمكن أن يكون صحيحا وفاسدا لما عرفت (1). ولا أمرا بسيطا، لأنه لا يخلو إما أن يكون هو
عنوان المطلوب
112

أو ملزوما مساويا له، والأول (1) غير معقول، لبداهة استحالة أخذ ما لا يأتي إلا من قبل الطلب في متعلقه، مع (2) لزوم الترادف بين
لفظة الصلاة والمطلوب، وعدم (3) جريان البراءة مع الشك في أجزاء العبادات وشرائطها، لعدم الاجمال حينئذ (4) في المأمور به فيها
(5)، وإنما الاجمال فيما يتحقق به (6)، وفي مثله لا مجال لها (7) كما حقق في محله، مع أن المشهور القائلين بالصحيح قائلون بها (8) في
الشك فيها، وبهذا (9) يشكل لو كان البسيط هو ملزوم المطلوب

[1] لا يخفى: أن إشكال الترادف أيضا وارد على فرض كون الجامع ملزوم المطلوب. ويمكن أن يقال بعدم لزوم المحذور المذكور من
عدم جريان البراءة في
113

أيضا (1) مدفوع (2) بأن الجامع إنما هو مفهوم واحد منتزع (3) عن هذه

أجزاء العبادات وشرائطها وان كان خلاف المشهور، وذلك لكفاية الاطلاقات المقامية في دفع الشك في الجزئية والشرطية فيها، و
معها لا تصل النوبة إلى الأصل العملي، كما لا يخفى.
114

المركبات المختلفة زيادة ونقيصة بحسب اختلاف الحالات متحد (1) معها نحو اتحاد (2)، وفي مثله (3) يجري البراءة، وإنما لا تجري
فيما إذا كان المأمور به أمرا واحدا خارجيا مسببا عن مركب مردد بين الأقل والأكثر كالطهارة المسببة عن الغسل والوضوء فيما إذا
شك في أجزائهما، هذا على الصحيح (4). وأما على الأعم، فتصوير الجامع في غاية الاشكال (5)، وما قيل في تصويره أو يقال وجوه:
115

(أحدها) (1): أن يكون عبارة عن جملة من أجزاء العبادة كالأركان في الصلاة مثلا، وكان الزائد عليها معتبرا في المأمور به لا في
المسمى (2).
وفيه ما لا يخفى، فإن التسمية بها حقيقة لا تدور مدارها (3)، ضرورة صدق

[1] مضافا إلى أنه يلزم أن يكون استعماله في الزائد مجازا، إذ المفروض خروج الزيادة عن المسمى، فيلغو حكمة الوضع، وأمارات
الحقيقة كلها مفقودة، بل أمارة المجاز - وهي: صحة سلب الصلاة عن الأركان الفاقدة لجميع ما عداها من الاجزاء والشرائط - موجودة،
فلا سبيل إلى استكشاف كون المسمى مجرد الأركان، لعدم أثر للفاسد حتى يجري فيه البرهان المتقدم في استكشاف الجامع بين
الافراد الصحيحة.
116

الصلاة مع الاخلال ببعض الأركان، بل وعدم الصدق عليها (1) مع الاخلال بسائر الاجزاء والشرائط عند الأعمي، مع أنه (2) يلزم أن
يكون الاستعمال فيما هو المأمور به بأجزائه وشرائطه مجازا
117

عنده (1)، وكان من باب استعمال اللفظ الموضوع للجز في الكل، لا من باب إطلاق الكلي على الفرد والجزئي كما هو واضح، ولا يلتزم
به (2) القائل بالأعم فافهم (3).
(ثانيها) (4): أن تكون موضوعة لمعظم الاجزاء التي تدور مدارها التسمية عرفا، فصدق الاسم كذلك (5) يكشف عن وجود المسمى، و
عدم صدقه عن
118

عدمه. وفيه مضافا إلى ما أورد على الأول أخيرا (1) أنه (2) عليه يتبادل ما هو المعتبر في المسمى، فكان شئ واحد داخلا فيه تارة و
خارجا عنه أخرى، بل (3) مرددا بين أن يكون هو الخارج أو غيره عند اجتماع تمام الاجزاء، وهو
119

كما ترى (1)، سيما إذا لوحظ هذا (2) مع ما عليه العبادات من الاختلاف الفاحش بحسب الحالات.
(ثالثها) أن يكون وضعها كوضع الاعلام الشخصية - كزيد - (3)
120

فكما لا يضر في التسمية فيها (1) تبادل الحالات المختلفة من الصغر والكبر ونقص بعض الاجزاء وزيادته كذلك فيها (2). وفيه: أن
الاعلام إنما تكون موضوعة للأشخاص (3)، والتشخص إنما يكون بالوجود الخاص، ويكون الشخص حقيقة
121

باقيا ما دام وجوده باقيا وان تغيرت عوارضه من الزيادة والنقصان وغيرهما من الحالات والكيفيات، فكما لا يضر اختلافها في
التشخص لا يضر اختلافها في التسمية. وهذا (1) بخلاف مثل ألفاظ العبادات مما كانت موضوعة للمركبات والمقيدات، ولا يكاد يكون
موضوعا له (2) إلا ما كان جامعا لشتاتها وحاويا لمتفرقاتها، كما عرفت في الصحيح منها (3).
(رابعها) (4): أن ما وضعت له الألفاظ ابتداء هو الصحيح التام الواجد
122

لتمام الاجزاء والشرائط، إلا أن العرف يتسامحون كما هو ديدنهم ويطلقون تلك الألفاظ على الفاقد للبعض تنزيلا له منزلة الواجد، فلا
يكون مجازا في الكلمة على ما ذهب إليه السكاكي في الاستعارة، بل يمكن (1) دعوى صيرورته حقيقة فيه (2) بعد الاستعمال فيه كذلك
(3) دفعة أو دفعات من (4) دون حاجة إلى الكثرة والشهرة، للانس (5) الحاصل من جهة المشابهة في الصورة، أو
123

المشاركة في التأثير، كما في أسامي المعاجين الموضوعة ابتداء لخصوص مركبات واجدة لأجزاء خاصة، حيث يصح إطلاقها (1) على
الفاقد لبعض الاجزاء المشابه (2) له (3) صورة، والمشارك في المهم أثرا تنزيلا (4) أو حقيقة (5).
وفيه (6): أنه إنما يتم في مثل أسامي المعاجين وسائر المركبات الخارجية
124

مما يكون الموضوع له فيها ابتداء مركبا خاصا، ولا يكاد يتم في مثل العبادات التي عرفت أن الصحيح منها يختلف حسب اختلاف
الحالات، وكون الصحيح بحسب حالة فاسدا بحسب حالة أخرى (1) كما لا يخفى، فتأمل جيدا (2).
(خامسها) (3): أن يكون حالها حال أسامي المقادير والأوزان، مثل
125

المثقال والحقة والوزنة إلى غير ذلك مما لا شبهة في كونها حقيقة في الزائد والناقص في الجملة، فإن الواضع وإن لاحظ مقدارا خاصا،
إلا أنه لم يضع له بخصوصه، بل للأعم منه ومن الزائد والناقص، أو أنه (1) وإن خص به (2) أولا، إلا أنه بالاستعمال كثيرا فيهما (3)
بعناية أنهما منه (4) قد صار حقيقة في الأعم ثانيا (5). وفيه (6): أن الصحيح - كما عرفت في الوجه السابق - يختلف

[1] الفرق بين هذا الوضع التعيني وبين الوضع التعيني في الوجه المتقدم هو: أن الوضع التعيني في الوجه السابق ناش من الانس، وفي
هذا الوجه ناش من كثرة الاستعمال، لكنه ليس بفارق في الآثار المترتبة على الوضع التعيني.
126

زيادة ونقيصة، فلا يكون هناك ما يلحظ الزائد والناقص بالقياس إليه كي يوضع

[1] لا يخفى أنه حينئذ يصير مشتركا لفظيا، لفرض عدم مهجورية المعنى الحقيقي الأول، وبدون القرينة المعينة للمراد يصير اللفظ
مجملا، وهذا ينافي غرض الأعمي من التمسك بإطلاق الخطاب لدفع الشك في الجزئية والشرطية كما لا يخفى. ثم إن الحق عدم وضع
أسماء الأوزان والمقادير للأعم أولا أو ثانيا، بل ليس الموضوع له إلا خصوص المقدار الملحوظ حال الوضع، والاستعمال في الناقص
يكون تنزيلا وعناية، ولذا لا يعامل الفقهاء مع أسماء الأوزان المأخوذة موضوعا في الخطابات الشرعية معاملة وضعها للكم الخاص
الملحوظ حين الوضع، سواء أ استعملت في الزائد أو الناقص أم لم تستعمل، بل يعاملون معها معاملة وضعها للمقدار الخاص المحروس عن
الزيادة والنقصان، وإطلاق العرف لتلك الألفاظ على الناقص قليلا من باب المسامحة في التطبيق لا في المفهوم، والأول ليس بحجة
قطعا كما هو ظاهر بأقل تأمل. ثم إن هنا تصويرات أخر للجامع، لكنها غير خالية عن المناقشات، فراجع الكتب المبسوطة. والحق أن
يقال: بناء
127

اللفظ لما هو الأعم، فتدبر جيدا

على ثبوت الحقيقة الشرعية للماهيات المخترعة - أن الموضوع له هو خصوص التام الاجزاء والشرائط للقادر المختار، وغير التام بدل
عنه، وإطلاق لفظ - الصلاة - عليه مبني على عناية، ولازم ذلك تعدد الوضع فيه، لاختلاف الصحيح المجعول للمختار، فصلاة المغرب و
الصبح غير الرباعيات، وكلها وظيفته.
فدعوى وضعها لصلاة الصبح تارة، وللمغرب أخرى، وللرباعيات ثالثة غير بعيدة ولا دليل على منعها. وأما سائر الصلوات المختلفة
بحسب حالات المكلف - حتى السفر - فاستعمال لفظ الصلاة فيها كان مجازا، غايته أنه بكثرة الاستعمال صار حقيقة ثانوية، وهي غير
وضع الشارع الذي هو المبحوث عنه.
فان قلت: كيف يمكن وضع اللفظ للصحيح المشتمل على جميع الاجزاء والشرائط مع تأخر بعض شرائطها عن مقام التسمية برتبتين،
كقصد القربة لترتبه على الامر المتأخر عن متعلقه الذي هو المسمى، وكالشروط الناشئة عن التزاحم، لتأخرها عن تنجز التكليف،
فيمتنع وضع ألفاظ العبادات للصحيح الواجد لجميع الاجزاء والشرائط.
قلت: إمكان الوضع للصحيح بهذا المعنى في غاية الوضوح، ضرورة أنه يكفي في مقام التسمية تصور المعنى فقط، ولا ريب في إمكان
تصور جميع الاجزاء والشرائط العرضية والطولية، ووضع اللفظ بإزائها. نعم هذا الاشكال إنما يتم في تعلق الطلب بالصلاة ونحوها من
العبادات بالنسبة إلى قصد القربة ونحوه مما يترتب على الامر، كما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى، ولا يتم في وضع الأسامي لها،
لما تقدم من كفاية تصور المعنى الموضوع له ولحاظه في وضع الاسم له، وأنه لا ريب في إمكانه.
128

(ومنها) (1): أن الظاهر أن يكون الوضع والموضوع له في ألفاظ العبادات عامين، واحتمال كون الموضوع له خاصا بعيد جدا، لاستلزامه (2)
كون استعمالها في الجامع في مثل (الصلاة تنهى عن الفحشاء) و (الصلاة معراج المؤمن) و (عمود الدين) و (الصوم جنة من النار) مجازا،
أو منع (3) استعمالها فيه في مثلها (4)، وكل منهما (5) بعيد إلى الغاية كما لا
129

يخفى على أولي النهاية. [1]
(ومنها) (1): أن ثمرة النزاع إجمال الخطاب على القول الصحيحي، وعدم

[1] الصواب: - أولي النهي - وهو جمع نهية - كعقد جمع عقدة - بمعنى العقول، لعدم ورود النهاية في اللغة بمعنى العقل أو العقول،
فلاحظ.
فالأولى لرعاية القافية أن يقال: (أولي الدراية).
130

جواز الرجوع إلى إطلاقه في رفع ما إذا شك في جزئية شئ للمأمور به وشرطيته أصلا، لاحتمال (1) دخوله في المسمى كما لا يخفى، و
جواز الرجوع إليه (2) في ذلك على القول الأعمي في غير ما احتمل دخوله فيه (3) مما (4) شك في جزئيته أو شرطيته. نعم لا بد في
الرجوع إليه (5) فيما ذكر من كونه (6) واردا مورد البيان، كما لا بد منه (7) في الرجوع إلى سائر المطلقات،
131

وبدونه (1) لا مرجع أيضا إلا البراءة أو الاشتغال على الخلاف في مسألة دوران الامر بين الأقل والأكثر الارتباطيين.

[1] لا يخفى أن هاتين المقدمتين كافيتان في صحة الرجوع إلى الاطلاق على قول الصحيحي أيضا، وذلك لان الموضوع وان كان مجملا
ذاتا لكنه بالاطلاق المقامي يصير مبينا عرضا. والحاصل: أن الاطلاق محكم على كلا القولين غاية الامر أنه على الصحيح مقامي وعلى
الأعم لفظي، فليس إجمال.
132

وقد انقدح بذلك (1) أن الرجوع إلى البراءة أو الاشتغال في موارد

[1] لعل نظر من جعل الثمرة مرجعية الاحتياط على الصحيح والبرأة على الأعم إلى أنه - بناء على الصحيح - يرجع الشك في الجزئية و
الشرطية إلى الشك في المحصل، لا إلى دخل شئ في نفس المأمور به ليندرج في كبرى الأقل والأكثر بتقريب: أن المأمور به عنوان
الصحيح وهو أمر بسيط، ومحصله مردد بين الأقل والأكثر، بخلاف القول بالأعم، فإن المردد بينهما هو نفس المأمور به، فصغروية
المقام لكبرى المأمور به المردد بين الأقل والأكثر مبنية على القول بالأعم، إذ على الصحيح يندرج المقام في الشك في محصل المأمور
به لا نفسه، هذا. لكن فيه أولا: أن ما نحن فيه على كلا القولين من صغريات المأمور به المردد بين الأقل والأكثر، لكون الشك في نفس
المأمور به لا في محققه، لما تقدم في تصوير الجامع الذي اختاره المصنف (قده) من أنه متحد مع المأمور به وجودا اتحاد الطبيعي مع
أفراده، وليس وجوده مغايرا له حتى يكون الشك في المحصل. وثانيا: - بعد تسليم كون الشك بناء على الوضع للصحيح في محقق
المأمور به لا نفسه - أن المسلم من عدم جريان البراءة في المحصل إنما هو المحصل
133

إجمال (1) الخطاب أو إهماله (2) على القولين (3)، فلا وجه لجعل الثمرة هو الرجوع إلى البراءة على الأعم والاشتغال على الصحيح، ولذا
(4) ذهب المشهور إلى البراءة مع ذهابهم إلى الصحيح. وربما قيل بظهور الثمرة في النذر أيضا (5)، قلت وان كان تظهر فيما لو نذر
لمن يصلي إعطاء درهم في البر (6) فيما لو أعطاه لمن صلى

العقلي، لفقد شرطه فيه - وهو كون المشكوك فيه من المجعولات الشرعية -، أما المحصل الشرعي - كما في المقام - فالحق جريانها
فيه، لوجود شرطه المذكور.
134

ولو علم بفساد صلاته، لاخلاله بما لا يعتبر في الاسم على الأعم، وعدم (1) البر على الصحيح (2)، إلا أنه ليس بثمرة لمثل هذه المسألة،
لما عرفت (3) من أن ثمرة المسألة الأصولية هي أن تكون نتيجتها (4) واقعة في طريق استنباط الاحكام الفرعية
135

فافهم (1).
وكيف كان فقد استدل للصحيحي بوجوه:
(أحدها): التبادر، ودعوى (2) أن المنسبق إلى الأذهان منها هو الصحيح، ولا منافاة بين دعوى ذلك (3) وبين كون الألفاظ على
هذا القول (4) مجملات،
136

فإن المنافاة (1) إنما تكون فيما إذا لم تكن معانيها على هذا (2) مبينة بوجه (3)، وقد عرفت (4) كونها (5) مبينة بغير وجه.

[1] لا ينبغي الاشكال في أصل التبادر وانسباق الصحيح، لكن الكلام في أنه مستند إلى نفس اللفظ وحاقه أو إلى غيره، الظاهر هو
الثاني، لان المقصود بهذه الألفاظ هو ما يقوم به الغرض، ومن المعلوم أنه خصوص المعاني الصحيحة، لقيام الاغراض والفوائد بها دون
غيرها، فتكون هذه المعاني الصحيحة هي المتبادرة عند إطلاق ألفاظها، ومثل هذا التبادر لا يصلح لان يكون أمارة على الحقيقة - كما
تقدم في محله -، ومن هنا يمكن الاشكال في تصوير الجامع بين الافراد الصحيحة والفاسدة، فإنه يحمل بهذه القرينة على كونه
خصوص ما ينطبق على الصحيحة، فتأمل جيدا.
137

(ثانيها) صحة السلب عن الفاسد (1) بسبب (2) الاخلال ببعض أجزائه أو شرائطه بالمداقة (3) وإن صح الاطلاق عليه بالعناية.
(ثالثها) الاخبار الظاهرة في إثبات بعض الخواص والآثار للمسميات (4) مثل: (الصلاة عمود الدين)
138

أو (معراج المؤمن) و (الصوم جنة من النار) إلى غير ذلك، أو نفى (1) ماهيتها وطبائعها (2) مثل: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) ونحوه
مما كان ظاهرا في نفى الحقيقة بمجرد فقد ما يعتبر في الصحة شطرا أو شرطا، وإرادة (3)
139

خصوص الصحيح من الطائفة الأولى (1) ونفي الصحة من الثانية (2)، لشيوع (3) استعمال هذا التركيب (4) في نفي مثل الصحة أو الكمال
خلاف (5) الظاهر لا يصار إليه مع عدم نصب قرينة عليه، بل واستعمال (6) هذا التركيب
140

في نفي الصفة ممكن المنع حتى في مثل: - لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد - مما يعلم أن المراد نفي الكمال، بدعوى (1) استعماله في
نفي الحقيقة في مثله (2) أيضا (3) بنحو من العناية، لا على الحقيقة، وإلا (4) لما دل على المبالغة، فافهم (×). (رابعها)
دعوى القطع بأن طريقة الواضعين وديدنهم وضع الألفاظ للمركبات التامة (5)

(×) إشارة إلى: أن الاخبار المثبتة للآثار وإن كانت ظاهرة في ذلك لمكان أصالة الحقيقة، ولازم ذلك كون الموضوع للأسماء هو
الصحيح، ضرورة اختصاص تلك الآثار به، إلا أنه لا يثبت بأصالتها كما لا يخفى، لاجرائها العقلا في إثبات المراد، لا في أنه على نحو
الحقيقة أو المجاز، فتأمل جيدا.
141

كما هو (1) قضية الحكمة الداعية إليه (2)، والحاجة (3) وان دعت أحيانا إلى استعمالها في الناقص أيضا (4)، إلا أنه (5) لا يقتضي أن
يكون بنحو الحقيقة، بل ولو كان مسامحة تنزيلا للفاقد منزلة الواجد، والظاهر أن الشارع غير متخط عن هذه الطريقة (6). ولا يخفى
أن هذه الدعوى (7) وان كانت غير بعيدة [1]

[1] بل بعيدة جدا، لأنها تخرص بالغيب، حيث إنها موقوفة على أمور لم تثبت (أحدها) كون وضع ألفاظ العبادات كأسماء المركبات
الخارجية، وقد مر في تصوير الجامع فساده. (ثانيها) أن تكون حكمة الوضع منحصرة في
142

إلا أنها قابلة للمنع (1)، فتأمل. (2) وقد استدل للأعمي أيضا بوجوه: (منها) تبادر الأعم (3)،
وفيه: أنه قد عرفت الاشكال (4) في تصوير الجامع الذي لا بد منه، فكيف يصح

تفهيم الصحيح ليكون المقام كذلك، وهو ممنوع، لعدم الوجه في انحصار حكمة الوضع في المقيس عليه في ذلك، وعلى فرض التسليم لم
يحرز كون حكمة الوضع الشرعي في ألفاظ العبادات ذلك، لقوة احتمال كون الغرض من التسمية الأعم من الصحيح وإن كانت الآثار
المعنوية مترتبة على الصحيح لترتبها على المأمور به.
(ثالثها) العلم بعدم تخطي الشارع عن طريقة الواضعين بعد تسليم بنائهم على الوضع لخصوص الصحيح لتصح دعوى القطع بوضع
الشارع لألفاظ العبادات للصحيح فقط، وفيه: أنه لا سبيل إلى هذا العلم لا عقلا ولا نقلا.
143

معه (1) دعوى التبادر. و (منها) عدم صحة السلب عن الفاسد (2) وفيه منع، لما عرفت (3).
و (منها) صحة التقسيم إلى الصحيح والسقيم (4)، وفيه (5)

[1] ظاهر كلام المصنف (قده) تسليم كون الأصل في الاستعمال الحقيقة لولا الوجوه الدالة على الوضع للصحيح، لكنه مبني على حجية
144

أنه إنما يشهد على أنها للأعم لو لم تكن هناك دلالة على كونها (1) موضوعة للصحيح، وقد عرفتها (2)، فلا بد أن يكون التقسيم
بملاحظة ما يستعمل فيه اللفظ ولو بالعناية. (ومنها) استعمال الصلاة وغيرها في غير واحد من الاخبار في الفاسدة (3) كقوله عليه
الصلاة والسلام: (بني الاسلام على الخمس: الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية، ولم يناد أحد بشئ كما نودي بالولاية، فأخذ
الناس بأربع وتركوا هذه، فلو أن أحدا صام نهاره وقام ليله ومات بغير ولاية لم يقبل له صوم ولا صلاة) فإن (4) الاخذ بالأربع

أصالة الحقيقة مطلقا حتى مع العلم بالمراد، والشك في كونه حقيقة، وهو خلاف مختاره (قده)، فإن أصالة الحقيقة حجة في الشك في
المراد مع العلم بالمعنى الحقيقي.
145

لا يكون بناء على بطلان عبادات تاركي الولاية إلا إذا كانت أسامي للأعم (1) وقوله عليه السلام: (دعي الصلاة أيام أقرائك) ضرورة (2)
أنه لو لم يكن المراد منها الفاسدة لزم عدم صحة النهي عنها، لعدم قدرة الحائض على الصحيحة منها. وفيه أن الاستعمال أعم من الحقيقة
(3)، مع أن المراد في الرواية الأولى (4)
146

هو خصوص الصحيح، بقرينة أنها مما بني عليها الاسلام، ولا ينافي ذلك (1) بطلان عبادة منكري الولاية، إذ لعل (2) أخذهم بها (3) إنما
كان بحسب اعتقادهم لا حقيقة، وذلك (4) لا يقتضي استعمالها في الفاسد أو الأعم، والاستعمال (5) في
147

قوله عليه السلام: (فلو أن أحدا صام نهاره. إلخ) كان كذلك - أي بحسب اعتقادهم - أو للمشابهة (1) والمشاكلة، وفي (2) الرواية
الثانية النهي للارشاد إلى عدم القدرة على الصلاة، وإلا (3) كان الاتيان بالأركان وسائر ما يعتبر في الصلاة،
148

بل بما يسمى في العرف بها، ولو أخل بما لا يضر الاخلال به بالتسمية (1) عرفا محرما على الحائض ذاتا وإن لم تقصد به القربة (2)، و
لا أظن أن يلتزم به المستدل بالرواية، فتأمل جيدا (3).
(ومنها): أنه لا شبهة في صحة تعلق النذر وشبهه (4) بترك الصلاة في
149

مكان تكره فيه، وحصول الحنث بفعلها، ولو كانت الصلاة المنذور تركها خصوص الصحيحة لا يكاد يحصل به (1) الحنث أصلا، لفساد
الصلاة المأتي بها، لحرمتها (2) كما لا يخفى، بل يلزم المحال (3)، فإن النذر (4) حسب الفرض قد تعلق بالصحيح منها (5)، ولا تكاد
تكون معه (6) صحيحة، وما يلزم من فرض
150

وجوده عدمه محال. قلت: لا يخفى أنه لو صح ذلك (1) لا يقتضي إلا عدم صحة تعلق النذر بالصحيح لا عدم وضع اللفظ له شرعا، مع (2) أن
الفساد
151

من قبل النذر لا ينافي صحة متعلقه، فلا يلزم من فرض وجودها عدمها (1).
ومن هنا (2) انقدح: أن حصول الحنث انما يكون لأجل الصحة لولا تعلقه (3).
نعم (4) لو فرض تعلقه (5) بترك الصلاة المطلوبة بالفعل (×) لكان منع

(×) أي ولو مع النذر، ولكن صحته كذلك مشكل، لعدم كون الصلاة معه صحيحة مطلوبة، فتأمل جيدا.
152

حصول الحنث بفعلها بمكان من الامكان (1).
بقي أمور
الأول: أن أسامي المعاملات إن كانت موضوعة للمسببات (2) فلا مجال (3) للنزاع في كونها (4) موضوعة للصحيحة أو الأعم، لعدم اتصافها بهما
(5) كما لا يخفى، بل بالوجود تارة وبالعدم أخرى، وأما إن كانت موضوعة للأسباب، فللنزاع فيه (6) مجال (7)، لكنه لا يبعد دعوى
153

كونها (1) موضوعة للصحيحة أيضا (2)، وأن الموضوع له هو العقد المؤثر لاثر كذا شرعا وعرفا، والاختلاف بين الشرع والعرف (3)
154

فيما يعتبر (1) في تأثير العقد لا يوجب الاختلاف بينهما (2) في المعنى، بل (3) الاختلاف في المحققات والمصاديق،

[1] الظاهر: أن الاختلاف بينهما إنما هو في نفس المعنى الموضوع له لا في محققاته، ضرورة أن العرف يرى عدم دخل البلوغ أو القبض
في المجلس مثلا في بعض العقود في مفهوم البيع وغيره، والشارع يرى دخلهما فيه، فلا محيص عن كون الاختلاف في نفس المعنى لا
في المصداق، فحينئذ يكون العقد العرفي أعم من الشرعي بناء على كون ألفاظ المعاملات أسامي لخصوص الصحيح. وأما بناء على كونها
أسامي للأعم - كما لا يبعد ذلك - فلا يكون العرفي أعم من الشرعي، بل كلاهما موضوعان للأعم من الصحيح والفاسد.
ولا ينافي الوضع للأعم تبادر الصحيحة منها، لان التبادر المثبت للوضع لا بد أن يستند إلى حاق اللفظ، وذلك غير ثابت هنا، ومع الشك
في كونه مستندا إلى حاق اللفظ أو الاطلاق لا يكون أمارة على الوضع، وإجراء أصالة عدم القرينة لا يجدي في أمارية التبادر كما تقدم
في بحثه.
155

وتخطئة (1) الشرع العرف في (2) تخيل كون العقد بدون ما اعتبره في تأثيره محققا لما هو المؤثر كما لا يخفى، فافهم (3).
الثاني (4):
ان كون ألفاظ المعاملات أسامي للصحيحة لا يوجب إجمالها - كألفاظ العبادات - كي لا يصح التمسك بإطلاقها عند الشك في اعتبار
156



[1] لا يخفى: أنه - بناء على كون ألفاظ المعاملات أسامي شرعا لخصوص الصحيحة - لا محيص عن دخل الأمور التي جعلها الشارع
شروطا للتأثير في معنى المعاملة، فحينئذ يختلف معناها عرفا وشرعا ولا يمكن التمسك بالاطلاق، لعدم إحراز موضوعه وهو
الصحيح. نعم لا بأس بالاطلاق المقامي - بعد إحراز كونه في مقام البيان، وبين دخل أمور في المعاملة - كما تقدم نظيره في العبادات
بناء على وضعها للصحيحة، إذ عدم البيان حينئذ مخل بالغرض، هذا والحق أن يقال: إن أدلة المعاملات لا يستفاد منها أزيد من كونها
إمضاء للمعاملات العرفية، ولم يستعمل الشارع ألفاظها إلا في مفاهيمها العرفية من دون تصرف منه فيها، ودخل القيود في تأثيرها
شرعا إنما استفيد من دوال أخرى، وليست مقومة لمفاهيمها، فقوله تعالى: (أحل الله البيع)، وكذا ما دل
157

شئ في تأثيرها شرعا، وذلك (1) لان إطلاقها لو كان مسوقا في مقام البيان (2) ينزل (3) على أن المؤثر عند الشارع هو المؤثر عند
أهل العرف، ولم يعتبر في تأثيره عنده (4) غير ما اعتبر فيه عندهم (5)، كما ينزل عليه (6) إطلاق كلام غيره، حيث إنه منهم (7)

على عدم نفوذ بيع المنابذة والربا، وقوله عليه السلام: (الصلح جائز) وغير ذلك من أدلة المعاملات لا يفهم منه كالماء والحنطة و
الخمر والخل وغيرها مما أخذ في الأدلة موضوعا للحكم إلا مفهومه العرفي، فإن الشارع لم يتصرف في هذه الموضوعات، بل جعلها
بمفاهيمها العرفية موضوعات للأحكام، فلا فرق بين (أحل الله البيع) وغيره من أدلة إمضاء المعاملات وعدمه، وبين أدلة حلية الماء و
الحنطة وحرمة الخمر والخنزير في كون الموضوع في الجميع عرفيا، وعدم التصرف الشرعي فيه أصلا، فالموضوع في أدلة الامضاء و
عدمه واحد، وهو المنسبق إلى أذهان العرف.
158

لو اعتبر (1) في تأثيره ما شك في اعتباره كان عليه البيان ونصب القرينة عليه، وحيث لم ينصب بان عدم اعتباره عنده أيضا (2)، ولذا
(3) يتمسكون بالاطلاق في أبواب المعاملات مع ذهابهم إلى كون ألفاظها (4) موضوعة للصحيح، نعم (5) لو شك في اعتبار شئ فيها
عرفا، فلا مجال للتمسك بإطلاقها في عدم اعتباره، بل لا بد من اعتباره، لأصالة عدم
159

الأثر بدونه (1)، فتأمل جيدا.
الثالث (2): أن دخل شئ وجودي أو عدمي في المأمور به تارة، بأن يكون داخلا فيما يأتلف منه (3) ومن غيره

[1]
قد يستشكل في دخل العدم في المأمور به بتقريب:
أن العدم لا يؤثر في المصلحة، ومن المعلوم: أن الجز هو المؤثر في المصلحة، فالعدم لا يصلح لان يكون جزا للمأمور به، كما أن الشرط
قد
160

وجعل (1) جملته متعلقا للامر، فيكون جزا له وداخلا في قوامه، وأخرى (2) بأن يكون خارجا عنه، لكنه كان مما لا يحصل الخصوصية
المأخوذة فيه بدونه كما

فسر بأمر وجودي، فلا يصدق على العدمي، وعليه فالعدم لا يصلح للجزئية ولا للشرطية. ولكن يمكن دفعه:
أولا: بعدم كون المصلحة دائما من المتأصلات، فيمكن أن تكون من الأمور الاعتبارية، فتأمل.
وثانيا بعد تسليم تأصل المصلحة دائما بعدم تسليم كون المصلحة في المأمور به، لامكان كونها في نفس الامر.
وثالثا: بإمكان ترتب المصلحة على المركب من وجودي وعدمي، لا العدم فقط، وإنما الممتنع هو ترتب المصلحة على العدم المحض. و
أما في الشرط، فبأنه مجرد اصطلاح، لان الشرط حقيقة هو: ما له دخل في تأثير المقتضي بنحو من الأنحاء سواء أ كان وجوديا أم عدميا،
ولذا يعد عدم المانع شرطا، فالشروط تارة تكون وجودية وأخرى عدمية، والممتنع تأثيره هو العدم المطلق لا المضاف، والمفروض
كون الشرائط العدمية من الاعدام المضافة لا المطلقة. ومن هنا يظهر حال الصوم بناء على كونه نفس التروك، وأما بناء على كونه الكف
عن أمور خاصة فلا إشكال أصلا، لكونه حينئذ أمرا وجوديا كما لا يخفى.
161

إذا أخذ شئ مسبوقا (1) أو ملحوقا به (2) أو مقارنا له (3) متعلقا للامر، فيكون (4)
162

من مقدماته لا مقوماته (1).
وثالثة (2) بأن يكون مما يتشخص به المأمور به بحيث يصدق على المتشخص به عنوانه (3)، وربما يحصل له بسببه (4) مزية أو نقيصة،

[1] ظاهر عبارة المصنف (قده): اعتبار وجود ما يحصل به النقص في المأمور به، وليس كذلك، إذ عدمه معتبر فيه، فوجود التكتف
الموجب للنقصان ليس معتبرا في الصلاة، إذ لا معنى لدخله فيها، فلا محالة يكون عدمه معتبرا فيها، فالعبارة لا تخلو عن مسامحة.
163

ودخل هذا (1) فيه (2) أيضا (3) طورا بنحو الشطرية، وأخرى (4) بنحو الشرطية، فيكون (5) الاخلال بما له دخل
164

بأحد النحوين (1) في حقيقة المأمور به وماهيته (2) موجبا لفساده لا محالة، بخلاف ما له الدخل في تشخصه وتحققه مطلقا شرطا كان
أو شطرا، حيث (3) لا يكون الاخلال به إلا إخلالا بتلك الخصوصية مع تحقق الماهية بخصوصية أخرى غير موجبة لتلك المزية. بل كانت
(4) موجبة لنقصانها، كما أشرنا إليه (5) كالصلاة في الحمام. (6) ثم إنه (7) ربما يكون الشئ مما يندب
165

إليه فيه (1) بلا دخل له (2) أصلا - لا شطرا ولا شرطا - في حقيقته، ولا في خصوصيته وتشخصه (3)، بل له (4) دخل ظرفا في مطلوبيته
(5) بحيث لا يكون
166

مطلوبا إلا إذا وقع في أثنائه (1)، فيكون مطلوبا نفسيا (2) في واجب أو مستحب كما إذا كان مطلوبا كذلك (3) قبل أحدهما (4) أو بعده
(5)، فلا يكون الاخلال به (6) موجبا للاخلال به (7) ماهية ولا تشخصا وخصوصية أصلا.
167

إذا عرفت هذا (1) كله، فلا شبهة في عدم دخل ما ندب إليه في العبادات نفسيا في (2) التسمية بأساميها (3) وكذا (4) فيما له دخل في
تشخصها مطلقا (5)، وأما ما له الدخل شرطا (6) في أصل ماهيتها،
168

فيمكن الذهاب أيضا (1) إلى عدم دخله في التسمية بها (2) مع الذهاب (3) إلى دخل ما له الدخل جزا فيها (4)، فيكون الاخلال بالجز
مخلا بها (5) دون الاخلال بالشرط (6)، لكنك عرفت (7) أن الصحيح اعتبارهما فيها (8).
(الحادي عشر) الحق: وقوع الاشتراك (9)
169

للنقل (1) والتبادر (2) وعدم (3) صحة السلب بالنسبة إلى (4) معنيين أو أكثر للفظ واحد وإن (5) أحاله بعض،
بإمكانه ووقوعه مطلقا في القرآن وغيره، والمصنف (قده) اختار هذا القول، واستدل عليه بوجوه.
170

لاخلاله (1) بالتفهم المقصود من الوضع، لخفاء القرائن (2)، لمنع (3) الاخلال أولا، لامكان الاتكال على القرائن الواضحة، ومنع كونه (4)
مخلا بالحكمة ثانيا

[1] هذا التعليل أخص من المدعى، لاختصاصه بصورة خفاء القرائن، فلا يصلح لان يكون دليلا على منع الاشتراك مطلقا ولو فيما إذا
كانت قرائن المراد جلية بحيث كانت دلالتها على المقصود واضحة.
171

لتعلق الغرض بالاجمال أحيانا، كما أن استعمال المشترك في القرآن ليس بمحال كما توهم (1)، لأجل (2) لزوم التطويل بلا طائل مع
الاتكال على القرائن، والاجمال في المقال لولا الاتكال عليها (3)، وكلاهما غير لائق بكلامه تعالى جل شأنه كما لا يخفى، وذلك (4)
لعدم لزوم التطويل فيما كان الاتكال على حال أو مقال أتى
172

به لغرض آخر (1)، ومنع (2) كون الاجمال غير لائق بكلامه تعالى مع كونه (3) مما يتعلق به الغرض، وإلا (4) لما وقع المشتبه في كلامه،
وقد أخبر في كتابه الكريم بوقوعه فيه (5) قال الله تعالى: (فيه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات). وربما توهم (6)
وجوب وقوع الاشتراك في اللغات لأجل عدم تناهي

[1] بل قد يقتضي المقام التطويل كما إذا كان الكلام مع الحبيب، فلزوم التطويل أعم من المدعى.
173

المعاني وتناهي الألفاظ المركبات (1)، فلا بد (2) من الاشتراك فيها (3)، وهو (4) فاسد، لوضوح امتناع الاشتراك في هذه المعاني (5)،

[1] لا يخفى أن الاشتراك لا يدفع محذور عدم وفاء المتناهي بغير المتناهي، لان وضع لفظ واحد لمعان متعددة لا يوجب تناهي المعاني
لتفي بها الألفاظ، إلا أن يقال: إن المراد تناهي المعاني التي تمس الحاجة إلى استعمال الألفاظ فيها، لكن لا نحتاج حينئذ إلى الاشتراك
اللفظي، لوفاء الألفاظ المركبة بأنحاء التراكيب من الحروف الهجائية بالمعاني المحتاجة إلى إفهامها، لصيرورة المعاني حينئذ متناهية،
فلا داعي إلى الاشتراك أصلا.
174

لاستدعائه (1) الأوضاع الغير المتناهية، ولو سلم (2) لم يكد يجدي (3) إلا في مقدار متناه، مضافا (4) إلى تناهي المعاني الكلية، و
جزئياتها (5) وان كانت غير متناهية إلا أن وضع الألفاظ بإزاء كلياتها يغني عن وضع لفظ بإزائها (6)
175

كما لا يخفى، مع (1) أن المجاز باب واسع، فافهم (2).
(الثاني عشر): أنه قد اختلفوا في جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى (3) على سبيل الانفراد
والاستقلال بأن يراد منه كل واحد (4) كما إذا لم يستعمل
176

إلا فيه (1) على أقوال (2) أظهرها عدم جواز الاستعمال في الأكثر عقلا (3)، وبيانه (4): أن حقيقة الاستعمال ليس مجرد جعل اللفظ علامة
لإرادة المعنى، بل
177



[1] يمكن الاستدلال على كون حقيقة الاستعمال فناء اللفظ في المعنى بوجوه:
أحدها: أن الوجود اللفظي من أنحاء الوجود، وحينئذ فإن كان الاستعمال فناء اللفظ في المعنى الموجب لصيرورته وجودا لفظيا له تحقق
للمعنى وجود لفظي، ولا إشكال في ذلك، لكون اللفظ حينئذ هو المعنى، فتتحقق الهوهوية الاعتبارية الموجبة لصيرورة اللفظ وجودا
لفظيا للمعنى. وإن كان الاستعمال جعل اللفظ علامة للمعنى فلا يتحقق له ذلك، لان الهوهوية الاعتبارية الموجبة لكون اللفظ وجودا
لفظيا للمعنى لا تتحقق حينئذ، لعدم الاتحاد بين العلامة وذيها.
ثانيها: أنه لا شك في أن المتكلم يلقي المعاني التي يريد بيانها بالألفاظ، وإلقاؤها بها يتوقف على الاتحاد والهوهوية بينهما، إذ ليس
إلقاء أحد الأجنبيين إلقاء للاخر، وهذه الهوهوية منوطة بكون الاستعمال فناء اللفظ في المعنى، إذ لو كان
178

جعله وجها وعنوانا له، بل بوجه نفسه كأنه الملقى، ولذا (1) يسري إليه قبحه وحسنه كما لا يخفى، ولا يكاد يمكن جعل اللفظ كذلك (2)
(1) أي: ولكون اللفظ وجه المعنى بل نفسه بوجه يسري إليه حسن المعنى وقبحه.

