الكتاب: منتهى الدراية
المؤلف: السيد محمد جعفر الشوشتري
الجزء: ٤
الوفاة: معاصر
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة: الثالثة
سنة الطبع: ١٤١٤
المطبعة: امير - قم المقدسة
الناشر: مؤسسة دار الكتاب (الجزائري) للطباعة والنشر
ردمك:
ملاحظات:

منتهى الدراية
في
توضيح الكفاية
تأليف
السيد محمد جعفر الجزائري المروج
الجزء الرابع
1

منتهى الدراية في توضيح الكفاية
آية الله السيد محمد جعفر الجزائري المروج
الجزء الرابع
الطبعة الثالثة 1414
مطبعة أمير - قم المقدسة
العدد 1500 نسخة
الناشر
مؤسسة دار الكتاب (الجزائري)
للطباعة والنشر
تليفون وفاكس 24568
شارع ارم - قم - ايران
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل صلواته على أشرف أنبيائه محمد وآله
الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين.
أما بعد، فهذا هو الجزء الرابع من كتابنا (منتهى الدراية في توضيح الكفاية)
وقد أجريناه على منوال أجزائه الثلاثة المتقدمة، فجعلنا المتن في أعلى الصفحة
وتوضيحه تحته مع الإشارة إليه بالأرقام: 1 و 2 و 3، وتعاليقنا تحتهما بعلامة (*)
وحواشي المصنف برمز (×) متوكلا على ربي عز وجل، ومتوسلا بولي أمره
الإمام الثاني عشر صلى الله عليه وعلى آبائه الطاهرين ما طلعت الشمس وأضاء
القمر، وعجل الله فرجه الشريف.
3

المقصد السادس
في بيان الأمارات المعتبرة شرعا (1) أو عقلا (2)
وقبل الخوض في ذلك (3) لا بأس بصرف الكلام إلى بيان بعض
ما للقطع من (4) الأحكام وان كان خارجا (5)
5

من مسائل الفن [1]

[1] قد يقال: ان مسألة التجري من مسائل علم الأصول بتقريب: أن
البحث في التجري إذا كان بحثا عن تعنون الفعل المتجري به بعنوان
قبيح ملازم للحرمة بقاعدة الملازمة اندرج في مسائل الفن.
لكن فيه أولا: أن المسألة الأصولية هي نفس الملازمة بين حكم العقل و
الشرع كمسألة حجية خبر الثقة، دون البحث عن قبح شئ عقلا،
فإنه راجع
6

وكان أشبه [1 [1

إلى تنقيح صغرى من صغريات قاعدة الملازمة، فهو كالبحث عن كون
راوي الخبر ثقة في الخروج عن المسائل الأصولية.
والحاصل: أن البحث عن الملازمة بين القبح العقلي والحرمة الشرعية
داخل في علم الأصول، وأما البحث عن ثبوت القبح العقلي لفعل
بعنوان التجري مثلا وعدمه فهو داخل في المبادي.
وثانيا: - بعد الغض عن ذلك - أنه أجنبي عن قاعدة الملازمة، إذ
مصبها خصوص الحكم العقلي الواقع في سلسلة علل الاحكام، لا
معلولاتها كالمقام، فان قبح التجري كقبح المعصية انما هو لأجل كونه
تمردا على المولى ومخالفة لما اعتقده من التكليف، ومن المعلوم
أن هذا القبح واقع في سلسلة معلولات الاحكام لا عللها.
نعم تندرج مسألة حجية العلم الاجمالي - وكونها بنحو الاقتضاء أو
العلية أو التفصيل بين وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة
كذلك
بالاقتضاء في الأول والعلية التامة في الثاني - في علم الأصول كحجية
الامارات غير العلمية، لان مرجع البحث فيه إلى أصل الحجية أو
كيفيتها أو كميتها.
وأما البحث عن قيام الامارات غير العلمية مقام القطع الطريقي و
عدمه فهو من المباحث المتعلقة بالامارات وأجنبي عن أحكام القطع
و
أبحاثه من غير فرق في ذلك بين تنزيل الامارة منزلة القطع وبين تنزيل
المؤدى بما هو مؤدى الامارة منزلة الواقع المقطوع به.
فالأولى ذكر قيام الامارات غير العلمية مقام القطع الطريقي في مباحث
الامارات كما لا يخفى.
[1] التعبير بالأشبه لا يخلو من المسامحة بعد وضوح تعدد جهات
البحث
7

بمسائل الكلام، لشدة (1) مناسبته (2) مع المقام (3)، فاعلم: أن البالغ
[1 [4

في القطع الموجب لكونه مسألة كلامية تارة وأصولية أخرى، وعليه
فالأولى أن يقال: (ان مسألة القطع وان كانت من جهة كلامية، لكن
لما كان فيها جهة أصولية أيضا صح إدراجها في علم الأصول). وما في
حاشية بعض المدققين (قده) من بيان وجه الأشبهية بقوله: (حيث إن
مرجع البحث إلى حسن معاقبة الشارع على مخالفة المقطوع به
صحت دعوى أنها أشبه بمسائل الكلام) غير ظاهر، حيث إن ما أفاده
(قده) بيان لوجه كونه من نفس المسائل الكلامية، لا لأشبهيته بها،
فتدبر.
[1] المراد به خصوص المجتهد، كما أنه الظاهر من (المكلف) في عبارة
شيخنا الأعظم أيضا - خلافا لما اختاره المصنف في حاشية
الرسائل
8



بقوله: (ولا خصوص من بلغ درجة الاجتهاد)، لما فيه من الضعف كما
سيظهر - فلا يشمل العامي، لان الموضوع وان كان بحسب الظاهر
عاما، الا أن أخصية المحمول قرينة على كونه خاصا أيضا، إذ لا يعقل
حمل الخاص على العام، ضرورة عدم اتحاده مع الموضوع المصحح
لحمله عليه كقولنا: (الحيوان إنسان) فإنه يمتنع أن يكون الانسان
بخصوصيته متحدا مع الحيوان مع بقائه على عمومه. وهذا نظير ما
دل
على وجوب الحج على المكلف المستطيع، فإنه لا شك في لزوم
تقييد المكلف مطلقا - سواء كان المقيد عقليا أم نقليا - بخصوص
المستطيع وان كان هو أعم منه ومن غيره. وعليه، فالمكلف وان كان
بإطلاقه شاملا للمجتهد وغيره، الا أن انقسامه إلى القاطع بالحكم
والظان به والشاك فيه يقيده بخصوص المجتهد، لتوقف تشخيص
الظن المعتبر عن غيره وتنقيح مجاري الأصول للشاك على الاجتهاد،
لعدم حصول الشرائط لغير المجتهد، فلا محالة يختص المكلف في
المقام بالمجتهد. وحجية القطع بالحكم على المكلف مطلقا وان لم
يكن مجتهدا لا توجب إرادة مطلق المكلف وان كان عاميا، وذلك
9



لان المكلف المنقسم إلى مجموع الأقسام أعني القاطع والظان و
الشاك ليس الا المجتهد كما هو واضح.
والحاصل: أن المكلف الناظر إلى الأدلة الذي يحصل له العلم بالحكم
أو الظن به أو الشك فيه ليس الا المجتهد.
ومما ذكرنا يظهر ضعف دعوى (أعمية المكلف من المجتهد و
العامي، غاية الامر أن المجتهد نائب عن العامي في استنباط الاحكام،
لا أن
عجزه يوجب اختصاص المكلف بالمجتهد) وذلك لان المجتهد
حين مراجعة الأدلة واستنباط الاحكام الكلية منها لا يرى نفسه نائبا
عن
الغير في استنباطها، بل هو غافل عن النيابة غالبا فلا يقصدها مع أنها
متقومة بالقصد، بل يكون رجوع الجاهل إليه أمرا فطريا
ارتكازيا من باب رجوع الجاهل إلى العالم، لا من باب رجوع المنوب
عنه إلى النائب، إذ الاجتهاد واجب كفائي، فالمجتهد المستنبط
للحكم يأتي بواجبة الكفائي، كسائر الواجبات الكفائية التي يأتي بها
هو وغيره من المكلفين عن أنفسهم لا عن غيرهم نيابة، فلا ربط
لباب النيابة بالمقام أصلا.
كما يظهر غموض دعوى الأعمية أيضا ببيان آخر وهو: (أن المجتهد
ينقح مجرى الأصل بحسب وظيفته، فان وظيفة المجتهد هي وظيفة
الإمام عليه السلام وهي بيان الاحكام المجعولة لموضوعاتها في
الشريعة المقدسة بنحو القضايا الحقيقية.) وذلك لان القيود
المذكورة
للمكلف قرينة على اختصاصه بالمجتهد. وأما أن بيان الاحكام بنحو
العموم وظيفة العالم كوظيفة الإمام عليه السلام، فهو أجنبي عما
نحن فيه، ولا يقتضي عموم المكلف لغير المجتهد،
10

الذي وضع عليه القلم إذا التفت (1)

حيث إن هنا مقامين مترتبين:
أحدهما: استنباط الحكم علما أو ظنا من الأدلة أو تعيين وظيفة الشاك
التي يقتضيها الأصل العملي.
ثانيهما: بيان ذلك الحكم المستنبط أو الوظيفة العملية لغيره، وكلامنا
فعلا في المقام الأول، ومن المعلوم أنه وظيفة المجتهد فقط.
وبعبارة أوضح: استنباط الاحكام من أدلتها وظيفة المجتهد. وأما
الاحكام المستخرجة منها فهي لكونها أحكام الله تعالى لموضوعاتها
مشتركة بين الكل، ولذا يجب تبليغها إلى العباد، فشك كل شاك بين
الاثنتين والثلاث مثلا وان كان موضوعا لوجوب البناء على
الأكثر، الا أن استنباط هذا الوجوب مختص بالمجتهد. وكما إذا قيل:
(يجب بيع مال الموكل أو المولى عليه بالقيمة السوقية) فان أمر
تشخيص هذه القيمة بيد أهل الخبرة، ولا فرق في الغير الذي يرجع
إليه بين المجتهد كما إذا كان الرجوع في الحكم الشرعي، وبين
غيره كأهل الخبرة بالقيم والأسعار كما إذا كان الرجوع فيهما لا في
نفس الحكم الشرعي.
[1] ومنه يظهر غموض ما أفاده سيدنا الأستاذ قدس سره في مجلس
11



الدرس من (أن المراد بالالتفات هو التفصيلي الحاصل من النظر إلى
الأدلة، دون الاجمالي الملازم للتكليف الدال عليه لفظ المكلف، إذ
الغافل يقبح تكليفه، فلا وجه لجعل المكلف أعم من المجتهد) وذلك
لان الالتفات شرط تنجز التكليف لا أصله، لما ثبت في محله من
اختلاف كيفية دخل الشرائط من البلوغ والعقل والقدرة والعلم في
التكليف. وعليه فالمراد (بالمكلف) في كلام الشيخ أيضا هو البالغ
العاقل، لأنه الذي وضع عليه قلم التكليف، لا خصوص من تنجز عليه.
فعدول المصنف عما في الرسائل من (المكلف) إلى قوله: (البالغ) ان
كان لأجل دخل الالتفات في نفس التكليف الموجب لتوضيحية قوله:
(إذا التفت) التي هي خلاف الأصل في القيود ففيه ما مر آنفا من أن
الالتفات شرط تنجز التكليف لا نفسه. وان كان عدوله إليه لوجه آخر
فلا بد من النظر فيه.
وعليه فالغافل مكلف أيضا، غايته أنه معذور في مخالفة التكليف،
لعدم تنجزه عليه. ويشهد لذلك وجوب قضاء الصوم والصلاة عليه
مع
فوتهما غفلة عن وجوبهما حتى خرج الوقت وان قلنا بكون القضاء
بفرض جديد، ضرورة توقف صدق الفوت على ترك الواجب في
وقته، فلو كان الالتفات كالبلوغ والعقل شرطا في أصل التكليف لم
يكن وجه لوجوب القضاء عليه، إذ لا واجب حينئذ واقعا حتى يصدق
الفوت على تركه عن غفلة، فيتعين إرادة الالتفات الاجمالي هنا
المقابل للغفلة، لا التفصيلي الذي يترتب على مراجعة الأدلة.
فالنتيجة: أن
(المكلف) لا يدل على دخل الالتفات في نفس التكليف، ولو كان
المراد الالتفات التفصيلي، فلا وجه لان يقال: (اما أن يحصل له
القطع.)
بل لا بد أن
12

إلى حكم فعلي [1 [1 واقعي (2)

يقال: (الملتفت إلى الحكم الشرعي اما قاطع واما ظان واما شاك) و
ذلك لان ظاهر (يحصل) ترتب حصول القطع أو الشك على
الالتفات، فلا بد أن يكون المراد بالالتفات الاجمالي منه حتى يصح أن
يقال: (اما يحصل له. إلخ).
ولا يرد على ما أفاده (قده) من إرادة الالتفات التفصيلي ما قد يتوهم
من (منافاة الالتفات التفصيلي للشك الذي جعل من أقسام الالتفات)
وذلك لان المراد بالتفصيلي ليس هو العلم التفصيلي حتى ينافي
الشك الذي جعل من أقسامه، بل ما يترتب على النظر إلى الأدلة، ومن
المعلوم أن المترتب عليه اما علم واما ظن واما شك مستقر تجري فيه
الأصول العملية، بخلاف الالتفات الاجمالي، فإنه في معرض
الزوال، لتبدله بأحد هذه الأقسام الثلاثة، وهو منجز، ولذا لا يجري فيه
الأصل قبل الفحص عن الأدلة. وقد ظهر مما ذكرنا: أن قيد
الالتفات احترازي، لما مر من انقسام المكلف إلى الغافل والملتفت.
[1] لا وجه للتقييد بالفعلي المراد به ما وجد موضوعه خارجا كوجود
الاستطاعة بالنسبة إلى وجوب الحج، حيث إن وجوبه حينئذ فعلي
بوجود موضوعه، وذلك لان الحكم الذي يراد استنباطه أعم من
الحكم الموجود موضوعه في الخارج حين الاستنباط، ضرورة أن
المجتهد يستنبط هذا الحكم وحكم ما لم يوجد
13

أو ظاهري [1 [1

موضوعه خارجا على نهج واحد، كما إذا استنبط وجوب الزكاة على
من ملك أربعين شاة وان لم يكن أحد مالكا لها فعلا، وهذا الحكم مع
عدم كونه فعليا مورد ابتلاء المجتهد في مقام الفتوى، فالحكم الذي
يلتفت إليه المجتهد أعم من الفعلي والانشائي.
وان أراد المصنف (قده) بالانشائي ما ينشأ بداعي الامتحان ونحوه
دون البعث والزجر فهو خارج موضوعا عن الحكم، وتسميته به
مجاز.
فالمتحصل: أن الحكم بقسميه المزبورين داخل في محل البحث، و
التقييد بالفعلي ان أريد به إخراج الانشائي بمعنى جعل الحكم على
موضوعه المقدر وجوده كما هو شأن القضية الحقيقية فهو غير سديد.
وان أريد به إخراج الحكم المنشأ بداع آخر غير داعي البعث و
الزجر فهو خارج موضوعا عن الحكم، ولا حاجة في إخراجه إلى
التقييد بالفعلي.
[1] ويرد على تعميم الحكم للواقعي والظاهري:
أولا: أنه مبني على الحكم الظاهري، وهو محل تأمل، بل المصنف
أنكره في موارد الطرق والامارات كما سيأتي في محله إن شاء الله
تعالى.
14



وثانيا: - مضافا إلى عدم صحة جعل الطرق والأصول في عرض
القطع وعدم صيرورتهما مثله مندرجين في القطع بالحكم، لوضوح
كونهما في طوله لا في عرضه، كبداهة تأخر الأصول رتبة عن الطرق -
أنه يهدم أساس التقسيم، حيث إن القطع بالوظيفة الفعلية موجود
في جميع موارد الطرق والأصول العقلية والنقلية، فالمكلف حينئذ
عالم دائما بوظيفته الفعلية، ولا يبقى معه مجال للتقسيم أصلا، إذ لا
بد
في صحته من وجود المقسم في جميع الأقسام، فلو أريد من الحكم
خصوص الواقعي كان التقسيم سليما عن الاشكال، بخلاف ما لو أريد
به ما هو أعم من الواقعي والظاهري، فإنه لا يصح أن يقال: (المكلف
الملتفت اما عالم بالحكم الظاهري واما غير عالم به) ضرورة أنه
عالم بوظيفته الفعلية دائما ولا يتصور الشك فيها أصلا، فينهدم أساس
التقسيم الثنائي الذي صنعه المصنف قدس سره.
ومما ذكرنا ظهر عدم تصور الجهل بالوظيفة الفعلية أصلا.
وثالثا: أنه لا يلزم - بناء على تقسيم الشيخ (قده) - تداخل الأقسام
كما ادعاه المصنف (قده) وذلك لان مراده بالظن هو الظن المعتبر،
لتصريحه بذلك في أول البراءة، وأن حكم غير المعتبر منه حكم
الشك، كما أن مراده بالظن هو النوعي منه كما هو صريح كلامه في غير
موضع من كتابه.
وعليه فالطريق المعتبر - وان لم يفد الظن الشخصي - داخل في
الظن، فلا يدخل الظن في الشك ولا العكس.
فغرض الشيخ (قده) من التقسيم: أن الملتفت إلى الحكم الشرعي اما
يحصل له القطع الوجداني به أو التعبدي، واما لا يحصل له شئ
منهما،
ومرجعه على
15

متعلق به (1) أو بمقلديه [1 [2

الأخير الأصول المقررة للشاك مطلقا سواء حصل له الظن أم الشك،
فهذا التقسيم يكون بحسب حالات المكلف، وهو أولى من تقسيم
المصنف، لمحفوظية ما بين الأدلة من الطولية في تقسيم الشيخ دونه و
ان كان تقسيمه الثلاثي أمتن من الثنائي.
[1] يعني: أن الاحكام التي يستنبطها المجتهد لا تختص به بل تعم
مقلديه، توضيحه: أن عناوين موضوعات الأدلة والأصول لا تنطبق الا
على المجتهد، فإنه الذي جاءه النبأ أو جاءه الحديثان المتعارضان، و
هو الذي أيقن بالحكم الكلي وشك في بقائه، وهكذا، الا أن محذوره
عدم ارتباط حكم المقلد بالمجتهد، لان من له تصديق عملي ونقض
عملي أو إبقاء عملي في جملة من الموارد هو المقلد كأحكام الدماء
الثلاثة، فالمعنون بعنوان الموضوع - وهو المجتهد - ليس له تصديق
عملي ليخاطب به، ومن له تصديق عملي - وهو المقلد - لا ينطبق
عليه العنوان ليتوجه إليه التكليف.
وبالجملة: فاختصاص المكلف بالمجتهد - كما هو مقتضى المتن -
يوجب محذور خروج أدلة الاحكام التي لا يبتلي بها المجتهد و
يختص الابتلاء بها بالمقلد عن دائرة الأدلة التي يستنبط منها المجتهد
الاحكام الفقهية.
وقد دفع هذا المحذور بعض المدققين من المحشين (قده) بما أفاده
هنا وفي مباحث الاجتهاد والتقليد من: (أن أدلة الافتاء والاستفتاء
توجب تنزيل المجتهد منزلة المقلد، فيكون مجئ الخبر إليه بمنزلة
مجئ الخبر إلى مقلده،
16



ويقينه وشكه بمنزلة يقين مقلده وشكه، فالمجتهد هو المخاطب
عنوانا والمقلد هو المخاطب لبا، والا لكان تجويز الافتاء والاستفتاء
لغوا).
أقول: لا ريب في أن جميع الأحكام الفقهية من الطهارة إلى الديات
مورد ابتلاء المجتهد من حيث الاستنباط واستخراجها من أدلتها وان
لم يكن بعضها محل ابتلائه من حيث العمل كأحكام الدماء الثلاثة، فان
وظيفته من حيث إنه مجتهد استخراج الاحكام المجعولة
لموضوعاتها على نحو القضية الحقيقية سواء كانت متعلقة بعمل نفسه
أم مقلده، فيقول: (ان الحائض ذات العادة العددية مثلا إذا رأت الدم
بعد أيام العادة ولم يتجاوز العشرة وشك في كون الزائد حيضا، فلتبن
على حيضيته) أو (كل من شك في حلية شئ أو طهارته فليبن
على حليته أو طهارته).
وعلى هذا، فالأدلة متوجهة إلى المجتهد من حيث كونه ناظرا فيها و
مستنبطا للأحكام منها سواء كانت الاحكام المستخرجة منها متعلقة
بعمل نفسه أم غيره، ومعه لا حاجة إلى دعوى تنزيل المجتهد منزلة
المقلد.
مضافا إلى كونها خلاف الظاهر، حيث إن أدلة الافتاء والاستفتاء ظاهرة
في حجية فتوى المجتهد على غيره تعبدا أو إرشادا إلى ما هو
المرتكز عند العقلا من رجوع الجاهل بكل فن إلى العالم به، فإنها
مساوقة لقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر) ونظائره.
والحاصل: أن ظاهر أدلة الافتاء هو بيان الاحكام وتبليغها إلى العباد، و
تنزيل المفتي منزلة المستفتي أجنبي عن ظاهرها، ولا ينتقل
الذهن العرفي العاري عن الأوهام إليه. وكذا ظاهر أدلة الاستفتاء، فان
ظهورها في حجية الفتوى ولزوم الاخذ بها مما لا مساغ
لانكاره، ومع هذا الظهور لا يلزم اللغوية حتى
17

فاما أن يحصل له القطع أولا، وعلى الثاني (1)

تلجؤنا دلالة الاقتضاء إلى الالتزام بالتنزيل المزبور، فالأولى إسقاط
(متعلق به أو بمقلديه) حتى لا يقع أحد في حيص وبيص.
18

لا بد من انتهائه (1) إلى ما استقل به العقل من اتباع الظن لو حصل له
19

وقد تمت مقدمات الانسداد على تقدير الحكومة، والا (1) فالرجوع
إلى الأصول العقلية من البراءة والاشتغال والتخيير على تفصيل
يأتي في محله إن شاء الله تعالى.
وانما عممنا (2) متعلق القطع، لعدم اختصاص أحكامه (3) بما إذا
كان متعلقا بالأحكام الواقعية، وخصصنا (4) بالفعلي، لاختصاصها
(5)
20

بما إذا كان متعلقا به على ما ستطلع عليه، ولذلك (1) عدلنا عما في
رسالة شيخنا العلامة أعلى الله مقامه من تثليث الأقسام.
وان أبيت إلا عن ذلك (2) فالأولى أن يقال: (ان المكلف اما أن يحصل
له القطع أولا، وعلى الثاني اما أن يقوم عنده طريق معتبر أولا)
لئلا يتداخل الأقسام [1 [3 فيما يذكر لها من الاحكام، ومرجعه

[1] قد عرفت في التعليقة على قول المصنف (قده): (أو ظاهري)
تقريب عدم لزوم تداخل الأقسام.
21

على الأخير (1) إلى القواعد (2) المقررة (3) عقلا أو نقلا لغير القاطع
ومن (4)
22

يقوم [يقدم] عنده الطريق على تفصيل يأتي في محله إن شاء الله
تعالى حسبما يقتضي دليلها (1).
وكيف كان (2) فبيان
أحكام القطع وأقسامه يستدعي رسم أمور:
الأول:
لا شبهة (3) في وجوب العمل على وفق القطع
23

عقلا (1) ولزوم (2) الحركة على طبقه جزما، وكونه (3) موجبا لتنجز
التكليف الفعلي فيما أصاب باستحقاق [2 [4 الذم والعقاب على
مخالفته،

[1] لا يخفى أن مقتضى قوله (قده): (ما دام موجودا) هو دوران وجوب
العمل بالقطع مدار وجوده حدوثا وبقاء، ولازم ذلك ارتفاع
تنجيز العلم الاجمالي بخروج بعض الأطراف عن مورد الابتلاء أو
بالاضطرار إلى بعضها المعين أو غيره مطلقا وان كان بعد العلم
الاجمالي، لانتفاء العلم في الجميع. وليكن هذا في ذكر منك.
[2] ظاهر العبارة أن تنجز التكليف معلول لاستحقاق الذم والعقاب،
24

وعذرا (1) فيما أخطأ قصورا [1 [2 وتأثيره في ذلك (3) لازم، و
صريح الوجدان به (4) شاهد وحاكم،

مع أنه ليس كذلك، إذ استحقاقهما وكذا تنجز التكليف معلولان
للتكليف الواصل بالحجة إلى المكلف، فحق العبارة أن تكون هكذا: (و
كونه موجبا لتنجز التكليف أي: وصوله إلى المكلف، ولحكم العقل
باستحقاق الذم.).
[1] والنسبة بين لزوم العمل على طبق القطع وبين حجيته عموم مطلق
لأعمية لزوم العمل من الحجية، حيث إنه ثابت لكل فرد من أفراد
القطع، بخلاف الحجية التي تترتب عليها المنجزية والمعذرية، فإنها
ثابتة لبعض أفراده، ضرورة أن التأمين من العقوبة في صورة الخطأ
مختص بالقطع المخطئ عن قصور، فإذا كان عن تقصير في مقدماته لا
يكون ذلك القطع المخالف مؤمنا ومعذرا.
25

فلا حاجة إلى مزيد بيان وإقامة (1) برهان.
ولا يخفى أن ذلك (2) لا يكون بجعل جاعل،
26

لعدم (1) جعل تأليفي حقيقة بين الشئ ولوازمه، بل عرضا (2) بتبع [
يتبع] جعله (3) بسيطا.
27

وبذلك [) 1 ولذلك] انقدح امتناع المنع عن تأثيره (2) أيضا (3). مع
(4) أنه يلزم منه اجتماع الضدين اعتقادا مطلقا (5) وحقيقة (6) في
صورة الإصابة كما لا يخفى
28

ثم لا يذهب عليك (1) أن التكليف ما لم يبلغ مرتبة البعث والزجر
29

لم يصر فعليا، وما لم يصر فعليا لم يكد يبلغ مرتبة التنجز [1] و
استحقاق (1)

[1] لا يخفى ما في جعل التنجز من مراتب الحكم من الغموض، حيث إن
الحكم هو المجعول التشريعي في قبال المجعول التكويني، ومن
المعلوم أن التنجز - وهو وصول ذلك المجعول الشرعي بحجة من
علم أو علمي إلى المكلف - أجنبي عن هوية الحكم، نظير العلم
بسواد
جسم. مضافا إلى تأخر التنجز عنه، لعروضه عليه، فلا يكون من مراتب
الحكم، كعدم كون العلم بالسواد من مراتب السواد.
30

العقوبة على المخالفة وان كان ربما يوجب موافقته استحقاق المثوبة
(1) وذلك لان (2) الحكم ما لم يبلغ تلك المرتبة لم يكن حقيقة بأمر
ولا نهي، ولا مخالفته (3) عن عمد بعصيان، بل كان (4) مما سكت
الله عنه كما

والحاصل: أن التنجز من عوارض الحكم الذي هو فعل اختياري
للشارع وليس من مراتبه، كالسواد الضعيف الذي هو من مراتب
السواد.
وكذا الحال في الاقتضاء، فإنه ليس من مراتب المجعول التشريعي، بل
المقتضي للحكم - وهو الملاك - من الأمور الخارجية الأجنبية عن
المجعولات الاعتبارية التشريعية.
وعليه فليس للحكم الا مرتبتان: الانشاء والفعلية بمعنى البعث و
الزجر، لأنهما من أفعال الشارع، دون الاقتضاء والتنجز اللذين هما
أجنبيان عن الفعل التشريعي للشارع.
31

في الخبر (1)، فلاحظ وتدبر.
نعم (2) في كونه بهذه المرتبة (3) موردا للوظائف المقررة شرعا
للجاهل إشكال لزوم اجتماع الضدين (4)
32

أو المثلين (1) على ما يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى مع ما هو
التحقيق في دفعه في التوفيق بين الحكم الواقعي والظاهري، فانتظر.
الامر الثاني (2)
[1] قد عرفت أنه لا شبهة في أن القطع يوجب

[1] لا يخفى أن هذا البحث المسمى بالتجري وان ذكر في مباحث
القطع لكنه لا يختص به بل يعم مخالفة كل ما يجب متابعته بنظر العبد
سواء كان علما
33

استحقاق العقوبة (1) على المخالفة والمثوبة (2) على الموافقة في
صورة الإصابة (3) فهل يوجب استحقاقها (4) في صورة عدم الإصابة
على التجري (5) بمخالفته واستحقاق المثوبة على الانقياد بموافقته
أو لا يوجب شيئا؟ الحق أنه (6) يوجبه،

ثم إن تعرضهم لمبحث التجري في أحكام القطع اما لأنه أجلى الحجج
وأقواها، واما لعدم تسلم حجية الامارات غير العلمية من باب
الطريقية، للقول بكون حجيتها من باب السببية، فمخالفتها حينئذ
عصيان لا تجر.
35

لشهادة الوجدان بصحة مؤاخذته (1) وذمه على تجريه وهتك
حرمته لمولاه [1] وخروجه عن رسوم عبوديته، وكونه بصدد الطغيان
و
عزمه على العصيان، وصحة مثوبته (2) ومدحه على إقامته بما هو
قضية عبوديته من العزم (3) على موافقته والبناء على إطاعته وان
قلنا بأنه لا يستحق مؤاخذة [مؤاخذته] أو مثوبة [مثوبته] ما لم يعزم [2 [4

[1] الصواب أن تكون العبارة هكذا: (وهتكه لحرمة مولاه) أي: وهتك
العبد لحرمة مولاه، لان الحرمة للمولى لا للعبد. كما أن الصواب
أيضا في قوله:
(على إقامته) أن يقال: (على قيامه بما هو قضية.) أو (على إقامته على
ما هو.).
[2] بل لا يستحقهما ولو مع العزم على الجري على مقتضى سوء
سريرته
37



لان المناط في استحقاق العقوبة بنظر العقل هو الطغيان والتمرد و
الخروج عن زي العبودية ورسومها، لكونها من مصاديق الظلم على
المولى، ومن المعلوم عدم صدقه على مجرد قصدهما. كما أن من
المعلوم كون قبح التجري ذاتيا، لأنه ظلم، وليس بالوجوه والاعتبار
كما عليه الفصول. كما أن من المعلوم أيضا وحدة مناط استحقاق
العقوبة في العاصي والمتجري وهو هتك المولى والطغيان عليه، فلا
تعدد لمناطه في العاصي حتى يلتزم لأجله بتداخل العقابين كما عليه
الفصول أيضا، لان الظلم الذي هو قبيح عقلا ومناط لحكمه
باستحقاق العقوبة قطعا لا ينطبق الا على ما إذا تلبس بالفعل المتجري
به. وبه يظهر غموض ما في المتن من ترتب الاستحقاق على
مجرد القصد المزبور، لعدم كونه ظلما على المولى وتضييعا لحقه وان
كان مستحقا للذم على ذلك القصد.
كما يظهر أيضا غموض ما أفاده بعض الأعاظم (قده) من قوله: (فعدم
الاعتناء يكون عدم الاعتناء بالحجة لا بهما، فيكون جرأة من العبد
على مولاه فيكشف عن سوء سريرته وخبث طينته، لا أنه خالف
مولاه وعصاه، إذ المفروض أنه ليس في البين شئ من قبل المولى كي
يصدق عليها المخالفة) إذ لم يثبت كون المخالفة من حيث هي مناطا
لاستحقاق العقوبة، بل سببية المخالفة له انما هي لكونها مصداقا
للتمرد على المولى ولهتك حرمته، ولذا لو خالف الحكم غير المنجز
عليه كما في الشبهات البدوية بعد الفحص لم يستحق العقوبة مع
صدق
38



المخالفة قطعا، وعليه، فالمخالفة بنفسها لا تستلزم استحقاق العقوبة
ما لم ينطبق عليها عنوان هتك حرمة المولى والتمرد عليه، ولا
ريب في كون عدم الاعتناء بالحجة طغيانا على المولى وخروجا عن
رسوم العبودية، إذ لا موضوعية للحجة، وانما هي طريق لاحراز
مرامه، فمخالفة الحجة مصداق الهتك والطغيان وان لم تكن عصيانا
مصطلحا.
39

على المخالفة أو الموافقة بمجرد (1) سوء سريرته أو حسنها وان كان

[1] وبهذا العزم يستحق المثوبة على الانقياد أيضا فهو والتجري
يرتضعان من لبن واحد، ولا بد من الالتزام باستحقاق الثواب عليه، و
لذا أورد في حاشية الرسائل على ما أفاده شيخنا الأعظم في رابع
تنبيهات البراءة حيث فرق بين الانقياد والتجري بقوله: (ولا يلزم من
تسليم استحقاق الثواب على الانقياد بفعل الاحتياط استحقاق العقاب
بترك الاحتياط والتجري في الاقدام على ما يحتمل كونه مبغوضا)
قال المصنف معلقا على ذلك ما لفظه: (لا يخفى أن الظاهر بل
المقطوع أن التجري والانقياد كالإطاعة والعصيان توأمان يرتضعان
بلبن واحد، فان كان الانقياد موجبا لاستحقاق الثواب فليكن التجري
موجبا لاستحقاق العقاب.
نعم صحة التفضل بالثواب دون العقاب ربما يوجب تخيل التفاوت
بينهما، وهو فاسد، لان الكلام في الاستحقاق دون التفضل، و
التفاوت بينهما بحسب أحدهما لا يستلزم التفاوت بينهما بحسب
الاخر).
40

مستحقا للوم [للذم] أو المدح بما يستتبعانه (1) كسائر الصفات و
الأخلاق الذميمة أو الحسنة.
وبالجملة (2): ما دامت فيه صفة كامنة لا يستحق بها الا مدحا أو لوما [
أو ذما] وانما يستحق الجزاء بالمثوبة أو العقوبة مضافا إلى أحدهما
(3) إذا صار بصدد الجري على طبقها والعمل على وفقها (4) وجزم و
عزم (5)، وذلك (6) لعدم صحة مؤاخذته بمجرد سوء سريرته من
41

دون ذلك (1) وحسنها [وحسنه] معه، كما يشهد به (2) مراجعة
الوجدان الحاكم بالاستقلال في مثل باب الإطاعة والعصيان، وما
يستتبعان من (3) استحقاق النيران أو الجنان ولكن ذلك (4) مع بقاء
الفعل المتجري به أو المنقاد به على ما هو عليه من الحسن أو القبح
أو الوجوب [والوجوب]
42

أو الحرمة (1) واقعا بلا حدوث (2) تفاوت فيه بسبب تعلق القطع بغير
ما هو عليه من الحكم (3) والصفة (4)، ولا يغير (5) حسنه أو قبحه
بجهة أصلا،
43

ضرورة (1) أن القطع بالحسن أو القبح لا يكون من الوجوه و
الاعتبارات التي بها يكون (2) الحسن والقبح عقلا، ولا ملاكا (3)
للمحبوبية والمبغوضية شرعا، ضرورة (4) عدم تغير الفعل عما هو
عليه من المبغوضية والمحبوبية للمولى بسبب قطع العبد بكونه
محبوبا أو مبغوضا له،
44

فقتل (1) ابن المولى لا يكاد يخرج عن كونه مبغوضا له ولو اعتقد
العبد بأنه عدوه، وكذا قتل عدوه مع القطع بأنه ابنه لا يخرج عن كونه
محبوبا أبدا، هذا. مع أن (2) الفعل المتجري به أو المنقاد به بما هو
45

مقطوع الحرمة أو الوجوب لا يكون اختياريا، فان (1) القاطع لا يقصده
الا بما قطع أنه عليه من عنوانه الواقعي الاستقلالي (2) لا بعنوانه
الطاري الآلي (3)، بل (4) لا يكون غالبا بهذا العنوان مما يلتفت إليه،
فكيف يكون (5) من جهات الحسن أو القبح عقلا، ومن مناطات
الوجوب أو الحرمة شرعا؟ ولا يكاد (6) يكون صفة موجبة لذلك الا
إذا كانت اختيارية (7).
46

ان قلت (1): إذا لم يكن الفعل كذلك (2)، فلا وجه لاستحقاق العقوبة
على مخالفة القطع، وهل كان العقاب عليها (3) الا عقابا على ما ليس
بالاختيار.
قلت (4): العقاب
47

انما يكون على قصد العصيان [1]

[1] بل استحقاق العقوبة انما يكون على عنوان الهتك المنطبق على
الفعل المتجري به، لا على مجرد سوء السريرة، ولا على العزم على
الطغيان، ولا على كون الفعل معلوم الوجوب أو الحرمة، ولا على
كونه مقطوع الخمرية، أو مقطوع المحبوبية أو المبغوضية، فان شيئا
من هذه العناوين لا يوجب استحقاق العقاب، بل الموجب له هو
هتك حرمة المولى الذي لا يصدق الا على الفعل الصادر من العبد
بقصد
التمرد والطغيان، فلا يبقى مورد للاشكال على كون العقاب على قصد
العصيان عقابا على أمر غير اختياري.
والمناقشة في ذلك بأن الهتك أيضا خارج عن الاختيار، فلا يحسن
إناطة استحقاق العقوبة به، حيث إن شرب الماء الذي قطع بخمريته لم
يقصد، وما قصد وهو شرب الخمر لم يحصل، فالهتك المقصود غير
حاصل، والحاصل وهو شرب الماء غير مقصود. وبالجملة: فالهتك
كقصد العصيان غير اختياري لا يصح أن يكون مناطا لاستحقاق
العقاب.
مندفعة بالقطع بأن شرب معلوم الخمرية مع كونه ماء واقعا ليس من
الحركة القسرية ولا الطبعية، بل من الحركة الإرادية والفعل
الاختياري المتصف بالقبح عقلا، لوضوح أنه يصدق على الفعل
المتجري به كونه صادرا بالإرادة والاختيار، ومجرد الخطأ في تطبيق
الماء على الخمر لا يخرج هذا الشرب عن الأفعال الاختيارية الموجبة
لحسن العقوبة عليها نظير ضرب زيد باعتقاد أنه عمرو، فان
الخطأ في التطبيق لا يخرج هذا الضرب عن كونه فعلا إراديا وان لم
يصدق عليه الفعل العمدي الموضوع في باب الجنايات لاحكام
خاصة.
48

والعزم (1) على الطغيان، لا على الفعل الصادر بهذا العنوان (2) بلا
اختيار (3).
ان قلت (4): ان القصد والعزم انما يكون من مبادئ الاختيار، وهي
ليست باختيارية والا لتسلسل.

فالنتيجة: أن تعنون الفعل المتجري به بعنوان هتك الحرمة صدر عن
الاختيار بواسطة إحراز الحكم ولو كان مخالفا للواقع، وهذا
الاحراز جهة تعليلية لصدور الفعل عن النفس بإرادة واختيار، وهتك
الحرمة ظلم على المولى، بخلاف قصد العصيان، فإنه قصد للظلم لا
نفسه، فلا يحسن إناطة استحقاق العقاب به.
والحاصل: أن النفس بقيوميتها وفاعليتها تختار الهتك، فهو معلول
للنفس، لا للإرادة بمعنى الشوق المؤكد، نعم قد ترجح النفس بسببها
الفعل على الترك.
49

قلت (1): - مضافا إلى أن الاختيار وان لم يكن بالاختيار، الا أن
50

بعض مباديه (1) غالبا يكون وجوده بالاختيار، للتمكن من عدمه
بالتأمل فيما يترتب على ما عزم عليه (2) من تبعة العقوبة واللوم و
المذمة - يمكن أن يقال (3):
51

ان (1) حسن المؤاخذة والعقوبة انما يكون من تبعة بعده عن سيده
بتجريه (2) عليه كما كان من تبعته (3) بالعصيان في صورة
المصادفة، فكما أنه يوجب البعد عنه كذلك (4) لا غرو في أن يوجب
حسن العقوبة،
52

فإنه (1) وان لم يكن باختياره (×) الا أنه بسوء (2) سريرته وخبث
باطنه بحسب نقصانه واقتضاء استعداده ذاتا وإمكانا (3) [وإمكانه]

(×) كيف لا وكانت المعصية الموجبة لاستحقاق العقوبة غير اختيارية،
فإنها هي المخالفة العمدية وهي لا تكون بالاختيار، ضرورة أن
العمد إليها ليس باختياري، وانما تكون نفس المخالفة اختيارية، وهي
غير موجبة للاستحقاق، وانما الموجبة له هي العمدية منها، كما لا
يخفى على أولى النهي.
53

وإذا انتهي الامر إليه (1) يرتفع الاشكال وينقطع السؤال بلم، فان
الذاتيات ضروري (2) الثبوت للذات، وبذلك (3) أيضا ينقطع السؤال
عن أنه لم اختار الكافر والعاصي الكفر والعصيان والمطيع والمؤمن
الإطاعة والايمان؟ فإنه يساوق السؤال عن أن الحمار لم يكون
ناهقا والانسان لم يكون ناطقا [1]

[1] لا يخفى أن مرجع ما ذكره دعويان لا يمكن الالتزام بشئ منهما:
الأولى: أن الفعل الصادر تجريا ليس بعنوان كونه مقطوع الحرمة
اختياريا لأنه بهذا العنوان مغفول عنه.
54



الثانية: أن مناط استحقاق العقوبة - وهو العزم على التمرد والطغيان -
غير اختياري، لانتهائه إلى الشقاوة الذاتية التي لا تعلل.
وفي كلتا الدعويين ما لا يخفى، إذ في الأولى: أن الملتفت إليه أولا و
بالذات هو نفس القطع، والالتفات إلى المقطوع به انما يكون
بواسطته، فالقطع كالنور في كونه هو المرئي أولا وبالذات وأن الأشياء
ترى بسببه، ومع أصالته في إضاءة الأجسام كيف يغفل عنه؟
نعم لا بأس بإنكار الالتفات التفصيلي غالبا، لكنه ليس إنكارا لأصل
الالتفات ولو إجمالا، بل الالتفات التفصيلي في بعض الموارد
كالأحكام الشرعية مما لا يقبل الانكار.
وبالجملة: فالفعل المتجري به من جهة مصداقيته لهتك حرمة المولى
قبيح عقلا، ومنع قبحه لعدم كونه بعنوان مقطوع الحرمة اختياريا
حيث إنه بهذا العنوان مغفول عنه غير سديد، لما مر آنفا.
وفي الثانية: أن مناط استحقاق العقوبة هو نفس الفعل المتجري به
الذي هو فعل صادر بإرادة الفاعل واختياره، لما في نفسه من
القيومية والقدرة على الفعل والترك، فهذه الإرادة من أفعال النفس، و
قائمة بها نحو قيام صدوري، فان الله تعالى شأنه خلقها مختارة
فيما تشأ من فعل شئ أو تركه، وليس المراد بالإرادة هنا هو الشوق
المؤكد التي هي صفة نفسانية قائمة بها قياما حلوليا وخارجة عن
الاختيار ومنتهية إلى الشقاوة الذاتية.
والحاصل: أن مناط اختيارية الفعل هو صدوره عن إرادة ناشئة من
قيومية النفس التي هي بحسب خلقتها قادرة على الفعل والترك، و
متعلق التكاليف هو الفعل الصادر عن هذه الإرادة، لا الإرادة المنتهية
إلى الشقاوة الذاتية كما
55

وبالجملة: تفاوت أفراد الانسان في القرب منه جل شأنه وعظمت
كبرياؤه، والبعد عنه سبب لاختلافها في استحقاق الجنة ودرجاته و
النار ودركاتها، وموجب لتفاوتها في نيل الشفاعة وعدمها [وعدمه]
وتفاوتها في ذلك بالآخرة يكون ذاتيا، والذاتي لا يعلل.
ان قلت: على هذا (1) فلا فائدة في بعث الرسل وإنزال الكتب و
الوعظ والانذار.
قلت: ذلك (2) لينتفع به من حسنت سريرته وطابت طينته لتكمل

ذكره المصنف (قده) وأوقع نفسه الشريفة في حيص وبيص، هذا.
مضافا إلى: أن الإرادة المتوقفة على مباديها لا توجب خروج النفس
عن قدرتها على كل من الفعل والترك بحيث يصدر الفعل قهرا
كصدور الاحراق من النار، بل قيومية النفس باقية أيضا، غايته أن هذه
الإرادة قد تكون مرجحة للفعل على الترك فتختاره النفس لأجلها
على الترك، وقد لا تكون مرجحة له فلا تختاره فهذه الإرادة - بعد
تسليم كونها مرادة هنا - لا تسلب قدرة النفس وفاعليتها كما هو
ظاهر.
56

به (1) نفسه، ويخلص مع ربه أنسه (2)، ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا
الله، قال الله تبارك وتعالى: (فذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين) و
ليكون (3) حجة على من سأت سريرته وخبثت طينته ليهلك من
هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة كيلا يكون للناس على الله
حجة، بل كان له حجة بالغة.

[1] لا يخفى أن الفائدة الثانية لا تترتب على بعث الرسل، إذ المفروض
كون الشقاوة ذاتية، والذاتيات ضرورية الثبوت للذات، فيمتنع
زوال الخبث الذاتي بإرسال الرسل، فتنحصر فائدة البعث في انتفاع
المؤمن وتلغو بالنسبة إلى الكافر والعاصي، وهذا مما لا يمكن
التفوه به فضلا عن الاعتقاد به، للمفاسد الكثيرة المترتبة على ذلك
عصمنا الله تعالى عن الزلات.
الا أن يقال: ان المراد بالذاتي هو المقتضي لا العلة التامة، ومن المعلوم
إناطة ترتب الأثر على المقتضي بعدم المانع، ومع القدرة على
إيجاد المانع ينتفع الكافر والفاسق أيضا ببعث الرسل فلا تلزم لغوية
الفائدة الثانية هذا.
لكنك خبير بأن تنظير المقام بناطقية الانسان وناهقية الحمار يأبى عن
إرادة المقتضي من الذاتي، فتدبر.
57

ولا يخفى أن في الآيات (1) والروايات (2) شهادة على صحة ما
حكم
58

به الوجدان (1) الحاكم على الاطلاق في باب الاستحقاق للعقوبة و
المثوبة، ومعه (2) لا حاجة إلى ما استدل على استحقاق المتجري
للعقاب بما حاصله (أنه لولاه مع استحقاق العاصي له (3) يلزم إناطة
استحقاق
59



[1] الظاهر اندراج مفروض كلام الذخيرة بكلا شقيه في المعصية
الحقيقية وأجنبيته عن موضوع التجري، وكون استحقاق العقاب
حينئذ
بديهيا ومسلما عند الكل حتى من ينكر استحقاقه على التجري،
توضيحه: أنه - بناء على اعتبار دخل العلم بدخول الوقت شرعا في
الصلاة كما هو ظاهر كلام الذخيرة وبعض النصوص لا عقلا، لقاعدة
الاشتغال القاضية بلزوم تحصيل العلم بدخول الوقت مقدمة للعلم
بوقوع الصلاة المنوط به إحراز الامتثال - يكون الاتيان بالصلاة مع
الجهل بدخول الوقت أو باعتباره مع احتمال دخله في الصلاة إخلالا
عمديا بقيدها الشرعي من غير فرق في ذلك بين صورتي وقوع الصلاة
في الوقت وخارجه، لعدم الاتيان بالمأمور به فيهما على وجهه
كما هو صريح كلامه (قده) في تعليله لاستحقاق كليهما للعقاب
بذلك، بداهة صدق هذه العلة على كلتيهما، غاية الامر أن الصلاة في
إحداهما فاقدة لشرطين: أحدهما عدم
60



وقوعها في وقتها الواقعي، والاخر عدم إحراز وقتها، وفي الأخرى
فاقدة لشرط واحد وهو عدم إحراز وقتها مع وقوعها، وهذا لا
يوجب تفاوتا بينهما في صدق الاخلال العمدي بالشرط الشرعي وهو
إحراز الوقت، ومن المعلوم صدق العصيان على هذا الاخلال
الموجب لاستحقاق العقوبة في الصورتين، وأين هذا من التجري
المغاير للعصيان كشرب مقطوع الخمرية مع كونه خلا مثلا.
نعم بناء على عدم كون إحراز الوقت شرطا شرعيا بل مما تقتضيه
قاعدة الاشتغال، لتوقف يقين الفراغ عليه، فلا محيص عن صحة
الصلاة الواقعة في الوقت ولو مع الجهل به وعدم استحقاق العقاب،
للاتيان بالمأمور به على وجهه، إذ المفروض عدم كون الاحراز
شرطا شرعيا حتى يكون الاخلال بمراعاته ولو مع وقوع الصلاة في
الوقت عصيانا موجبا للبطلان واستحقاق العقاب.
61



لكن عبارة الذخيرة (لان استحقاق العقاب انما يكون لعدم الاتيان
بالمأمور به على وجهه) تعليلا لاستحقاق العقوبة في كلتا صورتي
وقوع الصلاة في الوقت وخارجه تدل بوضوح على قيدية العلم
بالوقت شرعا بحيث لا يكون الآتي بالصلاة في الوقت بدون العلم به
آتيا
بالمأمور به على وجهه، فيتضح حينئذ أجنبية كلام الذخيرة عن
التجري وعدم صحة الاستشهاد به عليه، ولعله لذلك - أي لدخل
العلم
بالوقت شرعا في صحة الصلاة - أبدل شيخنا الأعظم (قده) مثال
الجاهل بوقت الصلاة بشرب شخصين قطعا بخمرية مائعين، حيث إن
القطع بالخمرية طريق محض، ولا قيدية له بالنسبة إلى الموضوع و
حكمه الشرعي وان كان له موضوعية بالنسبة إلى الحكم العقلي من
التنجيز كما هو واضح.
62



فتلخص مما ذكرناه أمور:
الأول: أن ظاهر عبارة الذخيرة اعتبار إحراز دخول الوقت شرعا في
الصلاة كسائر الأمور المعتبرة فيها كذلك كالطهارة والاستقبال
والستر ونحوها بقرينة قوله: (لعدم الاتيان بالمأمور به على وجهه)
لظهور (على وجهه) في الوجه المعتبر شرعا في المأمور به، لا
الوجه المعتبر عقلا في العلم بامتثال الامر.
وقد تعرض لبعض الجهات المتعلقة بمسألة الجهل بوقت الصلاة
صاحب الفصول (قده) في أواخر مباحث الاجتهاد والتقليد.
الثاني: أجنبية مفروض كلام الذخيرة عن مبحث التجري الا بناء على
طريقية العلم بالوقت لا موضوعيته وقيديته، لكن الطريقية خلاف
ظاهر تعليله (قده) لاستحقاق العقوبة في كلتا الصورتين بعدم الاتيان
بالمأمور به على وجهه.
الثالث: مغايرة المثال المذكور في الرسائل لما في الذخيرة من مسألة
الوقت.
وقد ظهر مما ذكرنا: متانة تعليل استحقاق العقوبة في كلتا الصورتين
بما أفاده من: (عدم الاتيان بالمأمور به على وجهه) وعدم الحاجة
معه إلى قوله:
(لاستوائهما في الحركات الاختيارية الموجبة للمدح والذم إلخ) إذ
مجرد استوائهما في الأفعال الاختيارية بدون شرطية إحراز الوقت
شرعا لا يوجب استحقاق العقوبة في صورة وقوع الصلاة في الوقت،
لصحتها حينئذ مع فرض قصد القربة، ومع صحتها لا وجه للعقاب،
فالموجب لاستحقاق العقوبة في كلتا الصورتين هي الاخلال بالشرط
الشرعي أعني العلم بالوقت.
63

العقوبة بما هو خارج عن الاختيار من (1) مصادفة قطعه الخارجة (2)
عن تحت قدرته واختياره) مع (3) بطلانه وفساده، إذ (4) للخصم
أن يقول:
64

بأن استحقاق العاصي دونه انما هو لتحقق سبب الاستحقاق فيه (1) و
هو (2) مخالفته [1] عن عمد واختيار، وعدم (3) تحققه فيه لعدم
مخالفته (4)

[1] لا يخفى أن المخالفة التي تنتزع من المصادفة ليست فعلا اختياريا
حتى تصح إناطة استحقاق العقوبة عقلا بها، وقد ثبت في محله أن
ما يتصف بالحسن والقبح العقليين لا بد أن يكون فعلا اختياريا، ومن
المعلوم أن شيئا من المخالفة وتفويت الغرض وارتكاب
المبغوض لا يصلح لان يكون مناطا لاستحقاق العقوبة، لوجودها في
صورة الجهل أيضا مع عدم استحقاقها عقلا، وليس ذلك الا لأجل
عدم اختياريتها، فلا محيص عن كون مناطه فعلا اختياريا يقبحه
العقل، وهو في المقام منحصر بالفعل الصادر تجريا وطغيانا على
المولى وهتكا لحرمته، ومن المعلوم اشتراكه بين العاصي والمتجري،
فالدليل الرباعي الذي أفاده المحقق السبزواري (قده) المذكور
في الرسائل والمشار إليه في المتن
65

أصلا ولو بلا اختيار (1)، بل عدم (2) صدور فعل منه في بعض أفراده

يثبت المطلوب وهو استحقاق المتجري للعقاب كالعاصي. وجواب
المصنف (قده) عنه المذكور هنا وفي حاشيته على الرسائل بقوله:
(فان استحقاق من صادف قطعه انما هو لتحقق سببه وهو المخالفة
اختيارا. إلخ) مخدوش، لما عرفت من أن سبب الاستحقاق لا بد أن
يكون فعلا اختياريا وقبيحا عقليا حتى يناط استحقاق العقوبة به، و
المخالفة ليست اختيارية، لأنها منتزعة عن المصادفة، والذي صدر
اختيارا هو التمرد والطغيان والخروج عن رسوم العبودية، وهذا
66

بالاختيار [1] كما في التجري (1) بارتكاب ما قطع أنه من مصاديق
الحرام، كما إذا قطع مثلا بأن مائعا خمر مع أنه لم يكن بالخمر،
فيحتاج (2) إلى إثبات أن المخالفة الاعتقادية سبب كالواقعية
الاختيارية

سبب الاستحقاق في كل من المتجري والعاصي، فلا فرق بينهما في
استحقاق العقوبة أصلا.
وقد ظهر مما ذكرنا: أن الحاكم باستحقاق العقوبة في التجري
كالعصيان هو العقل لا الشرع بدعوى حرمته، لعدم قابلية التجري
للحرمة الشرعية بعد وضوح كونه كالعصيان واقعا في سلسلة معلولات
الاحكام لا عللها، فلو دل دليل نقلي على ترتب العقاب عليه كان
إرشادا إلى حكم العقل وقاصرا عن إثبات حرمته بالبرهان الآني،
كقصور قاعدة الملازمة عن إثباتها بالبرهان اللمي، حيث إن موردها
علل الاحكام لا معلولاتها، كما تقدم في بعض التعاليق. فالبحث عن
الجهة الفقهية وهي حرمة التجري ساقط رأسا، لعدم قابلية المورد
للحكم المولوي.
[1] فيه ما لا يخفى، إذ الحركة لا تخلو من كونها طبعية أو قسرية أو
إرادية، ومن المعلوم انتفاء الأوليين في المقام، فيتعين الأخير،
فشرب ماء قطع بخمريته فعل إرادي للشارب. وتخلف عنوان
الخمرية لا يقدح في إرادية شربه بعنوان التمرد على المولى كما مر في
بعض التعاليق.
67

كما عرفت (1) بما لا مزيد عليه.
ثم (2)
68

لا يذهب عليك أنه ليس (1) في المعصية الحقيقية الا منشأ واحد
لاستحقاق العقوبة - وهو هتك واحد - فلا وجه لاستحقاق عقابين
متداخلين كما توهم، مع (2) ضرورة أن المعصية الواحدة لا توجب الا
عقوبة واحدة، كما لا وجه لتداخلهما على تقدير استحقاقهما كما لا
يخفى.
ولا منشأ لتوهمه (3) الا بداهة أنه ليس في معصية واحدة الا عقوبة
واحدة،
69

