الكتاب: تهذيب الأصول
المؤلف: تقرير بحث السيد الخميني ، للسبحاني
الجزء: ١
الوفاة: ١٤١٠
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة: الثالثة
سنة الطبع: ١٣٦٧ ش
المطبعة: شركة چاپ قدس
الناشر: انتشارات دار الفكر - قم
ردمك:
ملاحظات: تقريراً لبحث آية الله العظمى السيد روح الله الموسوي الخميني

الجزء الأول
تهذيب الأصول
تقريرا لبحث سيدنا
العلامة الأكبر والأستاذ الأعظم آية الله العظمى
مولانا الامام الحاج آقا روح الله الموسوي الخميني
أدام الله ظله العالي
بقلم
الشيخ جعفر السبحاني التبريزي
تعريف الكتاب 1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلايق أجمعين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد
وآله الطاهرين
اما بعد، فان العلم من أهم البضائع المعنوية، وأعظم الكمالات النفسانية، وقد شرف
علم الفقه من بين ذلك، لاتصاله بالله سبحانه، وحفظه نظام المكلفين بالنسبة إلى معادهم
ومعاشهم جميعا، كما شرف بشرفه علم الأصول لتوقف الفقه والفقاهة عليه، وإنني بامداد
الله سبحانه ممن توفق للغور في هذا الفن والتحرير والدراسة فيه، وقد جعلت، محور
استفادتي في هذا الفن، بحث سيدنا الأستاذ الأكبر، الحاج آغا روح الله الخميني (أدام الله
اظلاله على رؤس المسلمين) فجاء بحمد الله ما كان افاده وألقاه في حوزة درسه، مجتمعا
في هذه الأوراق والصحايف، وبعد ان تم نظامه وتمسك بحمد الله ختامه، طلب منى غير واحد
من الاجلاء الكرام والأصدقاء العظام تزيينه بالطبع والنشر ليعم نفعه ويكثر فيضه،
فأجبت مسؤولهم، وسميته ب‍ (تهذيب الأصول) واسأل الله ان يوفقنا لمراضيه، ويجعل
مستقبل امرنا خيرا من ماضيه
وكتابنا هذا يحتوي مقدمة ومقاصد
تعريف الكتاب 2

مقدمة
قبل الخوض في تحقيق المسائل الأصولية يبحث عن أمور جرت السيرة على البحث عنها
وهي أمور وموضوعات لها ارتباط بالمسائل المعنونة في المباحث الأصولية
الأول في حال العلوم وموضوعها ووحدتها ومسائلها وتميز بعضها عن
بعض وغيرها، فنقول انك إذا تفحصت العلوم المدونة الدائرة بين أبناء عصرنا من علمية
وعملية وحقيقية واعتبارية، يتضح لك تكامل العلوم في عصر بعد عصر من مرتبة ناقصة
إلى مرتبة كاملة بحيث كانت في أول يومها الذي دونت وانتشرت، عدة مسائل متشتة تجمعها
خصوصية كامنة في نفس المسائل، بها امتازت عن سائر العلوم وبها عدت علما واحدا،
فجاء الخلف بعد السلف في القرون الغابرة، وقد أضافوا إليها ما تمكنوا عنه وما طار إليه
فكرتهم، حتى بلغ ما بلغ، بحيث تعد بآلاف من المباحث بعد ما كانت أول نشوها بالغا
عدد الأصابع
وينبئك عن هذا ما نقله الشيخ الرئيس في تدوين المنطق عن المعلم الأول من انا ما
ورثنا عمن تقدمنا في الأقيسة الا ضوابط غير منفصلة واما تفصيلها وافراد كل قياس
بشروطه فهو أمر قد كددنا فيه أنفسنا (وامامك) علم الطب فقد تشعب وانقسم عدة شعبات
من كثرة المباحث وغزارة المسائل حتى أن الرجل لا يتمكن اليوم من الإحاطة بكل مسائله
أوجلها بل يتخصص في بعض نواحيه بعد ما كان جميع مسائله مجتمعا في كتاب وكان من
المرسوم الدائر قيام الرجل الواحد بمداواة جميع الأمراض والعلل (وهذا هو الفقه)
فانظر تطوره وتكامله من زمن الصدوقين إلى عصورنا الحاضرة
ثم إن وحدة العلوم ليست وحدة حقيقة بل وحدة اعتبارية لامتناع حصول الوحدة
الحقيقية التي هي مساوقة للوجود الحقيقي من القضايا المتعددة لان المركب من جزئين أو
اجزاء ليس موجودا آخر وراء ما تركب منه. اللهم إذا حصل الكسر والانكسار، واخذت
الاجزاء صورة علي حده غير موجودة في نفسها وهو الذي يعبر عنه بالمركب الحقيقي
(أضف) إليه ان سنخ وحدة العلم تابع لسنخ وجوده بل عينه على وجه دقيق وليس العلم
الا عدة قضايا متشتة ولهذه المتشتتات ارتباط خاص وسنخية واحدة وخصوصية فاردة،
1

لأجلها قام العقلاء بتدوينها وعدوها شيئا واحدا فهي في عين تكثرها؟ واحد بالاعتبار، و
لأجله تجمع في كتاب أو رسالة لكي يبحث عنه في الجوامع وليس موجودا واحدا مشخصا
وراء الاعتبار فيكون ذا صورة ومادة أو جنس وفصل حتى يتقوم مهيته بالوجود
الحقيقي
ثم إن ما اشتهر في الألسن وتلقاه الاعلام بالقبول من أن قضايا العلوم ليست الا قضايا حقيقية
وان نسبة موضوع المسائل إلى موضوع العلم كنسبة الطبيعي إلى افراده (انما يصح) في بعض
منها كالعلوم العقلية والفقه وأصوله فان غالب قضاياها حقيقية أو كالحقيقية والنسبة ما
ذكروه في جملة من مسائلها دون جميع العلوم، إذ قد يكون قضايا بعض العلوم قضايا جزئية
كالجغرافيا وأكثر مسائل علم الهيئة والتاريخ وتكون النسبة بين موضوع المسائل و
ما قيل إنه موضوع العلم نسبة الجزء إلى الكل، وربما يتفق الاتحاد بين الموضوعين كالعرفان
فان موضوعه هو الله جل اسمه وموضوع جميع مسائله أيضا هو سبحانه وليسا مختلفين
بالطبيعي وفرده والكل وجزئه
وأسوء حالا من هذا ما اشتهر من أن موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية
سواء فسرت بما نقل عن القدماء أو بما عن بعض المتأخرين بأنها ما لا يكون لها واسطة في
العروض، إذ هو ينتقض بعلمي الجغرافيا والهيئة وما شابههما مما يكون النسبة بين الموضوعين
نسبة الكل إلى اجزائه فان عوارض موضوعات مسائلها لا تصير من العوارض الذاتية
لموضوع العلم على التفسيرين الا بنحو من التكلف، ضرورة ان عارض الجزء وخاصته عارض
لنفس الجزء الذي هو قسمة من الكل ومتشعب عنه، لا لنفس الكل الذي تركب منه ومن
غيره! اللهم إذا تشبث القائل بالمجاز في الاسناد!
واعطف نظرك إلى علم الفقه فتراه ذا مسائل ومباد مع أن البحث عنها ليس بحثا عن
الاعراض فضلا عن كونها اعراضا ذاتية، إذ الأحكام الخمسة ليست من العوارض بالمعنى
الفلسفي (أولا) اللهم الا ان تعمم الاعراض للمحمولات الاعتبارية بضرب من التأويل، ولو سلم
كونها اعراضا في حد نفسها فليست اعراضا ذاتية لموضوعات المسائل (ثانيا) إذ الصلاة بوجود
ها الخارجي لا تكاد تتصف بالوجوب لان الخارج أعني اتيان المأمور به ظرف السقوط بوجه
لا العروض، ولا بوجودها الذهني لظهور عدم كونه هو المأمور به وعدم كون المكلف قادرا
2

على امتثال الصورة العلمية القائمة بنفس المولى! والقول بكون المهية معروضة لها مدفوع
بان الوجدان حاكم، على عدم كونها مطلوبة بل معنى وجوبها ان الامر نظر إلى المهية
وبعث المكلف إلى ايجادها فيقال ان الصلاة واجبة من غير أن يحل فيها شئ و
يعرضها عارض!
وهناك مشكلة أخرى وهو ان القوم قد التزموا عدا بعض المحققين من متأخريهم
على وجود موضوع للعلم ينطبق على موضوعات المسائل وربما يتمسك في اثباته بقاعدة
الواحد، التي لا يكاد يخفى بطلان التمسك بها هنا على من له أدنى المام بالعلوم العقلية
إذ هي تختص بالبسيط الحقيقي ولا تجرى في مثل العلوم التي هي قضايا كثيرة يترتب على
كل قضية فائدة غير ما يترتب على الأخرى وإن كان بين الفائدتين وحدة وربط بالسنخ! مع أن
حديث تأثير الجامع إذا اجتمعت المؤثرات على اثر واحد قول فاسد لا ينطبق الا على
قول الرجل الهمداني
وان شئت قلت إن السبر والتتبع في العلوم ناهض على خلاف ما التزمواه إذ العلوم
كما سمعت لم تكن الا قضايا قليله قد تكملت بمرور الزمان فلم يكن الموضوع عند المؤسس
المدون) مشخصا حتى يجعل البحث عن أحواله وما تقدم من علم الجغرافيا أصدق شاهد إذ
العلم بأوضاع الأرض من جبالها ومياهها وبحارها وبلدانها لم يتيسر الا بمجاهدة الرجال
قد قام كل على تأليف كتاب في أوضاع مملكته الخاصة به حتى تم العلم ولم يكن الهدف
في هذا البحث لدى هؤلاء الرجال العلم بأوضاع الأرض حتى يكون البحث
عن أحوال مملكته بحثا عن عوارضها، ونظيره علم الفقه فلم تكن الفقيه الباحث لدى
تأسيسه ناظرا ولاحظا فعل المكلف حتى يجعله موضوعا لما يحمله عليه وما يسلبه عنه مع أن
ما تخيلوه موضوعا للعلم لا ينطبق على أكثر مسائل باب الضمان والإرث والمطهرات
والنجاسات وساير الأحكام الوضعية مما هي من الفقه بالضرورة كما أن ما تصوره موضوعا
للفن الاعلى لا يطرد لاستلزامه خروج مباحث المهيات، التي هي من أدق مسائله عنه و
نظيرها مباحث كيفية المعاد والاعدام والجنة والنار والقول بالاستطراد أو التمسك بما ذكره
بعض الأكابر غير تام مع أن القضايا السلبية التحصيلية موجودة في مسائل العلوم وهي
لا تحتاج إلى وجود الموضوع ولم تكن احكامها من قبيل الاعراض للموضوعات بناء على التحقيق
3

فيها من كون مفادها سلب الربط فتلخص ان الالتزام بأنه لابد لكل علم من موضوع جامع
بين موضوعات المسائل ثم الالتزام بأنه لابد من البحث عن عوارضه الذاتية ثم ارتكاب
تكلفات غير تامة لتصحيحه والذهاب إلى استطراد كثير من المباحث المهمة التي تقضى
الضرورة بكونها من العلم مما لا أرى وجها صحيحا له ولا قام به برهان بل البرهان على خلافه
في تمايز العلوم
كما أن منشأ وحدة العلوم انما هو تسانخ القضايا المتشته التي يناسب بعضها
بعضا فهذه السنخية والتناسب موجودة في جوهر تلك القضايا وحقيقتها ولا تحتاج
إلى التعليل (كذلك) تمايز العلوم واختلاف بعضها يكون بذاتها فقضايا كل علم مختلفة
ومتميزة بذواتها عن قضايا علم آخر من دون حاجة إلى التكلفات الباردة اللازمة من كون
التميز بالموضوع وقد عرفت عدم الحاجة إلى نفس الموضوع فضلا عن كون التميز به،
أو كون التميز بالاغراض وهو أيضا سخيف إذ الغرض سواء كان غرض التدوين أم التعلم
متأخر عن نفس المسائل، إذ هي فوائد مترتبة عليها فيكون التميز بنفس المسائل في
الرتبة السابقة! وعليك بالاختبار أترى التناسب الواقع بين مرفوعية الفاعل ومنصوبية
المفعول موجودا بين واحد منها وبين المسائل الرياضية أو العقلية وهكذا مباحث
سائر العلوم التي بأيدينا فنرى جهة التوحد والتميز هو تسانخ القضايا وتمايزها بالطبع!
وتداخل العلوم في بعض المسائل لا يوجب أن يكون التميز بالاغراض، إذ كل علم مركب
من قضايا كثيرة وأكثر مسائله ممتاز غير متداخل فيه ولكنه في بعضها ولعله القليل
متحد ومتداخل، وعليه فهذا المركب بما انه مركب وواحد اعتباري مختلف ومتميز أيضا
بذاته عن غيره، لاختلاف أكثر اجزاء هذا المركب مع اجزاء ذاك المركب وان اتحد في
بعض، ولكن النظر إلى المركب بنظر التركب والمركب بما هو كك ممتاز عن غيره،
وان اشترك معه في بعض الاجزاء
وبذلك يتضح ان أكثر المباحث العقلية أو اللفظية التي يكون البحث فيها أعم لا بأس
بان يعد من المسائل الأصولية إذا اشترك مع سائر مسائل الأصولي في الخصوصية التي بها
عدت علما واحدا فالمسألة المتداخلة قضية واحدة لها سنخية مع هذا المركب وذلك
المؤلف ويكون أدبية لحصول ما يبتغيه الأديب من تأسيس قاعدة لفهم كلام العرب
4

وأصولية يطلبها الأصولي لفهم كلام الشارع
بقى الكلام في تعريفه
وفيه تحديد مسائل الأصول - التعاريف المتداولة في السنة القوم لا يخلو واحد
منها من اشكال طردا وعكسا وأشهرها انه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية
الفرعية من أدلتها التفصيلية وأورد عليه بخروج الظن على الحكومة والأصول العملية في
الشبهات الحكمية وقد عدل المحقق الخراساني إلى تعريفه بأنه صناعة يعرف بها القواعد
التي يمكن ان تقع في طريق استنباط الاحكام أو التي ينتهى إليها في مقام العمل و
يمكن أن يكون التعبير بالصناعة لأجل انه من العلوم العملية كالهندسة العملية وكالمنطق
أو للإشارة بكونه آلة بالنسبة إلى الفقه كالمنطق بالنسبة إلى الفلسفة
وظني ان هذا التعريف أسوء التعاريف المتداولة لأنه لا ينطبق الا على مبادئ
المسائل لان ما يعرف به القواعد الكذائية هو مبادئ المسائل ولم يذهب أحد إلى أن
العلم هو المبادئ فقط بل هو اما نفس المسائل أو هي مع مباديها، هذا مضافا إلى دخول
بعض القواعد الفقهية فيه، اللهم الا ان يراد بالصناعة العلم الالى المحض ويرد الاشكال
الأخير على تعريف بعض الأعاظم من أنه عبارة عن العلم بالكبريات التي لو انضمت إليها
صغرياتها يستنتج منها حكم فرعي كلي وقد تصدى لدفع الاشكال في أوائل الاستصحاب
بما لا يخلو من غرابة فراجع، ويتلوه في الضعف ما ذكره بعض المحققين من أن المدار
في المسألة الأصولية على وقوعها في طريق الاستنباط بنحو يكون ناظرا اما إلى اثبات
نفس الحكم أو إلى كيفية تعلقه بموضوعه وان المسائل الأدبية لا تقع الا في استنباط
موضوع الحكم من غير نظر إلى كيفية تعلقه عليه وليت شعري أي فرق بين مبحث
المشتق ودلالة الفعل على الاختيار وما ضاهاهما من الأبحاث اللغوية، وبين مبحث مفاد
الامر والنهى وكثير من مباحث العام والخاص التي يبحث فيها عن معنى الكل والألف
واللام بل المفاهيم مطلقا، حيث اخرج الطائفة الأولى وادخل الثانية مع أن كلها من
باب واحد تحرز بها أوضاع اللغة وتستنتج منها كيفية تعلق الحكم بموضوعه، مضافا إلى
ورود القواعد الفقهية عليه أيضا
ويمكن ان يقال بأنه هو القواعد الالية التي يمكن ان تقع في كبرى استنتاج
5

الاحكام الكلية الفرعية الإلهية أو الوظيفة العملية، فيخرج بالآلية القواعد الفقهية فان المراد
بها كونها آلة محصنة ولا ينظر فيها بل ينظر بها فقط والقواعد الفقهية ينظر فيها فتكون
استقلالية لا آلية، لان قاعدة ما يضمن وعكسها حكم فرعى الهي منظور فيها على فرض ثبوتها
وقواعد الضرر والحرج والغرر كذلك فإنها مقيدات للأحكام بنحو الحكومة، فلا
يكون آلية لمعرفة حال الاحكام واما خروج بعض الأصول العملية فلا غرو فيه على فرضه
وانما قلنا يمكن ان تقع لان مناط الأصولية هو الامكان لا الوقوع الفعلي فالبحث عن حجية
القياس والشهرة والاجماع المنقول بحث أصولي، وخرج مباحث سائر العلوم بقولنا نقع كبرى
ولم نقيد الاحكام بالعملية، لعدم عملية جميع الأحكام كالوضعيات وكثير من مباحث الطهارة
وغيرها، وإضافة الوظيفة لادخال مثل الظن على الحكومة، ولم نكتف بأنه ما يمكن
ان تقع كبرى استنتاج الوظيفة لعدم كون النتيجة وظيفة دائما كالأمثلة
المتقدمة و انتهائها إلى الوظيفة غير كونها وظيفة، ثم إن المسائل المتداخلة بين هذا
العلم وغيره ككثير من مباحث الألفاظ مثل ما يبحث فيه عن الأوضاع اللغوية كدلالة طبيعة
الامر على الوجوب والنهى على الحرمة ودلالة أداة الحصر على مدلولها و كمداليل
المفردات والمركبات، يمكن ادخالها فيه وتمييزها عن مسائل سائر العلوم بكونها آلة
محضة فالأصولي يبحث عنها بعنوان الالية والوقوع في كبرى الاستنتاج وغيره بعنوان الا
استقلالية أو لجهات آخر ويمكن الالتزام بخروجها وانما يبحث الأصولي عنها لكونها كثير
الدوران في الفقه ولذا لم يقتنع بالبحث عنها في بعض مباحث الفقه والامر سهل
القول في الوضع
ان من العسير جدا تحليل أصول الألسنة المتنوعة المنتشرة في ارجاء الدنيا واطراف
العالم، والذي يمكن الاعتماد عليه ويؤيده العلم والتجربة هو تكامل الانسان قرنا بعد
قرن في شؤونه واطواره، في عيشته وحياته، وفيما يرجع إليه من النواحي الاجتماعية
والمدنية، بعد ما كان خلوا من هذه الجهات الحيوية.
ومن تلك النواحي تكثر لسانه وتزايد افراده، بل توسع لسان واحد على حسب
مرور الزمان، ووقوفه اما تنوع الموجودات والمصنوعات - فاللسان الواحد كالعربي
أو العبري لم يكن في بدء نشأته الا عدة لغات معدودة تكملت على حسب وقوفهم على الأشياء
6

، مع احتياجهم أو اشتياقهم إلى اظهار ما في ضمائرهم إلى أن بلغت حدا وافيا، كما هو
المشاهد، من المخترعين وأهل الصنعة في هذه الأيام - نعم تنوع افراده انما هو لأجل تباعد
الملل وعدم الروابط السهلة بين الطوائف البشرية فاحتاج كل في افهام مقاصده إلى وضع
ألفاظ وتعيين لغات
وعليه فليس الواضع شخصا واحدا معينا بل أناس كثيرة وشر ذمة غير قليلة على
اختلافهم في العصور وتباعدهم في الزمان.
وما عن بعض الأشاعرة من أن الواضع هو الله تعالى، وقد الهم بها أنبيائه وأوليائه مستدلا
بلزوم العلاقة بين الألفاظ ومعانيها دفعا للترجيح بلا مرجح، وامتناع إحاطة البشر على
خصوصيات غير متناهية، غير مسموع إذ المرجح لا ينحصر في الرابطة بين اللفظ والمعنى
بل قد يحصل الترجيح بأمور اخر كسهولة أدائه أو حسن تركيبه أو غير ذلك، على أن
الامتناع مسلم لو كان الواضع شخصا معينا محدودا عمره ووقته.
ثم إن دعوى وجود المناسبة الذاتية بين الألفاظ ومعانيها كافة قبل الوضع
مما يبطله البرهان المؤيد بالوجدان - إذ الذات البحت البسيط الذي له عدة أسماء متخالفة
من لغة واحدة أو لغات اما أن يكون لجميعها الربط به أو لبعضها دون بعض أو لا ذا ولا ذاك
- فالأول يوجب تركب الذات وخروجه من البساطة المفروضة، والأخيران يهدمان أساس
الدعوى، والتمسك بأنه لولا العلاقة يلزم الترجيح بغير المرجح. قد عرفت جوابه وان الترجيح
قد يحصل بغير الربط، واما حصوله بعد الوضع فواضح البطلان، لان تعيين لفظ لمعنى
لا يصير علة لحصول علاقة واقعية تكوينية إذ الاعتبار لا يصير منشأ لحصول أمر واقعي حقيقي
، والانتقال إلى المعنى اما لأجل بناء المستعملين على كون استعمالهم على طبق الوضع، أو لجهة
الانس الحاصل من الاستعمال، وما ربما يقال من أن حقيقة الوضع لو كانت اعتبارية
ودائرة مدار الاعتبار، يلزم انعدام هذه العلقة بعد انقراض المعتبرين وهلاك الواضعين
والمستعملين، فلا ضير في الالتزام به - إذ هذا هو الفرق بين القوانين الحقيقية الفنية،
كقانون الجاذبة وسير النور وأوزان الأجسام، وبين الاعتبارية، كقانون الازدواج
والنظام - فان الأولى ثابتة محققة، كشفت أو لا، لوحظ خلافها أم لم يلحظ بخلاف الثانية
فان سيرها وأمد عمرها مربوط بامتداد الاعتبار - فاللغات المتروكة البائد أهلها، المقبورة
7

ذواتها وكتبها، مسلوبة الدلالة، معدومة العلقة، كقوانينها الاعتبارية.
(واما حقيقة الوضع،) فهي على ما يظهر من تعاريفها عبارة عن جعل اللفظ للمعنى
وتعيينه للدلالة عليه، - وما يرى في كلمات المحققين من التعبير بالاختصاص أو التعهد،
فهو من آثار الوضع ونتائجه، لا نفسه
واما ما أقيم عليه من البرهان من أنه لا يعقل جعل العلاقة بين أمرين لا علاقة بينهما وانما
المعقول هو تعهد الواضع والتزامه بأنه متى أراد افهام المعنى الفلاني تكلم بلفظ كذا، فهو حق
لو كان الوضع ايجاد العلاقة التكوينية، واما على ما حققناه من أنه تعيين اللفظ للمعنى فهو بمكان
من الامكان بل ربما يكون الواضع غافلا عن هذا التعهد كما يتفق أن يكون الواضع غير
المستعمل بان يضع اللفظ لأجل ان يستعمله الغير، وبه يتضح بطلان تقسيمه إلى التعييني
والتعيني، لان الجعل والتعيين الذي هو مداره، مفقود فيه
(الأمر الثالث) - ينقسم الوضع على حسب التصور، إلى عموم الوضع والموضوع له،
وخصوصهما، وعموم الأول فقط، وعموم الثاني كذلك - وربما يسلم امكان القسم الثالث
دون الرابع، بزعم ان العام يمكن أن يكون وجها للخاص وآلة للحاظ افراده وان معرفة وجه
الشئ معرفته بوجه، بخلاف الخاص فلا يقع مرآتا للعام ولا لسائر الافراد لمحدوديته - (قلت)
الحق انهما مشتركان في الامتناع على وجه والامكان على نحو آخر، إذ كل مفهوم لا يحكى
الا عما هو بحذائه ويمتنع أن يكون حاكيا عن نفسه وغيره، والخصوصيات وان اتحدت
مع العام وجودا الا انها تغايره عنوانا وماهية - فحينئذ إن كان المراد من لزوم لحاظ الموضوع
له في الأقسام هو لحاظه بما هو حاك عنه ومرآة له فهما سيان في الامتناع، إذا العنوان
العام كالانسان لا يحكى الاعن حيثية الانسانية دون ما يقارنها من العوارض والخصوصيات
لخروجها من حريم المعنى اللابشرطي، والحكاية فرع الدخول في الموضوع له، وإن كان
المراد من شرطية لحاظه هو وجود أمر يوجب الانتقال إليه فالانتقال من تصور العام إلى
تصور مصاديقه أو بالعكس بمكان من الامكان - والظاهر كفاية الأخير بان يؤخذ العنوان
المشير الاجمالي آلة للوضع لافراده، ولا يحتاج إلى تصورها تفصيلا، بل ربما يمتنع
لعدم تناهيها.
وبذلك يظهر ضعف ما عن بعض الأفاضل من أن الطبيعة كما يمكن ان تلاحظه
8

مهملة جامدة يمكن لحاظها سارية في افرادها مندرجة في مصاديقها، وعليه تكون عين
الخارج ونفس المصاديق ضرورة اتحاد الماهية والوجود في الخارج، والانفصال انما هو
في الذهن، فتصح مرآتيتها للافراد - إذ الاتحاد الخارجي لا يصحح الحكاية والا لكانت
الاعراض حاكية عن جواهرها، ومن الواضح ان المشخصات غير داخلة في مفهوم العام
فكيف يحكى عنها، والحكاية تدور مدار الوضع والدخول في الموضوع له.
(ثم) ان هناك قسما خامسا بحسب التصور وإن كان ثبوته في محل المنع، وهو ان
عموم الموضوع له قد يكون بوضع اللفظ لنفس الطبايع والماهيات كأسماء الأجناس فإنها
موضوعة لما هو عام بالحمل الشايع من دون اخذ مفهوم العموم فيه، والا يلزم التجريد
والتجوز دائما لكونها بهذا القيد أبية عن الحمل واخرى يكون الموضوع له هو العام
بما هو عام كما أنه في الخاص كذلك دائما إذا الموضوع له هو الخاص بما هو خاص
نقل وتنقيح
ان بعض المحققين من المشايخ ذهب إلى أن لعموم الوضع والموضوع له معنى آخر،
وملخص ما افاده هو ان للطبيعي حصصا في الخارج متكثرة الوجود ولها جامع موجود
في الخارج بالوجود السعي ملاصقا للخصوصيات واحدا بالوحدة الذاتية بدليل انتزاع مفهوم
واحد منها، ولامتناع تأثير العلتين في معلول واحد - وللصور الذهنية أيضا جامع كذلك والا لم
تكن تام الانطباق على الخارج، ولازم ذلك عدم تحقق المعنى المشترك في الذهن إلا في
ضمن الخصوصيات (فح) يمكن ملاحظة هذه الجهة المتحدة السارية في الخصوصيات،
المطابقة لما في الخارج بتوسيط معنى اجمالي فيوضع اللفظ لها لا للخصوصيات في قبال وضعه
للجامع المجرد عنها، وهذا أيضا من قبيل الوضع العام والموضوع له كذلك ولكن لازمه
انتقال النفس في مقام الاستعمال إلى صور الافراد: ولا ينافي هذا كون الطبيعي بالنسبة
إلى الافراد كالاباء إلى الأولاد.
(وأنت خبير) بان نخبة المقال في تحقيق الوجود الطبيعي وكيفية وجوده وتكثره
بتكثر الافراد وان ما ينال العقل من الطبيعي من كل فرد مغاير من كل ما يناله من فرد آخر
عددا: وإن كان عينه سنخا، لا بدان يطلب من محل آخر ولكن عصارة ذلك هو:
ان كل فرد من افراد أي كلي فرض فهو مشتمل على تمام حقيقة كليه وطبيعيه، فكل
9

فرد يتحقق فيه الطبيعي بتمام اجزائه. فإذا انسانية زيد غير انسانية عمرو وهكذا سائر
الافراد فكل فرد انسان تام بنفسه والسر في ذلك ان الماهية اللابشرط كمفهوم الانسان
توجد في الخارج بنعت الكثرة وتنطبق على آلاف من المصاديق كل واحد منها حائز
حقيقة تلك الماهية بتمام ذاتها - (نعم) العقل بعد التجريد وحذف المميزات والمشخصات
يجد في عالم (الذهن) منها شيئا واحدا وحدة ذاتية نوعية، وهى لا تنافي الكثرة العددية في
وعاء الخارج وهذا هو مراد من قال إن للماهية نشأتين، نشاة خارجية هي نشأة الكثرة
المحضة ونشأة عقلية وهى نشأة الوحدة النوعية، وان الطبيعي مع افراده كالاباء مع
الأولاد ولكن ما ذكره المحقق المذكور قدس سره صريح في أن الكلى الطبيعي أمر واحد
جامع موجود في الخارج بنعت الوحدة ينتزع منه المفهوم الكلى - وهو وان فر عن ذلك
قائلا بان الحصص متكثرة الوجود لئلا يلزم الوحدة العددية للطبيعي، ولكن التزامه
بالجامع الموجود في عالم الخارج بالوجود السعي الذي جعله منشأ لانتزاع المفهوم
الواحد أعني مفهوم الطبيعي، يوهم أو يصرح بخلافه وينطبق لما ينسب إلى الرجل
الهمداني القائل بوجود الطبيعي في الخارج بالوحدة الشخصية - إذا القول بوجود
الجامع الخارجي بنعت الوحدة يساوق كونه موجودا بالوحدة العددية.
هذا واعطف نظرك إلى ما اقامه برهانا لما اختاره، اما ما ذكره من قضية عدم
انتزاع مفهوم واحد الا عن منشأ واحد، ففيه انه لا يثبت أن يكون في الخارج أمر واحد
موجود بنعت الوحدة بل يجامع ما أسمعناك من تجريد الافراد عن اللواحق أيضا، فعند
ذلك ينال العقل من كل فرد ما ينال من الاخر، إذا التكثر ناش عن ضم المشخصات فعند
حذفها لا مناص عن التوحد في الذهن - واماما ذكره من أن الجامع هو المؤثر عند اجتماع
العلل على معلول واحد، فالظاهر أنه جواب عما ربما يورد على القاعدة المسلمة في
محلها من أنه لا يصدر الواحد الاعن الواحد، حيث ينتقض ذلك بالبنادق المؤثرة في
قتل حيوان وباجتماع عدة اشخاص لرفع حجر عظيم - فيجاب بان المؤثر في أمثال هذه
الموارد هو الجامع الموجود بين العلل.
ولكن الاشكال والجواب لم يصدر الا عمن لم يقف على مغزى القاعدة ومورد ثبوتها
ولم ينقح كيفية تعلق المعلول بالعلة في الفاعل الإلهي، أعني مفيض للوجود ومعطى
10

الهوية، إذ أصحاب التحقيق في هاتيك المباحث خصصوا القاعدة، تبعا لبرهانها؟ بالواحد
البحت البسيط من جميع الجهات، والمتكثرات خصوصا العلل المادية أجنبية عنها فلا
حاجة إلى دفع نقوضها. مع أنها واضحة الفساد لدى أهله
أضف إلى ذلك ان الواحد بالنوع والذات، أعني المفهوم لا يمكن أن يكون مؤثرا
ولا متأثرا الا بالعرض، بل المؤثر والمتأثر هي الهوية الوجودية الواحدة بالوحدة الحقيقة
و ح فالحق الصراح هو امتناع. وجود الجامع بما هو جامع في الخارج والذهن كليهما بعد
ما عرفت من أن الوجود مدار الوحدة وهو لا يجتمع مع الجامعية والكلية - نعم تصوير
اخذ الجامع انما هو من ناحية تجريد الافراد عن الخصوصيات كما سبق وسيوافيك تفصيل
القول في هذه المباحث عند التعرض بمتعلق الأوامر (فارتقب حتى حين)
هذا ولو سلمنا وجود ما تصور من الجامع أو فرضنا وضع اللفظ له، لكنه لا يوجب
احضار الخصوصيات في الذهن بعد فرض وضع اللفظ لنفس الجامع اللابشرط الموجود
بالوجود السعي، ولصوقه بها واتحاده معها في الخارج لا يوجب احضارها بلفظ لم يوضع لها،
ولو كان مجرد الاتحاد الخارجي كافيا في الاحضار لكفى فيما إذا كان اللفظ موضوعا
لنفس الماهية مع قطع النظر عن وجودها السعي، لأنها متحدة معها خارجا ولو
بنعت الكثرة
(وهم ودفع)
اما الأول فهو انه قد يتخيل امتناع عموم الوضع مطلقا، لان الملحوظ بعد تنوره بنور
الوجود في أفق الذهن لا محالة يصير جزئيا ذهنيا مشخصا علميا، فان الوجود يساوق
الوحدة، وغفلة اللاحظ عن لحاظه وقطع نظره عن تشخصه لا يوجب انقلاب الجزئي كليا.
واما الثاني فهو ان المراد من الملحوظ، ما هو ملحوظ بالعرض لا ما بالذات ولا
طريق لنا إليه الا بالماهية الملحوظة كذلك، والملحوظية بالعرض كافية في الوضع
وفي صيرورته عاما وخاصا، والا لصار الوضع للخارجيات ممتنعا كلية، لعدم نيل النفس
إياها الا بواسطة الصورة الملحوظة بالذات، كما أنه لا يمكن لها النيل لنفس الماهية المعراة
عن جميع الخصوصيات حتى عن كونها ملحوظة في الذهن الا بواسطة فرد ذهني يشير به
إليها وهذا هو الحال في الاخبار عن المعدوم المطلق بأنه لا يخبر عنه وعن شريك الباري
11

بأنه ممتنع.
الأمر الرابع
لا اشكال عندهم ولا خلاف في تحقق عموم الوضع والموضوع له وخصوصهما في
الخارج، ومثلوا للأول بأسماء الأجناس وللثاني بالأعلام - ولكن في النفس من التمثيل
بالأعلام للثاني شيئا، إذ لو كانت موضوعة لنفس الخارج والهوية الوجودية، لزم أن يكون
قولنا زيد موجود قضية ضرورية، ومن قبيل حمل الشئ على نفسه، ومجازية قولنا زيد معدوم
أو زيد اما موجود واما معدوم، لاحتياجها إلى عناية التجريد، مع انا لا نجد الفرق بينها و
بين ما إذا كان المحمول لفظ قاعد أو قائم والذي يناسب الارتكاز هو القول بكونها
موضوعة لمهية لا تنطبق الاعلى فرد واحد! لا للماهية المنطبقة على الكثيرين ولا للفرد
المشخص، وعلى هذا الارتكاز جرت سيرة العوام في الاخبار عن معدومية المسميات
في زمان وموجوديتها في زمان آخر ويقال لم يكن زيد في ذلك الزمان بل وجد بعده
فيستكشف ان الوضع لم ينحدر على الهوية الوجودية بل على ماهية مخصصة بإضافات
كثيرة وحدود وافرة، ولو ارتكازا، لينطبق على المشخص المعين.
واما القسم الثالث أعني عموم الوضع وخصوص الموضوع له فقد مثلوا له
بالحروف فلنبدأ بتحقيق معانيها حتى تتضح كيفية وضعها، فنقول: انك إذا أمعنت النظر
ولاحظت الموجودات من شديدها إلى ضعيفها ترى بعين الدقة انقسام الموجودات
الامكانية إلى أقسام وشعب، (فمنها) ما هو تام ماهية ووجودا، أي يوصف حقيقتها و
يدرك جوهرها مستقلة في المدارك العقلية بلا توسيط شئ، كما أنه يتحقق ويحصل في
الأعيان كذلك من دون ان يعتمد على شئ أو يحصل في موضوع، كالجواهر بأنواعها العالية
والسافلة ويغبر عنه بالموجود لنفسه وفي نفسه، (ومنها) ما هو تام ماهية ومفهوما ويتصور
ماهية العقلانية في نشئة الذهن بحيالها ولا يحتاج في الحديد إلى أمر آخر، ولكنه غير
تام وجودا ولا يمكن ان يتحقق في نفسه مستقلا! ولا ان يشغل الأعيان الا بالحصول في
موضوع والعروض على معروض، كالاعراض بأسرها (ومنها) ما هو قاصر في كلتا النشأتين
فلا يحصل في الذهن الا تبعا وتطفلا للغير، ولا يوجد في الخارج الا مندكا في طرفيه،
كالنسب والإضافات، والوجودات الرابطة، فان لها محكيات ومسميات في الخارج لا تخرج
12

من حدود الوجود ولها حظ منه، تجد جميع هذه في قولنا: الجسم له البياض، فان محكى
الجسم والبياض غير حصول البياض للجسم، وحصوله للجسم ليس كلا حصوله ووقوع زيد
في الدار ليس كلا وقوعه - نعم ليس لهذا القسم الأخير ماهية معقولة مستقلة، بان يدرك ما هو
ربط بالحمل الشايع من دون ادراك الأطراف، كما أن موجوديته أيضا بعين موجودية
الطرفين.
واما مفهوم الربط والنسبة التي تدرك مستقلة فليس نسبة ولا ربطا الا بالحمل
الأولى الذاتي لا بالحمل الشايع، إذ للعقل ان ينتزع منها مفهوما مستقلا يجعله حاكيا
عن الروابط الحقيقية ومشيرا إليها بنحو ما الحكاية والإشارة، لا كحكاية الماهية عن
مصداقها، إذ لا يمكن استحضار حقائق النسب في الذهن بذاتها بتوسط هذه العناوين
ولا يتعقل ذواتها بنحو استقلال لا بالذات ولا بالعرض، إذ المفروض ان حقيقتها عين
الربط بالطرفين والفناء والاندكاك فيهما فلا يمكن الاستحضار الا تبعا لهما كما لا يوجد في
وعاء الخارج الا كذلك.
وان شئت قلت: ان الفرق بين القضية المعقولة وما تنطبق عليه خارجا ليس الا باختلاف
الموطن، بحيث لو أمكن قلب أحدهما إلى الاخر لحصل التطابق بلا زيادة ونقصان، فح
فكما ان الربط التكويني بين الجواهر والاعراض انما هو بوجود النسب والوجودات
الرابطة بحيث لولاها لا يستقل كل في مكانه، ولم يكن زيد مثلا مرتبطا بالدار ولا الدار
مرتبطة بزيد، فكذلك حال المعقولات فإنه لا يلتئم الجواهر المعقولة مع الاعراض في الذهن
الا ببركة النسب والإضافات الذهنية
والحاصل انه قد يكون المعقول منا مطابقا لما في الخارج كما إذا تصورنا الجسم
والبياض مرتبطا وجود أحدهما بالآخر، من دون أن يكون لهذا الارتباط صورة مستقلة،
ففي هذا النحو من التعقل يكون حقيقة الربط والنسبة متحققين في الذهن كتحققهما في
الخارج، أعني مندكا في الطرفين وقد يكون المعقول منا مخالفا لما في العين كما إذا
تعقلنا مفهومي الانسان والدار ومفهوم الربط بالحمل الأولى فيكون الكل مفاهيم مفردة
استقلالية لا يرتبط بعضها ببعض - هذا حال العين والذهن مع قطع النظر عن الواضع
والدلالة، واما بالنظر إليهما فان أراد المتكلم ان يحكى عن ارتباط الجواهر بالاعراض
13

في الخارج أو عن الصورة المعقولة المرتبط بعضها ببعض لا محيص له الا بالتشبث بأذيال
الحروف والهيئات، فلو تكلم موضعها بألفاظ مفردة اسمية، من الابتداء والانتهاء والربط،
لا يكون ح حاكيا عن نفس الامر ولم ينسجم كلماته - وبالجملة لولا محكيات الحروف
ومعانيها لم يرتبط الجواهر باعراضها في الخارج ولا الصور المعقولة الحاكية عن الخارج
بعضها ببعض، ولولا ألفاظها لم يرتبط الكلمات ولم تحصل الجمل
والخلاصة ان حصول الربط بها ليس معناه انها موضوعة لإيجاد الربط فقط كما سيجيئ
نقله، بل حصوله انما هو لأجل حكايتها عن معان خاصه مختلفة مندكة فانية، من الابتداء
والانتهاء والاستعلاء والحصول الاليات التي بها حصل الربط في الخارج وفي وعاء
التكوين، فأوجب حكاية هذه المعاني المختلفة بألفاظ مخصوصة، الربط في الكلام
وانسجام الجمل فتدبر
(تتميم)
ما ذكرنا من كون الحروف حاكيات عن معان مختلفه، هي بنفسها عين الربط
والتدلي، مع اختلافها في المفهوم ليس حكما كليا، إذ بعض منها ليس من شأنه الحكاية
عن معنى واقع في الخارج، بل هو موجود لمعناه حال التكلم به وليس له واقع يطابقه أولا، وذلك
كحروف القسم والتأكيد والتحضيض والردع، فإنها وضعت آلة لإيجاد معانيها في وعاء
صدورها من قائلها من دون حكاية عن واقع محفوظ مع صرف النظر عن ظرف التكلم -
فاتضح من ذلك ان الحروف على قسمين، حاكيات وايجاديات، وقد عرفت ان حكاية القسم
الأول عن معان واقعة في الخارج غير مناف لايجادها الربط في الكلام، كما أن ايجاد
الثاني لمعان متنوعه من القسم والتحضيض يجتمع مع ايجادها الربط الكلامي، فاذن
ايجاد الربط في الجمل انما هو بركة المعاني المختلفة محكية كانت أو موجدة.
فالآن حان حين التنيه على كلمة صدرت عن بعض الأعاظم وعلى ما فيه، حيث
قال بعد تقسيم المعاني إلى اخطارية وهى معاني الأسماء، وايجادية. ان معاني الحروف
كلها ايجادية حتى ما أفاد منها النسبة، لان شأن أدوات النسبة ليس الا ايجاد الربط بين
جزئي الكلام الذي لا يحصل بدونها وبعد ايجاد الربط يلاحظ مجموع الكلام من النسبة
والمنتسبين فإن كان له خارج يطابقه كان صدقا والا فلا (انتهى ملخصا) والضعف فيه من
14

وجهين: (الأول) ان حصول الربط في الكلام ببركة الحروف والأدوات أمر (مسلم الا ان)
شأنها ليس منحصرا فيه، والوجدان والتتبع في مواد اللغات المختلفة أصدق شاهدين على أن
هذا متفرع على استعمالها في معانيها المختلفة الالية، وانها بلا دلالة على معنى.
غير موجدة للربط.
أضف إلى ذلك ما في قوله (من ملاحظة مجموع الكلام) إذ لا وضع لمجموعه بعد
وضع مفرداته الا ان يرجع إلى ما سنذكره من دلالة هيئات الجمل على تحقق النسب،
والحروف على الإضافات التصورية.
الثاني انه لا تقابل بين الاخطاري بمعنى اخطار المعنى بالبال، والايجادي
بالمعنى الذي فسره وهو ايقاعها الربط بين اجزاء الكلام - فإنك إذا قصدت الحكاية عن
ربط الجوهر بالعرض في قولك (الجسم له البياض) مثلا، تخطر معانيها ببالك وتحضر في
وعاء ذهنك لا محالة، ويصير اجزاء كلامك مرتبطا بعضها ببعض كما أنه لا تقابل بينه
وبين الايجادي بالمعنى الذي ذكرنا فان الحروف سواء كانت حاكية عن الواقع المقرر،
أم موجدة لمعانيها بالاستعمال، توجب الانتقال من ألفاظها إلى معانيها على كل حال - نعم
انما يتصور التقابل بين الحكاية و (الايجاد).
والحاصل ان الحروف كافة تحضر معانيها في الذهن وتخطر معانيها بالبال سواء قلنا بأنها
موجدة للنسبة الكلامية كما ذكره، أم قلنا بأنها توجد معانيها في الخارج كما اخترناه
في عدة من الحروف، أو قلنا بأنها تحكى عن معانيها الخارجية كما ذكرناه في بعضها
فتدبر جيدا
ثم إن بعض المحققين من المشائخ. بعد تسليم ايجادية بعض الحروف أنكر كون
الفرد الموجود به معناه الموضوع له، واستدل عليه بوجوه:
أحدها ان معنى اللفظ ومدلوله بالذات هو ما يحضر في الذهن عند سماع
اللفظ الموضوع له، ولا ريب ان الموجود الخارجي لا يمكن حضوره في الذهن
فالخارج هو المدلول عليه بالعرض من جهة فناء المدلول عليه بالذات فيه
وفيه ((أولا) انه منقوض بالأعلام الشخصية على مبنى المشهور وقد اعترف هو قده
ونحن بامكانه وان ناقشنا في وقوعه
15

(وثانيا) ان الغاية من وضع الألفاظ واستعمالها هي الإفادة والاستفادة باحضار
المعاني في الذهن من غير فرق من بين أن يكون حضورها بالعرض أو بالذات، والقائل
بوضع بعض الألفاظ للموجود في الخارج ينكر كون الموضوع له هو المعلوم بالذات
بل يعترف بأنه المعلوم بالعرض
(وثالثا) ان الموضوع له في أغلب الأوضاع أو جميعها غير ما يحضر في الذهن
بالذات، يرشدك إليه أسماء الأجناس حيث إنها وضعت للطبيعة الصرفة العارية عن كل
قيد حتى قيد كونها موجودة في نشأتي الذهن والخارج فإذا أطلقت فلا ينتقل السامع الا إلى
هذا المعنى النفس الامرى لا إلى الموجود في ذهنه ولا إلى ما في ذهن متكلمه.
وبالجملة، الصورة الذهنية مرآت للمعنى المفهوم الذي هو الموضوع له، ولازم
ذلك هو كونها مغفولا عنها وقس عليه الاعلام، إذا لانتقال إلى الخارج الموضوع له
انما هو بالصورة الذهنية لاغير.
(وثانيها) ان هذا الموجود الخارجي الذي هو بالحمل الشايع نداء مثلا، لا يتحقق
في الخارج الا بنفس الاستعمال فيكون متأخرا عنه تأخر المعلول عن علته، ولا ريب في أن
المستعمل فيه مقدم على الاستعمال بالطبع فإذا كان هذا الموجود هو المستعمل فيه لزم تقدم
الشئ على نفسه،
(وفيه) انه لا دليل على تقدم المستعمل فيه على الاستعمال وإن كانت لفظة (في)
توهم ذلك، فان ملاك التقدم منتف فيه حتى في الحاكيات، والتقدم في بعضها اتفاقي
لا طبعي بملاكه، والقائل بايجادية بعض الألفاظ ينكر لزومه - والحاصل ان الالفاط قد
تكون حاكيات عن الواقع المقرر وقد تكون موجدة لمعانيها في الوعاء المناسب لها!
والكل يشترك في كونها موجبة لاخطار معانيها في الذهن ولو بالعرض ولا دليل على
أزيد من ذلك ولزوم تقدم المستعمل فيه غير ثابت لو لم يثبت خلافه.
(وثالثها) ان الأدوات الايجادية كالنداء والتشبيه قد تستعمل في غير ما يكون نداء
حقيقتا بداعي التشويق والسخرية فلا يكون الموجود بهذا الاستعمال نداء أو تشبيها
بالحمل الشايع - فاما أن يكون الاستعمالات المزبورة في تلك المعاني بنحو من المجاز
فهو مما لا يقول به المفصل، واما أن تكون استعمالا في معانيها الحقيقية ولكن بداعي
16

التشويق أو غيره، فيلزم أن يكون معانيها غير ما يوجد بها حتى في ما استعمل بداعي إفادة
ما هو الموضوع له، وفيه ان من المحقق عند العارف بأساليب الكلام ومحاسن الجمل، هو
ان المجاز ليس الا استعمال اللفظ فيما وضع له بدواع عقلائية من التمسخر والمبالغة
والتشويق حتى في مثل اطلاق الأسد على الجبان ولفظ يوسف على قبيح المنظر والا
لصار الكلام خاليا عن الحسن ومبتذلا مطروحا
(وعليه) فالشاعر المفلق في قوله (يا كوكبا) ما كان اقصر عمره) قد استعمل حرف
النداء في النداء بالحمل الشايع وأوجد فردا منه، لكن بداع آخر من التضجر وغيره،
ولكن إرادة الجد بخلافه - فما قال من عدم كونها مجازا ممنوع، بل مجاز ومطلق المجاز
يستعمل لفظه في معناه الحقيقي بداعي التجاوز إلى غيره وسيأتى زيادة تحقيق في ذلك
إن شاء الله.
(ثم) انه (قدس سره) قد اختار ان الحروف كلها اخطارية موضوعة للاعراض النسبية
التي يعبر عنها وعن غيرها من سائر الاعراض (باالوجودات الرابطية) وان مداليل الهيئات هي
(الوجود الرابط) أي ربط العرض بموضوعه إذ لفظه (في) في قولنا: زيد في الدار تدل على
العرض الاينى العارض على زيد والهيئة تدل على ربطه بجوهره (وما قيل) من أن مدلول
الحروف إذا كان عرضا نسبيا فهو بذاته مرتبط بموضوعه فلا حاجة إلى جعل الهيئة لذلك،
مدفوع، بان مدلول الهيئة يفصل ما دل عليه الحروف مجملا)
(قلت) ان الصدر مخالف لما في الذيل، حيث أفاد في صدر كلامه ان مداليل
الحروف من قبيل الاعراض النسبية أي غير الكم والكيف من الاعراض قاطبة، فهي
وجودات رابطية مستقلات في المفهومية، وان مداليل الهيئات عبارة عن ربط الاعراض
بموضوعاتها، أي وجودات رابطة متدلية الذوات غير مستقلة المفاهيم، ولكن ما في الجواب
يصرح وينادى بتساويهما في المفهوم والمعنى وان الفرق بالاجمال والتفصيل فقط أضف
إلى ذلك ان ما رامه خلف من القول وانحراف عما اخذه أئمة الأدب والأصول خطة
مسلمة، من كون معاني الحروف غير مستقلة في المفهومية وانها لا تكون محكوما عليها
ولا بها ولا تقع طرف الربط، وقد أشرنا إليه في تحقيق المختار. وما اختاره من كون معانيها
هي الاعراض النسبية والوجودات الرابطية عين القول بالوجود المحمولي والاستقلال
17

في المفهوم
(ثم) ليت شعري ان الحروف الايجادية كحروف النداء وشبهها كحروف القسم
كيف تحكى عن الاعراض النسبية مع حكمه كليا بان الحروف كلها حاكيات عن
الاعراض النسبية مع بداهة ان القائل في قوله: (وامن حفر بئر زمزماه) و (يا أيها الرسول)
لا يحكى عن نداء خارجي أو ذهني بل يوجد فردا منه حين الاستعمال.
(ثم) ان هذا لا يتم فيما كان المحمول وطرف الربط في القضية من مقولة الكم
والكيف كما في قولنا: زيد له البياض والجسم له طول وعرض فهل اللام موضوع للعرض
النسبي واستعمل هنا في معنى مجازى وهو نفس الربط والإضافة بينهما مع أنه خلاف الارتكاز
والتحقيق ان اللام يفيد الإضافة بالمعنى التصوري والهيئة تدل على تحققها وسيأتى زيادة
تحقيق لذلك
(تكميل) واما وضع الحروف فقد اختلف الأقوال وتكثرت الآراء فيه. الا انا
لا نتعرض الا لجملة منها مشهورة ثم نعقبه بما هو المختار مشفوعا بالبرهان.
(فمنها) ما اختاره المحقق الخراساني من عموم الوضع والموضوع له مستدلا بان
الخصوصية المتوهمة إن كانت هي الموجبة لكون المعنى المتخصص بها جزئيا خارجيا
فمن الواضح ان المستعمل فيه كثيرا ما يكون كليا. وإن كانت هي الموجبة لكون المعنى
جزئيا ذهنيا للحاظه حالة لمعنى آخر فهي توجب اخذه في المستعمل فيه بل لا يصح لحديث
اجتماع اللحاظين. واحتياجه إلى التجريد والغاء الخصوصية في استعمال الأوامر.
(وأنت خبير) بالمغالطة الواقعة فيه حيث إن ما رتبه من البرهان على نفى الجزئية
مبنى على تسليم الاتحاد بين الأسماء والحروف وانهما من سنخ واحد جوهرا وتعقلا ودلالة
فحينئذ يصح ان يبنى عليه ما بنى، من أنه لا مخصص ولا مخرج من العمومية. مع أنك عرفت
التغاير بينهما في جميع المراحل وسيأتي ان الموضوع له في مورد نقضه من قوله: (سر من
البصرة إلى الكوفة) مما يتوهم كلية المستعمل فيه. خاص أيضا. فارتقب.
(ومنها) ما في تقريرات (بعض الأعاظم) من عمومها لا بالمعنى الذي في الأسماء
بل بمعنى ان الموجد بالحروف في جميع مواطن الاستعمالات شئ واحد بالهوية وان
الخصوصيات اللاحقة لها خارجة عن الموضوع له ولازمة لوجوده. كالاعراض المحتاجة
18

في الوجود إلى المحل مع أنه خارج عن هويه ذاتها من غير أن يكون الموضوع له معنى
كليا قابلا للصدق على الكثيرين كالكلية في الأسماء. وذلك لأنه ليس لها مفاهيم متقررة
يحكم عليها بامتناع الصدق وعدم امتناعه. واحتياجها إلى الخصوصيات في موطن الاستعمال
لا يوجب جزئية الموضوع له. كما أن كونها ايجادية وموضوعة لإيجاد الربط لا يوجبها بعد قبول
وجود الكلى الطبيعي. فان التشخص والوجود يعرضان له دفعة (انتهى ملخصا)
(وفيه أولا. ان الهوية الواحدة التي ذكرها إن كانت أمرا في قبال الوجود كما
جعلها في قباله في قوله (ان وجود المعنى الحرفي خارجا يتقوم بالغير لا هويته) وحقيقته)
وفي قبال الماهية القابلة للصدق على الكثيرين أيضا. كما نفاها في الحروف. ومع ذلك
تكون أمرا واحدا موجدا للربط فهو كما ترى. فانا لا نتعقل له معنى محصلا - وإن كانت
وجودا بنعت السعة مشتركا بين الروابط أو ماهية كذلك لكن بنعت الوحدة الخارجية
فهو فاسد لعدم الجامع الخارجي بنعت الوحدة بين الوجودات لا من سنخ الوجود ولا من
سنخ الماهية. اما الأول فللزوم وحدة الروابط وجودا وهوية في جميع القضايا. واما الثاني
فلما حقق في محله وأشرنا إليه آنفا من أن الماهية في الخارج موجودة بنعت الكثرة ولا
جامع اشتراك خارجي بنعت الوحدة بين الافراد فان الوحدة تساوق الوجود فيلزم
موجوديتها بوجود واحد.
وان تعجب فعجب قوله (ان كونه ايجاديا لا ينافي كلية المعنى بناء على وجود
الطبيعي) لان نسبة المعاني الحرفية إلى وجوداتها إن كانت كالطبيعي إلى افراده فلازمها
كونها قابلة الصدق على الكثيرين. وان لم يكن كذلك فلاوجه لابتناء وجودها على وجوده
وأظنك إذا رعيت ما مر بك في وجود الكلى الطبيعي تقدر على كشف حال ما ذهب
إليه بعض المحققين في وضع الحروف. من أنها موضوعة للقدر المشترك وإن كان لا يتصور
تلك الجهة الجامعة بينها إلا في ضمن الخصوصيات - فان ما اختاره (قدس سره) أشبه شئ
بالقول بوجود الكلى الطبيعي في الخارج بوجود واحد شخصي كما نسب إلى الرجل
الهمداني. بل يشعر بذلك أيضا عبارات كثير من الاعلام حيث يعبرون في كلماتهم بالحصة
والجزء وما أشبههما
(ومنها) ما نسب إلى بعض الفحول من كون معناها جزئيا اضافيا. وهو لما وقف على
19

المثال المعروف (سر من البصرة إلى الكوفة) توهم كلية المستعمل فيه
(ومنها) ان الكلية أو الجزئية تابعة لكلية الطرفين أو جزئيتهما. ويقرب من ذينك
القولين ما رجحه بعضهم من أنها موضوعة للأخص من المعنى الملحوظ قائلا بان القول
بوضعها للجزئي الحقيقي الخارجي أو الذهني من قبيل لزوم ما لا يلزم.
(هذا) ولكن القول بايجادية بعض الحروف بنفس الاستعمال وعدم استقلال الحروف
في المفهومية والمعقولية والوجود مطلقا يثبت ما هو المختار من كون الوضع مطلقا عاما
والموضوع له خاصا. اما في الايجادية منها كحروف النداء والتوكيد فواضح جدا بعد ما
عرفت من أنها وضعت لإيجاد معانيها من النداء وشبهه بالحمل الشايع من غير فرق بين
أن يكون المنادى واحدا أو كثيرا. فإنك إذا قلت يا زيد أو قلت يا أيها الناس فالنداء واحد
شخصي. ينادى به مسمى ما يليه ولم توضع للحكاية عن معان مستقرة في مواطنها مع قطع
النظر عن الاستعمال. لعدم واقعية لها مع قطع النظر عنه. فهي آلات لإيجاد المعاني بنفس
الاستعمال. والوجود حتى الايقاعي منه يساوق بوجه الوحدة التي هي عين جزئية المستعمل فيه
وخصوصية الموضوع له - واما القسم الاخر أعني الحاكيات من الحروف فتوضيحه: انك
قد عرفت ان معاني الحروف نفس الربط والتدلي بالغير والقيام بشئ آخر خارجا وذهنا
فهي اذن لا تتقوم في الخارج الا بالوجودات المستقلة مفهوما ووجودا كالجواهر أو مفهوما
فقط كالاعراض كما أنه لا تتقوم في الذهن الا ان تلحظ حالة للغير ومندكة فيه والا لزم
الانقلاب فيها وخرجت عن كونها معان حرفية - وقس على هذا مقام الدلالة. أصلها وكيفيتها
فلا يستفاد من الحروف المجردة معنا ما لم يضم إليها شئ من الأسماء كما أن كيفية دلالتها.
أعني دلالتها على الوحدة والكثرة. أيضا كذلك. فتدل على الواحد عند كون اطرافها
واحدة وعلى الكثير عند كونها كثيرة
تجد جميع ذلك أعني عدم استقلالها في المراحل الأربعة (الوجود الخارجي
والذهني والدلالة وكيفيتها) عند التأمل في قولنا: زيد في الدار أو كل عالم في الدار -
إذ لاشك ان لفظة زيد تحكى عن الواحد الشخصي ولفظة كل عن الكثرة التفصيلية ولفظة
عالم تدل على المتلبس بالمبدء، والظرف أعني (الدار) على المكان المعهود، فاذن هلم
نحاسب مفاد لفظة (في) فإنك لا تشك - مهما شككت في شئ - ان مفهومها في المثال
20

الثاني هو الروابط الحاصلة بين كل واحد من افراد العالم وبين الدار، وانتساب كل فرد
إليها، كما أن معناها في الأول هو انتساب واحد فقط - وما ذلك الا من جهة اختلاف الطرفين
بالوحدة والكثرة لامن جهة نفس الرابطة مستقلة، هذا مع أن التبعية في الدلالة لا تجامع
الاستقلال في كيفيتها.
إذا تمهد ذلك فنقول: المعنى الذي هذا شأنه الموصوف بأنه لا يستقل جوهرا و
وجودا ودلالة وكيفية، لا يتصور له جامع كلي ينطبق على افراده ويحكى عن مصاديقه
لان الجامع على فرضه يجب أن يكون من سنخ المعاني الحرفية فلا بدوان يكون ربطا
بالحمل الشايع والا انقلب معنا اسميا وكونه ربطا بالحمل الشايع يلازم فرديته وهو
خلف - بل لابد عند الوضع من التوسل ببعض العناوين الاسمية التي لا تكون جامعا ذاتيا
لها ولا يمكن ايقاع الربط بها، كمفهوم الابتداء الالى والنسبة، مما لا تكون من سنخ المعاني
الحرفية فلابد (ح) من الالتزام بخصوص الموضوع له في الحروف كافة بعد عموم وضعها
فالواضع لا مناص له الا ان يتصور معنى اسميا كالابتداء ونحوه مشيرا به إلى افراده ومصاديقه
بالحمل الشايع فيضع لفظة (من) مثلا لما هو مصداق بالحمل الشايع وقد عرفت ان دلالتها
على الوحدة والكثرة تابعة لحال الطرفين.
(فان قلت:) انه على القول بخصوصية الموضوع له يكون استعمالها في الكثير من
قبيل استعمال كلي منطبق على كثيرين أو من قبيل استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد
والأول ممتنع، لوضوح امتناع فرض جامع حرفي يكون نسبته إلى الافراد نسبة الطبيعي
إلى مصاديقه، والثاني خلافي أو غير مجوز للبرهان القائم في محله.
(قلت) ان حكاية الحروف في الموارد التي يتوهم كلية المستعمل فيه ليست الا حكاية
الواحد عن الكثير لا عن المنطبق على الكثير وكم فرق بين التعبيرين - وان شئت قلت إنه
من قبيل استعمال اللفظ في المعاني الكثيرة لا استعماله في كلي منطبق على كثيرين، وما
أقيم من البرهان في محله على الامتناع لو صح فإنما هو في الأسماء التي لا تبعية لها في دلالتها
ولا كيفيتها لغيرها، لا في الحروف التي استعمالها ودلالتها وتعلقها وتحققها تبعية غير مستقلة،
فيكون هذا النحو من الاستعمال في الكثير والحكاية عنه مما لا محذور فيه بل وإن كان
المحكى غير متناه، بعد ما عرفت من أن التكثر في الدلالة والاستعمال تبعي لا استقلالي -
وان أردت زيادة توضيح فاستوضح الامر من المثال المعروف (سر من البصرة إلى الكوفة)
21

فإنك إذا قطعت النظر عن ورود هيئة الامر تجد دلالة الحرفين على نسبتي الابتدائية و
الانتهائية بين طبيعة السير المنقطع من الطرفين دلالة تصورية من غير تكثر في محكيها
وإذا بعث إلى هذا السير المحدود من الطرفين القابل للانطباق على افراد كثيرة صارت
الحدود متكثرة بالتبع - وان أبيت عن ذلك فلنا ان نقول في مثل (كل رجل في الدار) ان
الحرف مستعمل في معنى جزئي وينحل بنظر العرف إلى كثيرين نظير انحلال الحكم
الواحد المنشأ بانشاء واحد إلى احكام عديده.
القول في الهيئات
وحيث انتهى الكلام إلى هنا لا بأس بصرف عنانه إلى تحقيق القول في معاني الهيئات
والبحث عن كل واحد منها بعد ما لم يكن لها ميزان كلي - فنقول: ان من المسلمات عند
أكابر القوم هو تركب القضايا، موجباتها وسوالبها ومعدولاتها، من اجزاء ثلثة، الموضوع
والمحمول والنسبة، وهم يرون ان لجميعها محكيات في الخارج، وان الألفاظ من حيث إنها
نقوش الخارج ومرايا الواقع، مشتملة على ما اشتمل عليه الواقع من الاجزاء الثلاثة:
(هذا) ولكنك إذا تأملت حقه تجد الحمليات عارية عن النسبة كافة في جميع
المراحل، لفظية كانت أو معقولة أو خارجية - ومجمل القول في ذلك انك لا تجد اثرا من
النسبة في محكى قولنا: (الانسان انسان) لامتناع جعل الربط بين الشئ ونفسه لاستلزامه
جواز سلب الشئ عن نفسه وكونه غير نفسه خارجا ليجعل بينهما الربط ويحصل الإضافة
ولا في قولنا (الانسان حيوان ناطق) إذ ليس الحد غير المحدود بل هو نفسه، وانما يفترقان
بالاجمال والتفصيل، وليس الغرض الا بيان الهوهوية لا حصول أحدهما للاخر - ولا
في قولنا (زيد موجود) لاستلزامه وقوع الماهية التي ليست في ذاتها شيئا طرف النسبة
في الخارج وأن تكون في قبال الوجود في الخارج وأن يكون زائدا عليها فيه وأوضح من ذلك
قولنا: (الله تعلى موجود) مع أنه الوجود البحث لا يدانيه شوب التركيب ولا يقرب منه
وهم الاثنينية ولا تحيط به الماهية والحدود - وكذلك قولنا: (زيد ممكن أو شريك الباري
ممتنع) إذ لو اشتملا على النسبة الخارجية لزم كون الامكان والشيئية من الأمور العامة
الزائدة على موضوعاتها خارجا - ومثلها قولنا: (البياض أبيض) مما حمل فيه المشتق على
مصداقه الذاتي، لامتناع توسط النسبة بين الشئ ومصداقه الحقيقي.
22

فالتدبر التام يقضى بخلو الخارج عن النسبة التي زعموها في هذه القضايا - وان
شئت تفصيل المقام فنقول:
ان القوم قد قسموا الحملية باعتبار الاتحاد في المفهوم والماهية أو الاتحاد في الوجود
فقط. إلى الحملى الأولى الذاتي والشايع الصناعي - وقسموا الثاني أيضا باعتبار كون
الموضوع مصداقا حقيقيا لما هو المحمول نحو قولنا: البياض أبيض، أو مصداقا عرضيا
له كحمله على الجسم إلى الحمل الشايع بالذات والحمل الشايع بالعرض - فلا بدلنا من
النظر إلى الخارج المحكى أولا (ثم) إلى الهيئات التي جعلت الة للحكاية عنه فنقول: الحق خلو
صحيفة الوجود عن النسبة والربط والإضافة في جميع هذه الموارد لبداهة امتناع دعوى
النسبة في محكى الأوليات والبسائط بحسب نفس الامر فان الحد عين المحدود وتفصيل
نفس حقيقته فلا يمكن فرض إضافة واقعية بينهما في وعاء تقرر الماهية - وكذا الحال في
الهليات البسيطة فإنه لا يعقل تحقق الإضافة بين موضوعها ومحمولها والا لزم زيادة الوجود
على الماهية في الخارج وغيرها من المحاذير - كما أنه لا يعقل في حمل الشئ على نفسه
أو حمله على مصداقه الذاتي، وكذلك ما يكون كمصداقه الذاتي مثل قولنا: الوجود
موجود، أو الله تعالى موجود، فتبين ان محكيات تلك القضايا الكثيرة خالية عن الإضافة
والنسبة. هذا حال الخارج واما القضايا اللفظية والمعقولة فلا شك في كونها مطابقه
للخارج فلا تحكى الا عما اشتملت عليه صحيفة الوجود بلا زيادة ولا نقصان لأنه لا معنى
لاشتمالها على الإضافة والنسبة بلا حكاية عن الخارج ومع الحكاية عن الخارج تصير
كاذبة غير مطابقة للواقع ونفس الامر - فتلخص من جميع ذلك أنه لا وجود للنسبة فيها
لا في الخارج ولا في القضية المعقولة ولا في القضية اللفظية ولا المفهومة منها
(واما) الشايعات من الحملية التي لا يحمل فيها المحمول على مصداقه الذاتي مثل
(زيد أبيض فالمختار فيها انها أيضا لا تدل الاعلى الهوهوية لأنا ان قلنا بكون الذات
مأخوذا في المشتق فحالها حال الحمل الشايع بالذات لعدم تعقل النسبة بين الذات وبين
الموضوع خارجا، وان قلنا ببساطة المشتق وان الفرق بينه وبين مبدئه هو اللا بشرطية
والبشرط لائية فبما ان اللا بشرط لا يأبى عن الحمل وعن الاتحاد مع الغير يكون الموضوع
في هذه الموارد متحدا مع المحمول وتتحقق الهوهوية التي هي المقصود، والقضية حاكية
23

عنها - وكونها عرضية الحمل انما هو بالبرهان الدقيق كموجودية الماهية بالعرض.
فاذن لم يبق من الحمليات الموجبة ما يتوهم اشتمالها على النسبة سوى الحمليات
المؤولة مما يتخلل فيها الأداة نحو قولنا: زيد في الدار وزيد على السطح، وهى ليست
حمليات حقيقية ولذلك تتأول بكائن أو حاصل، و دلالتها لفظا على النسبة الخارجية
مما لا اشكال فيه كما أن الإضافات لها نحو تحقق في الخارج إذ هي بشهادة التبادر تحكى
عن النسبة بين الأشياء بعضها مع بعض ولفظة (في) وما أشبهها تدل على نحو إضافة و
حصول بينهما هذا حال الموجبات في الحمليات - فمن ذلك كله ظهر عدم صحة ما عليه بعض
المحققين من أن مدلول الهيئة هو ربط العرض بموضوعه وان ذلك هو المعبر عنه بالوجود
الرابط، فان فيه وجوها من الخلل لا تخفى على المتأمل.
(فان قلت:) لأي شئ وضعت الهيئة في الحمليات الحقيقية الخالية عن النسبة وكذا
المؤولة منها مما تشتمل على النسبة.
(قلت:) اما الأولى فالهيئة فيها وضعت للدلالة على الهوهوية التصديقية مقابل الهوهوية
التصورية كما سيأتي في المركبات الناقصة ومفادها ان المحمول عين الموضوع
خارجا، كما أن الهيئة في الثاني وضعت لتدل على تحقق النسبة دلالة تصديقية، فهي
تشتمل على التصديق لا محالة على اختلاف في المتعلق من الهوهوية أو ثبوت النسبة - ومن
هنا يتضح حال السوالب، فإنها عند المحققين ليست لحمل السلب أو حمل هو السلب بل
لسلب الحمل ونفى الهوهوية بنحو التصديق في الحمليات غير المؤولة كقولنا: زيد ليس حجرا
ولسلب الحصول ونفى النسبة والكينونة تصديقا في المؤولة منها، نحو زيد ليس في الدار
وعمرو ليس له البياض فالحمليات الحقيقية السالبة لا تشتمل على النسبة مطلقا والمؤولة
منها يؤخذ لفظ الدال على النسبة فيها، لايقاع السلب عليها اما الجمل الفعلية فسيأتي تحقيق
حالها في مباحث المشتق
فاتضح مما ذكرنا عدم صحة أمور تتسالم عليها القوم:
(الأول) ما ربما يقال في توضيح الفرق بين الانشاء والاخبار من أن للثاني نسبة في
الخارج والذهن وانهما تارة تتطابقان واخرى تختلفان، بخلاف الانشاء
(الثاني) ما هو المعروف الدائر بينهم من أن العلم إن كان اذعانا للنسبة
24

فتصديق والا فتصور
(الثالث) ما يقال من أن تقوم القضايا من اجزاء ثلثه: من النسبة والموضوعين
(الرابع) تفسير الصدق والكذب بتطابق النسبة وعدمه.
(تنبيه) - للحمل تقسيمات واعتبارات - (منها) تقسيمها إلى التامة وغيرها و (منها)
تقسيم التامة إلى ما يحتمل الصدق والكذاب وما لا يكون كذلك وسيجيئ الكلام مستوفى
في هذا التقسيم (بعون الله العزيز) عند تحقيق الفرق بين الانشاء والاخبار، واما الأول فقد
عرفت آنفا مفاد الهيئات في القسم الأول منه أعني الجمل التامة الاخبارية التي يصح
السكوت عليها وانها تدل بنحو التصديق على الهوهوية فيما لم يتخللها الأداة، وعلى النسبة
فيما إذا تخلل الأداة بينها
اما الناقصة فلا شك في أن حكمها حكم المفردات لا تحكى الا حكاية تصورية،
ولذا لا تتصف بالصدق والكذب ولا تحتملهما - وبعبارة أوضح ان هيئات الجمل التامة
انما تحكى عن تحقق شئ أو لا تحققه أو كون شئ شيئا أو لا كونه، حكاية تصديقية، ولكنها
في الناقصة منها كغلام زيد تدل على نفس الربط والإضافة لا على تحققها، وعلى الهوهوية
بنحو التصور لا على ثبوتها في الخارج - نعم تنقسم كانقسام التامة إلى أن المحكى بالحكاية
التصورية تارة يكون هو الهوهويه والاتحاد كجملة الموصوف والصفة مثل (زيد العالم)
ولذلك يصح حملها على موصوفها بلا تخلل الأداة بان يقال: زيد عالم، واخرى يكون
هو الانتساب والإضافة التصورية كجملة المضاف والمضاف إليه ولذلك لا يصح الحمل
فيها ولا تنعقد القضية منها الا بتخلل الأداة، نحو زيد له الغلام حتى فيما إذا كانت الإضافة
بيانية فتدبر.
وبذلك يظهر ضعف ما افاده بعض المحققين حيث فرق بين المركبات الناقصة
والتامة بان الأولى تحكى عن النسبة الثابتة التي تعتبر قيدا مقوما للموضوع أو المحمول
و (اما الثانية) فتحكى عن ايقاع النسبة فان المتكلم يرى بالوجدان الموضوع عاريا عن النسبة
التي يريد اثباتها وهو بالحمل والانشاء يوقعها بين الطرفين ولهذا يكون مفاد التركيب
الأول متأخرا عن الثاني تأخر الوقوع عن الايقاع.
(وفيه) ان المركبات الناقصة لا تحكى عن النسبة الثابتة الواقعية إن كان مراده من النسبة
25

الثابتة هي الواقعة بحسب نفس الامر كما هو الظاهر من مقابلتها لايقاع النسبة، ضرورة
ان الحكاية عن الواقع أمر تصديقي لا تصوري، وأيضا ان المركبات التامة تحكى عن النسبة الثابتة
الواقعية تارة وعن الهوهوية التصديقية أخرى ولا معنى لحكايتها عن ايقاع المتكلم نسبة
ذهنية أو كلامية ولذا لا ينتقل السامع الا إلى الثبوت الواقعي ويكون ايقاع المتكلم
مغفولا عنه الا باللحظ الثاني، هذا في الحمليات واما الانشائيات فسيأتي حالها عن قريب
(هذا) مضافا إلى أن تأخر الوقوع عن الايقاع انما هو فيما إذا كان الأول معلول الثاني وليست
النسبة في الجمل الناقصة معلولة لايقاع النسبة في التامة فلا وجه للتأخر مع فقد مناطه
(هذا كله) إذا كان المراد من النسبة الثابتة هي النفس الامرية واما إذا كان المراد منها هي
النسبة اللفظية فلا ريب في كونها في الجملتين بايقاع المتكلم بوجه استجراري تبعا للاخبار
عن الواقع على ما هو عليه في الجمل الاخبارية المشتملة على النسبة لا كما ذكره من أن
المتكلم يرى الموضوع عاريا عن النسبة فيوقعها ضرورة ان المتكلم حين التكلم لا يتوجه
إلى كلامه استقلالا ولا ينظر إلى خلوه عن النسبة
في الانشاء والاخبار
اعلم أن الجمل الانشائية على ضربين ضرب يستعمل في أبواب العقود والايقاعات
وآخر في أبواب الأمر، والنهى، اما الأول فحاصل القول فيه ان هيئاتها تكون آلة لإيجاد
شئ من الاعتباريات التي يحتاج إليها البشر، فبعت الانشائي بهيئته آلة لإيجاد مادتها
أعني حقيقة البيع التي تكون من الحقائق الاسمية ذات الإضافة إلى الثمن والمثمن والبايع
والمشترى، والتاء فيه تدل على كون الصدور منتسبا إلى المتكلم، فيكون معنى الهيئة فيه
نفس الايجاد الذي هو صرف التعلق بالفاعل ومحض الإضافة بينه وبين الفعل بإزاء الايجاد
التكويني ولكن هيئة بعت الخبرىي تحكى عن نفس هذا الايجاد كهيئة ضربت الحاكية
عن الايجاد التكويني - وقس عليه سائر العقود والايقاعات. فالهيئة في المقامين معنى حرفي
لا يستقل بالمفهومية والموجودية
(نعم) يختلف المنشأ والمفاد في هذه الانشائات كاختلافه في الاخبار، إذ يتعلق
القصد تارة بايجاد الهوهوية في وعاء الاعتبار نحو أنت حر وأنت طالق وانا ضامن، فيصير
الموضوع مصداقا للمحمول بعد تمام الكلام في وعاء الاعتبار ويترتب عليه آثاره فالاعتبار
26

في أمثالها بانشاء الهوهوية - (واخرى) بايجاد الإضافة والكون الرابط كما في قوله: من رد
ضالتي فله هذا الدينار المعين فينشأ الكون الرابط أعني كون الدينار له - و (ثالثة) بانشاء
ماهية ذات إضافة إلى متضايفاتها كالبيع والإجارة - و (رابعة) بانشاء كون شئ على عهدته
كما في النذر والعهد - والنظر في جميع هذه الأقسام وإن كان إلى تحقق ما هو مدار الأثر
الا ان اعتبار الهوهوية وانشائها يغاير في عالم الاعتبار مفهوما مع اعتبار آخر غيره، من
انشاء ماهية ذات إضافة أو شبهها هذا واما الضرب الثاني فتوضيح مفاد هيئاتها سيوافيك
انشاء الله في محله
في ألفاظ الإشارة وأخواتها
انك إذا راجعت وجدانك واحفيت الحقيقة من موارد استعمال الألفاظ الإشارة
وأخواتها، تجد أن ما زعمه القوم من الأدباء وغيرهم في توضيح معانيها بعيد عن الصواب
وغير خال عن التعسف - إذ هم قائلون بان لفظة (هذا) مثلا موضوعة لنفس المشار إليه أعني
المفرد المذكر وإن كان بعض تعبيراتهم أيضا يناسب ما اخترناه، وكذلك الضمائر الغائبة
فإنها عندهم لافراد الغائب على اختلافها، فعليه يكون مفادها معان اسمية مستقلة
هذا ولكن التحقيق انها موضوعة لنفس الإشارة، أعني لايجادها، اما إلى الحاضر
كما في ألفاظ الإشارة، أو إلى الغائب كما في بعض الضمائر فعليه لا يكون المشار إليه
داخلا في معناه رأسا بل تمام الموضوع له فيها ليس الأنفس الإشارة، واحضار المشار إليه
في ذهن السامع على اختلاف في المتعلق، تبعي كاحضاره بإشارة الأخرس من غيران يكون
دخيلا في الموضوع له فالإشارة إلى الحاضر لا تتوقف الا على حضور المشار إليه حقيقتا
وحكما، كما أن الإشارة إلى الغائب تحتاج إلى كونه معهودا أو مذكورا من قبل حتى
يمكن الإشارة إليه - وعلى هذا فيندرج تلك الألفاظ برمتها في باب الحروف وتنسلك في
عداد مفاهيمها من حيث عدم الاستقلال مفهوما ووجودا.
والدليل عليه مضافا إلى أن العرف ببابك، انك لا تجد فرقا في احضار الموضوع
بين الإشارة إليه بالإصبع وبين ذكر اسم الإشارة المناسب، بل ربما يقوم أحدهما مقام
الاخر عند عدم التمكن منه كما في إشارة الأخرس، فترى ان الجميع بميزان واحد، آلة
لإيجاد الإشارة من غير فرق بينها، غاية الأمر انه يترتب عليه احضار المشار إليه في
27

الذهن قهرا من دون أن يكون الوضع منحدرا عليه وقد أشار إلى ما ذكرنا بعض الأجلة دام ظله
(وصحة) التركيب ووقوعها مخبرا عنها في قولنا هذا قائم و (هو قائم) واشباههما
لا تثبت ما راموه، إذ لا نسلم ان المخبر عنه في هذه الموارد هو مفاد هذه الكلمات بل المشار
بها إليه - فترى الفرق بين قولنا زيد قائم وبين هذا قائم أو هو قائم فلفظة زيد في الأول
تحكى عن المحكوم عليه حكاية اللفظ عن معناه الموضوع له بخلافهما، فإنها يحضران
المحكوم عليه في ذهن السامع كما في الإشارة بالإصبع، من غير أن يكونا موضوعين له
ومن دون أن يكون دلالتهما عليه من قبيل حكاية اللفظ عن معناه -
نعم يفترق الثاني عن الثالث بالإشارة إلى الحاضر والايماء إلى الغائب ولعله إلى
ما ذكرنا ينظر قول ابن مالك في ألفيته:
(بذا لمفرد مذكر أشر * بذى وذه تى تا على الأنثى اقتصر)
ولا يشذ عن ذلك لسان الفرس وغيرهم حيث ترى مرادفاتها في تلك الألسنة أيضا كذلك
القول في الموصولات
الظاهر أنها لا تفترق عن ألفاظ الإشارة وأخواتها في أنها موضوعة لنفس الإشارة إلى
المبهم المتعقب بصفة ترفع ابهامه فتفترق عما تقدم بالتفاوت في المشار إليه كما تتفرق أسماء
الإشارة (على قولهم) وحروف الإشارة (على المختار) عن ضمائر الغيبة به أيضا نعم هنا احتمال
آخر ربما يصعب تصوره ولا يبعدان يكون هو المتبادر منها عند اطلاقها وهو ان يقال: إنها
موضوعة لإيجاد الإشارة إلى مبهم يتوقع رفع ابهامه بحيث يكون عملها أمرين أحدهما
أصل الإشارة وثانيهما افهام المشار إليه المتوقع للتوصيف فيكون معنى الذي والتي معنى مبهم
مشار إليه بايجاد الإشارة إليه فتكون الموصولات متضمنة للمعنى الحرفي وهذا وان يصعب تصوره
لكن بعد التصور يسهل تصديقه ويفترق عن أسماء الإشارة (هذا) في غير من وما وأي واما
فيها فالظاهر أنها أسماء وضعت لعناوين مبهمة والامر سهل واما ضمائر الخطاب والتكلم
فليست للإشارة قطعا متصلها ومنفصلها، بل الثاني موضوع لنفس المتكلم بهويته المعينة،
كما أن الأول موضوع للمخاطب بهويته الشخصية ولجميع هذه مرادفات في جميع الألسنة
تعطى معناها
واما حال الوضع من خصوص الموضوع له أو عمومه فما كان من سنخ المعاني الحرفية،
28

ومنها إشارة فإنها بالحمل الشايع مما تتحصل وتتقوم بالمشير والمشار إليه ولا يمكن تعقلها
بذاتها ولا يستقل وجودها في الخارج كما لا يمكن احضارها في ذهن السامع كذلك، وقد
عرفت انها بهذا المعنى هي الموضوع له لألفاظ الإشارة فعندئذ لا يجد الباحث ملجاء في مقام
تحقيق وضعها الا القول بخصوص الموضوع له فيها، لامتناع الجامع الحرفي أي ما يكون
ربطا ومتدليا بالحمل الصناعي بين المعاني الحرفية لا ذهنا ولا خارجا كما تقدم
ولا تقصر الموصولات عن ذلك إذ هي على كلا المعنين من سنخ الحروف سواء قلنا بتضمنها
معنى الحرف أم لا - لكن تفترق ضمائر التكلم والخطاب عنها وعن أشباهها في كون
مفادها معان اسمية مستقلة الا انهما متحدان حكما، إذ المتبادر منهما هو الهوية الشخصية
لا مفهوم المتكلم أو المخاطب - فتحصل ان الموضوع له في الجميع خاص بحكم التبادر
(بقى هناك شئ) - وهو انه يقف الباحث عند تتبع كلمات القوم على كلمة دارجة
بينهم وهى ان المعاني الحرفية آلات لملاحظة الغير وانها مغفول عنها في الذهن، ويترتب
عليه امتناع وقوعها مخبرا عنها وبها، وعلى ذلك بنوا انكار الواجب المشروط ومفهوم
الشرط لامتناع تقيد معنى الهيئة وارجعوا القيود كلها إلى المادة - هذا وفي المبنى و
ما رتب عليه نظر بل الدليل قائم على بطلانهما
(اما) الأول فلانك تجد أن الغرض الأقصى في الجمل والقضايا ليس الا افهام المعاني
الحرفية فكيف تكون مغفولا عنها - إذ مقصود المتكلم في أفق نفسه في تركيب القضايا
اما إفادة الهوهوية بين الموضوع والمحمول أو الانتساب والكون الرابط بين المعاني
الاسمية على تفصيل قد عرفت من أن المقصد الأسى في مثل (زيد موجود) هو بيان الهوهوية
لا افهام زيد ولا تفهيم موجود وقس عليه مثل (زيد في الدار) وعليه فهي متوجه إليها
البتتة كالأسماء لكن لما كانت معانيها غير مستقلات في التعقل والوجود يكون افهاما تبعيا
لا استقلاليا - وكم فرق بين كون شئ مغفولا عنه ومرآة للحاظ غيره وبين تبعية شئ لشئ
في التعقل والتحقق
(اما) الثاني فيرد عليه بعد ابطال أصله، ان المراد من عدم وقوعها مخبرا عنها وبها،
إن كان عدم وقوعها كك على وزان الأسماء، فمسلم ولكن الاخبار عنها وبها لا ينحصر في ذلك -
وإن كان المراد عدم الاخبار عنها وبها بقول مطلق كالعدم المحض والمجهول المطلق
29

حيث لا يتوجه إليهما القصد ولا يتعلق بهما الغرض، فهو قول كاذب بشهادة الوجدان و
ضرورة العقل بامكان الخبر بها وعنها في التراكيب الكلامية تبعا لأسمائها وليس الغرض
من قولنا: ضربت زيدا يوم الجمعة في السوق، الا افهام حدوث الضرب منا، في مكان كذا
ووقت كذا. فهذه القيود قيود للمعنى الحرفي وهو النسبة الكلامية كما هو ظاهر.
الأمر الخامس عرف المجاز غير واحد من الأدباء بأنه استعمال اللفظ في غير
ما وضع له بعلاقة معتبره وقرينة معاندة وشذ عنهم السكاكي في قسم واحد من أقسامه،
وهو الاستعارة ورأى أن ذلك حقيقة لغوية وان التصرف انما هو في أمر عقلي وهو جعل ما
ليس بفرد فردا - واستدل عليه بأنه لولاه لما صح التعجب في قوله:
(قامت تظللني ومن عجب * شمس تظللني من الشمس)
ولما كان للنهي عن التعجب موردا في قول الشاعر:
لا تعجبوا من بلى غلالته * قد زر ازراره على القمر
وما ربما يقال في رده، من أن التعجب والنهى عنه مبنيان على نسيان التشبيه قضاء
لحق المبالغة، مردود بأنه لولا الادعاء لما كان لنسيان التشبيه معنى، ولا يقضى حق المبالغة
بل الادعاء هو الذي يصحح نسيانه ويودى به الغرض من المبالغة.
فهذا القول يشترك مع قول المشهور في كون الاستعمال في غير الموضوع له، لوضوح
ان استعمال اللفظ في المصداق الحقيقي للموضوع له بخصوصه مجاز فكيف بالفرد الادعائي
فما ذهب إليه من أن الادعاء المزبور يجعله حقيقة لغوية غير تام - ويرد عليه مضافا إلى
ما ذكر، انه وإن كان أقرب من قول المشهور إلى الذوق السليم، الا انه لا يتم في الاعلام
الشخصية مثل (حاتم) و (مارد) الا بتأويل بارد
ثم انك قد عرفت ان استعمال اللفظ الموضوع للطبيعة اللابشرط المعراة عن كل
قيد في مصاديقها الواقعية مجاز فضلا عما جعل مصداقا بالادعاء ولا ينتقض هذا بمثل زيد
انسان إذ المحمول مستعمل في الماهية المطلقة لا في الفرد الخاص والهيئة الحملية تفيد
الاتحاد والهوهوية
(ثم) انى أرى خلاف الانصاف ان ارتضى رأيا في هذا المقام غير ما وقفت على تحقيقه
من العلامة أبي المجد الشيخ محمد رضا الأصفهاني (قدس الله سره) في وقايته واستفدت.
30

منه شفاها
وملخص ما افاده ان الفظ في عامة المجازات استعارة كانت أو مجازا مرسلا، مفردا
كانت أو مركبا، كناية كانت أو غيرها، لم يستعمل الا فيما وضع له غاية الأمر ما هو المراد استعمالا
غير ما هو مراد جدا، وان شئت قلت إنه لتطبيق ما هو الموضوع له على غيره اما بادعاء كونه مصداقا
له كما في الكليات أو كونه عينه كما في الاعلام - والفرق بين المذهبين مضافا إلى ما عرفت
من أن المستعمل فيه بالإرادة الاستعمالية، هو نفس الموضوع له على رأى شيخنا (قده)
وإن كان الجد على خلافه، دون ما ذهب إليه السكاكي فان المتعلق للإرادة عنده استعمالية
كانت أو جدية شئ واحد، ان الادعاء على المذهب الأخير وقع قبل الاطلاق ثم اطلق اللفظ
على المصداق الادعائي، ولكن على ما رآه شيخنا وقع بعد استعمال اللفظ حين تطبيق
الطبيعة الموضوع لها على المصداق.
وبالجملة ان حقيقة المجاز ليست الا تبادل المعاني والتلاعب بها لا باستعارة
الألفاظ وتبادلها وانما حسن المجازات من جهة توسعة المفاهيم إلى ما يسعه وضع ألفاظها
ولا يشمله نفس تلك المفاهيم ابتداء ولكن بعد ادعاء كون هذا منه تشمله حكما، مثلا:
في قوله تعالى (ان هذا الا ملك كريم) ليس حسن المجاز المستعمل فيه من جهة إعارة
لفظ الملك خلوا عن معناه لوجود يوسف وجعلهما متحدين في الاسم، بل لان الملك
استعمل في الماهية المعهودة من الروحانيين وأطلق اللفظ عليها واستعمل فيها وادعى
انطباقها على المصداق الادعائي - وقس عليه قولنا: رأيت أسدا وحاتما، فان لفظي الحاتم
والأسد استعملا في معناهما ولكن ادعى ان زيدا هو الحاتم أو الأسد
ثم لا يخفى عليك ان ما اختاره (قدس سره) لا ينحصر بالاستعارة بل المجاز المرسل
وهو ما تكون العلاقة فيه غير التشبيه من ساير العلاقات، أيضا من هذا الباب، أعني ان
اللفظ فيه أيضا لم يستعمل الا فيما وضع له وجعل طريقا إلى الجد بدعوى من الدعاوى -
فاطلاق العين على الربيئة ليس الا بادعاء كونه عينا باصرة بتمام وجوده لكمال مراقبته
واعمال ما هو اثر خاص لها الا بعلاقة الجزئية والكلية، وقس عليه اطلاق الميت على المشرف
للموت بدعوى كونه ميتا واطلاق القرية على أهلها بتخيل انها قابلة للسؤال، أو ان القضية
بمثابة من الشهرة حتى يجيب عنها القرية والعير كما في قول الفرزدق: (هذا الذي
31

تعرف البطحاء وطأتة، القصيدة).
و جعل هذا وأشباهه من المجاز بالحذف يوجب انحطاطه من ذرورة البلاغة إلى
حضيض الابتذال - وتجد تحقيق الحال في المجاز المركب مما ذكرنا أيضا، فإنك إذا قلت
للمتردد (أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى) وعلمت ان مفرداتها لم تستعمل الا في معانيها
الحقيقية وانه ليس للمركب وضع على حدة، ليكون اجزائه بمنزلة حروف الهيجا في المفردات
ليستعمل في معنى لم يوضع له، تعرف انك لم تتفوه بهذا الكلام الا بعد ادعاء ذوقك ان
هذا الرجل المتردد المتحير شخص متمثل كذلك وان حاله وأمره يتجلى في هذا المثل
كأنه هو.
هذه قضاء الوجدان وشهادة الذوق السليم بل ما ذكرنا في المركبات من أقوى
الشواهد على المدعى، وبه يحفظ لطائف الكلام وجمال الأقوال في الخطب والاشعار
وبذلك يستغنى عن كثير من المباحث الطفيف الفائدة مثل ان المجاز هل يحتاج
إلى الرخصة من الواضع أولا و (ان وضع العلائق شخصي أو نوعي)، لما قد عرفت من أن
الاستعمال في جميع المجازات ليس الا في الموضوع له، وإن كان صحة الادعاء وحسن وقوعه
أمرا مربوطا بالذوق السليم.
في استعمال اللفظ في اللفظ
(اعلم) ان له اقساما (أولها) اطلاق اللفظ وإرادة شخصه، والتحقيق انه من باب
ايجاد صورة الموضوع في ذهن السامع لينتقل منه إلى نفس الموضوع، لامن باب كون اللفظ
دالا على نفسه ولا مستعملا في نفسه - وذلك لان الحروف المتصرمة إذا صدرت عن المتكلم
وتمت الكلمة وخلصت عن مقاطع فمه، يحصل منها صورة في ذهن السامع من قرع الهواء
وتموجه في ناحية الصماخ حتى يمر، عن الحس المشترك والخيال ويصل إلى النفس، و
ليس الموجود فيها عين الموجود في عالم الخارج عينا وشخصا والا لانقلب الذهن خارجا
و (ح) إذا حمل عليه ما يكون من خواص هذا اللفظ في الخارج وقام قرينة عليه يتوجه ذهنه
من الصورة المتصورة إلى اللفظ الصادر أولا - والحاصل ان ذاك الموجود المتصرم يوجد
في نفس السامع ما يصير حاكيا عنه في الان المأخر، لا كحكاية اللفظ من معناه، إذا الصورة
الذهنية للفظ لم يوضع لها ذاك اللفظ.
32

وان شئت قلت: ان الانتقال فيه كالحركة الانعطافية إذ ينتقل فيه من اللفظ إلى صورة
اللفظ الموجودة في النفس ومنها إلى اللفظ الخارجي وهذا بخلاف الدلالة والاستعمال
لأنه ينتقل فيهما من اللفظ إلى صورته ومنها إلى المعنى. نعم لا مشاحة في اطلاق الدلالة
على الأول أيضا بجعل اللفظ دالا بواسطة ايجاد كاشفه. ومدلولا في الان المتأخر لانكشافه به واما
جعله من قبيل الدلالة الوضعية بالمعنى المصطلح فغير معقول لاستلزامه اتحاد الدال
والمدلول، والتعدد الاعتباري لا يجدى، إذ عنوان الصادرية وما قاربها أمر منتزع بعد صدور
اللفظ فكيف يكون أمرا مصححا للاستعمال الواقع قبله
أضف إلى ذلك أنه يستلزم الجمع بين اللحاظين المختلفين في شئ واحد، ضرورة
ان اللفظ عند الاستعمال لا يلاحظ الا آليا، والمعنى المراد لا يقصد الا استقلاليا، وهو لازم
كونه دالا ومدلولا - واما حمل ذلك على القاء الموضوع في ذهن السامع فهو أفسد، إذا
الموضوع للحكم ليس الا الهوية الخارجية ولا تنال النفس متن الأعيان ولا يمكن القائها
في ذهن السامع
(ومنها:) اطلاقه وإرادة مثله، بان لا يكون الحكم لخصوص ما تكلم به واوجده
متصرما بل لشئ آخر مثله واقع في كلامه أو كلام الغير - (والحق) انه من قبيل الاستعمال
والدلالة، لا القاء الموضوع بنفسه لما عرفت من امتناع احضار الخارج في لوح النفس
بذاته، مضافا إلى أن الحكم ليس للفظ الصادر منه فعندئذ لا بأس بجعله من قبيل استعماله
في مماثله ويكون دلالته عليه كدلالة اللفظ على معناه وإن كان يفترق عنه بكون الاستعمال
هنا في غير ما وضع له والحاصل ان اللفظ يجعل وسيلة وآلة للحاظ مماثله وتصوره بالعرض
بواسطة الصورة الذهنية الحاصلة بايجاده، والانتقال منها إلى المماثل هنا كالانتقال منها
إلى المعنى بالسرعة الارتكازية
(نعم) ربما يتعلق الغرض باثبات الحكم للصورة الحاصلة في الذهن من دون
تجاوز منها إلى شئ آخر فيقال: زيد الحاصل في ذهنك بهذا اللفظ معلومك بالذات، ففي
مثله يتحقق الموضوع بايجاده: فالاستعمال هنا ايجادي لا للمعنى بل لصورة اللفظ بخلاف
ما مر في باب الحروف فتدبر جيدا
(ومنها:) اطلاقه وإرادة نوعه وصنفه فربما يقال بكونه من قبيل القاء الموضوع بنفسه
33

أيضا، نظرا إلى أن السامع بعد سماعه يغفل عن التشخصات الزمانية والمكانية وغيرهما
فيكون من باب ايجاد الكلى وايداعه في نفسه بذاته، ولو قيد بدال آخر لفهم الصنف منه كان
من القاء الصنف.
وأنت خبير بان كون شئ فردا أو كليا تابع لواقعه، ولا تناله يد الاعتبار، والفرد
الحقيقي لا يصير كليا ولو اغمض عن عوارضه الف مرة، واثر كل منهما من امتناع الصدق
على كثيرين وعدمه تابع لنفس الامر.
وبالجملة ان الصورة الحاصلة في ذهنه جزئي حقيقي وهى المعلومة بالذات، ولها
عوارض وتشخصات لا تسلب عنها بالغفلة فلا تصير في نفس الامر كليا - نعم لو كان المراد
من كليتها ان المخاطب بما انه غافل عن الخصوصيات يفهم من هذه الصورة المعلومة بالذات،
نفس الطبيعة بالعرض وينتقل إليها في المرة الثانية فهو حق لا غبار عليه، ولكن جعل ذلك
من باب الالقاء أمر غريب، إذ لا يشذ ذلك عن استعمال والدلالة، ولا مانع من أن يقال: إن
اللفظ في قولنا ضرب فعل ماض حاك ودال على نوعه أو صنفه، إذ ليست الدلالة والحكاية
الا كون الشئ يفهم منه المعنى ويكون اللفظ الصادر آلة لإيجاد الصورة في الذهن و
وسيلة لانتقال المخاطب منه إلى المراد أعني طبيعة اللفظ.
(فان قلت) يلزم من استعمال اللفظ في نوعه اتحاد الدال والمدلول لان اللفظ المستعمل
في نوعه اما أن يكون طبيعي اللفظ أو شخصه وعلى الأول يلزم الاتحاد وهو واضح وعلى
الثاني يلزم ذلك فيما إذا كان الحكم شاملا لموضوع القضية الملفوظة مضافا إلى تباين
الشخص مع الطبيعي لأنه مركب منه ومن التشخص والمركب من المباين مباين فعلى
فرض الامكان لا يصح الاستعمال للمباينة (قلت) ما ذكرت مردود أصله وباطل فرعه، لان
اللفظ المستعمل انما هو شخصه لا طبيعته فيكون الشخص هو الدال، واما المدلول فليس
الا نفس الكلى بما هو هو وبما انه لا يدل على الافراد والخصوصيات التي ربما ينطبق عليها،
فارتفع اتحاد الدال والمدلول وكون الكلى منطبقا على فرد كما مثله (قدس سره) لا يلزم
أن يكون ذلك الفرد جزء لمدلول ذلك الكلى حتى يلزم الاتحاد فيما إذا كانت القضية شاملة
لموضوع القضية إذ الدال هو الشخص والمدلول هو الطبيعي وشموله له لا يوجب كونه جزء
المدلول بل هي الطبيعة المرسلة الخالية عن التكثر - وتخيل كون المباينة من موانع
34

الاستعمال، غرابة بعد غرابة، إذ صحة الاستعمال تدور مدار المناسبة بأي وجه حصلت
وبذلك يتضح ان اطلاق المجاز على هذه الاستعمالات ليس على وزان سائر المجازات على
كلا القولين في تحقيق المجاز، إذ لا ادعاء ولا تأول هنا ولا اختلاف بين الإرادتين بل المناسبة
بين اللفظ ونوعه ومثله وصنفه أوجب احضار المستعمل فيه، كما أنه لو كان المدار في
المجاز هو المناسبات والعلائق الذوقية الطبيعية كما هو آخر الرأي بين مشاهير القوم
لا يكون المقام من المجاز المشهور الدائر الرائج بينهم، لان العلاقة هنا هي المناسبة
الصورية وهى مع وجودها غير منظورة للمستعمل قطعا بل لا تخطر بباله قط
الأمر السادس التحقيق ان الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية تعلقت بها
الإرادة أولا، ولا دخل لها فيها لا شطرا ولا شرطا، ويتضح حالها ببيان أمرين:
(الأول) ما أسمعناك في صدر الكتاب من أن حقيقة الوضع ليس الا تعيين اللفظ
في مقابل المعنى من دون حصول علاقة تكوينية وما ربما يقال من التعهد والالتزام في
تفسيره، فهو تفسير له بالآثار والنتائج وقد تقدم الكلام فيه - فبطل ما يؤيد به القول الشاذ
المخالف للتحقيق من أن الوضع في الألفاظ وضع حيثي، بمعنى انه لا يجعل اللفظ في مقابل
المعنى الا بحيث لو اطلقه الواضع أو غيره لكان مريدا لمعناه، وذلك لما ترى من بنائه على
القول المردود في باب الوضع من حديث التعهد والالتزام في تفسير معنى الوضع
(الثاني) قد قام البرهان في محله على أن الافعال الصادرة من ذوي العقول والشعور
معللة بأغراض وغايات حتى فيما يراه العرف عبثا ولغوا، كيف والعلة الغائية واقعة في
سلسلة العلل وتعد علة لفاعلية الفاعل وإن كانت تتأخر بوجودها العيني لكنها مؤثرة في تحريك
الفاعل بوجودها الذهني و (ح) فالمعلول بما انه رشحة من رشحات العلة، أو مظهر ناقص
لها، ولا استقلال له الا مما اكتسبه من جانب علته فهو لا محالة يتضيق بضيقها
ولا يمكن له أن يكون أوسع منها، لكن لا على نحو التقييد بل تضيقا ذاتيا تابعا لاستعداده،
فاذن يقع الكلام في أن الغاية لفعل الواضع التي هي اظهار المرادات واعلان المقاصد،
هل توجب تضيقا في المعنى الموضوع له ليكون الوضع للمعنى المراد، من جهة ان الوضع
لذات المعنى على اطلاقه بعد كون الداعي منحصرا في إفادة المراد لغو، أو لا توجب ذلك -
التحقيق ان الغاية للوضع شئ آخر غير ما تصوروه، فان الغرض منه إفادة ذوات المرادات
35

لا بما هي كذلك بل بما هي نفس الحقائق، فان المتكلم انما يريد إفادة نفس المعاني الواقعية
لا بما هي مرادة - على أن كونها مرادة انما يكون عند الاستعمال أو من مقدماته التي لا ترتبط
بالوضع، بل كونها مرادة مغفول عنه للمتكلم والسامع
أضف إليه لو سلمنا كون الغاية هي إفادة المرادات لكن كون شئ واقعا في سلسلة
العلل الفاعلية يقتضى حصول عند حصول الوضع والمواضعة بين اللفظ والمعنى واما اخذه
في المعنى الموضوع له فلا.
واعجب منه ما استدل به عليه، من أنه لو لم توضع للمراد منها لزم اللغوية. إذ ذلك
انما يلزم لو لم يترتب على وضعه لذات المعنى اثر أصلا واما إذا ترتب الأثر عليه ولو على
نوع منه - وهو ما إذا كان المعنى متعلقا للإرادة - فلا تلزم اللغوية كما هو ظاهر، وسيوافيك
ان جعل الحكم على الطبيعة يخالف في كثير من الاحكام، لجعله على الأنواع والأصناف
والافراد. ومنها هذا المقام
إذا عرفت ذلك فاعلم: ان القول بكونها موضوعة للمرادة من المعاني يتصور
على وجوه. (منها) اخذ الإرادة بالحمل الأولى جزء للموضوع له، وهو مما لا يلتزم به ذو مسكة
(ومنها) أن تكون موضوعة لما هو بالحمل الشايع مراد ومقصود بالذات، أعني الصورة
القائمة بالنفس قياما صدوريا أو حلوليا، إذ الإرادة كالعلم انما تكون من شؤون النفس و
هي لا تنال الخارج عن حيطتها، فلا تنال من الخارج الا صورة ذهنية، كما أن شؤونها كالإرادة
لا تتعلق الا بالصورة المتقومة بالنفس (فح) ما هو المراد بالذات أي وقع متعلقا للإرادة في
أفق النفس ليس الا الصورة العلمية الحاكية عن الخارج وبذلك تصير هي مرادة بالذات
والخارج مرادا بالعرض فهو المراد بوجه والمطلوب في المرتبة الثانية لفناء الصورة فيه
وآليتها له - وعليه لو وضعت الألفاظ للمراد بالذات لما صح الحمل ولم تنطبق على الخارج
ولو مع التجريد، مضافا إلى لزوم كون الوضع عاما والموضوع له خاصا في جميع الأوضاع
(ومنها) كونها موضوعة للمراد بالعرض فيرد عليه مضافا إلى خصوصية الموضوع له، عدم
صحة الحمل الا بالتجريد مع بداهة صحته بدونه.
وهناك قسم آخر وان شئت فسمه رابع الأقسام وهو أن يكون الوضع للمعنى
36

المراد على نحو الحينية الممكنة لا على نحو المشروطة العامة ليكون الوصف من قيودها
وعناوينها، وقد عرفت ما يمكن الاستدلال به عليه من حديث الغاية والغرض كما عرفت
دفعه أيضا
وإلى ذلك يمكن صرف كلام العلمين من كون الوضع لذات المراد بلا تقييد وإن كان
بعيدا عن مساق كلامهما - وابعد منه توجيه المحقق الخراساني من صرف كلامهما
إلى الدلالة التصديقية وكونها مرادة للافظها تابعة لإرادته، تبعية مقام الاثبات للثبوت،
إذ عبارة العلامة في (جوهر النضيد) التي نقلها عن أستاذه وشيخه المحقق الطوسي صريح
في الدلالة الوضعية، على أن هذا التوجيه توجيه مبتذل لا يناسب مقامهما الشامخ - بل ليس
صحيحا في نفسه لان نسبة المتكلم إلى أنه أراد معنى تلك الألفاظ تتوقف على أمر آخر
لا يكفي فيه مجرد وضع الالفاط للمرادات بل لابد من ضم قاعدة عقلائية من أصالة تطابق
الجد والاستعمال
الأمر السابع قد وقع الكلام في أنه هل لمجموع الجمل من المادة والهيئة
وضع أولا - ومجمل القول فيه هو ان اللغات الحية والألسنة العالمية الراقية بين أبناء البشر
كلها كافلة لإفادة الأغراض، وطرح المعاني في قالب الألفاظ، تصديقية كانت أو تصورية
وإن كان الأول أكثر اهتماما به وأعلى درجة في سلسلة المقاصد التي يقصد افهامها - ومن
البعيد غايته بل من الممتنع عادة عدم وضع لفظ للمعاني التصديقية في هذه اللغات
الوسيعة - ونحن قد تصفحنا فلم نجد ما يدل على المعاني التصديقية في كلام العرب سوى
الهيئات المزدوجة مع المواد، وقد تقدم ان الحملية منها تدل على الهوهوية التصديقية،
كما أن المؤولة، المتخلل فيها الأدات تدل على النسب التصديقية - ومفردات القسمين
دالة على معانيها التصورية بالبراهين التي مضت (وعليه) فلم يبق لهذا النزاع معنى صحيح
بعد تعيين مفاد الهيئات والمواد - اللهم الا ان يقال إن الكلام هنا في أن الدال على المعاني
التصديقية هل هو الهيئات أو مجموع الجملة فالمشهور على الأول وشر ذمة على الثاني
وكيف كان فما ربما يقال من أن مراد القائل من الوضع للمجموع هو وضع جديد له
من غير إفادة شئ واضح الفساد لا يليق ان ينسب إلى ذي فضل.
وأظن أن تحرير النزاع بما ذكرنا من أن وجود معان تصديقية محتاجة إلى دوال
37

لفظية متسالم عليه بينهم، وان الخلاف في أن تلك الدوال هي الهيئات أو المجموع،
أولى وأحسن.
ثم إن هناك احتمالا آخر وهو كون الجموع موضوعا لإفادة ما تفيده الهيئة على
سبيل الترادف وعلى كل حال يرد على الوضع للمجموع ما نقل عن (ابن مالك) في (شرح
المفصل) من أن المركبات لو كان لها وضع لما كان لنا ان نتكلم بكلام لم نسبق إليه، إذا
المركب الذي أحدثناه لم يسبق إليه أحد وهذا المؤلف لم يكن موجودا عند الواضع فكيف
وضعه الواضع (انتهى كلامه) وهو كلام متين صدر عن أديب بارع - وتوضيحه: ان الجمل
الاسمية وإن كانت تشترك في الهيئة ولكنها مختلفة بحسب المادة والوضع النوعي انما
يتصور في الهيئات فقط، لوحدتها النوعية لا بالنسبة إلى المجموع منها ومن المواد، لعدم
حصر المواد وتنوعها جدا مثل قيام زيد وقعود عمرو، وهلم جرا، وليس هناك جامع واحد
وعنوان نوعي تجتمع المواد تحته كي يشاربه إليها كما يوجد في الهيئات، فلو كان الموضوع
هو المجموع لزم الالزام بوضع كل جملة جملة وضعا شخصيا، وهو مع امتناعه عادة يستلزم
القول بان الجمل التي أحدثها المتكلم من المواد المختلفة غير موضوعة - وبذلك يظهر
النظر في كلام (بعض الأعيان) من المحشين حيث جعل محل النزاع ما هو بديهي البطلان
وحمل كلام (ابن مالك) عليه، قائلا انه لا يخفى على مثله ان الوضع هنا نوعي لا شخصي
فراجع وتأمل
تكميل - ان احتمال كون الألفاظ موضوعة للصورة الذهنية بما هي كذلك
مما يبعد عن ساحة كل من انتسب بالفضل إذ الحق الواضح انها بمفرداتها ومركباتها موضوعة
للمعاني الواقعية النفس الامرية، لان هيئات الحملية في الجمل الخبرية وضعت
للهوهوية الواقعية والمؤولة منها للأكوان الرابطة النفس الامرية، وأوضح منها الاعلام
الشخصية والجنسية من الأسماء خصوصا على رأى الجمهور في الأولى وكذلك ما يليها
من المبهمات والمعاني الحرفية مما يفيد الخصوصيات الواقعة في الخارج
(وما اختاره) (صاحب الفصول) من كون الجمل الخبرية موضوعة للنسب الذهنية
من حيث كشفها عن الواقع، تكلف وتعسف، إذ المتبادر من الألفاظ انما هو نفس الحقائق
الواقعية، ليس الا، والصور الذهنية الحاصلة للمتكلم والمخاطب في بعض المقامات مغفول
38

عنها، على أن الغرض من الوضع هو افهام الواقعيات والحقائق التكوينية في الغالب فلا
معنى لجعلها لغيرها، من الصور الذهنية - وتوقف انفهام الخارج على التصور غير كون
الموضوع له هو المتصور، وكان الخلط انما وقع في ذلك
ولعل الذي دعا هذا القائل ومن وافقه على مقالته إلى هذا القول هو تخيل انه
لو كانت الجمل موضوعة للنسب الواقعية لما كان لها معنى في الاخبار الكاذبة، لانتفاء النسب
الخارجية هناك
ولكنهم غفلوا عن شئ وهو ان هذا الاشكال مشترك الورود على القولين فإنها لو كانت
موضوعة للنسب الذهنية الكاشفة توجه الاشكال أيضا لأنه لا معنى للكشف من دون مكشوف
خارجي فان الكشف والايضاح أشبه شئ بالتضايف و (المتضايفان متكافئان قوة وفعلا)
والاخبار الكاذبة لا تحقق لنسبتها في وعاء العين حتى تكشف عنها الصور الذهنية - والقول
بان المراد من الكاشف ما هو كذلك بالقوة وماله صلاحية له، رجوع عن المبنى والتزام
بكونها موضوعة للصور الذهنية بما هي هي، إذ شأنية الكشف ثابتة لها، مطلقا وهو واضح الفساد
وحل العقدة انه ليس الاستعمال الا جعل اللفظ وسيلة لانتقال ذهن السامع إلى المعنى
الخارجي انتقالا بالعرض لا بالذات، وفي هذا الانتقال بالعرض لا يلزم أن يكون المعنى
محققا - وان شئت قلت. ان الاستعمال وإن كان طلب عمل اللفظ في المعنى الا ان مرجعه
إلى إرائة المعنى للمخاطب وانتقاله من سماعه إليه وهذا يشترك فيه الاخبار الصادقة
والكاذبة ولا يلزم أن يكون للمنتقل إليه وجود في الخارج بل يتوقف على مجرد تصوره
والظاهر أنه قد غره ظاهر لفظ الاستعمال، مع أنك خبير بأنه يصح اطلاقه حتى في الموارد
التي ليست معانيها متحققة في الخارج كما في قولنا (شريك الباري ممتنع) و (المجهول
المطلق لا يخبر عنه) والاستعمال في الجميع بوزان واحد، والمخبر عن امتناعه انما هو
شريك الباري الواقعي لا الذهني، فقد استعمل هنا لفظ شريك الباري في معناه الواقعي مع أنه
لا وجود له في الخارج
الأمر الثامن في العلائم التي يمتاز بها المعنى الحقيقي من غيره وليس الكلام
مقصورا في تشخيص المعنى الحقيقي من المجازى في موارد الاستعمال مع العلم بمراد المتكلم
والشك فيهما حتى يقال إن اللفظ في المجاز مستعمل في معناه الحقيقي فالسامع إذا استقر
39

ذهنه في المعنى المراد ولم يتجاوز منه إلى غيره حكم بأنه حقيقة، وان تجاوز إلى غيره حكم
بان ذلك الغير مجاز كما قيل، بل من تلك العلائم أو غالبها تعرف المعنى الحقيقي ولو لم يكن
استمال أو لم نكن بصدد تشخيص استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي أو المجازى
فلو شككنا في كون الماء موضوعا للجسم السيال المعهود يكون التبادر طريقا إلى
اثباته، استعمل أو لا، بل ربما يدور أمر الاستعمال بين الحقيقة والغلط لا المجاز - كما أن
تعبيرهم بعلائم الوضع ليس بسديد، إذ الرابطة الاعتبارية كما تحصل بالوضع وقد تحصل
بكثرة الاستعمال حتى يصير حقيقة، وقد عرفت ان الوضع التعيني ليس بوضع (وتوهم) قيام
جميع الاستعمالات مقام الوضع الواحد كما ترى (فان قلت:) ان الوضع بمعناه المصدري
وإن كان مفقودا هنا، الا انه بمعنى اسم المصدر ونتيجته موجود فيه - (قلت): المصدر
واسمه واحدان بالحقيقة، مختلفان بالاعتبار بانتسابه إلى الفاعل وعدمه، فلا يعقل وجود
واحد منهما في نفس الامر مع فقدان الاخر.
ومن علائم ذلك الربط المعهود (التبادر) والمراد منه ظهور المعنى من اللفظ
بنفسه من غير قرينة، لا سرعة حصول المعنى في الذهن بالنسبة إلى معنى آخر، أو سبقه
عليه وأورد عليه الدور المعروف من أن التبادر موقوف على العلم بالوضع فلو توقف ذلك
عليه لدار، وأجاب عنه بعض المحققين بأنه يكفي في ارتفاع الدور تغاير العلمين شخصا
والتغاير بين العلم الشخصي الحاصل من التبادر وبين العلم الشخصي الذي يتوقف التبادر
عليه واضح وان قلنا بان ما يتوقف عليه التبادر هو العلم التفصيلي - أيضا ولكنه من عجائب
الكلام إذ لا يتصور الانكشاف بعد الانكشاف الا بتعدد متعلق العلم خارجا أو بتخلل الذهول
والنسيان عند وحدته، وكلاهما مفقودان في محل الكلام.
والحاصل انه لا يعقل الكشف التفصيلي في حال واحد عن شئ مرتين فلو حصل العلم
قبل التبادر بكون معنى اللفظ كذا، لا يعقل كون التبادر موجبا لحصول مصداق آخر
له مع توحد الحال - نعم لا مانع من تكرر الصورة الذهنية بما هو معلوم بالذات، ولكن
لا يعقل الكشف عن المعلوم بالعرض مكررا - هذا ولكن الحق في دفع الاشكال ما عن
الشيخ الرئيس في نظائر المقام من أن العلم التفصيلي بان معنى هذا ذاك على نحو القضية
الحملية، موقوف على التبادر وهو ليس موقوفا على هذا العلم التصديقي المحتاج إلى تصور
40

الموضوع والمحمول بل يحصل بالعلم الارتكازي من مباديه وعلله كعلم الأطفال بمعاني
الألفاظ ومفاد اللغات.
(ثم) انه لا اشكال في اشتراط كاشفية التبادر بكونه مستندا إلى حاق اللفظ، لا
إلى القرينة، ولكنه هل لنا طريق مضبوط إلى اثباته من الاطراد وغيره بان يقال إن التبادر
من اللفظ مطردا دليل على كونه مستندا إلى الوضع - الظاهر عدمه، لان كون الاطراد
فقط موجبا للعلم بذلك ممنوع وخروج عن البحث، وتوهم كونه طريقا عقلائيا مع عدم
حصول العلم منه واضح الفساد - إذ لم يثبت لنا من العقلاء التمسك به ولو عند احتمال
كون الانفهام مستندا إلى قرينة عامة بين أهل التخاطب، كما أن أصالة عدم القرينة انما
يحتج به العقلاء لاثبات المراد بعد العلم بالحقيقة والمجاز لا على تعيين واحد منهما بعد العلم
بالمراد
ومن تلك العلائم صحة الحمل والسلب، والظاهر أن المراد بهما صحتهما عند
نفسه لا عند غيره إذ الثاني يرجع إلى تنصيص أهل اللغة واللسان، لان العلم (ح) بصحة الحمل
وكونه حملا أوليا أو شايعا بالذات، لا يحصل الا بتصريح الغير فيرجع إلى
تنصيصهم - واما صحة عند نفسه فالتحقيق ان الاستكشاف واستعلام الحال حاصل من
التبادر الحاصل من تصور الموضوع، السابق على الحمل وسلبه، فيكون
اسناده إلى الحمل أو سلبه في غير محله، توضيح ذلك: ان الحاكم المستعلم بحماه
لابد ان يتصور الموضوع أولا بماله من المعنى الارتكازي حتى يجده متحدا مع المعنى
المشكوك فيه في مفهومه، ثم يحمل المحمول المتصور على الموضوع المعلوم حملا أوليا
ولولا ذلك لما كان لحكمه وزن ولا قيمة، وعندئذ إذا وجده في عالم التصور متحدا معه
قبل حمله فقد علم بوضع اللفظ للمعنى، ولم يبق لتأثير صحة الحمل في رفع الستر مجال
واما الحمل الشايع فلا يكون علامة الا إذا كان شايعا ذاتيا لكونه كاشفا عن المصداق
الحقيقي كما في قولنا البياض أبيض، لا عرضيا (و ح) إن كان المستعلم مرددا في كون
الحمل ذاتيا أو عرضيا لم يمكن له استكشاف الوضع من مجرد الحمل، وإن كان عالما
بكونه حملا ذاتيا، وانه من قبيل حمل الكلى على بعض مصاديقه الحقيقية، فقد علم المعنى
41

قبل الحمل، إذ للعلم بكونه مصداقا حقيقيا ذاتيا مستلزم للعلم بكونه موضوعا للطبيعة المطلقة،
والقول بان التبادر مغفول عنه غير مسموع، كالقول بان صحة الحمل والسلب الإرتكازيين موجبة
للحمل التفصيلي كما مر نظيره في التبادر، وذلك لان الباحث المستعلم للوضع لا يتصور
له الغفلة عن ضالته المنشودة، ابدا ولو قبل الوصول إلى الحمل وسلبه، ومما ذكرنا يعلم
حال صحة السلب في جعله دليلا على المجازية لان العلم بصحته يتوقف على العلم بتغاير
الطرفين مفهوما أو مصداقا عالم التصور ومعه لا حاجة إلى سلب الحمل
وهناك تفصيل يترائى من بعض الكلمات بين الحمل المتداول بين اللغويين كما
في قولهم (ان الغيث هو المطر) فيصح فيه، وبين الحمل الأولى الدائر بين أهل الفن من
حمل الذاتيات على الذات كما في قولنا (الانسان حيوان ناطق) فلا يمكن استكشاف الوضع
بصحته، لان الحد مفهوم مركب مفصل ويمتنع أن يكون مفهوم الانسان لان مفهوم كل
مفرد بسيط مجمل.
وفيه انا نقول بان الغرض من الحمل ليس اثبات وضع اللفظ لذلك المفصل بل
لماهية بسيطة يكون هذا المفصل حدا لها، بحيث إذا انحلت رجعت إليه، (وبالجملة)
هذا المبين حاك عن الذات البسيط المجمل والشك في وضع اللفظ لذاك المجمل دون الأول
المفصل - وربما يعلل كاشفية صحة الحمل عن الوضع وصحة السلب عن عدمه بان الوجود
اللفظي نحو وجود للمعنى ومن مراتب وجوده واللفظ لما كان فانيا فيه صار نحو تحقق
له وبذلك تتنافر الطباع عن سلبه عنه ويراه بمنزلة سلب الشئ عن نفسه وبذلك أيضا
خرج عن مشابهة ما تتنافر عن سلبه عنه من اللفظ الذي لم يوضع له
قلت الظاهر أن ما هو العلامة انما هو صحة سلب اللفظ وعدمها بماله بمن المعنى
لا بما هو لفظ، والا فنفس اللفظ بما هو حروف تصح سلبها عن معناها، وما ذيل به كلامه
من حديث التنافر أقوى شاهد عليه، إذ ما تتنافر الطباع عنه هو اللفظ بما هو مرآت المعنى
لا بما هو صورة وعرض فعاد المحذور المتقدم
ومنها الاطراد وعدمه، وقد قرر بوجوه، أمتنها انه: إذا اطرد استعمال لفظ في.
افراد كلي بحيثية خاصة، كرجل باعتبار الرجولية في زيد وعمرو، مع القطع بكونه
42

غير موضوع لكل واحد على حدة، استكشف منه وجود علاقة الوضع بينها وبين ذاك الكلى
وعلم أنه موضوع للطبيعي من المعنى، واحتمال كونها مجازا بالعلاقة، مدفوع بعدم الاطراد
في علائق المجاز - كما أن عدم الاطراد يدل على عدم الوضع إذ معه يطرد الاستعمال
ولكنه مخدوش بان استعمال اللفظ الموضوع للكلي في افراده بمالها من الخصوصية
والعوارض يكون مجازا مع العلاقة أو حسن الاستعمال وغلطا بدونهما، فاحتمال كون
ذلك الاستعمال حقيقة مننف رأسا، بل امره دائر بين الغلط والمجاز، كما أن تطبيق
المعنى الارتكازي عليها مطردا بلا إرادة الخصوصية يوجب التخلف في العلامة، إذا العلامة
(ح) هي صحة الحمل، وقد عرفت ارجاعها إلى التبادر أيضا، لما عرفت من أن التطبيق
فرع العلم بكون المعنى قابلا للانطباق على الافراد، وبذلك يتضح الجواب عن تقرير
آخر له، بان يقال إن الاستعمال في الموضوع له لا يتوقف على غير الوضع فيطرد، ولكن
المجاز يتوقف على مصحح الادعاء وحسن الاستعمال قبول الطباع على المختار في باب المجازات
وهما لا يطردان
وجه الفساد ان العلم بصحة الاستعمال مطردا يتوقف على فهم المعنى الموضوع
له، كما أن العلم بحسن الادعاء ومصححه يتوقف على تشخيص الموضوع له فتحصل مما
مر ان التبادر هو العلامة وغيره مسبوق به أو راجع إليه
الأمر التاسع - قد ذكر وافى باب تعارض الأحوال مرجحات ظنية لم يقم دليل
على اعتبارها والمتبع لدى أهل المحاورة هو الظهور فان تحقق فهو والا فلا تعتبر نعم يقع
الكلام في أن ما لدي العقلاء في اخذ المراد وصحة الانتساب هل هو أصالة الظهور: أو أصالة
الحقيقة، أو أصالة عدم القرينة، فعند ما احتف الكلام بما يحتمل القرينية، فالظهور متبع
على الأول والثاني، إن كان أصل الحقيقة أصلا تعبديا، دون الثالث إذ القدر المتيقن حجيته
لديهم إذا شك في أصل وجود القرينة لافى قرينية الموجود وسيأتي تحقيق الحال فيها
إن شاء الله.
(ثم) ان هنا أصلا لفظيا عند دوران الامر بين النقل وعدمه، قد أفرط بعضهم في الاحتجاج
به، وهو أصالة عدم النقل ويقال انها أصل عقلائي حجة مع جميع مثبتاتها - والحق ان
43

اعتمادهم عليها انما هو فيما إذا شك في أصل النقل لا مع العلم به والشك في تقدمه على
الاستعمال وتأخره عنه - والمدرك لهذا الأصل عندهم في الأول هو حكم الفطرة الثابتة لهم
من عدم رفع اليد عن الحجة بلا حجة، وعن الظهور الثابت بمجرد احتمال لا الاستصحاب
العقلائي إذ هو مما لا أصل له كما سيوافيك (إن شاء الله) في محله وان عملهم عليه في بعض
الموارد لإطمينانهم بالبقاء وعدم اعتدادهم باحتمال الخلاف لضعفه وهو غير مسألة الاستصحاب
ولما عدم حجيته في القسم الثاني ولو مع العلم بتاريخ الاستعمال، فلعدم ثبوت ذلك منهم.
لو لم نقل بثبوت عدم تعويلهم عليه.
والعجب من شيخنا العلامة حيث ذهب إلى الاحتجاج بالقسم الأخير قائلا بان الحجة
لا يرفع اليد عنها الا بحجة مثلها. وان الوضع السابق حجة فلا يتجاوز عنه الا بعد العلم
بالوضع الثاني - وأنت خبير بان المتبع لديهم والحجة هو الظهور لا الوضع بنفسه، والعلم
بتعاقب الوضعين من الشك في تقدم الثاني منهما على الاستعمال وتأخره عنه يمنع عن انعقاده
كما هو ظاهر أضف إلى ذلك أنه لا معنى للفرق بين الأقسام بعد كون الوضع الأول هو المتبع
مع عدم العلم بنقض الوضع الثاني للوضع الأول حال الاستعمال.
(ثم) انه قد يترائى من بعض المحققين تفصيل أعجب، فإنه حكم بجريان
الأصل المزبور إذا علم تاريخ الاستعمال، وجهل تاريخ النقل، وأثبت به استعمال اللفظ
في المعنى الأول لحجية مثبتاته، وحكم بلزوم التوقف فيما علم تاريخ النقل وجهل تاريخ
الاستعمال، قائلا بان العقلاء ليس لهم بناء عملي في الاستعمال، كما أنه حكم بلزوم التوقف
أيضا في مجهولي التاريخ لا لما قيل من تساقط الأصلين بالمعارضة بل لعدم احراز موضوع
الأثر لأنه مترتب على عدم الوضع الجديد في ظرف الاستعمال، ومن المعلوم ان مفاد الأصل
هو جر العدم في جميع اجزاء الزمان المشكوك فيه، لا اثباته بالإضافة إلى أمر آخر، وعليه
لا يمكن احراز عدم الوضع حين الاستعمال به، لا لعدم احراز عنوان (المقارنة والتقييد)
حتى يقال إن الأصل العقلائي حجة مع مثبتاته، بل لان نفس القيد أعني الاستعمال مشكوك
فيه حين اجزائه كالوضع فلا يمكن احراز موضوع الأثر بالأصل نعم لو كان مفاد الأصل
جر العدم بالإضافة إلى أمر آخر لأمكن احراز الموضوع في المقام لكنه خلاف التحقيق
وهذا بخلاف القسم الأول إذ الأصل والوجدان هناك يحققان موضوع الأثر. (انتهى
44

ملخصا) وفيه مواقع للنظر:
(منها:) ان الظاهر منه ان أصالة عدم النقل عبارة عن الاستصحاب العقلائي (فح) يكون
أركانه موجودة في جميع صور الشك، فمع الشك في تأخر الاستعمال والعلم بتاريخ الوضع
يجرى الأصل ويثبت لوازمه، مثل كون الاستعمال في حال الوضع الثاني مع العلم بهجر
الأول وكذا الحال في مجهولي التاريخ ودعوى عدم بناء عملي على عدم الاستعمال غير
مسموعة، كدعوى عدم امكان احراز موضوع الأثر، وما قد يتوهم من أن الأصل جار في
النقل لندرته دون الاستعمال واضح الفساد، لان النادر أصل النقل، ولكن الكلام في
تقدمه وتأخره بعد العلم بتحققه.
(ومنها) ان اجراء الأصل في عمود الزمان ان لم يثبت نفس الاستعمال، لا يثبت استعماله
في المعنى الأول أيضا فإنه حادث كنفس القيد، وما يكون محرزا هو أصل الاستعمال لا
الاستعمال في المعنى الأول، مع أن أصل الاستعمال وجداني في الصورتين كما أن المستعمل
فيه مشكوك في في كلتيهما - ولو قيل إن استصحاب العدم هو جره فقد لا إلى كذا وكذا
فهو مع فساده، يستلزم عدم الانتاج في الصورة الأولى أيضا، فإذا أمكن جره إلى الزمان
المعلوم أمكن جره إلى الزمان المعين واقعا المجهول عندنا.
(ومنها:) ان ما ذكره من احراز موضوع الأثر بالأصل والوجدان في الصورة الأولى
غير تام، لأن عدم النقل ونفس الاستعمال ليسا موضوعين للأثر، بل الموضوع هو ما يثبت
بالاستعمال أي المعنى المراد، ولو سلم ذلك فلا فارق بين الصورتين.
الأمر العاشر في ثبوت الحقيقة الشرعية في ألفاظ العبادات والمعاملات في
لسان الشارع تعيينا أو تعينا وعدمه - يرى الواقف على كتب القوم حديثها وقديمها،
ان الاستدلالات الواقعة في نقضها واثباتها جلها تخرصات على الغيب، إذا التاريخ الموجود
بين أيدينا الحافظ لسيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وحياته وافعاله حتى العادي منها فضلا عما
له ربط بالتشريع، لم يحفظ ذكرا عن الوضع التعييني، مع أنه لو كان هناك شئ لنقل إلينا
لتوفر الدواعي على نقله.
كما أن الآيات القرآنية، مكيتها ومدنيتها، قريبتها عن البعثة وبعيدتها، تعطى الطمأنينة
بان هذه الألفاظ من لدن نزول الذكر الحكيم استعملت في تلك المعاني من غير احتفافها
45