علامة يكون كل منهما أجنبيا عن الاخر، وقد عرفت عدم كون إلقاء أحد الأجنبيين إلقاء للاخر.
ثالثها: أن المناسب للوضع الخارجي المقولي الذي هو هيئة تعرض الجسم باعتبار نسبتين أن يكون الوضع الاعتباري الانشائي جعل
الهوهوية والاتحاد بين اللفظ والمعنى، لان الهيئة الاعتبارية لا تحصل إلا بهذا الاتحاد، ولا يحصل هذا الاتحاد إلا بفناء اللفظ في المعنى،
فلا تحصل تلك الهيئة بجعل اللفظ علامة له، إذ التغاير بينهما مانع عن حصولها، فتدبر
[1] لا يخفى أنه يترتب على هذا البيان أمور:
الأول: لزوم تبديل عنوان البحث ب (استعمال اللفظ في أكثر من معنى
179

إلا لمعنى واحد، ضرورة (1) أن لحاظه هكذا (2) في إرادة معنى ينافي لحاظه (3)

حقيقي) إذ الاستعمال بالمعنى المذكور لا يتأتى في غير المعنى الحقيقي، لعدم صلاحية اللفظ لان يكون فانيا في غيره، لكون الصلاحية
ناشئة عن الوضع، ولا وضع في غير المعنى الحقيقي.
الثاني: كون مورد النزاع هو المعاني الافرادية دون التركيبية لان الألفاظ موضوعة للمعاني الافرادية، وتستفاد المعاني الجملية من ضم
المفردات بعضها إلى بعض.
الثالث: عدم تصور المجاز في الكلمة، لأنه بعد العلم بالوضع لا ينسبق من اللفظ إلا المعنى الموضوع له، ولا يمكن سلب هذا الانسباق عنه،
فلا بد من إنكار المجاز في الكلمة الذي هو صيرورة اللفظ وجها للمعنى وفانيا فيه كفنائه في المعنى الحقيقي، والالتزام بكون القرائن
معينة للمراد، لا صارفة للفظ عن معناه الحقيقي كما هو المقصود من قرينة المجاز في الكلمة. ويمكن الاستئناس لذلك أيضا بظاهر هيئة
الاستعمال، لأنها تناسب جعل اللفظ فانيا في المعنى، إذ مقتضاها جعل اللفظ عاملا في المعنى، فإن كان الاستعمال فناء اللفظ فيه، فلا
إشكال حينئذ في تحقق عمل من اللفظ في المعنى، لكونه موجدا له وجودا لفظيا، وان كان أمارية اللفظ على المعنى فلا يتحقق عمل من
اللفظ فيه إذ مجرد كونه علامة ليس عملا في المعنى، فتأمل.
180

كذلك (1) في إرادة الاخر (2)، حيث إن لحاظه (3) كذلك (4) لا يكاد يكون إلا بتبع لحاظ المعنى فانيا فيه (5) فناء الوجه في ذي الوجه و
العنوان في المعنون، ومعه (6) كيف يمكن إرادة معنى آخر معه كذلك في (7) استعمال واحد؟ مع (8) استلزامه للحاظ آخر غير لحاظه
كذلك (9) في هذا الحال (10)
181

(وبالجملة) لا يكاد يمكن في حال استعمال واحد لحاظه (1) وجها لمعنيين وفانيا في الاثنين إلا أن يكون اللاحظ أحول العينين (2).
فانقدح بذلك (3) امتناع استعمال اللفظ مطلقا مفردا كان أو غيره (4) في أكثر من معنى بنحو الحقيقة أو المجاز (5)، ولولا امتناعه (6)
فلا وجه لعدم جوازه، فإن اعتبار الوحدة في الموضوع له (7)
182

واضح المنع (1)، وكون الوضع في حال وحدة المعنى. وتوقيفيته (2) لا يقتضي عدم الجواز بعد ما لم تكن الوحدة قيدا للوضع ولا
للموضوع له كما لا يخفى.

[1] لا يخفى أن الوحدة تارة تكون قيدا للموضوع له، وأخرى قيدا للاستعمال بأن شرط الواضع على المستعملين أن لا يستعملوا اللفظ في
الموضوع له إلا في حال انفراد المعنى ووحدته، ومرجعه إلى شرط تعبدي، وثالثة قيدا لنفس الوضع بأن يكون وحدة المعنى شرطا
لتحقق الوضع كشرط الوجوب، فإن كانت قيدا للموضوع له فلا محيص عن اتباع الواضع فيه، لكن لم يثبت ذلك. وان كانت قيدا
للاستعمال، فلا دليل على لزوم الوفاء به بعد فرض كون الموضوع له طبيعة المعنى عارية عن قيد الوحدة. وإن كانت قيدا لنفس الوضع
بحيث يتوقف الوضع على الاستعمال في المعنى مقيدا بالوحدة، فيرد عليه: أنه مستلزم للاستحالة، ضرورة أن الاستعمال الحقيقي متأخر
عن الوضع، لأنه - كما تقدم - فناء اللفظ في المعنى الموضوع له، فإذا توقف الوضع عليه لدار، فالحق أن اللفظ وضع لذات المعنى من دون
قيد من الوحدة وغيرها، فلا محذور في استعمال اللفظ في أكثر
183



من معنى من ناحية اعتبار الوحدة، وإنما المانع تعدد اللحاظ المتضاد مع وحدة الاستعمال، هذا كله في الوحدة اللحاظية المانعة عن
الاستعمال في المعنيين. وأما الوحدة المفهومية فيكذبها الوجدان، إذ اللازم من ذلك دلالة اللفظ دائما على نفس المعنى تضمنا لا مطابقة،
لأن المفروض كون طبيعة المعنى جز الموضوع له لا تمامه. وأما الوحدة الخارجية المساوقة للوجود والتشخص، فهي محفوظة ولو مع
استعماله في ألف معنى كما لا يخفى.
184

ثم إنه لو تنزلنا عن ذلك (1) فلا وجه للتفصيل بالجواز على نحو الحقيقة في التثنية والجمع، وعلى نحو المجاز في المفرد مستدلا على
كونه (2) بنحو الحقيقة فيهما لكونهما (3) بمنزلة تكرار اللفظ، وبنحو المجاز فيه (4) لكونه (5) موضوعا للمعنى بقيد الوحدة، فإذا
استعمل
185

في الأكثر لزم إلغاء قيد الوحدة (1) فيكون مستعملا في جز المعنى (2) بعلاقة الكل والجز فيكون مجازا، وذلك (3) لوضوح أن
الألفاظ لا تكون موضوعة إلا لنفس المعاني بلا ملاحظة قيد الوحدة،

[1] يمكن أن يقال بعد تسليم اعتبار الوحدة في الموضوع له: إن علاقة الكل والجز المصححة للاستعمال المجازي مختصة بالمركب
الخارجي لا التحليلي الذهني كالمعنى المقيد بالوحدة اللحاظية، حيث إن الوحدة جز ذهني، فعلاقة الكل والجز مفقودة هنا، فلا يصح
استعمال المفرد في أكثر من معنى ولو مجازا
186

وإلا (1) لما جاز الاستعمال في الأكثر، لان الأكثر ليس جز المقيد بالوحدة، بل يباينه مباينة الشئ بشرط شئ والشي بشرط لا كما
لا يخفى، والتثنية والجمع (2) وإن كانا بمنزلة التكرار في اللفظ، إلا أن الظاهر أن اللفظ فيهما (3) كأنه كرر وأريد من كل لفظ فرد
من أفراد معناه،
187

لا أنه أريد منه (1) معنى من معانيه، فإذا قيل مثلا: - جئني بعينين - أريد فردان من العين الجارية لا العين الجارية والعين الباكية، و
التثنية والجمع في الاعلام (2) إنما هو بتأويل المفرد إلى المسمى بها (3).
188

مع (1) أنه لو قيل بعدم التأويل وكفاية الاتحاد في اللفظ في استعمالها (2) حقيقة بحيث جاز إرادة عين جارية وعين باكية من تثنية
العين حقيقة لما كان هذا (3) من باب استعمال اللفظ في الأكثر، لان (4) هيئتهما إنما تدل على إرادة المتعدد مما يراد من مفردهما
فيكون استعمالهما وإرادة المتعدد
189

من معانيه (1) استعمالا لهما في معنى واحد، كما إذا استعملا وأريد المتعدد عن معنى واحد منهما (2) كما لا يخفى. نعم (3) لو أريد مثلا
من عينين فردان
190

من الجارية وفردان من الباكية كان من استعمال العينين في المعنيين، إلا أن حديث التكرار (1) لا يكاد يجدي في ذلك (2) أصلا، فإن فيه
(3) إلغاء قيد الوحدة المعتبرة أيضا (4)، ضرورة أن التثنية عنده إنما تكون لمعنيين أو لفردين بقيد الوحدة (5)، والفرق بينها (6) وبين
المفرد إنما يكون في أنه موضوع للطبيعة

[1] الذي يستفاد من جملة من كلمات النحويين: أن علامة التثنية تدل على تعدد ما يراد من المفرد، فالعلامة أمارة تعدد مصداق الجنس
الذي أريد من المفرد
191

وهي (1) موضوعة لفردين منها (2) أو معنيين كما هو أوضح من أن يخفى
(وهم ودفع) لعلك تتوهم (3) أن الأخبار الدالة على أن للقرآن بطونا سبعة أو سبعين تدل على وقوع استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد فضلا

سواء أكان المصداقان من مصاديق ماهيتين كالأبيضين - لانسان وفرس - حيث إن الجامع بينهما في نظر الواضع هو البياض من دون
نظر إلى متعلقه من حيث تعدد الماهية ووحدتها، أم من مصاديق ماهية واحدة كقولك: - الأبيضان لانسانين - ولما كان المراد بالمفرد
جنسا واحدا وجامعا فاردا مشتركا بين الافراد، فعلامة التثنية تحدد مصاديق ذلك الجنس بفردين، وهذا هو المتبادر من علامة التثنية.
وربما يدل عليه ما عن ابن الحاجب: (المثنى ما ألحق آخره ألف أو ياء مفتوح ما قبلها ونون مكسورة ليدل على أن معه مثله من جنسه)
أقول: وفسر الشارح الرضي: الجنس بمعنى جامع صالح لان ينطبق على أكثر من فرد واحد. وبالجملة:
فعلامة التثنية ليست بمنزلة تكرار اللفظ في إرادة معنيين من لفظين، بل وضعت لإرادة المتعدد من أفراد المعنى الذي أريد من المفرد،
ففرق واضح بين قوله:
(جئني بعين وعين) وبين (جئني بعينين)، حيث إنه يصح إرادة معنيين في الأول دون الثاني.
192

عن جوازه (1). ولكنك غفلت عن أنه لا دلالة لها (2) أصلا على أن إرادتها كان من باب إرادة المعنى من اللفظ، فلعله كان بإرادتها في
أنفسها حال الاستعمال في المعنى لا من اللفظ (3) كما إذا استعمل فيها، أو كان المراد من البطون لوازم معناه المستعمل فيه اللفظ (4)
193

وإن كان أفهامنا قاصرة عن إدراكها (1).
(الثالث عشر) أنه اختلفوا في أن المشتق (2) حقيقة في خصوص ما تلبس بالمبدأ في الحال (3) أو فيما يعمه (4) وما انقضى عنه على

[1] لا يخفى أنه على فرض دلالة أخبار البطون على كون إرادتها من باب الاستعمال في أكثر من معنى لا بد من رفع اليد عن هذه الدلالة
وارتكاب التأويل في تلك الأخبار، لعدم معارضة النقل لحكم العقل الضروري، وهو ما تقدم من استحالة استعمال اللفظ في أكثر من
معنى عقلا، نعم إذا جعلنا الاستعمال من باب العلامة فلا استحالة كما مر، فلاحظ.
194

أقوال (1) بعد الاتفاق (2) على كونه مجازا فيما يتلبس به في الاستقبال، وقبل الخوض في المسألة وتفصيل الأقوال فيها وبيان
الاستدلال عليها ينبغي تقديم أمور
أحدها: أن المراد بالمشتق هاهنا (3) ليس مطلق المشتقات، بل خصوص

[1] لا يخفى: أن دعوى الاشتراك سواء أ كان لفظيا أم معنويا مبنية على تركب المشتق من الذات والمبدأ حتى يتصور الجامع بين حالتي
التلبس والانقضاء، وأما بناء على بساطته فلا وجه لها أصلا، لعدم جامع بين الوجود والعدم، إذ مرجع الاشتراك حينئذ إلى وضع اللفظ
لكل من وجود معناه وهو المبدأ وعدمه، وهو باطل.
195

ما يجري منها (1) على

[1] وعلى هذا فالنسبة بين المشتق الأصولي وبين المشتق النحوي عموم من وجه، لاجتماعهما في أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات
المشبهة بالفعل، وافتراقهما في الجوامد الجارية على الذوات باعتبار اتصافها بالمبادئ الجعلية كالزوج والحر والرق ونحوها، وفي
الافعال والمصادر، لصدق المشتق الأصولي على الزوج ونحوه من الجوامد دون المشتق النحوي، وصدق النحوي على الافعال و
المصادر المزيد فيها دون الأصولي. ثم إن قضية ما ذكر هي: عدم دخل عنوان المشتق النحوي في موضوع البحث أصلا، إذ المفروض أن
المبحوث عنه هو كل مفهوم ينتزع
196

الذوات (1) مما (2) يكون مفهومه منتزعا عن الذات بملاحظة اتصافها (3) بالمبدأ واتحادها (4) معه بنحو من الاتحاد، كان بنحو الحلول
(5) أو الانتزاع (6) أو

عن الذات بملاحظة اتصافها بما يكون خارجا عن الذاتيات سواء أ كان ذلك مشتقا كأسماء الفاعل والمفعول والمكان وغيرها، أم
جامدا كالزوج والحر والرق وغيرها، فجعل عنوان المشتق موضوع البحث مع عدم دخله فيه غير مناسب.
197

الصدور أو الايجاد (1) كأسماء (2) الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهات، بل (3) وصيغ المبالغة وأسماء الأزمنة والأمكنة والآلات
كما هو ظاهر العنوانات (4)، وصريح بعض المحققين (5)، مع عدم صلاحية ما يوجب اختصاص النزاع بالبعض
198

إلا التمثيل به (1)، وهو غير صالح كما هو واضح (2)، فلا وجه لما زعمه بعض الأجلة (3) من الاختصاص باسم الفاعل وما بمعناه من
الصفات المشبهة وما يلحق
199

بها (1) وخروج سائر الصفات (2)، ولعل منشأه (3) توهم كون ما ذكره لكل منها (4) من المعنى مما اتفق عليه الكل
200

وهو كما ترى (1)، واختلاف (2) أنحاء التلبسات حسب تفاوت مبادئ المشتقات
201

بحسب الفعلية (1) والشأنية (2)
203

والصناعة (1) والملكة (2) حسبما يشير إليه (3) لا يوجب تفاوتا فيما هو المهم (4) من محل النزاع هاهنا (5) كما لا يخفى. ثم إنه لا يبعد
(6) أن يراد بالمشتق في محل النزاع (7) مطلق ما كان مفهومه ومعناه جاريا على الذات ومنتزعا عنها بملاحظة اتصافها بعرض (8) أو
204

عرضي (1) ولو كان جامدا كالزوج والزوجة والرق والحر، فان أبيت (2) إلا عن اختصاص النزاع المعروف بالمشتق كما هو قضية
الجمود على ظاهر
205

لفظه (1)، فهذا القسم من الجوامد أيضا محل النزاع، كما يشهد به (2) ما عن صاحب الايضاح في باب الرضاع في مسألة من كانت له
زوجتان كبيرتان أرضعتا زوجته الصغيرة ما هذا لفظه: (تحرم المرضعة الأولى والصغيرة مع الدخول بالكبيرتين (3)،
206

وأما المرضعة الآخرة ففي تحريمها خلاف، فاختار والدي المصنف (ره) وابن إدريس

[1] لا بأس بالتعرض إجمالا للجهة الفقهية المتعلقة بهذه المسألة وان كانت خارجة عن الفن، لتزين الأصول بالفقه، فنقول وبه نستعين و
بوليه صلى الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وعجل فرجه الشريف وجعلنا فداه نتوسل ونستجير: إن الرضاع من موجبات الحرمة
كالنسب كتابا وسنة مقبولة كالنبوي (الرضاع لحمة كلحمة النسب) ومتواترة كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يحرم من الرضاع ما
يحرم من النسب) وإجماعا، بل ضرورة من المذهب بل الدين، فكما أن العناوين الخاصة النسبية توجب الحرمة، فكذلك مثل تلك
العناوين إذا حصلت بالرضاع، فالأم والبنت والأخت وغيرهن من الرضاعة يحرمن كحرمتهن من النسب، ومن جملة المحرمات بالنسب
أم الزوجة، فإنها تحرم على الزوج أبدا، فتحرم الام الرضاعية لها أيضا، لكون الرضاع لحمة كلحمة النسب، ومن جملتها بنت الزوجة
نسبا، فتحرم مؤبدا مع الدخول بأمها. وجمعا مع الام بدون الدخول بها، فبنتها الرضاعية أيضا كذلك. إذا عرفت هذا فاعلم: أنه يعتبر في
نشر الرضاع للحرمة أن يكون اللبن حاصلا من وطي جائز شرعا، لنكاح بقسميه، أو ملك يمين أو تحليل، ويلحق به وطي الشبهة على
الأقوى، فلو در اللبن من المرأة بغير وطي جائز أو كان اللبن من الزنا لم ينشر الحرمة، نعم لا يعتبر في النشر بقاء المرأة في حبال
الرجل فلو فارقها بطلان مثلا مع كونها ذات لبن منه وأرضعت به رضيعا
207

تحريمها، لان هذه يصدق

نشر الحرمة وان تزوجت ودخل بها الزوج الثاني. وكيف كان، فللمسألة المبحوث عنها في المقام صور:
الأولى: أن يدخل الزوج بكلتا الكبيرتين.
الثانية: أن لا يدخل بواحدة منهما.
الثالثة: أن يدخل بالمرضعة الأولى دون الثانية.
الرابعة عكس الثالثة.
(أما الأولى) وهي دخول الزوج بكلتا الكبيرتين، فحكمها بالنسبة إلى المرتضعة هو الحرمة، لصيرورتها بنته من الرضاعة ان كان اللبن
منه، وربيبته من الزوجة المدخول بها ان كان اللبن من غيره.
قال في الشرائع: (ولو كان له زوجتان كبيرتان وزوجة رضيعة فأرضعتها إحدى الزوجتين أولا، ثم أرضعتها الأخرى حرمت المرضعة
الأولى والصغيرة) انتهى، وقال في التحرير: (لو أرضعت إحدى زوجتيه الأخرى، فان كان بلبنه حرمتا مؤبدا، وان كان من غيره فالأم
كذلك والبنت أيضا ان كان دخل بالام، وإلا حرمت جمعا) انتهى، وقال في المستند: (الوجه في تحريم الصغيرة مؤبدا على الفرضين
واضح، لصيرورتها بنتا له على الأول وبنت الزوجة المدخول بها على الثاني) انتهى، ومراده بالفرضين كون اللبن من الزوج، أو من
غيره مع الدخول. وقريب منها غيرها من المتون.
وبالجملة: فلا يبتني حرمة المرتضعة على نزاع المشتق أصلا، لاتصافها فعلا بكونها بنتا له ان كان اللبن منه، وبنتا للزوجة المدخول بها
ان كان اللبن من
208



غيره، ومن المعلوم: حرمة الربيبة مؤبدا بالدخول بأمها، ولا يقدح مقارنة حدوث أمومة المرضعة لارتفاع زوجيتها وكونهما في رتبة
واحدة، لترتبهما معا على الرضاع، فلا يصدق على المرتضعة بنت الزوجة المدخول بها فعلا، بل يصدق عليها بنت من كانت زوجة قبل
الرضاع، فيبتني حرمة المرتضعة على وضع المشتق للأعم، ليصدق عليها الزوجة فعلا حتى تكون هي بنت الزوجة.
وجه عدم القدح: أنه لا يعتبر في حرمة الربيبة بقاء الام على الزوجية، بل يكفي في حرمتها اتصاف أمها بالزوجية في زمان مع الدخول
بها ولو لم تكن البنت موجودة حال زوجية الام، بل تولدت بعد خروج الام عن الزوجية، كما إذا فارقت الزوج وتزوجت بغيره وولدت
منه بنتا، فإنها تحرم على الزوج الأول، للنصوص:
كصحيح (1) محمد بن مسلم قال: (سألت أحدهما عليهما السلام عن رجل كانت له جارية وكان يأتيها فباعها فأعتقت وتزوجت فولدت
ابنته، هل تصلح ابنتها لمولاها الأول؟ قال عليه السلام: هي عليه حرام) وزاد في طريق آخر بعد قوله هي حرام عليه: (وهي ابنته والحرة
والمملوكة في هذا سواء) وغيره مما هو قريب منه، واستشهد الإمام عليه السلام في بعضها بقوله تعالى: (وربائبكم اللاتي في حجوركم
من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) حيث إن الآية الشريفة سيقت لبيان مناط حرمة الربيبة وهو الدخول بأمها كما يشير إليه قوله في - ف -:
(إذا دخل بالام حرمت البنت على التأبيد سواء كانت في حجره أو لم تكن، وبه قال
209



جميع الفقهاء) انتهى، فإذا تحقق هذا المناط حرمت الربيبة مؤبدا سواء بقيت أمها على الزوجية أم لا، وسواء كانت الربيبة موجودة حين
زوجية أمها أم لا، ولذا لو فارقت زوجها بطلاق ونحوه وتزوجت برجل آخر فولدت منه بنتا حرمت تلك البنت على زوجها الأول،
لكونها ربيبته. فالمتحصل: أن حرمة الصغيرة المرتضعة أجنبية عن نزاع المشتق وغير مبنية عليه أصلا، فعدم صدق الزوجة فعلا على
المرضعة لا يضر بحرمة المرتضعة قطعا، هذا حكم المرتضعة.
(1) الوسائل ج 14 ص 358 الحديث 6 طبع طهران سنة 1384
(وأما المرضعة الأولى) فظاهر المشهور حرمتها، بل مقتضى إرسالهم ذلك إرسال المسلمات هو الاتفاق عليها، فالحكم من حيث الفتوى
كأنه مسلم لكنه من حيث الدليل لا يخلو من الغموض، لاستدلال جملة من الفقهاء رضوان الله عليهم على ذلك بكونها أم الزوجة، فيشملها
قوله تعالى: (وأمهات نسائكم) ومن المعلوم: أن صدق هذا العنوان على المرضعة موقوف على بقاء زوجية المرتضعة بعد حدوث الأمومة
للمرضعة، ولا شك في ارتفاعها بالرضاع، لأنه علة لحدوث الأمومة للمرضعة، وزوال الزوجية عن المرتضعة وحدوث البنتية لها في
زمان واحد، فأمومة المرضعة وزوال زوجية المرتضعة معلولان للرضاع، ومعه لا يتصور زمان يجتمع فيه زوجية المرتضعة وأمومة
المرضعة ليصدق على المرضعة أم الزوجة، فصدق أم الزوجة فعلا على المرضعة موقوف على وضع المشتق للأعم.
ولا يندفع هذا الغموض فرارا عن الالتزام بوضع المشتق للأعم، بدعوى: أن أم الزوجة تصدق على المرضعة عرفا وإن لم تصدق عليها
دقة، ولا بدعوى: (أن المستفاد من دليل حرمة أم الزوجة كون موضوعها ما هو أعم من اقتران الأمومة
210



والزوجية يعني: أن أم الزوجة تحرم سواء كانت أمومتها وزوجية الزوجة مقترنتين أم متعاقبتين متصلتين نظير اتصال وجود الشئ
بعدمه كما هو مورد البحث. ولا بدعوى: أن ارتفاع زوجية الصغيرة وحدوث بنتيتها للكبيرة ليسا في رتبة واحدة حتى لا يصدق على
المرضعة أم الزوجة، بل هما في رتبتين، وأن حدوث بنتيتها للكبيرة متقدم رتبة على ارتفاع زوجيتها، فتصير الصغيرة بنتا قبل
ارتفاع الزوجية عنها، فيصدق على الكبيرة أم الزوجة.
توضيحه: أن منشأ خروج الصغيرة عن الزوجية هو حرمتها الناشئة عن صدق بنت الزوجة عليها بسبب الرضاع، وهذه الحرمة متأخرة
عن هذا الصدق تأخر المعلول عن علته، وعلى هذا فيكون صدق البنت متقدما رتبة على الحرمة التي هي متقدمة أيضا على خروجها عن
الزوجية، وحينئذ فيصدق على الصغيرة بنت الزوجة قبل أن تخرج عن الزوجية قبلا رتبيا، فيصدق عليها كل من الزوجة وبنت الزوجة
في زمان واحد، فلا تحتاج إلى دعوى وضع المشتق للأعم. وجه عدم الاندفاع: ما في جميع هذه الدعاوي من الاشكال، (إذ في الأولى): أن
المسامحة العرفية غير معتبرة في مقام التطبيق، وإنما هي معتبرة في تشخيص المفهوم العرفي، والموضوع في المقام مبين المفهوم،
فلا عبرة بمسامحة العرف في تطبيقه على ما ليس فردا حقيقة له، وعليه: فالصغيرة بعد خروجها عن الزوجية حقيقة بسبب الرضاع لا
ينطبق على مرضعتها أم الزوجة إلا بالمسامحة العرفية، فالمقام نظير إطلاق الكر على ما ينقص عن ألف ومائتي رطل عراقي بمثقالين
مثلا في كونه مبنيا على ضرب من المسامحة، ولما كان مرجع التطبيق المسامحي إلى ادعاء فردية ما ليس
211



بفرد للموضوع حقيقة فلا يشمله الدليل كما لا يخفى.
(وفي الثانية) أن المستفاد من الدليل المتضمن لاعتبار أمرين وجوديين في موضوع الحكم هو: كون المناط في ترتب الحكم عليه
اجتماعهما في الزمان على نحو التقارن، وعدم كفاية اجتماعهما على نحو التعاقب واتصال حدوث أحدهما بارتفاع الاخر، من غير
فرق بين كون هذين الوجوديين بنحو الإضافة كأم الزوجة وأخت الزوجة وغير ذلك، وبين كونهما بنحو التوصيف كالعالم العادل و
الشاعر الكاتب ونحو ذلك، فان كانا على نحو الإضافة - كما في مورد البحث - فأدنى الملابسة وإن كان كافيا في صحتها، إلا أن
مجرد ذلك لا يوجب ظهور الكلام في الأعم من التلبس الفعلي بالإضافة ليشمل صورة تعاقب أحدهما بالآخر - أي المضاف إليه بالمضاف
- حتى يكونا موضوعا للحكم حقيقة، ولا نحتاج إلى وضع المشتق للأعم، فوزان أم الزوجة وزان أخت الزوجة وسائر الأمثلة، ولا ينبغي
الارتياب في ظهور الكل في اجتماع المضاف والمضاف إليه في الزمان على نحو التقارن، فظاهر دليل حرمة أخت الزوجة هو حرمتها
ما دامت الزوجة في حباله، ولا يشمل فرض حدوث الزوجية للأخت وارتفاع الزوجية عن الزوجة في زمان واحد، بل في مثل هذا
الفرض يرجع إلى عمومات الحل وإطلاقات أدلة النكاح. وكذا الحال فيما إذا كان الأمران الوجوديان بنحو التوصيف، فإن دليل جواز
تقليد العالم العادل مثلا يكون ظاهرا في اجتماع العلم والعدالة في زمان الحكم، ولا يشمل فرض حدوث العلم مقارنا لارتفاع العدالة.
وبالجملة: فظهور الدليل في اعتبار اجتماع الامرين الوجوديين زمانا على
212



نحو التقارن في ترتب الحكم عليهما مما لا مساغ لانكاره، فما أفاده المحقق سيد الأساطين مد ظله في منتهى الأصول بقوله: (ولكن
يمكن أن يقال: إن حصول الزوجية ولو كان في زمان متقدم كاف لحرمة أمها أبدا ولو بعد طلاق بنتها، فليكن الامر في الأمومة
الحاصلة من الرضاع أيضا كذلك. وبعبارة أخرى: في باب النسب تحرم أم من كانت زوجته فكذلك في باب الرضاع. وبناء على هذا لا
تكون حرمة المرضعة الثانية أيضا مبنية على مسألة المشتق) انتهى لا يخلو من غموض، لأنه يرجع إلى عدم اعتبار بقاء الموضوع في بقاء
الحكم، وبعبارة أخرى: مرجع ذلك إلى نفي الملازمة بين الموضوع والحكم في مرحلة البقاء، وكفاية تحقق العنوان - ولو آنا ما - في
تشريع الحكم واستمراره كسائر العناوين المأخوذة كذلك كالسارق وشارب الخمر وغيرهما من دون دخل لبقائها في بقاء الحكم، و
هو أجنبي عما نحن فيه من حدوث الموضوع الذي هو عنوان أم الزوجة حين ارتفاع زوجية الصغيرة، فإن هذا العنوان ليس مقارنا
لزوجية البنت، حتى يجتمع عنوان أم الزوجة للمرضعة وعنوان الزوجية للمرتضعة في زمان واحد كما يجتمعان في النسب وإن لم يكن
حرمة أم الزوجة نسبا بقاء منوطة ببقاء هذا العنوان، لما دل على كون عنوان أم الزوجة من العناوين التي يكفي في موضوعيتها للحكم
وجودها في آن من الآنات، بمعنى كفاية اجتماع الأمومة للمرأة والزوجية لبنتها في زمان في ثبوت الحرمة، وهذا بخلاف المقام، فإن
حدوث هذا العنوان مقارن لارتفاع الزوجية بحيث لا يتصور اجتماع عنوان الأمومة للمرضعة والزوجية للمرتضعة في زمان
كاجتماعهما في الام النسبية للزوجة، فحرمة المرضعة حينئذ مبنية على وضع المشتق
213



للأعم. والحاصل: أن الأمية النسبية للزوجة لا تتخلف عن عنوان الزوجية، فالأم الرضاعية المنزلة منزلتها أيضا كذلك، فإن الفرع لا يزيد
عن الأصل، وعليه: فحرمة المرضعة الأولى فضلا عن الثانية مبنية على المشتق. نعم إذا أرضعت زوجته الصغيرة امرأة أجنبية حرمت عليه
المرضعة، لصيرورتها أما رضاعية للزوجة الحقيقية كأمها النسبية، وأما إذا أرضعتها بعد ارتفاع زوجية الصغيرة، فصيرورتها حراما
على من كان زوجا للصغيرة - لانطباق عنوان أم الزوجة عليها - مبنية على المشتق.
(وفي الثالثة) أن التضاد الاعتباري كالحقيقي في استحالة الاجتماع، ومن المعلوم: أن الزوجية والبنتية من الأمور الاعتبارية المتضادة
المستحيل اجتماعها في آن واحد، فوجود إحداهما طارد للأخرى، ففي المقام: ترتفع الزوجية في آن حدوث البنتية، لتضادهما شرعا،
فارتفاع الزوجية وحدوث البنتية يكونان في رتبة واحدة، لأنهما مسببان عن سبب واحد وهو الرضاع، ومن المعلوم: أن سببية
السبب متساوية الاقدام بالنسبة إلى مسبباته المتعددة، وإذا فهما يحصلان في رتبة واحدة، فليس ارتفاع الزوجية ناشئا عن حرمة بنت
الزوجة حتى يصدق على الصغيرة قبل ارتفاع الزوجية عنها قبلا رتبيا - كل - من عنواني الزوجية والبنتية في آن واحد، بل ارتفاع
الزوجية ناش عن نفس عنوان البنتية المضادة للزوجية، فلا تجتمعان في زمان واحد حتى تحرم المرضعة، لصدق أم الزوجة عليها، ولذا
استشكل في وجه حرمة الكبيرة جماعة منهم صاحب المستند (قده) حيث قال في وجه الاشكال ما لفظه: (فلان صيرورة الكبيرة أم
الزوجة موقوفة على كون
214



الصغيرة زوجة في آن صيرورة الكبيرة أما لها، وكون الصغيرة زوجة على عدم صيرورة الكبيرة أما، فيمتنع اجتماعهما في آن. و
الحاصل: أنه يرتفع زوجية الصغيرة ويتحقق أمومة الكبيرة في آن واحد، فلم تكن الكبيرة أم الزوجة أصلا) انتهى. ومن تمسك جملة من
الأصحاب لحرمة الكبيرة بكونها أم الزوجة يظهر أن الاجماع على الحرمة - على فرض تحققه - موهون، لاحتمال كونه مدركيا، إلا أن
يقال: إن التمسك المزبور إنما هو لتطبيق الحكم على القاعدة والتنبيه على أنه ليس تعبدا محضا، فان لم يتم تقريب موافقته للقاعدة،
فالحكم مسلم للاجماع.
لكن الانصاف أن إحراز كون استدلالهم ناظرا إلى تطبيق الحكم على القاعدة مما لا سبيل إليه إلا أن يصرحوا بكون الحكم إجماعيا،
مضافا إلى أنه على طبق القاعدة، ولا يحضرني تصريحهم بذلك، بل ظاهر استدلالهم على حرمة الكبيرة بكونها أم الزوجة عدم
استنادهم فيها إلى الاجماع، ولا أقل من احتمال مدركيته الموجب لوهنه وعدم صحة الاستناد إليه. نعم يدل على حرمة الكبيرة ما رواه
الكليني (ره) عن علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد عن علي بن مهزيار عن أبي جعفر عليه السلام قال: (قيل له: إن رجلا تزوج
بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته ثم أرضعتها امرأة له أخرى، فقال ابن شبرمة: حرمت عليه الجارية وامرأتان، فقال أبو جعفر عليه
السلام: أخطأ ابن شبرمة، تحرم عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أولا، فأما الأخيرة فلم تحرم عليه كأنها أرضعت ابنته) ورواه الشيخ
في التهذيب بإسناده عن الكليني (ره) ولا بأس بسنده، أما الكليني فجلالة شأنه
215



وعلو قدره في غاية الظهور، وأما علي بن محمد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني فقد وثقة جش بقوله عقيب اسمه واسم أبيه وجده
(يكنى أبا الحسن ثقة عين) انتهى، ووثقه أيضا في الخلاصة والوجيزة والبلغة وغيرها، نعم هنا شئ ربما يوجب التوقف فيه، وهو أنه
استأذن الصاحب عليه الصلاة والسلام وعجل الله تعالى فرجه الشريف في الحج فخرج (توقف عنه في هذه السنة) فخالف، وقتل
بطريق مكة في تلك السنة، ولعله فهم كون النهي إرشاديا أو تنزيهيا لقرائن كانت في البين، ولا بد من التوجيه بعد تسالمهم على توثيقه
وعدم قدحهم فيه بهذه المخالفة مع اطلاعهم عليها، وقد ذكر غير واحد (أن الرجل أستاذ الكليني وخاله) انتهى.
وأما صالح بن حماد أبو الخير الرازي فقد عده الشيخ في رجاله تارة من أصحاب الجواد عليه السلام وأخرى من أصحاب الهادي عليه
السلام وثالثة من أصحاب العسكري عليه السلام، قال النجاشي: (وكان أمره ملتبسا يعرف وينكر له كتب) انتهى، وقال ابن
الغضائري: (صالح بن أبي حماد الرازي أبو الخير ضعيف) انتهى، وتوقف العلامة فيه في الخلاصة حيث قال: (والمعتمد عندي التوقف
فيه لتردد النجاشي وتضعيف ابن الغضائري له)، وعده الجزائري في الحسان، وفي رجال الكشي: (قال علي بن محمد القتيبي سمعت
الفضل بن شاذان يقول في أبي الخير وهو صالح بن سلمة أبي حماد الرازي: أبو الخير كما كني، وقال علي:
كان أبو الفضل يرتضيه ويمدحه) انتهى. (وعلي بن محمد القتيبي هذا نيشابوري فاضل وهو تلميذ الفضل بن شاذان (ره) كما عن
رجال الشيخ، واختلفت فيه
216