مع الغفلة (1) عن أن وحدة المسبب تكشف بنحو الان عن وحدة
السبب.
الامر الثالث (2):
أنه قد عرفت (3)
70

أن القطع بالتكليف أخطأ (1) أو أصاب يوجب عقلا استحقاق المدح
والثواب، أو الذم والعقاب (2) من دون أن يؤخذ [) 3 يوجد] شرعا
في خطاب،

[1] ولكن مع ذلك قد تصدى غير واحد من المحققين لتصحيح أخذ
العلم موضوعا لمتعلقه بوجوه:
منها: ما عن المحقق النائيني (قده) (من تصحيحه بمتمم الجعل بعد
تمهيد مقدمات:
إحداها: لزوم الدور من تقييد الحكم بالقطع به.
ثانيتها: أن استحالة تقييد الشئ بقيد تستلزم استحالة إطلاقه بالإضافة
إليه، لكون تقابل الاطلاق والتقييد من تقابل العدم والملكة.
ثالثتها: أن إهمال الموضوع بالإضافة إلى قيد في الواقع غير معقول،
لأنه اما دخيل في الملاك الذي اقتضى تشريع الحكم، واما ليس
دخيلا فيه.
فعلى الأول لا بد من لحاظه مقيدا به.
وعلى الثاني لا بد من لحاظه مطلقا بالإضافة إليه بمعنى ثبوت الحكم
في
71



كلتا صورتي وجود القيد وعدمه. ومقتضى المقدمتين الأوليين إهمال
الخطابات الأولية بالإضافة إلى العلم بها، لان تقييدها به المستلزم
للدور مستحيل، واستحالة التقييد تستلزم استحالة الاطلاق، للملازمة
بين الامرين، لكن الاهمال الثبوتي أيضا مستحيل كما عرفت في
المقدمة الثالثة، فلا بد من جعل آخر يفيد نتيجة الاطلاق أو نتيجة
التقييد، وهذا الجعل هو المصطلح عليه بمتمم الجعل.
وعليه فاستكشاف كل من الاطلاق والتقييد منوط بدليل آخر، هذا
بحسب الثبوت.
وأما بحسب الاثبات، فما دل من الروايات والاجماع بل الضرورة
على اشتراك الاحكام بين العالم والجاهل يكون دليلا على نتيجة
الاطلاق، كما أن ما دل على اختصاص بعضها بالعالمين بها مثل موارد
الجهر والاخفات والقصر والاتمام وغيرها يكون دليلا على
نتيجة التقييد واختصاص تلك الأحكام بالعالمين بها وعدم شمولها
للجاهلين.
فمحصل مراده (قده): استحالة تقييد الخطابات الأولية كاستحالة
إطلاقها بالإضافة إلى الانقسامات الثانوية كالعلم وقصد القربة و
الوجه ونحوها، هذا في الاطلاق والتقييد اللحاظيين.
وأما نتيجتهما فلا بد منها، لاستحالة الاهمال الثبوتي أيضا، فملاك
تشريع الحكم ان كان موجودا في كلتا حالتي العلم والجهل فالحكم
مطلق، وان كان موجودا في خصوص حال العلم فالحكم مقيد و
مختص بالعالم به.
وبالجملة: فالممتنع هو الاطلاق والتقييد اللحاظيان دون نتيجتهما)
هذا.
وفيه: أن المانع - وهو اجتماع النقيضين الممتنع ذاتا - من الأمور
الواقعية
72



غير المنوطة باللحاظ، ضرورة استحالة موضوعية العلم لمتعلقه في
كل صقع من الثبوت والاثبات، ومن اللحاظ وغيره، فان استحالة
اجتماع السواد وعدمه لا تختص بحال دون حال، ففي المقام
يستحيل اجتماع وجود العلم وعدمه قبل الحكم، فليس المحذور
إثباتيا
فقط حتى يرتفع بنتيجة التقييد ومتمم الجعل.
نعم يتجه هذا في مثل قصد القربة مما لا يمكن أن يتكفله الخطاب
الأولى، إذ المحذور فيه امتناع إطلاق الخطاب الأولى بالإضافة إليه،
لقصوره عن شموله للأمور المتأخرة عنه المترتبة عليه، وهذا القصور
يرتفع بخطاب ثان متمم للقصور الشمولي، فدخل مثل قصد القربة
في العبادة بخطاب ثانوي ممكن، إذ لا يلزم منه محذور، بخلاف دخل
العلم موضوعيا في متعلقه كما مر آنفا.
ففرق بين دخل العلم في متعلقه كذلك وبين دخل قصد القربة، و
الفارق هو إمكان دخل الثاني في العبادة بمتمم الجعل دون الأول
الذي
وزانه وزان دخل الإطاعة في تعلق الامر وتقييده بها في الاستحالة، و
قد تقدم في مبحث التعبدي والتوصلي بعض الكلام في ذلك،
فراجع.
فالمتحصل: أن الالتزام بنتيجة التقييد لا أثر له في المقام، إذ لا يدفع
غائلة استحالة الدور.
وأما ما جعله دليلا على نتيجة التقييد واختصاص بعض الأحكام
بخصوص العالمين من الروايات الدالة على صحة صلاة من أخفى في
موضع الاجهار وبالعكس، ومن أتم صلاته في موضع القصر كصحيح
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل جهر فيما لا ينبغي
الاجهار فيه وأخفى فيما لا ينبغي الاخفاء فيه، فقال عليه السلام: أي
ذلك فعل متعمدا فقد نقص صلاته وعليه الإعادة،
73



فان فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شئ وقد تمت
صلاته). وصحيح زرارة ومحمد بن مسلم قالا: (قلنا لأبي جعفر
عليه
السلام رجل صلى في السفر أربعا أ يعيد أم لا؟ قال عليه السلام: ان كان
قرأت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى أربعا أعاد، وان لم
يكن قرأت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه) ففيه: أنه لا يدل على
دخل العلم في وجوب الجهر والاخفات والقصر والاتمام أصلا فضلا
عن كون ذلك بنحو نتيجة التقييد لو لم نقل بدلالتها على عدم دخل
العلم فيها، فان قوله: (جهر فيما لا ينبغي الاجهار فيه. إلخ) ظاهر في
عدم دخل العلم في أصل التشريع وعدم اختصاص الوجوب في هذه
الموارد بالعالم به.
ومجرد الحكم بالصحة وتمامية المأتي به لا يدل على دخل العلم في
الوجوب، بل حكم المشهور باستحقاق العقوبة في هذه الموارد على
ما نسب إليهم يؤيد أيضا عدم الدخل.
فالاجزاء وعدم الإعادة ليس لأجل دخل العلم في الوجوب، بل
لتصرف الشارع في مرحلة الإطاعة تسهيلا منه كتصرفه في موارد
الشك
التي تجري فيها قاعدة التجاوز أو الفراغ مع العلم بدخل المشكوك فيه
شطرا أو شرطا، وحكم العقل بلزوم العلم بإتيانه في تحقق
الامتثال لولا حكم الشارع بالاجزاء.
هذا كله مضافا إلى: أن لازم دخل العلم موضوعيا في الحكم عدم
وجوب تحصيل العلم به، لأنه من تحصيل الموضوع كالاستطاعة وهو
غير واجب.
74



وإلى: أن لازمه القطع بعدم الحكم عند الجهل به من دون حاجة إلى
أصل البراءة، لانتفاء الحكم بانتفاء موضوعه قطعا.
ومنها: ما عن المصنف (قده) من كون العلم بمرتبة الانشاء موضوعا
لمرتبته الفعلية، فالعلم بإنشاء وجوب القصر مثلا موضوع لفعليته،
وبتعدد المرتبة يرتفع غائلة الدور.
وفيه: - مضافا إلى ابتنائه على ما ذهب إليه من تعدد مراتب الحكم و
هي الاقتضاء والانشاء والفعلية والتنجز وهو ممنوع ثبوتا و
إثباتا، فان المتيقن منها اثنتان إحداهما الفعلية والحكم على الموضوع
الموجود بجميع ماله دخل فيه جزا وشرطا كوجود الاستطاعة،
فان الوجوب المترتب عليها يصير فعليا بوجودها. وثانيتهما التنجز و
هو وصول هذا الحكم الفعلي بحجة معتبرة إلى المكلف بحيث لا
يعذر في مخالفته، بل يحكم العقل بحسن مؤاخذته - أنه لا يجدي
أيضا في دفع الاشكال، حيث إن مرجعه إلى عدم موضوعية العلم
لنفس
متعلقه، لمغايرة الحكم الانشائي الذي فرض كونه متعلق العلم للحكم
الفعلي الذي جعل العلم موضوعا له.
وان شئت فقل: ان العلم ليس موضوعا لعين ما تعلق به، بل متعلقه و
الحكم المترتب على العلم به متغايران. نظير جعل العلم بوجوب
الصلاة موضوعا لوجوب التصدق، وهذا خارج عن موضوع البحث و
التزام بالاشكال لا دفع له كما هو واضح للمتأمل.
كما لا يندفع الاشكال بما قيل: (من كون وجوب القصر على المسافر
75



تخييريا وبالعلم به يصير تعيينيا، فإذا صلى المسافر تماما جهلا
بالحكم صحت، لكون التمام أحد عدلي الواجب المخير، بخلاف ما
إذا أتى
بها تماما بعد العلم بوجوب القصر، فإنها باطلة، لكون المأمور به حينئذ
صلاة القصر تعيينا، وكذا الحكم في الجهر والاخفات) وذلك
لخروجه عن مفروض البحث أيضا، حيث إن العلم بالوجوب
التخييري موضوع للوجوب التعييني، فمتعلق العلم والحكم المترتب
عليه
متغايران، نظير موضوعية العلم بوجوب الصلاة لوجوب التصدق كما
مر آنفا.
مضافا إلى: أنه خلاف ظاهر قوله عليه السلام في صحيح زرارة و
محمد بن مسلم المتقدم: (ان كان قرأت عليه آية التقصير وفسرت له)
لظهوره في تفسير قوله تعالى: (لا جناح) الظاهر في الوجوب التخييري
بالوجوب التعييني، فالواجب تعيينا على المسافر وان كان
جاهلا هو القصر.
ومثله في الضعف ما قيل أيضا من: (أن وجوب الجهر والاخفات في
موردهما نفسي، وبالعلم به يصير شرطيا، فلو صلى جهرا في موضع
الاخفات أو بالعكس عالما بطلت صلاته، لكونها فاقدة للشرط، ولو
كان الوجوب باقيا على النفسية لم يكن وجه للبطلان، بل كانت
الصلاة صحيحة مع استحقاق العقوبة على ترك الواجب النفسي. هذا
في الجهر والاخفات.
وأما في القصر والاتمام، فيقال: ان الواجب على المسافر الجاهل
بوجوب القصر هو ما فرضه الله تعالى لا بشرط، ولذا لو أتى بالصلاة
تماما كانت صحيحة وبعد العلم بوجوب القصر يصير وجوب ما
فرضه الله بشرط لا، بمعنى اشتراطه بعدم انضمام ما فرضه النبي صلى
الله عليه وآله وسلم إليه، فيتصف حينئذ فرض
76

وقد يؤخذ (1) في موضوع حكم آخر (2) يخالف (3) متعلقه [
مخالف لحكم

النبي صلى الله عليه وآله بالمانعية).
وجه الضعف: أن مرجع هذا الوجه إلى موضوعية العلم لحكم آخر غير
متعلقه، لتغاير اللا بشرط وبشرط لا، والوجوب النفسي والغيري
سنخا، ومن المعلوم أنه خروج عن محل البحث لا دفع للاشكال و
تصحيح لاخذ العلم موضوعا لمتعلقه.
وبالجملة: فهذان الوجهان وغيرهما مما ذكروه لدفع إشكال
موضوعية العلم لمتعلقه لا تدفعه أصلا وان سلمنا صحتها في نفسها.
فالحق
امتناع أخذ العلم موضوعا لمتعلقه. ولو فرض وجود ما يدل بظاهره
على ذلك فلا بد من تأويله، ولذا وجه الفقهاء رضوان الله تعالى
عليهم أخبار الجهر والاخفات والقصر والاتمام في كتبهم الفقهية
بوجوه عديدة، ولعلنا نشير إليها في أواخر قاعدة الاشتغال إن شاء
الله تعالى.
77

متعلقه] لا يماثله ولا يضاده (1)، كما إذا ورد مثلا في الخطاب أنه (إذا
قطعت بوجوب شئ يجب عليك التصدق بكذا) تارة (2) بنحو
يكون تمام الموضوع بأن يكون القطع بالوجوب مطلقا ولو أخطأ (3)
موجبا
78

لذلك (1)، وأخرى (2) بنحو يكون جزؤه أو قيده (3) بأن يكون القطع
به (4) في خصوص ما أصاب موجبا له، وفي كل منهما (5) يؤخذ
طورا بما هو كاشف (6)
79

وحاك عن متعلقه، وآخر (1) بما هو صفة خاصة للقاطع أو المقطوع
به، وذلك (2) لان القطع لما كان من الصفات الحقيقية ذات الإضافة (3)
80

ولذا (1) كان العلم نورا لنفسه (2) ونورا لغيره (3) صح (4) أن يؤخذ
فيه بما هو صفة خاصة وحالة مخصوصة بإلغاء (5) جهة كشفه أو
اعتبار (6) خصوصية أخرى (7)
81

فيه معها (1)، كما صح (2) أن يؤخذ بما هو كاشف عن متعلقه وحاك
عنه (3) فيكون أقسامه أربعة [1]

[1] لا يخفى أن شيخ مشايخنا المحقق النائيني (قده) أنكر القطع
المأخوذ تمام الموضوع على وجه الطريقية، بل ذهب إلى امتناعه،
قال
مقرر بحثه الشريف ما لفظه: (نعم في إمكان أخذه تمام الموضوع على
وجه الطريقية إشكال بل الظاهر أنه لا يمكن من جهة أن أخذه
تمام الموضوع يستدعي عدم لحاظ الواقع وذي الصورة بوجه من
الوجوه، وأخذه على وجه الطريقية يستدعي لحاظ ذي الطريق وذي
الصورة، ويكون النظر في الحقيقة إلى الواقع المنكشف بالعلم كما هو
الشأن في كل طريق، حيث إن لحاظه طريقا يكون في الحقيقة
لحاظا الذي الطريق، ولحاظ العلم كذلك ينافي أخذه تمام الموضوع.
فالانصاف أن أخذه تمام الموضوع لا يمكن الا بأخذه على وجه
الصفتية).
وملخص ما أفاده في وجه الامتناع هو لزوم اجتماع اللحاظين
الاستقلالي والآلي وهو محال، لان لحاظ القطع استقلاليا يقتضي عدم
لحاظ متعلقه، ولحاظه آليا يقتضي لحاظ متعلقه، والجمع بين هذين
اللحاظين ليس الا الجمع بين المتناقضين، هذا.
ويمكن الجواب عنه تارة بالنقض:
82



أولا: بدخل العلم بعدالة امام الجماعة في جواز الائتمام به، فإنه أخذ
موضوعا لجوازه كاشفا وطريقا لا صفة. أما موضوعيته فلعدم وجوب
الإعادة بعد انكشاف الخلاف كما ورد به النص. وأما طريقيته فلقيام
الامارات كالبينة وبعض الأصول كالاستصحاب مقامه، إذ من
الواضح عدم قيامها مقام القطع المأخوذ على وجه الصفتية.
وثانيا: بما التزم به المحقق النائيني نفسه من صحة أخذ القطع جز
الموضوع على وجه الطريقية مع وحدة ملاك الاستحالة في كلتا
صورتي أخذه تمام الموضوع وجزه على نحو الطريقية، حيث إن
ملاكها - وهو اجتماع اللحاظين - موجود في كلتيهما.
وأخرى بالحل، توضيحه: أن مورد امتناع اجتماع اللحاظين مصداق
العلم وهو العلم الخارجي المتعلق بالأشياء لا مفهومه، فان القاطع
بخمرية مائع لا يرى الا ذلك المقطوع به مع الغفلة عن قطعه فضلا عن
لحاظه استقلالا، نظير الناظر في المرآة لرؤية وجهه، فإنه لا
يلتفت في هذا النظر إلى نفس المرآة. هذا في مصداق العلم الذي لا
شأن له الا إراءة الواقع ورفع الحجاب عنه.
وأما مفهوم العلم، فهو قابل لاجتماع اللحاظين فيه بأن يجعل مفهومه
- وهو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع الكاشف عنه كشفا تاما -
موضوعا لحكم من الاحكام إذ لا مانع من أن يلاحظه الحاكم مع هذا
الكشف التام موضوعا لجواز الشهادة مثلا، فوقع الخلط بين المفهوم
والمصداق. وعليه فما عن المشهور من انقسام القطع الموضوعي إلى
أقسام أربعة لا يخلو من وجه وان كان لمزيد التأمل فيه مجال.
83

مضافة [مضافا] إلى ما هو طريق (1) محض عقلا غير مأخوذ في الموضوع
84

شرعا. [1]
ثم لا ريب (1) في قيام الطرق والامارات (2) المعتبرة بدليل حجيتها

[1] ثم إن هذه الأقسام الخمسة المذكورة في القطع تجري في الظن
أيضا حرفا بحرف كما نبه عليه الشيخ الأعظم بقوله: (ثم إن الذي
ذكرناه من كون القطع مأخوذا تارة على وجه الطريقية وأخرى على
وجه الموضوعية جار في الظن أيضا).
85

واعتبارها مقام هذا القسم (1).
كما لا ريب (2)
86

في عدم قيامها بمجرد ذلك الدليل (1) مقام ما أخذ (2) في الموضوع
على نحو الصفتية من تلك الأقسام (3)، بل لا بد من دليل آخر (4)
على التنزيل، فان (5) قضية الحجية والاعتبار ترتيب ما للقطع [القطع
] بما هو حجة من (6)
87

الآثار، لا ماله بما هو صفة (1) وموضوع، ضرورة (2) أنه كذلك يكون
كسائر الموضوعات والصفات.
ومنه (3)
88

قد انقدح عدم قيامها بذلك الدليل (1) مقام ما أخذ في الموضوع على
نحو الكشف، فان القطع المأخوذ بهذا النحو (2) في الموضوع شرعا
كسائر مالها [ماله 3 (] دخل في الموضوعات أيضا (4) فلا يقوم مقامه
89

شئ (1) بمجرد حجيته (2) أو قيام [) 3 وقيام] دليل اعتباره ما لم
(4) يقم دليل على تنزيله ودخله في الموضوع كدخله (5).
وتوهم (6) (كفاية دليل الاعتبار الدال على إلغاء احتمال خلافه،
90

وجعله (1) بمنزلة القطع من (2) جهة كونه موضوعا ومن جهة كونه
طريقا فيقوم مقامه (3) طريقا كان (4) أو موضوعا) فاسد (5) جدا
91

فان (1) الدليل الدال على إلغاء الاحتمال لا يكاد يكفي الا بأحد
التنزيلين، حيث (2) لا بد في كل تنزيل منهما (3) من لحاظ المنزل و
المنزل عليه، ولحاظهما (4)
92

في أحدهما (1) آلي وفي الاخر (2) استقلالي، بداهة (3) أن النظر في
حجيته وتنزيله (4) منزلة القطع في طريقيته (5) في الحقيقة إلى
الواقع (6) ومؤدى الطريق (7)، وفي كونه (8)
93

بمنزلته في دخله (1) في الموضوع إلى أنفسهما (2) ولا يكاد يمكن
الجمع بينهما (3). نعم (4) لو كان في البين ما بمفهومه (5) جامع
بينهما يمكن (6) أن يكون دليلا على التنزيلين، والمفروض أنه (7) ليس،
94

فلا يكون (1) دليلا على التنزيل الا بذاك اللحاظ الآلي، فيكون (2)
حجة موجبة لتنجز متعلقه، وصحة العقوبة على مخالفته في صورتي (3)
اصابته وخطائه بناء (4) على استحقاق المتجري، أو بذلك [) 5
بذاك] اللحاظ الاخر الاستقلالي، فيكون (6) مثله في دخله في الموضوع و
ترتيب ماله عليه من (7) الحكم الشرعي.
95

لا يقال (1): على هذا (2) لا يكون (3) دليلا على أحد التنزيلين ما لم
يكن هناك قرينة في البين.
فإنه يقال (4): لا إشكال في كونه (5) دليلا على حجيته، فان (6)
ظهوره في أنه بحسب اللحاظ الآلي مما لا ريب فيه، ولا شبهة تعتريه، وانما
96

يحتاج تنزيله (1) بحسب اللحاظ الاخر الاستقلالي من (2) نصب
دلالة عليه، فتأمل في المقام، فإنه دقيق ومزال الاقدام للاعلام.
ولا يخفى أنه لولا ذلك (3) لأمكن أن يقوم الطريق بدليل واحد دال
على إلغاء احتمال خلافه مقام القطع بتمام أقسامه ولو فيما (4)
97

أخذ في الموضوع على نحو الصفتية كان تمامه أو قيده (1)، وبه قوامه (2).
فتلخص مما [بما] ذكرنا (3): أن الامارة لا تقوم بدليل اعتبارها فقط الا
مقام ما ليس مأخوذا [بمأخوذ] في الموضوع أصلا.
وأما الأصول (4)
98

فلا معنى لقيامها مقامه بأدلتها (1) أيضا (2) غير الاستصحاب،
لوضوح (3) أن المراد من قيام المقام (4) ترتيب ماله من الآثار و
الاحكام
من (5) تنجز التكليف وغيره كما مرت إليه الإشارة (6)، وهي (7)
ليست إلا وظائف مقررة للجاهل (8) في مقام العمل شرعا أو (9) عقلا (10.
99

لا يقال (1): ان الاحتياط لا بأس بالقول بقيامه مقامه (2) في تنجز
التكليف لو كان (3).
فإنه يقال (4): أما الاحتياط العقلي فليس الا نفس حكم العقل
100

بتنجز التكليف وصحة العقوبة على مخالفته لا شئ (1) يقوم مقامه
في هذا الحكم (2).
101

وأما النقلي (1) فإلزام الشارع به وان كان مما يوجب التنجز وصحة
العقوبة على المخالفة كالقطع، الا أنه (2) لا نقول [لا يقول] به في
الشبهة البدوية (3)، ولا يكون بنقلي (4) في المقرونة بالعلم
الاجمالي، فافهم (5).
ثم لا يخفى أن دليل الاستصحاب (6)
102

أيضا (1) لا يفي بقيامه مقام القطع المأخوذ في الموضوع مطلقا (2)، و
أن (3) مثل (لا تنقض اليقين) لا بد من أن يكون مسوقا اما بلحاظ
المتيقن (4) أو بلحاظ نفس اليقين (5). وما ذكرنا في الحاشية (6) في وجه
103

تصحيح لحاظ واحد [1] في التنزيل (1) منزلة الواقع والقطع (2) (وأن
(3) دليل الاعتبار انما يوجب (4) تنزيل المستصحب والمؤدى (5)
منزلة الواقع، وانما كان (6) تنزيل القطع (7)

[1] في هذه العبارة مسامحة، إذ لا يمكن تصحيح لحاظ واحد في
التنزيلين أصلا، لتضاد الطريقية والموضوعية، فكيف يعقل
اجتماعهما
في لحاظ واحد، فحق العبارة أن تكون هكذا: (وما ذكرناه في الحاشية
في وجه تصحيح التنزيلين بنفس دليل الاعتبار أو بدليل واحد.
إلخ).
106

فيما له دخل في الموضوع (1) بالملازمة (2) بين تنزيلهما (3) وتنزيل
القطع (4) بالواقع تنزيلا وتعبدا (5) منزلة القطع بالواقع حقيقة
(6) لا يخلو (7) من تكلف
107

بل تعسف (1)
108

فإنه (1) لا يكاد يصح تنزيل جز الموضوع (2) أو قيده (3) بما هو
كذلك (4) بلحاظ أثره (5) الا فيما كان جزؤه الاخر (6)
111

أو ذاته (1) محرزا بالوجدان، أو بتنزيله [) 2 تنزيله] في عرضه. وأما
إذا لم يكن كذلك (3)
112

فلا يكاد (1) يكون دليل الامارة أو الاستصحاب دليلا على تنزيل جز
الموضوع ما لم يكن هناك دليل على تنزيل جزئه الاخر فيما (2) لم يكن
113

محرزا حقيقة، وفيما (1) لم يكن دليل على تنزيلهما بالمطابقة كما
(2) فيما نحن فيه - على ما عرفت (3) - لم يكن (4) دليل الامارة دليلا
عليه (5) أصلا (6)، فان دلالته (7) على تنزيل المؤدى تتوقف على
دلالته على تنزيل القطع (8)
114

بالملازمة (1)، ولا دلالة له (2) كذلك الا بعد دلالته على تنزيل
المؤدى (3)، فان (4) الملازمة انما تدعى بين القطع بالموضوع
115

التنزيلي (1) والقطع بالموضوع الحقيقي، وبدون تحقق الموضوع
التنزيلي (2) التعبدي أولا بدليل الامارة لا قطع بالموضوع التنزيلي
كي يدعي الملازمة بين تنزيل القطع به منزلة القطع بالموضوع
الحقيقي وتنزيل المؤدي (3) منزلة الواقع [فان الملازمة انما تكون
بين
تنزيل القطع به منزلة القطع بالموضوع الحقيقي وتنزيل المؤدى منزلة
الواقع] كما لا يخفى، فتأمل جيدا فإنه لا يخلو عن دقة.
116

ثم لا يذهب عليك أن هذا (1) لو تم لعم، ولا اختصاص له بما إذا كان
القطع مأخوذا على نحو الكشف.
الامر الرابع (2):
لا يكاد يمكن أن يؤخذ القطع بحكم في موضوع نفس هذا الحكم (3)،
117

للزوم الدور (1)، ولا مثله (2) للزوم (3) اجتماع المثلين [1]

[1] ولا فرق في لزوم هذا الاجتماع الممتنع بين كون العلم تمام
الموضوع وجزؤه، ولا بين كونه ملحوظا على وجه الصفتية أو
الطريقية.
كما لا فرق في تحقق المماثلة بين الحكمين بين نشوئهما عن
مصلحتين أو
118

ولا ضده (1)، للزوم اجتماع الضدين (2).

مصلحة واحدة، لان المصالح والمفاسد في المتعلقات - بناء على
تبعية الاحكام لها كما هو مذهب مشهور العدلية - جهات تعليلية
للتشريع خارجة عما هو مناط المماثلة من جعل حكمين مثلين
كالوجوبين أو الحرمتين لموضوع واحد، بل محذور اجتماع المثلين لا
يختص بمذهب العدلية ويعم مذهب من لا يقول بالتبعية أصلا. فما
في حاشية بعض الأعاظم (قده) (من الفرق بين ما يؤخذ في نفسه وما
يؤخذ في مثله بأن الحكم الذي أخذ في موضوعه القطع ان كان ناشئا
عن تلك المصلحة الواقعية فهو مأخوذ في نفسه، وان كان مصلحة
أخرى فهو مأخوذ في مثله) لا يخلو من الغموض.
ثم إن الامتناع المزبور مبني على عدم إجراء تعدد الرتبة في رفع غائلة
اجتماع المثلين، والا فلا مانع من اجتماعهما معه.
نعم يلزم حينئذ لغوية جعل الحكم الثاني، لكفاية الحكم الأول في
تحريك العبد وبعثه.
والحاصل: أنه بناء على كون تعدد الجهة مجديا في دفع استحالة
اجتماع المثلين يلزم القبح لا الاستحالة.
119

نعم (1)
120

يصح أخذ القطع بمرتبة [1] من الحكم في مرتبة أخرى منه أو مثله أو
ضده [أو من مثله أو من ضده.]
وأما الظن (1) بالحكم، فهو وان كان كالقطع في عدم جواز أخذه

[1] لا يخفى أن إجراء تعدد الرتبة في عدم لزوم هذه المحاذير ما لم
يوجب تعدد الموضوع لا يخلو من كلام.
نعم لا بأس بأخذ العلم بالحكم الفعلي موضوعا لحكم العقل، كأن
يقال:
إذا علمت بفعلية حرمة الخمر تنجزت وحسن العقاب على مخالفتها.
121

في موضوع نفس ذلك الحكم المظنون، الا أنه لما كان معه (1) مرتبة
الحكم الظاهري محفوظة كان جعل حكم آخر في مورده (2) مثل
الحكم المظنون أو ضده بمكان (3) من الامكان.
ان قلت: (4) ان كان الحكم المتعلق به الظن فعليا أيضا (5) بأن يكون
الظن متعلقا بالحكم الفعلي لا يمكن أخذه في موضوع حكم
122

فعلي آخر مثله أو ضده (1)، لاستلزامه الظن باجتماع الضدين أو
المثلين، وانما يصح أخذه (2) في موضوع حكم آخر كما في القطع
طابق
النعل بالنعل.
قلت (3): يمكن أن يكون الحكم فعليا بمعنى أنه لو تعلق به
123

القطع على ما هو (1) عليه (2) من الحال لتنجز، واستحق (3) على
مخالفته العقوبة، ومع ذلك (4) لا يجب على الحاكم رفع [دفع] عذر
المكلف برفع جهله (5)
124

لو أمكن، أو بجعل (1) لزوم الاحتياط عليه فيما أمكن، بل يجوز (2)
جعل أصل أو أمارة مؤدية إليه تارة وإلى ضده أخرى، ولا يكاد (3)
يمكن مع القطع به جعل حكم آخر مثله أو ضده (4) كما لا يخفى،
125

فافهم (1).
ان قلت (2): كيف يمكن ذلك (3)، وهل هو (4) الا أنه يكون مستلزما
لاجتماع المثلين (5) أو الضدين.
قلت (6): لا بأس باجتماع الحكم الواقعي الفعلي بذاك المعنى (7) -
أي لو قطع به من باب الاتفاق لتنجز - مع حكم آخر فعلي في مورده (8)
126

بمقتضى الأصل أو الامارة (1) أو دليل (2) أخذ في موضوعه الظن
بالحكم بالخصوص (3) به على ما سيأتي (4) من التحقيق في التوفيق
بين الحكم الظاهري والواقعي.
127

الامر الخامس:
هل تنجز التكليف بالقطع [1]

[1] أو غيره من الطرق والحجج، وتخصيص القطع بالذكر اما لكون
الكلام في مباحث القطع، واما لأنه أجلى الطرق، فحق العبارة أن
تكون هكذا:
(بالقطع أو غيره مما يوجب تنجز الاحكام).
وكيف كان لا يرتبط هذا البحث بوجوب تصديق النبي صلى الله عليه
وآله وسلم فيما أتى به من ربه جل وعلا من التكاليف، لان معناه
كون أحكامه صلى الله عليه وآله من قبله عز وجل كما هو مقتضى
قوله تبارك وتعالى: (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى) و
بعد الالتزام بهذا المعنى يقع البحث في أن وجوب الصلاة مثلا الذي
أتى به النبي الأعظم عليه أفضل الصلوات وقطعنا بأنه من قبل الله عز
وجل هل يقتضي عقلا وجوب إطاعته قلبا كما يقتضي لزوم امتثاله
عملا أم لا؟ فالبحث عن اقتضاء التكليف المعلوم لزوم الالتزام به
عقلا وعدمه مغاير لوجوب التصديق الذي هو من لوازم الايمان،
فالبحث عن وجوب الالتزام مترتب عليه ومتأخر عنه.
128

كما يقتضى (1)

مضافا إلى عدم اختصاص وجوب التصديق بتكليف ثابت في حق
هذا المكلف، لعمومه لكل حكم جاء به النبي صلى الله عليه وآله و
ان
كان في حق الغير كأحكام الدماء الثلاثة بالنسبة إلى الرجال.
ثم إن الموافقة الالتزامية - وهي التدين بحكم الشارع وعقد القلب
عليه - لا تختص بالأحكام الالزامية، بل تجري بناء على وجوبها في
غيرها كالإباحة أيضا. بخلاف وجوب الموافقة العملية، فإنه يختص
بالأحكام الاقتضائية.
ثم انهما تنفكان في التوصليات، لامكان الالتزام بوجوب دفن الميت
مثلا بدون الامتثال عملا وبالعكس، بخلاف التعبديات، فان
الموافقة العملية فيها تلازم الموافقة الالتزامية ولا تنفك عنها، إذ
المفروض أن وجوب الصلاة مثلا يقتضي امتثاله مطلقا على وجه
العبادة
سواء كان امتثالا قلبيا أم عمليا.
نعم تنفك الموافقة الالتزامية عن العملية، لامكان الالتزام بوجوب
الصلاة مع عدم امتثاله عملا، هذا ما قيل.
لكن يمكن أن يقال: ان العبادية لا تقتضي أزيد من اعتبار قصد القربة
في مقام الامتثال مطلقا من غير فرق في ذلك بين الإطاعة العملية
والالتزامية. وأما ارتباطية الإطاعتين فهي مما لا تقتضيه العبادية، بل
تحتاج إلى دليل آخر، فيمكن حينئذ إطاعة الامر العبادي عملا
بدون الالتزام وعقد القلب عليه، ولا بد من مزيد التأمل.
129

موافقته عملا يقتضي موافقته التزاما (1) والتسليم له اعتقادا وانقيادا
كما هو (2)
130

اللازم في الأصول الدينية والأمور الاعتقادية بحيث كان له امتثالان
(1) وطاعتان [وإطاعتان] إحداهما بحسب القلب والجنان (2) و
الأخرى بحسب العمل بالأركان، فيستحق (3) العقوبة على عدم
الموافقة التزاما (4) ولو مع الموافقة عملا، أو لا يقتضي (5)، فلا
يستحق (6)
العقوبة عليه (7) بل انما يستحقها على المخالفة العملية (8)؟ الحق
هو الثاني (9)، لشهادة [بشهادة] الوجدان (10
131

الحاكم في باب الإطاعة والعصيان بذلك (1)، واستقلال (2) العقل
بعدم استحقاق العبد الممتثل (3) لأمر سيده الا المثوبة دون العقوبة و
لو لم يكن مسلما [متسلما] وملتزما به (4) ومعتقدا ومنقادا له وان
كان ذلك (5) يوجب [لوجب] تنقيصه وانحطاط درجته (6)
132

لدى سيده، لعدم اتصافه (1) بما يليق أن يتصف العبد به (2) من
الاعتقاد بأحكام مولاه والانقياد لها، وهذا (3) غير استحقاق العقوبة
على
مخالفته لامره (4) أو نهيه التزاما (5) مع موافقته (6) عملا كما لا
يخفى.
ثم لا يذهب عليك (7) أنه على تقدير لزوم الموافقة الالتزامية
133

لو كان [وكان] المكلف متمكنا منها [1 [1 تجب (2) ولو فيما لا
يجب (3) عليه الموافقة القطعية عملا، ولا يحرم المخالفة القطعية
عليه كذلك (4) أيضا (5)،

[1] الظاهر زيادة هذه الجملة، لأنه مع عدم اعتبار العلم التفصيلي
بالحكم الملتزم به في وجوب الموافقة الالتزامية وكفاية العلم
الاجمالي
به خصوصا مع ملاحظة قوله فيما بعد: (وان أبيت. إلخ) لا يتصور
عدم التمكن من الموافقة الالتزامية، كما هو ظاهر قوله: (لو كان) أو
(وكان) مع وضوح إمكان الموافقة الالتزامية مع العلم الاجمالي أيضا.
134

لامتناعهما (1) كما إذا علم إجمالا (2) بوجوب شئ أو حرمته
للتمكن (3) من الالتزام بما هو الثابت واقعا والانقياد له والاعتقاد به
(4)
بما هو الواقع والثابت وان لم يعلم أنه الوجوب أو الحرمة. وان أبيت
(5) الا عن
135

لزوم الالتزام به بخصوص عنوانه لما كانت (1) موافقته [2 الموافقة
] القطعية الالتزامية حينئذ (3) ممكنة، ولما (4) وجب عليه الالتزام
بواحد قطعا، فان محذور الالتزام بضد التكليف عقلا (5) ليس بأقل من
محذور عدم الالتزام به بداهة (6). مع (7) ضرورة أن التكليف لو
قيل باقتضائه
136

للالتزام لم يكد يقتضي الا الالتزام بنفسه عينا لا الالتزام به أو بضده
تخييرا. [1]

[1] لا يقال: ان وجوب الالتزام بأحد الحكمين تخييرا نظير التخيير بين
محتملات تكليف واحد كالصلاة إلى إحدى الجهات فيما إذا لم
يتمكن من الجمع بين المحتملات.
فإنه يقال: ان التكليف هناك منجز، ويجب عقلا امتثاله القطعي ان
أمكن والا فبما تيسر، بخلاف المقام، لعدم تنجز التكليف مطلقا، أما
بالنسبة إلى الموافقة العملية، فلوضوح عدم إمكانها، وعدم خلو
المكلف من الفعل والترك ليس موافقة احتمالية عقلية بل قهرية
تكوينية،
ولذا نقول بأن التخيير في دوران الامر بين المحذورين ليس عقليا ولا
شرعيا. وأما بالنسبة إلى الموافقة الالتزامية فلما عرفت من عدم
تعقل الالتزام الجدي بكل منهما بعد العلم بعدم كون أحدهما حكما
له تعالى شأنه.
137

ومن هنا (1) قد انقدح أنه لا يكون من قبل لزوم الالتزام مانع عن إجراء
الأصول الحكمية (2)
138

أو الموضوعية (1) في أطراف العلم لو كانت (2) جارية مع قطع النظر
عنه (3).
كما لا يدفع بها [) 4 هنا] محذور عدم الالتزام به، بل الالتزام
139

بخلافه (1) لو قيل بالمحذور فيه (2) حينئذ (3) أيضا (4) الا على
وجه دائر (5)
140

لان جريانها موقوف على عدم محذور في عدم الالتزام اللازم (1) من
جريانها، وهو (2) موقوف على جريانها بحسب الفرض.
اللهم الا أن: يقال (3) ان استقلال العقل بالمحذور فيه انما يكون فيما
إذا لم يكن هناك ترخيص في الاقدام والاقتحام في الأطراف،
141

ومعه (1) لا محذور فيه (2)، بل (3) ولا في الالتزام بحكم آخر. الا أن
الشأن (4) حينئذ (5)
142

في جواز جريان الأصول] * [في أطراف العلم الاجمالي مع عدم ترتب
(1) أثر عملي [1] عليها، مع أنها (2) أحكام عملية كسائر الاحكام
الفرعية.
مضافا إلى (3)

] * [والتحقيق جريانها، لعدم اعتبار شئ في ذلك عدا قابلية المورد
للحكم إثباتا ونفيا، فالأصل الحكمي يثبت به [له] الحكم تارة
كأصالة الصحة وبنفيه أخرى كاستصحاب الحرمة والوجوب فيما دار
بينهما، فتأمل جيدا.
[1] لا يخفى أن الوجوب والحرمة والحلية من الاحكام الفرعية نفيا و
إثباتا، فأصالة عدم الوجوب والحرمة تثبت فعلية عدمها، إذ
المفروض عدم منجزية العلم الاجمالي، فلا مانع من جريانها الموجب
لاستناد فعلية عدمهما إليها، لا إلى حكم العقل بعدم الحرج في الفعل
والترك، فما لم يكن فعلية عدم الوجوب والحرمة مما تناله يد
التشريع لم يجر الأصل في عدمهما، ولعل هذا مراد المصنف (قده)
بما في
تعليقته من قوله: (عدا قابلية المورد للحكم إثباتا ونفيا) ومع إمكان
جريان الأصل الشرعي لا وجه للاستناد إلى الحكم العقلي.
وكذا الحال ان أريد بالأصل قاعدة الحل، فان الثابت بها هو الحلية
الشرعية، ووصول النوبة إلى حكم العقل بنفي الحرج في الفعل و
الترك منوط بعدم جريان الأصل الشرعي في المورد.
143

عدم شمول أدلتها لاطرافه (1)، للزوم التناقض [1] في مدلولها على

[1] لا يخفى أن إشكال المناقضة جار في كل علم إجمالي، الا أن شيخنا
الأعظم (قده) ذكره في خصوص العلم الاجمالي المنجز للحكم
المعلوم إجمالا، وقد حكى أنه (قده) تعرض لوجه التخصيص به في
مجلس درسه الشريف بما حاصله: أن اليقين في ذيل دليل
الاستصحاب ظاهر في اليقين المنجز دون غيره، فاليقين غير المنجز
غير مشمول لليقين المذكور في الذيل، وعليه فهذا الاشكال
144

تقدير شمولها (1) كما ادعاه [) 2 ادعاها] شيخنا العلامة أعلى الله
مقامه

غير متجه في دوران الامر بين المحذورين، لعدم كون العلم الاجمالي
فيه منجزا لمتعلقه. فإشكال جريان الأصول في المقام أعني
الدوران بين المحذورين منحصر في الوجه الأول، وهو عدم ترتب
الأثر العملي عليها.
أقول: الاستظهار المزبور وان كان في محله خصوصا بملاحظة تعليق
جواز النقض بقوله عليه السلام: (ولكن تنقضه بيقين آخر) فإنه
كالنص في إرادة اليقين المنجز للحكم، الا أن مقتضى كون
الاستصحاب أصلا تنزيليا - وأن مفاده البناء على كون المشكوك بقاء
هو
الواقع المعلوم سابقا - مناقضته للعلم ولو إجمالا بعدم بقائه و
انكشاف خلافه.
وبالجملة: حكم الشارع ببقاء الواقع مع العلم بارتفاعه متناقضان، و
هذه المناقضة لا تختص بالعلم المنجز للحكم، إذ مناطها هو انكشاف
عدم بقاء المعلوم السابق، ومن الواضح عدم اختصاص هذا
الانكشاف بالعلم المنجز.
وعليه، فالمانع عن جريان الأصل التنزيلي في أطراف العلم الاجمالي
- وهو التناقض - ثبوتي لا إثباتي حتى يختص المانع بالنص
المشتمل على الذيل المذكور.
نعم هذا المحذور مفقود في الأصول غير التنزيلية، لعدم حكم الشارع
فيها بالبناء على أحد طرفي الشك على أنه هو الواقع، فالمانع عن
جريانها في أطراف العلم الاجمالي هو المخالفة العملية.
145

وان كان (1) محل تأمل ونظر، فتدبر جيدا.
الامر السادس (2):
لا تفاوت في نظر العقل أصلا فيما يترتب على القطع من الآثار عقلا
(3) بين أن يكون حاصلا بنحو متعارف ومن سبب (4) ينبغي
حصوله منه (5) أو غير متعارف لا ينبغي حصوله منه كما
146

هو الحال (1) غالبا (2) في القطاع [1] ضرورة (3) أن العقل يرى تنجز
التكليف (4) بالقطع الحاصل مما لا ينبغي حصوله (5)، وصحة (6)
مؤاخذة قاطعه على مخالفته (7)، وعدم (8) صحة الاعتذار عنها بأنه حصل

[1] بل الظاهر أن القطاع كالشكاك لا يطلق الا على كثير القطع الحاصل
قطعه من الأمور غير المتعارفة، فكثرة القطع انما هي باعتبار
كثرة أسبابه غير العادية التي لا توجبه لغير القطاع ممن اطلع عليها.
147

كذلك (1)، وعدم (2) صحة المؤاخذة مع القطع بخلافه (3)، وعدم
(4) حسن الاحتجاج عليه بذلك (5) ولو مع التفاته (6) إلى كيفية
حصوله.
148

نعم (1) ربما يتفاوت الحال (2) في القطع المأخوذ في الموضوع
شرعا، والمتبع في عمومه وخصوصه دلالة دليله (3) في كل مورد [1]

[1] إجراء تقييد القطع الموضوعي بحصوله من سبب ينبغي حصوله
منه في الردع عن ترتيب أثر القطع الحاصل من سبب لا ينبغي حصوله
منه مشكل، ضرورة أن القاطع يرى أن السبب الموجب لقطعه مما
ينبغي حصوله منه، ويخطئ من لا يراه كذلك بعدم إحاطته بمزاياه
الموجبة للقطع، بل يتوقف ردعه حينئذ بتقييد القطع الموضوعي بما
يحصل من الأسباب المتعارفة العقلائية، فلو ادعى حصول قطعه من
تلك الأسباب المتعارفة، فالمرجع حينئذ هو العقلا، وإنكارهم
149

فربما يدل على اختصاصه (1) بقسم في مورد (2)، وعدم (3)
اختصاصه به في آخر على اختلاف (4) الأدلة واختلاف المقامات
بحسب مناسبات

سببية منشئه له عندهم يجدي في الردع عن ترتيب آثار القطع على
قطعه، بل إنكارهم يرفع الموضوع - أعني القطع - ويوجب اعترافه
بخطائه.
وأما تقييد القطع الموضوعي من حيث المورد والشخص، فلا إشكال
في كونه مجديا في الردع كما هو ظاهر.
150

الاحكام والموضوعات وغيرها (1) من الامارات.
وبالجملة (2): القطع (3) فيما كان موضوعا عقلا لا يكاد يتفاوت من
حيث القاطع (4)، ولا من حيث المورد ولا من حيث السبب (5) لا
عقلا (6) وهو واضح،
151

ولا شرعا (1)، لما عرفت [1 [2 من أنه لا تناله يد الجعل نفيا ولا إثباتا
وان نسب (3) إلى بعض الأخباريين أنه لا اعتبار بما إذا كان
بمقدمات عقلية، الا أن مراجعة كلماتهم لا تساعد على هذه النسبة،
بل تشهد بكذبها، وأنها [) 4 انما تكون]

[1] التعليل واضح، لكنه مشترك بين الشرع والعقل، فتخصيصه بالشرع
بلا موجب، فتأمل جيدا.
152

اما في مقام منع الملازمة [1] بين حكم العقل بوجوب شئ وحكم
الشرع بوجوبه، كما ينادي به (1) بأعلى صوته ما حكى عن السيد
الصدر
في باب الملازمة، فراجع.

[1] ان أريد بعبارة السيد الصدر التي حملها المصنف على منع قاعدة
الملازمة العبارة التي نقلها الشيخ الأعظم في الرسائل بقوله: (ان
المعلوم هو أنه يجب فعل شئ أو تركه أو لا يجب إذا حصل الظن أو
القطع بوجوبه أو حرمته أو غيرهما من جهة نقل قول المعصوم عليه
السلام أو فعله أو تقريره، لا أنه يجب فعله أو تركه أو لا يجب مع
حصولهما من أي طريق كان) فهي كالصريحة في عدم حجية القطع
الحاصل من غير السنة. وان أريد بها ما ذكره في باب الملازمة فهو
أجنبي عن المقام.
153

واما في مقام عدم جواز الاعتماد على المقدمات العقلية، لأنها لا تفيد
الا الظن، كما هو صريح (1) الشيخ المحدث الأمين الاسترآبادي
رحمه الله، حيث قال في جملة ما استدل به في فوائده على انحصار
مدرك ما ليس من ضروريات الدين في السماع عن الصادقين عليهم
السلام: (الرابع أن كل مسلك غير ذلك المسلك يعني التمسك
بكلامهم عليهم الصلاة والسلام انما يعتبر من حيث إفادته الظن بحكم
الله
تعالى، وقد أثبتنا سابقا أنه لا اعتماد على الظن (2) المتعلق بنفس
أحكامه تعالى أو بنفيها). وقال في جملتها أيضا بعد ذكر ما تفطن
بزعمه من الدقيقة ما هذا لفظه: (وإذا عرفت ما مهدناه من المقدمة
الدقيقة الشريفة، فنقول: ان تمسكنا بكلامهم عليهم السلام فقد
عصمنا
من الخطأ، وان تمسكنا بغيره لم نعصم عنه، ومن المعلوم أن العصمة
من [عن] الخطأ أمر مرغوب فيه شرعا وعقلا، ألا ترى أن الامامية
استندوا [استدلوا] على وجوب العصمة [عصمة الامام] بأنه لولا
العصمة للزم أمره تعالى عباده باتباع [بإيقاع] الخطأ، وذلك الامر
154

محال، لأنه قبيح، وأنت إذا تأملت في هذا الدليل علمت أن مقتضاه
أنه لا يجوز الاعتماد على الدليل الظني في أحكامه تعالى) (1) انتهى
موضع الحاجة من كلامه. وما مهده من الدقيقة هو الذي نقله شيخنا
العلامة أعلى الله مقامه في الرسالة. وقال (2) في فهرست فصولها
أيضا:
(الأول (3): في إبطال جواز التمسك بالاستنباطات الظنية في نفس
أحكامه تعالى شأنه، ووجوب (4) التوقف عند فقد القطع (5) بحكم
الله تعالى شأنه أو بحكم (6) ورد عنهم عليهم السلام) انتهى. وأنت
ترى أن محل
155

كلامه، ومورد نقضه وإبرامه هو العقلي الغير المفيد للقطع، وانما همه
إثبات عدم جواز اتباع غير النقل فيما لا قطع (1).
وكيف كان (2) فلزوم اتباع (3) القطع مطلقا (4)

[1] لكن الظاهر أن كلام جدنا السيد المحدث الجزائري المحكي عن
شرح التهذيب وكذا كلام المحدث البحراني غير آبيين عن النسبة
التي ادعاها شيخنا الأعظم من عدم حجية القطع بالحكم الشرعي
الحاصل من غير الكتاب والسنة، فراجع.
156

وصحة (1) المؤاخذة على مخالفته عند اصابته، وكذا ترتب [) 2
ترتيب] آثاره عليه (3) عقلا (4) مما لا يكاد يخفى على عاقل فضلا
عن فاضل، فلا بد فيما يوهم (5) خلاف ذلك في الشريعة
157

من المنع (1) عن حصول العلم التفصيلي بالحكم الفعلي [العقلي]
لأجل منع بعض مقدماته الموجبة له (2) ولو إجمالا (3)، فتدبر جيدا.
159

الامر السابع:
أنه (1) قد عرفت كون القطع التفصيلي بالتكليف الفعلي (2) علة تامة
لتنجزه لا يكاد تناله يد الجعل إثباتا أو نفيا، فهل القطع الاجمالي
كذلك (3)؟ فيه إشكال (4)،
160



[1] الثالث: أنه كالشك البدوي، وهو ظاهر أربعين العلامة المجلسي
على ما حكاه المحقق القمي عنه في قانون البراءة، حيث قال فيه: (و
قيل يحل له الجميع، لما ورد في الأخبار الصحيحة: إذا اشتبه عليك
الحلال والحرام فأنت على حل حتى تعرف الحرام بعينه، وهذا أقوى
عقلا ونقلا) والظاهر اختيار العلامة المجلسي له.
الرابع: أنه علة تامة للحجية والتنجيز بلا تفصيل بين المخالفة و
الموافقة.
الخامس: أنه يجب التخلص عن المشتبه بالقرعة كما نسب إلى السيد
ابن طاوس مستدلا بعموم (القرعة لكل أمر مشكل) وخصوص بعض
الاخبار مثل ما ورد في تعيين الشاة الموطوءة بالقرعة.
السادس: أنه علة تامة لحرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة
الاحتمالية وهذا هو المستفاد من مجموع كلمات المحقق القمي،
حيث قال
في الشبهة الموضوعية التحريمية في رد أدلة القائل بوجوب الاجتناب
عن جميع الأطراف في الشبهة المحصورة ما لفظه: (الأقوى فيه
أيضا أصالة البراءة، بمعنى أنه يجوز الاستعمال بحيث لا يحصل العلم
بارتكاب الحرام ونحن لا نحكم بحلية المجموع أبدا حتى يلزم
الحكم بحلية الحرام الواقعي اليقيني، ولا نحكم بحلية أحدهما بعينه
أو حرمته ليلزم التحكم، بل نقول بحلية الاستعمال ما لم
161



يتحقق استعمال ما لا ينفك عن استعمال الحرام جزما، لا بمعنى
الحكم بأنه الحلال الواقعي حتى يلزم التحكم بل بمعنى التخيير في
استعمال أي منهما أراد من حيث إنه مجهول الحرمة لعدم المرجح.
ونحن نقول بوجوب إبقاء ما هو مساو للحرام الواقعي أو أزيد منه) و
قال أيضا: (وأما أن الشبهة المحصورة ليست بداخلة فيما لا يعلم
إلى آخره فيعلم جوابه مما مر، لان كون حرمة أحدهما يقينية بمعنى
اتصافه في نفس الامر بالحكمة الموجبة للحرمة أو النجاسة لا يوجب
اليقين باتصافه بالحرمة والنجاسة مضافا إلى المكلف، فلم يثبت العلم
بالتكليف حتى يجب الاجتناب عنه من باب المقدمة).
وهذه العبارة وان كانت ظاهرة في جواز ارتكاب جميع الأطراف الا
أنه لا بد من رفع اليد عن ظهورها بما تقدم من عدم جواز ارتكاب
الجميع، فان تلك العبارة صريحة في حرمة المخالفة القطعية ووجوب
الموافقة الاحتمالية.
وقال في الشبهة الوجوبية في الرد على المحقق الخوانساري ما لفظه:
(إذ غاية ما يسلم في القصر والاتمام والظهر والجمعة وأمثالها
أن الاجماع وقع على أن من ترك الامرين بأن لا يفعل شيئا منهما
يستحق العقاب، لا أن من ترك أحدهما المعين عند الشارع المبهم
عندنا بأن ترك فعلهما مجتمعين يستحق العقاب. ونظير ذلك مطلق
التكليف بالأحكام الشرعية سيما في أمثال زماننا على مذهب أهل
الحق من التخطئة، فان التحقيق أن الذي ثبت علينا بالدليل هو تحصيل
ما يمكننا تحصيله من الأدلة الظنية، لا تحصيل الحكم النفس الأمري
في كل واقعة، ولذلك لم نقل بوجوب الاحتياط وترك العمل بالظن
الاجتهادي في أول الامر أيضا.
162



نعم لو فرض حصول الاجماع أو ورود النص على وجوب شئ معين
عند الله مردد عندنا بين أمور من دون اشتراطه بالعلم به المستلزم
ذلك الفرض لاسقاط قصد التعيين في الطاعة لتم ذلك).
وهذه العبائر تشهد بعدم صحة ما نسب إليه من أن العلم الاجمالي
كالشك البدوي، إذ لازمه جواز ارتكاب جميع الأطراف في الشبهة
المحصورة التحريمية مع تصريحه (قده) بذلك - بعد اختيار البراءة -
بقوله: (ونحن لا نحكم بحلية المجموع أبدا) كما أنه التزم في
الشبهة الوجوبية بوجوب الاتيان ببعض الأطراف. ونسب هذا القول -
وهو حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة الاحتمالية - إلى
جمع من الأساطين كصاحبي المدارك والذخيرة والرياض والمناهج
والوحيد البهبهاني (قدس سرهم) فلاحظ.
السابع: أنه علة تامة لحرمة المخالفة القطعية فقط، وليس علة ولا
مقتضيا لوجوب الموافقة القطعية.
والحق هو القول الرابع - أعني علية العلم الاجمالي لكل من الإطاعة
والمعصية القطعيتين، وذلك لأمور مسلمة:
الأول: أن المراد بالحكم الذي يعلم تفصيلا تارة وإجمالا أخرى ويقع
البحث في كون العلم الاجمالي به كالتفصيلي منجزا وعدمه هو
الحكم المنشأ بداعي البعث والزجر الواصل إلى العبد، لأنه الذي
يدور عليه رحى الإطاعة والعصيان، ويصلح للبعث والتحريك، دون
الحكم الذي أنشئ بداع آخر من الامتحان ونحوه، فان العلم به لا
يصلح للتحريك، ودون الحكم المنشأ بداعي البعث ولكن لم يصل
إلى
العبد بحجة من علم أو علمي، ضرورة أن الاحكام
163