بالقرينة لا مقالية كما هو واضح، ولا حالية ودعوى وجود الحالية كما ترى - ووجودها
في حديث واحد في قولها صلى الله عليه وآله صلوا كما رأيتموني اصلى. لا يدل على وجودها في غيره.
الست إذا نظرت إلى قوله تعالى في سورة المزمل المكية النازلة في أوائل البعثة
(وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) وما في المدثر المكية (قالوا لم نك من المصلين) وما في
سورة القيامة والأعلى والعلق المكيات. تعلم أن كلها شواهد بينة على أن ألفاظ العبادات
كانت معلوم المفهوم لدى النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه ومعاصريه من الكفار. وكانوا يفهمون
معانيها بلا معونة قرينة.
فعند ذلك لابد لك من أحد أمرين: اما القول بمعهودية هذه العبادات والمعاملات
لدى العرب المتشرعة في تلك الاعصار وكان ألفاظها مستعملة في تلك الماهيات ولو مع
اختلاف في بعض الخصوصيات، سيما مع ملاحظة معهودية تلك العبادات قبل النبي صلى الله عليه وآله
في الأمم السالفة. وانه لم يظهر من سيرة النبي صلى الله عليه وآله اختراع عبادة جديدة، سوى شئ
لا يذكر، كما أنه لم يظهر منه صلى الله عليه وآله اختراع معاملة محدثة حتى في مثل الخلع والمبارات
سوى المتعة لاحتمال كونها مخترعة ولكنها أيضا ليست ماهية برأسها. بل هي قسم من النكاح.
أو القول بثبوت الوضع منه صلى الله عليه وآله بنفس الاستعمال وما قد يتوهم من لزوم الجمع بين اللحاظ
الالى والاستقلالي. مدفوع مضافا إلى منع لزوم الغفلة عن اللفظ حين الاستعمال دائما، بأنه يمكن
أن يكون من باب جعل ملزوم بجعل لازمه ويكون الاستعمال كناية عن الوضع من غير توجه إلى
الجعل حين الاستعمال وان التفت إليه سابقا أو سيلتفت بنظرة ثانية وهذا المقدار كاف في الوضع.
أو يقال إن المستعمل شخص اللفظ والموضوع له طبيعته وكلا الوجهين لا يخلو من
تأمل، مع أن الأول مخالف لما هو المألوف في الاستعمالات الكنائية - وكيف كان اثبات
الوضع ولو بهذا النحو موقوف على ثبوت كون العبادات أو هي مع المعاملات من مخترعات
شرعنا وانها لم تكن عند العرب المتشرعة في تلك الأزمنة بمعهودة وانى لنا باثباته.
وعلى كل حال الثمرة المعروفة أو الفرضية النادرة الفائدة مما لا طائل تحتها عند
التأمل حيث انا نقطع بان الاستعمالات الواردة في مدارك فقهنا انما يراد منها هذه المعاني
التي عندنا فراجع وتدبر
الامر الحادي عشر (في الصحيح والأعم) ولنذكر قبل الشروع
46

في البحث أمورا:
(الأول:) الظاهران التعبير الدائر بين القوم في عنوان هذا البحث. من أن ألفاظ
العبادات أو المعاملات هل هي موضوعة للصحيح أو الأعم أو هي اسام للصحيح أو للأعم
انما هو لأجل سهولة التعبير، والا فلا يخلو من قصور لكونه غير جامع للآراء لان استعمال ألفاظ
العبادات والمعاملات في المعاني المصطلحة كما يحتمل أن يكون من باب الوضع التعييني يحتمل
أن يكون من باب الوضع التعيني بل يحتمل كونه من باب المجار وقد مران الوضع التعيني
ليس بوضع حقيقة فعلى التعبير الأول يخرج كلا الرأيين أعني كونه من باب الوضع التعيني
أو من باب المجاز عن محل البحث وعلى التعبير الثاني يخرج المجاز فقط كما لا يخفى
والأولى ان يعنون البحث هكذا: (ان الأصل في استعمالات الشارع لألفاظ العبادات
والمعاملات ماذا) فيدخل فيه الجميع حتى المجاز سيما على ما قويناه من كونه عبارة عن
الاستعمال فيما وضع له مع ادعاء انطباقه على المصداق المجازى فيقال ان الأصل هو الادعاء
بالنسبة إلى المصداق الصحيح أو الأعم - فما قد يقال من لغوية البحث بناء عليه ليس بشئ
بل يمكن القول بجريان البحث المثمر حتى على مذهب الباقلاني من دون وروما اورده
عليه بعض أعاظم العصر، حيث قال: إن القرينة ان دلت على جميع ما يعتبر في المأمور به
فلا شك ليتمسك بالاطلاق (ح) وان دلت على اعتبارها بنحو الاجمال فليس هناك اطلاق
لفظي، واما الاطلاق المقامي فهو جار على كلا القولين
وجه الاشكال انه يمكن ان يقال بناء على هذا القول: هل الأصل في القرينة الدالة
على الاجزاء والشرائط هو إقامة القرينة المجملة على ما ينطبق على الصحيحة لكي لا يجوز
التمسك بالاطلاق أو على ما ينطبق على الأعم حتى يجوز وبالجملة لا فرق بين هذا القول
وبين القول بالمجاز والامر سهل
(الثاني:) ان العناوين المعروفة في عقد الباب كلها لا تخلو من تكلف والأولى عنوانه
هكذا: (بحث)) في تعيين الموضوع له في الألفاظ المتداولة في الشريعة. أو في تعيين المسمى
لها. أو في تعيين الأصل في الاستعمال (فيها) على اختلاف في الآراء والمشارب - إذ ما افاده
القوم غير خال عن النظر والظاهر أن الذي اوقعهم فيه انما هو سهولة عبارته فعبروا عن الشئ
بلازم وجوده مع أنه غير تام.
47

توضيح المقام: انه لا وقع للقول بان المراد من لفظي للصحيح والأعم هو الصحيح
بالحمل الأولى حتى تقيد الصلاة بمفهوم الصحة وضدها. كما أنه لا وقع لارجاعه إلى أن
المراد به ما هو صحيح بالحمل الشايع. إذ الصحيح من الصلاة الخارجية إن كان موضوعا
له بنحو الوجود السعي فهو يستلزم وجود الجامع في الخارج بنحو الوحدة الحقيقية وقد
عرفت استحالته وإن كان بنحو الفردية والمصداقية فهو مستلزم لكون الوضع عاما والموضوع
له خاصا - إذا الفرد الواقعي قد يتصادق عليه العنوانان والا فكل عنوان يباين الاخر مفهوما
(أضف إليه) ان الصحيح تحقيقا هو ما حاز جميع ما يعتبر فيه حتى ما يتأتى من قبل الامر مع
خروج مثلها عن حريم النزاع - والتشبث بكون الصحة أمرا اضافيا فتكون صحيحة مع
قطع النظر عن الشرائط التي تأتى من قبل الامر، مما لا يساعده العرف واللغة.
وتوهم اصطلاح خاص للأصولي كما ترى. ولا يقصر عنه التمحل بان المراد من
الصحة هو الصحة التعليقية. أعني ما إذا انضم إليه جميع ما يعتبر فيها صار صحيحا (والحاصل)
ان اخذ الصحيح في عنوان البحث والقول بأنه الموضوع له لا يصح بأي معنى فرض
والأولى ان يجعل الموضوع له هو الماهية الاعتبارية لا عنوان الصحيح والأعم و
يقال: إن لفظة الصحيح وضده عنوانان مشيران إلى تلك المرتبة ويقال هل الموضوع له هو
الماهية التي إذا وجدت في الخارج ينطبق عليها عنوان الصحيح أو الأعم
وأولي منه اسقاط لفظي الصحيح والأعم من عنوان البحث إذ لا ملزم لابقاء العنوان
على حاله والتزام تكلفات باردة لتشديده فيقال في عنوانه بحث (في تعيين الموضوع له في الألفاظ
المتداولة في الشريعة أو في تعيين المسمى لها أو في تعيين الأصل في الاستعمال فيها) على
اختلاف التعبيرات كما مر
وما يقال من أن الصلاة مثلا موضوعة للماهية المتصورة في الذهن مرآة إلى الخارج
وهى بما انها فرد موجود ذهني صحيحة بالحمل الشايع. لا ينبغي الاصغاء إليه. إذا الصحة
والفساد من لوازم الوجود الخارجي دون الماهية الذهنية وعليه فالفرد الذهني لا يمكن
أن يكون مصداقا لواحد منهما - هذا وقد ذكر بعضهم للصحيح معنى آخر وهو كونه
بمعنى التمامية عرفا ولغة واستراح به عن بعض الاشكالات. وهو لم يذكر له مصدرا و
مرجعا مع أن العرف واللغة اللذين تشبث بذيلهما يناديان بخلاف ما ادعاه.
كيف وبين الصحة والفساد تقابل التضاد كما أن بين النقص والتمام تقابل العدم
48

والملكة (وتوضيح: ذلك) ان الصحة والفساد كيفيتان وجوديتان عارضتان للشئ في الوجود
الخارجي باعتبار اتصافه بكيفية ملائمة لطبيعته النوعية، فيقال بطيخ صحيح بالملاك
المذكور كما أنه إذا اتصف بكيفية منافرة أو باثر لا يترقب من نوعه يقال إنه فاسد كمرارته
أو فساده وهذا بخلاف النقص والتمام فان ملاك الاطلاق فيهما انما هو جامعيته للاجزاء
والشرائط وعدمها، مثلا الانسان الذي له عين أو يد واحدة يقال إنه ناقص لا فاسد وفي
مقابله التمام، نعم يطلق عليه الصحة باعتبار كيفيته المزاجية لا من جهة الأعضاء
(فان قلت:) فعليه لابد ان لا يصح توصيف الكيفيات والحقائق البسيطة بالتمام
وضده لفقدان التركيب فيهما (قلت:) الظاهر أن الاطلاق في أشباه ذلك انما هو باعتبار
لحاظ الدرجات، فيقال للوجود الشديد انه وجود تام وللضعيف انه ناقص وقس عليه
النور وشبهه، كما أن اطلاق الصحة والفساد. بالمعنى المذكور على الماهيات الاعتبارية
كالصلاة والصوم، من باب التوسع في الاطلاق، لان اجزاء تلك الماهيات لها وحدة في وعاء
الاعتبار وهيئة إتصالية ولذا يقال إنه قد قطع صلوته أو أفطر صومه إذا اتى بما ينافيه، فعروض
الفساد لها انما هو من جهة فقدانها بعض ما هو معتبر فيها كما في الموجودات الخارجية
الحقيقية، لكن باعتبار تخلف الأثر وادعاء ترتب كيفية منافرة عليها
هذا والطريق الوحيد للتخلص عما تقدم من الاشكال لمن اشتهى ابقاء البحث على
حاله ليس الا بالقول باستعمال الصحة والفساد في التمام والنقص أعني استعمال ذاك المفهوم
في هذا المفهوم ولكنه بعد غير صحيح لعدم وجود العلاقة بينهما واتحادهما بحسب
المصداق لا يصحح العلاقة.
(الثالث) يجد المتتبع في خلال كلمات القوم ان عباراتهم في تحرير محل البحث
مشوشة جدا فبعضهم خصه بالاجزاء واخرج الشرائط عنه مطلقا، سواء كانت مما أخذت
في متعلق الأمر كالطهور والستر أم لم تؤخذ فيه، وسواء أمكن اخذها وان لم تؤخذ فعلا
كالشروط العقلية المحضة مثل اشتراط كون المأمور به غير مزاحم بضده الأهم أو كونه
غير منهى عنه بالفعل، أو كان مما وقع الخلاف في امكان اخذه فيه كالشرط الذي يأتي من
قبل الامر، كقصده وقصد الوجه - وبالجملة قد قصر هذا القائل البحث على الاجزاء واخرج
الشرائط بأجمعها عن حريمه.
49

واستدل عليه بان رتبة الاجزاء رتبة المقتضى ورتبة الشرائط متأخرة عن رتبة
المقتضى فلا يسوغ ادخالها في المسمى لتستوى مع الاجزاء في المرتبة (انتهى)
ولحن الاستدلال يتضمن جوابه، لان مجرد وقوع الشئ في مرتبة علل شئ بحسب
التكوين أو الاعتبار لا يمنع من جعل اسم واحد للمجموع، لوقوعها في أفق النفس
دفعة واحدة
وبما يجاب عنه بالتمسك بذيل الحصة، بيان ذلك ان الموضوع له هو الاجزاء المقترنة
بالشرائط، أعني تلك الحصة الخاصة من الاجزاء دون مطلقها، و (ح) لا يصدق مع فقد
بعض الشرائط بناء على القول بالصحيح - واما على الأعم فالموضوع له هو مطلق الطبيعة
لا الحصة الخاصة منها (انتهى).
هذا ولكن يعود السؤال عليه بان المقارنة والتحصص ان أخذت على نحو القيدية
فقد عاد الاشكال ودخلت الشرائط تحت المسمى، وان أخذت على سبيل الحينية فما وجه
الامتياز بين هذ، الحصة وغيرها في عالم التصور وما الدليل على انحصار صدقها على المقترنة
فقد دون الفاقدة، بعد الاعتراف بوضع اللفظ للطبيعة المطلقة من دون اخذ قيد فيها.
(ثم) ان بعضهم لما رأى التفريط في الرأي المتقدم عدل عنه واخذ برأي متوسط
وادخل من الشرائط ما كان مأخوذا بالفعل في المأمور به، دون ما يأتي من قبل الامر و
دون الشرائط العقلية التي يمكن اخذها - ولكنه جوز ادخال ذلك كله في محل النزاع و
ان لم يكن داخلا بالفعل. خلافا لمن ادعى عدم امكانه رأسا نظرا إلى أن تعيين المسمى
مقدم على الامر المتقدم على قصده وقصد وجهه وكذلك مقدم على ابتلائه بالضد أو تعلق
النهى به فلا يمكن اخذ ما يأتي من قبله في الموضوع له (انتهى).
ولكن الحق امكان دخول الجميع في النزاع، اما على القول بامكان اخذ ما لا
يأتي الامن قبل الامر في المتعلق فواضح واما على الامتناع فلجواز دعوى كون المسمى
غير ما يتعلق به الطلب ولزوم تقدم المسمى على الطلب لا دليل عليه
(ان قلت:) يلزم (ح) اللغوية في التسمية لأنها مقدمة على البعث إليها. (قلت) الكلام
انما هو في الامكان العقلي لافى الوقوعي
هذا بحسب الثبوت واما بحسب الاثبات فالشواهد على ما ادعيناه لائحة متى
50

تفحصت استدلالات القوم، حيث ترى ان الأعمى يسوق برهانه بأنه يلزم على قول الخصم تكرار
معنى الطلب في الأوامر المتعلقة بها، لان الامر (ح) يرجع إلى الامر بالمطلوب فيكون المعنى
طلب مطلوبه ويلزم الدور لتوقف الصحة على الطلب وهو عليها، فراجع الفصول وتجد ان المطلوب
منها هو التام جزءا وشرطا وترى الصحيحي لم يستشكل عليه بكون النزاع في غير هذه الشرائط
ويشهد له أيضا قول المحقق الخراساني في استدلاله بان وحدة الأثر كاشفة عن
وحدة المؤثر فان الأثر مترتب على تام الاجزاء والشرائط مطلقا. وحمله على المؤثر الاقتضائي
أو التعليقي أو بعض المؤثر تعسف ظاهر.
هذا ولكن بعدما عرفت من أن الموضوع له ليس عنواني الصحيح والأعم يمكن
ان يقال إن الشرائط ليست على سنخ واحد بل بعضها من قيود المسمى بحيث ينحل المسمى
إلى اجزاء وتقيدات، وبعضها الاخر من شروط تحقق المسمى خارجا ولا دخالة له في
الماهية. أو من موانع تحققه في الخارج من دون أن يكون عدمه دخيلا في الماهية أيضا
ولا يبعد أن يكون ما يأتي من قبل الامر من شروط التحقق كما أن الشرائط العقلية، مثل
عدم ابتلائه بالضد وعدم كونه منهيا عنه من قبيل نفى موانع التحقق - فهما غير داخلين
في الماهية وخارجان عن محل البحث والنزاع ففي الحقيقة النزاع - يرجع إلى أن الشروط
أيها من شرائط المسمى بحيث لا يصدق على الفاقد وأيها من شروط الصحة والتحقق
حتى يصدق على فاقدها، هذا بالنسبة إلى الشرائط
واما الاجزاء فيقع النزاع فيها في أن جميعها من مقومات ماهية المسمى أو بعضها
خارج عنها ويكون من اجزائه إذا فرض تحققه في الخارج، كالاجزاء المستحبة بناء على
كونها توابع الموجود من غير اخذها في مقومات لماهية فتدبر، وسيجيئ للكلام تتميم
والمسألة بعد لا تخلو من غموض واشكال
الرابع انه لابد من تصوير جامع على كلا الرأيين - فان الثمرة المعروفة أعني
جواز التمسك بالاطلاق وعدمه تتوقف عليه لا محالة، مضافا إلى اتفاقهم على عموم الوضع
والموضوع له وعدم تعدد الأوضاع بالاشتراك اللفظي - فنقول ان هناك بينات في تصوير
الجامع:
منها ما عن المحقق الخراساني من أنه لا اشكال في امكان تصويره على القول
51

بالصحيح وامكان الإشارة إليه بخواصه وآثاره فان الاشتراك في الأثر كاشفا عن الاشتراك
في جامع واحد يؤثر الكل فيه بذلك الجامع، فيصح تصوير المسمى بالصلاة مثلا بالناهية
عن الفحشاء وما هو معراج المؤمن (انتهى)
وما أظنك إذا تأملت في عبائر كتابه ان تنسب إليه انه قائل بان الصلاة موضوعة
لنفس الأثر أو للمقيد به أو للمقيد بالملاكات سيما بعد تصريحه بان الأثر انما يشاربه
إليه، لا انه الموضوع له. وبذلك يظهر الخلل فيما اورده عليه بعض الأعاظم من أن الملاكات
انما تكون من باب الدواعي لا المسببات التوليدية وليست الصلاة بنفسها علة تامة لمعراج
المؤمن، بل تحتاج إلى مقدمات آخر، من تصفية الملائكة وغيرها، (فح) لا يصح التكليف
بها لا بنفسها ولا باخذها قيدا لمتعلق التكليف إذ يعتبر في المكلف به كونه مقدورا عليه
بتمام قيوده وعليه لا يصح أن تكون هي الجامع بين الافراد أو كاشفا عنه إذا لكاشف والمعرف
يعتبر فيه أن يكون ملازما للمعرف بوجه (انتهى)
(وأنت خبير) بان الشئ إذا كان علة لحصول اثر وحداني أو كان الأثر الوحداني
قائما به لا باس بوضع اللفظ لذات ذاك المؤثر، أو ما قام به الأثر، ويمكن الإشارة إليهما
بالأثر والملاك ويتعلق التكليف بذاته من دون تقييده بالملاك والأثر - هذا مضافا إلى أنه
لو فرضناه قيدا للمأمور به يمكن تحصيله ولا يلزم منه التكليف بغير المقدور لما نعلم
من تعقب هذه الأركان بتصفية الملائكة وشبهها فلا مانع لنا من تحصيل هذا القيد أيضا.
(نعم) الذي يرد على ما ذكر من تصوير الجامع بالبيان المذكور، انه لو صح فإنما
يصح في الواحد البحت البسيط الذي ليس فيه رائحة التركيب (تبعا لبرهانها الذي
يعرفه أهل الفن كما تقدم) لا في الواحد الاعتباري على أن اثر الصلاة بناء على ما ذكره
كثير إذ كونها ناهية عن الفحشاء غير كونها عمود الدين وهكذا، فلو كان الكل صادرا
عنها لزم أن يكون فيه حيثيات متكثرة حسب تكثر تلك الآثار مع بعد التزامهم بجامع
هذا حاله بل يمكن ان يقال إنه لا معنى لنهيها عن الفحشاء الا كونها مانعة ودافعة عنها
ومن المعلوم ان الفحشاء له أقسام وأنواع، فاذن لابد أن تكون فيها حيثيات تكون بكل
حيثية ناهية عن بعضها
ودعوى ان ذكر هذه الآثار في كلام الشارع من قبيل التفنن في العبارة والا فالجميع
52

يرجع إلى معنى واحد ويشير إلى شئ فارد وهو الكمال الحاصل للمصلى بسبب عمله القربى،
تخرص على الغيب
ومنها ما عن بعض محققي العصر وهو ان الجامع لا ينحصر في العنواني حتى لا
يلتزم به أحد ولا في المقولي حتى يقال بان الصلاة مركبة من مقولات مختلفه وهى متباينات ولا
جامع فوق الأجناس العالية، بل هناك جامع آخر وهو مرتبة خاصة من الوجود الجامع بين
تلك المقولات المتباينة الماهية فتكون الصلاة أمرا بسيطا خاصا يصدق على القليل والكثير
لكون ما به الاشتراك عين ما به الامتياز، فان الوجود اخذ لا بشرط - إلى أن قال - (ان قلت):
بناء على هذا يكون مفهوم الصلاة مثلا هو تلك الحصة من الوجود الساري في المقولات
المزبورة وهو فاسد - (قلت): مفهوم الصلاة كسائر مفاهيم الألفاظ منتزع من مطابق
خارجي ولكن عند التحليل نقول إنه هو الصحة الخاصة المقترنة بالمقولات الخاصة نحو
مفهوم المشتق فإنه بسيط ولكنه عند التحليل يقال إنه مركب من ذات وحدث.
فاتضح ان هناك جامعا لا ماهويا ولا عنوانيا وهو مرتبة خاصة من الوجود الساري
في جملة من المقولات (انتهى كلامه قده) - وفيه غرائب من الكلام ويرد عليه أمور (منها:)
ان الحصة الخارجية لا يمكن ان تنطبق على الافراد انطباق الكلى على افراد ه ومنها ان
الوجود الخارجي كيف صار وجود المقولات المختلفة بالذات وما معنى هذا السريان المذكور
في كلامه ثم إن الوجود الخارجي إذا كان جامعا ومسمى بالصلاة فلازمه تعلق الامر اما به
أو بغيره وفسادهما لا يحتاج إلى البيان (ومنها) ان ما ذكره أخيرا من أن مفهومها كساير المفاهيم
منتزع عن مطابقه الخارجي، يناقض ما جعله جامعا من الحصة الخارجية أو الوجود السعي
وان أراد من الحصة الخارحية الكلى المقيد، على وجه التسامح، يصير أسوء حالا من
سابقه لان الكلى المقيد يكون من سنخ المفاهيم، فيكون مفهوم الصلاة مساوقا لمفهوم
الوجود المقيد الذي لا ينطبق الا على تلك المقولات الخاصة، وهو لا يلتزم بذلك - أضف
إليه ان الجامع يصير عنوانيا مع أنه بصدد الفرار عنه
(ثم إنه) قدس سره قاس الجامع في الصلاة بالكلمة والكلام حيث قال: إن الجامع
بين افرادهما عبارة عن المركب من جزئين على نحو يكون ذلك المعنى المركب بشرط
شئ من طرف القلة ولا بشرط من طرف الزيادة كذلك حال الجامع بين افراد الصلاة (انتهى)
53

وأنت خبير بأنه أيضا لا يغنى شيئا إذ صدق الكلمة على المختلفات ليس الا لكونها
عبارة عن لفظ موضوع لمعنى مفرد وهو صادق على الجميع حتى البسائط من الكلمات، لا
لما ذكره (قدس سره) من اخذها لا بشرط من جانب الكثرة وبشرط لا من جانب القلة وبالجملة
لا أرى لكلامه وجها صحيحا ولعل غموض المسألة وصعوبة تصوير الجامع دعاه إلى
هذه التكلفات أو قرع سمعه اصطلاح بعض في الوجود الساري فاشتهى يراده في المقام
مع كونها اجنبا منه
ومنها ما افاده بعض الأعيان من المحققين ومحصله ان سنخ المعاني والماهيات
على عكس الوجود كلما كان الابهام فيها أكثر كان الشمول والاطلاق فيها أوفر، فإن كانت
الماهيات من الحقايق كان الابهام فيها بلحاظ الطوارى والعوارض مع حفظ نفسها
وإن كانت من الأمور المؤتلفة من عدة أمور بحيث تزيد وتنقص كما وكيفا فمقتضى الوضع
لها بحيث يعمها ان تلاحظ على نحو مبهم في غاية الابهام بمعرفية بعض العناوين غير المنفكة
عنها كالخمر فهي مبهمة من حيث اتخاذها من المواد المختلفة من العنب والتمر ومن
حيث اللون والطعم ومرتبة الاسكار فلا يمكن وضعها للمايع الخاص الا بمعرفية المسكرية
من دون لحاظ الخصوصية تفصيلا
وفي مثل الصلاة مع اختلاف الشديد بين مراتبها لابدان يوضع لفظها لنسخ عمل
معرفه النهى عن الفحشاء والمنكر، بل العرف لا ينتقلون من سماعها الا إلى سنخ عمل مبهم
من جميع الجهات الا من حيث كونه مطلوبا في الأوقات المعلومة وهذا غير النكرة فإنه لم
يؤخذ فيها خصوصية البدلية (انتهى)
وفيه بعد تسليم تعاكس المعاني والوجودات في الاطلاق والشمول مع غمض النظر
عما يتوجه إليه، انه على أي حال لابد للصلاة من جامع متواط يصدق على افراده ويكون
أمرا متعينا متحصلا في مقام تجوهر ذاتها، يعرضه الابهام بلحاظ الطوارى والعوارض، والا
لزم أن يكون من قبيل الفرد المردد مما دخل الابهام في حد ذاته ومرتبة تحصله، وقد فر
منه (قدس سره) (فح) هذا الامر الذي يسمى جامعا اما يكون من العناوين الخارجية
أو من المقولات، وكلاهما فاسدان كما لا يخفى، مع أنه لم تنحل العقدة بما ذكره، بل
أوكل الامر إلى معنى مبهم وامر مجهول، بل الظاهر أن كلامه لا يخلوا عن مصادرة فتدبر
54

وبالجملة ان ماهية الصلاة تقال على افرادها بالتواطي فلابد لها من جامع صادق عليها
بحيث يكون أمرا متعينا في حد ذاته ولو بالاعتبار ويكون عروض الابهام له بلحاظ الطوارى و
العوارض، لوضوح ان الابهام في نفس الذات لا يتصور الا في الفرد المردد وقد عرفت انه
(قدس سره). قد فر منه، (فح) اما يقول بأنه جامع عنواني خارجي أو مقولي وقد علمت فسادهما
واما المختار فيتوقف بيانه على تقديم مقدمة وهى:
ان محط البحث للاعلام انما هو تصوير جامع كلي قابل الانطباق على الافراد المختلفة
كيفا وكما (فح) مرتبة فرض الجامع متقدمة على مرتبة عروض الصحة والفساد عليه، لما
عرفت سابقا من أنهما من عوارض وجود العبادات خارجا
وتوهم كونهما من الأمور الإضافية بحيث يجوز أن تكون ماهية صحيحة من حيثية و
فاسدة من أخرى كما ترى، بل هما من الأمور المتضادة وبينهما تقابل التضاد كما مر نعم
ربما يكون ماهية موجودة من الطبايع الحقيقية بعضها فاسد بقول مطلق وبعضها صحيح
كذلك، وذلك مثل البطيخ الذي فسد نصفه وبقى الاخر صحيحا، ولكن الصلاة إذا فقدت
بعض اجزائها أو شرائطها لا تتصف بالصحة والفساد لا بهذا المعنى ولا بالمعنى الإضافي - بل
هذه الصلاة الموجودة مع فقدان بعض شروطها أو وجود بعض موانعها فرد من الصلاة عرضها
الفساد فقط في الخارج وليست بصحيحة كما انها لا تكون صحيحة من جهة وفاسدة من
أخرى، ولا صحيحة في النصف وفاسدة في النصف الآخر.
ومن ذلك يظهر لك ان بعض ما هو من الشرائط ويكون دخيلا في اتصافها بالصحة
خارجا، غير داخل في محط البحث لما عرفت من أن البحث في المرتبة المتقدمة على الوجود
الخارجي، وما يعرضه من الصحة ومقابلها - وعلى هذا لا مناص عن الاعتراف بكون الموضوع
له أمرا ينطبق على مقالة الأعمى لما علمت من أن الماهية التي وضعت لها لفظة (الصلاة)
إذا وجدت في الخارج مجردة عن تلك الشرائط التي عرفت خروجها عن الموضوع له، تتصف
لا محالة بالفساد ولا يمكن اتصافها بالصحة في هذا الحال، فلا تكون الماهية الموضوع
لها الصلاة متصفة في الخارج بالصحة دائما، وهذا بعيه مقالة الأعمى وإن كان لفظه قاصرا
عن إفادته - وقد تقدم ان النزاع ليس في وضع هذه الألفاظ لمفهومي الصحيح والأعم و
لا للماهية المتقيدة بمفهوم الصحة، بل لا يمكن الوضع لماهية ملازمة لها، لان المفهوم الصحة
55

وحقيقتها غير لازمين للماهية لأنها من عوارض الوجود، كما أنه لا يمكن وضعها لماهية إذا
وجدت في الخارج كانت صحيحة لما عرفت آنفا من خروج بعض شروط الصحة من حريم
النزاع، فظهر من ذلك كله ان الماهية الموضوع لها الصلاة لا تكون ملازمة للصحة و
كذلك ساير ما أشبهها فلا مجال (ح) للنزاع الا مع الغاء عنواني الصحيح والأعم ويقال هل الألفاظ
موضوعة لماهية تامة للاجزاء والشرايط الكذائية أو ما هو ملازم لها أو لا ولعل نظر القوم
ذلك لكن تخلل الصحيح والأعم لسهولة التعبير، فتدبر
وإذ قد عرفت ذلك: فاعلم أن المركبات الاعتبارية إذا اشتملت على هيئة ومادة يمكن
ان يؤخذ كل منهما في مقام الوضع لا بشرط، لا بمعنى لحاظه كذلك فإنه ينافي اللا شرطية
بل بمعنى عدم اللحاظ في مقام التسمية الا للمادة والهيئة بعرضهما العريض، وذلك كالمخترعات
من الصنايع المستحدثة، فان مخترعها بعد ان أحكمها من مواد مختلفه والفها على هيئة
خاصة وضع لها اسم الطيارة أو السيارة أو ما أشبههما ولكن اخذ كلا من موادها وهيئاتها
لا بشرط، ولذا ترى ان تكامل الصنعة كثيرا ما يوجب تغييرا في موادها أو تبديلا في شأن
من شؤون هيئتها ومع ذلك يطلق عليها اسمها كما في السابق، وليس ذلك الا لاخذ الهيئة
والمادة لا بشرط أي عدم لحاظ مادة وهيئة خاصة فيها.
توضيح الكلام ان المركبات الاعتبارية على قسمين، قسم يكون الملحوظ
فيه كثرة معينة، كالعشرة، فإنها واحدة في قبال العشرين والثلاثين لكن لوحظ فيها كثرة
معينة، بحيث تنعدم بفقدان واحد منها، فلا يقال للتسعة عشرة وقسم آخر يكون فيه
قوام الوجود الاعتباري بهيئته وصورته العرضية ولم يلحظ فيه كثرة معينة في ناحية المادة
بحيث ما دام هيئتها وصورتها العرضية موجودة يطلق عليها اللفظ الموضوع وان تقلل مواد
ها أو تكثرت أو تبدلت وان شئت قلت: ان الهيئة قد ابتلعت هذه المواد والاجزاء و
صارت مقصودة في اللحاظ كما في مثال السيارة بالنسبة إلى هيئتها القائمة باجزائها - هذا
حال المادة
واما الهيئة فقد تلاحظ بنحو التعين واخرى بنحو اللابشرط مثل مادتها بعرضها
العريض كما مر - والحاصل ان المركبات غير الحقيقة قد تؤخذ موادها فانية في هيئاتها و
يقصر النظر إلى الهيئات ومع ذلك تؤخذ الهيئة أيضا لا بشرط، وذلك مثل الدار والسيارة
56

والبيت ونحوها التي يشار إليها بلفظ واحد إلى جامع عرضي بين افرادها بعد فقدان الجامع
الحقيقي المؤلف من الجنس والفصل فيها، وبالجملة لا يمكن الإشارة إلى الجامع بينها
الا بعناوين عرضية كالعبادة الخاصة في الصلاة والمركوب الخاص أو المسكن الخاص
في مثل السيارة والدار والبيت - فاذن البيت بيت، سواء اخذ مواده من الحجر والطين
أو من الجص والخزف، بنى على هيئة المربع أو المثلث أو غيرهما، إذا الواضع وضع هذا اللفظ
لهيئة مخصوصة تكون المواد فانية فيها ومع ذلك لم يلحظ الهيئة أيضا معينة من جميع الجهات
إذا عرفت هذا، فنقول انه لا منع عن القول بكون الصلاة واضرابها موضوعة لنفس
الهيئة اللا بشرطية الموجودة في الفرائض والنوافل قصرها وتمامها وما وجب على الصحيح
والمريض باقسامها، الا بعض المراتب التي لا تكون صلاة كصلاة الغرقى.
والحاصل انها وضعت لهيئة خاصة مأخوذة على النحو اللابشرط فانية فيها
موادها الخاصة، من ذكر وقرآن وركوع وسجود، تصدق على الميسور من كل واحد منها،
وهيئتها صورة إتصالية خاصة حافظة لمادتها أخذت لا بشرط في بعض الجهات - نعم فرق
بينها وبين ما تقدم من الأمثلة كالدار والسيارة، حيث إنه في المقام نحو تضييق في المواد
من التبكير إلى التسليم، الا انه مع ذلك التحديد لها عرض عريض إذ كل واحد من
اجزاء موادها مثل الركوع والسجود جزء بعرضه العريض ولكن الغرض متوجه إلى الهيئة
الخضوعية التي تصدق على فاقد الحمد والتشهد وغيرها من الاجزاء مع بقاء ما يحفظ
به صورتها.
ثم بعد ما أسمعناك حقيقة الوضع في المركبات الاعتبارية تعرف ان الشرائط كلها
خارجة عن الماهية وانها عبارة عن الهيئة الخاصة الحالة في اجزاء خاصة تتحد معها اتحاد
الصورة مع المادة، كما أن عنواني الصحيح والأعم خارجان عن الموضوع له رأسا.
الخامسة لعلك تتوهم من هذا البيان انه يلزم عليه عدم امكان التمسك بالبرائة
عند الشك في جزئية شئ للمأمور به، إذ نسبة الاجزاء إلى الهيئة نسبة المحصل إلى المحصل،
والشك في دخالة شئ في المادة يرجع إلى الشك في محقق الهيئة البسيطة المعلومة من
حيث المفهوم ولكنك إذا نظرت إليه بعين الدقة ترى سقوط التوهم المذكور، إذ فرق
بين القول بان الصلاة مثلا موضوعة للناهية عن الفحشاء والمنكر أو ما يكون ملزوم ذلك،
57

وبين ما ذكرنا، إذ الهيئة الخضوعية والصلوتية مشاهدة معلومة لافراد المسلمين ومرتكزة
لأهل القبلة لا يشك فيها العاكف والبادي، والمسمى محقق ولو عند فقدان ما يشك في
وجوبه، بل وعند فقدان بعض ما يعلم وجوبه أيضا، (فح) الشك لا يرجع إلى الشك في تحقق
المسمى بل إلى شرطية شئ أو جزئيته للمأمور به زائدا على ما يتحقق به المسمى
وان شئت قلت: ان المأمور به هو الهيئة الوحدانية الحاصلة من تلك المواد من
دون ان يتعلق النظر إلى الكثرات والمواد، وهى متحدة معها اتحاد الصورة مع المادة،
وليس هنا من المحصل والمحصل عين ولا اثر - فعند ذلك إذا تعلق الامر بتلك الهيئة التي
اتخذت لنفسها حقيقة وحدانية يكون ذلك بعثا إلى الاجزاء والمواد التي تنحل الماهية
إليها، إذ الامر بايجاد صورة البيت أو بناء المسجد عند التحليل أمر وبعث إلى تهيئة اجزائها بهيئة
معلومة، من دون تعلق الامر مستقلا بتلك المواد ولا الامر الضمني والمقدمي على القول
بهما فالامر بالواحد أمر بالكثرات عند التحليل فإذا شك في نظر الانحلال إلى جزئية شئ
أو شرطيته للمأمور به يرجع ذلك إلى أصل تعلق الامر به في لحاظ الكثرة بعد العلم بتعلقه
بسائرها (وان أبيت) الا عن القول بكون المواد من المحصلات للهيئات فيجاب بامكان اجراء
البراءة في نفس الهيئة البسيطة الموجودة في الخارج بوجود اجزائه القابلة للزيادة والنقيصة
كما في مثل الخط إذا شك في كون الواجب منه مطلق وجوده الذي يصدق على الطويل
والقصير والقليل والكثير أو مقدارا خاصا منه فتجرى البراءة بالنسبة إلى الخصوصية المشكوكة
(والحاصل) ان الشئ المشكوك فيه بما له دخل في زيادة الهيئة كمية وكيفية يكون مرجع الشك
فيه إلى الشك في خصوصية زائدة على أصل المسمى لما هو المفروض من صدقه بدونه.
(واما) على ما ذكره المحقق الخراساني في مقام تصوير الجامع فالظاهر عدم
امكان اجراء البراءة وان قلنا باتحاد الامر الانتزاعي مع الاجزاء خارجا بل لافرق بين اختيار
كون المأمور به هو عنوان معراج المؤمن والقول بأنه الامر البسيط الذي يكون مبدءا
لهذا الأثر، وسواء قيل بتقييد المأمور به، به أم لا
توضيح ذلك: ان حديث الانحلال إلى معلوم ومشكوك انما يصح إذا لم يتعلق الامر
بعنوان معلوم، وإن كانت معلوميته مستندة إلى أنه مبدء لاثر خاص، أو كان ذلك الأثر
عنوانا مشيرا إليه لا قيدا لان الكل مشترك في تعلق الامر بشئ بسيط معلوم بوجه، فلابد
58

من تحصيل اليقين بالفراغ منه، والشك في جزء منه يكون راجعا إلى الشك في تحقق
ذلك المعلوم وجوبه، فلابد من الاتيان به لاحتمال ان لا يكون الماتى بدونه عين ما قامت
عليه الحجة وتعلق به العلم تفصيلا.
والعجب مما صدر عن بعض القائلين بالصحيح من جريان الأصل هنا على مبناه أيضا،
وأنكر بذلك جعل القول بجريان البراءة والاشتغال ثمرة لهذا النزاع، وملخص ما افاده:
ان المأمور به إذا كان بسيطا ذا مراتب يتحقق بعض مراتبه بتحقق بعض الأمور المحصلة
له، فان شك في دخالة شئ آخر في تحقق مرتبته العليا، لكان موردا للبرائة.
توضيح خلله: انك قد عرفت ان أحسن ما يمكن ان يوجه به مقالة القائل بالصحيح
ان يقال: إن الألفاظ وضعت لماهية إذا وجدت في الخارج انطبق عليها عنوان الصحيح بالحمل
الشايع، (فح) لابد أن يكون الموضوع له عنوانا يلازم الصحة خارجا، وعند ذلك إذا وقع
العنوان الملازم للصحة موردا للامر يكون الشك في جزئية شئ له أو شرطيته راجعا إلى
الشك في تحقق ذلك العنوان الملازم للصحة ويكون المرجع هو الاشتغال بعد معلومية
المأمور به، ولا يتفاوت في ذلك كون العنوان البسيط قابلا للنقص والكمال أو الزيادة
والنقصان وعدمه، لأن الشك في جميع الحالات راجع إلى تحقق المتعلق المعلوم كونه
ملازما للصحة خارجا ومع ذلك لا يمكن احراز حال الفرد.
وما ذكره من أن الشك انما هو في دخل شئ في مرتبته العليا مع تحقق المسمى
المأمور به بدونه، عدول عن المبنى لأن الشك انما هو في دخالة شئ في تحقق أصل العنوان
المأمور به لا فيما إذا علم به وشك فيما يوجب الزيادة والفضيلة - فيه والحاصل ان مراده
من العلم بتحقق بعض المراتب إن كان ما يلازم الصحة في الخارج فلا معنى للشك في دخالة
شئ فيه بعدد ذلك، للعلم بأنه غير واجب. وإن كان الغرض تحقق بعض مراتبه مع الشك
في صحته فهذا عين القول بالأعم - نعم لو فسرنا مقالة الصحيحي بأنها موضوعة بإزاء الماهية
الجامعة للشرائط والاجزاء. وان اطلاقها على غيرها مجاز. أو فسرناها بالصحة الشأنية
كان لجريان البراءة وجه - الا ان الأول بعيد مع كثرة الاستعمالات في الاخبار في غيرها
مضافا إلى أن التبادل يدفعه والثاني عين القول بالأعم
والحاصل ان القائل بالصحيح لو جعل الجامع عنوانا بسيطا معلوما بأحد العناوين
59

والإشارات. لما كان له مناص عن القول بالاشتغال.
هذا وقد يترتب على هذا النزاع ثمرة أخرى وهى صحة التمسك بالاطلاق على
الأعم دون الصحيح - وضعفها بعضهم بفقدان الصغرى. وانه ليس في الكتاب والسنة اطلاق
يحتج به - وزيفها بعض آخر بأنه تكفى الثمرة الفرضية في هذا البحث الطويل الذيل -
ونقده. ثالث من جانب آخر بان المسمى وإن كان أعم على الفرض الا ان المأمور به هو
الصحيح على القولين والاخذ بالاطلاق بعد التقييد اخذ بالشبهة المصداقية.
ولكن لا يخفى ما في جميع ذلك. إذ كيف ينكر الفقيه المتتبع في الأبواب وجود
الاطلاق فيها. أم كيف يرتضى المجيب رمى الأكابر بصرف العمر فيهما لا طائل تحته وان
الثالث كيف اشتبه عليه الامر إذا البعث لم يتعلق بعنوان الصحيح أو ما يلازمه بل تعلق بنفس
العناوين على الأعم، فإذا ثبت كونها في مقام البيان أخذنا باطلاقها ما لم يرد لها مقيد، ووجود
قيد منفصل لا يكشف عن بطلان الاطلاق الدائر بين الأدلة كما لا يخفى
واما ما قد يجاب به عن هذا الاشكال من أن المخصص لبى غير ارتكازي وفي
مثله يصح التمسك بالاطلاق والعموم في الشبهة المصداقية، أضعف من أصل الاشكال،
لما ستعرف من أنه بعد سقوط أصالة الجد لدى العقلاء في الفراد المخصص لا يحتج بالعام
لديهم في الافراد المشكوكة ولا فرق عندهم في ذلك بين اللفظي وغيره فانتظر حتى حين.
في أدلة القولين
وإذ قد عرفت ما تقدم فاعلم: انه قد ادعى غير واحد من القوم التبادر للمعنى الذي
اختاره وارتضاه المحقق الخراساني لما استقربه من القول بالصحيح ولكن يرد على ما ادعاه
اشكال، حاصله: ان للماهية في وعاء تقررها تقدما على لوازمها وعلى الوجود الذي
هو مظهر لها، كما انها متقدمة على لوازم الوجود بمرتبتين، لتوسط الوجود بينها وبين
لوازم الوجود، وإذا أضفت ذلك إلى ما قد علمت سابقا من أن النهى عن الفحشاء وكونها
معراج المؤمن وما أشبههما من لوازم الوجود لا من آثار الماهية لعدم كونها منشأ لتلك
الآثار في حد نفسها، تعرف انه لا وجه لهذا التبادر أصلا لان تلك العناوين كلها في مرتبة
متأخرة عن نفس المعنى الماهوى الموضوع له، بل لو قلنا إنها من عوارض الماهية أو لوازمها
كانت أيضا متأخرة عنه فمع ذلك كيف يمكن دعوى تبادرها من لفظ الصلاة مثلا.
60

وان شئت توضيحا لذلك فاعلم: ان ما يتبادر عند اطلاق ألفاظ العبادات وغيرها
أو لا هو نفس الماهية ثم لو لم يكن لها لازم ماهوى ينتقل إلى ما هو مصداقها الخارجي
بواسطة الانس والممارسة، ثانيا، ثم إلى عوارضها الوجودية من الصحة والفساد والآثار
المطلوبة بواسطة الارتكاز العقلائي أو بيان الشارع، ثالثا - و (ح) نقول إن التبادر هو فهم
المعنى من ذات اللفظ وحاقه ولا معنى لتبادر شئ لم يوضع له اللفظ، والانتقال إلى اللوازم
الذهنية أو الخارجية، الدائمية أو الاتفاقية انما هو بعد تبادر أصل المعنى، لأجل الانس و
غيره، فإذا كان الموضوع له ماهية بسيطة مجهولة الا من ناحية بعض العناوين المتأخرة
فلابد لمدعى التبادر ان يدعى تبادر نفس المعنى مقدما على فهم تلك العناوين، و (ح)
لا يعقل أن تكون تلك العناوين معرفة للمعنى في ظرف التبادر لتأخر رتبتها عنه اما
بمرتبتين أو بمرتبة واحدة
(وعلى هذا) يبقى الموضوع له مجهول العنوان والحقيقة في وعاء التبادر من جميع
الجهات وإن كان معروف العنوان وواضح الحقيقة في رتبتين بعده - والحاصل انا لا ننكر
ان الشئ قد يعرف بمعاليله وآثاره وعوارضه كما في التعريف بالرسم ناقصا كان أو تاما،
الا ان وعاء التبادر وخطور الملزوم فقط من اللفظ مقدم على تصور تلك العناوين، فضلا
عن كونها معرفة وموضحة للحقائق والمعروف في ظرف التبادر لابد أن يكون واقعا في
رتبة معرفه، وما ذكروه كلها معرفات بعد رتبة التبادر فيصير المعنى في هذه الدرجة
مجهولا مطلقا ولا معنى لتبادره، والخلط انما نشاء من عدم الفرق بين تبادر المعنى الذي
لا يتصف بالصحة والفساد في مرتبة ذاته وبين فهم الأمور الخارجة عن المعنى، مما هو من
عوارض المصاديق لأجل انس الذهن.
والخلاصة ان مدعى التبادر للصحيح لابد ان يتصور معنى ويعين له عنوانا يساوق
الصحيح في ظرف التبادر حتى يدعى ان المتبادر هو الصحيح، وما ذكروه وإن كان مما
يساوقه الا انه ليس مما يخطر بباله في وعائه بل بعده برتبتين وهذا لا يصحح أمر التبادر،
إذ للأعمى ان يدعى ان الصلاة المعرفة بهذه العناوين قسم من المسمى فتدبر جيدا
ومن ذلك يعرف حال صحة السلب عن الفاسد إذ لا يخلوا ما ان يصح سلب لفظ الصلاة
مثلا عن تلك الماهية بلا معرفية هذه العناوين المتأخرة واما بمعونتها - والأول باطل إذ هي
61

مع قطع النظر عنها مجهولة الكنه غير معلومة المعنى على الفرض فكيف يسلب المجهول
بما هو مجهول عن شئ والثاني أيضا مثله، إذ تعريفها بهذه الآثار يساوق تقييدها بالصحة
الفعلية فيرجع إلى صحه سلب الصلاة الصحيحة عن الفسادة وهى مما لا يقبل الانكار -
والحاصل ان صحة سلب المعنى بما هو هو مما لا يمكن الوصول إليه للجهل به، وسلب المعنى
بمعرفية هذا الأمور بعد فرض كونها معرفات للصحيح غير مفيد أصلا
وتوهم ان تلك العناوين أخذت ظرفا لا قيدا قد مر ما فيه، إذ غاية الأمر عدم اخذها
قيدا الا انها في هذه الحالة لا تنطبق الا على الصحيح، ولا فائدة في صحة سلبها عن الفاسدة.
هذا ويمكن تصحيح دعوى التبادر وصحة السلب، امكانا لا وقوعا، بتقريب ان
من سبر حال الواضعين من السلف والخلف يجد ان المطرد بينهم هو وضع الألفاظ بمقدار
يرفع الحاجة ومهما وقفوا على أشياء أو اخترعوا شيئا من الصنايع وغيرها عينوا بازائها
الفاظا تفيد معانيها عند الاطلاق - ولم يكن ذلك الوضع منهم حين وقوفهم على حقائق الأشياء
بأجناسها وفصولها، إذ قلما يتفق ذلك لبشر، الا الأوحدي من الفلاسفة وعلماء الطبيعة
بل كان العرف الساذج ينتقل من بعض المصاديق إلى جامع ارتكازي، يصلح أن يكون
جامعا بين الافراد من الصورة النوعية وغيرها مما يصلح وقوعه جامعا، وقد أيدت التجربة
ان من اخترع سيارة أو استكشف حيوانا، يشير إلى المصنوع والمستكشف الموجودين
بين يديه ويسميه باسم، لا بما انه اسم لشخص خاص في زمانه ومكانه بل يشير بالتوجه إليه
إلى نفس الجامع ويضع اللفظ بازائه، بمعرفية هذا العنوان من غير نظر إلى خصوصيته
الشخصية بل لجامعه وطبعيته النوعية وبذلك يتضح ان الوضع في غالب تلك الموارد من
قبيل الوضع الخاص والموضوع له العام، لكون الملحوظ عند الوضع شيئا خاصا والموضوع له
أمرا عاما.
نعم لا يلزم تصور الجامع تفصيلا والعلم بحقيقته بل يكفي تصوره اجمالا وارتكازا
فعند ذلك يسوغ للصحيحي ان يدعى ان الصلاة بحسب ارتكاز أهل الشرع يتبادر منها
معنى اجمالي وهو الجامع الذي لا ينطبق الا على الافراد الصحيحة، فلا يكون معنى الصلاة
مبهما ومجهولا في ظرف التبادر وبذلك يندفع الاستحالة التي ذكرناها وهذا وإن كان
يصحح دعوى تبادر الصحيح بحسب الامكان العقلي الا انه بعد ممنوع وقوعا، لان الانصاف
62

ان من اخترع السيارة وعين لفظا خاصا لها، لم ينتقل من الفرد الموجود الا إلى نفس الجامع
الارتكازي من غير لحاظ الخصوصيات من الصحة والفساد - كما أن المتبادر من ألفاظ
العبادات هو نفس طبايعها بما هي، لا بما انها ملزومة للوازم ومعروضة للعوارض، والمتتبع
في الآثار يجد ذلك في عصر النبي صلى الله عليه وآله وزمان الصادقين (ع): عصر نشر الاحكام و
فتح بابها بمصراعيها.
في بعض أدلة القول بالأعم
قد يستدل للقول بالأعم بأنه لا اشكال في صحة النذر بترك الصلاة في الأماكن
المكروهة وحنث النذر بفعلها فيها، ولو كانت موضوعة للصحيحة لزم عدم قدرة المكلف
على مخالفة هذا النذر ومعه لا يتحقق الحنث ابدا - فليزم من صحة النذر عدم صحته
وأنت خبير ما وقع تحت النذر هو الصحيح من الصلاة وان قلنا بمقالة الأعمى في
أصل الوضع، إذا المكروه في تلك الأمكنة ما هو مكتوب على المكلفين لا الاجزاء الرئيسة
ولا الصورة المعهودة فيصير الاشكال مشترك الورود.
نعم قد يقال بعدم صحه النذر هنا من جهة أخرى، وهى ان نسبة الصلاة الواقعة
في الحمام بالنسبة إلى سائر افرادها كنسبة الصلاة الواقعة المسجد الجامع مثلا إلى
الحرمين من دون أن يكون في الفرد الأدنى حزازة في ذاته بل غاية ما يتصور هنا من معنى
الكراهة هو كونها أقل ثوابا من غيرها ومثل ذلك غير كاف في صحة النذر بالترك (هذا) و
لكن ما ذكر أيضا غير وجيه لان الكراهة لم تتعلق بذات الصلاة كي يلزم منه هذا المحذور
بل بايقاعها في الحمام مثلا مضافا إلى أن لازمه اتصاف الصلوات كلها مع اختلافها في مراتب
المطلوبية، بالكراهة ما سوى الفرد الاعلى الذي ليس فوقه فرد آخر - وهو كما ترى -
فصحة النذر في أمثال المقام مما لا غبار عليها.
وهناك أجوبة عن الاشكال - منها: ما افاده شيخنا العلامة (أعلى الله مقامه) وتوضيحه
ان الامر المتعلق بعنوان لا يمكن ان يتجاوز عنه ويسرى إلى الافراد والخصوصيات: إذ الامر
بعث إلى الطبيعة وهى لا تحكى الا عن نفس مفادها المعراة عن كل قيد، فالمأمور به في
قوله تعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى آخر الآية، ليس الأنفس طبيعة الصلاة من
63

غير لحاظ الخصوصيات فيها زمانية كانت أو مكانية من المسجد والحمام - و (ح) ما تعلق به
النهى التنزيهي ليس عين ما تعلق به الامر، بل هو انما تعلق بالكون الرابط - وهو وقوعها
في الحمام - وعلى هذا لا مانع من صحة الصلاة في مفروض البحث لان الكراهة والنهى
يتعلقان بايقاعها في الحمام أو ساير الأماكن المكروهة، والمفروض انه قد أوقعها
فيحنث بذلك.
هذا ولا يخفى ان أكثر الكلمات الواقعة في المقام ناش من الخلط بين متعلق أمر
الصلاة وبين متعلق أمر النذر: فان متعلق الأول وإن كان ذات الصلاة بما هي هي، الا ان
متعلق الاخر هو عنوان الوفاء في قول الشارع مثلا: أوفوا بالنذر، من غير أن يتجاوز عنه
نعم المصداق الخارجي لهما واحد - توضيح ذلك: ان الصلاة المنذور تركها في الحمام لها عناوين
ثلث، (عنوان الصلاة) وهو عنوان ذاتي لها، كما أن الموجود مصداق حقيقي له، و (عنوان
كونها في الحمام) وهو تحيثه باين كذا ووقوعها فيه، وهذا العنوان عنوان عرضي لنفس
الفرد الخارجي كما أنه مصداق عرضي له، و (عنوان كونها) مخالفة للنذر وهذا العنوان أيضا
عرضي كمصداقه - (والحاصل) ان ما يدخل في جوهره وحقيقته هو الأول دون الأخيرين بل
هما ينتزعان من وقوعه في الخارج في أين مخصوص، ومن كونه بفعله مخالفة للامر بالوفاء
وعلى هذا لو فرض تعلق النذر بترك ذات الصلاة وفرض صحته لا الكون الرابط، لا يوجب
صيرورتها محرمة إذ المحرم هو عنوان تخلف النذر المنطبق على الفرد بالعرض فتأمل،
كما أن الواجب بالذات هو طبيعة الصلاة المنطبقة على الفرد الخارجي بالذات - ومن
هنا ذكرنا في محله ان نذر المستحبات مثل صلاة الليل وغيرها لا يوجب اتصافها بالوجوب
بعناوينها بل الواجب هو الوفاء وصلاة الليل مثلا باقية على استحبابها وسيأتى زيادة
توضيح لذلك في بعض المقامات الآتية انشاء الله فانتظر - واما غائلة اجتماع البعث والزجر
في شئ واحد فيرفعها اختلاف متعلقيهما في مقام تعلق الحكم
القول في المعاملات
وينبغي رسم أمور: (الأول) المعروف عدم جريان النزاع فيها بناء على وضعها للمسببات
لان امرها دائر بين الوجود والعدم إذ الماهيات أمور اعتبارية متقومة بالاعتبار، فالشرع
ان وافق العرف فيها تحقق المسبب وان خالفهم كما في نكاح بعض المحارم وفي البيع
64

الربوي فلا - لرجوع مخالفته إلى اعدام الموضوع ونفى الاعتبار، واعتباره مع نفى جميع
الآثار لغو لا معنى له، ولو سلم جوازه فمخالف لارتكاز المتشرعة، لان نكاح المحارم والبيع
الربوي غير واقع رأسا عندهم، فاذن يدور أمر المسببات دائما بين الوجود والعدم - اللهم
الا ان يقال باطلاق الفاسد عليها باعتبار تحققها في محيط أهل العرف فيما كان العرف مساعدا
لتحققها مع عدم ترتب الآثار عليها في محيط التشريع، اما مع لحاظ كل محيط فالامر فيه دائر
بين الوجود والعدم كما ذكرنا، واما الالتزام بكون المسببات أمورا واقعية كشف عنها
الشارع، وان ردعه يرجع إلى عدم ترتب الآثار بعد تحققها فهو أمر واضح البطلان.
الثاني بناء على أن الأسامي موضوعة للصحيح من الأسباب يلزم اجمال الخطاب
لان الاختلاف بين الشرع والعرف (ح) يرجع إلى مفهومها لا إلى المصاديق فقط كما التزم
به المحقق الخراساني، لان الموضوع له لا يكون العقد الصحيح بالحمل الأولى ولا الشايع
لوضوح بطلانهما كما مر نظيره في العبادات، فاذن لا محيص عن القول بوضعها لماهية إذا
وجدت لا تنطبق الا على الصحيح المؤثر (فح) لابد من الالتزام بتضييق دائرة المفهوم حتى لا ينطبق الا
عليه، ولا يعقل رجوع الاختلاف إلى المصداق مع الاتفاق في المفهوم - وبناء على ذلك يلزم الاجمال
في الخطابات وعدم جواز التمسك باطلاقاتها - فمع احتمال دخالة شئ فيها يرجع إلى الشك
في الموضوع ويكون الشبهة مصداقية، بخلاف ما إذا كان الوضع للأعم أو للصحيح عرفا، لجواز
التمسك بالاطلاق (ح) بعد احراز الموضوع، وبه يرتفع الشك عن القيود والشروط المحتملة.
الثالث ربما يقال إنه بناء على كون الأسامي للمسببات لا يجوز التمسك بالاطلاق
عند الشك لان أمر المسبب دائر بين الوجود والعدم كما تقدم، فالتمسك باطلاق أدلة
الامضاء للمسببات المعتبرة عرفا، موقوف على رجوع الأدلة الرادعة إلى نفى الآثار
والخروج تخصيصا لا إلى نفى أصل الاعتبار، لكنك قد عرفت ان نفى الآثار مع امضاء أصل
الموضوع لغو جدا بل مخالف لارتكاز أهل الشرع فلابد من القول برجوع الردع إلى
نفى الموضوع واخراجه تخصصا عن أدلة الامضاء، و (ح) يشكل التمسك بالاطلاق
لصيرورة الشبهة مصداقية.
لا يقال بناء على كون الأسامي للمسبب لا نسلم اختلاف الشرع مع العرف في المفهوم
ضرورة ان مفهوم البيع هو المبادلة المعهودة والإجارة هي نقل المنفعة بالعوض مثلا عند
65

الشرع والعرف، (فح) يرجع الردع إلى عدم اعتبار المصداق واعدام الموضوع فعدم صدق
البيع على الغرري والربوي ليس للتضييق المفهومي بل لعدم اعتبار المصداق بعد التخصيص الراجع
إلى التخصص فلا مانع من التمسك بالاطلاق والعموم لعدم جواز رفع اليد عن الحجة الا بالحجة.
فإنه يقال: انما ينتج التمسك بالاطلاق إذا لم يكن اجمال في الصدق وأنطبق
العنوان على المصداق، ولا ريب في أنه مع احتمال عدم اعتبار الشارع معاملة خاصة بكيفية
خاصة. يرجع الشك إلى الصدق فلا ينتج الاطلاق، وبالجملة إذا رجع ردع الشارع
إلى اعدام الموضوع فمع الشك في ردعه يشك في تطبيق عنوان البيع المأخوذ في دليل
الامضاء عليه وتكون الشبهة مصداقية، فالتحقيق ان يقال: إن
الأدلة الامضائية ليست الا تصديقا للمعاني المرتكزة في أذهان أهل العرف،
إذ أعاظم أصحاب النبي (ص) بل كلهم - وهم العرب الأقحاح - لم يفهموا من قوله تعالى:
أحل الله البيع، ومن قوله (صلى الله عليه وآله): الصلح جائز بين المسلمين، الا
ما كان يفهمون من نظائرهما قبل نزول الوحي، ولم يكن منطق النبي صلى الله عليه وآله الا كمنطق
بعضهم مع بعض (فح) لا تكون أدلة الردع الا تخصيصا حكميا لا اعداما للموضوع واخراجا
تخصيصيا - إذا الموضوع هو المعنى العرفي فاخراج الربوي عنه موضوعا، اما يراد به
اخراجه عن محيط العرف وهو باطل لرجوعه إلى اعدام اعتبار أهل العرف وهو ليس في
قوة التشريع كما هو واضح، واما عن محيط الشرع وهو مسلم لما عرفت من أن رفع الحكم
عنه يلازم الغاء موضوعيته دفعا للغوية، لكن هذا المعنى لا يوجب اخراجه عن تحت أدلة
الامضاء موضوعا، لأن المفروض ان موضوعها عرفي لا شرعي ولا ينافي ذلك ما مر من أن
البيع الربوي ونكاح المحارم في أذهان المتشرعة خارج موضوعا إذ ذلك لا يستلزم
كونه كذلك في ناحية بناء العقلاء، الذي يتوجه إليه العمومات والاطلاقات ويكون هو المرجع
فيها
هذا وقد يتمسك هنا بالاطلاق المقامي لكشف حال الموضوع ولكن ذلك إذا لم
يثبت اطلاق لفظي والا استغنى به عنه
إذا عرفت ذلك فاعلم: ان التبادر وارتكاز المتشرعة وغيرهما تساعد على
كون أسماء المعاملات أسامي للمسببات أعني تبادل المالين، في البيع وما أشبهه في ساير
66

المعاملات، والمراد من المسبب ما يحصل بالأسباب ويوجد بها - وتخيل كونها موضوعة
لنفس الأسباب المحصلة لها، أو النتيجة الحاصلة من الأسباب والمسببات من صيرورة العوض
ملكا للمشترى والثمن للبايع مثلا، (مدفوع) بكون الارتكاز على خلاف الأول، واما الثاني
أعني كونها موضوعة لنفس النتيجة فيرده عدم صحة اطلاق عنوان البيع أو الإجارة أو
غيرهما على النتيجة، وقد عرفت سابقا انه بناء على كونها موضوعة للمسببات يرتفع النزاع
من البين لدوران امرها (ح) بين أحد الامرين، الوجود والعدم - نعم على القول بكونها
موضوعة للأسباب فالتبادر يساعد القول بالأعم مضافا إلى ما عرفت من كيفية الوضع.
خاتمة
ولنختم هذا البحث بتصوير جزء الفرد وشرطه في المركبات الاعتبارة بعد اشتمالها
على مقومات الماهية، إذ تصويرهما في الافراد الخارجية للماهيات الحقيقية واضح جدا
لان الماهية ولوازمها وعوارضها وعوارض وجودها وإن كانت متغايرة في عالم التصور
الا ان الوجود يجمع تلك الشتات بنحو الوحدة والبساطة، بحيث يكون الفرد الخارجي
بهويته الشخصية عين الماهية وعوارضها وجودا (فح) لا مانع للعقل من تحليلها إلى مقومات
وعوارض بحسب الوجود أو الماهية بحيث يقال هذا من علل قوامها وذاك جزء للفرد
ومن عوارض وجوده - ولكن تصويره في الاعتبارات لا يخلو من غموض، وذلك لان الموجود
منها حقيقة هو الاجزاء واما الهيئة التركيبية فليس لها وجود الا بالاعتبار، (فح) يقع الاشكال
في تصوير جزء الفرد، إذ كلما وجد في الخارج من الزوائد فهو موجود بحياله وله تشخص
خاص، وليس هناك شئ يربطه بسائر الأجزاء السابقة سوى اعتبار مجموعها بنحو الوحدة
مرة أخرى، ومن المعلوم أنه يكون (ح) ماهية اعتبارية أخرى في قبال الأولى ويكون
المصداق الخارجي مصداقا لتلك الماهية مع هذه الزيادة، وبدونها يكون مصداقا للأولى
والحاصل ان اجزاء الفرد وشرائطه هي ما يكون من كمالات الموجود ولا محالة
تتحد معه خارجا وهذا لا يتحقق في الماهيات الاعتبارية لفقدان ما به الاتحاد فيها الا في
عالم الاعتبار وهو موجب لصيرورة الاجزاء دخيلة في نفس الماهية لا في الفرد
هذا ولكن يمكن دفع الاشكال بان يقال: إن لبعض المركبات غير الحقيقية هيئة خاصة
يكون المركب متقوما بها كما عرفت في مقام تصوير الجامع، فالبيت والقصر حقيقتهما
67

متقومة بهيئة ما، لا بشرط، ولا تحقق لهما في الخارج الا بوجود موادهما على وضع خاص
(فح) نقول كل ماله هيئة قائمة باجزاء يكون حسن الهيئة وتفاضلها باعتبار التناسب الحاصل
بين الاجزاء فالحسن أينما وجد يكون مرهون التناسب فحسن الصوت والخط عبارة عن
تناسب اجزائهما - فلا يقال الشعر حسن الا إذا تناسبت جمله، ولا للدار الا إذا تناسبت
مرافقها، وغرفاتها، فربما تكون غرفة في دار توجب حسنها لايقاعها التناسب بين الاجزاء
وكذلك الصلاة فإنها ليست نفس الاجزاء بالأسر، بل لها هيئة خاصة لدى المتشرعة زائدة
على اجزائها فيمكن أن يكون تفاوت افرادها في الفضيلة لأجل تفاوتها في المناسبة الموجودة
بين اجزائها وإن كان درك هذا التناسب غير ممكن لنا - فلا يبعدان يكون للقنوت دخالة
في حسن الهيئة الصلوئية ويكون المصداق الذي وجد فيه أحسن صورة من فاقده
مع خروجه عن الماهية رأسا ولعلك لو تأملت في أشباه المقام ونظائره يسهل لك تصديق
ما ذكرنا
في الاشتراك
الأمر الثاني عشر الحق وقوع الاشتراك فضلا عن امكانه، ومنشأه اما
تداخل اللغات أو حدوث الأوضاع التعينية بالاستعمال فيما يناسب المعنى الأول أو غير
ذلك من الأسباب.
وقد أفرط جماعة فذهبوا إلى وجوبه لتناهي الألفاظ وعدم تناهى المعاني - وفيه
انه ان أريد من عدم التناهى معناه الحقيقي فمردود بعدم الحاجة إلى الجميع، لو سلمنا عدم
التناهى في نفس الامر مع أن فيه اشكالا ومنعا - وان أريد منه الكثرة العرفية فنمنع عدم
كفايتها مع كثرة الوضع للكليات.
كما فرط آخرون فاختاروا امتناعه استنادا إلى أن الوضع عبارة عن جعل اللفظ
عنوانا مرآتيا للمعنى وفانيا فيه - وقد يقال في توضيح ذلك: ان الوضع يستعد اللفظ للمرآتية
وبالاستعمال تصير فعليا - والجواب ان صيرورة اللفظ فانيا في المعنى غير معقولة، ان
قصرنا النظر إليهما وقطعنا النظر عن لحاظ المتكلم - وتوهم كونه في لحاظ المتكلم
كذلك، وانه يلاحظ اللفظ منظورا به لا منظورا فيه، لا يوجب امتناع جعله مرآتين
68

ومن ذلك يظهر فساد ما برهن به أيضا على الامتناع من أن الوضع عبارة عن جعل
الملازمة الذهنية بين اللفظ والمعنى أو ما يستلزمها، (فح) يلزم من الوضع لمعنيين ان
يحصل عند تصور اللفظ انتقالان مستقلان دفعة واحدة - - وأنت خبير بما فيه، إذ لم يقم
البرهان على كون الاستقلال بمعنى عدم وجود انتقال آخر معه، من لوازم الوضع، وان
أريد من الاستقلال ما يكون في مقابل الانتقال إلى معنى واحد منحل إلى اثنين، كمفهوم
الاثنين حيث يكون الانتقال إلى الواحد في ضمنه، ففيه مضافا إلى عدم لزومه لو استعمل
في واحد وأقيم قرينة عليه، انا لا نسلم امتناعه بل هو واقع كما سيجئ عن قريب انشاء الله
الأمر الثالث عشر التحقيق جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد
ومورد النزاع ما إذا كان كل من المعنيين متعلقا للنفي والاثبات بحياله، فخرج من حريم
البحث ما إذا استعمل في معنى واحد ذي اجزاء أو ذي افراد.
والدليل على ما اخترناه وقوعه في كلمات الأدباء والشعراء، وما استدل به للامتناع
وجوه غير تامة نتعرض لمهماتها
الأول ما ذكره صاحب الكفاية من لزوم اجتماع اللحاظين الأليين في لفظ
واحد وهو محال - وتقرير الملازمة بوجهين - أحدهما ان الاستعمال هو افناء اللفظ في المعنى
فيكون لحاظه تبعا للحاظه، فإذا استعمل في شيئين يكون تابعا لهما في اللحاظ فيجتمع
فيه لحاظان آليان بالتبع - (ثانيهما) ان لحاظ اللفظ والمعنى لابد منه في كل استعمال، لامتناع
الاستعمال مع الذهول عن واحد منهما، فإذا استعمل في شيئين لزم لحاظ اللفظ
مرتين فاجتمع اللحاظان
ويمكن تقرير بطلان التالي، بان تشخص الملحوظ بالذات انما هو باللحاظ وتعين
اللحاظ بالملحوظ، كما أن الامر كذلك في باب العلم والمعلوم، بل ما نحن فيه من
قبيله، (فح) اجتماع اللحاظين في شئ يساوق كون الشئ الواحد شيئين، وتعلق العلمين
بمعلوم واحد يستلزم كون الواحد اثنين، بل لا يمكن الجمع في الملحوظ بالعرض أيضا
للزوم كون العلوم بالعرض، التابع للمعلوم بالذات في الانكشاف، منكشفا في آن واحد
مرتين وهو محال.
ويجاب عنه بمنع الملازمة، اما على الوجه الأول فلان المنظور من التبعية إن كان
69

ان المتكلم يتصور المعنى ويتبعه الانتقال إلى اللفظ، فلا يجب من تصور المعنيين عرضا، انتقالان
إلى اللفظ، بل لا ينتقل إليه الا انتقالا واحدا كما هو كذلك في الانتقال من اللازمين إلى
ملزوم واحد - وكون النظر هناك إلى اللازمين استقلاليا دون اللفظ لا يوجب الفرق بينهما
فيما نحن بصدده - وإن كان المراد اجتماع اللحاظين في السامع فلا نسلم لزومه، لان السامع
ينتقل من اللفظ إلى المعنى وإن كان اللفظ آلة، فيكون لحاظ المعنى تبعا للحاظ اللفظ
وسماعه، كما أن الناظر إلى الكتابة يدرك نقش المكتوب أولا فينتقل منه إلى المعنى
(فح) إذا كان اللفظ دالا على معنيين انتقل منه إليهما من غير لزوم محذور ابدا
وبالجملة لا يلزم من تبعية الانتقال جمع اللحاظين الانتقالين في اللفظ، كما لا
يلزم اجتماعهما في المعنى إذا سمعنا اللفظ من متكلمين دفعة
فان قلت المراد من تبيعة لحاظ اللفظ للمعنى هو سراية اللحاظ من المعنى
إلى اللفظ فيلزم من الاستعمال في معنيين لحاظان آليان، أو ان المراد كون اللحاظ
متعلقا بالمعنى بالذات وباللفظ بالعرض فيتعدد بتعدد ما بالذات
قلت: ان ذا من العجب إذ كيف يترشح من اللحاظ الاستقلالي لحاظ آلى، وما
هذا الا الانقلاب، كما أن ما ذكره ذيلا خلاف المفروض، إذ لا يلزم منه اجتماع اللحاظين
لعدم اللحاظ في اللفظ حقيقة
واما الجواب عن الوجه الثاني فهو ان ما يكون لازم الاستعمال هو ملحوظية اللفظ
والمعنى وعدم كونهما مغفولا عنهما حاله، واما لزوم لحاظه في كل استعمال لحاظا على حدة
فلم يقم عليه دليل، ولا هو لازم الاستعمال، الا ترى ان قوى النفس كالباصرة والسامعة
آلات لها في الادراك وقد تبصر الشيئين وتسمع الصوتين في عرض واحد، ولا يوجب
ذلك أن يكون للآلتين حضوران لدى النفس بواسطة استعمالهما في ادراك الشيئين
الثاني: ان الاستعمال افناء ويمتنع افناء الشئ الواحد في شيئين وبعبارة أخرى
ان الاستعمال جعل اللفظ بتمامه قالبا للمعنى ولا يمكن أن يكون مع ذلك قالبا لمعنى آخر
والجواب: ان الاستعمال ليس الا جعل اللفظ آلة للأفهام فإن كان المراد
من الفناء وكونه قالبا أو مرآتا أو ما رادفها، هو صيرورة اللفظ نفس المعنى في نفس الامر،
فهو واضح البطلان، إذ لا يمكن له الفناء بحسب وجوده الواقعي بحيث لا يبقى في الواقع
70

الا شيئية المعنى، لان اللفظ باق على فعليته ومع ذلك لا يعقل فنائه، وان أريد منه ان
القصد معطوف بالذات إلى افهام المعنى دونه، فامتناع التالي ممنوع، إذا للفظ يكون
منظورا به والمعنيان منظورا فيهما، وما لهج به بعض أهل الذوق في بعض المقامات غير مربوط
بهذه المباحث فليطلب من محالها
الثالث: ما عن بعض الأعيان ان حقيقة الاستعمال ايجاد المعنى في الخارج
باللفظ حيث إن وجود اللفظ خارجا وجود لطبيعي اللفظ بالذات ولطبيعي المعنى بالجعل
والمواضعة لا بالذات، إذ لا يكون وجود واحد وجود الماهيتين بالذات
كما هو ظاهر، وحيث إن الموجود الخارجي واحد بالذات فلا مجال للقول بان وجود
اللفظ وجود لهذا المعنى خارجا و وجود آخر لمعنى آخر، حيث لا وجود آخر هناك كي
ينسب إليه بالتنزيل.
ولا يخفى انه بالمغالطة أشبه منه بالبرهان، ولعل مبناه ما عن بعض أهل الذوق من أن
الوجود اللفظي من مراتب وجود الشئ، وهوان صح ليس معناه الا كونه موضوعا للمعنى
ومرآتا له بالمواضعة الاعتبارية، وعليه لو كان الموضوع له متعددا أو المستعمل فيه كذلك
لا يلزم منه كونه ذا وجودين أو كونه موجودين، إذ المفروض انه وجود تنزيلي واعتباري
وهو لا يوجب التكثر في الوجود الواقعي فكون شئ وجودا تنزيليا لشئ لا يستنبط منه
سوى كونه بالاعتبار كذلك لا بالذات والحقيقة.
الرابع: ما في بعض الكلمات من استحالة تصور النفس شيئين واستحالة كون
اللفظ علة لحضور معنيين في الذهن، لحديث امتناع صدور الكثير عن الواحد
وأنت خبير بأنه تلفيق محض واخراج الشئ عن مجراه، إذ البداهة قاضية بصحة
تصور الشيئين والا لما صح التصديق بكون شئ شيئا، إذ لا بد عنه الاذعان من تصور الطرفين
معا كما أن التمسك بالقاعدة العقلية في أمثال هذه الموارد، أوهن من بيت العنكبوت، إذ
الدلالة ليست من قبيل صدور شئ، عن شئ مع أنها لو كانت من هذا القبيل لا يمكن اجراء القاعدة
فيها إذ هي مختصة بالبسيط من جميع الجهات
ثم إن هناك تفصيلا أعجب من أصل القول بالامتناع قال به بعض محققي العصر (قدس
سره) وهو انه اختار الامتناع فيما لوحظ كل واحد من المعنيين بلحاظ خاص به، لبعض
الوجوه السابقة، والجواز فيما كان اللفظ حاكيا عن مفهومين ملحوظين بلحاظ واحد - و
71

هذا من عجيب القول، إذ وحدة اللحاظ مع تعدد المعنى إن كانت لأجل وقوع المعنيين تحت
جامع وحداني تجمع ما تفرق، بلحاظ واحد، فقد أسمعناك في صدر المبحث انه خارج من
حريم النزاع - وإن كان مع كون كل من المعنيين ملحوظا بحياله ومستعملا فيه ومع ذلك
يكونان ملحوظين بلحاظ واحد، فهو غير قابل للقبول بل مدفوع بالموازين العلمية - إذ
فرض كون الشيئين موجودين بنعت الكثرة في الذهن مع وحدة اللحاظ، فرض وحدة الكثير
مع كثرته.
والحاصل ان لحاظ النفس ليس الا علمها بالشئ وتصورها إياه فلو وقع المعلوم
بنعت الكثرة في لوح النفس وصفحة الادراك فقد وقع العلم عليه كذلك، إذ التصور
والإدراك وما رادفهما من سنخ الوجود في عالم الذهن ولا معنى لوجود المتكثر بما هو متكثر
بوجود واحد - فتخلص انه لا مانع من استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد عقلا، واما
المنع من جهة القواعد الأدبية أو من جهة اشتراط الواضع فضعيف جدا لا ينبغي البحث
عنه واما ما ورد من أن للقرآن سبعين بطنا فمن غوامض الكلام لا يقف على مغزاه
الا الخائض في لحجج العلم وبحار المعارف فليطلب عن مواضعه، وعلى كل حال لا يرتبط
بالمقام.
الكلام في المشتق
(الأمر الرابع عشرة:) في إفاضة القول في المشتق وانه موضوع لخصوص المتلبس
أو الأعم منه ومما انقضى عنه المبدء ولنقدم امام المقال أمورا
الأول الظاهر أن المسألة لغوية وان البحث معقود لتعيين الموضوع له و
ذهب بعض الأعيان إلى كونها عقلية لأجل ان حمل شئ على شئ انما هو لكون الموضوع
متحيثا بحيثية وواجدا لمبدء به يصح الحمل، والا لجاز حمل كل شئ على كل شئ
ثم إن حدوث ذاك المعنى في الموضوع آنا ما ربما يكفي في صحة الحمل وان
لم يكن له بقاء واستمرار كالأبوة وهى أمر آني ناش من تخلق الابن من مائه ولكن العرف
يراه أمرا مستمرا، ثم فرع على ذلك قول صاحب المحجة: من أن القائل بعدم صحة الاطلاق
على ما انقضى عنه المبدء يرى سنخ الحمل في الجوامد والمشتقات واحدا والقائل
72

بالاطلاق يرى التفاوت بينهما، وانه في الجوامد من قبيل هو هو فلا يقال للهواء انه ماء و
في المشتقات من سنخ ذي هو يكفي، فيه مجرد الخروج من العدم إلى الوجود (انتهى
محصل ما افاده)
ولكنك خبير بان البحث (ح) يندرج في عداد الحقايق ومن الواضح انه لا معنى
للنزاع في أنه الفاقد للمبدء بعدما كان واجدا له هل يقع مصداقا له بالفعل بحسب متن
الامر أولا، وسخافته غير مخفية إذ ميزان الصدق وعدمه دائر مدار اشتماله على المبدء
وعدمه، ولا يعقل صدقه على الفاقد حقيقة حتى يختاره القائل بالأعم، وهذا بخلاف ما
إذا كان البحث لفظيا لان الواضع، له الخيار في تعيين حدود الموضوع له، فله وضع اللفظ
للمتلبس أو للأعم منه، كما أنه بالخيار في تعيين الألفاظ
الثاني في تقسيم العناوين الجارية على الذات فان لها اقساما (منها): ما يكون
منتزعا عن حاق الذات من غير دخالة شئ مطلقا سواء كان الخارج مصداقا ذاتيا له
كالأجناس والأنواع والفصول، أم كالمصداق الذاتي له كما في انتزاع الوجود عن الموجودات
الخارجية - و (منها) ما يكون منتزعا عنه باعتبار تلبسه بشئ وجوديا كان أو عدميا، والامر
الوجودي تارة يكون أمرا حقيقيا كانتزاع العالم والأبيض باعتبار مبدئيهما، واخرى
أمرا انتزاعيا أو اعتباريا، لاحظ له من الوجود الا في وعاء اعتبار العقل وتصويره فالأول
كانتزاع الامكان عن الممكنات - والثاني كالملكية والرقية وغيرهما - هذا وربما يمثل
لدخالة الامر العدمي بالامكان لأنه سلب الضرورتين عن الذات سلبا تحصيليا ولا مشاحة
في المثال ونظيره الأعمى والامى و - (منها) ما يكون العنوان أمرا اشتقاقيا كالضارب
والناطق وقد يكون جامدا كالماء والنار والزوج - و (منها) ما يكون ملازما للذات
في الموطنين أعني الذهن والخارج أو في واحد منهما وقد يكون مفارقا عنه كالاعراض
المفارقة - وهناك أقسام آخر، ضربنا عنها صفحا، وعلى كل حال، التحقيق خروج العناوين
غير الاشتقاقية الصادقة على الذات بذاته كالماء والانسان، عن محل النزاع وقد يعلل
وجه خروجها (كما عن بعض الأعاظم) بان شيئية الشئ بصورته لا بمادته، فإذا فرضنا تبدل
الانسان ترابا فما هو ملاك الانسانية، وهو الصورة النوعية، قد زال واما المادة المشتركة
الباقية، وهى القوة الصرفة لإفاضة الصورة، فهي غير متصفة بالإنسانية - وهذا بخلاف
73

المشتقات العرضية، فان المتصف فيها هو الذات وهو باق بعد انتفاء وصفه (انتهى)
لكنك خبير بان النزاع في المقام لغوى، لا عقلي حتى يتشبث بان فعلية الشئ بصورته
لا بمادته، و (ح) لا مانع من وضع الانسان مثلا للأعم، بعد ما كان عنان الوضع بيد الواضع
إذا التسمية لا تدور مدار هوية الشئ، أضف إليه ان انقضاء المبدء لا يوجب مطلقا زوال
الصورة النوعية ولو عرفا كما في تبدل الخمر خلا، فإنهما ليسا حقيقتين مختلفتين بالفصول
بل هما متحدان في الذاتيات متفارقان في الأوصاف عرفا ومثلهما الماء والثلج، فإنهما أيضا
ليسا جوهرين متباينين بل الاختلاف بينهما من ناحية الوصف، أعني اتصال اجزائهما و
عدمه هذا مع أن النزاع لو كان عقليا لا يعقل صدق المشتق عقلا على ما زال عنه المبدء فلا
يصدق العالم على من زال عنه العلم عقلا بالضرورة، والظاهر أن وجه خروجها عن محط
البحث هو اتفاقهم على كونها موضوعة لنفس العناوين فقط لا للذات المتلبس بها ولو في
زمان ما - وهذا بخلاف المشتقات فان دخول الذات فيها أمر مبحوث عنه غير مختلف فيه فيقع
فيها هذا النزاع
واما الهيئات في المشتقات الاسمية فلا ريب في دخولها جميعا في محل النزاع، سواء
كانت منتزعة من نفس الذات كالموجود، أم لا، وسواء كان المبدء فيها لازما للذات كالممكن
أو مقوما للموضوع كالموجود بالنسبة إلى الماهية، أم لا - وكذا لو كانت منتزعة عن مرتبة
الذات في بعض مصاديقه كالعالم بالنسبة إلى الباري دون بعض، فجميع ذلك داخل تحته
ولا يختص بما يمكن زواله عن الذات حتى يتصور له الانقضاء وذلك لان النزاع وقع في
عنوان عام أعني هيئة المشتق ووضعها نوعي، وحيث إن زنة الفاعل وضعفت نوعيا لاتصاف
خاص من غير نظر إلى المواد وخصوصيات المصاديق، بطل القول بخروج الناطق والممكن
وما أشبههما مما ليس له معنون باق بعد انقضاء المبدء عنها، إذ قد عرفت ان النزاع عنون
بعنوان عام وهو كافل لادخالها تحته، ولا يكون وضع الهيئات باعتبار المواد أو الموارد
متكثرا.
واما العناوين المنتزعة بعناية دخول أمر وجودي أو عدمي حقيقي أو اعتباري مما
ليس من العناوين الاشتقاقية كالزوجية والرقية سواء كانت موضوعة وضعا شخصيا أم
نوعيا كهيئة الاسم المنسوب إلى شئ كالبغدادي والحمامي، فالظاهر دخولها في حريم
74

البحث كما يظهر من فخر المحققين (قده) والشهيد ره، فيمن كان له زوجتان كبيرتان أرضعتا
زوجته الصغيرة مع الدخول باحديهما، حيث قال لا اشكال في تحريم المرضعة الأولى والصغيرة و، اما
لمرضعة الثانية ففي تحريمها اشكال اختار والدي المصنف (قدس سره) وابن إدريس تحريمها فإنه
يصدق عليها انها أم زوجته لعدم اشتراط بقاء المبدء في المشتق - (قلت) ان الموجود في النصوص
هو (أمهات النساء) لا (أم الزوجة) فتحليل المسألة من طريق المشتق ساقط من أصله
والقول بجريانه في مثل (أمهات نسائكم) باعتبار كونه بمعنى زوجاتكم، كما ترى وإن كان يظهر
من الجواهر جريانه فيه أيضا وكيف كان لاعتب علينا في البحث عنها وما أفيد في هذا المقام
فنقول ومنه جل شأنه التوفيق:
قد ذهب بعض الأعيان من المحققين إلى اتحاد المرضعتين في الحكم والملاك
نظرا إلى أن أمومة المرضعة الأولى وبنتية المرتضعة من المتضائفين وهما متكافئان قوة
وفعلا، وبنتية المرتضعة وزوجيتها متضادتان شرعا ففي مرتبة حصول أمومة المرضعة
تحصل بنتية المرتضعة وتلك المرتبة مرتبة زوال زوجية المرتضعة فليست
في مرتبة من المراتب أمومة المرضعة مضافة إلى زوجية المرتضعة حتى تحرم بسبب
كونها أم الزوجة (انتهى) وقد سبقه صاحب الجواهر (قدس سره) إليه وأجاب عنه بان ظاهر
النص والفتوى الاكتفاء بالأمية المقارنة لانفساخ الزوجية في صدق البنتية، إذ البنتية والأمية
وانفساخ الزوجية متحدات في الزمان (ضرورة) كونها معلولات لعلة واحدة فاخر زمان
الزوجية متصل بأول أزمنة صدق الأمية ولعل هذا المقدار كاف في الاندراج تحت
عنوان (أمهات نسائكم) وفيه ان الصدق هنا مسامحي حتى بنظر العرف وهو غير كاف الا
على القول بوضع المشتق للأعم حتى يكون الصدق حقيقيا
وقال بعض الأعاظم ما حاصله: ان الرضاع المحرم علة لتحقق عنوان الأمومة والبنتية
وعنوان البنتية للزوجة المرتضعة علة لانتفاء عنوان الزوجية عنها فانتفاء عنوان الزوجية
عن المرتضعة متأخر بحسب الرتبة عن عنوان البنتية لها ولا محالة انها تكون زوجة في
رتبة تحقق عنوان البنتية لاستحالة ارتفاع النقيضين ففي تلك المرتبة تجتمع الزوجية
والبنتية وكونها أم الزوجة
ولكن ضعفه ظاهر لان الأثر مترتب على ما هي أم زوجة بالحمل الشايع في انظار
أهل العرف ولا دليل شرعي يدل على العلية بين الحكمين حتى يتكلف بتقدير الزوجية
75

في الرتبة كي يقع مصداقا للعمومات - وبعبارة أوضح ان بنتية المرتضعة ليست علة تكوينية
لرفع الزوجية بل لابد في استفادة العلية أو التمانع بينهما من مراجعة الأدلة الشرعية ولا
يستفاد من قوله تعالى: (وأمهات نسائكم) سوى التمانع وان الزوجية لا تجتمع مع العناوين
المحرمة وهو ينافي اجتماعهما في آن، أو رتبة
والتحقيق ان تفريق الفخر (قدس سره) بين المرضعتين ليس لأجل وجود فارق
بينهما في الابتناء على وضع المشتق حتى يقال بان تسليم حرمة الأولى والخلاف في الثانية
مشكل - بل تسليمه لحرمة المرضعة الأولى لأجل الاجماع والنص الصحيح في موردها
دون الثانية ولذلك بنى الثانية على مسألة المشتق دون الأولى وأوضح الحكم فيها من
طريق القواعد لعدم وجود طريق شرعي فيها - ففي صحيحة محمد بن مسلم) عن (أبى
جعفر) (ع)، والحلبي عن أبي عبد الله (ع) قالا: لو أن رجلا تزوج بجارية رضيعة فأرضعتها
امرأته فسد النكاح فان الظاهر فساد نكاح الرضيعة ويحتمل فساد نكاحهما - واما حرمة
الثانية فليست اجماعية، ودعوى وحدة الملاك غير مسموعة، والنص الوارد فيها من
طريق (علي بن مهزيار) الذي صرح بحرمة المرضعة الأولى دون الثانية غير خال عن
الارسال وضعف السند بصالح بن أبي حماد فراجع، ولهذا ابتناها بمسألة المشتق
الثالث الحق خروج أسماء الزمان من محط البحث لان جوهر ذاته جوهر تصرم
وتقض، فلا يتصور له بقاء الذات مع انقضاء المبدء، وعليه لا يتصور له مصداق خارجي ولا
عقلي كذلك - ولا معنى لحفظ ذاته مع أنه متصرم ومتقض بالذات.
وقد أجيب عن هذا الاشكال بأجوبة غير تامة - (منها): ما افاده المحقق الخراساني
من أن انحصار مفهوم عام بفرد، كما في المقام لا يوجب أن يكون وضع اللفظ بإزاء الفرد
دون العام، كالواجب الموضوع للمفهوم العام مع انحصاره فيه تعالى - وأنت خبير بضعفه،
إذ الغاية من الوضع هي افهام ما يقع في خاطر المتكلم ذهنيا كان أو خارجيا، واما، ما لا يحوم
الفكر حوله وليس له مصداق في كلا الموطنين كما عرفت في الزمان، فالوضع له لغو
وعاطل، واما مفهوم الواجب فلا نسلم وحدة مصداقه إذ ما هو المنحصر هو الواجب بالذات دون
الواجب مطلقا الواجب بالغير والواجب بالقياس إلى الغير، والمركب من اللفظين (أعني
الواجب بالذات) ليس له وضع علي حده - واما الشمس والقمر فلا يبعد كونهما علمين
76

كلفظ الجلالة وعلى فرض كونها موضوعة للمعاني الكلية كالذات الجامع للكمالات
ولماهية الشمس والقمر لعله للاحتياج إلى افهام معانيها العامة أحيانا لان الأخير مثلا بالنظر
إلى مفهومه لايابى عن الكثرة في بدء النظر، وانما يثبت وحدته بالأدلة العقلية، فملاك
الوضع موجود في أمثال هذه الموارد، بخلاف الزمان المبحوث عنه فإنه آب عن البقاء مع
انقضاء المبدء عند العقل والعرف ابتداء فالفرق بين اللفظين واضح.
ومنها ما عن بعض الأعاظم من أن أسماء الزمان مثلا كاليوم العاشر من المحرم
وضع لمعنى كلي متكرر في كل سنة وكان ذلك اليوم الذي وقع فيه القتل فردا من افراد
ذاك المعنى العام المتجدد في كل سنة - فالذات في اسم الزمان انما هو ذلك المعنى العام و
هو باق حسب بقاء الحركة الفلكية وقد انقضى عنه المبدء.
وفيه ان الكلى القابل للصدق على الكثيرين أي، اليوم العاشر من المحرم غير
وعاء الحدث وما هو وعائه هو الموجود الخارجي وهو غير باق قطعا، وبعبارة أخرى:
ان الامر الزماني لابد وان يحصل في زمن خاص لافى زمان كلي - فعلى هذا إذا تعين
الكلى في ضمن مصداق معين وفرضنا ارتفاع ذاك المصداق بارتفاع مبدئه، ارتفع الكلى
المتعين في ذلك المصداق، والمصداق الاخر الذي فرض له مخالف مع الأول في للتشخص
والوجود، فاذن لا معنى لبقائه مع انقضاء المبدء وهو واضح
ومنها: ما عن بعض الأعيان: من أن اسم الزمان موضوع لوعاء الحدث من غير
خصوصية الزمان والمكان فيكون مشتركا معنويا موضوعا للجامع بينهما (فح) عدم صدقه
على ما انقضى عنه المبدء في خصوص الزمان لا يوجب لغوية النزاع - ولكن هذا الكلام
عن مثل هذا القائل بعيد في الغاية، إذ الجامع الحقيقي بين الوعائين غير موجود، ووقوع
الفعل في كل، غير وقوعه في الاخر والجامع العرضي الانتزاعي كمفهوم الوعاء والظرف و
إن كان متصورا الا انه بالحمل الأولى باطل جدا لأنه خلاف المتبادر من اسمى الزمان
والمكان ضرورة انه لا يفهم من لفظ المقتل مفهوم وعاء القتل الجامع بينهما أو مفهوم ظرفه
واما اخذ الوعاء بالحمل الشايع فهو موجب لخصوصية الموضوع له مع عدم دفع الاشكال معه
هذا مضافا إلى أن الظاهر أن وعائية الزمان انما هي بضرب من التشبيه لإحاطة
الزمان بالزماني بإحاطة المكان بالمتمكن، والا فهو ليس ظرفا في الحقيقة، بل أمر منتزع
77

أو متولد من تصرم الطبيعة وسيلانها وتوضيحه موكول إلى محله
ومنها: ما افاده بعض محققي العصر من أن الزمان هوية متصلة باقية بالوحدة
الوجودية والا لزم تتالي الآنات واستحالته معلومة كاستحالة الاجزاء الفردة، وعليه يكون
الزمان بهويته باقيا وان انقضى عنه المبدء ولولا كون الألفاظ موضوعة للمعاني العرفية
لقلنا بصدق اسم الزمان على الهوية الزمانية إلى آخر الأبد، وكان مقتل الحسين (عليه السلام)
مثلا صادقا على الزمان إلى الأبد، ولكن العرف بعد حكمه بان للزمان قسمة وقسمه
إلى أقسام حسب احتياجاته لم يجز ذلك ولكن إذا وقع القتل مثلا في حد من حدود
اليوم فهو يطلق المقتل على ذاك اليوم ولو بعد انقضاء التلبس به، لما يرى من بقاء اليوم
إلى الليل (انتهى ملخصا).
والظاهر أن الخلط نشأ من عدم الوصول إلى أن انظار أهل العرف كالعقل تتفاوت
في بقاء الزمان والزماني وانهم يفرقون بينهما - توضيحه ان العرف كما يدرك الوحدة الاتصالية
للزمان كذلك يدرك تصرمه وتقضيه، ويرى أول اليوم غير وسطه وآخره، فإذا وقعت واقعة
في حده الأول لا يرى زمان الوقوع باقيا وقد زال عنه المبدء بل يرى اليوم باقيا وزمان الوقوع
متقضيا، وبين الامرين فرق ظاهر، وما هو معتبر في بقاء الذات في المشتق هو بقاء زمان الوقوع
أعني بقاء الشخص الذي تلبس بالمبدء عينا وما نحن بصدده ليس كذلك فتدبر
الرابع: في وضع المشتقات وفيه ينقح عدة مسائل
الأولى: اعلم أنه قد وقع الكلام بين الاعلام في تعيين المادة الأولى وكيفية
وضعها، بعد اتفاقهم على وجودها بين المشتقات - والمحكى عن الكوفيين انها المصدر
وعن البصريين انها الفعل، وربما يظهر من نجم الأئمة ان النزاع بين الطائفتين ليس الا في
تقدم تعلق الوضع بهذا أو ذاك لا في الأصلية والفرعية - وكيف كان فبطلان الرأيين واضح
لان المادة المشتركة لابد وأن تكون سائرة في فروعها بتمام وجودها. أعني حروفها وهيئتها
ومن المعلوم انهما ليسا كذلك إذ هيئتهما آبية عن ورود هيئة أخرى عليهما، اللهم الا ان
يوجه بما سيأتي بيانه
والتحقيق ان لمادة المشتقات التي هي عارية عن جميع الهيئات ولا بشرط من جميع
الجهات الا عن ترتيب حروفها، وضعا مستقلا ولولا ذلك للزم الالتزام بالوضع الشخصي في
78

جميع المشتقات لعدم محفوظية ما يدل على المادة لولا وضعها كك وهو خلاف الوجدان
والضرورة بل يلزم اللغوية منه مع امكان ذلك مع ما نشاهد من اتقان الوضع ويشهد لذلك
انا قد نعلم معنى مادة وتجهل معنى الهيئة كما لو فرض الجهل بمعنى هيئة اسم الآلة في
مضراب مع العلم بمعنى الضرب فلا اشكال في انا نفهم ان للضرب هيهنا تطورا وشأنا وليس
هذا الا للوضع كما أن دلالة الهيئة على معناها مع الجهل بمعنى المادة دليل على وضعها
مستقلا نوعيا مع أن بعض المصادر قياسي فلابد له من مادة سابقة ثم إن وضع المادة شخصي
ولا يلزم من تطورها بالهيئات أن يكون نوعيا كما قيل وهى الحقيقة العارية عن جميع فعليات
الصور فكأنهما هيولى عالم الألفاظ نظير هيولى عالم التكوين على رأى طايفة من أهل النظر
فان قلت إن اللفظ الموضوع لابد وأن يكون قابلا للتلفظ به والمادة الخالية عن التحصل
يمتنع التلفظ بها
قلت: ان الغاية من وضعها ليست، الإفادة الفعلية حتى تستلزم فعلية امكان التنطق
بها، والحاصل ان المواد موضوعة بالوضع التهيئ لان تتلبس بهيئة موضوعة، ومثلها لا يلزم
أن يكون من مقولة اللفظ الذي يتكلم به
لا يقال: المشهور بين أهل الأدب ان اسم المصدر موضوع لنفس الحدث بلا
نسبة ناقصة أو تامة، بل المصدر أيضا، كما هو المتبادر منهما، وعلى هذا فوضعهما للحدث
لا بشرط بعد وضع المادة له أيضا فاقد لملاك الوضع لان الهيئة فيهما لابد لها من وضع و
إفادة زائدة على المادة
لأنا نقول. ان الغاية من وضع المصدر واسمه انما هو لامكان التنطق بالمادة
من دون أن يكون لهيئتهما معنى وراء ما تفيد مادتها - والحاصل ان المادة وضعت لنفس الحدث
لكن لا يمكن التنطق بها وربما يقع في الخواطر اظهار ذلك فوضعت هيئتها لا لإفادة معنى
من المعاني، بل لكونها آلة للتنطق بالمادة وبذلك يصحح قول الكوفيين بأصالة المصدر
وقول بعض الاعلام بكون الأصل هو اسم المصدر، لأنهما كالمادة بلا زيادة
فان قلت: ان لازم ذلك هو دلالة المادة على معناها وان تحققت في ضمن هيئة غير
موضوعة (قلت: ان وضع المواد تهيئي للازدواج مع الهيئات الموضوعة وبذلك يحصل
لها ضيق ذاتي لا مجال معه لتوهم الدلالة ولو في ضمن المهملات وسيأتي ان دلالة المواد
79

كنفسها وتحصلها مندكة في الصورة وبه يدفع هذا الاشكال
(ثم) ان هنا اشكالا آخر أشار إليه سيد مشايخنا المحقق السيد محمد الفشاركي
(قدس سره) وهوانه يلزم على القول باستقلال كل من المادة والهيئة في الواضع دلالتهما
على معنيين مستقلين، وهو خلاف الضرورة، وحديث البساطة والتركب غير القول بتعدد
المعنى، وهذا مما لم يقل به أحد.
قلت: ان دلالة المادة على معناها كوجودها مندكة في دلالة الهيئة وتحصلها
بحيث لا يفهم منها الا معنى مندك في معنى الهيئة - وبالجملة ان المادة متحصلة بتحصل
صورتها وهى مركبة معها تركيبا اتحاديا ودلالتها على المعنى أيضا كذلك فبين معاني
المشتقات كالفاظها ودلالتها نحو اتحاد مثل اتحاد الهيولي مع صورتها - واما ما أجاب
به المحقق المزبور (قدس سره) من أن المادة ملحوظة أيضا في وضع الهيئات فيكون
الموضوع هو المادة المتهيئة بالهيئة الخاصة، وهو الوضع الحقيقي الدال على المعنى وليس
الوضع الأول الا مقدمة لهذا الوضع ولا نبالي بعدم تسمية الأول وضعا، إذ تمام المقصود
هو الثاني - فلا يخلو من غموض، إذ ما يرجع إلى الواضع هو الوضع فقط، واما الدلالة
فهي أمر قهري الحصول بعد الاعتبار، وكونه مقدميا لا يوجب عدم الدلالة (فح) يلزم
التعدد في الدلالة على نفس الحدث إذ يستفاد من الوضع الأول ذات الحدث ومن الثاني
الحدث المتحيث بمفاد الهيئة (فح) يلزم التركيب مع تعدد الدلالة وهو أفحش من الاشكال
الأول، على أن هنا في الوضع الثاني تأملا، إذ وضع كل مادة مع هيئتها يستلزم الوضع
الشخصي في المشتقات، ولو صح هذا لاستغني عن وضع المادة مستقلا، والقول بان معنى الوضع
النوعي هو ان المشتقات وضعت بالوضع النوعي في ضمن مادة ما، فاسد غير معقول، إذ مادة
ما بالحمل الشايع غير موجودة لأنه يساوق وجود المادة المستلزم لتعينها وخروجها
عن الابهام، وبالحمل الأولى لا ترجع إلى معنى معقول، فالتحقيق في دفع الاشكال هو ما عرفت
الثانية: في وضع الهيئات - وليس هنا مانع الا عدم امكان تصورها فارقة عن
المواد أو عدم امكان التنطق بها بلا مادة، ولكنك خبير بأنهما غير مانعين عن الوضع،
إذ للواضع تصورها أو التلفظ بها في ضمن بعض المواد مع وضعها لمعنى من المعاني مع الغاء
خصوصية المورد، أعني تلك المادة (هذا) والمشتقات اسمية وفعلية وقد مر بعض الكلام في
80

الاسمية منها
واما الفعلية منها فهي اما حاكيات كالماضي والمضارع أو موجدات كالأوامر
وسيأتى الكلام في الثانية في محلها فانتظر - واما الحاكيات فالذي يستظهر من عبائر بعض
النحاة كونها موضوعة بإزاء الزمان، اما الماضي أو المستقبل، أو بإزاء السبق واللحوق، على
نسق المعاني الاسمية، بحيث يكون هناك دلالات ومدلولات من الحدث والزمان الماضي
أو بديله، والصدور أو الحلول، (هذا) ولكن الضرورة تشهد بخلافه
والتحقيق ان هيئات الافعال كالحروف لا تستقل معانيها بالمفهومية والموجودية
ويكون وضعها أيضا كالحروف عاما والموضوع له فيها خاصا، على التفصيل السابق، اما كون
معانيها حرفية فلان هيئة الماضي على ما هو المتبادر منها وضعت للحكاية عن تحقق صدور
الحدث من الفاعل وهو معنى حرفي أو تحقق حلوله كبعض الافعال اللازمة مثل (حسن
وقبح) ومعلوم ان الحكاية لا تكون عنهما بالحمل الأولى بل بالشايع وهو حرفي عين الربط
بفاعله وكذا في المضارع الا ان الفرق بينهما ان (الأول) يحكى عن سبق تحقق الحدث
(والثاني) عن لحوقه لكن لا بمعنى وضع اللفظ بإزاء الزمان والسبق واللحوق بل اللفظ موضوع
لمعنى ينطبق عليهما فان الايجاد بعد الفراغ عنه، سابق (لامح) والذي يصير متحققا بعد، يكون
لاحقا ويمكن ان يقال بدلالتهما على السبق واللحوق بالحمل الشايع فإنهما بهذا الحمل
من المعاني الحرفية والإضافات، التي لا تكون موجودة ومفهومة الا تبعا فيكون الماضي
دالا على الصدور السابق بالحمل الشايع، ولا يلزم منه الخروج عن الحرفية ولا التركيب
فيها (والتحقيق) ان دلالة الافعال على الحدث وعلى سبق الصدور ولحوقه وعلى البعث إليه
ليست دلالات مستقلة متعددة بل لها نحو وحدة فكما ان المادة والهيئة كأنهما موجودتان
بوجود واحد قابل للتحليل (فكك) انهما كالدالتين بدلالة واحدة قابلة للتحليل على
معنى واحد، قابل له، (بيانه ان تحقق الصادر والصدور ليس تحققين كما أن للحال والحلول
(كك) لكنهما قابلان للتحليل وفي ظرفه
وعلى هذا هما دالان على السبق واللحوق بالحمل الشايع ويستفاد من الماضي
الصدور السابق بالإضافة حقيقة ومن المضارع الصدور اللاحق بالإضافة (كذلك)، وليس
الزمان ماضيا كان أو مضارعا جزءا لمدلولهما بل من لوازم معناهما وتوابعه، حيث إن
81

وقوع الشئ أو لحوق وجوده يستلزمهما طبعا - نعم لابد من الالتزام بتعدد الوضع في المتعدى
واللازم لان قيام المبدء بالذات في الأول بالصدور وفي الثاني بالحلول.
والحاصل انا لا ننكر استفادة السبق والحدث أو الصدور أو الحلول من الماضي
مثلا بل ننكر تبادر هذه المعاني بنحو المعنى الأسمى وبنعت الكثرة، بل المتبادر أمر
وحداني وهو حقيقة هذه المعاني بالحمل الشايع وإن كان يتحلل عند العقل إلى معان كثيرة
وان شئت فاستظهر الحال من لفظ الجسم ومعناه، حيث إن معناه أمر مركب قابل للتحليل
وكذلك الفعل فيما نحن فيه، نعم الفرق بينهما ان لفظ (ضرب) كمعناه مركب من مادة
وصورة وكذا دلالته على معناه دلالة واحدة منحلة إلى دلالات متعددة دون لفظ (الجسم)
ودلالته، فكما ان وحدة حقيقة الجسم لا تنافى التحليل كذلك وحدة فعل الفاعل ووحدة
اللفظ الدال عليه لا تنافيه.
فتحصل من جميع ذلك ان لحاظ التحليل العقلي أوسع من متن الواقع، إذ فيه يفك
الصادر عن الصدور، والحال عن الحلول، والربط عن المربوط ويلاحظ كل واحد مستقلا
بالملحوظية، لكن إذا لوحظ الواقع على ما هو عليه لا يكون هناك تكثر في الصدور
والصادر واشباههما
الثالثة لا اشكال في اختلاف فعل المضارع في الدلالة، فمنه ما يدل على المستقبل
ولا يطلق على الحال الا شذوذا، مثل (يقوم ويقعد ويذهب ويجئ ويجلس) إلى غير ذلك،
فلا يطلق على المتلبس بمباديها في الحال ومنه ما يطلق على المتلبس في الحال بلا تأول
مثل (يعلم ويحسب ويقدر ويشتهي ويريد)، ومنه الافعال التي مباديها تدريجية الوجود، و
ما يقال من أن استعمال المضارع في التدريجيات باعتبار الاجزاء اللاحقة، ممنوع، لأنه لا يتم
بالنسبة إلى الأمثلة المتقدمة مما كانت مباديها دفعية، ولها بقاء فلا فرق من حيث المبدء
(بين يقدر ويعلم وبين يقوم ويقعد) والالتزام بتعدد الوضع بعيد، ولا يبعد ان يقال إن هيئة
المضارع وضعت للصدور الاستقبالي لكنها استعملت في بعض الموارد في الحال حتى
صارت حقيقة فيه، (ثم) ان هنا جهات أخرى، من البحث مربوطة بالمشتقات الاسمية سيأتي
الكلام فيها
الرابعة اختلاف مبادئ المشتقات من حيث كون بعضها حرفة وصنعة أو قوة وملكة
82

لا يوجب اختلافا في الجهة المبحوث عنها، وانما الاختلاف في انحاء التلبس والانقصاء وهذا
مما لا اشكال فيه، انما الكلام في وجه هذه الاختلافات، فانا نرى ان مفهوم التاجر والصائغ
والحائك وأمثالها تدل على الحرفة والصناعة، لا على الحدوث، كما أن أسماء الآلات والمكان
قد تدل على كون الشئ معدا لتحقق الحدث بها أو فيها بنحو القوة لا بنحو فعلية تحقق
الحدث بها أو فيها، فما السر في هذا الاختلاف، لأنا نرى ان المصداق الخارجي من المفتاح
يطلق عليه انه مفتاح قبل ان يفتح، وعلى المسجد انه مسجد قبل ان يصلى فيه
ربما يقال إن هذه المشتقات مستعملة في المعاني الحدثية كسائر المشتقات وانما
الاختلافات في الجري على الذوات، فقولنا هذا مسجد وهذا مفتاح كقولنا هذا كاتب بالقوة
حيث إن الكاتب مستعمل في معناه لا في الكاتب بالقوة وكذا الكلام في أسماء الأزمنة والأمكنة
والآلات فان الجري فيها بلحاظ القابلية والاستعداد، واما ما يدل على الحرفة فسر الاطلاق
فيه مع عدم التلبس انه باتخاذه تلك المبادئ حرفة، صار كأنه ملازم للمبدء دائما
انتهى ملخصا.
وفيه ان تلك المشتقات مع قطع النظر عن الجري والحمل تفيد معاني غير معاني
المشتقات المتعارفة، فالمسجد بمفهومه التصوري يدل على المكان المتهيئ للعبادة وكذا
المفتاح وقس عليه التاجر والحائك حيث، يدل كل واحد بمفهومه التصوري على الحرفة
والصنعة قبل الجري والحمل.
ويمكن ان يقال بعد عدم الالتزام بتعدد الأوضاع، ان ما يدل على الصنعة والحرفة
قد استعمل في تلك المعاني أولا بنحو المجاز حتى صارت حقيقة، اما باستعمال المواد في
الصنعة والحرفة أو استعمال مجموع المادة والهيئة مجازا باعتبار ان المشتقات كأنها كلمة
واحدة مادة وهيئة كسائر العناوين البسيطة، ولكن هذا أيضا لا يخلو من بعد وعلى فرض
صحته ليست العناية المصححة فرض الفترات كالاعدام، ورؤية المبدء الفعلي حاصلا
لكون ذلك خلاف المتبادر، فانا لانفهم من التاجر ومثله الامن كان حرفته كذلك، لا المشتغل
بفعل التجارة دائما كما هو واضح.
ومما ذكرنا يتضح الحال في أسماء المكان والآلات، مع أنه يمكن ان يقال في المسجد
والمحراب ونظائرهما انها قد انقلبت عن الوصفية إلى الاسمية فكأنها أسماء أجناس لا يفهم
83

العرف منها الا ذات تلك الحقائق، ولا ينسبق المبادى إلى الذهن رأسا، وكذا في أسماء
الآلات، بل يمكن ان يقال إن المفهوم من مكان السجدة، وآلة الفتح لي الا ما يعد لهما
لا المكان الحقيقي الذي تضاربت فيه آراء الحكماء والمتكلمين، ولا الآلة الفعلية للفتح
(فح) يمكن ان يلتزم بان هيئة اسم الآلة وضعت لها وتكون في نظر العرف بمعنى ما يعد لكذا
وهيئة اسم المكان لمكان الحدث أعني المكان الذي يراه العرف معدا لتحقق الشئ
فيه لكنه لا يطرد ذلك بالنسبة إلى الثاني، وإن كان غير بعيد بالنسبة إلى الأول وبعد فالمسألة
لا تخلو من اشكال.
في المراد من الحال
(الخامس) بعد ما أشرنا إلى أن الكلام في المشتق انما هو في المفهوم اللغوي التصوري
يتضح لك ان المراد بالحال في العنوان. ليس زمان الجري والاطلاق ولا زمان النطق
ولا النسبة الحكمية لان كل ذلك متأخر عن محل البحث ودخالتها في الوضع غير ممكنة
وبما ان الزمان خارج عن مفهوم المشتق لا يكون المراد زمان التلبس، بل المراد ان المشتق
هل وضع لمفهوم لا ينطبق الا على المتصف بالمبدء أو لمفهوم أعم منه، (وان شئت قلت) ان العقل
يرى أن بين افراد المتلبس فعلا جامعا انتزاعيا، فهل اللفظ موضوع لهذا الجامع أو الأعم
منه، ومما ذكرنا من أن محط البحث هو المفهوم التصوري يندفع ما ربما يتوهم ان الوضع
للمتلبس بالمبدء، ينافي عدم التلبس به في الخارج خصوصا إذا كان التلبس ممتنعا كالمعدوم
والممتنع للزوم انقلاب العدم إلى الوجود والامتناع إلى الامكان (وجه الدفع) ان التالي
انما يلزم على اشكال فيه، لو كان المعدوم مثلا وضع لمعنى تصديقي وهو كون الشئ ثابتا له
العدم، ومعه يلزم الاشكال ولو مع الوضع للأعم أيضا، وسيأتى ان معنى المشتقات ليس
بمعنى شئ ثبت له كذا حتى يتمسك بالقاعدة الفرعية
واما ما ربما يجاب بان كون الرابط لا ينافي الامتناع الخارجي للمحمول فلا يدفع
الاشكال به وذلك لان الكون الرابط إن كان لا ينافي كون المحمول عدما أو ممتنعا على
تأمل فيه، لكن لا يمكن تحققه إذا كان الموضوع معدوما أو ممتنعا كما فيما نحن فيه،
إذ في مثل زيد معدوم، وشريك الباري ممتنع، لا يمكن تحقق الكون الرابط، وسيوافيك
ان هذه القضايا في قوة المحصلات من القضايا السالبة، فارتقب
84

في بعض ما يستدل به على المختار وتحقيق الحال في المقام
(السادس) - التحقيق وفاقا للمحققين ان المشتق حقيقة في المتلبس بالمبدء على
الذي عرفناك معناه، وبما ان البحث لغوى يكون الدليل الوحيد في الباب هو التبادر،
وما سوى ذلك لا يغنى من الحق شيئا، لما تقدم ان صحة السلب لا تصلح لان تكون علامة
الحقيقة وما استدل به لما اخترناه من الوجوه العقلية كلها ردية، الا أن يكون الغرض تقريب
وجه التبادر وتوضيحه، واليك بيانها.
(منها) ما ربما يقال من أنه لا ريب في مضادة الأوصاف المتقابلة، التي أخذت من
المبادى المتضادة، فلو كان موضوعا للأعم لارتفع التضاد (وفيه) انه لولا التبادر لما كان
بينها تضاد ارتكازا، إذ حكم العقل بان الشئ لا يتصف بالمبدئين المتضادين صحيح، لكن
الاستنتاج من هذا الحكم بعد تعيين معنى الأبيض والأسود ببركة التبادر وان معنى كل
واحد بحكمه، هو المتلبس بالمبدء عند التحليل، ومع التبادر لا يحتاج إلى هذا الوجه
العقلي بل لا مجال له فتدبر
(ومنها) ما افاده بعض الأعيان من أن الوصف بسيط سواء كانت البساطة على ما يراه الفاضل
الدواني من اتحاد المبدء والمشتق ذاتا؟ واختلافها اعتبارا، أو كانت البساطة على ما يساعده
النظر من كون مفهوم المشتق صورة مبهمة متلبسة بالقيام على النهج الوحداني، اما على
الأول فلان مع زوال المبدء لا شئ هناك حتى يعقل لحاظه من أطوار موضوعه فكيف
يعقل الحكم باتحاد المبدء مع الذات في مرحلة الحمل مع عدمه قيامه به، واما على الثاني
فلان مطابق هذا المعنى الوحداني ليس الا الشخص على ما هو عليه من القيام، مثلا، ولا يعقل
معنى بسيط يكون له الانتساب حقيقة إلى الصورة المبهمة المقومة لعنوانية العنوان، ومع
ذلك يصدق على فاقد التلبس انتهى ملخصا
(وفيه) ان بساطة المشتق وتركبه فرع الوضع وطريق اثباته هو التبادر لا الدليل
العقلي، وسيأتى ان ما أقيم من الأدلة العقلية على البساطة مما لا يسمن فانتظره
و (منها) ان الحمل والجري لا بدله من خصوصية والالزم جواز حمل كل شئ على
مثله؟ والخصوصية هنا نفس المبادى، ولا يمكن الحمل على الفاقد المنقضي عنه المبدء
لارتفاع الخصوصية، والقائل بالأعم اما ان ينكر الخصوصية في الجري وهو خلاف الضرورة
85

أو يدعى بقاء الخصوصية بعد الانقضاء وليس بعده شئ الا بعض العناوين الانتزاعية (انتهى)
(قلت) قد أسلفنا ان البحث لغوى دائر حول الكلمة المفردة، والحمل والجري متأخران
عن الوضع، أضف إلى ذلك أنه لو أمكن وضع اللفظ للجامع بين المتلبس وفاقد التلبس على
فرض تصويره، لصح الحمل بعد انقضائه أيضا، (والتحقيق) في نقد مقالة الأعمى ان يقال
مضافا إلى ما عرفت من كون المتبادر هو المتلبس، انه لا محيص للقائل بالأعم عن تصوير
جامع بين المتلبس والمنقضى عنه المبدء حتى يصير الاشتراك معنويا إذ لو لاه يلزم الاشتراك
اللفظي أو كون الوضع عاما والموضوع له خاصا والقائل يعترف بفسادهما، ولو امتنع
تصوير الجامع بينهما يسقط دعواه من دون ان نحتاج إلى إقامة برهان ومزيد بيان.
ولكن التدبر التام يعطى امتناع تصور جامع بينهما، إذ الجامع الذاتي بين الواجد
والفاقد والموجود والمعدوم لا يتصور أصلا، إذ المدعى ان الفاقد يصدق عليه المشتق في
حال فقدانه لأجل التلبس السابق لا انه لأجل الجري عليه بلحاظ حال التلبس. إذ هو
حقيقة حتى فيما سيأتي إذا كان الجري بلحاظ حال تلبسه بالاتفاق، واما الانتزاعي البسيط
فممتنع أيضا، إذ المدعى انه حقيقة في الواجد والفاقد، فعلا إن كان متلبسا فيما قبل، والمفهوم
البسيط لا يمكن ان يتكفل لإفادة هذا المعنى المركب على نحو يدخل فيه هذان المعنيان ويخرج
ما يتلبس بعد، واما الجامع البسيط المنحل إلى المركب، فهو أيضا غير متصور، إذ هو لابد
ان ينتزع من الواقع، والانتزاع عنه فرع صلاحية الواقع له
وما ربما يقال من أن الجامع مطلق ما خرج من العدم إلى الوجود (مدفوع) بأنه
يستلزم أن يكون حقيقة في الماضي فقط، ولو أضيف إليه قيد آخر لادخال المتلبس بالفعل،
يوجب ذلك تركبه على نحو أفحش ولا أظن أن يرضى به القائل بالأعم مع أن وضعه لهذا
المفهوم أي ما خرج إلى الوجود أو ما تلبس في الجملة أو كونهما خلاف الضرورة (أضف) إلى
ذلك ان الالتزام بالتركيب التفصيلي من غير جامع وحداني، مساوق للالتزام بالاشتراك
ولو بوضع واحد؟ وذلك من غير فرق بين القول بأخذ الزمان في المشتق وعدمه أو اخذ
الذات وعدمه لعدم الوضع للذات أو الزمان بما هما، بل لابد من تقييدهما بالتلبس
والانقضاء مع عدم الجامع بينهما مطلقا (فح) ليس للقائل بالأعم مفر
واحسب، ان القائل اعتمد على اطلاق المشتق أحيانا على من انقضى عنه المبدء
86

وزعم أنه حقيقة، من دون ان يتفكر في جامعه، أهو بسيط أو مركب، والبسيط مقولي أو
انتزاعي، ثم الانتزاعي أهو قابل للانحلال أو لا، (وبالجملة) ان عجزه في تصوير الجامع
كاف في بطلان مرامه، والأولى الصفح، عما استدل به على مختاره مثل دعوى التبادر في
المقتول والمضروب وان المتبادر هو الأعم، مع أن فيه منعا واضحا لان استعمال المضروب وأمثاله
انما هو بلحاظ حال التلبس، والا فأي فرق بينه وبين اسم الفاعل إذ الضاربية والمضروبية
متضائفتان، وهما متكافئتان قوة وفعلا، عرفا وعقلا
والعجب من بعض الأعاظم حيث تسلم دليل الخصم والتجأ إلى اخراج اسم المفعول
قائلا بأنه موضوع لمن وقع عليه الحدث وهو أمر لا يعقل فيه الانقضاء، و (فيه) انه أي فرق بينه وبين
اسم الفاعل لأنه يمكن ان يقال فيه أيضا انه موضوع لمن صدر منه الضرب وهو أمر لا يعقل
فيه الانقضاء بالمعنى الذي لا يعقل في اسم المفعول
استدلالات للأعمى
قلنا. ان الأحرى، الاعراض عما استدل به القائل بالأعم لكن استيفاءا للبحث نشير
إلى بعضها فنقول، (منها) التمسك بقوله تعالى، الزانية والزاني فاجلد واكل واحد منهما
مأة جلدة، وقوله سبحانه، السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، بتقريب ان الجلد والقطع
ثابتان لمن صدق عليه عنوانا الزاني والسارق، ولولا صدقهما على من انقضى عنه مبدؤهما
لزم انتفاء الموضوع حين اجزاء حكمهما، (وفيه) ان الحد ليس دائرا على صدق العنوان
الانتزاعي عليه، بل على صدور الامر الشنيع الذي دعى الشارع أو المقنن العرفي إلى
تأديبه وسياسته، (و ح) فالموجب للسياسة هو العمل الخارجي لا صدق العنوان الانتزاعي
فالسارق يقطع لأجل سرقته وفي مثله يكون السارق والزاني إشارة إلى من هو موضوع
الحكم مع التنبيه على علته وهو العمل الخارجي لا العنوان المنتزع فكأنه قال الذي صدر
منه السرقة تقطع يده لأجل صدورها منه، و (منها) ما استدل به الإمام (ع) على بطلان
خلافة من عبد الأصنام بقوله سبحانه لا ينال عهدي الظالمين من أنه أي ظلم أعظم من عبادة
الصنم، وهو يتوقف على الوضع للأعم لانهم غير عابدين للصنم حين التصدي، (وفيه) ان
الإمامة والزعامة الدينية تستتبعان التسلط على نفوس الناس واعراضهم وأموالهم وغيرها
من الأمور المهمة العظيمة التي لا يتحملها مثل إبراهيم خليل الرحمن، (ذلك القائد الديني
87

الذي محص باطنه وأظهر مكنونه) الا بعد ابتلاء من الله وامتحان منه، (فح) فزعامة هذا
خطرها وعظمتها، كيف يليق ان يتصدى بها الظالم ولو برهة من الزمن ومناسبة الحكم
والموضوع وسوق الآية يشهد بان الظالم ولو آنا ما، والعابد للصنم ولو في مقدار من عمره
غير لايق بهذا المقام، ولعل استدلال الإمام (ع) من هذا الباب، أضف إلى ذلك ان الظلم
يشمل الظلم المتصرم وغير المتصرم لكون جميعها ظلما بقول واحد، ولكن منصب الإمامة أمر
مستمر باق كما أن موضوع المنصب هو ذوات الاشخاص وان كانوا متلبسين بمثل المبادى التي
هي آنيات التحقق، فمن صدر منه قتل وظلم، ثم تاب فورا تشمله الآية فإنه ظالم حال الصدور
فهو غير لايق بالمنصب الذي هو أمر مستمر، فلابد أن يكون المقصود منها ان المتلبس
بالظلم ولو آنا ما لا يناله عهدي مطلقا فتأمل
بقى أمور مهمة
(الأول) في بساطة المشتق وتركبه، وكونه مخصوصا بهذا النزاع دون الجوامد
لعدم اشتمالها على المادة والهيئة اللتين لكل واحد منهما وضع مستقل كما في المشتقات
حتى يتوهم فيها أيضا حديث البساطة والتركيب، والوجوه المحتملة، ثلثة
(الأول) ان مفاد المشتق ومعناه الموضوع له، مركب تفصيلي بتقريب ان وزان المادة
والهيئة في عالم الوضع والدلالة، وزان لفظي غلام زيد، في الدلالة على معنيين متميزين
دلالة مستقلة مفصلة، وهذا المعنى المركب اما هو الذات والحدث والنسبة، أو الحدث
والنسبة أو الحدث والذات، وجوه محتملة، ولكن لا أظن أحدا يلتزم بذلك فتكون
المسألة ظاهرا ذات قولين
(الثاني) القول بان الموضوع له في المشتق أمر بسيط محض غير قابل للانحلال
لا دلالة ولا مدلولا، لا بدءا ولا تعملا، بتقريب ان الهيئة لم توضع لمعنى بل وضعت لقلب
المعنى الذي هو بشرط لا، إلى معنى لا بشرط، وجعله غير آب عن الحمل والجري بعد ما
كان متعصيا عنه، وهذا القول أو هذا الاحتمال في المشتق، نظير ما احتملناه في المصدر
من أن هيئته وضعت للتمكين من التنطق بالمادة وصيرورتها متحصلة قابلة للدلالة المستقلة
والا فمفاد المصدر ليس الأنفس الطبيعة، وهى بعينها مفاد المادة ولكن الظاهر أن القول
بالبساطة المحضة يرجع إلى التركيب الانحلالي وان غفل قائله عنه
88

و (توضيحه) ان اللا بشرطية وبشرط اللائية ليستا من الاعتبارات الجزافية بحيث يكون زمامهما
بيد المعتبر، فان شاء اعتبر مهية لا بشرط فصارت قابلة للحمل وان لم تكن في نفسها
كذلك وبالعكس، بل التحقيق في جل المعقولات الثانوية والأولية انها نقشة لنفس الامر
والواقع، فالمفاهيم في كونها قابلة للحمل وعدمه تابعة لما في نفس الامر: والألفاظ الموضوعة
للمفاهيم تابعة لها ولنفس الامر
وما عن الأساطين من كون الأجناس والفصول مأخوذتين لا بشرط، ليس ناظرا
إلى أن الوصف المزبور بيد الاعتبار، بل لكون واقعهما ومطابقهما لا بشرط بحيث يتحد كل
مع الاخر، والمفاهيم والألفاظ الموضوعة لها تابعة للواقع وحاكية عن نفس الامر فالاجناس
والفصول ماخذهما المادة والصورة المتحدتان في نفس الامر ولولا ذلك الاتحاد لكان
حمل أحدهما على الاخر ممتنعا ولو اعتبرناهما الف مرة لا بشرط فالحمل هو الهوهوية
الحاكية عن الهوهوية الواقعية التي بين الحقايق، فالجوهر والعنصر والمعدن والنبات
والحيوان والناطق مأخذها ومحكيها هي الحقايق النفس الامرية المتحدة من المادة
الأولى المتدرجة إلى منزل الانسان ففي كل منزل تكون المادة متحدة مع الصورة وهذا
الاتحاد مناط اللا بشرطية ومناط صحة الحمل في المعاني المأخوذة منهما وفي الألفاظ الحاكية
عنها و (بهذا المعنى) يكون التركيب بين المادة والصورة اتحاديا (مثلا) قوة النواة، قد صارت
عين النواة، بحيث ليس هنا الا فعلية النواة (نعم) بما ان في هذا النواة قوة الشجر حقيقة
يكون التركيب بين قوة الشجر وبين صورة النواة انضماميا، وهما بهذا المعنى
بشرط لا، لا يحمل أحدهما على الأخرى الا بوجه مسامحي لدى العقل الدقيق كما أن الصور
المندرجة في الكمال إذا صارت واقفة لحد تكون بشرط لا بالنسبة إلى الحدود الاخر واقعا
والمفهوم المأخوذ منها بشرط لا بالنسبة إليها وإن كانت لا بشرط بالنسبة إلى المصاديق
فالشجر هو النبات الواقف أي بشرط لا. والنامي هو الحقيقة المتدرجة في الكمال أي
اللا بشرط والتفصيل موكول إلى محله، فتحصل مما مر ان اللا بشرطية وبشرط اللائية ليستا
جزافيتين تابعتين لاعتبار المعتبر (فح) نقول لا يمكن أن تكون الهيئة لاخراج المادة إلى
اللا بشرطية الا أن تكون حاكية لحيثية بها صار المشتق قابلا للحمل فان نفس الحدث غير
قابل له ولم يكن متحدا في نفس الامر مع الذات، فقابلية الحمل تابعة لحيثية زائدة على
89

الحدث المدلول عليه بالمادة، فظهر ان لمادة المشتقات معنى ولهيئتها معنى آخر به صار
مستحقا للحمل وهذا عين التركيب الإنحلالي
تحقيق للمقام
(الثالث) وهو الموافق للتحقيق وللإرتكاز العرفي والاعتبار العقلائي، هو ان لفظ
المشتق الأسمى القابل للحمل على الذوات كأسماء الفاعل والمفعول والزمان والمكان
والآلة موضوع، لأمر وحداني مفهوما قابل للانحلال إلى معنون مبهم وعنوان، دون النسبة
وان المشتق متوسط بين الجوامد التي هي بسائط لفظا ودلالة ومدلولا، وبين المركبات
تفصيلا التي هي مركبات في اللفظ والدلالة والمدلول، تركيبا تفصيلا، والمتوسط بينهما
هو المشتق فهي أمر وحداني لفظا ودلالة ومدلولا في النظرة الأولى ولكنه ينحل إلى شيئين
في المقامات الثلاث عند التحليل والتجزئة عقلا
توضيحه ان الصور الحاصلة من الموجودات المادية مثلا في القوة الخيالية تارة
يكون ذات الشئ بلا وصف عنواني، واخرى يكون معه والثاني على قسمين، لان الحاصل
فيها قد يكون الذات مع العنوان بنحو التفصيل بحيث يتعلق بكل من الذات والوصف ادراك
مستقل وقد يكون الذات والعنوان مدركين بما انهما الشئ المعنون الوحداني،
فهذه انحاء ثلثة، فالحاكي عن الأول هو الجوامد كلفظ الجسم، فإنه يحكى من الذات فقط
وعن الثاني هو اللفظ المركب من لفظين أو أزيد نحو قولك زيد له البياض وعن الثالث
هو المشتق نحو أبيض، إذ هو حاك لا عن الذات، فقط وعن ذات وعنوان تفصيلا، بل عن
المعنون بما انه مفهوم وحداني ينحل إليهما عند العقل لا عند الاطلاق
و (ان شئت قلت) لفظ الجسم بسيط دالا ومدلولا ودلالة، فلا يدل الا على معنى وحداني
ليس في هذه العوالم الثلاث الا وحدانيا غير قابل للانحلال، وقولك جسم له البياض أو شئ
معنون بالأبيضية يدل بالدلالات المستقلات وبالالفاظ المنفصلة على المعاني المفصلة المشروحة
ولفظ الأبيض دال على المعنون بما هو كذلك لا بنحو التفصيل والتشريح، بل بنحو الوحدة
فالدلالة والدال والمدلول لكل منها في المشتق، وحدة انحلالية في عالم الدلالة والدالية
والمدلولية، (فان قلت) ان الجسم ينحل بحسب المعنى إلى مادة وصورة ضرورة تركبه منهما
فكيف يكون غير منحل مدلولا أيضا فلا فرق بين الجسم والمشتق بحسب المدلول بدئيا
90