كلماتهم، قال جش: (علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري عليه اعتمد أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال) انتهى، وجعله صاحبا البلغة و
الوجيزة ممدوحا حسنا على ما حكي، وعده العلامة وابن داود في المعتمدين، ونحوه من المدح المدرج له في الحسان، ووثقه الأمين
الكاظمي في المشتركات على ما قيل، وهو مقتضى عد الفاضل الجزائري إياه في فصل الثقات، وهو غريب منه جدا، لان سيرته القدح
في الراوي بأدنى سبب، ولذا أثبت جملة من الثقات والحسان والموثقين في الضعفاء، وعن السيد الداماد (قده) (مدح الرجل بما يبلغ
حد التوثيق) وضعفه - سيدك - حيث قال في رد روايته: (إن علي بن محمد بن قتيبة غير موثق ولا ممدوح مدحا يعتد به) انتهى، لكنه لا
يعارض التوثيق بعد كون الموثق الفاضل الجزائري الذي هو بطي الجزم بوثاقة الأشخاص، وسيرته القدح في الراوي بأدنى سبب له،
فالرجل ينبغي أن يعد من الثقات أو الحسان، وحينئذ فيكون ثقة فيما نقله عن الفضل بن شاذان من مدحه وارتضائه لصالح بن أبي
حماد أبي الخير الرازي. وأما النجاشي فلم يضعفه بل توقف فيه، وليس التوقف جرحا حتى يندرج المقام في الجرح والتعديل ويقدم
الأول على الثاني، وذلك لان مرجع التوقف إلى عدم العلم، لا إلى الجرح والذم، وتضعيف ابن الغضائري له غير معتد به، لاعتراف غير
واحد من علماء الرجال بعدم الوقوف على شئ من جرح ولا تعديل في شأن أحمد بن الحسين بن عبد الله بن إبراهيم الغضائري نفسه،
فكيف يعتمد على تعديله أو جرحه لغيره من الرجال، بل عن المجلسي (قده) (أن الاعتماد على هذا الكتاب - أي كتاب ابن الغضائري -
217



يوجب رد أكثر أخبار الكتب المشهورة) انتهى، وعن الوحيد في ترجمة إبراهيم بن عمر الصنعاني (أن أحمد هذا غير مصرح بتوثيقه، و
مع ذلك قل أن يسلم أحد من جرحه أو ينجو ثقة من قدحه، وجرح أعاظم الثقات وأجلا الرواة الذين لا يناسبهم ذلك، وهذا يشير إلى
عدم تحقيقه حال الرجال كما هو حقه أو كون أكثر ما يعتقده جرحا ليس في الحقيقة جرحا) انتهى المهم من كلام الوحيد (قده)، فعلى هذا
لا يمكن الاعتماد على جرح ابن الغضائري أصلا خصوصا بعد توثيق من عرفت توثيقه له، ولا سيما الفضل بن شاذان الذي هو في غاية
الجلالة، قال في الخلاصة: (وكان ثقة جليلا فقيها متكلما له عظم شأن في هذه الطائفة، قيل: إنه صنف مائة وثمانين كتابا وترحم عليه
أبو محمد عليه السلام مرتين وروى ثلاثا ولا، ونقل الكشي عن الأئمة عليهم السلام مدحه، ثم ذكر ما ينافيه وقد أجبنا عنه في كتابنا
الكبير، وهذا الشيخ أجل من أن يغمز عليه، فإنه رئيس طائفتنا (رضي الله عنه) انتهى. وبالجملة: يظهر لمن تتبع كتب الرجال:
أن للفضل بن شاذان شأنا عظيما حتى قال فيه جش: (إنه أجل أصحابنا الفقهاء والمتكلمين، وله جلالة في هذه الطائفة وهو في قدره
أشهر من أن نصفه) انتهى.
وعلى هذا فالأرجح قبول رواية صالح بن أبي حماد. وأما علي بن مهزيار الأهوازي الدورقي الأصل فهو من أجلا أصحاب الرضا و
الجواد والهادي عليهم الصلاة والسلام، وقد وثقه كل رجالي تعرض لترجمته، (فالرجل ثقة صحيح له ثلاثة وثلاثون كتابا) - ست -، و
عن جش وصه (أبو الحسن دورقي الأصل مولى كان أبوه نصرانيا فأسلم وقد قيل إن عليا أيضا أسلم وهو صغير، ومن
218



الله تعالى عليه بمعرفة هذا الامر وتفقه - إلى أن قالا - وخرجت إلى الشيعة فيه توقيعات بكل خير، وكان ثقة في روايته لا يطعن عليه
صحيح الاعتقاد) انتهى، وعن حمدويه بن نصير (لما مات عبد الله بن جندب قام علي بن مهزيار مقامه) انتهى.
ومن أراد الوقوف على تفصيل حاله وجلالة شأنه فعليه بمراجعة كتب الرجال.
فقد تحصل مما ذكرنا: أنه لا قدح في سند الرواية المزبورة. (والمناقشة) فيها كما عن المسالك (تارة بضعف سندها بصالح بن أبي
حماد وأخرى بالارسال، لان المراد بأبي جعفر المطلق هو الباقر عليه السلام، مضافا إلى أن قول ابن شبرمة في مقابله، لكونه في زمانه
عليه السلام قرينة على إرادة الباقر عليه السلام، وحيث إن ابن مهزيار لم يدرك الباقر عليه السلام فلا محالة يكون هناك إرسال، بل لو
أريد به الجواد عليه السلام لا تسلم الرواية عن الارسال أيضا، إذ ليس فيها ما يدل على أن ابن مهزيار سمع ذلك منه عليه السلام بلا
واسطة، فالارسال متحقق على التقديرين) انتهى ملخصا (مندفعة) أما تضعيف السند بصالح بن حماد فبما عرفت من أن الأرجح قبول
روايته، وأما الارسال لكون أبي جعفر المطلق عليه السلام هو الباقر عليه السلام، ففيه أنه قد يطلق أبو جعفر ويراد به الجواد عليه
السلام، قال الميرزا (قده) في الفائدة الأولى من فوائد خاتمة جامع الرواة: (وإذا ورد في الرواية عن أبي جعفر عليه السلام فالظاهر منه
الباقر عليه السلام، وعن أبي جعفر الثاني فهو الجواد عليه السلام، وقد يطلق ويراد منه الجواد عليه السلام فالتميز يظهر من الرجال)
انتهى، والتميز يقتضي إرادة الجواد عليه السلام من أبي جعفر في هذه الرواية، لما مر من أن علي بن مهزيار من أصحابه عليه السلام. و
أما كون ابن شبرمة في زمان الباقر عليه السلام، فليس قرينة على أنه
219



هو المراد بأبي جعفر عليه السلام، لكفاية نفوذ فتوى ابن شبرمة ورواجها في ذلك العصر في التعرض لها كما لا يخفى.
وأما إرسال الرواية لأجل عدم ما يدل على سماع ابن مهزيار عنه (عليه السلام) بلا واسطة، ففيه: أن هذا من الاحتمالات المخالفة للظاهر
جدا، لان الظاهر من الرواية عن شخص هو السماع عنه، ولذا يكون التعبير المتداول في الرواية عن شخص مع الواسطة (روى فلان
بإسناده عن فلان) وإلا كان ذلك تدليسا، مضافا إلى أن هذا الاحتمال متطرق في نفس الرواة أيضا، فلا سبيل حينئذ إلى إحراز رواية
كل منهم عن آخر بلا واسطة لتسلم عن إشكال الارسال، فتدبر.
وبالجملة: فالرواية سليمة عن كل سقم، فتكون حجة، ودلالتها على حرمة المرضعة الأولى واضحة، ولو فرض عدم الوثوق بها - الذي
هو مدار الحجية وعدم ثبوت الاجماع أيضا - فمقتضى عمومات الحل عدم حرمة المرضعة الأولى.
وأما المرضعة الثانية، ففي حرمتها خلاف، قال في الشرائع: (ولو كان له زوجتان وزوجة رضيعة فأرضعتها إحدى الزوجتين أولا ثم
أرضعتها الأخرى حرمت المرضعة الأولى والصغيرة دون الثانية، لأنها أرضعتها وهي بنته، وقيل: بل تحرم أيضا، لأنها صارت أما لمن
كانت زوجته، وهو أولى) انتهى، وقال في التحرير: (ولو أرضعت زوجته الصغيرة إحدى الكبيرتين ثم الأخرى حرمن كلهن، وقيل
تحرم المرتضعة وأولى المرضعتين، وقواه الشيخ وهو ضعيف) انتهى، وعن المسالك:
(نسبة التحريم إلى ابن إدريس والمحقق في - فع - وأكثر المتأخرين، بل لم يحك القول الأول - وهو الحلية - إلا عن الشيخ في النهاية
وابن الجنيد) انتهى،
220



والوجه في التحريم ما أشار إليه في الشرائع من أن المرضعة صارت بالرضاع أم من كانت زوجته فتندرج في أمهات النساء، وقد ثبت
حرمة الام الرضاعية للزوجة كالأم النسبية لها، هذا، وفي - هر -: (المحكي عن الإسكافي والشيخ في النهاية، وظاهر الكليني حلية
الثانية، بل هو خيرة الرياض و - سيدك - حاكيا له عن جماعة، بل هو ظاهر الأصفهاني في كشفه أو صريحه أيضا، بل ربما كان ظاهر
ما حكاه فيه عن ابن إدريس أيضا) انتهى، وأنت خبير بأنه بعد اعتبار رواية ابن مهزيار المتقدمة لا مجال للحكم بحرمة المرضعة الثانية،
وابتناؤها على مسألة المشتق أشبه شئ بالاجتهاد في مقابل النص، هذا تمام الكلام في الصورة الأولى.
(وأما الصورة الثانية) وهي عدم الدخول بالكبيرتين، ففيها مقامات ثلاثة:
الأول: تحرم عليه الصغيرة المرتضعة مؤبدا إن كان اللبن منه، لصيرورتها بالرضاع بنتا رضاعية له، وجمعا بينها وبين مرضعتها إن
كان اللبن من غيره، لان حرمة الربيبة مؤبدا منوطة بالدخول بأمها المفروض هنا عدمه.
المقام الثاني: تحرم المرضعة الأولى، لرواية ابن مهزيار المتقدمة إن كان اللبن من هذا الزوج كما هو ظاهر ذيلها، حيث علل الإمام عليه السلام
ذلك بقوله:
(لأنها أرضعت ابنته) وليست حرمتها مبنية على وضع المشتق للأعم، ولا على كفاية المسامحة العرفية في صدق عنوان أم الزوجة عليها،
مع ارتفاع زوجية الصغيرة وحدوث أمية المرضعة لها في زمان واحد، لترتبهما على الرضاع، وذلك لما مر من الاشكال فيهما. وإن
كان اللبن من غيره، فحرمتها مبنية على الدخول بها المفروض هنا عدمه، أو صدق أم الزوجة عليها حقيقة بناء على وضع المشتق للأعم،
أو
221



مسامحة على ما مر. ولا يمكن الاستدلال عليها برواية ابن مهزيار المذكورة، لاختصاص موردها بصورة الدخول، بل وكون اللبن من
هذا الزوج.
المقام الثالث: لا تحرم المرضعة الثانية إلا بناء على وضع المشتق للأعم، لأنه حينئذ يصدق عليها أم الزوجة، وأما بناء على وضعه
لخصوص حال التلبس فلا يصدق عليها هذا العنوان فعلا، بل يصدق عليها أم من كانت زوجة له، وهذا المقدار لا يكفي في الحرمة، إذ لو
كان اللبن منه فقد أرضعت به بنته التي بطلت زوجيتها بالرضاع الأول، ولو كان اللبن من غيره فالمرتضعة وان صارت ربيبة له، إلا أنه
لما كان المفروض عدم الدخول بالمرضعة فلا تحرم عليه إلا جمعا بينها وبين المرضعة، وقد عرفت تصريح رواية ابن مهزيار المتقدمة
بعدم حرمتها، ولا مجال معها لابتناء الحرمة على وضع المشتق للأعم كما لا يخفى.
(وأما الصورة الثالثة) وهي ما إذا دخل بالمرضعة الأولى دون الثانية، ففيها أيضا مقامات ثلاثة:
الأول: تحرم الصغيرة على الزوج مطلقا سواء كان اللبن منه أم من غيره، لصيرورتها بنتا له على الأول، وربيبة له من زوجته المدخول
بها على الثاني.
الثاني: تحرم المرضعة الأولى، لرواية ابن مهزيار المتقدمة سواء كان اللبن منه أم من غيره.
الثالث لا تحرم المرضعة الثانية سواء كان اللبن من هذا الزوج أم من غيره، إذ على الأول لم ترضع إلا بنت زوجها، حيث إن زوجية
الصغيرة ارتفعت بالرضاع الأول، وإرضاع بنت الزوج ليس محرما للمرضعة على زوجها
222



هذا، مضافا إلى صراحة رواية ابن مهزيار المتقدمة في عدم حرمتها. (وعلى الثاني) حيث لم يدخل بها الزوج فلا تحرم عليه إلا جمعا.
(وأما الصورة الرابعة) وهي ما إذا دخل بالمرضعة الثانية دون الأولى ففيها أيضا مقامات ثلاثة:
الأول: تحرم الصغيرة مطلقا سواء أ كان اللبن من هذا الزوج أم من غيره، لصيرورتها على الأول بنته بالرضاع، وعلى الثاني ربيبة له
من الزوجة المدخول بها.
الثاني: تحرم المرضعة الأولى مؤبدا، لرواية ابن مهزيار المتقدمة إن كان اللبن من هذا الزوج كما تقدم في الصورة الثانية، ولا تحرم ان
كان اللبن من غيره إلا جمعا، لصيرورة الرضيعة ربيبة له من الزوجة غير المدخول بها.
الثالث: لا تحرم المرضعة الثانية سواء كان اللبن من هذا الزوج أم من غيره، إذ على الأول ارتفعت زوجية الصغيرة بالرضاع الأول، و
صارت بنتا لزوجها، فالمرضعة الثانية أرضعت بنت زوجها كما هو صريح رواية ابن مهزيار المتقدمة، وهو لا يوجب الحرمة، فلا يصدق
عليها أم الزوجة حتى تحرم إلا بناء على وضع المشتق للأعم.
وعلى الثاني لا توجب بنتية الصغيرة للمرضعة حرمة أمها المدخول بها، بل توجب حرمة نفسها مؤبدا، لصيرورتها ربيبة من الزوجة
المدخول بها، فما في التحرير من تحريم المرضعة الثانية بقوله: (ولو أرضعت زوجته الصغيرة إحدى الكبيرتين ثم الأخرى حر من
كلهن، وقيل: تحرم المرتضعة وأولى المرضعتين، وقواه
223

عليها أم زوجته، لأنه لا يشترط في المشتق بقاء المشتق منه هكذا هنا) (1)، وما (2) عن المسالك في هذه المسألة من ابتناء الحكم فيها
على الخلاف في مسألة المشتق، فعليه (3) كل ما كان مفهومه منتزعا من الذات بملاحظة اتصافها بالصفات

الشيخ وهو ضعيف) انتهى لم يظهر له وجه، فلاحظ وتأمل، فإن للبحث في المسألة مقاما آخر، وقد خرجنا فيها عن وضع التعليقة ونسأل
الله سبحانه وتعالى التوفيق والاخلاص في القول والعمل والعصمة عن الخطأ والزلل.
224

الخارجة عن الذاتيات (1) كانت (2) عرضا أو عرضيا (3) كالزوجية والرقية والحرية وغيرها (4) من الاعتبارات والإضافات كان (5)
محل النزاع وإن كان جامدا، وهذا بخلاف ما كان مفهومه منتزعا عن مقام الذات (6) والذاتيات (7)
225

فإنه لا نزاع في كونه حقيقة في خصوص ما إذا كانت الذات باقية بذاتياتها.
(ثانيها) قد عرفت (1) أنه لا وجه لتخصيص النزاع ببعض المشتقات
226

الجارية على الذوات، إلا أنه (1) ربما يشكل بعدم إمكان جريانه في اسم الزمان، لان الذات فيه (2) وهي الزمان بنفسه ينقضي وينصرم
فكيف يمكن أن يقع النزاع في أن الوصف الجاري عليه (3) حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدأ في الحال (4) أو فيما يعم المتلبس به في
المضي. ويمكن حل الاشكال: بأن (5) انحصار
227

مفهوم عام بفرد كما في المقام لا يوجب أن يكون وضع اللفظ بإزاء الفرد دون العام، وإلا (1) لما وقع الخلاف فيما وضع له لفظ الجلالة،
مع أن الواجب موضوع

[1] لكنك خبير بما في هذا التوجيه، لفساد مقايسته بالمفاهيم الكلية التي ليس لها في الخارج إلا فرد واحد، ضرورة أن الجامع بين
الافراد المتصورة مما لا بد منه في كلية المفهوم، ومن المعلوم: أنه لا جامع في اسم الزمان بين الفرد التلبسي والانقضائي، حيث إن
الجامع بينهما - وهو الزمان - قد انعدم، فيمتنع انطباق مفهوم الزمان على الفرد الانقضائي، وهذا بخلاف سائر المفاهيم الكلية التي
تنحصر أفرادها في واحد كالشمس وغيرها، لامكان انطباقها على
228

للمفهوم العام (1) مع انحصاره فيه تبارك وتعالى.

الافراد المفروضة الوجود، هذا. وقد يدفع الاشكال بوجوه أخر لا بأس بالإشارة إلى بعضها: (منها) أن أسماء الزمان الجامدة كأول
الشهر ويوم الجمعة ونصف شعبان وعاشوراء وغير ذلك موضوعة للكلي الذي له فردان - تلبسي وانقضائي -، فلفظ عاشوراء وضع
لكل عاشر من كل محرم وله أفراد:
أحدها: المتلبس بالفاجعة الكبرى المورثة في الصدور أشد الأحزان والكروب إلى يوم النشور، ومفهوم عاشوراء ينطبق عليه
كانطباقه على غيره من الافراد، فيصح إجراء بحث المشتق فيها ويقال: إن لفظ عاشوراء هل وضع لخصوص فردها المتلبس بتلك
الفجائع المهونة على كل مصاب ما أصابه أم للأعم ليكون إطلاقه على غير الفرد المتلبس بتلك المصائب العظيمة حقيقة؟ وبالجملة:
فأسماء الزمان الجامدة يجري فيها نزاع المشتق، بخلاف أسماء الزمان المشتقة، فإنه - كالمقتل والمضرب - لا يجري فيها ذلك، لان
لفظ - المقتل - مثلا وضع للزمان المتلبس بالقتل، ومن المعلوم: انعدام نفس ذلك الزمان، فلا بقاء للذات في حالتي التلبس والانقضاء
حتى يتمشى فيه بحث المشتق، هذا. وفيه:
أنه لا فرق في عدم جريان النزاع في اسم الزمان بين المشتق والجامد، وذلك لان المتصف بالعرض هو الفرد لا المفهوم، ولذا قيل في
الفرق بين المبدأ والمشتق بأن الأول هو العرض بشرط لا أي الملحوظ بما أنه ماهية عرضية في مقابل الماهية الجوهرية، ولذا يعبر عن
المبدأ بالعرض غير المحمول.
229



والثاني هو العرض لا بشرط - أي الملحوظ هو العرض بما أنه متحد مع المحل ومندك فيه -، ولذا يحمل ويعبر عنه بالعرض المحمول،
وهو المقصود في المشتق. وعلى هذا فالزمان المتلبس بالعرض فرد من مفهوم الزمان، والمفروض تصرمه وانعدامه كانعدام العرض
القائم به، والفرد غير المتلبس به مباين للفرد المتلبس، ومن المعلوم: أن التلبس والانقضاء إنما يلاحظان بالنسبة إلى ذات واحدة
كالتلبس والانقضاء الملحوظين بالإضافة إلى زيد الذي كان متلبسا بالعلم مثلا ثم زال عنه، وأما في الزمان فلا يمكن لحاظهما كذلك،
لأن المفروض انعدام المتلبس منه بالعرض، والزمان الاخر ليس ذلك الفرد حتى يلاحظ الانقضاء بالنسبة إليه، فإن المتلبس من
عاشوراء بأعظم المصائب هو الزمان الخاص، وغيره من أفراد كلي عاشوراء ليس فردا انقضائيا، بل هو مباين للفرد المتلبس كمباينة
زيد وعمرو وغيرهما من أفراد الانسان، وإذا تلبس زيد مثلا بعرض وزال عنه يضاف الانقضاء إليه لا إلى عمرو مثلا، فكذلك الزمان،
فإن المتلبس منه بالعرض غير الفرد الذي لم يتلبس به، وكل منهما مباين للاخر، فكيف يلاحظ الانقضاء بالنسبة إلى غير المتلبس.
فتلخص مما ذكرنا: أن أسماء الزمان خارجة عن حريم نزاع المشتق، لعدم تصور التلبس والانقضاء في الزمان مع انعدامه، بل خروج
الزمان عنه أولى من خروج العناوين الذاتية عنه، لبقاء الجامع فيها بالدقة العقلية وهو المادة المشتركة بين الصور النوعية المتبادلة،
بخلاف الزمان، إذ لا يبقى فيه جامع بين حالتي وجود العرض وعدمه عقلا ولا عرفا، لانعدام الزمان وعارضه حقيقة، كما لا يخفى.
230



ومنها: أن الزمان على قسمين:
أحدهما: ما ينطبق على الحركة القطعية، والاخر ما ينطبق على الحركة التوسطية، والمتصرم الذي لا يتصور فيه النزاع هو الأول دون
الثاني، لأنه عبارة عن مجموع الآنات المتخللة بين المبدأ والمنتهى كطلوع الشمس وغروبها أو غروبها وطلوعها التي يعبر عنها في
الأول بالنهار وفي الثاني بالليل، وبهذا الاعتبار الموجب للوحدة يصح الاستصحاب في الزمان وغيره من التدريجيات على ما يأتي في
بحث الاستصحاب إن شاء الله تعالى، وعليه فإذا اتصف جز من أجزاء النهار أو الليل بعرض كقتل أو شتم أو غيرهما صح أن يقال
بلحاظ ذلك الجز:
اليوم يوم القتل أو الشتم، مع أن الان المتصف بذلك العرض قد تصرم وانعدم.
وبالجملة: ففي الحركة التوسطية يكون مجموع الزمان المتخلل بين المبدأ والمنتهى فردا واحدا من أفراد الزمان كفردية زيد مثلا
لطبيعي الانسان، فكما يصح جري المشتق عليه بلحاظ تلبسه بعرض متأصل أو اعتباري بعد انقضاء العرض عنه كأن يقال: زيد شارب
بعد انقضاء الشرب عنه، فكذلك الزمان بالتقريب المتقدم آنفا، فليس اسم الزمان خارجا عن نزاع المشتق، هذا. وفيه: أن هذا الجواب
أخص من المدعى - وهو مطلق اسم الزمان مشتقا كان أم جامدا -، وذلك لاختصاصه بالجوامد كالنهار والليل والأسبوع والشهر و
نحوها من الأزمنة المحدودة بحدين، لان الحركة التوسطية ملحوظة فيها، لكونها بين المبدأ والمنتهى كما بين الهلالين في الشهر، وما
بين الطلوع والغروب وبالعكس في النهار والليل، فإن اتصاف جز من الأزمنة المتخللة بين الحدين بعرض يكون كاتصاف زيد بمبدأ
عرضي
231

(ثالثها) (1): أن من الواضح خروج الافعال والمصادر

وانقضائه عنه في صحة النزاع وكون حمله عليه بعد زوال العرض عنه بنحو الحقيقة أو المجاز، وهذا بخلاف اسم الزمان المشتق
كالمقتل، فإن زمان القتل هو نفس زمان التلبس به الذي لا ينطبق إلا على الحركة القطعية المتصرم حقيقة، فلا يجري فيه خلاف المشتق،
هذا. ثم إن في اسم الزمان الجامد كعاشوراء مثلا يصح الجري فيما بعد الانقضاء بلحاظ تلبس جز منها بالمبدأ كقتل سيد شباب أهل
الجنة صلوات الله عليه وأرواحنا فداه فيه، وأما في غير عاشوراء سنة وقوع تلك الفاجعة العظمى من سائر أفراد عاشوراء فالجري فيها
مجاز على كل حال، ضرورة مباينة سائر أفراد طبيعي العاشوراء للعاشوراء التي وقعت فيها تلك الرزية، كمباينة زيد مثلا لسائر أفراد
الانسان، فاتصاف سائر أفراد عاشوراء بكونها مقتل سيد الشهداء عليه أفضل الصلاة والسلام مجاز بلا إشكال، لكونها مماثلة لتلك
العاشوراء لا عينها حتى يمكن ادعاء كون إطلاق مقتل أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام عليها بلحاظ تلبس جز منها به حقيقة بناء على
وضع المشتق للأعم.
فالمتحصل: أن أسماء الزمان الجامدة داخلة في محل النزاع، بخلاف المشتقة منها، فإنها خارجة عن ذلك. ثم إن الاشكال المزبور لا
يختص باسم الزمان، بل يتطرق في سائر الأمور التدريجية كجريان الماء والدم وغيرهما مما ينطبق على الزمان، والجواب المذكور
جار فيها أيضا، ويأتي تفصيل ذلك في مبحث الاستصحاب إن شاء الله تعالى شأنه.
232

المزيد فيها (1) عن حريم النزاع، لكونها (2) غير جارية على الذوات

[1] إذ المعتبر في المشتق المبحوث عنه صحة حمله على الذات المتصفة بالمبدأ كحمل - عالم - على - زيد - المتصف بالعلم في قولنا:
(زيد عالم) ولا ريب في أن
233

ضرورة (1) أن المصادر المزيد فيها كالمجردة (2) في الدلالة على ما يتصف به (3) الذوات ويقوم بها كما لا يخفى، وأن (4) الافعال
إنما تدل على قيام

صحة حمله على الذات موقوفة على اتحادهما وجودا، إذ بدونه لا يصح الحمل كما لا يخفى.
234

المبادئ بها (1) قيام صدور (2) أو حلول (3) أو طلب فعلها أو تركها (4) منها (5) على اختلافها (6). إزاحة شبهة، قد اشتهر في ألسنة
النحاة دلالة الفعل على الزمان حتى أخذوا الاقتران بها (7) في تعريفه (8)،
235

وهو (1) اشتباه، ضرورة عدم دلالة الامر ولا النهي عليه، بل على إنشاء طلب الفعل أو الترك، غاية الامر نفس الانشاء بهما في الحال (2)
236

كما هو الحال (1) في الاخبار بالماضي أو المستقبل أو بغيرهما (2) كما لا يخفى، بل يمكن (3)

[1] يستدل لاخذ الزمان في مدلول الفعل تارة باتفاق النحويين على ذلك، وأخرى بالتبادر، وفي كليهما ما لا يخفى، (إذ في الأول): أن
الاتفاق المعتبر هو ما يكون كاشفا عن قول المعصوم عليه السلام، ومن المعلوم: أنه مفقود هنا، إلا أن يكون هذا الاتفاق كاشفا عن
تنصيص الواضع لهم عليه أو ناشئا عن التبادر، لكن شيئا منهما غير ثابت، لاحتمال كون اتفاقهم مستندا إلى اجتهادهم، ومع هذا
الاحتمال لا يبقى إلا الظن بتنصيص الواضع لهم، أو بكون اتفاقهم لأجل التبادر، وهو لا يغني من الحق شيئا. (وفي الثاني): أن التبادر
المعتبر وهو المستند إلى حاق اللفظ غير ثابت، وإثباته بأصالة عدم القرينة غير وجيه، لما مر سابقا.
237

منع دلالة غيرهما (1) من الافعال على الزمان إلا بالاطلاق والاسناد إلى الزمانيات (2)، وإلا (3) لزم القول بالمجاز والتجريد عند
الاسناد إلى غيرها (4) من نفس الزمان (5)
238

والمجردات (1). نعم (2) لا يبعد أن يكون لكل من الماضي والمضارع بحسب المعنى
239

خصوصية أخرى (1) موجبة للدلالة على وقوع النسبة في الزمان الماضي في الماضي (2) وفي الحال أو الاستقبال في المضارع (3) فيما
كان الفاعل من الزمانيات (4).
ويؤيده (5) أن المضارع يكون مشتركا معنويا بين الحال والاستقبال
240

ولا معنى له (1) إلا أن يكون له (2) خصوص معنى صح انطباقه على كل منهما (3)

[1] لا يخفى أن التأييد المزبور مبني على الاشتراك المعنوي، وهو غير ثابت، لأنه أحد الأقوال في الفعل المضارع، وقال جمع منهم في
تقسيم الزمان على الافعال: (ان الماضي يدل على الزمان الماضي والمضارع يدل على زمان الحال والامر على زمان الاستقبال)، وقال
جمع آخر: (إن المضارع يدل على زمان الاستقبال)، وقال نجم الأئمة (ره) بعد القول بأنه حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال: (وهو
أقوى، لأنه إذا خلا من القرائن لم يحمل إلا على الحال، ولا يصرف إلى الاستقبال إلا لقرينة، وهذا شأن الحقيقة والمجاز) انتهى، وقال
التفتازاني في شرحه على التصريف ما لفظه: (قيل: إن المضارع موضوع للحال، والاستعمال في الاستقبال مجاز، وقيل بالعكس، و
الصحيح أنه مشترك بينهما، لأنه يطلق عليهما إطلاق كل مشترك على أفراده، هذا، ولكن تبادر الفهم إلى الحال عند الاطلاق من غير
قرينة ينبئ عن كونه أصلا في الحال) انتهى. نعم حكي عن جار الله العلامة في المفصل في المضارع: (ويشترك فيه الحاضر و
المستقبل).
وبالجملة: فكلماتهم في المضارع مختلفة جدا، والمفروض أن التأييد المذكور مبني على الاشتراك المعنوي الذي قد عرفت إجمالا حاله،
بل قد يدعى ظهور كلماتهم في الاتفاق على كون المضارع حقيقة في الحال، وأنه لا يدل على الاستقبال إلا بدخول مثل سين وسوف من
أدوات الاستقبال عليه.
241

لا أنه يدل على مفهوم زمان يعمهما (1)، كما (2) أن الجملة الاسمية كزيد ضارب يكون لها معنى صح انطباقه على كل واحد من الأزمنة مع
عدم دلالتها (3) على واحد منها (4) أصلا، فكانت الجملة الفعلية مثلها (5). وربما يؤيد ذلك (6) أن
242

الزمان الماضي في فعله وزمان الحال أو الاستقبال في المضارع لا يكون ماضيا أو مستقبلا حقيقة لا محالة، بل ربما يكون في الماضي
(1) مستقبلا حقيقة وفي المضارع ماضيا كذلك (2)، وإنما يكون ماضيا أو مستقبلا في فعلهما (3) بالإضافة كما يظهر من مثل - يجي
زيد بعد عام وقد ضرب قبله بأيام - (4)، وقوله: - جاء زيد في شهر كذا وهو يضرب في ذلك الوقت أو فيما بعده (5) مما مضى (6) -
فتأمل جيدا (7). ثم لا بأس بصرف عنان الكلام إلى بيان ما به يمتاز الحرف عما عداه (8)
243

بما (1) يناسب المقام لأجل (2) الاطراد في الاستطراد في تمام الأقسام (3)، فاعلم أنه وان اشتهر بين الاعلام أن الحرف ما دل على معنى
في غيره (4) وقد بيناه في الفوائد بما لا مزيد عليه، إلا أنك عرفت فيما تقدم (5) عدم الفرق بينه وبين الاسم بحسب المعنى (6)، وأنه (7)
244

فيهما (1) لم يلحظ فيه (2) الاستقلال بالمفهومية ولا عدم الاستقلال بها، وإنما الفرق هو أنه (3) وضع ليستعمل وأريد منه معناه حالة و
لغيره بما هو في الغير، ووضع غيره (4) ليستعمل وأريد منه معناه بما هو هو، وعليه (5) يكون كل من الاستقلال بالمفهومية (6) وعدم
الاستقلال بها (7) إنما اعتبر في جانب الاستعمال لا في المستعمل فيه (8) ليكون بينهما تفاوت بحسب المعنى، فلفظ الابتداء لو
245

استعمل في المعنى الآلي ولفظة من في المعنى الاستقلالي لما كان مجازا واستعمالا له في غير ما وضع له وإن كان بغير ما وضع له (1)،
فالمعنى في كليهما (2) في نفسه كلي (3) طبيعي (4) يصدق على كثيرين (5)، ومقيدا باللحاظ الاستقلالي أو الآلي كلي عقلي (6) وان كان
بملاحظة أن
246

لحاظه (1) وجوده ذهنا كان [1] جزئيا ذهنيا (2)، فإن الشئ ما لم يتشخص

[1] لا يخفى أن لفظة - كان - هذه مستغنى عنها، وقوله (قده): (جزئيا) خبر قوله: (كان) في: (وان كان بملاحظة) كما هو في غاية
الوضوح، نعم - بناء على كون كلمة - ان - شرطية - لا تكون - كان - زائدة بل جوابا للشرط، لكن هذا الاحتمال في غاية البعد.
247

لم يوجد وإن كان بالوجود الذهني، فافهم وتأمل فيما وقع في المقام من الاعلام من الخلط والاشتباه (1)، وتوهم (2) كون الموضوع له
أو المستعمل فيه في الحروف خاصا بخلاف ما عداه (3) فإنه عام، وليت شعري إن كان قصد الالية فيها (4) موجبا لكون المعنى جزئيا
فلم لا يكون قصد الاستقلالية فيه (5) موجبا له (6)، وهل يكون ذلك (7) إلا لكون هذا القصد ليس مما يعتبر في
248

الموضوع له ولا المستعمل فيه، بل في الاستعمال (1) فلم لا يكون فيها كذلك (2) كيف (3)؟ وإلا لزم أن يكون معاني المتعلقات غير
منطبقة على الجزئيات
249

الخارجية، لكونها (1) على هذا (2) كليات عقلية (3)، والكلي العقلي لا موطن له إلا الذهن، فالسير والبصرة والكوفة في - سرت من
البصرة إلى الكوفة - لا يكاد يصدق على السير والبصرة والكوفة، لتقيدها (4) بما اعتبر فيه القصد، فتصير عقلية (5)، فيستحيل
انطباقها (6) على الأمور الخارجية، وبما حققناه (7) (×)

(×) ثم إنه قد انقدح بما ذكرنا: أن المعنى بما هو هو معنى اسمي وملحوظ استقلالي أو بما هو معنى حرفي وملحوظ آلي كلي عقلي في
غير الاعلام الشخصية، وفيها جزئي كذلك وبما هو هو أي بلا أحد اللحاظين كلي طبيعي أو جزئي خارجي (نسخة بدل).
250

يوفق بين جزئية المعنى الحرفي بل الاسمي والصدق على الكثيرين، وان الجزئية باعتبار تقييد المعنى باللحاظ في موارد الاستعمالات
آليا أو استقلاليا، وكليته بلحاظ نفس المعنى (1). ومنه (2) ظهر: عدم اختصاص الاشكال والدفع بالحرف
251

بل يعم غيره (1)، فتأمل في المقام، فإنه دقيق ومزال الاقدام للاعلام (2)، وقد سبق في بعض الأمور (3) بعض الكلام (4)، والإعادة مع
ذلك (5) لما (6) فيها من الفائدة والإفادة، فافهم.
(رابعها) (7): أن اختلاف المشتقات في المبادئ وكون (8) المبدأ في

[1] قد عرفت في الامر الثاني ما ينبغي المصير إليه في المعاني الحرفية، وأنها بهويتها مغايرة للمعنى الاسمي، فراجع.
252

بعضها حرفة وصناعة (1)، وفي بعضها قوة وملكة (2)، وفي بعضها فعليا (3) لا يوجب (4) اختلافا في دلالتها (5) بحسب الهيئة أصلا ولا
تفاوتا في الجهة المبحوث عنها كما لا يخفى، غاية الامر أنه يختلف التلبس به في المضي أو الحال، فيكون التلبس به (6)
253

فعلا لو أخذ حرفة (1) أو ملكة (2) ولو لم يتلبس به إلى الحال (3) أو انقضى عنه (4) ويكون مما مضى أو يأتي لو أخذ فعليا (5)، فلا
يتفاوت فيها (6) أنحاء التلبسات وأنواع التعلقات كما أشرنا إليه.
(خامسها): أن المراد بالحال في عنوان المسألة هو حال التلبس (7) لا حال
254

النطق (1)، ضرورة أن مثل - كان زيد ضاربا أمس - و - سيكون غدا ضاربا -
255

حقيقة إذا كان متلبسا بالضرب في الأمس في المثال الأول (1) ومتلبسا به في الغد في الثاني (2)، فجرى المشتق حيث كان بلحاظ حال
التلبس (3) وان مضى زمانه في أحدهما (4) ولم يأت (5) بعد في آخر (6) كان حقيقة (7) بلا خلاف، ولا ينافيه (8) الاتفاق على أن مثل -
زيد ضارب غدا - مجاز
256

فإن (1) الظاهر أنه (2) فيما إذا كان الجري في الحال (3) كما هو (4) قضية الاطلاق، والغد إنما يكون لبيان زمان التلبس (5)، فيكون
الجري والاتصاف في الحال والتلبس في الاستقبال. ومن هنا (6) ظهر الحال في مثل - زيد ضارب أمس - وأنه داخل في محل الخلاف
والاشكال ولو كانت
257

لفظة أمس (1) أو غد (2) قرينة على تعيين زمان النسبة والجري أيضا (3) كان المثالان حقيقة (4).
(وبالجملة) (5): لا ينبغي الاشكال في كون المشتق حقيقة فيما إذا جرى على الذات بلحاظ حال التلبس (6) ولو كان في المضي أو
الاستقبال، وإنما الخلاف
258

في كونه (1) حقيقة في خصوصه (2) أو فيما يعم (3) ما إذا جرى عليها (4) في الحال (5) بعد ما انقضى عنه التلبس بعد الفراغ عن كونه (6)
مجازا فيما إذا جرى عليها (7) فعلا (8) بلحاظ حال التلبس في الاستقبال، ويؤيد ذلك (9) اتفاق أهل
259

العربية على عدم دلالة الاسم على الزمان، ومنه (1) الصفات الجارية على الذوات، ولا ينافيه (2) اشتراط العمل في بعضها (3) بكونه (4)
بمعنى الحال أو الاستقبال، ضرورة (5) أن المراد الدلالة على أحدهما (6) بقرينة، كيف لا (7) وقد
260

اتفقوا على كونه (1) مجازا في الاستقبال؟ لا يقال (2): يمكن أن يكون المراد بالحال في العنوان زمانه (3) كما هو (4) الظاهر منه عند
إطلاقه، وادعي أنه (5) الظاهر في المشتقات، إما لدعوى الانسباق من
261

الاطلاق (1) أو بمعونة قرينة الحكمة (2).
لأنا نقول (3). هذا الانسباق وإن كان مما لا ينكر، إلا أنهم في هذا

[1] لا يقال: إن للحال المقابل للزمانين نحو تعين أيضا، وهو يتوقف على البيان، فمقدمات الحكمة لا تقتضي حمل الحال عليه أيضا.
فإنه يقال: إنه يكفي في المصير إليه كون نفس لفظ الحال بلا قيد قالبا له بحيث لا يصرف عنه إلى حال التلبس إلا بقرينة صارفة،
بخلاف حال النسبة، فإن لفظ الحال ليس قالبا لها ليحمل عليها بدون القرينة.
262