بوجوداتها الواقعية ما لم تقم عليها حجة معتبرة لا تصلح لاحداث
الداعي إلى الإطاعة.
الثاني: أنه لا فرق بين العلم التفصيلي والاجمالي في كشف كل منهما
عن الحكم وإيصاله إلى مرتبة صلاحيته للبعث والتحريك، بداهة
تعلق كل واحد منهما بنفس الحكم المنشأ بداعي البعث أو الزجر، فان
العلم بوجوب الاجتناب عن النجس موجب لبلوغه مرتبة التنجز في
نظر العقل من غير فرق في ذلك بين معرفة النجس بعينه وبين تردده
بين اثنين أو أكثر، إذ المدار في التحريك على بلوغ التكليف إلى
العبد بحيث يصلح للبعث، وهذا موجود في العلم به وان تردد متعلقه
ولم يعرف شخصه، فان تردد المتعلق بين شيئين كتردده بين
عنوانين - كما إذا تردد شخص معين وجب إكرامه بين العالم والجاهل
أو بين الهاشمي وغيره مثلا - لا يقدح في العلم بالحكم الذي
يدور عليه التحريك، ولا يوجب صحة الاعتذار عن المخالفة بإجمال
المتعلق، فإذا قتل العبد شخصين يعلم إجمالا بأن أحدهما ابن
المولى،
فهل يصح اعتذاره بإجمال العلم وعدم كونه تفصيليا حتى يكون
منجزا.
فتوهم اعتبار تميز المتعلق عن غيره خارجا ومعرفة خصوصياته في
تنجيز العلم للتكليف وتقبيح العقل مخالفته الموجبة لاستحقاق
العقوبة، حيث إن حكمه بالتنجيز وقبح مخالفة المولى ليس الا فيما
إذا علم بالمخالفة حين الارتكاب لا بعده كالعلم بحصول المخالفة في
الشبهات البدوية، ومن المعلوم أن العلم بالمخالفة حين الارتكاب
منوط بتميز متعلق التكليف عن غيره، فحال العلم الاجمالي كحال
الشك البدوي في عدم تنجز التكليف به فاسد، للفرق الواضح
164



بين العلم الاجمالي والشك البدوي، لوصول التكليف إلى المكلف
في الأول، ولذا يصدق التمرد على المولى بارتكاب بعض الأطراف
فيه، دون الثاني، ومن المعلوم حكم العقل بقبح التمرد وحسن
المؤاخذة عليه، وليس هذا الا لتنجز الحكم ووصوله إلى المكلف
بنفس
العلم به ولو مع عدم تميز متعلقه، فلا وجه لقياس العلم الاجمالي
بالشبهات البدوية، لصدق وصول التكليف في الأول، ولذا لا تجري
فيه
قاعدة قبح العقاب بلا بيان، دون الثاني، لجريانها فيه، ولذا لا يصدق
التمرد على المولى على ارتكاب شئ من أطراف الشبهات البدوية
بعد الفحص.
الثالث: أن ملاك استحقاق العقوبة هو هتك حرمة المولى والطغيان
عليه بالخروج عن رسوم العبودية، حيث إن ذلك كله ظلم عليه، وهذا
الملاك مفقود مع الجهل بالحكم، فارتكاب مبغوض المولى في هذا
الحال ليس خروجا عن زي العبودية ورسم الرقية، لاستناده إلى
مؤمن وهو قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
وهذا بخلاف العلم بالحكم، فان عدم المبالاة به هتك لحرمة السيد و
ظلم عليه سواء أكان العلم به تفصيليا أم إجماليا كما عرفت آنفا. و
لا فرق في حكم العقل بلزوم تحصيل اليقين بالبراءة عما اشتغلت به
الذمة قطعا بين كون الاشتغال ثابتا بالعلم التفصيلي والاجمالي.
الرابع: أن الظلم الذي يكون هتك حرمة المولى من مصاديقه قبيح
ذاتا، لأنه بنفسه وبعنوانه محكوم بالقبح، وليس مثل الكذب الذي هو
مقتض للقبح لا علة تامة له، ولذا يتخلف عنه إذا طرأ عليه عنوان
حسن كإصلاح أو إنجاء نفس محترمة.
165



والحاصل: أن القبح لا يتخلف عن الظلم.
إذا عرفت هذه الأمور تعرف: أن العلم الاجمالي يوجب تنجز الحكم،
لانكشافه به كانكشافه بالعلم التفصيلي ويكون بيانا رافعا لموضوع
البراءة، ومعه لا مجال لجعل الجهل بمتعلقه عذرا شرعا أو عقلا، لان
مخالفته تعد بنظر العقل ظلما على المولى وقبيحا ذاتا. نعم لا بأس
بجعله عذرا مع التصرف في المعلوم بأن يكون العلم التفصيلي به
دخيلا في بلوغه إلى مرتبة الفعلية، لكنه خلف، لان الكلام في طريقية
العلم له وعدم موضوعيته.
وبالجملة: فالعلم الاجمالي علة تامة للتنجيز كالعلم التفصيلي، و
الانبعاث عن التكليف الإلزامي المعلوم الاجمالي لا يحصل إلا بفعل
طرفي
العلم الاجمالي أو أطرافه فيما إذا كان الحكم الوجوب، والترك كذلك
إذا كان هو الحرمة، والا فالاقتصار على أحد الطرفين فعلا أو
تركا يكون انبعاثا عن الواقع المحتمل، لا عن الحكم اللزومي المعلوم
المتعلق بما لا يخرج عن الطرفين بما هو معلوم، بل يعد في نظر
العقل ممن لا يبالي بما علمه من الحكم اللزومي، وعدم المبالاة به
خروج عن رسوم العبودية وظلم على المولى، ومن المعلوم صدق
عدم
المبالاة على المخالفة القطعية العملية كصدقه على ترك الموافقة
القطعية، فالاكتفاء بالموافقة الاحتمالية يصدق عليه عدم الاعتناء
بالحكم
اللزومي المعلوم، إذ الاعتناء به انما هو بفعل ما يوجب القطع بفراغ
ذمته عن ذلك الحكم الذي اشتغلت به يقينا.
فلا يصغى إلى ما قيل أو يمكن أن يقال من: (أن مقتضى عدم العلم
بخصوصية
166



متعلق العلم الاجمالي وتردده بين طرفين مثلا هو تنجز الحكم بمقدار
تعلق به العلم، وهو عدم خروج متعلقه عنهما، وذلك لا يقتضي الا
حرمة فعلهما فقط فيما إذا كان المعلوم الاجمالي الحرمة، أو تركهما
كذلك إذا كان المعلوم الوجوب، وهذا هو المسمى بالمخالفة
القطعية. وأما وجوب الموافقة القطعية وكذا حرمة المخالفة
الاحتمالية، فلا يقتضيهما تنجز الحكم المزبور بالعلم الاجمالي أصلا.
فدعوى كون العلم الاجمالي علة تامة للتنجز بالنسبة إلى كل من
وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة كذلك خالية عن الشاهد).
وجه عدم الاصغاء: ما عرفته من أن الظلم الذي هو قبيح ذاتا يصدق
على الاكتفاء بأحد طرفي العلم الاجمالي فعلا أو تركا، لأنه من عدم
المبالاة بأمر المولى ونهيه الذي هو خروج عن وظيفة العبودية، حيث إن
الانبعاث عن الأمر والنهي بما هما معلومان منوط بالاعتناء
بطرفي العلم لا بأحدهما.
فان قلت: لازم ما ذكرت استحقاق العقوبة مطلقا ولو كان ما اقتصر
عليه من أحد الطرفين مصادفا للواقع كما إذا علم إجمالا بوجوب
إحدى الصلاتين الظهر والجمعة مثلا وأتى بالجمعة وكانت هي
الفريضة واقعا، مع أن استحقاقها على ترك الظهر حينئذ بلا موجب.
قلت: لا بأس بالالتزام بذلك بعد ما عرفت في مبحث التجري من أن
مناط استحقاق العقوبة هو هتك حرمة المولى والطغيان عليه، لوجود
هذا المناط هنا، حيث إن الاقتصار على أحد الطرفين ينطبق عليه عدم
المبالاة بأحكام المولى كما مر آنفا فلاحظ.
فتلخص من جميع ما ذكرنا: أن العلم الاجمالي كالتفصيلي علة تامة
للحجية
167

لا يبعد أن يقال [ربما يقال:] ان التكليف حيث لم ينكشف به تمام
الانكشاف وكانت مرتبة الحكم الظاهري معه محفوظة [1]

وتنجيز متعلقه من الاحكام مطلقا سواء كانت من نوع واحد أم نوعين.
وسيأتي إن شاء الله تعالى سائر ما يتعلق بالعلم الاجمالي من
المباحث في التعاليق الآتية.
[1] قد ظهر من التعليقة السابقة: أن العلم الاجمالي كالتفصيلي بيان
للتكليف وموجب لوصوله إلى العبد وفعلية باعثيته وزاجريته، وأن
عدم تميز متعلقه عن غيره لا يقدح في شئ من ذلك، لأجنبيته عن
مناط التنجيز وهو وصول التكليف به كوصوله بالعلم التفصيلي، و
بعد الوصول والبيان يرتفع موضوع البراءة العقلية والشرعية - الذي
هو الجهل بالحكم وعدم البيان - ومع ارتفاعه لا مجال لدعوى
محفوظية مرتبة الحكم الظاهري مع العلم الاجمالي، فان مرتبته هي
الجهل بالحكم وعدم وصوله، وقد عرفت عدم قصور في بيانية
العلم الاجمالي له ورافعيته للجهل به.
وعليه، فالترخيص في مورده يناقض التكليف الواقعي المعلوم
بالاجمال، ومرجع دعوى المصنف (قده) لمحفوظية مرتبة الحكم
الظاهري في أطراف العلم الاجمالي إلى دخل العلم التفصيلي في
فعلية الحكم بأن يتميز متعلقه عن غيره، وأما مع عدم التميز فلا فعلية
له،
فلا مانع حينئذ من جريان الأصول في أطراف العلم الاجمالي كلا أو
بعضا كجريانها في الشبهات البدوية والشبهة غير المحصورة.
وأنت خبير بما فيه أما دعوى محفوظية مرتبة الحكم الظاهري في
العلم
168



الاجمالي، ففيها: ما مر في التعليقة السابقة من كون العلم الاجمالي
كالتفصيلي بيانا بنظر العقل بحيث يرتفع معه موضوع قاعدة قبح
العقاب بلا بيان.
ومن أن ارتكاب بعض الأطراف داخل في التجري الذي هو قبيح ذاتا
كقبح المعصية، فالاذن في ارتكابه اذن في ارتكاب القبيح الذاتي، و
هو لا يصدر من الشارع الحكيم، فحال العلم الاجمالي حال العلم
التفصيلي في العلية التامة لتنجيز الحكم من غير فرق بينهما أصلا.
وفعلية الحكم لا تتوقف على العلم أصلا لا إجماليا ولا تفصيليا، بل
تتوقف على تحقق موضوعه خارجا، فالحكم ينشأ بنحو القضية
الحقيقية كقولنا:
(المستطيع يحج) ومتى وجد المستطيع في الخارج صار وجوب
الحج فعليا سواء علم به المكلف أم لا، وبعد العلم به يصير الوجوب
منجزا.
وأما قياس العلم الاجمالي بالشبهات البدوية والشبهة غير
المحصورة، فهو مع الفارق. أما الشبهات البدوية فلان استحقاق
العقوبة فيها
بنظر العقل منوط بالبيان ووصول التكليف إلى العبد، لان مجرد وجود
التكليف واقعا لا يكفي في حكم العقل باستحقاق العقوبة،
فقاعدة قبح العقاب بلا بيان تجري فيها بلا مانع.
وكذا كل أصل شرعي ناف للتكليف في ظرف الجهل به كحديث
الرفع، لكنه إرشاد حقيقة إلى حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان بلسان
نفي الملزوم وهو التكليف، فلا ينافي الحكم الواقعي، لان الترخيص
حينئذ حكم عقلي مترتب على الجهل بالواقع، وليس حكما شرعيا
حتى يناقض أو يضاد الواقع، ويتكلف في الجمع بينهما بالوجوه التي
جمع بها بين الحكم الواقعي والظاهري.
وان شئت فقل: ان موضوع حكم العقل بحسن الإطاعة وقبح
المعصية
169



هو الحكم الواصل إلى العبد، لا الحكم بوجوده الواقعي، فإنه قبل
وصوله إليه لا يحركه ولا يبعثه ويقبح على المولى مؤاخذته عليه.
وكذا الحال في الأصول الشرعية المثبتة الترخيص مثل (كل شئ
حلال) أو (مطلق) ونحوهما، فان مفادها ليس الا الترخيص المترتب
على نفي الواقع المنجز المتحد حقيقة مع حكم العقل بقبح العقاب بلا
بيان، بل هو هو كما لا يخفى.
وأما ما في تقريرات بعض أعاظم العصر دامت أيام إفاداته الشريفة
(من الالتزام بجعل الحكم الظاهري ودفع منافاته للحكم الواقعي
بدعوى: أن الأحكام الشرعية لا مضادة بينها في أنفسها إذ ليس الحكم
الا الاعتبار أي اعتبار شئ في ذمة المكلف من الفعل أو الترك و
من الواضح عدم التنافي بين الأمور الاعتبارية، وكذا لا تنافي بين
إبرازها بالألفاظ، بأن يقول المولى افعل كذا ولا تفعل كذا كما هو
ظاهر، وانما التنافي بينها في موردين: الأول في المبدأ الثاني في
المنتهى والمراد بالمبدأ ملاك الحكم وبالمنتهى مقام الامتثال.
والتنافي في هذين الموردين مفقود بين الاحكام الواقعية والظاهرية
في الشبهات البدوية، حيث إن وجه التنافي بينهما في المبدأ هو
اجتماع المصلحة والمفسدة والإرادة والكراهة في شئ واحد، و
وجه التنافي بينهما في مقام الامتثال هو عدم القدرة على امتثال كلا
الحكمين ومن المعلوم انتفاء المنافاة بكلا قسميها في الشبهات
البدوية، أما من ناحية المبدأ فلتعدد متعلق المصلحة والمفسدة،
حيث إنه
في إحداهما متعلق الحكم الواقعي كشرب التتن، وفي الأخرى نفس
الحكم الظاهري كحليته، ومع تعدد المتعلق لا تنافي بينهما.
170



وأما من ناحية المنتهي فلعدم لزوم امتثال الحكم الواقعي المجهول
حتى ينافي لزوم امتثال الحكم الظاهري.
فالمتحصل: أن مورد التنافي بين الحكمين وهو المبدأ والمنتهي
مفقود في الشبهات البدوية، وأما نفس الحكمين فلا تنافي بينهما
لأنهما من الأمور الاعتبارية).
فلا يخلو من الغموض، لان الاحكام وان كانت من الأمور الاعتبارية بلا
إشكال، الا أن اعتباريتها ليست بمعنى إنشائها بلا ميزان و
ضابط، إذ ليس الانشاء مجرد التلفظ ولقلقة اللسان كتلفظ الهازل، بل
معنى اعتباريتها إنشاؤها في وعاء الاعتبار في قبال وعائي
الذهن والعين، ومن المعلوم أن الاعتبار الصحيح الذي يترتب عليه
الآثار الشرعية لا يجتمع مع اعتبار آخر صحيح، فإذا أنشئ ملكية عين
شخصية لزيد مثلا في زمان لا يصح إنشاء ملكيتها لعمرو أيضا بحيث
يصير كل منهما مالكا لتمامها في آن واحد.
وعليه، فالتنافي بين الحكمين الواقعي والظاهري موجود في نفس
اعتبارهما، وهذا التنافي كاف في المنع عن تشريع الحكم الظاهري.
نعم إذا أغمض عن التنافي بين نفس الحكمين كان منعه بينهما في
المبدأ والمنتهى في محله، لكن لا تصل النوبة إليه مع المنافاة بين
نفسهما، فالأولى إنكار الحكم الظاهري رأسا. هذا كله في الشبهات
البدوية.
وأما الشبهة غير المحصورة فلارتفاع الحكم الواقعي أو فعليته فيها -
كما أفاده مد ظله - اما لخروج بعض الأطراف عن مورد الابتلاء و
اما للزوم الحرج أو
171



الضرر، أو اختلال النظام من الامتثال، ومع انتفاء الحكم الواقعي ينتفي
موضوع اجتماع الحكمين هذا على تقدير عدم إنكار الحكم
الظاهري، إذ ليس حينئذ الا حكم واحد، ومع إنكاره لا حكم أصلا،
فلا يلزم اجتماع الحكمين في شئ من الصورتين.
وأما ما أفيد من قيام أحد الملاكين بالمتعلق والاخر بنفس الحكم.
ففيه: أنه وان كان مجديا في نفي التنافي بين نفس الملاكين لقيامهما
بشيئين، لكنه غير مجد في دفع المنافاة بين نفس الحكمين، لاتحاد
موضوعهما كشرب التتن، والملاكات كالجهات التعليلية للأحكام لا
الجهات التقييدية، فقيام أحد الملاكين بنفس شرب التتن والاخر
بالحكم الظاهري كحليته لا يوجب تعدد موضوع الحكمين حتى يرتفع
المنافاة بينهما.
فتلخص من جميع ما ذكرناه أمور:
الأول: أن العلم الاجمالي علة تامة للتنجيز كالعلم التفصيلي.
الثاني: إنكار الحكم الظاهري وكون الأصول المرخصة إرشادا إلى
الحكم العقلي وهو قبح العقاب بلا بيان، من دون حكم مولوي
بالإباحة والحل.
الثالث: أن الالتزام بالحكم الظاهري يوجب الاستحالة وهي اجتماع
الضدين أو النقيضين لتنافي نفس الحكمين أو نحوهما وتعدد متعلق
الملاك لا يدفع هذه الغائلة لما مر.
الرابع: أنه بناء على القول بالحكم الظاهري لا يجري شئ من الأصول
العملية في أطراف العلم الاجمالي، لانتفاء موضوعها وهو الجهل
بالحكم، بداهة
172



أنه يزول بسبب العلم الاجمالي، لما تقدم من أنه بيان للتكليف وحجة
عليه، ومع العلم به وانكشافه لا تكون مرتبة الحكم الظاهري
محفوظة حتى تجري الأصول في أطرافه، فمناط عدم جريانها في
أطراف العلم الاجمالي هو مناط عدم جريانها في المعلوم بالعلم
التفصيلي، فالمانع عن جريانها ثبوتي لا إثباتي كما في رسائل شيخنا
الأعظم (قده).
وان شئت فقل: ان تشريع الأصول في الأطراف ممتنع، فالمحذور
يكون في نفس جعلها، لا لأجل منافاتها للإطاعة واستلزام جريانها
للمخالفة القطعية، ولذا لا نقول بجريانها ولو في صورة عدم لزوم
المخالفة كاستصحاب نجاسة الإناءين اللذين كانا متنجسين وعلم
إجمالا بطهارة أحدهما.
ودعوى: أن عدم جريانها فيهما انما هو لعدم ترتب الأثر عليه، لكفاية
العلم الاجمالي في لزوم الاجتناب عنهما، لا لمانعية العلم عن
جريانه، غير مسموعة، لان أثر جريانه لزوم الاجتناب عن ملاقي أحد
الإناءين، لأنه ملاق لمستصحب النجاسة الذي هو كمعلوم النجاسة
في لزوم الاجتناب عن ملاقيه، بخلاف عدم جريان الاستصحاب، فإنه
لا يجب الاجتناب عن الملاقي كغيره مما يلاقي بعض أطراف الشبهة
المحصورة.
الخامس: أن حجية العلم الاجمالي بنحو العلية التامة لا تمنع عن
تصرف الشارع في مرحلة الفراغ بالاكتفاء بأحد المحتملات بجعله
واقعا
تنزيليا، كما لا تمنع عن تصرفه في الفراغ عن الحكم المعلوم تفصيلا
كموارد قاعدتي التجاوز والفراغ واستصحاب الطهارة، فان حكم
العقل بلزوم تحصيل اليقين بالفراغ انما هو للتأمين من العقوبة، ومع
تأمين الشارع منها لا يبقى موضوع لحكم العقل
173

جاز (1) الاذن من الشارع بمخالفته احتمالا (2) بل قطعا (3)، و
محذور مناقضته (4)

بذلك. وان شئت فقل: ان حكم العقل في باب الإطاعة معلق على
عدم تصرف الشارع في كيفيتها، وهذا غير حكمه بتنجيز العلم
الاجمالي
كالعلم التفصيلي، وقد عرفت عدم المنافاة بين حجية العلم الاجمالي
بنحو العلية التامة وبين الاكتفاء بالفراغ الاحتمالي تعبدا.
174

مع المقطوع إجمالا انما (1) هو محذور مناقضة الحكم الظاهري مع
الواقعي في الشبهة غير المحصورة، بل الشبهة البدوية (2).
[لا يقال: ان التكليف فيهما لا يكون بفعلي. فإنه يقال: كيف المقال في
موارد ثبوته في أطراف غير محصورة أو في الشبهات البدوية، مع
القطع به أو احتماله أو بدون ذلك 3 (] ضرورة (4) عدم
175

تفاوت في المناقضة بين التكليف (1) الواقعي والاذن في الاقتحام [
بالاقتحام] في مخالفته بين الشبهات (2) أصلا [في المناقضة بينهما
بذلك أصلا] فما به التفصي (3) عن المحذور فيهما كان (4) به
التفصي عنه في القطع به في الأطراف المحصورة أيضا (5) كما لا
يخفى.
وقد أشرنا (6)
176

إليه (1) سابقا، ويأتي إن شاء الله مفصلا (2).
نعم (3) كان العلم الاجمالي كالتفصيلي في مجرد الاقتضاء لا في
العلية التامة (×)

(×) لكنه لا يخفى أن التفصي عن المناقضة على ما يأتي لما كان بعدم
المنافاة والمناقضة بين الحكم الواقعي ما لم يصر فعليا، والحكم
الظاهري الفعلي كان الحكم الواقعي في موارد الأصول والامارات
المؤدية إلى خلافه لا محالة غير فعلي، وحينئذ فلا يجوز العقل مع
القطع بالحكم الفعلي الاذن في مخالفته، بل يستقل مع قطعه ببعث
المولى أو زجره ولو إجمالا بلزوم موافقته وإطاعته. نعم لو عرض
بذلك عسر موجب لارتفاع فعليته شرعا أو عقلا، كما إذا كان مخلا
بالنظام فلا تنجز حينئذ، لكنه لأجل عروض الخلل بالمعلوم، لا
لقصور العلم عن ذلك كما كان الامر كذلك فيما إذا أذن الشارع في
الاقتحام، فإنه أيضا موجب للخلل في المعلوم، لا للمنع عن تأثير العلم
شرعا، وقد انقدح بذلك أنه لا مانع عن تأثيره شرعا أيضا، فتأمل
جيدا.
177

فيوجب تنجز التكليف أيضا (1) لو لم يمنع عنه (2) مانع عقلا كما كان
في أطراف كثيرة (3) غير محصورة، أو شرعا كما فيما أذن
الشارع في الاقتحام فيها (4) كما هو (5) ظاهر (كل شئ فيه حلال و
حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه).
178

وبالجملة (1): قضية صحة المؤاخذة على مخالفته (2) مع القطع به
بين أطراف [أفراد] محصورة وعدم (3) صحتها مع عدم حصرها أو
مع
الاذن (4) في الاقتحام فيها هو (5) كون القطع الاجمالي مقتضيا
للتنجز لا علة تامة. [1]

[1] قد عرفت في التعليقة السابقة: أن عدم صحة المؤاخذة في الشبهة
غير المحصورة انما هو لأجل ارتفاع التكليف المعلوم إجمالا بعدم
القدرة على الامتثال، أو بالضرر، أو بالحرج، وليس نفس عدم الحصر
مانعا عن تأثير العلم الاجمالي في التنجيز حتى يقال: ان تأثيره
فيه بنحو الاقتضاء لا العلية التامة.
كما أن الاذن في الاقتحام في بعض أطراف الشبهة المحصورة لا يدل
على كون العلم الاجمالي مقتضيا للحجية لا علة تامة لها، وذلك لما
مر في التعليقة السابقة من أن تصرف الشارع في مرحلة الفراغ عن
التكليف الثابت بالعلم الاجمالي
179

وأما احتمال أنه (1) بنحو الاقتضاء بالنسبة إلى لزوم الموافقة القطعية
وبنحو العلية بالنسبة إلى الموافقة الاحتمالية وترك المخالفة

كتصرفه في الفراغ عن التكليف المحرز بالعلم التفصيلي لا ينافي تنجيز
العلم بنحو العلية التامة، فلاحظ.
180

القطعية، فضعيف (1) جدا، ضرورة أن احتمال ثبوت المتناقضين [) 2
المناقضة] كالقطع بثبوتهما [) 3 بثبوتها]
181

في الاستحالة، فلا يكون (1) عدم [هدم] القطع بذلك (2) معهما [
معها] موجبا لجواز الاذن في الاقتحام (3)، بل لو صح معهما [) 4
معها]
الاذن في المخالفة الاحتمالية صح في القطعية أيضا (5)، فافهم (6).
182

ولا يخفى أن المناسب (1)
183

للمقام (1) هو البحث عن ذلك (2)، كما أن (3) المناسب في باب
البراءة والاشتغال بعد الفراغ هاهنا (4) عن أن تأثيره في التنجز بنحو
(5) الاقتضاء لا العلية هو البحث عن ثبوت المانع شرعا أو عقلا، و
عدم ثبوته.
كما لا مجال بعد البناء على أنه (6) بنحو العلية للبحث عنه هناك (7)
أصلا، كما لا يخفى. هذا (8)
185

بالنسبة إلى إثبات التكليف وتنجزه به (1).
وأما سقوطه به (2) بأن يوافقه إجمالا فلا إشكال فيه (3) في
التوصليات، وأما في العبادات [) 4 العبادة] فكذلك (5) فيما لا
يحتاج إلى التكرار،
186

كما إذا ترددت عبادة [تردد أمر عبادة] بين الأقل والأكثر، لعدم (1)
الاخلال بشئ مما يعتبر أو يحتمل اعتباره (2) في حصول الغرض
منها مما (3) لا يمكن أن يؤخذ فيها، فإنه [) 4 لكونه] نشأ من قبل
الامر بها كقصد (5) الإطاعة، والوجه والتميز [) 6 التمييز]
187

فيما (1) إذا أتى بالأكثر، ولا يكون إخلال حينئذ (2) الا بعدم إتيان ما
احتمل جزئيته (3) على تقديرها بقصدها (4)، واحتمال دخل
قصدها (5) في حصول الغرض ضعيف في الغاية وسخيف إلى النهاية.
188

وأما (1) فيما احتاج إلى التكرار، فربما يشكل من جهة الاخلال
بالوجه تارة (2)

[1] ومع الغض عن الاطلاق المقامي، وتسليم اعتبار قصد الجزئية
يمكن منع اعتباره في المقام أيضا، لاختصاصه بصورة العلم بها. وأما
مع الجهل بها فلا دليل على اعتباره فيه، إذ لا إطلاق في دليله، و
المتيقن منه هو صورة العلم بها.
189

وبالتميز [وبالتمييز] أخرى (1)، وكونه (2) لعبا وعبثا ثالثة.
وأنت خبير (3)
190

بعدم الاخلال بالوجه بوجه (1) في الاتيان مثلا بالصلاتين المشتملتين
على الواجب لوجوبه (2)، غاية (3) الامر أنه لا تعيين له ولا تميز
(4)، فالاخلال انما يكون به، واحتمال (5)
191

اعتباره أيضا (1) في غاية (2) الضعف، لعدم (3) عين منه ولا أثر في
الاخبار، مع أنه (4) مما يغفل عنه غالبا،
192

وفي مثله لا بد من التنبيه على اعتباره ودخله (1) في الغرض، والا
(2) لأخل بالغرض كما نبهنا عليه سابقا.
وأما كون التكرار لعبا وعبثا، فمع [1]

[1] العبارة لا تخلو عن قصور، فالأولى أن تكون هكذا: (ففيه - مع أنه
ممنوع، إذ يمكن أن يكون التكرار لداع عقلائي فلا يكون عبثا -
أنه لو سلم كونه لعبا وعبثا فهو انما يضر. إلخ).
وكيف كان يندفع إشكال العبثية بنشوء التكرار عن داع عقلائي، بداهة
عدم كونه حينئذ لعبا عندهم، فما في تقرير بعض الأعاظم من
(أن هذا الجواب غير واف بدفع الاشكال، لان اللعب ان سرى إلى
نفس الامتثال لا يجدي كونه بغرض عقلائي، إذ الكلام في العبادة
المتوقفة على قصد القربة، ولا يجدي في صحتها مطلق اشتمالها على
غرض عقلائي، بل لا بد من صدورها عن قصد التقرب،
193

أنه (1) ربما يكون لداع عقلائي [عقلاني] انما (2) يضر إذا كان لعبا
بأمر

و اللعب لا يوجب القرب، فلا يصح التقرب به).
لا يخلو من الغموض، ضرورة أنه بالغرض العقلائي تنتفي لعبية
التكرار، لامتناع اجتماع الغرض العقلائي واللعبية، حيث إنهما ضدان،
فلم يظهر معنى لقوله: (لان اللعب ان سرى إلى نفس الامتثال. إلخ)
لان السراية فرع وجود الساري، وهو منتف بالفرض.
مع أنه بعد فرض وجود اللعب مع الغرض العقلائي كيف يسري إلى
نفس الامتثال المتحقق بإتيان المأمور به الواقعي، مثلا إذا كرر
الصلاة في الثوبين المشتبهين مع كون التكرار لغرض عقلائي، فان
الامتثال يتحقق بفعل الصلاة في الثوب الطاهر، فهل تسري إليها
لعبية الصلاة الأخرى الواقعة في الثوب المتنجس؟ وهل يتصور بينهما
رابط يوجب هذه السراية؟ وأما قصد القربة فالمفروض حصولها،
لكون الاتيان بقصد إطاعة الامر.
194

المولى (1)، لا في كيفية إطاعته (2) بعد حصول الداعي إليها (3)، كما
لا يخفى. هذا (4)
195

كله في قبال ما إذا تمكن من القطع تفصيلا بالامتثال [1]

[1] فعلى ما ذكره المصنف (قده) يكون الامتثال الاحتياطي في عرض
الامتثال العلمي التفصيلي، وهو الذي ينبغي المصير إليه، خلافا
للمحقق النائيني (قده) لذهابه إلى أنه في طول الامتثال العلمي
التفصيلي (نظرا إلى اعتبار العلم التفصيلي بانطباق المأمور به على
المأتي
به حين العمل في الإطاعة عقلا، وهو مفقود في الامتثال الاحتياطي
المتوقف على التكرار، لعدم انبعاث العبد إلى إتيان كل فرد إلا عن
احتمال الامر دون العلم به، مع أنه يعتبر عقلا في الإطاعة الحقيقية
الانبعاث عن الامر المعلوم تفصيلا، فمع التمكن منه لا تصل النوبة إلى
الإطاعة الاحتياطية.
ولو فرض شك في جوازها مع إمكان الإطاعة العلمية التفصيلية
فأصالة الاشتغال تقضي بعدم الاجزاء، حيث إن الشك في كيفية
الإطاعة
عقلا لا في دخل شئ في المأمور به شرعا حتى تجري فيه البراءة. و
من المعلوم أن الشك في مرحلة الفراغ مجرى قاعدة الاشتغال لا
البراءة.
نعم لا بأس بالامتثال الاحتياطي فيما إذا دار المعلوم بالاجمال بين
الأقل والأكثر، كدوران الامر بين جزئية السورة للصلاة وعدمها، و
ذلك لتحقق الامتثال التفصيلي بالنسبة إلى جملة العمل، للعلم بتحقق
الامر بجملته وان كان تعلقه بالجز مشكوكا فيه) انتهى كلامه
ملخصا.
وفيه: أن المقام ليس من إطاعة الامر الاحتمالي - بعد تسليم اعتبار
العلم بالامر عقلا في الإطاعة - وذلك لان كل فرد لا يؤتى به
الابداعي الامر القطعي، إذ المفروض حصول العلم به كالصلاة في
الثوبين المشتبهين، أو المرددة بين
196



القصر والاتمام، بالاتيان بكل فرد يكون بداعي الامر القطعي لا الامر
الاحتمالي، وعدم تميز متعلقه لا يرفع قطعية الامر ولا يوجب
انقلاب الانبعاث عن الامر القطعي إلى الانبعاث عن الامر الاحتمالي.
وأما ما أفاده في مرجعية الاشتغال إذا شك في جواز الامتثال
الاحتياطي مع التمكن من العلم التفصيلي، ففيه: أن قصد القربة وما
يتعلق
به ان كان معتبرا فاعتباره شرعي لا عقلي كما تقدم تفصيله في الجز
الأول من هذا الشرح، فلو شك في اعتبار تميز متعلق الامر خارجا
في الإطاعة عقلا فالمرجع الاطلاق المقامي، والا فأصل البراءة لا
قاعدة الاشتغال.
ثم إن هنا أمرا ينبغي التنبيه عليه، وهو: أنه كما يجري الاحتياط في
التعبديات كالصلاة - على ما تقدم آنفا - كذلك يجري في
التوصليات، فإذا علم إجمالا باشتغال ذمته بدينار لزيد أو لعمرو، فلا
إشكال في جريان الاحتياط حينئذ بأن يعطي دينارا لزيد ودينارا
لعمرو، وحصول اليقين بالفراغ وبراءة ذمته به.
وفي الوضعيات كالطهارة، فإذا اغتسل أو توضأ بمائعين أحدهما ماء
مطلق والاخر مضاف، أو غسل بهما متنجسا ارتفع الحدث والخبث.
وكذلك يجري الاحتياط في العقود والايقاعات، فلو أنشأ البيع أو
الطلاق بصيغ متعددة يعلم إجمالا بصحة إحداها وترتب الأثر عليها
حكم بتحقق البيع أو الطلاق.
والاشكال فيه - كما عن شيخنا الأعظم (قده) - (بأن الاحتياط ينافي
الجزم المعتبر في الانشاء، ولذا لا يصح التعليق في الانشائيات
إجماعا) مندفع بأن
197



التعليق تارة ينشأ من تردد المنشئ في إنشائه لأجل أمور خارجية
كقدوم الحجاج ونحوه بأن يقول: (بعتك المتاع الفلاني ان قدم الحاج
في هذا اليوم أو ان كنت عالما أو هاشميا أو ابن زيد مثلا) فان تعليق
الانشاء في مثل هذه الموارد مانع عن صحته، لعدم جزم المنشئ بما
أنشأه من الامر الاعتباري النفساني، إذ المفروض جهله بحصول
المعلق عليه.
وأخرى ينشأ من عدم علمه بإمضاء الشارع له مع جزمه بما أنشأه من
الاعتبار النفساني، فعدم جزمه ليس الا من جهة جهله بالسبب المؤثر
شرعا في ترتب الأثر. والقادح في صحة الانشاء هو الأول دون الثاني،
ولذا لو عامل الوالد مع ولده معاملة ربوية، أو طلق شخص
زوجته - التي لم يدخل بها - حال الحيض أو تزوج بأخت زوجته
المطلقة بائنا في عدتها، أو بالربيبة بعد تطليق أمها قبل الدخول بها و
غير ذلك جاهلا بإمضاء الشارع لها ثم انكشف صحتها، فلا إشكال في
ترتب آثار الصحة عليها، بل لا ينبغي التأمل في صحتها مع العلم
بعدم إمضاء الشارع لها وانكشاف خطائه، حيث إن موضوع إمضائه -
وهو الاعتبار النفساني المنشأ جزما من ناحية المنشئ - قد تحقق
بالفرض، وليس علم المنشئ بترتب الأثر الشرعي على إنشائه دخيلا
في الموضوع، لخروجه عما هو فعله وتحت اختياره.
فالنتيجة: أن الانشاء جزمي لا تعليق فيه، وهو الموضوع لامضاء
الشارع، والمردد هو السبب المؤثر والممضى شرعا، لتردده بين هذا و
ذاك، وبالجمع بينهما يحصل العلم بتحقق ما هو الموضوع لامضاء
الشارع، فيجري الاحتياط في العقود والايقاعات كجريانه في
العبادات والتوصليات والوضعيات.
198

وأما إذا لم يتمكن الا من الظن به كذلك (1)
199

فلا إشكال في تقديمه (1) على الامتثال الظني لو لم يقم (2) دليل
على اعتباره الا فيما إذا لم يتمكن منه (3).
وأما (4) لو قام على اعتباره مطلقا (5) فلا إشكال في الاجتزاء بالظني.
كما (6) لا إشكال في الاجتزاء بالامتثال الاجمالي في قبال الظني
بالظن المطلق المعتبر بدليل الانسداد بناء (7) على أن يكون من
مقدماته
200

عدم وجوب الاحتياط. وأما (1) لو كان من مقدماته بطلانه [1]
لاستلزامه (2) العسر المخل بالنظام، أو لأنه (3) ليس من وجوه الطاعة والعبادة،

[1] بطلان الاحتياط هو مبنى الكشف، كما أن عدم وجوبه مبنى
الحكومة، فتعين الامتثال الظني المترتب على بطلان الاحتياط انما هو
على الكشف دون الحكومة، إذ المفروض جواز الاحتياط عليها لا
بطلانه.
ومن هنا يظهر: أن تعجب الشيخ الأعظم (قده) من ذهاب من يعمل
بالطرق والامارات من باب الظن المطلق إلى تقديم الامتثال الظني
على الاحتياطي في محله، لان حجية الظن كشفا متوقفة على بطلان
الاحتياط لا جوازه، بخلاف حجيته على الحكومة، لجواز الاحتياط
عليها، فتقديم الامتثال الظني عليه - بناء على الحكومة - لا يخلو من
التعجب، إذ لا منشأ لتقديمه عليه بعد فرض جواز الاحتياط أيضا. نعم
لو كان تعجبه (قده) ناشئا من مجرد العمل بالظن المطلق - ولو على
الحكومة - لم يكن في محله.
201

بل هو نحو لعب (1) وعبث بأمر المولى فيما إذا كان بالتكرار كما
توهم، فالمتعين (2) هو التنزل عن القطع تفصيلا إلى الظن كذلك (3).
وعليه (4) فلا مناص عن الذهاب إلى بطلان عبادة تارك طريقي
التقليد والاجتهاد وان احتاط فيها (5)، كما لا يخفى.
هذا بعض الكلام في القطع مما (6) يناسب المقام، ويأتي بعضه الاخر
(7) في مبحث البراءة والاشتغال، فيقع المقال فيما هو المهم
202

من [عن] عقد هذا المقصد وهو [) 1 في] بيان ما قيل باعتباره من
الامارات أو صح أن يقال، وقبل الخوض في ذلك (2)
ينبغي تقديم أمور:
أحدها (3)
203

أنه لا ريب في أن الامارة الغير العلمية (1) ليست كالقطع في كون
الحجية من لوازمها ومقتضياتها [1 [2 بنحو العلية (3)

[1] حتى يذهب القائل بحجية قاعدة المقتضى والمانع إلى أن الظن
مقتض للحجية، فإذا شك في وجود مانع عنها وارتفع بالأصل ثبت
اعتباره، فينقلب أصل عدم حجية الظن بمقتضى قاعدة المقتضى و
المانع إلى أصالة اعتباره.
والمصنف (قده) أنكر اقتضاءه للحجية لئلا يبقى مجال لهذا التوهم.
لكن الأولى إسقاط كلمة (لاقتضائها) لئلا يتوهم رجوع ضميره إلى
الامارات وأنها مقتضية للحجية وان كان الظاهر رجوع الضمير إلى
المقدمات والحالات فهي المقتضية للحجية لا نفس الامارات، فحق
العبارة حينئذ أن تكون هكذا:
(وطرو حالات موجبة لحجيتها).
204

بل مطلقا (1) وأن ثبوتها (2) لها محتاج إلى جعل (3) أو ثبوت (4)
مقدمات وطروء [وطرو] حالات موجبة لاقتضائها (5) الحجية بنحو
الحكومة (6)، وذلك (7) لوضوح (8) عدم اقتضاء غير القطع للحجية
بدون ذلك (9)
205

ثبوتا (1) بلا خلاف [1] ولا سقوطا (2) وان كان ربما يظهر فيه (3) من
بعض (4) المحققين الخلاف والاكتفاء بالظن بالفراغ، ولعله
(5) لأجل عدم لزوم دفع الضرر المحتمل، فتأمل (6).

[1] ان كان غرضه التمسك بنفي الخلاف عند المتشرعة، ففيه: أنه لا
وجه له بعد كون عدم الحجية بمقتضى الوجدان وبناء العقلا كما
عرفت. وان كان غرضه نفي الخلاف عند العقلا فلا بأس به، الا أن
ذكر الوجدان لعله أولى وأمتن.
206

ثانيها (1)
207

في بيان إمكان التعبد بالامارة الغير العلمية شرعا (1) وعدم لزوم
محال [المحال] منه عقلا (2) في قبال دعوى استحالته للزومه (3).
وليس (4) الامكان بهذا المعنى (5) بل مطلقا (6) أصلا متبعا عند العقلا
208

في مقام احتمال ما يقابله (1) من الامتناع، لمنع (2) كون سيرتهم على
(3) ترتيب آثار الامكان عند الشك فيه. ومنع (4) حجيتها لو سلم
ثبوتها، لعدم (5) قيام دليل قطعي على اعتبارها (6)، والظن به (7) لو
كان فالكلام الان في إمكان التعبد به [بها] وامتناعه (8) فما ظنك
به (9)؟ لكن دليل (10
209

وقوع التعبد بها من طرق إثبات إمكانه [1 [1 حيث يستكشف به
عدم ترتب محال من (2) تال باطل، فيمتنع (3) مطلقا (4) أو على
الحكيم (5) تعالى، فلا حاجة [2]

[1] لكن فيه: أن دليل الوقوع ليس دليلا على الامكان بالنسبة إلى من
يدعي الامتناع الوقوعي والاستحالة، إذ المنكر لا يرى ما يدعيه
المثبت من الوقوع واقعا حتى يكون صغرى للكبرى المسلمة، وهي
كون الوقوع أدل دليل على الامكان. وعليه فإذا قام دليل ظاهرا على
وقوع محال فلا بد من طرحه أو تأويله.
[2] عدم الحاجة إلى إثبات الامكان في دعوى الوقوع انما هو مع تسليم
الخصم لدليل الوقوع، وأما مع إنكاره وعدم تسليمه له وبنائه
على الامتناع وطرح
210

معه [) 1 في دعوى الوقوع] إلى إثبات الامكان (2)، وبدونه لا فائدة
في إثباته (3) كما هو واضح. [1]

ما ظاهره الوقوع أو تأويله فلا محيص حينئذ عن إثبات الامكان أولا ثم
إقامة الدليل على الوقوع.
[1] ان كان مراد شيخنا الأعظم (قده) من الامكان المقابل للامتناع و
الوجوب - كما هو ظاهر إطلاق عبارته - فورود ما في المتن من
الاشكالات الثلاثة عليه واضح. ولا يندفع بما في تقرير بحث بعض
الأعاظم، قال المقرر: (أما الوجه الأول فلثبوت بنائهم على الاخذ
بظاهر الكلام ما لم يثبت من العقل استحالته.
وأما الوجه الثاني، فلثبوت حجية بنائهم هذا، لأنه يرجع إلى بنائهم
على حجية الظواهر ما لم يثبت خلافه، ومن الظاهر أن الشارع قد
أمضى بناءهم على حجية الظواهر. وأما الوجه الثالث، فلان مورد
بنائهم هذا في المقام انما هو وقوع الدليل على التعبد، فلا يكون بلا
أثر) إذ هي مبتنية على مقام الاثبات والاستفادة من ظواهر الألفاظ، و
المقام - لكونه ثبوتيا - أجنبي عن ظواهر الألفاظ، إذ لا سبيل إلى
إحراز إمكان ماهية أو امتناعها عند دوران أمرها بينهما الا بالبرهان.
211



وبناء العقلا - بعد تسليم ثبوته - لا يجدي هنا، لعدم الدليل على
حجيته، وانما يكون معتبرا - في موارد اعتباره كظواهر الألفاظ -
بإمضاء الشارع ولو بعدم الردع، وليس مورد البحث منها، فلاحظ.
نعم لا يرد على شيخنا الأعظم ما في تقرير شيخ مشايخنا المحقق
النائيني (قدهما) حيث قال: (والمراد من الامكان المبحوث عنه في
المقام هو الامكان التشريعي، يعني: أن من التعبد بالامارات هل يلزم
محذور في عالم التشريع من تفويت المصلحة والالقاء في
المفسدة، واستلزامه الحكم بلا ملاك، واجتماع الحكمين المتنافيين
وغير ذلك من التوالي الفاسدة المتوهمة في المقام، أو أنه لا يلزم
شئ من ذلك، وليس المراد من الامكان هو الامكان التكويني بحيث
يلزم من التعبد بالظن أو الأصل محذور في عالم التكوين، فان
الامكان التكويني لا يتوهم البحث عنه في المقام وذلك واضح) إذ
فيه: أن الامكان أمر وحداني اعتباري ذهني كالوجوب والامتناع، ولا
ينقسم إلى قسمين تكويني وتشريعي حتى يقال: ان مورد بناء العقلا
هو الامكان التكويني لا التشريعي الذي هو مورد البحث، و
الاختلاف انما يكون في متعلقه، فقد يكون تكوينيا وقد يكون
تشريعيا.
نعم ينقسم الامكان باعتبار علته وجودا وعدما إلى الواجب بالغير و
الامتناع كذلك، لكنه أجنبي عما نحن فيه.
وان كان مراد شيخنا الأعظم (قده) بناء العقلا على الاخذ بظاهر دليل
يدل على وقوع شئ يشك في إمكانه وامتناعه - كما استظهره
بعض الأعاظم
212

وقد انقدح بذلك (1) ما في دعوى شيخنا العلامة أعلى الله مقامه من
كون الامكان عند العقلا مع احتمال الامتناع أصلا والامكان (2) في
كلام الشيخ الرئيس: (كل ما قرع سمعك من الغرائب، فذره في بقعة
الامكان ما لم يذدك (3) عنه واضح البرهان) بمعنى (4) الاحتمال
المقابل للقطع

المذكور - فلا ينبغي الاشكال في ثبوت هذا البناء منهم وحجيته،
لكونه من ظواهر الألفاظ التي هي معتبرة ما لم يقم برهان قطعي على
استحالته، إذ لا بد حينئذ من رفع اليد عن هذا الظاهر بهذا البرهان
القطعي، فلو قام دليل على حجية خبر الواحد وفرض شك في
إمكانها، فلا ريب في أن بناءهم على الاخذ بظاهر دليل الاعتبار.
213

والايقان، ومن الواضح أن لا موطن له (1) الا الوجدان، فهو المرجع
فيه (2) بلا بينة وبرهان.
214

وكيف كان (1)
فما قيل أو يمكن (2) أن يقال في بيان ما يلزم التعبد بغير العلم من
المحال أو الباطل ولو لم يكن بمحال أمور:
أحدها (3)
215

اجتماع المثلين من إيجابين أو تحريمين مثلا فيما (1) أصاب، أو
ضدين من إيجاب وتحريم (2) ومن إرادة وكراهة ومصلحة ومفسدة
ملزمتين (3) بلا كسر وانكسار في البين فيما (4) أخطأ، أو التصويب
(5)
216

وأن لا يكون (1) هناك غير مؤديات [غير مورد] الامارات أحكام.
ثانيها (2): طلب الضدين
فيما أخطأ [إذا أخطأ] وأدى إلى وجوب ضد الواجب (3).
ثالثها (4)
217

تفويت المصلحة أو الالقاء في المفسدة فيما (1) أدى إلى عدم
وجوب (2) ما هو واجب أو عدم حرمة (3) ما هو حرام، وكونه (4)
محكوما
بسائر الاحكام.
والجواب (5): أن ما ادعي لزومه اما غير لازم أو غير باطل،
218

وذلك لان التعبد بطريق غير علمي انما هو بجعل حجيته (1)، و
الحجية (2)
219

المجعولة غير مستتبعة لانشاء أحكام تكليفية بحسب ما أدى إليه (1)
الطريق، بل انما تكون موجبة لتنجز التكليف به إذا أصاب وصحة
الاعتذار به إذا أخطأ [لو أخطأ 2 (] ولو كان مخالفته وموافقته تجريا و
انقيادا مع عدم اصابته (3) كما هو شأن الحجة غير المجعولة (4)،
فلا يلزم (5) اجتماع حكمين مثلين أو ضدين ولا طلب الضدين ولا
اجتماع
220

المفسدة والمصلحة، ولا الكراهة والإرادة كما لا يخفى. وأما تفويت
(1) مصلحة الواقع، أو الالقاء في مفسدته (2) فلا محذور فيه أصلا
إذا كانت في التعبد به (3) مصلحة غالبة [1] على مفسدة التفويت أو
الالقاء. نعم (4)

[1] ظاهر العبارة اعتبار غلبة مصلحة اعتبار الامارة على الواقع في صحة
التعبد بها، لكن التحقيق عدم اعتبارها وكفاية التساوي،
لارتفاع المحذور به أيضا.
الا أن يقال: ان ذلك المحذور وان كان يرتفع بالتعبد بالامارة، لكن
مجرده لا يكفي في التعبد بها ويلغو تشريع الحجية لها حينئذ، بل
لا بد من ملاك آخر مضافا إلى جبر ما يفوت من المصلحة أو يقع فيه
من المفسدة.
221

لو قيل باستتباع (1) جعل الحجية للأحكام التكليفية أو بأنه (2) لا
معنى لجعلها
223

الا جعل تلك الأحكام، فاجتماع حكمين وان كان يلزم، الا (1) أنهما
ليسا بمثلين أو ضدين، لان أحدهما طريقي (2) عن مصلحة في نفسه
(3) موجبة لانشائه الموجب (4) للتنجز أو لصحة (5) الاعتذار
بمجرده [1] من دون

[1] لا يخفى عدم استقامة العبارة، لان الانشاء بنفسه ليس موجبا
للتنجز، بل الموجب له هو العلم بهذا الانشاء، فالطريق غير الواصل
إلى
المكلف ليس
224

إرادة نفسانية أو كراهة كذلك (1) متعلقة (2) بمتعلقه فيما (3) يمكن
هناك انقداحهما، حيث (4) انه مع المصلحة أو المفسدة الملزمتين
في فعل

منجزا للواقع كالطريق الواصل الذي لم يعلم التعبد به شرعا أو عقلا
كما سيأتي، فحق العبارة أن تكون هكذا: (موجبة لانشائه الذي
يوجب العلم به تنجز الواقع عند الإصابة، والعذر عند الخطأ).
225

وان لم يحدث بسببها إرادة أو كراهة في المبدأ الاعلى (1)، الا أنه
تعالى إذا أوحى بالحكم الشأني [الانشائي] من قبل تلك المصلحة أو
المفسدة إلى النبي أو ألهم به (2) الولي فلا محالة ينقدح في نفسه
الشريفة بسببهما (3) الإرادة أو الكراهة (4) الموجبة للانشاء بعثا أو
زجرا، بخلاف (5).
226

ما ليس هناك (1) مصلحة أو [و] مفسدة في المتعلق، بل انما كانت
في نفس إنشاء الامر به (2) طريقيا. والاخر (3) واقعي حقيقي عن (4)
مصلحة أو مفسدة في متعلقه موجبة (5) لإرادته أو كراهته الموجبة
لانشائه (6) بعثا أو زجرا في بعض (7) المبادي العالية وان لم يكن
في المبدأ الاعلى الا العلم بالمصلحة أو المفسدة كما أشرنا (8)، فلا
يلزم (9)
227

أيضا (1) اجتماع إرادة وكراهة، وانما لزم (2) إنشاء حكم واقعي
حقيقي بعثا أو [و] زجرا، وإنشاء حكم آخر طريقي، ولا مضادة بين
الانشاءين (3) فيما إذا اختلفا (4) ولا يكون من اجتماع المثلين
المستحيل فيما اتفقا (5) ولا إرادة (6) ولا كراهة أصلا الا بالنسبة إلى
متعلق الحكم الواقعي (7)،
228

فافهم (1).
نعم (2) يشكل الامر في بعض الأصول العملية كأصالة الإباحة
229

الشرعية، فان الاذن في الاقدام والاقتحام ينافي (1) المنع فعلا كما
فيما صادف الحرام وان كان (2) الاذن فيه لأجل مصلحة فيه (3) لا
لأجل عدم مصلحة أو مفسدة ملزمة في المأذون فيه (4)، فلا محيص
(5) في مثله (6)
231

الا عن [1]

[1] الصواب إسقاط (الا) أو (عن) إذ المقصود إثبات الالتزام بعدم
انقداح الإرادة والكراهة في بعض المبادئ العالية أيضا، وأنه مما لا بد
منه في دفع الاشكال في بعض الأصول العملية، وحينئذ فاما أن يقال:
(فلا محيص الا الالتزام) يعني: أنه لا مفر من الاشكال المذكور الا
الالتزام، فالالتزام هو الذي يدفع الاشكال، وهذا كناية عن ثبوت
الالتزام المذكور. أو يقال: (لا محيص عن الالتزام) أي: لا يوجد شئ
غير الالتزام يفر من الاشكال المذكور إليه، بل الالتزام هو الذي يفر إليه
في دفع الاشكال، وهذا أيضا كناية عن ثبوت هذا الالتزام. و
هذا بخلاف ما إذا قلنا: (لا محيص الا عن الالتزام) فان المعنى -
بمقتضى كلمة المجاوزة - أن الالتزام هو الذي يفر منه إلى غيره، و
يرفع
اليد عنه، دون الاشكال، وأن الاشكال المذكور لا يفر منه ولا يرفع
اليد عنه،
232

الالتزام [1] بعدم انقداح الإرادة أو الكراهة في بعض المبادي العالية

ومعنى ذلك ثبوت الاشكال وتسليمه، وهو خلاف المقصود كما لا
يخفى.
[1] لا يخفى أن الالتزام بعدم انقداح الإرادة والكراهة اللتين هما من
مبادئ الحكم يستلزم كون الحكم اقتضائيا أو إنشائيا محضا، إذ لا
معنى للفعلية بمعنى التنجز في ظرف العلم به مع فرض عدم الإرادة و
الكراهة، إذ معنى التنجز هو استحقاق المؤاخذة على مخالفة الحكم،
ومن المعلوم توقف هذا الاستحقاق على بعث المولى أو زجره
التابعين للإرادة والكراهة، فمع عدمهما لا بعث ولا زجر ولا مخالفة.
وبالجملة: فإنكار انقداح الإرادة والكراهة بالنسبة إلى الحكم الواقعي
يساوق الالتزام بالانشائية التي ذكرها الشيخ الأعظم (قده)، و
لازمه عدم وجوب موافقة مؤديات الامارات، إذ وجوبها منوط بالبعث
أو الزجر المنوطين بالإرادة والكراهة، والامارة لا تنجز الحكم الا
بعد البعث والزجر، إذ يعتبر أن يكون انبعاث العبد عن بعث المولى
لتكون إرادته التكوينية تابعة لإرادة المولى التشريعية، ومع عدم
الإرادة لا بعث فلا انبعاث، هذا.
اللهم الا أن يقال: ان قيام الامارة يوجب كلا من البعث والزجر، حيث إن
المانع عن انقداح الإرادة والكراهة هو مصلحة الجهل، وبالامارة
- كالعلم - يرتفع المانع، فينقدح الإرادة أو الكراهة، ويتنجز أيضا. و
عليه فالعلم بالحكم الانشائي موضوع لمرتبتين: إحداهما الفعلية -
وهي البعث أو الزجر - والثانية التنجز، إذ لو كان العلم بالبعث أو
الزجر موضوعا لمتعلقه لزم الدور كغيره مما يؤخذ العلم موضوعا
لمتعلقه، ولزم وحدة رتبتي الفعلية والتنجز، وذلك خلاف ما عليه
المصنف (قده) من تربيع مراتب الحكم، وتأخر التنجز رتبة عن
الفعلية
233

أيضا (1) كما في المبدأ الاعلى، لكنه (2)

هذا. لكن إشكال وحدة رتبتي الفعلية والتنجز باق على حاله، إذ
المفروض كونهما معا معلولين للعلم بالانشاء.
وبالجملة: فقول المصنف: (لو علم به المكلف لتنجز عليه) مع
الاعتراف (بعدم انقداح الإرادة أو الكراهة في بعض المبادئ العالية
أيضا)
مشكل جدا، فتأمل جيدا.
234

لا يوجب [1] الالتزام بعدم كون التكليف الواقعي بفعلي بمعنى كونه
على صفة ونحو لو علم به المكلف لتنجز عليه (1) كسائر التكاليف
الفعلية التي تتنجز بسبب القطع بها، وكونه (2) فعليا انما يوجب [2]
البعث أو الزجر في النفس النبوية أو الولوية فيما إذا لم ينقدح فيها
الاذن لأجل مصلحة فيه.