أو انحلاليا.
(قلت) انحلال الجسم إلى المادة والصورة انما هو في ذاته لا بما انه مدلول لفظه
بخلاف العالم فان انحلاله إلى المعنون والعنوان انحلال في المدلول بما انه مدلوله و
بعبارة ثانية كما أن المادة والهيئة في المشتقات كأنهما موجودان بوجود واحد، كذلك
في الدلالة فان دلالتهما دلالتان في دلالة واحدة، والمفهوم منها مفهومان في مفهوم واحد،
وفي الخارج كأنهما موجودان بوجود واحد، والمعنون الذي هو مفهوم المشتق يقبل الحمل
والجري على الافراد، فزيد في الخارج متحد الوجود مع الضارب الذي ينحل إلى
المعنون بالضاربية
ثم إن المحقق الشريف استدل على بساطة المشتق بامتناع دخول الشئ في مفهوم
الناطق لاستلزامه دخول العرض العام في الفصل المميز، ولو اعتبر ما صدق عليه الشئ
انقلبت القضية الممكنة إلى الضرورية (انتهى و) فيه مواقع للنظر (اما) أو لا فلان برهانه لا يثبت
الا خروج الذات لا البساطة، فلقائل أن يقول كما اختار بعضهم ان مفاده هو الحدث المنتسب
إلى الذات بنحو يكون الحدث والنسبة داخلتين والذات خارجة، اللهم الا ان يقال إن
الشريف بصدد اثبات خروج الذات لا البساطة وهو غير بعيد عن ظاهر كلامه فراجع محكى
كلامه في شرح المطالع
واما ثانيا فلان المشتق بماله من المعنى الحدثى لا يعقل ان يعد من مقومات الجوهر
سواء كان بسيطا أم مركبا، فلو صح القول بنقله عن معناه على البساطة فليصح على القول
بالتركيب، نعم سيوافيك باذنه تعالى ان المبدء لا يشترط فيه سوى كونه قابلا لاعتوار الصور
والمعاني عليه واما كونه حدثيا فليس بواجب بل هو الغالب في مصاديقه
و (ثالثا) ان ما لفقه بصورة البرهان بعد الغض عن انه ليس برهانا عقليا بل مآله إلى
التمسك بالتبادر عند المنطقيين، انما يتم لو كان مفاد المشتق مركبا تفصيليا، وقد عرفت
انه لا قائل به ظاهرا واما على ما اخترناه من كون المتبادر هو البسيط الانحلالي فلا
توضيح ذلك ان المحقق في محله هو ان تركب الجنس والفصل إتحادي لا انضمامي
لان المادة البسيطة إذا اتصفت بالكمال الأول أعني الحركة وتوجهت إلى صوب كمالاتها،
تتوارد عليها صور طولية في مدارج سيرها ومراتب عروجها بحيث تصير في كل مرتبة عين
91

صورتها على نحو لا تقبل التعدد والكثرة وجودا، وإن كانت تقبلها تحليلا، وهذا التدرج
والحركة إلى اخذ الصور، مستقران حتى تصل إلى صورة ليست فوقها الصورة، التي هي جامعة
لكمالات المراتب الأولية، لكن بنحو الأتم والابسط، وهذه الوحدة الشخصية والبساطة
لا يتنافيان مع انتزاع حدود عن الذات المشخصة، لان اجزاء الحد لم تؤخذ بنحو يوجب
الكثرة الخارجية حتى يباينه بساطتها، بل الحد وتركبه انما هما بتعمل من القوة العاقلة
الناظرة في حقايق الأشياء وكيفية سيرها فتنزع من كل مرتبة جامعا ومايزا (وعليه) فكما
ان البساط الخارجية لا تضاد التركب التحليلي، كذلك وعاء المفاهيم ومد الليل الألفاظ
فان تحليل المشتق لا ينافي بساطة مفهومه وكونه أمرا وحدانيا، إذ تحليل مفهوم المشتق
إلى الذات والحدث وانتزاعهما منه ليس الا كانتزاع الجنس والفصل عن الموجود البسيط
المتحد جنسه مع فصله
(وبعبارة ثانيه) ان الحد التام لابد وأن يكون محددا ومعرفا للماهية على ما هي
عليها في نفس الامر، ولو تخلف عنها في حيثية من الحيثيات لم تكن تاما، وماهية الانسان
مهية بسيطة يكون جنسها مضمنا في فصلها، وكذلك فصلها في جنسها، لان ماخذهما
المادة والصورة المتحدتان ولابد أن يكون الحد مفيدا لذلك، فلو كانت اجزاء الحد حاكية
عن اجزاء المهية في لحاظ التفصيل لم يكن تاما فلا محيص عن أن يكون كل جزء حاكيا عن
المحدود بما هو بحسب الواقع من الاتحاد وهو لا يمكن الا بان يكون الحيوان الناطق
المجعول حاكيا عن الحيوان المتعين، بصورة الناطقية أي المادة المتحدة بتمام المعنى
مع الصورة، فالذات المبهمة المأخوذة على نحو الوحدة مع العنوان في المشتق صارت
متعينة بتعين الحيواني، فكأنه قال الانسان حيوان متلبس بالناطقية، وكانت الناطقية صورة
له وهو متحد معها، لا انه شئ والناطق شئ آخر
هذا كله راجع إلى الشق الأول من كلامه، وبالوقوف والتأمل فيما ذكرنا يظهر
ضعف الشق الثاني أيضا، إذ الانقلاب انما يلزم لو كان الذات مأخوذا بنحو التفصيل بحيث يصير
قولنا زيد ضارب، اخبارين (أحدهما) الاخبار عن كون زيد زيدا، (ثانيهما) الاخبار عن كونه
ضاربا، وقد أشرنا إلى أن التركب انحلالي، ولو سلمنا كون الذات مأخوذا تفصيلا لا يوجب
ذلك كونه اخبارين ضرورة ان القائل، بان زيدا شئ له القيام، ما أخبر الاعن قيامه لا عن شيئيته
92

ولو فرض ان ذلك اخباران وقضيتان إحديهما ضرورية والاخرى ممكنة، فأين الانقلاب
ثم إن هنا برهانا آخر لا يقصر عن برهان الشريف نقدا ودخلا وهو ان الضرورة
قاضية بأنه لو قيل، (الانسان قائم) ثم قيل الانسان شئ أو ذات ما فهم منه التكرار، كما
لو قيل إنه انسان وليس بقائم ما فهم منه التناقض، وهما من آيات البساطة وعدم اخذ الذات
أو مصداقها فيه
وفيه ان المذكور ينفى اخذ الذات فيه تفصيلا دون ما ذكرنا لأنه لا ينقدح منه في
الذهن الا معنى واحد، والتناقض والتكرار فرع كونه اخبارين وقضيتين، وقد تقدم ان هنا
اخبارا واحدا عن قيامه لا عن شيئيته وقيامه
في بيان الفرق بين المشتق ومبدئه
الثاني ترى ان عبائر القوم في بيان الفرق تحوم حول أمر واضح وهو ان المشتق
غير آب عن الحمل، والمبدء متعص عنه، مع أن قابلية المشتق له وعدم قابلية ذاك له ليستا
من الأمور الخفية فانظر إلى قول المحقق الخراساني حيث قال الفرق بين المشتق ومبدئه
مفهوما هوانه بمفهومه لا يأبى عن الحمل لاتحاده مع الموضوع بخلاف المبدء فإنه يأبى
عنه بل إذا قيس إليه كان غيره لا هو هو واليه يرجع ما عن أهل المعقول من أن المشتق يكون
لا بشرط والمبدء بشرط لا، (انتهى ملخصا)، ولولا قوله إلى ذلك يرجع (الخ) كان كلامه
مجملا قابلا للحمل على الصحة، وإن كان توضيحا للواضح كما عرفت وانما كان عليه بيان
لمية قابلية حمل المشتق دون المبدء كما أن ما نسب إلى أهل المعقول لا تنحل به العقدة
مع عدم صحته في نفسه كما سيأتي (والتحقق) ان مادة المشتقات موضوعة لمعنى في غاية
الابهام وعدم التحصل ويكون تحصله بمعاني الهيئات كما أن نفس المادة أيضا (كك) بالنسبة
إلى الهيئات فمادة ضارب لا يمكن ان تحقق الا في ضمن هيئة ما، كما انها لا تدل على معنى
باستقلالها فهي مع هذا الانغمار في الابهام، وعدم التحصل لا تكاد تتصف بقابلية الحمل ولا
قابليته الا، على نحو السلب التحصيلي لا الايجاب العدولي أو الموجبة السالبة المحمول لعدم
شيئية لها بنحو التحصل والاستقلال فهي مع كل مشتق متحصلة بنحو من التحصل (نعم) بناء على ما
ذكرنا، سابقا من كون هيئة المصدر واسمه انما هي موضوعة لتمكين التنطق بالمادة يكون
المصدر كاسمه هو الحدث المتحصل فيتصف بالإباء عن الحمل لحكايته عن الحدث المجرد
93

عن الموضوع ولو بنحو من التحليل بخلاف المادة فإنها بنفسها لا تحصل لها ولا لمعناها (فاتضح)
بما ذكر ان مادة المشتقات مفترقة عن المصادر وأسمائها بالتحصل وعدمه واما الفرق بينها
وبين المشتقات القابلة للحمل فهو ان المشتقات موضوعة للمعنون بما هو (كك) والمادة
موضوعة للعنوان المبهم لا بقيد الابهام بل يكون نفسه مبهمة بالحمل الشايع والهيئة
موضوعة لإفادة معنونية شئ ما بالمبدء فإذا تركب اللفظ من المادة والهيئة كالتركيب
الاتحادي يدل على المعنون بما هو (كك) لا بنحو الكثرة كما مر وبذلك يصلح للحمل لحصول
مناطه، أي الهوهوية الخارجية الحاكية بالمفهوم المدلول عليه باللفظ ولا يخفى ان مرادنا
من التحصل هو المستعمل في المهيات النوعية مقابل الأجناس لا المستعمل في باب الوجود
فلا تغفل وبذلك يدفع توهم لزوم دلالة المصدر على معنى زائد من الحدث ولو اشتهى
أحد، أن يقول إن حيثية تحصل الحدث ولو نوعيا نحو من المعنى المدلول عليه بالهيئة فلا
بأس به بعد وضوح الامر واما ما نسب إلى أهل المعقول من كون المادة بشرط لا والمشتق لا بشرط
فغير صحيح، لاستلزامه اجتماع أمرين متنافيين في المشتقات إذا المادة التي أخذت بشرط لا
لابد وأن تكون موجودة في فروعها بمالها من الحيثيات بلا حذف واحدة منها و (ح)
هيئة المشتق لا تأبى عن الحمل بل تقتضيه ومادته يتعصى عنه والألم تكن ما فرض مادتا، مادتا
ولو قيل إن الهيئة تقلب المادة إلى اللابشرط ففيه ان ذلك لا يرجع إلى محصل، الا ان يراد
به استعمال المادة في ضمن هيئة المشتق في المهية اللابشرط وهو مع استلزامه المجازية
يهدم دعوى الفرق بين المادة والمشتق بما ذكر
واحتمال ان المراد من المادة هنا هو المصدر يوجب وهنا على وهن، على أن اخذ
المبدء بشرط لا يستلزم له نحوا من التحصل، والمتحصل بما هو متحصل لا يعقل ان يصير
مبدأ لشئ آخر فتدبر
ثم إن المنقول من أهل المعقول قد أيده بعض المحققين من أهل الفن في تعليقاته
وملخصه يرجع إلى وجهين
الأول، انا إذ رأينا شيئا أبيض، فالمرئي بالذات هو البياض بالضرورة، كما نحن نحكم
قبل ملاحظة كونه عرضا قائما بالموضوع، بأنه بياض وأبيض، ولولا الاتحاد بالذات بين
الأبيض بالذات والبياض لما حكم العقل بذلك
94

الثاني، ان معلم المنطق ومترجمي كلامه عبروا عن المقولات بالمتكيف دون
الكيف، ومثلوا لها بالحار والبارد، ولولا الاتحاد لما صح ذلك، ويشهد له ما نقل عن بعضهم
من أن الحرارة لو كانت قائمة بذاتها لكانت حارة بذاتها وهكذا البرودة
وفيه، خلط بين النظر العقلي والفهم العرفي، إذ المتبع في تعيين المفاهيم هو الأذهان
الصافية عن شوائب البراهين العقلية إذ قصارى ما أثبته البرهان هو ان الأبيض الحقيقي
هو البياض دون الجسم، ولذا جعلوا حمل الأبيض على الجسم شايعا عرضيا لا ذاتيا، واما
ان المشتقات الدائرة بين العرف الساذج فاتحادها مع مباديها من الغرائب بينهم، ولا يرضى
به مهما صار دقيقا، وأوهن منه التمسك بكلام المترجمين أو الفرض الذي نسجه البعض
ثم إن ما اشتهر في توضيح اللا بشرطية والبشرط اللائية في المقام فهو أيضا مأخوذ
من ذلك المحقق و مجمله ان حقيقة البياض (تارة) تلاحظ بما هي وانها موجودة في قبال
موضوعها، فهي بهذا اللحاظ بياض ولا تحمل على موضوعها، (واخرى) تلاحظ بما هي
ظهور موضوعها ومرتبة من وجوده وظهور الشئ وطوره لا يباينه فيصح حملها عليه انتهى
لا يكاد ينقضى تعجبي من هذا المحقق، كيف جعل الوصفين المزبورين من الأمور
الاعتبارية، وان اللحاظ تارة يمنعه عن الحمل واخرى يخرجه عن التعصي، وقد تقدم ان
الحق كون اللا بشرطية وبديلها من الأمور الواقعية وإلى ذلك يرجع مغزى كلام المحققين
وملخص القول معه، انه ان أراد من الاعتبارين ان المشتق قابل للحمل دون المبدء فمسلم، وان
أراد اتحادهما معنا والفرق هو ان المشتق لوحظ من تطورات الموضوع وطواريه ومراتب
وجوده دون الاخر - فغير صحيح، لان المتبادر خلافه لان المفهوم من المشتق المعنون دون
العنوان، مع أن الحمل لا يصح ما لم يتحيث المحمول بحيثية واقعية خارجة عن طوق
الاعتبار
الثالث وممن خالف مع ما نقل من أهل المعقول في الفرق المزبور صاحب
الفصول، وحاصل كلامه بطوله وتعقيده، ان الحمل يتقوم بمغايرة باعتبار الذهن في
لحاظ الحمل، واتحاد باعتبار ظرف الحمل من ذهن أو خارج، ثم التغاير قد يكون اعتباريا
والاتحاد حقيقيا، وقد يكون حقيقيا والاتحاد اعتباريا، فلابد فيه من اخذ المجموع من
حيث المجموع شيئا واحدا، واخذ الاجزاء لا بشرط واعتبار الحمل بالنسبة إلى المجموع
95

حتى يصح الحمل، والعرض لما كان مغايرا لموضوعه لابد في حمله عليه من الاتحاد على
النحو المذكور، مع انا نرى بالوجدان عدم اعتبار المجموع من حيث المجموع، بل الموضوع
المأخوذ هو ذات الأشياء فيتضح من ذلك ان الحمل فيها لأجل اتحاد حقيقي بين المشتق
والذات، فلابدان يكون المشتق دالا على أمر قابل للحمل وهو عنوان انتزاعي من الذات
بلحاظ التلبس بالمبدء فيكون المشتق مساوقا لقولنا ذي كذا، ولذا يصح الحمل (انتهى
بتوضيح وتلخيص منا)
قلت ما ذكره أو حققه لا يخلو عن جودة ولعله يرجع مغزاه إلى ما حققناه مع فرق
غير جوهري، وما أورد عليه المحقق الخراساني كأنه أجنبي من كلامه خصوصا قوله مع
وضوح عدم لحاظ ذلك في التحديدات فان صاحب الفصول لم يدع اعتبار المجموع في
مطلق الحمل بل فيما يكون التغاير حقيقيا والاتحاد اعتباريا، نعم يرد عليه ان ذلك الاعتبار
لا يصحح الحمل وهو لا يضر بدعواه فيما نحن فيه فراجع الفصول
ثم اعلم أن الحمل الذي مفاده الهوهوية على ما تقدم، متقوم بالاتحاد بين الموضوع
والمحمول في نفس الامر، وانما أراد المتكلم الاخبار بهذا الاتحاد الواقعي، فكما لا يكون
التغاير الواقعي متحققا في القضايا الصادقة، كذلك لا معنى للتغاير الاعتباري، واعتبار
التغاير بوجه، لان اعتبار التفكيك ينافي الاخبار بالاتحاد والهوهوية نعم تغاير الموضوع
والمحمول في القضية اللفظية والمعقولة وجودا أو مفهوما أيضا مما لابد عنه، فإذا قلت زيد
زيد يتكرر اللفظان في ذهن المتكلم وكلامه وذهن المخاطب، وهما موجودان حاكيان
عن هوية واحدة في نفس الامر من غير تكثر واقعي، ولا اعتبار التكثر بين زيد ونفسه
في الواقع وظرف الاخبار، فان الاعتبار الكذائي ينافي الاخبار بالوحدة (وتوهم) لزوم
اعتبار التغاير لئلا يلزم حمل الشئ على نفسه ولا تحقق النسبة بينه وبين نفس، (مدفوع)
بما تقدم تحقيقه من عدم تقوم القضايا التي مفادها الهوهوية بالنسبة، بل النسبة فيها باطلة
وحمل الشئ على نفسه بمعنى الاخبار عن كون الشئ نفسه ليس، غير صحيح جدا بل ضروري
الصحة فما في كلام بعض الأعيان من المحشين من التغاير الاعتباري بينهما الموافق لنفس
الامر فليس بتام
الرابع: في الاشكال على الصفات الجارية على ذاته تعالى)
96

قد يقال إن المادة موضوعة للحدث اللابشرط غير المتحصل، وهيئة المشتقات للمعنون
أعني الذات المتلبس بالعنوان عند التحليل، فيشكل الامر في أوصافه تعالى من وجهين
(الأول) من ناحية هيئة المشتق فإنها تقتضي مغايرة المبدء لما يجرى عليه، والمذهب الحق
عينية الذات مع الصفات (الثاني) من جهة المادة لاقتضائها كون المبدء في المشتقات حدثا،
وهو سبحانه فوق الجواهر والاعراض، فضلا عن الاحداث
وأجاب المحقق الخراساني، بأنه يكفي التغاير مفهوما وان اتحدا عينا (وفيه) مضافا
إلى عدم كفايته لدفع الاشكال الثاني، ان الاشكال ههنا في أن مفاد المشتق هو زيادة العنوان
على ذات المعنون، واجرائه على الواجب يستلزم خلاف ما عليه أهل الحق، وما ذكر من
اختلافهما مفهوما كأنه أجنبي عن الاشكال واعجب منه ما في ذيل كلامه من أن في صفاته
الجارية عليه تعالى يكون المبدء مغاير اله تعالى مفهوما، قائما به عينا لكنه بنحو من القيام
لابان يكون هناك اثنينية وكان ما بحذائه غير الذات بل بنحو من الاتحاد والعينية، وعدم
فهم العرف مثل هذا التلبس لا يضر لكونه مرجعا في المفاهيم لا في تطبيقها (انتهى) وفيه
مضافا إلى أن القول بعينية الصفات مع الذات غير القول بكونها قائمة بذاتها إذ لو قلنا
بالقيام لتوجه الاشكال ولا يندفع بما قال الا ان يراد بالقيام عدم القيام حقيقة، أضف إلى ذلك
ان المدعى ان العرف يجرى هذه الصفات عليه تعالى، كما يجريها على غيره، فالقول بان العرف
متبع في المفاهيم لا التطبيق، غير مربوط به، مع أن عدم مرجعيته في التطبيق محل نظر
وما عن صاحب الفصول من الالتزام بالتجوز أو النقل خلاف الوجدان إذ لا نرى
الفرق بين حملها عليه سبحانه وغيره: و (اما) الاشكال عليه من استلزام قوله كون جريها
عليه لقلقة اللسان، أو إرادة المعاني المقابلة تعالى عنه (فمدفوع) بان الالتزام بنقل العالم
والقادر إلى نفس العلم والقدرة التي لا تستلزم الزيادة على ذاته، لا يوجب ما اوردوه بل
يوجب تنزيه الذات عن الكثرة كما هو واضح
والتحقيق في دفع الاشكال الأول ان يقال إن المشتق لا يدل الاعلى المعنون بعنوان
المبدء بما انه معنون، فلا يفهم من لفظ العالم الا المعنون به من حيث هو كذلك، واما زيادة
العنوان على المعنون وقيامه به فهو خارج عن مفهومه لكن لما كان الغالب فيها هو الزيادة
تنسبق المغايرة والزيادة إلى الذهن لأجل التعارف الخارجي، لا لدلالة المفهوم عليها فالمشتق
97

يدل على المعنون، والعينية والزيادة من خصوصيات المصاديق
فان قلت: ان المشتق ينحل بحسب اللفظ والدلالة والمدلول إلى شيئين فينحل
بحسب المدلول إلى ذات ثبت له المبدء، وهذا التفصيل والانحلال وان لم يكن مدلولا أوليا
للفظ بناء على بساطة المشتق بل مدلولا ثانويا بحسب تحليل العقل، الا ان التحليل منه
لابد أن يكون لأجل خصوصية في المدلول الأولى، التي يقتضى زيادة العنوان على ذاته،
والا كان التحليل بلا ملاك (فح) تلك الخصوصية المفهمة من المدلول الأولى، تقتضي أن يكون
وضع المشتق لمعنى يزيد فيه العنوان على ذاته، حفظا لملاك التحليل، وبالجملة التحليل ولو بحسب
العقل لا يجامع مآلا مع القول بان الزيادة والعينية من خصوصيات المصاديق، (قلت) لا ينحل
المشتق حتى في لحاظ التفصيل إلى ذات ثبت له المبدء بحيث يكون دالا على ذات ومبدء و
ثبوت مبدء الذات بل لا يدل الا على المعنون بما هو (كك) ولازمه وجدان المعنون للعنوان
لا حصول العنوان له حصولا زائدا على ذاته فهو تعالى عالم وقادر أي معنون بعنوان العلم
والقدرة من غير لزوم كونهما وصفا زائدا عليه تعالى كما أنه أزلي وأبدي من غير تصور
كونهما وصفين زائدين على ذاته وبالجملة دعوى انحلال المشتق إلى ذات وصفة وثبوت
الصفة لها حتى يكون لازمه الزيادة في غاية السقوط
فتحصل، انه تعالى موصوف بجميع الصفات الكمالية، ومعنون بهذه العناوين، وهى
جارية عليه تعالى بمالها من المعاني من غير نقل ولا تسامح، وانكار ذلك الحاد في أسمائه
وصفاته على فرض، وخلاف المتبادر والارتكاز على فرض آخر، فهو عز شأنه وتقدست
أسمائه موصوف بكل كمال، و (اما) تفصيل القول في أنه تعالى صرف الوجود وهو كل كمال،
وتحقيق القول في جمع صرف الوجود للأسماء مع كونها بحقايقها ثابتة له من دون شوب كثرة
عقلية أو خارجية، وغير ذلك من المباحث الهامة، فكلها موكول إلى علمه ومحله وأهله
واما الاشكال الثاني فيندفع بأنه لا دليل على لزوم كون المبدء حدثا أو عرضا بالمعنى
المنافى لذاته سبحانه، بل القدر المسلم هو قبول المعنى المبدئي التصرف والتصريف
بتوارد الصور المتنوعة والمعاني المختلفة عليه والحقايق التي لها مراتب الكمال والنقص
والعلية والمعلولية كحقيقة الوجود وكمالاتها، قد تكون قابلة للتصريف والتصرف، فإذا
صدر منه تعالى وجود، يصدق عليه انه موجد، وعلى المعلول انه موجد، ويجئ فيه سائر
98

التصرفات (فتلخص) ان المشتق يدل على المعنون بعنوان من غير دلالة على الحدثية
والعرضية، فإذا قلنا إنه سبحانه عالم، ليس معناه الا كون ذاته تعالى كاشف أو كشف تام
عن الأشياء والعلم حقيقة الانكشاف من غير دخالة العرضية والجوهرية فيه، فليس حقيقته
الا ذلك وهو ذو مراتب وذو تعلق بغيره لا نحو علق الحال بالمحل، وهو تعالى باعتبار كونه
في مرتبة ذاته كشف تفصيلي في عين البساطة والوحدة عن كل شئ أزلا وابدا، يطلق عليه
عالم، وباعتبار كون ذاته منكشفا لدى ذاته يكون معلوما، فصدق المشتقات الجارية على
ذاته تعالى حقيقة من غير شوب اشكال - والحمد لله تعالى
المقصد الأول في الأوامر وفيه فصول
الفصل أول - فيما يتعلق بمادة الامر وفيه جهات من البحث (الأولى) اعلم أن المعروف
بين الأصوليين ان لفظ الامر مشترك لفظي بما انه لفظ واحد بين الطلب الذي هو أمر حدثني
وقابل للتصريف، وبين غيره الذي ليس كذلك، وعن بعضهم انه مشترك معنوي بينهما
ولكنه غفلة وذهول لامتناع وجود جامع حقيقي بين الحدث وغيره، وعلى فرض وجوده
لا يكون حدثيا حتى يقبل الاشتقاق الا بنحو من التجوز، كما أن القول باشتراكه لفظا
غير صحيح، إذا الموضوع للحدث هي المادة السارية في فروعها التي لم تتحصل بهيئة خاصة
بل خالية عن جميع الفعليات والتحصلات، والموضوع لمعان آخر هو لفظ الامر جامدا
المتحصل بهيئة خاصة كلفظ الانسان والحيوان و (عليه) فالوضعان لم ينحدرا على شئ واحد
حتى يجعل من الاشتراك اللفظي، بل على مادة غير متحصلة تارة، وعلى اللفظ الجامد أخرى
ولعل القائل بالاشتراك يرى مادة المشتقات هو المصدر وتبعه غيره في ذلك من غير توجه
إلى تاليه
ثم الظاهر كما هو مقتضى التبادر من قولنا (أمر فلان زيدا)، ان مادته موضوعة
لجامع اسمى بين هيئات الصيغ الخاصة بمالها من المعنى، لا الطلب ولا الإرادة المظهرة
ولا البعث وأمثالها، ولا يبعد أن يكون المعنى الاصطلاحي مساوقا للغوى أي لا يكون له
اصطلاح خاص، مثلا إذا قال اضرب زيدا يصدق على قوله إنه امره، وهو غير قولنا انه طلب منه
أو أراد منه أو بعثه، فان هذه المفاهيم الثلاثة غير مفهوم الامر عرفا
وبعبارة أوضح ان مادة الامر موضوعة لمفهوم اسمى منتزع من الهيئات بما لها من
99

المعاني، لا بمعنى دخول المعاني في الموضوع له بل بمعنى ان الموضوع له جامع الهيئات
المستعملة في معانيها لا نفس الهيئات ولو استعملت لغوا أو في غير معناها، فالمعنى مفهوم
اسمى مشترك بين الهيئات التي هي الحروف الايجادية
فان قلت: البحث في لفظ الامر الذي له معنى اشتقاقي وما ذكرت من الجامع يستلزم
كونه غير قابل للتصريف، (قلت) ما ذكرنا من الجامع الأسمى بما انه قابل للانتساب
والتصرف يصح منه الاشتقاق كما أن الكلام واللفظ والقول مشتقات باعتبار ذلك فلا اشكال
من هذه الجهة بوجه، ولو سلم ان الامر لغة بمعنى الطلب فالاشتقاق كما يمكن باعتباره،
كذلك يمكن باعتبار المعنى الاصطلاحي، أي القول الخاص لكن باعتبار كونه حدثا
صادرا عن المتكلم (وما يقال) من أن المعنى الاصطلاحي غير قابل للتصريف (ناش) عن جعل
لفظ الامر بإزاء معنى محصل الذي لا يصدق الا على الصيغ المحصلة، وقد عرفت ان الاشتقاق
منه باعتبار انتسابه وكونه حدثا صادرا عن الامر
في اعتبار العلو والاستعلاء عفى مادة الامر
(الثانية) الأقوى هو اعتبار العلو في معناه للتبادر، ولذا يذم العقلاء خطاب المساوى
والسائل لمن هو مساو معه أو أعلى منه إذا كان بلفظ الامر، وهو آية اخذ العلو فيه نعم ليس
المراد من العلو كونه عاليا واقعا بأوصاف معنوية وملكات علمية بل هو أمر اعتباري، له
منشأ عقلائي يختلف بحسب الزمان والمكان، ومداره كون الشخص نافذا كلمته ومسموعا
قوله واسعا قدرته وعظمته بحيث يقتدر على اجراء أوامره وتكاليفه.
وعلى ذلك فالملك المحبوس المتجرد من النفوذ واعمال القدرة لا يعد انشائه أمرا
بل التماسا ورئيس المجلس النافذ في محيطه يكون آمرا بالنسبة إليه، والظاهر أن الاستعلاء
أيضا مأخوذ فيه فلا يعد مكالمة المولى مع عبيده على طريق الاستدعاء والالتماس، أمرا كما
هو واضح (فح) لا مناص عن القول بان معنى الامر ومفهومه أمر مضيق لا ينطبق الا على الامر
العالي المستعلى عند التحليل (وربما) يقال إن العلو والاستعلاء لم يعتبر في معنى الامر بنحو
القيدية بل الطلب على قسمين أحدهما ما صدر بغرض انه بنفسه يكون باعثا بلا ضميمة من
دعاء والتماس فيرى الامر نفسه بمكان يكون نفس امره باعثا ومحركا وهذا الامر لا ينبغي
صدوره الا من العالي المستعلى وهو غير الاخذ في المفهوم و (فيه) ان عدم
100

صدقه على غير العالي والمستعلي كاشف عن تضيق مفهومه إذ لو أبقى على سعته كان عدم صدقه
على غيرهما بلا ملاك و (بالجملة) فالامر دائر بين وضعه لمطلق القول الصادر ووضعه للصادر
عن علو واستعلاء، فعلى الثاني لا محيص عن الالتزام بتقييده بقيد حتى لا يصدق على غيرهما
وعلى الأول لا يتم قوله إن الامر الكذائي لا ينبغي صدوره خارجا الامن العالي المستعلى
مع أن المفهوم باق على سعته
في أن مادة الامر يدل على الايجاب أولا
الثالثة، قد عرفت ان مادة الامر موضوع لمفهوم جامع بين الهيئات الصادرة عن العالي
المستعلى، فهل هو الموضوع له بقول مطلق، أو ذاك مع قيد آخر أعني كونه صادرا على
سبيل الالزام والايجاب، والدليل الوحيد هو التبادر ولا يبعد موافقته لثاني ويؤيده
بعض الآيات والرواية المأثورة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك
وهو ظاهر في أن الامر يوجب المشقة والكلفة وهذا يساوق الوجوب دون الاستحباب،
مضافا إلى أن السواك مطلوب استحبابا فلو كان ذلك كافيا في صدق الامر لما صدر منه
صلى الله عليه وآله ذلك الكلام
وما قاله بعض محققي العصر بعد اختياره كون لفظ الامر حقيقة في مطلق الطلب
انه لا شبهة في ظهوره حين اطلاقه في خصوص الطلب الوجوبي ومنشأ ذلك اما غلبة استعماله
في الوجوب أو قضية الاطلاق ولا وجه لدعوى الأول لكثرة استعماله في الاستحباب كما
ذكره صاحب المعالم فينحصر الوجه، في الثاني ثم استقر به بوجهين؟ (غير مفيد) بل من
الغرائب لان ما ذكره صاحب المعالم انما هو في صيغة الامر دون مادته كما أن مورد التمسك
بالاطلاق هو صيغة الامر دون مادته
الفصل الثاني فيما يتعلق بصيغة الأوامر وفيه مباحث
(الأول) قد أسلفنا ما هو المختار في مفاد الماضي والمضارع بقى الكلام في هيئة الامر
فالتحقيق ان مفادها ايجادي لا حكائي فهي موضوعة بحكم التبادر لنفس البعث والاغراء
نحو المأمور به، فهي كالإشارة البعثية والاغرائية وكاغراء جوارح الطير والكلاب المعلمة
وان شئت ففرق بينهما بان انبعاث الحيوانات يكون بكيفية الصوت والحركات والإشارات
101

المورثة لتشجيعها أو تحريكها نحو المقصود لكن انبعاث الانسان بعد فهم بعث مولاه و
احراز موضوع الإطاعة لأجل مباد موجودة في نفسه كالخوف من عقابه وعذابه والرجاء
لرحمته وغفرانه ورضوانه وليس المراد من الايجاد ايجاد شئ في عالم التكوين حتى
يقال انا لا نتصور له معنى بل المراد هو ايجاد بعث اعتباري في دائرة المولوية والعبودية
مكان البعث بالجوارح من يده ورجله وغيرهما وقد عرفت نظائره في حروف القسم
والنداء فإنها موجودات بنحو من الايجاد لمعانيها، وفي ألفاظ العقود والايقاعات
فإنها عند العقلاء موضوعة لإيجاد الأمر الاعتباري من معاني البيع والإجارة والطلاق
وقس عليه المقام
واما ما افاده المحقق الخراساني من كونها موضوعة لانشاء الطلب (فغير واضح
المراد) إذا المقصود من الطلب إن كان هو الطلب الحقيقي الذي هو عين الإرادة على
مسلكه فيصير مآله انها لا نشاء الإرادة فهو واضح الفساد، إذ لا معنى لا نشاء الإرادة التي
هي أمر تكويني (أولا) ويلزم أن يكون معنى اضرب هو أريد منك الضرب مع أن التبادر
على خلافه (ثانيا) وإن كان المراد هو الطلب الايقاعي كما هو غير بعيد من سوق كلامه
ففيه، انا لا نتصور هنا غير البعث والاغراء شيئا آخر حتى نسميه طلبا اغرائيا، ولو فرض
له معنى محصل فيرد بحكم التبادر إذ هو غير متبادر من الهيئة
(الثاني) قد تقدم منا تحقيق القول في الحقيقة والمجاز ومر ان اللفظ فيها مستعمل
في الموضوع له ولكن ليثبت الذهن فيه ولا يتجاوز إلى غيره في الحقيقة أو يتجاوز إلى
شئ آخر بادعاء ان الثاني أيضا عينه (فح) يتضح ان الترجي والتمني والتهديد وإن كانت
ربما تراد من الامر لكن لا في عرض البعث والاغراء، بل المستعمل فيه مطلقا هو البعث
وانما يجعل عبرة لغيره أحيانا
ثم الانتقال من المعنى الحقيقي اما إلى معنى محقق في الواقع كما في قوله سبحانه
قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات، استعمل الامر في البعث لكن لا ليحق عليه بل لأجل
الانتقال إلى أمر محقق ثابت غير قابل للانشاء وهو خطائهم في نسبة الافتراء إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله أو عجزهم عن المعارضة والمناضلة، واما إلى معنى انشائي ايقاعي، فينشأ تبعا لصيغة
الامر كالترجي وتمنى الاستخلاص في قول امرء والقيس في معلقته
102

الا أيها الليل الطويل الا انجلى * بصبح وما الاصباح منك بأمثل
وبه تتضح مشكلة أخرى وهى ان الاستفهام والترجي والتمني التي استعملت في
الذكر الحكيم، لو بقيت على حالها لاستلزمت النقص والجهل والعجز في ذاته، تعالى
عن العيوب والنقايص، و (حلها) ان الكلمات الموضوعة لانشاء تلك المعاني كلها مستعملة
فيما وضعت له لأجل الانتقال إلى معنى آخر حسب مناسبة الموارد والمقامات (1)
في أن الهيئة هل تدل على الوجوب أولا
(الثالث) بعد ما عرفت ان الهيئة وضعت للبعث والاغراء يقع الكلام في أنها هل
وضعت للبعث الوجوبي أو الاستحبابي أو القدر المشترك بينهما اولهما على سبيل الاشتراك
اللفظي، فلنقدم لتحقيقه أمورا
الأول إذا راجعت وجدانك تعرف ان المصالح والغايات المطلوبة لها دخل تام في
قوة الإرادة وضعفها، كيف لا وان الإرادة المحركة لعضلاته لانجاء نفسه من الهلكة
أقوى من الإرادة المحركة لها نحو لقاء صديقه وهى أقوى من المحركة لها للتفريح
والتفرج
ويمكن ان يستكشف مراتب الإرادة واختلافها شدة وضعفا عن تحريك العضلات
سرعة وبطؤا، فظهر ان ادراك أهمية المصالح واختلاف الاشتياقات علة لاختلاف الإرادة
في الشدة والضعف والتوسط بينهما، كما أن اختلاف الإرادة علة لاختلاف حركة العضلات
سرعة وبطؤا وقوة وضعفا كل ذلك مع الاقرار بان الإرادة من صقع النفس وفاعليتها (ومن

(1) ان القوم فتحوا هنا بابا واسعا للبحث عن مسألة اتحاد الطلب والإرادة، حتى جر
البحث مقالهم إلى التحقيق عن مسألة الجبر والتفويض، التي قلما يتفق لانسان ان
يكشف مغزاها
وقد ألح رواد العلم وعشاق الحقيقة على سيدنا الأستاذ (دام ظله الوارف) ان يخوض
في هذه المباحث، فأجاب (دام ظله) مسؤولهم، فاتى بأفكار ابكار، وآراء ناضجة، ولما
جاء ما افاده على صورة كتاب، أفردناه للتأليف وعلقت عليه ما بدا لي من التعمق في آيات الذكر
الحكيم ومن التدبر في اخبار المعصومين، (ع) مشفوعا بما استفدته من أساتذة الفن، أو وقفت
عليه في زبر الأولين ورسائل الآخرين من أكابر القوم وسميته به (لب الأثر) في الجبر والقدر،
وسيشمل للطبع باذنه وتوفيقه تعالى - المؤلف
103

الغريب) ما في تقريرات بعض الأعاظم من أن تحريك النفس للعضلات في جميع الموارد
على حد سواء لان الوجدان حاكم على خلافه، ضرورة افوائية إرادة الغريق لاستخلاص
نفسه من الأمواج من ارادته لكنس البيت وشراء الزيت، كما أن (من العجيب) ما عن
بعض محققي العصر من أن الإرادة التكوينية لا يتصور فيها الشدة والضعف، ولا يخفى
بطلانه، لان الآثار كما يستدل بوجودها لي وجود المؤثرات، كذلك يستدل باختلافها
شدة وضعفا على اختلافها كذلك، إذا لاختلاف في المعلول ناش عن الاختلاف في علته،
ونحن نرى بداهة ان هناك اختلافا في حركة العضلات في انجاز الأعمال سرعة وبطؤا وشدة
وضعفا وهو يكشف عن اختلاف الإرادات المؤثرة فيها، فتلخص ان الإرادة تختلف شدة
وضعفا باختلاف الدواعي، كما أنه باختلاف الإرادة تختلف حركة العضلات وفعاليتها ثم إن
التفصيل بين الإرادة التكوينية والتشريعية لا يرجع إلى محصل
(الثانية) قد حرر في موضعه ان الحقايق البسيطة التي تكون ذات التشكيك، سنخ
تشكيكها خاص بمعنى انه يصير ما به الافتراق بين المراتب عين ما به الاشتراك كالوجود
والعلم والإرادة والقدرة وغيرها، (فح) افتراق الإرادة القوية عن الضعيفة بنفس حقيقة
الإرادة، إذ هي ذات مراتب شتى وصاحبة عرض عريض، ولا يكون الاختلاف بينهما بتمام
الذات المستعمل في باب المهيات ضرورة عدم التباين الذاتي بين الإرادة القوية والضعيفة
ولا ببعض الذات لبساطة الإرادة في جميع المراتب، ولا بأمر خارج لأنه يلزم أن يكون
كلتا الإرادتين في مرتبة واحدة وقد عرضت الشدة والضعف على ذاتهما كعروض الاعراض
على موضوعاتها وهو كما ترى فالتشكيك واقع في ذاتها وبذاتها
(الثالثة) الافعال الإرادية الصادرة عن الانسان لابد وأن تكون مسبوقة بالإرادة
ومباديها من التصور حتى تنتهى إلى الإرادة ويتبعها تحريك العضلات واعمال الجوارح
من اليد والرجل واللسان، حسب ما يقتضيها سنخ الفعل
والبعث باللفظ بما انه فعل اختياري صادر عن الامر لا محيص عن مسبوقيته بمبادئ
الاختيار، حتى التحريك للعضلات، وهو اللسان هنا، كما أن ما سبق في الجهة الثانية من أن
شدة الإرادة وضعفها تابعة لادراك أهمية المراد، جار في نفس البعث أيضا بل ربما تدرك
شدة الإرادة من أثناء الكلام وزواياه، كما لو أداه بلحن شديد أو بصوت عال أو قارنه بأداة
104

التأكيد أو عقبه بالوعد والوعيد كما أنه يدرك من خلاله فتور الإرادة وضعفها، إذا قارنه
بالترخيص في الترك أو جعل جزاء الترك أمرا طفيفا يرجع إلى حال العبد في دنياه.
وغير ذلك مما يلوح منه الوجوب الكاشف عن شدة الإرادة بعرضها العريض، أو الاستحباب
الكاشف عن ضعفها كذلك
ثم إن البعث بالهيئة ليس باعثا بالذات ومحركا بالحقيقة، والا لما انفك باعثيته
عنه وما وجد في أديم الأرض عاص ولا طاغ، ولما كان هناك ثواب لمن سلك في ربقة الإطاعة،
بل هي باعث ايقاعي اعتباري، والباعث بالذات هو الملكات النفسانية والصفات الفاضلة
كعرفان مقام المولى ولياقته وأهليته للعبادة، كما في عبادة الأولياء، وكحبه لمولاه أو لخوفه
من ناره وسلاسله، وطمعه في رضوانه وجنانه وغيرها، مما تصير داعية للفاعل، وانما الامر
محقق لموضوع الإطاعة وموضح للمراد،
(الرابعة) ان كل ذي مبدء يكشف عن تحقق مباديها المسانخة له، فالفعل الاضطراري
يكشف بوجوده الخارجي عند العقل، عن تحق مبادئ الاضطرار، كما أن الفعل الاختياري
له كاشفية عن تحقق مباديه، وليس هذا الا دلالة عقلية محضة ككاشفية المعلول عن علته
بوجه، (فاذن) الامر والبعث بآلة الهيئة بما هو فعل اختياري كاشف عن الإرادة المتعلقة
به، كما أنه بما هو بعث نحو المبعوث إليه، كاشف عن مطلوبيته، كل ذلك ليست دلالة لفظية
وضعية بل عقلية محضة
إذا عرفت ما مهدناه فاعلم أنه قد وقع الخلاف في أن هيئة الامر هل تدل على الوجوب
أولا، وعلى الأول هل الدلالة لأجل الوضع أو بسبب الانصراف، أو لكونه مقتضى مقدمات
الحكمة، فيه وجوه بل أقوال، و (هناك) احتمال آخر وان شئت فاجعله رابع الأقوال وهو
انها كاشفة عن الإرادة الحتمية الوجوبية كشفا عقلائيا ككاشفية الأمارات العقلائية، و
يمكن ان يقال إنها وان لم تكن كاشفه عن الإرادة الحتمية الا انها حجة بحكم العقل والعقلاء
على الوجوب حتى يظهر خلافه، وهذا خامس الوجوه.
(فنقول) اما الدلالة الوضعية فان أريد منها ان البعث متقيد بالإرادة الحتمية فهو
ظاهر البطلان، إذ قد أشرنا ان الانشائيات ومنها البعث بالهيئة معان ايجادية، لا يحكى عن
مطابق خارجي لها بل توجد بشراشر شؤونها في ظرف الانشاء فاذن الهيئة موضوعة
105

للبعث بالحمل الشايع أي ما هو مصداق له بالفعل وقائم مقام إشارة المشير، فلا معنى (ح)
لتقييد البعث الخارج بالمفهوم أصلا (ولو كان) التقييد بوجود الإرادة الحتمية دون
مفهومها ففيه انه يستلزم تقييد المعلول بعلته، إذ البعث معلول للإرادة ولو بمراتب، ولو
تقيد البعث بوجوده الخارجي، بوجود الإرادة الحتمية، لزم كون المتقدم متأخرا
أو المتأخر متقدما (نعم) هناك تصوير آخر وإن كان يدفع به الاستحالة الا ان التبادر والتفاهم
على خلافه، وذلك أنه قد مر في البحث عن معاني الحروف انه لا يمكن تصوير جامع حقيقي
بين معانيها من غير فرق بين الحاكيات أو الايجاديات، إذ الجامع الحرفي لابد وأن يكون ربطا
بالحمل الشايع والا صار جامعا اسميا، وما هو ربط كذلك يصير أمرا مشخصا لا يقبل
الجامعية، (وعليه) وإن كان لا يمكن تصوير جامع حقيقي بين افراد البعث الناشئة عن
الإرادة الجدية الا انه لا مانع من تصوير جامع اسمى عرضي بينها كالبعث الناشئ من
الإرادة الحتمية، ثم توضع الهيئة بإزاء مصاديقه، من باب عموم الوضع وخصوص الموضوع
له من غير تقييد، (هذا) ولكن التفاهم من الهيئة لدى العرف هو البعث والاغراء كإشارة
المشير لاغراء، لا البعث الخاص الناشئ عن الإرادة الحتمية فتدبر.
(واما القول) بكون الوجوب مستفادا من انصرافه إلى البعث المنشأ من الإرادة
الحتمية، فمما لا ينبغي الاصغاء إليه ء إذا المنشأ الوحيد لذلك هو كثرة استعماله فيه بحيث
يوجب استيناس الذهن، وهى مفقودة، وبه يتضح بطلان ما جعلناه قولا رابعا، من دعوى
كونه كاشفا عقلائيا عن الإرادة الحتمية، والقدر المسلم كونه كاشفا عن إرادة الامر في
الجملة لا عن الإرادة الحتمية، إذ الكشف من غير ملاك غير معقول، وما يتصور هنا من
الملاك هي كثرة الاستعمال فيما ادعوه بحيث يندك الطرف الآخر لديه ويحسب من النوادر
التي لا يعتنى به العقلاء، الا ان وجدانك شاهد صدق على أن الاستعمال في خلاف الوجوب
لا يقصر عنه، لو لم يكن أكثر واما القول بكون الوجوب مقتضى مقدمات الحكمة فقد قربه
وقواه بعض محققي العصر. (رحمه الله) على ما في تقريراته بوجهين:
(أحدهما) ما افاده في مادة الامر، ان الطلب الوجوبي هو الطلب التام الذي لاحد له
من جهة النقص والضعف بخلاف الاستحبابي فإنه مرتبة من الطلب محدودة بحد النقص والضعف
106

ولا ريب في أن الوجود غير المحدود لا يفتقر في بيانه إلى أكثر مما يدل عليه بخلاف المحدود فإنه
يفتقر بعد بيان أصله إلى بيان حدوده، وعليه يلزم حمل الكلام الذي يدل على الطلب
بلا ذكر حد له، على المرتبة التامة وهو الوجوب كما هو الشأن في كل مطلق
وقرره في المقام بتعبير واضح من أن مقدمات الحكمة كما تجرى لتشخيص مفهوم
الكلام سعة وضيقا (كك) يمكن ان تجرى لتشخيص أحد مصداقي المفهوم كما لو كان
لمفهوم الكلام فردان في الخارج وكان أحدهما يستدعى مؤنة في البيان أكثر من الاخر
كالإرادة الوجوبية والندبية، فان الأولى تفترق عن الثانية بالشدة فيكون ما به الامتياز
فيه عين ما به الاشتراك، واما الثانية فتفترق عن الأولى بالضعف، فما به الامتياز فيه غير ما به
الاشتراك، فالإرادة الندبية تحتاج إلى دالين بخلاف الوجوبية (انتهى ملخصا)
وفيه نظرات وتأملات (منها) ان المقدمات المعروفة لو جرت فيما نحن فيه لا تثبت
الا نفس الطلب الذي هو القدر المشترك بين الفردين (وتوضيحه) انه قد مر في بحث
الوضع ان اللفظ لا يحكى الا عما وضع بازائه دون غيره، من اللوازم والمقارنات، والمفروض
ان مادة الامر وضعت لنفس الجامع بلا خصوصية فردية، والاطلاق المفروض لو ثبت ببركة
مقدماته لا تفيد الا كون ما وقع تحت البيان تمام المراد، وقد فرضنا ان البيان بمقدار الوضع
ولم يقع الوضع الا لنفس الجامع دون الخصوصية، فمن أين يستفاد كون الوجوب هو المراد
دون الجامع مع أن مصب المقدمات هو الثاني دون الأول، والدلالة والبيان لم يتوجه الا
إلى الجامع دون الوجوب
(ودعوى) عدم الفرق بين القدر الجامع والطلب الوجوبي واضح الفساد لاستلزامها
اتحاد القسم والمقسم في وعاء الحد، والضرورة قاضية بلزوم افتراق الفرد عن الجامع بخصوصية
زائدة، وسيأتى بقية المقال في تقسيم الامر إلى النفسي والغيري، (فان قلت:) لازم اجراء
المقدمات في المقام كون الامر ظاهرا في نفس الجامع مع انا نقطع بأنه ليس له وجود الا
بوجود افراده وليس له حصول الا في ضمن أحد الفردين، فكيف ينسب إلى المولى بأنه
تمام المراد
قلت: هذا لو سلم يكشف عن كون المقام خارجا عن مصب المقدمات، وما ذكرنا
من أن جريانها يوجب كونها ظاهرا في نفس الطلب لأجل المماشاة بل كما لا يوجب
107

ظهورها في الجامع لا يوجب ظهورها في أحد القسمين مع كونه متساوي النسبة إليهما، وما
ذكرنا في المادة جار في مفاد الهيئة حرفا بحرف
(ومنها) ان كون ما به الاشتراك في الحقايق الوجودية عين ما به الامتياز، لا يوجب
عدم الاحتياج في صرف الجامع إلى أحد القسمين إلى بيان زائد عن بيان نفس الطبيعة ضرورة
ان الأقسام تمتاز عن المقسم بقيد زائد في المفهوم وان لم يكن زائدا في الوجود، فالوجود
المشترك مفهوما بين مراتب الوجودات لا يمكن أن يكون معرفا لمرتبة منها، بل لابد
في بيانها من قيد زائد ولو من باب زيادة الحد على المحدود فنفس مفهوم الوجود لا يكون
حاكيا الا عن نفس الحقيقة لجامعة بينهما، ولابد لبيان وجود الواجب مثلا إلى زيادة قيد
كالتام والمطلق والواجب بالذات ونحوها، فاذن الإرادة القوية كالضعيفة تحتاج إلى بيان
زائد وكذا نظائرها.
(وبالجملة) الخلط، حاصل من اسراء حكم الخارج إلى المفهوم وكون شئ جامعا
أو فردا في لحاظ التحليل ووعاء المفهوم انما هو لأجل تميز بينهما بإضافة قيد أو شرط ولو
من باب زيادة الحد على المحدود، و (منها) ان ما ذكره من أن ما به الاشتراك في طرف
الناقص غير ما به الامتياز عجيب جدا، بل غفلة عن حقيقة التنكيك في الحقايق البسيطة،
إذ الجمع بين البساطة في الوجود وبين كونه ذا مراتب تتفاوت بالشدة والضعف، لا يصح
الا بالالتجاء إلى أن ما به الامتياز في جميع المراتب عين ما به الاشتراك قضاء لحق البساطة
وعلى ذلك ليست الإرادة الضعيفة مركبة من إرادة وضعف، بل بتمام هويتها إرادة، وتعد
من المرتبة البسيطة وتكون بنفس ذاتها ممتازة عن القوية كما أن القوية ليست مركبة من
إرادة وقوة (وللحاصل) ان كلتا المرتبتين بسيطتان جدا بحيث كان ما به الاشتراك فيهما عين
ما به الامتياز وتكون الحقيقة ذات عرض عريض لكن في مقام البيان والتعريف يحتاج
كلاهما إلى معرف غير نفس المفهوم المشترك فالإرادة التامة أو الطلب التام يحتاج إلى
بيان زائد عن أصل الطلب والإرادة الناقصة.
الوجه الثاني: ان كل طالب انما يأمر لأجل التوسل إلى ايجاد المأمور به فلابد أن يكون
طلبه غير قاصر عن ذلك، والا فعليه البيان والطلب الالزامي غير قاصر عنه دون
الاستحبابي فلابد ان يحمل عليه الطلب.
108

قلت: إن كان المراد من هذا الوجه ان الطلب الوجوبي لا يحتاج إلى بيان زائد بخلاف
الاستحبابي، ففيه انه يرجع إلى الوجه الأول وقد عرت جوابه، وإن كان الغرض هو ان
الآمر بصدد ايجاد الداعي في ضمير المأمور لأجل تحصيل المأمور به فهو مسلم ولكن
لا يفيد ما رامه، إذ البعث لأجل احداثه أعم من الالزامي وغيره، وإن كان المقصود دعوى
ان كل آمر بصدد تحصيل المأمور به على سبيل اللزوم فمع كونها مصادرة، ممنوعة، لان الأوامر
على قسمين (وهناك) تقريب آخر، افاده شيخنا العلامة من أن الحمل على الوجوب لأجل ان الإرادة
المتوجهة إلى الفعل تقتضي وجوده ليس الا والندب انما يأتي من قبل الاذن في الترك منضما إلى
الإرادة المذكورة، فاحتاج الندب إلى قيد زائد بخلاف الوجوب فإنه يكفي فيه تحقق الإرادة فقط
ثم أفاد، الحمل إليه لا يحتاج إلى مقدمات الحكمة لأجل استقرار الظهور العرفي
بمجرد عدم ذكر القيد في الكلام، ونظير ذلك قولنا أكرم كل رجل إذ لا نرى من أنفسنا في
الحكم بالعموم في افراد الرجل، الاحتياج إلى مقدمات الحكمة في لفظ الرجل بحيث
لولاه كنا نتوقف في المراد من القضية المذكورة (انتهى)
والعارف، بما أسلفناه في توضيح الإرادة القوية والضعيفة وما سيأتي منا في توضيح
الأحكام الخمسة، يقف على الخدشة فيما افاده، إذ الوجوب والندب من الأمور الاعتبارية
ينتزع من نفسه البعث باعتبار مباديه، إذ البعث الصادر عن الإرادة الشديدة ينتزع منه
الوجوب، كما أن الصادر عن الضعيفة ينتزع منه الندب، لا ان الندب يأتي من قبل الاذن في
الترك منضما إلى الإرادة المذكورة (وبعبارة أوضح) ان الإرادة في الوجوب والندب
مختلفة مرتبة كما تقدم ولا يمكن أن تكون الإرادة فيهما واحدة ويكون الاختلاف بأمر
خارج (فح) فالإرادة الحتمية نحو اقتضاء لها، ليس لغير الحتمية
واما قياسه نفى الاحتياج إلى مقدمات الحكمة، على القضية المسورة بلفظة كل فغير صحيح،
إذ عدم الاحتياج في المسورة بلفظة كل (وسيوافيك تفصيله في مباحث العموم) لأجل بيان
لفظي بالنسبة إلى نفس الافراد دون أحوالها، إذ سور القضية متعرض وضعا لكل فرد فرد بنحو الجمع في
التعبير، ومع البيان كذلك لا معنى لاجراء المقدمات بخلاف المقام (نعم) هنا اشكال آخر يرد على
كل من قال بدلالة الامر على الوجوب أو الندب بأي دليل تمسك، ومن قال باستعماله فيهما حقيقة أو
مجازا إذ انتزاعهما أو اعتبارهما، (على الفرق المقرر في محله بين الانتزاعيات والاعتباريات) ان
109

كان بلحاظ الإرادة الحتمية أو المصلحة الملزمة في الوجوب وعدمهما في الندب فمن البين
ان ذلك من مبادئ الاستعمال وهو مقدم بالطبع على الاستعمال وإن كان بلحاظ حتمية
الطاعة أو عدمها فمع الواضح انهما منتزعتان بعد الاستعمال فلا يعقل الاستعمال فيهما
على جميع الأقوال
(لكن) بعد اللتيا والتي لا اشكال في حكم العقلاء كافة على تمامية الحجة على العبد
مع صدور البعث من المولى بأي دال كان، وقطع عذره وعدم قبوله باحتمال نقض الإرادة وعدم
حتمية البعث وغير ذلك.
ولا ريب في حكمهم بلزوم إطاعة الأوامر الصادرة من المولى من غير توجه إلى التشكيك
العلمي من احتمال كونه صادرا عن الإرادة غير الحتمية، أو ناشئا عن المصلحة غير الملزمة،
وليس ذلك لدلالة لفظية أو لجهة الانصراف، أو لاقتضاء مقدمات الحكمة، أو لكشفه عن
الإرادة الحتمية، بل لبناء منهم على أن بعث المولى لا يترك بغير جواب كما لا يترك باحتمال
الندب، فتمام الموضوع لحكمهم بوجوب الطاعة هو نفس البعث ما لم يرد فيه الترخيص
(هذا) من غير فرق بين ما دل على الاغراء والبعث، سواء كان الدلالة بآلة الهيئة أو
بإشارة من يده أو رأسه، فالاغراء بأي دال كان هو تمام الموضوع لحكم العقلاء بتمامية الحجة
الا ان يدل دليل على الترخيص ولعل ذلك منظور شيخنا العلامة أعلى الله مقامه
إذا أحطت خبرا بما ذكرنا من أن تمام الموضوع لحكم العقلاء هو نفس البعث
من غير فرق بين الدوال، يتضح لك ان الجمل الخبرية المستعملة في مقام البعث والاغراء
كالهيئات في حكم العقلاء بلزوم اطاعتها، (نعم) الكلام كله في كيفية دلالتها على البعث،
وما ذكرنا سابقا في تحقيق معنى المجاز وانه استعمال فيما وضع له بجعله عبرة إلى المقصود
يوضح كيفية دلالتها فالجمل الخبرية مستعملة في معانيها الاخبارية بدعوى تحققها من
المخاطب وانه يقوم به من غير احتياج إلى الامر، بل فطرته السليمة ورشده في حيازة المصالح
تبعثه إليه بلا دعوة داع، فقول الوالد لولده ولدى يصلى، أو يحفظ مقام أبيه، لا يريد منها
الا الامر لكن بلسان الاخبار عن وقوعه وصدوره عنه بلا طلب من والده بل بحكم عقله
ورشده وتمييزه
110

في التعبدي والتوصلي
(المبحث الرابع) في التعبدي والتوصلي، وفيه بيان مقتضى الأصل ولنقدم أمورا
(الأول) في معنى التعبدية والتوصلية ربما يقال في تعريف الأولى بأنها عبارة عن الوظيفة
التي شرعت لأجل ان يتعبد بها العبد لربه ويظهر عبوديته، وهى المعبر عنها في الفارسية
ب‍ (پرستش) ويقابلها التوصلية وهى ما لم يكن تشريعه لأجل اظهار العبودية.
(قلت) يظهر ما فيه من الخلل وكذا في غيره من التعاريف بتوضيح أقسام الواجبات
فنقول (منها) ما يكون الغرض من البعث إليه صرف وجوده بأي نحو حصل وكيفما تحقق
كستر العورة وانفاذ الغريق و (منها) ما لا يحصل الغاية منها الا بقصد عنوانه وان لم يكن بداعي
التعبد والتقرب كرد السلام والنكاح والبيع (ومنها) ما لا يحصل الغرض بقصد عنوانه بل
يحتاج إلى خصوصية زائدة من الاتيان به متقربا إلى الله تعالى وهذا على قسمين أحدهما
ما ينطبق عليه عنوان العبودية لله تعالى، بحيث يعد العمل منه للرب عبودية له ويعبر عنه في لغة
الفرس ب‍ (پرستش) كالصلاة والاعتكاف والحج (وثانيهما) ما لا يعد نفس العمل تعبدا أو عبودية
وإن كان قريبا لا يسقط امره الا بقصد الطاعة كالزكاة والخمس، وهذان الخيران وإن كان
يعتبر فيهما، قصد التقرب لكن لا يلزم ان يكونا عبادة بالمعنى المساوق ب‍ (پرستش)
إذ كل فعل قربى، لا ينطبق عليه عنوان العبودية.
فإطاعة الولد لوالده والرعايا للملك، لا تعد عبودية لهما بل طاعة كما أن ستر العورة
بقصد امتثال الامر، وانقاذ الغريق، كذلك ليسا عبودية له تعالى بل طاعة لامره وبعثه،
و (ح) يستبدل التقسيم الثنائي إلى الثلاثي فيقال: الواجب اما توصلي أو تقربي
والأخير اما تعبدي أو غير تعبدي، التعبدي ما يؤتى به لأجل عبودية الله تعالى والثناء عليه
بالعبودية كالصلاة واشباههما، ولأجل ذلك لا يجوز الاتيان بعمل بعنوان التعبد لغيره
تعالى إذ لا معبود سواه، لكن يجوز إطاعة الغير متقربا إليه، وغير التعبدي من التقربي ما يؤتى
به إطاعة له تعالى، لا ثناءا عليه بالمعبودية فإذا يكون المراد من التعبدي في المقام هو الواجب
التقربي بالمعنى الأعم الشامل لكلا القسمين، إذ مدار البحث ما يحتاج سقوط امره إلى
قصد الطاعة سواء اتى به بقصد التقرب متعبدا به لربه أم بعزم التقرب فقط فالأولى دفعا
للالتباس حذف عنوان التعبدية وإقامة التقرب موضعها، فظهر ان الذي يقابل التوصلي هو
111

التقربي أعني ما لا يسقط الغرض بالاتيان به الا بوجه مرتبط إلى الله تعالى لا التعبدي بل هو
قسم من التقربي، كما ظهر الخلل فيما تقدم من التعريف وغيره فاغتنم.
(الثاني) كون الشئ قربيا انما هو لأجل اعتبار الاتيان به مع أحد الدواعي القربية
ولكن وقع البحث بين الاعلام في جواز اخذه في المتعلق وعدمه إذا أريد به اعتبار قصد
امتثال الامر واطاعته، دون غيره من سائر الدواعي القربية، وإن كان بعض الاشكالات مشتركا
بين الجميع وسيأتى توضيحه، وقد تضاربت الآراء في امكان اخذ قصد الامر في متعلق العبث
وعدمه فمن قائل بامتناع اخذه فيه امتناعا ذاتيا أي نفس التكليف محال، ومن قائل بامتناع
اخذه امتناعا بالغير لكونه تكليفا بغير المقدور، ومن ثالث قال بالجواز وهو المختار،
ويظهر وجهه بعد دفع ما توهم من الاشكالات التي اورد على المختار
(اما الأول) أعني القول بالامتناع الذاتي فقد قرر بوجوه (منها) انه يستلزم تقدم الشئ
على نفسه لان الاحكام اعراض للمتعلقات، وكل عرض متأخر عن معروضه، وقصد الامر
والامتثال متأخر عن الامر برتبة، فاخذه في المتعلقات موجب لتقدم الشئ على نفسه
برتبتين، (ومنها) ان الامر يتوقف على الموضوع، والموضوع يتوقف على الامر لكون
قصده متوقفا عليه فيلزم الدور
(ومنها) ان الاخذ موجب لتقدم الشئ على نفسه في مراحل الانشاء والفعلية
والامتثال اما في مرحلة الانشاء فلان ما اخذ في متعلق التكليف في القضايا الحقيقية لابد
وأن تكون مفروض الوجود سواء كان تحت قدرة المكلف أولا، فلو اخذ قصد الامتثال
قيدا للمأمور به فلا محالة يكون الامر مفروض الوجود في مقام الانشاء وهذا عين تقدم
الشئ على نفسه، واما الامتناع في مقامي الفعلية والامتثال فيرجع إلى القول الثاني أعني
الامتناع بالغير وسيأتى الكلام فيه، وأنت خبير على أن هذه الوجوه غير خالية عن المغالطة
(اما الأول) فلان الاحكام ليست من قبيل الاعراض القائمة بالمتعلقات، إذ المراد من الحكم
إن كان هو الإرادة باعتبار كونها مبدء للبعث، ففيه انها قائمة بالنفس قيام المعلول بعلته،
ولها إضافتان: إضافة إلى علته أي النفس وإضافة إلى المتصور أعني الصورة العلمية للمراد
فهي كإضافة العلم إلى المعلوم بالذات في كلتا الإضافتين، وإن كان المراد هو الوجوب و
الندب وغيرهما فهي أمور اعتبارية لا خارج لها وراء الاعتبار حتى تكون قائمة بالموضوعات
112

أو المتعلقات، ولو فرضنا كونها من قبيل الاعراض لكنها ليست من الاعراض الخارجية،
بان يكون العروض في الخارج، ضرورة ان الصلاة بوجودها لا يعقل أن تكون معروضة
للوجوب ومحلا لثبوته، لان الخارج ظرف سقوطه على وجه، لا لثبوته، فاذن لا محيص عن
القول بكونها اعراضا ذهنية، سواء كانت عارض الوجود الذهني أو المهية (على فرق بينهما
يعلم مما سيأتي في توضيح الفرق بين لازم الوجودين ولازم المهية،) وبذلك يندفع ما توهم
من تقدم الشئ على نفسه، إذ المتعلقات بشراشر اجزائها ممكنة التعقل قبل تصور الامر
وإن كان في الوجود الخارجي على عكسه، فالاحكام على فرض تسليم كونها من قبيل
الاعراض، متعلقة بالمعقول الذهني على تحقيق ستعرفه، والمعقول بتمام قيوده متقدم على
الامر في ذلك الوعاء.
أضف إلى ذلك ان هنا فرقا بين الاجزاء الدخيلة في مهية المأمور بها وبين ما هو
خارج عنها، وإن كانت قيدا لها إذ جزئية الأولى ودخالتها فيها انما هو بنفس لحاظ المهية
من غير لزوم لحاظ مستأنف بخلاف الثانية، إذ قولك صل مع الطهور تقييد لها بلحاظ ثان
وتصور مستأنف بعد تصور الصلاة، ولا فرق بين قصد الامر والطاعة وبين ساير القيود
في لزوم لحاظ مستأنف في مقام التقييد ومعه يندفع الاشكال.
(واما الوجه الثاني) فيعلم ما فيه بما أوضحناه إذ هو مبنى على ما هو خلاف التحقيق
في باب تعلق الاحكام، من جعل المتعلق هو الموضوع الخارجي وهو باطل بالضرورة، لان
الخارج ظرف السقوط لا العروض، وان شئت قلت: ان ايجاد الموضوع في الخارج أعني
اتيان الصلاة في الخارج بقصد الامر، يتوقف على الامر لكن الامر متوقف على الموضوع
في الذهن، كما عرفت دون الخارج، فاختلف الطرفان فلا دور
(واما الوجه الثالث) ففيه (أولا) ان جعل الاحكام من قبيل القضايا الحقيقة حتى ما صدر
من الشارع بصيغة الانشاء، غير صحيح جدا وسيأتى لب القول فيها في مبحث العموم والخصوص
فانتظر و (ثانيا) ان ما ذكره (قدس سره) من اخذ المتعلقات وقيودها مفروض الوجود فمع
ممنوعيته، كاف في رفع الدور، وفي دفع تقدم الشئ على نفسه، إذ فرض وجود الشئ قبل تحققه،
غير وجوده واقعا قبل تحققه، إذ تحقق الأول بمكان من الامكان فإنه لا يحتاج الا إلى فرض فارض و
تصور متصور، واخذ الامر مفروض الوجود فرضا مطابقا للواقع لا يلزم منه التقدم الممتنع
113

بل يلزم منه فرض وجوده قبل تحققه، ويوضح الحال القيود المأخوذة في متعلقات الاحكام
مع كونها خارجة عن دائرة الاختيار، فقوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق
الليل،) يحكى عن أن الامر تعلق بأمر مقيد بالوقت، وانه فرض تحقق الوقت في محله
قبل وجوده وهنا نقول إذا أمر الامر بشئ بقصد الامر فقد اخذ الامر مفروض الوجود فرضا
مطابقا للواقع ولا معنى لمطابقته الا كونه متحققا في محله.
(والحاصل) ان هذه الوجوه الثلاثة مع كونها متقاربة المضمون لا تصلح للمانعية
لان مرجع الأول إلى عدم تصور الشئ قبل وجوده وهو لا ينبغي ان يصدر عمن تأمل فيما
يفعله يسيرا، إذ الأفعال الاختيارية الصادرة عن الانسان يكون تصورها مقدما على وجودها
كما أن، البرهان الثاني مبنى على أساس منهدم في محله إذ الامر متعلق بالطبايع المتصورة
الذهنية لا بقيد التحقق الذهني، دون الخارج، وهى متقدمه بقيودها على الامر فلا يلزم
تقدم الشئ على نفسه، كما أن الوجه الثالث مشتمل على مغالطة بينة حيث إن فرض تحقق
الشئ قبل وجوده، غير تحققه كذلك فتدبر واجد فتجد
وهناك وجه آخر لتقرير امتناعه الذاتي وملخصه: ان التكليف بذلك المقيد موجب
للجمع بين اللحاظ الالى والاستقلالي، لان الموضوع بقيوده لابد وأن يكون ملحوظا
استقلالا، والامر بما انه طرف لإضافة القيد المأخوذ في الموضوع لابد من لحاظه أيضا
استقلالا، والامر بما انه آلة البعث إلى المطلوب لا يلحظ الا آلة إليه فيجمع فيه بين اللحاظين
المتنافيين (انتهى) والعجب أن القائل كيف لم يتفطن على أن اللحاظين المتنافيين لم
يجتمعا في وقت واحد، وان اللحاظ الاستقلالي مقدم على الالى منهما، إذ قد عرفت ان الموضوع
بتمام قيوده ومنها قصد الامر، على المفروض، مقدم تصورا على الامر والبعث به فاللحاظ
الاستقلالي المتعلق بالموضوع في ظرف التصور وقيوده، متقدم على الانشاء وعلى
الاستعمال الالى.
هذا حاله في عالم التصور، واما تقييد الموضوع في مقام الانشاء الالى فلا محيص عن
تصور ذلك الامر الالى في مرتبة ثانية بنحو الاستقلال حتى يرد عليه القيد، بل هذا هو الطريق
الوحيد في تقييد المعاني للحرفية إذ الظرف في قولنا زيد في الدار يوم الجمعة قيد للكون
الرابط الذي هو معنى حرفي وهو ملحوظ في وقت التقييد استقلالا وفي لباس المعنى الأسمى
114

وقد مضى ان القيود في المحاورات العرفية والعلمية راجعة كثيرا إلى النسب والروابط
وان تقييدها والاخبار عنها وبها لا يمكن استقلالا الا انه يمكن تبعا فراجع
(ثم) ان هنا وجها خامسا للامتناع الذاتي وملخص ما أفيد بطوله: انه يلزم
منه التهافت في اللحاظ، والتناقض في العلم لان موضوع الحكم متقدم عليه في اللحاظ،
وقصد الامر متأخر عنه في اللحاظ، كما أنه متأخر عنه في الوجود فيكون متأخرا عن
موضوع الامر برتبتين، فإذا اخذه جزءا من موضوع الامر أو قيدا فيه لزم أن يكون الشئ
الواحد في اللحاظ الواحد متقدما في اللحاظ ومتأخرا فيه، وهو في نفسه غير معقول وجدانا
اما للخلف أو لغيره (ثم) ان هذا الاشكال غير الدور والتناقض في المعلوم والملحوظ بل
يرجع إلى لزوم التهافت والتناقض في اللحاظ والعلم (انتهى) ولعمر الحق انه لا ينبغي ان
يجعل في عداد الاشكالات، فضلا عن جعله من البراهين القاطعة، (اما أولا) إذ اللحاظ والعلم في
المقام ونظائره لم يؤخذا موضوعيا حتى يثبت له حكم ويقال انه بنفسه متهافت مع غيره، بل
اخذ طريقا إلى ملحوظه ومرآة إلى معلومه، فاذن يكون ملاك التهافت المفروض في الملحوظ
بما هو ملحوظ دون نفس اللحاظ و (اما ثانيا) بعد ما كان مورد التهافت هو الملحوظ
نقول: انا لا نتصور أن يكون شئ أوجب ذلك التناقض سوى تقييد الموضوع بما يأتي من
قبل الامر فيرجع الكلام إلى أن لحاظ الشيئين المترتبين في الوجود في رتبة واحدة،
موجب للتهافت في اللحاظ والتناقض في العلم، وقد عرفت تقريره من الوجوه السابقة وأجوبتها
(واما القول الثاني) أعني امتناع اخذه في المتعلق امتناعا بالغير فقد استدل له بوجوه
عليلة نشير إلى مهماتها:
(الأول) ان فعلية الحكم الكذائي تستلزم الدور لان فعلية الحكم تتوقف على فعلية
موضوعه أي متعلقات متعلق التكليف، ضرورة انه ما لم تكن القبلة متحققه لا يمكن التكليف
الفعلي باستقبالها، وفعلية الموضوع فيما نحن فيه يتوقف على فعلية الحكم فما لم يكن أمر
فعلى لا يمكن قصده فإذا كانت فعلية الحكم ممتنعة يصير التكليف ممتنعا بالغير، ضرورة
ان التكليف انما هو بلحاظ صيرورته فعليا ليعمل به المكلف.
والجواب انك قد عرفت ان انشاء التكليف على الموضوع المقيد لا يتوقف الا على
تصوره، فإذا أنشأ التكليف كذلك يصير الموضوع في الان المتأخر فعليا لان فعليته تتوقف
115

على الامر الحاصل بنفس الانشاء، (وبعبارة أخرى) ان فعلية التكليف متأخرة عن الانشاء
رتبة، وفي رتبة الانشاء يتحقق الموقوف عليه، بل لنا ان نقول: إن فعلية التكليف لا تتوقف على فعلية
الموضوع توقف المعلول على علته بل لابد في حال فعلية الحكم من فعلية الموضوع ولو صار فعليا
بنفس فعلية الحكم لان الممتنع هو التكليف الفعلي بشئ لم يكن متحققا بالفعل، واما التكليف
الفعلي بشئ يصير فعليا بنفس فعلية الحكم، لم يقم دليل على امتناعه بل الضرورة قاضية بجوازه
(الثاني) ان الامر يتوقف على قدرة المكلف وهى في المقام تتوقف على الامر، وفيه
ما مر، من أن الامر لا يتوقف على قدرة العبد في ظرف البعث والامر، إذ ربما يكون المأمور به مقيدا
بقيد غير حاصل في زمان البعث كالوقت بناء على جواز الواجب المعلق كما سيأتي تحقيقه
بل يتوقف على قدرته في مقام الامتثال وفي ذلك الوعاء يكون الامر متحققا
(الثالث) ان امتثال ذلك الامر المقيد بقصد امره محال، فالتكليف وانقداح الإرادة
لأجله محال (توضيحه،) ان الامر لا يدعوا الا إلى متعلقة والمتعلق ههنا هو الشئ المقيد
بقصد الامر فنفس الصلاة مثلا لا تكون مأمورا بها حتى يقصد المأمور امتثال امرها، والدعوة
إلى امتثال المقيد محال، للزوم كون الامر داعيا إلى داعوية نفسه ومحركا لمحركية نفسه
وهو تقدم الشئ على نفسه برتبتين وعلية الشئ لعلة نفسه
(والجواب) عنه يظهر بتوضيح أمرين وان مضت الإشارة إليهما (الأول) ان متعلقات
الأوامر ليست الا المهيات المعقولة، لا أقول إن المأمور به انما هي الصلاة في الذهن حتى
يصير امتثاله محالا، بل طبيعة الصلاة بما انها مهية كلية قابلة للانطباق على كثيرين
والوجود الذهني آلة تصورها فالبعث إليها في الحقيقة أمر بايجادها وتحصيلها، فهي بما انها
مفهوم، مأمور به ومعروض للوجوب ومتعلق للحكم على تسامح في اطلاق العرض عليه،
والوجود الخارجي مصداق المأمور به لا نفس الواجب ولذلك يكون الخارج ظرف السقوط
دون الثبوت، وعليه فالموضوع في المقام ليس الا الصلاة المتصورة مع قصد امرها والانشاء والامر
انشاء على ذلك المقيد (الثاني) ان الامر ليس الا المحرك والباعث الايقاعي لا المحرك
الحقيقي والباعث التكويني، ولهذا ليس شأنه الا تعيين موضوع الطاعة من غير أن يكون
له تأثير في بعث المكلف تكوينا، والا لوجب اتفاق الافراد في الإطاعة بل المحرك والداعي
حقيقة ليست الا بعض المبادى الموجودة في نفس المكلف كمعرفته لمقام ربه ودرك عظمته
116

وجلاله وكبريائه أو الخوف من سلاسله وناره أو الطمع في رضوانه وجنته (فح) نقول: إن
أراد القائل من كون الامر محركا إلى محركية نفسه، ان الامر الانشائي المتعلق بالعنوان
المقيد موجب لذلك المحال، فقد عرفت ان الانشاء والإيقاع لا يحتاج إلى مؤنة أزيد من
تصور الطرفين، مع أنه قد أقر بصحة ذلك الايقاع.
وان أراد ان الامر المحرك للمكلف تكوينا محرك إلى محركية نفسه، فهو باطل
بحكم الأمر الثاني وان نسبة التحريك إليه بضرب من التشبيه، إذ العبد إذا أدرك استحقاق
المولى للإطاعة أو خاف من ناره وغضبه ورأى أن الإطاعة لا يحقق الا بالاتيان بالصلاة
المقيدة فلا محالة يقوم بامتثاله كيف ما أمر
(واما) قوله: ان الصلاة غير متعلقة بالامر حتى يأتي بها بقصد امرها لأن المفروض ان
الامر لم يتعلق الا بالمقيد بقصد الامر (فالجواب) عنه يتوقف على رفع الحجاب عن كيفية
دعوة الامر في المركبات والمقيدات إلى اجزائها وقيودها و (سنحقق الحال في ذلك إذا حان
حينه عند البحث عن المقدمات الداخلية)، ومجمل القول فيه: ان الأوامر المتعلقة بالمركبات
والمقيدات انما تتعلق بهما بما انهما موضوعات وحدانية ولو اعتبارا، ولها أمر واحد لا ينحل
إلى أوامر متعددة ولا فرق بينهما وبين البسائط في ناحية الامر فهو بعث وحداني تعلق بالبسيط
أو المركب والمقيد، فالمطابق للبرهان والوجدان هو ان البعث في هذه الأقسام الثلاثة
على وزان واحد لا ينحل الامر إلى أوامر ولا إرادة إلى إرادات، وإن كانت تفترق في
انحلال الموضوع في الأولين دور الثالث، ولكن دعوة الامر إلى ايجاد القيود والاجزاء بعين
الدعوة إلى ايجاد المركب و المقيد، وإيجاد القيد أو الجزء امتثال للامر المتعلق بالمقيد
والمركب لا امتثال لامرهما الضمني أو الانحلالي كما اشتهر بين القوم، لان العقل حاكم
على أن كيفية امتثال الامر المتعلق بالمركب والمقيد انما هو بالاتيان بالاجزاء وإيجاد
القيود (فح) فالجزء أو القيد ليس غير مدعو إليهما رأسا ولا مدعو إليهما بدعوة خاصة
منحلة، بل مدعو إليهما بعين دعوته إلى المركب أو المقيد، إذ الامر واحد والمتعلق فارد، إذا
عرفت ذلك تقدر على حال العويصة إذا المأمور به وإن كان هو المقيد بقصد الامر وهو قد
تعلق بنعت التقيد، الا ان نفس الصلاة الماتى بها تكون مدعوة الامر المتعلق
بالمقيد، لا بأمرها الخاص وهذا يكفي في مقام الإطاعة
117

(وبعبارة أخرى) ان المكلف إذا أدرك ان الامر متعلق بالمقيد بقصد الامر ورأى أن
اتيان الصلاة أعني ذات المقيد بالامر المتعلق بالمركب، محصل لتمام قيود الواجب
فلا محالة يأتي بها كذلك، ويعد ممتثلا لدى العقلاء، (على أن هنا) جوابا آخر مبنيا على ما
اخذه القوم قولا مسلما وهو كون الامر بذاته باعثا ومحركا مع قطع النظر على المبادى
والملكات، إذ غاية ما يلزم من هذ الوجه أن تكون محركيته بالنسبة إلى نفس الصلاة جايزة
وبالنسبة إلى القيد الاخر أعني قصد امره ممتنعة، لكن لا معنى لمحركيته بالنسبة إليه بعد
التحريك إلى نفس الطبيعة لان التحريك إليه لغو لكونه حاصلا وتحصيله بعد
حصوله محال، لان التحريك إلى نفس الصلاة بداعي امتثال الامر المتعلق بالمركب يكفي
في تحقق المتعلق مع قيده ويقال انه اتى بالصلاة بقصد امرها - وعن بعض محققي العصر
(قدس سره) هنا جواب مبنى على انحلال الامر إلى أوامر بعضها موضوع لبعض، وأنت بعد
الوقوف بما أشرنا إليه اجمالا تجد النظر في نقضه وإبرامه.
بقى شئ
هذا كله إذا كان الاخذ في المتعلق بأمر واحد وقد عرفت امكانه وجوازه (ثم) على
القول بامتناع الاخذ فهل يمكن تصحيحه بأمرين: أحدهما متعلق بنفس الطبيعة والاخر
بالاتيان بها بداعي الامر بها.
استشكل المحقق الخراساني بأنه مع القطع بأنه ليس في العبادات الا أمر واحد
كغيرها، ان الأمر الأول ان يسقط بمجرد موافقته ولو لم يقصد الامتثال، فلا يبقى مجال
لموافقة الثاني بعد موافقة الأول فلا يتوسل الامر إلى غرضه بهذه الوسيلة، وان لم يسقط
فلا يكون الا لعدم حصول الغرض ومعه لا يحتاج إلى الثاني لاستقلال العقل بوجوب
الموافقة بما يحصل به الغرض.
(وفيه) وجوه من النظر اما أولا فإنك قد عرفت ان ألفاظ العبادات موضوعة لمعنى
غير مقيد بشرائط آتية من قيل الامر سواء قلنا بكونها موضوعة للصحيح أم للأعم، إذ
الشرائط الآتية من قبل الامر خارجة من حريم النزاع والموضوع له اتفاقا، فاذن نفس
الأوامر المتعلقة بالطبايع غير متكفلة لإفادة شرطيتها لخروجها من الموضوع له، فلابد
من اتيان بيان منفصل لافادتهما بعد امتناع اخذها في المتعلق بل مع جوازه أيضا يكون
البيان لا محالة منفصلا لعدم عين واثر منها في الأوامر المتعلقة بالطبايع، والاجماع والضرورة
118

القائمتان على لزوم قصد الامر أو التقرب في العبادات يكشفان عن وجود أمر آخر
كما لا يخفى
(وان) شئت قلت: انا نختار الشق الثاني من كلامه وهوان الأمر الأول لا يسقط
بمجرد الاتيان، لقيام الاجماع والضرورة على اعتباره في صحة العبادات ولكن يستكشف
(ح) عن ورود تقييد لمتعلق الطبايع لكون الصحة وعدمها دائرتين مداره، كما يستكشف
بهما وجود أمر آخر ودليل منفصل إذا قلنا بعدم جواز الاخذ في المتعلق كما هو المفروض
في كلامه قدس سره
(وثانيا) ان ما ذكره في آخر كلامه من استقلال العقل بوجوب الموافقة بما يحصل
به الغرض غير صحيح، لان مرجعه إلى أن العقل يستقل بالاشتغال ومعه لا مجال لأمر مولوي
وفيه مضافا إلى جريان البراءة في المورد كما سيأتي بيانه، ان حكم العقل بالاشتغال ليس
ضروريا بل أمر نظري تضاربت فيه الأفكار، واكتفاء الشارع بحكمه انما يصح لو كان
الحكم بالاشتغال مقتضى جميع العقول، ومع هذا الاختلاف يبقى مجال لأعمال المولوية
ولو، لأجل رد القائلين بالبرائة والحاصل ان ما قرع سمعك من انتفاء مناط المولوية في
موارد الأحكام العقلية ليس بالمعنى الذي تتلقاه من الأفواه بل له حدود وشروط
(وثالثا) ان ما افاده من أن المولى لا يتوسل بغرضه بهذه الوسيلة، مدفوع، بان ترك
الأمر الثاني ولو برفع موضوعه، موجب للعقوبة فيحكم العقل بلزوم اطاعته وليس للمولى
وسيلة إلى التوسل باغراضه الا الامر والايعاد بالعقاب على تركه
توهم ودفع
ربما يختلج في البال، انه إذا فرضنا ان المصلحة قائمة بالطبيعة المقيدة بقصد الامر
كما هو المفروض في العبادات إذ روحها هو التقرب وقصد الامتثال أو ما يقوم مقامهما، والا
لصار لزوم اتيانها مع القربة لغوا يكشف (هذا) عن خلو الطبيعة المجردة عن القيد من
المصلحة (فح) لا يمكن ان تتعلق الإرادة بالمجرد عن القيد ثبوتا كما لا يمكن البعث
الحقيقي إليه إذ الحكم أعني البعث ومبدئه الذي هو الإرادة يتبعان الملاك الذي هو
المصلحة بالضرورة ومع فرض عدمها لا ينقدح الإرادة كما لا يقع مورد البعث إذا عرفت
هذا (فنقول) إذا فرضنا ان الامر المتعلق بنفس الطبيعة الخالية عن القيد، ليس صالحا للباعثية
119

فكيف يمكن الامر ثانيا بالاتيان، بها بباعثية الامر وداعويته بل لا يمكن للمولى ان يأمر بالاتيان
بها بداعي امره بعد ما فقدت المصلحة وخلت عن الإرادة ولم تقع مورد البعث الحقيقي
(ثم) انه لو فرضنا تعلق الامر به لكنه لا يكون الا أمرا صوريا أعني ما لا يترتب
عليه غرض ولا يكون ذا مصلحة وفائدة وقصد هذا الامر الصوري لا يكون مقربا بل القصد
وعدمه سواء فلا يصل المولى إلى مطلوبه بهذه الوسيلة أيضا
(قلت) ان الاشكال بل الاشكالين لأجل مغالطة في البين، إذ ما زعم من امتناع تعلق
الإرادة والبعث بالطبيعة المجردة عن القيد انما هو فيما إذا كان المولى مكتفيا به، واما
إذا صار بصدد افهام القيد بدليل آخر فلا نسلم امتناعه بل إذا كان الغرض قائما بوجود
مركب أو مقيد، كما يجوز ان يأمر بالاجزاء دفعة، كذلك يجوز ان يبعث إلى الاجزاء، واحدا
بعد واحد و (بذلك) يظهر لك مقربية هذ الامر فيما نحن فيه لان تمام المحصل للغرض
هو الطبيعة مع قصد امرها، ففرق بين المقام الذي يكون قصد الامر قيدا متما للغرض و
بين ساير القيود التي لم يكن بتلك المثابة فعلى الأول يكون قصد الامر المتعلق بالطبيعة
محصلا للغرض ومقربا من المولى بخلاف الثاني فلا تغفل
تتميم
هذا كله لو قلنا بان المعتبر في العبادات هو قصد الامر، واما لو قلنا بان المعتبر فيها
هو اتيان الفعل بداعي المصلحة أو الحسن أو المحبوبية فقد ذهب المحقق الخراساني
إلى أن اخذها بمكان من الامكان لكنها غير مأخوذة قطعا لكفاية الاقتصار على قصد
الامتثال
الظاهر أن بعض الاشكالات المتقدمة واردة على المفروض فيقال في تقريره ان
داعوية المصلحة مثلا لما كانت مأخوذة في المأمور به تصير الداعوية متوقفة على نفسها أو
داعوية إلى داعوية نفسها لان الفعل لا يكون بنفسه ذا مصلحة حتى يكون بنفسه داعيا إلى الاتيان
بل بقيد داعويتها فلا بدان يكون الفعل مع هذا القيد القائم بهما المصلحة داعيا إلى الاتيان وهذا
عين الاشكال المتقدم و (أيضا) لما كانت المصلحة قائمه بالمقيد يكون الفعل غير ذي المصلحة
فلا يمكن قصدها الا على وجه دائر لان قصد المصلحة يتوقف عليها وهى تتوقف على قصدها بالفرض
ويرد أيضا ما قرر هناك من أن الداعي مطلقا في سلسلة علل الإرادة التكوينية
120

فلو اخذ في العمل الذي هو في سلسلة المعاليل يلزم أن يكون الشئ علة لعلة نفسه فإذا امتنع
تعلق الإرادة التكوينية امتنع تعلق التشريعية لأنها فرع امكان الأول.
ولك ان تذب عن الأول ببعض ما قدمناه في قصد الامر (أضف إليه) انه يمكن ان يقال إن
للصلاة مصلحة بنحو الجزء الموضوعي ولما رأى المكلف ان قصدها متمم للمصلحة
(فح) لا محالة تصير داعية إلى اتيانها بداعي المصلحة من غير لزوم كون الداعي داعيا.
وبذلك يتضح قطع الدور فان قصد المصلحة التي هي جزء الموضوع يتوقف عليها
وهى لا تتوقف على القصد، وبما ان المكلف شاعر بان هذا القصد موجب لتمامية الموضوع
وحصول الغرض، فلا محالة تصير داعيا إلى اتيان الفعل قاصدا (نعم) لا يمكن قصد تلك
المصلحة مجردة ومنفكة عن الجزء المتمم، وفيما نحن فيه لا يمكن التفكيك بينهما
واما الجواب عن الثالث فبمثل ما سبق من أن الداعي والمحرك إلى اتيان المأمور به
بعض المبادى الموجودة في نفس المكلف كالحب والخوف والطمع: وتصير تلك المبادى
داعية إلى طاعة المولى بأي نحو أمر وشاء، فإذا أمر باتيان الصلاة بداع المصلحة تصير
تلك المبادى المتقدمة داعية إلى اتيانها بداعي المصلحة من غير لزوم تأثير الشئ
في علته الا ترى انك إذا أحببت شخصا جليلا حبا شديدا فامرك باتيان مبغوض لك تجد في
نفسك داعيا إلى اتيانه لأجل حبه وإرادة طاعته وطلب مرضاته من غير لزوم الدور
الثالث انك قد عرفت بما لا مزيد عليه امكان اخذ قصد الامر والامتثال أو غيره
من قصد المصلحة والمحبوبية في المتعلق، فعليه يقع هذه العناوين في عرض سائر الأجزاء
والشرائط من المؤثرات في الغرض فيجب على المولى بيان تلك الأمور لو كان واحد منها
دخيلا في الغرض فلو أحرزنا كونه في مقام بيان ما هو تمام الموضوع لحكمه ومع ذلك
لم يظهر في خلال بيانه من هذه العناوين عين ولا اثر، يستكشف عدم دخالتها في الغرض
المطلوب.
(فان قلت) ان التمسك بالاطلاق انما يصح إذا كان كل من وضع القيد ورفعه بيد
الامر، ولكن باعثية الامر وداعويته إلى المتعلق لازم ذاتي لا تنفك عنه، ولا عن متعلقه اما
عن الامر فواضح واما عن المتعلق لان الداعي إلى الامر بالشئ هو جعل الداعي إلى الاتيان
به فمتعلق الامر هو طبيعة الفعل التي جعل المولى داعيا للعبد إلى الاتيان بها لا مطلق
121

طبيعته وكيف يتمسك بالاطلاق
(قلت) ان كون الواجب توصليا ليس معناه الغاء باعثية الامر ومحركيته، بأي معنى
تصورت حتى يلزم تفكيك ما هو ذاتي للشئ عنه، بل هي موجودة لم يمس بكرامتها في كل من
القربيات والتوصليات، بل المراد ان غرض الامر (تارة) يحصل بصرف وجود الشئ في الخارج
بأي داع اتاه العبد كدفن الميت فان الغرض هو مواراته تحت الأرض سواء كان المحرك إلى
هذا لعمل هو أمر المولى ودرك عظمته أم كان هو قطع رائحته و (أخرى) يكون الغرض بحيث
لا يحصل الا بقصد امره واتيانه لأجل انه أمر بذلك ففي كلا القسمين لم يمس بكرامة داعويته
وانما التصرف في حصول المطلوب فقط فتدبر
(وبعبارة) أخرى لا كلام في أن الداعوية لا تنفك عن الامر ومتعلقه مطلقا ولكن
الكلام في أن هذه الدعوة هل تعلقت بذات العمل أو به مع قيد آخر كقصد الامتثال أو غيره
حتى يكون القيد مأخوذا في المتعلق قبل تعلق الدعوة، لا جائيا من قبلها ومنتزعا من
المتعلق بعد تعلقها به، ولا شك في أن الأول هو المتعين ضرورة ان البعث تعلق بنفس الطبيعة
بلا قيد، وما جاء من قبل الامر لا يكون مدعو إليه ولا العبد مأخوذا باتيانه فالكلام في الاطلاق
المقابل للتقييد، هو اطلاق متعلق الأمر، لا سلب داعوية الامر (ثم) ان شيخنا العلامة
أعلى الله مقامه بعد ما كان بانيا على جواز الاخذ في المتعلق وان الأصل في الأوامر كونها
توصليا رجع في أواخر عمره الشريف إلى أصالة التعبدية وبه عدل عن كثير من مبانيه السابقة
وملخص، ما افاده مبنى على مقدمات (منها) ان الأوامر انما تتعلق بنفس الطبايع أي
المفاهيم الكلية اللا بشرطية العارية عن كل قيد لا بصرف الوجود أو الوجود السعي (ومنها)
ان العلل التشريعية كالعلل التكوينية طابق النعل بالنعل فكل ما هو من مقتضيات الثانية
يكون من مقتضيات الأولى أيضا كتكثر المعلول بتكثر علته، وكعدم انفكاك المعلول عنها
وغير ذلك وعلى ذلك بنى (قده) القول بعدم التداخل في الأسباب والقول بظهور الامر في الفور
ودلالته على المرة و (منها) ان القيود اللبية (منها) ما يمكن اخذها في المتعلق على نحو
القيدية اللحاظية كالطهارة و (منها) ما لا يمكن اخذها في المتعلق وتقييده بها الا انه لا ينطبق
الا على المقيد بمعنى ان له ضيقا ذاتيا لا يتسع غيره بدون دليل يوجب التوسعة كمقدمة
الواجب بناء على وجوبها فان الإرادة من الامر، المستتبعة للبعث لا تترشح على المقدمة
122

مطلقا، موصلة كانت أم لا لعدم الملاك فيها ولا على المقيدة بالايصال لاستلزامه الدور المقرر
في محله ولكنها لا تنطبق الاعلى المقدمة الموصلة، وكالعلل التكوينية فان تأثيرها ليس
في المهية المطلقة ولا المقيدة بقيد المتأثر من قبلها فإنها ممتنعة بل في المهية التي لا تنطبق
الا على المقيد بهذا القيد كالنار فان معلولها ليست الحرارة المطلقة سواء كانت مولدة
عنها أم، لا، ولا المقيدة بكونها من علته التي هي النار لكنها لا تؤثر الا في المعلول المنطبق
المخصوص (إذا تمهدت هذه المقدمات، (فنقول) ان المأمور به ليس الا نفس الطبيعة القابلة
للتكثر بحكم المقدمة الأولى كما أن المبعوث إليه ليست الصلاة المطلقة سواء كانت
مبعوثا إليها بهذا الامر أم بغيره، ولا المقيد بكونها مأمورا بأمرها المتعلق بها، بل ما لا ينطبق
الا على الأخير لا بنحو الاشتراط بل له ضيق ذاتي لا يبعث الا نحو المأمور بها كما في
العلل التكوينية.
وبعبارة أوضح ان الأوامر تحرك المكلف نحو الطبيعة التي لا تنطبق لبا
الا على المقيدة بتحريكها، فإذا اتى المكلف بها من غير دعوة الامر لا يكون آتيا بالمأمور به
لأنه لا ينطبق، الا على المقيد بدعوة الامر فمقتضى الأصل اللفظي هو كون الأوامر تعبدية
قربية (انتهى بتوضيح) لكن النظر الدقيق يقضى على خلافه (اما أولا) فلان قياس التشريع
بالتكوين قياس مع الفارق لان المعلول في العلل التكوينية خصوصا في الفاعل الإلهي
الذي هو العلة الحقيقي، لا الفاعل المادي الذي هو في سلك المعدات والعلل الاعدادية انما هو
ربط محض بعلته لا شيئية له قبل تأثير علته، ففعليته ظل فعلية علته وهذا بخلاف التشريع
فان تشخص الإرادة التي تعد علة تشريعية من تشخص المراد إذ هي من ذوات الإضافة لا يعقل
تعلقها بشئ مجهول، وهكذا الامر فان المبعوث إليه في الأوامر يكون رتبته تصورا مقدما على
البعث وقس عليهما ونظائرهما، وأولى منه بعدم التسليم ما اختاره في باب تعدد الأسباب
فان اقتضاء كل علة تكوينية معلولا مستقلا انما هو لقضية ايجاب كل علة موثرة، وجودا
آخر يكون معلولا ووجودا ظليا له، واما الإرادة فلا معنى لتعلقها بشئ واحد زمانا ومكانا
مرتين بل لا يقع الشئ الواحد تحت دائرة الإرادة الا، مرة واحده، ولا تحت أمر تأسيسي
متعدد فاذن تكثر الإرادة تابع لتكثر المراد، واما المعلول التكويني فتكثره تابع لتكثر
علته و (أيضا) عدم انفكاك المعلول عن علته انما هو لكون وجود العلة التامة كاف في تحققه
123

فلا معنى للانفكاك واما الإرادة فيمكن ان يتعلق بأمر استقبالي وحالي فاثبات الفورية من
هذه الجهة مخدوش أيضا
(واما ثانيا) فلان ما ذكره من المقدمة الأولى كاف في نقض مراده إذ الواجب هو
ما وقع تحت دائرة الطلب، والقيود المنتزعة من تعلق الامر بها لا تكون مأمورا بها الا ان
تؤخذ في المتعلق كسائر القيود (وبالجملة) ان الواجب التوصلي والتعبدي يشتركان في أنه
إذا تعلق الامر بشئ ينتزع منه عنوان كونه مبعوثا إليه ويفترقان في أن المطلوب في
الأول هو نفس الطبيعة وفي الاخر هي مع قصد التقرب، وبما ان الامر لا يكون محركا الا
إلى نفس الطبيعة لا إلى غيرها، فلا بدوان يكون مثل تلك القيود موردا للعبث لو كانت
دخيلة في الغرض
واما ثالثا فلان ما هو المعلول في كلتا العلتين انما هو نفس الطبيعة لا ما لا ينطبق
الا على المقيد إذ النار انما تحرق نفس القطن وتتعلق بنفس الطبيعة والتقييد منتزع بعد
التعلق والاحراق (والحاصل) انه بتعلق الاحراق بها يصير الطبيعة موصوفة بوصف انها
لا يمكن ان تنطبق الا على المقيد لكن رتبة هذا القيد والوصف بعد تحقق الاحراق ولا يمكن
ان يصير موجبا لضيق الطبيعة المتعلقة بالاحراق و (قصارى الكلام) ان المادة موضوعة
لنفس الطبيعة والهيئة، دالة عل البعث إليها والذي قام به البيان هو ذات الطبيعة وانتزاع عناوين من
تعلق الامر عن المأمور به، لا يوجب أمرا بل لا يمكن وقوعها تحت الطلب ومعه لا معنى لوجوب اتيانها
الرابع في تحرير الأصل العملي
لا ريب في جريان البراءة العقلية على القول بامكان الاخذ في المتعلق إذ يصير قصد
الامر (ح) كسائر القيود العرضية فيتحقق موضوع البراءة الذي هو قبح العقاب بلا بيان
واما على القول بامتناع الاخذ فربما يؤخذ هنا بقاعدة الاشتغال عقلا مع تسليم جريان البراءة
في الأقل والأكثر الارتباطيين قائلا بان الشك في المقام في كيفية الخروج من عهدة
التكليف المعلوم ثبوته فلا يكون العقاب على تركه عقابا بلا بيان ولكن الشك في الارتباطيين
في كمية المتعلق قلة وكثرة فعليه البيان بشراشر اجزائه وشرائطه
وان شئت قلت إن تحصيل الغرض مبدء للامر فإذا علم أصل الغرض وشك
124

في حصوله للشك في كون الماتى به مسقطا للغرض وحده بلا قيد التقربية، فلا محالة يجب
القطع بتحصيل الغرض باتيان جميع ما له دخل في ذلك ولو احتمالا
و (فيه) انه لا معنى لسقوط الامر الا ايجاد ما أمر به المولى وبعث المكلف إليه وتمت
حجته بالنسبة إليه فلو امتثل كذلك وأوجد ما تعلق به العلم وما تم البيان عليه وقامت الحجة
عليه، لا يتصور (ح) له البقاء على صفة الحجية إذ لو كان دخيلا في الطاعة وفي تحقق المأمور
به لما جاز له الكف عن البيان، ولو بدليل آخر والاكتفاء بحكم العقل بالاشتغال في المقام
مدفوع بأنه بعد الغض عن أن المورد داخل في مجرى البراءة، انما يفيد لو كان من الواضحات
عند عامة المكلفين بحيث يصح الاتكال عليه لا في مثل المقام الذي صار مطرحا للانظار
المختلفة والآراء المتشتة
أضف إلى ذلك أنه لا فارق بين المقامين وما ذكر من البرهان لاثبات الاشتغال جار في
الأقل والأكثر أيضا إذ القائل بالاشتغال هناك يدعى ان الامر بالأقل معلوم ونشك في سقوطه لأجل
ارتباطية الاجزاء، وان الغرض المستكشف من الامر معلوم ونشك في سقوطه باتيان الأقل
فيجب الاتيان بكل ما احتمل دخله في الغرض (هذا) مع أن مجرد عدم امكان تقييد المأمور
به لا يوجب عدم امكان البيان مستقلا، كما مرت إليه الإشارة، إذ لو توقف حصول غرض المولى
على أمر وراء المأمور به وجب عليه البيان
ولك ان تقول، ان ما اشتهر من وجوب تحصيل العلم بحصول اغراض المولى و
مقاصده لا يرجع إلى محصل، إذ الأغراض إن كانت حاصلة بنفس ما وقع تحت دائرة البيان
فما هو واجب تحصيله (ح) في محيط العبودية هو ما تعلق به البيان من الاجزاء والشرائط
ويتبعه الغرض في الحصول، وإن كانت غير حاصلة الا بضم ما لم تقم عليه حجة بعد، فلا نسلم
وجوب تحصيله وهذا لا ينافي ما سيأتي من وجوب تحصيل الغرض المعلوم اللازم الحصول مع
امكان ان يقال إنه يستكشف من عدم البيان ان الغرض قائم بالمبين
واما البراءة الشرعية (فتارة) يفرض الكلام فيما إذا جاز تقييد المأمور به
بالقيود الآتية من قبل الامر، و (أخرى) فيما إذا لم يجز ذلك الا بأمر آخر، و (ثالثة) فيما لا يجوز
مطلقا، وعلى أي حال تارة يفرض مع القول بجريان البراءة العقلية في قصد الامر واخرى
مع القول بعدمه فالصور المتصورة ستة، والأقوى جريانها في جميع الصور وربما يقال
125

بعدم جريانها مطلقا على القول بالاشتغال العقلي، وجريانها على القول بجريان البراءة العقلية
الا فيما لا يمكن اخذ القيد في المأمور به ولو بأمر آخر فالصور الممنوعة أربعة
اما الأولى أعني عدم الجريان فيما إذا أمكن الاخذ في المأمور به بأمر واحد،
مع القول بالاشتغال العقلي فلقصور أدلة البراءة النقلية عن شمول مثل المورد فان ملاكها
هو كون الامر المشكوك فيه إذا لم يأمر به المولى كان ناقضا لغرضه والمورد ليس كذلك
فان القيد المزبور على فرض دخالته يجوز للمولى الاتكال على حكم العقل بالاشتغال
ولا يوجب عدم البيان نقض الغرض وليس المدعى ان حكم العقل بالاحتياط رافع لموضوع
البراءة حتى يستشكل بلزوم الدور بل المدعى قصور أدلة البراءة عن مثل المورد (انتهى)
وفيه انا لا نرى قصورا في أدلتها ولا انصرافا في اطلاقاتها بعد كون الموضوع قابلا
للرفع والوضع، بل جريانها فيما يحكم العقل بالاشتغال أولى وأقرب من جريانها فيما يكون
المورد محكوما بالبرائة العقلية إذ ظاهر الأدلة هو المولوية لا الارشاد فيصح أعمالها
بالحكم بالبرائة فيما لولاها لكان محكوما بالاشتغال عقلا، وهذا بخلاف ما إذا اتحدا مفادا
ونتيجة بان يكون مجرى البراءة عقلا وشرعا إذ حكمه (ح) يصير ارشاد يا محضا
واما الصورة الثانية أعني ما لا يمكن الاخذ الا بأمر آخر مع الاشتغال عقلا
فلان جريان البراءة لا يثبت ان متعلق الأمر الأول تمام المأمور به الا على القول بالأصل المثبت
بخلاف ما إذا قلنا بامكان الاخذ في متعلق الأمر الأول فان الشك يرجع إلى انبساط الامر
على الجزء والقيد المشكوك فيه فمع جريان البراءة يكون باقي الاجزاء بنظر العرف
تمام المأمور به فيكون من قبيل خفاء الواسطة (انتهى) (وفيه) أولا ان القول بوجوب العلم بكون
الماتى به تمام المأمور به من قبيل الالتزام بشئ لا يجب الالتزام به إذا الواجب ليس عنوان
تمام المطلوب حتى يجب احرازه، بل ما قامت عليه الحجة واستوفاه البيان سواء أحرز
كونه تمام المأمور به أم لا هذا
(وثانيا) ان رفع الجزء المشكوك فيه ملازم عقلا لكون البقية تمام المطلوب وهذا
عين الأصل المثبت من غير فرق بين وحدة الأمر وتعدده و (ثالثا) ان الأمر الثاني ناظر إلى
متعلق الأمر الأول بتصرف فيه ببيان قيده وشرطه وليس مفاده أمرا مستقلا وان شئت فسمه
بتتميم الجعل فيرى العرف هذين الامرين بعد التوجه إلى الناظرية أمرا واحدا و (عليه)
126

فلو كان هنا خفاء الواسطة يكون في الموردين بلا فرق بينهما
واما الصورة الثالثة والرابعة أعني عدم امكان الاخذ مطلقا سواء قلنا بالبرائة
العقلية أم لا فلان جريانها موقوف على كون المشكوك فيه قابلا للوضع والرفع شرعا ومع
عدم جواز الاخذ لا يمكن الوضع فلا يمكن الرفع، ودخله في الغرض واقعي تكويني
غير قابل للوضع والرفع التشريعي وغير المفروض من القيود وإن كان دخله تكوينيا
لكنه لما كان قابلا لهما يجوز التمسك بدليل الرفع لرفعه و (انتهى) (فيه) انا لا نتصور للمفروض
مصداقا، إذ كيف يمكن دخالة شئ في الغرض ولا يمكن للمولى بيانه واظهاره و (عليه)
لا محيص عن جريان أدلة الرفع بعد امكان وضعه في نظائر المقام
المبحث الخامس
الامر المطلق يحمل على النفسي العيني التعييني، ما لم يقم دليل على مقابلاتها
وليس ذلك لأجل دلالة اللفظ أو انصرافه أو كشفه عنها لدى العقلاء بل لما مر في حمله
على الوجوب والندب من أن بعث المولى تمام الموضوع لاحتجاجه على العبد في باب
الطاعة ولا يجوز له التقاعد باحتمال إرادة الندب، ويجرى ذلك في مطلق بعثه واغرائه
سواء صدر باللفظ أم بالإشارة، وما ذكر من أن صدور الامر عن المولى تمام الموضوع
للطاعة، جار في المقام بعينه، فإذا تعلق أمر بشئ يصير حجة عليه لا يسوغ له العدول إلى
غيره باحتمال التخيير في متعلق الأمر كما لا يجوز له الترك مع اتيان الغير باحتمال الكفائية
ولا التقاعد عن اتيانه باحتمال الغيرية مع سقوط الوجوب عن غيره الذي يحتمل كون
الامر المفروض مقدمة له، كل ذلك لا، لأجل دلالة بل لبناء منهم على ذلك وان لم نعثر على
علة البناء وملاكه لكنا نشاهده مع فقدان الدلالة اللفظية كافادة البعث بنحو الإشارة
(هذا) والمحقق الخراساني تمسك في اثبات ما قررناه بمقدمات الحكمة وان ذلك
مقتضى الاطلاق المتحقق بعدم البيان مع كونه في مقام البيان و (أوضحه) المحقق المحشى
بان النفسية ليست الا عدم كون الوجوب للغير وكذا البواقي وعدم القرينة على القيود
الوجودية، دليل على عدمها والا، لزم النقض بالغرض لا ان النفسية والغيرية قيدان وجوديان
بل أحد القيدين عدمي يكفي فيه عدم نصب القرينة على الوجودي المقابل له فمقتضى
الحكمة تعيين المقيد بالغير العدمي (انتهى)
127

قلت وفيما افاده الماتن والمحشى نظر اما الأول فلان لازم القول بكونه موضوعا
لمطلق البعث والطلب، أن يكون نتيجة الاطلاق مطلق البعث المشترك بين النفسي
والغيري مثلا لان ميزان الاطلاق كون ما وقع تحت البيان تمام الموضوع للحكم، وما ورد به
البيان ليس غير البعث المطلق ولكنه مع كونه خلاف المقصود ممتنع، لعدم امكان تصور
الجامع الحقيقي بين المعاني الحرفية كما تقدم توضيحه مستوفى (والحاصل) ان تقسيم
مفهوم إلى قسمين يلازم اشتمال كل فرد بخصوصية بها يتميز عن المقسم ويغاير قسيمه والا صار
عين المقسم وكان من باب تقسيم الشئ إلى نفسه وغيره وهذا بعد التدبر واضح فاذن لابد
وأن يكون كل من النفسية والغيرية متخصصة بقيد وجودي أو عدمي به يمتاز كل واحد
عن مقسمه وقسيمه ويقال النفسي ما يكون إليه البعث لذاته أو، لا لغيره والغيري بخلافه
ويكون كل واحد منهما في مقام التحديد مشتملا على قيد زائد على نفس البعث ولو من
باب زيادة الحد على المحدود وتصير النفسية متبائنة عن الغيرية لا تتعين الا بدال آخر
و (اما) الثاني فهو غريب من ذلك المحقق لان القول بان النفسية ليست الا عدم الوجوب
للغير، بين البطلان إذ عدم كون الوجوب للغير إن كان بنحو السلب التحصيلي كما هو
ظاهر كلامه فلازمه كون الوجوب النفسي نفس العدم الصادق مع عدم الوجوب رأسا
وهو كما ترى، وإن كان بنحو الايجاب العدولي أو الموجبة السالبة المحمول فيستلزم كونهما
مقيدين بقيد فيحتاج الوجوب لا لغيره إلى بيان زائد على أصل الوجوب كما يحتاج
إليه الوجوب لغيره، على أن التحقيق كون الوجوب النفسي هو الوجوب لذاته
والتعريف بالوجوب لا لغيره تفسير بلازمه و (توهم) ان أحد القسمين في نظر العرف
عين المقسم وإن كان غيره في نظر العقل (مدفوع) بأنه صرف ادعاء لم يشفع برهان، ضرورة
صحة تقسيم الطلب لدى العرف (إلى النفسي والغيري) بلا لزوم خلاف الارتكاز فتلخص
ان النفسي ليس نفس الطبيعة كما أن الغيري أيضا انها ليس كذلك بل كل منهما هو الطبيعة مع
قيد زائد وجودي أو عدمي
المبحث السادس
الحق وفاقا للمحققين عدم دلالة الامر على المرة والتكرار، ولعل وقوع النزاع
في الأوامر والنواهي دون سائر المشتقات لأجل ورودهما مختلفين في الشريعة المقدسة
128

كما نشاهده في الصلاة والحج وقبل الخوض في تحقيق المختار نقدم أمورا
(الأول) في تعيين محل النزاع وبيان الوجوه المتصورة فيه فنقول (الأول) أن يكون النزاع
في دلالة المادة على الطبيعة اللا بشرطية أو على المكررة أو غيرها، ويظهر من صاحب
الفصول خروجها من حريم النزاع مستشهدا بنص جماعة ونقل السكاكي الاجماع على أن
المصدر لا يدل الا على نفس الطبيعة إذا تجرد عن اللام والتنوين واستشكل عليه المحقق
الخراساني بان ذلك انما يتم لو كان المصدر أصلا للمشتقات لا أن يكون منها ويمكن دفعه
بان مادة المصدر عين مادة المشتقات وان لم يكن المصدر أصلا لها (نعم) يرد عليه انه لا يتم
الا إذا ضم عليه الاجماع بان مادته عين مادة المشتقات أو ان المصدر أصل المشتقات وكلاهما
ممنوعان لعدم الاجماع على الوحدة في المادة إذ وحدة المادة في المشتقات وان صارت مسلمة
عند المتأخرين لكن عند القدماء من أهل الأدب محل خلاف وتشاجر على نحو مر في
المشتق، لب الأقوال، كما أن كون المصدر أصلا مطلقا مما لم يسلم عند كثير منهم
(الثاني) جعل معقد النزاع دلالة الهيئة على الوحدة والتكرار وسيجئ توضيحه ورده،
الثالث أن يكون النزاع في دلالة مجموع الهيئة والمادة على طلب المهية مرة
أو مكررة، هذه هو الوجوه المتصورة ولكن لا يصح كلها بل لا يعقل بعضها، اما الأول فلانك
قد عرفت وضع المادة لمعنى بسيط عار عن كل قيد ومجرد عن كل شرط حتى عن لحاظ نفسها
وتجردها واما الاخر فلما مر في أوائل الكتاب بأنه لا وضع للمجموع بعد وضع المفردات
على تفصيل سبق ذكره فبقى الهيئة وكون دلالتها محل النزاع بعيد جدا لأنها وضعت
لنفس البعث والاغراء كإشارة المشير ومقتضى البعث على المهية المجردة، هو ايجادها
في الخارج لا جعل الايجاد جزء مدلوله اللفظي، (فح) فالشئ الواحد من جهة واحدة
لا يعقل ان يتعلق به البعث متعددا على نحو التأسيس ولا يكون مرادا ومشتاقا إليه مرتين
لما مر ان تعيين الحب والإرادة والشوق من جانب المتعلق فهي تابعة له في الكثرة والوحدة
فالشئ الواحد لا تتعلق به ارادتان ولا شوقان ولا محبتان في عرض واحد
(نعم) بناء على ما افاده شيخنا، العلامة من أن العلل التشريعية كالتكوينية في أن
تعدد معاليلها بتعدد عللها يكون للنزاع فيها مجال لكن قد أوضحنا الفرق بين المقامين
وقلنا بأنهما متعاكسان فراجع
129

فان قلت على القول بكون الايجاد جزء مدلولها يصح النزاع بان يقال إنه بعد
تسليم وضعها لطلب الايجاد هل هي وضعت لإيجاد أو ايجادات
قلت إن ذلك وإن كان يرفع غائلة توارد الإرادات على شئ واحد، إذ كل ايجاد
يكون مقارنا مع خصوصية وتشخص مفقود في آخر وبه يصح ان يقع مورد البعث والإرادة متكررا
الا ان الذي يضعفه ما أحطت به خبرا في تحقيق المعاني الحرفية من أنها غير مستقلات
مفهوما وذهنا وخارجا ودلالة، ولا يمكن تقييد الايجاد الذي هو معنى حرفي بالمرة والتكرار
الا بلحاظه مستقلا والجمع بينهما في استعمال واحد غير جائز، وما مر منا من أن نوع
الاستعمالات لإفادة معاني الحروف وجوزنا تقييدها بل قلنا إن كثيرا من التقييدات راجع
إليها، لا ينافي ما ذكرنا ههنا لان المقصود هناك امكان تقييدها في ضمن الكلام
بلحاظ آخر
(وان قلت) ان ذلك انما يرد لو كانت موضوعة للايجاد المتقيد بالمرة والتكرار
حتى يستلزم تقييد المعنى الحرفي وقت لحاظه آليا واما إذا قلنا بأنها موضوعة للايجادات
بالمعنى الحرفي وان شئت قلت بأنه كما يجوز استعمال الحرف في أكثر من معنى يجوز
وضع الحرف لكثرات واستعمالها فيها (قلت) ما ذكرت أمر ممكن ولكنه خلاف الوجدان
والارتكاز في الأوضاع فلا محيص في معقولية النزاع عن ارجاعها إلى وضع المجموع مستقلا
بحيث يرجع القيد إلى الجزء المادي لا الصوري أو إلى نفس المادة بان يقال إن لمادة
الامر وضعا على حدة
(الثاني) هل المراد من المرة والتكرار هو الفرد والافراد أو الدفعة والدفعات
والفرق بينهما واضح جدا وما ذكرناه وجها لتحقق الخلاف في الأوامر والنواهي فقط،
يؤيد كون النزاع في الفرد والافراد، إذ ليس في الاحكام ما يكون للدفعة والدفعات وذهب
صاحب الفصول إلى كون النزاع في الدفعة والدفعات مستدلا بأنه لو أريد الفرد لكان اللازم
ان يجعل هذا البحث تتمة لما يأتي من أن الامر هل يتعلق بالطبيعة أو الفرد وعلى الثاني هل
يقتضى التعلق بالفرد الواحد أو المتعدد أو لا يقتضى شيئا منها ولم يحتج إلى افراد كل
منهما ببحث مستقل انتهى، وأورد عليه في الكفاية بان الطلب على القول بتعلقه بالطبيعة
انما يتعلق باعتبار وجودها في الخارج لا بما هي هي لكونها بهذه الحيثية لا مطلوبة ولا غير
130

مطلوبة وعليه يصح ان يقال هل المأمور به هو الواحد منها أو الوجودات والتعبير بالفرد
لكون تشخصها في الخارج بافرادها غاية الأمر ان لوازم الوجود والخصوصية الفردية
على القول بتعلقها بالطبايع تلازم المطلوب وعلى القول بالفرد تقومه انتهى
بقى في المقام انه بناء على تعلق الامر بالطبيعة لا يخلو اما أن يكون ايجادها جزء
مدلول الهيئة كما عليه صاحب الفصول أو يكون من اللوازم العقلية للاغراء والبعث إلى الطبيعة
كما قويناه وعلى (الأول) يكون الهيئة موضوعة لطلب ايجاد الطبيعة، فلا محالة يكون المتعلق
نفس الطبيعة والا يصير معنى الامر بالصلاة أوجد وجود الصلاة وهو كما ترى فلا محيص إذا
عن جعل المتعلق نفس الطبيعة خالية عن القيد (والحاصل) انه بعد اخذ الايجاد في ظرف
الهيئة يصير المتعلق نفس الماهية دون وجودها ومعه لا مجرى للنزاع سواء أريد منه الفرد
أو الافراد أو الدفعة أو الدفعات ضرورة انها خارجة عن الطبيعة واما مع تعلق الامر بالفرد
فله مجال (نعم) في تصور النزاع في استفادة المرة والتكرار بالمعنيين عن الهيئة بعد جعل
الايجاد مدلولا لفظيا، وجه استوفينا بيانه في الأمر الأول فراجع و (اما) على الثاني أعني عدم
دلالة الهيئة الا على البعث البحث وكون لزوم الايجاد جائيا من قبل العقل الحاكم بان
المهية من حيث هي ليست مطلوبة فيكون الوجود والايجاد من اللوازم العقلية لتعلق
البعث على الطبيعة لا مدلولا للهيئة والمادة و (عليه) يصح النزاع بناء على تعلق الامر بالطبيعة
لكن يكون عقليا لا لغويا وهو خلاف ظاهرهم من كونه لغويا فلا بد من اجراء النزاع على
فرض تعلق الامر بالفرد لا الطبيعة حتى يدفع به الاشكال ولكن مع ذلك لا يصير هذا لبحث
من تتمة البحث الآتي لكون الجهات المبحوث عنها مختلفة
الثالث إذا قلنا بتعلق الامر بالطبيعة وأوجد المكلف عدة افراد دفعة واحدة فهل
هو امتثال واحد لوحدة الامر المقتضى لامتثال واحد أو امتثالات لكون الطبيعة تتكثر
بتكرر الافراد فكل واحد بما هو مصداق له، امتثال مستقل، وجهان اختار ثانيهما بعض
السادة من الأكابر محتجا بان الطبيعة متكثرة بتكثرها ولا يكون فردان أو افراد منها
موجودة بوجود واحد لان المجموع ليس له وجود غير وجود الافراد فكل فرد محقق
للطبيعة، ولما كان المطلوب هو الطبيعة بلا تقيد بالمرة أو التكرار (فح) إذا اتى المكلف
بافراد متعددة فقد أوجد المطلوب في ضمن كل فرد مستقلا فيكون كل امتثالا برأسه كما
131

هو موجود بنفسه ونظير ذلك الواجب الكفائي حيث إن الامر فيه متعلق بنفس الطبيعة
ويكون جميع المكلفين مأمورين باتيانها فمع اتيان واحد منهم يسقط الوجوب عن الباقي
واما لو اتى به عدة منهم دفعة يعد كل واحد ممتثلا ويحسب لكل، امتثال مستقل لا أن يكون
فعل الجميع امتثالا واحدا انتهى
وفيه ان وحدة الامتثال وكثرته بوحدة الطلب وكثرته لا بوحدة الطبيعة وكثرتها
ضرورة انه لولا البعث لم يكن معنى لصدق الامتثال وان أوجد آلاف من افراد الطبيعة
(وبالجملة) فرق بين تعلق الامر باكرام كل فرد من العلماء وبين تعلقه بنفس الطبيعة متوجها
إلى مكلف واحد فعلى الأول يكون كل فرد واجبا برأسه ولو بالانحلال في جانب الوجوب
على وجه معقول فيتعدد امتثاله ولذا يعاقب بعدد الافراد وعلى الثاني يكون مركز الحكم
نفس الطبيعة فهنا حكم واحد ومتعلق فارد وتكثرها في الوجود لا يوجب تكثر الوجوب ولو
انحلالا كما لا يوجب تكثر الامتثال ولذا لو ترك الاكرام المتعلق بالطبيعة مطلقا لم يكن
له الا عقاب واحد و (ان شئت قلت) ان وحدة العقاب وكثرته ووحدة الثوب وتعدده منوط
باختلاف في ناحية الطلب والبعث قلة وكثرة، والقول بان ترك الطبيعة مطلقا لا يوجب الا
عقابا واحدا، كاشف عن وحدة البعث والحكم ومع فرضه واحدا كيف يمكن ان يتصور الواحد
غير المنحل، امتثالات، فإذا الامتثال فرع الطلب كما أن العقوبة فرع ترك المطلوب فلا يمكن
الامتثالات مع وحدة الطلب، ولا استحقاق عقوبة واحدة مع كثرته
أضف إلى ذلك ان قياسه مع الفارق لان البعث في الواجب الكفائي يتوجه إلى عامة
المكلفين بحيث يصير كل مكلف مخاطبا بالحكم فهناك طلبات كثيرة، وامتثالات عديدة
لكن لو اتى واحد منهم سقط البعث عن الباقي لحصول الغرض وارتفاع الموضوع ولو
تركوها رأسا لعوقبوا جميعا ولو اتاها الجميع دفعة فقد امتثلوا كافة لكون كل فرد منهم
محكوم بحكمه ومخاطب ببعثه المختص بخلاف المقام، إذا عرفت ما قدمناه من الأمور
مع ما عرفت في مباحث المشتق يظهر لك حقيقة الامر من عدم دلالة الامر على المرة
والتكرار لا بمادته لكونها موضوعة للماهية بلا شرط ولا بهيئة لأنها للاغراء والبعث و
يلزمه الوجود أو الايجاد كما مر ولا بالمجموع لعدم وضع له والتمسك بالقرائن مع أنه
خارج عن الفرض غير ممكن لفقد القرائن العامة الدالة على واحد منهما
132

المبحث السابع في الفور والتراخي
ما قدمناه في نفى دلالة الامر على المرة والتكرار جار بعينه في عدم دلالته على الفور
والتراخي بل لا محيص عن اخراج كل قيد من زمان أو مكان أو غيرهما عن مدلوله مما لا يدل
عليه الامر لا بهيئته ولا بمادته فلا نطيل بالإعادة
(نعم) تشبث جماعة من الأعاظم في اثبات الدلالة على الفور بأمور خارجة من صيغة
الامر منهم شيخنا العلامة في الدورة الأخيرة كما أسمعناك من مقايسة الأوامر بالعلل
التكوينية في اقتضائها عدم انفكاك معاليلها عنها وعليه جرى في قضاء الفوائت في كتاب
الصلاة حيث قال إن الامر المتعلق بموضوع خاص غير مقيد بزمان وان لم يكن ظاهرا
في الفور ولا في التراخي ولكن لا يمكن التمسك به للتراخي بواسطة الاطلاق ولا التمسك
بالبرائة العقلية لنفى الفورية لأنه يمكن ان يقال إن الفورية وإن كان غير ملحوظة قيدا في
المتعلق الا انها من لوازم الامر المتعلق به فان الامر تحريك إلى العمل وعلة تشريعية و
كما أن العلة التكوينية لا تنفك عن معلولها في الخارج كذلك العلة التشريعية تقتضي
عدم انفكاكها عن معلولها في الخارج وان لم يلاحظ الامر تربته على العلة في الخارج
قيدا انتهى
وكفاك دليلا في جواب ما اختاره ما مر من أنهما في العلية التأثير مختلفان
متعاكسان حيث إن المعلول في التكوين متعلق بتمام حيثيته بنفس وجود علته بخلاف
التشريع، على أن عدم الانفكاك في التكوين لأجل الضرورة والبرهان القائم في محله و
اما الأوامر فنجد الضرورة على خلافه حيث إن الامر قد تتعلق بنفس الطبيعة مجردة عن الفور
والتراخي، واخرى متقيدا بواحد منهما ولا نجد في ذلك استحالة أصلا، أضف إلى ذلك ان
مقتضى الملازمة بين الوجوب والايجاب ان الايجاب إذا تعلق بأي موضوع على أي نحو كان
يتعلق الوجوب به لا بغيره فإذا تعلق الامر بنفس الطبيعة لا يمكن ان يدعوا إلى أمر زائد عنها
من زمان خاص أو غيره فوزان الزمان وزان المكان وكلاهما كسائرا القيود العرضية
لا يمكن ان يتكفل الامر المتعلق بنفس الطبيعة، اثبات واحد منهما لفقد الوضع والدلالة و
وانتفاء التشابه بين التكوين والشريع فتدبر وربما يستدل بالآيات الدالة على وجود
الاستباق إلى الخيرات والمسارعة إلى المغفرة في قوله تعالى (فاستبقوا الخيرات) وقوله
133

سبحانه (سارعوا إلى مغفرة من ربكم)، بتقريب ان المراد منها ليس نفسها لكونها فعل الرب
بل الأسباب المعدة لحصولها وفيه اما (أولا)
ان ظاهر الآيات بشهادة ذيلها (كجنة عرضها السماوات والأرض) هو الوعظ والارشاد
إلى ما يستقل به العقل من حسن المسارعة والاستباق إلى ما بعث إليه المولى لا المولوية و (ثانيا)
ان الظاهر من مادة الاستباق وهيئة المسارعة هو ان الامر متوجه إلى تسابق المكلفين بعضهم
على بعض إلى فعل الخيرات و (إلى مغفرة من ربهم) أي في تقدم شخص على شخص آخر في
أمر مع معرضيته لهما كما في قوله تعالى (فاستبقا الباب) لا في مبادرة شخص على عمل مع
قطع النظر عن كونه مورد المسابقة بين اقرانه و (عليه) لابد من حمل الخيرات وأسباب المغفرة
على ما لو لم يسبق المكلف إليه لفات منه باتيان غيره مثل الواجبات الكفائية ومعه يصير
الامر للارشاد و (ثالثا) انه لا دلالة في آية المسارعة على العموم وما قيل من أن توصيف
النكرة بقوله (من ربكم) يفيد العموم لا محصل له أصلا، ويؤيد ذلك انك إذا تفحصت التفاسير
تجد الأقوال متشتة في تفسير المغفرة حيث احتملوا أن يكون المراد كلمة الشهادة أو أداء
الفرايض كما روى عن أمير المؤمنين عليه السلام أو التكبير الأول من الجماعة أو الصف الأول
منها أو التوبة أو الاخلاص أو الهجرة قبل فتح مكة أو متابعة الرسول أو الاستغفار أو الجهاد
أو أداء الطاعات أو الصلوات الخمس، فالترديد والاختلاف شاهدان على عدم استفادة العموم
والا لم يجعلوا البعض قبال بعض فتأمل وأورد عليه بعض الأعاظم اشكالا عقليا وهو انه
يلزم من وجوب الاستباق إلى الخيرات عدمه توضيح ذلك ان الاستباق إلى الخيرات يقتضى
بمفهومه وجود عدد منها يتحقق بفعل بعض دون بعض مع كونهما من الخيرات وعلى
فرض وجوب الاستباق إلى الخيرات يلزم أن يكون الفرد الذي لا يتحقق به الاستباق ان
لا يكون منها، لمزاحمته الفرد الآخر وعلى فرض انتفاء كونه من مصاديقها يلزم عدم وجوب
الاستباق فيما يتحقق فيه وما يلزم من وجوده عدمه محال
ولا يذهب عليك ان ما ذكره تكلف وتجشم اما (أولا) فلان معنى استبقوا كما
مر ذكره مستمدا عن قوله تعالى (فاستبقا الباب) انما هو بعث المكلفين إلى سبق بعضهم بعضا
لأسبق بعض الخيرات على بعض و (ثانيا) وقوع التزاحم بين الواجبين أو الأكثر لا يخرج
الواجب المزاحم (بالفتح) عن الخيرية إذ الفرض كون السقوط لأجل التزاحم لا التعارض
134