العنوان (1) بصدد تعيين ما وضع له المشتق، لا تعيين ما يراد بالقرينة منه (2).
(سادسها): أنه لا أصل (3) في نفس هذه المسألة (4) يعول عليه عند الشك، وأصالة عدم ملاحظة الخصوصية (5)
263

مع (1) معارضتها [1] بأصالة عدم ملاحظة

[1] لا يخفى أنه إن أريد بأصالة عدم لحاظ الخصوصية الاستصحاب، فلا يجري حتى تصل النوبة إلى التعارض، لعدم ترتب أثر شرعي
عليه، وذلك لان موضوع الأثر - وهو الوضع للأعم - لا يثبت باستصحاب عدم لحاظ الخصوصية إلا بناء على الأصل المثبت، لكون
الخصوصية والعموم متضادين، وإثبات أحدهما بنفي الاخر من الأصل المثبت. نعم بناء على كونهما من قبيل الأقل والأكثر لا تجري
أصالة عدم لحاظ العموم، حيث إنه لأقليته يعلم بلحاظه على كل حال سواء لوحظ الخاص أو العام، حيث إن لحاظ الخاص يقتضي لحاظ
العام مع أمر زائد وهو خصوصية الخاص.
والحاصل: أن العموم ملحوظ قطعا، فلا يجري فيه الأصل فلا تعارض في البين، هذا. إلا أن يقال: إن الخصوص ان كان هو الملحوظ فمن
المعلوم أن العام المتصور في ضمنه هو ذاته لا بوصف العموم، وعليه فلا مانع من جريان الأصل في العموم، لكون لحاظه بهذا الوصف
مشكوكا فيه. وإن أريد بها الأصل العقلائي الذي هو من الأصول اللفظية فالمثبت منها وان كان حجة، إلا أن الشأن
264

العموم (1) - لا دليل - على اعتبارها في تعيين الموضوع له (2). وأما (3) ترجيح الاشتراك المعنوي على الحقيقة والمجاز إذا دار الامر
بينهما (4) لأجل (5) الغلبة - فممنوع -، لمنع الغلبة (6) أولا، ومنع نهوض حجة على الترجيح بها (7)

في أصل حجيتها في إثبات الوضع، إذ لم يثبت بناء من العقلا على اعتبارها في إثباته. ثم إن ظاهر كلام المصنف (قده) بقرينة تعرضه
فيما بعد للأصل العملي هو: أن مراده بأصالة عدم الخصوصية الأصل اللفظي.
265

ثانيا. [1] وأما الأصل العملي) فيختلف في الموارد، فأصالة البراءة في مثل - أكرم كل عالم - (1) يقتضي عدم وجوب إكرام ما انقضى
عنه المبدأ قبل الايجاب، كما أن قضية الاستصحاب وجوبه (2) لو كان الايجاب قبل الانقضاء. [2] فإذا

[1] لا يخفى أن المناسب تقديم التعرض للغلبة على أصالة عدم الخصوص أو العموم إن أراد بها الأصل العملي أعني الاستصحاب، لترتب
جريانه على فقد الدليل من الغلبة وغيرها من الأدلة التي لا يرجع معها إلى الأصول العملية.
[2] بل الأصل الجاري في هذه الصورة ليس إلا البراءة أيضا، ضرورة أن منشأ الشك في بقاء الحكم هو إجمال المفهوم وعدم تبين
حدوده، ولا مجال لجريان
266

عرفت ما تلوناه عليك، فاعلم: أن الأقوال في المسألة وان كثرت (1) إلا أنها حدثت بين المتأخرين بعد ما كانت ذات قولين (2) بين
المتقدمين، لأجل (3) توهم اختلاف المشتق باختلاف مبادئه في المعنى (4)

الاستصحاب فيه، لكون إجمال المفهوم موجبا للشك في بقاء الموضوع الموجب لعدم جريان الاستصحاب، لان إحراز بقاء الموضوع مما
لا بد منه في جريانه، ولذا لا نقول بجريانه في جميع موارد تبدل حال وزوال وصف من أوصاف الموضوع، لاحتمال دخله فيه، ولذا
يشكل جريان الاستصحاب في مثل الماء المتغير الزائل تغيره من قبل نفسه وإن أمكن دفعه فيه بإرجاع الشك إلى كيفية علية التغير
للنجاسة، وأنه علة لها حدوثا وبقاء أو حدوثا فقط، إذ بهذا الاعتبار يصير الحكم مشكوكا فيه فيستصحب.
وبالجملة: ففي المفهوم المردد كالمقام لا يجري الاستصحاب، بل الجاري في كلتا الصورتين إنما هو البراءة.
267

أو بتفاوت (1) ما يعتريه (2) من الأحوال (3)، وقد مرت الإشارة (4) إلى أنه (5) لا يوجب التفاوت فيما نحن بصدده (6)، ويأتي له مزيد
بيان في أثناء الاستدلال على ما هو المختار وهو اعتبار (7) التلبس في الحال (8) وفاقا لمتأخري الأصحاب والأشاعرة، وخلافا
لمتقدميهم والمعتزلة، ويدل عليه (9) تبادر خصوص
268

المتلبس بالمبدأ في الحال (1)، وصحة السلب مطلقا (2) عما انقضى عنه كالمتلبس به في الاستقبال، وذلك (3) لوضوح أن مثل - القائم -
والضارب - و - العالم - وما يرادفها من سائر اللغات لا يصدق على من لم (4) يكن متلبسا بالمبادئ وان كان متلبسا بها قبل الجري و
الانتساب (5)

[1] لا ينبغي الاشكال في أصل التبادر، لكن الكلام في أنه مستند إلى حاق اللفظ أو الاطلاق، ولا سبيل إلى إحراز الأول، فلا يكون أمارة،
وقد تقدم في علائم الوضع الاشكال في أمارية التبادر للجاهل به.
269

ويصح (1) سلبها (2) عنه (3) كيف (4)؟ وما يضادها (5) بحسب ما ارتكز من (6) معناها (7) في الأذهان يصدق عليه (8)، ضرورة صدق
القاعد عليه (9) في حال تلبسه بالقعود بعد انقضاء تلبسه بالقيام مع وضوح التضاد بين
270

القاعد والقائم بحسب ما ارتكز لهما من المعنى كما لا يخفى. وقد يقرر هذا (1) وجها على حدة (2) ويقال (3): لا ريب في مضادة
الصفات المتقابلة المأخوذة من المبادئ المتضادة على ما ارتكز لها من المعاني، فلو كان المشتق حقيقة في الأعم لما كان بينها (4)
مضادة بل مخالفة، لتصادقها فيما انقضى عنه المبدأ وتلبس بالمبدأ الاخر (5). ولا يرد على هذا التقرير (6) ما أورده بعض الأجلة من
271

المعاصرين (1) من عدم التضاد على القول بعدم الاشتراط (2)، لما (3) عرفت
272

من ارتكازه بينها (1) كما في مباديها (2). ان قلت: لعل ارتكازها (3) لأجل الانسباق من الاطلاق لا الاشتراط (4). قلت: لا يكاد يكون لذلك
(5)
273

لكثرة استعمال المشتق في موارد الانقضاء لو لم يكن بأكثر. إن قلت: على هذا (1) يلزم أن يكون في الغالب (2) أو الأغلب (3) مجازا، و
هذا (4) بعيد ربما لا يلائمه حكمة الوضع. لا يقال (5):
274

كيف (1) وقد قيل بأن أكثر المحاورات مجازات، فإن ذلك (2) - لو سلم - فإنما هو لأجل تعدد المعاني المجازية بالنسبة إلى المعنى
الحقيقي الواحد، نعم ربما يتفق ذلك (3) بالنسبة إلى معنى مجازي لكثرة الحاجة إلى التعبير عنه، لكن أين
275

هذا (1) مما إذا كان دائما كذلك (2)، فافهم (3). قلت (4)
276

مضافا (1) إلى أن مجرد الاستبعاد غير ضائر بالمراد (2) بعد مساعدة الوجوه المتقدمة عليه (3) أن
277

ذلك (1) إنما يلزم لو لم يمكن استعماله فيما انقضى بلحاظ حال التلبس، مع أنه (2) بمكان من الامكان، فيراد من - جاء الضارب أو
الشارب وقد انقضى عنه الضرب والشرب - جاء الذي كان ضاربا وشاربا قبل مجيئه (3) حال التلبس بالمبدأ، لا حينه (4) بعد الانقضاء
كي يكون الاستعمال بلحاظ هذا الحال (5) وجعله (6) معنونا بهذا
278

العنوان (1) فعلا (2) بمجرد تلبسه قبل مجيئه، ضرورة أنه (3) لو كان للأعم لصح استعماله بلحاظ كلا الحالين (4).
(وبالجملة) (5): كثرة الاستعمال في حال الانقضاء تمنع عن دعوى انسباق
279

خصوص حال التلبس من الاطلاق (1)، إذ (2) مع عموم المعنى وقابلية
280

كونه (1) حقيقة في المورد (2) ولو بالانطباق (3) لا وجه لملاحظة حالة أخرى (4) كما لا يخفى، بخلاف ما إذا لم يكن له (5) العموم، فان
281

استعماله (1) حينئذ (2) مجازا بلحاظ حال الانقضاء (3) وإن كان ممكنا، إلا أنه (4) لما كان بلحاظ حال التلبس على نحو الحقيقة بمكان
من الامكان، فلا وجه لاستعماله وجريه (5) على الذات مجازا وبالعناية وملاحظة العلاقة، وهذا (6) غير
282

استعمال اللفظ فيما لا يصح استعماله فيه حقيقة كما لا يخفى، فافهم (1). ثم إنه ربما أورد على الاستدلال بصحة السلب (2) بما حاصله: أنه
إن أريد بصحة السلب صحته (3)
283

مطلقا (1) فغير سديد (2)، وإن أريد مقيدا فغير مفيد، لان علامة المجاز هي صحة السلب المطلق (3). (وفيه): أنه إن أريد بالتقييد تقييد
المسلوب (4) الذي يكون سلبه أعم من سلب المطلق (5)
284

كما هو واضح (1)، فصحة سلبه (2) وان لم تكن علامة على كون المطلق مجازا
285

فيه (1)، إلا أن تقييده ممنوع (2)، وإن أريد تقييد السلب فغير ضائر بكونها (3) علامة، ضرورة (4) صدق المطلق على أفراده على كل
حال، مع إمكان منع تقييده (5) أيضا (6) بأن يلحظ حال الانقضاء في طرف الذات الجاري عليها
286

المشتق، فيصح سلبه مطلقا (1) بلحاظ هذا الحال (2)، كما لا يصح سلبه بلحاظ حال التلبس، فتدبر جيدا. ثم لا يخفى انه لا يتفاوت في
صحة السلب عما انقضى عنه المبدأ بين كون المشتق لازما وكونه متعديا (3)، لصحة (4) سلب الضارب

[1] هذا في غاية الغموض، إذ لا يتصور صحة سلب الضاربية في جميع الأزمنة عن ذات متصفة في الأمس مثلا بالضرب، مع وضوح صحة
حمل الضارب عليه بلحاظ الأمس، فلا بد أن يكون سلبه عنها مقيدا لا مطلقا، ومثل هذا السلب لا يكون علامة كما مر آنفا، فتأمل.
287

عمن يكون فعلا غير متلبس بالضرب وكان متلبسا به سابقا، وأما إطلاقه (1) عليه (2) في الحال فان كان (3) بلحاظ حال التلبس
288

فلا إشكال (1) كما عرفت، (2) وإن كان بلحاظ الحال (3) فهو (4) وان كان صحيحا، إلا أنه لا دلالة على كونه (5) بنحو الحقيقة، لكون
(6) الاستعمال أعم منها (7) كما لا يخفى (8)، كما لا يتفاوت (9) في صحة السلب عنه (10) بين تلبسه (11) بضد المبدأ وعدم تلبسه، لما
(12) عرفت من وضوح
289

صحته (1) مع عدم التلبس أيضا وان كان معه (2) أوضح. ومما ذكرنا (3) ظهر حال كثير من التفاصيل، فلا نطيل بذكرها على التفصيل.
حجة القول بعدم الاشتراط (4) وجوه:
الأول: التبادر (5)
290

وقد عرفت (1) أن المتبادر هو خصوص حال التلبس.
الثاني (2): عدم صحة السلب
في مضروب ومقتول عمن انقضى عنه المبدأ.
وفيه (3): أن عدم صحته في مثلهما (4) إنما هو لأجل أنه أريد من المبدأ معنى يكون التلبس به باقيا في الحال (5)
291

ولو مجازا (1)، وقد انقدح من بعض المقدمات (2): أنه لا يتفاوت الحال [1] فيما هو المهم في محل البحث والكلام ومورد النقض و
الابرام (3) اختلاف ما يراد من المبدأ في كونه (4) حقيقة أو مجازا، وأما لو أريد

[1] لا يخفى أن العبارة لا تخلو عن حزازة، إذ لو كان الحال فاعلا لقوله:
(يتفاوت) كما هو كذلك لخلا قوله: (اختلاف) عن عامل، ولا بد حينئذ من إدخال الباء الجارة عليه لتكون العبارة هكذا (لا يتفاوت
الحال فيما هو المهم باختلاف ما يراد من المبدأ. إلخ).
وبالجملة: فلا محيص عن أحد أمرين: إما سقوط الحال ليكون - اختلاف - فاعلا لقوله: (يتفاوت)، وإما دخول الباء على - اختلاف -،
فتأمل في العبارة.
292

منه (1) نفس ما وقع على الذات مما صدر عن الفاعل فإنما لا يصح السلب فيما لو كان بلحاظ حال التلبس والوقوع كما عرفت، لا بلحاظ
الحال (2) أيضا (3)، لوضوح (4) صحة أن يقال: إنه ليس بمضروب الان، بل كان الثالث (5) استدلال الإمام عليه السلام (6)
293

تأسيا (1) بالنبي صلوات الله عليه كما عن غير واحد من الاخبار بقوله تعالى:
294

(لا ينال عهدي الظالمين) على عدم لياقة من عبد صنما أو وثنا لمنصب الإمامة والخلافة تعريضا بمن تصدى لها ممن عبد الصنم مدة
مديدة (1)، ومن الواضح توقف ذلك (2) على كون المشتق موضوعا للأعم، وإلا (3) لما صح التعريض، لانقضاء تلبسهم بالظلم وعبادتهم
للصنم حين التصدي للخلافة. والجواب منع التوقف على ذلك (4) بل يتم الاستدلال ولو كان موضوعا لخصوص المتلبس، وتوضيح ذلك
(5) يتوقف على تمهيد مقدمة، وهي: أن الأوصاف العنوانية التي
295

تؤخذ في موضوعات الاحكام تكون على أقسام:
أحدها (1): أن يكون أخذ العنوان لمجرد الإشارة إلى ما هو في الحقيقة موضوع للحكم، لمعهوديته (2) بهذا العنوان من دون دخل
لاتصافه به (3) في الحكم أصلا.
ثانيها (4): أن يكون لأجل الإشارة إلى علية المبدأ للحكم مع كفاية مجرد صحة جري المشتق عليه ولو فيما مضى.
ثالثها (5): أن يكون
296

لذلك (1) مع عدم الكفاية (2) بل كان الحكم دائرا مدار صحة الجري عليه (3) واتصافه (4) به حدوثا وبقاء، إذا عرفت هذا فنقول: إن
الاستدلال بهذا الوجه (5) إنما يتم لو كان أخذ العنوان في الآية الشريفة على النحو
297

الأخير (1)، ضرورة أنه لو لم يكن المشتق للأعم لما تم (2) بعد عدم التلبس بالمبدأ ظاهرا حين التصدي، فلا بد أن يكون (3) للأعم
ليكون حين التصدي حقيقة من الظالمين ولو انقضى عنهم التلبس بالظلم. وأما إذا كان (4) على النحو الثاني (5) فلا (6) كما لا يخفى، ولا
قرينة على
298

أنه (1) على النحو الأول (2) لو لم نقل بنهوضها (3) على النحو الثاني (4)، فإن (5) الآية الشريفة في مقام بيان جلالة قدر الإمامة والخلافة
وعظم خطرها ورفعة محلها، وأن لها خصوصية من بين المناصب الإلهية، ومن المعلوم أن المناسب
299

لذلك (1) هو: أن لا يكون المتقمص بها (2) متلبسا بالظلم أصلا (3) كما لا يخفى.
إن قلت (4): نعم ولكن الظاهر أن الإمام عليه السلام إنما استدل بما هو قضية ظاهر العنوان وضعا لا بقرينة المقام مجازا، فلا بد أن
يكون للأعم وإلا لما تم (5). قلت (6):
300

لو سلم (1) لم يكن (2) يستلزم جري المشتق على النحو الثاني (3) كونه مجازا، بل يكون حقيقة لو كان بلحاظ حال التلبس كما عرفت،
فيكون معنى الآية والله العالم (من كان ظالما ولو آنا في الزمان السابق لا ينال عهدي أبدا) ومن الواضح: أن إرادة هذا المعنى لا
تستلزم الاستعمال لا بلحاظ حال التلبس (4).
301

ومنه (1) قد انقدح ما في الاستدلال على التفصيل بين المحكوم عليه والمحكوم به باختيار عدم الاشتراط في الأول (2) ب آية حد السارق
والسارقة والزاني والزانية، وذلك (3) حيث ظهر أنه (4) لا ينافي إرادة (5) خصوص حال التلبس دلالتها (6) على ثبوت القطع والجلد
مطلقا ولو بعد (7) انقضاء
302

المبدأ. [1] مضافا (1) إلى وضوح بطلان تعدد الوضع حسب وقوعه (2) محكوما عليه أو به كما لا يخفى. ومن مطاوي ما ذكرنا هاهنا (3) وفي

[1] لا يخفى أنه يمكن أن يجاب عن الاستدلال بالآيات المتقدمة بأن غاية ما يستفاد منها هي كون المراد بها - بقرينة مواردها -
خصوص حال الانقضاء، فهو المراد منها قطعا، والشك إنما هو في كيفية الإرادة، وأنها هل هي على نحو الحقيقة أم المجاز؟ وإثبات
كونها على نحو الحقيقة منوط بجعل الأصل في الاستعمال الحقيقة، وقد مر مرارا أنه أعم منها. ودعوى: أن الظاهر ابتناء الاستدلال
بالآيات على الظهور الوضعي خالية عن البينة، إذ المسلم ابتناؤه على الظهور العرفي وان كان ناشئا من قرينة المورد، فتدبر.
[2] مضافا إلى: أنه يلزم خلو هيئة المشتق عن الوضع إذا وقع فضلة ولم يقع ركنا في الكلام من كونه محكوما عليه أو به، إذ مقتضى ظاهر
استدلالهم هو انحصار وضعه في كونه محكوما عليه أو به. وإلى: أنه خارج عن موضوع البحث الذي هو وضع هيئة المشتق، لا وضعه
بحسب الهيئة التركيبية الكلامية، فلاحظ.
303

المقدمات (1) ظهر حال سائر الأقوال (2) وما ذكر لها من الاستدلال، ولا يسع المجال لتفصيلها، ومن أراد الاطلاع عليها فعليه
بالمطولات.
بقي أمور: الأول (3): أن مفهوم المشتق على ما حققه المحقق الشريف في بعض حواشيه (4) بسيط منتزع عن الذات باعتبار تلبسها بالمبدأ،
واتصافها به غير مركب
304

وقد أفاد في وجه ذلك (1) أن مفهوم الشئ لا يعتبر في مفهوم الناطق (2) مثلا، وإلا (3) لكان العرض العام داخلا في الفصل (4)، ولو
اعتبر فيه (5) ما صدق عليه الشئ انقلبت مادة الامكان الخاص ضرورة، فإن (6) الشئ الذي له الضحك هو الانسان، وثبوت الشئ
لنفسه ضروري، هذا ملخص ما أفاده الشريف على ما لخصه بعض الأعاظم (7). وقد أورد عليه في الفصول (بأنه يمكن أن يختار الشق
305

الأول (1)، ويدفع الاشكال بأن (2) كون الناطق مثلا فصلا مبني على عرف المنطقيين، حيث اعتبروه مجردا عن مفهوم الذات، وذلك (3)
لا يوجب وضعه لغة كذلك (4). وفيه (5): أنه من المقطوع أن مثل الناطق قد اعتبر فصلا بلا تصرف في معناه (6) أصلا، بل بما له من
المعنى كما لا يخفى. والتحقيق (7)
306

أن يقال: إن مثل الناطق ليس بفصل حقيقي (1)، بل لازم ما هو الفصل وأظهر خواصه، وإنما يكون فصلا مشهوريا منطقيا يوضع مكانه
(2) إذا لم يعلم
307

نفسه (1)، بل لا يكاد يعلم (2) - كما حقق في محله -، ولذا (3) ربما يجعل لا زمان مكانه إذا كانا متساويي النسبة إليه كالحساس و
المتحرك بالإرادة في الحيوان، وعليه (4) فلا بأس بأخذ مفهوم الشئ في مثل الناطق، فإنه (5) وان كان عرضا عاما لا فصلا مقوما
للانسان إلا أنه بعد تقييده بالنطق واتصافه به كان من أظهر
308

خواصه (1). وبالجملة: لا يلزم من أخذ مفهوم الشئ في معنى المشتق إلا دخول العرض في الخاصة التي هي من العرضي، لا في الفصل
الحقيقي (2) الذي هو من الذاتي، فتدبر جيدا. ثم قال (3): (إنه يمكن أن يختار الوجه الثاني (4) أيضا (5)، ويجاب (6) بأن المحمول ليس
مصداق الشئ والذات مطلقا (7) بل مقيدا بالوصف (8) وليس
309

ثبوته (1) للموضوع حينئذ (2) بالضرورة، لجواز (3) أن لا يكون ثبوت القيد ضروريا) انتهى. ويمكن أن يقال (4): إن عدم كون ثبوت
القيد
310

ضروريا لا يضر بدعوى الانقلاب، فإن المحمول إن كان ذات المقيد وكان القيد خارجا وإن كان التقيد داخلا بما هو معنى حرفي،
فالقضية لا محالة تكون ضرورية ضرورة ضرورية ثبوت الانسان الذي يكون مقيدا بالنطق للانسان، وإن كان (1) المقيد بما هو مقيد
على أن يكون القيد داخلا، فقضية الانسان ناطق تنحل في الحقيقة إلى قضيتين (2):
311

إحداهما: قضية - الانسان إنسان - وهي ضرورية، والأخرى: قضية - الانسان له النطق - وهي ممكنة، وذلك (1) لان الأوصاف قبل
العلم بها أخبار، كما أن الاخبار بعد العلم بها تكون أوصافا، فعقد الحمل (2) ينحل إلى القضية، كما أن عقد الوضع (3) ينحل إلى قضية
مطلقة عامة (4) عند الشيخ، وقضية ممكنة عامة (5) عند الفارابي، فتأمل (6).
312

لكنه (1) (قدس سره) تنظر فيما أفاده بقوله: (وفيه نظر، لان الذات المأخوذة مقيدة بالوصف قوة أو فعلا (2) ان كانت
313

مقيدة (1) به (2) واقعا صدق الايجاب بالضرورة، وإلا صدق السلب بالضرورة مثلا لا يصدق - زيد كاتب بالضرورة - لكن يصدق -
زيد الكاتب بالقوة - أو بالفعل كاتب بالضرورة) - انتهى -، ولا يذهب عليك (3): أن صدق الايجاب بالضرورة بشرط كونه (4) مقيدا
به واقعا لا يصحح دعوى الانقلاب
314

إلى الضرورية، ضرورة (1) صدق الايجاب بالضرورة بشرط المحمول في كل قضية ولو كانت ممكنة (2)، كما لا يكاد يضر (3) بها
صدق السلب كذلك (4) بشرط عدم كونه (5) مقيدا به واقعا لضرورة (6) السلب بهذا الشرط (7)، وذلك (8) لوضوح أن المناط في
الجهات ومواد (9) القضايا إنما هو بملاحظة أن نسبة هذا المحمول إلى ذلك الموضوع موجهة بأي جهة منها (10) ومع آية منها (11) في
نفسها
315

صادقة لا بملاحظة ثبوتها (1) له واقعا أو عدم ثبوتها له كذلك (2)، وإلا (3) كانت الجهة منحصرة بالضرورة، ضرورة صيرورة
الايجاب أو السلب بلحاظ (4) الثبوت وعدمه واقعا ضروريا ويكون من باب الضرورة بشرط المحمول.
وبالجملة: الدعوى هو انقلاب مادة الامكان بالضرورة فيما ليست مادته واقعا في نفسه وبلا شرط (5) غير الامكان. وقد انقدح
316

بذلك (1) عدم نهوض ما أفاده (2) (ره) بإبطال الوجه الأول كما زعمه (قدس سره) فإن (3) لحوق مفهوم الشئ والذات لمصاديقهما
إنما يكون ضروريا مع
317

إطلاقهما لا مطلقا ولو مع التقيد (1) إلا بشرط تقيد المصاديق به أيضا (2)، وقد عرفت (3) حال الشرط، فافهم. (4). ثم إنه لو جعل التالي
في الشرطية
318

الثانية (1) لزوم أخذ النوع في الفصل، ضرورة أن مصداق الشئ الذي له النطق
319

هو الانسان كان أليق بالشرطية الأولى (1)، بل كان (2) الأولى لفساده مطلقا
320

ولو لم يكن مثل الناطق بفصل حقيقي، ضرورة بطلان أخذ الشئ في لازمه وخاصته، فتأمل جيدا (1). ثم إنه (2) يمكن أن يستدل على
البساطة بضرورة (3) عدم تكرر الموصوف في مثل - زيد الكاتب - ولزومه (4) من التركب وأخذ (5) الشئ مصداقا أو مفهوما في
مفهومه (6).
(إرشاد) لا يخفى أن معنى البساطة (7) بحسب المفهوم وحدته إدراكا
321

وتصورا بحيث لا يتصور عند تصوره إلا شئ واحد لا شيئان وإن انحل بتعمل

[1] لا يخفى أنه بناء على إنكار الاشتقاق وعدم صحة صوغ لفظ من لفظ آخر، بل كل لفظ بحياله وضع لمعنى، لا محذور في جعل المشتق
موضوعا لذات متصفة بعرض كما هو المرتكز في أذهان العرف، فيكون دلالة المشتق حينئذ على الذات بالتضمن، وبناء على تسليم
الاشتقاق تكون الذات خارجة عن مدلوله، لتركب المشتق حينئذ من مادة سارية في جميع المشتقات المصوغة منها، وهيئة دالة على
النسبة، ولا يدل شئ منهما على الذات.
أما المادة، فلكونها موضوعة لنفس العرض كالضرب في الضارب.
وأما الهيئة، فلكونها موضوعة لانتساب المادة، لكن لما كانت النسبة معنى حرفيا، فلا محالة تتقوم بتصور طرفيها وهما المادة والذات،
ولأجله تحكي الهيئة عن الذات، إلا أن هذه الحكاية ليست من الدلالة التضمنية، إذ المفروض عدم كون الذات مدلولا للمادة ولا للهيئة، بل
الدلالة التزامية لأجل تقوم النسبة التي هي معنى الهيئة بتصور المنتسبين. فدعوى انسباق الذات من المشتق عرفا على كل
322

من العقل إلى شيئين (1) كانحلال مفهوم الشجر أو الحجر إلى شئ له الحجرية أو الشجرية مع وضوح بساطة مفهومهما (2).
وبالجملة: لا تنثلم بالانحلال إلى الاثنينية بالتعمل العقلي وحدة المعنى (3) وبساطة المفهوم كما لا يخفى، وإلى ذلك (4) يرجع الاجمال
والتفصيل الفارقان

تقدير في محلها، غاية الامر أن الدلالة عليها بناء على إنكار الا وبناء على تسليمه التزامية، وليس هذا الانسباق ذلك التبادر كما لا يخفى.
323

بين المحدود والحد مع ما هما (1) عليه (2) من الاتحاد ذاتا، فالعقل بالتعمل يحلل النوع ويفصله إلى جنس وفصل بعد ما كان (3) أمرا
واحدا إدراكا وشيئا فاردا تصورا، فالتحليل يوجب فتق ما هو عليه من الجمع (4).
الثاني (5): الفرق بين المشتق ومبدئه مفهوما أنه (6) بمفهومه لا يأبى عن
324

الحمل على ما تلبس بالمبدأ، ولا يعصي عن الجري عليه (1)، لما هما عليه (2) من نحو من الاتحاد، بخلاف المبدأ، فإنه بمعناه (3) يأبى عن
ذلك (4)، بل إذا قيس ونسب إليه (5) كان غيره (6) لا هو هو (7)، وملاك الحمل والجري إنما هو نحو من الاتحاد والهوهوية، وإلى هذا
(8) يرجع ما ذكره أهل المعقول في الفرق بينهما

[1] لا يخفى أن هذا الفرق واقعي لا اعتباري، ضرورة أن مفهوم العلم مثلا نفس الادراك الذي هو من مقولة الكيف أو غيره، ومفهوم
العالم - بناء على بساطة المشتق - يكون منتزعا عن الذات المتجلية بالعلم وجاريا عليها، ومن المعلوم كمال المغايرة بينهما، إذ مفهوم
المبدأ - كالعلم في المثال - ليس منتزعا عن الذات المتصفة
325

من أن المشتق يكون لا بشرط والمبدأ يكون بشرط لا، أي يكون مفهوم المشتق

بالادراك حتى يصح حمله عليها، بل هو نفس الادراك، بخلاف مفهوم المشتق، فإنه منتزع عن الذات المتصفة بالادراك، ولذا يصح حمله
عليها، لمكان اتحاد العرض والمحل، حيث إنه قيد لموضوعه ونعت له وإن كان وجود العرض نفسيا كالجوهر لكن وجوده النفسي
يكون للغير، ولذا قيل: إن وجود العرض في نفسه عين وجوده لغيره في مقابل الجوهر الذي يكون وجوده في نفسه لنفسه، فإن الوجود
النفسي أي المحمولي الذي هو مفاد كان التامة المتحقق في الهليات البسيطة ينقسم إلى الوجود للنفس وللغير، والأول وجود الجوهر و
الثاني وجود العرض، وكيف كان فالفرق بين المشتق ومبدئه واقعي لا اعتباري.
326

غير آب عن الحمل، ومفهوم المبدأ يكون آبيا عنه، وصاحب الفصول (ره) حيث توهم: أن مرادهم إنما هو بيان التفرقة بهذين
الاعتبارين (1) بلحاظ الطوارئ والعوارض الخارجية (2) مع حفظ مفهوم واحد (3) أورد عليهم بعدم (4)
327

استقامة الفرق بذلك (1) لأجل (2) امتناع حمل العلم والحركة على الذات وإن اعتبر لا بشرط، وغفل (3) عن أن المراد ما
328



[1] لكن يظهر من كلام الحكيم السبزواري خلاف ذلك، حيث قال في شرح بيته:
جنس وفصل لا بشرط حملا فمدة وصورة بشرط لا
ما لفظه: (وفيه إشارة إلى أن كلا من هاتين مع كل من هذين متحد ذاتا مختلف اعتبارا) وقال (قده) في الحاشية: (قولنا متحد ذاتا أي
المادة متحدة
329

ذكرنا (1) كما يظهر (2) منهم من بيان الفرق بين الجنس والفصل وبين المادة والصورة، فراجع.

مع الجنس الطبيعي ذاتا ومختلفة معه باعتباري الشرط لا ولا بشرط، وكذا الصورة مع الفصل الطبيعي) انتهى، وهذا كما ترى صريح
في اتحاد الجنس والمادة والصورة والفصل ذاتا، وكون تغايرها اعتباريا، فلا يكون اللا بشرطية وبشرط اللائية حينئذ منتزعتين
عن مقام الذات، لفرض اتحادها ذاتا، بل تكونان باللحاظ والاعتبار.
330

(الثالث): ملاك الحمل كما أشرنا (1) إليه هو الهوهوية والاتحاد من وجه والمغايرة من وجه آخر كما يكون بين المشتقات والذوات (2)، ولا
يعتبر معه (3)
331

ملاحظة التركيب بين المتغايرين (1)، واعتبار كون مجموعهما بما هو كذلك (2) واحدا، بل (3) يكون لحاظ ذلك (4) مخلا، لاستلزامه
(5) المغايرة بالجزئية والكلية (6)، ومن الواضح أن ملاك الحمل لحاظ (7) بنحو الاتحاد بين
334

الموضوع والمحمول، مع وضوح عدم لحاظ ذلك (1) في التحديدات (2) وسائر القضايا في طرف (3) الموضوعات، بل لا يلحظ في
طرفها (4) إلا نفس معانيها (5)
335

كما هو الحال في طرف المحمولات (1)، ولا يكون حملها عليها (2) إلا بملاحظة ما هما عليه (3) من (4) نحو من الاتحاد مع ما هما عليه من
المغايرة (5) ولو بنحو من الاعتبار، فانقدح بذلك (6) فساد ما جعله في الفصول تحقيقا للمقام (7) وفي
336

كلامه موارد للنظر (1) تظهر بالتأمل وإمعان النظر.
(الرابع) (2): لا ريب في كفاية مغايرة المبدأ مع ما يجري المشتق عليه
337

مفهوما وان اتحدا عينا وخارجا، فصدق الصفات مثل العالم والقادر والرحيم والكريم إلى غير ذلك من صفات الكمال والجلال (1)
عليه تعالى على ما ذهب إليه أهل الحق من عينية صفاته (2)
338

يكون (1) على نحو الحقيقة، فإن (2) المبدأ فيها (3) وإن كان عين ذاته تعالى خارجا إلا أنه (4) غير ذاته تعالى مفهوما. ومنه (5) قد
339

انقدح (1) ما في الفصول من الالتزام بالنقل أو التجوز في ألفاظ الصفات الجارية عليه تعالى بناء على الحق من العينية (2)، لعدم (3)
المغايرة المعتبرة بالاتفاق (4)

[1] قد استدل للفصول بوجوه:
(الأول): ما استدل به نفسه في عبارته المتقدمة وهو: اتفاق العلماء على اعتبار التغاير الوجودي. وفيه أولا: منع تحققه.
وثانيا: ان اتفاق العلماء بما هم علماء لا بد أن يكون في الاحكام الفرعية، إذ لا دليل على اعتباره في غيرها، ومع الشك في الحجية لا
يصح التمسك به.
340

وذلك (1) لما عرفت من كفاية المغايرة مفهوما، ولا اتفاق على اعتبار

وثالثا: إن المبحوث عنه هو الوضع، واتفاق العلماء لا يكشف عن ذلك ولا يثبته.
(الثاني): أنه لا إشكال في كون المبدأ عينا في الواجب وزائدا في الممكن فهما متباينان، فلا يمكن انتزاع مفهوم واحد منهما وضع له
لفظ المشتق. وفيه:
أن الموضوع له في لفظ المشتق كسائر الألفاظ هو نفس المفهوم لا وجوده، ومن المعلوم اتحادهما فيه، والمغايرة إنما تكون في
الوجود، حيث إن المبدأ فيه تعالى عين ذاته وفي الممكن غير ذاته، وهذا التغاير لا يوجب التباين المطلق حتى لا يكون جامع بين صفاته
سبحانه وتعالى وصفاتنا.
(الثالث): أن المتبادر إلى الذهن من المشتق هو الذوات المتلبسة بالمبادئ التي لا تكون عينا لها، فالموضوع له في المشتق هو هذا المعنى
المنسبق إلى الذهن، ومن المعلوم أنه ينافي العينية، فلا بد من التصرف في معاني الصفات الجارية عليه تعالى شأنه. وفيه منع، بل
المتبادر هو الذوات المتلبسة بالمبادئ على الاطلاق، وليس المتبادر خصوص الذوات المتلبسة بالمبادئ التي لا تكون عينا لها، نعم لا
ينتقل العرف إلى المصداق الذي يكون المبدأ عينه وجودا، لكن نظرهم حجة في تشخيص المفهوم دون المصداق، لما ثبت من أن موضوع
الآثار ومهبط الاحكام هو مفاهيم الألفاظ المأخوذة في حيز الخطابات، فلا تترتب الاحكام والآثار على ما لا يكون مصداقا لتلك
المفاهيم حقيقة، وإنما يكون مصداقا لها بضرب من العناية والتنزيل، إذ المفروض عدم انطباق المفهوم - الذي هو الموضوع - عليه.
341

غيرها (1) إن لم نقل بحصول الاتفاق على عدم اعتباره (2) كما لا يخفى، وقد عرفت (3) ثبوت المغايرة كذلك (4) بين الذات ومبادئ
الصفات.
(الخامس) (5): أنه وقع الخلاف بعد الاتفاق على اعتبار المغايرة كما عرفت
342

بين المبدأ وما يجري عليه المشتق في اعتبار قيام المبدأ به في صدقه على نحو الحقيقة، وقد استدل من قال بعدم الاعتبار بصدق
الضارب والمؤلم مع قيام الضرب والألم بالمضروب والمؤلم - بالفتح -، والتحقيق: أنه لا ينبغي أن يرتاب من كان من أولي الألباب في
أنه يعتبر في صدق المشتق على الذات وجريه عليها (1) من التلبس بالمبدأ بنحو خاص على اختلاف أنحائه (2) الناشئة (3) من اختلاف
المواد (4) تارة، واختلاف
343

الهيئات (1) أخرى من (2) القيام صدورا (3) أو حلولا (4) أو وقوعا عليه (5) أو فيه (6) أو انتزاعه عنه (7) مفهوما مع اتحاده معه خارجا
كما في صفاته تعالى
344

على ما أشرنا إليه آنفا (1)، أو مع (2) عدم تحقق إلا للمنتزع عنه كما في الإضافات والاعتبارات التي لا تحقق لها، ولا يكون بحذائها في
الخارج شئ، وتكون من الخارج
345

المحمول (1) لا المحمول بالضميمة، ففي صفاته الجارية عليه تعالى يكون المبدأ مغايرا له مفهوما وقائما به عينا، لكنه (2) بنحو من
القيام، لا (3) بأن يكون هناك اثنينية وكان ما بحذائه (4) غير الذات، بل (5) بنحو الاتحاد والعينية
346

وكان ما بحذائه (1) عين الذات، وعدم اطلاع العرف على مثل هذا التلبس (2) من الأمور الخفية لا يضر بصدقها (3) عليه تعالى على نحو
الحقيقة إذا كان لها (4) مفهوم صادق عليه تعالى حقيقة ولو (5) بتأمل وتعمل من العقل، والعرف (6) إنما يكون مرجعا في تعيين
المفاهيم لا في تطبيقها على مصاديقها.
(وبالجملة) يكون مثل العالم والعادل وغيرهما من الصفات الجارية عليه تعالى
347

وعلى غيره جارية عليهما (1) بمفهوم واحد ومعنى فارد وإن اختلفا فيما يعتبر في الجري من (2) الاتحاد وكيفية التلبس بالمبدأ، حيث
إنه (3) بنحو العينية فيه تعالى، وبنحو الحلول أو الصدور في غيره، فلا (4) وجه لما التزم به في الفصول من نقل الصفات الجارية عليه
تعالى عما (5) هي عليها من المعنى (6) كما لا يخفى، كيف (7) ولو كانت بغير معانيها العامة جارية عليه تعالى كانت صرف لقلقة اللسان
348

وألفاظ بلا معنى، فإن (1) غير تلك المفاهيم العامة الجارية على غيره تعالى غير مفهوم ولا معلوم إلا بما يقابلها، ففي مثل ما إذا قلنا:
(انه تعالى عالم) إما أن نعني أنه من ينكشف لديه الشئ فهو ذاك المعنى العام (2)، أو أنه مصداق لما يقابل ذاك المعنى (3) فتعالى عن
ذلك علوا كبيرا، وإما (4) أن لا نعني شيئا
349

فتكون كما قلناه من كونها صرف اللقلقة وكونها (1) بلا معنى كما لا يخفى [1]
والعجب) أنه (2) جعل ذلك (3) علة لعدم صدقها (4) في حق غيره، وهو كما ترى (5). وبالتأمل فيما

[1] الانصاف عدم ورود شئ من المحذورين اللذين ذكرهما المصنف (قده) على صاحب الفصول (ره) أصلا، لأنه اعتبر في قيام المبدأ
بالذات الجامع بين الحلولي والصدوري، ولما كان هذا السنخ من القيام ممتنعا فيه سبحانه وتعالى التزم الفصول بالنقل أو التجوز
بمعنى إرادة معنى من العلم والقدرة مثلا يكون عين ذاته عز وجل ولا يكون زائدا عليها، كما يكون زائدا في الممكن.
فجواب الفصول حينئذ بلزوم الجهل أو كون الصفات لقلقة اللسان غير مناسب، بل جوابه عدم انحصار قيام المبدأ بالذات بالصدوري و
الحلولي، وأن التلبس به بنحو العينية أيضا نحو قيام، فتدبر.
350

ذكرنا (1) ظهر الخلل فيما استدل من الجانبين (2) والمحاكمة (3) بين الطرفين، فتأمل (4).
351

(السادس):
الظاهر أنه لا يعتبر في صدق المشتق وجريه على الذات حقيقة التلبس بالمبدأ حقيقة بلا واسطة في العروض (1) كما في الماء الجاري،
بل يكفي التلبس به (2) ولو مجازا، ومع هذه الواسطة (3) كما في الميزاب الجاري [1] فإسناد

[1] في كون الماء واسطة عروضية لاتصاف الميزاب بالجريان إشكال، لان ضابط ذلك كما قيل هو: أن يكون الواسطة عرضا لذيها
كالحركة المعروضة للشدة والسرعة، إذ يصح حينئذ أن يقال: (الجسم شديد أو سريع بواسطة الحركة) لان عارض العارض عارض، و
هذا بخلاف العارض لشئ مباين، كعروض الجريان
352

الجريان إلى الميزاب وإن كان إسنادا إلى غير ما هو له وبالمجاز إلا أنه (1) في الاسناد لا في الكلمة، فالمشتق في مثل المثال بما هو
مشتق (2) قد استعمل في معناه الحقيقي (3) وإن كان مبدؤه مسندا إلى الميزاب بالاسناد المجازي، ولا منافاة بينهما (4) أصلا كما لا
يخفى، ولكن ظاهر الفصول بل

للماء المباين للميزاب، فلا يعد الجريان وصفا للميزاب لا بلا واسطة ولا معها، ولكن يصح إسناد الجريان إلى الميزاب مجازا، وبهذا
الاعتبار يصير الميزاب متلبسا بالجريان بلا واسطة في العروض.
353

صريحه (1) اعتبار الاسناد الحقيقي في صدق المشتق حقيقة، وكأنه من باب الخلط (2) بين المجاز في الاسناد والمجاز في الكلمة وهذا
(3) هاهنا (4) محل الكلام بين الاعلام والحمد لله وهو خير ختام.