[1] بل يوجب الالتزام بعدم فعليته كما عرفت إلا بناء على ما ذكرناه
أخيرا بقولنا: (اللهم الا أن يقال. إلخ).
[2] سوق العبارة يقتضي أبدال البعث أو الزجر بالإرادة أو الكراهة كما
في كلام المتوهم، لأنهما وان كانا كالإرادة والكراهة قائمين
بالنفس المقدسة النبوية أو الولوية، لكن العلم بهما لا يوجب التنجز و
استحقاق المؤاخذة على المخالفة، بل الموجب لهما هو العلم بالبعث
والزجر المتأخرين عن الإرادة والكراهة والمبرزين لهما.
235

فانقدح (1) بما ذكرنا أنه لا يلزم الالتزام بعدم كون الحكم الواقعي في
مورد الأصول والامارات فعليا كي يشكل (2) تارة بعدم لزوم الاتيان
236

حينئذ (1) بما قامت الامارة على وجوبه (2)، ضرورة (3) عدم لزوم
امتثال الاحكام الانشائية [1] ما لم تصر فعلية (4) ولم تبلغ (5) مرتبة
البعث والزجر، ولزوم (6) الاتيان به مما لا يحتاج إلى مزيد بيان و
إقامة برهان.

[1] لا يخفى أن مغايرة الحكم الشأني للانشائي مبنية على مذهب
المصنف (قده) من كون الحكم ذا مراتب أربع، حيث إن الشأني هو
مرتبة
الاقتضاء التي هي مرتبة الملاكات، والانشائي هو ما يبلغ مرتبة
الانشاء. لكن الشيخ (قده) لما لم يلتزم بتعدد مراتب الحكم، فلا بد أن
يكون مراده بالشأني هو الانشائي، ولذا حمله المصنف (قده) عليه.
237

لا يقال: لا مجال لهذا الاشكال (1) لو قيل بأنها كانت قبل أداء الامارة
إليها إنشائية، لأنها (2) بذلك (3) تصير فعلية تبلغ (4) تلك المرتبة.
فإنه يقال (5): لا يكاد يحرز بسبب قيام الامارة المعتبرة على حكم
238

إنشائي لا حقيقة ولا تعبدا الا حكم (1)
239

إنشائي، لا حكم إنشائي أدت (1) إليه الامارة، أما حقيقة فواضح (2)،
وأما تعبدا، فلان قصارى ما هو قضية حجية الامارة كون مؤداه
[مؤداها] هو الواقع تعبدا، لا الواقع (3) الذي أدت إليه الامارة، فافهم
(4).
اللهم الا أن يقال (5): ان الدليل على تنزيل المؤدى منزلة الواقع
240

الذي صار مؤدى لها هو (1) دليل الحجية بدلالة الاقتضاء [2] لكنه (2)

[1] أقول: ليس المقصود دعوى دلالة الاقتضاء على ارتفاع محذور
الاستحالة - وهو تقدم الشئ على نفسه - كما عرفت الإشارة إليه،
بل
المقصود أن دلالة الاقتضاء توجب تعدد الدال والمدلول، فلدليل
الحجية دلالتان: إحداهما كون المؤدى هو الواقع، والأخرى فعلية هذا
الواقع الذي قام عليه الامارة.
[2] الحق أن يقال: ان نفس دليل حجية الامارة - بعد وضوح انسداد
باب العلم بالأحكام مع تنجزها على المكلف بالعلم الاجمالي ولزوم
امتثالها وعدم جواز إهمالها وفرض عدم العلم التفصيلي بها، وعدم
إمكان الاحتياط أو عدم لزومه - يقتضي فعلية مؤديات الامارات و
تنجزها، وعليه فلا حاجة إلى التشبث بدلالة الاقتضاء لاثبات فعليتها
حتى يستشكل عليها بما في المتن من ترتيب الأثر على إنشائية
مؤديات الامارات قبل بلوغها مرتبة الفعلية أيضا، فلا يلزم اللغوية في
إنشائها حتى يتمسك بدلالة الاقتضاء في دفعها، فان تنزيل دليل
الحجية على مثل النذر من الآثار النادرة من قبيل حمل المطلق على
الفرد النادر.
فالنتيجة: كفاية نفس دليل حجية الامارات في إثبات فعلية مؤدياتها.
241

لا يكاد يتم الا إذا لم يكن للأحكام بمرتبتها الانشائية أثر أصلا، والا
(1) لم يكن لتلك الدلالة مجال، كما لا يخفى.
وأخرى (2)

[1] أقول: هذا الاشكال بعينه وارد على المصنف أيضا، لاحتمال وجود
مقتضى البعث والزجر وعدم مانع منه، والفعلية بمعنى البعث و
الزجر الكاشفين عن الإرادة والكراهة لا تجتمع مع فعلية مؤديات
الامارات والأصول، لتنافي الحكمين الفعليين وان جعل المصنف
انقداح الإرادة والكراهة منوطا بعدم الاذن والترخيص، فالفعلية
المعلقة على عدم الإذن تساوق الانشائية التي تستفاد من
242

بأنه كيف يكون التوفيق (1) بذلك (2) مع احتمال أحكام فعلية بعثية
أو زجرية في موارد الطرق والأصول العملية المتكفلة لاحكام فعلية
(3)، ضرورة (4) أنه كما لا يمكن القطع بثبوت المتنافيين كذلك لا
يمكن احتماله،

كلام الشيخ (قده) والا فيكون من الحكم الشأني وهو الاقتضائي
باصطلاح المصنف، إذ الفعلية اما بمعنى البعث والزجر، واما بمعنى
التنجز، وفقدانها بالمعنى الثاني مع الجهل وعدم قيام الحجة عليه
واضح، وفقدانها بالمعنى الأول ليس الا الانشاء.
وبالجملة: فلم يظهر فرق بين الفعلية التي ادعاها المصنف هنا وهي
توقف انقداح الإرادة والكراهة على عدم الإذن في الارتكاب وبين
الانشائية المستفادة من كلام الشيخ حتى يرد الاشكال المزبور عليه و
لا يرد على المصنف قدس سرهما هذا.
ثم انه لا سبيل إلى الالتزام بهذا الجمع - أعني حمل الحكم الواقعي
على الانشائي - من جهة أخرى وهي عدم كون الانشائي حكما
حقيقة،
إذ الحكم الحقيقي هو الحاكي عن الإرادة والكراهة، وبدونهما لا
حكم حقيقة، كما لا يخفى.
243

فلا يصح (1) التوفيق بين الحكمين بالتزام كون الحكم الواقعي الذي
يكون في مورد الطرق والأصول العملية إنشائيا غير (2) فعلي.
كما لا يصح التوفيق بأن الحكمين ليسا في مرتبة واحدة (3)
244

بل في مرتبتين، ضرورة (1) تأخر الحكم الظاهري عن الواقعي
بمرتبتين، وذلك (2) لا يكاد يجدي، فان الحكم الظاهري وان لم يكن
في تمام مراتب الواقعي، الا أنه يكون في مرتبته (3) أيضا، وعلى
تقدير المنافاة لزم اجتماع المتنافيين في هذه المرتبة [1 [4 فتأمل
فيما ذكرنا من التحقيق في التوفيق، فإنه دقيق وبالتأمل حقيق.

[1] وفي حاشية المحقق القوچاني تلميذ المصنف (قدهما) تقريب
الجمع المزبور بنحو لا يرد عليه إشكال المتن، قال: (لان موضوع
الحكم الظاهري الشئ بما هو مشكوك الحكم، ولا ريب أن الشك
في الحكم كالعلم به متأخر عن نفس الحكم المتأخر عن موضوعه،
فكيف يكون مجتمعا معه، مع وضوح
245



أنه لا يكاد يكون كذلك الا مع فرض كون الشئ الواحد موضوعا
لحكمين.
وبالجملة: فالحكم الواقعي ثابت للشئ بعنوانه الواقعي، وهو ليس
متعلقا للحكم الظاهري، ضرورة أنه ثابت له عند فرض كونه
مشكوك الحكم، والحكم الظاهري ثابت له بما هو مشكوك الحكم، و
هو ليس موردا للحكم الواقعي، بداهة أن الحكم الواقعي، لم يثبت
للشئ الا بما له من العنوان، وليس بمطلق بالنسبة إلى حالتي العلم
بحكمه وعدمه، لوضوح أن الاطلاق انما يتأتى مع فرض صحة
التقييد،
ولا شك في امتناع الحكم على الشئ بقيد كونه مشكوك الحكم
بنفس هذا الحكم، لاستلزامه الخلف احتمالا كاستلزام أخذ القطع به
في
موضوعه ذلك قطعا واقعا أو اعتقادا، فاذن لا اجتماع بين الحكمين،
لتغاير موضوعهما).
لكن فيه: أن المراد بالاطلاق ليس هو الدليلي اللحاظي الاثباتي، بل
الاطلاق النتيجي الثبوتي الناشئ عن امتناع الاهمال الثبوتي، بمعنى
استلزام عدم لحاظ شئ مع الذات المأخوذة موضوعا للحكم
الشرعي لاطلاق الحكم لجميع الحالات الطارئة على الموضوع من
العلم
بموضوعيته للحكم الفلاني والشك فيها، فموضوعية الذات للحكم
الواقعي محفوظة في جميع تلك الحالات التي لا دخل لها في
موضوعية
الذات له وان كانت دخيلة في موضوع الحكم الظاهري، فكل حكم
ثبت للذات مقيدة بالشك في حكمها الواقعي يستلزم اجتماع
الحكمين:
أحدهما الواقعي الثابت لنفس الذات، والاخر الظاهري الثابت للذات
بقيد الشك في حكمها الأولى. ويكفي في إثبات هذا الاطلاق
الثبوتي مضافا إلى إطلاق أدلة تشريع الاحكام - الاخبار المدعى
تواترها الدالة بإطلاقها على اشتراك الاحكام بين العالمين والجاهلين.
246



والحاصل: أن موضوعية نفس الذات توجب اجتماع الحكمين حال
الشك وان لم يجتمعا في رتبة الذات، لتأخر موضوع الحكم الظاهري
عن تلك الرتبة، هذا.
مضافا إلى: أن إنكار الحكم الواقعي حال الشك مساوق للتصويب، و
هو خلاف الفرض.
و بالجملة: فإشكال المصنف وارد على هذا الجمع، كوروده على
الجمعين السابقين.
وهناك وجوه أخرى للجمع بين الحكم الواقعي والظاهري:
منها: ما عن الشيخ الأعظم (قده) فإنه - بعد الجمع بين الحكم الواقعي
والظاهري باختلاف الرتبة في الأصول العملية - قد جمع بينهما في
الامارات بوجه آخر، وهو: أن المجعول في الامارات هي الهوهوية بين
المؤدى والواقع، ففي صورة إصابة الامارة يكون مؤداها هو
الواقع حقيقة، وفي صورة الخطأ لا حكم للامارة أصلا، فلا يلزم
اجتماع الضدين ولا المثلين.
وفيه: أن ذلك متجه بناء على حجية الامارات غير العلمية ببناء العقلا
الذين لا يعملون بغير العلم العادي من الظن والشك، فحينئذ تكون
الامارة مع الإصابة منجزة للواقع ومع الخطأ معذرة. وأما بناء على
التعبد في حجية الامارات كما هو صريح كلامه (قده) في دليل
الانسداد (أو ما حكم حكما جعليا بأنه نفس المراد) فلا بد من ترتيب
الأثر الشرعي على حجية الامارات، لأنه كسائر التنزيلات الشرعية
كتنزيل الطواف منزلة الصلاة، فحجية الامارة شرعا عبارة عن ترتيب
الأثر الشرعي عليها، وهذا مستلزم لاجتماع الحكمين الواقعي
247



والظاهري الذي هو مقتضى حجية الامارة.
ومنها: ما في تقرير بحث شيخ مشايخنا المحقق النائيني (قده) و
حاصله:
(أن الموارد التي توهم وقوع التضاد فيها بين الاحكام الواقعية و
الظاهرية على أنحاء ثلاثة: أحدها: موارد الطرق والامارات. ثانيها:
موارد الأصول المحرزة. ثالثها: موارد الأصول غير المحرزة.
أما الطرق فالمجعول فيها هو الحجية والوسطية في الاثبات من دون
أن تكون منتزعة عن حكم تكليفي حتى يقع إشكال التضاد بينه و
بين الحكم الواقعي، فحال الامارة المخالفة للواقع حكم القطع
المخالف له في التنجيز والتعذير في صورتي الإصابة والخطأ.
وبالجملة: ففي موارد الطرق والامارات ليس حكم تكليفي حتى
يشكل الجمع بينه وبين الحكم الواقعي.
وأما الأصول المحرزة المعبر عنها بالتنزيلية أيضا فالمجعول فيها ليس
مغايرا للواقع، بل هو وجوب الجري العملي على المؤدى على أنه
هو الواقع كما يرشد إليه قوله عليه السلام في بعض أخبار قاعدة
التجاوز: (بلى قد ركع) وحينئذ فان كان المؤدى هو الواقع فهو، والا
كان الجري واقعا في غير محله من دون أن يتعلق بالمؤدى حكم على
خلاف الواقع.
وأما الأصول غير المحرزة كأصالتي الاحتياط والبرأة فالمجعول فيها
يكون في طول الواقع، بمعنى أنه اما متمم لقصور محركيته و
موجب لمنجزيته ان كانت مصلحة الواقع مهمة جدا بحيث لا يرضى
الشارع بفوتها حتى في ظرف الجهل كما في إيجاب الاحتياط فإنه في
صورة المصادفة عين الحكم الواقعي،
248



وفي صورة عدمها ليس له جعل أصلا.
واما مؤمن من تبعة التكليف الواقعي على فرض وجوده ان لم تكن
مصلحته بتلك المثابة من الأهمية كما في أصالتي الحل والبرأة،
فإنهما ترفعان تنجز التكليف في ظرف الشك فيه.
وبالجملة: فليس في الأصول مطلقا حكم حتى يضاد الحكم الواقعي و
يشكل الجمع بينهما). هذا ملخص ما في تقرير بحث المحقق النائيني
(قده) في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري.
أقول: ان أريد بالحجية المجعولة في الامارات ما يحتج به المولى على
العبد وبالعكس فهو متين، لأنها حينئذ حكم وضعي متأصل غير
ناش عن حكم تكليفي ولا مستتبع له. وان أريد بها تتميم ما للامارات
من الكشف الناقص وجعلها وسطا لاثبات متعلقاتها - كما هو
ظاهر عبارة التقرير بل صريحها - ففيه:
أن تتميم الكشف تكوينا بالتشريع غير معقول، فلا بد أن يراد به تنزيل
غير العلم منزلة العلم في الآثار الشرعية، ومرجعه إلى ترتيب
الأثر الشرعي على الامارة كترتيب آثار المتيقن على المشكوك فيه في
الاستصحاب.
وعليه فإذا أخبر العادل بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال مثلا فمعنى
تتميم كشفه وجوب العمل به، فلو كان الدعاء عند رؤية الهلال واجبا
واقعا لزم اجتماع الحكمين المثلين الواقعي والظاهري، ولو كان
مستحبا لزم اجتماع الضدين، ولزم أيضا بطلان حكومة الامارات على
الاستصحاب، لاتحاد مفادهما وهو لزوم ترتيب الأثر كما عرفت في
التعليقة المتقدمة.
فالحق أن يقال: ان الامارات حجة ببناء العقلا لا بالتعبد، ومن المعلوم
249



أن بناءهم ليس على العمل بالشك أو الظن بل على الاطمئنان
المسمى بالعلم العادي الذي يدور عليه رحى نظامهم، والشارع لم
يردع عن
هذا البناء.
وعليه فلا حكم في الامارات بل هي منجزة للحكم الواقعي مع
الإصابة وموجبة للعذر مع الخطأ، هذا في الامارات.
وأما الأصول مطلقا فليس فيها أيضا حكم مجعول مغاير للحكم
الواقعي حتى يكون هناك حكمان واقعي وظاهري، بل الحكم
منحصر في
الواقعي، والمجعول في الأصول اما متمم لقصور محركيته وداعويته
في ظرف الشك فيه لأهمية ملاكه الداعية إلى تتميم محركيته بجعل
إيجاب الاحتياط، فان كان هناك حكم واقعا كان إيجاب الاحتياط عينه
لا غيره، لوحدة المناط التي هي ملاك وحدة الحكم فيهما وان
تعدد الخطاب، وان لم يكن انكشف عدم جعل لوجوب الاحتياط
حينئذ وأنه كان حكما صوريا.
واما مؤمن من تبعة الحكم الواقعي، لعدم الاهتمام بحفظ مصلحته في
ظرف الشك كما في الأصول النافية سواء أكانت بلسان الرفع
كحديثي الحجب والرفع أم بلسان الوضع والاثبات كقاعدتي الحل و
الطهارة. بل دعوى كون الأصول المؤمنة مطلقا إرشادا إلى قاعدة
قبح العقاب بلا بيان قريبة جدا، إذ مرجع التأمين إلى نفي تنجز الواقع و
عدم محركيته حال الشك، لعدم قيام حجة وبيان عليه.
واما حكم ببقاء تنجز الواقع تعبدا في ظرف الشك كما في
الاستصحاب، فان المستفاد من مثل (لا تنقض اليقين بالشك) إبقاء
المعلوم
سابقا حال الشك
250



في بقائه، فان كان المعلوم سابقا باقيا حال الشك فهو الحكم الوحيد،
والا فلا حكم للاستصحاب.
والحاصل: أن مفاد أدلة الاستصحاب ليس الا حفظ الواقع المنجز في
ظرف الشك في بقائه، فلو ارتفع المعلوم السابق حقيقة فالحكم
الاستصحابي صوري، وليس بحكم، وإجزاؤه محتاج إلى الدليل، إذ
الأصل عدمه لعدمه حقيقة.
وإما حكم بسقوط الواقع كالأصول الجارية في وادي الفراغ، فإنها
توسع دائرة المفرغ، ومرجعه إلى الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي و
التصرف في حكم العقل بتعين الإطاعة العلمية كما هو مقتضى
الاشتغال اليقيني.
وبالجملة: شأن هذا القسم من الأصول كقواعد التجاوز والفراغ و
الحيلولة توسعة دائرة المفرغ والمسقط، وليس فيه حكم في قبال
الواقع.
وعليه فالأصول العملية ناظرة إلى الواقع اما بتتميم محركيته، واما
بالتأمين من تبعته، واما بإسقاطه بالامتثال الاحتمالي، واما بإثباته
في مرحلة الشك في البقاء بعد العلم بحدوثه، فليس في الأصول
العملية حكم في قبال الواقع حتى يلزم اجتماع الحكمين الواقعي و
الظاهري.
فتلخص من جميع ما ذكرنا: أن الحكم واحد وهو الواقعي، والأصول
العملية ناظرة إليه بأحد الأنظار المتقدمة في ماهية الأصول المقررة
لوظيفة الشاك، فليس فيها حكم في قبال الحكم الواقعي حتى يشكل
الجمع بينهما.
وقد ظهر: أنه ان أريد بالبناء العملي الذي أفاده المحقق النائيني (قده)
في
251



الأصول التنزيلية ما بيناه من إبقاء الواقع المعلوم سابقا حال الشك في
بقائه - كما هو الظاهر - فهو متين، وكذا ان أريد ذلك من جعل
المماثل وان كان خلاف الظاهر.
وأما ان أريد به وجوب مستقل مغاير الواقع المتيقن سابقا، ففيه: أنه
يلزم محذور اجتماع الحكمين ويقع الاشكال في الجمع بينهما.
وأما ما أفاده من جعل إيجاب الاحتياط متمما لقصور محركية الحكم
الواقعي فهو أيضا صحيح كما بيناه. ولا يرد عليه ما في تقرير بعض
الأعاظم مد ظله من قول المقرر:
(أما أولا فلان ما ذكره من اختصاص وجوب الاحتياط بصورة
المصادفة يدفعه - مضافا إلى كونه خلاف أدلة الاحتياط من كونها
ظاهرة
في وجوب الاحتياط بما أنه أخذ بالحائطة للدين، فيكون واجبا مطلقا
صادف الواقع أم خالفه، نعم وجوبه كذلك انما هو لأجل التحفظ
بملاك الواقع والتحرز عن هلكته على تقدير وجوده واقعا على ما هو
مفاد روايات التثليث، فيكون نظير وجوب الاعتداد على المرأة
لأجل التحرز عن اختلاط المياه على تقدير وجود حمل واقعا - أنه
غير صحيح في نفسه، لان الغرض من الاحتياط انما هو إيجاد الداعي
إلى حفظ الواقع عند الجهل به، ومن الظاهر أن الاحتياط المصادف
أيضا غير إلى حفظ الواقع عند الجهل به، ومن الظاهر أن الاحتياط
المصادف أيضا غير معلوم للمكلف، فيكون حاله حال نفس الحكم
المجهول في عدم صلاحيته للداعوية، فلا يمكن التوصل به إلى
الغرض،
فيصبح لغوا في جعله).
وذلك لما فيه أولا: من أن إطلاق الوجوب لا بد أن يكون بمقدمات
الحكمة التي منها عدم القرينة أو الصالح للقرينية، ومن المعلوم أن
الاهتمام بحفظ مصلحة الواقع الداعي إلى إيجاب الاحتياط ان لم يكن
قرينة على اختصاص وجوبه بوجود الحكم الواقعي فلا أقل من
صلاحيته لذلك، فلا دليل على إطلاق الوجوب.
252



وثانيا: من أن نفس الاحتياط المتعلق للامر يقتضي اختصاص الوجوب
بصورة وجود الحكم الواقعي، لان تشريعه انما يكون لحفظه في
ظرف الجهل به، لأنه متمم لقصور الخطاب المجهول، والإحاطة به -
أي امتثاله - منوطة بالاحتياط في الشبهات، للعلم الاجمالي بمصادفة
بعض أوامر الاحتياط فيها للحكم الواقعي، وهذا العلم الاجمالي
يوجب العمل بأوامر الاحتياط في الشبهات، وبه يخرج الامر
بالاحتياط
عن اللغوية، وعن التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، ففي قوله:
(فيصبح لغوا في جعله) ما لا يخفى.
وأما قياس المقام بمسألة وجوب الاعتداد على المرأة، ففيه أولا: أنه
لم يظهر انحصار ملاك وجوب الاعتداد في اختلاط المياه.
وثانيا: أن لازمه خلو جملة من الموارد عن الملاك بعد وضوح كون
الاحكام انحلالية، وذلك يوجب الترجيح بلا مرجح، وقد استقر
مذهب العدلية على تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد، والالتزام
بخلو بعض الأحكام عن الملاك مناف للحكمة.
وثالثا: أن إطلاق وجوب الاحتياط في صورة عدم المصادفة يستلزم
حرمة التصرف في المال المردد بينه وبين غيره مع كونه ملكا له
واقعا. وكذا حرمة الاستمتاع بالمرأة المرددة بين كونها أجنبية وزوجته
مع فرض زوجيتها له واقعا، لأنه خالف وجوب الاحتياط،
فيسقط عن العدالة، ويترتب عليه آثار ارتكاب الحرام من وجوب
التعزير وغيره.
ورابعا: أنه على فرض صحة ما أفيد في مسألة وجوب الاعتداد على
المرأة
253



من حمل الملاك على الحكمة لا وجه لقياس ما نحن فيه به بعد بطلانه
في مذهبنا ومنع استشمام رائذته واستعماله في أحكامنا، وعدم
حجية الظن المستفاد منه.
ومنها: ما أفاده شيخنا المحقق العراقي (قده) وحاصله بطوله: (اندفاع
كلا المحذورين الخطابي والملاكي. أما المحذور الخطابي - وهو
اجتماع الحكمين - فيندفع بمقدمتين:
الأولى: أن متعلق الاحكام هي الصور الذهنية الملحوظة خارجية
المعبر عنها بالفارسية (بماهيت خارج ديده) غير مقيدة بالوجود
الذهني
ولا بالوجود الخارجي، لخلو الأول عن الأثر، مضافا إلى استلزامه
الامتثال بمجرد تصور المتعلق واستلزام الثاني تحصيل الحاصل
المحال لان الخارج ظرف سقوط الإرادة لا ثبوتها.
الثانية: طولية الذات المعروضة للحكم الظاهري للذات المعروضة
للحكم الواقعي، إذ المتصور أولا هو نفس الذات، وثانيا الذات
المشكوك حكمها، والأول موضوع الحكم الواقعي. والثاني موضوع
الحكم الظاهري، وهذان المتصوران طوليان ومتباينان، لتباين
الصور الذهنية كالخارجية كزيد وعمرو، فلا يلزم اجتماع الحكمين مع
طولية موضوعيهما.
وأما المحذور الملاكي - وهو تفويت الملاك بالتعبد بالامارات غير
العلمية - فيندفع أيضا بمقدمتين:
أولاهما: أن المصالح الواقعية تارة تكون مهمة بنظر الشارع بمثابة لا
يرضى بتركها، فيسد جميع أبواب عدمها مما يكون من قبله
كإنشاء الخطاب وإقدار
254



المكلف وإعلامه برفع جهله تكوينا أو إيجاب الاحتياط عليه. وأخرى
لا تكون كذلك، بل يسد بعض أبواب عدمه كإنشاء الخطاب القاصر
عن تحريك العبد حال جهله به، فان عدم المصلحة ينسد من هذه
الحيثية دون سائر الحيثيات التي لها دخل في وجود المصلحة، فلا
يرفع
جهل العبد بالخطاب.
وببيان أوضح: قد تتعلق الإرادة التشريعية بوجود فعل ذي المصلحة و
سد عدمه من جميع الجهات، وقد تتعلق بوجوده من بعض
الجهات.
ثانيتهما: أن الكاشف عن كيفية المصلحة والدليل عليها في مقام
الاثبات ليس الا الخطاب، ومن المعلوم أنه بنفسه قاصر عن التحريك
و
البعث في ظرف الشك فيه، فلا يحفظ المصلحة من قبله إلا حال العلم
به، ولو اهتم الشارع بحفظها مطلقا كان عليه تتميم قصور محركية
الخطاب الأولى بجعل آخر.
إذا عرفت هذا ظهر لك: أن الإرادة التي ينافيها الترخيص في ترك ذي
المصلحة هي الإرادة التشريعية المولوية المتعلقة بوجود المراد
بنحو الاطلاق، إذ المفروض اهتمام الشارع حينئذ بحفظ المصلحة
التي لا يرضى بتركها في شئ من الحالات، فلا بد من نشوء إرادات
غيرية منها بإيجاد مقدمات وجودها وسد جميع أبواب عدمها، والا
فلا مانع من الترخيص في تركها، لان حيثية إعلام الواقع لم تكن
موضوعا للإرادة، وإلا لزم تتميم محركية خطابه بإيجاب الاحتياط، بل
الإرادة تعلقت بوجود الواقع من ناحية الجعل فقط ولم يكن
إعلامه موضوعا لها، فالترخيص بلحاظ الحجة عليه من أمارة أو أصل
لا بأس به، لأنه لم يتعلق إرادته بسد باب عدمه من ناحية الاعلام.
فالمتحصل: أن الاشكال الخطابي يندفع بطولية الموضوع الموجبة
لتعدده،
255



وكون متعلق الحكمين الصورتين الذهنيتين المتباينتين، والاشكال
الملاكي يندفع بعدم منافاة الترخيص للمصلحة التي لم يرد الشارع
وجودها على كل حال).
وأنت خبير بأن ما أفاده (قده) في دفع الاشكال الخطابي لا يخلو من
المناقشة، إذ في طولية موضوعي الحكمين الموجبة لتعددهما:
أولا: أنها مبنية على تباين الصور الذهنية، وهو منوط بتباين حدودها و
قيودها كتصور حصة من الحيوان بفصل الناطقية أو الناهقية،
فان الحصة المتحيثة بحيثية الناطقية مباينة للحصة المتفصلة بالناهقية،
فليس تباينها بمجرد تعدد تصور الصورة ضرورة أن تصور
صورة شرب التتن مثلا مرات لا يوجب تعدد الصور وتباينها حتى لا
تندرج أحكامها في اجتماع الأمثال والأضداد.
وعليه فلا يوجب تعدد تصور نفس الذات المعروضة للحكم الواقعي
وتصور الذات المشكوك حكمها المعروضة للحكم الظاهري تباين
المتصورين حتى لا يندرج حكماهما في اجتماع المثلين أو الضدين،
بل يكونان من صغريات الاجتماع الممتنع، بداهة أن تقيد الذات
بالشك في حكمها ليس من القيود الموجبة لتباين صورتي الذات
المطلقة والمشكوكة، حيث إن الأولى تصدق على الثانية، وحينئذ
يجتمع
حكماهما، فلا يندفع إشكال اجتماع الحكمين بمجرد طولية
موضوعيهما التي لا توجب تباين الصورتين الذهنيتين اللتين تعلق بهما
الحكمان.
وثانيا: أن الإرادة وان تعلقت بالصور الذهنية، لكنها ان كانت هي
موضوع الحكم حقيقة أوجب ذلك سقوط الامر وامتثاله بمجرد
تصور المكلف لتلك الصورة، إذ المفروض تعلق الحكم بها بما هي
ذهنية.
256



وان كانت مرآتا للصورة الخارجية وحاكية عنها بحيث يتعلق الطلب
بالخارج لزم تحصيل الحاصل وخلو الطلب عن الملاك والإرادة،
لان الخارج ظرف سقوطهما لا ثبوتهما.
فتلخص: أنه لا يندفع إشكال اجتماع المثلين أو الضدين بتعلق
الاحكام بالصور الذهنية وطوليتها. فالأولى إنكار الحكم الظاهري كما
تقدم سابقا.
وأما الاشكال الملاكي فهو مندفع بعدم قبح تفويت الملاك غير
المطالب الذي هو مورد حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، وقد تقدم
نفي
البعد عن كون الأصول النافية الشرعية إرشادا إلى هذا الحكم العقلي،
ولا ملزم بالالتزام بالحكم الظاهري حتى يرد عليه إشكال تفويت
ملاك الحكم الواقعي، والتمحل بالجمع بينهما بما لا يخلو من
المناقشات، بل لا مسوغ للالتزام بالحكم الظاهري، لما مر سابقا من
منافاته
لنفس الحكم الواقعي، فلا وجه لنفي البأس عن جعلهما بدعوى عدم
منافاة الظاهري له لا في المبدأ ولا في المنتهى كما سيأتي.
ومنها: ما في تقرير بعض الأعاظم، وحاصله: (أن الأحكام الشرعية لا
مضادة بينها في أنفسها، إذ ليس الحكم الا اعتبار شئ في ذمة
المكلف من الفعل أو الترك كاعتبار الدين في ذمة المديون، ولذا عبر
في بعض الروايات عن وجوب قضاء الصلوات الفائتة بالدين، و
من الواضح عدم التنافي بين الأمور الاعتبارية، وكذا لا تنافي بين
إبرازها بالألفاظ بأن يقول المولى: افعل كذا أو لا تفعل كذا، وانما
التنافي بين الاحكام في موردين:
أحدهما: المبدأ، وهو المصلحة أو المفسدة الداعية إلى التشريع كما
عليه الامامية والمعتزلة، أو الشوق والكراهة كما عليه الأشاعرة
المنكرون لتبعية
257



الاحكام للمصالح والمفاسد.
ثانيهما: المنتهى وهو مقام الامتثال.
أما لزوم التنافي في المبدأ، فلانه يلزم من اجتماع الحكمين -
كالوجوب والحرمة - اجتماع المصلحة والمفسدة في المتعلق بلا
كسر و
انكسار، وهو من اجتماع الضدين المستحيل، وكذا الحال في اجتماع
الترخيص مع الوجوب أو الحرمة، للزوم وجود المصلحة الملزمة و
عدمها في شئ واحد، أو وجود المفسدة وعدمها كذلك، وهو من
اجتماع النقيضين المحال.
وأما لزوم التنافي من حيث المنتهى، فلعدم قدرة المكلف على امتثال
كلا الحكمين، بداهة دعوة الوجوب إلى الفعل والحرمة إلى الترك،
ويستحيل منه الفعل والترك في آن واحد، وكذا في الوجوب و
الحرمة مع مثل الإباحة من الحكم غير الإلزامي.
إذا عرفت ذلك ظهر لك عدم التنافي بين الحكم الواقعي والظاهري
أصلا لا من ناحية المبدأ ولا من ناحية المنتهى.
أما من ناحية المبدأ، فلقيام المصلحة في الحكم الظاهري بنفس جعل
الحكم، لا في متعلقه كما في الحكم الواقعي، فلا يتحد موردا
المصلحتين حتى يكون اجتماعهما من اجتماع الضدين.
وأما من ناحية المنتهى، فلان الحكم الظاهري موضوعه الشك في
الحكم الواقعي، ومن المعلوم أن العقل لا يحكم بلزوم امتثاله الا بعد
وصوله إلى العبد وتنجزه، بل الحكم الذي يلزم امتثاله عقلا هو
خصوص الحكم الظاهري.
258



والحاصل: أن الممتنع هو اجتماعهما في المبدأ والمنتهى، و
المفروض عدمه.
وأما نفس جعلهما فقد عرفت عدم التنافي بينهما، لكونهما من الأمور
الاعتبارية التي لا تنافي بينها ذاتا، والتنافي العارض لهما انما هو
من ناحية المبدأ والمنتهى، وهو مفقود في الحكم الظاهري والواقعي.
نعم هو موجود في الحكمين المتحدين سنخا كالواقعيين أو
الظاهرين).
وفيه: أن التنافي موجود في نفس تشريع الحكم الواقعي والظاهري و
ان كانت الاحكام طرا - سواء أكانت تكليفية أم وضعية - من
الأمور الاعتبارية بلا إشكال، لكن مجرد اعتبارية الاحكام لا يسوغ
اجتماعها، ولا يرفع تضادها، بداهة أن الأمور الاعتبارية من
الانشائيات المتقومة بالقصد والانشاء، فلا تشتغل الذمة بها حتى
يصح إطلاق الدين عليها الا بقصدها وإنشائها بما جعل آلة لايجادها
من قول أو فعل، ضرورة أنها لا توجد بمجرد لقلقة اللسان، ومن
المعلوم: أنه بعد تحققها لا يمكن إيجاد مثلها أو ضدها، فهل يصح
اعتبار
ملكية دار مثلا لزيد واعتبارها لعمرو أيضا في نفس ذلك الزمان، أو
ملكيتها لزيد ووقفيتها على مسجد مثلا؟ وبالجملة: فحال الأمور
الاعتبارية حال الاعراض الخارجية في امتناع الاجتماع.
وعليه، فالتنافي موجود في نفس اعتبار الأمور الاعتبارية، كالتنافي في
مبدئها ومنتهاها. وقد مر غير مرة أن الحكم الواقعي ثابت مع
الحكم الظاهري، لثبوته
259

ثالثها:
أن الأصل [1 [1

للذات بلا قيد، فالواقعي موجود في ظرف الشك الذي هو موضوع
الظاهري، فالوجه المزبور الذي مرجعه إلى منع تضاد الاحكام ذاتا في
مرحلة الجعل لا يجدي في دفع التنافي بين الحكم الواقعي و
الظاهري، لعدم صحته في نفسه.
ومنها: اختلاف الحكم الواقعي والظاهري سنخا، فلا يكون
اجتماعهما من اجتماع الضدين والمثلين، فان ضد الوجوب الواقعي
هو
الحرمة الواقعية لا الظاهرية، ولعل هذا الوجه مراد من جمع بين
الحكم الواقعي والظاهري باختلاف المحمول.
وفيه: أن اختلافهما انما هو من ناحية الموضوع، حيث إن موضوع
الحكم الظاهري هو الشئ المشكوك حكمه، وموضوع الحكم
الواقعي
هو ذات الشئ بلا قيد، وأما المحمول فهو في كليهما واحد، فان
الطهارة والحلية مثلا لم تستعملا الا في معنى واحد سواء كانتا
واقعيتين
أم ظاهريتين.
[1] لا يخفى أن شيخنا الأعظم (قده) جعل هذا الأصل بمعنى القاعدة
260



لا الاستصحاب، إذ الأثر الشرعي المترتب على جريانه - وهو حرمة
التعبد بالامارة المشكوكة حجيتها - يترتب على عدم العلم
بحجيتها، لا على عدم ورود التعبد بها واقعا حتى نحتاج في إحرازه
إلى استصحاب عدمه، بل لا معنى للاستصحاب في أمثال المقام مما
يكون الموضوع فيه محرزا بالوجدان، لاستلزامه إحراز ما هو محرز
بالوجدان بالتعبد، وذلك لان موضوع عدم حجية الامارة هو
الشك في حجيتها وهو محرز بالوجدان، فيستحيل إحرازه تعبدا
بالاستصحاب، هذا.
لكن اعترض عليه المصنف (قده) في حاشيته على الرسائل بما لفظه:
261



(قلت: الحجية وعدمها وكذا إيجاب التعبد وعدمه بنفسها مما يتطرق
إليه الجعل وتناله يد التصرف من الشارع، وما كان كذلك يكون
الاستصحاب فيه جاريا كان هناك أثر شرعي يترتب على المستصحب
أولا، وقد أشرنا إلى أنه لا مجال للأصل في المسبب مع جريان
الأصل في السبب كما حقق في محله.
هذا مع أنه لو كانت الحجية وعدمها من الموضوعات الخارجية التي لا
يصح الاستصحاب فيها الا بملاحظة ما يترتب عليها من الآثار
الشرعية فإنما لا يكون مجال لاستصحاب عدم الحجية فيما إذا لم
يكن حرمة العمل الا أثرا للشك فيها، لا لعدمها واقعا. وأما إذا كانت
أثرا له أيضا فالمورد وان كان في نفسه قابلا لكل من الاستصحاب و
القاعدة المضروبة لحكم هذا الشك، الا أنه لا يجري فعلا الا
الاستصحاب، لحكومته عليها).
وملخص ما أفاده في هذه الحاشية إشكالان:
أحدهما: أن نفس الحجية من الأحكام الوضعية القابلة للجعل
الشرعي، فيصح إجراء الاستصحاب فيها، ولو نوقش في قابلية
الحجية للجعل
الشرعي وقيل بأن المجعول في الامارات هو الحكم التكليفي كما
يظهر من الشيخ الأعظم (قده) حيث قال في أواخر أول تنبيهات دليل
الانسداد ما لفظه: (ان تفريغ الذمة عما اشتغلت به اما بفعل نفس ما
أراده الشارع في ضمن الأوامر الواقعية، واما بفعل ما حكم حكما
جعليا بأنه نفس المراد، وهو مضمون الطرق المجعولة) كفى في صحة
جريانه في الحجية كون منشأ انتزاعها وجوب العمل بالامارة
تكليفا، فلا حاجة في جريانه في هاتين الصورتين إلى أثر شرعي آخر.
ثانيهما: أن مجرد عدم كون الحجية مما يقبل التشريع لا يمنع عن
جريان
262



الاستصحاب فيها الا إذا كان الأثر الشرعي - وهو حرمة العمل - أثرا
لخصوص الشك في الحجية، إذ المفروض وجود الشك وجدانا، ولا
معنى للتعبد بوجود شئ موجود بالوجدان، حيث إنه من أردأ وجوه
تحصيل الحاصل المحال.
و أما إذا كان الأثر الشرعي - كحرمة العمل في المقام - أثرا لكل من
عدم الحجية واقعا ومن الشك فيها، فلا مانع من استصحاب عدم
الحجية واقعا وترتيب أثره وهو حرمة العمل، وهذا الاستصحاب
يقدم على القاعدة المضروبة لحكم هذا الشك، لحكومته عليها
كحكومة
استصحاب الطهارة على قاعدتها هذا. لكن المصنف (قده) عدل عما
في الحاشية إلى ما في الكفاية، ولم يجر الاستصحاب في عدم
الحجية.
وكيف كان ففيما أفاده (قده) في الحاشية منع، بداهة أن حكم العقل
بقبح التشريع والاسناد إلى المولى في صورتي العلم بمخالفة الواقع
والجهل بها انما هو بملاك واحد وهو نفس عدم العلم بالواقع، لا عدم
الواقع حتى نحتاج في إثبات حرمة العمل بمشكوك الاعتبار إلى
إحراز موضوعه، وهو عدم جعل الحجية له واقعا.
وبالجملة: موضوع حكم العقل بقبح التعبد وحكم الشرع بحرمة
العمل واحد وهو عدم العلم بورود التعبد بالامارة، ومن المعلوم أن
عدم العلم موجود وجدانا، ولا يعقل إحرازه بالتعبد.
فالنتيجة: أن استصحاب عدم إنشاء الحجية لا يجري في الامارة التي
شك في اعتبارها، بل تترتب آثار عدم الحجية على مجرد الشك
فيها، كما ذهب إليه شيخنا الأعظم وتبعه المصنف في الكفاية و
المحقق النائيني قدس الله تعالى أسرارهم
263



فمرادهم بأصالة عدم الحجية في الامارات غير العلمية هو القاعدة
المستفادة من العمومات وحكم العقل، لا الاستصحاب، لما عرفت
من
استلزامه إحراز ما هو المحرز وجدانا بالتعبد، ومن عدم أثر
للاستصحاب بعد وضوح كون الأثر الذي يراد ترتيبه عليه من عدم
المنجزية والمعذرية مترتبا على نفس الشك في الحجية المحرز
وجدانا، فلا يشمله عموم دليل الاستصحاب، بل الموضوع المحرز
بالاستصحاب - على فرض جريانه - أجنبي عن موضوع الأثر - وهو
حرمة التعبد بمشكوك الاعتبار - حيث إن الحرمة مترتبة على
مشكوك الحجية، وهذا الشك موجود وجدانا، وليست الحرمة مترتبة
على عدم إنشاء الحجية حتى يلزم إحرازه بالاستصحاب.
وبالجملة: فالغرض من إجراء الاستصحاب ان كان إثبات الموضوع،
ففيه:
أن ما يثبته الاستصحاب أجنبي عن موضوع حرمة التعبد. وان كان
إثبات الحكم، ففيه: أن الحكم ثابت بدون جريانه، إذ موضوعه نفس
الشك في الحجية وهو محرز وجدانا، وليس حرمة التعبد مترتبا على
عدم جعل الحجية واقعا حتى نحتاج في إحرازه إلى الاستصحاب،
فلا وجه لاجرائه اما لعدم الأثر، واما للزوم تحصيل ما هو حاصل
وجدانا بالتعبد.
ويظهر مما ذكرنا غموض ما في تقريرات بعض أعاظم العصر، حيث إنه
أجرى الاستصحاب في عدم الحجية، ودفع إشكال لزوم
تحصيل الحاصل (بأنه يلزم فيما إذا كان كل من الحاصل والمحصل
أمرا واحدا، وليس المقام
264



كذلك، فان ما هو حاصل بالوجدان هو عدم الحجية فعلا، لعلم
المكلف بعدم حجية مشكوك الحجية، وعدم صحة اسناد مؤداه إلى
الشارع، حيث إن آثار الحجة لا تترتب على مجرد جعل الحجية واقعا،
بل تترتب على وجودها الواصل. بخلاف ما يحصل بالتعبد
الاستصحابي، فإنه عدم الحجية إنشاء، فما هو حاصل بالوجدان غير
ما يحصل بالاستصحاب، ومعه لا يلزم تحصيل الحاصل فضلا عن
كونه من أردأ أنحائه).
وذلك لان إشكال تحصيل الحاصل وان كان يندفع بما أفاده، لكن يرد
عليه: أنه لا أثر لهذا الاستصحاب، حيث إن آثار الحجية لا تترتب
على مجرد تشريعها واقعا حتى تنتفي بجريان استصحاب عدم
تشريعها، بل تترتب على عدم علم المكلف بحجية أمارة، كما اعترف
به
في كلامه المتقدم بقوله: (بل تترتب على وجودها الواصل).
وفي موضع آخر من الكتاب المزبور أيضا بقوله: (فان الموضوع في
العموم - أي عموم ما دل على عدم جواز العمل بغير علم - هو
العمل بغير العلم، ومن الظاهر أن العمل بما يشك في حجيته عمل
بغير علم، فان ثبوت حجيته واقعا مع فرض عدم علم المكلف به لا
يخرج العمل به عن كونه عملا بغير العلم).
هذا كله في جريان الاستصحاب في عدم الحجية، وأما جريانه في
حجية أمارة كانت معلومة سابقا كفتوى المجتهد بعد وفاته، فإنه لا
مانع منه بعد شمول
265



عموم دليله له، ضرورة أنه لا يترتب آثار حجية الفتوى بعد وفاة
المجتهد الا بعد إثبات حجيتها بعد الوفاة، فعدم إجراء الاستصحاب
مستلزم لنقض اليقين بالحجية بالشك فيها، والنقض بمقتضى (لا
تنقض اليقين بالشك) منهي عنه، فيجري الاستصحاب حتى لا يلزم
النقض، ففرق بين استصحاب الحجية واستصحاب عدمها، فإنه في
الثاني لا أثر له، لان آثار عدم الحجية من عدم المنجزية والمعذرية
تترتب على نفس الشك وعدم العلم بالحجية، وهو موجود وجدانا،
ولا تترتب على العلم بعدمها حتى نحتاج إلى استصحاب عدمها، فلو
جرى هذا الاستصحاب لم يترتب عليه أثر شرعي زائدا على الأثر
الثابت للشك في الحجية، فلا يلزم من عدم جريانه نقض اليقين
بالشك،
فلا يشمله دليل الاستصحاب.
وهذا بخلاف الأول - وهو استصحاب الحجية - فإنه ذو أثر شرعي،
فلو لم يجر لزم النقض المنهي عنه كما أشرنا إليه.
نعم في استصحاب حجية فتوى الميت إشكال من جهة أخرى قد
تعرضنا له في مبحث الاجتهاد والتقليد من شرح العروة.
ثم إن هنا أمورا ينبغي التعرض لها إجمالا:
الأول: أن حكم العقل بقبح التعبد والبناء على حجية الامارة غير
العلمية لا يمنع عن حكم الشارع مولويا بحرمته كما هو ظاهر
العمومات
الناهية عن العمل بغير العلم، ولا منافاة بينهما أصلا، لعدم وقوع
الحكم العقلي هنا في سلسلة معلولات الاحكام، فمع الغض عن تلك
العمومات لا ينبغي الاشكال في
266



صغروية المقام لقاعدة الملازمة بين حكم العقل والشرع.
الثاني: أن العمل بالامارة التي لم يثبت اعتبارها استنادا إليها مع
الالتفات إلى عدم دليل على حجيتها يوجب الفسق وسقوط العامل
بها
عن درجة العدالة مع كونه كبيرة، أو مع الاصرار عليه ان كان صغيرة، إذ
المفروض في الامر السابق حرمة العمل شرعا بمشكوك الحجية
بمعنى اسناد مؤداه إلى الشارع، وأنه حكم الله تعالى شأنه.
الثالث: أنه لا مانع من العمل بالامارة المشكوكة الحجية المثبتة لحكم
رجاء واحتياطا سواء كان ذلك الحكم استقلاليا أم ضمنيا، نفسيا أم
غيريا، وذلك لحسن الاحتياط وكونه ضدا للتشريع المحرم، فهو
خارج عن عمومات حرمة التشريع موضوعا، فلو قامت أمارة لم يثبت
اعتبارها على وجوب شئ في الصلاة أو غيرها نفسيا أو غيريا فلا مانع
من الاتيان به احتياطا.
الرابع: أن المحرم شرعا هو الاسناد إلى الشارع والبناء القلبي على أن
مؤدى الامارة هو حكم الشارع، فان هذا هو التشريع المحرم، و
أما حرمة نفس العمل الصادر على وجه التشريع فهي مبنية على كون
التشريع من العناوين المغيرة لاحكام العناوين الأولية كما هو
ظاهر كلام شيخنا الأعظم (قده) حيث قال: (والحاصل أن المحرم هو
العمل بغير العلم متعبدا به ومتدينا به. إلخ) ومال إليه المحقق
النائيني (قده) بتقريب: (أنه من الممكن أن يكون القصد والداعي من
الجهات والعناوين المغيرة لجهة حسن العمل وقبحه. إلى أن قال
المقرر (قده) وظاهر قوله: - رجل قضى بالحق وهو لا يعلم - حرمة
القضاء واستحقاق العقوبة عليه، فيدل على حرمة نفس العمل).
267

فيما لا يعلم اعتباره بالخصوص (1) شرعا، ولا يحرز [) 2 ولا يجوز]
التعبد به واقعا عدم (3) حجيته جزما بمعنى عدم ترتب الآثار
المرغوبة

ولكن المصنف جعل التشريع من الآثام القلبية مع بقاء الفعل المشرع
به على ما هو عليه من الحكم واقعا، ولعل هذا أقرب إلى الصواب،
حيث إن مجرد إمكان مغيرية القصد والداعي لجهة الحسن والقبح لا
يكفي في الالتزام به ما لم ينهض دليل على الوقوع. وأما العمومات
الناهية عن العمل بغير العلم فظاهرها النهي عن العمل بغير العلم على
نهج العمل بالعلم حجة واستنادا، فالنهي متوجه إلى ترتيب آثار
العلم على غير العلم، والمراد بحرمة القضاء بالحق مع الجهل به هو
اسناد الحكم بالملكية أو غيرها إلى الشارع، واستحقاق العقوبة انما
هو على ذلك.
وبالجملة: فالمتيقن حرمة نفس التشريع الذي هو اسناد شئ إلى
الشارع مع عدم العلم به، ولو شك في حرمة نفس العمل الخارجي
الصادر بداعي التشريع فأصالة البراءة تنفيها.
وكيف كان فالبحث عن حرمة الفعل مسألة فقهية وليس مسألة
أصولية.
268

من الحجة عليه (1) قطعا، فإنها (2) لا تكاد تترتب إلا على ما اتصف
بالحجية فعلا، ولا يكاد يكون الاتصاف بها (3) الا إذا أحرز التعبد به
وجعله (4) طريقا متبعا، ضرورة (5) أنه بدونه (6) لا يصح المؤاخذة
على مخالفة التكليف بمجرد اصابته (7)
269

ولا يكون (1) عذرا لدى مخالفته مع عدمها، ولا يكون (2) مخالفته
تجريا، ولا يكون (3) موافقته بما هي موافقة [موافقته] انقيادا وان
كانت بما هي محتملة لموافقة الواقع كذلك (4) إذا وقعت برجاء
اصابته، فمع الشك في التعبد به يقطع بعدم حجيته وعدم ترتيب
شئ
من الآثار عليه (5)
270

للقطع (1) بانتفاء الموضوع معه، ولعمري هذا (2) واضح لا يحتاج
(3) إلى مزيد بيان وإقامة برهان.
وأما صحة الالتزام (4)
271

بما أدى (1) إليه من الاحكام وصحة (2) نسبته إليه تعالى فليستا [) 3
فليسا] من آثارها [1]

[1] ولا يرد عليه ما في تقرير بعض أعاظم العصر دام ظله العالي من
قوله:
(ومما ذكرناه يظهر أن ما أفاده العلامة الأنصاري (قده) من عدم جواز
الالتزام والتدين بمؤدى الشئ عند الشك في وقوع التعبد به
هو الصحيح في المقام، وأن ما اعترض عليه في الكفاية من أن صحة
الالتزام بمؤدى شئ وصحة نسبته إلى الله سبحانه ليستا من آثار
حجيته لتدورا مدار حجيته وجودا وعدما، فان الظن الانسدادي على
تقرير الحكومة مع كونه حجة لا يصح الالتزام بمؤداه ونسبته
272



إليه سبحانه، كما أن صحة ترتبهما على شئ لقيام دليل عليها لا تدل
على حجيته في غير محله، لما عرفت من أن صحة الالتزام بمؤدى
شئ أو صحة نسبته إلى الشارع لا تنفك عن حجيته، إذ كيف يمكن أن
يتعبد الشارع بشئ ويحكم بلزوم متابعته، ومع ذلك لا يصح
الالتزام به ونسبته إليه؟ أم كيف يمكن أن يصح الالتزام بمؤدى شئ و
نسبته إلى الشارع بقيام دليل عليه ومع ذلك لا يكون حجة من
قبله؟ بداهة أن قيام دليل على صحة الالتزام بمؤداه ونسبته إليه
يكشف عن حجيته كما لا يخفى) لأنه ان أريد بالالتزام وصحة النسبة
الالتزام بحجية تلك الامارة وكون مؤداها هو الحكم الفعلي الذي
اقتضته حجيتها، فما أفاده من التساوي بينهما في غاية المتانة.
وان أريد به الالتزام بكون مؤداه هو الحكم الواقعي الأولي كما هو
ظاهر الآية الشريفة وظاهر كلام الشيخ الأعظم (قده): (فهو افتراء)
فلا يمكن المساعدة عليه، لان قيام الحجة لا يحرز كون مؤداها حكما
واقعيا أوليا، ومع عدم إحراز الواقع بهذه الحجة كيف يصح الالتزام
به ونسبته إلى الشارع، إذ ليس ذلك الا تشريعا محرما.
نعم يرد على ما أفاده المصنف بقوله: (ضرورة أن حجية الظن عقلا
على تقرير الحكومة. إلخ) أنه ليس للعقل حكم بالحجية على وزان
حكم الشرع بها، بل العقل يدرك حسن الأشياء وقبحها، فحكم العقل
بحجية الظن في حال الانسداد يراد به حكمه بالتبعيض في الاحتياط
بتقديم المظنونات على المشكوكات والموهومات، فلا يكون عدم
جواز اسناد مؤدى الظن الانسدادي إلى الشارع
273

ضرورة (1) أن حجية الظن عقلا على تقرير الحكومة في حال الانسداد
لا توجب صحتهما [صحتها] فلو فرض صحتهما [) 2 صحتها] شرعا
مع الشك في التعبد به لما كان يجدي (3) في الحجية شيئا ما لم
يترتب عليه ما ذكر من آثارها [) 4 الآثار] ومعه (5) لما كان يضر عدم
صحتهما أصلا كما أشرنا إليه آنفا (6)، فبيان عدم صحة الالتزام مع
الشك في التعبد

نقضا حتى يقال: ان عدم صحة نسبة مؤدى الامارة ليس دليلا على
عدم حجيتها، لعدم صحة النسبة في الظن الانسدادي على الحكومة
مع حجيته.
274

وعدم جواز الاسناد [الاستناد] إليه تعالى غير مرتبط بالمقام (1)، فلا
يكون الاستدلال عليه (2) بمهم، كما أتعب به (3) شيخنا العلامة
أعلى الله مقامه نفسه الزكية بما أطنب من النقض والابرام، فراجعه
(4) بما علقناه عليه وتأمل.
وقد انقدح بما ذكرنا أن الصواب فيما هو المهم في الباب (5)
275

ما ذكرنا في تقرير الأصل، فتدبر جيدا.
إذا عرفت ذلك، فما خرج موضوعا (1) عن تحت هذا الأصل، أو قيل
بخروجه يذكر [نذكر] في ذيل فصول:
276

فصل
لا شبهة في لزوم اتباع ظاهر كلام الشارع في تعيين مراده (1) في
الجملة (2)، لاستقرار طريقة العقلا على اتباع الظهورات في تعيين
277

المرادات مع القطع بعدم الردع عنها (1)، لوضوح (2) عدم اختراع
طريقة أخرى في مقام الإفادة لمرامه من كلامه، كما هو واضح.
278