(فح) يبقى ظهور مفهوم الاستباق على حاله و (ثالثا) ان الامر كما سيجئ تحقيقه يتعلق
بالطبايع دون الافراد فلا معنى (ح) للمزاحمة و (رابعا) سلمنا جميع ذلك أنه انما يتم لو كان
اتيان الفعل في أول وقته مطلوبا واحدا بحيث لو تأخر لسقط عن المطلوبية (فح) يكون
مزاحمته لفرد آخر موجبا لخروجه عن الفردية واما إذا تعدد المطلوب بكون أصل
وجوده مطلوبا، والاتيان في أول الوقت مطلوبا آخر فلا يستلزم المزاحمة خروجه كما لا يخفى
تكميل
إذا قلنا بافادته الفور فهل معناه فورا ففورا بحيث لو عصى لوجب اتيانه في الزمان
الثاني أولا وجهان مبنيان على وحدة المطلوب وتعدده اما اللفظ فهو ساكت عن وجوب
اتيانه ثانيا لدى المخالفة بل مقتضى الاطلاق عدم وجوبه ضرورة احتياجه إلى البيان لو كان
مرادا للقائل ومع عدمه يتم الحجة للعبد واما الاستصحاب فتحقيق الحال في جريانه
موكول إلى محله فارتقب انشاء الله
الفصل الثالث في الاجزاء
قبل الورود في النقض والابرام لابد من ذكر مقدمات (الأولى) اختلف كلماتهم
في تحرير محل البحث فعنونه في الفصول بان الامر بالشئ إذا اتى به على وجهه هل يقتضى
الاجزاء أولا، والمعروف بين المشايخ والمعاصرين هو ان الاتيان بالمأمور به على وجهه
هل يقتضى الاجزاء أم لا وربما يفرق بين التعبيرين ان النزاع في (الأول) في دلالة الامر فيكون
البحث من مباحث الألفاظ والدلالات وفي (الثاني) في أن الاتيان علة للاجزاء فيكون
عقليا (وفيه) ان جعل النزاع في العنوان الأول في دلالة لفظ الامر بعيد عن الصواب جدا
اما عدم المطابقة والتضمن فظاهران، إذ لا أظن أن يتوهم أحد ان الامر بمادته أو هيئته يدل
على الاجزاء إذا اتى المكلف بالمأمور به على وجهه بحيث يكون هذا المعنى بطوله عين
مدلوله أو جزئه واما الالتزام فبمثل ما تقدم وما يقال في تقريبه من أن الامر يدل على أن
المأمور به مشتمل على غرض للامر ولا محالة ان ذلك الغرض يتحقق في الخارج بتحقق
المأمور به و (ح) يسقط الامر لحصول الغاية (مدفوع) بان عد تلك القضايا الكثيرة
العقلية من دلالة الامر عليهما التزاما مما لا مجال للالتزام به إذ جعلها من المداليل
الالتزامية يتوقف على كونها من اللوازم البينة حتى يجعل من المداليل الالتزامية بالمعنى
135

المصطلح مع أن المقدمتين المذكورتين في كلامه قد تشاجرت في صحته الأشاعرة
والمعتزلة فكيف يكون أمرا بين الثبوت (هذا) من غير فرق بين ارجاع النزاع إلى الأوامر
الاختيارية الواقعية أو الاضطرارية أو الظاهرية لان دلالة الامر لا تخرج من مادته و
هيئته فتدبر
كما أن جعل النزاع في العنوان الثاني عقليا كما استظهره القائل لا يصح في جميع
الأقسام، إذ النزاع عقليا انما يصح لو كان المراد من الاجزاء بالاتيان هو الاجزاء عن الامر
الذي امتثله واما اجزاء الماتى به بالامر الظاهري عن الواقعي، والثانوي عن الأولى
، فلا محالة يرجع النزاع إلى دلالة الأوامر الاضطرارية والظاهرية على الاجزاء بتنقيح موضوع
الأوامر الاختيارية والواقعية بنحو الحكومة، و (بالجملة) يلاحظ لسان أدلتها بأنه هل
يدل على التوسعة في المأمور به أولا فلا محالة يكون من مباحث الألفاظ (فح) لا يجوز عد
الجميع بحثا عقليا ولعله لأجل ذلك ذهب بعضهم إلى أن الجمع بين الاجزاء في
الأوامر بالنسبة إلى نفسها الاجزاء بالنسبة إلى أمر آخر مما لا يمكن بعنوان واحد
نعم ما ذكرناه وجها لجعل البحث في الامر الظاهري أو الواقعي الثانوي في الدلالات
اللفظية من التوسعة وتنقيح الموضوع بالحكومة، مما أحدثه المتأخرون من الأصوليين
قلا يجوز حمل كلام القوم عليه، كما أن ما نقلناه عن بعض من عدم امكان الجمع بين الواقعي
الأولى وغيره ضعيف بامكان تصور جامع بينهما بان يقال اتيان المأمور به على وجهه هل
يجزى أم لا وهذا جامع يشمل جميع العناوين المبحوث عنها غاية الأمر ان الاختلاف في
طريق الاستدلال بما يناسب حال كل واحد ولا يكون النزاع ابتداءا في دلالة الأدلة بل في
الاجزاء وعدمه، فيكون الدليل على الاجزاء في بعض الموارد حكم العقل، وفي غيره ما تصوره
القائلون بالاجزاء من حديث الحكومة والتوسعة ولا ضير في كون بعض مصاديقه بديهيا
دون بعضه بعد قابلية الجامع للنزاع والخطب سهل
الثانية ليس الاقتضاء الواقع في تحرير محل البحث بمعنى العلية والسبية بحيث
يكون اتيان المأمور به في الخارج بحدودها مؤثرا في الاجزاء بأي معنى فسر وظني ان ذلك
واضح لانتفاء العلية والتأثير في المقام سواء فسر الاجزاء بالمعنى اللغوي أعني الكفاية
أم بشئ آخر من سقوط الامر أو الإرادة اما (على الأول) فلان الكفاية عنوان انتزاعي لا يقع
136

مورد التأثر والتأثير (والعجب) من المحقق الخراساني حيث جمع بين الالتزام بكون الاقتضاء
بمعنى العلية وبين القول بان الاجزاء هو الكفاية، واما على الثاني فلان الاتيان ليس علة
موثرة في سقوط الامر كما أن السقوط والاسقاط ليسا من الأمور القابلة للتأثير والتأثر
اللذين هما من خصايص التكوين، واما الإرادة فالامر فيها أوضح لان الاتيان لا يصير علة
لانعدام الإرادة وارتفاعها، لا في الإرادات التكوينية ولا في المولوية التي يعبر عنها بالتشريعية
إذ تصور المراد بما انه الغاية والمقصود مع مباد آخر، علة لانقداح الإرادة في لوح النفس
كما أنه بنعت كونه موجودا في الخارج من معاليل الإرادة فلا يعقل أن يكون المعلول بوجوده
طاردا لوجود علته
وأقصى ما يتصور لسقوط الإرادة من معنى صحيح عند حصول المراد، هو انتهاء
أمدها بمعنى ان الإرادة كانت من بدء الامر مغياة ومحدودة بحد خاص، فعند وصولها إليه
لا اقتضاء لها في البقاء، لا ان لها بقاء، والاتيان بالمأمور به قد رفعها واعدمها كما هو قضية
العلية، كما أن الامر لما صدر لأجل غرض وهو حصول المأمور به فبعد حصوله ينفد اقتضاء
بقائه فيسقط لذلك كما هو الحال في إرادة الفاعل المتعلقة باتيان شئ لأجل غرض فإذا
حصل الغرض سقطت الإرادة لانتهاء أمدها لا لعلية الفعل الخارجي لسقوطها والأولى دفعا
للتوهم ان يقال إن الاتيان بالمأمور به هل هو مجز، أو لا فتدبر
الثالثة الظاهر أن المراد من قولهم على وجهه هو كل ما يعتبر في المأمور به وله
دخل في حصول الغرض سواء دل عليه العقل أو الشرع لا قصد الوجه، ولا ما في الكفاية من أن
المراد منه ما يعتبر فيه عقلا ولا يمكن الاعتبار شرعا لما عرفت من امكان اخذ جميع
القيود في المتعلق حتى ما جاء من قبل الامر وان لم يؤخذ بالفعل وكان العقل دل على
شرطيته مع أن شبهة عدمه امكان اخذ ما يأتي من قبل الامر في المأمور به حدثت، في هذه
الأزمنة المتأخرة وهذا العنوان متقدم عليها
الرابعة الظاهر عدم وجود جامع بين هذه المسألة وما مر من مسألة المرة
والتكرار إذ البحث في الثانية سواء كان في دلالة الامر أو حكم العقل، انما هو في مقدار
ما بعث إليه المولى من مرة أو غيرها والبحث ههنا بعد الفراغ عن دلالة الامر أو حكم العقل
فإذا فرغنا عن دلالة الامر أو اقتضائه المرة، يقع البحث في أن الاتيان بها مجز أولا، كما أنه
137

لو دل على التكرار يقع البحث في اجزاء الاتيان بكل فرد وعدمه، واما الفرق بين المقام و
مسألة تبعية القضاء للأداء فأوضح من أن يخفى، إذ البحث في الاجزاء انما هو في أن الاتيان بالمأمور
به هل هو مجز عن الأداء والقضاء، والبحث في الثانية في أنه إذا فات منه المأمور به فهل
الامر المتعلق بالطبيعة المضروب لها الوقت، يكفي في ايجاب القضاء عليه أو يحتاج إلى أمر
جديد فأي تشابه بينهما حتى نتمحل للفرق إذا الموضوع في إحديهما الاتيان وفي الأخرى
الفوات، ومن ذلك يظهر الخلل في كلام المحقق الخراساني من أن البحث في إحديهما في
دلالة الصيغة دون الأخرى فراجع
الخامسة ظاهر كلمات أكثر المحققين من المتأخرين في اجزاء الأوامر الاضطرارية
عن الاختيارية، واجزاء الظاهرية عن الواقعية، ان ههنا أمرين تعلق أحدهما بالطبيعة
بملاحظة حال الاختيار والعلم، وثانيهما بطبيعة أخرى بملاحظة حال الاضطرار والجهل
فوقع البحث في أن اتيان متعلق الاضطراري والظاهري يجزى عن الاختياري والواقعي
أولا، ولعل مبنى القول بتعدده ما عليه جماعة منهم المحقق الخراساني من أن الجزئية
والشرطية والمانعية لا تقبل الجعل استقلالا وان ما ظاهره الاستقلال في الجعل انما هو
ارشاد إلى ما جعله جزءا أو شرطا حين الامر بالمركب ولا يعقل بعد الامر بالمركب جعل
جزء آخر له أو شرط كذلك (فح) كلما كان ظاهره، الاستقلال في الجعل كقول (ع) التراب
أحد الطهورين، فلابد من جعله ارشادا إلى ما اخذه شرطا لدى الامر بالمركب ويحتاج
إلى سبق أمر آخر متعلق بالطبيعة المتقيدة بالطهارة الترابية إذ لا معنى للارشاد، مع عدم
وجود مرشد إليه، ويلتزم لأجله وجود أمرين، و (عليه) هنا امران أحدهما تعلق بالصلاة
المتقيدة بالطهارة المائية للمختار والاخر بالمقيدة بالترابية للمضطر وقس عليه الاجزاء
والموانع بقسميهما، ولذا ذهب ((قده) إلى البراءة إذ الشك بناء على وجود الامرين انما هو في حدوث
أمر آخر كما يأتي بيانه وهذا بخلاف القول بامكان الجعل فيها مستقلا حتى يتحفظ ظواهر
الأدلة الظاهرة في الجعل مستقلا إذ يكون هنا أمر واحد متعلق بالطبيعة وقد أمر الشارع
باتيانها بكيفية في حال الاختيار، وبكيفية أخرى في حال الاضطرار، والاختلاف في الافراد
والمصاديق، ولا يجب لمن قال بجعل الشرطية مستقلا، الالتزام بسبق أمر متعلق بها بكيفية
الاضطرار ولعمري ان هذا هو الحق الصراح حفظا لظواهر الأدلة مع ما سيأتي في مبحث الاستصحاب
138

من امكان الجعل فاذن ليس هنا الا أمر واحد تعلق بطبيعة الصلاة وانما القيود من خصوصيات
المصاديق، إذ قوله تعالى (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) يدل على وجوب
الطبيعة في هذا الوقت المضروب لها ثم دل دليل على اشتراطها بالطهارة المائية في حال
الاختيار، واشتراطها بالترابية عند فقدانها بحيث يكون الماتى بالشرط الاضطراري نفس
الطبيعة التي يأتيها المكلف بالشرط الاختياري بلا اختلاف في المتعلق والطبيعة والامر
كما هو ظاهر قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) إلى أن قال سبحانه ولم تجدوا
(ماء فتيمموا صعيد طيبا) فان ظاهرها ان الصلاة التي سبق ذكرها وشرطيتها بالطهارة
المائية، يؤتى بها عند فقد الماء متيمما (بالصعيد) وانها في هذه الحالة عين ما تقدم أمرا و
طبيعتا (وبالجملة) ان الكيفيات الطارية من خصوصيات المصاديق لامن مكثرات موضوع
الامر ولا يكون للطبيعة المتقيدة بكيفية أمر، وبكيفية أخرى أمر آخر، والنزاع وقع في أن
الاتيان بمصداق الاضطراري للطبيعة هل يوجب سقوط الامر عنها أولا وقس عليه الحال
في الأوامر الظاهرية حرفا بحرف إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أن الكلام يقع في مواضع
الأول ان الاتيان بالمأمور به الواقعي أو الاضطراري أو الظاهري يجزى عن
التعبد به ثانيا لان الداعي إلى الامر هو اتيان المأمور به بماله من القيود والحدود فلا يعقل
بعد حصوله بقاء الطلب وعدم سقوط الامر، وهذا من الأمور البديهية الفطرية لا يحتاج
إلى إقامة برهان وان كنت حريصا على صوغه على صورة البرهان فنقول ان المكلف إذا
حصل المأمور به على وجهه لم يبق معنى لبقاء البعث بعد حصول الفرض الذي هو علة
الإرادة بماهيته إذ يكون حصوله موجبا لانقطاع أمد الإرادة والبعث، فلو بقيا بعد حصوله
يلزم بقاء المعلول بلا علة
واما ما اشتهر من جواز تبديل الامتثال بامتثال آخر فلم نقف على معنى له محصل إذ
لا نتصور تعدد الامتثال بالنسبة إلى أمر واحد كما مرت الإشارة إليه إذ الامتثال دائر امره
بين الوجود والعدم فلو حصل الامتثال بفعله مرة فقد سقط امره ولا موضوع للامتثال ثانيا
وان لم يحصل كما إذا كان الأول فاقدا لبعض الاجزاء والشرائط لم تصل النوبة إلى
امتثال آخر
فان قلت ربما يكون الغرض باقيا مع سقوط الامر كما لو أمر باحضار الماء وامتثل
139

المكلف ثم اتفق هراقته فان الامر قد سقط بتمكين المولى من الماء الا ان الغرض التام
وهو رفع العطش باق بعد، وليس له الاكتفاء بما امتثل أولا، بعد علمه بعدم حصول غرضه
وملاكه
(قلت) ان ذلك خلط بين تبديل الامتثال وبين وجوب تحصيل الغرض المعلوم
للمولى فما هو موجب لصحة العقوبة ليس عدم امتثاله امره بل فوت غرضه ولو لم يكن
هنا أمر و (بالجملة) ان العلم بالملاك يتم الحجة على العبد بتحصيل الغرض التام وان لم
يكن هناك أمر ولا بعث، كما إذا وقع ابن المولى في هلكة وكان المولى في غفلة عنه فلم
يأمر عبده بانجائه فيلزم عليه انجائه بحيث يستحق العقوبة لو تركه لان الامر وسيلة
لتحصيل الغرض وآلة للبعث ولا موضوعية له ولذا لو اطلع على غرض غير لازم التحصيل
وفرضنا ان المولى لم يأمره بتحصله يحسن له تحصيله، ويصير موردا للعناية مع عدم كونه
امتثالا (والحاصل) انه لا ملازمة بين سقوط الامر وحصول الغرض وما ذكر من المثال في
الاشكال ليس من باب تبديل الامتثال بامتثال آخر، وجعله من هذا الباب مبنى على تخيل
الملازمة بينهما حتى يكون وجود الغرض، كاشفا عن وجود الامر وبقائه وهذا ذهول عن أن الامر
قد سقط باتيانه بتمام قيوده، والداعي إلى الاتيان ثانيا هو العلم بالملاك لا ثبوت الامر و
بقائه، ويرشدك إلى عدم الملازمة مضافا إلى ما عرفت انه إذا امتثل أمر المولى باتيان ماء
للشرب ثم وقف على مصداق آخر أوفى بغرضه فاتى به ليختار المولى أحبهما إليه (فلا محالة)
يحصل الامتثال بأول الفعلين والثاني موجب لوقوعه موردا للعناية لاتيانه ما هو أوفي بغرضه
وليس من الامتثال في شئ ولا من تبديل الامتثال بآخر منه، ولا تفاوت في ذلك بين عدم
حصول الغرض من أصله كما إذا تلف الماء أو عدم حصول الغرض الأقصى منه لبقاء عطشه
وعدم شربه
ان قلت بماذا يحمل فتاوى الأصحاب وتظافر النصوص في صلاة المعادة جماعة
بعد ما صلى فرادى وانه يجعلها فريضة ويختار اجهما إليه الخ (قلت) ان ذلك من باب تبديل
فرد من المأمور به بفرد آخر لامن تبديل امتثال إلى آخر، بعد العلم بكونه مشروعا في
الدين وان ذلك يوجب الثواب الزايد على ايجادها في ضمن مصداق آخر و (توضيحه) ان
تبديل الامتثال يتوقف على تحقق امتثالين مترتبين، بمعنى انه لابد أن يكون للمولى أمر متعلق
140

بطبيعة فيمتثله المكلف دفعة مع بقاء الامر ثم يمتثله ثانيا ويجعل المصداق الثاني الذي تحقق
به الامتثال، بدل الأول الذي تحقق به الامتثال الأول واما تبديل مصداق المأمور به الذي تحقق
به الامتثال، بمصداق آخر غير محقق للامتثال لكن محصل للغرض اقتضاءا، مثل المصداق
الأول أو بنحو أوفى، فهو لا يتوقف على بقاء الامر بل من قبيل تبديل مصداق المأمور به
بمصداق آخر لا بصفة كونه مأمورا به، واما قوله (ع) و (يجعلها فريضة) فالمراد منه انه يأتي
الصلاة ناويا بها الظهر أو العصر مثلا، لا اتيانه امتثالا للامر الواجب ضرورة سقوطه باتيان
الصلاة الجامعة للشرائط ولهذا حكى عن ظاهر الفقهاء الا من شذ من المتأخرين تعين
قصد الاستحباب في المعادة للامر الاستحبابي المتعلق بها واما قضية الأوفى بالغرض و
اختيار أحبهما إليه وأمثالهما مما ينتزه عنها مقام الربوبي، فهي على طبق فهم الناس وحسب
محاوراتهم قطعا
ثم إن في كلام بعض محققي العصر رحمه الله وجها آخر لتوجيه الموارد التي
توهم كونها من تبديل امتثال بآخر و (ملخصه) ان فعل المكلف ربما يكون مقدمة لفعل
المولى الجوارحي كامره باحضار الماء ليشربه أو الجوانحي كامره بإعادة الصلاة جماعة
ليختار أحبهما إليه، فهذه الافعال أمر بها لتكون مقدمة لبعض أفعاله (فح) ان قلنا بوجوب
المقدمة الموصلة كان الواجب هو الفعل الذي أوصل المولى إلى غرضه الأصلي وكان
الاخر غير متصف به لعدم ايصاله فالواجب هو الماء الذي حصل منه الشرب أو الصلاة
المعادة التي اختاره فليس الا امتثال واحد، وان قلنا بوجوب مطلق المقدمة فعدم امكان
التبديل أوضح لسقوط الامر بالامتثال الأول انتهى
وفيه اما (أولا) فان جعل الأوامر الشرعية المتعلقة بأفعال المكلفين من قبيل الوجوب
الغيري دون النفسي لحديث كونها مقدمات إلى الأغراض، مما لا يرضى به أحد كيف وهى
من أشهر مصاديق الواجبات النفسية ومعه لا يبقى لما ذكره بشقيه وجه، وقد قدمنا مناط
الغيرية والنفسية في محله و (ثانيا) ان المقدمة الموصلة بأي وجه صححنا وجوبها انما
تتحقق فيما إذا كان الايصال تحت اختيار العبد وقدرته، حتى تقع تحت دائرة الطلب والمفروض
ان فعل المولى أو اختياره متوسط بين فعل العبد وحصول الغرض، فلابد ان يتعلق الامر
بنفس المقدمة من غير لحاظ الايصال، وما ربما يتكرر في كلامه قدس سره من أن الواجب هو
141

الحصة بنحو القضية الحينية أو الحصة الملازمة للغاية (ففيه) مضافا إلى عدم كونه معقولا
لان الاعدام لا ميز فيها وان صيرورة الحصة حصة لا يمكن الا بالتقيد ولا تتوجه النفس إلى حصة
دون غيرها ما لم يتعين بالقيد، ان الصحة بما انها ملازمة لأمر غير مقدور فهي غير مقدور لا يمكن
تعلق الطلب بها
و (ان شئت قلت) ان الايجاب بنحو القضية الحينية أيضا انما يتصور فيما إذا كان الظرف
موجودا أو يكون ايجاده تحت قدرة المكلف وهما مفقودان ههنا فان الوجوب حين وجود
ذي المقدمة لا يتصور والمفروض ان ايجاده غير مقدور (نعم) يمكن ان يقال إن الواجب
أي ما يقع على نعت الوجوب هو ما يتعقبه اختيار المولى بنحو الشرط المتأخر فلا يكون
الواجب هو المقدمة الموصلة ولو بنحو القضية الحينية على نحو الاطلاق حتى يلزم عليه
تحصيل القيد، بل الواجب هو المشروط بالشرط المتأخر، فإذا اتى بها ولم يتعقبها اختياره يكشف
ذلك عن عدم وجوبها (فح) يخرج عن موضوع تبديل الامتثال فتدبر
الموضع الثاني في أن الاتيان بالفرد الاضطراري مقتض للاجزاء أولا وفيه
مقامان (أحدهما) في الإعادة ولا يخفى ان البحث من هذه الجهة انما هو فيما إذا كان المكلف
مضطرا في جزء من الوقت فاتى بوظيفته ثم طرء الاختيار، وفيما إذا كان الامر باتيان الفرد
الاضطراري محرزا ويكون العذر غير المستوعب، موضوعا للتكليف لان الكلام في أن
الاتيان بالمأمور به الاضطراري مجزاولا وهو فرع وجود الامر (وبالجملة) البحث فيما
إذا كان الاضطرار في بعض الوقت موضوعا للتكليف بالاتيان، واما إذا دلت الأدلة على أن
استيعاب الاضطرار موضوع للاتيان فهو خارج عن محط البحث، لأنه مع عدم الاستيعاب لا أمر
هنا ولا مصداق للمأمور به حتى نبحث عن اجزائه كما أن من مقتضى البحث أيضا هو طرو
الاختيار في الوقت مع اتيان المأمور به فلو استوعب العذر ولم يظهر الاختيار فهو خارج
عن موضوع الإعادة (ثم) انه على المختار من وحدة الأمر والمطلوب وان الاختلاف في
الكيفيات الطارئة من خصوصيات المصاديق لا من مكثرات الطبيعة، يكون اجزاء الماتى به
الاضطراري في غاية الوضوح، إذ العبد يكون مخيرا عقلا أو شرعا بين الاتيان بمصداقه
الاضطراري في الحال وبدارا، وبين انتظار آخر الوقت والاتيان بالفرد الاختياري وقد
عرفت ان امتثال كل أمر، مسقط لامره، والمفروض ان المأمور به في حال الاضطرار مصداق
142

للطبيعة المأمور بها ومشتمل لجميع الخصوصيات المعتبرة فيها فلا معنى للبقاء بعد الاتيان
(ليس قرى وراء عبادان)
واما القضاء مع استيعاب العذر، فمثل الإعادة في عدم الوجوب، لان وجوب
القضاء فرع الفوت، ومع الاتيان بالطبيعة المأمور بها لا يبقى له موضوع (هذا كله)) على الحق
المختار، واما على القول بتعدد الامر في باب الاضطرار كما يستفاد من ظاهر الكلمات،
ففيه التفصيل فان قام الاجماع على عدم وجوب الزائد من صلاة واحدة في الوقت المضروب
لها، فالقول بالاجزاء هو المتعين، لان دلالة الدليل على وحدة التكليف حال تعدد الامر
يستفاد منه التخيير بين اتيانها في حال العجز مع الطهارة الترابية، وبين الصبر إلى زوال
العذر واتيانها مع المائية، فلا محالة يكون الاتيان بأحد طرفي التخيير موجبا للاجزاء و
سقوط التكليف، و (لو فرضنا) عدم قيام الاجماع المذكور لكنا استفدنا من الأدلة ان تعدد
الامر ليس لأجل تعدد المطلوب لبا، بان تكون الصلوتان مطلوبتين مستقلتين، بل لأجل
امتناع جعل الشرطية والجزئية استقلالا، وانه لابد في انتزاع شرطية الطهارة الترابية
في حال العجز من شمول الامر ووقوعها تحت الامر حتى تعلم شرطيتها فيكون تعدد الامر
من ضيق الخناق كتعدده في القربيان من الأوامر على القول بعدم امكان اخذ ما يأتي من
قبل الامر ففي موضوعه (فح) الأمر الثاني ليس لإفادة مطلوب مستقل بل لإفادة خصوصيات
الأول، وبيان ماله دخل في الغرض (وعلى هذا المبنى) يكون مقتضى القاعدة هو الاجزاء
أيضا، لان تعدده ليس ناشئا من تعدد المطلوب والمصلحة حتى لا يكون استيفاء الواحد
منهما، مغنيا عن الاخر
نعم لو فرضنا ان تعدد الامر لأجل تعدد المطلوب، وان الامر المتعلق بالبدل من
قبيل الترخيص لا الالزام (فلا مناص) عن القول بعدم الاجزاء، لان اجزاء أحدا الامرين عن
الاخر مع تعدد المطلوب نظير اجزاء الصلاة عن الصوم، (وان شئت قلت) ان مقتضى اطلاق
دليل المبدل كونه مطلوبا على الاطلاق، امتثل أمر البدل أولا، واما الاطلاق الموجود في
دليل البدل فلا يضاد اطلاق المبدل ولا يدل على سقوط القضاء والإعادة، لان غاية مفاد اطلاقه
هو جواز الاتيان به في أي زمان شاء وقت طرو العجز، و (اما) اجزائه عن المأمور به بأمر
آخر وقت زوال العذر فلا يدل عليه، والاطلاق الموجود في دليل البدل لا يقتضى الا جواز
143

البدار في اتيانه وسقوط امره لدى امتثاله، لا سقوط أمر آخر (فتلخص) ان مقتضى الامر
المتعلق بالصلاة مع الطهارة المائية هو كونه مطلوبا على الاطلاق ومقتضيا لاستيفاء مصلحته
ولابد (ح) لاثبات اجزائه عن أمر آخر من دليل مستقل وراء الاطلاق، ولكنه خارج
من الفرض
وبذلك يظهر ان ما افاده المحقق الخراساني من التفصيل بأنه اما يكون الماتى به
وافيا بتمام المصلحة أولا، وعلى الثاني اما أن يكون الفائت قابلا للتدارك أولا الخ، (لا طائل
تحته) إذ العلم بالاستيفاء وعدمه لا يستفاد من الاطلاق بل من دليل خارج ووجوده يوجب
الخروج من محط البحث
ثم إن هذا كله لو أحرزنا مفاد الأدلة، وان الموضوع لجواز الاتيان أعم من العذر
المستوعب، و (قد مر ان البحث في باب الاجزاء بعد ذلك الاحراز) وقد عرفت مقتضى الحال على
المختار من وحدة الأمر وعلى مختار المشهور من تعدده، واما مع اهمال الأدلة في المبدل
منه والبدل، ووقع الشك في جواز البدار مع العذر غير المستوعب، فعلى ما اخترناه من
وحدة الأمر وان المأمور به طبيعة واحدة في الحالتين، والاختلاف في الشرط من خصوصيات
المصاديق لا من مكثرات الطبيعة، (لا محيص) عن الاشتغال، إذ الشك في سقوط التكليف
المتيقن، بالفرد الاضطراري، وبعبارة أخرى، ان الامر دائر بين التعيين والتخيير حيث إنه لو
جاز البدار لثبت التخيير بين المصداقين في مقام الامتثال، ولو لم يجز لكان المتعين هو
الفرد الاختياري ومعه لا يمكن العدول إلى المشكوك
واما بناء على مذهب الفوم ممن تعدد الامر على النحو الأخير كما هو مفروض كلامهم
فمقتضى القواعد (ح) هو البراءة واختاره المحقق الخراساني رحمه الله، ومرجع هذا
إلى أن الامر المتعلق بالمطلوب الاضطراري هل هو مطلق كون المكلف مصداقا لعنوان
الفاقد أو بشرط كون عذره مستوعبا و (وجه البراءة) هو ان المكلف حال الفقدان قاطع
بعدم الامر باتيان الصلاة مع الطهارة المائية وهو يحتمل لدى الاضطرار أن يكون مأمورا
بالامر الاضطراري فيأتي به رجاء امتثاله على فرض وجوده، ويمكن أن يكون الماتى
رجاءا هو الوظيفة الفعلية، فإذا اتاه رجاءا يشك في تعلق التكليف عليه بالصلاة المائية إذا
أصاب الماء، فيرجع الشك إلى حدوث التكليف لا في سقوطه بعد العلم به، وما قلنا من كونه
144

مخيرا بين اتيانه للفرد الاضطراري حال الاضطرار، وبين الصبر إلى زوال العذر ليس بمعنى
تعلق تكليف المختار به من أول الأمر وإن كان تعلقه بنحو التعليق في حال الاضطرار،
حتى يصير التخيير شرعيا ويخرج المقام من كون الشك في الحدوث
فان قلت إن المقام من قبيل دوران الامر بين التعيين والتخيير لأنه اما يجب له
الانتظار تعيينا والامتثال بالمائية آخر، الوقت أو يجوز له البدار إلى الفرد الاضطراري
كما يجوز له الانتظار والاتيان بالفرد الاختياري و (لكن) مطلوبية الأول قطعية ونعلم أنه
مسقط للتكليف قطعا، بخلاف الثاني (فح) يجب له الانتظار حتى يأتي بما يعلم كونه
مأمورا به ومستقطا للامر
قلت إن الفرق بين المقام ومقام دوران الامر بين التعيين والتخيير واضح جدا
إذ هو انما يتصور فيما إذا علم المكلف بتوجه تكليف واحد إليه حال الامتثال وشك عند الاتيان
في أن المطلوب هل هو هذا الفرد متعينا أو هو مع عدله، ولا ريب انه لا يجوز في شريعة
العقل، العدول إلى ما هو مشكوك، (وهذا) بخلاف المقام فان المكلف الفاقد حين فقدانه
يعلم أنه ليس مكلفا بتكليف الواجد ويحتمل كونه مرخصا في اتيان الصلاة مع الطهارة
الترابية كما يحتمل كونه غير مكلف بالصلاة حال الفقدان أصلا بل يتعلق به التكليف
بالصلاة بالطهارة الترابية حال وجدانه فيما بعد (والحاصل) انه قاطع بعدم التلكيف بالعنوان
الاختياري حالة الاضطرار ويحتمل توجه التكليف عليه بالعنوان الاضطراري إذا كان
الشرط هو الفقدان ولو في بعض الحالات (فح) إذا اتى الاضطراري رجاءا ثم ارتفع العذر
فهو قاطع لارتفاع الامر الاضطراري وسقوطه على فرض وجوده بالامتثال أو لعدم وجوده
من رأس، ويشك عند تبدل الحالة في حدوث أمر جديد وتكليف حديث (فالمحكم)
هو البراءة (أضف) إلى ذلك ان وجوب الانتظار كما ذكر في الاشكال لا محصل له إذا الواجب
هو اتيان الصلاة بمالها من الشرائط والاجزاء، والانتظار لادخل له فيها فتدبر
ثم إن التخيير بين الاتيان في الحال والاتيان في الاستقبال ليس من قبيل التخيير
الشرعي بل من قبيل أمر انتزاعي انتزع من احتمال الترخيص في اتيانها في الحال، ومن
احتمال الايجاب في الاستقبال حين تعلق التكليف به على فرض عدم الاتيان، ومثل ذلك
لا يرجع إلى التعيين والتخيير، (فتلخص انه مع اهمال الأدلة من الطرفين وتعدد الامر
145

في المقام يتعين القول بالبرائة إذا اتى بالفرد الاضطراري (اللهم) الا ان يصار إلى القول
بتنجيز العلم الاجمالي حتى في التدريجيات فيصير الاشتغال هو المحكم في الباب ويكون
المقام من قبيل دوران الامر بين التعيين والتخيير (هذا حال) الإعادة مع الاهمال المفروض
و (اما القضاء) مع ذاك الفرض فالأصل الجاري في المقام هو البراءة، ما لم يرد هنا دليل على
اللزوم لان موضوع الوجوب فيه هو الفوت، وهو غير محقق الصدق بعد اتيان المشكوك
و (توهم) اثباته باستصحاب عدم اتيان الفريضة مبنى على حجية الأصول المثبتة لان الفوت
غير عدم الاتيان مفهوما، وان كانا متلازمين في الخارج إذ الموضوع هو الفوت واثباته
باستصحاب عدم الاتيان كاثبات أحد المتلازمين باستصحاب الاخر
الموضع الثالث في اجزاء الامر الظاهري
وفيه مقامان (الأول) في مقتضى الامارات والطرق و (الثاني) في الأصول العملية،
محرزة كانت أو غيرها، وليعلم ان محل النزاع في كلا المقامين ما إذا كان المأمور به مركبا
ذا شروط وموانع، وقام دليل اجتهادي أو أصل عملي على تحقق الجزء والشرط أو عدم تحقق
المانع ثم انكشف خلافه، أو قام واحد منهما على نفى جزئية شئ أو شرطيته أو ما نعيته ثم
بان ان الامر بخلافه، فيقال ان الاتيان بمصداق الصلاة مثلا مع ترك ما يعتبر فيها استنادا إلى
امارة أو أصل هل يوجب الاجزاء أولا، و (اما) ما يجرى في اثبات أصل التكليف ونفيه كما إذا
دل دليل على وجوب صلاة الجمعة ثم انكشف خلافه فهو خارج عما نحن فيه ولا معنى
للاجزاء فيه
اما المقام الأول فالتحقيق عدم الاجزاء فيه بناء على الطريقية كما هو الحق
وفاقا لجملة من المحققين (سواء قلنا) بان الطرق التي بأيدينا كلها طرق وامارات عقلائية
وليس للشرع امارة تأسيسية بل لم يرد من الشارع أمر باتباعها، وانما استكشفنا من سكوته
وهو بمرآة رضائه، ومن عدم ردعه امضائه (أم قلنا) بورود أمر منه بالاتباع لكنه بنحو
الارشاد إلى ما هو المجبول والمرتكز في فطرة العقلاء، (أم قلنا) بان الطرق المتعارفة
في الفقه مما أسسها الشارع كلها أو بعضها وصولا إلى الواقع، ولم يكن عند العقلاء منها
عين ولا اثر
146

وتوضيح ذلك اما على الوجهين الأولين فلان المتبع فيهما حكم العقلاء و
كيفية بنائهم، ولا شك ان عملهم لأجل كشفها نوعا عن الواقع مع حفظ نفس الامر على ما
هو عليه من غير تصرف فيه ولا انقلابه عما هو عليه، ومع هذا كيف يمكن الحكم بالاجزاء
مع انكشاف الخلاف و (بالجملة) لا شك ان عملهم بها لأجل كونه مرآة إلى الواقع بلا
تصرف فيه أصلا (فح) المطلوب الذي تعلق به الامر لم يحصل بعد لتخلف الامارة، وما حصل
لم يتعلق به الامر، و (اما) على الوجه الأخير على فرض صحته فلا شك في أن لسان أدلة
حجيتها هو التحفظ على الواقع لا التصرف فيه وقلبه إلى طبق المودى (أضف إلى ذلك) ان معنى
كون شئ امارة ليس الا كونه كاشفا عن الواقع عند المعتبر فلو تصرف مع ذلك فيه، وقلب
الواقع على طبق مؤداه لدى التخلف، لخرجت الامارة عن الا مارية، فلو فرضنا ان للشارع
ايجابا وتأسيسا فليس الا لأجل الكشف عن الواقع المحفوظ في وعائه ومعه لا معنى
للاجزاء
ومن ذلك يظهر ضعف ما ربما يقال: إن لسان دليل الحجية في الامارات والأصول
سواء، وهو وجوب ترتيب الأثر عملا على قول العادل، فمقتضى قوله صدق العادل هو التصديق
العملي واتيان المأمور به على طبق قوله كما سيأتي في الأصول، وهو يقتضى الاجزاء في
كلا المقامين (انتهى)
قلت إن القائل جمع بين أمرين متناقضين، فان القول بالاجزاء في العمل بالامارات
والاعتقاد بان ايجاد العمل على طبقها لأجل الكشف عن الواقع (لا يخلو) من مناقضة،
والعرف والعقلاء شاهدان عليها (فظهر) ان كل ما كان الملاك في التعبد به هو الكشف لا يعقل
فيه الاجزاء ما لم نصر إلى التصرف فيه وانقلاب الواقع عما هو عليه، وهو لا يناسب ملاك
الاعتبار في الامارات، و (ما ذكر) من وحدة اللسان غير تام إذ ايجاب العمل على طبق قول
العادل أو الاخذ بقول الثقة لأجل كونه ثقة وعدلا، يكشف عن أن الملاك كشفها عن الواقع
كما هو الملاك عند العرف والعقلاء، وأين هذا من انقلاب الواقع عما هو عليه
وما افاده بعض الأكابر من الأساطين دام ظله الوارف، من الاجزاء في الامارات عند
التخلف، مع الاعتقاد بان حجية الامارات من باب الطريقية وان الشارع لم يتصرف فيها سوى
الامضاء أو عدم الردع (لا يخلو) من نظر واشكال
147

اما المقام الثاني أعني الامتثال على طبق مؤدى الأصول، فالتحقيق هو الاجزاء
فيها، ولابد في توضيحه من ملاحظة لسان كل واحد مستقلا فان الحكم يختلف باختلاف
اللسان فنقول: اما أصالة الطهارة والحلية، فلادلتهما حكومة على أدلة الشرائط، التي من
تلك الأدلة قوله (ع) لا صلاة الا بطهور، ان استفدنا منه أو من غيره (طهارة الثوب فقوله (ع)
كل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر، محقق للطهور في ظرف الشك
توضيحه ان ظاهر لسانه محكومية المشكوك بالطهارة والنظافة حتى يعلم
قذارته ومعنى محكوميته بها هو جواز ترتيب آثار الطهارة عليه التي من جملتها اتيان
الصلاة معها تعبد أوليس معناه ان الشك في الطهارة والنجاسة طريق إلى الطهارة لعدم
تعقل طريقية الشك (وان شئت قلت)) ان المراد من قوله (ع) نظيف اما الطهارة الواقعية
بجعل مصداق لها أو الطهارة الظاهرية بمعنى معاملة الطهارة الواقعية معها وترتيب آثارها
عليها، لكن لا سبيل إلى الأول لمكان كونها مجعولة في ظرف الشك لبا، وقد جعلت مغياة
بحصول العلم بالنجاسة، وهما من لوازم الظاهرية دون الواقعية، (فح) يتعين الثاني، ويكون
مفاده جواز ترتيب آثار الطهارة على المشكوك فيه لكن بلسان تحققها وان الشاك واجد
لها فيفهم منه عرفا ان الصلاة المشروطة بالطهارة يجوز اتيانها بها في حال الشك بهذه الكيفية
ويكون الماتى به مع هذه الكيفية مصداقا للصلاة المأمور بها وواجدا لما هو شرطها و (بالجملة)
قول الشارع بكون مشكوك الطهارة والنجاسة طاهرا، يوجب توسعة في ناحية الشروط
المستفاد من قوله (صل في الطاهر) مثلا، بحيث ينتقل العرف بعد الحكم بطهارة المشكوك إلى أن
المفروض مصداق لما فرض شرطا وان الشرط في الصلاة أعم مما هو محرز بالوجدان
أو بأصل تعبدي الذي حكم الشارع بقوة تشريعه بكونه مصداقا للطاهر الذي جعله شرطا
للصلاة في قوله صل في الطاهر مثلا و (عليه) فالصلاة في المشكوك المحكوم بالطهارة،
واجدة لما هو الشرط واقعا وحقيقة لا ظاهرا فقط، لأن الظاهر بعد هذه الحكومة ان الشرط
بحسب الواقع أعم، ولا يقبل ما فرض فيه الشرط أعم، الخطاء والتخلف لأنه لم تلحظ فيه
الطريقية
وبذلك يظهر لك ضعف ما ربما يقال من أن هذا انما يصح إذا لم ينكشف الخلاف
والمفروض انكشافه و (ذلك) لان الأصل ليس طريقا إلى الواقع حتى يوافقه تارة، ويخالفه
148

أخرى، فلا يتصور لانكشاف الخلاف ههنا معنى، و (بعبارة أوضح) انه بعد التصرف في
مدلول الشرط في ظرف الشك بجعله أعم من الطهارة الواقعية لا يتصور لانكشاف الخلاف
معنى معقول، لأنه إن كان المراد من انكشافه هو انه بعد حصول العلم بالنجاسة يستكشف
ان ما حكمناه معتضدا بفهم العرف من كون الشرط في الصلاة أعم من الطهارة الواقعية، لم
يكن هذا الحكم صحيحا، فهو ساقط جدا لا يستأهل للجواب، وإن كان المراد منه ان أدلة
النجاسة تقتضي نجاسة المحكوم فيما بعد وفيما قبل، فهو حق لكن لا يضرنا، إذ قاعدة الطهارة
ليست حاكمة على أدلة النجاسات بضرورة الفقه بل على أدلة الشرائط والاجزاء، فاغتنم
فانى به زعيم والله به عليم
وبذلك يظهر الكلام في أصالة الحل فان قوله (ع) كل شئ فيه حلال وحرام
فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه، حاكم على ما دل على عدم جواز الصلاة في محرم
الاكل، ومعنى الحكومة على أدلة الشروط هنا، هو ان العرف بعد ما فهم ان المشكوك
محكوم بالحلية تكليفا ووضعا، ينتقل لا محالة إلى أن الوظيفة في هذا الحال اتيان الصلاة
بهذه الكيفية، وان الشرط بعد هذا الحكم أعم من الحلية الواقعية والظاهرية فيكون
الماتى به كذلك مصداقا للمأمور به حقيقة بعناية التعبد، ومعه لا يعقل بقاء الامر المتعلق
بطبيعة الصلاة، و (حديث كشف الخلاف) قد عرفت جوابه
ثم إن بعض الأعاظم رحمه الله اورد على الحكومة اشكالات (منها) ان ذلك انما يتم
ما دام المكلف شاكا وبعد ارتفاع شكه لا معنى لاجزائه لارتفاع ما كان عذرا له، و (فيه) ان
الحكم بطهارة المحكوم ليس عذريا حتى يرتفع بارتفاع عذره، بل على فرض حكومته
لأدلة الشروط حكم حقيقي صادر لأجل توسيع الامر على المكلفين وافهام ان المطلوب
منها هو الأعم لا الطهارة الواقعية فقط و (منها) ان وجود الحكم الظاهري لابد وأن يكون
مفروغا عنه حين الحكم بعموم الشرط للواقعي والظاهري، ومن الواضح ان المتكفل
لاثبات الحكم الظاهري ليس الا نفس دليل القاعدة فكيف يمكن أن يكون هو المتكفل
لأعمية الشرط و (فيه) ان الحكومة لم يرد فيها نص حتى نتحرى في مغزاها، بل هي من خصوصيات
لسان الدليل يفهمها أهل المحاورة، فلو قال الشارع المشكوك طاهر يرى العرف المتوجه
إلى أحكام الشريعة ونسكها وشروطها، حكومة هذا الدليل وتقدمه على أدلة الشروط
149

التي منها قوله مثلا صل في الطاهر، ولا يلزم فيها التصريح بان الشرط أعم من الواقعي والظاهري
كما لا يخفى
ومنها ان الحكومة وإن كانت مسلمة الا انها لا تستلزم تعميم الشرط لكونها على
قسمين (قسم) لا يكون الشك في المحكوم مأخوذا في لسان الحاكم كما في قوله لا شك
لكثير الشك بالنسبة إلى أدلة الشكوك، ويكون معمما ومخصصا ويسمى حكومة واقعية
و (قسم) يكون الشك في المحكوم مأخوذا فيه فلا محالة يكون متأخرا عنه لاخذ الشك
في موضوعه فيستحيل كونه معمما أو مخصصا بل يكون حكومة ظاهرية يترتيب عليه الأثر
ما دام شاكا، و (فيه) مضافا إلى أن الحكم يكون ظاهريا أو واقعيا لا الحكومة، والى ان
ادعاء الاستحالة في العلوم الاعتبارية (مثل علم الأصول ونحوه) التي الا يخرج من محيط
الاعتبار (لا يخلو من غرابة) عند أهله -، يرد عليه ان ما ذكره على فرض صحته انما يتم لو كان
حاكما على أدلة نجاسة الأشياء وطهارتها إذا قلنا بقبولهما الجعل فيكون الشك متأخرا
عن أدلتهما، وليس كذلك وانما هو حاكم على دليل الشرط أعني قوله (صل في الطاهر) مثلا
وهما في رتبة واحدة (والحاصل) ان القائل بالاجزاء لا يدعى ان أصالة الطهارة مثلا حاكمة
على أدلة النجاسات وانها في زمان الشك طاهرة، بل يقول إنها محفوظة في واقعيتها وان
ملاقيها نجس حتى في زمان الشك، لكن بدعى حكومتها على الدليل الذي دل على طهارة ثوب
المصلى وانه لابد أن يكون طاهرا، وخلاصة حكومتها ان ما هو نجس واقعا يجوز ترتيب آثار
الطهارة عليه في ظرف الشك، ومن تلك الآثار اتيان الصلاة المشروطة بها لكن بلسان تحقق
الطهارة، ولازمه تحقق مصداق المأمور به لأجل حكومتها على أدلة الشرائط والموانع
فراجع وجدانك ترى الحق ظاهرا
ومن ذلك يظهر ضعف ما افاده في رابع الوجوه من أن الحكومة لو كانت واقعية
فلابد من ترتيب جميع آثار الواقع لا خصوص الشرطية وان لا يحكم بنجاسة الملاقى
لما هو محكوم بالطهارة ظاهر أو لو انكشف نجاسته بعد ذلك (انتهى) ان الخلط بين المقامين
أوقع المستشكل فيما أوقعه، وقد عرفت ان الحكومة بين القاعدة ودليل شرطية طهارة
لباس المصلي وبدنه لا بينها وبين أدلة النجاسات، إذا الحكومة عليها باطلة بضرورة الفقه
لا ينبغي للفقيه ان يتفوه بها أو يحتملها
150

ولكن أين هذ من الحكومة على أدلة الشروط و (ح) يصير نتيجتها توسيع الامر
من الشارع في كيفية أداء العبادة، ولا يأبى تلك الحكومة شئ لا ضرورة الفقه ولا فهم العرف
وأنت إذا كنت ذا تفحص في الفقه ومأثر الفقهاء تجد أن الأكابر من القدماء كلهم قائلون
بالاجزاء في الاحكام الظاهرية، امارة كان أو أصلا تعبديا
واما البراءة الشرعية فلما كان الظاهر من قوله صلى الله عليه وآله رفع عن أمتي تسعة الخ هو
رفع الحكم في الشبهات الحكمية حقيقة، واختصاصه بالعالمين، ولما كان ذلك مستلزما
للتصويب الباطل، (حمل) لا محالة على رفعه ظاهرا بعد ثبوته واقعا، و (وجه الرفع) هو
الامتنان للأمة وتوسيع الامر عليهم (فح) إذا شك في جزئية شئ أو شرطيته أو مانعيته،
أو شك في كون شئ مانعا من جهة الشبهة الموضوعية فمقتضى حديث الرفع هو مرفوعية
المشكوك ظاهرا، وجواز ترتيب آثار الرفع عليه كذلك، ومن الآثار اتيان العبادة على
مقتضى الرفع في مقام الفراغ عن عهدتها فيكون رخصة في ترك المشكوك واتيانها مع
الأجزاء الباقية
وان شئت قلت إن الامر قد تعلق بعنوان الصلاة الصادق على فاقد الجزء و
واجده، وحديث الرفع ناظر إلى العنوان الذي قيد لبا، ولكن نظره ليس نظر وضع بل
نظر رفع بمعنى ان العنوان الذي تعلق به الامر يجوز اتيانها بلا هذا الشرط أو هذا الجزء أو
غير ذلك، ويكون العبد ذا حجة في امتثاله وتركه ولا معنى (ح) للإعادة والقضاء، لان
عنوان الصلاة منطبق عليه، وترك القيد نشاء من اذنه واشارته إلى كيفية امتثال امرها في
ظرف الشك، (فإذا) ورد قوله سبحانه (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل)، وفرضنا
ان السنة دلت على اعتبار اجزاء وشرائط، ثم حكم الشارع امتنانا برفع ما لا يعلمون من
الاجزاء والشرائط، (يفهم) العرف ان كيفية إطاعة الامر في حال الشك في وجوب السورة
مثلا، هو اتيانها بلا سورة، وفى حال الشك في مانعية شئ، جواز اتيانها معه، فإذا امتثله
كذلك فقد امتثل قوله سبحانه (أقم الصلاة) بحكومة أدلة الرفع على أدلة الجزء والشرط
والمانع
واما الاستصحاب فمفاده متحد مع ما مر من قاعدتي الحل والطهارة من
151

حكومته على أدلة الشرائط والموانع قائلا بان الشاك بعد اليقين يبنى عليه. فهو متطهر في
هذا الحال، وليس له ان يرفع اليد عن يقينه ابدا، و (بعبارة أخرى) ان الظاهر من دليله هو
البناء العملي على بقاء المتيقن في زمان الشك أو البناء العملي على وجوب ترتيب آثاره
وإن كانت الآثار ثابتة بالأدلة الاجتهادية، و (الاستصحاب) محرز موضوعها تعبدا،
لأن استصحاب عدالة زيد لا يثبت عد ابقاء عدالته، واما جواز الطلاق عنده، وإقامة الصلاة
خلفه، فلا يثبت بدليل الاستصحاب بل بالكبريات الكلية الأولية التي هي المجعولات الأولية
فيكون دليله حاكما على الأدلة فيفيد الاجزاء كما مر
واما قاعدة التجاوز والفراغ
ففد أشبعنا فيها الكلام وحققناها بمالا مزيد عليه في مباحث الوضوء وخاتمة الاستصحاب
و (أثبتنا) ان مفاد الاخبار هو جعل قاعدة واحدة هي قاعدة التجاوز لا قاعدتين، وان ما
قيل أو يمكن ان يقال في اثبات كونهما قاعدتين غير مقبول أصلا (واما البحث عن اجزائه) فان ثبت
كونه طريقا عقلائيا إلى وجود الشئ الذي شك في اتيانه في محله، أو ثبت كونه أصلا عقلائيا
بالبناء على تحقق الشئ عند مضى محله (فلابد) من تنزيل أدلتها على ما هو المرتكز
عندهم، لصلاحيتها للقرينية على المراد من الاخبار، والذي (يسهل الخطب) هو عدم وجود
تلك المزعمة عند العقلاء، لا بنحو الطريقية كما هو واضح، ولا بنحو التعبدية أيضا، و
يتضح ذلك إذا راجعت سيرتهم في مهام الأمور، وفي تركيب المعاجن وتأسيس الأبنية،
فلا أقل من عدم احراز بنائهم على عدم الاعتبار، (فاذن) لابد في فهم المراد من التفحص
في لسان الروايات، فنقول ربما يتوهم ظهور بعضها في الا مارية كما في قوله (ع) هو حين
يتوضأ أذكر منه حين يشك قائلا بأنه من باب إقامة العلة مقام المعلول، والمراد ان الذاكر
مما له جهة الذكر يأتيه في محله البتة
قلت وفيه مضافا إلى أن مدعى الطريقية لابد وان يدعى ان الظن النوعي بالاتيان
لأجل الغلبة، جعل طريقا إلى الواقع، والحال، ان الرواية لا يتعرض لحاله وكون الذاكر
طريقا لا معنى له، ومضافا إلى أنه يحتمل أن يكون واردا لأجل نكتة التشريع كما هو غير
بعيد - يرد عليه انه لو سلمنا انه من باب إقامة العلة مقام المعلول، و (لكن) المعلول كما يحتمل
أن يكون ما ذكره من أنه اتى به في محله لا ذكريته كذا يحتمل أن يكون المعلول انه يبنى
152

على وجوده أو فليمض أوشكه ليس بشئ أو غير ذلك مما يناسب كونه أصلا محرزا أو أصلا
مطلقا، وإن كان كونه أصلا محرزا حيثيا، غير بعيد، لأنه مقتضى قوله (ع) (بلى قد ركعت) وغير
ذلك من الشواهد التي تؤيد كونه أصلا محرزا حيثيا، (فح) ان البناء التعبدي على وجود
المشكوك فيه كما يستفاد من صحيحة حماد وموثقة عبد الرحمن، أو الامر بالمضي وعدم
الاعتناء بالشك، - كل ذلك - يساوق معنى جواز اتيان المأمور به بهذه الكيفية أو لزوم اتيانه
كذلك، فيصير الماتى به مصداقا للمأمور به، ويصدق عليه عنوان الصلاة ولازمة سقوطه امره
ولا نعنى من اجزاء الا هذا
فتلخص ان مقتضى التحقيق عدم الاجزاء في الامارات والاجزاء في الأصول و
(اما) حال تبديل رأى المجتهد بالنسبة إلى أعماله واعمال مقلديه فقد أسهبنا فيه الكلام
في بحث الاجتهاد والتقليد (فارتقب حتى حين)
في مقدمة الواجب
فصل وقبل الخوض في المقصود ينبغي تقديم أمور
الأول: التحقيق ان ما يمكن أن يكون محط البحث فيها أحد أمرين (الأول) في
تحقق الملازمة بين وجوب ذي المقدمة أو الإرادة المتعلقة به وبين وجوب عنوان ما يتوقف
عليه أو الإرادة المتعلقة به ولو على الاجمال، ولكن هذا انما يصح بناء على كون عنوان
المقدمية أو التوقف حيثية تقييدية كما هو المنصور المختار، لا تعليلية حتى يتعلق الوجوب
أو الإرادة بما هو بالحمل الشايع كذلك (الثاني) ان يقع النزاع في تحقق الملازمة بين
الإرادة المتعلقة بذى المقدمة وبين إرادة ما يراه المولى مقدمة وقس عليهما الملازمة بين
وجوبه ووجوب ما يراه مقدمة، (لا الملازمة) بين إرادة ذي المقدمة مع إرادة المقدمة
الواقعية، ويتضح ذلك بعد تصور اراده الفاعل وكيفية تعلقها بالمقدمة وذيها
فنقول لا اشكال في أن الإرادة من الفاعل انما تتعلق بشئ بعد تصوره والاذعان
بفائدته وغير ذلك من مبادئ الإرادة سواء في ذلك الإرادة المتعلقة بذى المقدمة ومقدمته
ولا يلزم أن يكون الشئ، موافقا لغرضه بحسب الواقع، لان ما يتوقف عليه تحقق الإرادة،
هو تشخيص الفاعل ان فيه صلاحه وانه موافق لغرضه ولو كان جهلا مركبا (ثم) انه قد تتعلق الإرادة
153

بشئ لأجل نفسه والعلم بوجود صلاح فيه لا لكونه مقدمة لشئ آخر وقد تتعلق به لأجل
غيره وتوقف الغير عليه (وما ذكرنا) من الميزان من أنه هو تشخيص الصلاح لا الصلاح الواقعي
جار في هذا القسم أيضا فتتعلق بعد تصور المقدمة والتصديق بكونها مقدمة لمراده النفسي
بما يراه مقدمة، وربما يكون ما أدركه مقدمة، جهلا محضا، وبه يتضح انه لا يعقل تعلقها
بما هو في نفس الامر مقدمة غافلا عن تصوره ضرورة امتناع تعلقها بالواقع المجهول عنده
فالملازمة في الإرادة الفاعلية دائما انما يكون بين إرادة ذي المقدمة وإرادة ما يراه مقدمة
هذا حال الإرادة التكوينية من الفاعل، و (منها) يظهر حال الإرادة التشريعية
فلا يمكن تعلقها بما هو مقدمة بحسب نفس الامر بلا تحقق المبادى المتوقف عليها الإرادة
فلابد من تصويره بأحد الوجهين المتقدمين و (من ذلك) يظهر بطلان جعل النزاع في تحقق
الملازمة بين إرادة ذي المقدمة ومقدمته الواقعية، ضرورة عدم امكان تعلق الإرادة بها،
وعدم امكان الملازمة الفعلية بين الإرادة الموجودة والمعدومة لان ذلك مقتضى القول
بان الملازمة بين إرادة وإرادة المقدمة الواقعية، وان لم يقف عليها المولى ولم يشخصها
(فح) يمتنع تعلق الإرادة بالمجهول، ولا يبقى من المتلازمين سوى الإرادة المتعلقة بذيلها
و (هذا) معنى الملازمة بين الموجود والمعدوم (وأيضا) لا يمكن تحقق الملازمة الفعلية
بين الإرادة المتعلقة بذى المقدمة وبين الإرادة التقديرية لعدم امكان اتصاف المعدوم بصفة
وجودية التي هي الملازمة الا ان يرجع إلى ما ذكرنا ودعوى الملازمة بين الإرادة الفعلية
لذي المقدمة مع قوة إرادة مقدمته إذا التفت، (رجوع) إلى انكار وجوب المقدمة لان معنى
وجوبه إذا التفت هو ان المولى لو التفت إلى أن له مقدمة، وان هذا مقدمته، لاراده، ولكنه
ربما لا يلتفت إلى شئ مما ذكره ولا ينقدح الإرادة، (على) انه يرد عليه أيضا، ما قدمناه من
عدم امكان الملازمة الفعلية بين الموجود والمعدوم والتشبث ببعض الامثله العرفية
لتصحيح هذه الملازمة الممتنعة بالبرهان، لا يفيد شيئا
(فان قلت) ما ذكرت أيضا لا يخلو من اشكال لأنه يستلزم عدم وجوب المقدمات
الواقعية إذا لم يدركه المولى فلا تتعلق به الإرادة الفعلية، فتنحصر وجوبها فيما رآه المولى
مقدمة (قلت) لا نسلم صحة ما ذكرت بل إذا وقف المأمور على تخلف إرادة الامر عن الواقع
لسوء تشخيصه، لا يجوز اتباع ارادته، بل يجب تحصيل غرضه بعد العلم به وان لم يتعلق
154

به الإرادة أو البعث (أضف إليه) انه لو سلم ما زعمت فالامر في الأوامر الشرعية سهل لان
ماراه الشارع مقدمة يساوق ما هو مقدمة بالحمل الشايع واقعا لامتناع تخلف علمه عن الواقع
(وليعلم) ان التعبير بتبعية إرادة المقدمة لإرادة ذيها كما في كلمات بعضهم ربما (يوهم)
تولد إرادة ونشوها من أخرى، ولا يخفى انه بظاهره من أفحش الأغلاط، إذ كل إرادة توجد
بتحقق مباديها وعللها، وإن كانت الغاية منها تحصيل ذيها لانفسها، ومع ذلك لا تصير الإرادة
مبدءا لإرادة أخرى وبذلك يتضح ان معنى الملازمة هنا ليس كون إحديهما لازمة لاخرى
بل معناها ان كل واحدة منهما تتحقق بمباديها وان الغاية من تعلقها بالمقدمة تحصيلها
لأجل الغير (وبالجملة) ان الملازمة المدعاة هنا غير الملازمات واللوازم والملزومات العقلية
الاصطلاحية، مما يكون الملزوم علة اللازم إذا كان لازم الوجود، أو يكون المتلازمان
معلولين لعلة واحدة، ضرورة ان إرادة المقدمة ووجوبها ليست لازمة لإرادة ذيها ووجوب
ذيها بالمعنى المزبور، بل إرادة كل، تحتاج إلى مبادئ من التصور والتصديق وغير ذلك، و
كذلك الوجوب والايجاب في كلا المقامين
الثاني لاشك ان المسألة عقلية محضة إذا فرضنا ان النزاع في وجود الملازمة و
عدمه، إذ الحاكم عليها هو العقل ولا دخل للفظ فيها، و (دعوى) كون النزاع في الدلالة
الالتزامية وهى مع كونها عقلية، تعد من الدلالات اللفظية (مردودة) اما (أولا) فلان عد الدلالة
الالتزامية من الدلالات اللفظية غير صحيح لأنها عبارة عن انتقال النفس من تصور الملزوم
الموضوع له إلى تصور لازمه بملازمة عقلية أو عرفية، وليس للفظه دخالة في هذا الانتقال
سوى ان الانتقال إلى الملزوم بسبب اللفظ، وهو لا يوجب ان يعد ما هو من لوازم معناه من
مداليل نفس اللفظ إذ حكاية اللفظ تابعة لمقدار الوضع وسعته، وهو لم يوضع الا لنفس
الملزوم، فكيف يدل على ما هو خارج عن معناه، (نعم) للعقل ان ينتقل عن مدلوله إلى
لوازمه بلا مؤنة شئ؟ فظهر ان الالتزام عبارة عن دلالة المعنى على المعنى، ولهذا لو حصل
المعنى في الذهن بأي نحو، حصل لازمه فيه، و (ثانيا) ان الفارق موجود بين المقام
وبين الدلالة الالتزامية، لان اللازم في الدلالة الالتزامية لازم لنفس المعنى المطابقي
بحيث لو دل اللفظ عليه دل عليه ولو بوسائط، (لكن) الانتقال إلى إرادة المقدمة غير حاصل
من المعنى المطابقي للفظ الامر، أعني البعث نحو المطلوب حتى يصير من لوازم المعنى
155

الموضوع له، بل (الدال) عليه هنا هو صدور الفعل الاختياري من المولى أعني البعث باللفظ
فإنه كاشف بالأصل العقلائي عن تعلق الإرادة بهذا البعث، ثم ينتقل ببركة مرادية البعث
إلى أن مقدماته مرادة أيضا، فأين الانتقال من المعنى الموضوع له، إذ مبدء الانتقال إلى
إرادة الواجب ثم إلى إرادة مقدماته انما هو نفس صدور الفعل الاختياري لا مفاد الامر
ومعناه (فظهر) ان صدور البعث اللفظي المتعلق بشئ كاشف عن كون فاعله مريد إياه
لأجل كونه متكلما مختارا ثم ينتقل إلى إرادة مقدماته، وأين هذا من الدلالة الالتزامية،
و (الحاصل) ان إرادة المقدمة ليست من لوازم المعنى المطابقي لنفس اللفظ أعني البعث
الاعتباري بل من لوازم إرادة مدلول الامر جدا، والكاشف عنها هو نفس صدور أمر اختياري
من العاقل الذي تطابق العقلاء فيه على أن كل فعل اختياري صادر عنه لابد أن يكون لأجل
كونه مرادا لفاعله والا يلزم كونه لغوا، فهو بحكم العقلاء مراد فينتقل إلى إرادة ما يتوقف
عليه ومراديته و (ثالثا) ان هذا اللزوم ليس عرفيا ولا ذهنيا بل ثبوته يتوقف على براهين
صناعية دقيقة و (رابعا) ان هذا اللزوم ليس على حذو اللزومات المصطلحة كما مر الايعاز
إليه فتدبر
واما كونها مسألة أصولية، فلا شك انها كذلك لما وقفت في مقدمة الكتاب لا على ميزانها
من أنها عبارة عن (القواعد الالية التي يمكن ان تقع كبرى لاستنتاج الحكم الفرعي الإلهي
أو الوظيفة العملية) فح لو ثبت وجود الملازمة يستكشف منها وجوب مقدمات الصلاة
وغيرها، لان البحث عن وجود الملازمة ليس لأجل الاطلاع على حقيقة من الحقايق حتى
يصير البحث فلسفيا بل لأنها مما ينظر بها إلى مسائل وفروع هي المنظور فيها، ولا نعنى من
الأصولية غير هذا
وما عن بعض الأكابر (أدام الله اظلاله) من أن المسألة من مبادئ الاحكام وإن كان
البحث عن وجود الملازمة، لان موضوع الأصول هو الحجة في الفقه، والشئ انما يكون مسألة
أصولية إذا كان البحث فيها بحثا عن عوارض موضوع علمه، ولكن البحث عن وجود الملازمات
ليس بحثا عن عوارض الحجة في الفقه بخلاف البحث عن حجية الخبر الواحد وغيره
(غير تام) لما تقدم من بطلان وجوب وجود موضوع في العلوم حتى الفقه وأصوله والفلسفة
كما أنه لا يحتاج أن يكون البحث عن العوارض الذاتية بأي معنى فسرت على أنه لو سلمنا
156

لزوم وجود الموضوع في العلوم، وان موضوع علم الأصول هو (الحجة في الفقه)، يمكن
ان يقال إن البحث عن وجوب المقدمة، بحث عن عوارض ذاك الموضوع، لا بما انه عرض
خارجي، بل بما انه عرض تحليلي وبذلك ينسلك أكثر ما يبحث عنه في هذا العلم في عداد مسائله
وأوضحناه بما لا مزيد عليه في مبحث حجية اخبار الآحاد (1)

(1) إشارة إلى ما ذكره (دام ظله) في الدورة السابقة في ذلك المبحث وملخص ما افاده هناك
هو ان الاعراض الذاتية التي يبحث في العلم عنها أعم من الاعراض الخارجية والاعراض
التحليلية الا ترى ان موضوع علم الفلسفة هو الوجود أو الموجود بما هو موجود ومباحثه
هي تعيناته التي هي المهيات وليس نسبة المهيات إلى الوجود نسبة العرض الخارجي إلى
الموضوع بل العرضية والمعروضية انما هي لأجل تحليل من العقل فان المهيات بحسب الواقع
تعينات الوجود ومتحدات معه ومن عوارضها التحليلية فان قيل الوجود عارض المهية ذهنا
صحيح، وان قيل الماهية عارض الوجود فإنها تعينه، صحيح
إذا عرفت ذلك فاعلم أن موضوع علم الأصول هو الحجة في الفقه فان الفقيه لما رأى
احتياجه في الفقه إلى الحجة توجه إليها وجعلها وجهة نفسه وتفحص عن تعيناتها التي هي الاعراض
الذاتية التحليلية لها المصطلحة في باب الكليات الخمس فالحجة بما هي حجة موضوع بحثه
وعلمه وتعيناتها التي هي الخير الواحد والظواهر والاستصحاب وساير المسائل الأصولية
من العوارض الذاتية لها بالمعنى الذي ذكرنا فعلى هذا يكون البحث عن حجية الخبر الواحد
وغيره بحثا عن العرض الذاتي التحليلي للحجة ويكون روح المسألة ان الحجة هل هي متعينه
بتعين الخبر الواحد أولا وبالجملة بعد ما علم الأصولي ان الله تعالى حجة على عبادة في الفقه يتفحص
عن تعيناتها التي هي العوارض التحليلية لها فالموضوع هو الحجة بنعت اللا بشرطية و
المحمولات هي تعيناتها واما انعقاد البحث في الكتب الأصولية بان الخبر الواحد حجة أو
الظاهر حجة وأمثال ذلك فهو بحث صوري ظاهري لسهولته كالبحث في الفلسفة بان النفس
أو العقل موجود مع أن موضوعهما هو الوجود وروح البحث فيها ان الوجود متعين بتعين العقل
أو النفس أو الجوهر أو العرض هذا مع أنه لو كان البحث في حجية الخبر الواحد هو بهذه
الصورة فأول ما يرد على الأصوليين ان الحجة لها سمة المحمولية لا الموضوعية كما أن هذا
الاشكال يرد على الفلاسفة أيضا ونسبة الغفلة والذهول إلى أئمة الفن والفحول غفلة وذهول
بل لنا ان نقول إن الموضوع في قولهم موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية ليس
هو الموضوع المصطلح في مقابل المحمول بل المراد ما وضع لينظر في عوارضه وحالاته
وما هو محط نظر صاحب العلم ولا اشكال في أن محط نظر الأصولي هو الفحص عن الحجة
في الفقه ووجد ان مصاديقها العرضية وعوارضها التحليلية فالمنظور إليه هو الحجة لا الخبر
الواحد فافهم واغتنم
ان قلت هب ان البحث عن الحجية في مسائل حجية الظواهر والخبر الواحد والاستصحاب
وأمثالها مما يبحث عن حجيتها يرجع إلى ما ذكرت ولكن أكثر المسائل الأصولية لم يكن
البحث فيها عن الحجية أصلا مثل مسألة اجتماع الامر والنهى ووجوب مقدمة الواجب
ومسائل البراءة والاشتغال وغيرها مما لا اسم عن الحجية فيها (قلت) كلا فان المراد من كون
موضوع علم الأصول هو الحجة هو ان الأصولي يتفحص مما يمكن ان يحتج في الفقه سواء
كان الاحتجاج لاثبات حكم أو نفيه كحجية خبر الثقة والاستصحاب أو لاثبات العذر أو قطعه
كمسائل البراءة والاشتغال (والتفصيل) ان المسائل الأصولية اما أن تكون من القواعد الشرعية
التي تقع في طريق الاستنباط كمسألة حجية الاستصحاب وحجية الخبر الواحد بناء على ثبوت
حجيته بالتعبد واما أن تكون من القواعد العقلائية كحجية الظواهر والخبر الواحد بناءا على ثبوت
حجيته ببناء العقلاء واما من القواعد العقلية التي تثبت بها الأحكام الشرعية كمسائل اجتماع.
الامر والنهى ومقدمه الواجب وحرمة الضد من العقليات واما من القواعد العقلية لاثبات العذر
وقطعه كمسائل البراءة والاشتغال وكل ذلك ما يحتج به الفقيه اما لاثبات الحكم ونفيه عقلا أو
تعبدا أو لفهم التكليف الظاهري وليس مسألة من المسائل الأصولية الا ويحتج بها في الفقه
ينحو من الاحتجاج فيصدق عليها انها هو الحجة في الفقه
157

الثالث للمقدمة تقسيمات (منها) تقسيمه إلى الداخلية والخارجية ويظهر من
المحقق (صاحب الحاشية) خروج الأولى من حريم النزاع (بتقريب) ان الاجزاء بالأسر
عين المركب في الخارج فلا معنى للتوقف حتى يترشح الوجوب مع أنه يستلزم اجتماع
المثلين وهو محال، و (ربما) يقال إن المقدمة هي الاجزاء لا بشرط والواجب هي الاجزاء
بشرط الاجتماع فتحصل المغايرة الاعتبارية (ولا يخفى) ما فيه من التكلف، والذي يقتضيه
الذوق العرفي ويساعده البرهان ان المقدمة انما هو كل واحد واحد مستقلا لا الاجزاء
158

بالاسرء حتى يصير المقدمة عين ذيها، و (بعبارة أخرى) ليس هنا مقدمة واحدة وهو الامر
الوحداني من الاجزاء بل هنا مقدمات وكل جزء مقدمة، برأسها وفي كل واحد ملاك الغيرية، والجزء
يغاير الكل الاعتباري في وعاء الاعتبار
وتوضيح المقام يتوقف على بيان كيفية الإرادة الفاعلية كي يعلم منه
حال الإرادة الامرية، (فنقول) تعلق الإرادة بشئ اما لأجل ادراك مصلحة فيه نفسه فيطلبه
بذاته، واما لأجل كونه مما يتوصل به إلى ما فيه المصلحة (ثم) انه ربما تتعلق الإرادة بالواحد
البسيط واخرى بالمركب والأول خارج من المقام و (الثاني) على قسمين: قسم يكون
تركيبه تركيبا حقيقيا لتألفه مما هو شئ بالقوة أعني المادة، ومما هو شئ بالفعل أعني
صورته وفصله: وقسم يكون تركيبه تركيبا صناعيا، وهو المؤلف من اجزاء ملتئمة ومجتمعة
على ما يقتضيه الأصول الفنية لا كالتئام اللا متحصل بالمتحصل حتى يحصل الفناء والاندكاك
بل لها بعد التركيب أيضا فعلية، الا ان الفاعل الفني قد الصق بعضها بعضا بحيث قد حصل له
نحو وحدة وتركيب مع قطع النظر عن اعتبار المعتبر كالمعاجين والسيارة والبيت والمسجد)
(وقسم ثالث) يكون التأليف اعتباريا، مثل اجتماع الأمور المتغايرة التي اعتبرت أمرا جمليا
وواحدا اعتباريا ومنه الفوج والعسكر والمهيات الاختراعية كالصلاة والحج فان الوحدة
في هؤلاء ليست الا بحسب الجعل والاعتبار ومع قطع النظر عن الاعتبار فهي وحدات
عديدة مستقله و (هناك وحدات أخرى قد قررت في محله)
ثم إن ما هو المنظور من التقسيم انما هو القسمان الأخيران، فنقول ان الغرض (قد
يكون) قائما بوجود كل واحد من الافراد وإن كان بينهما وحدة وارتباط كدفع الملالة الحاصل
من لقاء الأصدقاء إذ هو يحصل بلقاء كل واحد منهم مستقلا: فعند تصور كل واحد يريد لقائه
بإرادة مستقلة، و (قد يكون) قائما بالمجتمع لا بالافراد كمن يريد فتح عاصمة أو هزم جند
الخصم فإنه لا يحصل الا بالمئات المؤلفة والوفود المجتمعة من انصاره وعساكره (فح) كل
واحد منها غير مراد ولا يحصل به الغرض، وانما المراد والمحصل له هو الفوج فيتصوره و
يشتاقه ويريد احضاره ففي هذا التصور تكون الآحاد مندكة في الفوج ولا يكون كل واحد
مشتاقا إليه ولا متعلقا بالإرادة النفسية، لعدم قيامه بفرد فرد مستقلا حتى يتوجه إليه الاشتياق
والإرادة النفسية (نعم) بعد ما أراد احضار الفوج ثم أدرك ان وجود الفوج يتوقف على وجود
159

كل واحد واحد، لاجرم يقع كل واحد في أفق النفس مورد التصور ويتعلق به الإرادة لأجل
غيره لا لأجل نفسه، فيريد كل فرد فرد مستقلا لأجل المقصود الأسنى و (عليه) ففي الفوج
المؤلف ملاك الإرادة النفسية لا الغيرية، وفي كل واحد ملاك الإرادة الغيرية لا النفسية
(فهناك) إرادة نفسية واحدة، وملاك إرادات غيرية بحسب الافراد فيتعلق الإرادة
الفاعلية
فان قلت إن هنا شيئا ثالثا وهو غير الفوج الذي فيه ملاك النفسية، وغير كل فرد فرد
الذي فيه ملاك الغيرية، بل عبارة عن تالف هذا مع الاخر أعني اثنين اثنين أو ثلثة
ثلثة من الافراد (فهل) فيه ملاك الإرادة أولا (قلت) قد عرفت ما هو الملاك للإرادة في
صدر البحث، وما ذكر ليس فيه ملاك النفسية كما هو واضح، ولا الغيرية لعدم توقف العسكر
عليهما زائدا على توقفه على الآحاد (والحاصل) ان زيدا موقوفا عليه بنفسه وعمروا موقوفا عليه
رأسا بالضرورة لكن زيدا وعمرو الا يكونان موقوفين عليهما مقابل زيد منفردا وعمرو مستقلا
وقس عليه المركبات الصناعية أعني ما له وحدة خارجية في نظر أهل الفن وغيرهم،
فإذا كان الغرض قائما بمركب صناعي كالبيت فيخطر بباله ايجاده واحداثه فإذا وقف على
توقف البيت على الاحجار والأخشاب فلا محالة يدرك فيهما ملاك الغيرية، فيريد كل واحد
لأجل تحصيل الغير، ففي المصنوع ملاك النفسية، وفي كل واحد ملاك الغيرية (هذا كله)
حال الإرادة الفاعلية. ويستوضح منها حال الامرية، فيقال ان الإرادة الامرية المتعلقة بماله
وحدة صناعية أو اعتبارية، فهل هي ملازمة لإرادة ماراه مقدمة من غير فرق بين الداخلية
والخارجية، و (توهم) ان ما هي المقدمة هي عين ما تعلقت به النفسية فكيف تتوارد الإرادتان
على أمر واحد (مدفوع) بان ما هي المقدمة بالحمل الشايع ليس نفس الاجزاء مجتمعة
إذ هو مصداق لذيها بل كل جزء جزء مما أدرك المولى انه موقوف عليه، والخلط انما هو
لأجل تخيل ان المقدمة هي الاجزاء بالأسر، مع أنك قد عرفت ان هنا مقدمات لا مقدمة
واحدة
ثم إن ما ذكرنا هنا لا ينافي مع ما أشرنا إليه سابقا من أن الداعي إلى اتيان الاجزاء
عين الإرادة المتعلقة بالكل، ولا تحتاج إلى إرادة أخرى (لان) الغرض هنا بيان امكان تعدد
الإرادة بتعدد متعلقهما ودفع ما يتوهم كونه سببا للاستحالة
160

(وهم ودفع)
اما الأول: فربما يظهر عن بعض الأعاظم في بيان عدم وجوب الداخلية من الاجزاء
ما (ملخصه) ان الوحدة الاعتبارية يمكن أن تكون في الرتبة السابقة على الامر بان يعتبر
عدة أمور متبائنة، شيئا واحدا بلحاظ تحصيلها غرضا واحدا فيوجه امره إليه، ويمكن أن تكون
في المرتبة اللاحقة بحيث تنزع الوحدة من الامر بلحاظ تعلقه بعدة أمور، فيكون
تعلقه عليها منشأ لانتزاع الوحدة عنها الملازمة لاتصافها بعنواني الكل والجزء (فح)
فالوحدة بالمعنى الثاني لا يعقل أن يكون سببا لترشح الوجوب من الكل إلى الجزء بملاك
المقدمية، لان الكلية والجزئية ناشئة من الامر على الفرض فتكون المقدمية في رتبة متأخرة
عن تعلقه بالكل ومعه لا يعقل ترشحه إلى ما لا يكون مقدمة في رتبة سابقة على الامر (انتهى)
واما الثاني: فلان تقسيم الوحدة على قسمين قسم يتقدم على الامر وقسم
يتأخر عنه لاوجه له فيما نحن بصدده، بل هي متقدمة على الامر مطلقا (توضيحه) ان المراد
من لزوم اعتبار الوحدة في المتعلق ما هو وحدة بالحمل الشايع أعني الوحدة غير الملحوظة
بالاستقلال المندكة في الاجزاء بحيث تجعل الآحاد مغفولا عنها أو كالمغفول عنها لا ما هي
وحدة بالحمل الأولى (فح) وحدة الأمر كاشفة عن وحدة المتعلق ولو اعتبارا إذ مع تكثره
في حد كونه متعلقا لا يعقل تعلق الإرادة الواحدة على المتشتتات المتفرقة التي لا ترتبط
بعضها ببعض بل لابد قبل انشاء الامر من تصور هذه المتكثرات بنعت الجمع والوحدة ولو
على نحو الاجمال والارتكاز حتى يوجه امره نحوه، فالوحدة مطلقا متقدمة على الامر
وبعبارة أوضح: تعلق الامر بشئ انما هو لأجل كونه محصلا للغرض وهو
في البسائط نفس ذاته الواحد البحت وفي المركبات هو المجموع بوصف الاجتماع ولو لم
يعتبره المعتبر كفوج من العسكر لفتح الأمصار، فان الغرض لا يتعلق بواحد واحد بل الفاتح
هو المجتمع من الافراد فلو كان الغرض قائما بفرد من الافراد فلا يعقل تعلقه بالمجموع و
لو كان من قبيل الثاني فلا يتصور تعلقه بكل واحد لعدم قيامه بالغرض (فح) على المفروض
من قيام للغرض بالمجموع ليس هنا لا أمر واحد نفسي متعلق بالمجموع، فإذا لاحظ محصل
غرضه قبل الامر فلا محالة يتصور المجموع بما هو مجموع فعند ذلك تصير الافراد معتبرة
بوحدة اعتبارية بالضرورة كما أن الاجزاء والافراد تصير مندكة فيه مغفولا عنها و (بذلك)
161

يظهر تقدم الوحدة على الامر بوجوب تصور ما هو الموضوع للامر وتصور ما هو المحصل
للغرض قبل انشاء الامر، وهذا التصور يلازم الوحدة الاعتبارية قبل تعلقه واما اعتبار
الكلية والجزئية للمأمور به بما هو كذلك فهو غير مربوط بما نحن فيه أضف إليه ما في استتاجه
عن منباه من أن عنوان الجزئية والكلية تنزعان بعد تعلق الامر وفي مثله لا يعقل ترشح الوجوب
من الكل إلى الاجزاء بملاك المقدمية إذ فيه أولا ان التعبير بالترشح ومثله كما جرت عليه
الألسن في غاية السقوط إذ الإرادة سواء كانت نفسية أو غيرية تابعة لمباديها المقررة وليست
الأولى مبدء للثانية حتى تصير منشأ للترشح والتولد كما تقدم واما الوجوب فهو أسوء
حالا منها إذ هو يتنزع من تعلق البعث ولا يعقل ترشح بعث من بعث وأظن أن الذي أوقعه في
الاشتباه هو توهم ترشح في الاحكام المقدمية ولذلك نفاه فيما يتأخر انتزاع الوحدة عن
الامر لان الكلية والجزئية ح تنزع بعد تعلق الامر ولا يعقل ترشحه بما لا يكون مقدمة في
رتبة سابقة على الامر وثانيا ان الملاك للوجوب المقدمي ليس عنواني الكلية والجزئية
للمأمور به بما هو كك حتى تكون المقدمية في رتبة متأخرة عن تعقل الامر بالكل ويمتنع
الترشح بل الملاك لتعلق الإرادة بالمقدمة هو الالتفات إلى توقف ذي المقدمة عليها في
نفس الامر وتوقف المركب على كل جزء من الاجزاء بحسب الواقع الضروري والحاصل
ان الجزئية بالحمل الأولى ليس فيها ملاك المقدمية بل لا تتأخر عن عنوان الكلية لأنهما
متضائفان وهما متكافئان قوة وفعلا بل ما فيه الملاك هو واقع كل جزء جزء الذي هو
الموقوف عليه ونفس الكل هو الموقوف وان غفلنا عن عنواني الجزئية والكلية هذا كله
في المقدمات الداخلية وقد عرفت وجود ملاك النزاع فيها واما الخارجية فالحق وجود الملاك
في جميعها علة تامة كانت أم غيرها توليدية كانت أم غيرها وربما يقال بخروج العلل التولدية عن
محط البحث كالالقاء والاحراق لان المنون وإن كان متعددا الا ان المعنون في الخارج واحد
يعبر عنه بتعبيرين وفيه ان تسمية ذلك علة مع فقدان التأثير والتأثر وعدم الاثنينية غير وجهة
واما ما ربما يتوهم من أن الامر في المسببات التوليدية يرجع إلى أسبابها معللا بخروج
المسببات عن الاختيار لانعدامها بانعدام أسبابها وحصولها بحصولها وان لم يتعلق به
الاختيار والإرادة ففي غاية السقوط إذ الإرادة المولوية لا تفترق عن الإرادة الفاعلية مع أن
الثانية تتعلق بالضرورة على ما هو غير مقدور الا بأسبابه كقتل عدوه الذي لا يحصل الا
162

بالتوصل لأسبابه على أن ملاك تعلق الامر ليس الا كون المتعلق مقدورا في نظر العقلاء
وهى عندهم كذلك والانصاف أن ذلك يستلزم التصرف في كثير من الأوامر التي تحتاج إلى
مباد ومقدمات وهو أمر غير هين
ومنها تقسيمها إلى المقارن والمتقدم والمتأخر والذي دعاهم إلى هذا التقسيم بعد ما كان
مقتضى البرهان عند أكثرهم هو انحصاره في قسم واحد وهو المقارن لئلا يلزم تفكيك
المعلول عنه علته، هو الموقوف على عدة شرائط أو مؤثرات في الشرعيات متقدمة كالعقود
المتصرمة غير الباقية إلى زمان حصول الآثار كما في عقد السلم وفي الوصية أو متأخرة
كاغسال الليلة المستقبلة بالنسبة إلى صوم المستحاضة على رأى بعض الفقهاء و (كالإجارة) على
القول بالكشف الحقيقي في الأحكام الوضعية وكالقدرة المتأخرة بالنسبة إلى التكليف المتقدم
في شرائط نفس التكليف ثم إن حل العويصة على نحو يطابق البرهان المقرر عندهم في التكوين
جعل القوم في موقف عظيم فمنهم من صار بصدد تصحيح الشرط المتأخر وهم جماعة قليلة ومنهم
تمسك بأجوبة فرارا عن الشرط المتأخر وبعض أهل التحقيق من الطائفة الأولى قد صار بصدد
تصحيحه بما حاصله امكان تقدم الشرط على المشروط في التكوين والتشريع لان المقتضى
للمعلول هو حصة خاصة من المقتضى لا طبيعيه لان النار الخاصة وهى التي تماس الجسم المستعد
باليبوسة للاحتراق تفعل الاحتراق لا الحصص الأخرى فتلك الخصوصية التي بها تخصصت
الحصة لابد لها من محصل في الخارج وما به تحصل خصوصية الحصة المقتضية يسمى شرطا
والخصوصية المزبورة عبارة عن نسبة قائمة بتلك الحصة حاصلة من اضافتها إلى شئ ما فذلك
الشئ المضاف إليه هو الشرط والمؤثر في المعلول هو نفس الحصة الخاصة فالشرط هو طرف
الإضافة المزبورة وما كان شأنه كذلك جاز ان يتقدم على ما يضاف إليه أو يتأخر عنه أو يقترن
به وقس عليه الشرائط الشرعية فان شرطية شئ للمأمور به ترجع إلى كون حصة من
الطبيعي متعلقة للامر وهى تحصل بالتقييد وكما يمكن التقييد بأمر مقارن يمكن بالمتقدم
والمتأخر وكذا الحال في شرط التكليف والوضع فان قيود الوجوب دخيلة في اتصاف الشئ
بكونه صلاحا ومعنى شرطيتها في حال التأخر ليس الا كونها بحيث تحصل للشئ بالإضافة
إليها خصوصية بها يكون ذا مصلحة وهذا كما قد يحصل بإضافة الشئ إلى المقارن يحصل
بإضافته إلى المتقدم والمتأخر سواء (انتهى) وفيه انظار قد سبق التنبيه إلى بعضها ونعيده
163

توضيحا اما (أولا) فلان اسرار الامر إلى التكوين مما لا مجال له لان المقتضى التكويني نحو
وجود خاص متشخص لا يكون تشخصه بالإضافات والاعتبارات فما هو المقتضى ليس الحصة
الحاصلة بالإضافة إلى المقارن ولا إلى غيره بل المقتضى نحو وجود متشخص من ناحية علله
الفاعلي أو هو مع ضم القابل إذا كان ماديا فالنار بوجودها مقتضية لاحراق ما وقع فيها مما هو قابل
للاحتراق من غير أن يكون الوقوع والتماس وقابلية المتأثر محصلات للحصة المؤثرة وهو
أوضح من أن يحتاج إلى البيان (والحاصل) ان المقتضى في التكوين نحو وجود يكون تشخصه
بمبادئ حقيقية تكوينية لا بإضافات واعتبارات تخيلية كما في المقام واما (ثانيا) فلان
الإضافة التي هي من إحدى المقولات هي النسبة الحاصلة للشئ بانتسابه إلى غيره وان شئت
قلت إن الحقيقي من المضاف هي النسبة المتكررة بين الموصوفين أو لمضافين مضافا
مشهوريا ومعنى تكررها انها مهية معقولة بالقياس إلى مهية أخرى معقولة بالقياس
إلى الأولى كما تجد صدق المقال في الأبوة والبنوة المتكرر كل واحد بين الموصوفين ومن
خواصها كون المتضائفين متكافئين قوة وفعلا (فح) فلو كانت تلك الخصوصية حاصلة من
اضافتها إلى الشيئين فلا معنى لحصول أحد الطرفين أعني الواجب دون الطرف الآخر أعني
الشرط إذ الإضافة الفعلية تستلزم تحقق الطرفين بالفعل فان الأبوة والبنوة الفعليتين
يستلزم وجود الأب والابن فعلا حتى تتحصل بين الطرفين، وفي المقام نقول إن الحصة من
طبيعي المقتضى المتصف بكونه مضافا فعلا واضافيته حيثية زائدة على ذاته) كيف ينتزع منه
هذا العنوان مع عدم شئ يصلح أن يكون مضافا إليه بالفعل
فان قلت ما ذكرت من التحقيق أمر مسلم لا غبار عليه لكن اسرائه إلى المقام
خلط بين الحقايق والاعتباريات وقد قرع اسماعنا مرارا ان العلوم الاعتبارية لا تتحمل
احكام التكوين كما مر ان التمييز بين احكام المقامين هو الحجر الأساسي لحل معضلات
العلوم لا سيما الاعتباريات
قلت نعم لكن الإضافة إلى المعدوم مما لا يعقل حتى الاعتباري منها لان الإضافة
الاعتبارية نحو إشارة ولا تمكن الإشارة بالنسبة إلى المعدوم فما يتخيل انه إضافة إلى المعدوم
لا يخرج عن حد الذهن والتخييل فهي (ح) تخيل الإضافة لانفسها و (بالجملة) ان الإضافة بين
الشيئين ولو بنحو الاعتبار نحو اثبات شيئية لهما وهو ان لم يكشف عن الثبوت في ظرفه لا
164

يكون الا توهما وتخيلا ومع كشفه عنه يكون ثبوته له فرع ثبوت المثبت له فإذا تحققت
الإضافة بين الموجود والمعدوم يكون المعدوم مضافا أو مضافا إليه في ظرف تحقق الإضافة
فلا بد من صدق قولنا المعدوم مضاف ومضاف إليه في حال عدمه لتحقق الإضافة في حاله فلابد
من تحقق المعدوم في حال عدمه قضاء لحق القضية الموجبة ولقاعدة الفرعية
وان شئت قلت إن القضايا المبحوث عنها في الفن سوى السالبة المحصلة يجب فيها
تحقق الموضوع في مقام الصدق فلو فرض كون الصوم مضافا بالفعل لزم صدق كون الأغسال
مضافا إليه بالفعل فينقض القاعدة المسلمة من وجوب وجود الموضوع في الموجبات
فان قلت إن العلية والمعلولية من الأمور المتضائفه مع أن العلة مقدم على
المعلول تقدما رتبيا وعقليا فيكون صدق العلية عليها قبل صدق المعلولية عليها فانتقض
القاعدة المبرمة (المتضائفان متكافئان قوة وفعلا)) وقس عليهما اجزاء الزمان فان لأجزائها
تقدما على بعض في الوجود لكونه متصرم الذات فيصدق كون اليوم متقدما على الغد مع
معدومية الغد
قلت إن العلة لا تكون متقدمة على المعلول بالمعنى الإضافي بل هما في إضافة
العلية والمعلولية متكافئان لا يتقدم أحدهما على الاخر حتى في الرتبة العقلية، نعم ذات
العلة لا بوصفها متقدم على المعلول تقدما عقليا وكذا الزمان لا يكون بين اجزائه الوهمية تقدم و
تأخر بالمعنى الإضافي بل ذات الجزء متقدم على الاخر على نحو لا ينافي القاعدة الفرعية ولا
يوجب ثبوت المعدوم واتصافه بشئ وجودي بل سيجئ على نحو الاجمال ان تقدم بعض
اجزائه على آخر بالذات لكون ذاته التقضى والتدرج فهو يكون ذا تقدم وتأخر بالذات لا
بالمعنى الإضافي ولا بمعنى صدق التقدم على الجزء حال عدمه (هذا) وانى لا أحب ان أحوم حول
هذه المباحث الا ان التنبيه على الخلط في كلمات الاعلام يجر الكلام إلى ما هو خارج من
وضع الكتاب و (ثالثا) ان جعل جميع الشرائط دخيلة في اتصاف الشئ بكونه صلاحا من
الغرائب جدا والمنشأ له هو الخلط بين الشرايط الشرعية التي يصح فيها ما ذكر وبين
العقلية التي لا يصح فيها ذلك فان القدرة مثلا غير دخيلة في اتصافه بأنه ذو صلاح فان انقاذ
الغريق وإنجاء النبي فيه كل صلاح وخير قدر عليه المكلف أم لا
وبذلك يظهر ضعف ما عن صاحب الفصول من أن الشرط انما هو العناوين الانتزاعية
165

أعني التعقب والتقدم وهى كانت حاصلة عند تحقق الموضوع بعد العلم بوجود المتعقب
المتأخر وإلى ذلك يرجع ما ربما يقال من أن الشرط انما يتنزع عما يقوم به و (ليس) للطرف الآخر
في انتزاعه عن منشأ انتزاعه فالسبق انما ينتز عن نفس السابق بالقياس إلى ما يوجد
بعد ذلك وكذا اللحوق بالقياس إلى ما وجد قبله ولا دخل للسابق في انتزاع اللحوق عن
اللاحق ولا لللاحق في انتزاع السبق عن السابق حتى يلزم دخل المعدوم في الموجود انتهى
(قلت) ان انتزاع شئ عرضي عن شئ ليس باعتبار ذاته بذاته والا صار ذاتيا وهو خلف بل لأجل
تحيثيه بحيثية عارضه (فح) للاحق دخل في انتزاع السبق وبالعكس فلو صح انتزاع السابقية
أو عنوان التعقب قبل وجود الاخر لزم وجود الإضافة والحيثية الوجودية بين الموجود
والمعدوم ولزم كون المتضائفين غير متكافئين قوة وفعلا وغير ذلك مما هو بديهي لمن
القى السمع وهو شهيد وحذف من نفسه قيود التقليد
هذا ولكن التحقيق في تصحيح الموارد المتوهم فيها تأخير الشرط عن مشروطه
ان يقال، (ما في شرائط التكليف) عن القدرة مثلا، فلان شرط انقداح الإرادة أو صدور
البعث الاعتباري ليس هو القدرة الواقعية، علم به المولى أولا، بل علمه واستحضاره وقت
التكليف بقدرة العبد على ايجاد المأمور به في وقت العمل، وإن كان ذلك العلم غير مطابق
للواقع، ولكن ذلك لا يجعل الإرادة الجدية صورية كما لا يجعل البعث الحقيقي غير
واقعي، بل يلزم لغوية الإرادة والتكليف وهو غير القول بان التكليف غير
واجد لشرطه
والحاصل ان الإرادة معلومة علم مولى بالصلاح مع سائر مباديها ويعبقه البعث
الاعتباري (فظهر) ان شرط التكليف أو ما يتوقف عليه الإرادة موجود مع سائر المبادى وهو علمه
بالصلاح وسائر شرائط التكليف ولا يتقاوت في ذلك كون الخطاب شخصيا كما في الموالى
العرفية فيشترط علمه بقدرة مخاطبه في ظرف العمل واحدا كان المخاطب أو أكثر، أو
كونه مجعولا على العنوان قانونا بحيث يشمل كل من دخل تحت العنوان نحو قولك
يا أيها الناس، (نعم) يكفي في الثاني العلم بباعثية الخطاب لعدة من الافراد، والعلم
باقتدار جمع منهم عليه، وسيوافيك تفصيل القول في مبحث الترتيب عند التعرض بملاك
الخطاب الشخصي والقانوني، (فح) ما هو شرط التكليف حاصل فيها ولا مجال لتوهم
166

التأخر أصلا، ولعله إلى ذلك يرجع كلام المحقق الخراساني وإن كان الحاق الوضع
بالتكليف كما في ظاهر كلامه وقع في غير محله (واما شرائط) الوضع كالإجازة بناء على
الكشف الحقيقي، وشرائط المأمر به كصوم المستحاضة بنا على صحته فعلا لحصول شرطه
في المستقبل أعني أغسال الليلة لآتية، فلنا في حله وجهان أحدهما من طريق العقل والبرهان و
هو حل صناعي وثانيهما من طريق العرف وهو أقرب خصوصا في الأمور الاعتبارية
(اما الأول) فنقول ان الأمور التدريجية كالزمان والحركة مما يعد من المتصرم بالذات فلبعض
اجزائها تقدم على البعض وهو تقدم يعبر عنه في الاصطلاح بواقع التقدم وليس عنوان التقدم
ومفهومه، إذ عنوان التقدم والتأخر من المفاهيم المتضائفة، ولا يعقل انتزاع التقدم فعلا بلا
انتزاع رديفه، كما أن انتزاع التأخر من الغد حين انتزاع التقدم من اليوم يستلزم وجودا مو
انتزاعي بلا منشأ انتزاعه وهو خلف الا ان يرجع إلى أمر عرفي سيوافيك بيانه، (فظهر)
ان انتزاع التقدم بعنوانه من المتقدم فقط يستلزم وجود أحد المتضائفين بدون الاخر، و
الحال ان المتضائفين متكافئان قوة وفعلا، وانتزاع كليهما يستلزم وجود أمر انتزاعي فعلا بلا
وجود منشائه
فان قلت نرى بديهة صدق قولنا لدى العرف بان اليوم متقدم على الغد، وصدق قولنا ان
الغد متأخر، فهذا يكشف عن بطلان كلتا القاعدتين (قلت) الكلام ههنا في حكم
العقل ومقتضى البرهان لا العرف، ولا ريب في أن مقتضى العقل والبرهان تكافؤ المتضائفين
قوة وفعلا، وعدم امكان اتصاف المعدوم بشئ، وسيأتي حال حكم العرف فانتظر
(والحاصل) ان هذه القطعة الموهومة من الزمان، (لان الزمان لا ينقسم الا وهما كما
ثبت في محله) له التقدم بالذات إذا كان القطعة الأخرى موجودة في محله، ولم ينقطع عمود
الزمان عليها، بل جرى على منواله وطبعه، (ولا يتوهم) من ذلك ان لما يأتي من الاجزاء تأثيرا
في كون هذه القطعة متقدمة بالطبع مع أن تأثير المعدوم في الموجود واضح الفساد، (إذ
المراد) ان جوهر الزمان وسنخ وجوده، جوهر وسنخ مخصوص يكون بعضه متقدما
جوهرا، وبعضه متأخرا عنه ذاتا بحيث يكون كل من التقدم والتأخر عين ذاته كما هو الحال
في بعض الأقسام من المقول بالتشكيك
فتلخص ان الزمان وما شابهه أمر متصرم الذات ومتقض بالحقيقة له تقدم وتأخر
167

بالذات لا بالمعنى الإضافي المقولي، وإن كان عنوان التقدم وتأخر الأمور الإضافية،
ولا يلزم أن يكون مصداق المعنى الإضافي اضافيا كالعلة والمعلول، فان عنوانهما من الأمور
الإضافية ولكن المنطبق (بالفتح) عليهما أعني ذات المبدء تعالى وتقدس مثلا ومعلوله
ليسا من الإضافية، (وأوضح من هذا) مسألة التضاد حيث إن بين ذات الضدين كالأسود و
أبيض تقابل التضاد، مع أن مفهوم التضاد من الأمور المتضائفة هذا حكم الزمان، واما
الزمانيات فحيث ان الحوادث الواقعة في طول الزمان، لها نحو اتحاد مع الزمان على تحقيق
مقرر في محله، فلا محاله يكون بعضها متقدما على بعض بتبع الزمان، وتصير الحوادث
الواقعة في هذا الزمان متقدمة بواقع التقدم لا بمفهومه الإضافي على الحوادث الآتية لكن
بتبع الزمان، (إذا تمهد ذلك)
فنقول ان ما سنرتب على هذا التدقيق العقلي وإن كان خلاف ظواهر الأدلة لكن
الكلام هنا في دفع الاشكال العقلي لا في استظهار الحكم من الأدلة، و (عليه) يمكن ان يقال إن
الموضوع في الوضعيات وما هو شرط في متعلق الاحكام، هو ما يكون متقدما بحسب
الواقع على حادث خاص، مثلا الأثر في البيع الفضولي مترتب على العقد المتقدم بالحقيقة
تبعا للزمان على وقوع الإجازة، بحيث لا يكون العقد متقدما عليها بواقع التقدم التبعي
الا أن تكون الإجازة متحققة في ظرفها، فوقوعها في عمود الزمان المتأخر يوجب كون العقد
متقدما حق التقدم، وقد مضى ان ذلك ليس لأجل تأثير المعدوم في الموجود أو لوقوع
المعدوم طرفا للإضافة، بل مقتضى طبع ما يقع في الزمان أن يكون بعضه متقدما، وبعضه
متأخرا بحيث لو فرض انقطاع سلسلة الزمان في ظرف ذلك الحادث الأول لما اتصف ذلك
الظرف ومظروفه بالتقدم الواقعي، وقس عليه مسألة الصوم، إذ يمكن ان يقال إن موضوع
الصحة في صوم المستحاضة ما يكون متقدما بالتقدم الواقعي على الأغسال الآتية تبعا للزمان
بحيث لو لم توجد الأغسال في محلها لا يصير الصوم متقدما بالذات عليها وإن كان متقدما
على سائر الحوادث، لكن الموضوع هو المتقدم الخاص أعني المتقدم بالذات على
الأغسال.
يقال إن مقتضى كون الموضوع هو ذات العقد والصوم، هو انكار دخل الشرط و
لزومه، إذ الحامل للأثر (ح) هو وجوده بلا اقترانه بالتراضي أو تعقبه بالاغسال
168

لأنا نقول قد عرفت ان تقدم بعض اجزاء الزمان على بعض بالتقدم الواقعي، فرع
اتصال اجزاء الزمان وامتداده بحيث يكون انقطاعه موجبا لعدم ثبوت التقدم بالذات له
(فح) ذات العقد انما يثبت له حق التقدم ولو تبعا للزمان إذا وجدت الإجازة في محلها لا
مطلقا ومثله الصوم وان شئت فاستوضح المقام عن تقدم العلة على معلولها، فإنه ما لم يحصل
الثاني لا يصح انتزاع عنوان التقدم عنها لقضية التكافؤ بين المتضائفين مع أن العلة في حد ذاتها
مقدمة على معلولها بحيث يتخلل بينهما الفاء عند التعبير، (فتلخص) ان الموضوع على ما حققناه
مقدم على حكمه بشراشر اجزائه وشرائطه.
الثاني وهو حل الاشكال على مشرب العرف (فنقول) ان الموضوعات الواقعة في
لسان الأدلة أمور عرفية لا تنالها يد الدقة العقلية، بل يقدم في مبحث الاحكام خصوصا على
القول باعتياريتها، على ما يثبته البرهان (فح)) بما ان العرف يرى الإضافة إلى المتقدم والمتأخر
كالمقارن ويرى العقد متعقبا بالفعل مع عدم الإجازة الفعلية، يصح انتزاع هذه العناوين
عندهم لأجل ملاكات وتخيلات مركوزة في أذهانهم، ومن الممكن كون الأثر مترتبا على
المتعقب في نظر العرف دون العقل كما هو السند والمعتمد في سائر الموضوعات الشرعية
و (عليه) فالشرط مقارن أيضا وهذا الوجه يرجع إلى ما ذهب إليه القوم
(نقل مقال وتوضيح حال)
ان بعض الأعاظم من أهل العصر حرر النزاع على خلاف ما هو المعروف و (حاصله)
انه لا اشكال في خروج المقدمات العقلية وعدم جواز تأخرها عن معاليلها كما لا اشكال
في خروج العناوين الانتزاعية لأنها انما تنتزع عما تقوم به وليس للطرف الآخر دخل في
انتزاعها عن منشاها، لان السبق انما ينتزع من نفس السابق بالقياس إلى ما يوجد بعد ذلك و
كذا اللحوق من اللاحق، ولا دخل بشئ منهما في انتزاغ العنوان عن صاحبه، مما فرض
شرطا هو المقارن لا المتأخر، (كما) ان التحقيق خروج شرائط المأمور به من حريم النزاع
بداهة ان شرطية شئ للمأمور به ليست الا بمعنى اخذه قيدا في المأمور به فكما يجوز
تقييده بأمر سابق أو مقارن كذلك يجوز تقييده بأمر لاحق، فلا ينبغي الاستشكال في جواز تأخر
شرط المأمور به عن مشروطه إذ لا يجاوز الشرط بالمعنى المزبور عن الجزء الدخيل في
المأمور به تقيدا وقيدا، بل لا يعقل تعلق الامر بالانتزاعيات فلابد من ارجاعه إلى القيد،
169

فكما ان الامر بالمركب يتعلق بكل واحد من اجزائه (فكذلك) الامر بالمقيد يتعلق بقيده
فامتثال الامر المتعلق بما تقييد بقيد متأخر انما يكون باتيان الشرط المتأخر، كما أن امتثال
المركب التدريجي انما هو باتيان الجزء الأخير، و (اما شرائط الجعل والعلل الغائية،
فبما انها لا تكون بوجودها الخارجي مؤثرة في الحكم بل بوجودها العلمي فلا محالة
يكون مقارنا مع الجعل، فالنزاع ينحصر في شرائط الحكم المجعول (وتوضيحه) ان
القضايا اما (خارجية) وهى التي يكون الموضوع فيها، الاشخاص الموجودة في الخارج في
زمان الحكم، فلا يتوقف الحكم فيها على غير دواعي الحكم المؤثر فيه بوجودها العلمي
طابق الواقع أم لا، فيخرج عن محط الكلام فان الحكم فيها يدور مدار علم الحاكم، كان
المعلوم مقارنا أم مخرا، واما (حقيقية) وهى التي حكم فيها بثبوت الحكم على الموضوعات
المحقق أو المقدر وجودها فيحتاج الحكم فيها إلى أمرين
(أحدهما) ما يكون داعيا إلى جعل الحكم وهو أيضا كالعلل الغائية خارج عن
البحث، و (ثانيهما) ما يكون موضوعا له وقد اخذ مفروض الوجود في مقام الحكم، و
الشرائط داخلة في ذلك القسم لان شرائط الحكم ترجع إلى قيود الموضوع، وهذا هو
الذي وقع محل البحث والحق امتناع الشرط المتأخر منه سواء قلنا بان المجعول هي
السببية وأمثالها أو المجعول هو الحكم عند وجود السبب، اما الأول فواضح لأنه يرجع
إلى تأخر اجزاء العلة الفعلية عن المعلول، واما الثاني فللزوم الخلف والمناقضة من وجود
الحكم قبل وجود موضوعه، وقد عرفت ان الشرائط كلها ترجع إلى قيود الموضوع
(انتهى ملخصا)
ولا يخفى ان في كلامه مواقع للنظر:
(اما الأول) فلان خروج العلل العقلية انما هو لعدم وجود ملاك البحث فيه الذي يتعلق فيه
غرض الفقيه فان البحث عن التكوين ليس من شؤون المجتهد حتى يبحث عنه ويجزم بأحد
الطرفين (وثانيا) ان خروج انتزاعيات وإن كان صحيحا، وانما انجر الكلام إليها لدفع
الاشكال، لكن خروجها ليس بالملاك الذي قرره من جواز انتزاعها عما تقوم به من غير دخالة
الطرف الآخر فيه، لأنه ان أراد ان العنوان الانتزاعي الإضافي ينتزع من غير إضافة إلى الطرف الآخر
فهو واضح البطلان مع أنه صرح بان السبق ينتزع من نفس السابق بالقياس إلى ما يوجد بعد
170

ذلك. وان أراد انه يتنزع منه فعلا بالقياس إلى ما سيصير بطرف الإضافة من غير أن يكون الطرف
موجودا بالفعل فهو مثله لان كون المنتزع موجودا بالفعل مع عدم منشأ له! يكفي في بطلانه
أدنى تصور، وهل هذا الا كادعاء جواز انتزاع الأبوة من طفل نعلم أنه سيولد له ولد، وان أراد ان
المعدوم مضاف إليه فعلا فهو أوضح بطلانا (وان تعجب فعجب قوله واصراره) بأنه لا يتوقف
انتزاع عنوان عن شئ على وجود المتأخر في موطن الانتزاع لان عنوان التقدم ينتزع من
اليوم الحاضر لتحقق الغد في موطنه،: إذ فيه الخلط بين التقدم الذاتي وبالواقع وبين
التقدم بالمعنى الإضافي المقولي، وقد مر وجه انتزاع العرف مفهوم التقدم من اليوم قبل
حلول الغد
فان قلت فرق واضح بين الأبوة وبين المفاهيم الانتزاعية المتضائفة فان الأولى التي ربما يعتمد
عليها في اثبات تكافؤ المتضائفين، لها ماهية ووجود، وهذا بخلاف الانتزاعيات فإنه لا
وجود لها حتى تنزع الماهية من حدودها سوى كونها موجودة بوجود منشأ انتزاعها
(قلت) كون شئ ذا ماهية ووجود لا يجدى في المقام: إذ البحث في الانتزاعيات التي هي
مفاهيم اضافية، ولا ينتزع الا وينتزع معه معنى اضافي اخر والبرهان المبرم في محله من
تكافئوا المتضائفين جار في الجميع
وثالثا ان القول بان الامر بالمقيد يتعلق بقيده من العجائب، إذ لازم ذلك انقلاب
الشرط عن كونه شرطا إلى كونه جزء أو الحق ان الامر متعلق بالطبيعة المتقيدة وتحصيل
التقيد بايجاد القيد عقلي
ورابعا فان اخراج شرائط المأمور به مما لا وجه الكلام له لان ليس في تقيد
المركب بقيد خارجي بل في صحة، المأمور به فعلا أعني صوم المستحاضة إذا أتت بالاغسال
المستقبلة، والاشكال المتوهم في هذا الباب جار في الاجزاء أيضا لو قيل بصحة الجزء
الأول كصحة التكبيرة بالفعل مع كونها مشروطة بوقوع الاجزاء الاخر، فلا ينفع
الفرار عن الاشكال بجعل شرائط المأمور به من قبيل الاجزاء حكما
وخامسا بعد تسليم امكان القضية الحقيقية في الانشائيات انه لا وجه لتخصيص
الامتناع على الحقيقية بل الخارجية مثلها في الامتناع فلو حكم المولى القائل بشرطية
الإجازة بصحة عقد معين كقول رسول الله صلى الله عليه وآله في بيع عروة، فيسرى الاشكال إليه أيضا
171

فيقال كيف صح العقد من أوله مع عدم اقترانه بالشرط، (والقول) بان الخارجية لا يتوقف الا
على شرائط الجعل وهى الشرائط العلمية التي تؤثر بوجودها العلمي لا العيني (عجيب)
جدا إذ الخلط حصل من بعض الأمثلة الجزئية وقد عرفت خلافه في توقف البيع الشخص
على الإجازة. فتلخص ان البحث لملاكه عام يشمل شرائط الجعل كالقدرة المتأخرة و
شرائط المكلف به كالاغسال المتأخرة وشرائط الوضع كالاجازة في البيع الفضولي بناء
على الكشف والجواب هو الجواب
(الأمر الرابع في تقسيمات الواجب)
(منها) تقسيمه إلى المطلق والمشروط، والتحقيق كما يستفاد من المحقق الخراساني ان
الاطلاق والاشتراط امران اضافيان كالاطلاق والتقييد في باب المطلق والمقيد، فكل قيد
قيس إليه الواجب اما يكون وجوبه بالنسبة إليه مشروطا أو مطلقا وبذلك يصح ان يقال إن
الواجب قد يكون بالنسبة إلى قيد مشروطا وبالنسبة إلى اخر مطلقا، إذا عرفت ذلك
فاعلم أن تحقيق الحال وتوضيح المرام يتم في ضمن جهات
الجهة الأولى في تصويره بقسيميه: لا اشكال في أن القيود الواردة في الكلام
بصورة الشرط أو غيرها راجعة إلى الهيئة بحسب القواعد الأدبية والتفاهم العرفي، فتفيد
تصرفا في مفادها وتضييقا في معناها كما في قولك ان جائك زيد فأكرمه، وان استطعت فحج
(وما نسب إلى الشيخ الأعظم قده) من ارجاع القيود كافة إلى المادة لا يخلو اما أن يكون
مستندا على برهان يفيد امتناع رجوعها إلى الهيئة، أو يكون لأجل لزوم الرجوع إلى
المادة لبا كما هو غير بعيد عن مساق كلامه (ونحن) إذا دفعنا الامتناع ولزوم تقييد المادة
عند تقييد الهيئة يجب لنا الاخذ بمقتضى الظهور العرفي والقواعد الأدبية فنقول اما الامتناع
لأجل قيام البرهان. فيجيبئى دفعه عند دفع ما توهم كونه وجهاله، (واما الثاني) فنقول ان
رجوع قيد بحسب اللب إلى المادة والهيئة ليس جزافا وبلا ملاك، بل القيود على ضربين
ضرب منها يرجع إلى المادة ولا معنى لرجوعها إلى الهيئة، وهى كل قيد يكون دخيلا في
حصول الغرض المطلق المحقق من غير أن يكون دخيلا في تعلق نفس الغرض، (مثلا)
قد تكون الصلاة في المسجد متعلقة للغرض المطلق المحقق للمولى، كان المسجد موجودا
أولا، فإذا أمر مواليه بالصلاة فيها لابد لهم من الصلاة في المسجد ومع عدمه لابد لهم من
172

بنائه والصلاة فيه، كما أن الطواف حول الكعبة كذلك ظاهرا فلابد للمكلفين من بنائه
لو انهدم والطواف حوله. (وضرب منها ترجع إلى الهيئة لبا لا إلى المادة وهو كل قيد يكون
دخيلا في تعلق نفس الغرض بحيث لولاه لما كان للمولى غرض كما لو فرض تعلقه باكرام رجل
لو ورد عليه صار ضيفا له، فلا يكون له غرض مطلقا في اكرام الضيف حتى يجب تحصيل
عنوان الضيافة بل قد يكون مجئ الضيف مبغوضا له لكن على فرض مجيئه يكون اكرامه
محبوبا ومتعلقا بغرضه، ويكون غرضه بحسب اللب مشروطا بتحقق الضيافة وتكون هي
دخيلة في تحقق الغرض وتعلقه بالاكرام فلا يعقل تعلق الامر المطلق في هذه الصورة بضيافة
الرجل بل يكون البعث مشروطا بمجئ الضيف
ثم إن للقيود الراجعة إلى الهيئة موارد أخر (منها) ما إذا كان المصلحة قائمة بفعل مطلقا
ويكون مطلوبه كذلك، الا ان ههنا موانع عقلية من البعث إليه مطلقا كالبعث إلى انقاذ ابنه
مع عجز العبد، فان المولى إذا شاهد ابنه يخوض في اللجج؟ يصيبه من الجزع ما يصيبه وهو
يكشف عن أن الانقاذ تمام الموضوع للبعث فلو قال لعبده لو قدرت أنقذه لا يكون ذلك قيدا
للمادة، و (منها) ما إذا كان المبعوث إليه مطلوبا على الاطلاق، لكن في نفس الامر مانع
من اطلاق الامر، (ومنها) ما إذا لزم من تقييد المادة محال كما في قول الطبيب ان مرضت
فاشرب المسهل فان شربه لأجل دفع المرض، ولا يعقل أن يكون المرض دخيلا في صلاح
شرب المسهل بنحو الموضوعية، بحيث يرجع القيد إلى المادة، ومن ذلك وجوب الكفارات
في افطار عمدا والظهار وحنث النذر فان الامر بها لرفع منقصة حاصلة من ارتكاب
المحرمات، ولا يعقل أن يكون ارتكابها من قيود المادة. (فتلخص) ان القيود بحسب اللب
مختلفة فكيف يجعل جميعها قيدا للمادة
(نقل وبحث)
يظهر من تقريرات بعض محققي العصر ضابط عقلي آخر في الفرق بين نحوي القيدين
وهوان القيود لو كانت مما يتوقف عليه اتصاف المأمور به بكونه ذا مصلحة في الخارج
كالزوال والاستطاعة بالنسبة إلى الصلاة والحج، فهو من شرائط الوجوب، ولو كان مما
يتوقف فعلية المصلحة وحصولها في الخارج على تحققها بمعنى انها لا تكاد تحصل الا إذا اقترن
الفعل بتلك القيود والشرائط كالطهارة والستر فهو من شروط الواجب، (انتهى ملحضا)
173

وفيه اما أولا فلان ما ذكره في الشق الأول غير صحيح لا طرد أولا عكسا اما
الطرد فلان الغرض الذي يتوقف على حصول شئ إذا كان لازم التحصيل مطلقا، تتعلق
الإرادة بتحصيله على نحو الاطلاق ويأمره باتيانه كذلك، وعلى المكلف (ح) ان يأتي به ولو
بايجاد شرطه فإذا كان الحج لا يتصف بالصلاح الا بالاستطاعة ولكن كان للمولى غرض
مطلق لتحصيل مصلحة الحج فلا محالة يأمر عبده بتحصيلها بنحو الاطلاق فلابد له من
تحصيل الاستطاعة ليصير الحج معنونا بالصلاح ويأتي به لتحصيل غرضه المطلق
والحاصل ان القيود الموجبة لكون الشئ ذا مصلحة على قسمين (قسم)
يكون الشئ بوصف كونه صلاحا، مرادا له ومطلوبا مطلقا فتعلق به الإرادة على نحو
الاطلاق، فيجب عليه تحصيل الصلاح بتحصيل الاستطاعة، لكون الصلاح مرادا مطلقا، وإن كان
اتصاف المورد بالصلاح يتوقف على شئ آخر، لكن لعلة كونه مطلوبا مطلقا يحركه
إلى ايجاد القيد أيضا، (فح) يكون القيد لا محالة راجعا إلى المادة، (وقسم) يكون ما هو
المصداق لقولنا انه ذو صلاح هو الموضوع المقيد الا ان البعث لم يتعلق بكلا الجزئين بطور
الاطلاق بل تعلق عليه لو حصل هذا بنفسه، فيرجع إلى الهيئة لا محالة (فتلخص) ان الجزء
الموجب لكون الشئ: ذا صلاح على قسمين لا يتعين لواحد منهما الا بملاحظة ضابط آخر
واما العكس فلان الأمور التي يتوقف الواجب عليها عقلا كالقدرة والعقل مما تعد من قيود
الهيئة مع أنها لا توجب اتصافه بالصلاح في انقاذ ابن المولى مع عجز العبد
واما ثانيا، فلانه يرد على الشق الثاني من الضابط ان قيود المادة كالطهارة و
الاستقبال دخيلة في اتصاف الموضوع بالصلاح فان الصلاة بدون الطهارة والقبلة لا مصلحة
فيها، فيلزم أن يكون من قيود الهيئة لأجل ما قرر من الميزان مع أنه من قيود المادة و
(بالجملة) ان الصلاة بدون هذين القيدين اما أن تكون ذات مصلحة أولا، وعلى الثاني يلزم
أن يكون قيدا للوجوب على الملاك الذي ذكره من أن ما يتوقف عليه اتصاف الفعل بكونه ذا
مصلحة في الخارج فهو قيد للوجوب: (وعلى الأول) يلزم هدم ضرورة المسلمين لان
الضرورة حاكية عن أن الصلاة بلا طهور وقبلة ليست فيه مصلحة وليس الستر والطهارة
كالآلات الفاعلية في ايجاد موضوع ذي صلاح بالضرورة، فظهر ان ما ذكره مخدوش من
جهات الا ان يرجع إلى ما ذكرنا وهو بعيد من ظاهره
174

نقل ودفع
ربما يتوهم امتناع رجوع القيد إلى الهيئة، وما قيل في بيانه أو يمكن ان يقال وجوه
(منها) ان معنى الهيئة بما انه من المعاني الحرفية مندك في متعلقها فلا يتوجه المتكلم إليه
استقلالا والتقييد يحتاج إلى لحاظها استقلالا وهو لا يجامع كونه حرفيا، (وفيه أولا) ان
التقييد كله سواء كان في الأسماء أم الحروف انما هو بلحاظ ثان استقلالا، إذ اللفظ الموضوع
للطبيعة لا تستعمل الا في معناها، ولا يحكى الا عن نفس معناها، فإذا وصف بكونه مؤمنا
أو عاد لا في قولك أكرم عالما عادلا يكون التوصيف بلحاظ آخر وقس عليه التقييد في المعاني
الحرفية، إذ الهيئة لا تستعمل الا في معناها المطلق لا في المعنى المشروط، والتقييد يرد
عليها في لحاظ آخر تقدم أو تأخر و (ح) تصير وقت التقييد من المعاني الاسمية ولا غبار في
تقييدها.
وثانيا انه يمكن ان يقال إن التقييد لا يحتاج إلى اللحاظ الاستقلالي وإن كان لا
يضر لحاظه ثانيا أيضا بل يكفي فيه ما هو حاصل في ضمن الكلام الذي يحكى عن الواقع
إذا كان حكائيا أو يوجد معناه بنفس الاستعمال إذا كان ايجاديا لما عرفت ان الهدف الاعلى
لأهل المحاورة انما هو النسب والإضافات فلو كانت النسبة حاكية عن خارج مقيد تكوينا
فلا محالة قد تصور المتكلم في ذهنه صورة الخارج وأخبر عن الواقع المشهود بالألفاظ التي
هي كالقوالب للمعاني، (فح) يقع الاخبار عن المقيد والقيد والتقييد من غير احتياج إلى
لحاظ مستقل، ولكن الاكتفاء به في الايجاديات من دون لحاظ مستقل يحتاج إلى التأمل
ومنها ان الهيئة موضوعة بالوضع العام للموضوع الخاص فيكون المعنى جزئيا حقيقيا غير
قابل للتقييد (وفيه) ان التقييد وإن كان يلازم تضييقا في المقيد وهو فرع كونه أمرا وسيعا.
لكن التقييد في الجزئي الحقيقي ليس باعتبار ذاته بل باعتبار حالاته واطواره ولذا يجرى
فيه مقدمات الحكمة لو وقع بشخصه موضوعا للحكم
ومنها بان الهيئة في الامر والنهى للايجاد وهو آب عن التعليق لامتناع الايجاد
المعلق إذ تعليق الايجاد مساوق لعدم الايجاد كما أن تعليق الوجود مساوق لعدم (وفيه)
ان الخلط نشاء من اسراء حكم الحقايق إلى الاعتباريات التي لم تشم ولن تشم رائحة
الوجود حتى يجرى عليه احكام الوجود و (لعمري) ان ذلك هو المنشأ الوحيد
175

في الاشتباهات الواقعة في العلوم الاعتبارية إذ الايجاد الاعتباري لا مانع من تعليقه ومعنى تعليقه
ان المولى بعث عبده على تقدير والزام وحتم شيئا عليه لو تحقق شرطه ويقابله العدم المطلق
أي إذا لم ينشأ ذلك على هذا النحو
الجهة الثانية
نبحث فيها عن أن الواجب المشروط وجوبه فعلى قبل تحقق شرطه أولا والمشهور المنصور
هو الثاني وتوضيحه يتوقف على تحقيق حقيقة الحكم لا اشكال في أن الامر قبل انشاء الحكم
يتصور المبعوث إليه ويدرك فائدته ولزوم حصوله بد المأمور فيريد البعث إليه بعد تمامية
مقدماته؟ انما الكلام في أن الحكم هل هو الإرادة أو الإرادة المظهرة أو البعث الناشئ منها
بحيث يكون الإرادة كسائر المقدمات التي تعد من مبادئ حصوله لا من مقوماته. (التحقيق)
هو الأخير بشهادة العرف والعقلاء، الا ترى ان مجرد صدور الامر من المولى يكفي في انتقال
العبيد إلى وجوب الاتيان؟ من غير أن يخطر ببالهم ان امره ناش من الإرادة أو ان هنا إرادة في
نفسه وهو يحكى عنها! بل قد عرفت ان البعث والاغراء بأي الة كانت فهو تمام الموضوع لحكم
العقلاء بوجوب الامتثال
واما ما عن بعض محقق العصر! من كون الحكم عبارة عن الإرادة التشريعية
التي يظهرها المريد بأحد مظهراتها فهو خلاف التحقيق (اما الأول) فلما عرفت من ارتكاز
العبيد على الانتقال إلى الوجوب من الأوامر بلا لحاظ الإرادة التي هذا اللفظ حاك عنها (و
ثانيا) ان الوجوب والايجاب واحدان ذاتا في عالم الاعتبار كالوجود والايجاد في وعاء التكوين
ويختلفان اعتبارا، ولو صح انتزاع الوجوب عن الإرادة صح انتزاع الالزام والايجاب عنه،
مع أن الإرادة لا تسمى الزاما وايجابا بخلاف الاغراء والبعث لفظا وحده
فان قلت يرد هذا لو قال القائل بان الحكم عبارة عن نفس الإرادة ولكنه قدس سره
يقول بكونه عبارة عن الإرادة التشريعية التي يظهرها المريد فشرط مع نفس الإرادة وجود
المظهر (قلت) نعم لكن كون الحكم عبارة عن الإرادة المظهرة ينافي انتزاع الوجوب عن
البعث المولوي مع الغفلة عن الإرادة (وثالثا) ان الأحكام الوضعية قسيم التكليفية! مع أن
الوضعيات لا تكون من قبيل الإرادات المظهرة إذ الحكومة والقضاوة والملكية وغيرها
تنتزع من جعلها! ولا يمكن ان يقال إن هذه العناوين منتزعه عن الإرادة أو عن الإرادة المظهرة
176

كما أن حكم السلطان والقاضي عبارة عن نفس الانشاء الصادر منه في مقام الحكومة والقضاء
لا الإرادة المظهرة بل لا يكفي في فصل الخصومة اظهار ارادته أو افهام رأيه ما لم يتكلم بلفظ
نحو حكمت أو انفذت أو ما يفيد الحكم بالحمل الشايع (نعم) لو لم ينشأ البعث من الإرادة
الجدية لا ينتزع منه الوجوب والايجاب وهو لا يوحب أن تكون الإرادة دخيلة في قوام
الحكم أو تكون تمام حقيقته ويكون الاظهار واسطة لانتزاع الحكم منها بل اقصى ما
يقتضيه ان يعد الإرادة من مبادئ الحكم كما فرضناه، (إذا عرفت ذلك) يتضح لك ان وجوب
المشروط قبل تحقق شرطه ليس فعليا كما هو ظاهر تعليق الهيئة وانشاء البعث على تقدير
لا يمكن أن يكون بعثا حقيقيا، الا على ذلك التقدير للزوم تخلف المنشأ عن الانشاء،
إذ المفروض ان المنشأ انما هو الوجوب والايجاب على تقدير حصول شرطه فلا معنى
(ح) للوجوب فعلا مع عدم شرطه، ونظيره باب الوصية إذ انشاء الملكية على تقدير الموت
لا يفيد الملكية الفعلية بل يؤثر في الملكية بعد الموت (هذا) ولو قلنا إن الإرادة دخيلة في
الحكم لا تكون دخالتها الا بنحو كونها منشأ للانتزاع واما كونها نفس الحكم ذاتا فهو
خلاف الضرورة وعليه لا ينتزع من الإرادة المعلقة على شئ الا الوجوب على تقدير لا
الوجوب الفعلي فتلخص ان البعث على تقدير كالإرادة على تقدير لا يكون ايجابا فعليا
ولا منشأ له كذلك
فان قلت إن الوجوب بما انه أمر اعتباري يصح التعليق فيه وهذا بخلاف الإرادة
فإنها من مراتب التكوين وامتناع التعليق في التكوين ضروري وقولك ان الإرادة هنا
على تقدير يوهم ذلك
قلت إن المراد من الإرادة على تقدير ليس معناه عدم الإرادة فلا ولا التعليق في
نفس الإرادة بل المراد إرادة ايجاب شئ من المأمور على تقدير فالإرادة التشريعية هنا
فعلية لكن تعلق بايجاب شئ على تقدير ولذلك لا ينتزع منه الوجوب الفعلي بل الوجوب
على تقدير وهو يساوق الانشائية و (بالجملة) تعلقت إرادة فعلية بالبعث على تقدير ففي مثله
لا ينتزع الوجوب الفعلي ففرق بين التقدير في الإرادة أو في انشاء البعث بها (وليعلم) ان قولنا
بان الإرادة التشريعية هنا فعلية وتعلق بفعليتها بايجاب شئ على تقدير، لا ينافي مع ما اخترناه
من أن الإرادة والحكم في الواجب المشروط غير فعلى خلافا لبعض محققي العصر (وجه
177

عدم المنافات) هوان المراد من فعلية الإرادة هو الإرادة التشريعية المتعلقة بانشائها و
تشريعها فهي فعلية قطعا، وما هو غير فعلى انما هي الإرادة المتعلقة بايجادها في الخارج فعلا
ولو قبل حصول شرطه أو البعث الفعلي إليه كذلك
(الجهة الثالثة)
قد وقع الواجب المشروط على مبنى المشهور مورد النزاع والمناقشة فقبله قوم من المحققين
وناقش في صحته آخرون بوجوه (منها) ما اورده بعض أهل التحقيق واختار نفسه كما تقدم ان
التكليف في الواجب المشروط فعلى قبل تحقق شرطه، قائلا بان الانشاء المشروط مما يتوصل
المولى إلى تحصيل المكلف به والواجب المشروط على مبنى المشهور ليس بمراد للمولى
قبل تحقق شرطه فكيف يتصوران يتوصل العاقل إلى تحصيل ما لا يريده فعلا، فلا بد ان يلتزم
بوجود غرض نفسي في نفس الانشاء (انتهى)، ولا يخفى عليك ضعفه وغرابته لأنه لم يتوصل
بكلامه على طلب الايجاد فعلا حتى يقال كيف يتوصل بكلام إلى مالا يريد ايجاده فعلا،
بل توصل به إلى المطلوب على تقدير حصول الشرط وكم فرق بينهما (وبالجملة) ان
الانشاء وإن كان للتوصل إلى المبعوث إليه لكن في الواجب المشروط يكون انشاء
الايجاب على تقدير الاستطاعة في الامر بالحج مثلا انما هو لأجل التوصل إلى ايجاده
على هذا التقدير لا قبله، واما الفائدة في هذا الانشاء مع عدم فعلية الحكم فإنما تسئل عنها
في الخطابات الشخصية القائمة بمخاطب واحد، وتصورها فيها بمكان من الامكان، لافى
القوانين الكلية المتعلقة بكل مكلف بخطاب واحد وجعل فارد، وسيوافيك في محله
بيان كيفية جعل القانون الكلى و (ح) فالمشرع المقنن لما رأى اختلاف المكلفين، بين
واجد للشرط حين الخطاب وفاقد له، لم يربدا ومناصا سوى الانشاء على العناوين الكلية
على فرض تحقق الشرط حتى ينبعث من هو واجد وقت الخطاب وينتظر من هو فاقد
(أضف) إلى ذلك ان الاشكال على فرض صحته مشترك الورود لأنه ان أراد من فعلية
الحكم انه يجب تحصيله فعلا وفي زمن صدور الخطاب وإن كان الشرط غير موجود، فهو
خارج من كونه مشروطا، وان أراد انه يجب تحصيله في ظرفه وبعد حصول شرطه فأي
وجه لطلبه فعلا مع أنه لم يرد ايجاده في آن البعث، فان قال إنه لأجل الاعلان حتى ينبعث
في محله فنحن نقول مثله
178