[1] لا يخفى أن هنا مقامين:
أحدهما استعمال اللفظ - أي المشتق - في معناه الموضوع له.
ثانيهما تطبقه على موضوعه كحمل الجاري وجريه على الميزاب في قولنا:
(الميزاب جار) ويعبر عن الأول بالاستعمال وعن الثاني بالاسناد تارة والصدق أخرى، فان كان نزاعهما في الأول فالحق مع
المصنف، لعدم استلزام المجاز في الاسناد والتطبيق للتجوز في كلمة المشتق، إذ يمكن أن يكون الاستعمال في المعنى
354



الحقيقي مع كون الاسناد مجازيا، وان كان نزاعهما في الثاني فالحق مع الفصول، إذ لا شك في إناطة كون إسناد المشتق إلى شئ على
وجه الحقيقة بتلبس ذلك الشئ بالمبدأ حقيقة، كإسناد الجريان إلى الماء، فإن تلبس الماء حقيقة بالجريان يوجب كون إسناده إليه على
سبيل الحقيقة. وظاهر كلام الفصول هو الثاني، لتعبيره بالصدق الظاهر في الانطباق والاسناد، والمصنف لما حمل كلام الفصول على
الأول - أعني الاستعمال - أورد عليه بما ذكره، لكن الانصاف ظهور عبارة الفصول في الثاني أعني الاسناد، فلا يرد عليه ما أفاده
المصنف.
وبالجملة: فإيراد المصنف وارد على الفصول إن أراد الاستعمال، لكنه خلاف ظاهر عبارته كما عرفت، وغير وارد عليه إن أراد
الاسناد كما هو ظاهر عبارته.
والمتحصل: أن الاستعمال غير الاسناد، والمجاز في الثاني لا يستلزم المجاز في الأول، والاستعمال الحقيقي لا يتوقف على التلبس
بالمبدأ حقيقة، بخلاف الاسناد الحقيقي، فإنه يتوقف على ذلك، ولا ينبغي الاشكال حينئذ، فالحق أن الفصول لم يخلط بين الاستعمال و
بين الاسناد، فلاحظ وتأمل.
وكيف كان، فلا إشكال في أن الاسناد الحقيقي منوط بكون الموضوع متلبسا بمبدأ المشتق حقيقة، هذا.
(تذييل) يتضمن أمرين:
الأول: أنه هل يكون بحث المشتق من المسائل الأصولية أم لا؟ كما هو قضية تعرضهم له في المقدمة دون المقاصد.
355



الثاني: أنه هل يترتب على هذا المبحث ثمرة عملية أم لا؟.
(أما الأول) فحاصل الكلام فيه: أنهم لم يذكروا بحث المشتق في المقاصد بل ذكروه في المقدمة نظرا إلى خروجه عن المقاصد، لعدم
انطباق ضابط المسألة الأصولية عليه، حيث إنها كبرى لقياس ينتج حكما كليا فرعيا كقولنا: (صلاة الجمعة ما أخبر بوجوبه العادل، وكلما
كان كذلك فهو واجب)، أو (هذا ما علم سابقا بوجوبه وشك فيه لاحقا وكلما كان كذلك فهو واجب)، أو (هذا مما لم يرد على حرمته أو
وجوبه بيان، وكلما كان كذلك فهو مما لا حرج فيه عقلا)، وهذا الضابط لا ينطبق على المشتق، إذ شأنه إحراز موضوع الحكم لا نفسه. و
هذا بخلاف مباحث العام والخاص والمطلق والمقيد، فإن نتيجة هذه المباحث على ما أفاده شيخنا الأستاذ (قده): (وإن لم تكن استنباط
ذات الحكم، ولكن من المعلوم أنه يستفاد منها كيفية تعلق الحكم بموضوعه، كما أن مبحث المفاهيم أيضا موضوع لبيان سنخ إناطة
الحكم بشئ، فهو أيضا من أنحاء وجود الحكم وثبوته، وهذا بخلاف المسائل الأدبية، فإنها ربما تقع في طريق استنباط موضوع الحكم
بلا نظر فيها أصلا إلى كيفية تعلق حكمه. ومن هذا البيان ظهر أيضا وجه خروج المشتق من المسائل، إذ شأنه ليس إلا إحراز موضوع
الحكم لا نفسه، لا بذاته ولا بكيفية تعلقه بموضوعه. ومن هنا ظهر أيضا وجه خروج مسائل علم الرجال عن المسائل الأصولية، لكونها
أيضا كمبحث المشتق وسائر العلوم الأدبية واقعة في طريق استنباط الموضوع، لا نفس الحكم، ولا لكيفية تعلقه بموضوعه، بل شأنه
إثبات موضوع الحكم محضا من كون السند موثوقا به كي يشمله أدلة التعبد به) انتهى
356



موضع الحاجة من كلام شيخنا المحقق العراقي قدس سره.
أقول: أما جعل المسألة الأصولية كبرى لقياس الاستنباط، ففيه:
أنه لا يخلو عن مسامحة، فإن خبر الثقة مثلا إنما يكون مسألة أصولية باعتبار حجيته، فالمسألة الأصولية هي مجموع الموضوع و
المحمول - أعني قولنا: خبر الثقة حجة - لا الموضوع فقط وهو خبر الثقة، ومن المعلوم: أن المجموع لا يقع كبرى لقياس الاستنباط، بل
الواقع كبرى له هو نفس الخبر كما عرفت في مثال وجوب صلاة الجمعة، والمسألة الأصولية تكون برهانا على كبرى قياس الاستنباط،
فلعل الأولى تعريف المسألة الأصولية بأنها هي التي تكون دليلا على كبرى قياس نتيجته حكم كلي فرعي، ولعله يرجع إلى ذلك ما في
بعض الكلمات من (أن المسائل الأصولية عبارة عن المبادئ التصديقية للمسائل الفقهية) انتهى.
وأما إخراج مبحث المشتق عن المسائل الأصولية ببيان: أن شأنه ليس إلا إحراز موضوع الحكم لا نفسه لا بذاته ولا بكيفية تعلقه
بموضوعه، ففيه:
أنه بعد البناء على تعميم الحكم المستنبط من المسألة الأصولية لذاته ولكيفية تعلقه بموضوعه لا يبقى فرق بين المشتق وبين العام و
الخاص والمطلق والمقيد، ضرورة أن العام كما يتضمن كيفية تعلق الحكم وهي تشريعه على وجه العموم، والمطلق يتضمن ثبوت الحكم
مستمرا وغير مقيد بحال دون حال كما هو شأن الاطلاق الأحوالي والأزماني، كذلك المشتق، فإنه يدل على ثبوت الحكم منوطا ببقاء
المبدأ - بناء على وضعه للأخص - وثبوته مستمرا بناء على وضعه للأعم، فالمشتق دخيل في كيفية تعلق الحكم بموضوعه كدخل العام و
الخاص وأضرابهما في كيفية تعلق الحكم بموضوعه
357



فتلخص مما ذكرناه أمران:
الأول: أن المسألة الأصولية عبارة عن دليل كبرى قياس استنباط الحكم الكلي الفرعي.
الثاني: أن بحث المشتق - بناء على تعميم الحكم المستنبط من المسألة الأصولية وشموله لكيفية تعلقه بموضوعه - يندرج في المسائل
الأصولية، فينبغي إدراجه في مقاصد الفن لا ذكره في مقدمته.
(وأما الامر الثاني) فمحصله: أنه قيل بترتب الثمرة على بحث المشتق في موارد:
أحدها: كراهة البول تحت الشجرة التي لا ثمرة لها فعلا مع كونها ذات ثمرة قبل ذلك، فإنه بناء على وضع المشتق للأعم مكروه، وعلى
القول بوضعه للأخص غير مكروه. ويمكن أن يقال: إن الأثمار للشجرة من قبيل الاجتهاد والعدالة وغيرهما من الملكات لذوي العقول،
فانقضاؤها منوط بزوال الشأنية، فتلبس الشجرة بالأثمار عبارة عن بقاء استعدادها له، فلا يعتبر في تلبسها به فعلية الأثمار، فما دامت
الشجرة مستعدة له يصدق عليها الشجرة المثمرة، فيكره البول تحتها، فثمرة بحث المشتق حينئذ تظهر بعد زوال استعدادها للاثمار،
هذا.
أقول: الروايات وإن كانت مشتملة على الشجرة المثمرة كرواية الحسين ابن زيد عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم
الصلاة والسلام في حديث المناهي قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبول تحت شجرة مثمرة) وعنه صلى الله عليه و
آله وسلم في حديث آخر (وكره أن يحدث
358



الرجل تحت شجرة مثمرة قد أينعت) - يعني أثمرت -، وعلى مساقط الثمار كمرفوعة علي بن إبراهيم قال: (خرج أبو حنيفة من عند أبي
عبد الله عليه السلام وأبو الحسن موسى عليه السلام قائم وهو غلام فقال له أبو حنيفة: يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم؟ فقال: اجتنب
أفنية المساجد وشطوط الأنهار ومساقط الثمار ومنازل النزال) الحديث، لكن في بعضها كخبر السكوني: (أو تحت شجرة فيها
ثمرتها) وفي بعضها الاخر كالمروي عن العلل عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن
يضرب أحد من المسلمين خلا تحت شجرة أو نخلة قد أثمرت لمكان الملائكة الموكلين بها قال: ولذلك تكون النخلة والشجرة أنسا إذا
كان فيه حمله، لان الملائكة تحضره) وظهورهما خصوصا الثاني في كون الشجرة ذات ثمرة فعلا مما لا ينكر، فدعوى كون موضوع
الحكم بالكراهة هو خصوص الشجرة المثمرة فعلا كما أفتى به جماعة من المتأخرين على ما في - هو - قريبة جدا.
إلا أن يقال: إن كلا من الاثمار الفعلي والشأني موضوع للحكم، كما ربما يستفاد ذلك من المروي في الفقيه كون الملائكة موكلين
بالأشجار حال عدم الثمرة أيضا، فلاحظ وتأمل.
ثانيها: كراهة الوضوء والغسل بالماء المشمس بعد برده وكراهة غسل الميت بالماء المسخن بعد برودته، فإن الحكم بالكراهة بعد
ارتفاع السخونة مبني على وضع المشتق للأعم وعدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق.
ثالثها: ما إذا جعل عنوان خاص موقوفا عليه كسكان بلدة كذا أو طلاب مدرسة كذا، وأعرضوا عن تلك البلدة أو المدرسة، فإن جواز
إعطائهم حينئذ
359

المقصد الأول [1] في

من عوائد الموقوفة وعدمه مبني على بحث المشتق.
رابعها: عنوان الجلال العارض للحيوان المأكول اللحم، فإنه إذا زال عنه عنوان الجلل يمكن النزاع في بقاء حكمه بناء على وضع المشتق
للأعم، وعدمه بناء على وضعه للأخص، لكن ثبت بالنص والاجماع كون استبراء الحيوان الجلال في المدة المضبوطة في كل حيوان
موجبا لزوال حكم الجلل عنه، وعود الاحكام الثابتة له قبل جلله، فهذا المثال فرضي.
خامسها: الدار التي يشتريها المكتسب في أثناء سنة الاكتساب لسكناه ثم تخرج عن هذا العنوان، لحصول سكنى دار أخرى له، كما إذا
جعل له سكنى دار مطلقا كأن يقول له مالك الدار: (أسكنتك داري)، أو مقيدا بعمر أحدهما كأن يقول له المالك: (لك سكنى داري مدة
حياتك أو حياتي)، أو بزمان خاص كأن يقول له: (لك سكنى داري سنة أو سنتين أو أكثر).
وبالجملة: فإذا جعل له سكنى دار بأحد الأنحاء الثلاثة من السكنى والعمرى والرقبى وصار بذلك غنيا عن الدار التي اشتراها للسكنى
وعدت من المئونة، فهل تبقى على حكمها وهو عدم وجوب تخميسها بناء على وضع المشتق للأعم، إذ المفروض صدق المئونة عليها قبل
الاستغناء عنها أم لا؟ فيجب إخراج خمسها بناء على وضع المشتق للأخص. وعليك بالتأمل فيما ذكرناه من الأمثلة التي فرعوها أو يمكن
تفريعها على المشتق، فإن للتكلم فيها مجالا واسعا، ولما لم يكن التعرض لها إلا لمزيد اطلاع الناظر أوكلنا تحقيق الحق فيها إليه، و
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الأئمة الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين.
[1] اعلم: أن الأصوليين قد جرى ديدنهم بعد ذكر جملة من المباحث
360

الأوامر (1) وفيه فصول:
(الأول) فيما يتعلق بمادة الامر من الجهات وهي عديدة:
الأولى: أنه قد ذكر للفظ الامر معان متعددة، منها: الطلب (2) كما يقال:

اللغوية في المقدمة على جعل مباحث الأوامر أول مقاصد علم الأصول، لكن الحق كون الأوامر أيضا من المبادئ بناء على ما جعلوه ضابطا
للمسألة الأصولية من كونها كبرى لقياس ينتج حكما كليا فرعيا، حيث إن المبحوث عنه في الأوامر إثبات أصل الظهور لا حجيته، ومن
المعلوم: أن إثبات الظهور من المباحث اللغوية المثبتة لصغرى المسألة الأصولية كالأبحاث الرجالية المثبتة لكون خبر زرارة ومحمد بن
مسلم وأضرابهما خبر الثقة الذي هو صغرى المسألة الأصولية.
والحاصل: أن الضابط الذي ذكروه للمسألة الأصولية من كونها الجز الأخير لعلة الاستنباط لا ينطبق على الأوامر ونحوها مما له دخل
في أصل الظهور لا حجيته.
361

أمره بكذا.
ومنها: الشأن كما يقال: شغله أمر كذا.
ومنها: الفعل كما في قوله تعالى: (وما أمر فرعون برشيد). ومنها: الفعل العجيب كما في قوله تعالى: (فلما جاء أمرنا). ومنها: الشئ
كما تقول: رأيت اليوم أمرا عجيبا.
ومنها: الحادثة، ومنها الغرض كما تقول: (جاء زيد لأمر كذا) ولا يخفى أن عد بعضها (1) من معانيه من اشتباه المصداق بالمفهوم،
362

ضرورة (1) أن الامر في - جاء زيد لأمر كذا - ما استعمل في معنى الغرض، بل اللام قد دل على الغرض، نعم يكون مدخوله مصداقه،
فافهم (2)، وهكذا الحال في قوله تعالى: (فلما جاء أمرنا) يكون مصداقا للتعجب لا مستعملا في مفهومه، وكذا في الحادثة والشأن، و
بذلك (3) ظهر ما في دعوى الفصول (4) من كون لفظ الامر حقيقة في المعنيين الأولين (5)، ولا يبعد دعوى
363

كونه (1) حقيقة في الطلب في الجملة (2) والشي (3)، هذا بحسب العرف واللغة وأما بحسب الاصطلاح فقد نقل الاتفاق على أنه (4) حقيقة
في القول المخصوص (5) ومجاز في غيره (6)، ولا يخفى أنه عليه (7) لا يمكن منه الاشتقاق، فإن معناه حينئذ (8) لا يكون معنى
364

حدثيا (1)، مع أن الاشتقاقات منه (2) ظاهرا تكون بذلك المعنى المصطلح عليه بينهم لا بالمعنى الاخر، فتدبر (3). ويمكن (4) أن يكون
مرادهم به هو
365

الطلب بالقول لا نفسه (1) تعبيرا عنه (2) بما يدل عليه، نعم (3) القول المخصوص أي صيغة الامر إذا أراد العالي بها الطلب يكون من
مصاديق الامر، لكنه (4) بما هو طلب مطلق أو مخصوص، وكيف كان فالامر سهل لو ثبت النقل (5)
366

ولا مشاحة في الاصطلاح (1)، وإنما المهم بيان ما هو معناه عرفا ولغة ليحمل عليه فيما إذا ورد بلا قرينة، وقد استعمل في غير واحد
من المعاني في الكتاب والسنة، ولا حجة على أنه (2) على نحو الاشتراك اللفظي أو المعنوي أو الحقيقة والمجاز، وما ذكر في الترجيح (3)
367

عند تعارض هذه الأحوال (1) لو سلم (2) ولم يعارض بمثله (3)، فلا دليل (4) على الترجيح به، فلا بد مع التعارض (5) من الرجوع إلى
الأصل (6) في مقام
368

العمل (1)، نعم (2) لو علم ظهوره في أحد معانيه ولو (3) احتمل أنه كان للانسباق من الاطلاق فليحمل عليه (4) وإن لم يعلم أنه (5) حقيقة
فيه بالخصوص أو فيما يعمه، كما لا يبعد (6) أن يكون كذلك (7)

[1] لا يقال: إن نفي البعد عن ظهور الامر في الطلب ينافي ما نفي البعد عنه سابقا من كون الامر حقيقة في الطلب والشي حيث قال
هناك: (ولا يبعد دعوى كونه حقيقة في الطلب في الجملة والشي) انتهى. فإنه يقال: إن دعوى الحقيقة في المعنيين لا تنافي ظهور اللفظ
في خصوص أحدهما كالطلب في المقام لجهة خارجية مثل كثرة الاستعمال فيه، فإن الظهور الناشئ عن جهة خارجية في أحد المعنيين
بالخصوص لا ينافي الوضع لهما كما لا يخفى.
369

في المعنى الأول (1).
الجهة الثانية (2) الظاهر: اعتبار العلو في معنى الامر، فلا يكون الطلب من السافل أو المساوي أمرا، ولو أطلق عليه (3) كان بنحو من
العناية، كما أن الظاهر (4): عدم اعتبار الاستعلا، فيكون الطلب من العالي أمرا ولو كان مستخفضا لجناحه، وأما (5) احتمال اعتبار
أحدهما فضعيف،
370

وتقبيح (1) الطالب السافل من العالي المستعلي (2) عليه (3)، وتوبيخه (4) بمثل - انك لم تأمره (5) - إنما هو (6) على استعلائه، لا على
أمره حقيقة بعد
371

استعلائه (1)، وإنما يكون إطلاق الامر على طلبه بحسب ما هو قضية استعلائه (2)، وكيف كان (3) ففي صحة سلب الامر عن طلب
السافل ولو كان مستعليا كفاية.
الجهة الثالثة (4): لا يبعد كون لفظ الامر حقيقة في الوجوب، لانسباقه (5) عنه عند إطلاقه (6)،
372

ويؤيده (1) قوله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره). وقوله (2) صلى الله عليه وآله وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لامرتهم
373

بالسواك)، وقوله (1) صلى الله عليه وآله وسلم لبريرة بعد قوله: أ تأمرني يا رسول الله (لا، بل إنما أنا شافع) إلى غير ذلك. وصحة
(2) الاحتجاج
374

على العبد ومؤاخذته بمجرد مخالفة أمره وتوبيخه على مجرد مخالفته كما في قوله تعالى: (ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك). وتقسيمه
(1) إلى الايجاب والاستحباب إنما (2) يكون قرينة على إرادة المعنى الأعم

[1] لا يخفى أن الأدلة المزبورة لا تدل على أزيد من ظهور الامر في الوجوب، وأما كونه ناشئا عن الوضع - كما هو المدعى - فلا دلالة
فيها على ذلك، ومن المعلوم: أن الظهور العرفي حجة ببناء العقلا وإن لم يكن ناشئا عن الوضع، وهو كاف في ثبوت الوجوب من دون
حاجة إلى إثبات الوضع له، ومنه يظهر الاشكال في دعوى التبادر الذي اعتمد عليه المصنف (قده) في إثبات الوضع، إذ لم يثبت كونه
ناشئا عن حاق اللفظ.
والحاصل: أنه بعد تحقق ظهور الامر عرفا في الوجوب لا يترتب على النزاع في كونه بالوضع ثمرة عملية، فتدبر.
375

منه (1) في مقام تقسيمه (2)، وصحة الاستعمال في معنى أعم من كونه (3) على نحو الحقيقة كما لا يخفى (4). وأما (5) ما أفيد من: أن
الاستعمال فيهما (6) ثابت فلو لم يكن موضوعا للقدر المشترك بينهما (7) لزم الاشتراك أو المجاز، فهو (8)
376

غير مفيد، لما مرت الإشارة إليه في الجهة الأولى (1) وفي تعارض الأحوال (2) فراجع (3). والاستدلال (4) بأن فعل المندوب طاعة و
كل طاعة فهو فعل المأمور به
377

فيه (1) ما لا يخفى من منع الكبرى (2) لو أريد من المأمور به معناه الحقيقي وإلا (3) لا يفيد المدعى.
الجهة الرابعة (4) الظاهر: أن الطلب الذي يكون هو معنى الامر (5) ليس هو الطلب الحقيقي (6) الذي يكون طلبا بالحمل الشائع
378

الصناعي (1) [1] بل الطلب الانشائي الذي لا يكون بهذا

[1] الأولى تبديل قوله: (بالحمل الشائع الصناعي) بقوله: (طلبا مطلقا لا إنشائيا)، وذلك لان الموضوع في الحمل الشائع هو المصداق لا
المفهوم كما في - زيد إنسان - ونحوه، وباب الوضع القائم بالمفاهيم أجنبي عن الوجود المتقوم به الحمل، ولا ينبغي خلط أحدهما
بالآخر، وعلى هذا فالطلب الحقيقي الذي وضع له لفظ الطلب هو المفهوم لا المصداق أعني الطلب الخارجي القائم بالنفس، والحمل يصح
فيه، لأنه الموجود الخارجي، لكن من المعلوم أنه ليس المعنى الموضوع له، لأنه المفهوم لا المصداق، فما يصح فيه الحمل ويكون موضوعا
في الحمل الشائع هو المصداق، وما يكون موضوعا له اللفظ هو المفهوم الذي لا يصح جعله موضوعا، لعدم وجود له مصحح للحمل.
وبالجملة: فذكر الحمل الشائع الصناعي هنا غير مناسب، لأجنبية مقام المفهوم عن مقام الحمل، فتأمل جيدا.
379

الحمل (1) طلبا مطلقا بل طلبا إنشائيا (2) سواء أنشأ بصيغة افعل أو بمادة الطلب أو بمادة الامر أو بغيرها (3)، ولو أبيت إلا عن كونه
(4) موضوعا للطلب (5) فلا أقل من كونه (6) منصرفا إلى الانشائي منه عند إطلاقه (7) كما هو (8) الحال في لفظ الطلب
380

أيضا (1)، وذلك (2) لكثرة الاستعمال في الطلب الانشائي، كما أن الامر (3) في لفظ الإرادة على عكس لفظ الطلب، والمنصرف (4) عنها
(5) عند إطلاقها هو
381

الإرادة الحقيقية (1)، واختلافهما (2) في ذلك (3) ألجأ بعض أصحابنا (4) إلى الميل إلى ما ذهب إليه الأشاعرة من المغايرة بين الطلب و
الإرادة، خلافا لقاطبة أهل الحق والمعتزلة من اتحادهما، فلا بأس بصرف عنان الكلام إلى بيان ما هو الحق
382

في المقام وإن حققناه في بعض فوائدنا (1)، إلا أن الحوالة لما لم تكن عن المحذور خالية (2) والإعادة (3) ليست بلا فائدة (4) ولا
إفادة (5) كان المناسب هو التعرض هاهنا أيضا، فاعلم: أن الحق كما عليه أهله (6) وفاقا للمعتزلة وخلافا للأشاعرة (7) هو اتحاد الطلب
والإرادة، بمعنى: أن لفظيهما موضوعان بإزاء مفهوم واحد (8)، وما بإزاء أحدهما في الخارج يكون بإزاء

[1] قد عرفت: أن ملاحظة موارد استعمال الطلب تشهد بمغايرة الطلب
383

الاخر (1)، والطلب المنشأ بلفظه أو بغيره عين الإرادة الانشائية.
وبالجملة: هما متحدان مفهوما وإنشاء وخارجا (2)، لا أن (3) الطلب الانشائي الذي هو المنصرف إليه إطلاقه كما عرفت متحد مع
الإرادة الحقيقية

للإرادة، لأنه كما مر عبارة عن السعي نحو شئ للظفر به، فليس الطلب مجرد الشوق المؤكد المسمى بالإرادة، بل هو التصدي لايجاد
شئ بإعمال بعض مقدمات وجوده، ولكن هذه المغايرة لا تثبت ما رامه الأشعري القائل بكون الطلب صفة في النفس غير الإرادة
مدلولا عليه بالكلام اللفظي، بداهة أن الطلب على ما ذكرنا ليس من صفات النفس، بل من أفعال الجوارح التي هي أجنبية عن الصفات
القائمة بالنفس.
384

التي ينصرف إليها إطلاقها (1) أيضا (2)، ضرورة (3) أن المغايرة بينهما أظهر من الشمس وأبين من الأمس، فإذا عرفت المراد من
حديث العينية والاتحاد (4) ففي مراجعة الوجدان عند طلب شئ والامر به حقيقة كفاية، فلا يحتاج إلى مزيد بيان وإقامة برهان، فإن
(5) الانسان لا يجد غير الإرادة القائمة بالنفس صفة أخرى قائمة بها يكون (6) هو الطلب (7) غيرها (8) سوى ما هو مقدمة
385

تحققها (1) عند (2) خطور الشئ والميل وهيجان الرغبة إليه والتصديق بفائدته (3)، وهو (4) الجزم بدفع ما يوجب توقفه عن طلبه
(5) لأجلها (6).
وبالجملة: لا يكاد يكون غير الصفات المعروفة (7) والإرادة هناك صفة (8) أخرى قائمة بها يكون هو الطلب، فلا محيص عن اتحاد
الإرادة والطلب وأن يكون (9) ذاك الشوق المؤكد المستتبع لتحريك العضلات في إرادة فعله بالمباشرة أو المستتبع لأمر عبيده به
فيما لو أراده لا
386

كذلك (1) مسمى (2) بالطلب والإرادة كما يعبر به (3) تارة وبها (4) أخرى كما لا يخفى. وكذا (5) الحال في سائر الصيغ الانشائية و
الجمل الخبرية، فإنه لا يكون

[1] قد عرفت: أن الطلب هو التصدي لايجاد شئ، فلا يطلق على الصفة النفسانية.
387

غير الصفات المعروفة القائمة بالنفس من الترجي والتمني والعلم إلى غير ذلك صفة (1) أخرى كانت قائمة بالنفس. وقد دل اللفظ
عليها كما قيل (2):

[1] لكن فيه أولا: عدم اعتباره، إذ ليس هو مأثورا عن معصوم من نبي أو وصي.
وثانيا: عدم ظهوره فيما ادعوه من كون الطلب صفة زائدة في النفس غير الإرادة ومباديها، بل لا يدل إلا على معنى قائم بالنفس من
العلم في الاخبار والتمني والترجي والاستفهام الحقيقية في تلك الصيغ، والإرادة في الأوامر، والكراهة في النواهي، قال القوشجي في
شرح التجريد:
(والحاصل: أن مدلول الكلام اللفظي الذي يسميه الأشاعرة كلاما نفسيا ليس أمرا وراء العلم في الخبر، والإرادة في الامر، والكراهة في
النهي. وأما بيت الشاعر فإما لاعتقاده ثبوت كلام نفسي تقليدا، وإما لان المقصود الأصلي من الكلام هو الدلالة على ما في الضمائر، و
بهذا الاعتبار يسمى كلاما، فأطلق اسم الدال على المدلول، وحصره تنبيها على أنه آلة يتوصل بها إليه، فكأنه هو المستحق لاسم تلك الآلة،
والأشاعرة يدعون أن نسبة أحد طرفي الخبر إلى الاخر قائمة بنفس المتكلم ومغايرة للعلم، لان المتكلم قد يخبر عما لا يعلمه، بل يعلم
خلافه
388

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
وقد انقدح مما حققناه (1): ما في استدلال الأشاعرة على المغايرة بالامر (2) مع عدم الإرادة (3) كما في صورتي الاختبار والاعتذار
(4) من (5) الخلل، فإنه (6) كما لا إرادة حقيقة في الصورتين لا طلب

وحاصله: فقدان الطلب الحقيقي والإرادة الحقيقية معا في صورتي الاختبار والاعتذار، لا أن الطلب موجود بدون الإرادة، قال القوشجي
بعد
أو يشك فيه، وأن المعنى النفسي الذي هو الامر غير الإرادة، لأنه قد يأمر الرجل بما لا يريده، كالمختبر لعبده هل يطيعه أم لا، و
كالمعتذر من ضرب عبده بعصيانه، فإنه قد يأمره وهو يريد أن لا يفعل المأمور به، ليظهر عذره عند من يلومه) انتهى.
389

كذلك (1) فيهما، والذي يكون فيهما (2) إنما هو الطلب الانشائي الايقاعي (3) الذي هو مدلول الصيغة أو المادة (4) ولم يكن بينا ولا
مبينا في الاستدلال مغايرته (5) مع الإرادة الانشائية.
وبالجملة: الذي يتكفله الدليل ليس إلا الانفكاك بين الإرادة الحقيقية والطلب المنشأ بالصيغة الكاشف (6) عن مغايرتهما (7) وهو (8)
مما لا محيص عن
390

الالتزام به كما عرفت (1)، ولكنه (2) لا يضر بدعوى الاتحاد أصلا، لمكان هذه المغايرة والانفكاك بين الطلب الحقيقي والانشائي كما
لا يخفى. ثم إنه يمكن مما حققناه (3) أن يقع الصلح بين الطرفين (4) ولم يكن نزاع في البين بأن (5) يكون المراد بحديث الاتحاد ما
عرفت من العينية مفهوما ووجودا حقيقيا وإنشائيا، ويكون المراد بالمغايرة والاثنينية هو اثنينية الانشائي من الطلب كما هو (6)
391

كثيرا ما يراد من إطلاق لفظه، والحقيقي (1) من الإرادة كما هو (2) المراد غالبا منها حين إطلاقها (3)، فيرجع النزاع لفظيا (4)، فافهم
(5).
392

دفع وهم: لا يخفى أنه ليس غرض الأصحاب والمعتزلة من نفي غير الصفات المشهورة (1) وأنه (2) ليس صفة أخرى (3) قائمة بالنفس
كانت كلاما نفسيا
393

مدلولا للكلام اللفظي كما يقول به الأشاعرة أن (1) هذه الصفات المشهورة مدلولات للكلام. [1]

[1] الوجه في عدم تعلق غرض الأصحاب والمعتزلة بكون الصفات المشهورة مدلولات للكلام الخبري والانشائي هو: أنهم في مقام رد
الأشاعرة القائلين بالكلام النفسي الذي هو صفة زائدة على الصفات المشهورة تصحيحا لكلامه تعالى، ولذا قالوا بقدمه وكونه قابلا لان
يكون مدلولا للكلام اللفظي ليصح إطلاق المتكلم عليه جل وعلا، ومن المعلوم: أن الأصحاب والمعتزلة في غنى عن إثبات كون الصفات
الاخر مدلولات للكلام اللفظي، لان ردهم للأشاعرة لا يتوقف على ذلك، بل يتوقف على نفي صفة زائدة على الصفات النفسية من العلم و
الإرادة والكراهة في القضايا الخبرية والانشائية التي ينحصر فيهما الكلام وينقسم إليهما، فإثبات كون مدلول الكلام ما ذا لا دخل له
في الرد المزبور، إذ مقصودهم
394

فان قلت (1): فما ذا يكون مدلولا عليه عند الأصحاب والمعتزلة؟ قلت: أما الجمل الخبرية فهي دالة (2) على ثبوت النسبة بين طرفيها (3)
أو نفيها (4) في نفس الامر من ذهن (5) أو خارج (6) كالانسان نوع (7) أو كاتب (8)، وأما الصيغ

نفي ما ادعاه الأشاعرة من ثبوت صفة زائدة على الصفات المشهورة من دون نظرهم إلى تعيين مداليل الجمل الخبرية والانشائية.
395

الانشائية فهي على ما حققناه في بعض فوائدنا (1) موجدة لمعانيها في نفس الامر أي (2) قصد ثبوت معانيها وتحققها (3) بها، وهذا (4)
نحو من الوجود، وربما يكون هذا (5) منشئا لانتزاع اعتبار (6) مترتب عليه شرعا أو عرفا آثار كما هو
396

الحال في صيغ العقود والايقاعات، نعم (1) لا مضايقة في دلالة مثل صيغة الطلب والاستفهام والترجي والتمني بالدلالة
397

الالتزامية (1) على ثبوت هذه الصفات حقيقة، إما (2) لأجل وضعها (3) لايقاعها (4) فيما إذا كان الداعي إليه (5) ثبوت هذه الصفات، أو
(6) انصراف إطلاقها (7) إلى هذه الصورة (8)، فلو لم تكن هناك قرينة (9) كان إنشاء الطلب أو الاستفهام أو غيرهما بصيغتها (10)
لأجل (11) قيام الطلب والاستفهام وغيرهما بالنفس وضعا (12) أو
398

إطلاقا (1). إشكال (2) ودفع: أما الاشكال فهو: أنه يلزم بناء على اتحاد الطلب والإرادة في تكليف الكفار بالايمان بل مطلق أهل
العصيان في العمل بالأركان إما أن لا يكون هناك تكليف جدي (3) إن لم يكن هناك إرادة، حيث إنه لا يكون
399

حينئذ (1) طلب حقيقي، واعتباره (2) في الطلب الجدي ربما يكون من البديهي وإن (3) كان هناك إرادة فكيف تتخلف عن المراد؟ ولا
يكاد تتخلف (إذا أراد الله شيئا يقول له كن فيكون). وأما الدفع (4) فهو: أن استحالة التخلف
400

انما تكون في الإرادة التكوينية وهو العلم بالنظام على النحو الكامل التام، دون الإرادة التشريعية وهو العلم بالمصلحة في فعل
المكلف، وما لا محيص عنه في التكليف إنما هو هذه الإرادة التشريعية لا التكوينية، فإذا توافقتا فلا بد من الإطاعة
401

والايمان (1)، وإذا تخالفتا فلا محيص عن أن يختار الكفر والعصيان (2) إن قلت (3): إذا كان الكفر والعصيان والإطاعة والايمان
بإرادته (4) تعالى التي لا تكاد تتخلف عن المراد فلا يصح أن يتعلق بها (5) التكليف، لكونها (6) خارجة عن الاختيار المعتبر فيه (7) عقلا
(8).
402

قلت: إنما يخرج بذلك (1) عن الاختيار لو لم يكن تعلق الإرادة بها (2) مسبوقة (3) بمقدماتها (4) الاختيارية (5)، وإلا (6) فلا بد من
صدورها
403