والظاهر أن سيرتهم على اتباعها (1) من غير تقييد بإفادتها (2) للظن
فعلا (3)، ولا بعدم الظن (4) كذلك على خلافها قطعا، ضرورة (5)
أنه لا مجال عندهم للاعتذار عن مخالفتها بعدم إفادتها (6) للظن
بالوفاق ولا بوجود الظن بالخلاف.
كما أن (7)
280

الظاهر عدم اختصاص ذلك (1) بمن قصد افهامه، ولذا (2) لا يسمع
اعتذار من لا يقصد افهامه إذا خالف (3) ما تضمنه ظاهر كلام المولى
من تكليف
281

يعمه أو يخصه [1 [1

[1] لا يخفى أن ظاهر عبارة المتن - بل صريحها - إناطة حجية ظاهر
الكلام بالنسبة إلى غير المقصود بالافهام باختصاص الحكم
المذكور في الكلام به أو شمول عمومه له. مع أنه ليس كذلك، لوضوح
أنه إذا سأل الراوي عن حكم تحيض المرأة مثلا، فأجابه الإمام عليه السلام
، ثم وقع هذا الجواب على يد رجل آخر غير الراوي، فلا إشكال
حينئذ في حجية ظاهره بالنسبة إلى هذا الرجل الاخر غير المقصود
بالافهام أيضا مع عدم كونه مشمولا للحكم المذكور لا عموما ولا
خصوصا.
فالنتيجة: أن ظاهر الكلام حجة بالنسبة إلى كل أحد من غير فرق بين
كونه مقصودا بالافهام وعدمه، ولا بين كونه مشمولا للحكم و
عدمه. والمناقشة في المثال لا تقدح في صحة المدعى.
282

ويصح (1) به الاحتجاج لدى المخاصمة واللجاج، كما تشهد به (2)
صحة الشهادة بالاقرار من كل من سمعه (3) ولو قصد عدم افهامه
فضلا عما إذا لم يكن بصدد افهامه. [1]

[1] الحق أن يقال: ان ظاهر اللفظ سواء كان ناشئا من الوضع أم غيره
حجة ببناء العقلا مطلقا من غير فرق بين من قصد افهامه به و
غيره، ولا بين ظاهر الكتاب والسنة وغيرهما، لاستقرار بناء العقلا
على ذلك.
نعم إذا علم من حال المتكلم أنه بصدد بيان مقصوده لخصوص
المخاطب أو غيره ممن قصد افهامه بألفاظ خاصة كالرموز بحيث يريد
إخفاء مرامه عمن لم يقصد افهامه بها، فلا شك في عدم حجية هذه
الظواهر حينئذ بالنسبة إلى غير من قصد افهامه، بل لا ينعقد ظهور
لكلامه حتى ينازع في حجيته بالنسبة
283



إلى من لم يقصد افهامه، لكون هذا البناء منه قرينة مانعة عن انعقاد
ظهور لكلامه.
فان كان هذا مقصوده من التفصيل فليس هو تفصيلا في حجية الظهور
بين من قصد افهامه وغيره، بل هو تفصيل بين الكلام الذي له
ظهور وبين الكلام الذي ليس له ظهور، وهو خارج عن موضوع
البحث، لان ظاهر العنوان هو انعقاد الظهور، والخلاف انما هو في
حجيته مطلقا كما هو المشهور، أو حجيته لخصوص من قصد افهامه
كما نسب إلى المحقق القمي قدس سره وان كانت عبارته لا تخلو من
اضطراب بالنسبة إلى أن مورد البحث في ظواهر الكتاب والسنة هل
هو حجيتها بالنسبة إلى من قصد افهامه دون غيره أم انعقاد
الظهور لهما، فلا ظهور لهما بالنسبة إلى غير المقصودين بالافهام،
فالأولى حينئذ نقل عبارته.
قال في بحث السنة: (وأما السنة المعلومة الصدور عنه عليه السلام،
فيحتمل ضعيفا أن تكون مثل المصنفات والمكاتيب، ولكن الأظهر
أن يكون المراد منها تفهيم المخاطبين وبلوغ نفس الحكم إلى من
سواهم بواسطة تبليغهم، ومع ذلك فلا يعلم من حاله رضاه عليه
السلام
بما يفهمه غير المشافهين حتى يكون ظنا معلوم الحجية. إلى أن قال:
وثبوت اشتراكنا غير المشافهين حتى يكون ظنا معلوم الحجية.
إلى أن قال: وثبوت اشتراكنا معهم في أصل التكليف بالاجماع لا
يوجب اشتراكنا معهم في كيفية الفهم من هذه الأدلة، وتوجه الخطاب
إلينا، ولا إجماع على مساواتنا في العمل بالظن الحاصل منها لنا).
وقال في بحث الاجتهاد والتقليد: (لكنا نقول: المسلم منه حجية
متفاهم المشافهين والمخاطبين ومن يحذو حذوهم، لان مخاطبته
كان
معهم، والظن الحاصل للمخاطبين من جهة أصالة الحقيقة أو القرائن
المجازية حجة إجماعا) إلى أن قال: (والحاصل:
284



أن دعوى العلم بأن وضع الكتاب العزيز انما هو على وضع تأليف
المصنفين سيما في الاحكام الفرعية دعوى لا يفي بإثباتها بينة).
أقول: يكفي في إثباتها بناء العقلا على حجية الظواهر مطلقا، وعدم
الوجه في اختصاص حجية ظواهر الروايات المتضمنة للأحكام
بخصوص الرواة بعد كون مضامينها أحكاما كلية لجميع المكلفين، و
اقتضاء ارتكاز رواة أحاديثنا السؤال من الحكم الكلي، فلا موجب
لجعل تلك الأحكام مختصة بالرواة وإثباتها لغيرهم بقاعدة الاشتراك
مثلا كما ادعاه المحقق القمي.
ومما ذكرنا يظهر ما في قوله: (ولا إجماع على مساواتنا في العمل
بالظن الحاصل منها لنا) حيث إن ظاهره تسليم ظهور الكتاب العزيز
بالنسبة إلى غير المخاطبين، لكنه لا دليل على اعتباره شرعا، لما مر
آنفا أيضا من حجية ظواهر الألفاظ ما لم يحرز قرينة على إرادة
الخلاف، ومجرد احتمال نصب القرينة وإرادة خلاف الظاهر لا يقدح
في حجية بناء العقلا على اتباع الظواهر بعد وضوح بنائهم على
نفي القرينة بالأصل العقلائي.
والحاصل: أن ما أفاده المحقق القمي (قده) من الفرق بين المقصود
بالافهام وغيره يرجع إلى جريان أصالة عدم الغفلة والخطأ في الأول
دون الثاني، حيث إن عدم إرادة الظاهر بالنسبة إلى المقصود بالافهام
ناش عن غفلة المتكلم عن نصب القرينة على إرادة خلاف الظاهر،
أو عن غفلة المخاطب عن القرينة المنصوبة من المتكلم، واحتمال
الغفلة في كليهما مدفوع بأصالة عدم الغفلة التي هي من الأصول
العقلائية.
وهذا بخلاف من لم يقصد افهامه، لعدم انحصار عدم إرادة الظاهر
285



بالنسبة إليه في هذين الاحتمالين حتى يندفعا بأصالة عدم الخطأ و
الغفلة، لامكان أن يكون منشؤه اختفاء القرائن لأجل أمور خارجية،
فلم يثبت منهم بناء على عدم الاعتناء بهذا الاحتمال.
والسر في ذلك: أنه لا يجب على المتكلم أن يعالج اختفاء القرائن
الحالية أو المقالية عمن لم يقصد افهامه، بل الواجب عليه عند أبناء
المحاورة إلقاء كلامه على وجه يفي بتمام مراده بالنسبة إلى من قصد
افهامه.
ثم انه فرع على هذا المسلك عدم حجية ظواهر الكتاب والسنة،
لاختصاص حجيتها بالمشافهين المقصودين بالافهام، ومنه نشأ
انسداد
باب العلمي إلى معظم الاحكام، لان إنكار حجية ظواهرهما يوجب
الانسداد المزبور.
فدعوى المحقق المذكور تنحل إلى كبرى وصغرى:
أما الأولى، فهي عدم حجية الظواهر بالنسبة إلى من لم يقصد افهامه،
لما ذكر من الوجه.
وأما الثانية، فهي كون ظواهر الكتاب والسنة من الظواهر التي لم يقصد
إفهامها لغير المخاطبين. أما الكتاب، فلعدم توجه خطاباته إلينا
وعدم كونه من قبيل الكتب المقصود افهام كل من يرجع إليها. وأما
الروايات، فلان أكثرها أجوبة عن الأسئلة، فهي موجهة إلى الرواة
دون غيرهم.
وقد عرفت الاشكال في كل من الكبرى والصغرى، إذ في الأولى: أن
منشأ احتمال عدم إرادة خلاف الظاهر بالنسبة إلى من لم يقصد
افهامه وان لم يكن منحصرا بغفلة المتكلم عن نصب القرينة أو غفلة
المخاطب عن الالتفات إليها، الا أن أصالة الظهور أصل برأسه، وعليه
استقرت طريقة العقلا في الاخذ بالظواهر
286

ولا فرق في ذلك (1) بين الكتاب المبين وأحاديث سيد المرسلين

وعدم الاعتناء باحتمال إرادة خلافها، ومنشأ هذا الأصل استقرار
سيرة العقلا في محاوراتهم على إرادة ظواهر الأقوال بملاحظة
القرائن العامة أو الخاصة الحالية أو المقالية، ومنشأ أصالة عدم الغفلة
هو ما يقتضيه طبع الانسان من عدم صدور السهو والغفلة عنه.
وفي الثانية: أن الكتاب العزيز والروايات من قبيل كتب المصنفين كما
مر آنفا.
وأما ما عن المحقق القمي (قده) من منع حجية الاخبار بالنسبة إلينا
لوقوع التقطيع الهادم لظهورها، ففيه: أن ذلك التقطيع يهدم الظهور
ممن لا يعرف أسلوب الكلام والقواعد العربية، أو لا يبالي بتغير
الأحكام الشرعية، وأما العارف بأساليب الكلام والمبالي بالأحكام و
الورع في الدين كالكليني والشيخ وغيرهما من أرباب الجوامع، فلا
يقدح التقطيع في الظهور، وكذا الحال في اعتماد الأئمة الأطهار
عليهم الصلاة والسلام على القرائن المنفصلة، فإنه لا يهدم الظهور، بل
يوجب الفحص عن القرينة، وعدم جواز العمل بالظواهر قبل
الفحص.
287

والأئمة الطاهرين (1) وان ذهب بعض الأصحاب إلى عدم حجية
ظاهر الكتاب، اما بدعوى (2) اختصاص فهم القرآن ومعرفته بأهله و
من خوطب
288

به، كما يشهد به (1) ما ورد في ردع أبي حنيفة وقتادة عن الفتوى به.
أو بدعوى أنه لأجل احتوائه (2) على مضامين شامخة ومطالب
290

غامضة عالية لا يكاد تصل إليها أيدي أفكار أولي الأنظار غير الراسخين
العالمين (1) بتأويله، كيف (2) ولا يكاد يصل إلى فهم كلمات
الأوائل (3) الا الأوحدي من الأفاضل؟ فما ظنك بكلامه تعالى مع
اشتماله على علم ما كان (4) وما يكون وحكم كل شئ.
291

أو بدعوى (1) شمول المتشابه الممنوع عن اتباعه للظاهر، لا أقل

[1] ويظهر من هذه العبارة أن السيد الصدر يسلم الصغرى وهي أصل
الظهور، ولكنه يمنع حجيته بزعم اندراجه في المتشابه، خلافا لما
استظهره المصنف منها في حاشية الرسائل من جعل النزاع صغرويا،
حيث قال فيها:
(ثالثها كون المنع لأجل أن ما يتراءى فيه ظاهرا ليس بظاهر، اما لما عن
السيد الصدر من أنه على اصطلاح خاص من وضع جديد أو
مجازات لا يعرفها العرب) وان كان في نسبة الوضع الجديد إليه منع،
لتصريحه بنفيه.
وكيف كان فالانصاف أن عبارات السيد مضطربة، فيستفاد من بعضها
صغروية النزاع ومن بعضها كبرويته، فلاحظ.
292

من احتمال شموله له (1)، لتشابه (2) المتشابه وإجماله.
أو بدعوى أنه (3) وان لم يكن منه ذاتا، الا أنه (4) صار منه عرضا،
للعلم (5) الاجمالي بطرو التخصيص والتقييد والتجوز في غير واحد
من ظواهره (6)
293

كما هو الظاهر [1] أو بدعوى (1) شمول الأخبار الناهية عن تفسير
القرآن بالرأي

[1] هكذا وقع فيما بأيدينا من النسخ، والصواب (كما هو ظاهر)
بإسقاط اللام، لان غرضه بيان وضوح طرو الاجمال عرضا على ظواهر
الكتاب بسبب التخصيص والتقييد وغيرهما، وهذا لا يلائم التعبير
عنه ب (الظاهر) لأنه يوهم الترديد فيه، وهو ينافي جزمه الناشئ من
العلم الاجمالي بكثرة التخصيص والتقييد.
294

لحمل (1) الكلام الظاهر في معنى على إرادة هذا المعنى (2).
ولا يخفى (3) أن النزاع يختلف صغرويا وكبرويا بحسب الوجوه،
فبحسب غير الوجه الأخير والثالث يكون صغرويا، وأما بحسبهما
فالظاهر أنه كبروي (4)، ويكون المنع عن الظاهر إما لأنه من المتشابه
295

قطعا أو احتمالا (1)، أو لكون حمل الظاهر على ظاهره من التفسير
بالرأي (2).
وكل هذه الدعاوي فاسدة.
أما الأولى، فبأن [فإنما] المراد (3) مما دل على اختصاص فهم القرآن
ومعرفته بأهله اختصاص فهمه بتمامه بمتشابهاته ومحكماته (4)،
بداهة (5) أن فيه ما لا يختص به (6) كما لا يخفى. وردع أبي حنيفة
(7) وقتادة
296

عن الفتوى به انما (1) هو لأجل الاستقلال به في الفتوى بالرجوع إليه
(2) من دون مراجعة أهله، لا عن (3)
297

الاستدلال بظاهره مطلقا ولو (1) بالرجوع إلى رواياتهم والفحص (2)
عما ينافيه والفتوى (3) به مع اليأس عن الظفر به، كيف (4)؟
298

وقد وقع في غير واحد من الروايات الارجاع إلى الكتاب والاستدلال
(1) بغير واحد من آياته [من الآيات.]
وأما الثانية، فلان احتواءه (2) على المضامين العالية الغامضة لا يمنع
عن فهم ظواهره المتضمنة للأحكام وحجيتها (3)
299

كما هو (1) محل الكلام.
وأما الثالثة (2) فللمنع عن كون الظاهر [الظواهر] من المتشابه، فان
(3) الظاهر كون المتشابه هو خصوص المجمل، وليس (4) بمتشابه
ومجمل.
300

وأما الرابعة (1)، فلان العلم إجمالا بطرو إرادة خلاف الظاهر انما (2)
يوجب الاجمال فيما إذا لم ينحل بالظفر في الروايات بموارد (3)
إرادة خلاف الظاهر بمقدار المعلوم بالاجمال. مع (4) أن دعوى
301

اختصاص أطرافه بما إذا تفحص عما يخالفه لظفر به غير بعيدة (1)،
فتأمل جيدا.
وأما الخامسة (2)
302

فيمنع (1) كون حمل الظاهر على ظاهر من التفسير، فإنه (2) كشف
القناع ولا قناع للظاهر. ولو سلم فليس (3) من التفسير بالرأي،

[1] وعليه يحمل إطلاق الأخبار الناهية عن التفسير مثل ما رواه جابر
بن يزيد، قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن شئ من التفسير
فأجابني ثم سألته عنه ثانية فأجابني بجواب آخر، فقلت: كنت أجبتني
في هذه المسألة بجواب غير هذا، فقال: يا جابر ان للقرآن بطنا وله
ظهر، وللظهر ظهر، يا جابر وليس شئ أبعد من عقول الرجال من
تفسير القرآن، ان الآية تكون أولها في شئ وآخرها في شئ و
هو كلام متصل متصرف على وجوه)
303

إذ الظاهر أن المراد بالرأي هو الاعتبار الظني الذي لا اعتبار به، وانما
كان منه (1) حمل اللفظ على خلاف ظاهره، لرجحانه (2) بنظره،
أو حمل (3) المجمل على محتمله بمجرد مساعدة [مساعدته] ذاك
الاعتبار عليه (4) من دون (5) السؤال عن الأوصياء، وفي بعض
الاخبار
(6) (انما هلك الناس في المتشابه، لأنهم لم يقفوا على معناه ولم
يعرفوا حقيقته، فوضعوا له تأويلا من عند أنفسهم ب آرائهم واستغنوا
بذلك عن مسألة الأوصياء، فيعرفونهم)
304

هذا. مع أنه (1) لا محيص عن حمل هذه الروايات الناهية عن التفسير
به
305

على ذلك (1) ولو (2) سلم شمولها لحمل اللفظ على ظاهره، ضرورة
(3) أنه قضية التوفيق بينها وبين ما دل على جواز التمسك بالقرآن
مثل خبر الثقلين (4)، وما دل (5) على التمسك به والعمل بما فيه، و
عرض الاخبار
306

المتعارضة عليه (1)، ورد الشروط المخالفة له (2) وغير ذلك (3)
مما لا محيص
307

عن إرادة الارجاع إلى ظواهره لا خصوص نصوصه (1)، ضرورة (2)
أن الآيات التي يمكن أن تكون مرجعا في باب تعارض الروايات أو
الشروط أو يمكن أن يتمسك بها ويعمل بما فيها ليست الا ظاهرة في
معانيها، وليس فيها (3) ما كان نصا كما لا يخفى.
308

ودعوى العلم الاجمالي بوقوع التحريف (1) فيه بنحو اما بإسقاط (2)
309

أو تصحيف وان كانت غير بعيدة (1) كما شهد به بعض الاخبار (2) و
يساعده (3) الاعتبار (4)
310

الا أنه (1) لا يمنع عن حجية ظواهره، لعدم (2) العلم بوقوع الخلل
فيها بذلك (3) أصلا. ولو سلم فلا علم (4) بوقوعه في آيات الاحكام،
والعلم
311

بوقوعه (1) فيها أو في غيرها من الآيات (2) غير ضائر بحجية آياتها.
والعلم الاجمالي (3) بوقوع الخلل في الظواهر انما يمنع عن حجيتها
إذا كانت كلها حجة، والا (4)
312

لا يكاد ينفك ظاهر عن ذلك (1)، فافهم (2).
نعم (3) لو كان الخلل المحتمل فيه أو في غيره بما اتصل به لأخل
313

بحجيته (1)، لعدم (2) انعقاد ظهور له حينئذ [1 [3 وان انعقد له
الظهور لولا اتصاله (4).
ثم إن التحقيق (5)
314

أن الاختلاف في القراءة بما (1) يوجب الاختلاف في الظهور مثل
(يطهرن) بالتشديد (2)
315

والتخفيف (1) يوجب الاخلال بجواز التمسك والاستدلال، لعدم
(2) إحراز ما هو القرآن، ولم يثبت (3) تواتر القراءات [1] ولا جواز
الاستدلال بها [2]

[1] ظاهره أنه على تقدير ثبوت تواتر كل قراءة - كما نسب إلى المشهور
خلافا للشيخ وجماعة لانكارهم تواترها - يجوز التمسك بها،
وهو في غاية الضعف، لأنه على مبنى الطريقية في الامارات - كما هو
المفروض والمعتمد - يكون الحكم التساقط، وعدم جواز
الاستدلال بشئ من القراءات المختلفة مضامينها.
[2] لا يخفى ما فيه، لان مجرد جواز الاستدلال بها انما يصحح
التمسك بها في غير صورة اختلاف الظهور باختلاف القراءة. وأما في
صورة اختلافه باختلافها فلا يصحح الاستدلال بها، بل مقتضى
القاعدة بناء على الطريقية هو التساقط وعدم حجية شئ من
القراءتين
المتعارضتين.
316

وان نسب إلى المشهور تواترها، لكنه (1) مما لا أصل له، وانما الثابت
جواز القراءة بها (2)، ولا ملازمة بينهما (3) كما لا يخفى.
317

ولو فرض (1) جواز الاستدلال بها، فلا حاجة [فلا وجه] لملاحظة
الترجيح بينها [2] بعد كون الأصل في تعارض الامارات هو سقوطها

[1] لكن لا يبعد استفادة جواز الاستدلال من النصوص الامرة بالرجوع
إلى القرآن، فليتأمل.
[2] الا أن يفصل كما قيل بين حكاية نفس الآية وحكاية قراءة المعصوم
عليه السلام لها، فإنها على الثاني حكاية فعل المعصوم عليه
السلام فتدخل في السنة المحكية، فليتأمل.
318

عن الحجية في خصوص المؤدى (1) بناء (2) على اعتبارها من باب
الطريقية والتخيير (3) بينها بناء على السببية مع (4) عدم دليل على
الترجيح في غير الروايات من سائر الامارات، فلا بد (5)
319

من الرجوع حينئذ (1) إلى الأصل أو العموم حسب اختلاف
المقامات.
320

فصل
قد عرفت (1) حجية ظهور [1] الكلام في تعيين المرام، فان أحرز (2)

[1] لا فرق في كون منشأ هذا الظهور الوضع وغيره، لاستقرار بناء
العقلا على حجية الظواهر وكشفها النوعي عن المرادات مع الغض
عن منشأ الظهور من الوضع وغيره.
321

بالقطع، وأن المفهوم منه جزما بحسب متفاهم أهل العرف هو ذا فلا
كلام، والا (1) فان كان (2)
322

لأجل احتمال وجود قرينة (1) فلا خلاف في أن الأصل عدمها، لكن
الظاهر أنه معه (2) يبنى على المعنى الذي لولاها كان اللفظ ظاهرا فيه
323



[1] ولكن الحق الاحتياج إلى كلتيهما معا، أما أصل عدم القرينة فلنفيها
ليثبت به بقاء الظهور الثابت بالوضع ونحوه وعدم عدول
المتكلم عنه بقرينة، وأما أصالة الظهور فلاثبات حجية هذا الظهور
الذي ثبت بقاؤه بأصالة عدم القرينة، وكونه مرادا جديا للمتكلم،
فالأصل العدمي ينقح الصغرى، والوجودي يثبت الكبرى.
و بالجملة: ففي المقام مراحل ثلاث: الأولى: أصل الظهور الثابت
بالوضع ونحوه. الثانية: بقاء هذا الظهور وعدم عدول المتكلم عنه، و
المثبت له أصالة عدم القرينة. الثالثة: كون هذا الظاهر مرادا ويثبت
بأصالة الظهور.
ولا يخفى أن صريح كلام الشيخ (قده) رجوع الأصول المرادية من
أصالتي العموم والاطلاق إلى أصل عدمي وهو أصالة عدم القرينة.
لكن الظاهر خلافه، إذ شأن أصالة عدم القرينة إحراز بقاء الظهور وعدم
العدول عنه كما تقدم آنفا، وشأن الأصول المرادية الوجودية
كأصالتي العموم والاطلاق إثبات كون الظاهر مرادا جديا للمتكلم و
كاشفا عن مرامه، فعلى هذا تكون أصالة عدم القرينة محققة
لموضوع الأصول المرادية ومتقدمة عليها رتبة، فلا يغني إجراء أصالة
عدم القرينة عن هذه الأصول المرادية، كما أن ما استظهره
المصنف من اكتفائه بأصالة الظهور غير خال عن الاشكال، لما عرفت
من عدم إغناء أصالة الظهور عن أصالة عدم القرينة، لأنها محققة
لموضوع أصالة الظهور.
324

ابتدأ (1)، لا أنه يبنى عليه (2) بعد البناء على عدمها (3) كما لا
يخفى، فافهم (4).
وان كان (5) لاحتمال قرينية الموجود، فهو وان لم يكن مجالا [بمحل
] للاشكال بناء على حجية أصالة الحقيقة من باب التعبد، الا
325

أن الظاهر (1) أن يعامل معه [) 2 معها] معاملة المجمل.
وان كان (3) لأجل الشك فيما هو الموضوع له لغة أو المفهوم منه
عرفا، فالأصل يقتضي عدم حجية الظن فيه (4)
326

فإنه (1) ظن في أنه ظاهر، ولا دليل على حجية الظن بالظواهر [ولا
دليل الا على حجية الظواهر.]
نعم (2) نسب إلى المشهور حجية قول اللغوي بالخصوص (3) في
تعيين الأوضاع، واستدل لهم [واستدلالهم] باتفاق العلماء (4)، بل
327

العقلا (1) على ذلك (2)، حيث لا يزالون يستشهدون بقوله (3) في
مقام الاحتجاج بلا إنكار من أحد ولو مع المخاصمة واللجاج، وعن
بعض (4) دعوى الاجماع على ذلك (5).
328

وفيه (1): أن الاتفاق ممنوع (2)، ولو سلم [وان الاتفاق لو سلم اتفاقه
(3)
329

فغير مفيد [1] مع أن المتيقن منه هو الرجوع إليه (1) مع اجتماع
شرائط الشهادة من العدد والعدالة.
والاجماع المحصل (2) غير حاصل، والمنقول منه غير مقبول،

[1] ان كان غرضه من عدم الإفادة تسليم ثبوت الاتفاق في زماننا وعدم
ثبوته في زمان المعصوم عليه السلام حتى يكون عدم ردع
الشارع إمضاء للسيرة، ففيه: أنه يمكن إثبات اتصال السيرة المحققة في
زماننا قطعا بزمان المعصوم عليه السلام بالاستصحاب.
وان كان غرضه عدم ثبوت حجية السيرة مع فرض اتصالها بزمانه عليه
السلام، ففيه: أن عدم الردع عن مثلها مع عدم مانع عنه كتقية أو
غيرها دليل على إمضائها، وهو كاف في حجيتها.
330

خصوصا في مثل المسألة مما احتمل قريبا [1 [1 أن يكون وجه
ذهاب

[1] ويستفاد من عبارة المصنف حيث جعل الاجماع مدركيا أن هناك
وجها آخر لحجية قول اللغوي وهو استقرار سيرة العقلا على
مراجعة أهل الخبرة من كل فن كما حكاه شيخنا الأعظم عن الفاضل
السبزواري. لكن لو أريد إثبات المعنى الحقيقي بالرجوع إلى اللغوي
من حيث إنه من أهل الخبرة، ففيه: أنه ليس من أهل خبرة الأوضاع
حتى يصح الرجوع إليه، بل ليس هو من أهل خبرة موارد الاستعمال
أيضا، لوضوح اعتبار النظر والرأي في الخبروية، فاعتبار العدد و
العدالة حينئذ متجه.
331

الجل لولا الكل هو اعتقاد أنه (1) مما اتفق عليه (2) العقلا من
الرجوع إلى أهل الخبرة من كل صنعة فيما [) 3 مما] اختص بها، و
المتيقن
من ذلك (4) انما هو فيما إذا كان الرجوع موجبا للوثوق والاطمئنان، و
لا يكاد يحصل من قول اللغوي وثوق بالأوضاع، بل [1] 5 لا
يكون

[1] الأولى تقديم هذا الايراد الثاني على الأول، بأن يقال: (ليس
332

اللغوي من أهل خبرة ذلك (1)، بل انما هو من أهل خبرة موارد
الاستعمال [1] بداهة (2) أن همه ضبط موارده، لا تعيين أن أيا منها (3)
كان اللفظ فيه حقيقة أو مجازا [2] وإلا لوضعوا لذلك (4) علامة،

اللغوي من أهل الخبرة أولا، ولم ينهض دليل على اعتبار قوله - بعد
تسليم كونه من أهل الخبرة - ثانيا) لان مناط اعتبار قولهم - وهو
إفادة الوثوق - مفقود في قول اللغوي، فلا وجه لاعتباره.
لكن فيه: أن بناء العقلا على الرجوع إلى أهل الخبرة ليس على الوثوق
الشخصي، بل النوعي، وهو حاصل من قول اللغوي بناء على كونه
من أهل الخبرة.
[1] بل ليس اللغوي من أهل خبرة موارد الاستعمال أيضا بناء على
اعتبار النظر والحدس في الخبروية كما هو كذلك، وقد مرت
الإشارة إليه في بعض التعاليق.
[2] لكن الانصاف أن اللغوي وان لم يكن خبيرا بالأوضاع وعارفا
بالحقائق والمجازات، الا أن قوله موجب لظهور اللفظ في المعنى
الذي استعمله فيه، وهذا المقدار كاف في إثبات الظهور الذي هو
موضوع الحجة العقلائية.
333

وليس ذكره أولا (1) علامة كون اللفظ حقيقة فيه، للانتقاض [1 [2
بالمشترك.
وكون (3) موارد الحاجة إلى قول اللغوي أكثر من أن تحصى،

[1] هذا النقض غير وارد، إذ للقائل بعلاميته أن يقول باختصاص أماريته
بحال الجهل، وأما مع العلم بتعدد الوضع والاشتراك اللفظي
فليس ذكره أولا علامة الوضع، فالأولى منع العلامية لعدم الدليل
عليها.
334

لانسداد باب العلم بتفاصيل المعاني غالبا بحيث (1) يعلم بدخول
الفرد المشكوك أو خروجه وان (2) كان المعنى معلوما في الجملة لا
يوجب (3)
335

اعتبار قوله ما دام (1) انفتاح باب العلم بالأحكام كما لا يخفى، ومع
الانسداد (2) كان قوله معتبرا إذا أفاد الظن من باب حجية مطلق
الظن
336

وان فرض انفتاح باب العلم باللغات (1) بتفاصيلها فيما عدا المورد
(2).
نعم (3) لو كان هناك دليل على اعتباره لا يبعد أن يكون انسداد
337

باب العلم بتفاصيل اللغات موجبا له (1) على نحو الحكمة لا العلة.
لا يقال (2): على هذا لا فائدة في الرجوع إلى اللغة.
فإنه يقال (3): مع هذا (4) لا يكاد تخفي الفائدة في المراجعة إليها،
فإنه (5) ربما يوجب القطع بالمعنى (6) وربما يوجب القطع بأن اللفظ
338

في المورد ظاهر في معنى (1) بعد الظفر به وبغيره (2) في اللغة وان
لم يقطع [نقطع] بأنه حقيقة فيه (3) أو مجاز [1] كما اتفق كثيرا،

[1] بل يمكن إثبات الوضع بقول اللغوي أيضا بعد البناء على وثاقته في
نقل موارد الاستعمال، بأن يقال: انه بعد وقوفه على استعمال أهل
اللسان لفظا في معنى بلا قرينة، فلا محالة يكون ذلك المعنى حقيقيا،
إذ لو كان مجازيا لنصبوا عليه قرينة، واحتمال نصبهم لها وإهمال
اللغوي لذكرها خلاف ما فرض من كونه ثقة في النقل، كما أن احتمال
وجود قرينة خفية على اللغوي مندفع بالأصل.
وبالجملة: فنقل اللغوي لموارد الاستعمال - مع ملاحظة ما عرفت -
يدل
339

وهو (1) يكفي في الفتوى. [1]

على وضع اللفظ فيما استعمل فيه، وهذا غير كون الأصل في
الاستعمال الحقيقة، إذ المدار هنا على الظهور المجرد عن القرينة
بمعونة
الأصل العقلائي، وهناك على الاستعمال في المعنى المعلوم قصده،
مع الجهل بكونه حقيقة أو مجازا، ومن المعلوم أن مجرد الاستعمال
ليس أمارة على الحقيقة.
[1] لا يخفى أن لسيدنا الأستاذ (قده) وجها لحجية قول اللغوي قد أفاده
في مجلس الدرس وفي حقائق الأصول بقوله: (ثم إن أقوى ما
يستدل به على حجية قول اللغوي هو ما دل على حجية خبر الثقة في
الاحكام. ودعوى أن خبر اللغوي ليس متعرضا للحكم، لأنه من الخبر
عن الموضوع فاسدة، لان المراد من الخبر في الاحكام كل خبر ينتهي
إلى خبر عن الحكم ولو بالالتزام. إلخ).
وملخصه بطوله: أن ما دل على حجية خبر الثقة في الاحكام يشمل
قول اللغوي، حيث إن الاخبار عن الحكم أعم من الدلالة المطابقية كما
إذا قال الراوي:
(سمعت الإمام عليه السلام يقول: يجوز التيمم بالتراب الخالص) فإنه
اخبار عن
340



الحكم الشرعي مطابقة، ومن الدلالة الالتزامية، كما إذا قال اللغوي:
(الصعيد هو التراب الخالص) فإنه أيضا اخبار عن الحكم الشرعي - و
هو جواز التيمم - بالدلالة الالتزامية.
وبالجملة: فقول اللغوي حجة بمناط اخباره عن الحكم الشرعي
التزاما، ولا فرق في حجية الاخبار عنه بين الدلالة المطابقية و
الالتزامية،
هذا.
أقول: قد يختلج بالبال أنه لا يخلو من الغموض، إذ يتوجه عليه:
أولا: أن الدلالة الالتزامية وان لم تتبع الدلالة المطابقية في الحجية،
لكنها تتبعها في الوجود، فدلالة قول اللغوي على الحكم الشرعي
التزاما منوطة بدلالة اللفظ على معناه المطابقي أولا، والمفروض عدم
كون اللغوي من أهل خبرة الأوضاع حتى يدل قوله على المعنى
المطابقي، ويكون الاخبار عنه اخبارا عن لازمه وهو الحكم الشرعي،
وانما هو من أهل خبرة موارد الاستعمال على ما قيل.
وعليه، فدلالة قول اللغوي على الحكم الشرعي التزاما ممنوعة، فلو
قال اللغوي: (الصعيد هو التراب الخالص) ودل النص على جواز
التيمم
بالتراب الخالص لم يدل قوله هذا من ناحية دلالته على جواز التيمم
بالتراب الخالص على كونه معنى حقيقيا للصعيد أو مصداقا له.
وثانيا: أنه يعتبر في الدلالة الالتزامية اللزوم عقلا أو عرفا على ما هو
مذكور في علم الميزان، وذلك مفقود بين المعنى اللغوي والحكم
الشرعي، ضرورة أن الأحكام الشرعية مجعولات ثابتة لموضوعاتها
تعبدا، وليست من لوازمها
341



العقلية أو العرفية، فجعل الأحكام الشرعية من لوازم المعاني اللغوية
حتى يكون قول اللغوي اخبارا عنها التزاما مما لم يظهر له وجه.
وبعبارة أخرى: لو قال الشارع: (الغناء حرام) وكان معنى الغناء مجملا،
لم يكن قول اللغوي: (الغناء مطلق الصوت المطرب) اخبارا عن
حرمة الغناء التزاما، الا إذا ثبت أنه معنى الغناء مطابقة، وأن الحرمة من
لوازمه، وقد عرفت آنفا عدم ثبوتهما.
أما الأول، فلعدم كون اللغوي من أهل خبرة الأوضاع.
وأما الثاني، فلعدم كون الأحكام الشرعية من اللوازم العقلية أو العرفية
لموضوعاتها.
وثالثا: أنه يستلزم الدور، حيث إن الدلالة الالتزامية - كما مر - تتوقف
على الدلالة المطابقية، وهي تتوقف أيضا على الدلالة الالتزامية،
إذ المفروض أن الاخبار عن اللازم - وهو الحكم الشرعي - يوجب
الاخبار عن ملزومه وهو المعنى المطابقي اللغوي الذي صار حجة
لأجل الاخبار عن اللازم.
ورابعا: أن قياس قول اللغوي على موضوع الحكم الشرعي - الواقع
في الاخبار الثابت قطعا تبعا لحكمه - مع الفارق، إذ الموجب لحجية
خبر الواحد بالنسبة إلى الموضوع هو دلالة الاقتضاء، بداهة أنه لو لم
يثبت الموضوع المذكور في الخبر لم يمكن الاستدلال به على
الحكم أصلا، ولزم لغوية حجية خبر الواحد غالبا، مثلا إذا قال الراوي:
(سألت الإمام عليه السلام عن الفأرة التي وقعت في البئر، فأجاب
عليه السلام: أنه ينزح منها سبع دلا) فإنه لو لم
342



يثبت بهذا الخبر وقوع الفأرة في البئر لم يكن وجه للاستدلال به على
الحكم الشرعي وهو الانفعال الزائل بنزح سبع دلا.
وما ذكره (قده) من الأمثلة من هذا القبيل سواء أخبر الراوي بالموضوع
فقط كما إذا قال: (دخلنا على المعصوم عليه السلام يوم الجمعة،
وقال: هذا يوم عيد، أو هذا المكان وادي العقيق)، أم أخبر بالموضوع
والحكم معا، كما إذا قال عليه السلام: (هذا مسجد الشجرة يجب
الاحرام فيه، أو المشعر الحرام يجب الوقوف فيه) فإنه لو لم يثبت بخبر
ابن مسلم مثلا كون هذا المكان أحد المكانين المذكورين لم
يثبت وجوب الاحرام أو الوقوف فيه، لعدم صحة التمسك برواية ابن
مسلم مثلا على ذلك بدون ثبوت الموضوع.
والحاصل: أن دلالة الاقتضاء تقتضي حجية الخبر في كل من الحكم و
الموضوع، بخلاف قول اللغوي، لعدم جريان دلالة الاقتضاء فيه، فلا
دليل على حجيته الا ما ذكرناه في التعليقة السابقة لو تم، فلاحظ.
ثم انه على تقدير عدم حجيته، فان كان للفظ ظاهر عرفا أخذ به وان لم
يعلم كونه معنى مطابقيا له، وان لم يكن له ظاهر فان تردد بين
المتباينين وكان التكليف المتعلق به إلزاميا كما إذا فرض تردد الواجب
يوم الجمعة بين أربع ركعات وركعتين وخطبتين احتاط
بالجمع بينهما، وان تردد بين الأقل والأكثر، فعلى القول بالاحتياط في
الأقل والأكثر الارتباطيين أتى بالأكثر، وعلى القول بالبراءة
فيهما أتى بالأقل.
ثم انه لا بأس ببيان الوجوه التي يمكن الاستدلال بها على حجية قول
اللغوي
343



إجمالا، وهي أمور:
الأول: أن اللغوي من أهل الخبرة، وقد استقر بناء العقلا على الرجوع
إلى أهل الخبرة من دون اعتبار العدالة والعدد، بل ولا الاسلام.
وفيه: ما عرفت من أن اللغوي ليس من أهل الخبرة.
الثاني: إجماع العلماء على اعتبار قول اللغوي في تعيين الأوضاع
اللغوية والرجوع إليه في تعيينها.
وفيه: أن تحقق الاجماع التعبدي في المقام - مع أنه ليس من موارده -
غير معلوم، لاحتمال استناد المجمعين إلى سائر الوجوه التي
استدل بها على اعتبار قول اللغوي من حصول الوثوق لهم بقوله، أو
الانسداد الصغير، أو غيرهما.
الثالث: جريان مقدمات الانسداد الصغير في باب اللغات.
وفيه: أن المدار في حجية الظن الانسدادي هو انسداد باب العلم و
العلمي في معظم الفقه - لا في اللغة - كما قرر في محله.
الرابع: ما أفاده سيدنا الأستاذ (قدس سره) في حقائق الأصول، وقد
عرفته.
الخامس: ما بيناه في التعليقة السابقة بقولنا: (بل يمكن إثبات الوضع
بقول اللغوي أيضا بعد البناء على وثاقته. إلخ).
السادس: أن قول اللغوي يفيد الاطمئنان.
وفيه: أنه أخص من المدعى، لاختصاصه بموارد اتفاق اللغويين، وأما
موارد اختلافهم فلا يحصل الوثوق بقولهم فيها.
344

فصل (1)
الاجماع المنقول بخبر واحد [) 2 بالخبر الواحد] حجة عند كثير

[1] لا يخلو هذا التعبير من المسامحة، إذ المقام من باب استلزام الحكم
345

ممن قال باعتبار الخبر بالخصوص (1) من جهة (2) أنه من أفراده [1]
من دون أن يكون عليه (3) دليل بالخصوص، فلا بد في اعتباره من
شمول أدلة اعتباره (4)

الثابت للكلي لبعض أفراده، لا من باب الملازمة بين المتلازمين، و
لأجل فردية الاجماع المنقول للخبر كان الأنسب تأخيره عن بحث
الخبر الواحد وجعله متمما له، لان العلم بشمول أدلة حجية الخبر له
منوط بتقديم بحثه على بحث الاجماع المنقول حتى يظهر أن المراد
بالخبر معنى يشمل الاجماع المنقول.
فلعل الأولى أن يقال: (هو التعرض لفردية الاجماع المنقول لخبر
الواحد حتى يشمله دليل اعتباره لكونه من أفراده).
[1] لا يخفى أنه بناء على اختصاص أدلة حجية الخبر بالحسي لا يكون
الاجماع المنقول من أفراده حتى يشمله إطلاق أدلته أو عمومها إلا
على بعض المباني في الاجماع كما سيجئ إن شاء الله تعالى.
346

له بعمومها أو إطلاقها (1).
وتحقيق القول فيه يستدعي رسم أمور
الأول (2): أن وجه اعتبار الاجماع هو القطع برأي الإمام عليه السلام،
ومستند القطع به (3) لحاكيه - على ما يظهر من كلماتهم - هو علمه
(4) بدخوله عليه السلام في المجمعين شخصا ولم يعرف عينا (5)،
347

أو قطعه (1)

[1] فالمستفاد من كلماتهم اختصاص الاجماع الدخولي بدخول قوله
عليه السلام في أقوال المجمعين سواء كان شخصه الاجل داخلا فيهم
أم لا، وعلى هذا فيكون فعله وتقريره عليه السلام خارجين عن
الاجماع الدخولي المصطلح وان كانا حجتين أيضا، كما إذا صدر فعل
عن جماعة نعلم أن أحدهم الإمام عليه السلام، أو صدر فعل من
شخص بمحضر جماعة نعلم أن أحدهم الإمام عليه السلام، فسكتوا
بأجمعهم
مع إمكان الردع منهم على تقدير كونه خلاف الواقع، فان هذا الفعل أو
التقرير ليس من الاجماع الدخولي المصطلح وان كان بنفسه
حجة.
348

باستلزام ما يحكيه لرأيه عليه السلام عقلا (1) من باب اللطف، أو عادة
(2)

[1] لكن جرى اصطلاحهم في هذا المقام على إطلاق الحدس على
العلم غير الحاصل من الاجماع الدخولي والتشرفي والملازمة العقلية
الثابتة بقاعدة اللطف، والملازمة الشرعية الناشئة من التقرير، وهو
إمضاؤه عليه السلام لقول أو فعل صدر بمحضره الشريف مع عدم
مانع من ردعه، فان سكوته عليه السلام
349

أو اتفاقا (1) من جهة الحدس [حدس رأيه عليه السلام] وان [1] لم
تكن (2)

تقرير لذلك القول أو الفعل. وعليه، فالحدس المصطلح عليه في
الاجماع المنقول هو العلم الحاصل عادة أو اتفاقا.
[1] في هذا التعبير مسامحة، إذ ليس للاتفاق الا فرد واحد، وهو ما لم
يكن فيه ملازمة لا عقلا ولا عادة، مع أن ظاهر العبارة وجود
فردين له أشار إلى الخفي منهما بقوله: (وان لم تكن) فالأولى إبداله
بقوله: (بأن لم تكن) ليكون مفسرا للاتفاق.
350

ملازمة بينهما (1) عقلا ولا عادة، كما هو (2) طريقة المتأخرين في
دعوى الاجماع، حيث (3) انهم مع عدم الاعتقاد بالملازمة العقلية و
لا
الملازمة العادية غالبا (4)، وعدم العلم بدخول جنابه عليه السلام في
المجمعين عادة يحكون الاجماع كثيرا، كما أنه (5) يظهر ممن
اعتذر عن وجود
351

المخالف بأنه (1) معلوم النسب أنه (2) استند في دعوى الاجماع إلى
العلم بدخوله عليه السلام، وممن (3) اعتذر [عنه] بانقراض عصره
(4) أنه استند إلى قاعدة اللطف. هذا (5)
352

مضافا إلى تصريحاتهم بذلك (1) على ما يشهد به (2) مراجعة
كلماتهم، وربما يتفق (3) لبعض الأوحدي وجه آخر من (4) تشرفه
برؤيته
عليه السلام وأخذه [وأخذ] الفتوى من جنابه، وانما لم ينقل عنه
(5)، بل يحكي
353

الاجماع لبعض دواعي الاخفاء [) 1 الاختفاء.]
الامر الثاني (2):
أنه لا يخفى اختلاف نقل الاجماع، فتارة ينقل
354

رأيه عليه السلام في ضمن نقله حدسا (1)، كما هو (2) الغالب، أو
حسا وهو نادر جدا، وأخرى لا ينقل الا ما هو السبب عند ناقله عقلا
(3) أو
355

عادة (1) أو اتفاقا (2). واختلاف (3) ألفاظ النقل أيضا (4) صراحة و
ظهورا وإجمالا (5) في ذلك أي في أنه (6) نقل السبب أو نقل السبب
والمسبب.
الامر الثالث (7): أنه لا إشكال في حجية الاجماع المنقول
بأدلة
356

حجية الخبر إذا كان نقله (1) متضمنا لنقل السبب والمسبب عن حس
357

لو لم نقل بأن نقله كذلك (1) في زمان الغيبة موهون جدا (2). وكذا
(3) إذا لم يكن متضمنا له (4)، بل كان ممحضا لنقل السبب عن حس
الا أنه (5) كان سببا بنظر المنقول إليه أيضا (6) عقلا (7) أو عادة (8) أو
اتفاقا (9)،
358

فيعامل حينئذ (1) مع المنقول إليه معاملة المحصل (2) في الالتزام
بمسببه بأحكامه (3) وآثاره.
وأما إذا كان نقله (4) للمسبب لا عن حس، بل بملازمة ثابتة عند
359

الناقل بوجه (1) دون (2) المنقول إليه، ففيه (3) إشكال، أظهره عدم
نهوض تلك الأدلة (4) على حجيته، إذ (5) المتيقن من بناء العقلا
غير ذلك (6).
كما أن المنصرف من الآيات والروايات - على تقدير دلالتهما - ذلك
(7)، خصوصا (8) فيما إذا رأى المنقول إليه خطأ الناقل في اعتقاد
360

الملازمة، هذا (1) فيما انكشف الحال. وأما فيما اشتبه (2) فلا يبعد
أن يقال بالاعتبار، فان (3) عمدة أدلة حجية الاخبار هو بناء العقلا، و
هم كما يعملون بخبر الثقة إذا علم أنه عن حس يعملون به فيما يحتمل
كونه عن حدس، حيث إنه (4) ليس بناؤهم - إذا أخبروا بشئ -
على التوقف والتفتيش عن أنه (5) عن حدس أو حس، بل العمل على
طبقه
361

والجري (1) على وفقه (2) بدون ذلك (3). نعم (4) لا يبعد أن يكون
بناؤهم على ذلك (5) فيما (6) لا يكون هناك أمارة على الحدس أو
اعتقاد (7) الملازمة فيما لا يرون هناك ملازمة، هذا. لكن (8)
الاجماعات المنقولة في ألسنة
362

الأصحاب غالبا مبنية على حدس الناقل أو اعتقاد الملازمة عقلا، فلا
اعتبار (1) لها ما لم ينكشف أن نقل السبب كان مستندا إلى الحس،
فلا بد (2)
363

في الاجماعات المنقولة بألفاظها المختلفة (1) من استظهار مقدار
دلالة ألفاظها ولو بملاحظة حال الناقل (2) وخصوص موضع النقل
(3)، فيؤخذ بذلك المقدار (4)
364

ويعامل معه كأنه (1) المحصل، فان كان (2) بمقدار تمام السبب، والا
(3) فلا يجدي ما لم يضم [) 4 ينضم] إليه مما حصله أو نقل له من
سائر الأقوال أو سائر الامارات (5) ما (6) به تم،
365

فافهم (1).
فتلخص بما ذكرنا (2): أن الاجماع المنقول بخبر الواحد [بالخبر
الواحد] من جهة حكايته رأي الإمام عليه السلام بالتضمن (3)
366

أو الالتزام (1) كالخبر الواحد في الاعتبار إذا كان من نقل إليه ممن يرى
الملازمة بين رأيه عليه السلام وما نقله (2) من الأقوال بنحو
الجملة والاجمال، وتعمه [) 3 فعليه يعمه] أدلة اعتباره وينقسم
بأقسامه (4)، ويشاركه في أحكامه (5)
367

والا (1) لم يكن مثله في الاعتبار من جهة الحكاية (2).
وأما من جهة نقل السبب، فهو (3) في الاعتبار بالنسبة إلى مقدار
368

من الأقوال التي نقلت إليه (1) على الاجمال بألفاظ نقل الاجماع مثل
(2) ما إذا نقلت على التفصيل، فلو ضم (3) إليه مما حصله أو نقل (4)
له
[إليه] من (5) أقوال السائرين أو سائر الامارات مقدار كان (6)
المجموع منه وما (7) نقل بلفظ الاجماع بمقدار (8) السبب التام كان
(9)
المجموع كالمحصل، ويكون حاله (10
369

كما إذا كان كله منقولا، ولا تفاوت (1) في اعتبار الخبر بين ما إذا كان
المخبر به تمامه أو ماله دخل فيه، وبه قوامه (2)، كما يشهد به (3)
370

حجيته بلا ريب في تعيين (1) حال السائل، وخصوصية (2) القضية
الواقعة المسؤول عنها، وغير ذلك (3) مما له دخل في تعيين مرامه
عليه
السلام من كلامه.
وينبغي التنبيه على أمور
371

الأول (1):
أنه قد مر (2) أن مبنى دعوى الاجماع غالبا هو اعتقاد الملازمة عقلا،
لقاعدة (3) اللطف، وهي باطلة (4)
372

أو اتفاقا (1) بحدس رأيه عليه السلام من فتوى جماعة، وهي (2)
غالبا غير مسلمة. وأما كون (3) المبنى العلم بدخول الامام بشخصه
في
الجماعة، أو العلم (4) برأيه، للاطلاع (5) بما يلازمه عادة من الفتاوى
فقليل جدا في الاجماعات المتداولة في ألسنة الأصحاب كما لا
يخفى، بل (6)
373

لا يكاد يتفق العلم بدخوله عليه السلام على نحو الاجمال في
الجماعة في زمان الغيبة وان احتمل تشرف [1 [1 بعض (2)
الأوحدي
بخدمته ومعرفته أحيانا، فلا يكاد (3) يجدي نقل الاجماع الا من باب نقل

[1] ظاهره كونه فردا للاجماع الدخولي، لكنك عرفت أن الاجماع
التشرفي ليس إجماعا حقيقة، وانما هو مجرد اصطلاح وأجنبي عنه.
[2] فما في حاشية المحقق المشكيني (قده) من جعل قوله: (فلا يكاد)
374

السبب بالمقدار الذي أحرز من لفظه بما (1) اكتنف به من حال أو
مقال، ويعامل معه (2) معاملة المحصل (3).
الثاني (4):
أنه لا يخفى أن الاجماعات المنقولة إذا تعارض اثنان

تفريعا على خصوص الأقسام الثلاثة الأخيرة غير سديد، إذ لا وجه
لهذا التخصيص بعد وضوح عدم حجية نقل الاجماع من جهة الكشف
عن المسبب في الجميع حيث لا فرق في عدم حجيته في المسبب
بين القطع بعدم الكشف عن رأيه عليه السلام - كما هو كذلك بناء
على
بطلان قاعدة اللطف - وبين الشك في ثبوت رأيه عليه السلام بنقل
الاجماع كما في الحدس، وعلى هذا فلا مانع من جعل قوله:
(فلا يكاد) تفريعا على جميع ما ذكره من أول التنبيه إلى هنا، فتدبر.
375

منها أو أكثر، فلا يكون التعارض الا بحسب المسبب [1 [1 وأما

[1] لا يخفى أن التعارض بحسب المسبب لا يختص بما إذا كان وجه
حجية الاجماع الاستلزام العقلي أو العادي لرأي الإمام عليه السلام،
بل
يعم ما إذا كان وجه حجيته حجة معتبرة، حيث إن مرجع التعارض في
الجميع إلى تنافي الحكمين، لعدم إمكان صدورهما عن الإمام عليه السلام
من دون فرق في تنافيهما بين كون الدال عليهما نفس الاجماع
وبين كونه حجة معتبرة.
376

بحسب (1) السبب فلا تعارض في البين، لاحتمال (2) صدق الكل،
لكن (3)
377

نقل الفتاوى على الاجمال بلفظ الاجماع حينئذ لا يصلح لان يكون
سببا (1) ولا جز سبب [1] لثبوت (2) الخلاف فيها، الا (3) إذا كان
في
أحد المتعارضين (4) خصوصية موجبة لقطع المنقول إليه برأيه عليه
السلام لو اطلع عليها ولو مع (5) اطلاعه على الخلاف، وهو (6) وان
لم يكن مع الاطلاع على الفتاوى على اختلافها مفصلا ببعيد (7)، الا

[1] هذا ممنوع، إذ يمكن ضم ما يحصله المنقول إليه من الامارات إليه،
وبعده يحصل من المجموع القطع برأيه عليه السلام، وهذا واضح،
فلا بد من التأمل في كلامه حتى يظهر مرامه.
378

أنه (1) مع عدم الاطلاع عليها كذلك (2) الا مجملا (3) بعيد، فافهم. [1 [4

[1] لا يخفى أن دعوى الاجماع بمعنى اتفاق الكل مجازفة، بداهة أن
الإحاطة بفتاوى علماء عصر واحد مع كثرتهم وانتشارهم في البلاد
والبوادي من المحالات
379



العادية خصوصا في الاعصار السابقة التي كانت فاقدة لوسائل نقل
الأشخاص والارتباطات وطبع الكتب ونشر الفتاوى، فلا محيص
حينئذ عن حمل نقل الاجماع وتحصيله على نقل الشهرة وتحصيلها،
فالبحث عن نقله وتحصيله من الأبحاث الفرضية التي لا وجود لها
خارجا.
ثم انه على فرض وجوده في الخارج لا فرق في اعتباره وعدمه بين
الاجماع المنقول في كلمات القدماء وكلمات المتأخرين، لوحدة
مناط الحجية وعدمها في كليهما، ودعوى الفرق بينهما بحجية الأول
دون الثاني - كما عن بعض الأعاظم - استنادا إلى احتمال أن
يكون مستندهم في اعتباره هو السماع من المعصوم عليه السلام ولو
بالواسطة لقرب عصرهم بزمان الحضور، فضموا أقوال العلماء إلى
قوله عليه السلام ونقلوه بلفظ الاجماع، غير مسموعة.
أما أولا: فلان صرف الاحتمال لا يجدي في حجية الاجماع وان قلنا
بكفاية احتمال استناد الخبر إلى الحس في حجيته، وذلك لوهن
الاحتمال المزبور بأن الشيخ (قده) استند في دعوى الاجماع إلى
قاعدة اللطف، لا إلى السماع من المعصوم عليه السلام ولو بالواسطة،
و
السيد (قده) استند في دعوى الاجماع إلى أصل أو قاعدة أجمع
عليهما واعتقد انطباقهما على مورد، مثل دعواه الاجماع على جواز
الوضوء بالمائع المضاف استنادا إلى أصالة البراءة مع عدم قائل به
ظاهرا.
وأما ثانيا: فلانه لو كان كذلك لكان عليه النقل عن المعصوم عليه
السلام والاسناد إليه عليه السلام كسائر الروايات، فان النقل بلفظ
الاجماع لا يخلو من تدليس بعيد عن ساحتهم المقدسة.
380

الثالث (1):
أنه ينقدح مما ذكرنا في نقل الاجماع حال نقل

فالمتحصل: أن مسألة الاجماع من المسائل الفرضية، وأنه على فرض
وجوده لا فرق في الاعتبار وعدمه بين إجماع القدماء وإجماع
المتأخرين.
381