(ومنها) ان وجوب المقدمة قبل وجوب ذي المقدمة ممتنع لان وجوبها ناش
من وجوبه وعلى فرض التلازم بين الإرادتين تكون إرادة المقدمة ناشئة من إرادة ذيها،
ولو كانت المقدمة واجبة قبل وجوب ذيها لزوم وجود المعلول قبل وجود علته، أو وجود أحد
المتلازمين قبل الاخر (وبالجملة) المقدمات المفوته غير واجبة قبل وجوب ذيها على
مبنى المشهور، مع أنه لا يمكن تحصيلها بعد تحقق ذيها، والمكلف في تركها ذو عذر وجيه
ولا مناص على قولهم الا القول بوجوبها التهيئ أو التمسك بالزام العقل بتحصيلها وإن كانت
غير واجبة، لان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، والكل كما ترى
(وفيه) ان ذلك توهم محض حصل من حديث نشوء إرادة من أخرى وتولد بعث من
آخر، وقد عرفت ان وجوب المقدمة لا يكون ناشئا من وجوب ذيها، ولا ارادتها من ارادته
(اما الأول) فلعدم التلازم بين البعث إلى شئ والبعث إلى مقدمته، بل ربما لا يكون للمولى
بعث إلى المقدمات و (اما الثاني) فلما قدمنا من أن الإرادة بقول مطلق انما تحصل عن
مباديها المحررة في محلها ولا يعقل بضرورة البرهان جواز كون إرادة مبدأ لوجود إرادة
أخرى، ومعنى كون هذه الإرادة غيرية هو ان الامر لما رأى توقف ما هو مطلوبه على شئ
آخر، فلا محالة يريد المتوقف عليه لأجل حصوله و، (ح) لا مانع لو لم نقل انه المتعين ان
نختار ان المقدمة واجبة بالوجوب الغيري، وان لم يكن هناك واجب نفسي وانها مرادة
بالإرادة الغيرية لوجود ملاك المقدمية فيها وان لم تتحقق الإرادة الفعلية النفسية بالنسبة
إلى ذي المقدمة بنحو الاطلاق بل تتعلق إرادة فعلية بالبعث على فرض كما تقدم
فمع عدم البعث الفعلي نحو ذي المقدمة تتعلق الإرادة بمقدمته على الملازمة بالمعنى
الذي عرفته كرارا فلا تتوهم المنافات بين ما ذكرنا هنا من أن الإرادة المتعلقة بذى المقدمة
غير فعلية وبين ما تقدم من الإرادة التشريعية في الواجب المشروط فعلية فلاحظ
والحاصل انه لا مانع عن القول بان المقدمة واجبة ومرادة دون ذيها (وتوضيح
ذلك) ان الملاك في إرادة المقدمة هو علمه بتوقف التوصل إلى الواجب عليها (فح)
إن كان ذو المقدمة مرادا فعليا ومبعوثا إليه مطلقا، فلا محالة تتعلق الإرادة الفعلية بما
يراه مقدمة بناء على الملازمة، واما إذا كان ذو المقدمة غير مبعوث إليه فعلا، و لكن
المولى وقف على أن له مقدمات لابد من اتيانها قبل حصول الشرط، والا يفوت الواجب
179

في محله بفوتها، فعند ذلك تتعلق إرادة آمريه على تحصيلها لأجل التوصل بها إلى المطلوب
بعد تحقق شرطه، (فظهر) انه على فرض الملازمة لا محيص عن تعلق الإرادة بها (وتوهم)
لزوم تحقق المعلول قبل علته، ناش من تخيل كون الإرادة المتعلقة بالمقدمات ناشئة من
إرادة ذيها أو كونهما متلازمين بالمعنى المصطلح وهما بمكان من الفساد
فان قلت إن ذلك ينافي ما سبق في تحرير محط البحث من وجود الملازمة بين
وجوبها ووجوب ذيها (فح) بعد التفكيك بينهما في المقام كيف يعقل الملازمة الفعلية
بين موجود أعني إرادة المقدمة ووجوبها وبين معدوم وهو إرادة ذيها ووجوبه (قلت) ما
حررناه في محط البحث حق لا سترة عليه الا ان لزوم وجوبها لوجوب ذيها من قبيل اللازم
الأعم لا المساوى، فكلما تحقق وجوب ذيها تحقق وجوبها ولا ينعكس، بل ربما يتحقق
وجوب المقدمة بملاك التوقفية لما يريده بنحو الاطلاق عند حصول شرطه في المستقبل،
وان لم يتحقق في المقام وجوب ذيها بالفعل
وخلاصة الكلام ان ملاك تحقق إرادة المقدمة في الفاعل والامر على وزان واحد
وهو تشخيص توقف متعلق غرضه عليه، فلو رأى الامر ان له مطلوبا تاما في المستقبل وان
لم يكن له طلب بالفعل لعدم تحقق شرطه، ولكن يعلم أن الشرط سيحصل وله بعد حصوله
غرض تام يفوت بترك الامر بالمقدة في الحال، فلا محالة يريدها على الملازمة بالمعنى
المتقدم، كما أن الفاعل يريدها، ولكن ذلك لا لأجل الملازمة بين الإرادتين إذ كيف
تصير الإرادة المعلقة بشئ منشأ للإرادة المطلقة للمقدمة بل انقداح الإرادة بملاك
فوت الغرض لولا الإرادة على ما أثبته القائلون بوجوب المقدمة في جميع الأبواب
أضف إلى ذلك ان هنا طريقا آخر لحل الاشكال غير هذا المسلك وهو
ان العاقل إذا وقف على مبدئية شئ لمطلوبه بحيث لا يمكن الوصول إليه الا به، فلا محالة يستقل
عقله بلزوم اتيانه للغير لا لمصلحة في نفسه وان لم يأمر به المولى، فلو علم المكلف ان المولى
قال أكرم صديقي إذا جائك، وتوقف اكرامه على مقدمات قبل مجيئه يحكم عقله باتيانها
لتحصيل غرضه، بل لو كان المولى غافلا عن مجئ الصديق لكن العبد واقف عليه وعلى
غرض المولى باكرامه على تقديره، يجب على العبد بحكم عقله تهيئة المقدمات حفظا
لغرضه.
180

ثم إنه لو سلم كون الإرادة في الواجب فعليا قبل حصول شرطه وان الحكم عبارة
عن الإرادة المظهرة، كان الاشكال أيضا باقيا غير مندفع وان زعم بعض أهل التحقيق ان
الاشكال يندفع به، لان الإرادة المتعلقة بشئ كما انها لا تؤثر في البعث نحو ذيها للاشتراط
بالنحو الذي التزمه لان الشرط غير حاصل، كذلك لا يمكن ان تؤثر في البعث نحو مقدماته
ومجرد وجود الإرادة الفعلية كذلك، لا يكفي في البعث نحو المقدمات مطلقا، فالاشكال
مشترك الورود بينه وبين المشهور (وان شئت قلت) لو سلمنا صحة ما ذهب إليه من حصول
الإرادة في الواجب المشروط قبل حصول شرطه لكن يبقى الاشكال بحاله أيضا لان
ظواهر كلماته كغيره هو القول بشوء إحديهما عن الأخرى على نحو العلية في الايجاد، ومن
المعلوم ان المعلول يتبع عليته في السعة والضيق لكونه من شؤنها، فلو فرضنا ان الإرادة لا
يمكن لها التأثير بالبعث فعلا نحو المراد وذي المقدمة، فكيف يمكن نشوء إرادة منها إلى
المقدمات على خلاف علتها ومنشئها
(ومن تقسيمات الواجب تقسيمه إلى المعلق والمنجز)
هذا التقسيم صدر عن صاحب الفصول لدفع الاشكال في المقدمات المفوته التي سبق
البحث عنها انفا حيث قال: إن الوجوب إذا تعلق بالمكلف به، ولم يتوقف على أمر غير مقدور
كالمعرفة يسمى منجزا، وما تعلق وتوقف حصوله في الخارج على أمر غير مقدور كالوقت
في الحج يسمى معلقا (انتهى)، والظاهر أنه لا اشكال في امكانه ووقوعه في أوامر الموالى
العرفية ولكن استشكل عليه بأمور لا طائل تحتها عدا ما حكاه المحقق الخراساني عن بعض
أهل النظر وأوضحه وفصله بعض الأعيان من المحققين في تعليقته الشريفة،
وحاصله ان النفس في وحدتها كل القوى، وفي كل مرتبة عينها، فإذا أدركت في مرتبة
العاقلة فائدة الفعل تجد في مرتبة القوة الشوقية شوقا إليه، وإذا لم تجد مزاحما تخرج
منها إلى حد الكمال الذي يعبر عنه بالقصد والإرادة، وينبعث منها هيجان في القوة العاملة
ويحرك العضلات، ومن الواضح ان الشوق وان أمكن تعلقه بأمر استقبالي، الا ان الإرادة
لا يمكن تعلقها بأمر استقبالي، والا يلزم تفكيك العلة التامة عن معلولها أعني انبعاث القوة
العاملة المنبثة في العضلات، واما الشوق المتعلق بالمقدمات بما هي مقدمات فإنما يحصل
من الشوق إلى ذيها لكنه فيها يحصل إلى حد الباعثية لعدم المزاحمة، دون ذي المقدمة
181

فإنه فيه يبقى بحاله إلى أن يرفع المانع، (واما الإرادة التشريعية) فان الشوق المتعلق بفعل
الغير إذا بلغ مبلغا ينبعث منه الشوق نحو البعث الفعلي، كان إرادة تشريعية، ومن الواضح
ان جعل الداعي ليس ما يوجب الدعوة على أي حال بل جعل ما يمكن أن يكون داعيا عند
انقياده، وعليه لا يعقل البعث نحو أمر استقبالي إذ لو فرض حصول جميع مقدماته وانقياد
المكلف لأمر المولى لما أمكن انبعاثه نحوه بهذا البعث فليس ما سميناه بعثا في الحقيقة بعثا
ولو امكانا (انتهى ملخصا)
وفيه (اما أولا) فان مبدئية الشوق للإرادة ليست دائمية وإن كانت غالبية، وقد
فصلنا القول وأوضحنا حاله في رسالة الطلب والإرادة، ونزيد هنا بيانا وهو انك ترى بعين
الوجدان ان الشخص ربما يريد أمرا لأجل التخويف والايعاد الذي يجره إليه بلا شوق منه
إلى العمل، وقد يشرب الدواء البشيع لتشخيص صلاح فيه مع الانزجار الشديد، وربما
يترك شرب الماء البارد مع شدة عطشه تسليما لحكم العقل بأنه مضر عند العرق أو لمرض
الاستسقاء (أضف إليه) ان القول بان الشوق شيئا فشيئا يصير إرادة (يوهم) خلاف التحقيق،
إذ الإرادة فينا ليست شوقا مؤكدا، فان الشوق يشبه أن يكون من مقولة الانفعال، إذا لنفس
بعد الجزم بالفائدة تجد في ذاتها ميلا وحبا إليه فلا محالة تنفعل عنه، ولكن الإرادة التي
هي عبارة عن اجماع النفس وتجمعها وتصميم الجزم، من صفاتها الفعالة، ولا يعقل ان يصير
ما هو من مقولة الانفعال، باعثا وان بلغ ما بلغ في الشدة
وثانيا: ان ما ذكره قدس سره من أن حصول الإرادة يستلزم تحريك العضلات
دائما (غير تام) إذ الإرادة تتشخص بالمراد الذي هو متعلقها، إذ لا يمكن ان تتحقق الإرادة بلا
متعلقها (فح) تعدد المراد في الخارج حقيقة يستلزم تعدد الإرادة، فان الشيئين بنحو الاستقلال لا
يعقل ان يتعلق بهما إرادة واحدة بنعت الوحدة كما أن الشئ الواحد لا يمكن ان يتعلق به ارادتان.
مستقلتان، ما لم يتطرق رائحة الكثرة والتعدد في ناحية المراد (وعليه نقول) ان في الافعال
الصادرة بمباشرة العضلات مطلوبين مستقلين ومرادين بنحو التعدد لا يختلط ذات أحدهما
وارادته بذات الاخر وارادته (أحدهما) هو ايجاد المطلوب الذي هو مراد بالذات و (ثانيهما) هو
تحريك العضلات الذي هو مطلوب ومراد بالتبع لأجل التوصل به إلى غيره لا مراد بالذات
فان الإرادة عند تمامية مباديها تتعلق بنفس بالذات حصول المراد كرفع العطش أو شرب الماء،
182

ثم تحدث إرادة ثانية لتحريك العضلات نحو الفعل الخارجي الذي هو المحصل لغرضه
(هذا) ولو أنكرنا الإرادة الثانية لما يصدق على الصادر منا انه فعل اختياري (وما افاده)
من أن الإرادة لا تنفك عن المراد، لا ينطبق الا على الثانية من الإرادتين مع تعلقها بتحريكها
فعلا، ولا تتوهم من ذلك ان هذا تخصيص في القاعدة العقلية، بل وجه عدم الانفكاك هنا
دون غيره هو ان بروز الإرادة في النفس لتحريكها فعلا، انما يكشف عن عدم المزاحم في
تحريك العضلات بالفعل، ولكن الإرادة المتعلقة بالمراد بالذات فهي تابعة لكيفية تعلقها
بالمراد، فان تعلقت بايجادها فورا فلا محالة تحصل هنا إرادة أخرى لتحريك العضلات
فعلا، وان تعلقت بايجاد أمر في المستقبل لا تتعلق الإرادة بتحريك العضلات في الحال، بل
لو فرضنا بقاء الإرادة الأولى إلى زمان العمل، تتعلق إرادة أخرى بتحريك العضلات لمكان
توقف الايجاد عليه.
وما ربما يتوهم من أن الإرادة الواحدة أعني إرادة الايجاد محركة لها أيضا (مردود)
فان النفس ترى توقف الشرب على تحريك العضلات فلا محالة تريد حركتها مستقلا لأجل
التوصل إلى مطلوبه (فتلخص) ان الإرادة المتعلقة بتحريك العضلات غير الإرادة المتعلقة
بايجاد المطلوب، وانه لا تلازم بين إرادة المطلوب وتحرك العضلات
(بحث وتفصيل)
غاية ما يمكن ان يقال في بيان كون الإرادة علة تامة لحركة العضلات هي ان القوى
العاملة للنفس وآلاتها المنبثة فيها، لما كانت تحت سلطان النفس وقدرتها بل هي من مراتبها
النازلة وشئونها الذاتية و (ح) لا يمكن لها التعصي عن ارادتها، فإذا أراد قبضها انقبضت
أو بسطها انبسطت من غير تعص ولا تاب وهذا أمر وجداني وبرهاني
هذا ولكنه لا يثبت ما ادعاه القائل لان كون القوى تحت إرادة النفس وإطاعتها
لا يثبت سوى ان النفس إذا أرادت تحريكها في الحال تحركت الأعضاء، ونحن لا ننكره
وهو غير القول بان الإرادة لا تتعلق بأمر استقبالي (بل أقول بلحن صريح) ان ما اشتهر بين
الأعاظم ومنهم شيخنا العلامة قدس سره ان الإرادة علة تامة للتحريك ولا يمكن تخلفها
عن المراد وانها العلة التامة أو الجزء الأخير منها (مما لم يقم) عليه برهان وان اخذه القوم
أصلا موضوعيا ونسجوا على منواله ما نسجوا، وكيف وقد عرفت قيام البرهان على خلافه و
183

قضاء الوجدان على مقابله، وان كنت في ريب فاستوضح من مكان آخر، وهو ان إرادة الله
تعالى قد تعلقت أزلا بايجاد ما لا يزال من الحوادث على الترتيب السببي والمسببي من غير
وصمة الحدوث وتطرق التجدد في ذاته وارادته تعالى، كما برهن عليه في محله، ولا
يمكن ان يقال في حقه سبحانه (كان له الشوق ثم صار إرادة وبلغ حد النصاب) وما فرع
سمعك ان الإرادة فيه تعالى هو العلم بالنظام الأصلح، يحتاج إلى التوضيح المقرر في
محله و (مجمله) انه ان أريد به اتحاد صفاته تعالى فهو حق، وبهذا النظر كلها يرجع إلى
الوجود الصرف التام وفوق التمام، وان أريد نفى صفة الإرادة فهو الحاد في أسمائه تعالى،
بل مستلزم لتصور ما هو أتم منه تعالى عن ذلك علوا كبيرا. (أضف) إليه، ان وجدانك أصدق
شاهد على أن الانسان يجد في نفسه ثلث حالات (تارة) يشتاق الامر الاستقبالي كمال الاشتياق
لكن لا يريده ولا يكون عازما لاتيانه و (أخرى) يريده ويقصده من غير اشتياق بل مع كمال
الكراهة و (ثالثة) يريده مع الاشتياق والحب والميل، ولأجل ذلك يتصدى لتهيئة المقدمات
في الأخيرين دون الأول
وبذلك يظهر ان ما ادعاه كليا (من أن الاشتياق يتعلق بالمقدمة من قبل ذيها) ليس بصحيح لما تقدم
ان الشوق إلى الفعل ليس من مبادئ الإرادة، بل ربما يريده لامع الشوق، كما يرضى بقطع اليد
عند فساده مع الكراهة التامة. هذا حال الإرادة التكوينية (واما الإرادة التشريعية، فامكان
تعلقها بأمر استقبالي أوضح من أن يخفى، وما ذكره (من عدم تعلق البعث نحو أمر استقبالي، إذ لو
فرض حصول مقدماته لما أمكن انبعاثه نحوه بهذا البعث) ففيه ان انبعاث العبد تابع لكيفية
البعث فلو بعثه إلى ايجاده فعلا فلا محالة يقع الانبعاث كذلك بعد حصول مبادئ الامتثال في نفسه،
(واما) إذا بعثه فعلا إلى أمر استقبالي بمعنى طلب ايجاده في ذلك الوقت فليس له الانبعاث الا في
ذلك الوقت لابعده ولا قبله - وعدم انبعاثه حال البعث مع فرض حصول المقدمات للانبعاث غير
مضر لان المولى لم يبعثه إلى الايجاد حال البعث حتى يضر تخلفه عن البعث بل في وقت مضروب،
واما الوجه في تقديم البعث على وقت المبعوث إليه، فلأجل احتمال حدوث المانع في وقته كما
في الأوامر الشخصية واما الخطابات العامة فقد عرفت انه الطريق الوحيد في القوانين الكلية
(وهم ودفع)
(اما الأول) فهو ما اورده بعض الأعاظم على ما في تقريراته وعليه بنى بطلان
184

الواجب المعلق فيما إذا كان القيد أمرا غير مقدور و (حاصله) ان التكليف في القضايا الحقيقية
لابد وأن يكون مشروطا بالنسبة إلى جميع القيود المعتبرة في الموضوع من غير فرق في
ذلك بين الزمان وغيره، مضافا إلى أن الزمان من الأمور غير الاختيارية فلابد من اخذه
مفروض الوجود، والا يلزم تكليف العاجز و (ح) كيف يمكن القول بان التكليف بالنسبة
إلى سائر القيود يكون مشروطا وبالنسبة إلى خصوص الوقت مطلقا، وأي خصوصية في
الوقت حيث تقدم الوجوب عليه دون سائر القيود مع اشتراك الكل في اخذه قيد للموضوع
و (ليت شعري) أي فرق بين الاستطاعة في الحج والوقت في الصوم بل الامر في الوقت
أوضح، لأنه لا يمكن الا اخذه مفروض الوجود، لعدم تعلق القدرة عليه، ولا يمكن ان
تتعلق إرادة الفاعل به لكونه أمرا غير اختياري و (الحاصل) ان مبنى الانكار هو ان كل قيد
لابد ان يؤخذ مفروض الوجود ومعه لا يمكن تقدم الوجوب عليه لأنه يلزم الخلف
(انتهى)
قلت: ان ما ذكره مبنى على ما اخذه قاعدة كلية في باب الشروط من أن الشروط
كلها من قيود الموضوع كما ربما يكرر في كلامه (ان الموضوع لوجوب الحج هو العاقل
البالغ المستطيع) مع أنه غير واضح إذ القيود بحسب نفس الامر مختلف لا يعقل ارجاع
واحد منها إلى آخر، فان القيود المحصلة لغرض المولى على نحو لولاه لما اتصف بالمحبوبية
كما مر من نحو الصلاة في المسجد، لا معنى لارجاعها إلى الموضوع بل هي من قيود المتعلق
فان الطبيعة المطلقة ليست مطلوبة حتى تقع تحت دائرة الطلب، كما أن القيود التي لا
تنقدح الإرادة الا عند وجودها وإن كانت الطبيعة وافية للغرض من قيود الهيئة أو الموضوع على
اصطلاحه لا من قيود المتعلق، إذ المفروض انه لا دخل له في اتصاف الموضوع بالمصلحة، بل له
دخل في ظهور الإرادة وانقداحها وتعلق البعث كنزول الضيف على المولى على ما تقدم توضيحه
(فح) سؤال الفرق بين الاستطاعة والزمان على فرض كونه دخيلا في تحصيل الغرض واتصافه
بالصلاح، عجيب جدا، إذ الاستطاعة من شرائط انقداح الإرادة، فلا تقع تحت الطلب دون الثاني
وظني: ان الذي أوقعه في الاشتباه هو تخيل ان الامر بالمقيد أمر بنفس القيد
فتخيل (ان الشئ الخارج عن تحت الاختيار والحاصل بنفسه كالوقت، كيف يكون واجبا
ويقع تحت البعث). وقد مر ان الامر بالمقيد ليس أمرا بنفس القيد، والا لم يبق فرق بين
185

الجزء والشرط بل أمر بالتقيد، وقد تقدم ان البعث إلى الشئ لا يتجاوز عما تعلق به وذات
القيد خارج والتقيد داخل، وإيجاد القيد وإن كان أمرا غير اختياري كالزمان والسماء،
الا ان ايجاد الصلاة تحت السماء مقدور، واتيانها في وقته المزبور لا قبله ولا بعده أمر ممكن
فلو فرضنا ان القيد سيوجد في ظرفه أو يمكن له الايجاد في وعائه يصير الواجب بالنسبة
مطلقا لا مشروطا (فاتضح) صحة تقسيم الواجب المطلق إلى المعلق والمنجز، وإن كان
عادم الثمرة بالنسبة إلى المقدمات المفوتة التي أثبتنا وجوبها فراجع
(تتمة)
قد عرفت اختلاف حال القيود في الرجوع إلى الهيئة أو المادة بحسب نفس الامر،
فان علم واحد من الامرين يعمل على طبقه واما إذا دار الامر بين رجوعه إلى الهيئة أو المادة
فمع اتصاله بالكلام لا اشكال في صيرورة الكلام مجملا مع عدم وجود ظهور لغوى، أو
انصراف أو قرينة يعين المراد، (واما مع انفصاله) فربما يقال كما عن المحقق صاحب
الحاشية من أن الرجوع إلى الهيئة مستلزم لرجوعه إلى المادة دون العكس، فدار الامر
بين تقييد وتقييدين، و (فيه) ان اختلاف حال القيود بحسب نفس الامر بحيث لا يرجع
أحدهما إلى الاخر أصلا (يوجب ضعف ما زعم من الملازمة) نعم نقل عن الشيخ الأعظم هنا
وجهان لترجيح ارجاعه إلى المادة، واليك البيان
الأول ان اطلاق الهيئة شمولي كالعام واطلاق المادة بدلي وتقييد الثاني
أولى، وقرر وجه الأولوية بعض الأعاظم بان تقديم الاطلاق البدلي يقتضى رفع اليد عن
الاطلاق الشمولي في بعض مدلوله بخلاف تقديم الشمولي فإنه لا يقتضى رفع اليد عن الاطلاق
البدلي فان المفروض انه الواحد على البدل وهو محفوظ غاية الأمر ان دائرته كانت وسيعة
فصارت ضيقة (وببيان آخر) ان البدلي يحتاج زائدا على كون المولى في مقام البيان، إلى
احراز تساوى الافراد في الوفاء بالغرض حتى يحكم العقل بالتخيير، بخلاف الاطلاق
الشمولي، فإنه لا يحتاج إلى أزيد من ورود النهى على الطبيعة غير المقيدة، فيسرى الحكم
إلى الافراد قهرا فمع الاطلاق الشمولي لا يحرز تساوى الافراد فيكون الشمولي حاكما على
البدلي، (انتهى ملخصا)
قلت: سيوافيك في مبحث المطلق، والمقيد ان تقسيم الاطلاق إلى الشمولي و
186

البدلي غير صحيح، لان دلالة المطلق على الاطلاق ليس دلالة لفظية بل دلالة عقلية
بخلاف العام فان دلالته على العموم لفظية لا عقلية، فالعالم يكون شموليا وبدليا لا المطلق
واطلاقه
(وتوضيحه) حسب ما يناسب المقام، انك قد عرفت ان اللفظ إذا وضع لمعنى لا يدل
الا على نفس ما وضع له، ولا يمكن التجاوز به عنه إلى غيره، فلو كان اللفظ موضوعا للطبيعة
لا يعقل (ح) دلالته على الخصوصيات والافراد والحالات، بل لابد في الدلالة عليها من دال
لفظي آخر، و (اما) الاطلاق المستفاد من مقدمات الحكمة فليس دليلا لفظيا بل دليل عقلي
وهو لا يجعل غير الدال دالا وغير الحاكي حاكيا (لان معنى الاطلاق) هو ان ما وقع تحت
دائرة الحكم تمام الموضوع للحكم من غير دخالة قيد أو شرط، وعليه فالدال على ذلك
هو العقل حيث يستكشف من عدم ذكر القيد في الكلام مع كونه في مقام البيان، ان تمام
الموضوع هو ما وقع تحت دائرة الحكم (يرشدك إلى هذا) الاطلاق الموجود في كلام رب
العزة، أحل الله البيع، حيث يدل على أن تمام الموضوع للحلية هو نفس طبيعة البيع لا
افرادها، كما أن معنى الاطلاق في قول القائل أكرم عالما، هو ان تمام الموضوع لوجوب
الاكرام هو العالم فقط، لا هو مع قيد آخر و (بالجملة) الذي يستفاد من الاطلاق ليس الا كون
الواقع موضوعا للحكم تمام العلة لثبوته، واما الشمول والبدلية بمعنى كون الحكم شاملا
لجميع الافراد أو فرد منها، أو بمعنى ان الطلب هل يسقط بايجاد فرد منها، أو بايجاد كلها
(فغير مربوط) بالاطلاق بل لابد في استفادة أي واحد من الشمول والبدل من التماس دليل
آخر غير الاطلاق
فظهر: مما ذكرناه ان تقسيمه إلى الشمولي والبدلي باطل من رأسه فلا وجود
لهما في الاطلاق حتى نبحث عن وجود المرجحات (نعم) لو جعلا من أقسام العموم الذي
يدور دلالته مدار اللفظ، لكان لهذا التقسيم معنى محصل، لان الدال على العموم الشمولي
في الألفاظ هو لفظ كل واللام وما أشبههما، وما يدل على العموم البدلي هو أي الاستفهامية و
غيره! وقس عليه قولنا أكرم عالما فالدال على وجوب واحد غير معين من الافراد هو التنوين
كما أن الدال على اجزاء كل واحد من الافراد وتساويها في الحكم وان الفقاهة مثلا لا
خصوصية لها هو الاطلاق (فتلخص ان ما يستفاد من دوال آخر لا يجوز ان يجعل من مداليل
187

الاطلاق: وظهر ان معنى الاطلاق في قوله تعالى أحل الله البيع، وان معنى اطلاقه هو كون
البيع وحده لا مع قيد آخر تمام الموضوع فقط، واما الشمول لو ثبت فيه فيحتاج إلى دال آخر
غير الاطلاق وقس عليه باب النواهي مميزا مدلول الاطلاق عن مدلول غيره
ثم إنه لو سلمنا وجود البدلي والشمولي في الاطلاق، لكن لا وجه لتقديم أحدهما
على الاخر، و (ما تقدم عن بعض الأعاظم) من أن تقييد الشمولي تصرف في الدليل دون البدلي
فإنه باق على مفاده وان رجع إليه القيد، غاية الأمر صارت دائرته مضيقة (من غرائب الكلام)
فان التضييق الايصار إليها لابعد التقييد، وهو عين التصرف في الدليل، المساوق مع رفع اليد
عنه، و (بالجملة) ارجاع القيد إلى كل واحد يستلزم التصرف فيه ولو بالتضييق، ومعه كيف
يصح ان يقال بأنه لو رجع إلى المادة لا يرفع اليد عن الدليل
واغرب منه ما ادعاه ثانيا في ترجيح التقييد البدلي من أنه يحتاج إلى أمر زائد
على مقدمات الحكمة لاثبات تساوى الافراد بخلاف الشمولي فان نفس تعلق النهى يكفي
في السراية (قلت) وفي كلا الا دعائين نظر لو لم نقل ان الامر على عكسه. فان تساوى الافراد
في موضوعيتها للحكم انما يستفاد من نفس الاطلاق لا بمعنى كون الافراد موضوعا له بل إن
الاطلاق يفيد كون العالم في أكرم عالما، تمام الموضوع وليس لشئ آخر دخل فيه
وهو عين تساوى الافراد في الحكم لكون تمام الموضوع متحققا في كل واحد، فنفس تعلق
الحكم كاف في اثبات الاطلاق البدلي و (لكن) نفس تعلق الحكم لا يكفي في السراية و
الشمول ولو بعد مقدمات الحكمة، فان الظاهر أن المراد من السراية هو سراية الحكم
إلى الافراد بخصوصياتها، والمفروض ان الحكم لا يتجاوز عن موضوعه الذي هو نفس الطبيعة
لا الافراد، الا أن يكون الموضوع لفظ كل ولام التعريف (فبأن) ان ما يثبت باطلاق كون
الطبيعة تمام الموضوع. واما ان الحكم لكل واحد بنحو الشمول فيحتاج على دليل آخر غير الاطلاق
هذا كله في البدلي والشمولي في غير المقام، واما المقام فلا نتصور لهما معنى
محصلا، فلو فرضنا ان اطلاق الهيئة شمولي والمادة بدلي: ولكن الشمول في الهيئة يوجب
كون اطلاق المادة شموليا أيضا لان معنى الشمول في الهيئة هو البعث على كل تقدير، وتعلق
الإرادة على كل فرض و (بعبارة ثانية) البعث على جميع التقادير بحيث يكون في كل تقدير
ايجاب ووجوب، و (معه) كيف يمكن أن يكون اطلاق المادة بدليا إذ كيف تتعلق إرادات
188

وايجابات في عرض واحد على فرد ما و (الحاصل) انه يستكشف من تنظير المقام بالعام
ان معنى الشمول هو البعث على كل التقادير، ومعه لا يحتفظ بدلية المادة لعدم امكان تعلق
الإرادات بنحو العرضية على فرد ما بلا تكثر في المتعلق
فان قلت: ان معنى الشمولي هو ان البعث واحد غير مقيد والمراد من وجوبه
على كل تقدير، انه لا يتعلق الوجوب بتقدير خاص لا ان لكل عدد من التقادير بعث خاص (قلت)
ان هذا رجوع عن الاطلاق الشمولي فان المادة أيضا بهذا المعنى لها اطلاق شمولي و (لعمر
الحق) انك إذا تأملت فيما ذكرنا وفيما سيوافيك توضيحه في محله، لعلمت ان الاطلاق
الشمولي والبدلي مما لا محصل لهما، ولو فرض لهما معنى معقول ففيما نحن فيه غير معقول
ومع فرض تعقلهما لا وجه لتقديم أحدهما على الاخر عند التقييد
الوجه الثاني ان تقييد الهيئة يوجب بطلان محل الاطلاق في المادة لأنها
لا محالة لا تنفك عن وجود قيد الهيئة بخلاف تقييد المادة فان محل الحاجة إلى اطلاق
الهيئة على حاله، فيمكن الحكم بالوجوب على تقدير وجود القيد وعدمه، وكلما دار
الامر بين تقييدين كذلك، كان التقييد الذي لا يوجب بطلان الاخر أولى
وفيه انك بعد ما عرفت ان القيود بحسب الواقع مختلفة بالذات لا يختلف ولا يختلط
بعضها ببعض (فح) ان أراد من قوله إن ارجاعه إلى الهيئة يوجب ابطال محل الاطلاق في المادة،
ان القيد بحسب نفس الامر يرجع إلى المادة فقد عرفت بطلانه وان التميز بين القيدين واقعي
لا اعتباري (وان) أراد ان تقييد الهيئة يوجب نحو تضييق في صاحبتها وابطالا لمحل اطلاقها
كما هو ظاهره (ففيه) ان العكس أيضا (كك) فإنه إذا قلنا أكرم زيدا ان جائك وفرضنا ان القيد
راجع إلى البعث فكما ان الهيئة مقيدة دون المادة أي يجب على فرض مجيئه نفس طبيعة الاكرام
بلا قيد لكن يوجب ذلك تضييقا قهريا في نفس الاكرام أيضا لا بمعنى التقييد بل بمعنى ابطال
محل الاطلاق فيها، فكذلك إذ اورد القيد على المادة فقط فان الهيئة (ح) تتضيق قهرا ولا تدعوا
الا إلى المقيد وان شئت فاستوضح ذلك بمثالين فيما إذا قلنا أكرم زيدا وما إذا قلنا أكرم زيدا
اكراما مقيدا بمجيئه فانا نجد مع كون البعث في الثاني أيضا مطلقا ولو من جهة تحقق
المجيئ ولا تحققه كالمثال الأول الا ان دائرة الطلب في الأول أوسع من الثاني لأنه يدعوا
إلى نفس الاكرام قارن بالمجيئ أو لا وذاك لا يدعوا الا إلى المقيد من الاكرام دون مطلقه
189

وهذا معنى التضييق في الهيئة إذا رجع إلى المادة كما عرفت عكسه، وبذلك يظهر ما في
قوله في بيان بقاء محل الاطلاق في طرف الهيئة من امكان الحكم بالوجوب على تقدير
وجود القيد وعدمه، وذلك لان الحكم في الواجب المعلق وإن كان مطلقا من حيث تحقق القيد
وعدمه الا انه لا يبعث الا إلى ناحية المقيد ولا يحرك إلى غير المقيد وهذا الضيق مكتسب من
جانب مادتها المقيدة (فح) هي بالنسبة إلى غير محل القيد يبطل محل اطلاقها وان لم يصر مقيدة
ولا منافاة بين عدم بعثه إلى غير المقيد وبعثه قبل وجوده (فتلخص) انه لا فرق بين تقييد
المادة والهيئة لا من جهة ان تقييد كل لا يوجب تقييد الاخر ولا من جهة ان تقييده يوجب
ابطال محل اطلاقه وما في تقريرات بعض أهل التحقيق من أن تقييد المادة معلوم تفصيلا
لأنها اما مقيدة ذاتا أو تبعا وتقييد الهيئة مشكوك فيه فيصح التمسك باطلاقها لرفع الشك
غير واضح المراد، لان المادة كيف يكون تقييدها متيقنا وقد تقدم ان ارجاع القيد إلى الهيئة
لا يوجب تقييد المادة ولو تبعا وإن كان يوجب بطلان محل الاطلاق فيها، وكم فرق بين
التقييد وابطال محل الاطلاق (ثم) أي دليل بعد تسليمه في المقام على الترجيح المذكور
فتدبر في أطراف ما ذكرنا
ومنها تقسيمه إلى واجب نفسي وغيري، الظاهر أن تقسيم الواجب إلى الأقسام
ليس باعتبار الإرادة أو الغرض لأنهما خارجان من اعتبار الوجوب والواجب لما عرفت من أن
الحكم ليس هو نفس الإرادة أو هي بانضمام الاظهار بل أمر اعتباري عقلائي ينتزع عن نفس
البعث بل التقسيم باعتبار البعث والوجوب، (فح) يصح ما يدور في الألسن من أن النفسي ما
أمر به لنفسه، والغيري ما أمر به لغيره، وإن كان الأظهر تعريفهما بان للبعث إذا تعلق بشئ لأجل
التوصل إلى مبعوث إليه فوقه فهو غيري، وان تعلق به من غير أن يكون فوقه مبعوث إليه فهو
نفسي وبما ذكرنا يندفع ما ربما يورد على تعريف المشهور من استلزامه كون الواجبات
غيريا لأنه قد أمر بها لأجل مصالح تترتب عليها خارجا، لأنك قد عرفت ان التقسيم ليس باعتبار
الإرادة في كل من الفاعل والامر ولا باعتبار الاعراض المتصاعدة إلى أن تبلغ إلى ما هو
المقصود بالذات بل بالنظر إلى نفس الحكم الاعتباري باعتبار كون صدوره لأجل خطاب
فوقه أولا (نعم) يمكن تقسيمه باعتبار الإرادة إلى نفسي وغيري أيضا (فنقول) النفسي ما تعلقت
به إرادة الايجاد لأجل نفسه أو لأجل ما يترتب عليه من الفوائد لا لأجل التوصل إلى ما تعلقت به
190

إرادة ايجاد أخرى، والغيري ما تعلقت به إرادة لأجل التوصل إلى ما تعلقت به إرادة ايجاد فوقها
(هذا) هو الحال في الإرادة الفاعلية وقس عليه الامرية هذا وقد عرفت ان الملاك في هذا التقسيم
ليس باعتبار الإرادة ولا باعتبار كونه محبوبا بالذات أو بالغير لأنها ان صحت فإنما هي في
التقسيم بحسب الملاكات والاغراض بل التقسيم هنا باعتبار كون المقسم هو الحكم وقد تقدم
ان الخطاب وجعل الحكم باعتبار التوصل إلى خطاب آخر فوقه غيري، وجعله لا لأجل
التوصل إليه نفسي، مثلا إذا أمر المولى عبده ببناء مسجد ولم يكن فوقه أمر آخر متوجه إلى
المأمور يكون ذلك نفسيا وإن كان لأجل غرض كالصلاة فيه، وإذا امره أيضا باحضار
الاحجار والاخشاب لأجل التوصل إلى ذلك المبعوث إليه يكون غيريا، كما أنه إذا مر
ابتداء اشخاصا فامر شخصا بشراء الاحجار وآخر باحضارها وثالثا بتحجيرها تكون تلك
الأوامر نفسيات، ولكن إذا أمر كل واحد منهم لأجل التوصل إلى ذلك المبعوث إليه الخاص
بهم يكون غيريا مع أن كلها لأغراض وهى ترجع إلى غرض اقصى فوقها والامر سهل (ثم إنه)
إذا شك في واجب بأنه نفسي أو غيري فربما يقال إن الاطلاق يقتضى كونه نفسيا فان المحتاج
إلى البيان كون الخطاب لأجل غيره (وفيه) ان التقسيم يحتاج إلى تصوير جامع بين الأقسام
حتى يتميز الافراد عنه بخصوصية زائدة على مقسمه، وليس هو هنا نفس الحكم لأنه أمر
ايجادي جزئي وقد تقدم انه يمتنع تصوير جامع حقيقي بين الايجاديات، لان الجامعيته
تساوق الكلية فلابد أن يكون مع اعتبار كونه جامعا من سنخ المصاديق بالذات بان يكون في
حال كونه جامعا، ايجاديا أيضا، ولكن الايجاد ولو اعتبارا عين الفردية والخصوصية فكيف
تجتمع مع الجامعية فلا مناص أن يكون تقسيم الحكم إليهما باعتبار مباد متقدمة على الحكم
بان يقال إن الوجوب اما لأجل التوصل إلى مبعوث إليه فوقه، واما لا لأجل ذلك بل تعلق بشئ
من غيران يكون خطاب فوقه وقد تقدم نظيره في تحقيق معنى الوجوب والندب (فح) كل
من النفسية والغيرية متقوم بقيد زائد وكك إذا قلنا بأن البعث الكلى موضوع له وجامع
بينهما وإن كان خلاف التحقيق إذ عليه يحتاج كل واحد إلى البيان ولو من باب زيادة الحد
على المحدود سواء كان القيود وجودية أو عدمية وقد مر ان القيد العدمي في الندب ونظيره
لم يؤخذ على نحو السالبة المحصلة بل على نحو موجبة السالبة المحمول أو السالبة المعدولة
والا يلزم أن يكون المقسم عين القسم
191

نعم لا يبعد ان يقال إن الحمل على النفسي مقتضى الانصراف لا بمعنى انصراف
جامع كلي إلى أحد أقسامه فان التحقيق كما عرفت ان الموضوع له في الهيئة وما أشبهها خاص
وهى لا تستعمل في النفسي والغيري الا استعمالا ايجاديا لنفس البعث والاغراء بل بما ان
البعث لأجل الغير لما كان نادرا بالمعنى الذي أسمعناك فلا يعتنى باحتماله لدى العقلاء
وان شئت قلت طبق ما قررناه في البحث عن هيئة افعل، ان البعث المتعلق بشئ
حجة على العبد ولا يجوز التقاعد عن امتثاله باحتمال كونه مقدمة لغيره إذا فرض سقوط
امره (هذا) وربما يقال إن الوجوب الغيري لما كان مترشحا عن وجوب الغير كان وجوبه
مشروطا بوجوب الغير كما أن الغير يكون مشروطا بالواجب الغيري فيكون وجوب الغير
من المقدمات الوجوبية للواجب الغيري ووجود الواجب الغيري من المقدمات الوجودية
لذلك الغير كالصلاة والوضوء فهي مشروطة به ووجوبه مشروط بوجوبها (فح) يرجع
الشك في كون الواجب غيريا إلى شكين أحدهما الشك في تقييد وجوبه بوجوب الغير
و (ثانيهما) الشك في تقييد مادة الغير به فيرفع الشكان باطلاق المادة والهيئة بل اطلاق
أحدهما كاف لرفعهما لحجية مثبتات الأصول اللفظية انتهى ملخصا
وأنت خبير بان القول بكون وجوبها مشروطا بوجوب ذيها لا يجتمع مع القول
بكون وجوبها مترشحا عن وجوبه لاستلزامه أن يكون المعلول متقيدا ومشروطا بعلته
وهو باطل بالضرورة (اما الملازمة) فلان الإرادة الغيرية إذا كانت مفاضة عن الإرادة النفسية
على نحو الايجاد تكون الأولى في حد المعلول بالنسبة إلى الثانية وتقييد وجود المعلول
بعلته، اما في حال وجوده وهو يستلزم ان يوجد المعلول بتمام شؤونه ثم يرتبط بعلته بعد
استقلاله (واما) في حال عدمه وهو باطل بالبداهة لان المعدوم الباطل العاطل كيف يقع
طرفا للإضافة (والحاصل) ان اشتراط الشئ فرع وجوده ضرورة ان المعدوم لا يشترط
بشئ ولابد أن يكون الواجب الغيري متحققا ثم يشترط بشئ وهو لا يجتمع مع فرض
كونه معلولا فاشتراط المعلول بوجود علته مستلزم لوجوده قبل وجودها أو اشتراط
المعدوم في حال عدمه
فان قلت يمكن أن يكون مراده من الشرطية ما حقق في محله من أن للمعلول
ضيقا ذاتيا من ناحية علته بمعنى ان المؤثر في هذه الحرارة الخارجية ليست النار المطلقة
192

ولا المقيدة بهذه الحرارة بل النار التي لا تنطبق الا على الحصة المؤثرة فيها (قلت) ان الضيق
الذاتي أمر تكويني دائر امره بين الوجود والعدم، لا يقبل الوضع والرفع، والبحث فيما
يمكن ان يرفع بمعونة الاطلاق (ثم) ليس البحث هنا بحثا اعتباريا حتى يقال إن هذه البراهين
على فرض صحتها راجعة إلى التكوين إذ قد عرفت ان الحكم عند القائل هي الإرادة المظهرة
وهى من مراتب الخارج (والحاصل) ان توقف وجود شئ على وجود شئ آخر، غير اشتراطه
به واستناد المعلول إلى العلة وضيقه الذاتي، غير التقييد والاشتراط فتحصل مما ذكر انه
لا مجال للتمسك بالاطلاق لرفع الشك المزبور (أضف) إلى ذلك ان عد الواجب الغيري من
قيود المادة في الواجب النفسي مطلقا لا يصح إلا في الشرايط دون غيرها من الغيريات كنصب
السلم بالنسبة إلى الصعود (واما القول) بحجية مثبتات اللفظية من الأصول فإنما يصح
لو كانت من الطرق العقلائية الكاشفة عن الواقع وهو محل تأمل وتردد (واما الأصلي العملي)
فقد تعرض لحاله بعض الأعاظم في ضمن أقسام ولا بأس بالتعرض لحالها قال قدس سره
(الأول) إذا علم بوجوب واجب نفسي ووجوب ما احتمل النفسية والغيرية من دون اشتراط
وجوب النفسي بشرط غير حاصل كما إذا علم بعد الزوال بوجود الوضوء والصلاة وشك
في وجوب الوضوء انه غيري أو نفسي ففي هذا القسم يرجع الشك إلى تقييد الصلاة بالوضوء
فيكون مجرى البراءة لكونه من صغريات الأقل والأكثر الارتباطيين (واما الوضوء) فيجب
على أي حال نفسيا كان أو غيريا، (وفيه) ان اجراء البراءة في الصلاة غير جائز بعد العلم
الاجمالي بوجوب الوضوء نفسيا أو وجوب الصلاة المتقيدة به، والعلم التفصيلي بوجوب
الوضوء الأعم من النفسي والغيري، لا يوجب انحلاله الا على وجه محال كما اعترف به القائل
في الأقل والأكثر فراجع
القسم الثاني الفرض بحاله لكن كان وجوب النفسي مشروطا بشرط غير
حاصل كالوضوء قبل الوقت بناء على اشتراك الصلاة بالوقت ففي هذا القسم لا مانع من جريان
البراءة، لعدم العلم بالوجوب الفعلي قبل الوقت (قلت) ان ذلك يرجع إلى العلم الاجمالي بوجوب
الوضوء نفسا أو وجوب الصلاة المتقيدة به بعد الوقت، والعلم الاجمالي بالواجب المشروط
إذا علم تحقق شرطه فيما سيجئ أو الواجب المطلق في الحال منجز عقلا فيجب عليه الوضوء في
الحال والصلاة مع الوضوء بعد حضور الوقت (نعم) لو قلنا بعدم تنجيز العلم الاجمالي المذكور
193

كان اجراء البراءة في الطرفين بلا مانع لكنه خلاف التحقيق وقد اعترف في مقام آخر بتنجيز
العلم الاجمالي في التدريجيات ولو كان للزمان دخل خطابا وملاكا فراجع كلامه في الاشتغال
القسم الثالث ما إذا علم بوجوب ما شك في غيريته ولكن شك في وجوب الغير
كما إذا شك في وجوب الصلاة في المثال المتقدم وعلم بوجوب الوضوء ولكن شك في
كونه غيريا حتى لا يجب لعدم وجوب الصلاة ظاهرا بمقتضى البراءة أو نفسيا حتى يجب
ففي هذا القسم بجب الوضوء دون الصلاة لأنه من قبيل الأقل والأكثر الارتباطيين حيث إن
العلم بوجوب ما عدا السورة مع الشك في وجوبها يقتضى وجوب امتثال ما علم ولا يجوز اجراء
البراءة فيه مع أنه يحتمل كون ما عدا السورة واجبا غيريا، وكون المقام من قبيل المقدمات
الخارجية وهناك من الداخلية لا يكون فارقا (وأنت) خبير بان العلم التفصيلي بوجوب الوضوء
وتردده بين الوجوب النفسي والغيري، لا يمكن الا مع العلم الاجمالي بوجوب الصلاة
المتقيدة بالوضوء أو وجوب الوضوء نفسيا وهذا العلم الاجمالي لا يوجب الانحلال الا
بوجه محال كما عرفت وتصور الشك البدوي للصلاة مع العلم التفصيلي الكذائي بوجوب
الوضوء، جمع بين المتنافين والعجب منه (قده) حيث قال وعلم بوجوب الوضوء ولكن شك في
كونه غيريا حتى لا يجب فكيف جمع بين العلم بالوجوب والشك فيه (ثم) الفرق بين المقام و
الأقل والأكثر في الاجزاء واضح اعترف به قدس سره في باب الأقل والأكثر وأوضحنا سبيله، هناك
فان المانع من الانحلال في المقام هو الدوران بين النفسية والغيرية، بخلاف الاجزاء والتفصيل
موكول إلى محله وفى المقام تنبيهات الأول
هل يترتب على اتيان الواجب الغيري ثواب أولا التحقيق ان ذلك يختلف باختلاف
الانظار في كيفية الثواب والعقاب الأخرويين ونشير إلى الآراء على نحو الاختصار والتفصيل
يطلب من محله فذهب جماعة إلى انهما من لوازم الأعمال بمعنى ان الأعمال الحسنة والافعال
القبيحة في الدنيا تعطى استعدادا للنفس حقيقة به يقتدر على انشاء صور غيبية بهية من
الحور والقصور وكذا في جانب الأعمال السيئة، (بل مثل الأعمال، الأخلاق والعقايد و
الهواجس والصفات النفسانية) فان لها لوازم لا تنفك عنها وتوجب اقتدارا للنفس على ايجاد
لوازمها وآثارها على ما فصل في كتبهم (وبالجملة) فالجزاء هو التمثل الملكوتي عملا
وخلقا واعتقادا وهذا الوجه يطلب من محال
194

وذهب جماعة أخرى آخذا بظواهر الآيات والاخبار بأنهما من المجعولات كالجزائيات
العرفية في الحكومات السياسية كما هو ظاهر قوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها
ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها إلى غير ذلك، وهو المرضى عند المحقق النهاوندي على
ما حكى عنه مستدلا بأنه لولاه لزم التشفي المحال في حقه تعالى، وذهب طائفة إلى أن الثواب
والعقاب بالاستحقاق وان العبد يستحق من عند ربه جزاء العمل إذا أطاع أو عصى، ولا يجوز
له تعالى التخلف عنه عقلا في الطاعة واما جزاء السيئة فيجوز عنه العفو
ثم إن ترتب الثواب والعقاب على المسلك الأول أمر مستور لنا، إذ لا نعلم أن النفس
بالطاعات والقربات تستعد لانشاء الصور الغيبية وايجادها، وعلى فرض العلم بصحته اجمالا
فالعلم بخصوصياتها وتناسب الافعال وصورها الغيبة مما لا يمكن لأمثالنا (نعم) لا شبهة
ان لاتيان الأعمال الصالحة لأجل الله تعالى تأثيرا في صفاء النفس وتحكيما لملكة الانقياد و
الطاعة ولها بحسب مراتب النيات وخلوصها تأثيرات في العوالم الغيبية، وكذا الحال في
اتيان مقدماتها وتهيئة مباديها بل كل من المقدمة وذيها إذا اتاهما لأجله تعالى، يوجب صفاء
النفس وتثبيت ملكة الطاعة هذا هو الحال على القول الأول
واما على الثاني من المسلك فلا شك ان التخلف بعد الجعل قبيح لاستلزامه الكذب
لو أخبر عنه مع علمه بالتخلف كما في المقام، أو لاستلزامه التخلف عن الوعد والعهد لو انشائه، و
امتناعهما عليه تعالى واضح جدا (فح) ترتب الثواب والعقاب يتبعان مقدار الجعل سعة وضيقا و
كما يجوز الجعل على أصل العمل، يجوز جعله على المقدمات أيضا ويترتب الثواب عليها
من دون ان نلتزم كونها عبادة برأسها إذ هو بعيد جدا ويظهر عن عدة من الاخبار ترتبها
على مقدمات بعض الأعمال كما في زيارة امام الطاهر أبي عبد الله الحسين (ع) حيث ورد الثواب
على كل خطوة لمن زاره ماشيا و (اما) على المسلك الثالث الذي هو خلاف التحقيق في
جانب الثواب لان من عرف مقام ربه من الغنى والعظمة ومقام نفسه من الفقر والفاقة يعرف
ان التفوه بالاستحقاق دون التفضل مما لا يليق ان يصدر الا عمن جهل بشؤون ربه وغفل عن
نقصان ذاته وان كل ما ملكه من أعضاء وجوارح ونعم، كلها منه تعالى لا يستحق شيئا إذا
صرفه في طريق عبوديته وكيف كان فعلى فرض صحة المبنى فهل يستحق الثواب على الغيريات
كما يستحقه على النفسيات أولا والحق هو الثاني لان الاستحقاق انما هو على الطاعة ولا يعقل
195

ذلك في الأوامر الغيرية لأنها بمعزل عن الباعثية، لان المكلف حين اتيان المقدمات لو كان
قاصدا لامتثال الامر النفسي، فالداعي حقيقة هو ذلك الامر دون الغيري لان وجود النفسي
ودعوته وإرادة المكلف لامتثاله، كاف في الزام العبد ومقهوريته في تهيئة المبادى، وإن كان راغبا
عنه معرضا فلا معنى لاتيان المقدمات لأجهل ذيها كما هو مفاد الأوامر الغيرية (فح) لم يكن
الامر الغيري داعيا وباعثا مطلقا وما شأنه هذا لا يعقل استحقاق الثواب عليه وما ربما
يترائى في الاخبار من الامر بالجزء والشرط فهو ارشاد إلى جزئيته وشرطيته لا انه باعث
وداع نحوهما
وتوهم استحقاق الثواب عليها باعتبار الواجب النفسي (مدفوع) بان المراد من
الاستحقاق في المقام هو كون ترك الثواب ظلما وقبيحا وممتنعا عليه تعالى (فح) فالآتي
بالمقدمات لأجل التوصل إلى ذيها إذا فرضنا انه لم يأت بالواجب النفسي لعذر عقلي أو شرعي، فإن كان
مستحقا للثواب لأجل الواجب الغيري فقد عرفت حاله من كون الاستحقاق فرع الطاعة و
هو فرع كون امره داعيا وباعثا، وإن كان مستحقا لأجل النفسي فهو لم يأت بمتعلقه فكيف يستحق
اجر ما لم يفعله فهو كمن تحمل المشاق واستفرغ الوسع في رد الضالة ولم يتمكن عنه
فرجع آيسا فهل تجد من نفسك جواز القول باستحقاقه الاجر الذي عين لردها أو أجرة المثل
إذا أمر بالرد بلا تعين الأجرة
فان قلت إذا فرضنا شخصين ادركهما الاجل لدى الزوال، وكان أحدهما متطهرا
وممهدا جميع المقدمات التي تحتاج إليها الصلاة دون الاخر فانا نجد بين الرجلين فرقا
واضحا كما نجده بين من أحرم للحج مما يقرب من مكة ومن أحرم وتوجه نحو الكعبة
من أقاصي البلاد فهل هما سيان في المثوبة مع قلة المشتقة في أحدهما وكثرتها في الاخر
قلت إن ذلك خلط بين استحقاق العبد وممدوحيته بمعنى ادراك العقل صفاء نفسه
وكونه بصدد إطاعة امره وانه ذو ملكة فاضلة وسريرة حسنة ضرورة ان التهيؤ باتيان المبادى
مع عدم حصول ذيها، لا يوجب الا كونه ممدوحا لا مستحقا بمعنى كون تركه ظلما وجورا
واما الفرق بين الاحرامين فواضح لا يمكن انكاره الا ان زيادة المثوبة ليست
لأحل المقدمات بل الثواب كله على نفس العمل لكن كثرة المشقة وقلتها جهات تعليلية لاتصاف
196

العمل بترتب كثرة الثواب عليه وعدمه، و (بالجملة) اجر نفس العمل بحسب المقدمات
مختلف لا بمعنى التقسيط عليها بل يكون التفاوت بلحاظها نعم لو لم يأت بنفس الحج
مع تحمل المشاق لا يستحق اجرا بل يستحق مدحا
فان قلت إن هنا وجها آخر لتصحيح الاجر وهو ان الآتي بالمقدمة بقصد التوصل
إلى ذيها، مشتغل بامتثال الواجب النفسي ومستحق للمدح والثواب وهما من رشحات الثواب
الذي عين للواجب النفسي
قلت إن ذلك توسع في الاطلاق والا فالشروع في الواجب النفسي ليس الا بالشروع
فيه دون مقدماته، ثم إن الشروع في الواجب لا يوجب ثوابا ولا يوجب استحقاقا ما لم
يأت بالمتعلق بتمام اجزائه ولا يكون ذلك الا باتمام الواجب لا بالشروع فيه فضلا
عن الشروع في مقدماته (أضف) إليه ان ما يترتب عليه من الثواب أمر محدود على
مفروضه لان ما يترتب على المقدمة عنده ليس لها بل من رشحات الثواب الذي للواجب النفسي
فاذن لا معنى لأكثرية الثواب عند زيادة المقدمات بل الثواب على وزان واحد على مبناه
سواء قلت المقدمات أم كثرت، فكلما كثرت يكثر تقسيط ذلك الثواب عليه فالثواب مقدار
محدود والتقسيط يقدر مقدار المقدمات (الا ان يقال) ان كثرة الثواب بلحاظ المقدمات على
ذيها ثم يترشح منه إليها وهذا تخرص بعد تخرص والتحقيق ما عرفت
(التنبيه الثاني)
قد وقعت الطهارات الثلث التي جعلت مقدمة للعبادة مورد الاشكال من وجوه، ونحن
نقررها واحدا بعد واحد ثم نجيب عن الجميع بجواب واحد
(الأول) انه لا اشكال في ترتب الثواب عليها مع أن الواجب الغيري لا يترتب عليه ثواب
(الثاني) لزوم الدور فان الطهارات بما هي عبادات، جعلت مقدمة وعباديتها تتوقف
على الامر الغيري ولا يترشح الوجوب الغيري الا بما هي مقدمة، فالامر الغيري يتوقف على
العبادية وهى عليه
(الثالث) وهى أصعبها ان الأوامر الغيرية توصلية لا يعتبر في سقوطها قصد التعبد مع أن
الطهارات يعتبر فيها قصده اجماعا (هذا) ولكن الذي ينحل به العقدة هو انها بما هي
197

عبادة جعلت مقدمة، ولا يتوقف عباديتها على الامر الغيري بل لها أمر نفسي بل التحقيق ان
ملاك العبادية في الأمور التعبدية ليس هو الامر المتعلق بها بل مناطها هو صلوح الشئ للتعبد
به واتيانه للتقرب به إليه تعالى وعلى ذلك استقر ارتكاز المتشرعة لانهم في اتيان الواجبات
التعبدية يقصدون التقرب إليه تعالى بهذه الأعمال مع الغفلة عن أوامرها المتعلقة بها، ولو
أنكرت اطباق المتشرعة في العبادات الا ان انكار ما ذكرناه ملاكا للعبادية مما لا سبيل إليه
(نعم) لا يمكن الاطلاع على صلوح العبادية غالبا الا بوحي من الله تعالى وبذلك يستغنى
عن كثير من الأجوبة التي سيجئ الإشارة إليه بإذن الله من أن عباديتها لأجل تعلق الامر
الغيري أو النفسي عليها فارتقب، وكما ينحل بذلك عبادية الطهارات ينحل أيضا شبهة
ترتب الثواب عليها لأجل العبادية وشبهة الدور، لأنها انما ترد لو قلنا بان عباديتها موقوفة على
الامر الغيري وقد عرفت خلافه، ومما ذكرناه من الجواب يقرب ما ذكره المحقق الخراساني
ويفترق عنه بما يسلم عن بعض المناقشات
فان قلت إن الالتزام بعبادية الطهارات الثلث حتى التميم مشكل جدا إذ ليس الأخير عبادة
نفسية (وما) ربما يستفاد من ظواهر اخباره كونه عبادة على فرض تسليمه ليس بحجة لاعراض
الأصحاب عنها (قلت) يمكن ان يقال بل يستكشف من احتياجه إلى قصد التقرب وترتب
المثوبة، كونه عبادة في نفسه الا انه في غير حال المقدمية ينطبق عليه مانع عن عباديتها الفعلية
أو يقال بأنه عبادة في ظرف خاص وهو كونه مأتيا به بقصد التوصل إلى الغايات لابان تكون
عباديته لأجل الامرى الغيري
فان قلت فعلى ذلك لابد ان يؤتى بها لأجل رجحانها الذاتي، مع أن سيرة المتشرعة
جارية على اتيانها لأجل التوصل بها إلى الغايات وعليه فلو اتى بها لأجل الغير تقع صحيحة
وان غفل عن ملاك العبادية كما عليه بعضهم في تصحيح العبادية (قلت) بل نجد ارتكاز
المتشرعة في خلاف ذلك أترى من نفسك ان ترميهم بأنهم لا يفرقون بين الستر وتطهير
الثوب للصلاة وبين الطهارات الثلث لأجل التوصل إليها، بل لا شك انه يقصدون بها التعبد ويجعل
ما هو عبادة، مقدمة إلى غاياتها فيؤتى بالوضوء متقربا به إلى الله تعالى، والغفلة انما عن الامر النفسي
والغيري وقد تقدم ان العبادة لا نحتاج إلى أزيد من كونه صالحا للتعبدية (هذا) هو المختار
في دفع الاشكالات
198

وربما يجاب عن الاشكال الأول أعني ترتب المثوبة بان الثواب جعلي وهو تابع للجعل فكما
يجعل على نفس العبادات يجعل على مقدماتها (وفيه) ان ملاك الاشكال انما هو على مسلك
الاستحقاق في الثواب وهو فرع كونه مأتيا للتقرب منه تعالى لا لأجل التوصل إلى غايات
(وربما) يجاب عن الثاني كما عن بعض أهل التحقيق بان الامر الغيري المتوجه إلى المركب،
ينحل إلى أوامر ضمنية غيرية فيكون ذوات الافعال في الطهارات مأمورا بها بالامر الضمني
من ذلك الامر الغيري، وإذا اتى بها بداعي ذلك الامر الضمني يتحقق ما هو المقدمة ويسقط
الامر الضمني المتوجه إلى القيد لحصول متعلقه قهرا انتهى، (قلت) ما ذكره وإن كان كافيا
في دفع الدور الا انه لا يصحح عباديته، إذ الامر الغيري لا يصلح للداعوية (وربما) يقرر الدور
على وجه آخر وهو ان الامرى الغيري لا يدعوا الا إلى ما هو مقدمة، والمقدمة هيهنا ما يؤتى
بها بدعوة الامر الغيري فان نفس الافعال الخاصة لم تكن مقدمة بأي نحو اتفقت فيلزم أن يكون
الامر داعيا إلى داعوية نفسه، وأنت خبير بان التقرير المزبور هو عين ما تقدم في
مبحث تعبدية الأوامر وتوصليتها وليس مخصوصا بهذا الباب وقد أشبعنا الكلام في رفع
الشبهات هناك فراجع
واما الاشكال الثالث فربما يصار إلى تصحيح عباديتها بالامر الغيري أو
النفسي المتعلق بذيلها أو النفسي المتعلق بها نفسها، والأخير لا محذور فيه بل يمكن ارجاع
روايات الباب إليه كما احتملناه في مبحث الوضوء الا ان الذي يبعده مغفولية هذا الامر
النفسي على فرض صحته عند المتشرعة لو كان هو المناط لعباديتها وما (ربما) يتوهم من
امتناع اجتماع الوجوب الغيري والاستحباب النفسي في موضوع واحد بل يجب الحكم بتبدل الاستحباب بالوجوب مع اندكاك الملاك الاستحبابي في الملاك الوجوبي نظير اندكاك
السواد الضعيف في السواد الشديد (مدفوع) بما سيأتي في النواهي من أن الامر يقف على
العنوان الذي تعلق به ولا يتجافى عنه ولا يسرى إلى الخارج أصلا، ضرورة انه ظرف السقوط
لا العروض (فح) فموضوع الامر الاستحبابي على فرض صحته هو نفس الغسلات كما أن
الموضوع للامر الغيري هو الوضوء الذي تعلق به الامر العبادي الاستحبابي بل التحقيق على ما
سيأتي ان الامر الغيري على فرضه انما يتعلق بحيثية ما يتوصل به إلى ذي المقدمة (فح) فامتثال
الامر الوجوبي عقلا ليس الا اتيان الوضوء بأمره الاستحبابي والا لم يأت بما هو المتعلق (وما)
199

في كلام القائل في نذر صلاة الليل من أن الامر الاستحبابي انما تعلق بذات صلاة الليل لا بما انها
مستحبة والنذر أيضا انما يتعلق به بالذات إذ لا يمكن ان يتعلق النذر بصلاة الليل بوصف
كونها مستحبة لأنها بالنذر تصير واجبا الخ لا يخلو عن مغالطة لان ما هو الواجب انما هو
عنوان الوفاة بالنذر لا نفس الصلاة (نعم) يتوقف امتثال الخطاب الوارد في قوله (ف
بنذرك) على اتيان الصلاة استحبابا وهو غير كون الصلاة متعلقة للوجوب فالخلط وقع
بين ما هو متعلق بالذات وما هو مصداق بالعرض وللمقال تتمة يأتي في محله
(واما القول) بصيرورتها عبادة بواسطة الامر الغيري فلا يخلو من غرابة لأنه بعد
تسليم امكان داعويته والغض عما تقدم من الاشكال فيه، يرد عليه ان دعوته ليست الا إلى
اتيان المقدمة للتوصل إلى ذيها وليست له نفسية وصلاحية للتقرب ولم تكن المقدمة
محبوبة للمولى بل لو امكنه ان يأمر باتيان ذيها مع عدم الاتيان بمقدمته لأمر به كك، فالامر
بها من جهة اللابدية ومثل ذلك لا يصلح للمقربية ولهذا لو اتى بالمقدمة بناء على وجوب
المقدمة المطلقة بانيا على عدم اتيان ذيها لما استحق الثواب
واما ما عن بعض الأكابر (أدام الله اظلاله) من دعوى صيرورتها عبادة بواسطة
الامر المتعلق بذى المقدمة فتوضيحه ان يقال إن اتيان المقدمة لأجل الامر العبادي
المتعلق بذيلها، يجعلها عبادة ويكفى في المقربية وفي تعنون الشئ بالعبادية، كون
تحصيل الشئ لأجل امتثال الامر العبادي، وفيه انه لا تخلو عن نظر لان الامر كما تقدم لا يمكن ان
يتجافى عما تعلق به من العنوان أو يبعث ويدعو إلى غير ما تعلق به و (ح) فما هو المدعو عين ما
تعلق به، من الصلاة وما خرج من تحت الامر كالمقدمات لا يعقل ان يدعو إليها لعدم تعلقه
بها فلا يكون الاتيان بها إطاعة له وبالجملة ان الامر النفسي لا يدعو الا إلى متعلقه
ولا يعقل ان يدعو إلى المقدمات لعدم تعلقه بها فلا يكون الاتيان بها إطاعة له بل إطاعة
للامر المقدمي لو فرض الملازمة مع الغض عن الاشكال المتقدم أو لحكم العقل و (ح) القول
بأنه يكفي في عبادية الشئ ان يؤتى به لأجل المولى ولو بمثل هذه الدعوة لا يخلو عن
مصادرة (أضف إليه) ان العبادية فرع صلوح الشئ للتقرب والمقدمة لا تصلح لذلك ولعله
وقع الخلط بين حكم العقل وداعوية الامر (وبما ذكرنا) ح يتضما عن بعض الأعاظم من أن عبادية
الوضوء من ناحية الامر النفسي المتوجه إلى الصلاة بما لها من الاجزاء والشرائط بداهة ان نسبة
200

الوضوء إلى الصلاة كنسبة الفاتحة إليها من الجهة التي نحن فيه حيث إن الوضوء قد اكتسب
حصة من الامر بالصلاة لمكان قيديته لها (انتهى ملخصا) فراجع مجموع كلامه تجد فيه
ما يقضى منه آخر العجب فان ما توجه إليه الامر ليس الا التقيد وهو كون الصلاة الطهارة
وهو لا يوجب كون القيد عبادة، وهو وان استشعر على ما ذكرنا وصار بصدد الجواب الا
انه ما اتى شيئا يصح الاتكال عليه فراجع
ثم إنه لو قلنا بكون الوضوء مستحبا نفسيا أو بوجود ملاك العبادة فيه، يصح التوضي قبل
الوقت ويجوز الدخول معه في الصلاة بعد حضور الوقت كما أنه لو لم يكن للمكلف داع
إلى اتيان الوضوء الاستحبابي قبل الوقت لكن رأى أن الصلاة في الوقت مشروطة به فصار
ذلك داعيا إلى اتيانه يقع صحيحا أيضا، (هذا كله) إذا كان التوضي قبل الوقت (واما بعده)
فان اتى به بداعي التوصل إلى الغير من دون قصد التقرب فلا يقع صحيحا وان اتى به
بداعي امره الغيري لكن متقربا به إلى الله يصح ويحصل الشرط، واما إذا اتى بداعي امره
الاستحبابي فصحته منوطة ببقاء امره وسيأتى ما يتضح منه ان الامر الاستحبابي على عنوانه
محفوظ وان متعلق الأمر الغيري على فرض الملازمة عنوان آخر غير متعلق الأمر الاستحبابي
(فح) فلا اشكال في صحته بداعي امره
الأمر الخامس هل الواجب بناء على الملازمة هو مطلق المقدمة أو خصوص
ما أريد به اتيان ذيها، أو المقدمة التي يقصد بها التوصل إلى صاحبها أو المقدمة الموصلة أو
التي في حال الايصال أقوال ربما ينسب إلى صاحب المعالم اشتراط وجوبها بإرادة ذيها، و
اورد عليه بان المقدمة تابعة لصاحبها في الاطلاق والاشتراط فيلزم ان يشترط وجوب الشئ
بإرادة وجوده (قلت) ظاهر كلامه في المعالم خلاف ما نسب إليه حيث قال وحجة القول بوجوب
المقدمة على تقدير تسليمها انما تنهض دليلا على الوجوب في حال كون المكلف مريدا للفعل
المتوقف عليها انتهى وهو ظاهر بل نص في أن القضية حينية لا شرطية وان وجوبها في حال
إرادة الفعل المتوقف عليها لا مشروطة بإرادته وهو أيضا (وإن كان) لا يخلو عن اشكال لان
إرادة، الفعل المتوقف عليها غير دخيلة في ملاك وجوبها، على أنه لا يتصور لايجابها حين ارادته
معنى معقول، لأنه إذا أراد فعل المتوقف عليها يريد المقدمة لا محالة فلا معنى للبعث والايجاب
في هذه الحال الا ان ذاك ليس بمثابة ما تقدم في وضوح البطلان
201

(واما القول) الثالث أعني كون الواجب هو المقدمة بقصد التوصل إلى ذيها فقد نسب إلى
الشيخ الأعظم قدس سره ولكن عبارة مقرر بحثه ينادى بالخلاف في عدة مواضع خصوصا فيما
ذكره في (هداية) مستقله لرد مقالة صاحب الفصول إذ يظهر من نص عبائره هناك ان قصد التوصل
ليس قيد المتعلق الوجوب الغيري حتى يكون الواجب هو المقدمة بقصد التوصل، بل الواجب
هو نفس المقدمة الا ان قصد التوصل يعتبر في تحقق امتثال الامر المقدمي، حتى يصدق عليه
الإطاعة سواء كانت المقدمة عبادية أم توصلية غاية الأمر انتفاء الثمرة في الثاني حيث قال في
خلال الرد عليه ونحن بعدما استقصينا التأمل لا نرى للحكم بوجوب المقدمة وجها الا من حيث إن
عدمها يوجب عدم المطلوب، وهذه الحيثية هي التي يشترك فيها جمع المقدمات إلى أن قال
فملاك الطلب الغيري المتعلق بالمقدمة هذه الحيثية وهى مما يكفي في انتزاعها عن المقدمة
ملاحظة ذات المقدمة انتهى كلامه وفي (موضع آخر)، الحق عدم تحقق الامتثال بالواجب
الغيري إذا لم يكن قاصدا للاتيان بذلك، إذ لا اشكال في لزوم قصد عنوان الواجب فيما إذا أريد
الامتثال كما لا ريب في عدم تعلق القصد بعنوان الواجب فيما إذا لم يكن الآتي بالواجب
الغيري قاصد للإتيان بذلك فيستنتج عدم تحقق الامتثال الا به وأيضا في موضع آخر قال
رادا على صاحب المعالم ان اطلاق وجوب المقدمة واشتراطها تابع لاطلاق ذيها انتهى
وأنت إذا أمعنت نظرك واجلت بصرك بين كلماته وسطوره تجد صدق ما ادعيناه
من أن محور نقضه وإبرامه ليس بيان ما هو طرف الملازمة على فرضها ثبوتها بل بيان ما هو
معتبر في كيفية الامتثال (وبذلك) يظهر ان ما احتمله بعض المحققين من الاحتمالات
الكثيرة ساقطة قطعا بل محتمل كلامه أو ظهوره ما أسمعناك فقد أو وجه آخر سيجئ
الإشارة إليه وكيف كان فلابد من توضيح الوجهين وذكر براهينهما (أحدهما) ان
امتثال الواجب الغيري لا يحصل الا بقصد التوصل إلى ذيه فاستدل عليه (قده) بان
الامتثال لا يمكن الا أن يكون الداعي إلى ايجاد الفعل هو الامر ولما كان الامر لا يدعو الا
إلى متعلقه فلابد في الامتثال من قصد العنوان المأمور به، والمأمور به هيهنا هو المقدمة
بالحيثية التقييدية لان الكاشف عن وجوب المقدمة هو العقل بالملاك العقلي والعقل
يحكم بوجوب المقدمة من حيث هي مقدمة فلابد من كشف الحكم الشرعي بذلك الملاك
على الحيثية التقييدية، ولما كان القصد بهذه الحيثية لا ينفك عن القصد بالتوصل إلى ذيها
202

لاستلزام التفكيك التناقض فلابد في امتثال أمر المقدمة من قصد التوصل إلى صاحبها
انتهى ملخصا (وأنت ترى) بعين الدقة ان محور كلامه الذي لخصناه ليس الا شرطية قصد
التوصل في امتثال الامر المقدمي لابيان ما هو طرف الملازمة (وتوضيح) ما افاده ان الامتثال
ليس الا التحرك على طبق داعويته وليست داعويته الا بنحو الغيرية والمقدمية لا لمصالح
في نفسه، فلو كان الانبعاث على طبق دعوته فلا محالة لا ينفك عن قصد التوصل إلى ذيها في
مقام العمل (نعم) ما وقع في دائرة الطلب ليس الا ذات الشئ لان ملاك الوجوب رفع
الاستحالة، ورافعها ذات المقدمة وحقيقتها بلا دخل للقصد في ذلك (وبعبارة أوضح) ان
الامتثال لا يتحقق الا بعقد قلبي وقصد نفسي وتوجه إلى الامر وإلى كيفية دعوته وغاية وجوبه
وهو وان أمر بذات المقدمة الا انه ما أوجبها الا لأجل التوصل، فالعبد الممتثل لا محالة
يقصد ذلك العنوان، واما تعلق الوجوب فهو تابع لتحقق الملاك والمفروض انه موجود في
جميع الافراد (هذا) وسيجئ تحقق الحال في امتثال الامر الغيري
(الثاني) من الوجهين الذين احتملناهما ما يشعر به صدر كلامه ويظهر من ذيله
أيضا وهو ان وقوع المقدمة على صفة الوجوب في الخارج مطلقا يتوقف على قصده، و
عبارته هنا هو المستمسك للمشايخ في نسبة هذا القول إليه وأنت إذا تدبرت فيما سيمر عليك من
عبارته تفهم ان العبارة لا تنطبق على مدعاهم إذ ان البحث في باب المقدمة انما هو في تعيين
متعلق الوجوب وهو قدس سره لم يشترط فيه شيئا بل قال بكونه هو مطلق المقدمة والعبارة
التالية يفيد اعتبار قيد التوصل في وقوع المقدمة على صفة الوجوب خارجا وكم فرق بينهما
واليك العبارة حيث قال وهل يعتبر في وقوعه على صفة الوجوب أن يكون الاتيان لأجل
التوصل إلى الغير أو لا وجهان أقواهما الأول ويظهر الثمرة فيما إذا كان على المكلف فائتة
فتوضأ قبل الوقت غير قاصد لأدائها ولا لإحدى غاياتها فعلى المختار لا يجوز الدخول به في الصلاة
الحاضرة ولا الفائتة، وأيضا تظهر من جهة بقاء الفعل المقدمي على حكمه السابق فلو قلنا
بعدم اعتبار قصد التوصل في وقوع المقدمي على صفة الوجوب لا يحرم الدخول في ملك الغير
إذا كانت مقدمة لانقاذ غريق وان لم يترتب عليه بخلاف ما لو اعتبرناه فهو حرام ما لم يكن
قاصدا لانقاذه (وعن بعض الأعيان من المحققين) في تعليقته الشريفة في توجيه اعتباره في
متعلق الوجوب ما (هذا) حاصله: ان الجهات التعليلية في الأحكام العقلية راجعة إلى التقييدية
203

فإذا كانت مطلوبية المقدمة لا لذاتها بل لحيثية مقدميتها فالمطلوب الجدي نفس التوصل
ومن البين ان الشئ لا يقع على صفة الوجوب ومصداقا للواجب الا إذا اتى به عن قصد
وإرادة حتى في التوصليات لان البعث فيها وفي التعبديات لا يتعلق الا بالفعل الاختياري
فالغسل الصادر بلا اختيار محصل للغرض لكنه لا يقع على صفة الوجوب فاعتباره فيها من
جهة ان المطلوب الحقيقي هو التوصل لا غير
(قلت) ما افاده قدس سره في خصوص ارجاع التعليلية إلى التقييدية متين جدا
ضرورة ان العقل لا يحكم الا على العناوين العارضة لذوات الأشياء لا على الموضوع المجرد
من عنوانه والالزم ان يحكم لدى التجرد منه ولا تكون تلك الجهات منشأ لاسراء الحكم
إلى غيرها بعد كونها هو المطلوبة بالذات لا بالعرض (وبذلك) يظهر الخلل فيما ربما يصار
(تارة) إلى انكار هذا لارجاع من أن لحكم العقل موضوعا وعلة ولا معنى لارجاع العلة إلى
الموضوع بحيث تصير موضوعا للحكم و (أخرى) إلى أن القاعدة المزبورة على تقدير
تسليمها مختصة بما يدركه العقل من الاحكام ولا تكاد تجرى فيما يكون ثابتا من الشارع
باستكشاف العقل، انتهى
(وفيه) ان انكار الارجاع المزبور يستلزم اسراء حكم العقل من موضوعه إلى غيره
بلا ملاك فان الظلم مثلا إذا كان قبيحا عقلا فوقع عمل في الخارج معنونا بعنوان الظلم و
بعناوين آخر وحكم العقل بقبحه وفرضنا انه لم يرجع إلى حيثية الظلم فاما ان يرجع إلى
حيثيات آخر، هو كما ترى أو إلى الذات بعلية الظلم بحيث تكون الذات قبيحة لا الظلم
وإن كان هو علة لقبحها وهو أيضا فاسد بل يستلزم الخلف فان الذات تكون قبيحة بالعرض
فلا محيص الا أن يكون الظلم قبيحا بالذات فيصير الظلم موضوعا بالحقيقة للقبح وهذا
معنى رجوع الحيثيات التعليلية إلى التقييدية (واعجب) من ذلك ما افاده ثانيا فان ادراك
العقل مناط الشئ ليس معناه الا ان هذا هو الموضوع، لا ما هو أوسع من ذلك ولا أضيق ومعه كيف
يستكشف مناط أوسع (وبالجملة) ان العقل إذا كشف عن حكم بملاكه العقلي لا يمكن ان
يستكشف حكما أوسع أو أضيق من ملاكه قائما بموضوع آخر غير حيثية الملاك
(نعم) يرد على المحقق المحشى ان وقوع الفعل على صفة الوجوب في التوصليات
لا يتوقف على القصد وإن كان الوقوع على صفة الامتثال موقوفا عليه لان قصد العنوان و
204

صدوره عن اختيار شرطان لتحقق الإطاعة لما عرفت من أنه لا يتحقق الا بعقد قلبي متوجها نحو
العمل لجهة امره وطلبه فإذا توجه إليه واتى بداعية فلا ينفك عنه قصد التوصل لان الامر المقصود
غيري، ومعناه كون الامر لأجل حصول الغير، واما كونه شرطا لوقوعه على صفة الوجوب
فلا، لأن المفروض ان المطلوب هو الحيثية المقدمية أي الموقوف عليه بما هو هو وهو صرف
وجوده بأي وجه اتفق، فايجاده بأي نحو كان، كاف في كونه مصداقا له إذ ليس الواجب سوى
نفس وجوده وقد حصل فلا وجه لعدم وقوعه على صفة الوجوب مع كونه غير تعبدي (ثم) ان هذا
الاحتمال في كلام الشيخ كما مر لا ينطبق أيضا على مدعاهم لان الكلام في باب المقدمة
انما هو في مقام تعلق الوجوب وقد صرح بأنه ذات المقدمة وانما دعواه في مقام آخر وهو
وقوع المقدمة على صفة الوجوب خارجا وهو مقام آخر غير ما نحن فيه و (بالجملة) كلام
الشيخ آب على كلا الاحتمالين عما نسب إليه فراجع
ثم إنه لا وجه لاخذ قصد التوصل قيدا، لا للوجوب لاستلزامه كون وجوب الواجب
مشروطا بإرادة المكلف، ونظيره اخذه ظرفا للوجوب على نحو الحينية لأنه يرد عليه نظير ما
يرد على صاحب المعالم ولا للواجب بحيث يكون قصد التوصل أيضا متعلقا للبعث ويكون الامر
داعيا إلى المقدمة التي قصد بها التوصل إلى صاحبها، فإنه وان لم يكن محالا لكن قصد المكلف
غير دخيل في ملاك المقدمية قطعا، فتعلق الوجوب به يكون بلا ملاك وهو ممتنع (وما عن)
المحقق الخراساني من امتناع وقوع القصد موردا للتكليف (مدفوع) بان القصد قابل لتعلق
البعث إليه كقيديته في العبادات (أضف إليه) ان النفس ربما توجد الإرادة إذا كانت الإرادة
موضوعا لحكم ولم يكن المراد مطلوبا الا بالعرض كما في إرادة الإقامة عشرة أيام إذا
لم يكن في الإقامة غرض له سوى الصلاة أربع ركعات
في المقدمة الموصلة
وهو القول الرابع الذي اختاره صاحب الفصول قائلا بان الايصال قيد الواجب و
احتمال ارجاعه إلى الوجوب باطل جدا لان شرط الوجوب لا يحصل الا بعد الاتيان فكيف
يتقدم الوجوب على شرطه اللهم الا ان يصار إلى الشرط المتأخر وهن كما ترى وكيف كان
فقد اورد على كونها قيدا للواجب أمور نذكر مهماتها (منها) لزوم الدور لان وجود ذي
المقدمة يتوقف على وجود المقدمة ولو قلنا بقيدية الايصال يتوقف وجودها على وجود
205

صاحبها (وفيه) ان الموقوف، غير الموقوف عليه لان وجود ذي المقدمة موقوف على ذات المقدمة
لا بقيد الايصال، واتصافها بالموصلية متوقف على وجود ذي المقدمة، وان شئت قلت إن متعلق
الوجوب أخص من الموقوف عليه ولا تكون المقدمة بقيد الايصال موقوفا عليها، وإن كانت
بقيده واجبة، ومنه يظهر النظر في كلام شيخنا العلامة حيث قال: إن الوجوب ليس الا لملاك
التوقف فيكون اعتبار قيد الايصال في متعلق الوجوب لملاك التوقف فيدور (والجواب) ان مناط
الوجوب ليس التوقف على مسلكه بل التوصل إلى ذي المقدمة فمتعلقه أخص من الموقوف
عليه بل دعوى بداهة كون المناط هو التوقف تنافى ما اختاره في باب وجوب المقدمة من كون
الواجب هو المقدمة في لحاظ الايصال (وربما) يقرر الدور بأنه يلزم أن يكون الواجب النفسي
مقدمة لمقدمته، واجبا بوجوب ناش من وجوبها وهو يستلزم الدور لان وجوب المقدمة ناش من
وجوب ذيها، فلو ترشح وجوب ذي المقدمة من وجوبها لزم الدور (وفيه) ان وجوب الواجب
الناشئ منه وجوب المقدمة، لم ينشأ من وجوبها حتى يدور
ومنها التسلل وبيانه ان الوضوء الموصل إلى الصلاة لو كان مقدمة كان ذات
الوضوء مقدمة للوضوء الموصل فيعتبر فيه قيد الايصال أيضا فينحل إلى ذات وايصال فيكون
الذات أيضا مقدمة لهما فيحتاج إلى ايصال آخر وهكذا
ويمكن تقريره بوجه آخر وهو ان المقدمة الموصلة تنحل إلى ذات وقيد، وفي كل
منهما مناط الوجوب للتوقف، فعلى وجوب المقدمة الموصلة يجب أن تكون الذات بقيد
الايصال واجبة، وقيد الايصال أيضا يقيد ايصال آخر واجبا فيتقيد كل منهما بايصال آخر وهلم جرا
والجواب عن التقرير الأول ان الواجب بالامر الغيري على هذا المسلك هو
المقدمة الموصلة إلى الواجب النفسي لا المقدمة الموصلة إلى المقدمة و (عليه) فالذات لم
تكن واجبة بقيد الايصال إلى المقيد بل واجبة بقيد الايصال إلى ذيها وهو حاصل بلا قيد
زائد بل لا يمكن تقييد الموصل بالايصال
واما عن ثاني التقريرين فبأن يقال إن الواجب هو المقدمة الموصلة بهذا
الايصال لا بايصال آخر، حتى يلزم التسلسل بل لا معنى لايصال آخر لان تكرر الايصال إلى
المطلوب ممتنع فلا يعقل تقييد الايصال بايصال آخر ولا تقييد الذات بايصال زائد على
هذا الايصال لامتناع تكرر الموصل والإيصال وهو واضح (ومنها) انه يستلزم أن يكون
206

الشئ الواحد واجبا نفسيا وغيريا، حيث جعل ذو المقدمة من مبادئ مقدمته وبه يصير واجبا
غيريا، كما هو واجب نفسي بل يتعلق به وجوبات غيرية بعدد المقدمات، وأفحش منه انه
يستلزم أن يكون ذو المقدمة موصلا إلى نفسه (والجواب) ان المتصف بالوجوب هو الشئ
الذي يوصل إلى الصلاة بحيث يتحقق فيه امران (أحدهما) كونه موقوفا عليه (وثانيهما)
كونه موصلا إلى الصلاة، ونفس الصلاة ليست موقوفا عليها ولا موصلة إلى نفسها وتوقف
وصف المقدمة على وجوده لا يستلزم تعلق الوجوب عليها
ومنها ما عن المحقق الخراساني من أنه لا يعقل أن يكون الغرض الداعي إلى ايجاب
المقدمات هو ترتب الواجب عليها، فان الواجب الا ما قل كالتوليدية، تتوسط الإرادة بينه وبين
مقدماتها والالتزام بوجوب الإرادة، التزام بالتسلسل (قلت) الظاهر أنه ناش من وقوع خلط
في الايصال فان المراد منه ما يكون موصلا ولو مع الوسائط ويتعقبه الواجب قطعا فالخطوة
الأولى في السير إلى غاية مثلا قد تكون موصلة ولو مع وسائط وقد لا تكون موصلة والواجب
هو القسم الأول (واما) ما ربما يكرر في كلماته من عدم اختيارية الإرادة، وكونها غير
قابلة لتعلق الامر بها فقد عرفت خلافه انفا، كيف والتعبديات كلها من هذا الباب وقد وقعت
القصد مورد الوجوب وقد أوضحنا حقيقة الإرادة واختياريتها في مباحث الطلب والإرادة،
على أن الاشكال فيها مشترك الورود إذ بناء على وجوب المقدمة المطلقة تكون الإرادة غير
متعلقة للوجوب أيضا لاستلزامه التسلسل على مبناه
ومنها ان الاتيان بالمقدمة بناء على وجوب خصوص الموصلة لا يوجب سقوط
الطلب منها، حتى يترتب الواجب عليها مع أن السقوط بالاتيان واضح فلابد وأن يكون لأجل
الموافقة، (وفيه) انه مصادرة، إذ القائل بوجوب المقدمة الموصلة لا يقول بسقوط ما لم
يحصل الوصف ولم يتحقق القيد كما هو الحال في جميع المقيدات، إذ الامر متعلق باتيان
المقيد، والذات لم يتعلق بها أمر على حدة كذات المقدمة على القول بالمقدمة الموصلة
فتلخص انه لا مانع على القول بوجوب الموصلة من المقدمات ثبوتا واما مقام الاثبات فسيجئ
توضيح الحال فيه
القول في وجوب المقدمة حال الايصال
وهو القول الخامس الذي نختم به الآراء في هذا الباب واختاره شيخنا العلامة أعلى
207

الله مقامه وبعض المشايخ من أهل العصر، حيث إنهم لما وقفوا على أن فطرتهم تقضى بوجوب
المقدمة الموصلة، واستصعبوا بعض ما مر من الاشكالات، فاختاروا ان الواجب هو المقدمة
حال الايصال، لا بشرط الايصال كي يسلم عن الايراد ولا يتخلف عن حكم الفطرة مهما أمكن
و (توضيح مقالتهم) انه يمكن ان يتعلق الطلب بالمقدمات في لحاظ الايصال لا مقيدا به، حتى
يلزم المحذورات السابقة ولا مطلقا عن حال الايصال حتى يكون الواجب مطلق المقدمة بل
الواجب هي المقدمات المنتظمة الواقعة بحسب الواقع في سلسلة مبادئ المطلوب، (والعلة)
في ذلك هو ان ذاتها وإن كانت موردا للإرادة لكن كما كانت مطلوبية المقدمات في ظرف
ملاحظة مجموعها معها، لم يكن كل واحد من الاجزاء مرادا بنحو الاطلاق بحيث يسرى الإرادة
إلى حال انفكاكه عن باقيها، ولا بنحو التقييد ليلزم المحاذير المتقدمة (والحاصل) ان المولى إذا
تصور جميع المقدمات الملازمة لوجود المطلوب، أرادها بذواتها لأنها بهذه الملاحظة لا تنفك
عن المطلوب الأصلي ولو، لاحظ مقدمة منفكة عما عداها لا يريدها جزما إذ المطلوبية في ظرف
ملاحظة المجموع الذي لا تنفك عن المطلوب الأصلي والمراد من لحاظ الايصال ليس
دخالة اللحاظ وانما اخذ هو مراتا لما هو الواجب فظهر ان الواجب هو ذات المقدمات في
حال ترتبها وعدم انفكاكها عن ذيها، لا مطلقة عن الايصال ولا مقيدة به، وإن كان لا ينطبق الا
على المقيدة هذا توضيح مرامه وسيجئ توجيه كلامه فارتقب
وما عن بعض المحققين من أهل العصر ان الواجب هو المقدمة في ظرف الايصال
بنحو القضية الحينية أي الحصة من المقدمة التوامة مع وجود سائر المقدمات الملازمة
لوجود ذيها، يرجع لبا إلى ما اختاره شيخنا العلامة قدس سره الشريف وكيف كان (فيرد)
على التقرير الأول انه إن كان حال الايصال دخيلا في حصول الإرادة، فلا محالة تكون قيد
للمتعلق إذ لا يعقل دخالته مع عدم اخذه شطرا أو شرطا، وان لم يكن دخيلا فالموضوع
لا محالة خلو عن هذه الحال فيصدق مع عدمه أيضا وعلى أي تقدير لا يستلزم المطلوب وان
شئت قلت إن حال عدم انفكاك المقدمات عن المطلوب، ان لم تكن دخيلة في وجوب المقدمة
فيكون تعلق الوجوب عليها في هذه الحالة من باب الاتفاق لا الدخالة فلا يعقل رفع
الوجوب عنها مع زوال تلك الحالة لان تمام الموضوع للحكم هو نفس الذات فلا يعقل مع
بقائه رفع الحكم، وإن كانت دخيلة أي نحو فرض دخلها فينطبق على ما اختاره صاحب
208

الفصول (قده) (وبذلك) يظهر النظر في ما افاده بعض المحققين من التمسك بحديث الحصة
وقد أوعزنا إلى بطلانه غير مرة لان تحصص الطبيعة وافتراقها عن سائر الحصص في الذهن
أو الخارج، لأجل انضمام قيود وحدود بها تصير متميزة عن غيرها والا فهي باقية على اطلاقها،
والتوئمية إذا صارت موجبة بصيرورتها حصة خاصة، تصير قيدا لها وما ذكر ليس الا
تعويضا للاسم
فان قلت إن أفعال العقلاء وإراداتهم بما انها معللة بالاغراض والغايات، لها ضيق
ذاتي بتبع الأغراض فالعلة الغائية في وعاء التصور، لها نحو دخالة في تضيق الإرادة إذ لا يعقل
تعلق الإرادة بشئ أوسع مما قام به الغرض (وهذا) نظير الضيق في المعاليل التكوينية
فان للحرارة الخارجية نحو ضيق من جانب علته، لا على نحو التقييد لامتناع تقييد المعلول
بوجود علته في المرتبة المعلولية ولا على نحو الاطلاق أيضا والا يلزم أن يكون أوسع من
علته بل على وجه لا ينطبق الا على المقيد (وعليه) فالغاية لايجاب المقدمة هو التوصل
إلى ذيها فالموصلية من قبيل العلة الغائية لبروز الإرادة وتعلق الوجوب على المقدمة، فلا
يعقل ان يسرى الإرادة إلى ما لا يترتب عليه تلك الغاية والالزم أن يكون السراية بلا غاية
بل بلا فاعل أيضا لان العلة الغائية علة فاعلية الفاعل فإذا فقدت الغاية انتفى الفاعل أيضا
كما لا يعقل أن يكون مقيدة بالعلة الغائية لأنها متقدمة تصورا، متأخرة وجودا وما شأنه
التأخر وجودا لا يصير قيدا بوجوده لما يتقدم عليه بوجوده والا لزم تجافى الموجود عن
رتبته، فليس الواجب مطلق المقدمة، ولا المقيدة بالايصال بل ما لا ينطبق الاعلى المقيد
قلت ما قررته بصورة الاشكال يؤيد كون الواجب هو المقدمة الموصلة و (توضيحه)
ان الأحكام العقلية، غير الاحكام الجعلية فان الثانية انما تتعلق بموضوعاتها وعناوينها وإن كان
الملاك شيئا اخر، بخلاف الأولى فان الحكم فيه يتعلق بالملاك وما هو المناط، فالجهات
التعليلية فيه، تصير من قيود الموضوع كما سيجئ توضيحه في نقل ما استدل به صاحب الفصول
إذا عرفت ما ذكرنا: فاعلم أن الوجوب ههنا مستكشف من حكم العقل ولا يمكن تخلفه عما
هو مناطه في نظره ضرورة ان العقل إذا أدرك حيثية تامة لتعلق حكمه عليها فلا محالة يكون
حكمه على تلك الحيثية كما لا يستكشف حكما الا متعلقا بتلك الحيثية أيضا دون موضوع اخر (فح)
لو فرضنا ان وجوب المقدمة لأجل التوصل إلى ذيها كما قد قبله هؤلاء الاعلام فيكون تلك الحيثية
209

أعني التوصل إلى ذيها، تمام الموضوع لحكم العقل نفسه، كما هو الموضوع لا غيرها لحكمه
الذي استكشفه من الشارع وقد تقدم انه يمتنع ان يكشف حكما أوسع مما أدركه مناطا
فاللازم هو وجوب المقدمة المتحيثة بها من حيث إنها كذلك ولا يمكن ان تصير تلك الحيثية
علة لسراية الحكم إلى غيرها، ولا معنى لجعل الحكم على ذات المقدمة مع الاعتراف لما
هو المناط لحكم العقل
واما حديث امتناع تقييد الشئ بعلته أو غايته، فإنما هو في العلل التكوينية والغايات الواقعية
فيمتنع تقييدها بمعلولاتها، لا في الاحكام والموضوعات إذ يمكن ان يتعلق الحكم بالمقدمة
المتقيدة بالايصال، وكذا الحب والإرادة من غير لزوم التجافي في نفس الامر، و (بالجملة)
المقدمة، قد تكون موصلة، وقد لا تكون كذلك، (فح) يمكن ان يتعلق الإرادة بالموصلة
بما هي كذلك، وكذا يمكن ان يجعل الحاكم موضوع حكمه كذلك، وان لم يكن الواقع
مقيدا، كما أنه يمكن ان يصير موضوع الإرادة والحكم أمورا غير مربوطة في نفس الامر،
ومربوطة في موضوعية الحكم والإرادة كما في الموضوعات الاعتبارية والمركبات الاختراعية
ثم إن التحقيق على فرض الملازمة بين الوجوبين هو وجوب المقدمة الموصلة
وقد استدل عليه صاحب الفصول بوجوه منها ما ذكره أخيرا من أن المطلوب بالمقدمة
مجرد التوصل بها إلى الواجب فلا جرم يكون التوصل بها إليه وحصوله معتبرا في مطلوبيتها
فلا تكون مطلوبة إذا نفكت عنه (ولا يخفى) ان ما ذكره ينحل إلى مقدمتين ونقول توضيحا
لمراده، اما الأولى منهما فلان الميز، بين المطلوب الذاتي والعرضي هو ان السؤال يقف
عند الأولى دون الثانية فلو أجيب عن قول السائل لماذا وجبت المقدمة بأنها موقوف
عليها سواء توصل بها أم لا، لما ينقطع سؤاله لو استشعر بان المقدمة في حد ذاتها غير محبوبة
ولا مطلوبة فيختلج في باله ان الايجاب بنحو الاطلاق لماذا، (نعم) لو أجيب بأنها وجبت
كي يتوصل بها إلى المقصد والغرض الاعلى، لوقف عن التزلزل واستراح فكره و (بعبارة)
أخرى ان ملاك مطلوبية المقدمة ليس مجرد التوقف بل ملاك هو حيثية التوصل بها إلى
ذي المقدمة فذات المقدمة وحيثية توقف ذيها عليها، لا تكونان مطلوبتين بالذات ويشهد
عليه الوجدان إذ المطلوبية الغيرية انما هي لأجل الوصول إليه بل لو فرض امكان انفكاك
التوقف والتوصل خارجا، كان المطلوب هو الثاني دون الأول
210

واما الثانية فبما أسمعناك من الفرق بين القوانين الجعلية والاحكام العقلية
فان الغايات عناوين الموضوعات في الثانية، ولذلك ترجع الجهات التعليلية فيها إلى التقييدية
دون الأولى إذ يصح فيها جعل الحكم على عنوان يترتب عليه الغاية دون نفس الغاية والملاك
لجهل المكلف بما هو المناط، كجعل الحكم على الصلاة التي هي عدة أفعال ولكن الملاك
واقعا هي غاياتها المترتبة المجهولة، ولا يصح ذلك في المستكشفات العقلية لتحليل العقل
وتجزئته ما هو دخيل عما ليس كذلك وبذلك يظهر ان كون الأحكام الشرعية متعلقة
بالعناوين لأجل المصالح والمفاسد لا يكون نقضا للقاعدة المبرهنة في محله وقد أو عزنا
إليه في جواب الاشكال المتقدم
وحاصل الكلام في توضيح هذه القاعدة ان حكم العقل بحسن شئ أو قبحه
انما هو لأجل اشتماله على وجود ملاك فيه، فلو فرضنا ذاتا واحدة جامعة لحيثيات كالمقدمة
وفرضنا ان ما هو الوجه لحكمه، أحد الحيثيات دون غيرها كما أوضحناه في المقدمة الأولى
فلا حكم للعقل الاعلى هذه الحيثية دون غيرها فلو حكم مع هذا الادراك على الذات المجردة
أو على حيثية أخرى لكان حكما بلا ملاك وهو لا يتصور في الأحكام العقلية فما هو موضوع
للحسن أو القبح هو هذا الملاك، والموصوف بالملاك يكون محبوبا بالعرض والمجاز،
(فاتضح) ان ما هو الغرض من الايجاب هو التوصل في نظر العقل ببركة المقدمة الأولى،
وان الموضوع للحكم هو هذه الحيثية لاغير بمقتضى المقدمة الثانية والمحصل هو وجوب
المقدمة لموصلة على فرض الملازمة و (بما قررناه) يظهر اندفاع ما زعمه المحقق الخراساني
اشكالا للمطلب من أن الغرض من وجوب المقدمة ليس الا حصول ما لولاه لما أمكن حصول
ذيها الخ (وفيه) انك قد عرفت ان السؤال لا يقف لو أجيب بما جعله غاية للايجاب ومثله
في الضعف ما افاده بقوله من أنه لا يعقل أن يكون ترتب الواجب هو الغرض الداعي فإنه ليس
اثر تمام المقدمات فضلا عن إحديهما، (هذا) وقد بان جوابه مما مر لأنه مبنى على القول
بامتناع وقوع الإرادة متعلق الأمر وقد تقدم صحه وقوعه في التعبديات ويمكن ان يقال
مع تسليمه على تقدير خروج الإرادة منها، ان المراد من الموصلة هو سائر المقدمات التي
يتوصل بها إلى الواجب بعد ضم الإرادة إليها على نحو لا يحتاج حصول الواجب إلى أزيد
من انضمام إرادة المكلف إليها، فالغرض بهذا المعنى مترتب دائما على المقدمات (وتوهم)
211

استلزامه دخول الغاية في حد ذيها لا يضر بالنسبة إلى الأحكام العقلية التي ترجع القيود
التعليلية فيها إلى التقييدية وتبدل الغايات إلى عناوين الموضوعات وبالتدبر فيما حققناه
من أنه قيد للواجب بالمعنى الأسمى لا الانتزاعي تعرف حال بقية الاشكالات فتدبر (ثم)
ان بعض الأعيان من المحققين مع اعترافه بان الحيثيات التعليلية في الأحكام العقلية كلها
ترجع إلى التقييدية وان الغايات عناوين للموضوعات، وجه كلام القائل بالمقدمة الموصلة
بوجهين
الأول ان الغرض الأصيل حيث إنه مترتب على وجود المعلول فالغرض التبعي
من اجزاء علته، هو ترتب وجوده على وجودها إذا وقعت على ما هي عليه من اتصاف السبب
بالسببية والشرط بالشرطية، فوقوع كل مقدمة على صفة المقدمة الفعلية، ملازم لوقوع
الأخرى على تلك الصفة والا فذات الشرط المجرد عن السبب أو بالعكس مقدمة بالقوة
لا بالفعل ومثلها غير مرتبط بالغرض الأصيل (وفيه) ان الوجه في العدول عن المقدمة الموصلة
إلى المقدمة العقلية غير ظاهري سوى الفرار عن الاشكالات المتوهمة المردودة قد عرفت
حالها (أضف) إليه ان ما هو الملاك في نظر العقل انما هو حيثية التوصل لا كونها مقدمة
بالفعل ولا اتصاف السبب بالسببية والشرط بالشرطية (وعليه) يكون المتعلق بالذات
للإرادة هو المقدمة بهذه الحيثية لا بحيثيات آخر واما السبب الفعلي بما هو كذلك، لا تتعلق
به الإرادة بهذه الحيثية وكون السبب الفعلي ملازما لحصول المطلوب في الخارج، لا يوجب
أن تكون مطلوبة بالذات وكذا سائر العناوين من العلة التامة وكلما هو ملازم لوجود
المطلوب
الثاني ان المعلول ما كان متعلق الغرض فلا محالة تكون علته التامة متعلقة
للغرض بالتبع وكما أن الإرادة المتعلقة بالمعلول واحدة وإن كان مركبا، كذلك الإرادة
المتعلقة بالعلة التامة واحدة وإن كانت مركبة، والملاك في وحدة الإرادة هو وحدة الغرض
فالإرادة المتعلقة بالعلة المركبة لا يسقط الا بعد حصولها الملازم لحصول المعلول انتهى
(قلت) يرد عليه مضافا إلى ما أوردنا على الوجه الأول من أن ما هو الملاك عند العقل هو
حيثية الموصلية إذ غيرها من العناوين الملازمة لها مطلوب بالعرض فالعلة التامة بما هي
كك لا تتعلق بها إرادة، ان العلة المركبة بما انها ذات اجزاء من شرط وسبب ومعد وعدم مانع
212

وليست بينها جامع ذاتي ولا يكون من قبيل التوليديات، تتعلق بكل واحد إرادة مستقلة
لوجود مناط الوجوب في كل واحد من التوصل إلى ذيها (وبعبارة) أخرى ان العلة التامة
في العلل المركبة عنوان ينتزع من أمور مختلفة في التأثير، ولا يتعلق بهذا العنوان الانتزاعي
غرض ولا إرادة فلا محيص عن القول بان العقل يفصل الأمور ويحللها ويعطى كل جزء حقه
فشأنه تفليك الأمور لا تلفيقها، ولا رؤية المجموع واهمال الحيثيات
بقى شئ
وهو البحث عن ثمرة المقدمة الموصلة وهى تظهر في تصحيح العبادة بناء على أن
ترك الضد مقدمة لفعل الضد الاخر فعلى القول بالمقدمة المطلقة تقع العبادة منهيا عنها
فتفسد لو اتى بها واما على الموصلة فبما ان الواجب هو الترك الموصل فلا يقع حراما الا
إذا ترتب عليه الواجب فلو تخلف لا يكون تركه واجبا فلا يكون فعله حراما حتى يفسد،
و (اورد) عليه الشيخ الأعظم بان فعل الضد وان لم يكن نقيضا للترك الواجب مقدمة، بناء
على المقدمة الموصلة الا انه لازم لما هو من افراد النقيض حيث إن نقيض ذاك الترك الخاص
رفعه وهو أعم من الفعل والترك المجرد وهذا يكفي في اثبات الحرمة والا لم يكن فاسدا
فيما إذا كان الترك المطلق واجبا لان الامر الوجودي لا يكون نقيضا لان نقيض الترك رفعه
نعم هو يلازم ذلك انتهى
(ويمكن) ان يورد عليه بانا لا نسلم ان ميزان النقيض ما ذكره بل النقيضان هما
المتقابلان ايجابا وسلبا أو نقيض الشئ أعم من رفعه أو كونه مرفوعا به (فح) نقيض ترك
الصلاة هو فعل الصلاة فإذا وجب الترك حرمت الصلاة فتصير باطلة (واما) نقيض الترك
الموصل فلا يمكن أن يكون الفعل والترك المجرد لان نقيض الواحد واحد والا لزم
امكان اجتماع النقيضين وارتفاعهما، فلا محالة يكون نقيض الترك الموصل ترك هذا
الترك المقيد وهو منطبق على الفعل بالعرض لعدم امكان انطباقه عليه ذاتا للزوم كون
الحيثية الوجودية عين الحيثية العدمية، والانطباق العرضي لا يوجب سراية الحرمة فتقع
صحيحة و (خلاصة) الفرق بين المقامين ان الفعل يمكن أن يكون نقيضا للترك المطلق
لان الميزان هو التقابل سلبا وايجابا لا رفعه فقط واما الفعل في الترك الخاص فلازم للنقيض أعني
ترك الترك الخاص وليس النقيض هو الأعم من الفعل والترك المجرد لاستلزامه كون نقيض الواحد
213

اثنين وهو يساوق امكان اجتماع النقيضين وارتفاعهما، إذ نفس الفعل والترك المجرد في
مرتبة واحدة فلا مناص عن جعلهما لازمي النقيض دفعا للمحذور المتقدم، فإذا كان النقيض
بالبرهان المذكور هو ترك الترك الخاص فانطباقه على الفعل عرضي لا ذاتي، والا يلزم كون
الحيثية الوجودية عين العدمية
(وبذلك) يظهر النظر فيما اورده المحقق الخراساني ردا على الشيخ الأعظم بان
الفعل وان لم يكن عين ما يناقض الترك المطلق مفهوما، لكنه متحد معه عينا وخارجا فيعانده
وينافيه واما الفعل في الترك الموصل فلا يكون الا مقارنا لما هو النقيض من رفع الترك المجامع
معه أحيانا بنحو المقارنة وفي مثله لا يوجب السراية انتهى (قلت) لا أدرى بماذا اعتمد (قده) في
تعيين النقيض فان قال إن النقيضين ما يتحقق بينهما تقابل الايجاب والسلب من دون التزام
بان نقيض كل شئ رفعه بل التزم بكونه أعم من رفعه أو مرفوعه (فح) فالفعل عين النقيض في الترك
المطلق لتحقق الايجاب والسلب بينهما! فلا معنى إذا لقوله ان الفعل وان لم يكن عين ما يناقض
الترك المطلق، وان اختار ان نقيض الشئ رفعه فقط ونقيض الترك هو رفعه لا مرفوعه
فلا معنى لقوله لكنه متحد معه عينا وخارجا فيعانده، إذ ترك الترك أو رفع الترك لا يمكن
ان يتحد مع الفعل خارجا اتحادا ذاتيا، لان حيثية الوجود يمتنع ان يتحد ذاتا مع الرفع
ولو كفى الاتحاد غير الذاتي في سراية الحكم، يكون متحققا في الترك الموصل بالنسبة
إلى الفعل فإنه أيضا منطبق عليه بالعرض، (واعجب) منه قوله إنه من قبيل المقارن المجامع
معه أحيانا إذ الفعل مصداق الترك الموصل بالعرض دائما ومنطبق عليه كذلك دائما من
غير انفكاك بينهما نعم قد لا يكون المصداق أعني الصلاة متحققا وعدم انطباق النقيض
أي رفع الترك عليه انما هو بعدم الموضوع ومثل ذلك لا يوجب المقارنة، إذ العناوين لا تنطبق
على مصاديقها الذاتية أيضا حال عدمها فما الظن بالمصاديق العرضية
وتوضيح الحال مع تحقيقها انه قرر في محله ان حقيقة الوجود هي عين حيثية الاباء
عن العدم وان الجهة الثبوتية لا يعقل أن يكون بما هي جهة وجودية، منشاءا لانتزاع الاعدام
وما شاع في السنة المحصلين من أن وجود أحد الضدين عين عدم الاخر أو راسمه، فلابد ان
يحمل على التشبيه والمجاز (فح) اما ان نقول إن نقيض كل شئ رفعه بمعنى ان نقيض الفعل
هو الترك ولكن نقيض الترك ليس الفعل بل هو ترك الترك وقس عليه العدم و (اما ان) نقول
214

بأنه أعم من رفعه أو مرفوعه، فنقيض الترك (ح) هو الفعل (اما) على الأول فان قلنا إنه يشترط في
فساد العبادة كونها مصداقا بالذات للمحرم لا ملازما لما هو حرام فتصح الصلاة على كلا
الرأيين في باب وجوب المقدمة إذ الحيثية الوجودية الصلاتية لا يعقل أن تكون نفس
العدمية أعني ترك الترك الذي هو نقيض لترك الفعل المفروض وجوبه بناء على المقدمية
(وان قلنا) بكفاية الانطباق في الجملة فلا يصح على القولين اما على وجوب المقدمة المطلقة
فلملازمتها لترك الترك دائما وقد فرضنا عدم اشتراط المصداقية وكفاية التلازم الوجودي
واما على وجوب المقدمة الموصلة فلان المقارن لترك الترك المقيد وإن كان أعم من
الفعل أو الترك المجرد الا ان الفعل مهما قارن النقيض يصير محرما للانطباق العرضي، و
عدم اتصافه بالحرمة فيما إذا قارن الترك المجرد ليس الا لفقدان الموضوع فلا يضر بما
إذا كان موجودا،
نعم لنا كلام في باب الضد وهو ان العدم لا ينطبق على الوجود بنحو من الأنحاء
ولا يقارنه ولا يلازمه وما ذكر هنا مبنى على الغض عنه (واما على القول) الثاني في اخذ النقيض وهو
كفاية تحقق الايجاب والسلب بين الشيئين (فان قلنا) بأنه يشترط في فساد العبادة، كونها
نقيضا للواجب فلابد ان يفصل بين القولين، إذ الصلاة على قول المشهور تكون نقيضا
حقيقيا لترك الصلاة الذي هو واجب من باب المقدمة على الاطلاق، بخلافها على القول
بوجوب ترك الصلاة الموصل فإنها لا تكون نقيضا إذ الوجود المطلق لا يكون نقيضا للترك
المقيد بل نقيضه لابد أن يكون شيئا آخر وهو رفع هذا الترك المقيد وعليه لا وجه لفسادها
واما إذا اكتفينا بالمقارنة والملازمة مع الغض عما سيأتي فتفسد وتحرم على كلا الرأيين
(نعم) هنا كلام لبعض الأعيان من المحققين في تعليقته الشريفة وحاصله ان المراد من المقدمة
الموصلة اما العلة التامة واما المقدمة التي لا تنفك عن ذيها، فعلى الأول تكون المقدمة
الموصلة لإزالة ترك الصلاة ووجود الإرادة ونقيض المجموع من الامرين مجموع النقيضين
والا فليس لهما معا نقيض لان المجموع ليس موجودا على حدة حتى تكون له نقيض (فح) يكون
نقيض ترك الصلاة فعلها ونقيض إرادة ذي المقدمة عدمها فإذا وجب مجموع العينين بوجوب
واحد حرم مجموع النقيضين بحرمة واحدة ومن الواضح تحقق مجموع الفعل وعدم
الإرادة عند ايجاد الصلاة وعلى (الثاني) فالمقدمة هو الترك الخاص وحيث إن الخصوصية
215

ثبوتية فالترك الخاص لا رفع لشئ ولا مرفوع بشئ، فلا نقيض له بما هو بل نقيض الترك
هو الفعل ونقيض الخصوصية، عدمها فيكون الفعل محرما بوجوب نقيضه ومن الواضح
ان الفعل مقترن بنقيض الخصوصية المأخوذة في ظرف الترك (انتهى) وأنت خبير بما فيه من
الضعف اما (أولا) فلما مر من أن المناط عند العقل هو حيثية الايصال، لا العلة التامة ولا
المقدمة الفعلية غير المنفكة، (وثانيا) ان وحدة الإرادة كاشفة عن وحدة المراد لان
تشخصها به وتكثرها تابع لكثرة كما مر غير مرة، وعليه فلا يقع المركب الاعتباري
موضوعا للحكم بنعت الكثرة بل لابد من وجود وحدة حرفية فانية في متعلقها، تجمع شتاته
وتجعلها موضوعا واحدا، ويصير (ح) نقيضه رفع هذا الموضوع الوحداني الاعتباري لارفع
كل جزء
وبعبارة أوضح الموضوع الواحد الاعتباري نقيضه رفع ذاك، لافعل الصلاة
وعدم الإرادة مثلا، ضرورة ان نقيض كل شئ رفعه أو كونه مرفوعا به وليست الصلاة رفع هذا
الواحد الاعتباري ولا مرفوعة، به، اما عدم كونها رفعا فواضح واما عدم كونها مرفوعة به فلان
الترك الخاص أمر وجودي مثل الصلاة فلا يصير رفعا لها وقس عليه الحال في المقدمة الخاصة
أي الترك غير المنفك فإنه في مقام الموضوعية للإرادة الواحدة غير متكثر ونقيضه عدم
هذا الواحد، والمفردات في مقام الموضوعية غير ملحوظة بحيالها حتى تلاحظ نقايضها،
نعم مع قطع النظر عن الوحدة الاعتبارية يكون نقيض الترك هو الفعل ونقيض الخصوصية
عدمها، ولكن لم يكن للخاص (ح) وجود حتى يكون له رفع (فظهر) بما ذكرنا بطلان ما
رتب عليه من حرمة الصلاة وفسادها حتى على القول بالمقدمة الموصلة، لان وجود الصلاة
على هذا المبنى ليس نقيضا للواحد الاعتباري لما عرفت من أن نقيضه رفع الواحد الاعتباري
بل مقارن للنقيض بمعنى ان رفعه ينطبق على الصلاة عرضا وعلى الترك المجرد فلا تفسد
لو لم نكتف بالمقارنة في البطلان وهذا بخلاف ما إذا قلنا بوجوب مطلق المقدمة لان الايجاب
أعني فعل الصلاة نقيض لمطلق تركها فتدبر حول ما ذكرنا إذ به يتضح أيضا اشكال ما في
تقريرات بعض المحققين قدس سره
في تقسيم الواجب إلى الأصلي والتبعي
الظاهر أن التقسيمات الواقعة في كلمات القوم في هذا الباب كلها أو جلها راجعة
216

إلى مقام الاثبات والدلالة فيقال الواجب ان فهم وجوبه بخطاب مستقل فاصلي والا فتبعي
وهذا تقسيم معقول في مقابل سائر التقسيمات وان لم يترتب عليه اثر مرغوب ويظهر من
المحقق الخراساني كون التقسيم بحسب مقام الثبوت حيث أفاد ان الشئ تارة يكون متعلقا
للإرادة والطلب مستقلا للالتفات إليه بما هو عليه مما يوجب طلبه فيطلبه، كان طلبه نفسيا
أو غيريا واخرى يكون متعلقا لها، تبعا لإرادة غيره من دون التفاوت إليه بما يوجب ارادته
ثم قال لا شبهة في اتصاف النفسي بالأصالة لان ما فيه المصلحة النفسية يتعلق به الطلب
مستقلا انتهى
وفيه ان الاستقلال إن كان بمعنى الالتفات التفصيلي فهو في قبال الاجمال والارتكاز
لا عدم الاستقلال بمعنى التبعية فيكون الواجب النفسي أيضا تارة مستقلا واخرى غير
مستقل مع أنه لا شبهة ان ارادته أصلية لا تبعية، وإن كان الاستقلال في النفسي بمعنى عدم
التبعية فلا يكون الواجب الغيري مستقلا سواء التفت إليه تفصيلا أولا، (ووجه) بعض
الأعيان من المحققين في تعليقته الشريفة كون التقسيم بحسب الثبوت بما يلي بان للواجب بالنسبة
إلى المقدمات جهتين (إحديهما) العلية الغائية حيث إن المقدمة تراد لمراد آخر لا لنفسها
بخلاف ذيها (والثانية) العلية الفاعلية وهى ان إرادة ذيها علة لإرادة مقدمته ومنها تترشح
عليها والجهة الأولى مناط الغيرية والجهة الثانية مناط التبعية انتهى وما أسلفناه من امتناع
تولد إرادة من أخرى من غير أن يحتاج إلى مقدماتها من التصور والتصديق بالفائدة وغيرهما
من المبادى، كاف في ابطال الجهة الثانية التي جعلها مناط التبعية مع أن كلامه لا يخلو
عن تهافت يظهر بالمراجعة
(ثم) انه لا أصل هنا ينقح به موضوع الأصلية والتبعية لو ترتب على الاحراز ثمرة، سواء كان
المناط في التقسيم ما استظهرناه أو ما ذكره المحقق الخراساني أو ما ذكره المحقق المحشى
وسواء كان الأصلي والتبعي وجوديين أو عدميين أو مختلفين، والتمسك بأصالة عدم تعلق
إرادة مستقلة به على القول بكون التبعي عدميا، تشبث بأصل مثبت أو بما ليس له حالة سابقة
لان الموجبة المعدولة كالواجب المتعلق به إرادة غير مستقله أو الموجبة السالبة المحمول
كما تقول الواجب الذي لم يتعلق به إرادة مستقلة، مما لم تتحقق فيها حالة متيقنة حتى
نأخذ بها، والسالبة المحصلة لا يثبت كون الإرادة الموجودة متصفة بشئ كما سيجئ تفصيله
217

وإن كان الاظهر حذف السالبة المحصلة من المقام لأن عدم تفصيلية القصد والإرادة في التبعي
أو عدم ترشح الإرادة من إرادة أخرى في الأصلي، لا يمكن جعلهما من السوالب المحصلة
إذ لازمه كون التبعية حيثية سلبية محضة وهو كما ترى
تتميم
الظاهر أنه لا ثمرة في هذه المسألة إذ أهم الثمرات ما ذكره بعض أهل التحقيق
من أن وجوب المقدمة وان لم يكن بنفسها موردا للأثر بعد حكم العقل بلزوم الاتيان و
عدم محيص عنه، الا انه يمكن بتطبيق كبريات اخر عليها، فإنه على فرض الوجوب يمكن
تحقق التقرب بقصد امرها كما يمكن التقرب بقصد التوصل بها إلى ذيها فيتسع بذلك نطاق
المتقرب بها، و (أيضا) إذا أمر شخص بماله مقدمات كبناء البيت فأتى المأمور بها ولم يأت بذى
المقدمة فعلى فرض تعلق الامر بها يكون ضامنا للمأمور اجرة المقدمات المأمور بها
(انتهى) وأنت خبير بعدم صحة شئ من الثمرتين لأنه بعد الغض عما تقدم من أن الامر
الغيري بعد فرض باعثيته، غير قربى لان التقرب بعمل هو اتيانه لله عز وجل والمفروض
انه اتاه لأجل واجب آخر وعمل يترتب عليه، يرد عليه ما تقدم من أن الإطاعة وقصد التقرب.
بأمر فرع دعوته وبعثه وهى مفقودة في الامر الغيري لان الآتي بالمقدمات اما ان يريد اتيان
ذيها فلا محالة يأتي بها سواء أمر بالمقدمة أم لا، وإن كان معرضا عن ذلك فلا يتصور امتثال
الامر الغيري لأجل شئ لا يريده (والحاصل) انه إن كان أمر الواجب باعثا نحو المطلوب
وكان هو بصدد الامتثال فلا محالة تتعلق الإرادة على المقدمات فيكون الامر المقدمي غير
صالح للعبث وإن كان غير باعث لا يمكن أن يكون أمر المقدمة الداعي إلى التوصل به باعثا
ومعه لا يمكن التقرب به (واما) الثمرة الثانية (ففيه) مضافا إلى أنه مخالف لمبناه من وجوب
المقدمة الملازمة لوجود ذيها، الا أن يكون منظوره على تسليم وجوب المقدمة المطلقة
يرد عليه، ان الضمان الآتي من قبل الامر، فرع اطاعته فهو أيضا فرع باعثيته إذ لو اتى بمتعلق
الامر بلا باعثية لم يستحق شيئا كما لو اتاها لدواع آخر أو كان جاهلا بالحكم فمع عدم
صلوح الامر المقدمي للباعثية لا يوجب الضمان هذا مع أن ما ذكره ليست ثمرة للمسألة
الأصولية كما لا يخفى وبالتدبر تعرف فساد ساير الثمرات وسيجئ ان عدم باعثية الامر المقدمي
هو الأساس لانكار الامر المقدمي فاصطبر
218

في تأسيس الأصل
اعلم أن الملازمة الواقعة بين إرادة ذي المقدمة وبين إرادة ما يراه مقدمة على فرض
ثبوتها، ليست من قبيل لوازم الوجود لما عرفت من أن إرادة ذيها غير مؤثرة في إرادة المقدمة
تأثير العلة في المعلول، لان كلا من الإرادتين تحتاج إلى مبادئ برأسها، كما أنه لس من قبيل
لازم الماهية وهو واضح و (ما يقال) بل إنه من هذا القبيل ويراد منه ما يكون له تقرر وثبوت في
نفس الامر (غير صحيح) جدا حتى في الحقايق الخارجية لان الماهية مع قطع النظر عن الوجود
لا حقيقة لها فضلا عن أن يكون لها لازم ومعنى لازم الماهية هو ما يكون تبعا لها عند
تجريدها عن كافة الوجودات وإن كانت موجودة بهذا اللحاظ المفعول عنه، ويرى العقل
حينئذ نفس الماهية بلا توجه إلى وجودها وموجوديتها مزدوجة مع لازمها، ومن المعلوم
ان إرادة المقدمة ليست لازمة لإرادة ذيها بهذا المعنى
(ثم) انه لا فائدة في الأصل الجاري في الملازمة موضوعيا كان أو حكميا (اما لأول)
فلان استصحاب عدم الملازمة بنحو النفي التام، غير واضح لكونه مثبتا واما النفي الناقص
فمع كونه غير متيقن في الزمان الغابر، غير مجد إذ الميزان في صحة الاستصحاب الموضوعي
كما سيوافيك بإذن الله في محله هو انطباق كبرى شرعية على الصغرى المحرزة بالأصل
وهو هنا مفقود لعدم ترتب حكم شرعي على الملازمة وعدمها بلا توسط أمر عقلي لان
الملازمة لم تكن موضوعة لحكم شرعي بل العقل يحكم بعدم الوجوب على فرض عدم
الملازمة وبتحققه على فرض تحققها، و (اما الثاني) فلان جريانه فرع ترتب الأثر الشرعي
وقد عرفت انه لا اثر لهذا الوجوب ولا لنفيه شرعا (هذا) ولو أغمضنا عما ذكرنا فالأصل جار
حتى لو احتملنا الملازمة المطلقة شأنيا وفعليا، لان المقام من مصاديق المشكوك الذي هو
محط جريان الأصل، ولا يشترط احراز امكانه بل يكفي عدم العلم بامتناعه والا لما صح
التمسك بالاطلاق في الافراد الذي نشك في تعلق الجعل به مع احتمال عدم امكانه وهو
كما ترى (وما يقال) ان جريانه مستلزم للتفكيك بين المتلازمين لكونه من قبيل لوازم المهية
أو الوجود (غير وجيه) ولا مسموع إذ فيه مضافا إلى ما في دعوى كونه من قبيلهما كما تقدم
انه لا يلزم من جريانه التفكيك الواقعي، والظاهري منه لا اشكال فيه مع أنه لو سلم يلزم
احتمال التفكيك وهو لا يمنع عن جريان الأصل لعدم جواز رفع اليد عن الأدلة الشرعية
219

بمجرد احتمال الأمتع
إذا عرفت ما مهدناه من الأصول والمقدمات فاعلم: ان التحقيق عدم وجوب المقدمة
وعدم الملازمة بين البعثين ولا بين الإرادتين (اما الأول) فلا يخلو اما أن يكون المراد
انه إذا بعث المولى إلى شئ يجب له البعث مستقلا إلى مقدماته فهو فاسد ضرورة، لأنا
نرى عدم البعث إليها من الموالى غالبا بل البعث إليها جدا لغو كما سيوافيك، وما يرى
وقوعه اما ارشاد إلى الشرطية كالوضوء والغسل أو تأكيد للامر النفسي كناية، أو ارشاد
إلى حكم العقل وبه يظهر فساد ما في كلام المحقق الخراساني من التمسك بوجود الأوامر
الغيرية في الشرع قائلا بان تعلقها لأجل وجود ملاكها وهو محفوظ في جميعها، كما أن
احالته إلى الوجدان مصادرة عند المنكرين، (أو يكون) المراد ان البعث إلى الواجب بعث
نحو المقدمات فهو أوضح فسادا لان الهيئات الدالة على البعث لاتمكن ان تبعث الا إلى
متعلقاتها وهى الواجبات النفسية (أو يكون) المراد ان البعث إلى المقدمات من قبيل
لوازم الماهية وهو كما ترى (أو يقال) وان شئت فاجعله رابع الوجوه انه يتولد بعث من، بعث
بمعنى كونه علة للبعث إليها بحيث يكون نفس البعث أي الهيئة بما لها من المعنى، علة
فاعلية لبعث المولى بالنسبة إلى المقدمات بحيث يكون مؤثرا قهرا في نفس المولى ولكنه
أوضح فسادا وأظهر بطلانا وهذه وجوه أربعة والظاهر أن المراد أول الوجوه وقد
عرفت جوابه
واما الثاني أعني الملازمة بين الإرادتين فتحتمل وجوها بادي الرأي (منها)
جعل إرادة المقدمة من لوازم الماهية وهو أفسد الوجوه لان لوازم الماهية اعتبارية و
كيف يرضى وجدان القائل على جعلها اعتبارية (ومنها) نشوء إرادة من إرادة بمعنى كون
إرادة الواجب علة فاعلية لإرادتها من غير احتياج إلى مباد آخر كالتصور والتصديق بالفائدة
وغيره وقد وافاك بطلان تلك المزعمة غير مرة (ومنها) حدوث إرادة عن مبادئ برأسها
مستقلة متعلقة بها لغاية مولوية وهو التوصل إلى ذيها (وفيه) ان حدوث الإرادة بلا غاية
من المحالات وهى هنا كذلك وما قيل من أن التعلق قهري لا يحتاج إلى الغاية ساقط جدا
وسيوافيك بعيد هذا ان إرادة المقدمات من المولى بعد إرادة ذيها مما لا فائدة لها ولا يمكن
أن تكون تلك الإرادة مؤثرة في العبد ولو باظهارها بالبعث اللفظي نحو المقدمة (فح)
220