بالاختيار، وإلا (1) لزم تخلف إرادته عن مراده تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
إن قلت (2): إن الكفر والعصيان من الكافر والعاصي ولو كانا مسبوقين بإرادتهما (3)، إلا أنهما (4) منتهيان
404

إلى ما (1) لا بالاختيار، كيف (2) وقد سبقتهما (3) الإرادة الأزلية والمشية الإلهية؟ ومعه (4) كيف تصح المؤاخذة على ما يكون بالآخرة
بلا اختيار؟.
قلت (5): العقاب إنما يتبع الكفر والعصيان التابعين للاختيار

- 1 - روضة الكافي ص 81 طبع طهران سنة 1377، الفقيه، ج 4 ص 288 طبع النجف، توحيد الصدوق ص 257
- 2 - روضة الكافي ص 177، الفقيه، ج 4، ص 273
405

الناشئ عن مقدماته الناشئة عن شقاوتهما الذاتية اللازمة لخصوص ذاتهما، فإن السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه، و
الناس معادن كمعادن

[1] لكنك خبير بأن ما أفاده ليس دافعا لشبهة الجبر بل هو مثبت لها، إذ المفروض كون السعادة والشقاوة ذاتيتين، والايمان والكفر
والإطاعة والعصيان من لوازمهما التي لا تنفك عنهما، وعلى هذا كيف يحسن التكليف بهما والعقاب عليهما؟ وحسن مؤاخذة الموالي
العرفية لعبيدهم على مخالفتهم لأوامرهم وعدم الاعتداد باعتذارهم بأن المخالفة مستندة إلى الامر الذاتي وهو الشقاوة أقوى شاهد
على عدم كون العصيان من اللوازم الذاتية القهرية، وأنه ناش عن ترجيح وجوده على عدمه، واختيار فعله على تركه، وكون المؤاخذة
عندهم مترتبة على الفعل الاختياري، هذا. مضافا إلى دلالة الروايات على عدم الجبر، وأن كلا من الطاعة والعصيان يكون باختيار
العبد، مثل ما رواه الوافي عن توحيد الصدوق والاحتجاج عن اليماني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن الله خلق الخلق فعلم ما هم
صائرون إليه، وأمرهم ونهاهم، فما أمرهم به من شئ فقد جعل لهم السبيل إلى أخذه، وما نهاهم عنه من شئ فقد جعل لهم السبيل إلى
تركه) وما رواه الكافي عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (الله أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقون) وما رواه
الكافي أيضا عن يونس عن عدة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال له رجل: جعلت فداك أجبر الله العباد على المعاصي، قال: الله
أعدل من أن يجبرهم على المعاصي ثم يعذبهم عليها) الحديث، إلى غير ذلك من الروايات الصريحة أو الظاهرة في نفي الجبر، ولا ينافي
ذلك ما رواه الوشاء عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: (سألته فقلت: الله فوض الامر إلى العباد، قال:
406

الذهب والفضة كما في الخبر، والذاتي لا يعلل [1] فانقطع سؤال أنه لم جعل

الله أعز من ذلك، قلت: فجبرهم على المعاصي، قال: الله أعدل وأحكم من ذلك قال: ثم قال الله تعالى: يا بن آدم أنا أولى بحسناتك منك،
وأنت أولى بسيئاتك مني عملت المعاصي بقوتي التي جعلتها فيك) وذلك لان المراد بأولويته عز وجل بالحسنات أمره بها وإعطاء
القوة عليها والتوفيق لها، والمراد بأولوية العبد بالسيئات هو: أنه تعالى نهاه عنها، وأوعد عليها، ووهب له القوة ليصرفها في
الطاعات، فخالف ربه وصرفها في السيئات. كما لا ينافيه الأخبار الواردة في القضاء والقدر والمشية والفطرة والطينة، ولا يثبت بها
الجبر كما سيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى.
[1] لعله أراد بذلك ما عن جماعة من الفلاسفة (من أن العقاب والثواب ليسا من معاقب خارجي ومنتقم غضبان ينتقم من عدوه لإزالة ألم
الغيظ، والتشفي عن حرقة لهب الغضب المستحيل في حقه تعالى شأنه، بل هما من اللوازم الذاتية للأفعال الحسنة والقبيحة المنتهية إلى
الشقاوة والسعادة الذاتيتين).
وأنت خبير بما فيه أولا: من أن الثواب والعقاب - على ما دلت عليه الآيات والروايات - جزاء من الله تعالى بالعمل الحسن والقبيح، و
الثواب - على ما عرفه المتكلمون - هو النفع المستحق المقارن للتعظيم، والعقاب هو الضرر المستحق المقارن للاستخفاف، ومع الجبر
لا استحقاق، لعدم كون الفعل اختياريا للعبد، وتجسم الأعمال على ما في بعض الروايات لا يدل على كون ذلك من قبيل اللوازم الذاتية،
بل ذلك المجسم هو الذي جعل جزاء للعمل.
وثانيا: من أن الثواب والعقاب لو كانا ذاتيين للعمل لم يكن وجه لتوقيف العباد في مواقف الحساب للسؤال عنهم على ما صرح به قوله
تعالى:
407

السعيد سعيدا والشقي شقيا، فإن السعيد سعيد بنفسه والشقي شقي كذلك، وإنما

(وقفوهم أنهم مسؤولون).
وثالثا: من أن ذاتيتهما تنافي ما ورد من العفو عن بعض الذنوب بالشفاعة أو غيرها، إذ لا معنى للعفو حينئذ.
ورابعا: من عدم انطباق حد الذاتي على السعادة والشقاوة اللتين يترتب عليهما الثواب والعقاب، أما الذاتي الايساغوجي - وهو الجنس
والفصل - فواضح، وأما الذاتي البرهاني - وهو ما ينتزع عن نفس الذات من دون حاجة إلى ضم ضميمة كإمكان الانسان وغيره من
الماهيات الإمكانية - فلوضوح عدم كون السعادة والشقاوة كذلك، لأنهما من الصفات العارضة للنفس كسائر الأوصاف النفسانية.
وخامسا: من أنه - بعد تسليم كونهما ذاتيتين - لم ينهض دليل عقلي ولا نقلي على كونهما بنحو العلة التامة كقبح الظلم وحسن الاحسان
ونحو ذلك حتى يلزم الجبر، فيمكن أن تكون ذاتيتهما بنحو الاقتضاء، كقبح الكذب، ومن المعلوم أن مجرد وجود المقتضي لا يكفي في
ثبوت الجبر بعد القدرة على إيجاد المانع عن تأثيره، ولا يدل الخبران المذكوران على العلية التامة أصلا.
أما الخبر الأول، فلان المراد بالسعيد والشقي في بطن الام هو علمه سبحانه وتعالى بكونه شقيا أو سعيدا وهو في بطن أمه، فعن ابن
أبي عمير قال:
(سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله:
الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه، فقال: الشقي من علم الله وهو في بطن أمه أنه سيعمل أعمال الأشقياء، و
السعيد من علم الله وهو في
408

أوجدهما الله تعالى (قلم اينجا رسيد وسر بشكست). قد انتهى الكلام في المقام

بطن أمه أنه سيعمل أعمال السعداء) الحديث. (البحار - ج 3 - باب السعادة والشقاوة)
وأما الخبر الثاني، فالظاهر منه هو تنزيل الناس منزلة المعادن في أنه كما تكون المعادن من حيث المالية والجهات الموجبة لتنافس
الخلق وتزاحمهم عليها مختلفة جدا ومتفاوتة جزما، كذلك الناس، فإنهم في الأخلاق والصفات متفاوتون كتفاوت المعادن فيما عرفت،
فلا دلالة في هذا الخبر على كون السعادة والشقاوة ذاتيتين بمعنى العلة التامة كما هو قضية الجبر، ولو سلمنا دلالة الخبر على كونهما
ذاتيتين، فالمتيقن منه ذاتيتهما بنحو الاقتضاء لا العلية التامة، وقد مر: أن مجرد الاقتضاء لا يثبت الجبر، ولو سلم ظهور هذا الخبر أو
غيره من الروايات في كون السعادة والشقاوة ذاتيتين بمعنى العلة التامة فلا سبيل إلى حجيته، لعدم مكافأته للضرورة العقلية التي هي
كالقرينة المتصلة، وللآيات والروايات المتواترة بل المتجاوزة عن حد التواتر النافية للجبر، فلا محيص عن التأويل أو الحمل على
التقية، لما قيل: (من أن الجبر أشهر مذاهب العامة)، أو الطرح.
فتلخص مما ذكرنا: عدم لزوم الجبر من ناحية ذاتية السعادة والشقاوة.
وأما من ناحية الإرادة، فإن أريد بها إرادته تعالى شأنه، فقد عرفت أن المراد بها هو علمه باشتمال فعل العبد الصادر عنه باختياره على
المصلحة، لا مطلقا ولو صدر عنه قهرا، ومن المعلوم أن هذه الإرادة لا توجب الجبر. وإن أريد بها إرادته تعالى التي تنتهي إليها
الممكنات، فلا تستلزم الجبر أيضا، وتوضيحه يتوقف على بيان مقدمة ذكرها بعض المحققين (قده) وهي: (أن الفاعل ينقسم
409

إلى ما ربما لا يسعه كثير من الافهام، ومن الله الرشد والهداية وبه الاعتصام.

باعتبار إلى ما منه الوجود وإلى ما به الوجود، والمراد بالأول: مفيض الوجود ومعطيه، وهو منحصر في واجب الوجود جل وعلا، و
بالثاني: مباشر الفعل الذي يفاض عليه الوجود ويكون مجرى فيضه، فيجري منه فيض الوجود إلى غيره، وهو منحصر في غير واجب
الوجود جلت عظمته، لاباء صرافة وجوده عن الاتحاد مع الممكنات حتى يباشر الحركات.
وبالجملة: فمعطي الوجود هو الواجب تعالى شأنه، ومجرى فيض الوجود هو الممكن.
وينقسم الفاعل باعتبار آخر إلى الفاعل بالطبع، وبالقسر، وبالاختيار.
والمراد بالأول: ما يكون فعله باقتضاء طبيعته بلا شعور وإرادة كالنار، فإن إحراقها ليس بإرادة ولا شعور، بل باقتضاء طبعها.
والمراد بالثاني: ما يكون الفاعل بالإضافة إلى الفعل كالموضوع لعرضه، فإسناد الفعل إليه يكون بضرب من المسامحة، إذ الفاعل
حقيقة غيره، كتحريك يد الغير، فإن مباشر التحريك هو الفاعل ويد المتحرك محل الحركة، وليس المتحرك هو الفاعل إلا مسامحة.
والمراد بالثالث: ما يكون صدور الفعل منه منوطا بعلمه وقدرته وإرادته، فهذه الصفات مصححات فاعليته بالفعل). إذا عرفت هذه
المقدمة فاعلم: أن المراد من انتهاء الفعل إلى إرادة الباري تعالى ان كان انتهاء إرادة العبد - لامكانها - إلى إرادة الله عز وجل فلا يضر
ذلك بالفاعلية التي هي شأن الممكنات، إذ العبد بذاته وصفاته وأفعاله لا وجود له إلا بإفاضة الوجود من الباري تعالى، لأنه
410



مفيض الوجود، دون الممكن الذي هو مجرى فيض الوجود كما تقدم، ويستحيل أن يكون الممكن المحتاج إلى الوجود مفيضا للوجود،
فلا منافاة بين انتهاء إرادته - لامكانها - إلى إرادته سبحانه وتعالى، وبين كون فعله اختياريا له مع فرض علمه وقدرته وإرادته.
وإن كان المراد من الانتهاء: انتهاء الإرادة إلى الباري عز وجل على حد انتهاء الفعل إلى فاعل ما به الوجود حتى يلزم الجبر، فهو
مستحيل في حقه تعالى، لما مر آنفا من إباء صرافة وجوده عن الاتحاد مع الممكنات.
والحاصل: أن الانتهاء إلى فاعل ما منه الوجود لازم لا أنه ضائر، لأنه تعالى مفيض الوجود ومعطيه، فوجود كل ممكن منه عز وجل فهذا
الانتهاء ضروري، ولكن لا يلزم منه الجبر، إذ الذي يتوقف عليه الجبر هو انتهاء الفعل إليه تعالى انتهاءه إلى ما به الوجود، لكنه مستحيل
في حقه تعالى، لما عرفت.
وبالجملة: فالانتهاء المتحقق لازم وغير ضائر، والانتهاء الضائر المثبت للجبر غير متحقق، هذا ما يتعلق بإرادته سبحانه وتعالى.
وأما إرادة نفس العبد فلا توجب الجبر أيضا، لعدم كونها علة تامة لوجود الفعل في الخارج بحيث يصير العبد مسلوب الاختيار، كما
يشهد به الوجدان السليم، حيث إن الإرادة المفسرة بالشوق المؤكد لا تسلب الاختيار، بل هو مع هذا الشوق يقدر على كل من الفعل و
الترك، ولا يصير الفعل به ضروري الوجود، غاية الامر أن الشوق المؤكد يكون داعيا إلى اختيار الفعل وترجيحه على الترك، بل يشهد
بذلك البرهان أيضا، لتخلف الإرادة عن المراد أحيانا، كما إذا لم يكن
411



إرادة للعبد، ومع ذلك يوجد الفعل كراهة، لخوف أو اضطرار أو نحوهما، فإن الشوق المؤكد حينئذ مفقود، ومع ذلك يؤتى بالفعل،
فيعلم من ذلك عدم كون الإرادة علة تامة، وعدم توقف الفعل عليها، لوجوده بدونها في صورة الكراهة، وقد اتضح من هذا البيان
أمران:
أحدهما: أنه لا وجه لما عن الفلاسفة من كون مناط الفعل الاختياري هو سبقه بالإرادة المفسرة بالشوق المؤكد، وذلك لما عرفت من
صدور الفعل أحيانا من فاعل بالاختيار بدون الإرادة أصلا.
ثانيهما: أنه لا وجه لجعل الإرادة بمعنى الشوق المؤكد علة تامة لوجود الفعل في الخارج، لما مر آنفا من قيام الوجدان والبرهان على
خلافه.
(تكملة) قد عرفت أن الاختيار في أفعال العباد مما لا بد منه في صحة التكليف، وإلا يلزم الظلم، ضرورة أن العقاب على فعل غير
اختياري قبيح عقلا، لكونه ظلما لا يصدر عن الحكيم، فلو كان هناك ما يكون ظاهرا في الجبر أو موهما له فلا بد من تأويله أو طرحه أو
حمله على التقية، ولما كان هناك روايات توهم دلالتها على الجبر، فلا بأس بالتعرض الاجمالي لها فنقول مستعينا به تعالى ومتوسلا
بوليه صلى الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وعجل فرجه وأدرك بنا أيامه:
إن الروايات المشار إليها تشتمل على ثلاثة عناوين:
أحدها: عنوان القضاء والقدر.
ثانيها: عنوان المشية.
ثالثها: عنوان الفطرة والطينة، فهنا مقامات ثلاثة:
412



(الأول) في روايات العنوان الأول، وهي بين مطلقة ومجملة ومبينة، وحيث إن المدار على المبينة فلا جدوى في تعرض الأوليين،
لاشتمال الثالثة على نفس لفظي القضاء والقدر مع تفسيرهما، ونقتصر من هذه الطائفة الثالثة على رواية واحدة، لوفائها بالمرام، و
هي ما نقله الوافي عن الكافي مرفوعا، وعن الصدوق عليه الرحمة في التوحيد مسندا - هكذا -: (أحمد بن عمران الدقاق عن محمد بن
الحسن الطائي عن سهل عن علي بن جعفر الكوفي، قال: سمعت سيدي علي بن محمد عليهما السلام يقول: حدثني أبي محمد بن علي عن
أبيه الرضا عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه الحسين عليهم السلام) ومتن الرواية في الكافي على ما في الوافي هو هذا: (كان أمير
المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام جالسا بالكوفة بعد منصرفه من صفين إذ أقبل شيخ فجثا بين يديه، ثم قال: يا أمير المؤمنين أخبرنا
عن مسيرنا إلى الشام أ بقضاء من الله وقدره؟ فقال له: أمير المؤمنين عليه السلام:
أجل يا شيخ: ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله وقدره، فقال له الشيخ: عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين، فقال
له: مه يا شيخ، فوالله لقد عظم الله لكم الاجر في مسيركم وأنتم سائرون، وفي مقامكم وأنتم مقيمون، وفي منصرفكم وأنتم
منصرفون، ولم تكونوا في شئ من حالاتكم مكرهين، ولا إليه مضطرين، فقال له الشيخ: وكيف لم نكن في شئ من حالاتنا مكرهين و
لا إليه مضطرين؟ وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا، فقال له:
وتظن أنه كان قضاء حتما وقدرا لازما، انه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب، والامر والنهي، والزجر من الله، وسقط معنى الوعد
والوعيد، فلم تكن لائمة
413



للمذنب، ولا محمدة للمحسن، ولكان المذنب أولى بالاحسان من المحسن، ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب، تلك مقالة إخوان
عبدة الأوثان، وخصماء الرحمن، وحزب الشيطان، وقدرية هذه الأمة ومجوسها، إن الله تبارك وتعالى كلف تخييرا، ونهى تحذيرا،
وأعطى على القليل كثيرا، ولم يطع مكرها، ولم يملك مفوضا، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا، ولم يبعث النبيين
مبشرين ومنذرين عبثا، وذلك ظن الذين كفروا، فويل للذين كفروا من النار، فإنشاء الشيخ يقول:
أنت الامام الذي نرجو بطاعته يوم النجاة من الرحمن غفرانا
أوضحت من أمرنا ما كان ملتبسا جزاك ربك بالاحسان إحسانا تقريب دلالة هذا الخبر على الجبر هو: ظهور
قول السائل: (عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين) في ذلك، حيث إنه - بعد بيان
الإمام عليه السلام: (ان مسيرنا إلى أهل الشام كان بقضاء الله تعالى وقدره) - استبعد استحقاق الاجر، ولذا قال عليه الصلاة والسلام
له: (مه يا شيخ. إلخ) وكذا قوله: (وكيف لم نكن في شئ من حالاتنا مكرهين ولا إليه مضطرين وكان بالقضاء والقدر مسيرنا إلخ)
فإنه كالصريح في اعتقاده الجبر بعد كون مسيرهم بالقضاء والقدر، ولذا أجابه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: (وتظن أنه كان قضاء
حتما وقدرا لازما. إلخ) والذي يستفاد منه أمور:
الأول: انقسام القضاء والقدر إلى حتميين وغير حتميين، وأن الموجب للجبر واضطرار العباد في أفعالهم ليس إلا القسم الأول، ثم بين
عليه السلام مفاسده
414



من استلزامه لبطلان الثواب والعقاب والامر والنهي. إلخ، ففسر عليه السلام القضاء والقدر - اللذين كانا في المسير إلى الشام -
بأنهما لم يكونا من القسم الحتمي، لان الحتمي يوجب بطلان التكليف والبعث والزجر والثواب والعقاب.
فالمتحصل: ثبوت الملازمة بين القضاء الحتمي وبين ارتفاع الاختيار المبطل للتكليف والثواب والعقاب.
الثاني: بقاء التكليف والاختيار وعدم الاضطرار مع القضاء غير الحتمي، لعدم كونه رافعا للقدرة والاختيار.
الثالث: عدم تمليكه العباد بحيث ينافي سلطانه عظمت كبرياؤه كما هو مذهب المفوضة، فإن قوله عليه السلام: (ولم يملك مفوضا)
صريح في نفي التفويض.
الرابع: أن الجبر يستلزم أولوية المذنب بالاحسان من المحسن، لأنه لا يرضى بالذنب والمخالفة، وأولوية المحسن بالعقوبة من المسي،
لأنه لا يرضى بالاحسان والموافقة.
وبالجملة: فجبر المسي على الإساءة يستلزم إحسانا في مقابله، وجبر المحسن على الاحسان مع عدم رضاه به يوجب عقابا. وهذا
الوجه هو ما أفاده في الوافي، وقد وجهه غيره بتوجيهات اخر تركنا التعرض لها خوفا من الإطالة المنافية لوضع التعليقة. وقوله عليه
السلام: (وقدرية هذه الأمة ومجوسها) إشارة إلى النبوي المشهور: (القدرية مجوس هذه الأمة) ووجه تسميتهم بالمجوس هو
مشاركتهم للمجوس في سلب الفعل عن العبد، فإن المجوس يسندون الخيرات إلى الله تعالى والشرور إلى إبليس لعنه الله. وكيف كان
فالخبر المزبور أوضح
415



المراد بالقضاء والقدر، فيحمل غيره من الأخبار المطلقة والمجملة عليه، كما يحمل لأجله ما دل على استحالة تخلف الكائنات عما قضى
عليه، كرواية الدقاق المحكية عن البحار الدالة على أنه إذا وقع القضاء بالامضاء فلا بداء، وغيرها من الروايات التي تدل على تبعية
المقضي عليه للقضاء بنحو الاستلزام على القضاء والقدر الحتميين.
والحاصل: أن معنى القضاء والقدر في مورد البحث هو غير الحتميين كما دل عليه الخبر المبسوط المتقدم، لأنه قرينة على إرادة المعنى
المذكور من سائر الروايات أيضا، ومع الغض عن قرينيته لا ظهور للفظ القضاء فيما أراده الجبري مع كثرة المعاني التي استعمل فيها
خصوصا في القرآن الكريم، فإن مادة القضاء بتصاريفها المتشتتة قد وردت فيه وأريد بها معان متعددة:
منها: قوله تعالى في سورة يوسف الآية (68): (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها). فإن معناه كما في تفسير مجمع البيان هو الإزالة، أي:
أزال به اضطراب قلبه، وجعله بمعنى العلم كما عن بعض الاعلام لم يظهر له مأخذ.
ومنها: قوله تعالى في سورة الحجر الآية (66): (وقضينا إليه ذلك الامر)، فإن معناه كما في مجمع البيان هو الاعلام، يعني: أعلمنا لوطا و
أخبرناه وأوحينا إليه ما تنزل به من العذاب.
ومنها: قوله تعالى في سورة يونس الآية (93): (إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة) فإن معناه الحكم، وبهذا المعنى ورد في موارد عديدة
من القرآن المجيد، كقوله تعالى في سورة النمل الآية (80): (إن ربك يقضي بينهم
416



بحكمه)، وكقوله تعالى في سورة إسرائيل الآية (24): (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه) على قول يأتي، وكقوله تعالى في سورة
النساء الآية (68): (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت)، بل وروده بهذا المعنى في القرآن المجيد أكثر من غيره كما لا يخفى على
من لاحظ ذلك.
ومنها: قوله تعالى في سورة المؤمن الآية (22): (والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشئ)، والمراد به الفصل كما
في مجمع البيان، ويمكن إرجاع ما عن بعض الاعلام - من كون معناه هنا هو القول - إليه.
ومنها: قوله تعالى في سورة السبأ الآية (14): (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض)، قال في مجمع البيان: (فلما
حكمنا على سليمان بالموت، وقيل: معناه أوجبنا على سليمان الموت) انتهى، وجعله بعض الاعلام بمعنى الحتم، ويمكن إرجاع أحدهما
إلى الاخر.
ومنها: قوله تعالى في سورة إسرائيل الآية (24) (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه) قال في مجمع البيان: (أي أمر ربك أمرا باتا، عن
ابن عباس والحسن وقتادة، وقيل: ألزم وأوجب ربك، عن الربيع بن أنس، وقيل: أوصى عن مجاهد).
ومنها: قوله تعالى في سورة حم السجدة الآية (11): (فقضاهن سبع سماوات في يومين) قال في مجمع البيان: (أي صنعهن وأحكمهن و
فرغ من خلقهن) انتهى، فالمراد بالقضاء حينئذ هو الخلق.
ومنها: قوله تعالى في سورة طه الآية (76): (فاقض ما أنت قاض)
417



والخطاب لفرعون أي: فاصنع ما أنت صانعه على إتمام وإحكام، وقيل: معناه فاحكم ما أنت حاكم.
ومنها: قوله تعالى في سورة القصص الآية (30): (فلما قضى موسى الاجل أي أوفاه وأتمه، وكذا - قضيت - فيما قبله (أيما الأجلين
قضيت).
ومنها: قوله تعالى في سورة البقرة الآية (27): (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضى الامر وإلى الله
ترجع الأمور) قال في مجمع البيان في تفسير - قضي -: (معناه فرغ من الامر وهو المحاسبة وإنزال أهل الجنة في الجنة وأهل النار في
النار) انتهى، فالمراد بالقضاء هنا الفراغ، وكذا في قوله تعالى في سورة يوسف على نبينا وآله وعليه السلام الآية (42):
(قضي الامر الذي فيه تستفتيان) قال في مجمع البيان: (أي فرغ من الامر الذي تسألان) انتهى. والغرض من ذكر معاني القضاء في
القرآن الكريم هو: أنه مع كثرتها والاغماض عن قرينية مثل الرواية المزبورة على إرادة القضاء غير الحتمي في أفعال العباد لا محيص
عن التوقف، لاجمال معنى القضاء، فروايات القضاء لا يظهر منها جبر أصلا، إذ مع النظر إلى القرينة المزبورة يراد به القضاء غير
الحتمي الذي قد مر عدم إيجابه للجبر.
ومع الغض عنها يكون مجملا، ولا يستفاد منه شئ، فلا يصح الاستدلال بتلك الروايات على الجبر وارتفاع الاختيار عن العبد في
أفعاله، ولو سلم عدم الاجمال، فلا يصح الاستدلال به أيضا، لأنه إن كان بمعنى العلم فليس علة حتى
418



يكون علمه تعالى بفعل العبد موجبا للجبر، مثلا علم زيد بمسافرة عمرو باختياره في الغد لا يوجب اضطرار عمرو إلى المسافرة، وكذا
الحال في الاعلام، لوضوح أن الاخبار بفعل الغير الصادر عن فاعله بإرادته واختياره لا يرفع الاختيار حتى يلزم الجبر.
وإن كان بمعنى الحكم والامر، فلانه إن أريد بهما الأمر والنهي المصطلحان، فلا يستلزمان الجبر أيضا، وإلا لم يقدر الكفار والفساق
على المخالفة. وإن أريد بهما غير الأمر والنهي المصطلحين، فإن كان المراد به الحتم فسيأتي الكلام فيه، وإن كان غيره فلا بد من
بيانه والنظر فيه.
وأما الحتم والخلق والفعل وغيرها مما هو ظاهر في الجبر، فالجواب العام عنها هو: أنها محفوفة بالقرينة الصارفة لها عن ظاهرها، و
هي حكم العقل بعدم اضطرار العباد إلى أفعالهم وتروكهم. وهذا الحكم العقلي كالقرينة المتصلة اللفظية المانعة عن انعقاد ظهورها فيما
يوجب الالجاء والاضطرار من لفظ القضاء.
(المقام الثاني) في روايات العنوان الثاني وهي المشية، والمراد بها عند أهل اللغة والفلسفة هي الإرادة، وقد يفرق بينهما: بأن معناها
التقدير إن أسندت إلى الله تعالى، والإرادة إن أسندت إلى العبد، وعلى كل حال، فقد اتفق المسلمون بل أكثر المليين على أنها من
صفات الله تعالى شأنه وإن اختلفوا في كونها من الصفات الذاتية كالعلم والقدرة، أو من الصفات الفعلية كالخلق والرزق والاحياء و
الإماتة والتكلم، فذهبت الفلاسفة إلى أنها من الصفات الذاتية، لكن الحق
419



أنها من الصفات الفعلية، لتعلق قدرته تعالى بها، ضرورة أنه جل وعلا قادر على أن يشاء وأن لا يشاء، كما يدل عليه ما رواه في البحار
عن المحاسن عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (المشية محدثة)، بخلاف العلم ونفس القدرة، فإنهما ليسا كذلك. و
كيف كان، فالروايات الواردة في المشية وان كانت كثيرة جدا، إلا أن في نقل إحداها كفاية، وهي ما رواه في البحار عن المحاسن
بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال: (لا يكون شئ في الأرض ولا في السماء إلا بهذه الخصال السبع بمشية وإرادة وقدر وقضاء و
إذن وكتاب وأجل فمن زعم أنه يقدر على نقص واحدة منهن فقد كفر)، ومشيته تعالى تقتضي وجود الشئ كما استدل على ذلك بعض
الأفاضل على ما في فروق اللغات لجدنا السيد الاجل شيخ مشايخ الاسلام السيد نور الدين نجل العلامة المحدث الجزائري (قدهما) بقوله
تعالى: (ما شاء الله كان) وعلى مغايرة الإرادة للمشية بقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وبقوله تعالى: (وما الله
يريد ظلما للعباد) إذ من المعلوم حصول العسر والظلم بين الناس الدال على أن الإرادة لا تقتضي وجود المراد انتهى ملخصا. وكيف
كان فالمشية منه تبارك وتعالى المتعلقة بالموجودات هي إفاضة الوجود عليها، وإنفاذ فياضيته التامة فيها، فكل موجود ينتهي وجوده
إليه تعالى شأنه، وهذا الانتهاء يكون على نحوين:
أحدهما: انتهاء الموجود بنفسه إلى إعمال قدرته كالذوات على اختلافها وكثرتها، والعلائق الكونية كعلاقة العلية والمعلولية، وعلاقة
الغايات بالمغياة والمواد والصور وغيرها مما صير العالم متكونا بها، فإن هذه كلها أفعاله سبحانه
420



وتعالى ومنتهية إلى مشيته التي هي إعمال قدرته على الايجاد.
ثانيهما: انتهاء الموجود إليه تبارك وتعالى لا بنفسه كالذوات، بل بالاقدار عليه كالأفعال الصادرة من العباد، وهذا الاقدار هو فعله
سبحانه على الدوام، كدوام إفاضاته على الموجودات التكوينية، وهذا الاقدار يصحح الانتهاء إلى مشيته جل وعلا، لاستمرار فيضه في
جميع آنات الفعل الصادر عن العبد، ومعلوم أن المشية بهذا المعنى لا توجب اضطرار العبد في أفعاله، إذ المفروض أنها ليست إلا إقدار
العبد عليها بإفاضة شرائط الفاعلية والعلل الناقصة الاعدادية، فالإطاعة والمعصية منوطتان بالقدرة، ومن المعلوم أنها تفاض منه تعالى
شأنه، ويدل عليه ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: قال أبو الحسن الرضا عليه السلام: (قال
الله: يا بن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبقوتي أديت فرائضي، وبنعمتي قويت على معصيتي، جعلتك سميعا
بصيرا قويا) الحديث.
وما رواه الوافي عن الكافي بإسناده عن حفص بن قرط عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: من زعم أن الله يأمر بالسوء والفحشاء فقد كذب على الله، ومن زعم أن الخير والشر بغير مشية الله فقد أخرج الله عن سلطانه،
ومن زعم أن المعاصي بغير قوة الله فقد كذب على الله، ومن كذب على الله أدخله النار)، فإن قوله صلى الله عليه وآله: (ومن زعم أن
الخير والشر. إلخ) بيان لتعلق المشية بالخير والشر، يعني: أن القدرة على الخير والشر حدوثا وبقاء قد تعلقت بها المشية كما عليه
الامامية، فمتعلق المشية هو
421



القدرة على الخير والشر لا أنفسهما، وإلا كان مناقضا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من زعم أن الله يأمر بالسوء والفحشاء فقد
كذب على الله)، حيث إن هذه الجملة تنفي أمره سبحانه وتعالى بالشر، فلو تعلقت المشية بنفس الشر لا بالقدرة عليه لكان مناقضا لعدم
الامر به.
ثم إن هذه الرواية في مقام الرد على كلا القولين: الجبر والتفويض، وإثبات الامر بين الامرين، وذلك لان إسناد المعاصي إلى الله
تعالى مساوق للقول بأمره بالفحشاء وهو الجبر، وقد دلت الرواية على نفي الامر. كما أن استقلال العباد في الافعال من الخيرات و
الشرور مساوق للقول بالتفويض الذي هو إخراج الله عن سلطانه، وهو منفي أيضا بالرواية، هذا. وقد ذكر للمشية معان اخر، ولا يدل
شئ منها على الجبر، وعلى فرض دلالتها عليه لا بد من صرفها إلى ما لا ينافي حكم العقل.
ثم إنه قد وردت أخبار في تفسير الروايات الواردة في أنه لا يكون شئ في الأرض ولا في السماء إلا بسبع خصال، كرواية المحاسن
المتقدمة، من أراد الوقوف عليها فليراجع البحار (ج 3) - والوافي (ج 1) - ونحوهما.
(المقام الثالث) في روايات العنوان الثالث وهي الطينة، اعلم: أنه قد وردت أخبار كثيرة يظهر منها اختلاف الطينات من حيث السعادة و
الشقاوة.
منها: ما رواها في البحار في الجز الثالث في باب الطينة والميثاق، ولنذكر
422



واحدا منها، وهو ما رواه فضيل بن الزبير عن أبي جعفر عليه السلام قال: (يا فضيل أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال: إنا أهل بيت خلقنا من عليين وخلق قلوبنا من الذي خلقنا منه، وخلق شيعتنا من أسفل من ذلك، وخلق قلوب شيعتنا منه، وان عدونا
خلقوا من سجين، وخلق قلوبهم من الذي خلقوا منه، وخلق شيعتهم من أسفل من ذلك، وخلق قلوب شيعتهم من الذي خلقوا منه، فهل
يستطيع أحد من أهل عليين أن يكون من أهل سجين؟ وهل يستطيع أهل سجين أن يكونوا من أهل عليين؟).
والجواب العام عن هذه الأخبار هو: أن هناك روايات تدل على تركب طينة كل إنسان من طينتين تقتضي إحداهما السعادة والأخرى
الشقاوة.
منها: ما رواه البحار في الباب المزبور عن المحاسن بإسناده عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: (كان في بدو خلق الله أن
خلق أرضا وطينة، وفجر منها ماءها وأجرى ذلك الماء على الأرض سبعة أيام ولياليها، ثم نضب الماء عنها، ثم أخذ من صفوة تلك
الطينة وهي طينة الأئمة، ثم أخذ قبضة أخرى من أسفل تلك الطينة وهي طينة ذرية الأئمة وشيعتهم، فلو تركت طينتكم كما تركت
طينتنا لكنتم أنتم ونحن شيئا واحدا. قلت: فما صنع بطينتنا؟ قال: إن الله عز وجل خلق أرضا سبخة، ثم أجرى عليها ماء أجاجا أجراه
سبعة أيام ولياليها ثم نضب عنها الماء، ثم أخذ من صفوة تلك الطينة وهي طينة أئمة الكفر، فلو تركت طينة عدونا كما أخذها لم يشهدوا
الشهادتين: أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله، ولم يكونوا يحجون البيت، ولا يعتمرون، ولا يؤتون الزكاة
423



ولا يصدقون، ولا يعلمون شيئا من أعمال البر، ثم قال: أخذ الله طينة شيعتنا وطينة عدونا، فخلطهما وعركهما عرك الأديم، ثم مزجها
بالماء، ثم جذب هذه من هذه، فقال: هذه في الجنة ولا أبالي، وهذه في النار ولا أبالي، فما رأيت في المؤمن من دعاوة وسوء الخلق و
اكتساب سيئات فمن تلك السبخة التي مازجته من الناصب وما رأيت من حسن خلق الناصب وطلاقة وجهه وحسن بشره وصومه و
صلاته فمن تلك السبخة التي أصابته من المؤمن).
ومنها: غير ذلك من الروايات الدالة على تركب الطينة من جزين يقتضي أحدهما السعادة والاخر الشقاوة، ومقتضى هذا التركب كون
وصفي السعادة والشقاوة بالنسبة إلى اختيار العبد على حد سواء.
وأما ما يجاب به عن أخبار الطينة (من أنها ليست قابلة لجعل الشقاوة والسعادة، لكونها من الجوامد التي لا تحس ولا تشعر، ومحلهما
هو الأرواح، لتوجه التكاليف إليها كما دلت عليه الروايات واختلاف الطينات كاشف عما اختاروه في عالم العهد).
فمرجعه إلى إنكار أخبار الطينة مع كثرتها، ولا منافاة بين توجه التكليف إلى الأرواح وبين كون الطينة مقتضية للسعادة والشقاوة،
كاختلاف سائر الطينات فيما لها من الاستعدادات الموجبة لاختلاف الآثار. وكذا المياه، فإن اختلافها بحسب الآثار يشهد بذلك، فراجع
البحار وغيرها، ولاحظ الروايات الواردة فيها، مثل ماء الفرات الذي ورد فيه (أن تحنيك الولد به يحببه إلى الولاية) وماء السماء الذي
ورد فيه (أنه يدفع الأسقام)، وماء زمزم الذي ورد فيه (أنه
424



شفاء من كل داء) وماء نيل مصر الذي ورد فيه (أنه يميت القلب)، بل هذا الاختلاف موجود في النباتات أيضا، فلا غرو في كون الجمادات
التي لا تحس ولا تشعر مقتضية للسعادة والشقاوة كاقتضائها لغيرهما كدفع الأسقام، فجعل اختلاف الطينات كاشفا عما اختاروه في
عالم العهد لا مؤثرا كما ترى. لكن من المعلوم: أن مجرد المقتضي لا يوجب الجبر، وإنما ذلك شأن العلة التامة، وقد عرفت أن ما يكون
من الاخبار ظاهرا في ذلك لا بد من صرفه عن ظاهره بحكم العقل والآيات والروايات المتجاوزة عن حد التواتر - كما قيل - الظاهرة
أو الصريحة في نفي الالجاء وأما الآيات التي توهم دلالتها على الاضطرار فكثيرة، ولا نتعرض لها تفصيلا، خوفا من الإطالة في البحث
الاستطرادي، إلا أنه لا بأس بالإشارة إليها، فنقول:
إنها على طوائف:
الأولى: ما ظاهره الاضطرار مع الاقتران بالقرائن السابقة واللاحقة على خلافه، كقوله تعالى: (ان الذين كفروا سواء عليهم أ أنذرتهم أم
لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم).
والجواب عنها هو: أنها مختصة بالكفار المتعصبين في الكفر والجحود وعداوتهم للاسلام والمسلمين بمثابة لا ينفعهم الانذار، دون
سائر الكفار المنتفعين بالانذار وهداية سيد الأنبياء وأوصيائه الامناء صلوات الله عليهم من الان إلى يوم اللقاء، بل والعلماء الأتقياء،
فإن كثيرا من الكفار اهتدوا إلى الاسلام، والطائفة المتعصبة منهم لم تنتفع بهداية وإرشاد وتخويف وإنذار، لعنادهم للحق
425