التواتر، وأنه (1) من حيث المسبب وآثاره لا بد في اعتباره (2) من
كون الاخبار به اخبارا على الاجمال بمقدار يوجب قطع المنقول إليه
بما أخبر (3) به لو علم به [بها]
382

ومن حيث السبب يثبت به (1) كل مقدار كان اخباره بالتواتر دالا
عليه، كما إذا أخبر (2) به على التفصيل، فربما لا يكون الا دون حد
التواتر، فلا بد في معاملته معه (3) معاملته (4)
383

من لحوق مقدار آخر من الاخبار يبلغ المجموع ذاك الحد (1). نعم
(2) لو كان هناك أثر للخبر المتواتر في الجملة ولو عند المخبر لوجب
ترتيبه عليه (3) ولو لم يدل على ما بحد التواتر من (4) المقدار. [1]

[1] ينبغي تكميل مباحث الاجماع المنقول بخبر الواحد ببيان أمور:
الأول: أن الفرق بين الاجماع وبين سائر الأدلة هو: أن الاجماع - أعني
اتفاق أهل الفتوى على حكم - ليس بنفسه دليلا معتبرا على حذو
اعتبار الكتاب والسنة، بل اعتباره انما هو لأجل كشفه عن رأي
المعصوم عليه السلام، فمع القطع بكشفه عنه يكون حجة على
الحكم، و
بدونه - ولو مع الظن بكشفه - لا حجية فيه.
نعم بناء على حجية الاجماع بنفسه وان لم يفد القطع بقول المعصوم
عليه السلام كما ربما يستدل عليه بقوله عليه السلام في مقبولة ابن
حنظلة: (فان
384



المجمع عليه لا ريب فيه) بناء على كونه من العلة المنصوصة وإناطة
حسن التعليل بعموم العلة، حيث إن المستفاد منه حينئذ اعتبار كل ما
أجمع عليه وان لم يكن رواية - يندرج الاجماع المنقول في خبر
الواحد، ويصير حجة من دون توقف على كشفه عن قول المعصوم
عليه
السلام، ويكون وزانه في الحجية وزان أخبار الآحاد. لكن ثبت في
محله بطلان الاستدلال المزبور، واختصاص العلة المذكورة في
المقبولة بالروايات، وأن وجه حجية الاجماع هو كشفه عن رأي
المعصوم عليه السلام، وأن اتفاق الفتاوى بنفسه لا حجية فيه ما لم
يكشف قطعيا عنه.
الثاني: أن نقل السبب - أعني اتفاق الكل - حسيا لما كان ممتنعا عادة
خصوصا في الاعصار السابقة الفاقدة للوسائل الارتباطية بين
البلاد مع انتشار أرباب الفتاوى في الأقطار وعدم كتاب فتوائي لكل
واحد منهم حتى يطلع المتتبع على فتاواهم وينقلها عن حس، فلا
بد من توجيه نقلهم للاجماعات اما بالظفر على فتوى جماعة و
الاعتقاد بانحصار أرباب النظر بهم ولو باستصحاب عدم اجتهاد
غيرهم،
واما بابتناء الحكم على قاعدة يعتقد ناقل الاجماع تسلمها عند الكل،
فدعوى الاجماع مبنية على أمرين:
أحدهما: ابتناء الحكم على تلك القاعدة.
ثانيهما: تسالم الفقهاء عليها.
واما بحصول الوثوق للناقل من اتفاق جماعة من الأكابر باتفاق الكل.
وعلى كل حال لا يكون نقل السبب - فضلا عن نقل المسبب الذي هو
مناط حجية الاجماع - حسيا، فلا يندرج الاجماع المنقول بخبر
الواحد في الخبر
385



الواحد الحسي أو الحدسي القريب به حتى يشمله أدلة حجية الخبر.
الثالث: أنه يعتبر في صحة الاستدلال بالاجماع أن لا يكون هناك ما
يمكن التمسك به لحكم المسألة، إذ مع وجوده يحتمل استناد
المجمعين إليه، لا إلى الاجماع، فلا يحصل القطع بإجماع تعبدي في
المسألة.
وعليه فتسقط الاجماعات عن الاعتبار في كثير من الموارد التي يذكر
فيها الاجماع وغيره من الأدلة، والاجماعات المجردة عن سائر
الوجوه في غاية القلة، وهي معدودة في أبواب الفقه. فالحق أن
الاجماعات بمنزلة الشهرة، بل هي عينها كما مر في بعض التعاليق، فلا
يمكن الاستناد إليها في الحكم الشرعي، الا الاجماعات المتلقاة
بالقبول في كل طبقة مع عدم وجه آخر يصح الاستناد إليه في الفتوى و
لو
رواية مرسلة، وقد أنهاها بعض الفقهاء رضوان الله عليهم في جميع
أبواب الفقه إلى خمسة وعشرين، وآخر إلى أكثر، وثالث إلى أقل
من ذلك.
الرابع: أن المحقق النائيني على ما حكاه سيدنا الأستاذ (قدهما) عنه
في مجلس الدرس (نفي البأس عن حجية الاجماع في موردين:
أحدهما: نقل الاتفاق عن جميع أرباب الفتاوى وأصحاب الأئمة
عليهم السلام حسا، لكشفه قطعا عن رأي المعصوم عليه السلام.
ثانيهما: نقل اتفاق خصوص أرباب الفتاوى من الصدر الأول إلى زمان
ناقل الاجماع من دون اتصاله بزمان أصحاب الأئمة عليهم الصلاة
والسلام، وهذا الاجماع - مع القطع بورع الفقهاء وعدم إفتائهم بغير
علم - يكشف عن ظفرهم برواية معتبرة عندهم بحيث لو ظفرنا
بها كانت حجة عندنا أيضا بشرط عدم عموم أو إطلاق أو أصل يحتمل
استناد المجمعين إليه، إذ مع وجوده يخرج عن
386



الاجماع التعبدي).
وأنت خبير بأن القسم الأول وان كان مفيدا قطعا، لكشفه عن رأي
المعصوم عليه السلام بلا إشكال، لكنه مجرد فرض، لامتناع تحقق
النقل الحسي بهذه المثابة. ومثله القسم الثاني، إذ من الممتنع عادة
كتمان أصحاب الحديث والكتب الاستدلالية لتلك الرواية المبتلى بها
وعدم ضبطها في الجوامع وغيرها، وشدة الاهتمام بإخفائها و
الايصاء بعدم كتبها وعدم نقلها الا إلى الصدور، فان ذلك مما يقطع
بعدمه.
نعم مقتضى ورعهم وشدة تقواهم عدم إفتائهم الا بما اعتقدوا حجيته
وصحة استنادهم إليه، وهذا لا يستلزم اعتبار مستندهم عندنا
أيضا.
الخامس: أن اعتبار خبر العادل الحسي يقتضي اعتبار نقل الاجماع
بمعنى البناء على تصديق الناقل في نقل اتفاق الفتاوى عن حس، وأنه
لم ينقله عن حدس، لكن مجرد ذلك لا يسوغ الاعتماد على هذا
الاجماع والاستناد إليه في الحكم الشرعي ما لم يكن كاشفا قطعيا عن
رأي المعصوم عليه السلام في نظر المنقول إليه.
387

فصل مما قيل باعتباره بالخصوص (1) الشهرة في الفتوى [1]

[1] لا يخفى أن للشهرة أقساما ثلاثة:
الأول: الشهرة الفتوائية التي هي محل الكلام فعلا، والمراد بها اشتهار
الفتوى بحكم بدون العلم بمستندها.
الثاني: الشهرة من حيث الرواية بمعنى اشتهار الرواية بين الرواة بكثرة
نقلها وضبطها في كتب الحديث، وهذه الشهرة هي التي عدها
المشهور - على ما قيل - من المرجحات السندية في باب تعارض
الخبرين، ويأتي الكلام فيه في باب التعادل والترجيح إن شاء الله
تعالى.
الثالث: الشهرة العملية، وهي استناد المشهور إلى رواية في مقام
الاستنباط،
388



وهذه الشهرة كما نسب إلى المشهور هي الجابرة لضعف سند الرواية،
كما أن إعراضهم عن رواية صحيحة أو موثقة موهن ومسقط لها
عن الحجية بحيث يرجع إلى دليل آخر ان كان، والا فإلى الأصل
العملي، خلافا لبعض الأعاظم، وقد وجه ذلك في تقريراته بما
لفظه:
(لكن الانصاف أن جعل عمل المشهور على رواية جابرا لضعفها و
إعراضهم عنها موجبا لوهنها مما لا يسعنا الالتزام به، فان الرواية بعد
فقد شرائط الحجية عنها لا يمكن العمل بها، لكونه عملا بالظن، فان
عمل المشهور بها لا يزيد على الظن شيئا، وقد نهينا عن العمل به و
الاعتماد عليه، كما أنه بعد اجتماع شرائط الحجية فيها لا يمكن
طرحها والعمل بغيرها، لأنه طرح لما أوجب الشارع العمل بها). وقد
تعرض أيضا لذلك مفصلا في أواخر دليل الانسداد من أراد الوقوف
عليه فليراجعه.
وملخص ما أفاده في ذلك: منع الانجبار بعمل المشهور كبرى و
صغرى، أما الكبرى، فلان عملهم بخبر ضعيف لا يوجب الا الظن
الذي
نهي عن العمل به ولا يكون توثيقا للراوي، وضم غير الحجة إلى مثله
لا يوجب الحجية، فوجود عمل المشهور بخبر ضعيف كعدمه. وأما
الصغرى، فلانه لا سبيل إلى إحراز استنادهم إلى الخبر الضعيف في
مقام الاستنباط، حيث إن المدار في الجبر عند القائلين به انما هو
على عمل قدماء مشهور الأصحاب باعتبار أن عملهم بخبر ضعيف مع
قربهم بزمان المعصوم عليه السلام يكشف عن وجود قرينة دالة
على صحة الخبر، والمفروض أن كتب القدماء خالية عن الاستدلال
على فتاواهم،
389



فإحراز الصغرى أصعب من إثبات الكبرى.
أقول: لا يخفى أن ما أفاده - بناء على حجية الاخبار تعبدا وعلى عدم
إفادة عمل المشهور برواية ضعيفة الا الظن - متين جدا، حيث إن
أدلة الاعتبار لا تشمل الخبر الضعيف الذي عمل به المشهور، إذ
المفروض عدم اجتماع شرائط الحجية فيه، والظن الحاصل له بعملهم
ليس حجة أيضا، بل نهي عنه. وكذا الخبر الصحيح الواجد لشرائط
الحجية، فان إعراض مشهور الأصحاب عنه لا يوجب الا الظن بعدم
اعتباره، وهو لا يخرجه عن عموم أدلة حجية الخبر، لعدم اشتراط
اعتباره بعدم الظن بخلافه.
وأما بناء على حجية الاخبار ببناء العقلا، بمعنى: أن المعتبر هو الخبر
المفيد للاطمئنان والعلم العادي، فلا محيص عن الذهاب إلى الجبر
والوهن المزبورين، وذلك لان الخبر الموثوق الصدور - وان لم يكن
راويه ثقة - حجة سواء حصل هذا الوثوق من الراوي أو من
الخارج كعمل المشهور به أو غيرهما، ومن المعلوم أن العمل بالخبر
الضعيف من المشهور الذين هم في الدرجة العليا من العلم وسعة
الباع ودقة النظر وكمال التثبت وغاية الورع والتقوي - بل كثير منهم
ضعفوا راوي ذلك الخبر في كتبهم الرجالية ولم يعملوا
بروايته في سائر الموارد، ومع ذلك عملوا بخبره هذا - يوجب تكوينا
الوثوق والاطمئنان بصدور خبره، فان عمل كل واحد من
المشهور يوجب الظن بصدوره وتراكم الظنون من الأسباب الموجبة
للعلم الوجداني أو العادي، وهذا غير قابل للانكار. واحتمال الغفلة
في كل واحد منهم مدفوع بالأصل العقلائي.
واستدلالهم به مع ضعفه اخبار بحجيته، لما ظفروا به من قرينة دالة
على اعتباره.
390



لا يقال: ان الثابت اعتباره من الخبر هو خصوص الحسي منه.
فإنه يقال: نعم، لكن المشكوك كونه عن حس أو حدس ملحق بالخبر
الحسي، فلا يرد: أن اخبارهم عن احتفاف الخبر الضعيف بقرينة
دالة على حجيته حدسي، فلا يشمله دليل اعتبار الخبر، هذا كله في
الجبر بعمل المشهور.
ومنه يظهر: حال الوهن بإعراضهم عن الخبر الصحيح أو الموثق، فإنه
يرفع عنه الوثوق بصدوره تكوينا، وقد مر أنه مدار حجية الخبر،
فلا يكون عدم العمل به طرحا للحجة، ولما أوجب الشارع العمل به.
فالنتيجة: أنه لا ينبغي الاشكال في صحة الكبرى.
وأما الصغرى، فيمكن إحرازها بالفحص عن الروايات في الجوامع
المتقدمة والمتأخرة، كإحراز عدم المخصص والمقيد للعمومات و
الاطلاقات به بالمقدار الموجب للقطع العادي بعدمهما، وصحة
التمسك بعده بالعموم أو الاطلاق، ففي المقام يعلم عادة - بعد
الفحص و
عدم الظفر برواية أخرى - أن مستندهم هو هذا الخبر الضعيف
خصوصا بعد استدلال مثل الشيخ (قده) ممن قرب عصره بعصر
القدماء
بذلك.
وبالجملة: فكما يحرز بالفحص عدم المخصص والمقيد للعمومات و
المطلقات، فكذلك يحرز عدم رواية أخرى في المسألة غير الخبر
الضعيف، والمفروض عدم عموم أو إطلاق أو أصل في المسألة يمكن
استناد المشهور إليه، فيحصل القطع العادي بعدم مستند لهم سوى
هذا الخبر الضعيف.
نعم يتوقف حصول هذا القطع على إتعاب النفس بالفحص التام في
الجوامع العظام، واحتمال استنادهم إلى رواية معتبرة لم تصل إلينا
بعد الاطلاع على
391



بذل كمال الجهد والوسع من المحدثين في ضبط الروايات في غاية
الوهن والسقوط.
فتلخص من جميع ما ذكرنا: أن عمل المشهور برواية ضعيفة يوجب
الوثوق الشخصي بالصدور الذي هو مناط حجية الخبر، كما أن
إعراضهم عن رواية معتبرة سندا يرفع الوثوق عنه، فما أفاده المشهور
من الجبر والوهن هو المعتمد.
نعم لو لم يوجب عمل المشهور الوثوق الشخصي في مورد لم يعبأ به
وكان وجوده كعدمه، وكذا الاعراض، فإنه إذا لم يرفع الوثوق
بالصدور عن الرواية الصحيحة في مورد لم يكن مانعا عن حجيتها،
فليس للعمل والاعراض موضوعية لاثبات الحجية ونفيها، بل هما
طريقان لاحراز مناط الحجية وعدمها.
فان كان مراد بعض الأعاظم صورة عدم حصول الوثوق بعمل
المشهور، بل الحاصل به هو الظن الذي نهينا عنه، فهو متين. وان كان
نفي
الجبر والوهن مطلقا ولو مع حصول الوثوق الشخصي بالصدور من
عمل المشهور وارتفاعه بإعراضهم، فلا يمكن المساعدة عليه،
فلاحظ وتأمل والله تعالى هو العالم.
هذا كله من حيث السند.
وأما من حيث الدلالة فلا يكون حمل المشهور لرواية على خلاف
ظاهرها جابرا لضعف دلالتها، ضرورة أن بناء العقلا على حجية
الظواهر، وإرادة خلاف الظاهر ولو بعمل الأصحاب أجنبية عن ظواهر
الألفاظ التي هي حجة عقلائية، فلا أثر لاعراض المشهور وعملهم
بالنسبة إلى الدلالة.
392

ولا يساعده (1) دليل [ولا دليل يساعده عليه مطلقا] وتوهم دلالة
أدلة حجية الخبر الواحد عليه بالفحوى (2)
393

لكون (1) الظن الذي تفيده [) 2 يفيده] أقوى مما يفيده الخبر، فيه
(3) ما لا يخفى، ضرورة عدم دلالتها على كون مناط اعتباره إفادته (4)
الظن،
394

غايته تنقيح ذلك (1) بالظن، وهو (2) لا يوجب الا الظن بأنها أولى
بالاعتبار، ولا عبرة به. مع (3) أن دعوى القطع بأنه ليس بمناط غير
(4) مجازفة. [1]

[1] قد عرفت أن القطع بكون المناط هو الظن لا يفيد في الأولوية إذا لم
يحرز كونه بنحو العلة لا الحكمة، فالتفكيك الذي تعرض له
المصنف (ره) وان كان يمنع الأولوية، لكنه لا يمنع عن أن يكون
المناط بنحو الحكمة هو الظن، ومقصوده من المناط هو العلة، لإناطة
الأولوية بها.
395



وبالجملة: فما أفاده في الجوابين يرجع إلى منع كون مناط حجية الخبر
هو الظن كما هو واضح.
ثم إن للشيخ الأعظم (قده) وجها آخر في الجواب، وهو قوله: (و
أضعف من ذلك تسمية هذه الأولوية في كلام ذلك البعض مفهوم
الموافقة، مع أنه ما كان استفادة حكم الفرع من الدليل اللفظي الدال
على حكم الأصل مثل قوله تعالى: ولا تقل لهما أف) وأورد عليه
المصنف في حاشيته على الرسائل بما لفظه: (لا يخفى أنه يمكن
تقريب دلالة بعض أدلة حجية الخبر الواحد بمفهوم الموافقة على
حجية
الشهرة مثل آية النبأ، بأن يقال: انه لما كانت هذه الآية مفصلة بين
الفاسق والعادل منطوقا ومفهوما مع تعليل الحكم في طرف المنطوق
بعدم إصابة القوم بالجهالة وحصول الندم بذلك كانت دالة من حيث
دلالتها المفهومية عرفا على حجية كل أمارة كانت أقوى ظنا وأبعد
من الإصابة بالخطإ من خبر العدل بطريق أولى إلى أن قال: فعلى هذا
يكون استفادة حكم الفرع من الدليل اللفظي الدال على حكم
الأصل، فيكون تسميتها بمفهوم الموافقة في محله. إلخ).
وأنت خبير بعدم إمكان المساعدة عليه، لابتنائه على أمرين:
أحدهما: اختصاص التعليل بالمنطوق، وهو خلاف ما عن أبناء
المحاورة من إناطة حسن التعليل بعموم العلة نظير قول الطبيب
للمحموم
مثلا: (لا تأكل الرمان، لأنه حامض) إذ من البديهي عموم النهي لكل
حامض، وعم اختصاصه بالرمان.
وعليه فالتعليل في آية النبأ لا يختص بالمنطوق، فكل خبر غير علمي
يجب التبين فيه وان لم يكن الجائي به فاسقا، وهذا التعليل مانع
عن تحقق المفهوم.
396

وأضعف منه (1) توهم دلالة المشهورة [) 2 المرفوعة]

ثانيهما: دلالة الآية على المفهوم وعلى إناطة حجية خبر العادل
بإفادته الظن حتى يدل على حجية الظن الأقوى منه كالحاصل من
الشهرة
بالفحوى.
وكلاهما ممنوع، أما الأول، فلما عرفت من كون عموم التعليل مانعا
عنه.
وأما الثاني، فلان المفهوم بعد تسليمه لا يقتضي الا حجية خبر العادل
وعدم وجوب تحصيل العلم به، فلو لم يفد خبره الظن بل ظن خلافه
كان حجة أيضا، فلا يدل المفهوم على حجية الظن أصلا في خبر
العادل حتى يستدل به على حجية الظن الأقوى منه الحاصل من
الشهرة أو
غيرها بالأولوية، هذا.
مع أنه يمكن أن يقال: - بعد تسليم المفهوم ودلالته على اعتبار الظن
الحاصل من نبأ العادل - انه خارج عما اصطلحوا عليه من مفهوم
الموافقة، لاعتبار كون ما يدل على حكم الأصل هو المنطوق كقوله
تعالى: (ولا تقل لهما أف) الدال بالأولوية على حرمة الشتم والضرب
ونحوهما، وعدم كفاية المفهوم في الدلالة على حكم الأصل كما
ادعاه المصنف في آية النبأ. فما أفاده شيخنا الأعظم (قده) بقوله: (و
أضعف من ذلك تسمية هذه الأولوية. إلخ) في غاية المتانة ولا يرد
عليه ما ذكره المصنف، فتأمل جيدا.
397

والمقبولة (1)

[1] وللشيخ الأعظم تقريب آخر للاستدلال بالمشهورة مبني على
إطلاق الصلة - أعني قوله عليه السلام: (اشتهر) - وهو ما أفاده بقوله:
(أو أن إناطة الحكم بالاشتهار يدل على اعتبار الشهرة بنفسه وان لم
يكن في الرواية) الظاهر في علية الشهرة بما هي شهرة لترجيح
الخبر المشهور على غيره، فيدل على اعتبار الشهرة مطلقا سواء كانت
في الفتوى أم في الخبر أم غيرهما، هذا.
لكن يمكن أن يقال: ان إطلاق الصلة لما كان بمقدمات الحكمة التي
منها عدم ما يصلح للتقييد، ومن المعلوم أن الموصول - المراد به
الخبر - صالح لذلك، فلا ينعقد إطلاق للصلة. نعم تعليق الحكم على
الوصف مشعر بالعلية، لكن لا عبرة بالاشعار، لعدم اندراجه في
الظهورات التي هي حجة.
398

عليه (1)، لوضوح (2) أن المراد بالموصول في قوله عليه السلام في
399

الأولى: (خذ بما اشتهر بين أصحابك) وفي الثانية: (ينظر إلى ما كان
من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك،
فيؤخذ به) هو الرواية [1]

[1] لكن الحق أن مورد الاستدلال بالمقبولة ليس هو قوله عليه السلام:
(ما كان من روايتهم. إلخ) إذ لا مجال له بعد كون (من روايتهم) بيانا
للموصول، فالمتعين الاستدلال بقوله: (فان المجمع عليه) بعد
إرادة المشهور منه، إذ المدار حينئذ على الشهرة مطلقا وان كانت في
الفتوى على ما هو قضية العلة المنصوصة، هذا.
ثم إن الظاهر من هذا الجواب - أعني استظهار إرادة خصوص الرواية
من الموصول - هو كون نظر المصنف (ره) في الاستدلال إلى
إطلاق الموصول
400

لا ما يعم الفتوى (1) كما هو أوضح من أن يخفى.

لكل مشهور رواية كان أو فتوى، والا فلا يلائم الجواب، إذ لو لم يكن
الاستدلال ناظرا إلى إطلاق الموصول، بل كان ناظرا إلى إطلاق
الصلة وهي (اشتهر) والعلة - وهي قوله عليه السلام: (فان المجمع
عليه لا ريب فيه) - كان جواب المتن أجنبيا عنه، ولما لم يتعرض
المصنف لهذا الاستدلال، فلا نتعرض له الا إجمالا، فنقول: ان
الاستدلال بإطلاق الصلة وهو (اشتهر بين أصحابك) كما هو أحد
الوجهين
المتقدمين عن الشيخ الأعظم في المشهورة، وبعموم العلة وهي قوله
عليه السلام: (فان المجمع عليه لا ريب فيه) في المقبولة على اعتبار
الشهرة الفتوائية خال عن الصواب، ضرورة أن تعليق الحكم على
الوصف غير ظاهر في العلية حتى يدور الحكم وجودا وعدما مداره،
بل
غايته الاشعار بالعلية، ولا عبرة به إذا لم يبلغ حد الظهور، هذا في
المشهورة.
وأما المقبولة، فلان الاخذ بظاهرها من اعتبار كل ما لا ريب فيه
بالإضافة إلى غير المشهور يوجب لزوم الاخذ بكل راجح كالظن،
حيث إنه
راجح بالنسبة إلى مقابله وهو الوهم، وأقوى الشهرتين وغير ذلك،
وهو باطل بالضرورة، فيتعين إرادة الخبر بالخصوص من
الموصول في قوله: (المجمع عليه).
وان شئت فقل: ان جعل (المجمع عليه) من العلة المنصوصة يوجب
تخصيص الأكثر.
فالمتحصل: أنه لا وجه للاستدلال بالمشهورة والمقبولة على اعتبار
الشهرة الفتوائية مطلقا سواء كان الاستدلال بنفس الموصول أم
بصلته أم بعموم العلة.
401

نعم (1) بناء على حجية الخبر ببناء العقلا لا يبعد دعوى عدم
اختصاص بنائهم على حجيته [1 [2 بل (3) على حجية كل أمارة
مفيدة للظن
أو الاطمئنان، لكن دون إثبات ذلك (4) خرط القتاد.

[1] الظاهر سقوط كلمة (به) بعد (حجيته) ليكون متعلقا ب (اختصاص)
وضميره راجعا إلى الخبر كما لا يخفى وجهه.
402

فصل المشهور بين الأصحاب حجية خبر [الخبر] الواحد في الجملة
(1) بالخصوص (2)
404

ولا يخفى أن هذه المسألة من أهم المسائل الأصولية، وقد عرفت في
أول الكتاب (1) أن الملاك في الأصولية صحة وقوع نتيجة المسألة
في طريق الاستنباط (2) ولو لم يكن البحث فيها (3) عن الأدلة الأربعة
(4) وان اشتهر في ألسنة الفحول كون الموضوع في علم الأصول
405

هي الأدلة، وعليه (1) لا يكاد يفيد في ذلك - أي كون هذه المسألة
أصولية - تجشم دعوى (2) أن البحث عن دليلية الدليل بحث عن
أحوال
406

الدليل، ضرورة (1) أن البحث في المسألة (2) ليس عن دليلية الأدلة،
بل عن حجية الخبر الحاكي عنها.
408

كما لا يكاد يفيد عليه (1) تجشم دعوى أن مرجع هذه المسألة إلى أن
السنة - وهي قول الحجة أو فعله أو تقريره - هل تثبت [يثبت]
بالخبر الواحد أو لا تثبت الا بما يفيد القطع من التواتر أو القرينة؟ فان
(2) التعبد بثبوتها مع الشك فيها لدى الاخبار بها ليس
409

من عوارضها، بل من عوارض مشكوكها (1) كما لا يخفى. مع أنه (2)
410

لازم لما يبحث عنه في المسألة من حجية (1) الخبر [1] والمبحوث
عنه

[1] ولا يندفع الاشكال أيضا على ما ذهب إليه شيخنا الأعظم (قده)
في حجية خبر الواحد من أن المجعول فيه وجوب العمل لا نفس
الحجية
كما هو مذهب غيره، إذ وجوب العمل - مضافا إلى أنه ليس حكما
أصوليا - يكون من عوارض الخبر لا السنة، وثبوت السنة من لوازم
وجوب العمل بالخبر.
وبالجملة: لا فرق في عدم ارتفاع الاشكال بين كون المجعول في خبر
الواحد نفس الحجية وبين كونه وجوب العمل.
ولا بأس بالتكلم حول ما أفاده شيخنا الأعظم (قده) في دفع الاشكال
من (أن مرجع البحث عن حجية الخبر إلى البحث عن ثبوت السنة
بخبر الواحد وعدمه، وهذا بحث عن عوارض السنة، فتندرج مسألة
حجية الخبر في المسائل الأصولية) فنقول: ان أريد بثبوتها بالخبر
علية الخبر للعلم الوجداني بثبوتها، ففساده غني عن البيان، إذ موضوع
البحث هو خبر الواحد غير العلمي، فالخبر الموجب للعلم بالسنة
كالخبر المتواتر أو الواحد المحفوف بالقرينة القطعية خارج عن محل
الكلام.
وان أريد بثبوتها به علية الخبر لوجودها تكوينا فهو أوضح فسادا من
سابقه، لان الخبر حاك عن السنة، والحاكي متأخر رتبة عن
المحكي، فلو كان الخبر علة لوجود السنة تكوينا لزم تأخر العلة عن
المعلول، ولزم أيضا أن يكون البحث حينئذ عن وجود الموضوع
بمفاد كان التامة، لا عن عوارضه التي هي بمفاد كان الناقصة. ولا ريب
في أنه (قده) لم يرد شيئا من هذين الوجهين.
وان أريد بثبوتها به ثبوتها تعبدا - وهو مراده ظاهرا - بأن يرجع
البحث عن
411



حجية خبر الواحد إلى البحث عن ثبوت السنة به تعبدا، فيرد عليه ما
في المتن من أن الثبوت التعبدي وان كان من العوارض، لكنه من
عوارض الخبر لا من أحوال السنة وعوارضها.
وان أريد بثبوتها ما وجهه به بعض المحققين (قده) في حاشيته على
المتن بقوله: (ان إيجاب تصديق العادل حيث إنه بعنوان المؤدى هو
الواقع كما هو مقتضى عنوان التصديق، فلا محالة يكون المؤدى
وجودا عنوانيا للواقع، والواقع موجود عنوانا به، فإذا كان موضوع
المسألة هي السنة صح البحث عن عارضها وهو ثبوتها العنواني
بالخبر، كما أن الموضوع للمسألة إذا كان هو الخبر صح البحث عن
عارضه وهو كونه ثبوتا عنوانيا للسنة، فان الثبوت العنواني له نسبة إلى
الطرفين. الا أن ما ذكرنا يصحح إمكان جعل المسألة باحثة عما
ينطبق على عوارض السنة، والا فالبحث المتداول في الأصول هو
البحث عن عارض الخبر، فإنه الموضوع للمسألة، فتدبر، فإنه حقيق
به).
وملخص ما أفاده: أن تنزيل الخبر منزلة السنة يوجب عروض عنوان -
وهو السنة - للخبر، كعروض عنوان الأسد لزيد بسبب تشبيهه
بالأسد، وبعد تعنون الخبر بعنوان السنة يبحث عن ثبوت السنة
بالخبر، فمرجع البحث عن حجية الخبر حينئذ إلى البحث عن ثبوت
السنة التي هي عنوان ثانوي تنزيلي للخبر.
ففيه أولا: أن هذا التوجيه مبني على أن يكون مفاد أدلة حجية الخبر
تنزيل الخبر منزلة السنة، وليس الامر كذلك، إذ المبنى الصحيح
حجية الاخبار ببناء العقلا، فليس في البين الا الطريقية، فمع الإصابة
يتنجز بها الواقع، ومع
412



الخطأ يكون المكلف معذورا، وليس في البين تنزيل أصلا. ولو قلنا
بالجعل في حجية الاخبار فليس المجعول الا نفس الحجية أو تتميم
الكشف أو الوجوب الطريقي، ولا مساس لشئ منها بالتنزيل.
وثانيا: أنه - بعد تسليم التنزيل المزبور - لا وجه لجعل الموضوع في
مسألة حجية الخبر عنوانه الثانوي التنزيلي أعني السنة.
إذ فيه - مضافا إلى أنه توجيه بعيد عن الأذهان ولم يتعرض له
الباحثون عن حجية الخبر - أنه ليس الكلام في حجية السنة، لأنها
مفروغ
عنها، مع أن للبحث عنها مقاما آخر.
وان أريد بثبوتها تنجز السنة بالخبر بأن يكون مرجع البحث عن حجية
الخبر إلى تنجز السنة به.
ففيه: أن المنجزية من عوارض الخبر لا السنة، وتضايف منجزيته و
منجزيتها لا يصحح ذلك، لتغاير حيثيتهما، فان المبحوث عنه في
حجية الخبر هو حيثية التنجيز، لا تنجز السنة وان كان ذلك من لوازم
التنجيز، لكنه لا يعبأ به بعد عدم كون السنة موضوع الحجية.
فالصواب إنكار انحصار موضوع علم الأصول بالأدلة الأربعة والالتزام
بأنه كلي ينطبق على جميع موضوعات مسائله، أو إنكار
الموضوع لعلم الأصول رأسا، ودعوى: أن هذا العلم عبارة عن جملة
من قضايا متشتتة يترتب عليها القدرة على الاستنباط، وموضوعات
تلك القضايا نفس موضوع العلم عينا ومفهوما كما تقدم في الجز
الأول من هذا الشرح، وعليه فيسهل اندراج مسألة حجية الخبر في
علم
الأصول.
413

في المسائل انما هو الملاك في أنها (1) من المباحث أو من غيرها 2
[غيره] لا ما هو لازمه (3)، كما هو واضح.
وكيف كان (4) فالمحكي عن السيد والقاضي وابن زهرة والطبرسي
وابن إدريس عدم حجية الخبر، واستدل (5) لهم بالآيات الناهية
(6) عن
414

اتباع غير العلم، والروايات الدالة على رد ما لم يعلم أنه قولهم (1)
عليهم السلام، أو لم يكن عليه شاهد من كتاب الله أو شاهدان (2)، أو
415

لم يكن موافقا للقرآن إليهم (1)، أو على بطلان ما لا يصدقه كتاب الله
(2) أو على أن ما لا يوافق كتاب الله زخرف (3)، أو على النهي (4)
عن قبول
416



[1] صدر الحديث كما في رجال الكشي ص 195 في ترجمة المغيرة
بن سعيد وفي البحار نقلا عنه - مع تلخيص في السند - هكذا:
(حدثني محمد بن قولويه والحسين بن الحسن بن بندار القمي، قالا:
حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثني محمد بن عيسى بن عبيد عن
يونس بن عبد الرحمن: ان بعض أصحابنا سأله وأنا حاضر، فقال له: يا
أبا محمد ما أشدك في الحديث وأكثر إنكارك لما يرويه
أصحابنا؟، فما الذي يحملك على رد الأحاديث؟ فقال: حدثني هشام
بن الحكم: أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا تقبلوا.)
الحديث.
والتعبير عنها بالصحيحة كما في الرسائل - مع الجهل بحال الحسين
بن الحسن بن بندار، إذ لم يرد في شأنه غير أنه من أصحاب سعد،
وعدم التصريح بوثاقة محمد بن قولويه - اما لاستظهار وثاقة محمد
من كلام النجاشي، حيث قال في ترجمة ابنه جعفر: (وكان أبوه من
خيار أصحاب سعد).
واما لما حكي عن السيد بن طاوس (قده) من: (أنه روى في ترجمة
الحسن بن علي بن فضال رواية عن محمد بن قولويه عن سعد بن عبد
الله القمي عن علي بن الريان عن محمد بن عبد الله بن زرارة بن أعين،
ثم قال: اني لم أستثبت حال محمد بن عبد الله بن زرارة، وباقي
الرجال موثقون) بناء على إرادة الثقة من الموثق كما قيل.
واما لاستفادة التوثيق العام من عبارة كامل الزيارات، كما ادعى
صاحب
417

حديث الا ما وافق الكتاب أو السنة، إلى [أو] غير ذلك (1). والاجماع

الوسائل صراحتها فيه، حيث قال في الفائدة السادسة من الخاتمة
بعد استظهار ذلك من عبارة تفسير علي بن إبراهيم ما لفظه: (و
كذلك جعفر بن محمد بن قولويه، فإنه صرح بما هو أبلغ من ذلك في
أول مزاره) وتثبت وثاقة محمد بن قولويه حينئذ، لوقوعه في
أسناد كامل الزيارات، هذا.
لكن في الأول: أن دلالة لفظ (من خيار أصحابنا) على التوثيق لا يخلو
من تأمل كما يظهر من مراجعة بداية الدراية لشيخنا الشهيد قدس
سره.
لكن في الأول: أن دلالة لفظ (من خيار أصحابنا) على التوثيق لا يخلو
من تأمل كما يظهر من مراجعة بداية الدراية لشيخنا الشهيد قدس
سره.
وفي الثاني: أن دلالة (موثقون) على ما هو محل الكلام من كون الراوي
عدلا إماميا - حتى تتصف روايته بالصحة - لا يخلو من التأمل
أيضا، إذ التوثيق أعم من ذلك. مضافا إلى احتمال كونه اجتهادا من
السيد بن طاوس قدس سره.
وعليه، فينحصر وجه توصيف الرواية بالصحة باستظهار التوثيق العام
من عبارة كامل الزيارات.
418

المحكي عن السيد في مواضع من كلامه (1)، بل (2) حكي عنه أنه
(3) جعله بمنزلة القياس في كون تركه معروفا من مذهب الشيعة. [1]

[1] وقد يستدل على حرمة العمل به بأصالة عدم الحجية، ويتوجه
عليه:
أنه ان أريد بها الأصل العملي وهو الاستصحاب مثلا، ففيه: أنه مع
الدليل الاجتهادي من الآيات والروايات لا تصل النوبة إليه. وان أريد
بها القاعدة المستنبطة من الأدلة الأربعة - كما عليه شيخنا الأعظم في
تأسيس الأصل على حرمة العمل - فلا حاجة إلى ذكره مع وجود
تلك الأدلة وبيانها بصورة مفصلة، الا أن يكون ذكرها سندا لتلك
القاعدة، فتدبر.
419

والجواب أما عن الآيات (1)، فبأن الظاهر منها أو المتيقن من إطلاقاتها
[إطلاقها 2 (] هو اتباع غير العلم في الأصول الاعتقادية لا ما يعم
الفروع الشرعية. ولو سلم عمومها لها (3)، فهي مخصصة بالأدلة الآتية
[الدالة] على اعتبار الاخبار.
420

وأما عن الروايات، فبأن الاستدلال بها خال عن السداد، فإنها أخبار
آحاد (1).
لا يقال (2): انها وان لم تكن متواترة لفظا ولا معنى،
421

الا أنها متواترة إجمالا [1] للعلم (1) الاجمالي بصدور بعضها لا محالة.
فإنه يقال: انها وان كانت كذلك (2)، الا أنها لا تفيد الا فيما توافقت
عليه (3)،

[1] الحق أن تواترها معنوي، لدلالة مجموعها تضمنا والتزاما على عدم
حجية الخبر المخالف للكتاب والسنة، فان الكل متفق على عدم
حجية الاخبار المخالفة لهما، إذ مع عدم الدلالة - ولو التزاما - على
ذلك لا يتفق الكل على مضمون واحد، ولا يجدي مجرد التواتر
الاجمالي بدونه كما أفاده المصنف بقوله: (الا فيما توافقت عليه)
فالتواتر الاجمالي يراد به هنا خصوص المعنوي منه.
424

وهو (1) غير مفيد في إثبات السلب كليا، كما هو (2) محل الكلام و
مورد النقض والابرام، وانما تفيد عدم حجية الخبر المخالف للكتاب
والسنة، والالتزام به (3) ليس بضائر (4)، بل لا محيص عنه (5) في
باب المعارضة.
425

وأما عن الاجماع (1) فبأن المحصل منه غير حاصل، والمنقول منه
للاستدلال به (2) غير قابل، خصوصا في المسألة (3)
426

كما يظهر وجهه (1) للمتأمل. مع أنه (2)
427

معارض بمثله، وموهون (1) بذهاب المشهور إلى خلافه.
وقد استدل للمشهور بالأدلة الأربعة
428

فصل في الآيات التي استدل بها
، فمنها آية النبأ،
قال الله تبارك وتعالى:
(ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) ويمكن تقريب الاستدلال بها من وجوه (1)
429



[1] ولعل تقريب الاستدلال بالآية الشريفة بما في الرسائل يرجع إلى
مفهوم الوصف، وحاصله: أن هنا وصفين: أحدهما: ذاتي وهو
كونه خبر واحد،
430



والاخر عرضي وهو كون المخبر فاسقا، وتعليق وجوب التبين على
الوصف العرضي دون الذاتي ظاهر في أن سبب الوجوب هو
الوصف العرضي، إذ لو كان السبب هو الوصف الذاتي لم يكن وجه
للعدول عنه إلى العرضي، لتقدم الذاتي رتبة عليه. وعلى هذا فلا بد
من عدم وجوب التبين إذا كان المخبر عادلا، وحينئذ يدور الامر بين
وجوب القبول وهو المطلوب، والرد وهو باطل، لاستلزامه
أسوئية حال العادل من الفاسق.
وبالجملة: فهذا الوجه لا يخرج عن مفهوم الوصف، لترتب عدم
وجوب التبين في خبر غير الفاسق على انتفاء الوصف وهو فسق
المخبر.
والاشكال عليه هو: عدم دلالة الوصف على المفهوم، إذ التعليق على
الوصف لا يدل على كونه علة منحصرة، والمفروض توقف المفهوم
على الانحصار المزبور.
وأما الايراد عليه (تارة بأن كون الخبر خبر واحد أيضا من العناوين
العرضية، فكل من عنواني - خبر الواحد - و - خبر الفاسق -
عرضي، ويحتمل دخل كليهما في الحكم، وذكر خصوص الفسق لعله
من جهة الإشارة إلى فسق الوليد.
وأخرى: بأن تقييد موضوع وجوب التبين بأعم من العادل والفاسق أو
بخصوص الفاسق ضروري، إذ لا يعقل الاهمال الثبوتي، وحيث إن
كلا من التقييدين محتمل، فلا يدل ذكر الفاسق على تقيد الموضوع
به حتى ينتفي وجوب التبين بانتفائه، لاحتمال أن يكون ذكره
لنكتة مرت الإشارة إليه. وثالثة بالقطع بعدم دخل الفسق في وجوب
التبين، إذ لازمه حجية خبر غير الفاسق وان لم يكن عادلا كمن لم
يرتكب المعصية في أول بلوغه مع عدم حصول ملكة العدالة له بعد،
وكذا
431



الصغير والمجنون).
ففيه ما لا يخفى، إذ في الأول: أن المراد بالذاتي في المقام ليس هو
الذاتي الايساغوجي، بل الذاتي البرهاني بمعنى كفاية تصور
الموضوع وعدم الحاجة إلى أمر خارجي في صحة الحمل عليه
كإمكان الانسان، ومن المعلوم أن الخبر كذلك، لأنه - في نفسه بدون
لحاظ أمر خارجي معه - يحتمل الصدق والكذب، والمراد بالخبر
الواحد هو هذا، ومن المعلوم صحة حمل (واحد) على الخبر بدون
لحاظ شئ خارجي معه. وعلى هذا فالاتصاف بالواحد ذاتي للخبر،
بخلاف كونه خبر فاسق، ضرورة عدم كفاية مجرد تصور خبريته
في صحة حمل (خبر الفاسق) عليه.
الا أن يقال: ان اتصاف الخبر بالواحد كاتصافه بالمتواتر انما هو
بملاحظة المخبر وعدم بلوغه حد التواتر، فوصف الواحد كخبر
الفاسق أيضا عرضي للخبر لا ذاتي له، لان ذاتيه هو احتمال صدق
النسبة الخبرية وكذبها مع الغض عن المخبر. وأما اتصافه بالواحد
فإنما هو بملاحظة المخبر كاتصافه بالمتواتر.
وعليه فاتصافه بكل من هذين الوصفين عرضي، فتدبر.
وفي الثاني: أن عدم معقولية الاهمال الثبوتي لا يقتضي ضرورية
التقييد بأحد القيدين، لامكان الاطلاق بمعنى لحاظ الطبيعة بدون
القيود والخصوصيات بحيث لو فرض إمكان وجود الطبيعي مجردا
عنها لكان هو الموضوع للحكم وعليه فتقييده بالفاسق مع إمكان
إطلاق الخبر يدل على انتفاء الحكم عن غير مورده، وإلا لزم لغوية
ذكره.
وفي الثالث - مضافا إلى إمكان دعوى عدم دخول خبر الصبي و
المجنون في منطوق الآية حتى يدخل في مفهومها، لعدم بناء العقلا
على العمل بخبرهما
432

أظهرها [1]

وان لم يردع عنه الشارع - أن إطلاق المفهوم لهما يقيد بما دل على
اعتبار العقل والبلوغ في الشاهد، فلا منافاة بين المفهوم وبين
خروج خبرهما عنه، لأنهما كسائر المطلقات والمقيدات. وأما من لا
يرتكب المعصية فان كانت العدالة نفس اجتناب المعاصي بداع إلهي
فهو عادل ومندرج في المفهوم، وان كانت هي الملكة النفسانية فهو
خارج عن إطلاق المفهوم كخروج خبر الصبي والمجنون عنه
بالدليل، ومن المعلوم أنه غير ضائر بأصل المفهوم.
وبالجملة: لا يرد شئ من هذه الايرادات على الشيخ (قده) فالايراد
عليه هو ما مر من عدم دلالة الوصف على المفهوم.
[1] جعله في حاشية الرسائل غير خال عن الوجه، حيث قال فيها ما
لفظه:
(الموضوع هو النبأ لا نبأ الفاسق، وعليه يكون مفهومه عدم اشتراط
قبوله بالتبين عند انتفاء شرطه وهو إتيان الفاسق به كما هو
واضح، ويمكن أن يكون نظر من استدل بالآية من هذا الوجه إلى
ذلك، والانصاف أنه لا يخلو من وجه).
أقول: كما يحتمل أن يكون الموضوع طبيعة النبأ كما أفاده (قده) ولها
حالتان: إحداهما كون الجائي بها فاسقا، والأخرى عدم كون
الجائي بها فاسقا، ووجوب التبين حيث علق على إتيان الفاسق بها
ينتفي بانتفائه، فتكون القضية الشرطية ذات مفهوم، لكون تعليق
الحكم على الشرط شرعيا لا عقليا كقوله:
(ان رزقت ولدا فاختنه) كما هو واضح. كذلك يحتمل أن يكون
الموضوع الجائي بالنبأ، فكأنه قيل: (الجائي بالنبأ ان كان فاسقا وجب
التبين عن خبره، وان لم يكن فاسقا فلا يجب التبين عنه). وكذلك
يحتمل أن يكون الموضوع خصوص الفاسق، فكأنه قيل: (الفاسق ان
جاءكم بنبأ فتبينوا). وعلى هذا
433



الاحتمال لا مفهوم للآية، لان تعليق وجوب التبين على مجئ الفاسق
بالنبأ عقلي لا شرعي، ضرورة أن انتفاء وجوب التبين حينئذ انما هو
لعدم موضوعه وهو مجئ الفاسق بالنبأ.
ومع هذه الاحتمالات الثلاثة في الآية الشريفة وعدم المفهوم لها على
الاحتمال الأخير لا بد من ملاحظة ظهورها في أحد هذه الاحتمالات،
فان كان لها ظهور في أحدها أخذ به، والا يعامل معها معاملة المجمل.
والظاهر من هذه الاحتمالات هو الاحتمال الأخير، لوجهين:
أحدهما: وقوع مجئ الفاسق موقع الفرض والتقدير، فهو المعلق
عليه، لوقوعه تلو أداة الشرط.
ثانيهما: أن مجئ الخبر عبارة أخرى عن الاخبار، لا أنه شئ آخر غير
النبأ حتى يكون النبأ موضوعا والمجئ معلقا عليه، فمعنى الآية
الشريفة حينئذ (ان أخبركم فاسق فتبينوا عن خبره) وهذا مثل قولهم:
(ان جاءك زيد بخبر فصدقه أو تبين عنه)، أو (ان أعطاك زيد
درهما فتصدق به)، وغير ذلك من النظائر التي يكون انتفاء الجزاء فيها
بانتفاء الشرط عقليا. نعم ان كان معنى الآية: (ان كان الجائي
بالخبر فاسقا) أفاد المطلوب، إذ مفهومه حينئذ (ان لم يكن الجائي به
فاسقا فلا يجب التبين) حيث إن المعلق عليه هو فسق الجائي مع
محفوظية مجئ النبأ، لكنه خلاف الظاهر، لان الواقع تلو أداة الشرط
كما عرفت هو مجئ الفاسق المراد به اخباره.
ولو نوقش في ظهور الآية الشريفة في هذا المعنى الأخير، فلا أقل من
مساواته للاحتمالين الأولين، وعليه تكون الآية مجملة، ولا يصح
الاستدلال بها
434



على حجية خبر الواحد وان حكي عن الفقيه الكبير كاشف الغطاء
(قده) في أوثق الوسائل: (أنه لو أورد على الآية بألف إيراد فهو لا يقدح
في ظهورها في اعتبار خبر العادل).
وكيف كان فما ذكر من الاشكالات على المفهوم يرجع إلى ناحية
المقتضي.
وقد أورد عليه من ناحية المانع أيضا بوجوه:
الأول: أن في الآية قرينة مانعة عن دلالة القضية الشرطية على المفهوم،
وتلك القرينة عموم التعليل في قوله تعالى: (أن تصيبوا قوما
بجهالة) حيث إن العلة تقتضي عدم حجية كل خبر غير علمي وان كان
خبر عادل، وهذه القرينة الحافة بالكلام تمنع عن انعقاد ظهوره
في المفهوم وهو حجية خبر العادل، ولا أقل من صلاحيته للقرينية.
وبالجملة: فالعمل بالخبر غير العلمي معرض للوقوع في الندم، فيجب
التبين عنه، ومن المعلوم أن عدم تعمد العادل للكذب لا يمنع عن
غفلته وخطائه، فعدالته لا تدفع احتمال الخطأ الموجب لخوف
الوقوع في الندم، فيجب التبين عن خبره كخبر الفاسق.
وقد أجيب عنه تارة بابتناء الايراد على إرادة عدم العلم من الجهالة،
لكن الظاهر أن المراد منها السفاهة، إذ العمل بخبر الفاسق سفهي
عند العقلا، بخلاف خبر العادل، فان العقلا يعملون بخبر الثقة فضلا
عن خبر العادل.
والاشكال على ذلك بأن العمل بخبر الوليد لو كان سفاهة لما أقدم
عليه
435



الصحابة، مندفع بعدم علمهم بفسق الوليد أو غفلتهم عنه، ولذا نبههم
الله تعالى عليه.
وأخرى بعدم مانعية التعليل - ولو بإرادة عدم العلم من الجهالة - عن
المفهوم، إذ المفهوم - بناء على دلالة الآية الشريفة عليه - حاكم
على عموم التعليل، حيث إن مقتضى حجية خبر العادل كونه علما
تعبديا، فهو خارج عن عموم التعليل موضوعا، ويكون حكومة
المفهوم
على عموم التعليل نظير حكومة الامارات على الأصول العملية.
وبالجملة: فلا يمنع عموم التعليل عن المفهوم، هذا.
وأنت خبير بما في كليهما، إذ في الأول: أن حمل الجهالة على السفاهة
التي هي غير معناها الحقيقي بلا موجب بعد وضوح عدم بناء
العقلا على العمل بخبر غير علمي، وخروجه عن طريقتهم وكونه
سفهيا عندهم، ولا يختص هذا البناء منهم بخبر الفاسق، بل يعم كل
خبر لا يفيد العلم أو الاطمئنان وان كان خبر عادل. بل لا يندفع الايراد
بإرادة السفاهة من الجهالة أيضا، لما عرفت من عدم بناء العقلا
على العمل بالخبر غير العلمي وان كان المخبر به عادلا، وأنهم
يعدون العمل بغير العلم والاطمئنان سفهيا.
وفي الثاني أولا: أن مقتضى أدلة حجية الخبر ليس جعل خبر العادل
علما تعبديا حتى يكون خروجه عن عدم العلم موضوعيا، بل أدلة
حجيته إرشاد إلى ما عليه العقلا من بنائهم على العمل بخبر يفيد
الوثوق والاطمئنان كما تقدم في محله وسيأتي أيضا إن شاء الله
تعالى.
436



وثانيا: أن الحكومة فرع وجود الحاكم - أعني المفهوم - وهو أول
الكلام، إذ المفروض اكتناف المنطوق بعموم التعليل المانع عن تحقق
المفهوم، أو الصالح للمنع عنه، ومع احتفاف الكلام بذلك لا ينبغي
معاملة القطع بوجوده وجعله حاكما على غيره.
فالمتحصل: أن إشكال مانعية عموم التعليل عن المفهوم لا يندفع بما
ذكر.
الوجه الثاني من الاشكال على الاستدلال بالآية الشريفة على المفهوم:
أنه لو أريد بالتبين العلم الوجداني كان هو الحجة عقلا دون خبر
الفاسق، والامر بالتبين يكون إرشادا إليه، فلا مفهوم له، لعدم دلالة
الامر الارشادي عليه.
وان أريد به الوثوق وقع التهافت بين المنطوق والمفهوم بحيث لا
يمكن العمل الا بأحدهما وهو المنطوق، ولا بد من رفع اليد عن
المفهوم لترتبه على المنطوق، تقريبه: أن مقتضى المنطوق بناء على
إرادة الوثوق من التبين اعتبار خبر الفاسق الموثوق به، ومقتضى
المفهوم حجية خبر العادل وان لم يحصل الوثوق به كالخبر الصحيح
المعرض عنه عند الأصحاب، مع أنهم بين من اعتبر العدالة في
حجيته ولم يعمل بخبر الفاسق وان حصل الوثوق به، وبين من اعتبر
الوثوق في حجيته ولم يعمل بخبر العادل الذي لا يوجب الوثوق
كالرواية الصحيحة المعرض عنها، فالجمع بين جواز العمل بالخبر
الموثوق به وان كان راويه فاسقا - كما هو مقتضى المنطوق - و
جواز العمل بالخبر بمجرد كون راويه عادلا وان لم يحصل الوثوق به
- كما هو مقتضى المفهوم - خرق لاجماعهم وإحداث لقول ثالث،
فلا بد من طرح المفهوم، لتفرعه على المنطوق، إذ لا معنى لبقاء
المفهوم وسقوط المنطوق.
437



فالمتحصل: أن عدم إمكان العمل بالمنطوق والمفهوم معا -
لاستلزامه خرق الاجماع - يوجب طرح المفهوم، هذا.
ولكن قد ظهر مما تقدم من احتفاف المنطوق بالتعليل المزبور: أنه لا
تصل النوبة إلى المفهوم حتى نلتزم بطرحه للتعارض.
مضافا إلى: أنه لا إجماع في المسألة، إذ مستند القولين أدلة حجية
الخبر، لا الاجماع التعبدي. وإلى: أن الاجماع الذي لا يجوز خرقه هو
الاجماع على نفي القول الثالث، وذلك غير ثابت، فلا مانع حينئذ من
احداث القول الثالث، كما لم يكن مانع من احداث القول الثاني، إذ لم
يحدث القولان في آن واحد، بل حدثا في زمانين.
فالمتحصل: أن إشكال التعارض بين المنطوق والمفهوم لا يمنع عن
المفهوم، لامكان العمل بهما معا، فيحكم بحجية خبر يوثق به وان
كان مخبره فاسقا، وبحجية خبر يكون راويه عادلا وان لم يحصل
الوثوق به لاعراض المشهور عنه، هذا بناء على مذهب غير المشهور.
وأما بناء على مذهبهم من كون إعراضهم عن رواية موجبا لوهنها،
فلامكان تخصيص المفهوم بغير مورد إعراضهم، فلا منافاة بين
المنطوق والمفهوم في الاخذ بهما، فالعمدة في الاشكال على
المفهوم هو ما تقدم من احتفاف المنطوق بالتعليل. هذا كله لو أريد
بالتبين
الوثوق.
ولو أريد به العلم، فلا يلزم منه انتفاء المفهوم، إذ المراد به تحصيل
العلم لا العمل به حتى يقال: ان العمل به واجب عقلا لا شرعا، فلا
مفهوم له، بل المقصود وجوب تحصيل العلم، فينتفي عند انتفاء
مجئ الفاسق بالنبأ، فلا يجب
438



تحصيل العلم عن نبأ العادل.
وبالجملة: فالتبين المأمور به سواء كان هو العلم أم الوثوق لا يمنع عن
المفهوم، بل المانع هو ما عرفت من احتفاف المنطوق بالتعليل.
الوجه الثالث من الاشكال على الاستدلال بالآية الشريفة على
المفهوم: أنه - على تقدير دلالتها عليه - يلزم خروج المورد عنه، بيان
ذلك:
أن موردها وهو الاخبار عن ارتداد جماعة وهم بنو المصطلق لا يثبت
بخبر العدل الواحد، وخروج المورد أمر مستهجن عند أبناء
المحاورة، فيكشف عن عدم المفهوم للآية المباركة.
وفيه: أنه ينافي إطلاق المفهوم لا أصله، حيث إنه يدل على حجية
خبر العادل مطلقا، وقد قيد هذا الاطلاق في مورد الارتداد بل في
سائر
الموضوعات أيضا بضم عدل آخر وعدم الاكتفاء بعدل واحد، وهذا
لا ينافي حجية أصل المفهوم، فلو دلت الآية الشريفة في نفسها عليه
لم يكن تقييد إطلاقه بالنسبة إلى مورده مانعا عن تحققه.
فالمتحصل من جميع ما ذكرنا: أن شيئا من الاشكالات المذكورة لا
يمنع عن المفهوم، بل الاشكال فيه أولا من ناحية المقتضي، وثانيا من
جهة المانع وهو عموم التعليل، وقد مر الكلام فيهما مفصلا.
بقي هنا شئ ينبغي التنبيه عليه، وهو: أنه - بناء على تسليم المفهوم
والاغماض عما فيه من الاشكالات - ليس المفهوم الا عدم وجوب
التبين نفسيا أو شرطيا في العمل بخبر العادل سواء أفاد الظن أم لا، بل
وان قام الظن على
439