يكون تعلقها بها لغوا بلا غاية فانتظر برهانه ومما يقضى به آخر العجب ما يترائى في بعض
الكلمات لتحكيم الملازمة بين الإرادتين وحاصله ان التشريعية من الإرادة، كالتكوينية
والفاعل المريد في التكوين تتعلق ارادته بايجاد مقدماته وإن كان غافلا ولازم ذلك
استلزام الإرادة الامرية المتعلقة بفعل، إرادة أخرى متعلقة بمقدماته وهى إرادة قهرية ترشحية،
معلولة لإرادة الواجب (انتهى) وفيه مضافا إلى ما نبهنا عليه من أن ترشح إرادة من أخرى
مما لا أصل له، ان البرهان لم يقم على التطابق بين التشريع والتكوين لو لم نقل بقيامه على
خلافه وتوضيح الفرق ان تعلق الإرادة بالمقدمات من الفاعل المريد، لملاك انه يرى أن
الوصول إلى المقصد وإلى الغاية المطلوبة لا يحصل الا بايجاد مقدماته، فلا محالة يريده
مستقلا بعد تمامية مقدماتها واما الامر غير المباشر، فالذي يلزم عليه هو البعث نحو المطلوب
واظهار ما تعلقت به ارادته ببيان واف بحيث يمكن الاحتجاج به على العبد ويقف العبد به على مراده
حتى يمتثله، واما إرادة المقدمات فلا موجب له ولا غاية بعد حكم العقل بلزوم اتيانها
(والحاصل) انه فرق بين المباشر والامر فإنه لا مناص في الأول عن تعدد الإرادة لأن المفروض
انه المباشر للأعمال برمتها فلا محالة يتعلق الإرادة بكل ما يوجده بنفسه، واما الامر فيكفي
في حصول غرضه بيان ما هو الموضوع لامره وبعثه بان يأمر به ويبعث نحوه، والمفروض
ان مقدمات المطلوب غير خفى على المأمور، وعقله يرشد إلى لزوم اتيانها (فح) لأي ملاك
تنقدح إرادة أخرى متعلقة بالمقدمات
(وببيان آخر) ان الإرادة التشريعية ليست الا إرادة البعث إلى الشئ واما إرادة نفس
العمل فغير معقول لان عمل كل أحد متعلق بإرادة نفسه لا لإرادة غيره، نعم يمكن الاشتياق
إلى صدور عمل من الغير لكن قد عرفت مرارا ان الاشتياق غير الإرادة التي هو تصميم العزم
على الايجاد وهذا مما لا يتصور تعلقه بفعل الغير، فإرادة البعث لابد لها من مباد موجودة في
نفس المولى، ومن المبادى الغاية للفعل الاختياري وهى موجودة في إرادة البعث إلى ذيها
لان غاية البعث إليه هو التوصل إلى المبعوث إليه ولو امكانا واحتمالا واما اراده البعث
إلى المقدمات فما لا فائدة لها ولا غاية، لان البعث إلى ذيها إن كان مؤثرا في نفس العبد فلا
يمكن انبعاث بعد انبعاث وان لم يكن مؤثرا فلا يمكن أن يكون البعث الغيري موجبا
لانبعاثه لان بعثه إلى المقدمات لأجل التوصل إلى ذيها والمفروض انه متقاعد عن اتيانه
221

كما أن للمفروض عدم ترتب اثر عليه من الثواب والعقاب (فح) لو حصل إرادة، هذا شأنها
حيث لا فائدة فيها ولا غاية لها، يكون وجودها أشبه شئ بوجود المعلول بلا علة مع أن
الضرورة قاضية بعدم إرادة البعث نحو المقدمات في الغالب فيلزم تفكيك الإرادة عن معلولها
أي البعث فلا محيص في حل المعضلة عن نفى إرادة البعث و (لعمري) لو أعطيت حق النظر
فيما ذكرنا تدرك ان الحق المتبع ما حققناه والذي أوقع الأعاظم فيما أوقع، هو خلط الإرادة
الامرية بالإرادة الفاعلية، وكم له من نظير
واما ما استدل به أبو الحسن البصري الدائر بين الأقدمين فضعيف غايته، مع أنه منقوض
بمتلازمين أحدهما واجب والاخر غير واجب، فإذا ترك ما هو مباح فاما ان يبقى الواجب
على وجوبه كان أمرا بالمحال وان لم يبق خرج عن كونه واجبا مطلقا (فان قلت) لعله يقول بسراية
الوجوب من أحد المتلازمين إلى الاخر حتى يندفع المحذور المتقدم (قلت) المفروض خلو
الملازم الاخر عن الملاك فلو تعلق الإرادة به حينئذ لزم أن يكون تعلقها بلا ملاك
وهو ممتنع
واما التفصيل بين السبب وغيره فلا يرجع إلى محصل واما بين الشرط الشرعي و
غيره فقد استدل على وجوب الأول بأنه لولا وجوبه شرعا لما كان شرطا حيث إنه ليس مما
لابد منه عقلا أو عادة (وفيه) انه لو أراد توقف الشرطية في وعاء الثبوت على الامر الغيري
فهو دور واضح لأنه لا يتعلق الا بما فيه ملاك الشرطية وان أراد ان العلم بالشرطية في عالم الاثبات
موقوف على البعث (ففيه) ان العلم بالشرطية يمكن ان يحصل من طريق آخر من ارشاده
إلى أن هذا مقدمة له أو من بعثه الواحد النفسي على الواجب متقيدا كقوله صل متطهرا
(أضف) إلى ذلك ان البحث في المقام، بحث في أمر كبروي وهو الملازمة بين الإرادتين و
هو لا يكشف عن الصغرى، كما أن مع عدم احرازها لا ينتج الكبرى أعني حكم العقل
بالملازمة، وقس عليه الملازمة بين البعثين إذ لا يستكشف بها الصغرى، وان هذه مقدمة فلابد
لاحراز المقدمة من دليل آخر
في مقدمة الحرام
قد أسمعناك قول الحق وعرفناك مغزى البحث في الملازمة وان الحق عدمها وعليه
لا يفرق بين مقدمه الواجب والحرام، وما إذا كانت المقدمات توليدية أو غيرها بالبرهان
222

المتقدم وفصل المحقق الخراساني بين العلل التوليدية التي بقع الحرام بعدها بلا انتظار
حالة وبين ما يكون المكلف مختارا بعد ايجاد مقدماته، محتجا بعدم توسط الاختيار في
الأول بينها وبين الفعل فيسرى المبغوضية إلى الجميع لأنه موقوف على تمامها دون الثاني
لتوسطه بينهما فيكون المكلف متمكنا من ترك الحرام بعد حصول المقدمات كما كان
متمكنا قبله فلا ملاك لتعلق الحرمة بها واما الاختيار فلا يمكن ان يتعلق به التكليف للزوم
التسلسل انتهى ملخصا (وفيه) ان النفس لما كانت فاعله بالآلة في عالم الطبيعة فلا يمكن
أن تكون ارادته بالنسبة إلى الافعال الخارجية المادية جزء أخيرا للعلة التامة بحيث لا
تتوسط بينها وبين الفعل الخارجي شئ من الآلات وتكون النفس خلاقة بالإرادة بل هي
تؤثر في الآلات والعضلات بالقبض والبسط حتى تحصل الحركات العضوية وترتبط بواسطتها
بالخارج وتتحقق الافعال الخارجية
(وبالجملة) ان جعل الإرادة هو الجزء الأخير من العلة التامة بحيث يستند الفعل
إليها لا إلى فعل خارجي إرادي، مما لا يوجد بين أفعال الانسان في عالم المادة إذ ما من
فعل إرادي الا يتوسط بينه وبين الإرادة المتعلقة به، فعل إرادي آخر يمكن ان يقع تحت
الامر والزجر فلو فرضنا ان العاصي الطاغي قد هيأ جميع المقدمات من شراء الخمر وصبه
في الاناء ورفع الاناء تجاه الفم، وادخل جرعة منها باطنه، تعد جميع المقدمات ونفس الفعل
اختيارية غير توليدية ومع ذلك ليست إرادة الشرب الموجودة بالفعل جزءا أخيرا للعلة
التامة حتى يقال بامتناع تعلق التكليف بها بل يتوسط بينهما فعل إرادي آخر قابل لتوجه
التكليف به من حركات العضلات المربوطة بهذا العمل، فان الإرادة المتعلقة بالعضلات غير
الإرادة المتعلقة بالشرب كما مر تحقيقه في اثبات الواجب المعلق ومن المتوسطات
تحريك الفك وعقد الغلصمة وما أشبههما، كل ذلك أمور اختيارية للنفس، وتوليدية للشرب
قابلة لتعلق التكليف بها وقس عليه المشي فإنه لا يتحقق بنفس الإرادة بحيث تكون الإرادة
مبدءا خلاقا له من غير توسيط الآلات وحركاتها وتحريك النفس إياها بتوسط القوى
المنبثة التي تحت اختيارها (نعم) لا يتوسط بين الإرادة والمظاهر الأولية للنفس في عالم
الطبيعة متوسط
فان قلت إن مسألة الثواب والعقاب والاطاعة والعصيان من المسائل العرفية
223

العقلائية فلا يفيد فيها التدقيقات الصناعية والعرف يرى آخر الاجزاء هو الإرادة التي لا
يمكن التكليف بها (قلت) كلا قد أخطأت الطريق فان المسألة عقلية في المقام حيث إن
ان البحث عما يجوز ان يكلف به وما لا يجوز ولو فرض كون موضوع العصيان والاطاعة عرفيا
لابد (ح) من اعمال الدقة وتشخيص المتوسطات بين الافعال واراداتها
ثم إن شيخنا العلامة أعلى الله مقامه قد فصل بين ما يكون العنوان بما هو مبغوضا
من دون تقييد بالاختيار وإن كان له دخل في استحقاق العقاب، وبين ما يكون المبغوض،
الفعل الصادر عن إرادة واختيار، ففي الأول تكون إحدى المقدمات لا بعينها محرمة، الا إذا وجد
ما عدى واحدة منها فتحرم هذه الباقيته بعينها وفي الثاني لا يتصف الأجزاء الخارجية بالحرمة
لان العلة التامة للحرام هي المجموع المركب منها ومن الإرادة ولا يصح اسناد الترك الا
إلى عدم الإرادة لأنه أسبق رتبة من سائر المقدمات الخارجية (انتهى)
وفيه ان إرادة الفعل لما لم تكن جزءا أخيرا للعلة كما تقدم بل الجزء الأخير فعل
اختياري للنفس وهو كعلة توليدية للفعل، فلا محالة يكون هذا الجزء الأخير محرما
على فرض الملازمة لعدم الواسطة بينه وبين المحرم حتى الإرادة فإذا حرم الشرب الإرادي
فيتوقف تحققه على الشرب والإرادة المتعلقة به، فمع إرادة الشرب يتحقق جزء من
الموضوع وجزئه الاخر يتوقف على أفعال اختيارية منها تحريك عضلات الحلقوم وقبضها
حتى يتحقق الاجتراع، والجزء الأخير لتحقق الشرب هو هذا الفعل الاختياري فيتعين
الحرمة فيه بعد تحققه ساير المقدمات، واما قضية استناد الترك إلى عدم إرادة الفعل فصحيح
لكن الكلام هيهنا في مقدمات وجود المبغوض وكيفية تعلق الإرادة التشريعية بها وانه
هل يتعلق الإرادة على فرض الملازمة بالزجر عن المقدمات الخارجية أو لا فمع كون بعض
المقدمات الخارجية الاختيارية متوسطا بين إرادة الفعل وتحققه فلا محالة يصير مبعوضا و
منهيا عنه بعد تحقق ساير المقدمات (وبالجملة) بعد ما عرفت من توسط الفعل الاختياري
بين تحقق الشئ وارادته وان الإرادة ليست مولدة للفعل، لا يبقى فرق بين المقدمات في
المحرمات على ما فصله قدس سره
ثم إنه بناء على الملازمة هل يحرم جميع المقدمات كما تجب جميع مقدمات
الواجب أو يحرم الجزء الأخير إذا كانت اجزاء العلة مترتبة، أو الواحد من الاجزاء إذا كانت
224

عرضية، التحقيق هو الثاني لمساعدة الوجدان عليه، ولان الزجر عن الفعل مستلزم للزجر
عما يخرج الفعل من العدم إلى الوجود، لا عن كل ما هو دخيل في تحققه لان وجود ساير
المقدمات وعدمها سواء في بقاء المبغوض على عدامه، والمبغوض هو انتقاض العدم بالوجود
وما هو سبب لذلك هو الجزء الأخير في المترتبات، وفي غيرها يكون المجموع كذلك و
عدمه بعدم جزء منه، و (اما) ما في تقريرات بعض محققي العصر (رحمه الله) من قياس مقدمات
الحرام بالواجب بتقريب ان مقوم الحرمة هو مبغوضية الوجود كما أن مقوم الوجوب
محبوبيته ومقتضاه، سراية البغض إلى علة الفعل المبغوض فيكون كل جزء من اجزاء العلة
التوأم مع وجود سائر الأجزاء بنحو القضية الحيينة، مبغوضا بالبغض التبعي وحراما بالحرمة
الغيرية، فلا يخلو عن موارد للنظر
(اما أولا) فلان المبغوضية لا يمكن أن تكون مقومة للحرمة ولا المحبوبية للوجوب
لأنهما في الرتبة السابقة على الإرادة المتقدمة على البعث والزجر المنتزع منهما الوجوب
والحرمة، اللهم الا ان يراد من المقومية ان الحب والبغض من مبادئ الوجوب والحرمة
(وثانيا) ان مبغوضية الفعل لا يمكن أن تكون منشأ لمبغوضية جميع المقدمات لعدم
المناط فيها على نحو العام الاستغراقي لان البغض من شئ لا يسرى الا إلى ما هو محقق
وجوده وناقض عدمه، وغير الجزء الأخير من العلة أو مجموع الاجزاء في غير المترتبات
لا ينقض العدم
(فان قلت) فليكن الامر في مقدمة الواجب كذلك فيقال ان الحب لا يسرى الا إلى
ما هو محقق لوجود المحبوب، وطارد لعدمه وهو ليس الا الجزء الأخير من العلة أو مجموع
الاجزاء في العرضيات، ولا معنى لوجوب سوى الجزء الأخير من اجزاء علل الواجب في
الطوليات، (قلت) فرق واضح بين مقدمة الواجب والحرام فان الواجب لما كان المطلوب
تحققه، وهو موقوف على جميع المقدمات بحيث يكون كل واحد دخيلا فيه، (فلا مح) على
الملازمة تتعلق الإرادة بكل واحد منها بما هو موصل، بخلاف الحرام الذي يكون الوجود
مبغوضا ومزجورا عنه فان عدمه بعدم أحد مقدماته، فتعلق إرادة الزجر بغيره يكون بلا
ملاك (وثالثا) ان ما افاده بقوله ان الجزء التوأم مع ساير الاجزاء مبغوض، من ضم ما ليس
بدخيل إلى ما هو دخيل فان المجموع بما هو مجموع وإن كان مبغوضا لأنه العلة التامة
225

لتحقق الحرام لكن كل واحد ليس كذلك بنحو القضية الحينية لعدم الملاك فيه (هذا) وقد
سبق انه قدس سره قاس الإرادة التشريعية بالتكوينية في مقدمات الواجب، ومقتضى قياسه
عدم الحرمة ههنا ضرورة ان من أراد ترك شئ لا يتعلق ارادته بترك كل واحد من مقدماته
بل تتعلق بترك ما هو مخرج مبغوضه إلى الوجود فتدبر
فصل في مبحث الضد
اختلف الآراء في أن الامر بالشئ هل يقتضى النهى عن ضده أولا ولنقدم لتوضيح
المراد أمورا (الأول) جمع بعض الأعاظم بين كون المسألة أصولية عقلية، وبين تعميم
الاقتضاء في العنوان إلى كونه على نحو العينية أو التضمن أو الالتزام بالمعنى الأخص والأعم
وعلل بان لكل قائلا، ولا يخفى ما فيه من التهافت، إذ لو قلنا بان المسائل اللغوية كالمشتق
خارجة من الأصولية، فلا وجه للجمع بين الأصولية والتعميم، لان الغرض من التعميم ادخال
تمام المذاهب تحت العنوان فهنا تقول ان القول بالعينية في المسألة يجعلها من المسائل
اللغوية بل القول بالتضمن والالتزام كذلك أيضا على مبنى القوم لانهم يجعلون الجميع
من المداليل اللفظية كما لا يخفى، (نعم لو قلنا) كون المسألة لغوية لا ينافي الأصولية مع
اختلاف الجهة المبحوث عنها كما مر في أول الكتاب وان) كان يرتفع به هذا الا ان الجمع
بين كون المسألة عقلية وبين ذلك التعميم تهافت لان الغرض منه ادخال مذهب القائل
بإحدى الدلالات اللفظية في العنوان ولا يجتمع ذلك مع جعل الدلالة عقلية، وكيف كان
فالمسألة أصولية لانطباق ميزانها عليها
(الثاني) قد مر في مبحث الاجزاء ان الاقتضاء الواقع في نظائر هذه الأبحاث ليس
بمعناه الحقيقي ولا بد في المقام من أن يصار إلى معنى آخر يكون جامعا بين المعاني التي
ذكروها في مقام التعميم حتى يكون مستعملا فيه، ولكن وجود جامع بين الاقتضاء بمعنى
العينية والتضمن والالتزام مشكل جدا، ولا محيص (ح) عن اسقاط الوجوه التي ظاهر فسادها
كالأولين وحمل الاقتضاء على الاستلزام ولو بنحو من المسامحة أو تبديله به، وعقد البحث هكذا
(في استلزام الامر النهى عن ضده أو في استلزام إرادة الشئ ء إرادة ترك ضده)، والخطب سهل
(الثالث) قد يطلق الضد ويراد منه الترك ويسمى بالضد العام وقد يراد منه أحد
الأضداد الخاصة بعينه، وثالثة يراد منه أحد الأضداد الوجودية لا بعينه ويجعل من الضد
226

العام، واما الأقوال حول الأقسام فكثيرة والذي ينبغي عنه البحث، هو الاقتضاء في الضد
الخاص وقد استدل عليه بوجهين
الأول وروح هذا الوجه راجع إلى كون ترك الضد مقدمة لفعله، ولكنه عند
التشقيق ملفق من مقدمات ثلث يحتاج كل واحدة برأسها إلى اعمال النظر (الأولى) مقدمية
ترك الضد لفعل ضده وربما يصار البحث إلى مقدمية الفعل لترك الضد (الثانية) ان مقدمة
الواجب واجبة، (الثالثة) ان الامر بالشئ يقتضى النهى عن ضده العام وليس المراد منه ما
تقدم أعني الترك بل نقيض الواجب سواء كان عدميا أم وجوديا كما في المقام فان ترك
الصلاة مقدمة للأهم، وضده العام هو نفس الصلاة (هذا) واستدل القائل على اثبات المقدمة
الأولى بان الضد متمانعان وعدم المانع من المقدمات
(قلت) قد ناقش فيه القوم واوردوا عليه وجوها ثلثة (الأول) ما عن المحقق الخراساني
من أن المعاندة بين الشيئين لا تقتضى الا عدم اجتماعهما في التحقق وحيث لا منافاة بين
أحد العينين مع نقيض الاخر بل بينهما كمال الملائمة كان أحد العينين مع نقيض الاخر
في مرتبة واحدة (وأورد) عليه المحقق المحشى ان كمال الملائمة لا ينافي التقدم والتأخر
لان العلة لها كمال الملائمة مع معلولها وهو لا يوجب الاتحاد في الرتبة و (لكن) يمكن ان يقال
في تقرير مقالة الخراساني ان الحمل الصناعي ينقسم إلى حمل بالذات وهو ما يكون الموضوع
فيه مصداقا للمحمول بذاته بلا ضم حيثية زائدة على ذاته كما في زيد انسان، وإلى حمل
بالعرض وهو ما يحتاج إلى حيثية زائدة حتى يصير مصداقا له بتبعه كما في قولك الجسم أبيض
إذ كون الجسم من حيث ذاته، لا يكفي في مصداقيته له ما لم يتخصص بخصوصية زائدة
على ذاته (فح) فالسواد وان لم يصدق على البياض الا ان عدم السواد يصدق عليه حملا
بالعرض لا بالذات إذ حيثية الوجود الذي هو عين الطاردية للعدم والمنشأية للأثر، تمتنع
أن تكون عين عدم الاخر بالذات لكن يتحد ان بالعرض ويكون وجوده راسم عدمه
(فح) فالحمل بينهما كاشف عن اتحادهما في الخارج اتحادا مصداقيا بالعرض، وما يقع
في سلسلة العلل من المقتضيات والمعدات وعدم الموانع لا يعقل ان تتحد مع معلوله في
الخارج ولو بالعرض، إذ العلة مقدمة على معلولها عقلا ومعنى هذا التقدم كون وجود المعلول
ناشئا منه ومفاضا عنه وما هذا شأنه لا يعقل ان يتحد مع المتأخر عنه إذ الاتحاد كما هو مفاد
227

الحمل يأبى أن يكون أحدهما مقدما والاخر مؤخرا وإن كان رتبيا
وبعبارة أوجز ان السواد لا يصدق على البياض والا اجتمع الضدان ومع عدم صدقه
لابد وان يصدق عليه نقيضه والا ارتفع النقيضان، والصدق يقتضى الاتحاد وهو ينافي التقدم
والتأخر رتبة فثبت اتحادهما رتبة، (هذا) ولكنه أيضا لا يخلو من اشكال لما عرفت ان
قوام الحمل الصناعي بالعرض انما هو بتخصص الموضوع بحيثية زائدة حتى يصير مصداقا
عرضيا ببركتها، والمفروض ان وجود الضد ليس عين عدم الاخر فلا محيص عن القول
بالتخصص واتصاف الموضوع بحيثية زائدة (ولكنه) في المقام ممتنع إذ الاعدام سواء
كانت مطلقة أم غيرها ليست لها حيثية واقعية حتى يتخصص به البياض ويحمل عليه على نحو
الاتصاف انه عدم سواد، إذ الاعدام باطلات صرفة وعاطلات محضة ولا معنى فيها للاتحاد
والهوهوية والعينية على وجه التوصيف كما لا يخفى وما ربما يثبت للاعدام من احكام
الوجود من التقدم الزماني أو كون عدم العلة علة لعدم المعلول، كل ذلك لغرض التسهيل
على المتعلمين، وما ربما يقال من أن لاعدام الملكات خطا من الوجود، توسع في العبارة واسراء
حكم المضاف إليه إلى المضاف والا فان العمى بما هو أمر عدمي لاحظ له من الوجود، ولم
يشم ولن يشم رائحته
وما ذكرناه بصورة البرهان من أن السواد لو لم يصدق لصدق عدم السواد، مغالطة في
الاستدلال إذ نقيض قولنا يصدق السواد، هو انه لا يصدق السواد على نحو السالبة المحصلة
لا صدق عدم السواد على طريق الموجبة المعدولة أو الموجبة السالبة المحمول، لان الاعدام
لا شؤون لها في صفحة الوجود حتى قولنا - لا شؤون لها - لو أريد به الاتصاف، بل المرجع
في محامل الاعدام هو السالبة المحصلة التي تفيد سلب الاتحاد وان صحيفة الوجود خالية
عن هذا الضد بنحو السلب التحصيلي، (والحاصل) ان نقيض صدق البياض على السواد عدم
صدقه عليه على أن يكون السلب تحصيليا، لاصدق عدمه عليه بنحو الايجاب العدولي أو
الموجبة السالبة المحمول فالبياض إذا لم يصدق عليه انه سواد صدق عليه انه ليس بسواد
بالسلب التحصيلي وهو نقيض الايجاب لا صدق عدمه لان نقيض صدق الشئ هو عدم
صدقه لا صدق عدمه حتى يلزم اتحادهما في الوجود ولو بالعرض، وعدم التمييز بين السلب
التحصيلي والايجاب العدولي والموجبة السالبة المحمول موجب لكثير من المغالطات
228

والاشتباهات
وأظن انك لو وقفت على واقع العدم الذي حقيقته انه لا واقع له، تعرف ان حيثية
العدم يمتنع أن تكون ذلت حظ من الوجود، بل الإضافات الواقعة بينها وبين غيرها انما
هي في الذهن، وفي وعائه تكون الاعدام المطلقة أيضا موجودة بالحمل الشايع وإن كانت
اعداما بالحمل الأولى فلا حقيقة للعدم حتى يتصف بوصف وجودي أو اعتباري أو عدمي
(وما يقال) ان ثبوت شئ لشئ فرع ثبوت المثبت له لا الثابت، ليس المراد منه ان الجهات
العدمية بما هي كذلك تمكن ان تثبت لشئ بحيث يكون التصادق والاتحاد بينهما كاتحاد
شئ بشئ والا يلزم كذب القاعدة الفرعية. أيضا، لان ثبوت الثابت بهذا النحو، اثبات
صفة ثبوتية له فيلزم صدق قولنا العدم ثابت للوجود وصادق عليه وهو فرع ثبوت المثبت
له (فتلخص) ان الاحكام في الاعدام لابد ان ترجع إلى السالبات المحصلات وإن كانت
بحسب الظاهر موجبات هذا وانما أطلنا الكلام وعدلنا عن مسلك الاقتصاد لكون المقام
من مزال الاقدام فاغتنم
(الثاني) من المناقشات والإيرادات على المقدمة الأولى أعني مقدمية ترك الضد
لوجود الاخر هو ما يستفاد أيضا من كلام المحقق الخراساني حيث قال إن المنافات بين
النقيضين كما لا تقتضي تقدم أحدهما في ثبوت الاخر كذلك المتضادان، وقرره تلميذه
الجليل المحقق القوجاني (ره) في حاشيته بقوله انه لا خفاء في أن النقيض للوجود هو العدم
البدلي الكائن في مرتبته والالزم ارتفاع النقيضين في مرتبة سلب أحدهما مقدمة للاخر
فظهر ان هذا النحو من التعاند لا يقتضى الا تبادلهما في التحقيق لا ارتفاع أحدهما ولا، ثم
تحقق الاخر ثانيا وحيث عرفت ذلك في النقيضين فكذلك الوجود ان المتقابلان (انتهى)
ونزيد توضيحا عليه ان ما ذكره مبنى على مقدمات ثلاث (الأولى) ان النقيضين في رتبة
واحدة بمعنى ان الوجود في ظرف معين من الزمان أو في مرتبة من مراتب الواقع، ليس
نقيضه الا العدم في ذلك الظرف أو المرتبة إذ لا تعاند في غير هذا الوجه إذ عدم زيد في الغد
لا يعاند وجوده في اليوم وعدم المعلول في رتبة العلة لا يباين وجوده في مرتبة نفسه (وان
شئت فعبر) ان نقيض الشئ بديله فنقيض شئ في زمان أو رتبة، هو عدمه الذي في ذلك
الزمان وتلك الرتبة والا يلزم اجتماع النقيضين فالمعلول معدوم في رتبة العلة وموجود
229

في رتبة متأخرة فنقيض الوجود في رتبة العلة هو العدم في رتبتها (وبعبارة أوضح) ان
مرتبة العلية هي مرتبة الإفاضة والاثبات فيمتنع ان يتحقق فيها وجود المعلول والا ارتفعت
العلية والمعلولية فلا بد ان يتحقق فيها عدمه لئلا يرتفع النقيضان فظهر انه لابد ان يتبادل
كل من وجود المعلول وعدمه في رتبة العلة مترتبا
(الثانية) ان الضدين أيضا في مرتبة واحدة لأجل البيان المتقدم في النقيضين مثلا
لو فرضنا تحقق أحد الضدين كالبياض في ظرف من الزمان وفى موضوع معين، فضده هو
السواد في تلك القطعة وفي هذا الموضوع المتعين، لعدم المنافات لو تحققا في قطعتين أو
موضوعين فالبينونية الحقيقية بين الضدين لا تتحقق الا بالمطاردة وهى تتوقف على ما ذكرناه
وببيان آخر ان مناط امتناع اجتماع الضدين هو لزوم اجتماع النقيضين الذي هو أم القضايا
ومناط الامتناع فيه انما يكون مع وحدة الرتبة كما تقدم (فكك) في اجتماع الضدين
(الثالثة) وان شئت فسمها نتيجة المقدمتين هو كون أحد الضدين مع نقيض الاخر في رتبة
واحدة (والحاصل) انه علم أن البياض مع نقيضه في رتبة واحدة كما علم أن البياض مع السواد
واقعان في مرتبة واحدة أيضا كما تقدم فيستنتج ان نقيض البياض أعني عدم البياض متحد
مع السواد رتبة إذ السواد مساو رتبة مع البياض، والبياض مساو مع عدم البياض فالسواد مساو
مع عدم البياض لان مساوى المساوى للشئ مساو له (هذا غاية) توضيح له
(وأنت) خبير بما فيه من الخلل (اما) في أولها فلانا نمنع كون النقيضين في رتبة
واحدة لان وجود المعلول في رتبة علتها ليس نقيضه كون عدمه في رتبتها إذ لا واقعية للاعدام
حتى تشغل مرتبة من مراتب الواقع بل نقيضه سلب وجود المعلول في هذه المرتبة على أن
تكون الرتبة قيد المسلوب لا للسلب (وبالجملة) ان نقيض كل موجود في أي مرتبة أو زمان،
هو عدم الموجود الواقع في هذه الرتبة أو ذاك الزمان، فإذا كذب كون المعلول في رتبة
علته صدق عدم كونه في رتبتها لا كون عدمه في رتبتها فإنه أيضا غير صادق (وبعبارة) أخصر
ان نقيض كل شئ رفعه فنقيض البياض في المرتبة رفعه، على أن يكون القيد للمسلوب لا
للسلب فإذا لم يصدق كون المعلول في رتبة علته، صدق عدم كونه في رتبتها بنحو السلب
التحصيلي أو بنحو السلب المحمولي للمقيد على أن يكون القيد للمسلوب فتلخص ان
نقيض كون المعلول في رتبة العلة عدم كونه في رتبتها لا كون العدم في رتبتها حتى يقال إن
230

النقيضين في رتبة واحدة (واما ثانيتها) فهو أوضح فسادا مما تقدم إذ الرتب
العقلية لا ربط لها بالخارج الذي هو ظرف الضدية، والمترتبان عقلا مجتمعان خارجا
ومتحدان زمانا، والضدان يمتنع اجتماعهما في الوجود الخارجي فأين هو من الرتب العقلية،
حتى لو فرضنا ان البياض والسواد مخلفا الرتبة عقلا يكون اجتماعهما الوجودي في
موضوع واحد محالا أيضا، وبما عرفت من عدم وحدة التربة في النقيضين، سقط ما ذكر من
اثبات وحدة الرتبة في الضدين من وحدتها في النقيضين لأجل كون مناط الامتناع في اجتماع
الضدين هو لزوم اجتماع التقيضين، هذا مضافا إلى أن في هذه الدعوى أيضا كلاما بل خلطا
والتفصيل موكول إلى مظانه وبما (ذكر) يظهر الحال في النتيجة بل لو سلمنا كون النقيضين
والضدين في رتبة واحدة، فلانكار لزوم كون أحد العينين في رتبة نقيض الاخر مجال
واسع، لعدم البرهان على أن الرتب العقلية حكمها حكم الزمان في الخارج لو لم نقل بان
البرهان قائم على خلافه لان للرتب العقلية ملاكات خاصة، ربما يكون الملاك موجودا
في الشئ دون متحدة في الرتبة، الا ترى ان ملازم العلة لا يكون مقدما على المعلول رتبة
لفقدان ملاك التقدم فيه وهو كون وجوب الشئ من وجوبه ووجوده من وجوده (وما) ربما
يتمسك بقياس المساواة فغفلة حقيقة الحال ولعله لقياس الرتب العقلية من حيث المساواة
واللا مساواة، بالمقادير والأزمنة (فتلخص) ان الشئ ونقيضه ليسا في مرتبة واحدة سلبا
تحصيليا كما ليس بينهما التقارن والتقدم كذلك
الثالث وهو أيضا يستفاد من كلامه قدس سره و (حاصله) انه لو توقف وجود المد
على عدم ضده لزم الدور، لان التوقف لأجل التمانع من الطرفين فعدم أحد الضدين أيضا
متوقف، على وجود الاخر توقف العدم على وجود مانعه (انتهى) قلت إن مقتضى التمانع
بين الضدين هو انه لو توقف وجود الضد على عدم الاخر، لزم ان يتوقف وجود الضد الاخر
على عدم ذاك لا ان يتوقف عدم الاخر على وجوده فيرتفع الدور، لاختلاف الموقوف
والموقوف عليه، لان وجود البياض متوقف على عدم السواد ووجود السواد متوقف على
عدم البياض، اخذا بحكم التمانع بين وجودي الضدين، لا ان عدم السواد متوقف على وجود
البياض حتى يتخيل الدور، لان العدم ليس بشئ حتى يتوقف تحققه على شئ (ثم) ان
التحقيق ان التوقف باطل مطلقا أي لا يتوقف العدم على شئ ولا يتوقف شئ عليه و (توضيحه)
231

وإن كان ما أوعزنا إليه كافيا في رفع الحجاب، هو ان العدم ليس أمرا حقيقيا واقعيا، بل هو
مفهوم اعتباري يصنعه الذهن إذا تصور شيئا ولم يجده شيئا إذا رجع إلى الخارج وتفحص
عن مظانه، وحقيقته خلو صحيفة الوجود عن الشئ المتصور بالسلب التحصيلي، وخلو نفس
الامر عن وجوده، فيكون مقابل الوجود مقابل ونفس الامر بمراتبه الطولية وما شأنه هذا يكون
بطلانا محضا، ولا يعقل ان يصير دخيلا في تحقق شئ أو متأثرا من شئ إذ ما لا شيئية له
يسلب عنه جميع الأمور الثبوتية ومنها المتوقف بكلا قسميه، بالسلب التحصيلي، و (بالجملة)
كون شئ شرطا لشئ أو متأثرا عنه أو دخيلا في وجوده، قضايا ايجابية يتوقف صدقها
على وجود موضوعها ومحمولها وقد فرضنا العدم لا شيئا محضا وبطلانا خالصا، و
قولك ان عدم الضد موقوف عليه أو عدمه موقوف على وجود الضد، من الموجبات وثبوت
حكمها للعدم، فرع ثبوت المثبت له وهو هنا ممتنع (فظهر) ان العدم مسلوب عنه احكام
الوجود والثبوت، إذ لا شيئية له فلا تقدم له ولا تأخر ولا مقارنة بل كل الحيثيات مسلوبة عنه
سلبا تحصيليا لا بمعنى سلب شئ عن شئ بل السلب عنه من قبل الاخبار عن المعدوم المطلق
بأنه لا يخبر عنه، الحاصل بالتوسل بالعناوين المتحصلة في الذهن، وقد تقدم ان ما ربما
يقال إن عدم العلة علة لعدم معلوله مسامحة في التعبير كما أن ما يتكرر بين كلمات المشاهير
من أهل الفن من عد عدم المانع من اجزاء العلة، مرجعه إلى أن وجوده مانع عن تحقق
المعلول لا ان عدمه دخيل، فعبروا عن مزاحمة المقتضيات والتمانع بين الوجودات
بكون عدم المانع من اجزاء العلة إذ العدم مطلقه ومضافة اقصر شأنا من أن يحوم حوله
التوقف لأنه البطلان واللا شيئية
وأوضح فسادا منه ما يقال إن للاعدام واقعية وظروفا بحسب أحوالها كما أن للماهيات
أوعية متسانحة مع مظروفاتها، إذ كل ظرف لابد وان يرجع إلى صحيفة الوجود والا فالظرف
و المظروف عاطلان باطلان
والعجب عن المحقق المحشى مع نبوغه وكثرة مساعيه في هاتيك المباحث
حيث أفاد هنا ما لا ينبغي ان يصدر عن مثله حيث قال إن عدم الضد من مصححات قابلية المحل
لقبول الضد، لعدم قابلية الأبيض للسواد ولا الأسود للبياض، وان القابليات والاستعدادات
والإضافات واعدام الملكات وإن كان لا مطابق لها في الخارج لكنها من الأمور الانتزاعية
232

وحيثيات وشئون لأمور خارجية، وثبوت شئ لشئ لا يقتضى أزيد من ثبوت المثبت له
بنحو يناسب ثبوت الثابت انتهى (وفيه) اما أولا فلان الاعدام المضافة إذا لم تكن متأثرا عن
شئ لإبائه عن الفاعل والقابل، فلا يكون مؤثرة ولا شرطا إذ التفكيك بينهما في الموجود
الامكاني باطل وما ليس بشئ لا يكون مؤثرا ولا متأثرا واما عدم تحقق الضد عند وجود
الاخر، وتحققه عند عدمه، فليس الا لأجل التمانع بين الوجودين، فإذا عدم أحدهما تحقق
الاخر لا لجهة الاستناد إلى عدمه بل إلى ايجاب علته التامة وان شئت قلت إن قابلية المحل
من شؤون نفسه من غير دخالة عدم شئ فيها، فالجسم قابل للسواد، كان موصوفا بالبياض
أولا ولا يتوقف قبوله له على عدم البياض واما عدم قبوله في حال اتصافه به، فإنما هو لأجل
التمانع بين الوجودين لا لتوقف القابلية على عدم الضد إذ العدم لا يمكن أن يكون مؤثرا
في تصحيح القابلية بل لا يكون من شؤون الأمور الخارجية ولا منتزعا منها (وثانيا) ان عد
الاعدام المضافة في عداد الاستعدادات لا يخلو من خلط فان الامكان الاستعدادي له نحو
وجود في المادة، إذ لا يمكن انكار ان للقابليات والاستعدادات بل الإضافات نحو وجود
في الخارج بخلاف اعدام الملكات فان التحقق لحيثية الملكة لا لحيثية العدم فتدبر
هذه حال المناقشات الثلاثة المتوجهة إلى المقدمة الأولى وقد عرفت حالها بالنقض
والابرام و (اما المقدمة الثانية) أعني وجوب المقدمة فقد تبين حاله أيضا و (اما الثالثة)
أي اقتضاء الامر بالشئ للنهي عن نقيضه فللمنع عنه مجال واسع اما عدم الاقتضاء بالمطابقة
والتضمن فواضح إذ البعث لا يكون عين الزجر ولا متضمنا له و (اما الالتزام) أعني كون النهى
عن النقيض لازما للامر، كما ربما يقال إن نفس تصور الوجوب والالزام يكفي في تصور
النهى عن الترك (ففيه) انه ان أريد به الانتقال التصوري فمع عدم ثبوته لا يفيد، وان أريد
اللزوم الواقعي بان يدعى ان المولى إذا أمر بشئ يجب ان ينهى عن نقيضه فهو واضح
البطلان، لأن المفروض ان الصادر منه هو الامر لا غيره، وان أريد انه لو التفت إليه لنهى
عنه فهو كما ترى
(فان قلت) ليس البحث في البعث الاعتباري بل في استلزام الإرادتين، إذ الإرادة
المتعلقة بشئ مستلزمة للإرادة المتعلقة بترك تركه (قلت) ان أريد من الاستلزام العينية
والتضمن، فهو واضح الفساد لان إرادة الزجر عن ترك شئ ليس عين إرادة نفس الشئ
233

بالحمل الأولى وانطباقه عليه في الخارج، مع فساده في نفسه، ليس بمفيد، (وان أريد) منه
المعنى الذي يذكر في باب المقدمة بأنه إذا تعلقت إرادة تشريعية بشئ فمع الالتفات
إلى تركه تتعلق إرادة تشريعية على ترك تركه (يرد) عليه ما أوضحناه في بابها من انا لا
نتصور لهذه الإرادة غاية ولا مبادئ، وتوضيحه انه بعد تعلق الإرادة التشريعية الالزامية
بشئ لا معنى لتعلق إرادة أخرى على ترك تركه، لعدم تحقق مبادئ الإرادة وغايتها
فان غايتها التوصل إلى المبعوث إليه ومع إرادة الفعل والبعث إليه، لا معنى لبعث الزامي
آخر إلى ترك تركه فلا غاية للإرادة التشريعية، وقد تقدم ان القول بان تعلق الإرادة بالمقدمة
قهري، لازمه تعلقها بشئ بلا ملاك وهو ممتنع ويجرى مثله في المقام أيضا، فتلخص ان
الامر بالشئ لا يقتضى النهى عن ضده العام ولا الخاص من جهة مقدمية الترك فتدبر
الوجه الثاني مما استدل به على حرمة الضد من جهة الاستلزام كما أن الوجه
الأول من كون الترك مقدمة لفعل الضد وحاصل هذا الوجه امتناع اختلاف المتلازمين
في الحكم حيث إن عدم الضد لو لم يكن مقدمة لوجود ضده فلا أقل من كونه ملازما له،
وما شأنه هذا، يمتنع أن يكون مباحا إذا كان عدله واجبا
وتوضيحه ببيان أمور (الأول) ان وجود كل من العينين مع عدم ضده متلازمان
لان وجود الضد يمتنع ان يتحقق في موضوع تحقق فيه الضد الاخر، لمكان الضدية فلا بد ان
يتحقق فيه عدمه لئلا يلزم ارتفاع النقيضين وحيث لا يمكن الصدق الذاتي بين الوجود والعدم
فلابد وأن يكون عرضها بنحو التلازم في الصدق وهو المطلوب (فظهر) ان وجود كل من
الضدين مع عدم الاخر متلازمان
(الثاني) ان المتلازمين محكومان بحكم واحد لا محالة لان ترك الضد لو كان
واجبا إذا كان الاخر واجبا فهو والا يلزم أن يكون جايز الترك لعدم خلو الواقعة عن الحكم
وهذا الجواز مشترك بين غير الحرمة من الاحكام الباقية و (ح) ان بقى الاخر على وجوبه لزم
التكليف بالمحال، والا خرج الواجب المطلق من كونه واجبا مطلقا
(الثالث) ان الامر بالشئ مقتض للنهي عن ضده العام والمراد من الضد العام مطلق
نقيض المأمور به كما تقدم وهو هنا فعل الصلاة (والجواب) عن الأول ما حققناه من أن نقيض
كل شئ رفعه لا اثبات هذا الرفع فنقيض قولنا يصدق عليه السواد هو انه لا يصدق عليه
234

السواد، لا انه يصدق عليه عدم السواد، وكم فرق بين السالبة المحصلة وبين الموجبة المعدولة
أو الموجبة السالبة المحمول كما إذا قلت يصدق عليه انه ليس بسواد (والحاصل) ان نقيض
صدق إحدى العينين على الأخرى، عدم صدقها عليها على نعت السلب التحصيلي، لا الايجاب
العدولي والالزم ارتفاع النقيضين لأن العين أعني الموجبة المحصلة والنقيض المتخيل
أعني الموجبة المعدولة كلتاهما كاذبتان، إذ الموجبة المعدولة كالموجبة المحصلة مفادها
اثبات نعت لموضوع ويمتنع أن يكون العدم صادقا على الوجود ومتلازما له، كيف وانه
لا شيئية له حتى يكون ملازما لشئ (أضف إليه) ان التلازم في الوجود يقتضى عروض الوجود
للمتلازمين، فيلزم اجتماع النقيضين، فالغلط ناش من عدم اعتبار الحيثيات وتقديم الحمل
على السلب، وعدم التفريق بين السوالب المحصلة والموجبات المعدولة
فان قلت يلزم منه بطلان الموجبة المعدولة إذ ما من معدولة الا وفيها اثبات
وصف عدمي لموضوع موجود فما معنى الاتصاف بصفة هي بطلان محض وقس عليه إذا
كان المحمول العدمي، ملازما معه (قلت) انه يعتبر في المعدولات أن يكون للموضوعات
شأنية واستعداد، فتكون القضية المعدولة حاكية عن حيثية، بها يكون للموضوع شأنية
الاتصاف وقوة الفعلية، ولهذا يصح قولك زيد لا بصير ولا يصح الجدار لا بصير، فليس الاعتبار
في المعدولات اثبات أمر عدمي للموضوع، بل الاعتبار فيها هو ثبوت شأنية للموضوع مع
فقدان فعليتها فلا يلزم اثبات السلب كما توهم (واما الثاني) فلان عدم الخلو انما هو في الوقايع
الثابتة التي يكون للامر والزجر فيها معنى محصل واما العدم فهو انزل من أن يلحق بالوقايع
فإنه بطلان محض ولذا لابد من تأويل المواضع التي توهم تعلق التكليف فيها بالترك
كوجوب تروك الاحرام وتروك المفطرات، على أن عدم خلو الواقعة عن حكم لم يدل عليه
دليل لو لم يدل على خلافه، إذ الإباحة المسببة عن اقتضاء التساوي، إباحة شرعية وتعد من
الاحكام، واما إذا فرضنا عدم اقتضاء للواقعة أصلا، فلابد وان لا يكون لها حكم شرعي إذ
جعل الإباحة بلا ملاك لغو، فينطبق على الإباحة العقلية، قهرا ويخلو عن الجواز الشرعي
وليكن المقام من نظائره (هذا) مع أنه لم سلم ذلك لا يلزم ما ذكر كما لا يخفى و (اما عن الثالث)
فقدمنا الجواب عنه مفصلا والخطب بعد سهل (وقد يقال) بعدم الاقتضاء في الأضداد الوجودية
الا في الضدين اللذين لا ثالث لهما كالحركة والسكون لأن عدم السكون وان لم يكن عين
235

الحركة، الا ان العرف لا يرى فرقا بين أن يقول تحرك وبين أن يقول لا تسكن (وفيه) انه
ان أراد ان مفاد الامر عين مفاد النهى فهو أمر غريب إذ أي شخص لا يفرق بين المفادين، وأي
متسامح يرى أن الحيثية الوجودية عين العدمية، وان أراد انه ينتقل من الامر إلى النهى
عن الضد، (ففيه) ان مجرد الانتقال الذي ليس الا صرف تصور الشئ لا يوجب كون السكون
منهيا عنه إذ هو يحتاج إلى انشاء الزجر وهو مترتب على مقدمات لا تحصل بالتصور، وان
أراد ان المولى ينتقل بعد الامر إلى حالة أخرى فيستقل بانشاء الزجر فهو أوضح فسادا
(واعلم) ان الدليلين المتقدمين، انما يعدان دليلين مستقلين إذا قلنا بوجوب مطلق
المقدمة، واما القول بوجوب الموصلة منها فالدليل الثاني أعني اتحاد المتلازمين في الحكم
من متممات الدليل الأول وقد عرفت ان الدليل الأول مؤلف من مقدمات ثلاث (أوليها)
مقدمية ترك الضد لفعل الضد الاخر (وثانيتها) كون مقدمة الواجب واجبة و (ثالثتها)
ان الامر بالشئ يقتضى النهى عن ضده العام، فعلى وجوب مطلق المقدمة فالواجب من
باب المقدمة، هو ترك الصلاة، وضده العام بالمعنى الذي عرفت هو فعلها فيتم الاستدلال لان
ترك الصلاة واجب بملاك المقدمية ومهما وجب شئ حرم ضده كالصلاة في المورد واما على
القول بوجوب الموصلة فالمأمور به هو الترك المقيد بالايصال، وليس نقيضه الا رفع هذا
الترك أو ترك هذا الترك فإذا وجب الترك الموصل حرم رفع هذا الترك الموصل وهو ليس
عين فعل الصلاة بل يلازمها إذا تحقق في ضمنها لافى ضمن الترك المجرد فلا يلزم حرمة
الفعل الا مع تمامية دليل الاستلزام فإذا يتحد الدليلان ويتوحد الاثنان
الأمر الرابع في بيان ثمرة البحث وهى فساد العبادة على القول باقتضاء الامر
النهى عن ضده، إذ النهى فيها يوجب الفساد ولك انكارها، إذ المسلم من فساد العبادة عند
تعلق النهى، ما إذا كان المنهى عنه مشتملا على مفسدة لا يصلح معها ان يتقرب بها، كصلاة
الحايض فان النهى فيها للارشاد إلى عدم الصحة أو كان الاتيان بمتعلق النهى مخالفة للمولى
ومبعدا عن ساحته كما في النواهي المولوية فلا يكون مقربا، وليس النهى في المقام من
قبيل شئ من القسمين، إذ النهى في المقام لا يكشف عن مفسدة، بل العقل يحكم بتحقق
المصلحة الملزمة في الضد المزاحم لعدم المزاحمة بين المقتضيات، كما أن مخالفة النهى
المقدمي كالأمر المقدمي لا يوجب البعد عن ساحة المولى كما لا يوجب القرب منه، فالبحث
236

إذا عادم الثمرة
وأنكر شيخنا البهائي ثمرة البحث بطريق آخر وهوان الامر بالشئ وان لم يقتض
النهى عن ضده الا انه يقتضى عدم الامر به وهو كاف في بطلان العبادة وأجيب عنه بوجوه
(الأول) كفاية الرجحان الذاتي في العبادة إذ الفرد المزاحم من الصلاة وغيره متساويان في
الملاك والمحبوبية الذاتية وانما أوجب الابتلاء بالأهم سقوط امره فقط فهو باق بعد على ما كان عليه
(الثاني) ان ذلك يتم في المضيقين واما إذا كان أحدهما موسعا فصحة
الفرد المزاحم من الصلاة بمكان من الامكان وان قلنا بتوقف الصحة على الامر، (توضيحه) ان
الأوامر متعلقة بالطبايع، والخصوصيات الفردية خارجة منها إذ الامر لا يتعلق الا بما يقوم
به الغرض وهو ليس الأنفس الطبيعة بوجودها الساري ولا دخل لغيرها في حصول الغرض
فلا بتصور اخذه فيه مع عدم دخله في الغرض على الفرض، ولا يتعدد الامر المتعلق بالواجب
الموسع باعتبار أول الوقت وآخره، إذ الزمان اخذ بنحو الظرفية للمأمور به نعم في آخر
الوقت وانحصار الفرد يحكم العقل بايجادها فورا في ضمن ذلك الفرد المنحصر من غير
تغيير في ناحية الامر و (بالجملة) ما هو المضاد للمأمور به الذي هو الإزالة هو المصداق من
الصلاة لا الطبيعة، وما هو المأمور به هي الطبيعة لا المصداق (هذا) من غير فرق بين الافراد
الطولية والعرضية و (ح) بما ان للطبيعة افرادا غير مزاحمة وإن كان هذا الفرد مزاحما، وبما
ان القدرة على ايجاد الطبيعة ولو في ضمن فرد ما، كافية في تعلق الامر بها لخروجه عن التكليف
بما لا يطاق، (فح) يجوز الاتيان به بداعي الامر المتعلق بالطبيعة ولا يحتاج خصوص الفرد إلى
الامر لما عرفت ان متعلق الأوامر هي الطبايع حتى يقال إنه بعد الامر بالإزالة لا يمكن
الامر بذلك الفرد المزاحم لاستلزامه الامر بالضدين (هذا كله) فيما إذا كان وقت الفرد
المزاحم موسعا كاتيان الصلاة أثناء النهار وقد كلف بالإزالة، وقد عرفت صحة الامر بالطبيعة
واتيان الفرد بداعي امرها (فظهر) ان نفى الثمرة في الباب بناء على توقف صحة العبادة
على الامر لا يستقيم على اطلاقه بل يختص بالمضيقين دون الموسع والمضيق (نعم) لو قلنا إن
الامر بالشئ يقتضى النهى عن ضده كان ذلك الفرد من الصلاة المزاحم للإزالة منهيا عنه
وبعد تعلق النهى لا يمكن الاتيان بداعي أمر نفسه لعدم الامر به بالخصوص، ولا بداعي الطبيعة
إذ يقيد اطلاق الامر، بالنهي المفروض فلا يمكن انطباق الطبيعة على الفرد المزاحم
237

ولو قهريا
ويمكن اجراء هذا التقريب فيما إذا صار وقت الصلاة مضيقا لان الامر لا يتجافى
عن متعلقه بصيرورة الوقت مضيقا نعم في آخر الوقت كما تقدم يحكم العقل بايجادها
فورا من غير تغيير في ناحية الامر فيمكن قصد الامر المتعلق بالطبيعة مع الاتيان بالفرد
المنحصر في الوقت المضيق ولو زاحم الضد الأهم (هذا غاية توضيح) وتوجيه لما حكى
عن المحقق الكركي وهو بكلامه هذا، وان لم يكن بصدد الجواب عن مقالة البهائي لتقدم
عصر المحقق (قده) عليه، الا ان عبارته المحكية مما يمكن ان يستفاد منه ما يصلح جوابا
لمقالته (ولك) ان تقول ان ملاك استحالة الامر بالضدين موجود مع تضيق الوقت أو
انحصار الفرد أو كون الافراد طولية كما إذا كان وقت الصلاة وسيعا فان معنى تعلق الامر
بالطبيعة هو البعث إلى ايجادها، فمع كون الوقت مضيقا إن كان البعث إلى ايجاد الطبيعة فعليا
والى ضده كذلك، لزم منه التكليف بالمحال، فان ايجاد الطبيعة وضد مصداقها مما لا يمكن في
الوقت المضيق وكذا الحال مع انحصار المصداق بل مع كون الافراد طولية فان فعلية الامر
بالطبيعة في وقت يكون الفرد فيه مبتلى بالضد الواجب الفعلي، مما لا يمكن تحققه وصرف
كون الامر متعلقا بالطبيعة وعدم التنافي بينها وبين الواجب المضيق لا يدفع الاستحالة،
بعد كون لازمه التكليف بالمحال الا ان يصار إلى ما سنحققه انشاء الله
الثالث ما حققناه في هذا الباب وبنينا عليه واستفدنا منه في أبواب اخر سيوافيك
بإذن الله وملخصه هو تصوير الامر بالأهم والمهم في عرض واحد بلا تقييد واحد منهما
بالعصيان كما عليه القوم في تصوير أمر بالمهم، حيث يقولون إن الامر به مترتب على
عصيان أمر الأهم على تفصيل سيمر بك بيانه وبيان بطلانه، ثم إن توضيح المختار يستدعى
رسم مقدمات
الأولى التحقيق كما سيأتي ان الأوامر متعلقة بالطبايع لان الغرض قائم بنفس الطبيعة
بأي خصوصية تشخصت، وفي ضمن أي فرد تحققت فلا معنى لادخال اية خصوصية تحت الامر
بعد عدم دخالتها في الغرض، على أن الهيئة تدل على البعث والمادة على المهية اللابشرط
فلا دال على الخصوصيات
(الثانية) ان الاطلاق بعد فرض تمامية مقدماته ليس معناه الا كون الطبيعة تمام
238

الموضوع للحكم بلا دخالة شئ آخر أوليس الا ان ما وقع تحت دائرة الطلب تمام الموضوع
له (هذا) ليشمل ما إذا كان الموضوع جزئيا (واما) جعل الطبيعة مرآتا لمصاديقها أو جعل
الموضوع مرآتا لحالاته، فخارج من معنى الاطلاق وداخل تحت العموم افراديا أو احواليا
(وبالجملة) فرق بين قولنا لعتق رقبة وبين قولنا أعتق كل رقبة إذ الأول مطلق بمعنى ان
تمام الموضوع هو الرقبة ليس غير (والثاني) عموم ويدل على وضع الحكم على الافراد بتوسيط
العنوان الاجمالي الذي لوحظ مرآتا إليها وسيجئ في بابه، ان العموم لا يستغنى به عن
الاطلاق، الأحوالي للافراد، لان غاية ما يدل عليه العموم هو كون الافراد محكوما بالحكم
واما ان كل فرد تمام الموضوع للحكم بلا دخالة وصف آخر فلابد فيه من التمسك بالاطلاق
(وبه يظهر) ان الغاية من الاطلاق غير الغاية من العموم وان تقسيم الاطلاق إلى الشمولي
والبدلي وغيرهما فاسد جدا إذ ليس للاطلاق تعرض لحيثية سوى كون ما اخذ موضوعا تمام
الموضوع، واما كون الحكم متعلقا بالفرد على البدل أو لكل فرد أو للمجموع فلابد في استفادة
كل من ذلك من التمسك بدوال لفظية، من لفظ كل أو اللام أو بعض أو غيرها (والسر)
في ذلك ان الطبيعة لا يمكن أن تكون حاكية عن الافراد وإن كانت متحدة معها خارجا،
بخلاف العموم فان أداته وضعت لاستغراق افراد المدخول فيتعلق الحكم فيه بالافراد
المحكية بعنواني الكل والجميع
(واما) ما عن بعض الأفاضل في تصوير كون الوضع عاما والموضوع له خاصا من أن
الطبيعة إذا لوحظت سارية في افرادها تتحد معها وتحكى عنها، مخدوش بان الاتحاد غير
الحكاية التي تدور مدار الوضع والاعتبار، والمفروض ان الملحوظ عند وضع الانسان
مثلا نفس الماهية اللا بشرطية فكيف يحكى هذا اللفظ عن الخصوصيات مع عدم وضع لها
ولو كان الاتحاد العيني كافيا في الحكاية، لزم ان يحكى الجسم عن اعراضه نعم الاتحاد وجودا
يوجب الانتقال إلى الخصوصية وهو غير الحكاية كما ينتقل من تصور أحد الضدين إلى الاخر
بل هو من باب تداعى المعاني الذي منشأه غالبا الموافاة الوجودية أو المطاردة في الموضوع
هذا قليل من كثير وغيض من غدير وسيجئ تفصيل الكلام في محله
الثالثة انك قد عرفت ان الأوامر المتعلقة بالطبايع لا تعرض لها على أحوال الطبيعة
وافرادها، ومنه يظهر ان التزاحمات الواقعة في الخارج بين افراد الطبايع بالعرض، غير
239

ملحوظة في تلك الأدلة لان الحكم مجعول على العناوين الكلية وهو مقدم على التزاحم
الواقع بين الافراد، برتبتين، رتبة تعلق الحكم بالعناوين ورتبة فرض ابتلاء المكلف بالواقعة
وما له هذا الشأن من التقدم لا يتعرض لحال ما يتأخر عنه برتبتين (والحاصل) ان التزاحم
بين وجوب إزالة النجاسة عن المسجد، ووجوب الصلاة حيث يتحقق، متأخر عن تعلق
الحكم بموضوعاتها وعن ابتلاء المكلف بالواقعة، المتزاحم فيها ولا يكون الأدلة متعرضة
لحاله فضلا عن التعرض لعلاجه إذ قد تقدم ان المطلق لا يكون ناظرا إلى حالات الموضوع
في نفسه فضلا عن حالاته مع غيره، وعن طرو المزاحمة بينهما فضلا عن أن يكون ناظرا إلى
علاج المزاحمة، (هب) انا أغمضنا عن أن علاج المزاحمة متأخر رتبة عن جعل القانون
بمراتب، الا انه لا يمكن الإغماض عن أن الامر له مادة وهيئة ولا دلالة لشئ منهما على
الافراد الخارجية على ما حرر في محله، فاذن بأي دال استفيد الفرد المزاحم بغيره، أم بأي
شئ عولج ذلك التزاحم مع أن كلها خارجة من مدلول الامر ولا يمكنه ان يتكفلها بعد
كون معناه محدودا في البعث إلى الطبيعة
فاتضح بطلان اشتراط المهم بعصيان الأهم الذي يبتنى عليه أساس الترتب لان
المراد من الشرطية إن كان انه شرط شرعا فقد عرفت انه لا يمكن أن يكون مفاد الأدلة،
لان الحاكم في مقام القاء الحكم لا يتوجه الا إلى انشائه لا إلى تصحيح علاج المزاحمة لأنه
متأخر عنه كما تقدم على انك قد عرفت انحصار مفاد الامر فيما مر و (اما كون) العقل كاشفا
عن اشتراطه شرعا أو كونه حاكما بذلك فسيجئ الكلام فيه
الرابعة انك إذا تتبعت كلمات الاعلام في تقسيم الحكم إلى مراتبه الأربعة
تجد فيها ما لا يمكن الموافقة معه، إذ قد عدوا منها ما هو من مبادئ الحكم وملاكاته
كالمصالح والمفاسد التي يعبر عنها بمرتبة الاقتضاء، كما قد عدوا منها ما هو من احكام العقل
بعد تمامية الحكم أعني التنجيز لأنه حكم عقلي غير مربوط بمراتب الأحكام المجعولة، و
معنى تنجزه قطع عذر المكلف في المخالفة وعدم كون معذورا من غير تبديل وتغيير
في الحكم ولا الإرادة واعجب منه كون حكم فعليا في ساعة وانشائيا في أخرى، وفعليا في
حق شخص وانشائيا في حق آخر إلى غير ذلك مما يدمغه البرهان وحكم العقل بامتناع
تغير الإرادة في حق الشارع بل ولا يناسبه القوانين العقلائية عالمية كانت أو غيرها، فإذا انحصر
240

مراتب الحكم في الانشائية والفعلية فلابد من توضيهما فنقول
الناموس المطرد في قوانين العالم هو ان الحاكم بعد ما تصور صلاح شئ وفساده و
جزم ان في جعل حكم، له صلاحا لحال اتباعه يتعلق الإرادة على انشائه بصورة قانون كلي
لعامة البشر أو لجماعة منهم فينشائه حكما عموميا جاعلا له في مظانه التي يطلبه فيها
المراجعون ويرجع إليها في استعلام الوظيفة، المكلفون، ولا يتفاوت فيما ذكرنا كون
الحاكم شخصا واحد أو اشخاصا متعددين غير أن الحكم في الثاني يدور مدار غالبية الآراء
وكثرتها (ثم) ان للمحيط وحال المكلفين دخلا تاما في اجراء الحكم واعلانه فان ساعدت
الأحوال ووجدت شرايط الاجراء، يأمر الحاكم باعلانه وايصاله إلى المكلفين، والا فيترقب
تناسب المحيط واستعداد الناس بقبوله ويترك هو في سنبله الانشائي
والذي نسميه حكما انشائيا أو شأنيا، هو ما حاز مرتبة الانشاء والجعل سواء لم يعلن بينهم
أصلا حتى يأخذه الناس ويتم عليهم الحجة، لمصالح في اخفائها كالاحكام التي بقيت مخزونة
لدى ولى العصر عجل الله تعالى فرجه ويكون وقت اجرائها زمان ظهوره لمصالح تقتضي
العناية الإلهية كنجاسة بعض الطوايف المنتحلة بالاسلام وكفرهم، فهو حكم انشائي في
زماننا وإذا بلغ وقت اجرائه يصير فعليا، أو أعلن بينهم ولكن بصورة العموم والاطلاق ليلحقه
التقييد والتخصيص بعد، بدليل آخر كالاحكام الكلية التي تنشأ على الموضوعات ولا تبقى
على ما هي عليها في مقام الاجراء، فالمطلقات والعمومات قبل ورود المقيدات والمخصصات
احكام انشائية بالنسبة إلى موارد التقييد والتخصيص وإن كانت فعليات في غير هذه الموارد
والذي نسميه حكما فعليا هو ما حاز مرتبة الاعلان وتم بيانه من قبل المولى بايراد مخصصاته
ومقيداته، وآن وقت اجرائه وحان موقع عمله (فح) فقوله تعالى أوفوا بالعقود بهذا العموم،
حكم انشائي وما بقى بعد التقييد أو التخصيص حكم فعلى، (هذا) هو المختار في معنى انشائية
الحكم وفعليته
فتلخص ان الاحكام منقسمة إلى حكم انشائي وهو ما لم ير الحاكم صلاحا في اجرائه وإن كان
نفس الحكم ذو صلاح كالاحكام المودوعة عند صاحب الامر الواصلة إليه من آبائه عليهم
السلام، أو يرى صلاحا في اجرائه ولكن أنشأ بصورة العموم والاطلاق ليلحق به خصوصه
وقيده هو نفسه أو وصى بعده، وإلى حكم فعلى قد بين وأوضح بخصوصه وقيوده وآن وقت
241

اجرائه وانفاذه و (عليه) إذا فرضنا حصول عائق عن وصول الحكم إلى المكلف، وإن كان
قاصرا عن إزاحة علته أو عروض مانع كالعجز والاضطرار عن القيام بمقتضى التلكيف، لا
يوجب ذلك سقوط الحكم عن فعليته ولا يمس بكرامتها ولا يسترجعه إلى ورائه فيعود
انشائيا، لان ذلك أشبه شئ بالقول بانقباض إرادة المولى عند طرو العذر وانبساطها عند
ارتفاعه، والسر في ذلك ان غاية ما يحكم به العقل هو ان المكلف إذا طرء عليه العذر أو دام
عذره وجهله، ان لا يكون مستحقا للعقاب بل يخرج من زمرة الطاغين وعداد المخالفين
فعدم المخالفة عن عمد واما كونه خارجا من موضوع التكليف بحيث تختص فعلية الحكم
بغير الجهال وذوي الأعذار، فلا وجه له وسيأتى ان الخطابات القانونية ليست مثل الخطابات
الشخصية فان الثانية لا يجوز توجيهها لغير القادر بل يقبح خطاب العاجز بشخصه، دون
الأولى (فح) فلا وقع للسؤال عن أن اسراء الحكم إلى العاجز والجاهل اسراء بلا ملاك
فارتقب
وبذلك يتضح ان الفعلية والشأنية بالمعنى المعروف من انشائية الحكم بالنسبة
إلى شخص كالجاهل والغافل والساهي والعاجز، وفعليته بالنسبة إلى مقابلاتها، مما لا أساس
له لان الاشتراط الشرعي في بعضها غير معقول مع عدم الدليل عليه في جميعها، والتصرف
العقلي أيضا غير معقول لعدم امكان تصرف العقل في إرادة الشارع ولا في حكمه وسيأتى توضيحه
و (بالجملة) ان الاحكام المضبوطة في الكتاب والسنة لا يعقل فيها هاتان المرتبتان بالمعنى الدال؟
بينهم فقوله تعالى (ولله على الناس حج البيت) الخ لا يختلف بالنسبة إلى الجاهل والعالم ولا معنى
للفعلية والشانية في هذا الحكم المجعول المنضبط بل جعل الحكم على العنوان واجرائه
بين المكلفين عند ذكر مخصصاته ومقيداته، يوجب فعلية الحكم على عامة الناس سواء العالم
والجاهل والقادر والعاجز، وقد عرفت ان العقل يرفع حكم العقاب لا نفس التكليف
الخامسة كل حكم كلي قانوني فهو خطاب واحد متعلق لعامة المكلفين،
بلا تعدد ولا تكثر في ناحية الخطاب بل التعدد والكثرة في ناحية المتعلق،
ويشهد عليه وجدان الشخص في خطاباته فان الشخص إذا دعا قومه لا نجاز عمل
أو رفع بلية، فهو بخطاب واحد يدعو الجميع إلى ما رامه لا انه يدعو كل واحد بخطاب مستقل
ولو انحلالا، للغوية ذلك بعد كفاية الخطاب الواحد بلا تشبث بالانحلال وما اشتهر من
انحلال الخطاب الواحد إلى الخطابات حسب عدد المكلفين غير تام، لان ملاك الانحلال
242

في الاخبار والانشاء واحد فلو قلنا بالانحلال في الثاني لزم القول به في الأول أيضا مع أنهم
لا يلتزمون به والا يلزم أن يكون الخبر الواحد الكاذب، أكاذيب في متن الواقع و (عليه)
لو قال قائل بان النار باردة فقد كذب بعدة افراد النار، وهو رأى عازب أو قول كاذب لا يلتزم
به ذو مسكة فتحصل مما ذكر انه لا ينحل الخطاب إلى خطابات بحيث يكون كل واحد موردا
لخطاب خاص واما الميزان في صحة الخطاب الكلى فهو امكان انبعاث عدة من المخاطبين
بهذا الخطاب لا انبعاث كل واحد منهم لبطلان القول بالانحلال والسر في ذلك ان أمر الامر إذا
كان لداعي الانبعاث وإن كان الانبعاث مستند المبادى آخر من الخوف والطمع أيضا، يصح
الخطاب به مولويا عند العقلاء لو قام بامتثاله طائفة من المأمورين كما يستهجن لو علم الامر
عدم انبعاث واحد منهم
ثم إن الخلط بين الاحكام الجزئية والكلية صار منشأ لاشتباهات (منها) حكمهم
بعدم منجزية العلم الاجمالي إذا كان بعض الأطراف خارجا عن محل الابتلاء لان الخطاب
بالنسبة إليه مستهجن (قلت) ان ما ذكروه صحيح لو كان الخطاب شخصيا قائما بمخاطب
واحد فيستهجن خطابه بزجره مثلا عن ارتكاب ما في الاناء الموجود في بلدة قاصية واما
إذا كان بطريق العموم فيصح الخطاب لعامة المكلفين، لو وجد ملاك الخطاب أعني الابتلاء
في عدة منهم كما في المقام ولذا التزمنا بوجوب الاجتناب في محله فيما إذا خرج أحد
الإنائين من محل الابتلاء سواء كان قبل العلم أم بعده
ومما يؤيد ذلك ان الاستهجان المدعى لو صح في التكليفية، لصح في الوضعية من الاحكام
خصوصا على القول بمجعوليتها فيلزم ان لا يكون الخمر الواقع في أقاصي البلاد نجسا وأن يكون
الأحكام الوضعية نسبية وهو باطل بضرورة الفقه
(ومنها) توهم ان الخطاب لا يعقل ان يتوجه إلى العاجز والغافل ضرورة ان الخطاب
للانبعاث، ولا يعقل انبعاث العاجز ومثله، (وأنت خبير) ان الخطاب الشخصي إلى العاجز
ومثله، لغو لممتنع صدوره من الملتفت وهذا بخلاف الخطابات الكلية المتوجهة
إلى العناوين كالناس والمؤمنين فان مثل تلك الخطابات يصح من غير استهجان إذا
كان فيهم من ينبعث عنها ولا يلزم أن تكون باعثة أو ممكنة البعث بالنسبة إلى جميعها في
رفع الاستهجان كما تقدم (أضف) إليه ان الضرورة قائمة بان الأوامر الإلهية شاملة للعصاة
لا بعنوانهم، والمحققون على انها شاملة أيضا للكفار مع أن الخطاب الخصوصي إلى الكفار
243

وكذا إلى العصاة المعلوم طغيانهم من أقبح المستهجنات، بل غير ممكن لغرض الانبعاث فلو كان
حكم الخطاب العام كالجزئي لوجب الالتزام بتقييد الخطابات بغيرهم وكذا الحال في
الجاهل والغافل والساهي إذا لا يعقل تخصيص الخطاب في مرتبة الانشاء بالعالم الملتفت
وإن كان يصح في مرتبة الفعلية كما سيأتي في المباحث العقلية
(وبالجملة) لا يصح اخراجهم ولا يمكن توجه الخطاب الخصوصي إليهم، وقد تقدم
ان الجاهل وأمثاله معذورون في مخالفة الحكم الفعلي والسر فيما ذكرنا مضافا إلى أن
الخطاب الواحد لا ينحل إلى خطابات، هو ان الإرادة التشريعية ليست إرادة متعلقة باتيان
المكلف وانبعاثه نحو العمل والا يلزم في الإرادة الإلهية عدم تفكيكها عنه، وعدم امكان
العصيان بل هي عبارة عن إرادة التقنين والجعل على نحو العموم وفي مثله يراعى الصحة
العقلائية ومعلوم انه لا تتوقف عندهم على صحة الانبعاث من كل أحدكما يظهر بالتأمل في
القوانين العرفية
السادسة ان الأحكام الشرعية غير مقيدة بالقدرة لا شرعا ولا عقلا وإن كان حكم
العقل بالإطلاعة والعصيان في صورة القدرة (توضيحه) ان الأحكام الشرعية الكلية عارية
بحكم الاطلاق عن التقييد بالقدرة فتشمل الجاهل والعاجز باطلاقها (وتوهم) ان الإرادة
الاستعمالية وان تعلقت بالمطلق الا ان الجدية متعلقة بالمقيدة بالقدرة (مدفوع) بان التقييد
اما من جانب الشرع أو من ناحية العقل وكلاهما فاسدان اما الأول فلانه لو كانت مقيدة
بها من الشرع لزم القول بجريان البراءة عند الشك في القدرة وهم لا يلتزمون به بل قائلون
بالاحتياط مع الشك فيها، ولزم أيضا جواز احداث ما يعذر به اختيارا ولا أظن التزامهم به،
(ومنه) يعلم عدم كشف التقييد الشرعي عقلا، على أن ذلك لا يجامع ما اجمعوا عليه من بطلان
اختصاص الاحكام بالعالمين لان التفكيك بين العلم والقدرة غير واضح، إذ لو كشف العقل
عن التقييد بالقدرة شرعا فلابد وان يكشف عن التقييد بالعلم أيضا لان مناط
التقييد واحد وهو قبح خطاب العاجز والجاهل (واما الثاني) أعني تقييد العقل مستقلا
فلان تصرف العقل بالتقييد في حكم الغير وارادته مع كون المشرع غيره، باطل إذ لا معنى
ان يتصرف شخص في حكم غيره (والحاصل) ان تصرفه في الأدلة يرجع إلى محصل بل
تصرف العقل في إرادة المولى أو جعله، الا معنى معقول له إذ التقييد والتصرف لا يمكن الا
للجاعل لا لغيره نعم يخص للعقل حكم مقام الإطاعة والعصيان، وتشخيص ان مخالفة الحكم
244

في أي مورد توجب استحقاق العقوبة وفي أي مورد لا توجبه وليس للعقل الا الحكم بان
الجاهل والعاجز ونظيرهما معذورون في ترك الواجب أو اتيان الحرام من غير تصرف
في الدليل
(فظهر) ان ما يطلب من العقل لانقاذ الجهال والعجزة عن لهيب النار يحصل بحكمه
بان هؤلاء معذورون في ترك الامتثال، ولا حاجة معه إلى التقييد لو لم نقل انه محال، والذي
اوقعهم فيه هو توهم قبح الخطاب إليهم غافلا عن أن الملاك في الاحكام الكلية، غير الجزئية
والشخصية كما نبهنا عليه
(فان قلت) لا بأس في خطاب العاصي بشخصه لكن لا بداعي الانبعاث عن البعث
بل بداعي اتمام الحجة عليه ليهلك من هلك عن بينة، (قلت) ما هو موضوع الاحتجاج من
الموالى على العبيد هو صدور البعث عنهم بداعي انبعاثهم، واما البعث لا بهذا الداعي فليس
العقل حاكما بلزوم امتثاله كما لو فرضنا ان العبد اطلع على أن داعيه هو الامتحان و
كشف الحال،
السابعة ان الامر بكل من من الضدين أمر بالمقدور الممكن والذي يكون غير
مقدور هو جمع المكلف بين متعلقيهما في الاتيان وهو غير متعلق للتكليف و (توضيحه)
انه إذا قامت الحجة في أول الزوال على وجوب الصلاة وقامت حجة أخرى على وجوب
الإزالة عن المسجد، فكل واحد حجة في مفاده مستقلا لا في الجمع بينهما، وليس قيام الحجتين
على الضدين الا كقيامها على الامرين المتوافقين غير المتزاحمين، في أن كل واحد حجة
في مفاده لافى الجمع بينهما وكل واحد يدعو إلى اتيان متعلقه لا إلى الجمع والذي صدر
من الامر على نحو القانون، هو الامر بهذا والبعث إلى آخر، ومجموع الامرين ليس موجودا
على حدة والامر بالجميع أو المجموع غير صادر من المولى وقد تقدم ان الامر لا يتعلق الا
بنفس الطبايع المطلقة من غير نظر إلى الخصوصيات والحالات الطارية وجهات التزاحم
وعلاجه، ومعنى اطلاقها ان المتعلق تمام الموضوع بلا دخالة قيد، لا ان معناه انه المطلوب
سواء اجتمع مع هذا أم لا، إذ كل ذلك خارج من محط الاطلاق
وقد نبهنا فلا تنسى، ان توارد الامرين على موضوعين متضادين مع أن الوقت الواحد
غير واف الا بواحد منهما، انما يقبح لو كان الخطابان شخصيين واما الخطاب القانوني الذي
245

يختلف فيه حالات الاشخاص، فرب مكلف لا يصادف أول الزوال الا موضوعا واحدا وهو
الصلاة وربما يصادف موضوعين فيصح توارد الامرين على عامة المكلفين ومنهم الشخص
الواقف امام المتزاحمين ولا بستهجن، والذي يحكم به العقل هو ان العبد لابد ان يتمحل
لإجابة الامرين على نحو لو خالف واحدا منهما لعدم سعة الوقت، لعد معذورا إذا عرفت
هذه المقدمات
فنقول ان متعلقي التكليفين قد يكونان متساويين في الجهة والمصلحة وقد يكون
أحدهما أهم فعلى الأول لا اشكال في حكم العقل بالتخيير بمعنى ان العقل يرى أن المكلف
مخير في اتيان أيهما شاء، فإذا اشتغل بأحدهما يكون في مخالفة الامر الاخر معذورا عقلا،
من غير أن يكون تقييدا واشتراطا في التكليف والمكلف به ومع عدم اشتغاله بذلك لا
يكون معذورا في ترك واحد منهما، فإنه قادر باتيان كل واحد منهما، فترك كل واحد يكون
بلا عذر فان العذر عدم القدرة والفرض انه قادر بكل منهما وانما يصير عاجزا إذا اشتغل
باتيان أحدهما، ومعه يعد معذورا في ترك الاخر واما مع عدم اشتغاله به فلا يكون معذورا في ترك
شئ منهما، وليس الجمع بمكلف به حتى يقال إنه غير قادر عليه
(وبعبارة أوضح) ان العبد لو سمع دعوه العقل بصرف القدرة في واحد من الغريقين
وانقذ واحدا منهما، فقد عجز عن انقاذ الاخر بلا اختيار فيقبح العقاب على ترك هذا الامر
الفعلي الجدي فيثاب لأجل انقاذ الاخر، وان تخلف عن حكم العقل ولم ينقذ واحدا منهما
استحق عقوبتين لأنه ترك كل واحد من الامرين بلا عذر ويقال لم تركت هذا بلا عذر، ثم لم
تركت الاخر كذلك، (فان قلت) ليس هنا الا قدرة واجدة وهو يستدعى تكليفا واحدا،
وجزاء مخالفة التكليف الواحد، عقاب فارد (قلت) كأنك نسيت ما حررناه في المقدمات لان
البحث في الاحكام القانونية، والتكليف فيها لم يتعلق بالفرد المردد، ولا بالجمع حتى يستلزم
التكليف بالمحال، والمفروض ان كل واحد من الامرين تام في الباعثية، وليس ناظرا إلى حال
اجتماعه مع الاخر لما عرفت ان التزاحم وعلاجه متأخران عن رتبة الجعل والفعلية، (فح)
كل واحد يقضتي تحقق متعلقه وايجاده في الخارج، الا ان يظهر من العبد عذر في ترك امتثاله
فإذا صرف قدرته في واحد منهما فقد حقق دعوته بالامتثال، وترك دعوة الاخر عن عذر واما
إذا لم يصرف قدرته في شئ منهما فقد ترك دعوة كل واحد بلا عذر فيستحق عقابين
246

(ويترتب على) ذلك أنه لو ترك واشتغل بفعل محرم، لاستحق ثلث عقوبات لملاك
العصيان في كل واحد
(واما إذا كان) أحدهما أهم، فان اشتغل باتيان الأهم فهو معذور في ترك المهم لعدم
القدرة عليه مع اشتغاله بضده بحكم العقل وان اشتغل بالمهم فقد اتى بالمأمور به
الفعلي لكن لا يكون معذورا في ترك الأهم فيثاب باتيان المهم، ويعاقب بترك الأهم (وبالجملة)
ان العقل يحكم بصرف القدرة في امتثال الأهم كي يكون معذورا في ترك المهم ولو عكس
لاستحق عقوبة على الأهم لأنه تركه بلا عذر ولكنه يثاب على المهم لاتيانه ولو تركهما لاستحق
عقوبتين ولو اشتغل بمحرم لاستحق ثلثة عقوبات (فظهر) مما قدمنا امران (الأول) ان الأهم والمهم
نظير المتساويين في أن كل واحد مأمور به في عرض الاخر، وهذان الأمران العرضيان، فعليان
متعلقان على عنوانين كليين من غير تعرض لهما لحال التزاحم وعجز المكلف، إذا المطاردة
التي تحصل في مقام الاتيان لا توجب تقييد الامرين أو أحدهما أو اشتراطهما أو اشتراط
أحدهما بحال عصيان الاخر لا شرعا ولا عقلا، بل تلك المطاردة لا توجب عقلا الا المعذورية
العقلية في ترك أحد التكليفين حال الاشتغال بالآخر في المتساويين، وفي ترك المهم حال
اشتغاله بالأهم و (الثاني) ان الامر بالشئ لا يقتضى عدم الامر بضده في التكاليف القانونية
كما في ما نحن فيه
وأظن أن الذي أوقع الأساتذة فيما أوقع حيث زعموا ان لازم ذلك هو الامر بالضدين،
هو ان كل مكلف له خطاب خاص وإرادة مستقلة من المولى لامتثاله فجعلوا الخطاب
شخصيا ورتبوا عليه ما رتبوا، ذهولا عن أن وضع التكاليف القانونية غير هذا، بل ليس هنا
الا خطاب واحد متوجه إلى العنوان، والخطاب الواحد بوحدانيته إذا وضع الحكم فيه
على العنوان، يكون حجة على المكلفين ما دامت الشريعة قائمة، ويحتج به الموالى على العبيد
إذ ادخلوا تحت العنوان واجتمع سائر الشرائط من العقل والبلوغ وغيرهما من دون أن يكون
لكل واحد خطابا وإرادة
فان قلت إن الاهمال في عالم الثبوت غير معقول (فح) عجز المكلف والمطاردة
والتزاحم وإن كانت بوجودها متأخرة عن رتبة الجعل والتشريع الا ان الحاكم يمكن ان
يتصور حين إرادة التشريع، تزاحم هذا الحكم الكلى مع الكلى الاخر إذا أراد المكلف
247

ايجادهما في الخارج و (بالجملة) يمكن ان يتصور تزاحم الحكمين الكليين في مقام
الامتثال، (فح) نسئل ان الإرادة المتعلقة على هذا العنوان هل باقية على سعتها وعمومها
بالنسبة إلى حال التزاحم التي فرضنا ان المولى توجه إلى حال التزاحم حين تعلق الإرادة،
أولا، فعلى الأول يلزم تعلق الإرادة التشريعية بشئ محال وعلى الثاني يلزم التقييد في جانب
الإرادة ولازمه التقييد في جانب الخطاب وليس الكلام في مفاد اللفظ حتى يقال إن
الاطلاق ليس معناه التسوية في جميع الحالات بل في الإرادة المولوية التي لا تقبل الاجمال
و الاهمال
قلت ليس معنى عدم الاهمال الثبوتي ان الحاكم حين الحكم يلاحظ جميع
الحالات الطارية على التكليف والمكلف، ويقايس التكليف مع ساير تكاليفه جمعا و
مزاحمة، ضرورة بطلان ذلك بل المراد من عدم الاهمال هو ان الامر بحسب اللب اما ان
تتعلق ارادته وحكمه بنفس الطبيعة بلا قيد فتكون الطبيعة بنفسها تمام الموضوع، واما
ان تتعلق بها مع قيد أو قيود فتكون موضوعها هو المقيد، والاهمال انما هو في مقام البيان
لافى مقام الواقع واما الحالات الطارية للمكلف أو للتكليف بعد جعله، فهي ليست دخيلة
في الموضوع حتى يتقيد بها أو يكون الحاكم ناظرا إليها، فالحاكم في مقام الحكم لا ينظر
الا إلى موضوع حكمه وكل ما، هو دخيل فيه لاغير (ثم) ان ما ذكرناه من النقض والابرام حول
الاحكام القانونية أو الإرادة المولوية انما هو بالنظر إلى القوانين العرفية المرسومة بين
الموالى والعبيد والرعايا والسلاطين، واما الأحكام الشرعية فهي بما انها مشتملة على زجر
وبعث وان الاحتجاج مطلقا أمر عقلائي فلابد ان يسلك فيها في قضية الاحتجاج ما سلكناه
في العرفيات (واما الإرادة) المولوية فيه سبحانه وكيفية تعلقها بالأشياء تكوينا كان أو
تشريعا فلا يصل إليه افهامنا فلابد من الاستمداد منه عز وجل وقد حقق عند أهله ان التشريع
داخل في النظام الإلهي الكلى وتعلق الإرادة الأزلية به نحو تعلقها بالنظام التكويني
والتفصيل يطلب من مظانه
الرابع من الوجوه المحررة لرد دعوى شيخنا البهائي ما سلكه أساطين العلم
آخذين بنيانه من الشيخ الأكبر كاشف الغطاء وإن كان لبه موجودا في كلمات
المحقق الثاني (قده) قد بالغ مشاهير العصر في الفحص والتحقيق حوله، وكل أوضحه
248

ببيان خاص الا ان مغزى الغالب يرجع إلى ما افاده السيد المجدد الشيرازي، ونقحه بعده
تلميذه الجليل السيد المحقق الفشاركي، وأوضحه وفصله بعض أعاظم العصر بترتيب
مقدمات وذكر أمور ونحن نذكر تلك المقدمات مع ما فيها من الانظار
المقدمة الأولى ان المحذور انما ينشأ من ايجاب الجمع بين الضدين
المستلزم للتكليف بما لا يطاق ولابد لرفع هذا المحذور من سقوط ما هو موجب له لا غير،
فإذا كان الخطابان طوليين لا يلزم منه ذلك كما سيأتي (فح) يقع الكلام في أن الموجب
لذلك هل هو نفس الخطابين حتى يسقطا أو اطلاقهما حتى يسقط اطلاق خطاب المهم فقط
ويصير مشروطا بعصيان الأهم (ثم) قال والعجب من الشيخ الأنصاري مع انكاره الترتب
ذهب في تعارض الخبرين على السببية إلى ما يلزم منه الالتزام بخطابين مترتب كل منهما
على عدم امتثال الاخر فليت شعري لو امتنع ترتب أحد الخطابين على عدم امتثال الاخر
فهل ضم ترتب إلى مثله يوجب ارتفاع المحذور الا ان الاشتباه من الأساطين غير عزيز
أقول هذه المقدمة سبقت لبيان محط البحث ولا اشكال فيها من هذه الجهة الا
ان رمى الشيخ الأعظم قدس سره بالترتب من الجانبين واستظهار ذلك من عبارته من
الغرائب جدا نشأ ذلك من قلة التأمل في عبارته واليك نص عبارته قال قدس
سره بعد ايراد شبهة في وجوب الاخذ بأحد المتعارضين بناء على السببية (ان الحكم
بوجوب الاخذ بأحد المتعارضين في الجملة وعدم تساقطهما ليس لأجل شمول اللفظ لأحدهما
على البدل من حيث هذا المفهوم المنتزع، لان ذلك غير ممكن كما تقدم وجهه في بيان
الشبهة لكن لما كان امتثال التكليف بكل منهما كسائر التكاليف الشرعية والعرفية مشروطا
بالقدرة، والمفروض ان كلا منهما مقدور في حال ترك الاخر وغير مقدور مع ايجاد الاخر
فكل منهما مع ترك الاخر مقدور يحرم تركه ويتعين فعله ومع ايجاد الاخر يجوز تركه
ولا يعاقب عليه، فوجوب الاخذ بأحدهما نتيجة أدلة وجوب الامتثال، والعمل بكل منهما
بعد تقييد وجوب الامتثال بالقدرة وهذا مما يحكم به بديهة العقل) انتهى وأنت خبير بأنه
أجنبي عن الترتب فضلا عن الترتبين اللذين يحكم العقل بامتناعهما للزوم تقدم الشئ
على نفسه، إذ الترتب باعتبار انه عبارة عن تقييد أمر المهم بعصيان الأهم، تقييد في مقام التكليف
وعلاج في مقام الامر ولكن التقييد بعدم الاتيان، علاج في مقام الامتثال والاطاعة، بمعنى
حكم العقل بصرف القدرة في واحد منهما على القول بالسببية وهو تصرف في مقام الامتثال
249

بلا تصرف في نفس الأدلة، كما عرفت تفصيله منا والتقييد في هذا المقام لحكم عقلي ليس
للشارع تصرف فيه وتعبد بالنسبة إليه وأين هذا من الترتب المتقوم باشتراط التكليف
بعصيان الاخر في مقام الجعل (أضف إلى ذلك) انا سلمنا كون كلامه ناظرا إلى التصرف
في نفس الأدلة، الا ان الترتب متقوم باشتراط التكليف بعصيان الاخر وما ذكره الشيخ
الأعظم متقوم بتقييد كل واحد من الدليلين بعدم اتيان الاخر وكم فرق بينهما لان (الأول)
مناط الترتب لان الامر المتعلق بالمهم يتأخر عن شرطه وهو يتأخر عن نفس الامر المتعلق
بالأهم، والثاني مناط التخيير ونتيجته، كما لا يخفى والعجب أنه خلط بينهما الا ان الاشتباه
من الأعاظم غير عزيز فافهم
المقدمة الثانية ان الواجب المشروط لا يخرج عما هو عليه بعد حصول شرطه
لان شرائط التكليف كلها ترجع إلى قيود الموضوع، والحكم المجعول على موضوعه
لا ينقلب عما هو عليه إذ لا يخرج الموضوع عن كونه موضوعا، والسر فيه ان القضايا الشرعية
على نهج القضايا الحقيقية لا لخارجية فالقائل بالانقلاب قوله مساوق للقول بان الموضوع
بعد وجوده ينسلخ عن موضوعيته ولا يبعد أن يكون ذلك من جهة خلط موضوع الحكم
بداعي الجعل وعلة التشريع، بتوهم ان شرط التكليف خارج من موضوعه بل هو من قبيل
الداعي للحكم على موضوعه فبعد وجوده يتعلق الحكم بموضوعه ولا يبقى للاشتراط مجال
وقد بينا ان كون شرط الحكم من قبيل دواعي الجعل يبتنى على أن تكون القضايا المتكفلة
لبيان الأحكام الشرعية من قبيل الاخبار من انشاء تكاليف عديدة يتعلق كل واحد منها
بمكلف خاص عند تحقق شرطه والمحقق الخراساني مع اعترافه برجوع الشرط إلى
الموضوع ذهب في جملة من الموارد إلى كون الشرط من علل للتشريع وهذا الخلط وقع
في جملة من المباحث منها هذا المقام فإنه توهم فيه انه بعد عصيان الامر بالأهم يكون
الامر بالمهم مطلقا انتهى بتلخيص (قلت) وفيه اما (أولا) فان بقاء الواجب المشروط على
ما هو عليه بعد حصول شرطه لا يحتاج إلى ما أتعب به نفسه الشريفة لأنك قد عرفت ان القيود
بحسب نفس الامر على قسمين (قسم) يرجع إلى المادة والمتعلق بحيث لا يعقل ارجاعه
إلى الحكم والإرادة كما إذا تعلق بالصلاة في المسجد غرض مطلق، فالوجوب المطلق
توجه إلى الصلاة في المسجد فيجب على العبد بناء المسجد والصلاة فيه، (وقسم) يرجع
250

إلى الوجوب والحكم ولا يعقل عكسه كما إذا لم يتعلق باكرام الضيف غرض معتد به
بل ربما يبغض الضيف فضلا عن اكرامه الا انه إذا ألم به ونزل في بيته يتعلق به الغرض ويحكم
على عبيده بان يكرموه إذا نزل، فالقيد (ح) قيد لنفس التكليف، لا يعقل ارجاعه إلى المادة
لأنه يستلزم ان يتعلق باكرامه إرادة مطلقة فيجب عليهم تحصيل الضيف وانزال الضيف في
بيته وقد فصلنا ذلك في محله (فح) فالقائل بصيرورة الحكم المشروط مطلقا اما أن يقول
بتبدل الإرادة إلى أخرى وذلك مستحيل في حقه تعالى لاستلزامه، التغير في ذاته،
سبحانه تعالى عن وصمة الحدوث والتغير بل يمتنع في حق غيره لأنها بسيطة والبسائط
لا يمكن ان يدخلها التبدل واما أن يقول بتعلق إرادة جديدة بالحكم رأسا وهو أيضا
مستحيل لامتناع تجدد الأحوال فيه تعالى، مع أنه خروج من الفرض أعني صيرورة المشروط
مطلقا لأنه تجدد إرادة، لا صيرورة إرادة مشروطة إرادة مطلقة، واما أن يقول بتبدل إرادة
التشريع بالأخرى وذلك أيضا مستحيل لما ذكر، ولانتهاء أمد التشريع بتحققه فلا يبقى
إرادة تشريعية حتى تتبدل لو فرض جواز هذه الأمور في حقه تعالى (وتوهم) ان معنى
الصيرورة هو تبدل الحكم المنشأ على نحو المشروط، إلى الاطلاق (باطل) لا ما شرع وإن كان
أمر اعتباريا الا انه لا ينقلب عما هو عليه الا باعتبار جديد وهو انشاء حكم آخر مطلق
بعد حصول المشروط لكنه خلاف المفروض، (وبالجملة) خروج الحكم المجعول عما هو
عليه لا معنى معقول له (نعم) قبل تحقق الشرط لم يأن آن امتثاله وبعده يحضر وقت امتثاله و
يصير حجة على العبد مع كونه مشروط (فظهر) ان ما ذكره قدس سره من ارجاع شرائط
الحكم إلى الموضوع تبعيد للمسافة بلا توقف للمطلوب عليه
(وثانيا) ان ارجاع جميع الشروط إلى الموضوع يستلزم الغاء ما هو الدائر بين العقلاء
من انشاء الحكم على قسمين بل ظهور الإرادة على ضربين، وقد عرفت ان اختلاف
الواجب المشروط والمطلق لبى واقعي ثبوتي، فلا يجوز الارجاع بعد كون كل واحد معتبرا
لدى العرف بل بينهما اختلاف في الآثار المطلوبة منهما في باب الاحكام، فعلى ما ذكره
بتفاوت الرأي في بقاء الموضوع وعدمه على القول بشرطية بقاء الموضوع في جريان الاستصحاب وإن كان
ما ذكروا في ذلك المقام عن شرطية بقائه خلاف التحقيق عندنا كما سيوافيك باذنه تعالى لان
ارجاع الشرط إلى الموضوع وجعله من قيوده يوجب التفاوت في بقاء الموضوع بخلاف ما إذا قلنا
251

بعدم ارجاع الشرط إلى الموضوع وجعلنا من قيود الحكم فيختلف الانظار في جريانه وعدمه
وسيوافيك ان القيود الدخيلة في جعل الحكم كليا، كلها من مقومات الموضوع لا من
حالاته فارتقب
(فان قلت) ان لازم ذلك كون كل من السبب والشرط أمرا تكوينيا، مؤثرا في المسبب
والمشروط تكوينا (وعليه) فيخرج زمام امرهما من يد الشارع وهو واضح الفساد (قلت)
ان جعل السببية والشرطية تشريعا لشئ، وان شئت قلت إن اعتبار السببية والشرطية
لشئ، لا يوجب انقلاب التشريع إلى التكوين ولا خروج الامر من يد الجاعل كما هو واضح
لأن الاعتبار وضعه ورفعه ونسخه وابقائه في يده، نعم لو اعتبر الشئ سببا أو شرطا لا يجوز
له التخلف عما جعل، والا يلزم اللغوية في الاعتبار اللهم إذا أراد نسخة وهو خلاف المفروض،
(والحاصل) انه لا وجه لرفع اليد عن الظواهر بغير دليل هذا بناء على جعل السببية والشرطية
واما بناء على جعل الحكم مترتبا على شئ فالامر أوضح
(وثالثا) ان ما ذكره من توهم الخلط بين موضوع الحكم وبين داعي الجعل وعلة التشريع
بتوهم ان شرائط التكليف من قبيل الداعي لجعل الحكم واضح البطلان لان الامر ليس
منحصرا في كون الشئ من قيود الموضوع أعني المكلف البالغ العاقل أو من دواعي
الجعل التي هي غايات التشريع وجعل الحكم بل هنا أمر ثالث أعني كون الشئ من قيود
المتعلق أعني نفس الصلاة كما مثلناه من ايجاب الصلاة في المسجد على عبيده، (وامر رابع)
وهو أن يكون من شروط الحكم والمجعول كما في المثال الثاني إذا جائك الضيف أكرمه
(والحاصل) ان شرائط التكليف غير قيود الموضوع وغير دواعي الجعل وليست من قيود
المتعلق بل من شرائط المجعول، وهو رحمه الله خلط بين شرائط المجعول ودواعي الجعل
مع أنهما مفترقان لان دواعي الجعل هي غايات جعل الاحكام وضعية كانت أو تكليفية،
مطلقة كانت أو مشروطة وشرائط التكليف أي المجعول الاعتباري ما يكون الحكم معلقا
عليه ومنوطا به وهى غير مربوطة بقيود الموضوع ودواعي الجعل وقيود المتعلق، بل ارجاع
الشرائط إلى قيود الموضوع يرجع إلى انكار الواجب المشروط (ثم) ان كون القضايا حقيقية
لا خارجية أجنبي عن المطلب كما أن القول بالانقلاب أجنبي عن انسلاخ الموضوع عن
الموضوعية كما يظهر بالتأمل والتطويل موجب للملل
252

المقدمة الثالثة التي هي أهم المقدمات عندنا في استنباط الترتب وعليها يدور
رحاه، وان ظن القائل انها غير مهمة وهى ان المضيق على قسمين (قسم) اخذ فيه الشئ
شرطا للتكليف بلحاظ حال الانقضاء كالقصاص والحدود فان القصاص مترتب على مضى
القتل وانقضائه ولو آنا ما، و (قسم) اخذ فيه الشئ شرطا بلحاظ حال وجوده فيثبت التكليف
مقارنا لوجود الشرط، ولا يتوقف ثبوته على انقضائه، بل يتحد زمان وجود الشرط وزمان
التكليف وزمان الامتثال كأغلب الواجبات المضيقة كالصوم ففي مثله يستحيل تخلف
التكليف عن الشرط ولو آنا ما لما عرفت من رجوع كل شرط إلى الموضوع ونسبة الموضوع
إلى الحكم نسبة العلة إلى المعلول فلازم التخلف اما عدم موضوعية ما فرض موضوعا للحكم
أو تخلف الحكم عن موضوعه وكذا يستحيل تخلف زمان الامتثال عن التكليف لان التكليف يقتضى
الامتثال فنسبة اقتضاء التكليف للحركة كنسبة اقتضاء حركة اليد لحركة المفتاح (نعم)
الفرق بين المقام والعلل التكوينية هو دخل العلم والإرادة في الامتثال دون العلل التكوينية
(وبالجملة) مقتضى البرهان هو ان لا يتخلف التكليف عن الشرط ولا الامتثال عن التكليف
زمانا بل يتقارنان في الزمان وإن كان بينهما تقدم وتأخر رتبي، إلى أن قال إذا عرفت ذلك
ظهر لك دفع بعض الاشكالات في المقام (منها) انه يتوق صحة الخطاب الترتبي على
صحة الواجب المعلق وأجاب عنه بان ذلك مبنى على بناء فاسد وهو لزوم تأخر زمان الامتثال
عن الامر وقد عرفت فساده (ومنها) ان خطاب المهم لو كان مشروطا بنفس عصيان الأهم
لزم خروج المقام عن الترتب ولو كان مشروطا بعنوان انتزاعي أي كون المكلف ممن
يعصى، يلزم الامر بالجمع بين الضدين وهو محال وأجاب عنه بانا نختار الشق الأول وتوهم
استلزامه تأخر طلب المهم عن عصيان الامر بالأهم زمانا انما يتم على القول بلزوم تأخر
الخطاب عن شرطه واما على ما حققناه من مقارنة الخطاب بوجود شرطه فلابد من فعلية
خطاب المهم في زمان عصيان خطاب الأهم بلا تقدم وتأخر بينهما خارجا (ونختار) الشق
الثاني ولا يلزم منه طلب الجمع بين الضدين بداهة ان عنوان التعقب بالمعصية انما ينتزع
من المكلف بلحاظ تحقق عصيانه في ظرفه المتأخر فإذا فرض وجود المعصية في ظرفها و
كون التعقيب بها شرطا لخطاب المهم فيكون الحال فيه بعينه الحال في فرض كون نفس
العصيان شرطا لطلب المهم وبالجملة فرض تحقق امتثال طلب الأهم في ظرفه هادم لشرط
253

خطاب المهم فكيف يمكن أن يكون المهم مطلوبا في ظرف وجود الأهم ليرجع الامر
إلى طلب الجمع بين الضدين انتهى
(أقول) ما ذكره قدس سره من عدم تأخر الحكم عن شرطه زمانا متين جدا سواء
جعلت الشرائط من قيود الموضوع أم لا، ولو فرضنا صحة مدعاه الثاني أيضا وهى عدم امكان
تخلف البعث عن اقتضاء الانبعاث زمانا وانكرنا الواجب التعليقي لما كان يجديه أصلا
الا ان ما أجاب به عن الاشكال الواقع في كلامه من أن خطاب المهم لو كان مشروطا
بنفس عصيان الأهم لزم خروج المقام عن الترتب الخ لا يخلو عن خلط (وتوضيحه) ان كل
شرط انما يتقدم رتبة على مشروطه في ظرف تحققه لا حال عدمه وبعبارة أخرى ان الشرط
بوجوده يتقدم على المشروط تقدما رتبيا، فقبل وجود الشرط لا يمكن تحقق المشروط
بالضرورة (فح) يلاحظ فإن كان الشرط أمرا زمانيا فلابد من تحققه في زمانه حتى يتحقق
بعده مشروطه بلا فترة بينهما، وكذا لو كان غير زماني، فإذا فرضنا واجبين مضيقين أحدهما
أهم كانقاذ الابن في أول الزوال وانقاذ العم في أوله أيضا ويكون ظرف انقاذ كل منهما ساعة
بلا نقيصة ولا زيادة، فمع أمر المولى بانقاذ الابن مطلقا لا يعقل تعلق امره بانقاذ العم مشروطا
بعصيان أمر الأهم لان العصيان عبارة عن ترك المأمور به بلا عذر في مقدار من الوقت يتعذر
عليه الاتيان بعد، ولا محالة يكون ذلك في زمان ولا يعقل أن يكون الترك في غير الزمان محققا
للمعصية لعدم تحقق الفوت به، ففوت الأهم المحقق لشرط المهم لا يتحقق الا بمضي زمان
لا يتمكن المكلف بعده من إطاعة امره، ومضى هذا الزمان كما أنه محقق فوت الأمم محقق
فوت المهم أيضا، فلا يعقل تعلق الامر بالمهم في ظرف فوته ولو فرض الاتيان به قبل عصيان
الأهم يكون بلا أمر، وهو خلاف مقصود القائل بالترتب (وبالجملة) قد وقع الخلط في كلامه
بين عدم تخلف الشرط عن التلكيف وعدم تخلف التكليف عن اقتضاء البعث، وبين لزوم
كون الشرط بوجوده مقدما على المشروط وظن أن التقدم الرتبي يدفع الاشكال غفلة
عن أن العصيان ما لم يتحقق لا يعقل تعلق الامر بالمهم لامتناع تحقق المشروط قبل شرطه
وبتحققه يفوت وقتي الأهم والمهم في المضيقين لو فرض زمان إطاعة المهم بعد زمان
عصيان الأهم يخرج عن فرض الترتب
والعجب أنه تنبه للاشكال وتخيل ان التأخر الرتبي يدفعه مع أنه لا يندفع الا
254

بصيرورة العصيان غير زماني، على أنه لا معنى للعصيان الرتبي لان ترك المأمور به إلى أن
يفوته ويتعذر عليه لا يكون الا في الزمان ويعد من الأمور الزمانية لا الرتب العقلية
كما هو واضح
وبذلك ظهر لك ما أوعزنا إليه من أن اصلاح هذه المقدمة من أهم المقدمات وان
ظنه المستدل غير مهم والا فما ذكرنا من الاشكال يهدم أساس الترتب سواء كان الواجبان
مضيقين أم مضيقا وموسعا (اما الأول) فقد عرفت واما الثاني فبعين ما ذكرناه لأنه إذا فرض
كون أحدهما موسعا لكن يكون أول زمانه أول الزوال الذي هو ظرف اتيان المضيق
(فح) لا يعقل تعلق الامر بالموسع أول الزوال مشروطا بعصيان المضيق لما عرفت من أن
العصيان عبارة عن ترك المأمور به في مقدار من الزمان الذي يفوت بمضيه الأهم، فلابد
من تعلق الامر بالموسع بعد مضى زمان يتحقق به العصيان، وهو يهدم أساس الترتب
وكذا الحال لو فرض ان العصيان آني الوجود لأنه قبل مضى هذا الان لا يتحقق شرط المهم،
فيكون ظرف تحقق أمر الأهم فقط وبتحقق هذا الان سقط أمر الأهم بحصول العصيان و
مضى أمد اقتضائه ولا يعقل بقائه على فعليته بعد عصيانه ومضى وقته (فظهر) ان تفويت
متعلق الأهم في آن، متقدم على تعلق أمر المهم ولكن سقوط أمر الأهم وثبوت أمر المهم
في رتبة واحدة أو آن واحد فأين اجتماعهما
وان شئت قلت إن اجتماعهما مستلزم لتقدم المشروط على شرطه أو بقاء فعلية الامر
بعد عصيانه ومضى وقته وكلاهما باطلان (هذا كله) إذا كان العصيان بوجوده الخارجي
شرطا كما أصر به المستدل واما إذا كان العنوان الانتزاعي كالذي يعصى، شرطا فلا اشكال
في لزوم مفسدة طلب الجمع لان العنوان الانتزاعي ثابت للمكلف من أول الأمر فأول زمان
ظرف الامتثال، يكون أمر المهم فعليا لحصول شرطه ولا يكون أمر الأهم ساقطا لعدم
الامتثال وعدم مضى وقته فلا محالة يتوجه إلى المكلف امران فعليان (أحدهما) بعنوان
الذي يعصى فيأمره بانقاذ العم في أول الزوال (وثانيهما) بعنوان آخر فيأمره بانقاذ الابن
فيه، ومجرد اخذ العنوان الانتزاعي من العاصي بلحاظ ظرف العصيان لا يدفع التضاد لان
ملاك دفع التضاد بين أمر المهم المشروط بالعصيان وامر الأهم ليس الا امكان اجتماعهما
في آن واحد لاكونهما في رتبتين كما زعمه المستدل وسيأتى فساده في المقدمة التالية و
255

عند التعرض لبعض أمثلة الترتب فارتقب
المقدمة الرابعة وقد عدها المستدل من أهم المقدمات وذكر انه عليها يبتنى
أساس الترتب وسيتضح عدم دخالتها في رفع الاشكال ومحصلها ان انحفاظ كل خطاب
بالنسبة إلى ما يتصور من التقادير على انحاء (الأول) ما يكون انحفاظه بالاطلاق والتقييد
اللحاظي، وذلك بالنسبة إلى كل تقدير يمكن لحاظه عند الخطاب وهى التقادير المتصورة
في المتعلق مع قطع النظر عن الخطاب كقيام زيد وقعوده، حيث يكون الامر بالصلاة
محفوظا عنده بالاطلاق اللحاظي، وكالوقت حيث يكون الامر محفوظا معه بالتقييد
اللحاظي، (الثاني) أن يكون الانحفاظ بنتيجة الاطلاق والتقييد كالتقادير التي تلحق
المتعلق بعد تعلق الخطاب به كالجهل والعلم بالخطاب فلا يمكن فيها الاطلاق والتقييد
اللحاظي بل لابد اما من نتيجة الاطلاق كما في العلم والجهل بالحكم بعد قيام الضرورة
والأدلة على اشتراك العالم والجاهل بالأحكام وامتناع الاهمال للثبوتي، واما أن يكون
الملاك محفوظا في تقدير خاص فلابد من نتيجة التقييد (الثالث) ما كان انحفاظ الخطاب
لا بالاطلاق والتقييد اللحاظي، ولا بنتيجة الاطلاق والتقييد، وذلك في التقدير الذي يقتضيه
نفس الخطاب وهو الفعل والترك، حيث يكون انحفاظ الخطاب في حالتي الفعل و الترك
بنفسه لا باطلاقه، لحاظا أو نتيجة، إذ لا يعقل الاطلاق والتقييد بالنسبة إليهما بل يؤخذ
المتعلق معرى عن حيثيتهما لأنه مع التقييد بالفعل يلزم طلب الحاصل ومع التقييد بالترك
يلزم طلب الجمع بين النقيضين ومع الاطلاق كلا المحذورين فليس في الخطاب بالنسبة
إليهما اطلاق وتقييد مطلقا، ولكن مع ذلك يكون الخطاب محفوظا بالاقتضاء الذاتي
في كلتا الحالتين ما لم يتحقق العصيان و الطاعة والفرق بين هذا القسم والسابقين
من وجهين
(الأول) ان نسبة تلك التقادير السابقة إلى الخطاب، نسبة العلة إلى المعلول لمكان
رجوعها إلى قيود الموضوع وهى تتقدم على الحكم تقدم العلة على المعلول. والاطلاق أيضا
يجرى مجرى العلة من حيث إن الاطلاق والتقييد في رتبة واحدة فالاطلاق في رتبة علة
الحكم، وهذا بخلاف تقديري فعل المتعلق وتركه فان هذا التقدير معلول الخطاب لان
الخطاب يقتضى فعل المتعلق ويمنع تركه (الثاني) ان الخطاب في التقادير السابقة يكون
256

متعرضا لبيان أمر آخر غير تلك التقادير غايته انه تعرض عند وجودها و (هذا) بخلاف
تقديري الفعل والترك فان الخطاب بنفسه متكفل لبيان هذا التقدير حيث إنه يقتضى
فعل المتعلق وعدم تركه
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه يترتب على ما ذكرنا طولية الخطابين وذلك لان خطاب
الأهم يكون متعرضا لموضوع خطاب المهم ومقتضيا لهدمه ورفعه تشريعا لان موضوع
خطاب المهم هو عصيان خطاب الأهم فالأهم يقتضى طرد موضوع المهم، والمهم لا يتعرض
لموضوعه و ليس بينهما مطاردة وليسا في رتبة واحدة بل خطاب الأهم مقدم على خطاب
المهم برتبتين أو ثلث ومع هذا الاختلاف في الرتبة لا يعقل عرضيتهما انتهى
أقول لا يذهب عليك ان في هذه المقدمة مواقع للنظر نذكر مهماتها
الأول ان تقسيم الاطلاق والتقييد إلى اللحاظي وما هو نتيجتهما والفرق بينهما
بان نتيجة الاطلاق لابد في اثباتها من دليل آخر، (مما لا طائل تحته) غير أنه تكثير في
التقسيم والاصطلاح، وتشويش للأذهان، إذ الاطلاق كما في اللغة والعرف هو المسترسل
من القيد مقابل التقييد وفي الاصطلاح جعل طبيعة مثلا متعلقا أو موضوعا للحكم من غير
تقييدها بقيد، وهو لا يتقوم باللحاظ أو بارسال الطبيعة سارية في المصاديق بل يتقوم جعلها
موضوعا للحكم بلا قيد و (بذلك) يبطل تقسيمه إلى ما يمكن لحاظه عند الخطاب، وإلى
ما لا يمكن، إذ قد عرفت ان اللحاظ وامكانه أمر زايد على الاطلاق، لان محور الاحتجاج
بين الموالى والعبيد هو جعل الشئ موضوعا للحكم بلا قيد من غير توجه إلى أن المقنن
أو الحاكم ارسل الموضوع في المصاديق، ولاحظه بالنسبة إلى التقادير المتصورة في المتعلق مع
قطع النظر عن الخطاب، أولا بل لحاظ الارسال والتقادير على فرض امكانه مضر بالاطلاق،
فالحكم في الاطلاق ليس الا على نفس الطبيعة بلا قيد، ولا يكون الحاكم ناظرا الا إلى موضوع
حكمه، فلحاظ التقادير لو أمكن يهدم أساس الاطلاق
(وبعبارة أخرى) إذا قال القائل يجب على المظاهر عتق رقبة ولم يقيدها بشئ يحكم
العقلاء بان تمام الموضوع للوجوب عتق الرقبة من غير دخالة شئ ويقال ان الظهار سبب
لوجوب العتق من غير قيد، فملاك الاحتجاج هو اخذ شئ سببا أو متعلقا أو موضوعا بلا
قيد و (به يظهر) ان الاحتجاج به ليس لأجل انه من الدلالات اللفظية، بل لأجل ان المتكلم
257

بما ان بيده زمام البيان وهو عاقل مختار في وضع ما يطلبه، ورفع ما لا يطلبه لابد ان يكشف
عن مقصوده ويصرح به ويجمع ماله دخل من قيوده فلو كان قيد دخيلا في غرضه لأتى به وبينه، اما
في ضمن هذا الدليل أو بدليل منفصل، وحيث لم يأت به لافى ضمن هذا الدليل ولا بدليل
آخر يحكم العقل بان ما وقع موضوعا، تمام المطلوب لا بعضه، فيصير من الدلالات العقلية
وسيجئ في المطلق والمقيد زيادة توضيح لذلك بل لو سلم عدم امكان التقييد بما يتأخر
عن الحكم، في هذا الحكم لا يضر ذلك بجواز التمسك بالاطلاق بعد امكان بيان القيد بدليل
آخر، فلا نحتاج في تسوية العالم والجاهل في الاحكام إلى التمسك بالاجماع بل التمسك
باطلاق الأدلة كاف في اثبات المطلوب وليس الشرط امكان بيانه في الخطاب الأول بل
تمكن المولى من بيانه بأي خطاب شاء
(لا يقال) فرق بين ما يمكن التقييد به في اللفظ وبين غيره بان الأول اطلاق لفظي
والاخر حالي (لأنا نقول) كأنك غفلت عن أن الاطلاق ليس من المفاهيم التي يدل عليها
اللفظ حتى نجعله قسمين (أضف) إلى ذلك أنه لا يضر بالمطلوب لجواز التمسك بالاطلاق
الحالي لرفع احتمال القيد
(ثم) انك لو أحطت خبرا بما قدمناه في عدة مواضع خصوصا في تقييد مفاد
الهيئة الذي بعد من المعاني الحرفية حيث ذكرنا فيها ان امتناع التقييد فيها ممنوع وعلى فرض
تسليمه انما هو في النظرة الأولى واما إذا كان بنظر مستأنف كما هو الحال في غالب
القيود فلا بأس به، تعلم هنا انه لا اشكال في امكان النظر المستأنف في الحكم
المجعول في الكلام وتقييده بالعلم والجهل إذ لا فرق في قوله أعتق رقبة مؤمنة
واعتق رقبة معلومة الحكم في جواز التقييد بالنظر المستأنف نعم ما لا يمكن التقييد فيه
مطلقا لا يجوز التمسك فيه بالاطلاق لان التمسك لرفع القيد المحتمل وهو مع امتناعه غير
محتمل، لا لأجل ما توهم المستدل من أن الاطلاق مستلزم لفساد التقيدين يعنى فساد
التقييد بالفعل والتقييد بالترك وفسادهما عبارة عن طلب الحاصل وطلب الجمع بين النقيضين،
ضرورة ان الاطلاق ليس الجمع بين التقييدين حتى يلزم ما ذكر، بل عبارة عن عدم التقييد
أمكن ذلك أولا غاية الأمر ما هو موضوع البحث في باب الاطلاق والتقييد وموضوع
احتجاج العقلاء هو الاطلاق الذي يمكن تقييده ولو منفصلا، وبين الاطلاق والتقييد الكذائيين
258

شبيه العدم والملكة وهذا لا ينافي أن يكون هنا اطلاق يكون النسبة بينه وبين التقييد
تقابل الايجاب والسلب فتبصر
الثاني ان ما تخيله في رفع غائلة ايجاب الجمع من كون أمر الأهم والمهم في
في رتبتين غير مجد أصلا، إذ لو كفى تأخر خطاب المهم عن الأهم رتبة، في رفع الغائلة مع
اتحاد زمان فعليتهما، لوجب ان يكفي مع اشتراط المهم بالإطاعة، فإنها كالعصيان من طوارى
أمر الأهم ولو جعلت شرطا لصار قيدا للموضوع ويتقدم على أمر المهم تقدم الموضوع على
حكمه مع أنه لا اشكال في أنه يقتضى الجمع (فظهر) ان ما هو الدافع للغائلة هو سقوط
أمر الأهم بعصيانه ومضى وقته وعدم ثبوت أمر المهم الابعد سقوط الأهم، لا ما تخيلوه من
ترتب الامرين (هذا) وللمقال تتمة سيوافيك عن قريب
الثالث ان العصيان لا يكون متأخرا رتبة عن الامر لعدم ملاك التأخر الرتبي
فيه فان التأخر الرتبي اما من ناحية العلية والمعلولية أو كون شئ جزءا للعلة أو جزءا
للماهية أو شرطا للتأثير أو التأثر وأمثال ذلك وكلها مفقودة بالنسبة إلى العصيان (فان قلت)
يمكن تقريب تأخر العصيان عن الامر بوجهين (الأول) ان الإطاعة من العوارض أو الحالات
اللاحقة للامر، فتتأخر عنه بداهة لأنها عبارة عن الانبعاث عن البعث ولا اشكال في تأخر
الانبعاث عن البعث تأخر المعلول عن علته أو جزئها، بناء على أن الامر ليس علة تامة للانبعاث
بل العلة هو مشاركا مع ملكات آخر من الخوف والطمع، (وعليه) فالعصيان وان لم يكن
نقيضا للإطاعة لان نقيض كل شئ رفعه الا انه لازم للنقيض أو مصداق له، إذ نقيض الطاعا، والامتثال
هو عدم الطاعة والامتثال، وهو يتحقق في ضمن العصيان الذي هو عبارة عن ترك الامتثال بلا عذر و
(ح) فالنقيضان أعني الطاعة وعدمها في رتبة واحدة والعصيان مصداق للنقيض، والماهية ومصداقها
ليستا في رتبتين لمكان اتحادهما الذاتي فيستنتج ان العصيان في رتبة نقيض الطاعة ونقيض
الإطاعة في رتبتها، والاطاعة ونقيضها متأخران رتبة عن الامر فهكذا العصيان لان ما مع
المتأخر رتبة، متأخر كذلك (الثاني) ان الامر بالأهم مستلزم للنهي عن ضده العام فالامر
به متقدم على النهى عن ترك الأهم، والنهى متقدم على عصيانه، والعصيان متقدم على أمر
المهم تقدم الموضوع على حكمه فظهر تأخر أمر المهم عن أمر الأهم بثلث مراتب
وان شئت قلت الامر بالأهم دافع للعصيان وعلة لرفعه وعلة الشئ متقدمة عليه
259

والعصيان ورفعه في رتبة واحدة لكونهما نقيضين وما مع المعلول، مؤخر عن العلة
(قلت) كلا الوجهين لا يخلو من خلط وما قدمناه في ابطال كون أحد الضدين
مقدمة على الاخر، كاف في ابطالهما ونشير إليه هنا اجمالا، وهو ان التقدم والتأخر الرتبيين
ليسا من الاعتبارات المحضة من دون واقعية لهما في نفس الامر كيف وحكم العقل بأنه
وجد هذا فوجد ذاك بنحو تخلل الفاء ليس الا لاستشعاره أمرا وواقعيا وشيئا ثبوتيا، (فح)
فاثبات أمر واقعي للشئ كالتأخر الرتبي فرع كون الشئ الموصوف ذا تقرر في ظرفه و
ذا حظ من الموجود، وظرف النسبة والاتصاف بعينه ظرف الطرفين فلو كانت واقعيا فلا
محالة يتصف الطرفان بالواقعية، مع أن الواقعية مفقودة في النقيض ومصداقه لأنهما
اعدام ليس حقيقتهما سوى انهما لا واقعية لهما وقد تقدم ان كون الملكات والاستعدادات
من مراتب الوجود، لا يلازم كون اعدامهما كذلك، مع أن للوجه الثاني مبنى على اقتضاء
الامر للنهي عن تركه وهو باطل مبنى على باطل آخر
والحاصل ان كون النقيضين في رتبة واحدة ممنوع تقدم الكلام فيه وكون ما مع
المتأخر رتبة، متأخرا رتبة ممنوع أيضا لان قياس المساواة لو صح فإنما هو في المسائل
الهندسية، لا في الأحكام العقلية التي تدور مدار وجود المناط وقد عرفت ان مناط التأخر
الرتبي هو ما قدمناه ومع فقدانه لاوجه للتأخر وقياس التأخر الرتبي الذي يدركه العقل
لأجل بعض المناطات بالتأخر الزماني قياس مع الفارق نعم العصيان يتأخر عن الامر زمانا
على مسامحة وهو غير التأخر الرتبي، (وبالجملة) ان العصيان عبارة عن ترك المأمور به
بلا عذر وهو معنى عدمي لا يمكن ان يتصف بحيثية وجودية مطلقا وقد تكرر منا ان القضايا
الصادقة التي موضوعاتها أمور عدمية لابد وأن تكون من السالبة المحصلة أو ترجع
إليها، والموجبات مطلقا لا تصدق في الاعدام الا بتأول كما في بعض القضايا غير المعتبرة
كقولنا العدم عدم، فالعصيان بما انه أمر عدمي لا يمكن ان يتأخر عن شئ أو يتقدم على
شئ ولا يكون موضوعا لحكم ولا شرطا لشئ أو مانعا وبذلك يظهر ان اخذ أمر عدمي
لا يؤثر ولا يتأثر ولا يوجب مصلحة ولا مفسدة في الموضوع، لا يجتمع مع ما عليه العدلية
من كون الاحكام تابعا لمصالح أو مفاسد يقتضيها موضوعاتها والعدم لا اقتضاء فيه الا
ان يرجع إلى مانعية الوجود وهو غير مجد أصلا في المقام
260

لا يقال قولك لا يكون العصيان شرطا لحكم ولا موضوعا مصادرة جدا ضرورة
انا نرى حكم العقل بوجوب الطاعة وقبح المعصية فكيف حكم على أمر باطل بالقبح والحرمة
مع أنه يمكن ان يقال إن العصيان ليس أمرا عدميا وإن كان الامر العدمي منطبقا عليه، الا
ان العصيان له حيثية ثبوتية يعبر عنه بالطغيان تارة، والتورط في الحمى أخرى، وعدم
الاعتناء بأوامر المولى ثالثة (و ح) فعدم الامتثال أمر عدمي يصدق في غير موارد العصيان
كما في العاجز والساهي، والعصيان أخص منه ويقرب أن يكون أمرا وجوديا
لأنا نقول إن كان المراد ان ترك المأمور به بلا عذر بما هو ترك، موصوف بصفة
وجودية بحسب الواقع فهو ضروري البطلان، لان ثبوت شئ لشئ فرع ثبوت المثبت له، وإن كان
المراد ان العقلاء يحكمون باستحقاق العبد التارك لأمر مولاه بلا عذر، للعقوبة، فهو
حق لكن لا يلزم أن يكون الترك موصوفا بصفة وجودية، واما دعوى كون العصيان
عبارة نفس تلك العناوين النفسانية أي حالة الطغيان والجرئة حتى يكون وجوديا فهو
واضح الفساد، واما كون ترك الطاعة بلا عذر لأجل حصول ملكات في النفس، فلا يوجب
أن يكون الترك العمدي أو بلا عذر من انحاء الوجود الخارجي وبالجملة ان حكم العقلاء
باستحقاق العبد العاصي للعقوبة لا يلزم منه كون العصيان في الأوامر من الأمور الوجودية
أو مع كونه عدميا متصفا بأمر وجودي وبعد، لابد من التفكيك بين حكم العقل البرهاني
وحكم العقلاء والعرف الاستحساني فتدبر و (بما ذكرنا) ينهدم أساس الترتب لأنه مبنى
على التقدم والتأخر الرتبيين وهما تتحقان بين الامر واطاعته على تأمل فيه أيضا ولا
يحصل بين الامر وعصيانه اللهم الا ان يجعل الموضوع من يترك المأمور به بلا عذر لكن
مع ذلك لا يكون التقدم رتبيا وسيجئ البحث عنه
المقدمة الخامسة الموضوع للحكم اما غير قابل لتصرف من الشارع كالعقل والبلوغ
أو قابل له والثاني اما قابل للدفع والرفع أو قابل للدفع فقط، وعلى التقديرين اما أن يكون قابلا للرفع
الاختياري أيضا أولا والرفع التشريعي اما أن يكون بنفس التكليف أو بامتثاله ومحل البحث في
الأهم والمهم هو هذا الأخير وهو ما إذا كان امتثال التكليف رافعا لموضوع الاخر، حيث يتحقق
اجتماع كل من الخطابين في الفعلية لأنه ما لم يتحقق امتثال أحد الخطابين الذي فرضنا انه رافع
261

لموضوع الاخر، لا يرتفع الخطاب الاخر فيجتمع الخطابان في الزمان والفعلية بتحقق
موضوعهما والتحقيق ان اجتماع مثل هذين الخطابين لا يوجب ايجاب الجمع ولا بد أولا
من معرفة معنى الجمع وما يوجب ايجابه
فنقول اما الجمع فهو عبارة عن اجتماع كل منهما في زمان امتثال الاخر بحيث يكون ظرف
امتثالهما واحدا واما الذي يوجب الجمع فهو أحد أمرين اما تقييد كل من المتعلقين أو أحدهما بحال
اتيان الاخر، واما اطلاق كل من الخطابين كذلك والدليل على عدم ايجاب الجمع أمور (الأول)
انه لو اقتضيا ايجاب الجمع والحال هذه يلزم المحال في طرف المطلوب، لان مطلوبية المهم انما
يكون في ظرف عصيان الأهم فلو فرض وقوعه على صفة المطلوبية في ظرف امتثاله كما هو لازم ايجاب
الجمع بلزم الجمع بين النقيضين إذ يلزم ان لا يكون مطلوبا قبل العصيان وأن يكون مطلوبا قبله
(الثاني) انه يلزم المحال في طرف الطلب لان خطاب الأهم يكون من علل عدم خطاب
المهم لاقتضائه رفع موضوعه فلو اجتمع الخطابان في رتبة، يلزم اجتماع الشئ مع علة عدمه
أو خروج العلة عن العلية أو خروج العدم من كونه عدما وكل ذلك خلف محال (الثالث) ان
البرهان المنطقي أيضا يقتضى عدم ايجاب الجمع فان الخطاب الترتبي بمنزلة المنفصلة
المانعة الجمع في النسبة الطلبية في جانب المهم والنسبة التلبسية في جانب الأهم، فصورة
القضية هكذا اما أن يكون الشخص فاعلا للأهم واما ان يجب عليه المهم ومعه كيف يعقل
ايجاب الجمع انتهى
(قلت) ما ذكره رحمه الله لا يخلو من انظار والأولى عطف عنان الكلام إلى توضيح
ما يقتضى الجمع من المناط فلا بد من استقصاء العناوين التي يتصور اخذها شرطا لخطاب
المهم أو موضوعا له حتى يتضح موارد اقتضاء الجمع عن موارد عدم الاقتضاء ويتبين المناط
فيهما فنقول الذي يمكن ان يقع شرطا أمور
الأول العصيان الخارجي أو ما يساوقه خارجا، أي عنوان كان، وهو وان لم يلزم منه
ايجاب الجمع الا انه يوجب الخروج من بحث الترتب توضيحه انه ما دام لم يتحقق العصيان
خارجا، لا يكون أمر المهم فعليا وبتحقق العصيان يسقط أمر الأهم لخروج متعلقه من امكان
الاتيان به إذ مع امكانه لا يتحقق العصيان ومع عدم امكانه لا يعقل بقاء الامر الفعلي من غير
فرق بين كون العصيان تدريجي التحقق أو دفعي التحقق، ففي الثاني أيضا قبل تحقق آن المعصية
262

الظرف ظرف أمر الأهم فقط وبتحققه يتحقق العصيان ويسقط أمر الأهم ويخلفه أمر المهم
فأين اجتماعهما فلازم اجتماعهما في الفعلية، اما تخلف المشروط عن شرطه بتقدمه عليه
ان تعلق أمر المهم بموضوعه قبل تحقق المعصية أو بقاء أمر الأهم مع تحقق المعصية وعجز
المكلف عن الاتيان به وهما محالان واما توهم كون العصيان في الرتبة العقلية شرطا فواضح
الفساد لان العصيان ترك المأمور به بلا عذر خارجا ولا ربط له بالرتبة العقلية وهذا الاشكال
وارد أيضا على من جعل الشرط شيئا يكون مساوقا للعصيان خارجا طابق النعل بالنعل
الثاني جعل الشرط، التلبس بالعصيان بمعنى الاخذ والشروع فيه، ويرد عليه
(أولا) ان العصيان فيما نحن فيه ليس من الأمور الممتدة أو المركبة مما يتصور فيه الاخذ
والشروع بل إذا ترك المأمور به إلى حد سلب القدرة، ينتزع منه العصيان في آن سلب
القدرة ولا ينتزع قبله، فتحقق العصيان آني، وإن كان محتاجا في بعض الأحيان إلى مضى
زمان حتى تسلب القدرة، فالعصيان بنفسه لا يكون متدرج الوجود حتى يتأتى
فيه الشروع والختم
وثانيا ان الشروع فيه اما محقق للعصيان أولا ولا ثالث لهما والأول هو القسم
الأول، أعني كون العصيان الخارجي شرطا وقد عرفت بطلانه، (والثاني) حكمه حكم القسم
الذي سيوافيك بيانه أعني ما إذا كان الامر الانتزاعي من العصيان الخارجي شرطا و (بالجملة)
التعبير بالتلبس كر على ما فر منه كما تشبث به المستدل في خلال كلامه على ما في تقرير
تلميذه ومقرر بحثه لان التلبس بالعصيان والشروع فيه إن كان عصيانا بالحمل الشايع،
فلازمه سقوط أمر الأهم فيخرج من بحث الترتب وإن كان غير عصيان فالأمران باقيان
في الباعثية والفعلية، مع أن المكلف لا يقدر على جمعها وايجادهما في زمان واحد وسيأتى
زيادة توضيح لذلك في القسم الآتي
الثالث أن يكون الشرط أمرا انتزاعيا من العصيان الخارجي باعتبار ظرفه
فلازمه طلب الجمع لان الامر الانتزاعي بلحاظ ظرفه متحقق قبل وقت امتثال أمر الأهم وقبل عصيانه
فامر المهم صار فعليا باعثا نحو المأمور به وامر الأهم لم يسقط بل هو باق بعد على باعثيته
ما لم يتحقق العصيان، فهذا باعث نحو انقاذ الابن مثلا أول الزوال بعنوان المكلف وذاك
إلى انقاذ الأب كذلك بعنوان، الذي يعصى أو الذي يكون عاصيا فيما بعد، والمكلف الذي
263