المستند إلى اختيارهم للكفر، وصاروا كالانعام، بل هم أضل، فلا يفقهون بقلوبهم ولا يسمعون ب آذانهم، ولا يبصرون بأعينهم، ولما
وصل كفرهم إلى أعظم مراتبه ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم - الآية - ومن المعلوم: عدم دلالة الآية بإحدى الدلالات على كونهم
مجبورين على الكفر، إذ لا تدل إلا على عدم تأثرهم بالانذار، لبلوغهم غاية مراتب الكفر والشقاوة، فإن وصولهم إلى هذه المرتبة التي
لا يؤثر معها الانذار ليس بالالجاء، لعدم دلالة الآية عليه أصلا، فلو سلم عدم قدرتهم على الايمان حينئذ كان ذلك مستندا إلى الاختيار،
فيكون من صغريات قاعدة: الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.
وبالجملة: فمثل هذه الآية لا يدل على أزيد من عدم تأثير الانذار فيهم، وأما بلوغهم إلى غاية مرتبة الشقاء التي لا يؤثر معها التخويف
فلا يدل على أن بلوغهم إليها كان بالالجاء والاضطرار أصلا، وربما يكون ذلك بالمبادئ الاختيارية.
الثانية: ما ورد في ثبوت جميع ما كان وما يكون وما هو كائن في أم الكتاب أو اللوح المحفوظ والجواب عنها واضح، لأنه كالجواب
عن العلم في عدم التأثير، فثبوت جميع الأعمال بمبادئها الاختيارية في اللوح المحفوظ لا ربط له بالجبر أصلا.
الثالثة: الآيات التي تدل على تعلق مشيته تعالى بالافعال والتروك الظاهرة في تبعيتهما لها، وهي على قسمين:
أحدهما: ما ظاهره النهي عن إسناد الفعل إلى العبد نفسه إلا أن يشأ
426



الله كقوله تعالى: (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله)، فيدل على عدم فاعلية العبد لفعله وإناطتها بمشيته تعالى، و
ليس هذا إلا الالجاء.
والجواب عنه هو: أن هذه الآية في مقام الرد على المفوضة القائلين بأن العبد هو الفاعل، وأنه المحصل لجميع شرائط الفاعلية و
مقتضياتها، إلا أن يمنع الله عز وجل عن تأثير فاعليته بمشيته، ومحصل ما يستفاد من هذه الآية الشريفة هو النهي عن القول بكون العبد
فاعلا تاما إلا أن يشاء الله تعالى - أي يمنعه عن الفعل - كما زعمه المفوضة، إذ من المعلوم: أن العبد ليس فاعلا تاما أي محصلا لشرائط
فاعليته، لكنه ليس مستلزما للجبر، لما مر من أن العبد يعمل مختارا بما أفاضه الله تعالى عليه من القدرة.
ثانيهما: ما ظاهره استناد الضلالة والهداية إلى مشيته تعالى، كقوله عز وجل: (يضل من يشاء ويهدي من يشاء) وغيره مما هو
بمضمونه.
والجواب عن ذلك: أن الهداية تطلق على معان:
الأول: الهداية التكوينية، وهي إفاضة الوجود على الكائنات، وجعلها منظمة لتترتب عليها الغايات والاغراض.
الثاني: الهداية التشريعية، وهي إنزال الكتب، وإرسال الرسل، ونصب الأوصياء، وإيجاد سائر وسائل التبليغ والارشاد، وهي
المرادة بقوله تعالى: (أنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) فمعنى الهداية حينئذ إراءة طريق الحق، فان شاء العبد سلكه وإن شاء
تركه.
الثالث: الهداية الموصلة إلى المطلوب بحيث لا يبقى للعبد اختيار في عدم
427



قبولها، كقوله تعالى في سورة الأنعام الآية 150: (فلو شاء لهداكم أجمعين) وقد أريدت الهداية بهذا المعنى في جملة من الروايات التي
ذكرها في الجز الثالث من البحار في باب الهداية والضلالة، فراجع.
الرابع: إيجاد مقتضيات الخير والعبودية على نحو لا ينافي الاختيار، كتولد العبد في جامعة حاوية للفضيلة وفاقدة للرذيلة، أو من
أبوين تقيين، وأمثال ذلك مما له دخل إعدادي في التوجه إلى الخير والطاعة، والتحرز عن الشر والمعصية.
فالجواب: أن المراد من الهداية التي استعملت فيما ظاهره استناد الهداية والضلالة إلى مشيته تعالى هو هذا المعنى الرابع. فقد ظهر إلى
هنا فائدتان:
الأولى: وجه الالتئام بين الآيات التي تدل على أنه تعالى هدى الناس جميعا، وبين الآيات التي تدل على أنه تعالى إنما هدى بعضهم دون
بعض.
تقريبه: أن المراد بالهداية في الطائفة الأولى هو معناها الثاني أعني الهداية التشريعية، والمراد بها في الطائفة الثانية هو معناها الثالث
أعني الهداية الموصلة إلى المطلوب.
الثانية: الجواب عن الآيات الظاهرة في استناد الهداية والضلالة إلى مشيته تعالى.
تقريبه: أنه إذا شاء هداية العبد تعلقت مشيته تعالى بتوجيه مقتضيات الخير وعلله الناقصة المعدة إلى العبد بحيث لا تنافي الاختيار، وإذا
شاء ضلالته تعلقت مشيته تعالى بسلب تلك المقتضيات عنه، من دون منافاة بين هذا التعلق واختيار العبد.
428



أما عدم منافاة توجيه مقتضيات الخير إلى العبد لاختياره فواضح، إذ المفروض توقف صدور الفعل مع تلك المقتضيات على اختياره، و
أما عدم منافاة سلبها لاختياره مع توقف الفعل عليها فلان العبد لما ترك الخير باختياره، وصرف ما أفاض عليه ربه من مقتضيات
الخير في غير محله، واختار من الشقاوة مرتبة لا يليق معها بتوفيق الطاعة وبعد المعصية - سلب - الله تعالى عنه تلك المقتضيات، و
أوكله إلى نفسه الجانية الامارة بالسوء.
الطائفة الرابعة: الآيات التي ادعيت صراحتها في اضطرار العباد في أفعالهم وتروكهم، كقوله تعالى في سورة الأنفال: (وما رميت إذ
رميت، ولكن الله رمى) فإنه كالصريح في كون فاعل الرمي هو الله تعالى، وليس ذلك إلا الالجاء، والجواب عنه: أن إسناد الرمي إليه
تعالى مع أن الرامي هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا بد أن يكون لنكتة، إذ لو كان الاسناد على وجه الحقيقة لزم التناقض، لأنه
تعالى أسند الرمي أولا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم أسنده إلى نفسه تعالى، فالاسناد الثاني يكون لعناية وهي كون الرمي و
الغلبة على الكفار من معجزاته صلى الله عليه وآله، لئلا يتفاخر المسلمون بعضهم على بعض بأنه ظفر على الكفار بقتلهم وأسرهم، قال
في مجمع البيان: (ذكر جماعة من المفسرين كابن عباس وغيره: أن جبرئيل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وآله يوم بدر: خذ
قبضة من تراب فارمهم بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لما التقى الجمعان لعلي عليه السلام: أعطني قبضة من حصا الوادي،
فناوله كفا من حصا عليه تراب، فرمى به في وجوه القوم، وقال:
شاهت الوجوه، فانهزموا، فعلى هذا إنما أضاف الرمي إلى نفسه، لأنه لا يقدر
429

وهم ودفع، لعلك (1) تقول: إذا كانت الإرادة التشريعية منه تعالى عين علمه بصلاح الفعل (2) لزم بناء على أن

أحد غيره على مثله، فإنه من عجائب المعجزات) انتهى. ومثله: إسناد القتل إلى نفسه تعالى فيما قبله وهو قوله عز وجل: (فلم تقتلوهم و
لكن الله قتلهم) وقد عرفت سابقا الجواب العام عن كل ما يكون صريحا أو ظاهرا في الجبر من آية أو رواية وهو احتفافه بقرينة عقلية
هي كقرينة لفظية متصلة مانعة عن انعقاد الظهور للفظ. هذا ما أردنا إيراده إجمالا في نفي الجبر، واستقصاء جهات البحث في مسألة
الجبر والتفويض وإثبات الامر بين الامرين يستدعي وضع رسالة مستقلة فيها، نسأل الله تعالى شأنه أن يوفقنا لذلك عاجلا.
430

تكون (1) عين الطلب كون المنشأ بالصيغة في الخطابات الإلهية هو العلم، وهو بمكان من البطلان (2). لكنك غفلت (3) عن أن اتحاد
الإرادة مع العلم بالصلاح إنما

[1] لكن عن جماعة من المعتزلة اتحاد الإرادة والعلم مفهوما، بل استظهر ذلك أيضا من عبارة المحقق الطوسي (قده) في التجريد، حيث
قال في مبحث الكيفيات النفسانية: (ومنها الإرادة والكراهة، وهما نوعان من العلم) انتهى، قال العلامة (قده) في شرحه: (وهما نوعان
من العلم بالمعنى الأعم، وذلك لان الإرادة عبارة عن علم الحي أو اعتقاده أو ظنه بما في الفعل من المصلحة، والكراهة علمه أو ظنه أو
اعتقاده بما فيه من المفسدة، هذا مذهب جماعة، وقال آخرون: إن الإرادة والكراهة زائدتان على هذا مترتبتان عليه، لأنا نجد من
أنفسنا ميلا إلى الشئ أو عنه مترتبا على هذا العلم، وهو يفارق الشهوة، فإن المريض يريد شرب الدواء ولا يشتهيه) انتهى.
431

يكون خارجا لا مفهوما، وقد عرفت أن المنشأ ليس إلا المفهوم (1)، لا الطلب الخارجي، ولا غرو أصلا في اتحاد الإرادة والعلم عينا و
خارجا، بل لا محيص عنه في جميع صفاته تعالى، لرجوع الصفات إلى ذاته المقدسة، قال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه (2): (و
كمال توحيده الاخلاص له وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه).
432

الفصل الثاني: فيما يتعلق بصيغة الامر، وفيه مباحث:
الأول:
أنه ربما يذكر للصيغة معان (1) قد استعملت (2) فيها، وقد عد منها الترجي، والتمني (3)، والتهديد (4)، والانذار (5) والإهانة (6)، و
الاحتقار (7)، والتعجيز (8)، والتسخير (9) إلى غير ذلك (10)،
433

وهذا (1) كما ترى، ضرورة أن الصيغة ما استعملت في واحد منها (2) بل لم تستعمل إلا في إنشاء الطلب [1] إلا أن الداعي إلى

[1] في العبارة مسامحة، لان ظاهرها كون المستعمل فيه إنشاء الطلب، وهو خلاف ما ذكره في أول الكتاب من نفي البعد عن كون
الانشائية والأخبارية من مقومات الاستعمال، وخارجتين عن المعنى المستعمل فيه، كخروج الاستقلالية والالية عن المعنى الاسمي و
الحرفي. وعليه فالظاهر: أن مراده كون المستعمل فيه هو الطلب الانشائي في مقابل الطلب الحقيقي، لكن قد تقدم في المعاني الحرفية:
أن الهيئات موضوعة بالوضع الحرفي، فهي كالحروف وضعت للنسب، فهيئة الامر موضوعة للنسبة الطلبية، فقوله: - صل - مثلا يدل على
نسبة المادة إلى المخاطب نسبة طلبية.
434

ذلك (1) كما يكون تارة هو البعث والتحريك نحو المطلوب الواقعي يكون أخرى أحد هذه الأمور (2) كما لا يخفى، وقصارى ما يمكن
أن يدعى (3) أن تكون الصيغة موضوعة لانشاء الطلب فيما إذا كان بداعي البعث والتحريك [1]

[1] قد مر سابقا: امتناع دخل ما هو من شؤون الاستعمال في الموضوع له بحيث يكون المعنى في مقام الوضع مقيدا به، والغرض الداعي
إلى استعمال الصيغة في إنشاء الطلب يكون من شؤون الاستعمال، فيمتنع دخله في المعنى الموضوع له، بل المعنى واحد مطلقا سواء كان
الداعي هو البعث أم التهديد أم غيرهما، وعليه فيكون استعمال الهيئة في إنشاء الطلب بأي داع كان على نحو الحقيقة، نعم لا بأس بدعوى
ظهور الانشاء في كونه بداعي البعث والتحريك بحيث يحمل اللفظ عليه
435

لا بداع آخر منها، فيكون إنشاء الطلب بها (1) بعثا حقيقة، وإنشاؤه بها (2) تهديدا مجازا (3)، وهذا (4) غير كونها مستعملة في التهديد
وغيره (5) فلا تغفل.

عند التجرد عن القرينة الدالة على نشوء الانشاء عن داع آخر، ويمكن الاستدلال لهذه الدعوى بوجوه:
الأول: غلبة الاستعمال في ذلك بمثابة توجب ظهور اللفظ في كون الانشاء بداعي الجد، ويكفي في تحقق الغلبة الموجبة للظهور لحاظها
بالنسبة إلى مجموع سائر دواعي الانشاء وإن لم تتحقق بالإضافة إلى كل واحد منها.
الثاني: أن الأصل العقلائي يقتضي أن يكون الانشاء بنحو الجد، وذلك لاستقرار سيرة العقلا في محاوراتهم على موافقة إرادتهم
الاستعمالية لإرادتهم الجدية بحيث لو تخالفتا لنبهوا على ذلك وصرحوا بتخالفهما.
الثالث: أن مقدمات الحكمة تقتضي الحمل على كون الانشاء بداعي الجد، لاحتياج نشوه عن داع آخر إلى بيان زائد، لما مر في الوجه
الثاني من الأصل العقلائي، فإن مخالفة الأصل تحتاج إلى التنبيه والبيان، فلاحظ.
436

إيقاظ (1):
لا يخفى أن ما ذكرناه في صيغة الامر جار في سائر الصيغ الانشائية، فكما يكون الداعي إلى إنشاء التمني أو الترجي أو الاستفهام
بصيغها تارة هو ثبوت هذه الصفات حقيقة (2) يكون الداعي غيرها (3) أخرى، فلا وجه (4) للالتزام بانسلاخ
437

صيغها (1) عنها (2)، واستعمالها في غيرها (3) إذا وقعت في كلامه تعالى، لاستحالة (4) مثل هذه المعاني في حقه تبارك وتعالى مما
لازمه العجز أو الجهل (5) وأنه (6) لا وجه له (7)، فإن (8) المستحيل إنما هو الحقيقي
438

منها (1)، لا الانشائي الايقاعي الذي يكون بمجرد قصد حصوله بالصيغة، كما عرفت، ففي (2) كلامه تعالى قد استعملت في معانيها
الايقاعية الانشائية أيضا (3)، لا لاظهار ثبوتها (4) حقيقة، بل لأمر آخر (5) حسبما يقتضيه الحال من إظهار المحبة (6) أو الانكار (7) أو
التقرير (8) إلى غير ذلك (9). ومنه (10)
439

ظهر: أن ما ذكر من المعاني الكثيرة لصيغة الاستفهام ليس كما ينبغي أيضا (1).
(المبحث الثاني)
في أن الصيغة حقيقة في الوجوب (2) أو الندب (3) أو فيهما (4) أو في المشترك بينهما (5) وجوه بل أقوال (6) لا يبعد تبادر الوجوب
440

عند استعمالها (1) بلا قرينة (2)، ويؤيده (3) عدم صحة الاعتذار عن المخالفة باحتمال (4) إرادة الندب مع الاعتراف بعدم دلالته (5)
عليه (6) بحال أو مقال، وكثرة (7) الاستعمال
441

فيه (1) في الكتاب والسنة وغيرهما لا توجب (2) نقله إليه (3) أو حمله عليه (4)، لكثرة (5) استعماله في الوجوب أيضا (6)، مع (7) أن
الاستعمال وإن كثر
442

فيه (1) إلا أنه (2) كان مع القرينة المصحوبة، وكثرة الاستعمال كذلك (3) في المعنى المجازي لا توجب صيرورته (4) مشهورا فيه (5)
ليرجح (6) أو يتوقف على الخلاف في المجاز المشهور، كيف (7) وقد كثر استعمال العام في الخاص

[1] يحتمل أن يكون هذا الوجه دليلا على الوجه الثاني، وهو: أن كثرة الاستعمال مع القرينة لا توجب النقل أو الحمل علي المعنى
المجازي، لا وجها مستقلا في الجواب عن المعالم، بل العبارة ظاهرة في ذلك أيضا.
ثم إن تنظير المقام بباب العام المخصص إنما يكون في خصوص عدم انثلام
443

حتى قيل: ما من عام إلا وقد خص، ولم ينثلم به (1) ظهوره (2) في العموم، بل يحمل (3) عليه ما لم تقم قرينة بالخصوص (4) على إرادة
الخصوص.

الظهور في العموم بمجرد كثرة الاستعمال في الخاص مع القرينة، فكما لا تنكسر سورة ظهور صيغ العموم في العموم بمجرد كثرة
استعمالها في الخصوص مع القرينة، فكذلك لا تنكسر سورة الظهور في الوجوب في صيغة الامر بمجرد كثرة استعمالها مع القرينة في
الندب، وإلا فبين البابين فرق واضح، وهو: أن القرينة في استعمال صيغة الامر في الندب قرينة المجاز، وفي استعمال صيغ العموم في
الخصوص قرينة المراد كما لا يخفى.
444

(المبحث الثالث)
هل الجمل الخبرية التي تستعمل (1) في مقام الطلب والبعث مثل يغتسل ويتوضأ (2) ويعيد (3) ظاهرة في الوجوب (4) أو لا (5)؟ لتعدد
(6) المجازات
445

فيها (1)، وليس الوجوب بأقواها (2) بعد تعذر حملها (3) على معناها من الاخبار بثبوت النسبة والحكاية عن وقوعها الظاهر الأول (4)،
بل تكون (5) أظهر من الصيغة، ولكنه (6) لا يخفى أنه ليست الجمل الخبرية الواقعة في ذلك المقام
446

- أي الطلب - مستعملة في غير معناها، بل تكون مستعملة فيه (1)، إلا أنه (2) ليس بداعي الاعلام، بل بداعي البعث بنحو آكد، حيث (3) إنه
أخبر بوقوع
447

مطلوبه في مقام طلبه (1) إظهارا بأنه لا يرضى إلا بوقوعه، فيكون آكد في البعث من الصيغة (2)، كما هو (3) الحال في الصيغ الانشائية
على ما عرفت من أنها أبدا تستعمل في معانيها الايقاعية، لكن بدواع أخر (4) كما مر (5).
لا يقال (6):
448

كيف (1)؟ ويلزم الكذب كثيرا، لكثرة عدم وقوع المطلوب كذلك (2) في الخارج تعالى الله وأولياؤه (3) عن ذلك علوا كبيرا. فإنه
يقال: (4) إنما يلزم الكذب إذا أتى بها (5) بداعي الاخبار والاعلام، لا لداعي البعث (6)، كيف (7)
449

وإلا يلزم الكذب في غالب الكنايات؟ فمثل - زيد كثير الرماد - أو - مهزول الفصيل - لا يكون كذبا إذا قيل كناية عن جوده، ولو لم
يكن له رماد وفصيل أصلا، وإنما يكون كذبا إذا لم يكن بجواد (1)، فيكون (2) الطلب بالخبر في مقام التأكيد أبلغ (3)، فإنه (4) مقال
بمقتضى الحال، هذا. مع أنه إذا أتى
450

بها (1) في مقام البيان، فمقدمات الحكمة مقتضية لحملها (2) على الوجوب، فإن تلك النكتة (3) إن لم تكن موجبة لظهورها فيه (4)، فلا
أقل من كونها (5) موجبة لتعينه من بين محتملات ما (6) هو بصدده،
451

فإن (1) شدة مناسبة الاخبار بالوقوع مع الوجوب موجبة لتعين إرادته (2) إذا كان بصدد البيان مع عدم نصب قرينة خاصة على غيره
(3)، فافهم (4).

[1] ويمكن الاستدلال أيضا للحمل على الوجوب بوجوه أخر:
الأول: التبادر.
الثاني: انصراف طبيعي الطلب إلى خصوص فرده الوجوبي.
الثالث: أقربية الوجوب من سائر المجازات إلى المعنى الحقيقي بعد تعذره، ولكن هذا الوجه مبني على انسلاخ الجمل الخبرية عن معناها
الحقيقي - وهو الاخبار بالوقوع - واستعمالها في غيره.
وبالجملة: فلا ينبغي التأمل في ظهور الجمل الخبرية التي أريد بها الانشاء في الوجوب، وحجية هذا الظهور على حد حجية ظواهر سائر
الألفاظ كما لا يخفى.
ثم إنه قد ظهر مما أفاده المصنف (قده) في وجه استفادة الوجوب من الجمل الخبرية حال الجمل المنفية الواقعة في مقام النهي مثل (لا
يغتسل ولا يتوضأ ولا يعيد)، فإنها تنصرف إلى الحرمة، إلا أن تقوم قرينة على خلافها.
452

(المبحث الرابع) (1):
أنه إذا سلم أن الصيغة لا تكون حقيقة في الوجوب هل لا تكون ظاهرة فيه أيضا (2) أو تكون؟ قيل بظهورها فيه (3): إما لغلبة الاستعمال
(4) فيه، أو (5) لغلبة وجوده، أو
453

أكمليته (1). والكل كما ترى، ضرورة (2) أن الاستعمال في الندب، وكذا وجوده (3) ليس بأقل لو لم يكن بأكثر، وأما الأكملية فغير
موجبة للظهور (4)، إذ الظهور لا يكاد يكون إلا لشدة أنس اللفظ بالمعنى بحيث يصير وجها له (5)، ومجرد الأكملية
454

لا يوجبه (1) كما لا يخفى. نعم (2) فيما كان الامر بصدد البيان، فقضية مقدمات الحكمة هو الحمل على الوجوب (3)، فإن الندب كأنه
يحتاج إلى مئونة بيان التحديد (4) والتقييد بعدم المنع من الترك، بخلاف الوجوب، فإنه لا تحديد
455

فيه للطلب ولا تقييد، فإطلاق اللفظ وعدم تقييده مع كون المطلق في مقام البيان كاف في بيانه، فافهم (1).
(المبحث الخامس (2):
أن إطلاق الصيغة [1] هل يقتضي كون الوجوب توصليا، فيجزي (3) إتيانه مطلقا ولو (4) بدون قصد القربة أو لا؟

[1] الظاهر عدم اختصاص هذا البحث بالصيغة، بل يجري في غيرها مما قصد به الامر كما لا يخفى وجهه.
456

فلا بد (1) من الرجوع فيما شك في تعبديته وتوصليته إلى الأصل (2)،
لا بد في تحقيق ذلك من تمهيد مقدمات:
إحداها:
الوجوب التوصلي
[1]
هو ما كان الغرض منه يحصل بمجرد حصول الواجب (3) ويسقط بمجرد وجوده، بخلاف التعبدي، فإن الغرض منه

[1] هذا من الوصف بحال المتعلق وهو الواجب، لا بحال نفس الموصوف وهو الوجوب، وذلك لان التعبدية والتوصلية ناشئتان من
الملاكات الداعية إلى التشريع، فإن كان الملاك القائم بالواجب - بناء على ما عليه مشهور العدلية من قيام المصالح والمفاسد بمتعلقات
التكاليف - بمثابة يحصل بمجرد وجود الواجب ولو بداع غير قربي فالواجب توصلي، وإلا فتعبدي، فالفرق بينهما إنما هو في الغرض
القائم بالواجب، وأما الغرض من نفس الوجوب فهو واحد في التعبدي والتوصلي وهو دعوة المكلف إلى إيجاد المادة ونقض عدمها
المحمولي بوجودها كذلك، فالوجوب التوصلي لا يغاير التعبدي أصلا. واتضح مما ذكرنا: أن التعبدية من قيود المادة، فالاطلاق
المبحوث عنه راجع إلى المادة لا الهيئة، فجعل هذا البحث من أبحاث الصيغة لا يخلو من المسامحة.
457

لا يكاد يحصل بذلك (1)، بل لا بد في سقوطه وحصول غرضه من الاتيان به متقربا به (2) منه تعالى.
ثانيتها: أن التقرب (3) المعتبر في التعبدي إن كان بمعنى قصد الامتثال
458

والآتيان بالواجب بداعي أمره كان مما يعتبر في الطاعة عقلا لا مما أخذ في نفس العبادة شرعا، وذلك (1) لاستحالة أخذ ما لا يكاد
يتأتى إلا من قبل الامر بشئ في (2) متعلق ذاك الامر مطلقا شرطا أو شطرا (3)، فما (4) لم تكن نفس
459

الصلاة متعلقة للامر لا يكاد يمكن إتيانها بقصد امتثال أمرها وتوهم (1) إمكان تعلق الامر بفعل الصلاة بداعي الامر
460

وإمكان (1) الاتيان بها بهذا الداعي، ضرورة (2) إمكان تصور الامر لها مقيدة، والتمكن (3) من إتيانها (4) كذلك (5) بعد (6) تعلق
الامر
461

بها (1)، والمعتبر من القدرة المعتبرة عقلا في صحة الامر إنما هو في حال الامتثال لا حال الامر واضح (2) الفساد، ضرورة أنه (3) وإن
كان
462

تصورها (1) كذلك (2) بمكان من الامكان، إلا أنه (3) لا يكاد يمكن الاتيان بها (4) بداعي أمرها، لعدم (5) الامر بها (6)، فإن الامر حسب
الفرض تعلق بها (7) مقيدة بداعي الامر، ولا يكاد يدعو الامر إلا إلى ما تعلق به (8)
463

لا إلى غيره. ان قلت: نعم (1) ولكن نفس الصلاة أيضا (2) صارت مأمورة بها بالامر بها مقيدة. قلت: كلا (3)، لان ذات المقيد لا تكون
مأمورا
464

بها، فإن الجز التحليلي العقلي لا يتصف بالوجوب أصلا
. [1]
فإنه ليس إلا وجود واحد واجب بالوجوب النفسي كما ربما يأتي في باب
المقدمة إن قلت:

[1]
لا مانع عقلا من اتصاف الاجزاء التحليلية بالوجوب خصوصا بعد البناء على كون الاحكام لموضوعاتها كعوارض الماهية لا كعوارض
الوجود، نعم ذلك خلاف المتفاهم العرفي من الأدلة، وليس ذلك راجعا إلى مقام التطبيق حتى يناقش فيه بعدم اعتبار نظرهم فيه، و
اختصاص اعتباره بتشخيص المفاهيم كما لا يخفى. ويمكن أن يكون منشأ فهم العرف لعدم اتصاف الاجزاء التحليلية بالحكم ملاحظة
قيام المصالح والمفاسد بوجود متعلقات التكاليف وان كانت هي بوجودها العلمي دواعي للتشريع، وبوجودها العيني غايات مترتبة
على المتعلقات ترتب المعلولات على عللها التكوينية، فإن الحكم تابع سعة وضيقا لدائرة الغرض الداعي إلى التشريع، فإذا ترتب الغرض
على الموجود الخارجي فالحكم أيضا مترتب عليه، لا بمعنى كون موضوع الحكم هو وجوده خارجا، كيف؟ وهو ظرف سقوط الحكم لا
ثبوته، بل بمعنى تعلق الحكم بإيجاد متعلقه، وطرد عدمه المحمولي بوجوده كذلك.
465

نعم (1) لكنه إذا أخذ قصد الامتثال شرطا، وأما إذا أخذ شطرا فلا محالة نفس الفعل الذي تعلق الوجوب به مع هذا القصد يكون متعلقا
للوجوب، إذ (2) المركب ليس إلا نفس الاجزاء بالأسر، ويكون تعلقه (3) بكل (4) بعين تعلقه بالكل، ويصح أن يؤتى به (5) بداعي ذلك
الوجوب (6)، ضرورة صحة الاتيان بأجزاء الواجب بداعي وجوبه (7). قلت: - مع امتناع
466

اعتباره (1) كذلك [1] (2)
فإنه (3) يوجب تعلق الوجوب بأمر غير اختياري، فإن الفعل وان كان بالإرادة اختياريا، إلا أن إرادته حيث لا
تكون بإرادة أخرى وإلا لتسلسلت ليست باختيارية كما لا يخفى - إنما (4) يصح الاتيان بجزء

[1] هذا يوهم إمكان أخذ القربة شرطا، مع أن القدرة شرط مطلقا، إذ لا فرق في حكم العقل بقبح مطالبة العاجز بين الجز والشرط.
467

الواجب بداعي وجوبه في ضمن إتيانه (1) بهذا الداعي (2)، ولا يكاد (3) يمكن الاتيان بالمركب من قصد الامتثال بداعي امتثال أمره.
إن قلت:
468

نعم (1) لكن هذا كله إذا كان اعتباره (2) في المأمور به بأمر واحد (3)، وأما إذا كان بأمرين (4) تعلق أحدهما بذات الفعل وثانيهما
بإتيانه بداعي أمره فلا محذور أصلا (5) كما لا يخفى، فللأمر (6) أن يتوسل بذلك (7) في الوصلة إلى تمام غرضه ومقصده
469

بلا منعة (1). قلت: - مضافا (2) إلى القطع بأنه ليس في العبادات إلا أمر واحد كغيرها (3) من الواجبات والمستحبات، غاية الامر (4)
يدور مدار الامتثال وجودا وعدما فيها (5) المثوبات (6) والعقوبات، بخلاف ما عداها (7)
470

فيدور فيه (1) خصوص المثوبات، وأما العقوبة فمترتبة على ترك الطاعة ومطلق (2) الموافقة - إن (3) الامر الأول إن كان يسقط
بمجرد موافقته ولو لم يقصد به
471

الامتثال كما هو (1) قضية الامر الثاني، فلا يبقى مجال لموافقة الثاني مع موافقة الأول بدون قصد امتثاله، فلا يتوسل الامر إلى غرضه
بهذه الحيلة والوسيلة (2)، وإن (3) لم يكد يسقط بذلك (4) فلا يكاد يكون له [1] (5) وجه إلا عدم

[1] هذا لا يخلو من غموض، إذ لا مانع من ترتب غرض وجداني على كلا الامرين بأن يكون الامر الثاني أمرا ضمنيا كسائر أوامر الاجزاء،
فذلك الغرض - لترتبه على المجموع - لا يسقط بمجرد موافقة الامر الأول، كما هو شأن الواجب الارتباطي، فإن سقوط أمر الجز الأول
مراعى بسقوط غيره من الأوامر الضمنية المتعلقة بسائر الاجزاء. وتوضيح ذلك يتوقف على تقديم أمور:
الأول: ان المناط في تعدد الامر هو تعدد الاغراض الداعية إلى التشريع لا تعدد الانشاء، فإن كان الغرض واحدا والانشاء متعددا
فالمجعول واحد حقيقة.
الثاني: أن متمم الجعل تارة يكون متمما لقصور شمول الخطاب الأولي كالمقام، فإن الامر الأولي لا يشمل القربة المعتبرة فيه، لتأخرها
عنه وأخرى
472

حصول غرضه (1)

يكون متمما لقصور محركيته كإيجاب الاحتياط، فإن الخطاب الواقعي في ظرف الشك فيه قاصر عن التحريك والبعث الفعليين، و
الاحتياط متمم لقصور محركيته في حال الجهل به.
(وثالثة) يكون متمما للملاك، كوجوب المقدمات المفوتة على التفصيل الذي يأتي في محله إن شاء الله تعالى.
الثالث: أن المبنى المنصور كما يأتي في بحث المطلق والمقيد إن شاء الله تعالى هو كون التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل العدم و
الملكة، كما يشهد بذلك جريان البراءة في الأقل والأكثر الارتباطيين بناء على عدم حجية الأصل المثبت، خلافا لما عن المشهور من
ذهابهم إلى أن التقابل بينهما هو الايجاب والسلب، ولما عن الشيخ من كونه هو التضاد. وعلى الأول يمتنع الاطلاق بعين امتناع التقييد
فلا إطلاق في البين يصح التمسك به. وعلى الثاني يصح التشبث بالاطلاق، لان استحالة التقييد توجب تعين الاطلاق الذي هو نقيض
التقييد أو ضده، لاستحالة ارتفاع الضدين اللذين لا ثالث لهما أو النقيضين.
الرابع: أن الاحكام العقلية المستقلة على قسمين:
أحدهما: ما يكون واقعا في سلسلة علل الاحكام كقبح الظلم والكذب، وحسن الاحسان، ورد الوديعة ونحو ذلك.
ثانيهما: ما يكون واقعا في سلسلة المعلولات أي مترتبا على حكم الشارع ترتب الحكم على موضوعه.
أما القسم الأول، فلا يمنع عن وقوع الحكم المولوي في مورده، كحرمة
473

بذلك (1) من أمره،

الظلم ووجوب رد الوديعة.
وأما القسم الثاني، فيمتنع وقوع الحكم المولوي في مورده، لما قرر في محله، فإذا وقع فيه حكم فلا بد من حمله على الارشاد، كقوله
تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول).
الخامس: أن جميع ما يطرأ من العوارض والحالات على كل من موضوع الحكم ومتعلقه كالمكلف والصلاة إما أن يكون في عرضه و
رتبته بحيث يمكن لحاظه مع الموضوع مع الغض عن حكمه، كلحاظ مالكية التصرف في المال الزكوي مع المكلف المالك للنصب
الزكوية، أو مع المتعلق، كالاستقبال والستر والطهارة مثلا مع الصلاة. وإما أن يكون في طوله كالعلم بالحكم بأن يقول الشارع مثلا:
(المكلف المسافر العالم بوجوب القصر يجب عليه القصر)، فالعلم بالحكم المتأخر عنه دخيل في الموضوع، كدخل البلوغ والعقل و
القدرة فيه، غاية الامر أنها من الشرائط العامة، والعلم من الشرائط الخاصة، هذا في الموضوع.
وأما في المتعلق فكقصد القربة في الصلاة، فإنه متأخر عن الصلاة، لترتبه على الامر المتأخر رتبة عن متعلقه، فلا يمكن لحاظه في عرض
الصلاة، كلحاظ الطهارة والاستقبال وغيرهما من الشرائط، ولحاظ عدم كونها في الحرير والذهب وما لا يؤكل من الموانع، فإن هذه
الشرائط والموانع ملحوظة عرضا مع الصلاة من دون ترتبها وتوقفها على الامر بها، وهذا بخلاف قصد القربة وغيره مما يترتب على
الامر ويترشح منه، فإنه يمتنع لحاظه مع الصلاة بدون أمرها. إذا عرفت انقسام الطوارئ بالنسبة إلى كل من الموضوع والمتعلق إلى
القيود الأولية
474

لاستحالة (1) سقوطه مع عدم

والثانوية، فاعلم: أن إطلاق الخطاب مرجع في الانقسامات الأولية سواء كانت في الموضوع بكلا قسميه من المكلف والعين الخارجية
كالماء والخل ونحوهما مما يتعلق به فعل المكلف أم المتعلق، وذلك لامكان لحاظها في عرض الموضوع مطلقا والمتعلق، وكلما كان
كذلك يصح الاطلاق فيها، فإذا شك في دخل شئ في موضوع الحكم كالرجوع إلى الكفاية مثلا في موضوع وجوب الحج ولم تنهض
حجة على اعتباره يرجع فيه إلى إطلاق الخطاب القاضي بإطلاق الموضوع، وعدم تقيده بالرجوع إلى الكفاية، وكذا إذا شك في دخل
شئ في متعلق الحكم كالشك في اعتبار الاستعاذة أو غمض العين مثلا في الصلاة، فإنه لا ينبغي الارتياب في جواز الرجوع فيهما إلى
إطلاق الخطاب أيضا، لامكان لحاظ هذين المشكوكين في عرض لحاظ الصلاة.
وبالجملة: فإطلاق الخطاب محكم في الانقسامات الأولية مطلقا سواء كانت في الموضوع أم المتعلق.
وأما الانقسامات الثانوية المترتبة على الحكم المأخوذة في الموضوع كالعلم بالحكم، فيمتنع التقييد بها في جميع المراتب الثلاث: الانشاء
والفعلية والامتثال.
أما امتناع التقييد في مرحلة الانشاء، فلاستلزامه تعلق لحاظ واحد بشئ فارد يكون علة ومعلولا.
توضيحه: أن نسبة الموضوع إلى الحكم نسبة العلة إلى المعلول، فالحكم متوقف على موضوعه توقف المعلول على علته، فلا يوجد الحكم
قبل وجود موضوعه، ففي مقام الجعل والانشاء لا بد من تصور الموضوع أولا، ثم الحكم عليه
475

حصوله (1)،

ثانيا، وليس العلم بالحكم كذلك، لان مقتضى موضوعيته هو توقف الحكم عليه تصورا ووجودا، والمفروض توقف العلم على الحكم
أيضا، لتقدم المعلوم على العلم، فيستحيل دخل العلم بالحكم في موضوع نفس هذا الحكم، لمحذور الدور، لتوقف الحكم على العلم به، لأنه
موضوعه، وتوقف العلم عليه، لتقدم المعلوم على العلم، فتصور العلم بالحكم موضوعا لنفس هذا الحكم ممتنع، لامتناع وجوده في الخارج
قبل الحكم، ومن المعلوم: تقدم كل موضوع على حكمه، فإنشاء الحكم مقيدا بالعلم به مستحيل، حيث إن المتصور في مقام الانشاء لا بد و
أن ينطبق على ما في الخارج، وقد عرفت عدم انطباقه عليه، إذ لا يوجد العلم بالحكم قبل الحكم حتى يكون كالبلوغ والعقل والقدرة
من الشرائط العامة، والاستطاعة ومالكية النصاب ونحوهما من الشرائط الخاصة، وإذا امتنع التقييد امتنع الاطلاق أيضا بناء على كون
التقابل بينهما تقابل العدم والملكة كما أشرنا إليه آنفا.
وأما امتناع التقييد في مرحلة الفعلية، فقد ظهر وجهه مما تقدم من استلزامه تقدم الشئ على نفسه، وكونه موجودا ومعدوما في آن
واحد، لان مقتضى موضوعية العلم تقدمه على الحكم، فيكون موجودا قبل الحكم، ومقتضى تقدم المعلوم على العلم تأخره عن الحكم، إذ لا
بد من وجوده حتى يعلم به المكلف، وليس هذا إلا اجتماع النقيضين المستحيل، فملاك استحالة الدور - وهو اجتماع النقيضين - موجود
هنا.
وأما امتناع التقييد في مرحلة الامتثال، فوجهه: أنه يعتبر في الامتثال إحراز الحكم على النحو المترتب على موضوعه، وإحرازه كذلك
هنا غير ممكن،
476