أنه (1) من جهة مفهوم الشرط،

خلافه، فخبر العادل حجة مطلقا، وهذا مناف لما ذهب إليه من يقول
بجعل المحرزية والوسطية في الاثبات في الامارات غير العلمية،
فان الاستدلال بالمفهوم على هذا القول لا يخلو من الغموض، لما
عرفت من ظهور المفهوم في خلافه.
440

وأن (1) تعليق الحكم بإيجاب التبين (2) عن النبأ الذي جي به على
(3) كون الجائي به الفاسق [فاسقا] يقتضي انتفاءه عند انتفائه.
ولا يخفى أنه على هذا التقرير لا يرد (4) أن الشرط في القضية
441

لبيان تحقق الموضوع (1)، فلا (2) مفهوم له أو مفهومه السالبة بانتفاء
442

الموضوع، فافهم (1).
نعم (2) لو كان الشرط هو نفس تحقق النبأ ومجئ الفاسق به
444

كانت (1) القضية الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع.
مع أنه (2) يمكن أن يقال: ان القضية وان كانت [ولو كانت] مسوقة
لذلك (3)، الا أنها ظاهرة (4) في انحصار موضوع وجوب التبين في
النبأ الذي جاء به الفاسق، فيقتضي (5) انتفاء وجوب التبين عند انتفائه
445

ووجود (1) موضوع آخر، فتدبر (2).
ولكنه يشكل (3) بأنه ليس لها هاهنا مفهوم ولو سلم أن أمثالها
446

ظاهرة في المفهوم، لان (1) التعليل بإصابة القوم بالجهالة المشترك
(2) بين المفهوم والمنطوق يكون قرينة على أنه ليس لها مفهوم.
ولا يخفى (3) أن الاشكال انما يبتني على كون الجهالة بمعنى
448

عدم العلم، مع أن دعوى أنها (1) بمعنى السفاهة وفعل ما لا ينبغي
صدوره من [عن] العاقل غير بعيدة. [1]

[1] إذ من المعلوم كون العمل بخبر الفاسق مع العلم بفسقه سفهيا، ولا
يرد عليه ما ذكره الشيخ بعد عبارته المتقدمة بقوله: (وفيه مضافا
إلى كونه خلاف ظاهر لفظ الجهالة أن الاقدام على مقتضى قول الوليد
لم يكن سفاهة قطعا، إذ العاقل بل جماعة من العقلا لا يقدمون
على الأمور من دون وثوق بخبر المخبر بها، فالآية تدل على المنع عن
العمل بغير العلم إلخ) وذلك لأنهم لم يعلموا فسق الوليد، فنبههم
الله تعالى على فسقه حتى يلتفتوا إلى أن إقدامهم يكون من السفاهة.
هذا كله على تقدير تسليم إقدامهم كما ورد من غير طرقنا، وإلا
فالاقدام
449

ثم انه لو سلم تمامية دلالة الآية (1) على حجية خبر العدل ربما أشكل
(2) شمول مثلها للروايات الحاكية لقول الإمام عليه السلام

غير معلوم أصلا.
وبالجملة: فيندفع اشتراك التعليل بجعل الجهالة بمعنى السفاهة، و
يختص بنبأ الفاسق. لكن الاشكال كله في دلالة الآية على المفهوم، لما
عرفت من ابتنائه على كون الموضوع طبيعة النبأ، وهو غير ثابت فتدبر
جيدا.
450

بواسطة (1)
452

أو وسائط (1)، فإنه (2) كيف يمكن الحكم بوجوب التصديق الذي
(3) ليس إلا بمعنى وجوب ترتيب ما للمخبر به من الأثر الشرعي
بلحاظ (4)
453

نفس هذا الوجوب فيما (1) كان المخبر به خبر العدل أو عدالة المخبر
(2)، لأنه (3) وان كان أثرا شرعيا لهما، الا أنه (4) بنفس الحكم
454

في مثل الآية بوجوب تصديق خبر العدل حسب الفرض. [1]

[1] ويمكن تقريب الاشكال بوجهين آخرين:
أحدهما: ما ذكره شيخنا الأعظم في صدر عبارته المتضمنة لبيان
الاشكال، قال (قده): (ومنها: أن الآية لا تشمل الاخبار مع الواسطة،
لانصراف النبأ إلى الخبر بلا واسطة. إلخ) وحاصله: دعوى انصراف
الأدلة عن حجية الاخبار مع الواسطة، وقد أجاب هو عنه.
الثاني: ما في تقرير شيخ مشايخنا المحقق النائيني (قده) ذكره في ذيل
الوجه الرابع أعني اتحاد الحكم والموضوع، قال المقرر: (وهو
أنه لو عم دليل الاعتبار للخبر مع الواسطة يلزم أن يكون الدليل حاكما
على نفسه ويتحد الحاكم والمحكوم) وأنت خبير باندفاعه
بالانحلال الآتي بيانه.
455

نعم (1) لو أنشئ هذا الحكم (2) ثانيا،
456

فلا بأس في (1) أن يكون بلحاظه (2) أيضا (3)، حيث إنه (4) صار أثرا
بجعل آخر، فلا يلزم اتحاد الحكم والموضوع، بخلاف ما إذا لم
يكن هناك الا جعل واحد (5)
457

فتدبر (1).
ويمكن الذب (2) عن الاشكال بأنه انما يلزم إذا لم يكن القضية طبيعية
458

والحكم (1) فيها بلحاظ طبيعة الأثر، بل (2) بلحاظ أفراده، والا (3)
فالحكم بوجوب التصديق يسري إليه سراية (4)
459

حكم الطبيعة [الطبيعية] إلى أفراده (1) بلا محذور لزوم اتحاد الحكم
والموضوع، هذا.
مضافا إلى القطع (2) بتحقق ما هو المناط في سائر الآثار في هذا الأثر
- أي وجوب التصديق - بعد تحققه (3)
460

بهذا الخطاب وان كان (1) لا يمكن أن يكون ملحوظا [ملحوظة]
لأجل المحذور. وإلى (2) عدم القول بالفصل بينه (3) وبين سائر
الآثار
في وجوب (4) الترتيب لدى الاخبار بموضوع صار أثره الشرعي
وجوب التصديق وهو (5) خبر العدل ولو (6) بنفس الحكم في الآية،
461

فافهم (1).
ولا يخفى أنه لا مجال بعد اندفاع الاشكال بذلك (2) للاشكال في
خصوص الوسائط (3) من الاخبار، كخبر الصفار المحكي بخبر المفيد
مثلا بأنه (4) لا يكاد يكون خبرا تعبدا إلا بنفس الحكم بوجوب
462

تصديق العادل الشامل للمفيد، فكيف يكون (1) هذا الحكم المحقق
لخبر الصفار تعبدا مثلا حكما (2) له أيضا (3)
463

وذلك (1) لأنه إذا كان خبر العدل ذا أثر شرعي حقيقة بحكم الآية
وجب ترتيب أثره عليه عند اخبار العدل به (2) كسائر (3) ذوات
الآثار من الموضوعات، لما عرفت (4) من شمول مثل الآية للخبر
464

بنحو (1) القضية الطبيعية (2)، أو لشمول الحكم فيها له (3) مناطا وان
لم يشمله لفظا، أو لعدم القول بالفصل (4)، فتأمل جيدا.
ومنها: آية النفر،
قال الله تبارك وتعالى: (فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة) الآية
، وربما يستدل بها من وجوه
أحدها:
أن كلمة لعل (5) وان [ولو] كانت مستعملة على التحقيق
465

في معناها الحقيقي، وهو الترجي الايقاعي الانشائي (1)، الا أن
الداعي
466

إليه حيث يستحيل في حقه تعالى أن يكون هو الترجي الحقيقي كان
(1) هو محبوبية التحذر عند الانذار، وإذا ثبت محبوبيته ثبت وجوبه
شرعا (2) لعدم (3) الفصل، وعقلا (4)
467

لوجوبه (1) مع وجود ما يقتضيه، وعدم حسنه (2)، بل عدم إمكانه
(3) بدونه.
ثانيها (4)
468

أنه لما وجب الانذار لكونه (1) غاية للنفر الواجب، كما هو (2) قضية
كلمة (لولا) التحضيضية وجب (3) التحذر، والا لغا (4) وجوبه.
ثالثها (5)
469



[1] الظاهر أن الملاك في كلا الوجهين لزوم اللغوية، إذ لو لم يجب
الحذر لزم لغوية وجوب الانذار، حيث إنه مع الغض عن اللغوية لا
دليل
على وجوب ما هو غاية للواجب وان قلنا بوجوب العكس - وهو
وجوب المقدمة بوجوب ذيها -، لكنه أجنبي عن المقام، لكون الانذار
الواجب مقدمة للحذر، ومقتضاه إثبات وجوب الانذار بوجوب
الحذر، مع أن المطلوب إثباته عكس ذلك، إذ المقصود الاستدلال
على
وجوب الحذر بوجوب الانذار.
470

أنه جعل غاية للانذار الواجب، وغاية الواجب واجبة. [1]

[1] وزاد في حاشية الرسائل تقريبا رابعا للاستدلال بالآية، فقال: (انه -
أي إيجاب الانذار - مستلزم له - أي لوجوب الحذر - عرفا و
ان لم يكن بينهما لزوم لا عقلا ولا شرعا) ثم ناقش فيه بقوله: (ان
الاستلزام عرفا انما هو بين إيجاب إظهار الواقع والانذار به وبين
لزوم قبوله على تقدير إحرازه لا تعبدا، وهذا واضح لا سترة عليه).
أقول: لو تم الاستدلال بالآية الشريفة اقتضى ذلك حجية قول المنذر -
بالكسر - والبناء على أنه هو الواقع في ظرف الشك.
وبعبارة أخرى: تدل الآية الشريفة على أن ما ينذر به النافر هو الواقع
تعبدا، فيجب القبول، فلا يلزم أن يكون التمسك بها مع عدم
إحراز كون ما ينذر به هو الواقع تشبثا بالعام في الشبهة المصداقية.
هذا، لكن الكلام كله في صحة الاستدلال بالآية الشريفة، لقوة احتمال
أن يراد بالانذار الاعلام بما تفقهوا فيه وتعلموه من الاحكام،
فيكون الانذار اخبارا بالأحكام المعلومة لهم، فالمستفاد من هذه الآية
المباركة وجوب تعليم النافرين وإرشادهم للجاهلين إلى معالم
الدين، والتعليم يوجب علم المتعلم، فكأنه قيل:
(ليعلموا قومهم إذا رجعوا إليهم) فالحذر حينئذ عبارة عن العمل
الناشئ عن العلم، لا مجرد العمل ولو تعبدا، نظير الامر بسؤال أهل
العلم،
وسؤال الأعرابي عن الطريق مثلا، و (أن لكل داء دواء ودواء الجهل
السؤال) فان السؤال انما هو لتحصيل العلم، وكذلك الدواء، فإنه
رافع للمرض، فالسؤال دواء رافع
471



لمرض الجهل، وكذلك تعليم النافرين المتفقهين في الدين والعالمين
بأحكامه، فإنه يوجب علم الجاهلين المنذرين - بالفتح - فتكون
الآية المباركة إرشادا إلى ما عليه العقلا من بنائهم على اعتبار خبر
الثقة الموجب للعلم العادي، ولا تدل على اعتبار خبر الواحد غير
العلمي تعبدا كما هو المطلوب.
وقد يستدل على وجوب الغاية وهي التحذر (بأن المطلوب بالذات
هي الغاية وذو الغاية مطلوب بالعرض، فلا يمكن أن يكون ذو
الغاية مطلوبا بالطلب اللزومي، ولا تكون الغاية كذلك، مع أنها فعل
اختياري لا مانع من تعلق الطلب بها).
لكن فيه: أن المطلوب بالذات وان كان هو العمل، لمقدمية التعليم و
التعلم له، لكن كونه كذلك مطلقا حتى بدون علم المنذر - بالفتح -
غير ثابت، لأنه على هذا التقدير لا حاجة إلى إقامة الدليل عليه لكونه
بديهيا.
مضافا إلى: أنه لو كان كذلك انعكس الامر، وكان وجوب الانذار
مترشحا من وجوب التحذر، مع أن ظاهر عطف (لينذروا) على قوله
تعالى: (ليتفقهوا) وجوب الانذار كالتفقه شرعيا لا غيريا مقدميا، كيف؟
وهو كالتفقه من الواجبات الكفائية.
فالأولى إثبات وجوب التحذر بلزوم لغوية وجوب الانذار بدونه كما
قيل، وهذه اللغوية توجب الملازمة بين الغاية وذيها في الحكم
فيما إذا كانت الغاية فعلا اختياريا، ولا وجه لانكار هذه الملازمة
بدعوى انتقاضها في موارد:
منها: وجوب إظهار النبي نبوته ودعوة الناس إليها مع عدم وجوب
غايته وهي القبول والتصديق تعبدا.
472



ومنها: وجوب أداء الشهادة على الشاهد مع عدم وجوب غايته وهي
حكم الحاكم الا بعد شهادة شاهد آخر.
و منها: وجوب بذل المال للظالم لحفظ النفس مع عدم وجوب غايته و
هي أخذ الظالم للمال، بل حرمة أخذه له، إلى غير ذلك مما هو من
هذا القبيل.
توضيح عدم الوجه لهذا الانكار في الأول: أن الغاية فيه ليست هي
القبول تعبدا حتى يقال بعدم وجوبها على الناس، ولزوم انفكاك
الغاية عن المغيا في الحكم، بل الغاية وجوب النظر عليهم والفحص
عن صدق دعواه.
وفي الثاني: أن الغاية فيه ليست حكم الحاكم حتى يرد عليه انفكاك
المغيا في الحكم عن الغاية، بل الغاية دخل الشهادة في تحقق موضوع
حكم الحاكم، إذ لا يجب على الحاكم أن يحكم بشهادة شاهد واحد.
والحاصل: أن الغاية لشهادة كل من الشاهدين هي الدخل في حصول
ما هو ميزان الحكم، فيجب على الشاهد إيجاد موضوع الحكم، ولا
شك في ترتب هذه الغاية على شهادة كل منهما.
وفي الثالث: أن غاية وجوب بذل المال هي وجوب حفظ النفس، و
هو لا ينفك عن وجوب بذله، وليست الغاية أخذ الظالم حتى يقال
بحرمته الموجبة لانفكاك الغاية عن المغيا في الحكم.
فتلخص: أن شيئا من هذه الموارد ونظائرها لا يوجب انثلام الملازمة
بين الغاية والمغيا في الحكم.
لا يقال: ان وجوب الانذار المستلزم لوجوب غايته - وهي الحذر -
غير
473

ويشكل الوجه الأول (1)

ثابت، لعدم كون اللام في (لينذروا) للامر، فلا وجه حينئذ لوجوب
الحذر.
فإنه يقال: ان التفقه والانذار انما وجبا لكونهما غايتين للنفر الواجب،
فوجوبهما انما هو لأجل غائيتهما له، واللام الداخل عليهما يدل
على أنهما غايتان له، وهذا الوجوب يستلزم وجوب غايته وهي
الحذر.
474

بأن التحذر لرجاء (1) إدراك الواقع وعدم الوقوع في محذور مخالفته
من فوت المصلحة أو الوقوع في المفسدة حسن (2)، وليس (3)
بواجب فيما لم يكن هناك حجة على التكليف، ولم يثبت هاهنا (4)
عدم الفصل، غايته (5) عدم القول بالفصل.

[1] أقول: ان دعوى عدم القول بالفصل في صورة عدم قيام الحجة على
التكليف في غاية الغرابة، إذ لا شبهة عند الكل حتى المحدثين في
مرجعية البراءة في بعض الشبهات الحكمية مع حسن الاحتياط فيها.
475

والوجه (1) الثاني والثالث بعدم انحصار فائدة الانذار بإيجاب التحذر
[بالتحذر] تعبدا، لعدم (2) إطلاق يقتضي وجوبه على الاطلاق
[1 [3

[1] لكن لو سلم الاطلاق لا يرد عليه: أن مقتضاه حجية قول المنذر
مطلقا وان كان فاسقا لتدل الآية على حجية خبر الواحد مطلقا، وذلك
لان هذا الاطلاق يقيد بمنطوق آية النبأ وهو عدم حجية خبر الفاسق،
فتختص آية النفر بخبر العادل.
476

ضرورة (1) أن الآية مسوقة لبيان وجوب النفي لا لبيان غايتية [غائية]
التحذر (2)، ولعل وجوبه كان مشروطا بما إذا أفاد العلم لو (3)
لم نقل
477

بكونه مشروطا به (1)، فان (2) النفر انما يكون لأجل التفقه وتعلم
معالم الدين، ومعرفة ما جاء به سيد المرسلين صلى الله عليه وآله
كي ينذروا بها المتخلفين أو النافرين على الوجهين (3) في تفسير الآية
كي [لكي] يحذروا (4) إذا أنذروا بها، وقضيته (5) انما هو وجوب
الحذر عند إحراز أن الانذار
478

بها (1) كما لا يخفى.
ثم انه أشكل (2) أيضا بأن الآية لو سلم دلالتها على وجوب الحذر

[1] لا يخفى أن ما أفاده الشيخ الأعظم بقوله: (وتوضيح ذلك. إلخ)
تفصيل لما أجمله بقوله: (الثالث لو سلمنا.) وقد عرفت أن حاصله
أخصية
479



الدليل من المدعى أعني حجية الخبر الواحد مطلقا وان لم يكن
مشتملا على الانذار، ولا بأس بالتعرض لكلام الشيخ أزيد مما تقدم
لئلا
يتوهم التنافي بين كلماته، قال (قده) بعد عبارته المتقدمة: (فالأول،
كأن يقول: يا أيها الناس اتقوا الله في شرب العصير، فان شربه
يوجب المؤاخذة، والثاني: كأن يقول في مقام التخويف: قال الإمام عليه السلام
: من شرب العصير، فكأنما شرب الخمر. أما الانذار على
الوجه الأول فلا يجب الحذر عقيبه الا على المقلدين لهذا المفتي. و
أما الثاني، فله جهتان: إحداهما: جهة تخويف وإيعاد، والثانية:
جهة الحكاية لقول من الإمام عليه السلام، ومن المعلوم أن الجهة
الأولى ترجع إلى الاجتهاد في معنى الحكاية، فهي ليست حجة الا
على من
هو مقلد له، إذ هو الذي يجب عليه التخوف عند تخويفه. وأما الجهة
الثانية، فهي التي تنفع المجتهد الاخر الذي يسمع منه هذه الحكاية.
إلخ).
وهذه العبارات ظاهرة في بيان موارد الانذار والتخويف، كما أن ما
تعرض له قبل قوله: (وتوضيح ذلك) بيان لأخصية الدليل من
المدعى، واختصاص حجية الخبر بما إذا كان مشتملا على الانذار، و
أما أن هذا الانذار كيف يتحقق ومتى يكون معتبرا فلم يتعرض له و
أو كله إلى ما أفاده بقوله: (وتوضيح ذلك).
نعم ما ذكره الشيخ الأعظم بقوله: (وأما الثاني فله جهتان. إلى قوله:
فهي ليست حجة الا على من هو مقلد له) مما لا يمكن المساعدة
عليه، حيث إن ظاهره عدم حجية نقل قول الإمام عليه السلام في
الجهة
الأولى - أعني جهة التخويف والايعاد - على غير مقلديه ولو كان
مجتهدا، مع أن الامر ليس كذلك، إذ لو كان قول الإمام المنقول بلفظه
للغير صريحا أو ظاهرا عرفا كان حجة في
480

مطلقا، فلا دلالة لها على حجية الخبر بما هو خبر (1)، حيث (2) انه
ليس شأن الراوي الا الاخبار بما تحمله، لا التخويف والانذار (3)، و
انما هو (4) شأن المرشد أو المجتهد بالنسبة إلى المسترشد أو المقلد.
قلت (5): لا يذهب عليك أنه ليس حال الرواة في الصدر الأول

كلتا الجهتين - وهما جهة التخويف وجهة الحكاية - على الكل ولو
كان مجتهدا، كما أفاده هو (قده) بقوله: (والثاني كأن يقول في مقام
التخويف. إلخ) حيث إنه ظاهر في ترتب جميع ما للخمر - من
الحكم والمؤاخذة - على شرب العصير.
نعم إذا لم يكن المنقول عن الإمام عليه السلام بتلك المثابة من
الصراحة أو الظهور في التخويف بأن كان ذا وجهين أو وجوه كما إذا
أمكن حمله على الاخبار وعلى الاستفهام، والاستفهام على الحقيقي
والانكاري والتوبيخي مثلا تم ما ذكره (قده) لان حمله على
التخويف اجتهاد منه، فلا يكون حجة الا على مقلديه.
481

في نقل ما تحملوا من النبي صلى الله عليه وعلى أهل بيته الكرام أو
الإمام عليه السلام من الاحكام إلى الأنام إلا كحال (1) نقلة الفتاوى
إلى العوام، ولا شبهة في أنه يصح منهم التخويف في مقام الابلاغ و
الانذار والتحذير بالبلاغ، فكذا من الرواة (2)، فالآية لو فرض
دلالتها على حجية نقل الراوي إذا كان مع التخويف كان نقله حجة
بدونه (3) أيضا، لعدم الفصل بينهما (4) جزما، فافهم (5).
482

ومنها: آية الكتمان:
(ان الذين يكتمون ما أنزلنا) الآية [1]

[1] الحق أجنبية هذه الآية الشريفة عما نحن فيه، لوجهين:
أحدهما: أن مورد الآية هو نبوة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ومن
المعلوم عدم حجية خبر الواحد فيها لكونها من أصول الدين، فلا
ربط لها بالفروع، فالتعدي عن مورده إلى الفروع بلا وجه، ولو بني على
التعدي فلا يتعدى الا إلى مثلها مما هو من أصول الدين.
ثانيهما: أن حرمة الكتمان عبارة أخرى عن حرمة الاخفاء، فيجب
إظهار ما ليس بظاهر وأما إذا كان واضحا وظاهرا كالمقام لقوله
تعالى: (من بعد ما بيناه للناس) فالمراد بالكتمان حينئذ هو إبقاء
الواضح على حاله، وعدم بيانه اتكالا على وضوحه، لا أن المراد
بالكتمان ترك إظهار الشئ الخفي كما في آية كتمان النساء لما خلقه
الله في أرحامهن.
وبالجملة: فعلماء اليهود كتموا ما كان ظاهرا ومبينا في التوراة من
علائم نبوة نبينا وصفاته صلى الله عليه وآله وسلم بحيث لو لم
يكتموه لظهر الحق
483

وتقريب الاستدلال بها: أن حرمة الكتمان تستلزم القبول (1) عقلا،
للزوم لغويتها [لغويته] بدونه (2).
ولا يخفى أنه - لو سلمت هذه الملازمة - لا مجال (3) للايراد

بنفسه لعامة الناس، لكن كانوا مكلفين ببيان ما كان ظاهرا، لان
المطلوب إشاعة الحق وكثرة إظهاره، لا قبول الخبر تعبدا كما هو
المقصود في مسألة حجية خبر الواحد، فلا يصح الاستدلال بهذه الآية
الشريفة بدعوى الملازمة بين حرمة الكتمان ووجوب القبول تعبدا.
نعم لا بأس بدعوى هذه الملازمة في آيتي حرمة كتمان النساء لما في
أرحامهن وحرمة كتمان الشهادة على الشاهد، فتأمل جيدا.
484

على هذه الآية بما أورد على آية النفر من دعوى الاهمال، أو استظهار
الاختصاص بما إذا أفاد العلم، فإنها (1) تنافيهما [ينافيهما] كما لا
يخفى.
ولكنها (2) ممنوعة، فان اللغوية غير لازمة، لعدم (3) لعدم انحصار
الفائدة
485

بالقبول تعبدا (1)، وإمكان (2) أن تكون حرمة الكتمان (3) لأجل
وضوح الحق بسبب كثرة من أفشاه وبينه (4)، لئلا يكون للناس على
الله حجة، بل كان له عليهم الحجة البالغة.
ومنها: آية السؤال
عن أهل الذكر (فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) وتقريب
الاستدلال بها ما في آية الكتمان (5).
486

وفيه: أن الظاهر منها إيجاب السؤال لتحصيل العلم (1)، لا للتعبد
بالجواب.
487

وقد أورد عليها (1) بأنه لو سلم دلالتها على التعبد بما أجاب أهل
الذكر، فلا دلالة لها (2) على التعبد بما يروي الراوي، فإنه (3) بما هو
راو لا يكون من أهل الذكر والعلم، فالمناسب (4) انما هو الاستدلال
بها على حجية الفتوى لا الرواية.
488

وفيه (1): أن كثيرا من الرواة يصدق عليهم أنهم أهل الذكر والاطلاع
على رأي الإمام عليه السلام كزرارة ومحمد بن مسلم

[1] لكن فيه ما لا يخفى، لان ظاهر كل عنوان أخذ في حيز خطاب هو
الموضوعية، فلو كان في مورده عنوان آخر لا يكون لذلك دخل في
الحكم أصلا، فالتعدي عن العنوان المأخوذ موضوعا إلى عنوان آخر
غير ظاهر. وان شئت فقل:
ان مقوم الحجية هو كون المسؤول من أهل الذكر، فبانتفائه ينتفي
الحكم وان اجتمع معه عنوان آخر ككونه راويا للحديث، هذا.
لكن الانصاف صحة الاستدلال بالآية الشريفة، وذلك لمناسبة الحكم
489

ومثلهما (1)، ويصدق على السؤال عنهم (2) أنه (3) السؤال عن أهل
الذكر والعلم ولو كان السائل من أضرابهم (4)، فإذا وجب قبول
روايتهم في مقام الجواب بمقتضى هذه الآية وجب قبول روايتهم و
رواية غيرهم من العدول مطلقا (5)، لعدم (6) الفصل جزما في
وجوب
القبول بين المبتدأ والمسبوق بالسؤال، ولا بين أضراب زرارة وغيرهم
ممن لا يكون من أهل الذكر، وانما يروي ما سمعه أو رواه،
فافهم (7).

للموضوع، حيث إنها تقتضي إرادة السؤال من كل من هو عالم
بموضوع السؤال سواء كان المسؤول مجتهدا أم راويا أم غيرهما من
أرباب الحرف والصناعات.
490

ومنها: آية الاذن
(ومنهم الذين يؤذون النبي، ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن
بالله ويؤمن للمؤمنين) فإنه (1) تبارك وتعالى مدح نبيه
491

بأنه يصدق المؤمنين، وقرنه (1) بتصديقه تعالى.
وفيه (2) أولا: أنه (3) انما مدحه بأنه أذن، وهو سريع القطع [1] لا
الاخذ بقول الغير تعبدا (4).

[1] ولا يخفى أن هذا الايراد بظاهره لا يلائم مقام النبوة، والتفصيل في
محله.
492

وثانيا: أنه (1)
493

انما أراد بتصديقه (1) للمؤمنين [المؤمنين] هو ترتيب خصوص الآثار
494

التي تنفعهم ولا تضر غيرهم، لا التصديق بترتيب جميع الآثار كما هو
(1) المطلوب في باب حجية الخبر. ويظهر ذلك (2) من تصديقه
صلى الله عليه وآله للنمام بأنه ما نمه (3)، وتصديقه لله تعالى بأنه
نمه (4)، كما هو (5) المراد من التصديق في قوله عليه السلام:
(فصدقه
وكذبهم) حيث قال - على ما في الخبر -: (يا أبا (6) محمد: كذب
سمعك وبصرك عن أخيك، فان شهد عندك خمسون قسامة (7)
495

أنه قال قولا (1)، وقال: لم أقله، فصدقه وكذبهم) فيكون مراده
تصديقه (2) بما ينفعه ولا يضرهم، وتكذيبهم (3) فيما يضره ولا
ينفعهم، والا (4)
496

فكيف يحكم بتصديق الواحد وتكذيب خمسين، وهكذا المراد
بتصديق المؤمنين في قصة إسماعيل (1)، فتأمل جيدا.
497

فصل في الاخبار (1) التي دلت على اعتبار الاخبار الآحاد
وهي وان كانت طوائف كثيرة كما يظهر من مراجعة الوسائل وغيرها.
499

الا أنه يشكل الاستدلال بها على حجية الاخبار الآحاد بأنها (1) أخبار آحاد، فإنها غير متفقة على لفظ ولا على معنى فتكون (2) متواترة
لفظا أو معنى. ولكنه (3)
505

مندفع بأنها وان كانت كذلك (1) الا أنها متواترة إجمالا، ضرورة أنه يعلم إجمالا بصدور بعضها منهم عليهم السلام، وقضيته (2) وان
كان حجية خبر دل على حجية أخصها مضمونا، الا أنه يتعدى عنه (3) فيما إذا كان بينها ما كان بهذه الخصوصية (4) وقد دل على حجية
ما كان أعم [1] 5

[1]
لكن الحجية حينئذ ليست تعبدية، ضرورة أن خبر الثقة مما بني العقلا
506

فافهم (1).

على اعتباره في أمورهم، وحيث إن بناءهم ليس على العمل بالظن والشك، بل يعملون بما يعلمون ولو علما عاديا، فلا يكون الامر
بالعمل بخبر الثقة الا إرشادا إلى ما عليه العقلا من دون أن يكون هناك تعبد. كما أنه يستفاد من بناء العقلا على العمل بخبر الثقة لأجل
إفادته الوثوق والاطمئنان أن المدار في حجيته ليس على أنه خبر الثقة، بل على أنه خبر يوثق بصدوره وان لم يكن مخبره ثقة، لكن كان
محفوفا بما يوجب الوثوق بصدوره، كما استقر على هذا طريقة أكثر المجتهدين في استنباط الاحكام، فإنهم يستندون فيه إلى الخبر
الموثوق الصدور وان كان بحسب السند ضعيفا. هذا حال الاخبار.
وأما الآيات الشريفة، فقد تقدم عدم دلالتها أيضا على وجوب قبول خبر الواحد تعبدا كما هو المطلوب، بل هي بين ما لا تدل على ذلك
أصلا ك آية النبأ، لعدم المفهوم لها، وبين ما تدل على وجوب إشاعة الحق وإذا عنه المستلزمة للعلم به، ومن المعلوم أن حجية العلم ليست
جعلية تعبدية بل ذاتية، فهذا القسم من الآيات إرشاد إلى حكم العقل بلزوم متابعة القطع.
فالمتحصل: أنه لا دليل على وجوب قبول خبر الواحد تعبدا، فتأمل جيدا.
507

فصل في الاجماع على حجية الخبر، وتقريره من وجوه (1):
أحدها (2): دعوى الاجماع من تتبع فتاوى الأصحاب (3)
على الحجية من زماننا إلى زمان الشيخ، فيكشف (4) رضاه بذلك (5)
508

ويقطع (1) به أو من تتبع (2) الاجماعات المنقولة على الحجية.
ولا يخفى مجازفة هذه الدعوى (3)، لاختلاف الفتاوى فيما أخذ في اعتباره (4) من الخصوصيات، ومعه (5) لا مجال لتحصيل القطع
برضائه عليه السلام من تتبعها. وهكذا (6) حال تتبع الاجماعات المنقولة.
509

اللهم الا أن يدعى تواطؤها (1) على الحجية في الجملة، وانما الاختلاف في الخصوصيات المعتبرة فيها، ولكن دون إثباته (2) خرط
القتاد.
510

ثانيها: دعوى اتفاق العلماء عملا (1)، بل كافة المسلمين على العمل بخبر [بالخبر] الواحد في أمورهم الشرعية،
كما يظهر (2) من أخذ فتاوى المجتهدين من الناقلين لها.
وفيه (3):
511

- مضافا إلى ما عرفت مما يرد على الوجه الأول - أنه (1) لو سلم اتفاقهم على ذلك (2) لم يحرز [1 [3
أنهم اتفقوا بما هم مسلمون و
متدينون بهذا الدين، أو بما هم عقلا ولو لم يلتزموا [ولو لم يلزموا] بدين،

[1]
بل ظاهر تعبير مدعي الاجماع بقوله: (كافة المسلمين) أنهم بما هم مسلمون يعملون بالخبر، فدعوى عدم الاحراز خلاف ظاهر
التعبير بالمسلمين ونحوه.
512

كما هم لا يزالون يعملون بها (1) في غير الأمور الدينية من الأمور العادية، فيرجع إلى ثالث الوجوه، وهو دعوى استقرار سيرة العقلا
(2) من ذوي الأديان وغيرهم على العمل بخبر الثقة واستمرت إلى زماننا، ولم يردع عنه نبي ولا وصي نبي، ضرورة (3) أنه لو كان
(4) لاشتهر وبان، ومن الواضح أنه يكشف عن رضاء الشارع به (5)
513

في الشرعيات أيضا (1).
ان قلت (2): يكفي في الردع الآيات الناهية والروايات المانعة عن اتباع غير العلم، وناهيك (3) قوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به
علم)، وقوله تعالى: (ان الظن لا يغني من الحق شيئا).
قلت: لا يكاد يكفي تلك الآيات في ذلك (4)، فإنه - مضافا إلى أنها وردت إرشادا إلى عدم كفاية الظن في أصول الدين،
514

ولو سلم (1)، فإنما المتيقن لولا (2) أنه المنصرف إليه إطلاقها
515

هو خصوص الظن الذي لم يقم على اعتباره حجة (1) - لا يكاد (2) يكون الردع بها الا على وجه دائر، وذلك لان الردع بها يتوقف على
عدم
516

تخصيص عمومها أو تقييد إطلاقها (1) بالسيرة على اعتبار خبر الثقة، وهو (2) يتوقف على الردع عنها بها
[بها عنها] والا (3) لكانت مخصصة أو مقيدة لها [بها] كما لا يخفى.
517

لا يقال: على هذا (1) لا يكون اعتبار خبر الثقة بالسيرة أيضا (2) إلا على وجه دائر، فان (3) اعتباره بها فعلا يتوقف على عدم الردع بها
عنها (4)، وهو [1] 5
يتوقف على تخصيصها بها، وهو (6) يتوقف على عدم

[1]
لا يخفى أنه بناء على اعتبار خبر الثقة ببناء العقلا لا تصلح الآيات
518

الردع بها عنها.
فإنه يقال (1): انما يكفي في حجيته بها عدم ثبوت الردع عنها،

الناهية للردع عنه، لخروجه عن موضوع الآيات تخصصا، لما مر في بعض التعاليق من عدم بناء العقلا على العمل بالظن، فلا يعملون
بخبر الثقة الا إذا أفاد الاطمئنان الذي هو علم عادي، فخبر الثقة على هذا خارج موضوعا عن الآيات الناهية، ولا يرى العقلا من يعمل
بخبر الثقة عاملا بالظن ومخاطبا بمثل قوله تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم.
ثم إن الرادعية والمخصصية من الأمور المتضادة، وقد ثبت في محله: أنه لا مقدمية بين عدم أحد الضدين ووجود الاخر، فتعبير المصنف
(قده) (بتوقف التخصيص على عدم الردع وتوقف الردع على عدم التخصيص) لا يخلو عن المسامحة.
نعم وجود كل منهما يلازم عدم الاخر، وهذا غير التوقف والمقدمية.
519

لعدم (1) نهوض ما يصلح لردعها، كما يكفي في تخصيصها لها (2) ذلك (3) كما لا يخفى، ضرورة (4) أن ما جرت عليه السيرة المستمرة
في مقام الإطاعة والمعصية وفي استحقاق العقوبة بالمخالفة وعدم استحقاقها [1] مع الموافقة ولو في صورة المخالفة عن الواقع يكون
(5) عقلا في الشرع

[1] الأولى سوق العبارة هكذا: (وفي استحقاق العقوبة بالمخالفة، والمثوبة بالموافقة ولو في صورة المخالفة للواقع يكون عقلا. إلخ).
520

متبعا ما لم ينهض (1) دليل على المنع عن اتباعه (2) في الشرعيات، فافهم وتأمل. (×)

(×) قولنا: (فافهم وتأمل) إشارة إلى كون خبر الثقة متبعا ولو قيل بسقوط كل من السيرة والاطلاق عن الاعتبار بسبب دوران الامر
بين ردعها به وتقييده بها، وذلك لأجل استصحاب حجيته الثابتة قبل نزول الآيتين. فان قلت: لا مجال لاحتمال التقييد بها، فان دليل
اعتبارها مغيا بعدم الردع عنها، ومعه لا تكون صالحة لتقييد الاطلاق مع صلاحيته للردع عنها كما لا يخفى. قلت: الدليل ليس إلا إمضاء
الشارع لها ورضاه بها المستكشف بعدم ردعه عنها في زمان مع إمكانه، وهو غير مغيا، نعم يمكن أن يكون له واقعا وفي علمه تعالى
أمد خاص كحكمه الابتدائي، حيث إنه ربما يكون له أمد فينسخ، فالردع في الحكم الامضائي ليس الا كالنسخ في الابتدائي، وذلك غير
كونه بحسب الدليل مغيا كما لا يخفى.
وبالجملة: ليس حال السيرة مع الآيات الناهية إلا كحال الخاص المقدم والعام المؤخر في دوران الامر بين التخصيص بالخاص أو النسخ
بالعام، ففيهما يدور الامر أيضا بين التخصيص بالسيرة أو الردع بالآيات، فافهم.
521

فصل في الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية [1] خبر [الخبر] الواحد (1).
أحدها (2): أنه يعلم إجمالا بصدور كثير مما بأيدينا

[1] التعبير بالحجية مسامحة، إذ مقتضى الوجوه العقلية ليس الا لزوم العمل بالاخبار احتياطا بحكم العقل لأجل العلم الاجمالي بصدور
جملة منها، فذكر الوجوه العقلية لاثبات حجية خبر الواحد على حذو إثباتها بالآيات وغيرها غير سديد، إذ من المعلوم مغايرة الحجية
لحكم العقل بلزوم العمل بالروايات للعلم الاجمالي كما يظهر من كلام المصنف (قده) فيما سيأتي.
522

من الاخبار من الأئمة الأطهار عليهم السلام بمقدار (1) واف بمعظم الفقه بحيث لو علم تفصيلا ذاك (2) المقدار لانحل [1]
علمنا الاجمالي بثبوت التكاليف بين الروايات وسائر الامارات إلى العلم (3) التفصيلي بالتكاليف في مضامين الاخبار الصادرة المعلومة تفصيلا
[2] و الشك (4)

[1] سيأتي في الجز الخامس إن شاء الله الكلام حول هذا الانحلال وأنه حقيقي أو حكمي، فانتظر.
[2] الصواب ذكر كلمة (أو إجمالا) بعد قوله: (تفصيلا) في الموضعين، ضرورة عدم توقف انحلال العلم الاجمالي الكبير على العلم
التفصيلي بصدور الروايات، لكفاية العلم الاجمالي بصدور أخبار في انحلال العلم الاجمالي
526

البدوي في ثبوت التكليف في مورد سائر الامارات الغير المعتبرة (1)، ولازم ذلك (2) لزوم العمل على وفق جميع الاخبار المثبتة، و
جواز العمل

الكبير، هذا. مع أن العلم التفصيلي بصدور روايات لا يقتضي إلا لزوم العمل بها، ولا يقتضي لزوم العمل بكل رواية يحتمل صدورها،
كما هو واضح.
وسيأتي التصريح منه بكفاية العلم الاجمالي بصدور روايات في الانحلال المزبور بقوله في ص 533: (لما عرفت من انحلال العلم
الاجمالي بينها بما علم بين الاخبار بالخصوص ولو بالاجمال).
527

على طبق النافي منها فيما إذا لم يكن في المسألة أصل مثبت له [يثبت له 1 (] من قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب بناء (2) على جريانه في
أطراف ما علم إجمالا [علم إجمالا] بانتقاض الحالة السابقة في
528

بعضها (1)، أو قيام (2) أمارة معتبرة على انتقاضها (3) فيه،
530

والا (1) لاختص عدم جواز العمل على وفق النافي بما (2) إذا كان على خلاف قاعدة الاشتغال.
وفيه: أنه (3)

[1]
الأولى التعبير عنه ب (رابعا) رعاية للسياق، ولعدم توهم كونه تتمة للايراد الثالث.
531

لا يكاد ينهض على حجية الخبر بحيث (1) يقدم تخصيصا أو تقييدا أو ترجيحا على غيره من (2) عموم أو إطلاق أو مثل (3) مفهوم وان
كان [1 [4

[1]
هذه الجملة قد استفيدت تلويحا مما أفاده المصنف في تقرير الدليل بقوله: (بمقدار واف بمعظم الفقه) فلاحظ.
ثم إن للشيخ الأعظم إشكالا آخر، وهو ما أفاده بقوله: (وثانيا: أن اللازم
532

يسلم عما أورد عليه من أن لازمه الاحتياط في سائر الامارات، لا في خصوص الروايات، لما (1) عرفت من انحلال العلم الاجمالي بينها
[بينهما] بما (2) علم بين الاخبار بالخصوص ولو بالاجمال (3)، فتأمل.

من ذلك العلم الاجمالي هو العمل بالظن في مضمون تلك الأخبار، لما عرفت من أن العمل بالخبر الصادر انما هو باعتبار كون مضمون
تلك الأخبار، لما عرفت العمل به، وحينئذ فكل ما ظن بمضمون خبر منها ولو من جهة الشهرة يؤخذ به، وكل خبر لم يحصل الظن بكون
مضمونه حكم الله لا يؤخذ به ولو كان مظنون الصدور، فالعبرة بظن مطابقة الخبر للواقع لا بظن الصدور).
ولكن المصنف لم يرتض هذا الاشكال في حاشية الرسائل ولم يتعرض له هنا، والحق معه، لعدم وروده على الدليل المتقدم، لما عرفت
من أن هذا الوجه المبني على العلم الاجمالي الموجب للاحتياط في جميع الأطراف لا يفرق فيه بين كون بعضها مظنونا أو مشكوكا أو
موهوما، فلا يتعين الاخذ بالظن بالمطابقة لان حجية العلم الاجمالي بالنسبة إلى جميع الأطراف على حد سواء.
533

ثانيها: ما ذكره في الوافية
مستدلا على حجية الاخبار الموجودة في الكتب المعتمدة للشيعة كالكتب الأربعة مع عمل جمع به (1) من غير رد ظاهر، وهو: (أنا نقطع
ببقاء التكليف إلى يوم القيامة سيما بالأصول الضرورية كالصلاة والزكاة والصوم والحج والمتاجر والأنكحة
534

ونحوها، مع أن جل أجزائها وشرائطها وموانعها (1) انما يثبت بالخبر غير القطعي بحيث نقطع بخروج حقائق هذه الأمور عن كونها
هذه الأمور عند ترك العمل بالخبر الواحد، ومن أنكر (2) فإنما ينكره باللسان وقلبه مطمئن بالايمان) انتهى.
وأورد عليه أولا (3) بأن العلم الاجمالي حاصل بوجود الاجزاء
535

والشرائط بين جميع الاخبار لا خصوص الاخبار المشروطة بما ذكره، فاللازم حينئذ (1) اما الاحتياط والعمل بكل خبر دل على جزئية
شئ أو شرطيته، واما العمل (2) بكل خبر ظن صدوره مما دل على الجزئية أو الشرطية
[اما الاحتياط، أو العمل بكل ما دل على جزئية شئ أو شرطيته.]
قلت: يمكن أن يقال: ان (3) العلم الاجمالي وان كان حاصلا بين جميع الاخبار، الا أن العلم بوجود الاخبار الصادرة عنهم عليهم السلام
بقدر الكفاية بين تلك الطائفة، أو العلم باعتبار تلك الطائفة
536

كذلك (1) بينها يوجب (2) انحلال ذاك العلم الاجمالي (3) وصيرورة (4) غيره خارجا
[غيرها خارجة] عن طرف العلم كما مرت إليه
الإشارة في تقريب الوجه الأول (5). اللهم الا أن يمنع عن ذلك (6) وادعي عدم الكفاية فيما علم بصدوره أو اعتباره من تلك الطائفة، أو
ادعي (7) العلم بصدور أخبار أخر بين غيرها (8)، فتأمل (9).
537

وثانيا: بأن قضيته (1) انما هو العمل بالاخبار المثبتة للجزئية أو الشرطية، دون الاخبار النافية لهما.
والأولى (2):
538

أن يورد عليه بأن قضيته (1) انما هو الاحتياط بالاخبار المثبتة فيما (2) لم تقم حجة معتبرة على نفيهما من (3) عموم دليل أو إطلاقه، لا
الحجية (4) بحيث يخصص أو يقيد بالمثبت منها (5)
539

أو يعمل (1) بالنافي [1]

[1] أو يقوم مقام القطع الطريقي والموضوعي، إذ لو كان حجة كان مصداقا للعلم تعبدا، بخلاف الاخذ به احتياطا، حيث إن الاحتياط ليس
علما وجدانيا ولا تعبديا، أو يصح اسناد مضمونه إلى الشارع، إذ لو كان حجة كان كالعلم في صحة اسناد مفاده إلى الشارع. أو يقدم
على الأصول العملية ورودا أو حكومة.
ولا بأس بتفصيل الكلام في هذا المقام، فنقول وبه نستعين: ان الأصل اما تنزيلي كالاستصحاب وقاعدتي التجاوز والفراغ - بناء على
عدم أماريتهما - واما غير تنزيلي كأصالتي البراءة والاشتغال، وعلى التقديرين اما يكون الأصل نافيا للتكليف دائما كالبراءة، واما
يكون مثبتا له كذلك كقاعدة الاشتغال، واما يثبته تارة وينفيه أخرى.
فان كان الأصل نافيا للتكليف سواء كان محرزا أم غيره، فلا مجال لجريانه مع قيام خبر على ثبوته، من غير فرق في ذلك بين حجية
الخبر وبين وجوب العمل به لأجل العلم الاجمالي، أما على القول بحجيته فواضح، وأما بناء على وجوب العمل به للعلم الاجمالي، فللزوم
المخالفة القطعية العملية من جريانه في جميع الأطراف، وللزوم الترجيح بلا مرجح من جريانه في بعضها.
وان كان الأصل كالخبر مثبتا للتكليف الإلزامي كالوجوب والحرمة، فلا مانع
540



من جريانه على القول بوجوب العمل بالخبر من باب الاحتياط، لان المانع من جريانه اما ارتفاع موضوع الأصل وجدانا أو تعبدا، واما
لزوم المخالفة القطعية العملية، وكلاهما مفقود في المقام كما هو واضح.
نعم لا يترتب على جريانه وعدمه ثمرة عملية بعد فرض كون الخبر كالأصل مثبتا للتكليف إلا في صحة اسناد الحكم المستصحب إلى
المولى بناء على جريان الاستصحاب فيه، وعدم صحة اسناده إليه بناء على عدم جريانه فيه، لكون الاسناد حينئذ تشريعا محرما بعد
فرض عدم حجية الخبر.
نعم بناء على حجيته يصح الاسناد ولا يجري الاستصحاب، لارتفاع موضوعه تعبدا بالخبر.
وان كان الأصل كالخبر نافيا للتكليف كأصالة البراءة واستصحاب عدم الوجوب أو عدم الحرمة، فلا تظهر ثمرة بين حجية الخبر و
بين وجوب الاخذ به من باب الاحتياط الا في صحة الاسناد إلى الشارع، وترتيب اللوازم بناء على حجيته، وعدمهما بناء على عدم حجيته.
وان كان الأصل مثبتا للتكليف والخبر نافيا له، كما إذا قام خبر على جواز وطي الحائض بعد انقطاع الدم قبل الغسل مع اقتضاء
الاستصحاب حرمته، فعلى القول بحجية الخبر لا يجري الأصل مطلقا وان كان محرزا كالاستصحاب في المثال، لارتفاع موضوعه - و
هو الشك - بالخبر المفروض اعتباره.
وعلى القول بعدم حجيته، وأن لزوم العمل به انما هو للعلم الاجمالي، يفصل بين الأصل المحرز وغيره، فأما الأصل غير المحرز كقاعدة
الاشتغال، فبعدم جريانه، لوجود المقتضي وهو حكم العقل بلزوم تحصيل العلم بالفراغ
541



عن التكليف المعلوم إجمالا، وعدم المانع وهو لزوم المخالفة العملية، فلو علم بوجوب إحدى الصلاتين القصر أو التمام، وقام الخبر
على عدم وجوب التمام جرت قاعدة الاشتغال بلا مانع، فيجب الجمع بينهما، إذ المفروض عدم حجية الخبر حتى يمنع عن جريان
القاعدة.
والعلم الاجمالي بصدور جملة من الاخبار النافية للتكليف لا يمنع عن جريان قاعدة الاشتغال بعد تحقق موضوعها - وهو العلم بثبوت
التكليف إجمالا - إذ لازمه عدم جريان أصالة الاشتغال في شئ من موارد العلم الاجمالي، بداهة وجود الترخيص في جميع الموارد
كالعلم الاجمالي بوجوب إحدى الصلاتين الظهر والجمعة يومها، فإنه يعلم بالترخيص في ترك ما لا يجب منهما واقعا.
والحاصل: أن العلم الاجمالي بصدور جملة من الروايات المرخصة عن المعصومين عليهم الصلاة والسلام لا يمنع عن جريان قاعدة
الاشتغال بناء على كون العمل بالاخبار للعلم الاجمالي لا لأجل الحجية.
نعم بناء على حجيتها لا وجه لجريان القاعدة، لانحلال العلم الاجمالي بالتكليف بالخبر المفروض اعتباره. هذا في الأصل غير المحرز.
وأما الأصل المحرز كاستصحاب حرمة وطي الحائض بعد النقاء قبل الاغتسال مع قيام الخبر على جوازه، فان لم يحصل العلم الاجمالي
بصدور بعض الاخبار النافية في موارد الاستصحابات المثبتة جرى الأصل المحرز بلا مانع، وان حصل العلم الاجمالي بصدور الاخبار
النافية، فجريانه حينئذ مبني على جريان الاستصحاب المثبت للتكليف في أطراف العلم الاجمالي، فالشيخ الأعظم والمحقق النائيني
(قدهما) منعا عن جريانه، والمصنف (قده) ذهب إلى
542

في قبال حجة على الثبوت ولو
[1]
كان أصلا، كما لا يخفى.
ثالثها: ما أفاده بعض المحققين (1) بما ملخصه: أنا نعلم بكوننا

جريانه.
فتلخص: أنه يجري الأصل إذا كان هو مع الخبر مثبتين للتكليف الا إذا ثبتت حجية الخبر، فان الأصل حينئذ لا يجري سواء كان تنزيليا أم
غيره.
وإذا كانا نافيين للتكليف، فلا تظهر الثمرة الا في صحة الاسناد وترتب اللوازم بناء على حجية الخبر.
وإذا كان الأصل نافيا للتكليف والخبر مثبتا له، فلا يجري فيه الأصل سواء كان الخبر حجة أم لازم العمل للعلم الاجمالي.
وإذا انعكس الامر بأن كان الأصل مثبتا للتكليف والخبر نافيا له، فان كان الخبر حجة لم يجر فيه الأصل مطلقا سواء كان محرزا أم
غيره، وان لم يكن الخبر حجة فالأصل غير المحرز يجري.
وأما الأصل المحرز فهو يجري ان لم يعلم بصدور الاخبار النافية في موارد الاستصحابات المثبتة للتكليف، وان علم إجمالا بذلك، ففي
جريان الأصل خلاف بين الاعلام كما عرفت، والحق عدم جريانه، لما سيأتي إن شاء الله تعالى.
[1]
الصواب إسقاط الواو، لان المقصود إثبات العمل بالنافي من هذه الأخبار لو كان الحجة على الثبوت أصلا كالاستصحاب، لوضوح
تقدم الخبر على الأصل العملي، إذ لو كان المثبت خبرا لم يقدم الخبر النافي عليه، بل يتعارضان، ويجري عليهما أحكام التعارض،
فيختص تقديم الخبر النافي على المثبت بما إذا كان المثبت أصلا فقط.
543

مكلفين بالرجوع إلى الكتاب والسنة إلى يوم القيامة، فان تمكنا من
544

الرجوع إليهما على نحو يحصل العلم بالحكم (1) أو ما (2) بحكمه،
545

فلا بد (1) من الرجوع إليهما كذلك، والا (2) فلا محيص عن الرجوع على نحو يحصل الظن به في الخروج عن عهدة هذا التكليف (3)، فلو
لم يتمكن (4) من القطع بالصدور أو الاعتبار فلا بد من التنزل إلى الظن بأحدهما (5).
546

وفيه: أن (1) قضية بقاء التكليف فعلا بالرجوع إلى الاخبار الحاكية للسنة كما صرح (2) بأنها المراد منها في ذيل كلامه زيد في
547

علو مقامه انما هو [) 1 هي] الاقتصار في الرجوع إلى الاخبار المتيقن الاعتبار، فان وفي (2)، والا (3) أضيف إليه الرجوع إلى ما هو
المتيقن اعتباره بالإضافة (4) لو كان (5)، والا (6) فالاحتياط بنحو عرفت، لا (7)
548

الرجوع إلى ما ظن اعتباره، وذلك (1) للتمكن من الرجوع علما تفصيلا (2) أو إجمالا [1 [3
فلا وجه معه (4) من الاكتفاء بالرجوع إلى
ما ظن اعتباره، هذا. مع أن مجال المنع (5) عن ثبوت التكليف بالرجوع إلى السنة

[1] الأولى أن يقال: (للتمكن من الرجوع إلى المعلوم الاعتبار تفصيلا أو إجمالا).
549

بذاك المعنى فيما لم يعلم بالصدور ولا بالاعتبار بالخصوص واسع (1).
وأما (2) الايراد عليه برجوعه اما إلى دليل الانسداد لو كان ملاكه
550

دعوى العلم الاجمالي بتكاليف واقعية، واما إلى الدليل الأول لو كان ملاكه دعوى العلم (1) بصدور أخبار كثيرة بين ما بأيدينا من
الاخبار، ففيه (2):
551

أن ملاكه انما هو دعوى العلم بالتكليف بالرجوع (1) إلى الروايات في الجملة إلى يوم القيامة [1]
فراجع تمام كلامه تعرف حقيقة مرامه.