يكون عاصيا فيما بعد، مبعوث فعلا نحو ذاك وذلك، وهو غير قادر على ذلك وذاك معا، ومجرد
اختلاف العنوانين وطولية موضوع الامرين لا يدفع طلب الجمع الا ترى ان عنوان المطيع
أيضا مؤخر عن الامر فلو جعل شرطا يكون مقدما على أمر المهم فيصير أمر الأهم مقدما
عليه برتبتين ومع ذلك لا يدفع به طلب جمع الضدين (والحاصل) ان العصيان التصوري
الانتزاعي مع وجوده عند فعلية الأهم، وإن كان لا يوجب خروج الواجب المشروط مما كان
عليه لما عرفت الا ان حصول الشرط يوجب انتزاع الوجوب الفعلي عنه والبعث الفعلي
نحو المأمور به بلا حالة انتظارية و (ح) يكون الشرط الانتزاعي أعني الذي يعصى بمنزلة
سائر العناوين كطلوع الشمس ومجئ الحاج إذا فرضنا انه طلعت الشمس وقدم الحاج
فلا يشك ذو مسكة في أن هذا ايجاب للجمع
وبذلك يتضح ان التقدم الرتبي ليس مناط، لدفع التضاد، بل المناط سقوط أحد الامرين
كما في العصيان الخارجي إذا جعل شرطا مع عدم تأخره عن أمر الأهم رتبة كما مر، ولكن
يدفع معه التضاد لا للتقدم الرتبي بل لعدم اجتماع الامرين الفعليين، لما عرفت من أن
العصيان الخارجي يوجب سقوط أمر الأهم وثبوت أمر المهم، وهذا هو تمام الموضوع
والمناط لرفع التضاد وطلب الجمع وبذلك ينهدم أساس الترتب ويتضح حال سائر العناوين
المساوقة لهذا الامر الانتزاعي فتحصل من جميع ما ذكرناه ان ما يدفع به التضاد وطلب الجمع
خارجا من أساس الترتب رأسا
فان قلت إن المكلف لو جمع بين الأهم والمهم لم يقعا على صفة المطلوبية وهذا
آية عدم الامر بالجمع (قلت) ان الذي يعصى يمتنع عليه الجمع للزوم اجتماع النقيضين
والا فلو فرض جواز الجمع بمعنى ان العاصي مع كونه عاصيا اتى بالأهم، يقع كل منهما على
صفة المطلوبية، لان الذي يعصى مع كونه عاصيا في ظرفه، مطلوب منه الاتيان بالأهم، لعدم
سقوط امره بالضرورة ما لم يتحقق العصيان خارجا والفرض ان شرط المهم حاصل أيضا
فيكون مطلوبا
وبما ذكرناه يظهر الخلل في الوجوه التي استدل بها على أن الخطابين المرتيين
لا يقتضيان ايجاب الجمع من أن خطاب الأهم من علل عدم خطاب المهم فلو اجتمعا لزم اجتماع
الشئ مع علة عدمه ومن أن مطلوبية المهم انما يكون في ظرف عصيان الأهم فلو فرض وقوعه
264

على صفة المطلوبية في ظرف امتثاله يلزم الجمع بين النقيضين انتهى
وكلا الوجهين غير تام (اما الأول) فلانه ان أراد ان امتثال الأهم من علل عدم خطاب
المهم فهو مسلم لكن لا بمعنى العلية والمعلولية الحقيقيتين ولكن لا يجديه أصلا بل قد
عرفت انه هادم أساس الترتب وان أراد ان فعليته من علل عدم خطاب المهم فهو فاسد إذ البحث
في الترتب في أن الصلاة إذا ابتليت بالمزاحم الأهم أعني إزالة النجاسة عن المسجد تكون
مأمورا بها حينما أمر بمزاحمها فلو كانت الصلاة غير مأمور بها أول الزوال بل كانت الإزالة
واجبة فقط خرج المقام من بحث الترتب ولما صح الصلاة في أول الزوال على القول بان
صحة المأتى به موقوفة على الامر ويتوجه إذا مقالة شيخنا البهائي من أن عدم الامر كاف
في البطلان ولا يحتاج إلى النهى، بل الغاية من مفاساة هذه الجهود في المقام تصوير أمرين
فعليين بالأهم والمهم جميعا في آن واحد بنحو الترتب حتى يصح امتثال ما أراد منهما
واما الثاني فلما اوردنا على الأول آنفا فلان ما هو الشرط في وقوع المهم على
صفة المطلوبية إن كان هو العصيان الخارجي الملازم لسقوط أمر الأهم يلزم الخروج
من بحث الترتب وإن كان هو العصيان الانتزاعي باعتبار ظرفه الآتي فلا محالة يجتمع
الأمران ويصير المهم مطلوبا حينما كان الأهم مطلويا بعد، بمعنى انه لو فرضنا على
وجه محال ان العاصي في ظرفه اتى بالأهم أيضا صار المهم مطلوبا في ظرف امتثال الأهم
أيضا وان شئت قلت فرض امتثال الأهم فرض هدم شرط المهم، وفرضه فرض عدم الامر
به وهو هدم أساس الترتب، والتمسك بما يهدم أساسه لبنيان أساسه جمع بين المتنافيين،
والا فلو فرضنا مع حصول شرط المهم يقع على صفة المطلوبية فعدم وقوعه على صفتها
من آيات بطلان الترتب لا من آيات صحته وبما ذكر يظهر حال البرهان المنطقي على
زعمه وبذلك يظهر الجواب عما اورده على مقالة المحقق الخراساني حيث ذكر المحقق
ان في مرتبة الامر بالمهم اجتماع الامرين بداهة فعلية الامر بالأهم في هذه المرتبة وعدم سقوطه
فأجاب عنه بان ايجاب الجمع هو ان يطالب به في حال الاشتغال بالآخر مع أن المكلف لو
اشتغل بالأهم لا يطالب بالمهم ولا يتعلق به أمر، وأنت خبير بما فيه إذ فيه ما يقضى منه
العجب لأن عدم المطالبة في حال الاشتغال بالأهم انما هو أجل عدم حصول ما هو الشرط للمهم
لفقدان العصيان الخارجي وكذلك الانتزاعي لان انتزاع العصيان انما هو لجهة حصوله
265

في ظرفه ووجوده فيه وقد علم خلافه (فان قيل) ان هنا فروعا فقهية لا محيص للفقيه عن
الالتزام بها مع أنها تكون من الخطاب الترتبي (منها) ما لو فرض حرمة الإقامة على المسافر
من أول الفجر إلى الزوال فلو فرض انه عصى هذا الخطاب و أقام فلا اشكال في وجوب
الصوم عليه فيكون في الان الأول الحقيقي من الفجر قد توجه إليه كل من حرمة الإقامة
ووجوب الصوم لكن مترتبا يعنى ان وجوب الصوم يكون مترتبا على عصيان حرمة الإقامة
ففي حال الإقامة يجب عليه الصوم مع حرمة الإقامة بالخطاب الترتبي، (ومنها) لو فرض
وجوب الإقامة على المسافر من أول الزوال فيكون وجوب القصر عليه مترتبا على عصيان
وجوب الإقامة، حيث إنه لو عصى ولم يقصد الإقامة توجه عليه خطاب القصر وكذا لو
فرض حرمة الإقامة فان وجوب التمام مترتب على عصيان حرمة الإقامة، (ومنها) وجوب
الخمس المترتب على عصيان خطاب أداء الدين إذا لم يكن الدين من عام الربح إلى غير ذلك
(قلنا) هذه الفروع استشهد بها بعض الأعاظم على ما في تقريراته الا ان عبائر مقرره
مختلفة فتارة جعل العصيان موضوعا لحكم المهم واخرى اخذ الموضوع نفس الإقامة و
قصدها وعلى أي حال لا يجديه شيئا (اما الأول) فلان العصيان لو كان شرطا بوجوده الخارجي
يوجب سقوط أمر وحدوث أمر آخر بعد سقوطه، في موضوع آخر سواء قلنا إن العصيان
بنفسه يوجب سقوط الامر أم قلنا إنه ملازم لارتفاع الموضوع، وكيف كان فالامر الأول قد
زال وانعدم ثم حدث الاخر وهذا خروج من بحث الترتب
وان شئت قلت إن الخطابات المرتبة على عصيان خطابات اخر تكون فعليتها بعد
تحقق العصيان وبتحقق العصيان خارجا سقطت تلك الخطابات فلا يعقل تعلق خطاب الصوم
المرتب على عصيان الإقامة إلى الزوال، في الجزء الأول الحقيقي من الفجر فان أول الفجر
لم يكن ظرف العصيان ومع عدم تحققه لا يعقل فعلية المشروط به وقس عليه الحال في سائر
الفروع (أضف) إلى ذلك أنه لو كان شرطا بوجوده الخارجي فاما ان نقول إن لحرمة الإقامة
عصيانا واحدا فلا يتحقق العصيان الا بمضي تمام الزمان أو نقول له عصيانات بانحلال اجزائها
فالعصيان الأول لا يتحقق الا بمضي آن من أول الفجر ويحدث بعده الامر بالصوم ومعه كيف
يصح الصوم مع أن الجزء الأول من الفجر فاقد للامر هذا إذا كان الشرط عصيان خطاب
الجزء الأول واما إذا كان عصيان الخطابات جمعيا فالامر أوضح والفساد أفحش
266

(فان قلت) لعل مراده من العصيان المأخوذ شرطا لوجوب الصوم، هو العنوان الانتزاعي كالذي
يعصى أو نحوه فيكون من باب الترتب
(قلت) قد مضى في المقدمة الثالثة التصريح بأنه شرط بوجوده الخارجي وان عدل
عنه في الأثناء إلى التلبس بالعصيان وقد مضى سابقا فساد كون الشرط هو الامر الانتزاعي و
هو لازم هنا أيضا ثم إنه يرد عليه ان الاستدلال بهذه الفروع من جهة ان أدل الدليل على امكان
الشئ وقوعه وانه لا محيص للفقيه عن الالتزام بها، مع أن ما وقع في الشريعة الغراء غير
ذلك لان خطاب الصوم والاتمام والقصر لم يترتب على عصيان حرمة الإقامة أو وجوبها بل
على شهود الشهر أو عزم الإقامة (فح) لو عزم الإقامة قبل الفجر وصار عاصيا بنحو الشرط
المتأخر كيف يعقل ايجاب الخروج وايجاب الصوم عليه معا للزوم طلب الضدين وكذا الامر
بالصلاة تماما والخروج من محل الإقامة لأنه أمر بالضدين
واما الثاني أعني ما إذا كان مترتبا على عزم إقامة أو ذات الإقامة فان شيئا منهما
ليس متأخرا عن تلك الخطابات التحريمية فان المتأخر عن الامر والنهى بعد التسليم، عصيانهما،
دون ذات الإقامة وعزمها لان الإقامة وكذلك العزم بما هي فعل للمكلف لا يعقل أن يكون
حيثية ذاتها منشأ لانتزاع العصيان عنها والا لصح انتزاعها مع عدم الحرمة بل ينتزع
منها لأجل حيثية زائدة على ذاتها باعتبار كونها مصداقا عرضيا لمخالفة المأمور به أو المنهى عنه
(فتلخص) ان ما هو الموضوع وهو ذات الإقامة أو عزمها ليس متأخرا عن الامر والنهى لعدم ملاك
التأخر فيهما وإن كان ينطبق عليه بالعرض ما هو المتأخر أعني العصيان، ولكن ما هو متأخر
عن الامر والنهى ليس بموضوع، على انك قد عرفت انه لو كان الموضوع هو الإقامة لا يعقل
بقاء النهى عن الإقامة ووجوب الصوم كما مر (هذا كله) مع الغض عن أن الإقامة بعنوانها لم
تصر واجبة ولا محرمة في حال، بعد عدم ورود نهى عنها أو أمر بها ولا بعناوين اخر كالنذر
والعهد والقسم وغيرها فلا تصير محرمة ولا واجبة كما مر نظاير ذلك من أن الواجب
فيها هو عنوان الوفاء بها لا عناوين اخر كالإقامة وغيرها مما تعلقت بها
تلك العناوين وبذلك يظهر النظر في وجوب الخمس المترتب على عصيان أداء الدين
إذ لم يترتب عليه ذلك في آية ولا رواية بل لا معنى للاستشهاد به على مسألة الترتب لان وجوب
الخمس دائر مدار موضوعه أعني الغنيمة أو الفائدة الزائدة عن مؤنة السنة فلو أدى دينه فقد ارتفع
267

الموضوع فلا يتعلق به الخمس فايفاء الدين رافع لموضوع الخمس لا ان خطابه مترتب على عصيانه
ثم إن هنا تقريبا آخر ذكره بعض أجلة المحشين من المحققين (رحمه الله) وهو ان اقتضاء
كل أمر لاطاعة نفسه، في مرتبة متقدمة على طاعته، والاطاعة مرتبة اثره وكل علة منعزلة
عن التأثير في مرتبة اثره وانما اقتضائه في مرتبة ذاته، ولما كان العصيان نقيض الطاعة فيجب
أن يكون في رتبتها فيلزم تأخره عن الامر، فإذا أنيط أمر بعصيان أمر آخر لا يعقل المزاحمة
بينهما، إذ في رتبه تأثير أمر الأهم لا وجود لأمر المهم وفي رتبة الامر بالمهم لا يكون اقتضاء
للامر بالأهم فلا يقتضى مثل هذين الامرين القاء للمكلف فيما لا يطاق انتهى و (فيه) انه
ان أراد من قوله لا وجود للمهم عند الامر بالأهم ان بينهما اختلافا في الرتبة،
فقد عرفت ان الاختلاف في الرتبة، بعد فعلية الامرين في آن واحد لا يجدى
في رفع طلب الجمع والامر بالضدين، وان أراد انه لا وجود له عند عصيان الأهم
واطاعته وهو إن كان يرفع غائلة الجمع الا انه يهدم أساس الترتب إذ العناية كلها في
المقام إلى تصوير أمر المهم قبل سقوط أمر الأهم بالعصيان الخارجي، (وبالجملة) ما هو مجد في
رفع التضاد أعني الإناطة بالعصيان لا ينفع في المقام لسقوط فعلية الامر بالأهم لأجله و
عدم فعلية الامر بالمهم الا بعد سقوط أمر الأهم بالعصيان، والترتب العقلي غير مجد
في رفع التضاد، (أضف) إلى ذلك ان عصيان الامر لا يتأخر عقلا عن الامر تأخرا رتبيا وإن كان
يتأخر زمانا على تسامح فتذكر
وهناك تقريب ثان لبعض محققي العصر (رحمه الله) وملخصه انه لا اشكال في
حكم العقل بالتخبير في صورة تساوى الفعلين في المصلحة، وليس مرجع التخيير إلى
اشتراط وجوب كل واحد بعصيان الاخر إذ لازمه تأخر كل واحد من الامرين عن الاخر، ولا
إلى اشتراط كل أمر بعدم وجود غيره إذ لازمه ان لا يقتضى كل أمر ايجاد مقتضاه حال وجود
الاخر، بل مرجعه ان الطلب في ظرف المزاحمة يقتضى سد جميع أبواب العدم الا العدم
الطارئ من اتيان ضده (فح) لنا ان نقول إذا صح الطلب بالنحو المزبور إذ لم يكن بينهما
مطاردة لنقص فيهما، كذلك لم يكن بينهما مطاردة لو فرض نقص الطلب من طرف واحد
ولو لم يشترط الناقص بعصيان التام، (وبالجملة) فالامر بالأهم يقتضى سد باب الاعدام من
جميع الجهات والامر بالمهم يقتضى سدها الا من قبل اتيان ضده وله فكيف يقتضى الطلب
268

التام طرد هذا المقتضى إذ نتيجة طرده، منع انسداد تلك الجهة، وفي هذا الظرف لا اقتضاه
للطلب الناقص فأين المطاردة من طرف واحد فضلا عن الطرفين انتهى (قلت) يرد عليه
ما أوردناه على التقريب الذي أوضحه بعض أعاظم العصر لأنه عينه سيما إذا لاحظت المقدمة
الرابعة من انحفاظ كل خطاب بالنسبة إلى ما يتصور له من التقادير، ولكنه يفترق عنه بأنه اجمال
مخل كما أن الأول تفصيل ممل وكيف كان نقول إنه قبل تحقق إطاعة الطلب التام و
عصيانه لا شبهة في أن له اقتضاءا وبعثا نحو متعلقه فهل الطلب الناقص أيضا اخذ على نحو
يبعث نحو متعلقه بالفعل أولا، فعلى الأول يلزم طلب الجمع بين الضدين وقد أسلفنا في
تزييف الوجه الأول ان اخذ العصيان الانتزاعي وإن كان يوجب مشروطية أمر المهم الا انه
لا يخرجه من البعث القطعي نحو متعلقه بعد حصول شرطه لا ان المشروط ينقلب مطلقا بل إنه
مع كونه مشروطا، باعث بتا نحو متعلقه بلا حالة انتظارية ويصير حال العصيان كسائر
العناوين من طلوع الشمس وغروبها، وعلى الثاني يخرج من محط البحث ويكون باعثية
المهم بعد سقوط أمر الأهم، ولا باعثية له قبل تحقق إطاعة الأهم وعصيانه والحمد لله
في جواز أمر الامر مع العلم بانتفاء شرطه
تلك المسألة من المسائل الكلامية، ولمجوزي ذلك أدلة واهية ومحط البحث
في بادي النظر يحتمل وجوها (الأول) أن يكون المراد من الجواز هو الامكان الذاتي، ولكن
عنوان لتبحث بادخال علم الامر ينافيه لان علم الامر لا دخالة له في الامكان الذاتي وامتناعه
(الثاني) ما احتمله صاحب الفصول وتبعه في الكفاية وهو أن يكون النزاع في جواز الامر
مع فقدان شرائط الامر التي تعد من مباديه من الشوق والتصديق وغير هما ولكنه بعيد
غايته، لان ذلك مساوق للقول بوجود المعلول بلا علة وهو باطل بضرورة الفطرة، والأشعري
مهما اسف إلى حضيض الجهل لا يتفوه بما يوجب انكار الضرورة وينجر إلى نفى الصانع
(الثالث) ما جعله محقق الخراساني وجه التصالح بين الفريقين مع أن أدلتهما تنافى ذلك
التصالح وإن كان بعضها يناسبه وهو أن يكون النزاع في أن الامر بشئ انشاءا مع العلم بانتفاء
ما هو شرط فعليته (الرابع) ان النزاع في أمر يعلم آمره انتفاء ما هو شرط المكلف به ويناسبه
ما استدل عليه من الأوامر الامتحانية لا سيما تطبيق قضية خليل الرحمن لأنه قد أمر بشئ مع
انتفاء ما هو كشرط المأمور به وهو عدم النسخ ولا يبعد أن يكون هذا البحث من تتمة بحث
269

الطلب والإرادة لان الامامية بل العدلية لما ابطلوا الكلام النفسي وجعلوا الإرادة مبدءا
للطلب أي طلب كان، ذهبوا إلى امتناع توجه الإرادة إلى ما لا يمكن تحققه اما لفقدان
شرط المأمور به أو لعدم قدرة المكلف، والأشاعرة لما جعلوا الطلب غير الإرادة ولم يجعلوها
من مباديه جوزوا ذلك وقالوا قد يطلب المولى شيئا ولا يريده وقد ينهى عنه ويريده، وكيف
كان فتحقيق الحال يقتضى الكلام في مقامين
الأول في الأوامر الشخصية كامره تعالى للخليل مثلا والتحقيق امتناع
توجه البعث لغرض الانبعاث إلى من يعلم الامر فقدان شرط التكليف بالنسبة إليه بل لا
يمكن ذلك بالنسبة إلى من يعلم أنه لا ينبعث ولو عصيانا، بل ولا إلى من يعلم أنه يأتي
بمتعلق الطلب جزما من دون انه يوجه إليه الطلب ولا يكون الطلب مؤثرا فيه بوجه ضرورة
ان البعث لغرض الانبعاث، انما يمكن فيما يحتمل أو يعلم تأثيره فيه، ومع العلم بعدم التأثير
لا يمكن البعث لغرض الانبعاث وقس عليه الزجر ولذلك رآى المحققون رجوع التكليف
بالمحال، إلى التكليف المحال ولم يفرقوا بينهما لبا ومناطا، إذ جهة الامتناع في الأول، وهو
امتناع انقداح الإرادة والبعث إلى من يعلم الامر عدم قدرته للمأمور به، مشتركة بينهما
بل لا تتحقق مبادئ الإرادة والحال هذه في كلا الموردين من غير فرق بين امتناع الانبعاث
ذاتا أو وقوعا أو امكانه مع العلم بعدم وقوعه وأظن أن المقام لا يحتاج إلى زيادة توضيح
لوضوحه في نفسه
واما الثاني ففي الخطابات الكلية والاحكام القانونية، أو الإرادة التشريعية
القانونية، فقد عرفت كمال الفرق بين الخطابين والإرادتين وذكرنا بعض الفروع المترتبة
على الفرق بين المقامين في بحث الترتب
ولب القول فيه ان الخطاب القانوني خطاب واحد لا ينحل إلى خطابات وهو بوحدته
حجة على العباد أجمعين، ويدعوا بوحدته عامة المكلفين وكون التكليف مشتركا بين
العالم والجاهل ليس معناه ان لكل فرد خطابا خاصا وانما أريد به ان جعل الحكم على عنوان
المستطيع ونحوه بإرادة واحدة وهى إرادة التقنين والتشريع، يصير حجة على عامة المستطيعين
أينما كانا ومتى وجدوا وقد مر ان إرادة التقنين لا يتعلق بصدور الفعل من المكلفين بل
يتعلق بجعل الحكم وتشريعه، لامتناع ان تتعلق الإرادة بفعل الغير و (ح) فالملاك في صحة
270

هذا التشريع هو امكان انبعاث عدة من الخاطبين أو المكلفين المختلطين في الاعصار
والامصار لا احتمال انبعاث كل واحد منهم وهذا واضح لمن استوضح المقام من القوانين العرفية
وان شئت قلت وان مر تفصيله أيضا ان غاية الإرادة التشريعية ومصححها ليست
انبعاث كل واحد واحد، من المكلفين بل الغاية التي تعد مبدءا وسببا لها هي وان هذا التشريع
بما انه تشريع قانوني، ان لا يصير بلا اثر فإذا احتمل أو علم تأثيره في اشخاص مختلطة
في الاجتماع في الاعصار والامصار، فلا محالة تتحقق الإرادة التشريعية على نعت التقنين
ولا يلزم فيها احتمال التأثير في كل واحد كما مر لان التشريع القانوني ليس تشريعات
مستقلة بالنسبة إلى كل مكلف حتى يكون بالنسبة إلى كل واحد بعثا لغرض الانبعاث بل
تشريع واحد متوجه إلى عنوان منطبق على المكلفين وغرض هذا التشريع القانوني لا بد وان
يلحظ بالنسبة إلى ذلك العنوان لا إلى كل واحد مستقلا
وبما ذكرنا من الملاك في الاحكام يظهر وجه ما عليه الامامية من كون الكفار
مكلفين بالفروع كما هم مكلفون بالأصول ضرورة ان فعلية الخطاب وكونه حجة على الجميع
لا يتوقف على انبعاث كل واحد كما ظهر وجه كون العصاة بل والذي يأتي بالمتعلق أو يتركه
بلا تأثير من تكليف المولى فيه، مكلفين بلا استثناء لان الخطاب ليس متوجها إلى خصوص
العصاة وغيرهم، نعم كل ذلك صحيح في الأوامر الشخصية المتوجهة إلى اشخاص معينة، لان
مناط الامتناع في البعث الشخصي في العاجز والقادر العاصي واحد، وهو انتفاء مبادئ الإرادة
في العاجز والعاصي
فتلخص انه لابد من القول بالتفصيل في عنوان البحث وهو جواز أمر الامر مع العلم
بانتفاء شرطه، فيقال انه إن كان الامر شخصيا متوجها إلى شخص معين فالحق هو القول
بالامتناع إذا الملاك هو احتمال انبعاثه وهو لا يجتمع مع العلم بانتفاء شرطه أي شرط كان من
شرط الجعل أو المجعول بل مع انتفاء الاحتمال من جهة القصور أو التقصير من المكلف
(واما الأوامر) الكلية القانونية المتوجهة إلى عامة المكلفين فلا يجوز مع العلم بفقد عامتهم
للشرط، واما مع كون الفاقد والواجد مختلطين موجودين في كل عصر ومصر كما هو الحال
خارجا، فالتكليف عام شامل للقادر والعاجز وفعلي في حق العاصي والمطيع والنائم والساهي
(نعم) للعقل الحكومة المطلقة في تشخيص المستحق للعقاب من غير المستحق فيجعل
271

العاجز ومن أشبهه في عداد المعذورين في مخالفة الحكم الفعلي، (وعليه) لا يلزم تقييد
التكليف بعنوان الواجد مثلا، والا يلزم تقييده بعنوان غير العاصي وغير الجاهل والنائم
وهكذا وهو كما ترى، وان شئت ذكرت ما مر من أنه لا يكون الخطاب العام خطابات مستقلة
حتى نتطلب لكل واحد غاية مستقلة، بل خطاب واحد وحجة فاردة على الجميع بوحدته
وله غاية واحدة وهو امكان انبعاثهم في الجملة فتدبر
فصل في متعلق الأوامر والنواهي
هل الأوامر والنواهي تتعلق بالافراد أو الطبايع لا يخفى ان كلماتهم في تحرير محل
النزاع مختلفة جدا فيظهر من بعضها ان النزاع في تعلقها بالفرد الخارجي الذي هو منشأ
انتزاع الصور الذهنية أو بالطبايع بما هي هي مع قطع النظر عن الوجودين، ويرده ان
الضرورة تقضى بامتناع كون الفرد الخارجي معروضا للوجوب لأنه ظرف السقوط بوجه
لا العروض، فبعيد جدا ان يقع النزاع في شئ أحد شقيه باطل بالضرورة، كما يظهر من
بعض آخر ان المسألة لغوية والنزاع في مفاد مادة الامر والنهى وانها وضعت للعناوين
الكلية أو لافرادها، وتشبث في ذلك بالتبادر، و (فيه) ان ذلك إعادة بلا عائدة إذ البحث عنه قد
تقدم مستوفى، في فصل المشتق، على أنه نقل عن السكاكي الاجماع على أن المصادر الخالية
عن اللام والتنوين موضوعة للطبيعة اللابشرط والعجب من بعضهم حيث أبدى قولا ثالثا
فقال إن النزاع مبنى على النزاع المعروف في الفلسفة بان الأصيل هو الوجود أو الماهية،
أو على نزاع آخر وهو ان الطبيعي هل له وجود في الخارج أولا، فالمسألة عقلية محضة أو
مبتنية عليها، و (فيه) ان البحث في المقام انما هو في الأوامر المتوجهة إلى العرف المستبعدين
عن المعارف والتحقيقات العلمية فابتناء البحث العرفي على المسائل الدقيقة بمراحل عن الواقع
وهناك رأى رابع وهو ان البحث في سراية الإرادة إلى الخصوصيات اللاحقة بالطبيعة
في الخارج وعدمها، معللا بان الطبيعة في الخارج تلحقه قيود وتتعين بحدود لا مناص لها
عنها فالبحث انما هو في أن الواجب هل هو نفس الطبيعة، أو هي مع كليات القيود من الزمان
والمكان، و (فيه) ان هناك ليس ميزانا يعين ذلك إذ لو كان الغرض قائما بنفس الطبيعة فلا وجه
لتعلق الامر بقيودها وإن كان قائما بإضافتها إلى الحدود الفردية فلا محالة تسرى الإرادة
إليها ويتعلق الامر بها
272

ثم إن محط البحث ليس في تعلقها بالكلي الطبيعي أو افراده بما هو المصطلح في المنطق
فان المهيات الاعتبارية كالصلاة والحج ليست من الكليات الطبيعة ولا مصاديقها مصاديق
الكلى الطبيعي، فان المهيات المخترعة وكذا افرادها ليست موجودة في الخارج لان
المركب الاختراعي كالصلاة والحج لم يكن تحت مقولة واحدة ولا يكون لمجموع الأمور
وجود حقيقي، حتى يكون مصداقا لكلي طبيعي، بل المراد من الطبيعي هنا هو العنوان
الكلى، سواء كان من الطبايع الأصلية أم لا ولا يختص البحث بصيغة الامر والنهى بل يعم
متعلق مطلق الطلب والزجر بأي دال ولو بالإشارة أو بالجملة الاخبارية في مقام الانشاء
والذي يصلح لأن يقع محط البحث ويظهره النظر في كثير من مقالاتهم هو ان الامر إذا تعلق
بماهية بالمعنى المتقدم هل يسرى إلى الافراد والمصاديق المتصورة بنحو الاجمال منها بحيث
تكون الطبيعة وسيلة إلى تعلقه بالمصاديق الملحوظة بنحو الاجمال لا بقيد كون
الافراد ملحوظة ومتصورة بل نفس ذات الافراد كما في الوضع العام والموضوع له الخاص
فيكون معنى صل، أوجد فرد الصلاة ومصداقها، لا بمعنى ان الواجب هو الفرد الخارجي
أو الذهني بما هو كذلك بل ذات الفرد المتصور اجمالا فان الافراد قابلة للتصور اجمالا
قبل وجودها كما أن الطبيعة قابلة للتصور كذلك
إذا عرفت ذلك فنقول الحق ان متعلق الحكم بعثا كان أو زجرا هو نفس
الكلى والعنوان بما هو هو مع قطع النظر عن الوجودين والنشأتين لا مقيدا بالوجود الذهني
كما هو واضح ولا بلحاظ اتحاده مع المعنون في الخارج كما جنح إليه بعض محققي العصر (ره)
إذ لحاظ الاتحاد مرتبة حصول وجود المأمور به وحصول الغرض، فلا معنى للحاظه عند
البعث، بل المأمور به هو نفس الكلى وذات العنوان الذي إذا وجد في الخارج يصير
منشأ للآثار، والوجه في ذلك ان البعث الحقيقي لا يمكن ان يتعلق بما هو أوسع أو أضيق
مما هو دخيل في الغرض للزوم تعلق الإرادة والشوق بغير المقصود، أو به مع الزيادة جزافا،
فإذا لم يكن للخصوصيات الفردية دخالة في غرض الامر فلا يعقل البعث نحوها، ولو إلى
العنوان الكلى من الخصوصيات لان البعث تابع للإرادة التشريعية التابعة للمصالح، وتعلقها
بما لا دخل له في تحصيلها ممتنع كتعلقها ابتداء بأمر بلا غاية، وتوهم تعلقها بها تبعا لما هو
من ملازمات المراد باطل لأنه مع خروجه من محط البحث لان الكلام ليس في استلزام إرادة
273

لإرادة أخرى كباب المقدمة بل في متعلق الأمر، قد فرغنا من بطلانه
(فان قلت) ان الطبيعة بما هي هي غير محبوبة ولا مبغوضة ولا متعلقة للامر والنهى
إذ ليست الا هي من حيث إنها هي كما هو المراد من التعبير المعروف بتأخير قيد الحيثية
عن السلب فكيف يتعلق به الطلب ويعرض عليها الوجوب، ان هذا الا شئ عجاب
(قلت) معنى الكلمة الدارجة بين الأكابر هوان الوجود والعدم والحب والبغض
وغيرها ليس عين الطبيعي ولا جزئه بل هو في حد الذات خال عن هاتيك القيود عامة وهذا
لا ينافي ان يعرض عليها الوجود والعدم ويتعلق به الامر والنهى وان شئت قلت إن سلب
هذه المفاهيم عنها سلب بالحمل الأولى فان مرتبة الماهية مرتبة حد الشئ ولا يعقل في
هذه المرتبة ان يوجد فيها الوجود والعدم والا يصير الوجود أو العدم جزء المفهوم أو
عينه، ويكون واجب الوجود أو ممتنعه بالذات، إذ البحث عن ذاتيات الشئ وما به الشئ
هو هو، ولا يعقل أن يكون الوجود جزء ماهية الممكن أو عينه والالزم الانقلاب، (نعم) يعرضها
الوجود والعدم وينطبق كل واحد عليها انطباقا بالحمل الشايع العرضي وقس
عليهما امكان تعلق الامر والنهى ولا يلزم من تعلقها عليها أن تكون هي منشأ للآثار ومحبوبة
ومبغوضة، بل المولى لما رأى أن الطبيعة في الوجود الخارجي منشأ للأثر المطلوب
(فلامح) يبعث العبد إليها حتى ينبعث ويوجدها خارجا بالامر، فالامر متعلق بالطبيعة لغرض انبعاث
العبد وصيرورتها من الليس إلى الايس فتعلق الامر بالطبيعة طريق إلى حصول المطلوب
والمحبوب وسيأتى توضيحه
فتحصل مما مر ان الطبيعة اية طبيعة كانت لا يعقل أن تكون مرآتا بشئ من الخصوصيات
الفردية اللاحقة لها في الخارج، وقد تقدم ان مجرد اتحادها معها لا يوجب الكشف والدلالة
فلا تكون نفس تصور المهية كافية في تصور الخصوصيات، فلابد للامر ان يتصورها مستقلا بعنوانها
أو بعنوان غير عنوان الطبيعي ولو بالانتقال من الطبيعي إليها ثم يتقدح إرادة أخرى متعلقة بها
مستقلا غير الإرادة المتعلقة بنفس الطبيعة أو يتسع الإرادة الأولى من جهة المتعلق وتتعلق
بوحدتها على الطبيعة مع الخصوصيات الفردية، ولكن الإرادة الثانية أو توسع الإرادة الأولى
جزاف محض لان الغرض قائم بنفس العنوان لا مع قيوده فتدبر
وبتقريب آخر ان تصور الافراد غير تصور الطبيعة لان القوة التي تدرك الافراد غير
274

القوة التي تدرك الطبيعي، لان تصور الخاص الجزئي من شؤون القوى النازلة للنفس وتعقل الطبيعة
من شؤون القوى العاقلة بعد تجريد الخصوصيات فربما يتصور الافراد مع الغفلة عن نفس الطبيعة
وبالعكس، فالامر إذا أراد ان يوجه الامر إلى الطبيعة فلابد من لحاظها في نفسها، وإذا أراد الامر
بالافراد لابد من لحاظها اما بعنوان عام اجمالي وهو مباين لعنوان الطبيعة في العقل، واما بلحاظ الافراد
تفصيلا لو أمكن احضار الافراد الكثيرة تفصيلا في الذهن ولكن لحاظها تفصيلا غير لحاظ
الطبيعة أيضا، و (ح) لو فرض ان ذات الطبيعة يترتب عليها الأثر في الوجود الخارجي
فلابد للامر من تصورها وتصور البعث إليها وارادته، ففي هذا اللحاظ لا يكون الافراد
ملحوظة لا اجمالا ولا تفصيلا، ولا ملازمة بين اللحاظين وصرف اتحاد الخصوصيات الخارجية
مع الطبيعة خارجا لا يوجب الملازمة العقلية فلابد في تعلق الامر بها من لحاظ مستأنف
وإرادة مستأنفة ولكن مع ذلك يكون كل من البعث والإرادة جزافيا بلا غاية فتدبر
تنبيه
لاشك في أن الغرض من البعث إلى الطبيعة هو ايجادها وجعلها من الأعيان الخارجية
ضرورة ان الطبيعة لا تسمن ولا تغنى بل لا تكون طبيعة حقيقة ما لم تتلبس بالوجود و
ولكن الكلام انما هو في أن هيئة البعث هل وضعت لطلب الايجاد والوجود، أو انها
وضعت لنفس البعث إلى الطبيعة الا ان البعث إليها لما كان مما لا محصل له قدر فيه الوجود
أو الايجاد، أو ان البعث إليها يلزمه عرفا تحصيلها وايجادها من دون تشبث بادخال الوجود
فيه بنحو الوضع له أو تقديره في المستعمل فيه، وجوه، أقواها الأخير، والسر فيه هو ان العرف
لما أدرك ان الطبيعة لا يمكن نيلها وتحصيلها بنفسها عارية عن لباس الوجود، يتوجه من
ذلك إلى أن البعث إليها بعث إلى ايجادها حقيقة (وان شئت قلت) ان الطبيعة لا تكون طبيعة
حقيقة بالحمل الشايع الا بايجادها خارجا لان الطبيعة بما هي هي ليست بشئ، وفي الوجود
الذهني ليست نفس الطبيعي بما هي هي، و (ح) ينتقل بارتكازه إلى أن إطاعة التحريك والبعث
نحوها لا تحصل الا بايجادها خارجا (هذا كله) ثبوتا، واما في مقام الاثبات فلما قدمنا من
تعيين مفاد الامر هيئة ومادة، وان الثانية موضوعة لنفس الطبيعة والأولى موضوعة للبعث
إليها بحكم التبادر ويشهد بذلك انه لا يفهم من مثل أوجد الصلاة ايجاد وجود الصلاة
بل يفهم منه البعث إلى الايجاد فتدبر
275

بحث وتفصيل
هل يتعلق الامر بنفس المهية أو بما هي ملحوظة مرأة للخارج باللحاظ التصوري
وإن كان اللاحظ يقطع بخلافه بالنظر التصديقي، قد يقال إن محط البحث في تعلق الامر
بالطبيعة هي الطبيعة على النحو الثاني، واما نفس الطبيعة فلا يعقل تعلق الامر بها لأنها من
حيث هي ليست الا هي لا تكون مطلوبة ولا مأمورا بها فلابد ان تؤخذ الطبيعة بما هي
مرآة للخارج باللحاظ التصوري حتى يمكن تعلق الامر بها (انتهى) ولكن هذا ناش من
الغفلة عن معنى قولهم المهية من حيث هي ليست الا هي، ولهذا زعم أن المهية لا يمكن
ان يتعلق بها أمر
وتوضيح ذلك ان المهية مرتبة ذات الشئ والأشياء كلها عدا ذات الشئ منتفية
عن مرتبة ذاته، ولا يكون شئ منها عينا لها ولا جزء مقوما منها وإن كان كل ما ذكر يلحق بها و
لكنه خارج من ذاتها وذاتياتها وهذا لا ينافي لحقوق شئ بها فالماهية وإن كانت من حيث
هي ليست الا هي أي في مرتبة ذاتها لا تكون الا نفس ذاتها، لكن تلحقها الوحدة والكثرة
والوجود وغيرها من خارج ذاتها وكل ما يلحقها ليس عين ذاتها ولا ذاتيا لها بالمعنى المصطلح
في باب ايساغوجى فالامر انما يتعلق بنفس الطبيعة من غير لحاظها متحدة مع الخارج، بل
لما رأى المولى ان المهية في الخارج منشأ الآثار، من غير توجه نوعا إلى كون الآثار
لوجودها أو لنفسها في الخارج فلا محالة يبعث المأمور إلى ايجادها وجعلها خارجية والمولى
يرى أنها معدومة ويريد بالامر اخراجها من العدم إلى الوجود بوسيلة المكلف، فلحاظ
الاتحاد التصوري مع القطع بالخلاف تصديقا، مع كونه لا محصل له في نفسه لا يفيد شيئا،
ومع الغفلة عن القطع بالخلاف مناف لتعلق الامر وتحريك المأمور نحو الايجاد، لان لحاظ
الاتحاد التصوري، ظرف حصول المأمور به عند المولى فلا معنى ان يتعلق الامر في هذا
اللحاظ - بل التحقيق المساعد للوجدان ان الامر متعلق بنفس الطبيعة حين توجه الامر
إلى معدوميتها والمولى يريد بالامر سد باب اعدامها، واخراجها إلى الوجود بتوسط المكلف
على أن ما قدمناه مرارا من امتناع مرآتية المهية للافراد كاف في دفعه فتدبر
نقد وتحصيل
إذا أمعنت النظر فيما ذكرنا تعرف ان تخيير المكلف في ايجاد الطبيعة في ضمن
276

أي فرد شاء تخيير عقلي لا شرعي كيف وقد عرفت ان انفهام الايجاد من الامر ليس لدلالة
اللفظ عليه بل لانتقال العرف بعقله وفكره إلى أن الطبيعة لا تحقق الا بالوجود من دون
تنصيص من المولى عليه ومعه كيف يكون التخيير بين الايجادات شرعيا و (بالجملة) ان
ما تعلق به الطلب هو نفس الطبيعة ولكن العقل يدرك ان تفويض الطبيعة إليه لا يمكن الا
بالتمسك بذيل الوجود ويرى ان كل فرد منها واف بغرضه فلا محالة يحكم بالتخيير بين
الافراد، و اما المولى فليس الصادر منه سوى البعث إلى الطبيعة تعيينا لا تخييرا
(نعم) يظهر عن بعض محققي العصر (رحمه الله) كون التخيير شرعيا بين الحصص
وحاصل ما افاده بطوله هو انه إذا تعلق الامر بعنوان على نحو صرف الوجود فهل يسرى
إلى افراده تبادلا فتكون الافراد بخصوصياتها تحت الطلب أولا، وعلى الثاني فهل يسرى
إلى الحصص المقارنة للافراد كما في الطبيعة السارية أولا، بل الطلب يقف على نفس الطبيعة
قال توضيح المراد يحتاج إلى مقدمة - وهى ان الطبيعي يتحصص حسب افراده وكل فرد
منه مشتمل على حصة منه مغايرة للحصة الأخرى باعتبار محدوديتها بالمشخصات الفردية،
ولا ينافي ذلك اتحاد تلك الحصص بحسب الذات وهذا معنى قولهم إن نسبة الطبيعي إلى
افراده نسبة الاباء إلى الأولاد وان مع كل فرد حصة من الطبيعي غير الاخر ويكون الاباء
مع اختلافها بحسب المرتبة متحدة ذاتا، ثم قال - التحقيق يقتضى وقوف الطلب على نفس
الطبيعة - وأقام عليه دليلين - ثم قال إن عدم سراية الطلب إلى الحصص انما هو بالقياس إلى
الحيثية التي بها تمتاز الحصص الفردية بعضها عن البعض الاخر المشترك معه في الحقيقة
النوعية واما بالنسبة إلى الحصص الأخرى التي بها تشترك تلك الحصص وتمتاز بها عن
افراد النوع الآخر المشاركة لها في الجنس القريب وهى الحيثية التي بها قوام نوعيتها فلا
بأس بدعوى السراية إليها بل لعله لا محيص عنها من جهة ان الحصص بالقياس إلى تلك
الحيثية واشتمالها على مقومها العالي ليست الا عين الطبيعي ونتيجة ذلك كون التخيير
بين الحصص شرعيا لا عقليا (ان قلت) ان الطلب تعلق بالعناوين والصور الذهنية لا المعنونات
الخارجية فيستحيل سرايته إلى الحصص الفردية حيث إنها تباين الطبيعي ذهنا وإن كان
كل من الحصص والطبيعي ملحوظا بنحو المرآتية (قلت) ان المدعى هو تعلق الطلب بالطبيعي
بما هو مرآة للخارج ولا ريب في أن وجود الطبيعي في الخارج لا يمتاز عن وجود الحصص
277

بل هو الجهة المشتركة الجامعة بين الحصص، والمرئي بالطبيعي المرآة للخارج ليس
الا تلك الجهة الجامعة بين الحصص وهذا مرادنا من سراية الطلب من الطبيعي إلى حصصه
بل التعبير بها مسامحي إذ بالنظر الدقى يكون الطلب المتعلق بالطبيعي المرآة لغيره
متوجها إلى الجهة الجامعة بين الحصص فمتعلق الطلب في الحقيقة هي تلك الجهة الجامعة
بعينها انتهى
أقول الظاهر أنه أشار في تحقيق الكلى الطبيعي إلى ما اشتهر بين تلمذته
قدس سره نقلا عنه من أن الحصص بالنسبة إلى الافراد كالاباء والأولاد والطبيعي هو أب
الاباء وهو الجهة المشتركة بين الحصص ويكون الطبيعي مرآة لهذه الجهة المشتركة
الخارجية، وزعم أن المراد من قول بعض أهل المعقول ان الطبيعي بالنسبة إلى الافراد كالاباء
بالنسبة إلى الأولاد، هو الحصص وان هنا آباء هي الحصص، وأب الاباء وهو القدر المشترك
بينها الذي يكون الطبيعي مرآة له، غفلة عن أن ما ذكروا من أن نسبة الطبيعي إلى الافراد
نسبة الاباء إلى الأبناء، انما هو لأجل الفرار عن الأب الواحد الذي التزم به الرجل الهمداني
الذي صادفه الشيخ في مدينة همدان وهذا المحقق جمع بين الالتزام بمقالة الرجل
الهمداني وبين ما هو المشهور في رده غفلة عن حقيقة الحال، ولما كان ذلك منشأ للخلط
والاشتباه في مواضع كثيرة فلا بأس بالإشارة إلى ما هو المحقق في محله فنقول ان الطبيعي
من الشئ هو حد الشئ وذاتيه ومقومه، بحيث يوضح بوضعه ويرتفع برفعه، وهو حد
الشئ بما هو حده، لا معدوم ولا موجود ولا واحد ولا كثير، بل هو في مرتبة فوق هذه
الأوصاف والعوارض (نعم) قد يقع في مرتبة دونها، مجاليا لهذه الأوصاف فيصير موجودا
وكثيرا، لكن كل ذلك في مرتبة متأخرة عن رتبة الطبيعي وذاته
(وبعبارة أخرى،) ان مأخذ الطبيعي والماهية المؤلفة من الجنس والفصل، هو
الموجودات الخارجية بما انها واقعة في صراط التكامل ومدارج الكمال، والموجود إذا
وقع في بعض المدارج، يدرك منه مفهوم عاما كالجسم، يندرج تحته عدة من الأشياء المشتركة
مع هذا الموجود في هذا المفهوم، ثم يدرك منه مفهوم آخر يميز ذلك الموجود عن بقية
الأشياء، وهذان المفهومان بما هما امران مفصلان، حد تفصيلي لذلك الموجود، ويعبر عنه
بالجنس والفصل، والمفهوم البسيط الاجمالي المنتزع من هذين يسمى نوعا، (ثم) إذا
278

أدركه الكمال الاخر ودخل في مرتبة أخرى وصار جسما ناميا يدرك له جنس وفصل آخر فكلما
زاد الشئ في تكامله ومدارجه، ينتزع في كل مرتبة، مفهوم من ذاته مغاير مع ما كان ينتزع
قبل الوصول إليها
ثم إذا فرضنا موجودا آخر مثل ذلك بحيث دخل في المدارج التي دخل فيها الموجود
السابق، ينتزع منه في كل مرتبة مثل ما ينتزع من الاخر وهكذا في الثالث والرابع، (فح)
فالمراد من الطبيعي هو المفاهيم المنتزعة عن الشئ باعتبار درجاته ومراتبه و (عليه) يتعدد
الطبيعي بتعدد افراده إذ ينال العقل من كل فرد مفهوما مغايرا مع ما يناله من الاخر ولكن تغايرا
بالعدد (فان قلت) يلزم على هذا أن يكون الطبيعي نفس الصور المنتزعة القائمة بالذهن
ومع التقيد بالوجود الذهني كيف يكون حد الشئ الموجود في الخارج (قلت) التعبير
بالانتزاع وما أشبهه لأجل تقريب المطلب، والا فهو بما انه أمر منتزع، موجود في وعاء الذهن من
مراتب للوجود، ولا يعقل أن يكون حدا للموجود بل المهية هي الشئ الذي يراه الانسان
تارة موجودا في الذهن واخرى موجودا في الخارج وثالثة غير موجود فيهما، ولكن العلم
لا يتعلق بالمهية المجردة الا بلحاظها في الذهن وتجريدها عن سائر الخصوصيات ومع
ذلك لا تكون مهية مجردة بل مختلطة بالوجود الذهني
وبذلك يظهر ان المهية المحضة بلا شئ معه، لا ينالها الانسان، إذ الطريق إليه انما
هو التصور والإدراك الذهني، وكلما تصورته فهو ينصبغ بالوجود وكلما جردته فقد
أحليته، واما جعلها حد الشئ فإنما هو لأجل الغفلة عن الوجود الذهني وتحصله فيه (فح)
إذا كان معنى الطبيعي هو المفهوم الذي ينتزعه الذهن من الشئ بحسب مواقفه أو ما يراه
النفس موجودا في الخارج تارة وفي الذهن أخرى، فلا محالة لو فرض حصول مصداق
(كزيد مثلا) لهذا الطبيعي في الخارج فقد وجد الطبيعي فيه بتمام شؤونه ولو فرض حصول
مصداق ثان كخالد فقد وجد فيه الطبيعي بتمام اجزائه أيضا وهكذا لو فرض ثالث، فههنا
افراد وانسانات بحسب عدد الافراد ويتكثر بتكثرها، فزيد انسان تام وخالد انسان تام
آخر وهكذا الثالث لا انه حصة من الانسان أو جزء منه حتى يصير كل واحد من الافراد ناقصا في
الانسانية، ويكون الانسان التام شيئا قائما مع هذه الافراد كما زعمه الرجل الهمداني (نعم)
انسانية زيد غير انسانية خالد في الخارج وطبيعي الأول غير طبيعي الثاني تغايرا بالعدد ولكن
279

العقل إذا جرد انسانية هذا و ذاك عن العوارض المفردة ينال من الجميع شيئا واحدا بالنوع لارتفاع
الميز وهذا لا ينافي تعدده وتكثره في الخارج وسيجئ نص الشيخ الرئيس على ما ذكرنا
وان شئت قلت إن الطبيعي موجود في الخارج لا بنعت الوحدة النوعية
ولا بوصف الجامعية بل العموم والاشتراك لاحق به في موطن الذهن والجهة المشتركة ليس
لها موطن الا العقل، والخارج موطن الكثرة والطبيعي موجود في الخارج بوجودات
متكثرة وهو متكثر حسب تكثر الافراد والوجودات، لا بمعنى تحصصه بحصص فإنه لا
محصل له بل بمعنى ان كل فرد، متحد في الخارج مع الطبيعي بتمام ذاته لان ذاته غير مرهونة
بالوحدة والكثرة فهو مع الكثير كثير، فريد انسان لا حصة منه، وعمرو انسان آخر لا حصة
أخرى منه وهكذا والالزم كون زيد بعض الانسان وعمر وكذلك وهو ضروري الفساد و
(منه يتضح) ان الجهة المشتركة بنعت الاشتراك ليست موجودة في الخارج والالزم أن يكون
موجودا بنعت الوحدة لان الوجود مساوق للوحدة فيلزم اما وحدة جميع الافراد
وجودا وماهية، أو كون الواحد كثيرا، وكون كل فرد موجودا بوجودين (أحدهما) بحيثية
الجهة المشتركة فيكون كل الافراد واحدا في الوجود الخارجي من هذه الحيثية
(وثانيهما) وجوده بالحيثية الممتازة مع قرنائه، وهذا أي كون الانسان غير موجود بنعت
الوحدة والاشتراك بل بنعت الكثرة المحضة، مراد من قال إن الطبيعي مع الافراد كالاباء مع
الأولاد لا الأب مع الأبناء، وهذا خلاصة ما عليه الأكابر
واما الرجل الهمداني فزعم أن معنى وجود الطبيعي في الأعيان هو ان ذاتا واحدة بعينها
مقارنة لكل واحد من المقارنات المختلفة، موجودة بنعت الوحدة في الخارج وان ما به
الاشتراك الذاتي بين الافراد متحقق خارجا، وكانه توهم من قولهم إن الاشخاص مشترك
في حقيقة واحدة وهى الطبيعي ومن قولهم إن الكلى الطبيعي موجود في الخارج، ان مقصود
القوم هو موجودية الجهة المشتركة بما هي كذلك في الخارج قائلا هل بلغ من عقل الانسان
ان يظن أن هذا موضع خلاف بين الحكماء وما ذكره هذا الرجل هو معنى كون الطبيعي كأب واحد
بالنسبة إلى الأبناء أي يكون الطبيعي بنعت الوحدة والاشتراك موجودا في الخارج، وفي مقابله
مقالة المحققين من أن نسبة الطبيعي إلى الافراد كالاباء إلى الأولاد، وان الطبيعي موجود في
الخارج بنعت الكثرة المحضة وان الوحدة والاشتراك تعرضان عليه في موطن الذهن
والجهة المشتركة لا موطن لها الا العقل وان الخارج موطن الكثرة، والطبيعي موجود في
280

الخارج متكثر بتكثر الافراد، لا بمعنى تحصصه بحصص وان الموجود مع كل فرد حصة
منه لا نفسه فإنه لا يرجع إلى محصل، بل بمعنى ان كل فرد في الخارج هو الطبيعي بتمام ذاته
لان ذاته غير مرهونة بالوحدة والكثرة، فهو مع الكثير كثير، ومع الواحد واحد، فزيد
انسان لا حصة منه وعمرو انسان آخر لا حصة أخرى، ففي الخارج أناس كثيرة حسب كثرة
الافراد لا انسان واحد معها، والالزم أن تكون الجهة المشتركة موجودة بنعت الوحدة،
لان الوجود يساوق الوحدة فلزم وحدة جميع الافراد خارجا وجودا وماهية بالوحدة
الشخصية العينية وهذا المحقق الأصولي لما لم يصل إلى مغزى مرام المحققين جمع
بين الاباء والأب فجعل للافراد آباء وجدا وهو أب الاباء، و (لهذا تراه صرح في جواب)
(ان قلت) بان وجود الطبيعي في الخارج هو الجهة المشتركه وان المرئي بالطبيعي الملحوظ
مرآة للخارج ليس الا تلك الجهة الجامعة بين الحصص، وهذا بعينه قول الرجل الهمداني
الذي أفرد شيخ المشائيين رسالة لرده وقد نقل بعض الأكابر نص الشيخ بان الانسانية
الموجودة كثيرة بالعدد، وليست ذاتا واحدة وكذلك الحيوانية، لا انها كثيرة باعتبار إضافات
مختلفة، بل ذات الانسانية المقارنة لخواص زيد هي غير ذات الانسانية المقارنة لخواص عمرو
فهما انسانيتان انسانية قارنت خواص زيد وانسانية قارنت خواص عمرو، لا غيرية باعتبار
المقارنة حتى تكون حيوانية واحدة تقارن المتقابلات من الفصول وهذه العبارة كما ترى
نص على خلاف ما زعمه ذلك المحقق مع أن البرهان قائم على خلافه
(ثم) انه ربما يؤيد مذهب الرجل الهمداني بوجهين وربما يتمسك بهما المحقق
المزبور وقدمنا كلمة منه (ره) في مبحث الوضع
(الأول) انه يمتنع انتزاع مفهوم واحد من الافراد بلا جامع اشتراكي في الخارج
إذ الكثير بما هو كثير لا يمكن ان يقع منشأ لانتزاع الواحد فلابد من جهة جامعة خارجية
بنعت الوحدة حتى يكون الطبيعي مرآة لها ومنتزعا منها (وفيه) ان وحدة الطبيعي
ليست وحدة عددية بل وحدة نوعية وظرف عروضها انما هو الذهن إذ النفس بواسطة
القوى النازلة ينال من كل فرد انسانية مغايرة لما يناله من الاخر، ولكن إذا جردها عن
الخصوصيات الفردية ينعدم التعدد قهرا بانعدام ميزهما فيصير مفهوما واحدا، والمتوهم
تخيل ان الذهن ينال المفهوم الواحد من الخارج، وصار بصدد تصحيح منشأه (أضف إليه)
281

ان الطبيعي ليس من الانتزاعيات بل من المهيات المتأصلة الموجودة في الخارج تبعا للوجود
تحققا وتكثرا، وان معنى موجوديتها، موجوديتها ذاتا تبعا للوجود لا موجودية منشأ
انتزاعها وان كثرة الوجود منشأ تكثرها خارجا لأنها بذاتها لا كثيرة ولا واحدة فالكثرة
تعرضها خارجا بمعنى صيرورة ذاتها كثيرة بتبع الوجود خارجا والوحدة تعرضها في العقل
عند تجريدها عن كافة اللواحق وما سبق منا من التعبير بلفظ الانتزاع فلأجل التسهيل
والحاصل ان الانتزاع هنا على فرض صحته ليس الا عبارة عن ادراك النفس من كل
فرد بعد تجريده عن المميزات، ما تدرك من فرد آخر فإذا جردت النفس خصوصيات زيد
تدرك منه معنى الانسان أي طبيعيه من غير اتصافه بنعت الوحدة المشتركة النوعية وكذا إذا
جردت خصوصيات عمرو تنال منه ما تنال من زيد بلا تفاوت (ثم) إذا لاحظت ان ما أدركته مكررا
مشترك بين الافراد، تحكم بأنه الجهة المشتركة فالوحدة تعرضه في العقل عند التحليل
والتجزية ولكن لا يغرنك لفظ العروض بمعناه المعهود والتحقيق موكول إلى مظانه
(الثاني) انا نرى كثيرا في الفواعل الطبيعية من استناد الواحد إلى الكثير كتأثير
بندقتين في قتل شخص، وتأثير النار والشمس في حرارة الماء، وتأثير قوى اشخاص في
تحريك حجر عظيم وغير ذلك من الأمثلة فاما ان يستند المعلول إلى كل واحد مستقلا لزم
صدور الواحد عن الكثير، أو إلى المجموع وهو ليس موجودا عدا وجود الافراد فلا مناص حفظا
لانخرام قاعدة الواحد المبرهن عليها في محلها، من القول بوجود جامع في الخارج بنعت
الوحدة وهو الذي يؤثر في ايجاد هذه المعاليل
والجواب ان التمسك بقاعدة الواحد في هذا المقام غفلة من مغزى القاعدة إذ
قاعدة الواحد لو تمت لكان مجريها كما هو مقتضى برهانها هو الواحد البحت البسيط
الذي ليس فيه تركيب ولا شائبته، دون غيره مما فيه التركيب والاثنينية، وما ذكر من الأمثلة
خارج من مصب القاعدة على أن فيها ليس أمر واحد حتى نتطلب علته، إذ الموت ليس الا
خروج الروح البخاري من البدن من المنافذ غير الطبيعية، وكلما قلت البندقة قلت المنافذ
وكلما كثرت كثرت المنافذ (فح) طول المدة في نزع الروح الصوري وقلتها، يدور مدار
اخراج الدم وهو ليس أمرا واحدا بسيطا بل أمر قبل التجزئة والتكثر وقس عليه الحرارة
فان حاملها ذو اجزاء واوضاع ولا مانع من انفعال بعضها من الشمس، والبعض الاخر من النار
282

ويكون كل واحد مؤثرا فيه بعض الأثر فلا اشكال في تأثر مثل هذا الواحد الطبيعي القابل
للتجزية والتركيب من علتين إذ اثر كل علة، غير اثر الأخرى وتأثر الماء من كل، غير تأثره
من آخر وهكذا الامر في اجتماع اشخاص على رفع حجر فان كل واحد يؤثر فيه اثره الخاص حتى
يحدث في الحجر بواسطة القواسر العديدة ما يغلب على ثقله الطبيعي أو على جاذبة الأرض
(أضف إلى ذلك) ان قياس العلل الطبيعي بالفواعل الإلهي من عجائب الأوهام،
والقول بتأثر الجامع في العلة الإلهية مثل الطبيعي أمر غير معقول إذ المعلول الإلهي ربط
محض بعلته ويكون بتمام هويته متعلقا بها، بل حقيقته عين الربط لا شئ له الربط ولا يمكن
أن يكون له حيثية غير مربوطة بها والالزم الاستغناء الذاتي وهو ينافي الامكان و (ح) فما
حاله وذاته ذلك، لا يعقل في حقه ان يستند إلى علته الخاصة عند الانفراد وإلى الجامع
عند الاجتماع إذ هويته التدلي بعلته، فكيف يمكن ان يفسخ ذاته ويفوضها إلى الجامع، ان
هذا الا الانقلاب و (بالجملة) فالعلة البسيطة الإلهية لا يمكن ان يجتمع على معلولها علتان حتى
نبحث في كيفيته ولا يعقل تفويض الفاعل الإلهي اثره إلى غيره أو تعلق المعلول بالذات
إلى غير علته الخاصة به فلا يعقل ربط المعلول البسيط تارة بهذه العلة واخرى بتلك وثالثة
بالجامع بينهما للزوم الانقلاب الذاتي في البسيط وأظنك إذا أمعنت النظر فيما ذكرنا و
كنت أهلا لهذه المطالب، تقدر على تشخيص الزيف من المقبول وهو غاية المأمول
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أن ما ذكره قدس سره من أن عدم السراية انما هو إلى
الحيثية التي تمتاز بها الحصص الفردية بعضها عن بعض واما بالنسبة إلى الحصص الأخرى
التي بها تشترك تلك الحصص وتمتاز بها عن افراد النوع الآخر فلا بأس بدعوى السراية
إليها، لا يخلو من اجمال لان مراده من قوله تشترك تلك الحصص وتمتاز بها عن افراد النوع الآخر
(الخ) إن كان هو الفصول المميزة ففيه ان ذلك عين الطبيعي ومقومها، ومرجعه إلى أن
الحكم على الطبيعي يسرى إلى الطبيعي، وان أراد ما يمتاز به حصص نوع، عن
حصص نع آخر ففيه ان الطبيعي لا يمكن ان يتحصص بنفس ذاته بل التحصص يحصل
بتقييده بقيود عقلية مثل الانسان الأبيض والفرس الأسود (فح) لا يمكن أن يكون الحصص نفس
الطبيعي في اللحاظ العقلي، واما الاتحاد الخارجي فكما يكون بين الحصص والطبيعي
يكون بين الافراد والطبيعي، ولكنه لا يوجب سراية الامر في كلا القسمين
283

(وبالجملة) ان الامتياز بين حصص نوع مع حصص نوع آخر ليس بالفصل المقوم
فقط بل به وبالتقييدات الحاصلة من القيود اللاحقة المحصلة للحصص، والامتياز بالفصل
المقوم فقط انما يكون بين نوع ونوع آخر لا حصصهما (فتحصل) مما ذكرنا ان الامر المتعلق
بالطبيعي لا يمكن ان يسرى إلى الافراد، ولا إلى الحصص التي تخيلت للطبيعي وليعذرني
اخواني من تطويل هذا البحث (1)
فصل إذا نسخ الوجوب هل يبقى الجواز أولا، والكلام يقع في مواضع الأول في
امكان بقائه وقد يدعى امكانه عقلا بدعوى ان الوجوب وإن كان بسيطا الا انه يتضمن مراتب
عديدة وهى أصل الجواز والرجحان والالزام فيمكن ان يرتفع بعض المراتب ويبقى الاخر
وبما ان الوجوب حقيقة ذات تشكيك فلا حاجة في اثبات مرتبة بعد ارتفاع الأخرى، إلى
دليل على ضمن الفصل بعد ذهاب مرتبة منه يتحد قهرا مع الأخرى نظير الحمرة الشديدة
التي تزول منها مرتبة فتبقى مرتبة أخرى انتهى
وفيه (اما أولا) فلان الوجوب انما ينتزع عند العقلاء من البعث الناشئ من الإرادة
الحتمية، وهو بما انه أمر انتزاعي لا معنى لبقاء جوازه بعد ارتفاع نفس الوجوب، وكون
الشئ ذا مراتب ومقولا بالتشكيك انما هو في الحقايق الخارجية لا في الأمور الانتزاعية
التي يقرب من الأمور الاعتبارية وإن كان بينهما فرق محرر في محله و (ما يتوهم) من أن
البعث يصدق على الالزامي والاستحبابي صدقا تشكيكيا بمعنى ان التفاوت بنفس البعث
كما أن الاشتراك فيه، (مدفوع) بان التفاوت ليس بنفس البعث بل في منشأه الذي
هو الإرادة المظهرة (وثانيا) سلمنا كونه بسيطا وذا مراتب لكن لا يلزم منه امكان ذهاب
مرتبة وبقاء أخرى لان كون الشئ ذا مراتب ليس معناه كون الوجود الشخصي بوحدته
الشخصية ذا مراتب عديدة الا ترى ان الوجود كما هو عند أهله ذات تشكيك وليس لازمه
ان وجود الواجب أيضا ذات مراتب، وهكذا وجود العقل بل معناه ان نفس الحقيقة إذا
صدقت بعرضها العريض على افراد مختلفة ومراتب متفاوتة بالكمال والنقص ولكن

(1) لا يخفى ان بعض ما حررنا ههنا قد استفدناه من سيدنا الأستاذ (دام ظله)
في خارج حوزة درسه، ولذا ترى المقام طويل الذيل مترامي الاطراب فشكر الله مساعيه
الجميلة وأطال بقاء عمره وادام صحة وجوده
284

الجميع، يشترك مع اختلافها بالشدة والضعف في تحقق الحقيقة في كل واحد من المراتب،
عد ذلك الحقيقة من الحقائق المشككة واما كون خصوص مرتبة منها ذا مراتب بالفعل
فامر غير معقول فنقول بمثله في الوجوب فان معنى كونه ذا مراتب هو ان مرتبة منه ينتزع
منه الوجوب ومن مرتبة أخرى الوجوب الأكيد، ومن مرتبة ثالثة وجوب آكد منهما، و
مفهوم الوجوب يصدق عليها صدقا مشككا، واما كون مرتبة خاصة منه ذا مراتب بالفعل
مما لا يقول به من له أدنى المام بالاصطلاح (نعم) ينتزع من الوجوب، الجواز والرجحان بالمعنى
الأعم ولكن لا بمعنى وجودهما في ضمنه وجود الجزء من المركب في ضمن الكل بل بمعنى
ان طبيعي الجواز والرجحان موجود بعين وجود الوجوب، فالوجوب بهذا المعنى عين
وجود الجواز والرجحان، فهما باقيان ببقائه ذاهبان بذهابه قضاء للعينية (ثم) ان تطرق
الشدة والضعف إلى الإرادة فإنما هو في الإرادة الحيوانية والانسانية لكون التطرق المذكور
من شؤون المادة وهما في افعالهما ماديان، ولكن لا يمكن ذلك في المبادى العالية، فظهر
ان الحق المتبع هو عدم امكان بقاء الجواز والرجحان
(الموضع الثاني) في مقتضى الأدلة بعد فرض امكانه وفي دلالة الناسخ أو المنسوخ عليه
وعدمها ربما يقال إن القدر المتيقن من دليل الناسخ انما هو رفع خصوص جهة الالزام
وفيما عداها يؤخذ بدليل المنسوخ ويحكم بمقتضاه باستحباب الفعل نظير ما إذا ورد دليل
على وجوب شئ ودليل آخر على عدم وجوبه فكما انه يجمع بينهما ويؤخذ بظهور دليل
الوجوب في مطلق الرجحان فليكن المقام كذلك (انتهى) ولكن التحقيق خلاف ما أفيد
لما مر من أن الامر ليس ظاهرا الا في نفس البعث واما الالزام فإنما يفهم من دليل آخر وهو
حكم العقلاء على أن بعث المولى لا يترك بغير جواب وقد مر أيضا ان الامر عندهم تمام
الموضوع لوجوب الطاعة، الا ان يقوم دليل على الترخيص (فح) فليس للامر الا ظهور واحد
فمع قيام الدليل على النسخ لا يبقى له ظهور بل هذا هو الحال لو فرض ظهور في الالزام
وضعا، إذ ليس له على كلا التقديرين الا ظهور فارد لا ظهورات حتى يبقى بعضها مع سقوط
البعض كما هو واضح
(فان قلت) ان الطلب الالزامي كما يكشف عن الإرادة الالزامية يكشف على الرجحان
الفعلي وعن أصل الجواز فإذا سقطت كاشفيته بالنسبة إلى الالزام بقيت بالنسبة إلى غيره
285

(قلت) أولا ان الطلب لا يكشف الاعن الإرادة الحتمية لكن العقل يحكم بان الرجحان
والجواز بمعناهما الأعم موجودان بوجوده ومع سقوط كشفه عن الإرادة الحتمية لا يبقى
منكشف ولا كاشف، (وثانيا) لو فرضنا كون المنكشف متعدد الكنه طولي لا عرضي لان
الطلب الالزامي يكشف عن الإرادة الحتمية وهى تكشف عن الرجحان وهو عن الجواز،
ومع الطولية لا يمكن بقاء الكاشفية بل لو فرض العرضية لا يمكن ذلك أيضا لأنه مع سقوط
الكاشف لا مجال للكشف (نعم) لو كان في المقام كواشف فبسقوط أحدها لا يسقط الاخر
وقد عرفت بطلانه
(واما قياس) المقام بالجمع بين الامر الظاهر في الوجوب والنص المرخص في
تركه بحمل الامر على الاستحباب كما عرفته من القائل، فمن غرائب الكلام لان قوله
لا بأس بتركه بعد قوله أكرم زيدا، قرينة على أن الامر استعمل من أول الأمر في الاستحباب
وهذا بخلاف المقام فان المفاد والمستعمل فيه معلوم قطعا والشك في مقدار رافعية دليل
الناسخ فلا موضوع للجمع حتى نبتغيه، وان شئت قلت إن الجمع بين الامر الظاهر في
الوجوب والنص المرخص في تركه بحمل الامر على الاستحباب ليس اخذا ببعض مراتب
الظهور وتركا ببعض مراتبه بل هو تحكيم النص على الظاهر وحمله على خلاف ظاهره
(هذا) لو فرضنا ظهور الامر في الوجوب والا فالكلام فيه غير ذلك واما ما نحن فيه فبعد
العلم بان الامر للوجوب والعلم برفع الوجوب فلا مجال للقول ببقاء الاستحباب الا إذا
فرض مراتب للظهور وهو بمكان من الفساد فالقياس مع الفارق والمقيس عليه ليس
كما توهم
(الموضع الثالث) لو فرض الشك في بقاء الجواز فهل يمكن اثباته بالاستصحاب
أولا، الحق عدم جريانه وان قلنا بجريانه في القسم الثالث من استصحاب الكلى لا ان الركن
في جريانه هو كون المستصحب موضوعا ذا حكم شرعي أو حكما شرعيا كالوجوب والاستحباب
والأول مفقود كما أن الثاني مثله، لان المجعول والحكم الشرعي هو الوجوب وقد علم
ارتفاعه، والجواز الجامع ليس مجعولا بل منتزع من المجعول وبذلك يظهر النظر فيما
يقال من أن طبيعي الجواز كان موجودا بوجود الوجوب ومع رفعه نشك في بقاء أصل
الجواز في ضمن مصداق آخر فيستصحب (انتهى) إذ الجواز الجامع بين الوجوب والاستحباب
286

ليس مجعولا وحكما شرعيا بل العقل ينتزع من الجعل الالزامي الجواز بالمعنى
الأعم فتدبر
القول في الواجب التخييري
لا اشكال في وقوع ما بظاهره الواجب التخييري في الشرع والعرف، انما الكلام
في امكانه ثبوتا حتى يؤخذ بظاهر الأدلة أو عدم امكانه حتى يترك ظاهرها ويوجه بنحو توجيه
كالالتزام بتعلقه بالجامع على سبيل التعيين، والتخيير عقلي أو تعلقه بالجامع الانتزاعي
أو غير هما (ثم) ان ما يمكن ان يقال في وجه الامتناع هو ان الإرادة التكوينية لا يمكن ان يتعلق
بشئ مردد واقعي وكذلك التشريعية، (والسر) فيه ان الوجود أي وجود كان، مساوق
للشخص والتعين الواقعي، والتردد النفس الامرى مضاد للموجودية فلا يمكن أن يكون
الوجود مترددا واقعا بين الشيئين ترديدا واقعيا سواء كان الوجود خارجيا أو ذهنيا (ولا
اشكال) في أن الإرادة سواء كانت تكوينية أو تشريعية من الأوصاف الحقيقية ذات الإضافة
ولا يمكن تحققها بلا إضافة إلى شئ فلابد في تحققها من مضاف إليه موجود فلا يعقل أن يكون
الإرادة بحسب نفس الامر مرددة المتعلق ولا متعلقها كذلك للزوم أن يكون الموجود
مترددا واقعا وهو يرجع إلى التردد فيما هو في ذاته متعين ومتشخص، وكذا الكلام في
البعث فإنه يقع بلفظ كهيئة الامر أو غيرها مضافا إلى شئ هو المبعوث إليه فيكون لكل
من آلة البعث ومتعلقه وجود ذهني وخارجي لا يمكن ان يتطرق إليه التردد الواقعي،
فالواجب التخييري لازمه التردد الواقعي في الإرادة التشريعية ومتعلقها كما أن البعث
كذلك يستلزم التردد في آلة البعث ومتعلقه بما لهما من الوجود و (بالجملة) يلزم من
الواجب التخييري التردد والابهام بحسب الواقع في الإرادة والمراد والبعث وآلته
والمبعوث إليه وكل ذلك محال
(والجواب) انه انما يلزم لو كانت إرادة واحدة أو بعث كذلك متعلقة بأمر مردد
بين شيئين أو أشياء، وهو منتف في المقام، بل هنا إرادة مستقله وبعث مثلها متعلق بهذا
وإرادة أخرى وبعث كذلك متعلقة بذاك، فالإرادة والبعث متكثران تكثر المراد
والمبعوث إليه (والسر) فيه هو ان الامر إذا رأى أن في كل من الشيئين أو الأشياء مصلحة
ملزمة وافية بغرضه بحيث يكون كل من الأطراف محصلا لغرضه ولم يكن بينها جامع
287

قابل لتعلق الامر إليه فيتوصل لتحصيل غرضه بهذا النحو من البعث بتخلل لفظة أو وما
في معناها لافهام ان كل واحد محصل لغرضه ولا يلزم الجمع
وأنت إذا راجعت إلى وجدانك في أو امرك التخييرية ترى ان الامر كذلك فلا تكون
الإرادة في التخييري والتعييني سنخين، ولا المبعوث والواجب متفاوتين غيران الفرق
بينهما هو كون الواجب التعييني بنفسه محصلا للغرض ليس الا، والواجب التخييري
يكون المحصل للغرض هو كل من الشيئين أو الأشياء ولإفادة ذلك يتخلل لفظ أو و ما في
معناه من غير لزوم كون المشخص غير مشخص لا في الإرادة ولا في غيرها
(و ليعلم) ان تقسيم الواجب إلى التعييني والتخييري كتقسيمه إلى النفسي والغيري
انما هو بلحاظ البعث المنتزع منه الوجوب فحديث الأغراض والمصالح الواقعية و محصل
الأغراض ولزوم صدور الواحد عن الكثير أجنبي عن المقام، كما أن تقسيمه إلى النفسي
والغيري لا ينافي كون الواجب لمصالح واقعية كما تقدم، فكذلك كون الجامع فرضا
مؤثرا في تحصيل الغرض الواحد لا ينافي تقسيمه إلى التعييني و التخييري فتدبر.
(تنبيه) هل يمكن التخيير بين الأقل والأكثر، محط البحث و الاشكال انما هو
الأقل الذي اخذ لا بشرط، واما المأخوذ بشرط لا فهو من قبيل المتبائنين ولا اشكال في
جوازه فيه ثم إنه ربما يقال بامتناعه مطلقا تدريجيا كان أو دفعيا اما الأول فلان بقاء الوجوب
بعد اتيان الأقل يستلزم اما عدم كونه مصداقا مسقطا للطلب أو جواز تحصيل الحاصل (واما)
الثاني فلان الزائد يجوز تركه لا إلى بدل وهو ينافي الوجوب وان شئت قلت إن الزائد
يكون من قبيل الزام ما لا يلزم والايجاب بلا ملاك (أقول) ان الأقل والأكثر سواء كانا
تدريجيين أم دفعين قد يكون كل منهما محصلا لغرض واحد وقد يكون كل محصلا لغرض
غير الاخر، و على أي تقدير، فاما أن يكون بين الغرضين مزاحمة بحسب الوجود أولا،
لا اشكال في امتناع التخيير بينهما في التدريجيات لان الأقل يتحقق دائما قبل الأكثر
فيستند إليه الأثر فيسقط الوجوب بوجوده ولا معنى لايجاب الأكثر
واما ما افاده بعض السادة من الأكابر (أدام الله اظلاله على رؤس المسلمين)
من أن التخيير ممكن إذا كان الأقل والأكثر تحت طبيعة واحدة بحيث تكون
بحسب الوجود مشككة و يكون ما به الاشتراك بين الافراد عين ما به الامتياز، كالخط
288

القصير و الطويل لان تعين الخط للفردية انما يكون إذا انقطع سيره، إذ ما دام مستمرا متدرجا
سيالا لا تعين له بل كأنه بعد مبهم قابل لكل تعين، فمحصل الغرض إذا كان فردا منهما لا يصير
الفرد القصير فردا لها الا مع محدوديته، فالفردان مع تفاوتهما بالأقلية والأكثرية لا يكونان
محصلين للغرض الا إذا تحققا بتحقق الفردية وهو متقوم بالمحدودية بالحمل الشايع (وقس)
عليه ما إذا كانا محصلين لعنوان آخر يكون ذلك الاخر محصلا للغرض كصلاة الحاضر
والمسافر مع كونهما مختلفين بالأقلية والأكثرية لكن التخشع المطلوب معلول لهما في
كل مرتبة، ففي مثله أيضا يجوز التخيير فتدبر.
(فغير تام) حصل في كلامه الخلط بين اللا بشرطية والبشرط لائية فان الخط الذي
لا يتعين بالمصداقية للطبيعة انما هو الخط المحدود بحد القصر، و اما نفس طبيعة الخط
بمقدار الذراعين بلا شرط بالمحدودية وغيرها فلا اشكال في تحققه إذا وصل الخلط المتدرج
إلى مقدار الذراعين وان لم يقف على ذلك الحد ضرورة ان الخط الموجود في الخارج لا
يمكن ان لا يصدق عليه طبيعة الخط وإذا وصل إلى ذراعين وإن كان سيالا لا يمكن عدم
موجوديته بنعت اللا بشرطية فما هو الموجود يصدق عليه طبيعة الذراعين في الخط و
ان لم يصدق عليه الخط المحدود بالقصر ومورد الكلام هو اللابشرط المتحقق مع المحدود
وغيره، و (قوله) لا يصير الفرد القصير فردا لهما الا مع محدوديته ان أراد ان اللابشرط لا
يتحقق فهو مدفوع بما ذكرنا وان أراد ان المحدود بالقصر لا يتحقق فهو خارج من المبحوث
عنه، ومما ذكرنا يتضح النظر في الفرض الثاني لان الأقل اللابشرط إذا وجد يكون محصلا
للعنوان الذي هو محصل للغرض فلا يبقى مجال لتحصيل ذلك العنوان المحصل للغرض
بالأكثر هذا كله في التدريجيات،
(واما) الدفعيات فإن كان هنا غرض واحد يحصل بكل واحد فلا يعقل التخيير بينها
لان الغرض إذا يحصل بنفس ذراع من الخط بلا شرط يكون التكليف بالزيادة من قبيل
الزام ما لا يلزم فيكون تعلق الإرادة والبعث إليها لغوا ممتنعا ومجرد وحدة وجود الأقل
بلا شرط مع الأكثر خارجا لا يدفع الامتناع لكون محط تعلق الامر هو الذهن وفيه تجريد طبيعة
المطلوب من غيره من اللواحق الزائدة، وإن كان لكل منهما غرض غير ما للاخر فإن كان بين
الغرضين تدافع في الوجود لا يمكن اجتماعهما ويكون اجتماعهما مبغوضا للامر فلا يعقل التخيير
289

أيضا لان الأقل بلا شرط موجود مع الأكثر فإذا وجدا دفعة لا يمكن وجود اثريهما للتزاحم
الوجودي فلا يعقل تعلق الامر بشئ لأجل غرض لا يمكن تحصله في الخارج، وكذا
فيما إذا كان اجتماع الغرضين مبغوضا لا يعقل التخيير أيضا، واما إذا كان الغرضان قابلين
للاجتماع، ولا يكون اجتماعهما مبغوضا له وان لم يكن مرادا له فالتخيير بينهما ممكن لان
الأقل مشتمل على غرض والأكثر على غرض آخر فإذا أوجد العبد الأكثر وجد متعلق
الغرضين وكان للمولى ان يختار ما يشاء،
في الواجب الكفائي
لا اشكال في تقسيم الواجب إلى العيني والكفائي فربما يقال بعدم الفرق في المكلف
بالكسر والفتح، وانما الفرق في المكلف به، فمتعلق الثاني هو نفس الطبيعة كما أن متعلق
العيني مقيد بمباشرة كل مكلف بالخصوص كما أن بعضهم ارجع ذلك الفرق المزبور إلى
جانب المكلف بالفتح، فإنه في العيني كل الآحاد مستغرقا وفي الكفائي صرف وجود المكلف
(والتحقيق) ان الواجب الكفائي يتصور على وجوه لأنه اما لا يمكن ان يوجد الامرة
واحدة كقتل ساب النبي صلى الله عليه وآله أو يمكن وعلى الثاني فاما أن يكون المطلوب فردا من الطبيعة
بحيث يكون الفرد الآخر مبغوضا أو لا مبغوضا ولا مطلوبا، واما يكون صرف وجودها فنقول
انه لا يمكن أن يكون المكلف كل الآحاد في جميع الصور اما الأولى فظاهر لعدم امكان
بعثهم عرضا إلى ما يتكرر، (واما) الثانية و (الثالثة) فهما وان أمكن انبعاث الجميع الا انه
مع مبغوضية ما عدا الفرد الواحد أو عدم مطلوبيته لا يمكن تشريعا بعث الجميع لأدائه إلى
نقض الغرض أو البعث إلى ما ليس مطلوبا و (اما) الصورة الرابعة فامكانه وإن كان لا ينكر
الا ان لازم بعث الجميع بنحو الاطلاق هو اجتماعهم في ايجاد صرف الوجود، ومع عدم
اجتماعهم يكون المتخلف عاصيا لترك الامر المطلق بلا عذر، و (مما ذكرنا) يظهر عدم صحة
التكليف بصرف وجود المكلف في بعض الصور كما إذا كان الزائد من الفرد الواحد
مبغوضا بل لا يبعد عدم الصحة في بعض صور أخرى أيضا فلابد من القول بان المكلف في
الكفائي فرد من المكلفين بشرط لا في بعض الصور ولا بشرط في الأخرى،
(وما قيل) ان الفرد غير المعين لا وجود له (حق) ولكن لو قيد بعنوان غير المعين،
واما عنوان فرد من المكلفين أو أحدهم مما له وجود في الخارج فإن كان واحد منهم مصداق
290

العنوان ومع ذلك لا يصح بعثهم جميعا في عرض واحد حتى يلزم المحذور المتقدم، وكذا
يجوز التكليف بالفرد المردد بنحو التخيير كالتخيير في المكلف به، و (ما) ربما يدور في
ألسنتهم ان المردد لا وجود له ولا يجوز البعث والاغراء بالنسبة إليه فلا يصغى إليه ضرورة
صحة التكليف التخييري بين الفردين أو الافراد، وعنوان الترديد لم يكن قيدا حتى يقال
لا وجود في الخارج الا للمعين، وكذا يصح التكليف فيه أيضا كواجب المشروط في بعض
الصور ويمكن في بعض الصور أن يكون المكلف به صرف الوجود وكذا المكلف بالفتح
ولازمه عصيان الجميع مع تركهم، وإطاعتهم واستحقاقهم المثوبة مع اتيانهم عرضا، والسقوط
عن البقية مع اتيان بعضهم
فصل في المطلق والموقت
وينقسم الواجب إلى المطلق والموقت، اعلم أن الانسان بما ان وجوده زماني تكون
أفعاله أيضا زمانية ولا محالة يكون عمود الزمان ظرفا لها، فلزوم الزمان في تحقق الواجبات
مما لا محيص عنه عقلا، واما دخالته في الغرض فربما يكون المحصل للغرض نفس الطبيعة
بلا دخالة لوقوعها في الزمان، (واخرى) يكون المحصل وقوع الطبيعة في الزمان
وهو على قسمين فان الغرض يحصل اما من وقوعها في مطلق الزمان واما من وقوعها في
زمان معين فهذه أقسام ثلثة ولا اشكال في كون الأول داخلا تحت الواجب المطلق و
(اما الثاني) أعني ما يكون مطلق الزمان دخيلا فيه فجعله من قبيل الموقت لا يخلو من
اشكال لان الموقت يتعلق فيه الامر بالطبيعة وظرفها، ولو كان الدخيل هو الظرف المعين
لكان للامر به معنى مقبول، واما إذا كان الدخيل هو الزمان المطلق فلا مجال للامر به
للزوم اللغوية لان المكلف لا يقدر على ايجاده في غير الزمان حتى يكون الامر صارفا عنه
وداعيا نحوه، والصحيح ان يقال إن الموقت ما عين له وقت معين والمطلق بخلافه فالمطلق
قسمان، والموقت قسم واحد
ثم إنه ربما اورد على الواجب الموسع بان لازمه ترك الواجب في أول وقته وهو
ينافي وجوبه (وفيه) ان الواجب ليس اتيانه في أول الوقت بل الواجب الطييعة التي يوجدها
المكلف بين الحدين، وليس تركها الا اعدامها في تمام الوقت المضروب لها (وافسد) من
ذلك ما اورد على تصوير المضيق بان الانبعاث لابد وأن يكون متأخرا عن البعث فلابد
291

من فرض زمان يسع البعث والانبعاث ولازمه زيادة زمان الوجوب على زمان الواجب و
(فيه) ان تأخر الانبعاث عن البعث تأخر طبعي لا زماني على أنه يمكن تصور المضيق بنحو
الواجب التعليقي فيكون البعث قبل زمان الواجب (ثم) ان نسبة الواجب الموسع إلى
افراده الدفعية والتدريجية كنسبة الطبايع إلى مصاديقها في أن التخيير بينها عقلي
لا شرعي
لان ما هو دخيل في تحصيل الغرض في الموسع هو حصول الطبيعة بين المبدء والمنتهى
فلابد وان يتعلق الامر بما هو محصل للغرض ولا يجوز تعلقه بالزائد فتعلق الامر بالخصوصيات
لغو جزاف، (ومن هنا) يعلم أنه لا يتضيق بتضيق وقته لان الامر المتعلق بطبيعة لا يمكن
ان يتخلف إلى موضوع آخر فالواجب لا يخرج من كونه موسعا بتضيق وقته وان حكم
العقل بلزوم اتيانه في آخر الوقت
(تتميم)، الحق انه لا دلالة للامر بالموقت على وجوب الاتيان به في خارج الوقت
بل هذا هو الحكم في سائر التقييدات ضرورة ان كل أمر لا يدعو الا إلى ما تعلق به إذ كل
حكم فهو مقصور على موضوعه والمفروض ان البعث على الطبيعة المتقيدة بالوقت فلو
قلنا بدعوته خارج الوقت لزم كونه داعيا إلى غير متعلقه و (بالجملة) ان الدعوة إلى الموقت
بعد خروجه محال لامتناع اتيانه وإلى غير الموقت كذلك لعدم كونه متعلقا ودعوة الامر
إلى الطبيعة في ضمن المقيد لا يوجب دعوته إليها مطلقة وعارية عن القيد
واما التفصيل الذي افاده المحقق الخراساني من أنه لو كان التوقيت بدليل منفصل
وكان لدليل الواجب اطلاق لكان قضية اطلاقه ثبوت الوجوب بعد الوقت أيضا، فخروج من
حريم النزاع إذ البحث في دلالة نفس الموقت بعد كونه موقتا فيما لم يدل على البقاء دليل
اجتهادي من اطلاق أو عموم، وربما يتمسك لبقاء الامر بعد خروجه بالاستصحاب والتحقيق
عدم جريانه لاختلاف القضية المتيقنة والقضية المشكوك فيها ومع اختلافهما وتعددهما
في نظر العرف ينهدم أساس الاستصحاب
وتوضيح الاختلاف ان مصب الحكم ومحط الوجوب في الأحكام الشرعية هو نفس
العناوين الكلية مع قيودها من الزمان والمكان، والعنوان المقيد وذات العنوان مختلفان
في نظر العرف والصلاة الموقتة غير نفس الصلاة عنوانا، وغير الصلاة بلا توقيف، والقضية
292

المتيقنة هي وجوب الصلاة الموقتة والمشكوك فيها هي نفس الصلاة أو الصلاة خارج الوقت
فاسراء الحكم من المتقيدة إلى الخالي منها في القضايا الكلية اسراء من موضوع إلى موضوع آخر
(فان قلت) المسامحة العرفية في اثبات وحدة الموضوع أو اتحاد القضيتين، هو المفتاح
الوحيد لرفع الاختلاف وجريان الاستصحاب (قلت) نمتنع المسامحة إذا كان الحكم
متعلقا بالعنوان كما في القضايا الكلية من دون ان يسرى إلى الخارج كما في الأحكام الشرعية
فان محط الوجوب هو عنوان الصلاة ولا يعقل أن يكون الخارج ظرف العروض لأنه ظرف
السقوط، وفي هذا القسم يكون المطلق غير المقيد والماء المتغير غير نفس الماء ولا
يسامح ولا يرتاب أي ذي مسكة في أن العنوانين متغايران جدا بل التغير ولو يسيرا في
القضية المتيقنة الكلية يضر بالاستصحاب وبالجملة ان القيود في العناوين الكلية كلها من
مقومات الموضوع عرفا وعقلا (نعم) فرق بين هذا القسم وبين ما لو كان الحكم مجعولا
على عنوان لكن العنوان انطبق على الخارج وسرى الحكم إليه، بحيث صار الموضوع لدى
العرف هو نفس المصداق الخارجي لا العنوان كما في الأحكام الوضعية فان النجس وإن كان
هو الماء المتغير الا انه إذا انطبق على الماء الموجود في الخارج يصير الموضوع عند
العرف هو نفس الماء ويعد التغير من حالاته ويشك في أنه هل هو واسطة في الثبوت أو
واسطة في العروض
(وبالجملة) فرق بينما إذا كان الموضوع أو القضية المتيقنة نفس العنوان المأخوذ
في لسان الدليل كما في الأحكام التكليفية وبين ما إذا كان الموضوع نفس العنوان لكنه
انطبق على الخارج وصار الخارج موضوعا للحكم في نظر العرف فالمسامحة العرفية انما
هو في القسم الثاني دون الأول ويترتب على ذلك ما لو باع فرسا عربيا ثم ظهر كون المدفوع
إلى المشترى غير عربي فان البيع تارة يتعلق بعنوان الفرس العربي و (ح) لا يكون المدفوع
مصداقا له واخرى على هذا الفرس الخارجي بعنوان كونه عربيا فيكون المدفوع
مصداقا للمبيع وللمشتري اعمال خيار تخلف الشرط وهذا مجمل ما اخترناه في محله
وسيجئ له تفصيل في الجزء الثاني بإذن الله تعالى
وبذلك يظهر النظر فيما يقال إن المقيد إذا وجب ينسب الوجوب إلى المهملة
فيكون نفس الطبيعة واجبة فشك في بقائه لان متعلق الوجوب إذا كان مقيدا أو مركبا
293

يكون موضوعا واحدا فالواجب هو المقيد بما هو كذلك وليس للمهملة وجوب حتى
يستصحب وما قيل من الوجوب الضمني لا أصل له ولا ينحل الوجوب إلى وجوب متعلق
بنفس الطبيعة ووجوب متعلق بقيدها كما اشتهر في الألسن فالمتيقن هو وجوب المقيد و
هو ليس بمشكوك فيه فلا يجرى الاستصحاب بعد رفع القيد
المقصد الثاني في النواهي
(فصل) المشهور بين الاعلام منهم المحقق الخراساني ان النهى كالأمر في دلالته
على الطلب، غير أن متعلقه هو الترك ونفس ان لا تفعل والتحقيق امتناع ذلك ثبوتا و
مخالفته لظواهر الكلام اثباتا (اما الأول) فلان الإرادة لا تتعلق بشئ الا بعد حصول
مباديها من التصور والتصديق بالفائدة والاشتياق إليه أحيانا، بل هذه المبادى من علل
حصول الإرادة ووجودها (و ح) فالعدم والترك من الأمور الباطلة الوهمية لا يمكن أن يكون
ذا مصلحة تتعلق به اشتياق وإرادة، أو بعث وتحريك، إذ البطلان المحض لا يترتب عليه
اثر حتى يقع مورد التصديق بالفائدة وقد عرفت ان ما هو المشهور من أن للاعدام المضافة
حظا من الوجود مما لا أصل له إذ الوجود لملكاتها لا لاعدامها و (أوضح بطلانا) ما ربما
يقال بتعلق الطلب ببعض الاعدام وجدانا لان ذلك مغالطة وحصلت من اخذ ما بالعرض مكان
ما بالذات لأنه قد يكون وجود شئ مبغوضا لفساد فيه فينسب المحبوبية إلى عدمه عرضا،
بعد تصوره بالحمل الأولى و (بالجملة) فالامر أوضح من أن يحتاج إلى البيان، وبذلك
يظهران النزاع الدار بين قدماء الأصوليين من أن متعلق النهى هل هو الكف أو نفس ان
لا تفعل ظانين ان الحق منحصر فيهما ليس كما ينبغي بل هنا وجه آخر كما سيوافيك بيانه
واما مخالفته للظواهر اثباتا فلان النهى كالأمر ينحل إلى مادة وهيئة، والمادة تدل على
نفس المهية، والهيئة تدل على الزجر عن المهية أو عن ايجادها بالمعنى الحرفي كما سبق،
وليس هناك شئ يدل على الترك والعدم، لامادة ولا هيئة
والتحقيق كما هو المتبادر من النواهي ان مادتها هي مادة الأوامر لا تدل الا على نفس الطبيعة
ولكن مفاد هيئة الامر هو البعث والتحريك تشريعا ومفاد هيئة النهى هو الزجر والمنع
عن الطبيعة تشريعا وقانونا (والسر) في ذلك ان ملاك الامر هو اشتمال المتعلق على مصلحة
ملزمة كما أن ملاك الاخر هو اشتمال وجود الطبيعة على مفسدة شخصية أو نوعية، فكما
294

ان مقتضى الأول هو التحريك لاستيفائها كذلك مقتضى الثاني هو زجره ومنعه عن ايجادها
والمناسب مع اشتمال الطبيعة على المفسدة هو الزجر عنها لا طلب تركها والبعث إلى
استمرار عدمها، إذ هذا أشبه شئ بالاكل عن القفاء كما لا يخفى ويؤيد ما ذكرنا التفحص
حول سائر اللغات فان مرادف قولنا لا تضرب في الفارسية كلمة (نزن) وليس مفاده عرفا
وتبادرا الا ما ذكرنا على أنه لو صرح بطلب العدم لابد من تأويله كما عرفت من امتناع
تعلق الإرادة به
ثم إنه لا خلاف بين العقلاء في النواهي، ومنها النواهي الشرعية في أن النهى يتميز
عن الامر بان مقتضى النهى لدى العرف هو ترك جميع الافراد عرضية كانت أو طولية بخلاف
الامر فان الغرض منه يحصل بايجاد فرد واحد منه ويسقط الامر به دون جميع الافراد لكن
الكلام في أن ذلك من ناحية اللغة أو حكم العقل أو العرف، فذهب المحقق الخراساني
إلى أن مقتضى العقل ان الطبيعي يوجد بفرد ما وينعدم بعدم جميع الافراد وأنت خبير
بفساد هذه القاعدة لان المراد منها إن كان هو الطبيعة المهملة أي بلا شرط فهي كما توجد
بفرد ما تنعدم بانعدام فرد ما وان أريد الطبيعة السارية في مصاديقها (على اصطلاح القوم)
فهي لا توجد الا بوجود جميع مصاديقها (هذا) وقد عرفناك ان الطبيعي متكثر وجودا و
عدما فكما ان له وجودات كذلك له اعدام بعدد الافراد، إذ كل فرد حائز تمام الطبيعي
بلا نقصان، فعدمه يكون عدما للطبيعي حقيقة وما قرر في المنطق من أن نقيض السالبة
الكلية هو الموجبة الجزئية، ليس مبنيا على أساس عقلي وبرهان علمي بل على الارتكاز
للعرفي المسامحي لان الطبيعة لدى العرف العام توجد بفرد ما وتنعدم بعدم جميع الافراد
(فان قلت) فعلى هذا قد انحلت العويصة لان القاعدة المزبورة وان لم يساعدها
البرهان الا ان الارتكاز العرفي يساعدها في محاوراتهم والنواهي الشرعية تحمل على
المحاورات العرفية (فح) إذا تعلق نهى بطبيعة يكون حكمه العقلائي ان امتثاله بترك
الافراد جميعا
(قلت) نعم لكنه يتولد منه عويصة أخرى وهو ان لازم ذلك أن يكون للنهي امتثال
واحد ومعصية واحدة لعدم انحلاله إلى النواهي مع أن العرف لا يساعده كما ترى، ولذا
لو خولف يرى العرف ان النهى بحاله (هذا) حكم العقل والعرف، و (اما) اللغة فلا دلالة للنهي
295

وضعا بمادته وهيئته عليه ضرورة ان ما تعلق به هيئة الامر عين ما تعلق به هيئة النهى وهو
نفس الطبيعة لا بشرط، والهيئة لا تدل الا على الزجر مقابل البعث وليس للمجموع وضع
على حدة
وأفاد بعض الأعيان المحققين (رحمه الله) في رفع الاشكال ان المنشأ حقيقة ليس
شخص الطلب المتعلق بعدم الطبيعة كذلك، بل سنخه للذي لازمه تعلق كل فرد من الطلب
بفرد من طبيعة العدم عقلا بمعنى ان المولى ينشئ النهى بداعي المنع نوعا عن الطبيعة
بحدها الذي لازمه ابقاء العدم بحده على حاله، فتعلق كل فرد من الطلب بفرد من العدم
تارة بلحاظ الحاكم واخرى بحكم العقل لأجل جعل الملازمة بين سنخ الطلب وطبيعي
العدم بحده انتهى (قلت) وفيه (اما أولا) فبعد الغض عن أن النهى ليس طلبا والمتعلق ليس
عدما، انه منقوض بمثله إذ لقائل أن يقول إن الامر حقيقة في جعل الملازمة بين سنخ
الطلب وطبيعي الفعل مع أنه باطل (واما ثانيا) فان ما يدعى من انشاء سنخ الطلب إن كان
لأجل اتحاد السنخ والطبيعي مع الشخص، فبجعله يصير مجعولا (ففيه) انه لا يفيد لان الطبيعي
في الخارج ليس الا الفرد فلا يكون قابلا للانحلال عقلا، وإن كان لأجل كون جعل طبيعي الطلب
القابل للكثرة ملازما لطبيعي العدم بحيث يصير قابلا للانحلال (ففيه) ان هذا يحتاج
إلى لحاظ غير انشاء الطلب، ويحتاج إلى قرينة وتجوز، ولو التزمنا به فالأهون ما ذهب إليه
بعض الأعاظم من الالتزام بالعموم الاستغراقي في جانب النهى حتى ينحل النهى بتبعه وإن كان
خلاف التحقيق لعدم استعمال المادة في الافراد وجدانا كما لم تستعمل الهيئة في
الطبيعي على ما ادعاه المدعى
وبذلك يظهر الخلل فيما يقال من أن المصلحة تترتب غالبا على صرف الوجود فتكون
تلك الغلبة كاشفا عن تعلق المصلحة بصرف الوجود المتحقق بايجاد فرد كما أن المفسدة
في النهى تترتب على كل فرد فتكون قرينة عامة على أن النهى متعلق بايجاد كل فرد باستقلاله
(انتهى) و (فيه) انه ان أراد من تعلق النهى بكل فرد، ان المادة أخذت مرآة للخصوصيات
والزجر تعلق بكل فرد فقد عرفت امتناع مرآتيتها لها وضعف ما يتمسك به لاثباتها من
سريان الطبيعة واتحادها معها، وان أراد ان النهى متعلق بالطبيعة الا ان تلك الغلبة قرينة
على أن جد المولى هو الزجر عن كل فرد (ففيه) ان الزجر مفاد النهى الاستعمالي فإذا
296

استعملت الهيئة في نفس الطبيعة دون الافراد فلا يرجع كون الزجر عن الافراد جدا إلى
محصل، الا ان يرجع إلى التشبث بالاستعمال المجازى وهو كما ترى
واما ما عن بعض الأكابر (أدام الله اظلاله) من أن الامر لما كان متعلقا بالطبيعة فيكون
فيكون تمام المتعلق له هو الطبيعة فبتحقق فرد منها يتحقق تمام المطلوب فيسقط الامر
لان بقائه مع تحقق تمام المطلوب جزاف، واما النهى فلما كان حقيقته، الزجر عن الوجود
لا طلب الترك يكون حكمه العقلائي هو دفع الطبيعة والزجر عنها بتمام حقيقتها فلا يكون
المطلوب حاصلا، مع انتهاء المكلف في زمان ولا النهى ساقطا، مع الاتيان بفرد فان العصيان
لا يعقل أن يكون مسقطا لا في الامر ولا في النهى فان السقوط اما بحصول المطلوب أو رفع
الموضوع أو موت المكلف أو عدم قابليته للتكاليف لنقصان عارض له أو خروج الوقت في
الموقتات فلا يكون السقوط مستندا إلى المعصية في شئ من الموارد، فتحصل مما ذكر
ان مفاد النهى لما كان هو الزجر فلازم ذلك ما ذكرنا بخلاف ما لو كان طلب الترك (غير تام) بل
ما افاده لا يزيد الا دعوى كون حكم العرف ذلك من غير إقامة برهان مقنع على سره ومجرد
كون مفاد النهى هو الزجر لا يوجب الفرق في الحكم العقلائي، ضرورة ان المولى إذا
قال اترك شرب الخمر أو صرح باني اطلب منك شرب الخمر يكون حكمه العقلائي هو لزوم
الترك مطلقا ومع الترك في زمان والاتيان في الاخر، عد مطيعا وعاصيا فهذا الافتراق ليس
من جهة كون مفاد النهى هو الزجر، بل لو فرض كون الزجر تعلق بصرف الوجود أي ناقض
العدم فمع المخالفة يسقط النهى بالضرورة لانتهاء اقتضائه كما لو نهاه عن ذكر اسمه في
الملاء لغرض عدم معروفيته فمع ذكره يسقط النهى لا لأجل تعلقه، بأول الوجود كما توهم
بل لأجل تعلقه بصرف الوجود فيسقط ما ذكران العصيان لا يوجب السقوط في شئ من
الموارد فالأولى ان يتشبث في جانب النهى بذيل فهم العرف المتبع في تلك المقامات
في كلتا المرحلتين أي مرحلة ان الطبيعي ينعدم بعدم جميع الافراد ومرحلة ان النهى
إذا تعلق بالطبيعة ينحل إلى النواهي من غيران تستعمل الطبيعة في الافراد، ومن غير فرق بين
كون النهى زجرا أو طلب ترك فتأمل
في اجتماع الامر والنهى
(فصل) اختلفوا في جواز اجتماع الامر والنهى وعدمه على أقوال وقبل الخوض في
297

المقصود لابد من تقديم أمور
الأول المعروف في عنوان البحث عن سلف وخلف، (هل يجوز اجتماع الامر
والنهى في شئ واحد، أولا)، ثم ذكروا ان المراد من الواحد هو الواحد الشخصي لا الجنسي،
و (فيه) ان ظاهره هو ان الهوية الخارجية من المتعلقين، محط عروض الوجوب
والحرمة مع أنه من البطلان بمكان لان الخارج لا يكون ظرف ثبوت التكاليف فاجتماع
الامر والنهى فيه مما لا معنى له، والأولى ان يقال هل يجوز اجتماع الامر والنهى على
عنوانين متصادفين على واحد في الخارج أولا ويكون المراد بالواحد هو الواحد الشخصي
لأنه الذي يتصادق عليه العناوين ويخرج الواحد الجنسي، والنوعي مما (اما الأول) لان
العناوين لا تتصادق عليه بل يكون جنسا لها مع أن النزاع في الواحد الجنسي مع قطع
النظر عن التصادق على الواحد الشخصي مما لا معنى له ضرورة ان الحركة في ضمن الصلاة
يمكن ان يتعلق بها الامر وفي ضمن الغصب ان يتعلق بها النهى مع قطع النظر عن تصادقهما
خارجا، واما الثاني فمضافا إلى ما تقدم من عدم محذور مع التكثر شخصا، انه عبارة عن
نفس العنوانين المنطبقين على الواحد الشخصي، وبذلك يتضح ان النزاع على ما ذكرنا
يصير كبرويا لا صغرويا كما زعموا فتدبر
الثاني إذا أحطت خبرا بما أوضحناه في صدر الكتاب عند البحث عن تمايز العلوم
وتمايز مسائل العلم بعضها عن بعض تقف على أن الفرق بين هذه المسألة وبين مسألة
النهى في العبادة أو المعاملة أوضح من أن يخفى بل لا جامع بينهما حتى نبحت
عن تميزهما إذ البحث في المقام على ما ذكرناه انما هو في جواز تعلق الامر والنهى على
بعنوانين متصادقين على واحد كما أن البحث هناك في أن النهى إذا تعلق بالعبادة أو المعاملة
هل يقتضى الفساد أولا، فالمسألتان مختلفتان موضوعا ومحمولا، واختلاف المسائل انما
هو بهما أو بأحدهما لان ذات المسائل متقومة بهما، والتميز بأمر ذاتي هو المميز بين الشيئين
في المرتبة المتقدمة على التميز بأمر عرضي فضلا عن الاختلاف بالاغراض، (فما افاده) المحقق
الخراساني من أن الميز انما هو في الجهة المبحوث عنها التي هي سراية كل من الامر
والنهى إلى متعلق الاخر وعدمها في المقام، وكون النهى بعد تسليم سرايته هل يوجب
الفساد أو لا في غير المقام، ليس بصحيح
لان تمايز العلوم انما هو بذواتها وان ميز مسألة عن أخرى وان كانتا من مسائل
298

علم واحد انما هو بموضوعها ومحمولها معا أو بأحدهما، وإذا كانت القضية متميزة عن
أخرى بجوهرها فلا معنى للتمسك بما هو خارج من مرتبة الذات
(فان قلت) ان الجهات التعليلية في الأحكام العقلية راجعة إلى التقيدية فالسراية و
عدمها من قيود الموضوع لبا فالميز صار بنفس الموضوع أيضا (قلت) لكن القيد بما هو
قيد متأخر عن ذات المقيد فيكون الاختلاف بالذات مميزا قبلها، (أضف) إلى ذلك ان
الجهة المبحوث عنها ليس هو كون التعدد في الواحد يوجب تعدد المتعلق أولا، أو ان
النهى والامر هل يسرى كل منهما إلى متعلق الاخر أولا، بل ما عرفناك من جواز الاجتماع
ولا جوازه ولذلك قلنا إن النزاع كبروي لا صغروي و (عليه) لا حاجة إلى العدول عن العنوان
المعروف إلى شئ آخر الذي هو من مبادئ اثبات المحمول للموضوع ويعد من البراهين
لاثباته فان جواز الاجتماع ولا جوازه يبتنى على السراية وعدمها وعلى ان تعدد العنوان
هل هو مجد أو لا، (وبالجملة) قد جعل قدس سره ما يعد من المبادى والبراهين جهة
بحث ومحط النزاع وهو خارج من دأب المناظرة (هذا كمه) لو أراد بالجهة المبحوث
عنها، محط البحث ومورد النزاع كما هو الظاهر وان أراد علل ثبوت المحمول للموضوع،
أو الغرض والغاية للبحث فالامر أوضح لان اختلاف المسئلتين ليس بهما قطعا، إذ كل قضية
متميز بصورته الذهنية أو اللفظية قبل ان يقام عليه البرهان، بل الغالب صوغ المطالب
في قالب الألفاظ أولا بحيث يتميز كل واحد قبل إقامة البرهان عن الاخر ثم يتفحص عن
براهينه ومداركه كما أن الاختلاف في الغاية فرع اشتمال كل واحد من الامرين على
خصوصية مفقودة في الاخر، حتى يستند التغاير إليها، ومعه يسقط كون الميز بالاغراض
الثالث ان المسألة على ما حررناه أصولية لصحة وقوعها في طريق الاستنباط
والعجب مما أفيد في المقام من جواز جعلها مسألة فقهية حيت ان البحث فيها عن صحة
الصلاة في الدار المغصوبة، أو كلامية لرجوعه إلى حصول الامتثال بالمجمع أولا أو من
المبادى التصديقية لرجوع البحث فيه إلى البحث عما يقتضى وجود الموضوع
لمسألة التعارض والتزاحم و (فيه) ان ما أفيد أولا من كونها فقهية صرف للمسألة إلى مسألة
أخرى واخراج لها من مجراها، ولو جاز ذلك لأمكن جعل جل المسائل الأصولية فقهية
وهو كما ترى ومن ذلك يظهر ان جعلها من المسائل الكلامية أيضا مما لا وجه له لان كون
299

المسألة عقلية لا يوجب كونها داخلا فيها، والا كانت مسائل المنطق وكليات الطلب كلامية
والقول بان مرجع المسألة إلى أنه هل يحسن من الحكيم الامر والنهى بعنوانين
متصادقين على واحد أولا أو هل يحصل الامتثال بالمجمع أولا قد عرفت حاله فان ذلك
اخراج للشئ من مجراه الطبيعي، و (اما) ما اختاره ثانيا من كونها من المبادى التصديقية
(ففيه) ان كون بحث، محققا وعلة لوجود موضوع بحث آخر، لا يوجب أن يكون من
المبادى التصديقية له كيف وبراهين اثبات وجود الموضوع لو سلم كونها من
المبادى التصديقية غير علل وجوده، والله تعالى علة وجود الموضوعات ومحققها وليس
من المبادى التصديقية لشئ من العلوم مع أن في كون هذه المسألة محققة لوجود
الموضوع لمسألة التعارض كلا ما سيوافيك بيانه في المباحث الآتية بإذن الله فارتقب
حتى حين
وربما يقال في مقام انكار كونها من المسائل الأصولية ان موضوع علم الأصول ما هو
الحجة في الفقه ولابد ان يرجع البحث في المسائل إلى البحث عن عوارض الحجة وليس
البحث في المقام عن عوارضها لان البحث عن جواز اجتماع الامر والنهى في عنوانين ليس
بحثا عن عوارض الحجة في الفقه (وفيه) بعد تسليم كون الموضوع ما ذكره والغض عما
تقدم في صدر الكتاب وان المراد من لزوم كون البحث عن عوارض الحجة في الفقه،
إن كان هو البحث عن عوارض الحجة بالحمل الأولى، فيلزم خروج كثير من المباحث الا
مع تكلفات باردة، وإن كان المراد البحث عن عوارض ما هو حجة في الفقه بالحمل الشايع
أي ما يستنتج منها نتيجة فقهية، ففيه ان المقام كذلك، وقد أوضحناه فوق ما يتصور عند
البحث عن حجية الخبر الواحد ومضى ذكر منه، عند البحث عن وجوب مقدمة الواجب (1)
الرابع لا اشكال في عدم اعتبار قيد المندوحة لو كان النزاع صغرويا لان البحث
عن أن تعدد العنوان هل يرفع غائلة اجتماع الضدين أو لا، لا يبتنى على وجود المندوحة،
إذ لو كان تعدد الوجه مجديا في رفع غائلة اجتماع الضدين لكان وجود المندوحة وعدمها
سواء، وان لم يكن مجديا في رفعها لما كان لوجودها ولا لعدمها اثر أصلا و (بالجملة) البحث
في تلك الحيثية جواز وامتناعا، لا يتوقف على وجودها وعدمها واما على ما اخترناه من
كبروية النزاع وان محط البحث هو جواز اجتماع الامر والنهى على عنوانين متصادقين

راجع صفحة 157 تجد فيها وفي هامشها ملخص مرامه في كلا المقامين
300

على واحد فقد يقال باعتبارها في المقام لان النزاع في اجتماع الحكمين الفعليين لا الانشائين
ضرورة عدم التنافي في الانشائيات ومع عدمها يصير التكليف بهما تكليفا بالمحال وان لم
يكن تكليفا محالا
(قلت) الظاهر أن ما ذكر نشأ من خلط الاحكام الكلية بالجزئية والخطابات
القانونية بالخطابات الشخصية، وتوضيحه ان العنوانين إن كان بينهما تلازم في الوجود
بحيث لا ينفك أحدهما عن الاخر في جميع الأمكنة والأزمنة وعند جميع المكلفين ممن
غير أو حضر، فالبعث إلى أحدهما والزجر عن الاخر مع كون حالهما ذلك، مما لا يصدر
عن الحكيم المشرع بل من غيره لان الإرادة الجدية انما تنقدح في مورد يقدر الغير على
امتثاله، وعند التلازم في الوجود كان التكليف محالا لأجل التكليف المحال فضلا عن
كونه تكليفا بالمحال ومعه لا يلزم التقييد بالمندوحة كما سنشير إليه واما إذا فرضنا عدم
التلازم في الوجود في كل عصر ومصر، وعند جميع المكلفين وان عامة الناس يتمكنون
من اتيان الصلاة في غير الدار المغصوبة غالبا، وانه لو ضاق الامر على بعضهم بحيث لم
يتمكن الا من الصلاة في الدار المغصوبة، لكان من القضايا الاتفاقية التي يترقب زوالها،
فلا حاجة إلى اعتبار المندوحة لما قد حققنا ان الأحكام الشرعية لا تنحل إلى خطابات بعدد
الافراد حتى يكون كل فرد مخصوصا بخطاب خاص فيستهجن الخطاب إليه بالبعث نحو
الصلاة والزجر عن الغصب، ويصير المقام من التكلف بالمحال أو التكليف المحال، بل
معنى عموم الحكم وشموله قانونا هو جعل الحكم على عنوان عام مثل المستطيع يجب
عليه الحج، ولكن بإرادة واحدة وهى إرادة التشريع وجعل الحكم على العنوان، حتى
يصير حجة على كل من أحرز دخوله تحت عنوان المستطيع، من دون أن يكون هناك
إرادات وخطابات و (ح) فالملاك لصحة الحكم الفعلي القانوني هو تمكن طائفة منهم من
اتيان المأمور به، وامتثال المنهى عنه لاكل فرد فرد وعجز بعض الافراد لا يوجب سقوط
الحكم الفعلي العام بل يوجب كونه معذورا في عدم الامتثال، (والحاصل) انه ان أريد بقيد
المندوحة حصول المندوحة لكل واحد من المكلفين فهو غير لازم لان البحث في جواز
تعلق الحكمين الفعليين على عنوانين ولا يتوقف ذلك على المندوحة لكل واحد منهم لان
الاحكام المتعلقة على العناوين لا تنحل إلى انشاءات كثيرة حتى يكون الشرط تمكن كل
301

فرد بالخصوص، (وعليه) فالحكم الفعلي بالمعنى المتقدم فعلى، على عنوانه وإن كان بعض
المكلفين معذورا في عدم امتثاله، وان أريد بقيد المندوحة، كون العنوانين مما ينفكان
بحسب المصداق في كثير من الأوقات وان لم يكن كذلك بحسب حال بعض المكلفين،
فاعتبار المندوحة وإن كان لازما في هذه المسألة لكن لا يحتاج إلى تقييد البحث به فان
تعلق الحكم الفعلي بعنوان ملازم لمنهى عنه فعلا، مما لا يمكن للغوية الجعل على العنوانين
بل لابد للجاعل من ترجيح أحد الحكمين على الاخر أو الحكم بالتخيير مع عدم الرجحان
فتقييد العنوان بالمندوحة غير لازم على جميع التقادير
الخامس ربما يقال إن النزاع انما يجرى على القول بتعلق الاحكام بالطبايع و
اما على القول بتعلقها بالافراد فلا مناص عن اختيار الامتناع (أقول) الحق جريانه في بعض
صور القول بتعلقها بالافراد وعدم جريانه في بعض آخر اما الثاني ففي موردين الأول ما
إذا قلنا بتعلقها بالفرد الخارجي الصادر عن المكلف، ولكنه بديهي البطلان لكون الخارج
ظرف السقوط لا الثبوت، ولم يظهر كونه مراد القائل كما سبق (الثاني) ما إذا أريد من
القول بتعلقها بالافراد هو تعلقها بها مع كل ما يلازمها ويقارنها حتى الاتفاقيات منها فلو
فرضنا ايجاد الصلاة في الدار المغصوبة، يكون متعلق الأمر هو الطبيعة مع جميع ما
يقارنها حتى وقوعها في محل مغصوب بحيث أخذت هذه العناوين في الموضوع ويكون
متعلق النهى هي طبيعة الغصب مع ما يقارنها حتى وقوعها في حال الصلاة و (عليه) يخرج
المفروض من مورد النزاع لكون طبيعة واحدة وقعت موردا للامر والنهى ويصير من
باب التعارض، إذ البحث فيما إذا تعدد العنوان وان اتحد المعنون، و (اما الأول) أعني
الصور التي يمكن فيها جريان النزاع فكثير (منها) ان يراد من تعلقها بالافراد
تعلقها بها بالعنان الاجمالي لها بان يقال إن معنى صل أوجد فرد الصلاة فيكون فرد
الصلاة فرد الغصب عنوانين كليين منطبقين على معنون واحد كالأمر بطبيعة الصلاة، والنهى
عن طبيعة الغصب و (منها) ان يراد تعلقها بالطبيعة الملازمة للعناوين المشخصة أو امارات
التشخص كطبيعي الأين ومتى فيكون الواجب طبيعة الصلاة مع مكان كلي وهكذا
ساير العناوين والحرام الطبيعة الغصبية المتصفة بالوضع والمكان الكليين وغيرهما (كك)
فاختلف العنوانان وان اتحد المعنون، و (منها) ان يراد تعلقهما بالوجود السعي من كل
302

طبيعة فالواجب هو عنوان الوجود السعي من الطبيعة فقط لا الوجود السعي مع عوارضها و
لواحقها وقس عليه الحرام فهنا عنوانان، عنوان الوجود السعي من الصلاة، والوجود السعي
من طبيعة الغصب مع القاء الوجود السعي لعوارضهما ومشخصاتهما، و (منها) تعلقهما بعنوان
وجودات الصلاة والغصب في مقابل الوجود السعي فإنه لا يخرج به من العنوانين المختلفين،
(فظهر) ان النزاع جار على القول بتعلقهما بالافراد على الفروض التي تصح أن تكون
محل النزاع
(السادس) يظهر من المحقق الخراساني ابتناء النزاع في المقام على احراز المناط
في متعلقي الايجاب والتحريم، ولكن التحقيق عدم ابتنائه عليه اما على القول بان النزاع
صغروي والبحث حيثي راجع إلى أن تعدد العنوان يوجب تعدد المعنون أولا فواضح لان
اشتمالهما على المناط وعدمه لا دخل له في أن تعدد العنوان هل يوجب تعدد المعنون أولا، واما
على ما حررناه من أن النزاع كبروي، وان البحث في أن الامر والنهى هل يجوز اجتماعهما
في عنوانين متصادقين على واحد أولا، فالامر أوضح لان احراز المناط ليس دخيلا في
الامكان وعدمه، بل لابد من اخذ القيود التي لها دخل تام في اثبات الامكان والامتناع
والذي يختلج في البال وليس ببعيد عن مساق بعض عبائره أن يكون مراده قدس
سره فيما افاده في الأمر الثامن والتاسع هو ابداء الفرق بين هذا المقام وبين باب التعارض
دفعا عن اشكال ربما يرد في المقام وهوان القوم رضوان الله عليهم لما عنونوا مسألة جواز
الاجتماع، مثلوا له بالعامين من وجه واختار جمع منهم جواز الاجتماع، ولكن هذا الجمع
لما وصلوا إلى باب التعارض جعلوا العامين من وجه أحد وجوه التعارض، ولم يذكر أحد
منهم جواز الجمع بينهما بصحة اجتماع الامر والنهى في عنوانين بينهما عام من وجه فصار
قدس سره بصدد دفع هذا الاشكال بالفرق بين البابين بان كون العامين من وجه من باب
الاجتماع مشروط باحراز المناط حتى في مورد التصادق والا دخل باب التعارض (وبالجملة)
فالميز التام هو دلالة كل من الحكمين على ثبوت المقتضى في مورد الاتفاق أو عدمها، (هذا)
ولكن يمكن ان يقال إن الميز بين البابين ليس بما ذكر، إذ الميزان في عد الدليلين متعارضين
هو كونهما كذلك في نظر العرف، ولذا لو كان بينهما جمع عرفي خرج من موضوعه فالجمع
والتعارض كلاهما عرفيان وهذا بخلاف المقام فان التعارض فيه انما هو من جهة العقل إذ
303

العرف مهما أدق النظر وبالغ في ذلك لا يرى بين قولنا صل ولا تغصب تعارضا لان الحكم على
عنوانين غير مرتبط أحدهما بالآخر كما أن الجمع أيضا عقلي مثل تعارضه، و (عليه)
فكل ما عده العرف متعارضا مع آخر وان أحرزنا المناط فيهما فهو داخل في باب التعارض
ولابد فيه من اعمال قواعده من الجمع والترجيح والطرح، كما أن ما لم يعده متعارضا مع
آخر وآنس بينهما توفيقا وان عدهما العقل متعارضين فهو من باب الاجتماع وان لم يحرز
المناط فيهما، و (بالجملة) موضوع باب التعارض هو الخبران المختلفان والمناط في
الاختلاف هو الفهم العرفي، والجمع هناك عرفي لا عقلي بخلافه ههنا، فان المسألة عقلية
فلا ربط بين البابين أصلا، فما ادعى من المناط غير تام طرد أو عكسا كما عرفت والسر فيه
ان رحى باب التعارض يدور على العمل بالأخبار الواردة فيه، وموضوعها مأخوذ من العرف
كموضوع سائر ما ورد في الكتاب والسنة فكلما يحكم العرف باختلاف الخبرين وتعارضهما
يعمل بالمرجحات، وكلما يحكم بعدمه لأجل الجمع العرفي أو عدم التناسب بين الدليلين
لا يكون من بابه، فقوله صل ولا تغصب غير متعارضين عرفان لان الحكم على العنوانين بنحو
الاطلاق بلا ارتباط بينهما فليس بينهما اختلاف عرفا، ولو لم نحرز المناطين، كما أن قوله
أكرم كل عالم معارض عرفا في الجملة لقوله لا تكرم الفساق ولو فرض احراز المناطين
في مورد الاجتماع وقلنا بجواز الاجتماع حتى في مثله، لان الحكم فيهما على الافراد بنحو
العموم فيدلان على اكرام والمجمع عدم اكرامه
وبذلك يظهر ان ما ذكره بعض الأعاظم من أن هذه المسألة محققة لموضوع مسألة
التعارض في غير محله لما عرفت من أن المسئلتين لا جامع بينهما ولا إحديهما مقدمة للاخر
كما أن ما ادعاه من أن التمايز بين البابين هو ان التركيب في باب الاجتماع انضمامي، وفي
باب التعارض إتحادي لا يرجع إلى محصل وسيتضح ان حديث التركيب الانضمامي
والإتحادي أجنبي عن هذه المقامات فارتقب
السابع قد يقال إنه لا ملازمة بين القول بالجواز والقول بصحة العبادة، لوجود
ملاك آخر للبطلان في بعض الموارد كالصلاة في الدار المغصوبة لان التصرف في مال
الغير بلا اذنه في الخارج عين الحركة الصلاتية، والمبعد عن ساحة المولى لا يمكن أن يكون
مقربا، (نعم) مع جهله بالموضوع أو الحكم قصورا تصح صلوته بلا اشكال والمعيار
304

الكلى في الحكم بالصحة والبطلان هو انه كلما كانت الخصوصية العبادية في المصداق
غير الخصوصية المحرمة وجودا، وان جمعهما موضوع واحد، تصح العبادة ولا يرد الاشكال
لان المكلف يتقرب بالجهة المحسنة، وليست فيها جهة مقبحة على الفرض، وان قارنتها
أو لازمتها، ولكن المقارنة أو اللزوم لا يضر بعباديتها، وكلما كان العنوانان موجودين بوجود
واحد، وخصوصية فاردة لا يمكن التقرب به، وان جوزنا اجتماع الامر والنهى
فان التقرب بما هو مبعد بالفعل مما لا يمكن، هذا وسيأتى تحقيق المقام وان المبعد من
حيثية، يمكن أن يكون مقربا من حيثية أخرى فانتظر، ثم إن بعض أعاظم العصر (رحمه الله) قد أفاد
في تقريراته ان الصلاة في الدار المغصوبة من قبيل الأول، وان الحركة الصلاتية غير الحركة
الغصبية خارجا، لأن الغصب من مقولة الأين والصلاة من مقولة الوضع والظاهران تكون أفعال الصلاة
من مقولة الوضع سواء قلنا إن المأمور به في مثل الركوع والسجود هو الهيئة كما هو مختار الجواهر
أو الفعل كما هو المختار فان المراد من الفعل ليس هو الفعل باصطلاح المعقول بل الفعل الصادر
عن المكلف فيكون الانحناء إلى الركوع أوضاعا متلاصقة متصلة، ثم المقولات متباينات، وبسائط
يكون ما به الامتياز فيها عين ما به الاشتراك، وان الحركة ليست داخلة في المقولات بل هي مع كل
مقوله عينها، ولم تكن الحركة جنسا للمقولين، والا يلزم تفصل الواحد بالفصلين المتبائنين
في عرض واحدة ويلزم التركيب فيها، ولا معروضا لهما والا يلزم قيام العرض بالعرض وهو
محال، فالحركة الغصبية تكون من مقولة متباينة للحركة للصلاتية، وليس المرد من
الحركة هو رفع اليد أو وضعها، ورفع الرأس أو وضعه بل المراد الحركة الصلاتية، والغصبية، وهما
حركتان كما عرفت فكون حيثية الصلاتية غير حيثية الغصبية وجودا وماهية، يجوز اجتماع الامر
والنهى فيها، ويكون المقرب غير المبعد، والشاهد على ما ذكرنا من اختلافهما وجودا، ان نسبة
المكان إلى المكين والإضافة الحاصلة بين المكين والمكان لا يعقل ان تختلف في الجوهر
والعرض فكما ان كون زيد في الدار المغصوبة لا يوجب كونه غصبا فكذلك كون الصلاة
فيها فالتركيب بينهما انضمامي لا إتحادي (انتهى ملخصا) وفيها موارد للنظر نذكر مهماتها
منها ان الصلاة ليست من المقولات بل من المهيات الاختراعية المركبة من عدة
305

أمور اعتبارية ومقولية، ومثل ذلك لا يندرج تحت مقولة، ولا تحت مهية من المهيات الأصلية،
هذا ان أريد من الصلاة نفسها وان أريد اجزائها كالركوع مثلا فغير صحيح لأنه ان
قلنا إن الركوع عبارة عن الحركة من الاستقامة إلى الانحناء تعظيما، بحيث يكون مركبا
من الهوى والحالة الحاصلة حين الانحناء التام فلا يكون من مقولة الوضع فقط بل يكون
أحد جزئيه أعني الهوى من مقولة الحركة في الأين ويكون من مقولة الأين بناء على أن
الحركة في كل مقولة عينها، والعجب أن القائل سمى هذه الحركة الأينية، انها أوضاع
متلاصقة وغفل عن أن تبدل الأوضاع وتلاصقها من لوازم هذه الحركة كما يكون الجزء الآخر
أعني الحالة المخصوصة من مقولة الوضع وان قلنا إنه عبارة عن نفس الهيئة
المخصوصة تعظيما، الحاصلة بعد الانحناء التام، فلا يندرج تحت المقولة لان كونه
تعظيما من مقوماته، وهو لا يندرج تحت مقولة، على أن هذا الاشكال يرد على الشق
الأول أيضا؟ إذا قلنا بكون التعظيم قيدا أو جزءا (أضف إليه) ان مبناه ان الجزء للصلاة
هو الفعل كما صرح به، والفعل الصادر من المكلف هو الحركة من الاستقامة إلى الانحناء
وتبدل الأوضاع يكون لازما له، وما هو جز، للصلاة على الفرض هو الفعل الصادر عنه، لا
الأوضاع المتلاصقة (هذا) مع ما في تلاصق الأوضاع من مفاسد غير خفى على أهله ومن له
المام بالمعارف العقلية
ومنها ان الغصب لا يكون من المقولات لأنه الاستيلاء على مال الغير عدوانا و
وهو من الأمور الاعتبارية ولا يدخل في مهية الكون في المكان فالكون في المكان
المغصوب ليس غصبا بل استقلال اليد عليه واستيلائها غصب سواء كان الغاصب داخلا فيه أم لم
يكن وهذا واضح بأدنى تأمل مع أنه لو فرض الغصب هو الكون في المكان الذي للغير عدوانا لم
يصر من مقولة الأين (اما أولا) فلان المقولة ليست نفس الكون في المكان بل هي هيئة حاصلة
من كون الشئ في المكان، و (اما ثانيا) فلان مهية الغصب متقومة بكون المكان للغير ويكون
اشغاله عدوانا وهما غير داخلين في مهية مقولة الأين فعلى هذا الفرض الباطل بكون
المقولة جزء مهية الغصب
ومنها ان عدم صحة الصلاة ليس لأجل الغصب أي استقلال اليد بل لأجل التصرف
306

في مال الغير بلا اذن منه، وهذا عنوان آخر غير الغصب، فإنه قد يكون الشخص متصرفا في
مال الغير بلا اذنه مع عدم كونه غاصبا لعدم استقلال يده عليه وقد يكون غاصبا بلا تصرف
خارجي في ماله، فالصلاة في الدار المغصوبة باطلة لا لأجل استقلال اليد على ملك الغير
لأنه أمر اعتباري لا ينطبق على الصلاة غالبا بل لأجل التصرف في مال الغير، ضرورة
ان الحركة الركوعية والسجودية عين التصرف في مال الغير، بل السجود على سبعة أعظم
تصرف: والكون القيامي والعقودي وغيرهما تصرف في مال الغير، وحرام، فلا يمكن
التقرب بما هو مبعد على الفرض قيل بجواز الاجتماع أم لم يقل، وسيأتى انشاء الله ان جواز
الاجتماع لا يتوقف على كون الحيثيات تقييدية والتركيب انضماميا كما بنى عليه قدس سره
ومما ذكره يعلم حال ما ذكره من قياس كون زيد في الدار المغصوبة بكون الصلاة فيها،
فان الصلاة لما كانت فعل المكلف، تكون تصرفا في مال الغير، (واما) زيد فنفس ذاته لا يكون
فعلا حتى يكون تصرفا بل كون زيد في الدار غصب لا ذاته على مبناه، أو تصرف على ما
ذكرنا وزيد غاصب أو متصرف كما أن صلوته باعتبار كونها من اكوانه وافعاله غصب و
تصرف، وهو غاصب ومتصرف، والامر أوضح من أن يحتاج إلى البيان
الثامن بناء على الامتناع وترجيح جانب الامر تصح الصلاة في الدار المغصوبة
إذا لم يكن هناك مندوحة، (واما) معها فلا ملاك لتقييد النهى المتعلق بالغصب، بلغ
ملاك الغصب ما بلغ لعدم دوران الامر بينهما، بل مقتضى الجمع بين الغرضين تقييد الصلاة
عقلا أو شرعا بغير محل الغصب، فاطلاق كلام المحقق الخراساني بأنه بناء على الامتناع و
ترجيح جانب الامر تصح صلوته ولا معصية عليه (مخدوش) واما بناء على
ترجيح جانب النهى فمع العمد أو الجهل بالحكم تقصيرا لا اشكال في بطلانها، واما مع
القصور فصحتها متوقف على أمرين (أحدهما) اثبات اشتمال الصلاة في مورد الاجتماع
على الملاك التام (وثانيهما) كون الملاك المرجوح قابلا للتقرب، ومصححا لعبادية الصلاة
و (الأول) ممتنع بناء على كون الامتناع لأجل التكليف المحال لا التكليف بالمحال و
ذلك للتضاد بين ملاك الغصب وملاك الصلاة، فان أمكن رفع التضاد بين الملاكين باختلاف
الحيثيتين، أمكن رفعه في الحكمين، ولا يلتزم به الخصم (فالقائل) بالامتناع لابد له من
307