وإلا (1) لما كان موجبا لحدوثه، وعليه فلا حاجة في الوصول إلى غرضه إلى

لان العالم بالحكم عالم بالحكم السابق على هذا العلم، وليس عالما بالحكم المترتب على العلم الذي يكون موضوعا له ومتقدما عليه
كتقدم كل موضوع على حكمه، هذا إذا كان عالما بالحكم، وأما إذا كان جاهلا به فلا حكم حتى يحتاج إلى الامتثال، بل لا حاجة في نفيه
إلى البراءة، للقطع بعدمه الناشئ عن عدم موضوعه وهو العلم كما لا يخفى.
فالمتحصل مما ذكرنا: استحالة التقييد اللحاظي بالعلم، وامتناع الاطلاق أيضا، فالخطاب بالنسبة إليه مهمل، فلا إطلاق في البين يتمسك
به في نفي اعتبار قيدية العلم، هذا.
وأما الانقسامات الثانوية للمتعلق كقصد امتثال الامر، فيمتنع فيها التقييد أيضا في المراحل الثلاث، للزوم الدور، إذ المفروض وحدة
الامر، فقصده بناء على كونه من شرائط المتعلق يكون كالشرب الذي هو فعل المكلف ومتأخر عن موضوعه وهو الماء مثلا، فلا بد من
وجود الامر أولا حتى يتعلق به الفعل وهو قصده، إذ الامر حينئذ موضوع للقصد كموضوعية الماء للشرب، والمؤمن لحرمة الغيبة، و
الوالدين لحرمة الايذاء، وغير ذلك من الموضوعات التي تتعلق بها الافعال المتعلقة للأحكام الشرعية، فإن الموضوع بكلا معنييه من
المكلف والمفعول به - المصطلح عليه بمتعلق المتعلق - كالماء والخل والخمر ونحوها مما يتعلق به فعل المكلف متقدم على الحكم، و
في المقام يكون الامر كالماء، وقصد امتثاله كالشرب المتعلق بالماء، فلا بد من تقدم الامر على قصده، فلو توقف الامر على قصده،
لكونه
477



من شرائط المتعلق الذي يكون متقدما على الحكم لزم الدور.
وبالجملة: يكون الموضوع كالمكلف، ومتعلق المتعلق كالماء والفعل كالشرب والاكل والاحسان والايذاء وغيرها من الافعال متقدما
على الحكم، فإذا ترتب أحد هذه الأمور على الحكم لزم الدور، فلا فرق في الاستحالة بين المراتب الثلاث من الانشاء والفعلية والامتثال.
ومجرد تصور الامر قبل وجوده، ثم الامر بقصد ذلك الامر المتصور لا يجدى في دفع غائلة الدور، لان المتصور لا بد وأن يكون قابل
الانطباق على ما في الخارج، وإلا كان ذلك من قبيل أنياب الأغوال، ومن المعلوم: أن قصد امتثال الامر مترتب على الامر الوحداني
الشخصي المتعلق بالعبادة، لا طبيعة الامر المتصورة عند الامر، فلا يندفع محذور الدور. ثم إن هنا قسما آخر للانقسامات الثانوية
للمتعلق، وهو التقييد بالإطاعة والعصيان أي الفعل والترك، أو للموضوع أعني المكلف، لانقسامه إلى المطيع والعاصي، وعليه:
فالانقسامات تكون على أقسام ثلاثة:
أحدها، ما لا يمكن فيه التقييد مطلقا ولو نتيجة كالإطاعة والعصيان، وذلك للزوم طلب الحاصل إن كان الوجوب مقيدا بوجود متعلقه
خارجا، واجتماع النقيضين إن كان مقيدا بعدمه، إذ مرجعه إلى مطلوبية وجود المتعلق مقيدا بالترك، ويمتنع الاطلاق بعين امتناع
التقييد، لما أشرنا إليه من كون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة.
ثانيها: ما يمكن فيه كل من الاطلاق والتقييد اللحاظيين كالانقسامات الأولية بالنسبة إلى الموضوعات بكلا قسميها وهما المكلف، وما
يتعلق به الفعل
478



والترك كالماء والحنطة وغيرهما مما يكون للمتعلق موضوع خارجي، وبالنسبة إلى المتعلقات كالصلاة والحج وغيرهما من الافعال.
ثالثها: ما لا يمكن فيه الاطلاق والتقييد اللحاظيان فقط مع إمكان نتيجتهما كقصد الامر، فإنه يمتنع إطلاق الخطاب وتقييده لحاظا
بالنسبة إليه، لما مر من لزوم محذور الدور، ولكن الملاك إما يكون عاما، وإما يكون مختصا بحال قصد الامر، فلحاظ الاطلاق و
التقييد ممتنع، وأما نتيجتهما نظرا إلى الملاك فلا مانع منها، وعليه فيمكن دخل قصد الامر في المتعلق بالامر الثاني، لاختصاص وجه
الاستحالة بالامر الأول. إذا عرفت هذه الأمور فاعلم: أن قصد القربة مما يمكن دخله في المتعلق بأمر آخر، لا بالامر الأول، فالخطاب
الأول مهمل بالنسبة إلى قصد القربة، فلا يمكن التشبث به لنفيه، لما عرفت من امتناع الاطلاق بعين امتناع التقييد، فلحاظ كل من الاطلاق
والتقييد بالنسبة إلى الخطاب ممتنع، لكن نتيجتهما غير ممتنعة، ولذا يصح التمسك بالاطلاق المقامي لنفي اعتباره، وليس قصد القربة
كالإطاعة والعصيان، ولا كالعلم والجهل وإن كان مشاركا لهما في كونه من الانقسامات الثانوية، ولكنه يفترق عنهما في أنه يمتنع
التقييد بالإطاعة والعصيان خطابا وملاكا، لما مر آنفا، وفي أن العلم والجهل يمتنع دخلهما في موضوع الخطاب دون ملاكه، فيمتنع
تقييد الحكم بالعلم به، وكذا إطلاقه، فما في بعض الكلمات من الاستدلال بإطلاق الروايات على اشتراك الاحكام بين العالمين و
الجاهلين لا يخلو من غموض، إلا أن يراد بذلك الاطلاق المقامي وإن كان فيه إشكال أيضا، لأنه فرع إمكان بيان القيد وهو ممتنع،
لإناطة صحة
479



إنشاء الحكم بتمامية موضوعه، وإلا يلزم الخلف والمناقضة، فالانشاء كاشف عن تمامية الموضوع، فإذا أنشأ الحكم قبل العلم به كشف
ذلك عن عدم دخل العلم في موضوعه، ولا يمكن إنشاؤه مع العلم به بأن يقال: (المكلف المسافر العالم بوجوب القصر يجب عليه القصر)،
حيث إن هذا الانشاء لغو، لان العلم يقتضي إنشاء الحكم قبله حتى يعلم أو يجهل، فلا يصح جعل العلم دخيلا في الموضوع ولو بخطابات
عديدة. نعم بناء على تعدد مراتب الحكم كما عليه المصنف (قده) يمكن أن يقال:
إن العلم بالحكم دخيل في فعليته لا في إنشائه، فتدبر. وهذا بخلاف قصد القربة، لان متعلق الامر الأول هو ما عدا قصد القربة من
الاجزاء، ومتعلق الامر الثاني هو الاجزاء بقصد القربة، ولما كان المناط في تعدد الحكم ووحدته تعدد الملاك لا تعدد الانشاء كما
عرفت آنفا كان الامر الثاني أمرا ضمنيا متعلقا بقصد القربة.
وبالجملة: فقصد القربة مما يمكن اعتباره بالامر الثاني الذي يكون إرشادا إلى شرطية قصد القربة في العبادة، فالغرض القائم
بمجموع الاجزاء والشرائط واحد، غاية الامر أنه لا يمكن بيان الكل بأمر واحد، فافترقت القربة عن سائر الأجزاء والشرائط لذلك.
وقد ظهر مما ذكرنا: أن قصد القربة مما يمكن دخله في العبادة شرعا، فمع الشك في اعتباره يصح التمسك بالاطلاق المقامي إذا كان
المتكلم في مقام البيان، وإلا فالمرجع أصالة الاشتغال أو البراءة على الخلاف لكونه من صغريات الأقل والأكثر الارتباطيين، لا من
صغريات الشك في المحصل بأن يقال: (إن عدم
480



السقوط بالامر الأول لا بد وأن يكون لعدم حصول الغرض، ويستقل العقل حينئذ بإتيانه ثانيا على وجه قربي، ومع هذا الحكم العقلي لا
حاجة إلى الامر الثاني، فلا يندرج المقام في الشك في متعلق الخطاب ليكون من صغريات الأقل والأكثر، بل يندرج في الشك في
المحصل الذي هو مجرى قاعدة الاشتغال)، وذلك لابتنائه على كون المأمور به هو الغرض حتى يكون الشك في حصوله مندرجا في
الشك في المحصل، وهذا خلاف ظاهر الخطاب، لظهوره في أن المأمور به هو نفس الافعال، لا الغرض الداعي إلى التشريع، بل يمتنع أن
يكون الغرض متعلقا للتكليف، لعدم إمكان إلقائه إلى المكلف، حيث إن الفعل ليس علة تامة له حتى يكون الغرض مسببا توليديا، مضافا
إلى عدم تسليم مرجعية قاعدة الاشتغال في جميع المحصلات، إذ المسلم من ذلك هو ما عدا المحصل الشرعي، وأما هو فيمكن الالتزام
بجريان البراءة فيه، لاجتماع أركانها.
فتلخص من جميع ما ذكرناه أمور:
الأول: أن قصد القربة مما يمكن دخله شرعا في العبادة بالامر الثاني، وأن الغرض القائم به وبغيره من الاجزاء والشرائط يكون كغيره
من الاغراض المترتبة على المركبات الارتباطية، فبدونه لا مصلحة لسائر الاجزاء والشرائط وهو قوام العبادة، ولذا لا تجري فيه
قاعدة الميسور.
الثاني: أن قصد القربة كسائر الشرائط في أن الشك في اعتباره يكون من قبيل الشك في متعلق الامر وإن لم يكن منه حقيقة، لاستحالة
دخل قصد امتثال الامر الأولي في متعلقه ولو بألف خطاب، للزوم الدور المتقدم، لا من
481

وسيلة تعدد الامر، لاستقلال (1) العقل مع عدم حصول غرض الامر بمجرد (2) موافقة الامر بوجوب (3) الموافقة على نحو (4) يحصل به
غرضه، فيسقط أمره (5)، هذا (6) كله إذا كان التقرب المعتبر في العبادة بمعنى قصد الامتثال.

الشك في الامتثال الذي يحكم فيه العقل بالاشتغال.
الثالث: أن الامر الثاني المتكفل لاعتبار قصد القربة يكون بيانا لدخل القربة في الغرض، إذ لا يمكن للمولى التوصل إلى غرضه إلا بتعدد
الامر، وحيث إن الغرض واحد، فالامر الثاني يكون إرشادا إلى الشرطية لا الوجوب النفسي.
الرابع: أن الخطاب مهمل، لامتناع إطلاقه بالنسبة إلى القيود المتأخرة عنه. نعم لا بأس بالتمسك بالاطلاق المقامي مع تحقق شرائطه، و
إلا فالمرجع أصالة البراءة أو الاشتغال على الخلاف فيما هو المرجع في الأقل والأكثر الارتباطيين.
الخامس: أن المقام أجنبي عن باب المحصل الذي يرجع فيه إلى قاعدة الاشتغال، لما عرفت آنفا، وحكم العقل في كيفية الإطاعة معلق
على عدم بيان من الشارع في ذلك، نعم حكمه بحسن أصلها منجز كما لا يخفى.
482

وأما (1) إذا كان بمعنى الاتيان بالفعل بداعي حسنه أو كونه ذا مصلحة أو له تعالى، فاعتباره (2) في متعلق الامر وان كان بمكان من
الامكان [1] إلا أنه غير

[1] بل ممتنع أيضا، لان داعي المصلحة أو الحسن مثلا إذا كان مقوما للمصلحة أو الحسن لزم خلو الفعل عنهما، فكيف يمكن الاتيان به
بهذا الداعي؟ فلا فرق في الامتناع بين قصد امتثال الامر وبين سائر الدواعي. إلا أن يقال:
إن هذا الاشكال مندفع بعدم خلو الفعل عن المصلحة والحسن وغيرهما، لأنه إنما يلزم بناء على كون قصد المصلحة ونحوها جزا،
لكونه حينئذ بعض ما تقوم به المصلحة، وأما بناء على الشرطية - كما هو المفروض - فلا يلزم ذلك أصلا، لقيام المصلحة بالاجزاء، و
الشرط إنما يكون دخيلا في فعلية المصلحة، وعليه فلا مانع من إتيان الفعل بداعي ما فيه من المصلحة أو الحسن أو غيرهما.
483

معتبر فيه (1) قطعا، لكفاية (2) الاقتصار على قصد الامتثال الذي عرفت عدم إمكان أخذه فيه (3) بديهة (4)، تأمل فيما ذكرناه في المقام
تعرف حقيقة المرام، كيلا تقع فيما وقع فيه من الاشتباه بعض الاعلام (5).
ثالثتها (6): أنه إذا عرفت بما لا مزيد عليه عدم إمكان أخذ قصد
484

الامتثال في المأمور به أصلا (1)، فلا مجال للاستدلال بإطلاقه (2) ولو كان مسوقا في مقام البيان (3) على (4) عدم اعتباره كما هو
أوضح من أن يخفى، فلا يكاد يصح التمسك به (5) إلا فيما (6) يمكن اعتباره فيه، فانقدح بذلك (7)
485

أنه لا وجه لاستظهار التوصلية من إطلاق الصيغة بمادتها (1)، ولا لاستظهار عدم اعتبار مثل الوجه مما (2) هو ناشئ من قبل الامر من
(3) إطلاق المادة في العبادة لو شك في اعتباره فيها (4)، نعم (5) إذا كان الامر في مقام بصدد بيان
486

تمام ما له دخل في حصول غرضه، وإن لم يكن له دخل في متعلق أمره، ومعه (1) سكت في المقام ولم ينصب دلالة على دخل قصد
الامتثال في حصوله (2) كان هذا (3) قرينة على عدم دخله في غرضه (4)، وإلا (5) لكان سكوته نقضا له، وخلاف الحكمة، فلا بد عند
الشك وعدم إحراز هذا المقام (6) من الرجوع إلى
487

ما يقتضيه الأصل ويستقل به العقل
فاعلم: أنه لا مجال هاهنا (1) إلا لأصالة الاشتغال ولو قيل بأصالة البراءة فيما إذا دار الامر بين الأقل والأكثر الارتباطيين، وذلك (2)
لأن الشك هاهنا في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم مع استقلال العقل بلزوم الخروج عنها (3)، فلا يكون العقاب مع الشك وعدم
إحراز الخروج عقابا بلا بيان، والمؤاخذة (4)
488

عليه بلا برهان، ضرورة (1) أنه بالعلم بالتكليف تصح المؤاخذة على المخالفة وعدم الخروج عن العهدة لو (2) اتفق عدم الخروج عنها
بمجرد الموافقة بلا قصد

[1] قد تقدم في التعليقة أن مراعاة الغرض مبنية على تعلق التكليف به، وقد عرفت خروجه عن حيزه وعدم تعلقه به، ولو بني على لزوم
مراعاته لزم انسداد باب البراءة في الارتباطيات، لان العلم بحصول الغرض منوط بالاتيان بالأكثر، ولا فرق في لزوم رعايته بين
المقام وبين المركبات الارتباطية أصلا، ولذا التزم المصنف (قده) هناك بوجوب الاحتياط عقلا، فلا ينبغي التفكيك بين المقام وبين
الأقل والأكثر كما عن جماعة بجريان البراءة العقلية هناك، والاشتغال العقلي هنا، مع أن قضية لزوم مراعاة الغرض هي وجوب
الاحتياط العقلي في كلا البابين، والفرق بينهما باحتمال انطباق الجز أو الشرط على ما يحتمل دخله في الغرض في مسألة الأقل و
الأكثر الارتباطيين، وعدم احتمال الانطباق على ما يحتمل دخله في الغرض في مسألة قصد القربة ليس بفارق في وجوب الاحتياط عقلا،
وإنما يكون فارقا في البراءة الشرعية كما لا يخفى.
489

القربة، وهكذا الحال (1) في كل ما شك في دخله في الطاعة والخروج به عن العهدة مما لا يمكن اعتباره (2) في المأمور به كالوجه و
التمييز. نعم (3) يمكن أن
490

يقال: إن كل ما يحتمل بدوا دخله في الامتثال وكان مما يغفل عنه غالبا العامة كان على الامر بيانه ونصب قرينة على دخله واقعا، وإلا
لأخل بما هو همه وغرضه، أما إذا لم ينصب دلالة على دخله كشف (1) عن عدم دخله، وبذلك (2) يمكن القطع بعدم دخل الوجه والتمييز
في الطاعة بالعبادة، حيث ليس منهما عين ولا أثر (3) في الاخبار والآثار، وكانا مما يغفل عنه العامة وإن احتمل
491

اعتباره (1) بعض الخاصة (2)، فتدبر جيدا. ثم إنه (3) لا أظنك أن تتوهم وتقول: إن أدلة البراءة الشرعية مقتضية لعدم الاعتبار وإن
كان قضية الاشتغال عقلا هو الاعتبار (4)، لوضوح (5) أنه لا بد في عمومها (6) من شئ قابل للرفع والوضع شرعا
492

وليس (1) هاهنا، فإن (2) دخل قصد القربة ونحوها في الغرض ليس بشرعي، بل واقعي، ودخل (3) الجز والشرط فيه (4) وإن كان
كذلك (5) إلا أنهما (6) قابلان للوضع والرفع شرعا، فبدليل
493

الرفع (1) ولو كان أصلا يكشف أنه ليس هناك أمر فعلي بما (2) يعتبر (3) فيه المشكوك يجب الخروج عن عهدته عقلا (4)، بخلاف
المقام (5) فإنه علم بثبوت الامر الفعلي (6) كما عرفت (7)،
494

فافهم (1).
(المبحث السادس):
قضية إطلاق الصيغة (2) كون الوجوب نفسيا تعيينيا
495

عينيا، لكون كل واحد مما يقابلها يكون فيه تقييد الوجوب، وتضيق دائرته، فإذا كان في مقام البيان ولم ينصب قرينة عليه (1) فالحكمة
تقتضي كونه (2) مطلقا وجب هناك شئ آخر أو لا (3)، أتى بشئ آخر أو لا (4)، أتى به آخر أو لا (5) كما هو واضح لا يخفى.
(المبحث السابع) (6):
أنه اختلف القائلون بظهور صيغة الامر في الوجوب
496

وضعا أو إطلاقا (1) فيما (2) إذا وقع عقيب الحظر، أو في مقام توهمه (3) على أقوال (4) نسب إلى المشهور (5) ظهورها في الإباحة (6)،
وإلى بعض العامة (7) ظهورها في الوجوب، وإلى بعض (8) تبعيتها لما قبل النهي إن علق الامر بزوال
497

علة النهي إلى غير ذلك (1). والتحقيق (2) أنه لا مجال للتشبث بموارد الاستعمال فإنه قل مورد منها يكون خاليا عن قرينة على الوجوب
أو الإباحة أو التبعية، ومع فرض التجريد عنها لم يظهر بعد كون عقيب الحظر موجبا
498

لظهورها (1) في غير ما تكون ظاهرة فيه (2)، غاية الامر (3) يكون موجبا لاجمالها (4) غير ظاهرة في واحد منها (5) إلا بقرينة أخرى
(6) كما أشرنا (7).
(المبحث الثامن):
الحق أن صيغة الامر مطلقا (8) لا دلالة لها على المرة ولا التكرار (9)، فإن (10) المنصرف عنها (11) ليس إلا طلب إيجاد الطبيعة
499

المأمور بها، فلا دلالة لها (1) على أحدهما (2) لا بهيئتها ولا بمادتها (3)، والاكتفاء (4) بالمرة فإنما (5) هو لحصول الامتثال بها في
الامر بالطبيعة، كما لا يخفى. ثم لا يذهب عليك (6) أن الاتفاق على أن المصدر المجرد عن اللام
500

والتنوين لا يدل إلا على الماهية على ما حكاه السكاكي لا يوجب (1) كون النزاع هاهنا في الهيئة كما في الفصول، فإنه غفلة وذهول عن
أن كون المصدر كذلك (2)
501

لا يوجب [1] الاتفاق على أن مادة الصيغة لا تدل إلا على الماهية، ضرورة (1) أن المصدر ليس مادة لسائر (2) المشتقات، بل هو (3) صيغة
مثلها، كيف (4)؟ وقد عرفت في باب المشتق مباينة المصدر وسائر المشتقات بحسب المعنى (5)، فكيف (6) بمعناه يكون مادة لها؟
فعليه (7) يمكن دعوى اعتبار المرة أو التكرار في مادتها (8) كما لا يخفى.

[1] بل يوجبه، لان الاتفاق على عدم دلالة المصدر على المرة والتكرار يدل على عدم دلالة مادته عليهما في ضمن أي هيئة كانت، ومن
المعلوم انحفاظ مادة المصدر في المشتقات، فتدبر.
502

إن قلت (1) فما معنى ما اشتهر من كون المصدر أصلا في الكلام قلت (2): - مع (3) أنه محل الخلاف - معناه (4) أن الذي وضع أولا
بالوضع الشخصي ثم بملاحظته وضع نوعيا أو شخصيا
503

سائر (1) الصيغ التي تناسبه (2) مما (3) جمعه معه (4) مادة (5) لفظ متصورة (6) في كل منها، ومنه (7) بصورة (8) ومعنى (9)
504

كذلك (1) هو (2) المصدر (3) أو الفعل (4)، فافهم (5). ثم المراد بالمرة والتكرار هل هو الدفعة (6) والدفعات أو الفرد والافراد؟ و
التحقيق أن
505

يقعا (1) بكلا المعنيين محل النزاع وإن كان لفظهما (2) ظاهرا في المعنى الأول (3).
وتوهم (4) أنه لو أريد بالمرة الفرد (لكان الأنسب (5)، بل اللازم أن يجعل هذا المبحث تتمة للمبحث الآتي من (6) أن الامر هل يتعلق
بالطبيعة أو بالفرد؟ فيقال عند ذلك (7): وعلى تقدير تعلقه بالفرد هل يقتضي التعلق بالفرد الواحد
506

أو المتعدد، أو لا يقتضي شيئا منهما، ولم يحتج (1) إلى إفراد كل منهما بالبحث كما فعلوه) وأما لو أريد بها (2) الدفعة فلا علقة بين
المسألتين (3) كما لا يخفى
507

فاسد (1)، لعدم العلقة بينهما لو أريد بها الفرد أيضا، فإن الطلب على القول بالطبيعة إنما يتعلق بها باعتبار وجودها في الخارج،
ضرورة أن الطبيعة من حيث هي ليست إلا هي، لا مطلوبة ولا غير مطلوبة، وبهذا
508

الاعتبار (1) كانت مرددة بين المرة والتكرار بكلا المعنيين، فيصح النزاع في دلالة الصيغة على المرة والتكرار بالمعنيين وعدمها (2)،
أما بالمعنى الأول فواضح (3)، وأما بالمعنى الثاني، فلوضوح أن المراد من الفرد أو الافراد (4) وجود واحد، أو وجودات، وإنما عبر
بالفرد (5)، لان وجود الطبيعة في الخارج هو الفرد، غاية الامر (6) خصوصيته

[1]
الحق أن البحث عن دلالة الصيغة على المرة والتكرار بكلا المعنيين المتقدمين من الأبحاث الساقطة، إذ الدلالة المزبورة لا بد أن
تكون مستندة إلى
509



المادة أو الهيئة، وقد عرفت في التعليقة عدم دلالة المادة على ذلك. وأما الهيئة فقد تقدم في المعاني الحرفية أنها موضوعة للنسب و
الارتباطات، فهيئة الامر وضعت للنسبة الطلبية وإيقاع المادة على الفاعل، ولا دلالة لها على مرة ولا تكرار ولا فور ولا تراخ.
نعم لا بأس بالنزاع في دلالة صيغة الامر بوضع آخر غير وضع المادة والهيئة على المرة والتكرار، لكن الظاهر أنه مما لم يدعه أحد، مع
أن الأصل عدمه، فالحق سقوط هذا البحث من أصله. ويمكن توجيه كلام القدماء المتعرضين لهذا البحث - لبعد خطئهم مع علو مقامهم
العلمي - بأن مقصودهم بدلالة الصيغة على المرة أو التكرار هو: أن إطلاق الصيغة هل يقتضي مطلوبية الطبيعة بوجودها الساري في
أفرادها أم مطلوبية صرف وجودها؟ وبعبارة أخرى: هل يقتضي إطلاق الصيغة سريان المطلوبية إلى جميع وجودات الطبيعة أم
اختصاصها بأول وجودها؟ وهذا المعنى مما يليق بالبحث عنه، لا أن معنى الصيغة هل هو المرة أم التكرار؟ فإن فساده كما عرفت غني
عن البيان. لكن التوجيه المزبور بعيد عن ظاهر عبائرهم، حيث إنهم عبروا بالدلالة الظاهرة في كون الموضوع له هو المرة أو التكرار.
وكيف كان فالذي ينبغي أن يقال: إن الطلب يسري إلى جميع أفراد الطبيعة إن كان لمتعلقه موضوع خارجي كوجوب الامر بالمعروف،
وحفظ نفس المؤمن، وتجهيز الميت، وغير ذلك مما يكون لمتعلق الطلب موضوع خارجي.
إلا إذا دل من الخارج ما يمنع عن ذلك، ويقتضي مطلوبية صرف الوجود كوجوب الغسل والوضوء، فإن قاعدة الانحلال وإن كانت
مقتضية للتكرار ومطلوبية هذه
510



المتعلقات بجميع وجوداتها، إلا أنه قام الدليل على مطلوبية صرف وجودها، لتحقق الطهارة به. وإن لم يكن لمتعلقه موضوع خارجي لا
يسري الطلب إلى غير أول وجودات الطبيعة المأمور بها، لانطباقها عليه، فيجزي عقلا، فيسقط الامر، والمفروض عدم موضوع خارجي
لمتعلق الطلب تقوم به المصلحة حتى يقال بلزوم سريان الطلب إلى سائر الافراد، لعدم مرجح لاختصاصه بأول الوجود بعد فرض كون
سائر الوجودات مثله في قيام الملاك الداعي إلى الطلب بها، فمقتضى قاعدة قبح الترجيح بلا مرجح مطلوبية جميع الوجودات، إلا إذا قام
دليل من الخارج على خلافه.
وبالجملة: فقاعدة الانحلال محكمة ما لم يقم دليل على خلافها، وإذا فرض عدم تماميتها فالمرجع في الزائد على المرة أصالة البراءة،
لكون الشك فيه شكا في التكليف، وفي المرة نفس الخطاب، لدلالته على مطلوبية إيجاد الطبيعة، ونقض عدمها المحمولي بالوجود
كذلك، ومن المعلوم: تحقق ذلك بأول وجودها، فالاكتفاء بالمرة إنما هو لأجل طارديتها للعدم التي هي قضية الامر. فتلخص مما
ذكرناه أمور:
الأول: أن النزاع في دلالة الصيغة على المرة أو التكرار ساقط عن درجة الاعتبار.
الثاني: أنه يمكن توجيه نزاع القدماء في ذلك بما مر.
الثالث: أنه يرجع إلى قاعدة الانحلال فيما لم تنهض حجة على خلافها.
الرابع: أن الأصل العملي بعد فرض وصول النوبة إليه يقتضي عدم وجوب ما عدا أول الوجود من الوجودات.
511

وتشخصه (1) على القول بتعلق الامر بالطبائع يلازم المطلوب وخارج عنه (2)، بخلاف القول بتعلقه بالافراد، فإنه (3) مما يقومه.
تنبيه (4):
لا إشكال بناء على القول بالمرة في الامتثال، وأنه لا مجال للاتيان بالمأمور به (5) ثانيا على أن يكون
512

أيضا (1) به الامتثال، فإنه من الامتثال بعد الامتثال، وأما على المختار من دلالته (2) على طلب الطبيعة من دون دلالة على المرة ولا على
التكرار، فلا يخلو الحال إما أن لا يكون هناك إطلاق الصيغة في مقام البيان، بل في مقام الاهمال، أو الاجمال، فالمرجع هو الأصل، وإما
أن يكون إطلاقها في ذلك المقام (3) فلا إشكال في الاكتفاء بالمرة في الامتثال (4)، وإنما الاشكال (5) في جواز
513

أن لا يقتصر عليها، فإن لازم إطلاق الطبيعة المأمور بها هو الاتيان بها مرة أو مرارا (1)، لا لزوم الاقتصار على المرة كما لا يخفى. و
التحقيق: أن قضية الاطلاق إنما هو جواز الاتيان بها مرة في ضمن فرد أو أفراد (2)، فيكون إيجادها (3) في ضمنها (4) نحوا من الامتثال
كإيجادها (5) في ضمن الواحد، لا جواز الاتيان بها (6) مرة
514

ومرات (1)، فإنه (2) مع الاتيان بها (3) مرة لا محالة يحصل الامتثال ويسقط به الامر فيما (4) إذا كان امتثال الامر علة تامة لحصول
الغرض الأقصى بحيث يحصل بمجرده (5)، فلا يبقى معه (6) مجال لاتيانه ثانيا بداعي امتثال آخر (7)، أو بداعي (8) أن يكون الاتيانان
امتثالا واحدا،
515

لما عرفت (1) من حصول الموافقة بإتيانها (2)، وسقوط (3) الغرض معها، وسقوط (4) الامر بسقوطه، فلا يبقى مجال لامتثاله أصلا (5).
وأما (6) إذا لم يكن الامتثال علة تامة لحصول الغرض كما إذا أمر بالماء ليشرب أو يتوضأ، فأتى به ولم يشرب أو لم يتوضأ فعلا، فلا
يبعد [1] صحة تبديل الامتثال بإتيان

[1]
بل في غاية البعد، لان الملاك الباعث للامر القائم بفعل المأمور بناء
516



على مذهب مشهور العدلية من قيام الملاكات بنفس الافعال لا بد وأن يترتب على الفعل، وإلا فلا فائدة في الامر، ضرورة أن الامر إنما
يكون لحفظ الملاكات واستيفائها، فلو لم يكن الفعل المتعلق للامر وافيا بالغرض وهو الملاك، فيلغو الامر، وهو قبيح على العاقل فضلا
عن الحكيم، ومقتضى ذلك عدم دخل إرادة الفاعل المختار غير إرادة المأمور في الغرض، إذ لو كان لها دخل فيه لما كان ذلك مسببا
توليديا لفعل المأمور، ولما تمكن المأمور من استيفائه بفعله، وهذا خلاف حكمة الامر. وببيان أوضح: الملاكات من الأمور الخارجية و
الخواص التكوينية المترتبة على الافعال، فلا بد في صحة الامر من وفاء متعلقه بالغرض. وعليه فلا معنى لصحة تبديل الامتثال، بل
الاتيان الأول واف بالغرض، فيسقط الامر، فالامتثال علة تامة لسقوط كل من الغرض والامر. لا يقال: إن ما دل من الروايات في الصلاة
المعادة جماعة على أن الله تعالى يختار أحبهما إليه) أقوى دليل على جواز تبديل الامتثال، وعلى عدم كون الوجود الأول علة تامة
للامتثال وسقوط الامر. فإنه يقال: إن الامتثال المترتب على انطباق المأمور به على المأتي به عقلي، وليس منوطا بإرادة أحد، بل يمتنع
إناطته بها، لصيرورة الفعل المتعلق للامر حينئذ غير مقدور للمأمور، فالامتثال ليس مترتبا على شئ غير انطباق المأمور به على
المأتي به، وهو قهري، وهذا كله واضح لا غبار عليه، وليس في العقل والنقل ما ينافي ذلك، وروايات الصلاة المعادة لا تنافيه، لأنها في
مقام بيان القبول، لا الاجزاء الذي هو مورد البحث، فإن قولهم عليهم السلام: (يختار أحبهما أو أفضلهما إليه) كالصريح في ذلك. نعم لو
كانت العبارة هكذا: (يجزى
517

فرد آخر أحسن منه (1)، بل مطلقا (2) كما كان له

أو يصح أحبهما إليه) كان منافيا لما ذكرناه، ففي مثل الصلاة المعادة نقول: إن المطلوب متعدد، حيث إن نفس الطبيعة كالصلاة مطلوب،
والخصوصية - وهي إتيانها جماعة مثلا - مطلوب آخر، فإذا أتى بالصلاة فرادى يسقط الامر المتعلق بالطبيعة، لانطباقها على المأتي به
قهرا الموجب للاجزاء عقلا، ويبقى أمر الخصوصية، وحيث إنه لا يمكن امتثاله إلا بإعادة الصلاة، فتعاد استحبابا، للامر بتلك
الخصوصية، وبعد الاتيان بها ثانيا معها يختار الله عز وجل ويقبل أحبهما إليه من حيث شرائط القبول. وقد ظهر مما ذكرنا: أن
الغرض من الامر بإحضار الماء للشرب أو الوضوء هو التمكن منهما، لا ترتبهما عليه فعلا، لما مر من امتناع دخل إرادة غير المأمور في
ترتب الغرض على متعلق الامر، فليس الغرض الداعي إلى الامر إلا حصول التمكن من الشرب والوضوء المتحقق بنفس إحضار الماء
الموجب لسقوط الامر، فلو أمر المولى بعد ذلك بإحضار الماء أيضا، فلا بد أن يكون ذلك لغرض آخر غير التمكن المزبور، كما إذا أمر
ثانيا لادراك خصوصية، كبرودة الماء، أو صفائه، أو غيرهما، فإنه يرجع ذلك إلى غرض آخر غير الغرض القائم بالفرد السابق، فجواز
تبديل الامتثال - بعد فرض كونه مترتبا على انطباق المأمور به على المأتي به - مما لا يخلو من الغموض، فالامتثال علة تامة لسقوط
الامر والغرض فتأمل جيدا.
518

ذلك (1) قبله على ما يأتي بيانه في الاجزاء.
(المبحث التاسع)
الحق: أنه لا دلالة للصيغة لا على الفور ولا على التراخي (2)، نعم (3) قضية إطلاقها (4) جواز التراخي، والدليل عليه (5) تبادر طلب إيجاد
الطبيعة منها (6) بلا دلالة على تقييدها بأحدهما (7)، فلا بد في التقييد من دلالة أخرى (8) كما ادعى دلالة غير واحدة من الآيات (9) على
519

الفورية، وفيه منع، ضرورة أن سياق آية (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) وكذا آية (واستبقوا الخيرات) إنما هو البعث نحو المسارعة
إلى المغفرة، والاستباق إلى الخير من دون استتباع تركهما (1) للغضب والشر، ضرورة أن تركهما (2) لو كان مستتبعا للغضب و
الشر كان البعث بالتحذير
520

عنهما (1) أنسب كما لا يخفى، فافهم (2). مع (3) لزوم كثرة تخصيصه (4) في المستحبات، وكثير من الواجبات، بل أكثرها (5)، فلا بد
من حمل الصيغة
521

فيهما على خصوص الندب، أو مطلق الطلب، ولا يبعد (1) دعوى استقلال العقل بحسن المسارعة والاستباق، وكان ما ورد من الآيات و
الروايات في (2) مقام البعث نحوه (3) إرشادا (4) إلى ذلك (5) كالآيات والروايات الواردة في الحث على أصل الطاعة (6)، فيكون الامر
فيها (7) لما (8) يترتب على المادة بنفسها،
522

ولو لم يكن هناك أمر بها (1) كما هو الشأن في الأوامر الارشادية، فافهم (2).
تتمة:
بناء على القول بالفور فهل قضية الامر الاتيان فورا ففورا بحيث لو عصى لوجب عليه الاتيان به فورا أيضا (3) في الزمان الثاني أو لا؟
523

وجهان مبنيان على أن مفاد الصيغة على هذا القول (1) هو وحدة المطلوب (2) أو تعدده [1 [3
ولا يخفى أنه لو قيل

[1]
ينبغي البحث هنا في مقامين:
الأول: في محتملات تعدد المطلوب ثبوتا.
والثاني: فيما تدل عليه الصيغة إثباتا.
أما المقام الأول، فملخص الكلام فيه: أن تعدد المطلوب يتصور على وجهين:
أحدهما: أن تكون هناك مصلحة قائمة بنفس الطبيعة، ومصلحة قائمة بالفورية في الزمان الأول فقط، فإذا فاتت تلك الفورية فاتت
مصلحتها، فيسقط الامر بالفورية، وبقي الامر بالطبيعة، فيأتي بها متى شاء.
ثانيهما: أن تكون المصلحة القائمة بالفور ذات مراتب، فالاخلال بالفورية في كل زمان يكون مفوتا لمرتبة من مراتب مصلحتها، وتبقى
المراتب الاخر منها، ولازمه وجوب الاتيان بالمأمور به فورا ففورا كما لا يخفى.
وأما المقام الثاني، فنخبة الكلام فيه: أن مقتضى إطلاق دليل الفور
524

بدلالتها (1) على الفورية لما كان لها (2) دلالة على نحو المطلوب من وحدته أو تعدده، فتدبر جيدا.

من الصيغة أو غيرها من الأدلة هو اعتبار الفورية مطلقا، إذ لو كان مختصا بالزمان الأول لكان اللازم التنبيه عليه، لأنه تقييد للفورية،
نعم إذا كان الدليل في مقام التشريع، وبيان كون الفور واجبا في الجملة، فلا بد حينئذ من الرجوع إلى الأصل، ومقتضاه البراءة عن
الوجوب بالنسبة إلى ما عدا الزمان الأول، لأنه قيد زائد يحتاج ثبوتا وإثباتا إلى مئونة زائدة، سواء أقلنا بكون الفور من قيود المتعلق
أم واجبا مستقلا، لجريان البراءة على كلا التقديرين، هذا إذا كان الشك في وجوب الفور فيما بعد الزمان الأول بدويا. وأما إذا علم
إجمالا بوجوب أحد الامرين من الفور والتراخي فمقتضى تنجيز العلم الاجمالي لزوم الجمع عقلا بين الوظيفتين، وإذا شك في وجوب
التراخي بعد الزمان الأول الذي فاتت فيه الفورية الواجبة جرى فيه أصل البراءة، كجريانها في الشك في وجوب الفور بعد الزمان الأول
بدويا.
525