[1] لكن لا بد من استناد وجوب العمل بها - مع عدم حصول العلم بالواقع منها واحتمال مخالفتها له - اما إلى الجعل الشرعي وهو أول
الكلام، واما إلى العلم الاجمالي بصدور بعضها من المعصوم فيرجع إلى الوجه الأول، واما إلى حكم العقل بتعين الامتثال الظني فيرجع
إلى دليل الانسداد، وعليه فإيراد شيخنا الأعظم من عدم كون هذا الوجه دليلا مستقلا على حجية الخبر الواحد في محله، فتأمل في المقام.
552

فصل في الوجوه التي أقاموها على حجية الظن، وهي أربعة:
الأول (1): أن [في] مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبي أو التحريمي مظنة الضرر
[للضرر] ودفع الضرر المظنون لازم.
553

أما الصغرى فلان الظن بوجوب شئ أو حرمته يلازم الظن بالعقوبة
554

على مخالفته، أو الظن (1) بالمفسدة فيها (2) بناء (3) على تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد.
وأما الكبرى (4) فلاستقلال العقل بدفع الضرر المظنون ولو لم نقل [1] 5
بالتحسين والتقبيح،

[1] هذا التعميم غير ظاهر، لأنه بناء على عدم إدراك العقل للحسن والقبح لا معنى لوجوب دفع الضرر المظنون أو المحتمل بحكم العقل،
إذ مع عزله عن الادراك لم يظن العقل بالضرر حتى يحكم بوجوب دفعه، فالفطرة كافية في الحكم بلزوم دفعه.
555

لوضوح (1) عدم انحصار ملاك حكمه بهما (2)، بل يكون التزامه [) 3 ملاكه التزامه] بدفع الضرر المظنون بل المحتمل بما هو كذلك (4)
ولو لم يستقل بالتحسين والتقبيح مثل (5) الالتزام بفعل ما استقل بحسنه إذا قيل باستقلاله، ولذا أطبق (6) عليه مع خلافهم في استقلاله
بالتحسين والتقبيح، فتدبر جيدا.
556

والصواب في الجواب هو منع الصغرى (1)،
557

أما العقوبة (1) فلضرورة عدم الملازمة بين الظن بالتكليف والظن بالعقوبة على مخالفته، لعدم الملازمة بينه (2) والعقوبة على مخالفته،
وانما الملازمة بين خصوص معصيته (3) واستحقاق العقوبة عليها، لا بين (4) مطلق المخالفة والعقوبة بنفسها [1]

[1] هذه الكلمة مستدركة، لان المقصود نفي الملازمة بين مطلق المخالفة
558

ومجرد الظن به (1) بدون دليل على اعتباره لا يتنجز (2) به كي يكون مخالفته عصيانه.
الا أن يقال (3): ان العقل وان لم يستقل بتنجزه

والعقوبة، وهو يستفاد من العبارة بلا حاجة إليها، ويمكن توجيه العبارة بجعل كلمة (بنفسها) صفة للعقوبة، وإرجاع ضميرها إلى
المخالفة، بأن يكون المراد نفي الملازمة بين مطلق المخالفة والعقوبة الناشئة عن مطلق المخالفة، فيكون نفي العقوبة من باب السالبة
بانتفاء الموضوع.
559

بمجرده (1) بحيث يحكم باستحقاق العقوبة على مخالفته، الا أنه لا يستقل أيضا (2)
560

بعدم استحقاقها معه (1)، فيحتمل العقوبة حينئذ (2) على المخالفة. ودعوى استقلاله بدفع الضرر المشكوك كالمظنون قريبة (3) جدا
[1]
لا سيما [2 [4
إذا كان هو العقوبة الأخروية، كما لا يخفى.

[1]
بل بعيدة جدا، لما تقدم في أول بحث الامارات غير العلمية من أن الظن المشكوك اعتباره بحكم المعلوم عدم اعتباره وان كان حجة
واقعا، لان البيان الرافع لموضوع البراءة العقلية والمصحح للعقوبة هو الحجة الواصلة إلى المكلف، فلا يكفي في تصحيح العقوبة مجرد
جعل الحجية لشئ مع عدم وصوله إلى العبد كما هو واضح. وعليه فالظن بالتكليف ما لم يثبت اعتباره لا يستلزم العقوبة على مخالفته،
فليست العقوبة محتملة حتى يحكم العقل بلزوم دفعها كحكمه بلزوم دفع الضرر المظنون. نعم تصح هذه الدعوى في أطراف العلم
الاجمالي.
[2]
هذه الجملة مستدركة، إذ الكلام في منع الصغرى على تقدير إرادة خصوص العقوبة من الضرر، كما تقدم بقوله: (أما العقوبة) فالكلام
حول الضرر بمعنى العقوبة لا مطلق الضرر حتى يتجه قوله: (لا سيما).
561

وأما المفسدة (1)
562

فلأنها وان كان الظن بالتكليف يوجب (1) الظن بالوقوع فيها لو خالفه، الا أنها ليست بضرر على كل حال (2)، ضرورة (3) أن كل ما
يوجب قبح الفعل من المفاسد لا يلزم أن يكون من الضرر على فاعله، بل ربما يوجب حزازة ومنقصة في الفعل بحيث يذم عليه فاعله بلا
ضرر
563

عليه (1) أصلا كما لا يخفى.
وأما تفويت المصلحة (2)، فلا شبهة في أنه ليس فيه (3) مضرة، بل ربما يكون في استيفائها (4) المضرة كما في الاحسان بالمال، هذا.
مع منع (5) كون الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد في المأمور بها
564

والمنهي عنها، بل انما هي تابعة لمصالح فيها (1) كما حققناه في بعض فوائدنا. [1]

[1] لم نظفر بذلك فيما بأيدينا من فوائده المطبوعة مع حاشيته على الفرائد، بل فيها ما يكون ظاهرا أو صريحا في تبعية الاحكام
للمصالح والمفاسد في متعلقاتها، حيث قال في الفائدة التي عقدها لتحقيق ما اشتهر من الملازمة بين حكم العقل والشرع ما لفظه:
(فهاهنا دعويان: الأولى: عدم لزوم الالزام شرعا بما ألزم به عقلا. الثانية: لزوم أن لا يلزم شرعا الا بما يلزم به عقلا، وذلك لان الطلب
الحقيقي والبعث الجدي الإلزامي لا يكاد أن يكون الا بملاك يكون في المطلوب والمبعوث إليه، ولا يكاد أن يكون فيه بالنسبة إليه
تعالى ملاك الا المصلحة الذاتية أو العارضة بسبب بعض الوجوه الطارئة، حيث لا يعقل في حقه تبارك وتعالى غرض وداع آخر.
565



ان قلت: نعم، ولكنه يكفي حسن التكليف وثبوت المصلحة في (من) نفس الطلب والالزام من دون أن يكون مصلحة ومفسدة في الواجب
والحرام، كما هو كذلك في غير مورد من الموارد منها الأوامر الامتحانية، ومنها الامر في الواجبات والمستحبات العبادية، إذ الطلب
فيهما لم يتعلق بالراجح وما فيه المصلحة، فإنها بدون قصد القربة غير راجحة ولا مما فيها المصلحة، مع أنها كذلك متعلقة للطلب.
إلى أن قال: ومنها أوامر التقية، بداهة أنه لا حسن الا في نفسها لا في المأمور بها.
قلت: الطلب الحقيقي والالزام الجدي والبعث الواقعي لا يكاد أن يتعلق بشئ ما لم يكن فيه بذاته أو بالوجوه والاعتبارات الطارئة عليه
خصوصية موافقة للغرض داعية إلى تعلق الطلب به حقيقة، والا كان تعلق الطلب به دون غيره ترجيحا بلا مرجح، وهذا واضح، ولا يكون
تلك الخصوصية بالنسبة إليه تعالى الا المصلحة المرجحة لصدورها عقلا كما لا يخفى.
وأما الأوامر الامتحانية فليست بأوامر حقيقة بل صورية، إذ لا إرادة، فلا طلب ولا بعث عن جد، والكلام انما هو في التكليف الحقيقي لا
الصوري. نعم بناء على عدم اتحاد الطلب والإرادة يمكن أن يكون فيها الطلب الحقيقي مع عدم الإرادة، وقد عرفت في بعض الفوائد
اتحادهما بما لا مزيد عليه) انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه. ولا يخفى أن قوله: (كان تعلق الطلب به دون غيره ترجيحا
بلا مرجح) كالصريح في تبعية الاحكام لما في متعلقاتها من المصالح والمفاسد كما هو مذهب المشهور.
وأفاد نظير ما ذكره هنا في حاشيته على الرسائل فيما يتعلق بهذا الدليل العقلي، قال (قده): (ثانيها: أن الاحكام الواقعية وان كانت على
المشهور بين
566

وبالجملة (1): ليست المفسدة ولا المنفعة الفائتة اللتان في الافعال وأنيط بهما الاحكام بمضرة (2)، وليس مناط حكم العقل بقبح ما فيه
المفسدة أو حسن ما فيه المصلحة من (3) الافعال على القول باستقلاله

العدلية تابعة للمصالح والمفاسد التي تكون في نفس المأمور بها والمنهي عنها، لا المصالح في نفس الأمر والنهي، الا أن مخالفة
المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبي أو التحريمي لا يوجب ظنا بالضرر).
نعم في ذيل عبارته احتمل عدم تبعية الاحكام لهما، قال: (مع احتمال عدم كون الاحكام تابعة لهما، بل تابعة لما في أنفسها من المصلحة،
فلا يكون حينئذ ظن بهما أيضا. إلخ).
ثم إن قيام المصلحة بنفس الامر دون المتعلق يتصور تارة بقيامه بامتثال المأمور به وأنه منقاد لأمر مولاه أم لا، وأخرى بقيامه بفعل
الامر، كالمصلحة في تشريع الاحكام وإتمام الحجة على العبد بقطع عذره الجهلي. والظاهر أن مراده القسم الثاني لا الأول.
567

بذلك (1) هو (2) كونه ذا ضرر وارد على فاعله أو نفع عائد إليه، ولعمري هذا (3) واضح، فلا مجال (4) لقاعدة دفع الضرر المظنون
هاهنا أصلا.
ولا استقلال (5) للعقل بقبح فعل ما فيه احتمال المفسدة أو ترك ما فيه
568

احتمال المصلحة، فافهم (1).
الثاني (2): أنه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح.
وفيه: أنه (3)

[1] قال الشيخ: (فالأولى الجواب أولا بالنقض بكثير من الظنون المحرمة العمل بالاجماع أو الضرورة). ولعل إعراض المصنف عن نقله
لعدم صحته، حيث إن النهي عن الظنون الممنوعة موجب لجواز العمل بموهوماتها، ولازمه ترجيح المرجوح على الراجح، لكن ليس كذلك،
إذ لا دلالة للمنع عن العمل
569

لا يكاد يلزم منه ذلك (1) الا فيما إذا كان الاخذ بالظن أو بطرفه (2) لازما مع عدم إمكان الجمع بينهما عقلا (3)

بها على جواز العمل بموهوماتها، إذ لا ملازمة بينهما أصلا. هذا مضافا إلى أن حكم العقل بقبح ترجيح المرجوح على الراجح معلق على
عدم منع الشارع عن العمل ببعض الظنون، إذ مع منع الشارع عن العمل ببعضها لم يبق راجح حتى يكون غيره - أعني الموهوم -
مرجوحا ليقبح ترجيحه عليه كما لا يخفى.
570

أو عدم وجوبه شرعا (1) ليدور الامر بين ترجيحه وترجيح طرفه، ولا يكاد يدور الامر بينهما الا بمقدمات دليل الانسداد (2)، والا (3)
كان اللازم هو الرجوع إلى العلم أو العلمي أو الاحتياط أو البراءة أو
571

غيرهما ([) 1 غيرها] على حسب اختلاف الأشخاص (2) أو الأحوال في اختلاف المقدمات على ما ستطلع على حقيقة الحال.
الثالث: ما عن السيد الطباطبائي (3) قدس سره
من (أنه لا ريب في وجود واجبات ومحرمات كثيرة بين المشتبهات، ومقتضى ذلك (4)
572

وجوب الاحتياط بالاتيان بكل ما يحتمل الوجوب ولو موهوما وترك ما يحتمل الحرمة كذلك، ولكن مقتضى قاعدة نفي الحرج عدم
وجوب ذلك (1) كله، لأنه (2) عسر أكيد وحرج شديد، فمقتضى الجمع بين قاعدتي الاحتياط وانتفاء
[ونفى] الحرج العمل بالاحتياط في
المظنونات دون المشكوكات والموهومات، لان الجمع على غير هذا الوجه بإخراج بعض المظنونات وإدخال بعض المشكوكات و
الموهومات باطل إجماعا).
ولا يخفى ما فيه من القدح والفساد، فإنه (3) بعض مقدمات دليل
573

الانسداد، ولا يكاد ينتج بدون سائر مقدماته، ومعه (1) لا يكون دليلا (2)

[1]
ويرد على هذا الدليل ما أورده عليه شيخنا الأعظم ثانيا بقوله: (مع أن العمل بالاحتياط في المشكوكات أيضا كالمظنونات لا يلزم
منه حرج قطعا، لقلة موارد الشك المتساوي الطرفين كما لا يخفى، فيقتصر في ترك الاحتياط على الموهومات فقط، ودعوى أن كل من
قال بعدم الاحتياط في الموهومات قال بعدمه أيضا في المشكوكات في غاية الضعف والسقوط).
بل يرد عليه ثالثا: أن مقتضاه ليس حجية الظن، بل وجوب العمل به احتياطا، لان الظن حينئذ من أطراف العلم الاجمالي، فلا خصوصية فيه
توجب حجيته، وعليه فيجب العمل بالمشكوكات والموهومات أيضا، غاية الامر:
أن الاحتياط - لما كان مستلزما لاختلال النظام أو العسر والحرج - تتضيق دائرته بما لا يلزم منه هذان المحذوران وان أوجب العمل
ببعض الموهومات فضلا عن المشكوكات.
574

آخر، بل ذاك الدليل (1).
الرابع: دليل الانسداد (2)، وهو مؤلف من مقدمات (3)
يستقل العقل مع تحققها بكفاية الإطاعة الظنية حكومة أو كشفا (4) على ما تعرف، ولا يكاد يستقل بها بدونها (5)، وهي خمسة
[خمس]: [1]

[1]
لا يخفى أن الشيخ (قده) جعل المقدمات أربعا، ولم يذكر المقدمة الأولى التي ذكرها في المتن، والحق إسقاطها، لعدم توقف
الاستنتاج عليها، لكفاية الاحتمال في تنجز التكاليف الالزامية الواقعية في أخذ النتيجة من دليل الانسداد. نعم يكون العلم الاجمالي من
براهين المقدمة الثانية كما سيأتي.
575

أولها: أنه يعلم (1) إجمالا بثبوت تكاليف كثيرة فعلية في الشريعة.
ثانيها: أنه قد انسد علينا باب العلم والعلمي (2) إلى كثير منها (3).
ثالثها: أنه لا يجوز لنا إهمالها وعدم التعرض لامتثالها (4) أصلا.
رابعها: أنه لا يجب علينا الاحتياط (5)
576

في أطراف علمنا (1)، بل لا يجوز في الجملة، كما لا يجوز الرجوع (2) إلى الأصل في المسألة من استصحاب وتخيير وبراءة واحتياط
(3).
خامسها: أنه كان [1]
ترجيح المرجوح على الراجح قبيحا، فيستقل (4) العقل حينئذ بلزوم الإطاعة الظنية لتلك التكاليف المعلومة، والا (5)
لزم بعد انسداد باب العلم والعلمي بها اما إهمالها واما لزوم

[1] الأولى سوق العبارة هكذا: (خامسها أن ترجيح المرجوح على الراجح قبيح) حتى يلائم قوله: (فيستقل العقل) لترتب حكم العقل على
جميع ما تقدم.
577

الاحتياط في أطرافها، واما الرجوع إلى الأصل الجاري في كل مسألة مع قطع النظر عن العلم بها أو التقليد فيها، أو الاكتفاء بالإطاعة
الشكية أو الوهمية مع التمكن من الظنية، والفرض بطلان كل واحد منها.
أما المقدمة الأولى،
فهي وان كانت بديهية، الا أنه قد عرفت انحلال العلم الاجمالي بما في الاخبار الصادرة عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام التي (1) تكون
فيما بأيدينا من الروايات في الكتب المعتبرة، ومعه (2) لا موجب للاحتياط الا في خصوص ما في الروايات
[1]

[1] الأولى سوق العبارة هكذا: (الا في خصوص ما بأيدينا من الروايات المشتملة على تلك الأخبار الصادرة).
578

وهو (1) غير مستلزم للعسر فضلا عما يوجب الاختلال، ولا إجماع على عدم وجوبه ولو (2) سلم
579

الاجماع على عدم وجوبه (1) لو لم يكن هناك انحلال.
وأما المقدمة الثانية (2)،
فأما [أما] بالنسبة إلى العلم فهي بالنسبة إلى أمثال زماننا بينة وجدانية يعرف الانسداد كل من تعرض للاستنباط والاجتهاد. وأما
بالنسبة إلى العلمي، فالظاهر أنها (3) غير ثابتة، لما عرفت من نهوض الأدلة (4) على حجية خبر يوثق بصدقة [1]

[1] لا يخفى أن ما اختاره في بحث حجية الخبر هو اعتبار خبر الثقة، لا خبر يوثق بصدقة - أي بمطابقته للواقع - فلاحظ ما ذكره هناك
في سيرة العقلا، ومن المعلوم أن النسبة بينهما عموم من وجه، إذ يمكن فرض المخبر ثقة مع عدم الوثوق بصدق خبره، كما يمكن فرض
الوثوق بصدق الخبر مع عدم كون المخبر ثقة، غير أن الغالب اجتماعهما، يعني: أن الغالب حصول الوثوق بصدق خبر المخبر الثقة، وقد
صدر من قلمه الشريف في حاشية الرسائل
580

وهو (1) بحمد الله وأف بمعظم الفقه (2) لا سيما بضميمة ما علم تفصيلا منها (3) كما لا يخفى.
وأما الثالثة (4)،
فهي قطعية ولو لم نقل بكون العلم الاجمالي منجزا مطلقا (5)

مثل ما ذكره هنا، قال: (الا أن الانصاف بحسب مساعدة الأدلة السابقة هو حجية خبر يوثق بصدوره ولو لاحتفافه بما يوجب ذلك، و
مثله بحمد الله في الاخبار المودعة في الكتب المعتبرة الأربعة كثير جدا بحيث يفي بمعظم الفقه).
ولما كان المعتمد في مسألة حجية الخبر اعتبار الخبر الموثوق الصدور سواء نشأ الوثوق بصدوره من كون الراوي ثقة أم من احتفاف
الخبر بقرائن تفيده، أم من عمل المشهور أم غير ذلك. وكان ذلك الخبر الموثوق الصدور بمقدار واف بمعظم الفقه، فلا حاجة لنا إلى
التشبث بدليل الانسداد بل وغيره من الأدلة العقلية المتقدمة على حجية مطلق الظن.
581

أو فيما (1)
582

جاز أو وجب الاقتحام في بعض أطرافه كما في المقام (1) حسب ما يأتي، وذلك (2) لان إهمال معظم الاحكام، وعدم (3) الاجتناب كثيرا
عن الحرام مما يقطع بأنه (4) مرغوب عنه شرعا، ومما (5) يلزم تركه إجماعا. [1]

[1]
وفيه أولا: أن المسألة لم تكن معنونة عند القدماء حتى يتضح حال الاجماع لديهم.
وثانيا: أنه على فرض العلم باتفاقهم على حرمة إهمال الاحكام وعلى تقدير تمامية مقدمات الانسداد عندهم، لم يكن ذلك إجماعا
تعبديا، إذ يحتمل قويا استنادهم في ذلك إلى حكم العقل بقبح المخالفة القطعية الكثيرة أو غيره.
583

ان قلت (1): إذا لم يكن العلم بها منجزا لها، للزوم (2) الاقتحام في بعض الأطراف كما أشير إليه (3)، فهل (4) كان العقاب على المخالفة
في سائر الأطراف حينئذ (5) على تقدير المصادفة الا عقابا بلا بيان، والمؤاخذة (6) عليها الا مؤاخذة بلا برهان؟ قلت: هذا (7) انما يلزم
لو لم يعلم بإيجاب الاحتياط، وقد علم به
584

بنحو اللم (1)، حيث علم اهتمام الشارع بمراعاة تكاليفه بحيث ينافيه (2) عدم إيجابه الاحتياط الموجب للزوم المراعاة ولو كان (3)
بالالتزام ببعض المحتملات. مع صحة (4) دعوى الاجماع على عدم
585

جواز الاهمال في هذا الحال (1)، وأنه مرغوب عنه شرعا قطعا
[وأما مع استكشافه 2 (] فلا يكون المؤاخذة والعقاب حينئذ (3) بلا بيان وبلا برهان كما حققناه في البحث وغيره.
وأما المقدمة الرابعة (4)،

[1] لا يخفى أن مستند وجوب الاحتياط ان كان هو الاجماع فهو حكم شرعي وليس عقليا من باب منجزية العلم الاجمالي حتى يقال: انه
لو جاز أو وجب الاقتحام في بعض أطرافه لسقط اعتباره في سائر الأطراف أيضا، وعليه فلا مانع من جعل إيجابه في بعض الأطراف
فحسب لا جميعها بناء على إمكان إيجاب الاحتياط الشرعي.
586

فهي (1) بالنسبة إلى عدم وجوب الاحتياط التام بلا كلام

[1] وكان الأنسب تقديم البحث عن حكم الرجوع إلى فتوى الانفتاحي على التكلم عن حكم الرجوع إلى الأصل في كل مسألة، إذ الأصل
دليل حيث لا دليل، فلا بد أولا من إبطال الرجوع إلى فتوى الانفتاحي، ثم التكلم عن حال جريان الأصل.
587

فيما (1) يوجب عسرة اختلال النظام، وأما فيما لا يوجب فمحل نظر، بل منع، لعدم (2) حكومة قاعدة نفي العسر والحرج على قاعدة
الاحتياط،
589

وذلك (1) لما حققناه (2) في معنى ما دل على نفي الضرر والعسر من أن التوفيق بين دليلهما (3) ودليل التكليف (4) أو الوضع (5)
المتعلقين بما يعمهما (6)
590

هو (1) نفيهما عنهما بلسان نفيهما (2)، فلا يكون له (3) حكومة على الاحتياط العسر إذا كان (4) بحكم العقل
[1] لعدم العسر في متعلق التكليف،

[1] لا يخفى أن مقتضى مفهومه تسليم حكومة قاعدة نفي العسر على الاحتياط إذا كان بحكم الشرع، لكنه مشكل، لعدم صلاحية القاعدة
للحكومة على حكم ثبت لموضوعه بهذا العنوان كإيجاب الاحتياط الشرعي في المقام، إذ لا يكون مقتضي الشئ رافعا له كما قرر في
محله. الا أن يمنع تشريعه بهذا العنوان العسري، فان لحكومة قاعدة نفي العسر حينئذ على إيجاب الاحتياط مجالا بناء على إمكان إيجابه
شرعا، فتدبر.
591

وانما هو (1) في الجمع بين محتملاته احتياطا.
نعم (2) لو كان معناه (3) نفي الحكم الناشئ من قبله العسر كما قيل (4) لكانت قاعدة نفيه محكمة [1]
على قاعدة الاحتياط، لان العسر
حينئذ (5) يكون من قبل التكاليف المجهولة، فتكون [) 6 فيكون] منفية

[1]
يمكن منع حكومة قاعدة نفي العسر على قاعدة الاحتياط حتى على مختار الشيخ أيضا، حيث إن الجمع بين المحتملات وان كان موجبا
للحرج، لكن منشأه انما هو حكم العقل من باب وجوب الإطاعة، لا حكم الشارع حتى تكون القاعدة حاكمة عليه. وعليه فلا فرق في عدم
حكومة القاعدة على الاحتياط بين مذهب الشيخ والمصنف (قدهما).
592

بنفيه.
ولا يخفى أنه على هذا (1) لا وجه لدعوى استقلال العقل بوجوب الاحتياط في بعض الأطراف بعد رفع اليد عن الاحتياط في تمامها، بل لا
بد من دعوى وجوبه (2) شرعا كما أشرنا إليه (3) في بيان المقدمة
593

الثالثة، فافهم وتأمل جيدا.
وأما الرجوع إلى الأصول (1)، فبالنسبة إلى الأصول المثبتة من احتياط أو استصحاب مثبت للتكليف فلا مانع عن إجرائها عقلا مع
594

حكم العقل (1) وعموم النقل، هذا ولو قيل (2) بعدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي، لاستلزام (3) شمول دليله لها
التناقض في

[1] لكن فيه: أنه لا يلزم الحرج من ذلك أصلا، لقلة موارد الأصول المثبتة فيما هو محل الكلام من الشبهات الحكمية.
595

مدلوله (1)، بداهة (2) تناقض حرمة النقض في كل منها لوجوبه (3) في البعض، كما هو (4) قضية (ولكن تنقضه بيقين آخر) وذلك لأنه
(5) انما يلزم فيما
596

إذا كان الشك في أطرافه فعليا، وأما إذا لم يكن كذلك (1) بل (2) لم يكن الشك فعلا إلا في بعض أطرافه، وكان بعض أطرافه الاخر غير
ملتفت إليه فعلا كما هو (3) حال المجتهد في مقام استنباط الاحكام كما لا يخفى (4)
597

فلا يكاد (1) يلزم ذلك، فان (2) قضية (لا تنقض) ليست
[ليس] حينئذ (3) إلا حرمة النقض في خصوص الطرف المشكوك، وليس فيه (4)
علم بالانتقاض كي يلزم التناقض في مدلول دليله (5) من شموله له، فافهم (6).
ومنه (7) قد انقدح ثبوت حكم العقل وعموم النقل بالنسبة إلى
598

الأصول النافية أيضا (1)، وأنه (2) لا يلزم محذور لزوم التناقض من شمول الدليل لها لو لم يكن هناك مانع عقلا (3) أو شرعا من
إجرائها (4)، ولا مانع
599

كذلك (1) لو كانت (2) موارد الأصول المثبتة بضميمة ما علم تفصيلا أو نهض عليه علمي (3) بمقدار (4)
600

المعلوم إجمالا [1]
بل بمقدار (1) لم يكن معه (2) مجال لاستكشاف إيجاب الاحتياط وان لم يكن (3)

[1] لكن دعوى الانحلال تنافي أيضا ما أفاده في دفع محذور المناقضة من الغفلة عن العلم الاجمالي حين استنباط الاحكام، إذ الانحلال
فرع الالتفات إلى العلم كما لا يخفى.
601

بذاك [بذلك] المقدار [1] ومن الواضح أنه يختلف (1) باختلاف الأشخاص والأحوال.
وقد ظهر بذلك (2): أن العلم الاجمالي بالتكليف ربما ينحل ببركة

[1] لكن هذا مبني على مختاره من سقوط العلم الاجمالي عن التأثير بأدلة نفي الحرج، خلافا للشيخ القائل بعدم سقوطه عن التأثير بها،
فإنه بعد سقوطه عن التأثير بأدلة الحرج يكون المانع عن جريان الأصول النافية منحصرا في الاجماع والعلم بالاهتمام، والمفروض
ارتفاعهما بثبوت مقدار من التكاليف بحيث يمنع عن استكشاف إيجاب الشارع الاحتياط بهما وان لم يكن بمقدار المعلوم بالاجمال.
602

جريان الأصول المثبتة وتلك الضميمة (1)، فلا موجب حينئذ (2) للاحتياط عقلا ولا شرعا أصلا، كما لا يخفى. كما ظهر أنه لو لم ينحل
بذلك (3) كان خصوص موارد الأصول النافية مطلقا ولو من مظنونات عدم
603

التكليف [) 1 مظنونات التكليف]
محلا (2) للاحتياط فعلا، ويرفع اليد عنه فيها (3) كلا أو بعضا بمقدار (4) رفع الاختلال أو رفع العسر
على ما عرفت (5)
604

لا محتملات (1) التكليف مطلقا.
وأما الرجوع (2) إلى فتوى العالم، فلا يكاد يجوز،
605

ضرورة أنه (1) لا يجوز الا للجاهل لا للفاضل الذي يرى خطأ من يدعي انفتاح باب العلم أو العلمي، فهل يكون رجوعه إليه بنظره (2) الا
من قبيل رجوع الفاضل إلى الجاهل؟
وأما المقدمة الخامسة،
فلاستقلال العقل بها، وأنه (3) لا يجوز
606

التنزل - بعد عدم التمكن من الإطاعة العلمية أو عدم وجوبها - إلا إلى الإطاعة الظنية دون الشكية أو الوهمية، لبداهة (1) مرجوحيتهما
بالإضافة إليها، وقبح (2) ترجيح المرجوح على الراجح. لكنك عرفت عدم وصول النوبة إلى الإطاعة الاحتمالية مع (3) دوران الامر بين
الظنية

[1] لا يخفى أن هذا الامتثال الظني يكون من التبعيض في الاحتياط، فليس العمل بالظن لأنه حجة، بل هو من باب الاحتياط.
607

والشكية والوهمية من جهة (1) ما أوردناه على المقدمة الأولى من
608

انحلال العلم الاجمالي بما في أخبار الكتب المعتبرة، وقضيته [وقضية] الاحتياط بالالتزام [بالالزام] عملا (1) بما فيها من التكاليف، ولا
بأس به (2) حيث لا يلزم منه عسر فضلا عما يوجب اختلال النظام.
وما أوردناه (3) على المقدمة الرابعة من جواز الرجوع إلى الأصول
609

مطلقا ولو كانت نافية، لوجود المقتضي وفقد المانع عنه لو كان التكليف في موارد الأصول المثبتة وما علم منه تفصيلا أو نهض عليه
دليل معتبر بمقدار (1) معلوم [المعلوم] بالاجمال، وإلا (2) فإلى الأصول المثبتة وحدها، وحينئذ (3) كان خصوص موارد الأصول النافية
محلا لحكومة
610

العقل، وترجيح (1) مظنونات التكليف فيها على غيرها ولو بعد استكشاف (2) وجوب الاحتياط في الجملة شرعا بعد عدم وجوب
الاحتياط التام شرعا أو عقلا (3) على ما عرفت تفصيله، هذا هو التحقيق على ما يساعد عليه النظر الدقيق، فافهم وتدبر.
611

فصل هل قضية المقدمات (1) - على تقدير سلامتها - هي حجية الظن بالواقع أو بالطريق أو بهما؟ أقوال
613

والتحقيق أن يقال: انه لا شبهة (1) في أن هم العقل على [في] كل
614

حال انما هو تحصيل الامن من تبعة التكاليف المعلومة من (1) العقوبة على مخالفتها، كما لا شبهة (2) في استقلاله في تعيين ما هو المؤمن
منها، وفي (3) أن كلما كان القطع به مؤمنا في حال الانفتاح كان الظن به

[1] لكن ينبغي تقييد اعتبار الظن بالطريق بما إذا لم يكن منافيا للظن بالواقع، كما إذا ظن بطريقية شئ قام على عدم وجوب فعل مع
الظن بوجوبه، أو على عدم حرمته مع الظن بحرمته، أو على حرمته مع الظن بوجوبه، إذ لا يحكم العقل حينئذ بحجية الظن بالطريق،
فمؤمنية الظن بالطريق منوطة بعدم مخالفة الظن بالواقع له، ويختص ذلك بما إذا لم يكن الظن بالواقع مخالفا لما أدى إليه مظنون
الطريقية.
615

مؤمنا حال الانسداد جزما، وأن المؤمن (1) في حال الانفتاح هو القطع بإتيان المكلف به الواقعي بما هو كذلك (
[) 2 هو] لا بما هو معلوم
ومؤدى الطريق ومتعلق (3) العلم، وهو (4) طريق شرعا وعقلا، أو بإتيانه (5) الجعلي، وذلك لان (6) العقل قد استقل بأن الاتيان
بالمكلف به الحقيقي بما هو
616

هو لا بما هو مؤدى الطريق مبرئ للذمة قطعا، كيف (1)؟ وقد عرفت أن القطع بنفسه طريق لا يكاد تناله يد الجعل إحداثا وإمضاء
إثباتا ونفيا (2). ولا يخفى أن قضية ذلك (3) هو التنزل إلى الظن بكل واحد من الواقع والطريق.
ولا منشأ لتوهم الاختصاص (4) بالظن بالواقع الا توهم أنه قضية
617

[أن قضيته] اختصاص المقدمات بالفروع، لعدم (1) انسداد باب العلم في الأصول [1] وعدم إلجاء في التنزل إلى الظن فيها (2)، والغفلة
(3) عن أن جريانها في الفروع موجب لكفاية الظن بالطريق في مقام تحصيل [يحصل] الامن من عقوبة التكاليف وان كان باب العلم في

[1]
لا يخفى أنه - بناء على عدم انسداد باب العلم في الأصول - لا وجه للاكتفاء بالظن، إذ هو ظن بالفراغ مع أنه لا موجب له، فيكون
المقصود من المقدمة الثانية هو انسداد باب العلم فقط دون العلمي، فالظن بالتكاليف حال الانسداد قائم مقام العلم بها، ولا يفيد دليل
الانسداد اعتبار الظن بالطريق أصلا.
618

غالب (1) الأصول مفتوحا
[1]
وذلك (2) لعدم التفاوت في نظر العقل في ذلك (3) بين الظنين.
كما أن منشأ توهم الاختصاص بالظن بالطريق وجهان:
أحدهما: ما أفاده بعض الفحول (4)
وتبعه في الفصول، قال

[1] لكن قد عرفت أنه مع انفتاح باب العلم في الأصول لا وجه للاكتفاء بالظن فيها، لكونه إطاعة ظنية مع التمكن من الإطاعة العلمية.
619

فيها: (انا كما نقطع بأنا مكلفون (1) في زماننا هذا تكليفا فعليا بأحكام فرعية كثيرة لا سبيل لنا بحكم العيان وشهادة الوجدان إلى
تحصيل

[1] فيه أولا: أن الاستدلال بدليل الانسداد على حجية خبر الواحد في
621



عرض الوجوه السبعة التي استدل بها على حجيته غير وجيه، لأنه في طولها، حيث إن من مقدماته انسداد باب العلم والعلمي، وإثبات
حجية الخبر بتلك الوجوه يوجب انفتاح باب العلمي، ويهدم دليل الانسداد، ولا يبقى مجال لقوله في آخر كلامه: (ولا ريب أن خبر
الواحد ان لم يكن من الطرق القطعية فهو من الطرق الظنية، للوجوه التي مر ذكرها، فيجب العمل به، وهو المطلوب) حيث إن الخبر بعد
نهوض تلك الأدلة على حجيته يندرج في العلمي المفتوح بابه، ومعه لا يبقى مجال للاستدلال عليه بدليل الانسداد.
و ثانيا: أن لازم انفتاح باب العلمي - وهو الظن الخاص المراد به هنا الخبر الواحد - سقوط دعوى العلم الاجمالي بنصب الطرق الموجب
للعمل بكل ظن بطريقية شئ، لوفاء خبر الواحد بمعظم الفقه بحيث لا يلزم محذور من جريان الأصول، فمرجع ما أفاده - من رجوع
القطعين إلى قطع واحد - إلى وجوب العمل بالخبر الواحد حقيقة.
وثالثا: أن نصب الطرق انما هو لتنجيز الاحكام وإيجاد الداعي إلى موافقتها والاجتناب عن مخالفتها، لا لتقييدها، فلو فرض حصول
ظن بنفس الحكم من دون ظن بطريق، وصح الاستدلال بدليل الانسداد على حجية الظن كان ذلك حجة، ولا يصلح ما أفاده (قده) لاثبات
حجية خصوص الظن بالطريق ونفى حجية غيره، كما يرشد إليه قوله في دفع بعض ما أورد على دليل الانسداد:
(وبالجملة: فوجوب تحصيل الحكم عن طريق مخصوص يوجب دوران الحكم مدار ذلك الطريق، فلا يعتبر غيره فيه، وهذا واضح).
622

كثير منها بالقطع (1) ولا بطريق (2) معين يقطع من السمع بحكم (3) الشارع بقيامه أو قيام (4) طريقه مقام القطع ولو
[1] عند تعذره (5)، كذلك (6) نقطع

[1] لا يخفى ما في هذا التعبير من المسامحة، لان كلمة (لو) الوصلية يشار بها إلى الفرد الخفي، ومن المعلوم أن الفرد الخفي هنا هو
نصب الطريق حال انفتاح باب العلم، فالأولى أن يقال: (ولو عند عدم تعذره). الا أن يقال:
بكفاية قيام الظن مقام القطع بالواقع ولو حال الانسداد لا مطلقا، إذ يكفي في قيامه مقام القطع اعتباره في خصوص هذا الحال.
623

بأن الشارع قد جعل لنا إلى تلك الأحكام طريقا (1) مخصوصا وكلفنا تكليفا فعليا بالعمل بمؤدى طرق مخصوصة، وحيث انه لا سبيل
غالبا إلى تعيينها (2) بالقطع ولا بطريق [) 3 طريق] يقطع من السمع بقيامه بالخصوص أو (4) قيام طريقه كذلك مقام القطع

[1] الأولى أن يقال: (الطرق المخصوصة) لان المراد بها في الموضعين - وهي الطرق التي تعلق العلم الاجمالي بنصبها - واحد، ومقتضى
القاعدة حينئذ تعريفها هنا أيضا ليدل على اتحادهما، مع أن ظاهر العبارة تغايرهما، حيث أتى بهما نكرتين، وقد قرر في محله أن
تكرار النكرة ظاهر في التغاير نحو (رأيت رجلا وأكرمت رجلا) وليس المقام كذلك قطعا.
624

ولو بعد تعذره، فلا ريب (1) أن الوظيفة في مثل ذلك (2) بحكم العقل انما هو الرجوع في تعيين ذلك الطريق إلى الظن الفعلي (3) الذي
لا دليل على عدم حجيته [) 4 على حجيته] لأنه (5)
625

أقرب إلى العلم وإلى إصابة الواقع (1) مما عداه (2).
وفيه أولا (3): - بعد تسليم العلم بنصب طرق خاصة باقية فيما بأيدينا من الطرق غير العلمية، وعدم وجود المتيقن بينها أصلا -
626

أن (1) قضية ذلك (2) هو الاحتياط في أطراف هذه الطرق المعلومة بالاجمال، لا تعيينها بالظن.
لا يقال (3): الفرض هو عدم وجوب الاحتياط بل عدم جوازه، لان (4) الفرض انما هو عدم وجوب الاحتياط التام في أطراف
629

الاحكام مما يوجب العسر المخل بالنظام، لا الاحتياط (1) في خصوص ما بأيدينا من الطرق، فان (2) قضية هذا الاحتياط هو جواز رفع
اليد عنه في غير مواردها، والرجوع (3) إلى الأصل فيها ولو كان نافيا للتكليف.
وكذا فيما إذا نهض الكل (4) على نفيه.
630

وكذا (1) فيما إذا تعارض فردان من بعض الأطراف فيه نفيا وإثباتا (2)
631

مع ثبوت المرجح للنافي (1)، بل (2) مع عدم رجحان المثبت في خصوص (3) الخبر منها، ومطلقا في غيره (4) بناء (5)
632

على عدم ثبوت الترجيح على تقدير (1) الاعتبار في غير (2) الاخبار.
وكذا (3) لو تعارض اثنان منها (4) في الوجوب والتحريم، فان المرجع في جميع ما ذكر من موارد التعارض هو الأصل الجاري فيها و
لو كان نافيا، لعدم (5) نهوض طريق معتبر، ولا ما هو من أطراف العلم به (6) على خلافه، فافهم (7).
633

وكذا (1) كل مورد لم يجر فيه الأصل المثبت، للعلم (2) بانتقاض الحالة السابقة فيه
[1] إجمالا بسبب العلم به أو بقيام أمارة معتبرة عليه (3)

[1] هذه الجملة مستدركة، للاستغناء عنها بقوله: (بسبب العلم به أو بقيام) فكان الأولى برعاية الاختصار أن يقول: (لانتقاض الحالة
السابقة إجمالا بعلم وجداني أو بأمارة معتبرة. إلخ).
634

في بعض أطرافه [1] بناء (1) على عدم جريانه بذلك.
وثانيا (2):

[1] اقتصر المصنف على بيان هذه الموارد الخمسة، وهناك موردان آخران لا بأس بذكرهما:
الأول: محتمل التكليف الذي يعلم بعدم قيام طريق على ثبوته، فإنه خارج أيضا عن الاحتياط الصغير، إذ مورده محتمل الطريقية، و
المفروض عدم احتمال طريق حتى يحتاط فيه.
الثاني: ما إذا قام واحد من الطرق أو أزيد على نفي الحكم، ولم يعلم وجود حجة ولا أصل مثبت في البين، فإنه لا مجال للاحتياط الصغير
فيه، لعدم محتمل الطريقية فيه، لكنه مورد للاحتياط الكلي.
635

لو سلم أن قضيته (1) لزوم التنزل إلى الظن، فتوهم أن الوظيفة حينئذ (2) هو خصوص الظن بالطريق فاسد قطعا، وذلك (3) لعدم كونه
أقرب إلى العلم وإصابة الواقع من الظن بكونه (4) مؤدى طريق (5) معتبر من دون الظن بحجية طريق (6)
636

أصلا ومن الظن بالواقع (1) كما لا يخفى (2).
لا يقال: انما لا يكون (3) أقرب من الظن بالواقع إذا لم يصرف التكليف الفعلي عنه (4) إلى مؤديات الطرق ولو بنحو التقييد [1] 5

[1] لا يخفى أن مقتضى صرف الواقعيات إلى مؤديات الطرق هو حجية
637



الظن بالطريق، والظن بالواقع الذي ظن بأنه مؤدى طريق معتبر.
ثم انه لا بأس ببيان الوجوه المتصورة في جعل الاحكام ونصب الطرق عليها وهي أقسام:
638



أحدها: أن يدور الحكم الواقعي مدار العلم أو الظن به بمعنى أن لا يكون قبلهما حكم، وانما يحدث بالعلم أو الظن به، والمشهور أنه
محال، لاستلزامه الدور، لتوقف الحكم عليهما توقف الحكم على موضوعه، وتوقفهما عليه توقف العارض على معروضه. وقد نوقش فيه
بعدم لزوم الدور، حيث إن متعلق العلم هو ماهية الحكم لا وجوده، لامتناع تقوم العلم بأمر خارج عن أفق النفس، والحكم المترتب على
العلم هو وجوده خارجا. وبعبارة أخرى: متعلق العلم هي الصور الذهنية، لا الأمور الخارجية بشهادة إمكان تعلقه بالمعدومات بل
الممتنعات. وعليه فترتب الحكم خارجا على العلم لا يوجب الدور، إذ المفروض عدم توقف العلم على الحكم الخارجي.
لكنه يندفع بأن المراد بالحكم هو الامر الاعتباري الذي تكوينه إنشاؤه ممن بيده الاعتبار، والحكم بهذا المعنى متقدم على العلم معروضا
ومتأخر عنه طبعا تأخر كل حكم عن موضوعه، وليس هذا الا الدور، لتوقف العلم عليه، إذ بدون تشريعه لا يكون المعلوم حكما، و
المفروض أن هذا الحكم أيضا مترتب على العلم المأخوذ موضوعا له.
ومن هذا البيان يظهر لزوم الخلف أيضا، لان الحكم المعروض للعلم لا بد أن يكون ثابتا لموضوعه المستقل في الموضوعية قبل تعلق
العلم به، فدخل العلم فيه خلف. فالمتحصل: أنه لا دافع للدور.
ثانيها: أن يكون في الواقع أحكام قبل قيام الامارات عليها مطابقة لمؤدياتها سنخا وعددا، حيث إنه سبحانه وتعالى يعلم بتحقق آراء
فيما بعد، فيجعل أحكاما
639



على طبقها قبل تحققها، وهذا هو التصويب الذي يقال انه قام الاجماع والأخبار المتواترة على خلافه.
والفرق بين هذين القسمين - بعد اشتراكهما في ترتب الاحكام الواقعية على تلك الآراء بالطبع والعلية، إذ المفروض تبعية جعل
الاحكام لتلك الآراء في القسم الثاني أيضا وان كان جعلها قبل الآراء زمانا، لكنها متأخرة عنها طبعا - هو: أن جعل الاحكام مترتبة على
الآراء يكون في هذا القسم على نحو القضية الحقيقية، وفي القسم الأول على نحو القضية الخارجية، حيث إن الحكم فيه ينشأ بعد أداء رأي
المجتهد إليه، فتوقف الحكم على العلم أو الظن به هناك من قبيل توقف المشروط على شرطه، وتوقفه عليهما هنا من قبيل توقف
العارض على معروضه.
ثالثها: أن يكون للأحكام ثبوت واقعي من دون توقفها على علم أو ظن أصلا، لكن فعليتها منوطة بقيام الطرق عليها، وهو يتصور على
وجهين:
أحدهما: أن تصرف تلك الأحكام إلى مؤديات الطرق بحيث لو قام طريق على خلافها لسقطت عن الفعلية، فالفرق بينه وبين القسم
الثاني أن الحكم هناك لم يجعل على خلاف مؤدى الطريق، بخلافه هنا، إذ الحكم فيه جعل على خلافه لكنه بقيام الطريق على خلافه سقط
من أصله، لكون مؤدى الطريق ذا مصلحة غالبة على مصلحة الحكم الواقعي، وسقوط المصلحة المغلوبة يقتضي سقوط مقتضاها وهو
الحكم الواقعي. فالقسم الثاني تصويب حدوثا، وهذا الوجه تصويب بقاء.
640

فان الالتزام به (1) بعيد،

ثانيهما: الصرف بنحو التقييد بمعنى كون الأثر من حيث الإطاعة والعصيان مترتبا على الحكم الواقعي بما هو مؤدى الطريق لا بما هو
واقع، فلو لم يقم عليه طريق لم يترتب عليه الأثر المزبور وان كان في وعائه الواقعي ثابتا، فلا تصويب هنا.
والحاصل: أن الحكم الواقعي يقيد موضوعيته للإطاعة والعصيان بقيام الطريق عليه، وليس هذا تصويبا. هذه هي الوجوه المتصورة في
جعل الاحكام الواقعية. والحق أنها غير مقيدة بقيام الطرق عليها لا إنشاء ولا فعلية، بل الطرق لا توجب إلا تنجزها مع الإصابة، والعذر
بدونها بناء على ما هو الحق في حجية الامارات غير العلمية من التنجيز والتعذير كما تقدم في محله.
641

إذ الصرف لو لم يكن تصويبا محالا [1 [1
فلا أقل (2) من كونه مجمعا على بطلانه، ضرورة [2 [3 أن القطع بالواقع يجدي في الاجزاء

[1] ظاهره إرادة كون الصرف المطلق تصويبا محالا، ومع الغض عنه يكفي الاجماع في بطلانه، مع أنه ليس كذلك. أما كون ظاهر
عبارته إرادة الصرف المطلق، فيدل عليه قوله: (ومن هنا انقدح أن التقييد أيضا) وأما عدم كونه محالا، فلان صرف الحكم الواقعي عن
الفعلية بقيام الطريق على خلافه لا يوجب خلو الواقع عن الحكم رأسا حتى يلزم المحال ويصح الغض عنه، فالأولى أن يقال: (إذ الصرف
ولو لم يكن محالا لكنه تصويب مجمع على بطلانه).
[2]
الأولى ذكر هذا التعليل عقيب قوله: (ومن هنا انقدح أن التقييد
642

بما هو واقع لا بما هو مؤدى طريق (1) القطع كما عرفت (2).
ومن هنا (3) انقدح أن التقييد أيضا غير سديد. مع أن الالتزام

أيضا) وذلك لاشتراكه بين التصويب والتقييد، وعدم اختصاصه بالتصويب، فان أجزاء الواقع بما هو واقع بديهي، وذلك ينفي كلا من
التصويب والتقييد.
643

بذلك (1) غير مفيد (2)، فان الظن بالواقع فيما ابتلي به من التكاليف لا يكاد ينفك عن الظن بأنه (3) مؤدى طريق معتبر. والظن
بالطريق ما لم يظن بإصابة الواقع غير مجد (4) بناء على التقييد، لعدم استلزامه الظن
644

بالواقع المقيد (1) به بدونه (2) هذا.
مع (3) عدم مساعدة نصب الطريق [نصبه] على الصرف ولا على
645

التقييد، غايته (1) أن العلم الاجمالي بنصب طرق وافية يوجب انحلال العلم بالتكاليف الواقعية (2) إلى (3) العلم بما هو مضامين الطرق
المنصوبة
646

من التكاليف الفعلية، والانحلال (1) وان كان يوجب عدم تنجز ما لم يؤد إليه الطريق من التكاليف الواقعية، الا أنه (2) إذا كان رعاية
العلم بالنصب لازما (3)، والفرض (4) عدم اللزوم، بل عدم الجواز، وعليه (5) يكون التكاليف الواقعية كما إذا لم يكن (6) هناك علم
بالنصب (7) في كفاية الظن بها حال انسداد باب العلم كما لا يخفى، ولا بد حينئذ (8)
647

من عناية أخرى (1) (×) في لزوم رعاية الواقعيات بنحو من الإطاعة وعدم (2) إهمالها رأسا كما أشرنا (3) إليها. ولا شبهة في أن الظن
بالواقع

(×) وهي إيجاب الاحتياط في الجملة المستكشف بنحو اللم من عدم الاهمال في حال الانسداد قطعا إجماعا بل ضرورة، وهو يقتضي
التنزل إلى الظن بالواقع حقيقة أو تعبدا إذا كان استكشافه في التكاليف المعلومة إجمالا، لما عرفت من وجوب التنزل عن القطع بكل ما
يجب تحصيل القطع به حال الانفتاح إلى الظن به في هذا الحال، وإلى الظن بخصوص الواقعيات التي تكون مؤديات الطرق المعتبرة أو
بمطلق المؤديات لو كان استكشافه في خصوصها أو في مطلقها، فلا يكاد أن تصل النوبة إلى الظن بالطريق بما هو كذلك وان كان
يكفي، لكونه مستلزما للظن بكون مؤداه مؤدى طريق معتبر، كما يكفي الظن بكونه كذلك ولو لم يكن ظن باعتبار طريق أصلا كما لا
يخفى.
وأنت خبير بأنه لا وجه لاحتمال ذلك، وانما المتيقن هو لزوم رعاية الواقعيات في كل حال بعد عدم لزوم رعاية الطرق المعلومة
بالاجمال بين أطراف كثيرة، فافهم.
648

لو لم يكن أولى حينئذ (1) - لكونه أقرب في التوسل به إلى ما به الاهتمام من فعل الواجب وترك [أو ترك] الحرام - من (2) الظن
بالطريق، فلا أقل من كونه (3) مساويا فيما يهم العقل من (4) تحصيل الامن من العقوبة في
649

كل حال (1)، هذا. مع ما عرفت (2) من أنه عادة يلازم الظن بأنه مؤدى طريق [الطريق] وهو بلا شبهة يكفي لو لم يكن هناك ظن
بالطريق، فافهم فإنه دقيق.

[1]
لا يخفى أنه تكرار لما ذكره قبيل هذا. مضافا إلى أن القائل بنصب الطريق ولزوم مراعاته انما يدعي حجية الظن بالطريق وان لم
يكن مستلزما للظن بالواقع، فالظن بالواقع وان كان غير منفك غالبا عن الظن بأنه مما قام عليه الطريق، لكنه غير الظن بالطريق الذي
هو مدعى القائل بحجية الظن بالطريق.
الا أن يقال: انه (قده) ذكر هذا الكلام هناك ليعلل به عدم إفادة الالتزام بالصرف ولو بنحو التقييد، وذكره هنا لبيان كفايته في
الوصول إلى ما اهتم به الشارع، ولذا قال: (مع ما عرفت) فلاحظ.
650

ثانيهما: ما اختص به بعض (1) المحققين،
قال: (لا ريب في كوننا مكلفين بالأحكام الشرعية، ولم يسقط عنا التكليف بالأحكام الشرعية (2) وأن (3) الواجب علينا أولا هو تحصيل
العلم بتفريغ الذمة في حكم المكلف (4)
651

بأن يقطع معه (1) بحكمه بتفريغ ذمتنا عما كلفنا به، وسقوط (2) تكليفنا عنا سواء حصل العلم معه بأداء (3) الواقع أولا (4) حسبما مر
تفصيل القول فيه، فحينئذ نقول: ان صح لنا (5)
652

تحصيل العلم بتفريغ ذمتنا في (1) حكم الشارع، فلا إشكال في وجوبه (2) وحصول البراءة به، وان انسد علينا سبيل العلم كان الواجب
علينا تحصيل الظن بالبراءة في حكمه، إذ (3) هو الأقرب إلى العلم به (4)، فيتعين الاخذ به عند التنزل من العلم في حكم (5) العقل بعد
انسداد سبيل العلم والقطع (6) ببقاء التكليف دون (7) ما يحصل معه الظن بأداء الواقع كما يدعيه القائل بأصالة حجية الظن) انتهى موضع
الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه.
653

وفيه أولا (1): أن الحاكم على الاستقلال في باب تفريغ الذمة بالإطاعة والامتثال انما هو العقل، وليس للشارع في هذا الباب (2) حكم
مولوي يتبعه حكم العقل، ولو حكم في هذا الباب كان بتبع [يتبع] حكمه إرشادا إليه (3)، وقد عرفت (4) استقلاله بكون الواقع
[بما هو]
654

مفرغ [) 1
مفرغا
]
وأن (2) القطع به حقيقة أو تعبدا (3) مؤمن جزما، وأن (4) المؤمن في حال الانسداد هو الظن بما كان القطع به مؤمنا
حال الانفتاح، فيكون الظن أيضا (5) مؤمنا حال الانسداد.
وثانيا: سلمنا ذلك (6)،
655

لكن حكمه بتفريغ الذمة - فيما (1) إذا أتى المكلف بمؤدى الطريق المنصوب - ليس (2) الا بدعوى أن النصب يستلزمه (3)، مع أن دعوى
أن التكليف بالواقع يستلزم حكمه بالتفريغ فيما إذا أتى به أولى (4)
656

كما لا يخفى، فيكون الظن به ظنا بالحكم بالتفريغ أيضا (1).
ان قلت (2): كيف يستلزم [) 3 يستلزمه] الظن بالواقع مع أنه ربما

[1] لعل عدم منع الملازمة بين الظن بالطريق مطلقا وان كان من القياس وبين الظن بالفراغ، لأجل اختصاص عدم حجية القياس في
نفس الاحكام الفرعية بلا واسطة، وعدم شمول النهي عنه لما إذا قام على طريقية شئ، فان كان هذا هو الوجه في عدم منع الملازمة،
ففيه ما لا يخفى، لما يستفاد من النواهي من عدم جواز استعمال القياس في كل ما يتعلق بالشرعيات ولو في أدلتها كأصول الفقه.
657

يقطع بعدم حكمه به معه (1)، كما إذا كان [) 2
إذا ظن بالحكم] من القياس، وهذا (3) بخلاف الظن بالطريق، فإنه يستلزمه (4) ولو كان من القياس.
قلت: الظن بالواقع أيضا (5) يستلزم الظن (×) بحكمه بالتفريغ

(×) وذلك لضرورة الملازمة بين الاتيان بما كلف به واقعا وحكمه بالفراغ، ويشهد به عدم جواز الحكم بعدمه لو سئل عن أن الاتيان
بالمأمور به على وجهه هل هو مفرغ، ولزوم حكمه بأنه مفرغ، وإلا لزم عدم أجزاء الامر الواقعي، وهو واضح البطلان.
658

على الأقوى (1)، ولا ينافي (2) القطع بعدم حجيته (3) لدى الشارع، وعدم كون المكلف معذورا - إذا عمل به (4) فيهما - فيما (5) أخطأ،
بل كان (6) مستحقا للعقاب ولو فيما أصاب لو بنى (7)
659

على حجيته والاقتصار عليه، لتجريه (1)، فافهم (2).
وثالثا (3): سلمنا أن الظن بالواقع لا يستلزم الظن به، لكن قضيته (4)
660

ليس الا التنزل إلى الظن بأنه مؤدى طريق معتبر، لا (1) خصوص الظن بالطريق، وقد عرفت أن الظن بالواقع لا يكاد ينفك عن الظن
بأنه مؤدى الطريق غالبا (2).
661

إلى هنا انتهى الجز الرابع من كتاب (منتهى الدراية في توضيح الكفاية) وأسأله سبحانه وتعالى أن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن
ينفع به إخواننا المحصلين المتقين، وقد وقع الفراغ من تأليفه على يد مؤلفه الأقل محمد جعفر بن محمد علي الموسوي الجزائري
الشوشتري المروج عفا الله عن سيئاتهما، في جوار الروضة الشريفة العلوية على من حل بها وأولاده المعصومين أفضل الصلاة والسلام
والتحية، والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله المعصومين، واللعنة على أعدائهم إلى يوم الدين
662