الحكم بان الحيثية التي تعلق بها الحكم الالزامي عين ما تعلق به النهى، ومع وحده الحيثية
لا يعقل تحقق الملاكين، فلابد أن يكون المرجوح، بلا ملاك فعدم صحه الصلاة لأجل
فقدان الملاك ومعه لا دخالة للعلم والجهل في الصحة والبطلان
(وبالجملة) الامر لا يتعلق بالذات الا بما هو حامل الملاك بالذات، وكذا النهى
فمتعلقهما عين حامل الملاك وهو مع وحدته غير معقول، ومع تكثره يوجب جواز الاجتماع
فتصور الحيثيتين الحاملتين للملاك يناقض القول بالامتناع من جهة التكليف الذي هو
المحال فتدبر جيدا
واما الثاني فهو بعد تصور الملاك قابل للتقرب به لان الحيثية الحاملة لملاك الصلاة
غير الحيثية الحاملة لملاك الغصب فأتمية ملاك النهى من الامر لا يوجب تنقيصا في ملاكه
فملاكه تام لكن لم ينشأ الحكم على طبقه لأجل المانع، وهو أتمية ملاك الغصب، وهو
غير قابل لمنع صحتها لكفاية الملاك التام في صحتها مع قصد التقرب فعدم الامر هيهنا
كعدمه في الضدين المتزاحمين
وربما يقال بالفرق بين المقامين بان باب الضدين من قبيل تزاحم الحكمين في مقام
الامتثال وصرف قدرة العبد بعد صحة انشاء الحكمين على الموضوعين وباب الاجتماع من
قبيل تزاحم المقتضين لدى الامر فلا تأثير لعلم المكلف وجهله ههنا بخلافه هناك (وان
شئت قلت) يكون المقام من صغريات باب التعارض ومع ترجيح جانب النهى
ينشأ الامر بالصلاة في غير المغصوب، والتقييد هنا كسائر التقييدات فالصلاة في المغصوب
ليست بمأمور بها، (وفيه) مضافا إلى ما عرفت سابقا من أن انسلاك الدليلين في صغرى
باب التعارض منوط ومعلق على التعارض العرفي وعدم الجمع العقلائي، لا التعارض العقلي
الذي في المقام (ان الكلام) ههنا في صحة الصلاة بحسب القواعد، وهى غير منوطة على
الامر الفعلي والا فلازمه البطلان في المقامين وعلى، كفاية تمامية الملاك في عبادية العبادة
وهى موجودة في البابين، ومجرد عدم انشاء الحكم ههنا لأجل المانع، وانشائه هناك لو
سلم لا يوجب الفرق بعد تمامية الملاك، و (دعوى) عدم تماميته ههنا لان الملاك مكسور
بالتزاحم (ممنوعة) لان مقتضى أتمية ملاك الغصب وإن كان عدم جعل الحكم على الصلاة
لكن ليس مقتضاها صيرورة ملاكها ناقصا (فان) أريد بالمكسورية هو النقصان فهو ممنوع
308

جدا، لان الملاكين القائمين بحيثيتين لا معنى لانكسار أحدهما بالآخر، (وان) أريد بها
ان الحكم بعد تزاحمها يصير تابعا للأقوى، فهذا مسلم لكن لا يوجب نقصا في ملاك المهم
فهو على ملاكه باق، الا ان النهى صار مانعا من تأثيره في جوازه التقرب به ومع عدم تأثير
النهى لا مانع عن تأثيره في الصحة بعد كفاية الملاك التام بل مانعية النهى المعلوم، عن صحة
الصلاة لأجل ملاكها التام محل اشكال في هذا الفرض بل الظاهر صحتها ولو مع العلم
بالنهي لامكان التقرب بالحيثية الحاملة للملاك، والنهى المتعلق بحيثية أخرى لا يوجب
البطلان وسيجئ زيادة توضيح لهذا فارتقب
التاسع انه لا كلام في عدم جريان النزاع في المتبائنين والمتساويين والظاهر
جريانه في الأعم والأخص المطلقين إذا كان المنهى عنه أخص ولم يؤخذ مفهوم الأعم في
الأخص بان تكون الأعمية والا خصية بحسب المورد لا المفهوم وذلك لان العنوانين
مختلفان، وهما متعلقان للامر والنهى كما سيأتي، ومجرد الاتحاد في المصداق لا يضر
المجوز، واما العام والخاص بحسب المفهومين فقد يقال بعدم كونه محلا للنزاع لأن المطلق
عين ما اخذ في المقيد، ووصف الاطلاق ليس بشئ فلا يمكن ان يقع المطلق مورد
الحكمين، (ولاحد) أن يقول إن عنوان المطلق غير عنوان المقيد والحكم في المقيد لم
يتعلق بالمطلق مع قيده بل بالمقيد بما هو مقيد، ونفس الطبيعة بلا قيد، لم تكن موضوعا
للحكم في المقيد، وهى موضوع في المطلق فالمطلق في أحد الدليلين ذا حكم دون الاخر،
والامر الضمني لا أساس له فيجرى فيهما، والمسألة محل اشكال وتأمل وإن كان عدم
جريانه أشبه وللمقال تتمه فانتظرها واما العامان من وجه فلا اشكال في جريانه فيهما
الا إذا اخذ مفهوم أحدهما في الاخر كقوله صل الصبح، ولا تصل في الدار المغصوبة
فيأتي فيه الاشكال المتقدم، وقد يقال إن جريان النزاع في العامين من وجه يتوقف على أمور
(منها) أن تكون النسبة واقعا بين نفس الفعلين الصادرين من المكلف بإرادة واختيار
كما في الصلاة والغصب واما إذا كانت بين الموضوعين كما في العالم والفاسق فهو خارج
عن محل النزاع لان التركيب بينهما إتحادي لا انضمامي، ولازمه تعلق الامر بعين ما تعلق
به النهى فلابد فيهما من اجراء قواعد التعارض، ومنه علم عدم جريانه فيما إذا كان للفعل
عنوانان توليديان، بان تكون النسبة بينهما العموم من وجه كما لو أمر باكرام العالم ونهى عن
309

اكرام الفاسق فقام المكلف لأجل اكرامهما تعظيما، فان القيام يتولد منه التعظيمان وهما
وان كانا بحيثيتين انضماميتين، لكن الامر بهما أمر بالسبب، فينجر إلى تعلقه بشئ واحد
وجودا وايجادا
ومنها أن يكون بين الفعلين تركيب انضمامي لا إتحادي فيخرج مثل اشرب ولا
تغصب إذا كان الماء مغصوبا فان نفس الشرب هو الغصب فالتركيب الاتحادي لا يجرى
فيه النزاع انتهى كلامه
(وفيه) ان قضية التركيب الانضمامي والإتحادي أجنبية عن مسألة اجتماع الامر
والنهى، وسيوافيك ان الجواز لا يبتنى على التركيب الانضمامي فان التركيب الخارجي
اتحاديا أو انضماميا غير مربوط بمقام متعلقات الاحكام التي هي العناوين لا المصاديق
الخارجية، و (عليه) يجرى النزاع في مثل أكرم العالم ولا تكرم الفاسق، وكذا في مثل
اشرب ولا تغصب مع كون الماء غصبا، وكذا في الافعال التوليدية، وان قلنا بتعلق الامر
بالأسباب فان قوله أكرم زيدا، ولا تكرم عمرا كقوله قم لزيد ولا تقم لعمر، فهما عنوانان
مختلفان يجوز تعلق الامر بأحدهما والنهى بالآخر، سواء في ذلك السبب والمسبب
التوليدي مع أن المبنى أي رجوع الامر إلى السبب محل منع واشكال
إذا عرفت ما ذكرنا فالتحقيق هو الجواز ويتضح بترتيب مقدمات
الأولى ان الحكم بعثا كان أو زجرا، إذا تعلق بعنوان مطلق أو مقيد يمتنع ان
يتجاوز عن متعلقه إلى مقارناته الاتفاقية ولوازمه الوجودية حتى يقع الخارج من المتعلق
تحت الامر أو النهى فان تجاوزه عنه إلى ما دخالة له في تحصيل غرضه، جزاف بلا ملاك و
(بالجملة) ان الإرادة التشريعية كالتكوينية في ذلك فكما ان الثانية تابعة لادراك الصلاح
ولا تتعلق الا بما هو دخيل بحسب اللب في تحصيل الغرض ولا تسرى من موضوعه إلى مالا
دخالة له في وعاء من الأوعية فكذلك الأولى، (وان شئت قلت) تعلق الامر بالصلاة لا يمكن
الا إذا كانت الخصوصيات المأخوذة فيها دخيله في تحصيل المصلحة، فكما لا يمكن تعلقه
بالفاقد منها، كذلك لا يمكن تعلقه بالخصوصية غير الدخيلة في تحصيلها، وقس عليه تعلق
النهى بعنوان الغصب أو التصرف في مال الغير بلا اذن منه، فالمقارنات الاتفاقية، والملازمات
الوجودية للمأمور به في الوجود الخارجي أو الذهني كلها خارجة من، تحت الامر
310

الثانية ان الاطلاق كما أوعزنا إليه وسيوافيك في محله ليس الا كون ما وقع
تحت الامر تمام الموضوع للحكم، واما ما ربما يتوهم من أن الاطلاق عبارة عن لحاظ المطلق ساريا
في افراده، دارجا في مصاديقه أو مرآة لحالاته، فضعيف غايته، لان سريان الطبيعة
في افراده أمر ذاتي على ما حرر في محله، (هذا أولا)، وعدم امكان كون المهية آلة للحاظ تلك
الخصوصيات (ثانيا) بل لابد هنا من دال آخر يدل على الكثرة وراء الطبيعة من لفظة كل أو
اللام المفيدة للاستغراق، ومعه يصير عموما لا اطلاقا، وبه يظهر ان ما ربما يقال من أن معنى
الاطلاق هو كون الشئ بتمام حالاته ولواحقه موضوعا للحكم، وان معنى قوله إن ظاهرت
فأعتق رقبة مؤمنة، هو انه يجب عليك عتقها سواء كانت عادلة أم فاسقة عالمة أم جاهلة، مما
لا أصل له، إذ الدخيل في الغرض هو ذات الطبيعة لا حالاتها وقيودها المتصورة، ولذلك قد
ذكرنا في محله ان الاطلاق واقع في عداد الدلالات العقلية، أي دلالة فعل المتكلم بما هو
فاعل مختار، بحسب العقل على ما افاده هو تمام مقصوده ومحصل غرضه، فعلى ما ذكرنا
فاطلاق قوله سبحانه أقم الصلاة الخ على فرض اطلاقه عبارة عن تعلق الحكم بها بلا دخالة
لشئ آخر في الموضوع، واطلاق قوله لا يجوز التصرف في مال الغير بلا اذنه عبارة عن
كون ذاك العنوان تمام الموضوع للحرمة، فلا يمكن أن يكون الأول ناظرا إلى الصلاة في
الدار المغصوبة ولا الثاني إلى التصرف، بمثل الصلاة
الثالثة ان اتحاد المهية اللابشرط مع الف شرط في الوجود الخارجي، لا يلزم
منه حكاية المعروض عن عارضه إذا كان خارجا من ذاتها ولاحقا بها لان حكاية اللفظ دائرة
مدار الوضع منوطة بالعلقة الاعتبارية وهو منتف في المقام واما المعنى والمفهوم اللابشرط
فيمتنع أن يكون كاشفا عن مخالفاته بحسب الذات والمفهوم، وان اتحد معها وجودا، الا ترى
ان الوجود متحد مع المهية ولا تكشف المهية عن الوجود، والاعراض كلها متحدة مع
معروضاتها ولكن البياض لا يكشف عن الانسان، واما الانتقال من أحد المتلازمين إلى
الاخر أو من أحد الضدين إلى الاخر فقد مر ان ذلك من باب تداعى المعاني الذي يدور
مدار الموافاة الوجودية أو وقوع المطاردة بينهما في محل واحد، ومثل ذلك لا يسمى
كشفا ودلالة، و (عليه) فالصلاة وان اتحدت أحيانا مع التصرف في مال الغير بلا اذنه في
الخارج لكن لا يمكن أن تكون مرآة له وكاشفة عنه فالاتحاد في الوجود غير الكشف
311

عما يتحد به
الرابع وهو الحجر الأساسي لاثبات جواز الاجتماع ان متعلق الاحكام هو
الطبيعة اللابشرط المنسلخة عن كافة العوارض واللواحق، لا الوجود الخارجي أو الايجاد
بالحمل الشايع لان تعلق الحكم بالموجود لا يمكن الا في ظرف تحققه، والبعث إلى ايجاد
الموجود بعث إلى تحصيل الحاصل وقس عليه الزجر لان الزجر عما تحقق خارجا أمر ممتنع،
ولا الوجود الذهني الموجود في ذهن الآمر لأنه بقيد كونه في الذهن لا ينطبق على الخارج
بل متعلق الاحكام هي نفس الطبيعة غير المتقيدة بأحد الوجودين بل ذات المهية التي تعرضه
الكلية وتنطبق على كثيرين ولها عوارض ولوازم بحسب حالها، ولكن لما كان تعلق الحكم
متوقفا على تصور الموضوع، والتصور هنا هو الوجود الذهني، فلا محالة يكون ظرف
تعلق الحكم بها هو الذهن فالطبيعة متعلقة للحكم في الذهن لا بما هي موجودة فيه ولا
بما هي موجودة في الخارج بل بما هي هي مع قطع النظر عن تحصله في الذهن وتنورها
به والاحتياج إلى تصورها ليس الا، لأجل توقف جعل الحكم على تصور الموضوع (وبالجملة)
ان وزان الحكم بالنسبة إلى متعلقة وزان لوازم المهية إلى نفسها فان لزوم الامكان لها
والزوجية للأربعة وإن كان لا يتوقف على وجودهما خارجا أو ذهنا، الا ان ظهور اللزوم يتوقف
على وجود المعروض في أحد الموطنين ولذا ذكر الأكابر ان وجود المعروض ذهنا أو خارجا في
لوازم الماهية دخيل في حصول اللزوم لا في لزومه (فح) فمتعلق الهيئة في قوله صل، هو
المهية اللابشرط ومفاد الهيئة هو البعث إلى تحصيلها والوجود والايجاد خارجان من تحت
الامر (فان قلت) المهية من حيث هي ليست الا هي لا محبوبة ولا مبغوضة ولا تكون مؤثرة
في تحصيل الغرض فكيف يبعث إليها مع كونها كذلك (قلت) قد ذكرنا تحقيق الحال
في الكلمة المعروفة بين المحققين في بحث الترتب فلا حاجة إلى الاطناب بل قد عرفت انه
لا مناص عن القول بتعلق الاحكام بنفس الطبايع لبطلان تعلقها بالوجود الخارجي أو الذهني
وليس هنا شئ ثالث يصلح لأن يقع متعلق الأمر والزجر سوى ذات المهية اللابشرط
حتى يتوصل به إلى تحقق الصلاة خارجا، و (بعبارة أوضح) ان المولى لما رأى أن اتيان
الصلاة ووجودها خارجا، محصل للغرض فلا محالة يتوصل إلى تحصيله بسبب وهو عبارة
عن التشبث بالامر بالطبيعة، والغاية منه هو انبعاث العبد إلى ايجادها، فمتعلق الامر هو
312

الطبيعة والهيئة باعثة وضعا نحو ايجادها اما لأجل حكم العقل به كما هو المختار أو لأجل
دلالته على طلب الوجود أي العنواني منه ليحصل الخارجي لكن قد مر ضعفه
(فان قلت إن هنا) أمرا رابعا يصلح لأن يقع متعلق الاحكام وهو اخذ المهية مرآة
للخارج ولا يلزم المحذورات السابقة (قلت) ان المراد من المرآتية إن كان هو التوصل
به إلى وضع الحكم على المعنون الخارجي فواضح بطلانه، إذ هو بعد، غير موجود فلا
معنون حين الحكم حتى يقع متعلق الحكم ولو فرضنا وجوده يلزم تحصيل الحاصل، على أن
الطيعة لا يمكن أن تكون مرآة للوجود لما عرفت من أن الاتحاد في الوجود غير
الكاشفية، وإن كان المراد هو وضع الحكم على الطبيعة وجعله عليها بداعي ايجادها
في الخارج فهو راجع إلى ما حققناه
وبذلك يسقط ما افاده المحقق الخراساني في المقدمة الثانية التي هي الأساس
للقول بالامتناع من أن متعلق الاحكام هو فعل المكلف وما يصدر عنه (الخ) كما يسقط ما
افاده بعض الأعاظم بترتيب مقدمات، عصارتها كون الخارج مؤلفا من مقولتين والتركيب
بينهما انضمامي لا إتحادي، فمتعلق الامر غير متعلق النهى خارجا، إذ التركيب الانضمامي
لو صح في الاعتباريات، لا يفك به العقدة لكون الخارج غير مأمور به ولا منهى عنه وتعدده
لا يجدى ما لم يرفع الغائلة في متعلق الأمر والنهى، على انك قد وقفت على وجوه من الضعف
في كلامه (والحاصل) انه مبنى على القول بتعلق الاحكام بالوجود الخارجي وما هو فعل
المكلف بالحمل الشايع لكن مع بطلان هذا البناء لا محيص عن القول بالامتناع كان
التركيب انضماميا أو لا، مع أن التركيب الانضمامي بين الصلاة والغصب والتصرف العدواني
لاوجه صحيح له كما تقدم، ثم إن تسمية ما ذكر بالتركيب الانضمامي والإتحادي مجرد
اصطلاح والا فليس انطباق العناوين على شئ من قبيل التركيب (إذا عرفت ما رتبناه من
المقدمات) يظهر لك ان الحق هو جواز الاجتماع لان الواجب هو نفس عنوان الصلاة
دون ما يقارنها من اللواحق واللوازم ولا يمكن ان يتجاوز الامر عن متعلقه إلى ما هو
خارج منه ومثله النهى، بحكم الأولى من المقدمات وليس معنى الاطلاق في قوله صل هو
وجوب الصلاة سواء اتحدت مع الغصب أم مع غيره بحيث يكون الملحقات والمتحدات معها
ملحوظة ومتعلقة للحكم والوجوب، وذلك بحكم ثانيتها، كما أن اتحاد الصلاة مع
313

الغصب في الخارج بسوء اختيار المكلف لا يوجب أن تكون كاشفة عنه حتى يسرى من
المتعلق إلى غيره بحكم ثالثتها، وان محط نزول الاحكام ومتعلقاتها هي نفس العناوين
وإن كانت الغاية ايجادها في الخارج، لا الوجود الخارجي، ولا الذهني بحكم الرابعة
منها (فح) فكيف يمكن ان يسرى حكم أحد العنوانين إلى العنوان الآخر بل كل حكم
مقصور على موضوعه لا يتخطى عنه، فعند الوجود الخارجي وإن كان العنوانان متحدين
كمال الاتحاد، الا ان المجمع الخارجي ليس متعلقا للبعث والزجر! واما ظرف ثبوت
الحكمين ففيه يكون العنوانان متعددين ومتخالفين إذ عنوان الصلاة غير عنوان الغصب
مفهوما وذاتا، فأين اجتمع الحكمان حتى نعالجه
ومن ذلك يظهر حل بعض العويصات المتوهمة في المقام من أنه يلزم على القول
بجواز الاجتماع كون شئ واحد محبوبا ومبغوضا وذا صلاح وفساد ومقربا ومبعدا، فان
محط الحب ومناخ الشوق، هو ما يسعف حاجته ويقضى مراده، وهو ليس الا الخارج إذ
إليه يشد رحال الآمال، وعنده تناخ ركائبها
توضيح الضعف انه ان أريد الاجتماع في المراحل المتقدمة على الامر
والنهى بان يجتمعا في مباديهما الموجودة في نفس المولى فهو واضح البطلان لان
المتصور من كل، غير المتصور من الاخر ومورد تصديق المصلحة، غير مورد تصديق المفسدة
وقس عليهما سائر المراحل، وكذا العنوان الوجودي من كل، غير الاخر لو فرض تعلق البعث
والزجر به، وان أريد كون الموجود الخارجي محبوبا ومبغوضا فلا محذور فيه لان الحب
والبغض من الأوصاف النفسانية وتقومها انما هو بمتعلقاتها، إذ الحب المطلق والشوق
بلا متعلق لا معنى لهما ولكن ما هو المتعلق انما هو صور الموجودات وعناوينها إذ الخارج
يمتنع أن يكون مقوما لأمر ذهني والا لزم الانقلاب وصيرورة الذهن خارجا أو بالعكس
أضف إلى ذلك ان الحب أو الشوق قد يتعلق بما هو معدوم، والمعدوم يمتنع ان يقع مقوما
للموجود، و (بما ذكرنا) يظهر انه لا مناص عن القول بان متعلقي الحب والبغض متغايران
حقيقة لان وعاء الذهن وعاء التحليل والتجزية، فصورة ما تعلق بها الحب غير صورة ما تعلق
به البغض ولما كانت العناوين وجوها لمصاديقها فلا محالة يصير الخارج محبوبا ومبغوضا
بالعرض وبالواسطة
314

(لا يقال) كون الموجود الخارجي محبوبا بالعرض، خلاف الوجدان والانصاف
ولا يقال هذا محبوب الا إذا وجد فيه المبدء حقيقة، فعلى القول بالاجتماع يلزم اجتماع
مبدئين متضادين في واحد شخصي
(لأنا نقول) كون الشئ محبوبا ومبغوضا، لا يستلزم كون الخارج متصفا بمبدأين
متضادين إذ فرق بين الاعراض الخارجية التي تقع ناعتة لموضوعه كالأبيض والأسود، و
بين الأوصاف النفسانية التي لها نحو إضافة إلى الخارج كالحب والبغض، فكون الشئ
محبوبا ليس معناه الا وجود حب في النفس مضافا إلى صورته أولا، ثم إلى الخارج ثانيا و
مع ذلك لا يحصل في الخارج تغير ولا وجود عرض حال (في المحبوب،) والحاصل ان هذه
الأوصاف ليس بحذائها شئ في الخارج حتى يلزم وجود مبدئين متضادين في الوجود الواحد
أعني ما تعلق به الحب والبغض، بل حب كل محب قائم بنفسه لا يسرى إلى محبوبه فان الله
تعالى محبوب الأولياء والمؤمنين ولا يمكن حدوث صفة حالة فيه بعددهم بل المحبوبية
والمبغوضية من الصفات الانتزاعية التي يكون لها منشأ انتزاع فلابد من لحاظ المنشأ
فان المنتزع تابع لمنشأه في الوحدة والكثرة بل في جميع الشؤون، وقد عرفت ان منشأ
انتزاعها، هي الأوصاف والكيفيات النفسانية القائمة بذات النفس المتشخصة بالصورة الحاصلة
فيها التي أخذت مرآة للخارج
وبهذا يظهر صحة انتساب المحبوبية بنحو، إلى ما ليس موجودا في الخارج
ولو كان مناط الانتساب قيام صفة خارجية بالموضوع، لامتنع الانتساب قطعا ونظيره
العلم والقدرة، فان الشئ يصير قبل تحققه معلوما ومقدورا إذ ليس المناط قيام صفة خارجية
بالموضوع، (إذا عرفت) ذلك فنقول يمكن ان يتعلق الحب بعنوان والبغض بعنوان آخر
فيكون الموجود الخارجي محبوبا ومبغوضا مع كون العنوانين موجودين بوجود واحد
الا ترى ان البسائط الحقيقية معلومة لله تعالى ومقدورة ومرضية ومعلومة وهكذا ولا يلزم
من ذلك تكثر في البسائط، إذ التكثر في ناحية الإضافة ولا اشكال في تكثر الإضافات بالنسبة
إلى شئ واحد بسيط من غير حصول تكثر فيه، كما في الإضافات إلى الباري سبحانه ويرشدك
إلى ما ذكرنا انه يمكن أن يكون شئ بسيط، معلوما ومجهولا بجهتين كالحركة الخاصة
الركوعية في الدار المجهولة غصبيتها، فإنها مع وحدتها معلومة بوصف الركوع ومجهولة
315

بوصف التصرف في مال الغير فلو كانت المعلومية والمجهولية كالبياض والسواد من
الصفات الخارجية لامتنع اجتماعهما في واحد، والسر في اجتماعهما وكذا في اجتماع
غيرهما، هو كونهما من الأمور الانتزاعية فان المعلومية أو المحبوبية منتزعان من تعلق العلم
والحب بالصورة الحاكية عن الخارج بلا حدوث صفة في الخارج فتدبر
واما حديث قيام المصلحة والمفسدة بشئ واحد فهو أيضا لا محذور فيه لأنهما أيضا يحب
ان تكونا من الاعراض الخارجية القائمة بفعل المكلف لان معنى كون التصرف في مال الغير
ظلما وقبيحا وذا مفسدة، هو كونه مستلزما للهرج والمرج، وموجبا لاختلال نظام العباد
من غير أن يكون هذه العناوين أوصافا خارجية قائمة بالموضوع وقس عليه الخضوع لله
والركوع له فان كل واحد قيام بأمر العبودية وله حسن ومصلحة من دون أن يكون هذه
العناوين اعراضا خارجية ومن ذلك يظهر انه لا استحالة في كون المقرب مبعدا والمبعد
مقربا لان المراد منها ليس هو القرب والبعد المكانيين حتى لا يمكن اجتماعهما بل المعنوي
من ذلك وهو ليس أمرا حقيقيا بل اعتباريا عقلائيا يدور مدار الجهات الموجبة له عندهم
ولذلك يرى العقل والعقلاء الفرق بين من ضرب ابن المولى في الدار المغصوبة ومن
أكرمه فيها، فحركة اليد لاكرام ابن المولى من جهة انها اكرام، محبوبة وصالحة للمقربية
ومن جهة انها تصرف في مال الغير عدوانا مبغوضة ومبعدة، ومس رأس اليتيم في الدار المغصوبة
من جهة انه الرحمة عليه حسن وذو مصلحة ومن جهة انه تصرف في مال الغير قبيح وذو
مفسدة، والصلاة في الدار المغصوبة من جهة انها مصداق الصلاة محبوبة ومقربة ومن
جهة انها مصادق الغصب مبغوضة ومبعدة، وقد عرفت ان الشئ الواحد حتى البسيط منه
يجوز ان يتصف بمثل هذه الانتزاعيات ولو أمكن أن يكون الشئ الواحد محبوبا لجهة
ومبغوضا لجهة أمكن أن يكون مقربا ومبعدا من جهتين من غير لزوم تضاد وامتناع
وأظن انك لو تدبرت فيما هو الملاك في كون الشئ مقربا ومبعدا عند العقلاء
وان التقرب والتبعد في هاتيك المقامات يدوران مدار الاعتبار، يسهل لك تصديق
ما ذكرنا
تنبيه في أدلة القولين
استدل القائلون بالامتناع بوجوه أسدها ما ذكره المحقق الخراساني ورتبة على
316

مقدمات عمدتها هو كون الأحكام الخمسة متضادة في مقام فعليتها وبلوغها إلى مرتبة
البعث والزجر، لعدم المنافات بين وجوداتها الانشائية قبل البلوغ إليها، وأنت خبير بان
ما أحكمناه كاف في اثبات المطلوب سواء ثبت التضاد بين الاحكام أم لا، ولما انجر الكلام
إلى هنا لا باس بتوضيح الحال فيها، فنقول عرف الضدان بأنهما امران وجوديان لا يتوقف
تعقل أحدهما على الاخر، يتعاقبان على موضوع واحد بينهما غاية لخلاف وقالوا ان من شرط
التضاد أن يكون الأنواع الأخيرة التي توصف به، داخلة تحت جنس واحد قريب فلا يكون
بين الأجناس ولا بين صنفين من نوع واحد ولا شخصين منه تضاد، وما ذكرناه هو المختار
عند الأكابر فالتعريف المذكور لا ينطبق على الاحكام اما على القول المختار بان الاحكام
عبارة مثلا عن البعث والزجر المنشئين بالآلات والأدوات فواضح جدا لان البعث والزجر
بالهيئة الدالة عليهما انما هو بالمواضعة والاعتبار وهما ليسا من الأمور الوجودية الحالة في
موضوعها الخارجي بل أمور اعتبارية عقلائية وهم يرون البعث بالهيئة مكان البعث التكويني
لكن بحسب الوضع والاعتبار القائمين بنفس المعتبر قياما صدوريا
(واما) على القول بكونها عبارة عن الإرادات أو عن الإرادات المظهرة كما اختاره
بعض محققي العصر رحمه الله وقد أوعزنا إلى دفعه سابقا، فكذلك أيضا، لان الشرط كما
أسمعناك كون الامرين الوجوديين داخلين تحت جنس قريب، وعليه لابد ان يكونا نوعين
مستقلين، مع أن إرادة البعث والزجر داخلتين تحت نوع واحد ومعه كيف تصيران
متضادتين
(فان قلت) ان مبدء الامر وجوبيا أو ندبيا وإن كان هو إرادة البعث على ما هو
التحقيق من أن الإرادة التشريعية لا تتعلق الا بالبعث والتحريك لا بصدور الفعل من الغير
الا ان مبدء النهى هو الكراهة وهما ليستا من نوع واحد
(قلت) الكراهة ليست بمبدء قريب للنهي بل المبدء القريب هو إرادة الزجر، و
ذلك لان الكراهة والاستقباح في مقابل الشوق والاستحسان فكما ان اشتياق صدور شئ
من المكلف ربما يصير مبدء الحدوث إرادة البعث نحو المطلوب، (كك) الكراهة وتنفر
الطبع عنه ربما تصير مبدءا لإرادة الزجر التشريعي عن العمل، فظهر ان ما يقابل الاشتياق
هو الكراهة، وانهما من مبادئ الإرادة التشريعية أحيانا، والمبدء القريب للنهي هو نفس
317

الإرادة لا الاستكراه، والإرادتان من نوع واحد فاختل ما هو الشرط للتضاد
وببيان أوضح ان الإرادات ليست أنواعا مختلفة تحت جنس قريب، اما الواجب
والمستحب، وكذا الحرام والمكروه فواضح لان الإرادة الوجوبية والاستحبابية مشتركتان
في حقيقة الإرادة ومتميزتان بالشدة والضعف فإذا أدرك المولى مصلحة ملزمة، تتعلق به
الإرادة الشديدة وينتزع منها الوجود، أو أدرك مصلحة غير ملزمة تتعلق به الإرادة لا بنحو الشدة
بل على نحو يستظهر منها الترخيص في الترك وينتزع منها الاستحباب وقس عليهما الحرام
والمكروه فان المبدء القريب للنهي تحريما كان أو تنزيها انما هو الإرادة فيما إذا أدرك ان
في الفعل مفسدة فيتوصل لسد بابها بزجر العبد تشريعا فيريد الزجر التشريعي فيزجرهم
فإرادة الزجر المظهرة إذا كانت الزامية ينتزع منها التحريم وإن كانت غير الزامية ينتزع
منها الكراهة (فتلخص) ان ما هو المبدء الأخير هو الإرادة وعلى القول بانتزاع الاحكام من
الإرادات المظهرة لا يتفاوت فيه الوجوب وغيره وقد عرفت ان الإرادة هي المبدء القريب
للاظهار فلا تكون الاحكام أنواعا مختلفة مندرجة تحت جنس قريب على ما هو المناط
في الضدين
(ثم) ان عدم الاجتماع لا يوجب الاندراج تحت تقابل التضاد، اما على القول بكون
الاحكام أمور اعتبارية، فسر عدم اجتماع الوجوب والحرمة هو لغوية الجعلين غير الجامعين
بل امتناع جعلهما لغرض الانبعاث لان المكلف لا يقدر على امتثالهما وكذا على القول بكونها
عبارة عن الإرادات، لامتناع تعلق الإرادة بالبعث إلى العمل والزجر عن الفعل كتعلق الإرادة
بالطيران إلى الهواء، فعدم لاجتماع أعم من التضاد و (أيضا) لو اعتبرنا في تحقق التضاد كون الامرين
مما بينهما غاية الخلاف، لا يتحقق التضاد في جميع الأحكام لان الوجوب والاستحباب، ليس
بينهما غاية الخلاف وقس عليه الحرمة والكراهة، بل تخرج الاحكام عن تقابل التضاد
بقولنا يتعاقبان على موضوع واحد لان المراد من الموضوع هو الموضوع الشخصي لا المهية
النوعية، وقد مر ان متعلقاتها لا يمكن أن يكون الموجود الخارجي فلا معنى للتعاقب وعدم
الاجتماع فيه، (فظهر) ان حديث التضاد بين الاحكام وان اشتهر بين المتأخرين مما لا أساس
له كما عليه بعض أهل التحقيق قدس الله سره
318

في أدلة المجوزين
استدل المجوزون للاجتماع بان أدل الدليل على امكانه وقوعه وقد وقع نظيره في
الشريعة الغراء كالواجبات المستحبة أو المكروهة فيستكشف انا عن صحة الجميع، وهى
على ثلثة أقسام (أحدها) ما تعلق النهى بذاته وعنوانه ولا بدل له كصوم يوم العاشور،
والنوافل المبتدئة عند طلوع الشمس وغروبها، (ثانيها) ما اتحد فيه متعلقا الامر والنهى
وكان له بدل كالأخص مطلقا كالنهي عن الصلاة في الحمام، (ثالثها) أن يكون بين العنوانين
عموم من وجه فتعلق النهى بما هو مجامع معه وجودا كالصلاة في مواضع التهمة بناء على
تعلق النهى بالكون فيها، (وفيه) ان الاستدلال بالظواهر بعد قيام البرهان على الامتناع
لو تم، خارج من آداب المناظرة، وكيف كان فنحن في فسحة عن الثالث بل الثاني بناء
على دخول الأخص والأعم مطلقا في محل البحث، فالأولى صرف عنان الكلام إلى ما تعلق به النهى
بذاتها ولا بدل له فنقول يمكن ان يقال إن النهى وان تعلق بنفس الصوم ظاهرا الا انه متعلق
في الواقع بنفس التشبه ببني أمية الحاصل بنفس الصوم من دون ان يقصد التشبه فالمأمور
به هو ذات الصوم والمنهى عنه التشبه بهم ولما انطبق العنوان المنهى عنه عليه، وكان ترك
التشبه أهم من الصوم المستحب نهى عنه ارشادا إلى ترك التشبه، هذا على القول بصحة
الصوم يوم العاشور كما نسب إلى المشهور، والا فللاشكال فيه مجال بالنظر إلى الاخبار والتفصيل
في محله ويمكن ان يقال نظير ذلك في الصلوات في أوقات خاصة فان المنهى عنه تنزيهيا هو
التشبه بعبدة الأوثان على ما قيل
وما قيل من أنه لا يعقل أن يكون كل من الفعل والترك ذا مصلحة لأنه اما ان يغلب
إحدى المصلحتين على الأخرى فيكون البعث نحوها فقط والا فالحكم هو التخيير، ليس
بصحيح لأنه يستقيم ذلك لو كان متعلق الحكمين واحدا أو قلنا إن المتعلق هو المجمع
الخارجي، وقد عرفت بطلانه بل المقام ليس الا من قبيل الصلاة في مواضع التهمة، كما أن
ما تصدى به المحقق الخراساني لدفع الاشكال فيما لا بدل له من أن انطباق عنوان ذي
مصلحة على الترك أو كون الترك ملازما لعنوان كذائي، الذي صيره راجحا، غير تام
بظاهره لان الترك عدمي لا ينطبق عليه عنوان وجودي ولا يمكن أن يكون ملازما لشئ فان
الانطباق والملازمة من الوجوديات التي لابد في ثبوتها لشئ من ثبوت ذلك الشئ (نعم)
319

يمكن اعتبار شئ من بعض الاعدام الخاصة المتصورة بنحو من التصور في المأمور به
ثم إن بعض الأعاظم قدس سره أجاب عن هذا القسم بتقديم مقدمة وهى ان النذر
إذا تعلق بعبادة مستحبه يندك الامر الاستحبابي في الامر الوجوبي، الجائي من قبل النذر
لوحدة متعلقهما فيكتسب الامر النذري الوجوبي، التعبدية من الاستحبابي والامر الاستحبابي
يكتسب اللزوم من الوجوبي فيتولد منهما أمر وجوبي عبادي واما إذا كانت العبادة المستحبة
متعلقة للإجارة كان متعلق الأمر الاستحبابي مغايرا لما تعلق به الامر الوجوبي لان متعلق
الأول ذات العبادة ومتعلق الثاني اتيان العبادة بداعي الامر المتوجه إلى المنوب عنه و
بوصف كونه مستحبا على الغير لان الشخص صار أجيرا لتفريغ ذمة الغير فلا تكون العبادة
من دون قصد النيابة تحت الإجارة فلا يلزم اجتماع الضدين ولا يندك أحدهما في الاخر و
ما نحن فيه هذا القبيل لان الامر تعلق بذات العبادة، والنهى التنزيهي تعلق بالتعبد بها
لما فيه من المشابهة بالأعداء انتهى
وفيه من الضعف والخلط ما لا يخفى على البصير (اما أولا) فلان الامر الاستحبابي
تعلق بعنوان الصلاة، والامر الوجوبي بعنوان الوفاء بالنذر، فالعنوانان في ظرف تعلق
الاحكام مختلفان، ومتحدان في الوجود الخارجي وهو ليس ظرف تعلق الحكم، فلو نذر
ان يصلى صلاة الليل يجب عليه الوفاء بالنذر، ولا يحصل الوفاء الا باتيان الصلاة الاستحبابي
لا غير، فالصلاة الخارجي مصداق لعنواني الوفاء بالنذر والصلاة، وقد انطبق العنوانان عليها
في الخارج، ومثلها الإجارة فان الامر الوجوبي تعلق بنفس الوفاء بالعقد والامر الاستحبابي
بنفس الصلاة المستحبة أو تعلق أمر وجوبي آخر بنفس الصلاة على الولي، و (ح) فلازم
الوفاء بالعقد هو اتيان العبادة بداعي الامر المتوجه إلى المنوب عنه أو بوصف كونه مستحبا
على الغير، لا ان ذلك هو المتعلق للامر الإجاري بل هذا طريق لتحقق الوفاء بالعقد فافتراق
موضوعهما يكون من هذه الجهة
(وثانيا) لا معنى معقول لهذا الاكتساب والتولد المذكورين فبأي دليل وآية جهة
يكتسب الامر غير العبادي، العبادية، وغير الوجوبي الوجوب وما معنى هذه الولادة
والوراثة بل لا يعقل تغيير الامر عما هو عليه ولو اتحد المتعلقان في الخارج، ولعمري ان
هذا أشبه بالشعر منه بالبرهان
320

و (ثالثا) ان الامر فيما نحن فيه وكذا في باب العبادات الاستيجارية لم يتعلق
بذات الصوم والصلاة كما زعمه حيث قال إن الامر تعلق بذات الصوم، والنهى عليه بنعت التعبد
بها بل تعلق بهما بقيد التعبدية والا يصير توصليا ولو بدليل آخر فيكون موضوعهما
شيئا واحدا في كلا المقامين
و (رابعا) بعد تسليم جميع ما ذكره لا ينفع ذلك للتخلص عن الاشكال لان حاصله
يرجع إلى أن الامر الاستحبابي تعلق بصوم يوم العاشور، وصومه بما هو مستحب مكروه
وهذا واضح البطلان لأنه يلزم منه أن يكون موضوع الحكم منافيا لحكمه، وما أشار إليه
في خلال كلامه ان التعبد بالصوم مكروه لأجل التشبه بالأعداء ان رجع إلى ما ذكرنا فلا
يحتاج فيه إلى تلك التكلفات
خاتمة
اختلفوا في حكم المتوسط في ارض مغصوبة إذا كان دخوله غصبا، وانحصر التخلص
منها بالتصرف فيها بغير اذن صاحبها، على أقوال. أقواها انه منهى عنه بالنهي الفعلي وليس
بمأمور به شرعا، وربما قيل إنه واجب ليس الا، كما عن الشيخ الأعظم أو انه واجب وحرام كما
عن أبي هاشم والمحقق القمي، أو انه مأمور به مع جريان حكم المعصية عليه بسبب النهى
السابق الساقط، واختار المحقق الخراساني انه غير مأمور به ولا منهى عنه بالنهي الفعلي ويجرى
عليه حكم المعصية مع الزام العقل بالخروج لكونه أقل محذورا
توضيح المختار وبرهانه هو انه لم يدل دليل على وجوب الخروج من الأرض المغصوبة
أو على وجوب التخلص عن الغصب أو وجوب رد المال إلى صاحبه أو ترك التصرف في مال
الغير بعناوينها بان يكون كل واحد من هذه العناوين موضوعا لحكم الوجوب وما في
بعض الروايات، (المغصوب كله مردود) لا يدل على وجوب الرد بعنوانه بل لما كان الغصب
حراما يرد المغصوب تخلصا عن الحرام عقلا
(نعم) لو قلنا إن النهى عن الشئ مقتض للامر بضده العام وان مقدمة الواجب واجبة
يمكن ان نقول بوجوب بعض العناوين المتقدمة لان التصرف في مال الغير إذا كان
حراما يكون ترك التصرف واجبا والخروج من الأرض المغصوبة مقدمة لتركه، لكنه
مبنى على مقدمتين ممنوعتين واما كونه محرما بالفعل فكفاك له من الأدلة ما دل على
321

حرمة التصرف في مال الغير بغير اذنه والسر في ذلك هو ما قدمناه في مبحث الترتب و
أوعزنا إليه اجمالا في مقدمات المختار عند البحث عن الاجتماع من أن الخطابات الكلية
القانونية تفارق الخطابات الشخصية ملاكا وخطابا لان الخطاب القانوني لا ينحل بعدد
المكلفين، بل خطاب واحد فعلى على عنوانه من غير لحاظ حالات كل واحد من المكلفين،
والخطاب الشخصي وإن كان يستهجن بالنسبة إلى الغافل والعاجز والمضطر والعاصي و
نظائرها الا ان صحة الخطاب العمومي لا تتوقف على صحة الباعثية بالنسبة إلى جميع
الافراد، بل انبعاث عدة مختلفة منهم كاف في جعل الحكم الفعلي على عنوانه العام بلا استثناء
كما انها غير مقيدة بالقادر العالم الملتفت لامن ناحية الحاكم ولا من ناحية العقل كشفا
أو حكومة بل العقل يحكم بان لذي العذر عذره واما الخطاب فهو فعلى في حق أولى
الاعذار عامة، غاية الأمر هم معذورون في ترك التكليف الفعلي أحيانا واستهجان الخطاب
مندفع بكون الخطاب ليس شخصيا بل كلي عام و (ح) فمثل قوله (ع) لا يحل لاحد ان يتصرف
في مال غيره بغير اذنه حكم فعلى من غير فرق بين العالم والجاهل والعاجز والقادر من
غير وقوع تقييد من ناحية الجاعل ولا امكان التقييد من ناحية العقل لان تصرف العقل في إرادة
الجاعل محال بل شانه ليس الا التعذير دون رفع الخطاب، فيحكم في بعض الموارد ان العاجز
في مخالفة التكليف الفعلي معذور، ولكن المقام ليس من هذا القبيل لأنه يحكم بمعذورية
العاجز إذا طرئه العجز بغير سوء اختياره، واما معه فلا يراه معذورا في المخالفة فالحكم الفعلي
بالمعنى المتقدم قد يخالف بلا عذر وقد يخالف معه، وما نحن فيه من قيل الأول إذ كان له امتثال
النهى بترك الدخول من أول الأمر إذ مثل المتوسط في الأرض المغصوبة مثل من اضطر
نفسه إلى اكل الميتة بسوء اختياره فهو ملزم من ناحية عقله باكلها حتى يسد به رمقه ويدفع
به جوعه الا انه فعل محرما يشمله قوله تعالى حرمت عليكم الميتة ولا يراه العقل معذورا
في ترك الخطاب الفعلي وهكذا الحال في جميع الموارد التي سلب المكلف قدرته اختيارا
ولو ساعدنا القوم في سقوط الامر لا يمكن المساعدة في عدم اجراء حكم المعصية بشهادة
الوجدان والعقل
واماما حكى عن أبي هاشم من أنه مأمور به ومنهى عنه أو عن صاحب الفصول
من أنه مأمور به ومنهى عنه بالنهي السابق الساقط، فالحق في ترجيح القولين هو انه لو
322

قلنا بوجوب رد المال إلى صاحبه أو وجوب التخلص عن التصرف أو ترك التصرف وكان
التصرف الخارجي مقدمة للواجب وقلنا بجواز تعلق النهى بالتصرف كما عرفت فالترجيح
مع قول أبى هاشم ويكون من باب الاجتماع والا فيقدم قول صاحب الفصول كما أنه ان
قلنا بان قيد المندوحة لا يعتبر في باب اجتماع الامر والنهى فلا محيص عن قول أبى هاشم
والا فيختار قول صاحب الفصول
(وما ربما) يقال من أنه يلزم على القولين تعلق الامر والنهى بشئ واحد اما على
الأول فواضح واما على الثاني لان اختلاف زماني الامر والنهى مع كون النهى بلحاظ وجود
متعلقه، غير مؤثر في رفع المنافات إذ النهى بلحاظ حال وجود الخروج، ومعه كيف يكون
مأمورا (ففيه ما لا يخفى) لان النهى متعلق بعنوان التصرف في مال الغير والامر المقدمي
بحيثية ما يتوقف عليه ذو المقدمة أو ما يتوصل به إليه وهما بما لهما من العنوان قابلان
لتعلق الامر والنهى بهما، لا بما هما موجودان في الخارج، إذا الوجود الخارجي لا يتعلق به
الامر والنهى، فاتحاد مقدمة الواجب مع التصرف في مال الغير في الوجود الخارجي لا
يمنع عن تعلق التكليف بالعناوين كما مر تفصيلا، ويمكن ان يقال إن المحرم هو عنوان
التصرف في مال الغير والمأمور به هو عنوان الخروج كاختلاف الصلاة والغصب
ثم إن بعض الأعاظم اختار ما نسب إلى الشيخ الأعظم من وجوب الخروج وعدم
الحرمة لا خطابا ولا عقابا وبنى المسألة على دخول المقام في القاعدة المعروفة من أن
الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار وعدمه، واختار العدم واستدل عليه بأنها انما تتم في
المقدمات الاعدادية التي لا يكون الخطاب مشروطا بها فلا يشمل المقام إذ الدخول موضوع
للخروج وهو مشروط به، فقبل الدخول لا يعقل النهى وبعده ليس منهيا عنه حسب تسليم
الخصم وأيضا يعتبر في مورد القاعدة ان لا يكون الحكم الممتنع عليه بالاختيار غير
محكوم بحكم يضاد حكمه السابق كما في المقام حيث إن الخروج عن الدار الغصبية
مما يحكم بلزومه العقل وهو ينافي الحكم السابق و (فيه) أولا انا نمنع اشتراط حرمة
الخروج شرعا بالدخول بل هو حرام بلا شرط، غاية الأمر يكون بلا دخول من السوالب
المنتفية بانتفاء موضوعها و (ثانيا) ان ما ذكره من تخصيص مورد القاعدة لم يدل عليه دليل
إذ لا مانع من كون الخروج واجبا وحراما بعنوانين لو قلنا بان الامتناع بالاختيار لا ينافي
323

الاختيار خطابا وملاكا، أو يكون فيه ملاك الحرمة فقط لو قلنا بأنه لا ينافي ملاكا فقط
(وثالثا) ان القاعدة أجنبية عما نحن فيه فلا معنى لابتناء المقام في دخوله فيها وعدمه، لأنها
في مقابل من توهم ان (قاعدة الشئ ما لم يجب لم يوجد، وما لم يمتنع لم يعدم)، منافية للاختيار
في الافعال فيلزم أن يكون الواجب تعالى فاعلا موجبا بالفتح فان أفعاله الواجبة (ح)
خارجة من حيطة الاختيار، فأجابوا عنه بان الايجاب السابق من ناحية العلة وباختياره
لا ينافي الاختيار وانه تعالى فاعل موجب بالكسر والايجاب بالاختيار كالامتناع بالاختيار،
أي جعل الشئ ممتنعا بالاختيار لا ينافي الاختيار بل يؤكده والسر فيه ان أفعال الواجب
يصدر عن حاق ارادته واختياره الذي هو عين ذاته المقدسة ولا يكون من قبيل الافعال
التسبيبية الخارجة من تحت قدرته بايجاد أسبابه لان الأسباب والمسببات كلها في كل آن
وزمان تحت سلطان قدرته وما نحن فيه غير مرتبط بهذه القاعدة لان أفعالنا قد تخرج
من تحت قدرتنا بترك مقدماته كالخروج إلى الحج ضرورة انه مع ترك الخروج اختيارا
يخرج اتيان الحج من اختيارنا في الموسم فهذا الامتناع ينافي الاختيار مع كونه بالاختيار
وقد تخرج من تحت قدرتنا بايجاد سببه بالاختيار كرمى الحجر والالقاء من الشاهق
وهذا أيضا ايجاب أو كايجاب بالاختيار وهو ينافي الاختيار وما ذكرناه في توضيح القاعدة
هو المستفاد من كلام أكابر الفن قدس الله اسرارهم والظاهر وقوع الخلط بين هذه القاعدة العقلية
وبين قاعدة أخرى عقلائية وهى ان الاضطرار إلى فعل الحرام أو ترك الواجب إذا كان
بسوء الاختيار هل هو عذر عند العقلاء ولدى العقل بحيث يقبح العقاب عليه أوليس بعذر،
الأقوى هو الثاني فمن ترك المسير إلى الحج بسوء اختياره حتى عجز عنه يصح عقابه وإن كان
ينافي الاختيار، وكذا من اضطر نفسه على التصرف في مال الغير بلا اذنه كالتصرف
الخروجي المضطر عليه بحكم العقل لا يكون معذورا عقلا كمن سلب قدرته عن انقاذ
الغريق وسيجئ تتمة المقال عند البحث في حديث الرفع باذنه تعالى هذا حال الحكم
التكليفي
واما الوضعي فنقول انه على القول بجواز الاجتماع لا اشكال في صحة
الصلاة بعد تسليم تعدد المتعلقين وكون حيثية المبغوض غير حيثية المحبوب وهكذا
المقرب والمبعد، و (اما) على الامتناع فصحة الصلاة يتوقف على أمرين (أحدهما) اشتمال
324

كل من متعلقي الامر والنهى على ملاك تام إذ الصحة تدور مدار الامر أو الرجحان الذاتي
والخلو عن الملاك ينفى كلا الامرين (ثانيهما) عدم مغلوبية ملاك الصحة في الصلاة بملاك
أقوى إذ الغالب من الملاك يوجب خلو الاخر من الملاك فعلا، والصحة موقوفة على
الامر وهو منتف بالفرض أو على الملاك وقد زاحمه الملاك الغالب، و (ح) فلو اخترنا ان
الامتناع لأجل كونه تكليفا محالا لا تكليفا بالمحال، فالشرطان مفقودان لان القائل به
لابد ان يعتقد ان متعلق الأمر والنهى واحد بحيث يكون الشئ الواحد بحيثية واحدة
محبوبا ومبغوضا حتى يصير نفس التكليف محالا، إذ لا يعقل (ح) وجود ملاكي البعث
والزجر في شئ واحد بحيثية واحدة (واما) على القول بأنه تكليف بالمحال فلا باس به
لان ملاك الغصب لا يزيل ملاك الامر في مقام تعلق الاحكام بالعناوين لكونها في ظرف
تعلق التكاليف مختلفة غير مختلفة، وان امتنع الاجتماع لأجل أمور آخر، وما تقدم عن
بعض الأعاظم من الكسر والانكسار لو صح فإنما يصح على القول بكون الامتناع لأجل
التكليف المحال حتى يكون المتعلق واحدا
فصل في أن النهى عن الشئ هل يكشف عن فساده أولا، ولنمهد قبل ذلك أمورا
الأول قد اختلف تعبيرات القوم في عنوان المقام فربما يقال إن النهى عن
الشئ هل يقتضى الفساد أولا، وقد يقال إن النهى هل يدل عليه أولا وكلاهما لا يخلو عن
المسامحة (اما الأول) فلان الاقتضاء بالمعنى المتفاهم عرفا غير موجود في المقام لان النهى
غير مؤثر في الفساد ولا مقتض له بل اما دال عليه أو كاشف عن مبغوضية المتعلق التي تنافى
الصحة، الا ان يقال إن الاقتضاء مستعمل في غير ذلك (اما الثاني) فلان ظاهر لفظ الدلالة
هو الدلالة اللفظية ولو ينحو الالتزام لكن مطلق الملازمة بين الامرين لا يعد من الدلالات
الالتزامية بل لابد في الدلالة الالتزامية على تسليم كونها من اللفظية من اللزوم الذهني
فلا تشتمل الملازمات العقلية الخفية كما في المقام اللهم الا ان يراد مطلق الكشف ولو بنحو
اللزوم الخفى كما عرفت منا على أن مدعى الفساد لا يقتصر في اثبات مرامه بالدلالة اللفظية
بل يتمسك بوجوه عقلية، فالأولى التعبير بالكشف حتى يعم الدلالات اللفظية والملازمات
الخفية العقلية والخطب سهل
الثاني الظاهر أن المسألة ليست عقلية محضة ولا لفظية كذلك ولذا ترى بعضهم
325

يستدل باللفظ وآخر بالعقل على أنه لو جعلناها ممحضة في أحدهما تكون المسألة غير
مستوفى البحث بل يبقى على الأصولي عهدة بحث آخر إذ لو كانت عقلية محضة يبقى البحث
عن الدلالة اللفظية أو بالعكس فالأولى تعميم عنوانه ليشتمل العقلي واللفظي ثم إن المسألة
أصولية لوقوعها كبرى لاستنتاج المسألة الفرعية وقد عرفت ما هو الميزان للمسألة
الأصولية كما عرفت الفرق بين هذه المسألة وبين المسألة المتقدمة
الثالث ان محط البحث أعم من النهى التحريمي والتنزيهي والنفسي والغيري
والاصلي لان كلها محل النزاع ولو عند من ادعى ان عدم الامر يكفي في الفساد كشيخنا
البهائي وينكر الامر الترتبي، وتوهم ان التنزيهي خارج لكون الترخيص دليلا على الجواز
أو ان الكراهة مؤولة بأقلية الثواب، باطل لان ذلك رأى القائل به ويمكن ان يعتقد غيره
ان النهى التنزيهي أيضا مانع عن التقرب فلا يوجب كونه خارجا من محط البحث والحاصل
ان كون شئ خلاف التحقيق عند أحد لا يوجب خروجه من محل النزاع، ونظير ذلك
ما ربما يقال من أن النهى التنزيهي في الشريعة متعلق بالخصوصيات اللاحقة بالعبادات
لا بنفسها، وفيه ان ذلك على فرض صحته لا يوجب خروج ما تعلق فيه النهى بذاتها، على
فرض وجوده في الشريعة نعم النهى الارشادي المسوق لبيان المانعية خارج منه لأنه بعد
احرازه لا يبقى مجال للنزاع لكن كون النواهي المتعلقة بالعبادات والمعاملات ارشادية
محل النزاع والبحث
الرابع المراد من العبادات هي العناوين الواردة في الشريعة التي لا يسقط
امرها على فرض تعلقه بها الا إذا اتى بها بوجه قربى أو كان عنوانها عبادة ذاتا (وبالجملة)
مطلق التقربيات مع قطع النظر عن النهى، واما المعاملات فمطلق ما يتصف بالصحة تارة
وبالفساد أخرى لا ما يترتب عليه اثر على وجه ولا يترتب على آخر لان القتل قد يترتب
عليه القصاص وقد لا يترتب كقتل الأب ابنه ولا يتصف بالصحة والفساد ومثله خارج من
البحث والظاهر أن أبواب الضمان من هذا القبيل إذا فرض انفكاك الأثر من أسبابه
أحيانا ولا يخفى ان المراد هو أسباب الضمان كاليد والاتلاف لا عقد الضمان
الخامس قد اشتهر بين القوم ان الصحة والفساد امران اضافيان مساوقان للتمام
والنقص لغة وعرفا وبينهما تقابل العدم والملكة والاختلاف في التعبير بين الفقيه والمتكلم
326

فإنما هو لأجل ما هو المهم في نظرهما (قلت) قد تقدم في أول الكتاب ان تساوق الصحة
والفساد معهما مما لم يثبت بل ثبت خلافه لان النقص والتمام يطلقان على الشئ بحسب
الاجزاء غالبا ويقال يد ناقصة إذا قطع بعض اجزائها ولا يقال فاسدة، ويقال دار تامة إذا
كملت مرافقها لا صحيحة واما الصحة والفساد فيستعملان غالبا بحسب الكيفيات والأحوال
مثل الكيفيات المزاجية وشبهها فيقال فاكهة صحيحة إذا لم يفسده الدود أو فاسده إذا
ضيعته المفسدات و (عليه) فالفساد عبارة عن كيفية وجودية عارضة للشئ منافرة لمزاجه
ومخالفة لطبيعته النوعية، والصحة تقابله تقابل التضاد وهى عبارة عن كيفية وجودية
عارضه له موافقة لمزاجه ويقال فاكهة فاسدة لما عرضتها كيفية وجودية منافرة لمزاجها
النوعي التي يتنفر عنها الطباع، كما يقال صحيحة إذا كانت على كيفية موافقة له بحيث يقبله
الطباع فبين المعينين تقابل التضاد كما أن بين التمام والنقص تقابل العدم والملكة هذا
بحسب اللغة والعرف
نعم يمكن تصحيح ما ذكروه من التساوق في العبادات والمعاملات لأنه يطلق الفساد
على صلاة فاقده لجزئها أو شرطها أو مجامعة لمانعها كما يطلق الصحة على الواجد الجامع
من جميع الجهات فهما (ح) مساوقان للتمام والنقص أو قريبان منهما، انما الكلام في أن ذلك
الاطلاق بعد ما لم يكن كذلك بحسب العرف واللغة كما عرفت، هل هو باعتبار وضع جديد
في لفظي الصحة والفساد أو باستعمالهما أو لا مجازا وكثيرة ذلك حتى بلغا حد الحقيقة أقربهما
هو الثاني بل الأول بعيد غايته، (فح) فالصحة في المهيات المخترعة صفة لمصداق جامع
لجميع الاجزاء والشرائط مطابق للمخترع والمجعول، والفساد مقابلها فينقلب التقابل عن
التضاد إلى تقابل العدم والملكة لأجل تغير المعنى في العبادات والمعاملات واما كونهما
اضافيان فيصح أيضا بهذا المعنى الثانوي فيما إذا كانت العبادة تامة الاجزاء دون الشرائط
أو بالعكس واما كون الصلحة والفساد اضافيتين بالمعنى المتعارف في اللغة والعرف فلا
يصح الا بالإضافة إلى حالات المكلفين وأصنافهم فان الصلاة مع الطهارة الترابية صحيحة
بالنسبة إلى مكلف وفاسدة بالنسبة إلى آخر أو صحيحة في حال دون حال (فتلخص) ان
استعمال التمام والنقص في اللغة والعرف باعتبار الاجزاء وبينهما تقابل العدم والملكة
واستعمال الصحة والفساد فيهما بحسب الكيفيات وبينهما تقابل التضاد لو كانت الصحة
327

أمرا وجوديا وليسا اضافيين الا بالإضافة إلى حالات المكلفين أنعم ربما تستعملان في العبادات
والمعاملات في معنى التمام والنقص ويكون التقابل تقابل العدم والملكة وتصيران
اضافيين بالنسبة إلى الاجزاء والشرائط، واما اختلاف الانظار في صحة عبادة و
عدمها فلا يوجب اضافيتهما لان الانظار طريق إلى تشخيص الواقع وكل يخطى الاخر فتدبر
السادس هل الصحة والفساد مجعولتان مطلقا أو لا مطلقا ومجعولتان في المعاملات
دون العبادات أو الصحة الظاهرية مجعولة دون الواقعية، أقوال، التحقيق امتناع مجعوليتهما
مطلقا لما تقدم في مبحث الصحيح والأعم ان الصحة والفساد من أوصاف الفرد الموجود
من المهية المخترعة، منتزعتان من مطابقة الخارج مع المخترع المأمور به، لا من أوصاف
المهية وعليه فهو أمر عقلي لا ينالها الجعل تأسيسا ولا امضاء وما يرجع إلى الشارع انما هو
تعيين المهية بحدودها واما كون هذا مطابقا أو لا فامر عقلي فان اتى بها بما لها من الاجزاء
والشرائط يتصف بالصحة ولا يحتاج إلى جعل صحة من الشارع وما عن المحقق الخراساني
من كون الصحة مجعولا في المعاملات لان ترتب الأثر على معاملة انما هو بجعل الشارع
ولو امضاء ضرورة انه لولا جعله لما كان يترتب عليه الأثر لأصالة فساده، غير مفيد إذ فيه
(أولا) ان المهيات المخترعة لا تتصف بالصحة والفساد بل المتصف بهما هو الموجود الخارجي
أو الاعتباري بلحاظ انطباق المهيات عليه ولا انطباقها وهما عقليان لا يتطرق الجعل إليهما
(وثانيا) ان ما ذكره يرجع اما إلى جعل السببية لألفاظ أو أفعال مخصوصة كما هو المختار
في الأحكام الوضعية، أو إلى جعل الأثر والمسبب عقيب الالفاط وهما غير جعل الصحة
إذ جعل السببية أو ترتب الأثر على موضوع وان حصلا بفعل الشارع الا ان كون شئ مصداقا
للسبب أو لما رتب عليه الأثر بجعله، أمر عقلي من خواص الفرد الموجود
واما الصحة الظاهرية فهي أيضا مثل الواقعية منها لان جعل الصحة للصلاة الماتى
بها بلا سورة لا يعقل بلا تصرف في منشأ الانتزاع إذ كيف يعقل القول بان الصلاة بلا سورة صحيحة
مع حفظ جزئية السورة في جميع الحالات حتى عند الجهل بوجوبها، وما يقال من أن هذا إذا
علم الانطباق واما إذا شك في الانطباق فللشارع الحكم بجواز ترتب اثر الصحة أو وجوبه
وهما قابلان للجعل، غير وجيهة لان ما ذكر غير جعل الصحة بنفسها بل الظاهر أن جواز
ذلك أو ايجابه بدون رفع اليد عن الشرط والجزء غير ممكن ومعه يكون الانطباق قهريا
ولعل القائل بالجعل ههنا خلط بين الامرين
328

السابع هل في المسألة الأصولية أصل يعتمد عليه لدى الشك في دلالة النهى
على الفساد أو كشفه عنه عقلا، أو لا، التحقيق هو الثاني لعدم العلم بالحالة السابقة لا في
الدلالة ولا في الملازمة اما الأولى فلابد ان يقرر بان النهى قبل وضعها لم يكن دالا على الفساد
ونشك في انقلابه بعد الوضع، لكنه ساقط لأنه قبل الوضع وان لم يكن دالا، الا انه في
هذا الحال لم تكن الا حروفا مقطعة وعند عروض التركيب له اما وضع لما يستفاد منه
الفساد أو لغيره فلا حالة سابقة له بنحو الكون الناقص، واحتمال ان عروض التركيب
الطبيعي للفظ في ذهن الواضع، كان قبل الوضع والدلالة زمانا وإن كان يدفع ما
ذكرنا الا انه يرد عليه ما سيجئ من عدم اثر شرعي للمستصحب واما الملازمة فليست لها
حالة سابقة مفيدة سواء قلنا بازليتها كما قيل وهو واضح أو قلنا بتحققها عند تحقق المتلازمين
لان قبل تحققهما وان لم يكن الملازمة بنحو السلب التحصيلي متحققة لكن استصحابه لا يفيد
الا على الأصل المثبت، وبنحو الكون الناقص لا حالة سابقة حتى يستصحب أضف إلى
ذلك أنه لو سلم تحقق الحالة السابقة في المقامين لا يفيد الاستصحاب أيضا لعدم اثر شرعي
للمستصحب لعدم كون الدلالة أو الملازمة موضوعا لحكم شرعي، وصحة الصلاة لدى
تحقق المقتضيات وعدم الموانع عقلية لا شرعية
هذا حال الأصل في المسألة الأصولية واما حاله في الفرعية فلابد أولا من فرض
الكلام في مورد تعلق النهى بالعبادة أو المعاملة قطعا وشك في اقتضائه الفساد، فالرجوع
إلى القواعد (ح) مثل رجوع الشك إلى الأقل والأكثر إن كان المراد منه الشك في تعلق النهى
العبادة أو بالخصوصية ككونها في مكان خاص، أو التمسك بقاعدة التجاوز، أجنبي عن المقام فان
الكلام ليس في مانعية شئ عن الصلاة وشرطيته لها بل الشك في اقتضاء النهى الفساد بعد تعلقه
بذات العبادة قطعا والتحقيق ان يقال اما في المعاملات فمقتضى الأصل الفساد لان الأصل
عدم ترتب اثر على المعاملة الواقعة، واما في العبادات فإن كان الشك في فسادها بعد الفراغ
عن احراز الملاك كما في النهى عن الضد فالأصل يقتضى الصحة لان الملاك كاف فيها فيرجع
الشك إلى كون النهى ارشادا إلى الفساد لأجل أمر غير فقدان الملاك فيكون الشك في
مانعية النهى عن العبادة بعد تعلقه بها وهو مجرى البراءة والفرق بين المقام والمقام السابق
حيث أبطلنا التمسك بالبرائة هناك دون المقام، واضح
329

واما إذا كان الشك في تحقق الملاك أيضا فقاعدة الاشتغال محكمة لان صحة
الصلاة تتوقف اما على احراز الامر أو الملاك، والامر لا يجتمع مع النهى في عنوان واحد
ومع عدمه لا طريق لاحراز الملاك
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام يقع تارة في النهى المتعلق بعبادة أو معاملة مع عدم
احراز كونه تنزيهيا أو تحريميا أو ارشادا إلى الفساد، واخرى فيما إذا أحرز ان النهى
تحريمي أو غيره، فالتفصيل والتحقيق يستدعى البحث في مقامات أربعة
الأول فيما إذا تعلق النهى بمعاملة مع عدم احراز كونه من أي أقسامه، فلا
ينبغي الاشكال في ظهور النهى في الارشاد إلى الفساد لان ايقاع المعاملة لما كان لأجل توقع
تحققها وترتب الآثار عليها وتكون الأسباب آلات صرفة لها، لا يفهم العرف من النهى عنه
الا ذلك، فإذا ورد لا تبع ما ليس عندك أو لا تبع المصحف من الكافر يفهم العرف منه الارشاد
إلى عدم صحة البيع لا تحريم السبب لان الأسباب آلات لتحقق المسببات ولا تكون منظورا
إليها حتى يتعلق بها النهى، (هذا) مع بعد تعلق النهى والحرمة بالتلفظ بألفاظ الأسباب، و
اما المسبب فهو اعتبار شرعي أو عقلائي لا معنى لتعلق النهى به واما الآثار المترتبة عليها
فيبعد تعلقه بها ذاتا لأنه مع تأثير السبب لا معنى للنهي ومع عدم تأثيره يكون التصرف في
مال الغير أو وطئ الأجنبية وأمثال ذلك محرمة لا تحتاج إلى تعلق النهى بها فلابد من حمله
على الارشاد إلى الفساد وان النهى عن الايقاع لأجل عدم الوقوع كما هو المساعد لفهم العرف
(فتلخص) ان النهى عن معاملة مع قطع النظر عن القرائن الصارفة ظاهر في الارشاد إلى أن
الأثر المتوقع منها لا يترتب عليها وهذا هو الفساد
لا يقال إن النهى فيها منصرف إلى ترتيب الآثار فقوله لا تبع المجهول مثلا منصرف
إلى حرمة ترتيب الآثار على بيعه وهذا هو النهى الوضعي (لأنا نقول) نمنع الانصراف هنا
بل لا موجب له إذ هو يستدعى رفع اليد عن ظاهر العنوان بل الظاهر أن النهى متعلق بايقاع
الأسباب لكن لا إلى ذاتها بما هي هي بل بداعي الارشاد إلى عدم التأثير
الثاني إذا تعلق النهى بعبادة مع عدم احراز حال النهى أهو تحريمي أم غيره فلا
يبعد ان نقول فيها نظير ما قلناه في الأول من الارشاد إلى الفساد لان المكلفين بحسب
النوع انما يأتون بالعبادات لأجل اسقاط الامر والإعادة والقضاء، فإذا ورد من المقنن النهى
330

عن كيفية خاصه ينصرف الأذهان إلى أن الاتيان بها مع هذه الكيفية غير مسقط للامر، وانه
لأجل الارشاد إلى فسادها فقوله (ع) لا تصل في وبر ما لا يؤكل لحمه ظاهر في نظر العرف
إلى أن الطبيعة المتعلق بها الامر لا تتحق بهذه الكيفية وان الصلاة كذلك لا يترتب عليها
الأثر المتوقع أعني سقوط الامر والقضاء والإعادة وكذا الحال لو تعلق بصنف خاص
كصلاة الأعرابي أو في حال خاص كالصلاة أيام الأقراء أو مكان خاص كالحمام فمع عدم الدليل
تحمل تلك النواهي على الارشاد كالأوامر الواردة في الاجزاء والشرائط
الثالث في العبادات التي تعلق النهى بها مع احراز حاله ويتصور النهى فيها على وجوه
(منها) احراز كونه تحريميا نفسيا فلا اشكال في اقتضائه الفساد لأنه يكشف عن المبغوضية
وعدم رجحانه ذاتا ومعها كيف يمكن صلوحه للتقرب والتعبد، مع وحدة حيثية المبغوض
مع المتقرب به ذهنا وخارجا وهذا غير ما صححناه في المبحث المتقدم لاختلاف الحيثيتين
عنوانا ومتعلقا هناك دون المقام
ومن الغريب ما افاده شيخنا العلامة أعلى الله مقامه حيث أتعب نفسه الشريفة فيما افاده
وقصارى ما قال إن النهى متعلق بأمر خارج، وجعل المسألة من بحث اجتماع الامر والنهى
مع أن البحث ههنا فيما إذا تعلق النهى بنفس العبادة لا بأمر خارج (ومنها) احراز كونه
تنزيهيا نفسيا فالظاهر دلالته على الفساد لو أبقى على ظاهره إذ يستفاد منه مرجوحية متعلقه
وحزازته وقد يقال إن الكراهة بما انها لا تمنع عن ايجاد متعلقها فإذا تعلقت ببعض افراد
العبادة الواجبة تصير ارشادا إلى كون هذا الفرد أقل ثوابا من غيره (وفيه) ان البحث فيما
إذا كان النهى ظاهرا في المرجوحية واما لو كان الظاهر منه هو الارشاد إلى أقلية الثواب
فخارج من البحث
فان قلت إن النهى التنزيهي ملازم للترخيص، وكيف يمكن ترخيص التعبد بأمر
مرجوح وهل هذا الا الترخيص بالتشريع فلابد بعد احراز المرجوحية من التخلص عن
هذا الاشكال (قلت) ان الترخيص حيثي مفاده عدم كون عنوان العبادة محرما ذاتا ولا ينافي
ذلك، الحرمة من قبل التشريع على فرض حرمته
331

(ومنها) احراز كونه غيريا كالنهي عن الضد بناء على اقتضاء الامر النهى عن ضده فلا
يقتضى الفساد عقلا لعدم دلالته على مبغوضية في متعلقه بحيث يمتنع التقرب به لان الالزام
بتركه لأجل ترك غيره، كما أن الامر المقدمي لا يكشف عن محبوبيته و (ح) فعلى القول
بكفاية الملاك في التقرب يصح التقرب بالمنهى عنه بالنهي الغيري (فان قلت) اتيان المنهى
عنه يوجب التجري على المولى فيكون الفاعل بذلك بعيدا عن ساحته فلا يمكن التقرب
به (قلت) ان فاعل الضد عاص بترك الضد الأهم لا بفعل المهم فليس في فعله تجر، وانطباق
الامر العدمي أعني ترك الأهم على الامر الوجودي قد عرفت حاله، (هذا أولا)، ولو سلمنا
ان العصيان يتحقق بنفس اتيان المهم فنقول لا دليل على أن التجري موجب للفساد لان
الجرئة والجسارة عنوان لا تسرى مبغوضيته إلى نفس الفعل وكون العبد بعيدا عن ساحته
بجرئته، لا يوجب البعد بعمله (ثانيا) فتدبر و (منها) احراز كونه ارشادا إلى الفساد فلا بحث
في اقتضائه الفساد
الرابع النهى المتعلق بالمعاملات مع احراز حال النهى وهو على أقسام كالنهي
المتعلق بالعبادة (منها) ما إذا تعلق النهى التنزيهي أو الغيري بها فلا اشكال في عدم اقتضائها
الفساد (ومنها) النهى التحريمي فان تعلق بنفس السبب وبصدور هذا اللفظ بنفسه أو صدوره
بعنوان ايقاع المعاملة فلا يقتضى الفساد عقلا لان حرمة التلفظ بشئ ومبغوضيته، لا يقتضى
حرمة اثره وفساد مسببه وعدم تأثيره فيه، ولو تعلق به لا بما هو فعل
مباشري بل بما ان مسببه مبغوض كبيع المسلم من الكافر فان المبغوض مملوكيته له
فالظاهر أنه أيضا لا يدل على الفساد لعدم المنافات بين المبغوضية ووقوع المسبب غير العبادي
ونسب إلى الشيخ الأعظم التفصيل في هذا القسم بين كون الأسباب عقلية كشف
عنها الشارع فتصح المعاملة ويجبر الكافر باخراج المسلم عن ملكه وبين كون الأسباب
شرعية فيبعد جعله السبب مع مبغوضية مسببه (قلت) الظاهر أن مراده من كون الأسباب
عقلية هو كونها عقلائية إذ لا يتصور للسبب العقلي الاعتباري هنا معنى سوى ما ذكرنا و (عليه)
يرجع الكلام إلى أن النهى عن السبب لمبغوضية مسببه هل يكون رادعا عن المعاملة
العقلائية أولا، والتحقيق هو الثاني وكذا ان قلنا بمجعولية السبب شرعا لعدم المنافات
بين مبغوضية المسبب: وتأثير السبب فلا يرفع اليد عن أدلة السببية لأجل
مبغوضية المسبب وما ذكره قدس من أن جعل السبب بعيد مع مبغوضية متعلقه غير مجد
332

لان الجعل لم يكن مقصورا بهذا المورد الخاص حتى يتم ما ذكره من الاستبعاد
بل الجعل على نحو القانون الكلى الشامل لهذا المورد وغيره (نعم) اختصاص المورد
بالجعل مع مبغوضية مسببه بعيد (واما) لو تعلق النهى بالتسبب بسبب خاص إلى المسبب
بحيث لا يكون المسبب مبغوضا بل نفس التسبب وذلك كالظهار فان التفريق ليس مبغوضا
في الجملة الا ان التوصل به له مبغوض في نظر الشارع، فهو مثل ما تقدم في أنه لا يقتضى الفساد
لعدم المنافات بينهما وربما يقال إنه مع مبغوضية حصول الأثر بذاك السبب لا يمكن امضاء
المعاملة وهو مساوق للفساد (وفيه) انه لم تحقق مساوقته للفساد إذ أي منافاة بين
تحقق المسبب غير المبغوض وبين حرمة التسبب فان الحيازة تتحقق ولو بالآلة الغصبية
المحرمة تكليفا (أضف) إلى ذلك ان المعاملات عقلائية والعقلاء على اثر ارتكازهم وبنائهم
حتى يردع عنه الشارع ومثل ذلك لا يعد ردعا كما لا يعد مخصصا ولا مقيدا لما دل على جعل
الأسباب الشرعية بنحو القانون كما عرفت
بقى هنا قسم من التحريمي وهو انه إذا تعلق النهى بالمعاملة لأجل مبغوضية ترتيب
الآثار المطلوبة عليها لا اشكال في دلالته على الفساد لان حرمة ترتيب الأثر على معاملة مساوقة
لفسادها عرفا هذا كله لو أحرز كون النهى التحريمي متعلقا بأحد العناوين المتقدمة من
تعلقه بنفس السبب بما انه فعل مباشري أو بما ان مسببه مبغوض ومن تعلقه بالتسبب بالسبب
الخاص أو بالمعاملة لأجل حرمة ترتيب الأثر، واما إذا لم يحرز أحد العناوين وان أحرز
كونه تحريميا فعن الشيخ الأعظم دعوى ظهور تعلقه بصدور الفعل المباشري وفيه اشكال
لو لم نقل انه أبعد الاحتمالات في نظر العرف والعقلاء (والتحقيق) ظهوره في حرمة ترتيب
الأثر لأنه لا ينقدح في نظر العرف من قوله لا تبع ما ليس عندك على فرض احراز كون النهى
فيه للتحريم، حرمة التلفظ بالألفاظ الخاصة لأنها آلات لا ينظر فيها ولا حرمة المسبب الذي
هو أمر عقلائي ولا يكون مبغوضا نوعا ولا التسبب بها إلى المسبب بل ينقدح ان الغرض من
النهى هو الزجر عن المعاملة بلحاظ آثارها فالممنوع هو ترتيب الآثار المطلوبة عليها كساير
معاملاتهم وهو مساوق للفساد فتدبر
وربما يستدل لدلالة النهى على الفساد إذا تعلق بعنوان المعاملة بروايات منها صحيحة
زرارة المروية ففي نكاح العبيد والإماء عن أبي جعفر (ع) قال سئله عن مملوك تزوج بغير
333

اذن سيده فقال ذاك إلى سيده ان شاء اجازه وان شاء فرق بينهما قلت أصلحك الله ان
ان الحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون إن أصل النكاح فاسد ولا يحل اجازة
السيد له فقال أبو جعفر انه لم يعص الله انما عصى سيده فإذا اجازه فهو له جائز، (ومنها) ما عن
زرارة أيضا عن أبي جعفر قال سألته عن رجل تزوج عبده امرأة بغير اذنه فدخل بها
ثم اطلع على ذلك مولاه فقال ذلك مولاه ان شاء فرق بينهما إلى أن قال فقلت لأبي جعفر
فإنه في أصل النكاح كان عاصيا فقال أبو جعفر انما اتى شيئا حلالا وليس بعاص لله انما عصى
سيده ولم يعص الله ان ذلك ليس كاتيان ما حرم الله عليه من نكاح في عدة و اشباهه
وجه الاستدلال انما هو الاخذ بالمفهوم وهو ان النكاح لو كان معصية الله لكان
باطلا ولكن المقام ليس منها، وهناك اشكال معروف صعب الاندفاع وهو ان عصيان السيد
يستلزم كونه عاصيا لله تعالى، فالنكاح بلا اذن بما انه مخالفة السيد وعصيان له، عصيان لله
سبحانه لحرمة مخالفة المولى شرعا فمال القوم يمينا ويسارا واختار كل مهربا غير نقي عن
الاشكال والذي يختلج في البال انه مبنى على ما قدمناه من أن حرمة عنوان عرضي منطبق
على شئ حلال بالذات لا تسرى إليه لعدم كون الخارج ظرف تعلق الحكم كما مر في مبحث
الاجتماع، وذلك كمخالفة السيد واصل النكاح فان ما هو المحرم هو عنوان مخالفة السيد
والنهى إذا تعلق به لا يتجاوز عنه إلى عنوان اخر كالنكاح والطلاق، (و ح) فالتزويج الخارجي
ينطبق عليه عنوانان، أحدهما عنوان النكاح وهو لم يتعلق به نهى من المولى بل يكون
مشروعا متعلقا للامر، وعنوان عصيان المولى الذي تعلق به النهى، فالمصداق المفروض
مصداق لعنوان ذاتي له وهو مشروع تعلق به الامر وعنوان عرضي وهو مخالفة السيد وهو
محرم، وانطباق الثاني على النكاح عرضا لا يوجب كونه حراما لوقوف كل حكم على عنوانه
ولا يسرى إلى ما يقارنه أو يتحد معه (والحاصل) ان مورد السؤال والجواب النكاح بما
له من المعنى المتعارف أي ما صنعه العبد بلا اذن مولاه ومع ذلك أنه عصيان سيده وليس بعصيان
الله اما عصيان السيد فلان ارتكابه هذا الامر المهم بلا اذنه خروج من رسم العبودية وزي
الرقية واما عدم كون النكاح عصيانا لله فلان ما حرم الله على العبد هو عنوان مخالفته لمولاه
لا النكاح والطلاق وغيرهما، وانطباقها أحيانا على مصاديق المحللات، لا يوجب كونها حراما
لعدم تجاوز النهى عن عنوان إلى عنوان اخر فالتزويج الخارجي مصداق لعنوان محرم و
334

هو مخالفة المولى، وعنوان غير محرم وهو النكاح، وهو بانطباق العنوان الأول عاص لله و
بانطباق العنوان الثاني لم يعص الله بل عصى سيده اما الثاني فواضح اما الأول فلعدم تحريم
منه تعالى ومورد السؤال هو ما يصدر عن العبد وهو أصل النكاح
ويشهد على ما ذكر شواهد في متون الروايات، منها قوله (ع) في الرواية الثانية فقلت
لأبي جعفر فإنه في أصل النكاح كان عاصيا فقال أبو جعفر انما اتى شيئا حلالا وليس بعاص لله
وانما عصى سيده حيث صرح بان أصل النكاح شئ حلال ليس بمعصية الله ومع ذلك عصى
سيده أي في النكاح فالتزويج عصيان السيد ومخالفة السيد عصيان الله والمخالفة بعنوانها
غير النكاح وان اتحدت معه خارجا، فظهر ان المنفى من عصيان الله هو عصيانه في أصل، النكاح
لا عصيانه بعنوان مخالفة السيد فالعبد لم يعص الله في أصل النكاح حتى يصير فاسدا، وان
عصى سيده في النكاح باعتبار وقوعه بلا اذنه (ومنها) ما في صحيحة منصور بن حازم عن أبي
عبد الله في مملوك تزوج بغير اذن مولاه أعاص لله قال عاص لمولاه قلت حرام هو قال
ما أزعم انه حرام وقل له ان لا يفعل الا بإذن مولاه، ترى ان ظاهره كونه حلالا مع أنه ممنوع
من فعله الا بإذن مولاه وما هذا الا لأجل ما تقدم من أن النكاح ليس بحرام لكن ينطبق
عليه عنوان محرم وهو مخالفة المولى (ومنها) قوله (ع) في رواية زرارة المتقدمة بعد قوله
انما عصى سيده ولم يعص الله ان ذلك ليس كاتيان ما حرم الله عليه من نكاح في عدة وأشباهه
حيث فرق بينه وبين ما تعلق النهى بنفس الطبيعة بعنوانها وليس ذلك الا لما ذكرنا
تذنيب
حكى عن أبي حنيفة والشيباني دلالة النهى على الصحة لان النهى لا يصح الا عما
يتعلق به القدرة والمنهى عنه هو وقوع المعاملة مؤثرة صحيحة فلو كان الزجر عن معاملة
مقتضيا للفساد يلزم أن يكون سالبا لقدرة المكلف ومع عدم قدرته يكون لغوا فلو كان
صوم يوم النحر والنكاح في العدة مما لا يتمكن المكلف من اتيانهما، يكون النهى عنهما
لغوا لتعلقه بأمر غير مقدور، وأجاب عنه المحقق الخراساني بان النهى عن المسبب أو التسبب
به في المعاملات يدل على الصحة لاعتبار القدرة في متعلقه واما إذا كان عن السبب فلا
لكونه مقدورا وان لم يكن صحيحا انتهى
وأنت خبير بان مورد نظرهما ليس نفس السبب بما هو فعل مباشري إذ ليس السبب
335

متعلقا للنهي في الشريعة حتى يبحث عنه وإن كان التسبب منهيا عنه أحيانا بل مورد النظر
هو المعاملات العقلائية المعتد بها لولا نهى الشارع عنها وبذلك يظهر النظر فيما افاده
بعض الأعيان في تعليقته من سقوط قولهما على جميع التقادير لان ذات العقد الانشائي غير
ملازم للصحة، فمقدوريته لذاته لا ربط له بمقدوريته من حيث هو مؤثر فعلى، وإيجاد الملكية
عين وجودها حقيقة، وغيرها اعتبارا والنهى عنه وان دل عقلا على مقدوريته لكن لا يتصف
هو بالصحة لان الاتصاف إن كان بلحاظ حصول الملكية فهي ليست اثرا له لان الشئ ليس
اثرا لنفسه وإن كان بلحاظ الأحكام المترتبة على الملكية المعبر عنها بآثارها فنسبتها
إليها نسبة الحكم إلى موضوعه لا المسبب إلى سببه ليتصف بلحاظه بالصحة (انتهى ملخصا)
و (فيه) ان محط نظرهما انما هو المعاملة العقلائية أعني العقد المتوقع منه ترتب الأثر
والمسبب عليه، لولا نهى الشارع عنه فلا يرد اشكاله عليهما ولو سلم تعلقه بايجاد الملكية
لكن كون الايجادا مهنيا عنه يكشف عن تعلق القدرة عليه كما اعترف به وهو كاشف عن صحة
المعاملة ونفوذها لا صحة الايجاد حتى يقال إنه لا يتصف بها فقوله أجنبي عن محط كلامهما
على تقدير ومثبت له على الاخر (والتحقيق) ان الحق معهما في المعاملات، إذا أحرزنا ان
النهى تكليفي لا ارشادي إلى فساده إذ (ح) يتمحض ظهوره في الفساد (هذا) إذا لم نقل بان
النهى إذا تعلق بمعاملة لأجل مبغوضية ترتيب الآثار المطلوبة عليها، يدل على الفساد في
نظر العقلاء والا يصير نظير الارشاد إلى الفساد ويسقط قولهما (اما) العبادات فالمنقول
عنهما ساقط فيها على أي تقدير سواء قلنا بوضعها للأعم أم الصحيح اما على الأول فواضح
لصحة الاطلاق الصلاة على الفاسد وامكان تعلق النهى به (واما) على الثاني فلما قدمناه من أن
المراد من الصحيح ليس هو الصحيح من جميع الجهات إذ الشرائط الآتية من قبل الامر
خارجة من المدلول بل مطلق الشرائط على التحقيق و (ح) فلا منافاة بين الصحيح من
بعض الجهات وبين الفساد والمبغوضية بحيث لا يصلح للتقرب ولو قلنا بالصحة الفعلية
فلا يجتمع مع النهى أصلا لان العبادة تتقوم بالامر أو الملاك، والامر لا يجتمع مع النهى
لكون العنوان واحدا، ومثله الملاك إذ لا يمكن أن يكون عنوان واحد محبوبا ومبغوضا
وذا صلاح وفساد بحيثية واحدة
تنبيه
336

قد تقدم الكلام في النهى المتعلق بنفس العبادة فبعد البناء على فسادها بتعلقه بها،
فهل يوجب تعلقه بجزئها أو شرطها أو وصفها اللازم أو المفارق، فسادها أولا ومحط البحث
هو اقتضاء الفساد من هذه الحيثية لا الحيثيات الاخر مثل تحقق الزيادة في المكتوبة أو كون
الزائد المحرم من كلام الآدمي أو غير ذلك مما لسنا بصدده الان، التحقيق هو الثاني لان البحث
فيما إذا تعلق بنفس الجزء لا بالكل ولو باعتباره (و ح) فمبغوضية الجزء يوجب فساد نفسه
لا الكل ولا تسرى إليه ولو كان قابل التدارك يأتي به ثانيا والا فالفساد مستند إلى حيثية
أخرى من فقدان الجزء أو زيادته والنهى لم يوجب ذلك، وتوهم ان تحريم الجزء يستلزم
اخذ العبادة بالإضافة إليه بشرط لا مدفوع بعدم الدليل عليه على أنه خارج من محط البحث
كما عرفته واما الوصف فلان المبغوض ليس الا الجهر مثلا في صلاة الظهر فلا يستدعى
مبغوضية الموصوف (وان شئت قلت) ان الامر تعلق بعنوان الصلاة أو القراءة فيها والنهى
تعلق باجهار القراءة فيها بحيث يكون المنهى عنه نفس الاجهار وإضافة الاجهار إلى القراءة
من قبيل زيادة الحد على المحدود، والعنوانان في محط تعلق الاحكام مختلفان فلا يضر
الاتحاد مصداقا (ثم) ان المراد من الوصف اللازم ما لا يمكن سلبه مع بقاء موصوفه كلزوم
الجهر للقرائة حيث ينعدم القراءة الشخصية مع انعدام وصفها وان يمكن ايجادها في ضمن
صنف آخر وليس المراد منه مالا تكون فيه مندوحه في البين بحيث يلازم الموصوف في
جميع الحالات لامتناع تعلق الامر بشئ والنهى بلازمه غير المنفك عنه، وقس عليه غير
اللازم من الوصف من حيث عدم الابطال (فتلخص) ان المقام من قبيل اجتماع الامر والنهى
فالبطلان على القول به مبنى اما على منع كون المبعد مقربا أو على انتفاء الوصف في الصلاة
وهو أجنبي عن البحث لان البحث في اقتصاء كون النهى ذلك كما هو ملاك البحث عند
تعلقه بنفس العبادة نعم لو تعلق النهى بالقرائة المجهور بها بحيث يكون بين العنوانين
عموم مطلق فللتأمل فيه مجال إذ لقائل ان يمنع جريان احكام باب الاجتماع فيه لأن المطلق
الواجب هو عين المقيد الحرام فان المطلق نفس الطبيعة وليس قيدا مأخوذا فيه
فالمقيد هو نفس الطبيعة مع قيد، فيتحد العنوانان في حين توارد الامر والنهى وقد سبق ان
وقوع العام والخاص المطلقين محل النزاع لا يخلو من اشكال (واما) الشرط فكما لو
تعلق الامر بالصلاة وتعلق النهى بالتستر في الصلاة بوجه خاص أو بشئ خاص، لامتناع
337

تعلقه بالتستر مطلقا مع شرطيته في الجملة (و ح) فتعلق النهى بصنف من التستر أعني التستر
بوبر مالا يؤكل لحمه لا يقتضى الا مبغوضية شرطه لا المشروط، ومبغوضية التستر بنحو
خاص أو بصنف خاص، لا ينافي محبوبية الصلاة متسترا، فان التقييد بالتستر المأخوذ فيها
أمر عقلي ليس كالاجزاء فيمكن ان يتقرب مع التستر بستر منهى عنه ولا يلزم اجتماع الامر
والنهى ولا المبغوض والمحبوب في شئ واحد، واما على القول بان الامر بالمقيد ينسط على
نفس الشرط كالجزء كان حكمه حكم الجزء كما عرفت والقول بان فساد الشرط يوجب
فقدان مشروطه خروج من محط البحث إذ الفساد من حيثية أخرى لا ينافي عدم الفساد من
جانب النهى كما أن ما ذكرناه في الجزء والشرط والوصف حكم النهى التحريمي لا ما هو
ظاهر في الارشاد إلى الفساد هذا حكم العقل واما الاستظهار من الأدلة فلا مضايقة عن دلالتها
على الفساد أحيانا
المقصد الثالث في المفاهيم
ينبغي قبل الخوض في المقصود بيان مقدمة وهى ان المفهوم عبارة عن قضية غير
مذكورة مستفادة من القضية المذكورة عند فرض انتفاء أحد قيود الكلام، وبينهما تقابل
السلب والايجاب بحسب الحكم، (ثم) ان مسلك القدماء على ما استنبطه بعض الأكابر (دام
ظله) مخالف لما سلكه المتأخرون من الأصوليين فان مشرب المتأخرين هو استفادة
الترتب العلى الانحصاري عن أدوات الشرط أو عن القضية الشرطية وضعا أو اطلاقا، وليس
دلالتها على ذلك بالمعنى الأسمى لان معاني الأدوات والهيئات حرفية (و ح) يكون المفهوم
على طريقتهم بحسب بعض الوجوه من اللوازم البينة للمعنى المستفاد من الكلام وتصير
الدلالة لفظية بناء على الدلالة كون على الحصر بالوضع لان أدوات الشرط على فرض إفادتها المفهوم
تدل على تعليق الجزاء على العلة المنحصرة، ولازمه البهن الانتفاء عند الانتفاء وعلى بعض
الوجوه يكون طريقتهم كطريقة القدماء على ما سيأتي
(واما) على مسلك القدماء فليس من الدلالات اللفظية الالتزامية حتى يكون من اللوازم
البينة لان الاستفادة مبينة على أن اتيان القيد بما انه فعل اختياري للمتكلم يدل على
دخالته في الحكم فينتفى الحكم بانتفائه وهذا لا يعد من الدلالة الالتزامية كاستفادة المفهوم
من الاطلاق على مسلك المتأخرين وسيجئ الفرق بين القولين
338

ثم إن الحاجبي عرف المنطوق بأنه ما دل عليه اللفظ في محل النطق، والمفهوم بأنه
ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق، ويمكن تطبيقه على كلا المسلكين اما على المسلك المنسوب
إلى القدماء فبأن يقال إنه أراد من محل النطق، الدلالات اللفظية مطلقا وأراد من غيره
دلالة اللفظ بما انه فعل اختياري للمتكلم على دخالته في موضوع الحكم فدل على الانتفاء
عند الانتفاء واما على ما عليه المتأخرون بناء على استفادة المفهوم من اللفظ الموضوع
فبأن يقال إنه، أراد من دلالته في محل النطق دلالة المطابقة أو هي مع التضمن، ومن
دلالته لا في محله دلالة الالتزام (هذا) ولا يبعد أن يكون مراده الثاني فان ما يدل عليه
اللفظ في محل النطق هو الدلالة المطابقية، أي ما هو موضوع، واما دلالته على اللازم
فبواسطة دلالته على المعنى المطابقي فليس دلالته عليه في محل النطق فإذا قال المتكلم
الشمس طالعة فالذي دل عليه لفظه في محل النطق هو طلوع الشمس لان لفظه قالب
لهذا المعنى بحسب الوضع، واما وجود النهار فقد دل عليه لفظه أيضا مع عدم التنطق به و
عدم الوضع له وبما ذكرنا يمكن استظهار ان المختار عند القدماء هو المختار عند المتأخرين
وانه لا اختلاف بين المسلكين إذ من البعيد اتكائهم في استفادة المفهوم على صرف وجود
القيد مع كونه ظاهر الفساد، فما نسب إلى القدماء محل شك بل منع كما سيجئ
(ثم) ان كون المفهوم من صفات الدلالة أو المدلول ربما يكون بحسب الاعتبار والإضافة لان
دلالة اللفظ على المعنى المطابقي دلالة منطوقية ودلالته على المعنى الالتزامي دلالة مفهومية
كما أن المدلول اما منطوق يفهم من محل النطق أو مفهوم يفهم لا من محل النطق، وإن كان
الأشبه هو الثاني (وليعلم) ان النزاع في المفهوم على مسلك المتأخرين نزاع صغروي لان
محصل البحث يرجع إلى أنه هل للقضية الشرطية مفهوم وانها تدل على العلة المنحصرة
أولا بحيث لو ثبت له للمفهوم لم يكن محيص عن كونه حجة، واما على رأى القدماء فربما
يقال إنه كبروي لان المفهوم على هذا لما لم يكن في محل النطق وليس من المدلولات
اللفظية (فح) يقع النزاع في أنه هل يمكن الاحتجاج عليه أولا يمكن: لأجل عدم التنطق
به فإذا قال إذا جائك زيد فأكرمه يفهم منه انه إذا لم يجئ لا يجب الاكرام لكن لا يمكن
الاحتجاج به على المتكلم بأنك قلت كذا، لأنه لو سئل عنه عن فائدة القيد، له ان يعتذر
باعذار و (فيه) ان كون المفهوم مسلما وجوده في الكلام عند القدماء لا يناسب ظواهر
339

كلماتهم لأنك ترى المنكر يرد على المثبت بان الصون لا ينحصر في استفادة الانتفاء
عند الانتفاء بل يحصل بأمور آخر من وقوعه مورد السؤال أو كونه مورد الابتلاء فما هو
الممنوع هو أصل الاستفادة، وان شئت فطالع ما نقل عن السيد المرتضى من أن تأثير
الشرط انما هو تعليق الحكم به وليس بممتنع ان يتوب عنه شرط آخر، (الخ) فان ظاهره
يحكى عن أن المستفاد من الشرط دخالته لا عدم دخالة شرط آخر حتى يفيد المفهوم فهو
(ح) ينكر المفهوم لا حجيته بعد ثبوته، و (بالجملة) ان القائل بالمفهوم على مسلك القدماء
على فرض صحة النسبة، يدعى ان اتيان القيد الزائد بما انه فعل اختياري يدل على كون
القيد ذا دخل في ترتب الحكم وداخلا في موضوعه ومع عدمه لا ينوب عنه شئ والمنكر
انما ينكر هذه الدلالة لاحجيتها
ثم انك لو قد تدبرت عبائر السيد تعرف ان مسلك القدماء هو عين ما اختاره المتأخرون
حيث يظهر منه ان مدعى المفهوم يدعى دلالة الكلام على عدم نيابة قيد آخر مناب القيد
المذكور وهو عين ما سلكه المتأخرون، وهو شاهد آخر على اتحادهما مضافا إلى ما عرفت
ويرشدك إليه استدلال النافين بمنع الدلالات
في مفهوم الشرط
(فصل) هل الجمل الشرطية تدل على الانتفاء عند الانتفاء مع الخلو عن القرينة فيها
خلاف نسب بعض الأكابر (أدام الله اظلاله) إلى المتقدمين ان النكتة الوحيدة في دلالة القضايا
على المفهوم شرطية كانت أو وصفية أو غيرهما هي شئ واحد غير مربوط بالدلالات اللفظية
ومجمله ان الغرض الوحيد في الكلام عند العقلاء هو الإفادة والاستفادة، فكما هو أصل متبع
في أصل الكلام فهكذا هو أصل في قيوده الواردة فيه وتوضيحه ان الأصل العقلائي في
كل فعل صادر من شاعر مختار ومنه الكلام بما انه فعله هو الحمل على أنه صدر لغرض لا
لغوا ثم في الكلام أصل آخر وهو ان صدوره للتفهيم لا لغرض آخر لأنه آلة التفهيم و
استعماله لغيره خلاف الأصل ولو شك في الاستعمال الحقيقي والمجازي يحمل على الأول
ولا اشكال في جريان الأصل العقلائي في القيود الزائدة في الكلام فإذا شك في قيد انه اتى
به لغوا أو لغرض يحمل على الثاني وإذا شك انه للتفهيم أو غيره حمل على الأول وما
يكون فيه القيود آلة لتفهيمها، يرجع إلى دخالتها في الموضوع وان اتيان
340

الموضوع مقيدا، لأجل كون الموضوع هو الذات مع القيد وهذا ليس من قبيل
الدلالات اللفظية كما مر فتحصل من ذلك ان اتيان القيد يدل على
دخالته في الحكم، فينتفى عند انتفائه من غير فرق بين الشرط والوصف وغيرهما، هذا
حاصل ما قرره (دام ظله) والحق ان هذا التقرير لا يفيد شيئا ما لم يضم إليه شئ آخر وهو
ان عدم الاتيان بشئ آخر في مقام البيان يدل على عدم قرين له وبه يتم المطلوب والا مجرد
عدم لغوية القيود، لا يدل على المفهوم ما لم تفد الحصر وهو أحد الطرق التي تشبث به المتأخرون
وسيأتى تقريره مع جوابه ومحصل تقريره ان المتكلم إذا كان في مقام بيان موضوع حكمه
فلابد ان يأتي بكل ما يتقوم به طبيعة الحكم فلو اتى ببعض دون بعض لأخل بغرضه فلو
كان المقوم بوجوب الاكرام أحد الامرين من المجئ والتسليم، لما كان له ذكر أحدهما
وحذف الاخر، وحكم المقام حكم باب المطلقات فكما يعلم من عدم ذكر الايمان عدم، دخالته
فهكذا المقام، إذ ا المفروض انه بصدد بيان ما يتوقف عليه طبيعة الاكرام وأنت خبير ان
ضم هذه المقدمة إلى الأولى لا يفيد في اثبات المدعى أيضا، لان كون المتكلم في مقام
البيان لا يقتضى عدا ان يبين ما هو تمام الموضوع لوجوب الاكرام المسوق له الكلام، والمفروض
انه بينه حيث قال إن جائك زيد فأكرمه، واما إذا فرضنا ان للاكرام موضوعا آخر وهو تسليم
زيد، فلزوم بيانه لم يدل عليه دليل، ولا يعد عدم بيانه نقضا للغرض ولا كلامه لغوا مثلا قوله
إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شئ يدل باعتبار التقييد بالكر ان ذات الماء ليس موضوعا
للحكم والا لكان القيد لغوا، ويدل على أن هذا الموضوع المقيد تمام الموضوع للحكم
ولا يكون قيد آخر دخيلا فيه والا كان عليه البيان، واما عدم نيابة قيد آخر عن هذا القيد و
عدم صدور حكم آخر متعلقا بالجاري أو النابع، فليس مقتضى التقييد ولا مقتضى الاطلاق،
وقياس المقام بالمطلق قياس مع الفارق، إذ الشك هنا في نيابة قيد عن آخر بعد تمامية قيود
الحكم المسوق له الكلام والشك هناك في تمامية قيود الحكم المسوق له وانه هل هو
تمام الموضوع أو لا
واما المتأخرون فقد استدلوا بوجوه غير نقية عن الاشكال، كلها مسوقة لاثبات
كون القيد علة منحصرة، وظاهر ذلك كون الترتب العلى أو مطلق الترتب من المسلمات
عندهم مع امكان منع الأول، بل كفاية مطلق الملازمة العرفية لصحة قولنا لو جاء زيد لجاء
عمرو إذا كانا مصاحبين غالبا بلا تجوز أيضا نعم لو لم يكن بينهما ملازمة مطلقا لما صح استعمال
341

الأداة الا بنحو من العناية
ومن الوجوه المستدل بها دعوى تبادر العلة المنحصرة من القضية أو انصرافها إليها،
واثباته على المدعى مع شيوع الاستعمال في غيرها بلا عناية وما ربما يدعى من الأكملية فهو
كما ترى
(ومنها) التمسك بالاطلاق أداة الشرط لاثبات الانحصار كالتمسك باطلاق الامر
لاثبات كونه نفسيا تعيينيا وما ربما يورد عليه من أن الاطلاق فرع التقييد ومعاني أدوات الشرط
آليات لا تقبل التقييد فكيف يؤخذ باطلاقها، فمدفوع بما مر من أن التقييد يمكن أن يكون
بلحاظ ثان وتقدم الوجوه الأخر في ذلك فراجع
(نعم) الاشكال كله في أصل الاستدلال لما عرفت في باب الأوامر من أن الأقسام كلها
تتميز عن المقسم بقيود خارجة منه والالزام أن يكون القسم عين المقسم وهو باطل، فالاطلاق
لا يثبت نفيسة الامر ولا غيريته بل كل منهما متميز عن نفس الطلب بقيد خاص، فلا يعقل
أن يكون عدم بيان قيد، مثبتا لقيد آخر، فالحكم في المقيس عليه باطل فكيف المقيس
لان الترتب العلى ينقسم إلى قسمين انحصاري وغير انحصاري فكل واحد مشتمل على
خصوصية زائدة على مقسمه فلا معنى لاثبات أحدهما يعدم البيان، على أن القياس مع الفارق
يعلم ذلك بالتأمل
و (منها) التمسك باطلاق الشرط حيث إنه لو لم يكن بمنحصر يلزم تقييده ضرورة
انه لو قارنه أو سبقه الاخر لما اثر وحده، وقضية اطلاقه أو يؤثر كذلك مطلقا (وفيه)
ان معنى الاطلاق ليس ان الشرط مؤثر سواء قارنه الاخر أم سبقه أم لحقه أو ان ذلك مؤثر
وحده بل لا يفيد الاطلاق أي عدم ذكر القيد في مقام البيان الا كون الشئ تمام الموضوع
للحكم وانه لو كان شئ آخر دخيلا كان عليه البيان واما لزوم بيان ما هو قرين لهذا الموضوع
في تعلق الحكم فلم يدل عليه دليل لعدم لزوم نقض الغرض وما ذكر في الاستدلال من أنه لو
لم يكن بمنحصر لزم تقييده فلم يعلم له وجه صالح وان شئت قلت إن الاطلاق في مقابل
التقييد، وكون شئ آخر موضوعا للحكم أيضا لا يوجب تقييدا في الموضوع بوجه، واما
قضية الاستناد الفعلي بالموضوع مع عدم قرين له قبله وبعده فهو شئ غير راجع إلى الاطلاق
والتقييد، فان الاستناد واللا استناد في الوجود الخارجي بالنسبة إلى المقارنات الخارجية غير
342

مربوط بمقام جعل الاحكام على العناوين، فان الدليل ليس ناظرا إلى كيفية الاستناد
في الوجود فضلا عن النظر إلى مزاحماته فيه، وكيف كان فالاطلاق غير متكفل لاحراز
عدم النائب وإن كان كفيلا لاحراز عدم الشريك أي القيد الاخر ولو فرض احراز كون المتكلم
بصدد بيان العلة المنحصرة أو الموضوع المنحصر فهو غير مربوط بمفهوم الشرط بل مع هذا
يفهم الحصر مع اللقب أيضا لكنه لأجل القرينة لا لأجل المفهوم الذي وقع مورد النزاع
(ومنها) ما نقله المحقق المحشى في تعليقته الشريفة وأشار إليه بعض الأكابر (دام
ظله) وهو ان مقتضى الترتب العلى أن يكون المقدم بعنوانه الخاص علة ولو لم تكن العلة
منحصرة لزم استناد التالي إلى الجامع بينهما وهو خلاف ظاهر الترتب على المقدم بعنوانه
(وفيه) مضافا إلى ما قدمناه من صحة استعمال القضية الشرطية في مطلق المتلازمين فالعلية
والمعلولية مما لا أصل لهما في المقام انه يرد عليه ان قياس التشريع بالتكوين منشأ لاشتباهات
نبهنا على بعضها لان العلية والمعلولية في المجعولات الشرعية ليست على حذو التكوين
من صدور أحدهما عن الاخر حتى يأتي فيه القاعدة المعروفة، إذ يجوز أن يكون كل من
الكر والمطر والجاري دخيلا في عدم الانفعال مستقلا بعناوينها كما هو كذلك، على أن
القاعدة مختصة للبسيط البحت دون غيره، ولو أغمضنا عن ذلك كله لا يمكن الإغماض
من أن طريق استفادة الاحكام من القضايا هو الاستظهارات العرفية لا الدقائق الفلسفية فتدبر
(ومنها) ما يظهر عن بعض الأعاظم وحاصله جواز التمسك بالاطلاق الجزاء دون الشرط
قائلا ان مقدمات الحكمة انما تجرى في المجعولات الشرعية ومسألة العلية والسببية
غير مجعولة وانما المجعول هو المسبب على تقدير وجود سببه فلا معنى للتمسك باطلاق
الشرط، بل مقدمات الحكمة تجرى في جانب الجزاء من حيث عدم تقييده بغير ما جعل
في القضية من الشرط مع كونه في مقام البيان، ويحرز كونه في مقامه من تقييد الجزاء بالشرط،
ودعوى كونه في مقام البيان من هذه دون سائر الجهات فاسدة فإنه لو بنى على ذلك لا نسد باب
التمسك بالاطلاقات في جميع المقامات إذ ما من مورد الا ويمكن فيه هذه الدعوى انتهى ملخصا
(وفيه) أولا ان لازم ما ذكره عدم التمسك بالاطلاق في أغلب الموارد لان مصب
الاطلاق في قول الشارع مثلا أعتق رقبة، إن كان مفاد الهيئة فهو معنى حرفي غير قابل
343

لجريان مقدماته فيها على مذهب القائل وإن كان مادتها أو نفس الرقبة فليستا من المجعولات
الشرعية، وما هذا الا ان اجرائها لا ينحصر بالمجعولات الشرعية بل الغالب جريانها فيما له
اثر شرعي، مثلا إذا قال إن ظاهرت فأعتق رقبة وشك في اعتبار قيد في الرقبة تجرى المقدمات
في نفس الرقبة التي جعلت موضوع الحكم، وكذا يتمسك باطلاق المادة لو شك في كيفية
التعلق، مع عدم كونهما مجعولين شرعا، فكما يقال في مثل ما ذكران ما جعل موضوعا أو
متعلقا هو تمامهما والا لكان عليه البيان فكذا يقال في المقام لو كان شئ آخر دخيلا في الشرط
لكان عليه البيان، وهذا غير مربوط بجعل السببية والعلية (وثانيا) ان ما اورده في اثبات
اطلاق الجزا معين ما رده في ناحية الشرط وما الفرق بين المقامين مع قطع النظر عما ذكره
من حديث عدم مجعولية العلية والسببية (وثالثا) ان منع مجعولية السببية والعلية في غير
محله وسيوافيك في محله بإذن الله جواز جعلهما فارتقب
بقى أمور
(الأول) لا اشكال في انتفاء شخص الحكم بانتفاء شرطه أو قيده عقلا من غير أن يكون
لأجل المفهوم فإذا وقف على أولاده العدول أو ان كانوا عدولا فانتفائه مع سلب
العدالة، ليس للمفهوم بل لعدم الجعل لغير مورده، كما أنه لا اشكال فيما إذا كان مفاد
الجزاء حكما كليا مما عبر بالمعنى الأسمى، في أن انتفائه لأجل المفهوم كقولك إذا جاء
زيد يكون اكرامه واجبا، (نعم) وقع الاشكال في مثل إذا جاء فأكرمه حيث إن المجعول
فيه هو الحكم الجزئي باعتبار خصوصية الموضوع له في المعاني الحرفية، وربما يقال إن انتفاء
الانشاء الخاص بانتفاء بعض قيوده عقلي و (أجاب) المحقق الخراساني بان المجعول هو
نفس الوجوب الذي هو مفاد الصيغة، واما الشخص والخصوصية فمن طوارى الاستعمال
و (فيه) ما عرفت من أن معاني الحروف خاصة ولا يتصور الجامع لها، والتحقيق في الذب
ما يستفاد من كلمات الشيخ الأعظم في طهارته بتوضيح منا وهو ان ظاهر القضية وإن كان
ترتب بعث المولى على الشرط الا انه ما لم تكن مناسبة بين الشرط ومادة الجزاء كان طلب
ايجاد الجزاء عند وجود الشرط لغوا وجزافا، فالبعث المترتب يكشف عن كونهما بمنزلة
المقتضى (بالكسر) والمقتضى، فيتوصل بيان ذلك الامر، بالامر بايجاده عند ثبوته ويجعل
بعثه عنوانا مشيرا إلى ذلك (فح) فالمترتبان هو ذات الشرط ومطلق الجزاء الذي تعلق
344

به الحكم بلا خصوصية للحكم المنشأ، فيشبه الجمل الاخبارية في عموم المجعول
وبعبارة أوضح ان ظاهر القضايا بدءا وإن كان تعليق الوجوب على الشرط لكن حكم
العقل والعقلاء في مثل تلك القضايا ان لطبيعة مادة الجزاء مناسبة للشرط تكون سببا لتعلق
الهيئة بها، فيكون الايجاب المتعلق بالمادة في الجزاء متفرعا على التناسب الحاصل بينهما
فإذا قال إن أكرمك زيد أكرمه يفهم العرف والعقلاء منه ان التناسب الواقعي بين الاكرامين
دعى المولى لإيجابه عند تحققه والا كان التفرع لغوا، (و ح) إذا فرض دلالة الإرادة على
انحصار العلة تدل على أن التناسب بينهما يكون بنحو العلية المنحصرة ففي الحقيقة يكون
التناسب موجودا بين طبيعة ما يتلوا أداة الشرط ومادة الهيئة فإذا دلت الأداة على الانحصار يتم
الدلالة على المفهوم وإن كان مفادها جزئيا، وبعبارة أخرى ان الهيئة وإن كانت دالة على البعث
الجزئي لكن التناسب بين الحكم والموضوع يوجب الغاء الخصوصية عرفا، ويجعل الشرط
علة منحصرة لنفس الوجوب وطبيعيه، فبانتفائه ينتفى طبيعي الوجوب وسنخه، وبما ذكرنا
يظهر ضعف ما افاده بعض الأكابر (أدام الله اظلاله) من انا لا نتعقل لسنخ الحكم وجها معقولا
لوضوح ان المعلق في قولك ان جائك زيد فأكرمه، هو الوجوب المحمول على اكرامه،
والتعليق يدل على انتفاء نفس المعلق عند انتفاء المعلق عليه، فما فرضته سنخا، إن كان
متحدا مع هذا المعلق موضوعا ومحمولا فهو شخصه لا سنخه، إذ لا تكرر في وجوب اكرام
زيد، وإن كان مختلفا معه في الموضوع كاكرام عمرو، أو محمولا كاستحباب اكرام زيد، فلا
معنى للنزاع (انتهى) ووجه الضعف ظاهر فلا نطيل المقام
الثاني إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء كما في إذا خفى الاذان فقصر، وإذا خفى الجدران
فقصر، فبناء على ظهور الشرطية في المفهوم يقع التعارض بينهما اجمالا فهل التعارض
بين المنطوقين أدلا وبالذات أو بين مفهوم كل منهما ومنطوق الاخر، الظاهر هو الأول على
جميع المباني في استفادة المفهوم اما على القول بان المتبادر هو العلة المنحصرة فلان حصر
العلية في شئ ينافي اثباتها لشئ آخر فضلا عن حصرها فيه ضرورة حصول التنافي بين قوله
(العلة المنحصرة للقصر خفاء الاذان) وقوله (العلة المنحصرة له خفاء الجدران) وهكذا
على القول بأنها منصرفة إلى المنحصرة فالتعارضين يقع بين الانصرافين الواقعين في أدوات
الشرط، وكذا على القول بان الانحصار مقتضى الاطلاق لوقوع التعارض بين أصالتي الاطلاق
345

في الجملتين
واما العلاج والتوفيق بينهما فيختلف كيفيته باختلاف المباني في استفادة المفهوم
فإن كان المبنى هو وضع الأدات للعلة المنحصرة فلا محيص عن القول بتساقط أصالتي الحقيقة
من الجانبين، إذا لم يكن بينهما ترجيح كما هو المفروض لعدم ترجيح بين المجازات، و
كون العلة التامة أقرب إلى المنحصرة واقعا لا يكون مرجحا في تعيينه لان وجه التعيين
هو الانس الذهني الذي يرجع إلى الظهور العرفي، وإن كان الأساس في الاستفادة هو الانصراف
بعد وضعها لمطلق العلية، فالساقط هو الانصرافان ويكون أصالة الحقيقة في كل منهما محكمة
بينهما، ونظير ذلك لو قلنا إن الوضع لمطلق اللزوم أو الترتب أو غيرهما
واما إذا كان وجه الاستفادة هو الاطلاق (فح) ان قلنا إن الأداة موضوعة للعلة التامة
فمع تعارض أصالتي الاطلاق يؤخذ بأصالة الحقيقة بلا تعارض بينهما وان قلنا إن العلية
التامة كالانحصار أيضا مستفادة من الاطلاق فللبحث فيه مجال، فمقتضى اطلاق قوله إذا خفى
الاذان فقصر هو ان خفاء الاذان مؤثر بلا شريك، وان هذا مؤثر بلا عديل وقس عليه قوله
إذا خفى الجدران فقصر، ففي كل واحد من الجانبين اطلاقان أصالة الانحصار وأصالة
الاستقلال (فح) كما يحتمل أن يكون خفاء الجدران قيدا لخفاء الاذان يحتمل أن يكون
عدلا له فيقع التعارض بين أصالتي الاطلاق أي من جانب نفى الشريك ومن جهة نفى العديل
ومع عدم المرجح يرجع إلى الأصول العملية
(فان قلت) ان الانحصار مرتفع بالعلم التفصيلي اما لورود تقييد للاطلاق المثبت للانحصار
أو لأجل وروده على الاطلاق المفيد لاستقلال كل منهما في العلية فيرتفع الانحصار أيضا
لأجل ارتفاع موضوعه وهو علية كل واحد مستقلا وبعبارة أوضح ان العلم الاجمالي بورود
قيد، اما على الاطلاق من جهة نفى الشريك واما عليه من جهة نفى البديل يوجب انحلاله
إلى علم تفصيلي بعدم انحصار العلة لأجل تقييد الاطلاق من جهة البديل أو لا جل تقييده
من جهة الشريك فيرتفع موضوع الاطلاق من جهة البديل، وإلى شك بدئي للشك في
تقييد الاطلاق من جهة الشريك فيتمسك بأصالة الاطلاق
(قلت) ان الانحلال فيه إلى علم قطعي وشك بدئي من آثار العلم الاجمالي برفع أحد
الاطلاقين فكيف يرفع الأثر مؤثره، وان شئت قلت العلم بارتفاع الانحصار معلول للعلم
346

بارتفاع الاستقلال أو الانحصار ولا يعقل حفظ العلم الثاني الا بحفظ العلم الأول على حاله
فكيف يمكن أن يكون رافعا له، (وبالجملة) قد سبق في باب مقدمة الواجب ان الانحلال
أينما كان يتقوم بالعلم التفضيلي بأحد الأطراف والشك في الاخر كما في الأقل والأكثر و
فيما نحن فيه لا يكون كذلك لان العلم الاجمالي محفوظ ومنه يتولد علم تفصيلي آخر و
وفي مثله يكون الانحلال محالا فيجب الرجوع إلى قواعد آخر
(فان قلت) ان الذي يفك به العقدة هو انه لابد من رفع اليد بمقدار يرفع المعارضة
وهو خصوص الانحصار لا العلية والسرفية هو ان الموجب لوقوع المعارضة انما هو ظهور
كل من القضيتين في المفهوم، وبما ان نسبة كل من المنطوقين بالإضافة إلى مفهوم القضية
الأخرى نسبة الخاص إلى العام فلابد من رفع اليد عن عموم المفهوم في مورد المعارضة
واما رفع اليد عن الاطلاق المفيد للعلية فهو وإن كان موجبا لرفع الانحصار الا انه بلا
موجب (قلت) مرجع ما ذكرت إلى تقديم رجوع القيد إلى الاطلاق المفيد للانحصار لا المفيد
للاستقلال وهو أول الكلام ضرورة دوران الامر بين رجوع القيد كخفاء الجدران مثلا
إلى الاطلاق من حيث الاستقلال حتى يصير الموضوع للحكم بالقصر مجموع خفاء الاذان
والجدران أو إلى الاطلاق من حيث الانحصار حتى يكون الموضوع متعددا، خفاء الاذان
مستقلا وخفاء الجدران كذلك ومع هذا العلم الاجمالي يقع التعارض بين أصالتي الاطلاق في
كل قضية منهما لا في قضيتين ولا رافع للتعارض ولا ترجيح في البين (وما ذكرنا) هو حال الدليلين
كل مع صاحبه فهل يدلان على عدم مدخلية شئ آخر شريكا معهما أو عديلا لهما، الظاهر
ذلك لو قلنا إن الدلالة على الانحصار والاستقلال بالاطلاق، للزوم رفع اليد عن الاطلاق
بمقدار الدليل على القيد بخلاف ما لو قلنا إنها بالوضع أو الانصراف لعدم الدليل على عدم
المدخلية بعد رفع اليد عن المعنى الحقيقي أو الانصرافي
في تداخل الأسباب والمسببات
(الثالث) إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء فهل اللازم لزوم الاتيان بالجزاء متعددا
حسب تعدد الشرط أو يكتفى باتيانه دفعة واحدة، وقبل الخوض تقدم مقدمات
(الأولى) ان محط البحث ما إذا فرغنا عن تأثير كل واحد من الشروط مستقلا في البعث
نحو الجزاء لو لم يكن معه غيره، ولكن نشك في حال اجتماعهما في التداخل وعدمه وهذا
347

مثل الجنابة والحيض والنفاس، فان كلا منها سبب مستقل إذا انفرد، والبحث في كفاية
غسل واحد عن الجميع حال اجتماعها، و (اما) إذا احتملنا ان الشروط ترجع إلى شرط واحد
ويكون كل واحد جزاء للسبب، فهو خارج من محط البحث في تداخل الأسباب والمسببات
(الثانية) المراد من تداخل الأسباب هوان كل واحد من الشروط لا يقتضى الا ايجاد
صرف الطبيعة غير مغاير مع ما يطلبه الاخر، وتعلق البعثين بها لا يكشف عن أن هنا تكاليف
متعددة مجتمعة في مصداق واحد بل هنا تكليف واحد وان تعددت الأسباب، ولهذا يكون
التداخل عزيمة لا رخصة، فيقال ان الجنابة والحيض وغيرهما وان تعددت الا انها حال
الاجتماع لا يقتضى الا غسلا واحد وجزاء فاردا، والمراد من تداخل المسببات بعد الفراغ
من عدم تداخل الأسباب وان كل سبب يقتضى مسببا، هو ان الاكتفاء بمصداق واحد جائز
في مقام امتثال تكاليف عديدة كما إذا أكرم العالم الهاشمي ممتثلا كل واحد من الامرين المتعلقين
باكرام العالم والهاشمي، وهذا المثال وإن كان خارجا من المقام الا انه يقرب من وجه، و
(ح) إذا كانت العناوين المكلف بها قهرية الانطباق على المصداق وكانت التكاليف توصليات
يكون التداخل عزيمة والا يكون رخصة
(الثالثة) ان النزاع فيما إذا كان الجزاء مهية قابلة للتكثر كالغسل، واما إذا كانت
غير قابلة له كالقتل فيما إذا ارتد وارتكب زنا عن احصان فخارج من البحث، (نعم) قد
يقال إن الجزاء غير القابل للتكثر إن كان قابلا للتقييد يكون داخلا في النزاع كالخيار
القابل للتقييد بالسبب كالتقييد بالمجلس والحيوان والعيب وغيرها مع أنه أمر واحد
وهو ملك فسخ العقد واقراره، ومعنى تقيده بالسبب هو انه يلاحظ الخيار المستند إلى
المجلس فيسقطه أو يصالح عليه ويبقى له الخيار المستند إلى الحيوان وكالقتل لأجل حقوق
الناس فلو قتل زيد، عمروا وبكر أو خالدا فقتله قصاصا وان لم يقبل التعدد الا انه قابل
للتقييد بالسبب أي يلاحظ استحقاق زيد للقتل باعتبار قتله عمروا، فلو أسقط ورثة عمرو
حق القود لم يسقط حق ورثة بكر وخالد (انتهى)
(وفيه) ان الخيار إذا كان واحدا غير قابل للتكثر مع اجتماع الأسباب عليه فلا يمكن
اسقاطه من قبل أحدها وابقائه من قبل غيره لان الاسقاط لابد وان يتعلق بالخيار الجائي
من قبل كذا ومع الوحدة لم يكن ذلك غير الجائي من قبل غيره، وإن كان الخيار متعددا
348

بالعنوان بحيث يكون خيار المجلس شيئا غير خيار العيب فيخرج من محل البحث وإن كان
كليا قابلا للتكثر فيرجع إلى الفرض الأول، وكذا الحال في القتل فان حق القود اما
واحد فلا يمكن اسقاطه من قبل سبب وابقائه من قبل آخر أو متعدد عنوانا فيخرج من
محل البحث أو كلي قابل للتكثر فيدخل في الفرض الأول، ثم لا يخفى ان عدم قبول القتل
للتكثر غير مربوط بعدم قبول حق القود له والقائل خلط بينهما
(الرابعة) قبل الخوض في المقصود لابد من اثبات امكان التداخل وعدمه اما
أمان الداخل بمعنى اجتماع أسباب متعددة شرعية على مسبب واحد فلا اشكال فيه
لان الأسباب الشرعية ليست كالعلل التكوينية حتى يمتنع اجتماعها إذا للشارع جعل النوم
والبول سببا لايجاب الوضوء في حال الانفراد والاجتماع - بناء على امكان جعل السببية
كما أن له جعل ايجاب الوضوء عقيب النوم في حال انفراده وعقيبهما في صورة اجتماعهما
(واما عدم التداخل) فقال (بعض الأكابر) بامتناعه، بدعوى انه يمتنع أن يكون متعلق الوجوب
في القضيتين الحيثية المطلقة لامتناع تعلق الوجوبين بشئ واحد فلابد أن يكون كلاهما
أو أحدهما مقيدا، فيسئل عما يقيد الطبيعة فلابد أن يكون متعلق الوجوب في الشرطية
الأولى نفس الطبيعة، وفي الثانية الطبيعة الأخرى متقيدة به أو بالعكس، ويمكن التغاير
بوجه آخر وهو ان يتعلق الامر في الأولى على فرد منها وفي الثانية على فرد آخر أو بالعكس
ولكن التقييد ممتنع، لان النوم قد يكون مقدما على البول وقد يكون مؤخرا عنه، فلا يصح
ان يقال في صورة التقدم إذا نمت فتوضأ وضوء آخر، على أن ذلك انما يصح إذا كان كل من
الخطابين ناظرا إلى الاخر بان يقول إذا بلت فتوضأ وضوءا غير ما يجب عليك بسبب، والالتزام
به مشكل بداهة عدم كون كل واحد ناظرا إلى الاخر، فالاشكال كله في امكان التقييد
لعدم قيد صالح لذلك (وفيه) انه إذا ثبت ظهور القضيتين في التداخل، وانحصر
الاشكال في تصوير القيد الصالح فلنا تصوير قيد آخر ولو لم يكن في الكلام بان يقال إذا
نمت فتوضأ من قبل النوم، أو من قبل البول وغير ذلك ومعه لا يجوز رفع اليد عن الظاهر
لأجل عدم معقولية تقييد الجزاء، بل انما يرفع عنه اليد لو ثبت امتناع كافة القيود وهو بمكان
من المنع، فلا يجوز الالتزام بالتداخل لأجل هذه الشبهة ورفع اليد عن ظاهر الدليل بما ذكر
(فان قلت) يلزم (ح) اخذ العلة في معلوله وهو الوجوب المسبب عن النوم الذي هو
349

علة لهذا الوجوب المقيد بالنوم (قلت) قد مر ان الأسباب الشرعية ليست كالعلل التكوينية
على أن الاخذ هنا لأجل الإشارة وتميزه عن الوجوب الآتي من الجهة الأخرى لا ان الوجوب
قد تعلق بايجاد الوضوء المتقيد بالنوم
(الخامسة) ان الشرط قد يكون متعددا نوعا ومختلفا مهية مثل النوم والبول فيقع
البحث في أنه عند تقارنهما أو تعاقبهما مع عدم تخلل المسبب بينهما هل يتداخل الأسباب
أولا، وقد يكون مهية واحدة ذات افراد فيقع البحث في أنه مع تعدد الفرد هل يتعدد
الجزاء أولا، والأقوال في المسألة ثلثة، ثالثها التفصيل بين تعدد المهية نوعا وتعدد الفرد
مع وحدتها
فيقع الكلام في مقامين (الأول) فيما إذا تعدد الشرط مهية ونوعا، فعن العلامة
في المختلف القول بعدم التداخل بأنه إذا تعاقب السببان أو اقترنا، فاما ان يقتضيا سببين
مستقلين أو مسببا واحدا أو لا يقتضيا شيئا أو يقتضى أحدهما دون الاخر، والثلاثة الأخيرة
باطلة فتعيين الأول
وفي تقريرات الشيخ الأعظم، (ره) ان الاستدلال المذكور ينحل إلى مقدمات ثلث
(احديها) دعوى تأثير السبب الثاني بمعنى كون واحد من الشرطين مؤثرا في الجزاء
(وثانيتها) ان اثر كل شرط غير اثر الاخر، و (ثالثتها) ان ظاهر التأثير هو تعدد الوجود
لا تأكد المطلوب، ثم اخذ في توضيح المقدمات المذكورة وما يمكن به اثباتها، فقد ذكر
في توجيه ان السبب الثاني مستقل وجوها من البيان واخذ كل من تأخر عنه وجها
من بياناته، وكان الجل عيالا عليه
(منها) ما ذكره المحقق الخراساني (بعد ان قلت قلت)، ان ظهور الجملة الشرطية في
كون الشرط سببا أو كاشفا عن السبب، ومقتضيا للتعدد بيان لما هو المراد من الاطلاق
ولا دوران بين ظهور الجملة في حدوث الجزاء وظهور الاطلاق ضرورة ان ظهور الاطلاق
يكون معلقا على عدم البيان وظهورها في ذلك صالح لان يكون بيانا فلا ظهور له مع
ظهورها فلا يلزم على القول بعدم التداخل تصرف أصلا بخلاف القول بالتداخل
(أقول) وتوضيح حاله وبيان اشكاله هو ان دلالة القضية الشرطية على الحدوث
عند الحدوث هل هو بالوضع أو بالاطلاق، وانه إذا جعلت المهية تلو أداة الشرط بلا تقييدها
350

بقيد كما يدل على انها تمام الموضوع لترتب الجزاء عليه، كذلك يدل على استقلالها
في السببية سواء سبقها أو قارنها شئ أم لا على اصطلاح القوم في معنى الاطلاق، الظاهر
هو الثاني لتصريح بعضهم على أن دلالة الشرطية على العلية المستقلة بالاطلاق، و (ح)
فلو كان الدلالة على السببية التامة لأجل الوضع، كان لما ذكره وجه خصوصا على مذهب
الشيخ من أن الاطلاق معلق على عدم البيان، ولكن لا أظن صحة ذلك ولا ارتضائهم به مع
ما عرفت سابقا من ضعفه
واما على القول بان دلالتها على السببية بالاطلاق فللمنع عما ذكر مجال وحاصله
ان الاطلاق كما هو منعقد في ناحية الشرط فكذلك موجود في جانب الجزاء ولا رجحان
في ترجيح أحدهما على الاخر بعد كون ثبوتهما ببركة عدم البيان، وتفصيل ذلك، ان مقتضى
اطلاق الشرط في كلتا القضيتين هو كون كل شرط مستقلا علة للجزاء وتلك المهية مؤثرة
سواء كان قبلها أو معها شئ أم لم يكن ولو كان المؤثر هو الشرط بشرط ان لا يسبقه أو لا يقارنه
شئ آخر، كان عليه البيان ورفع الجهل عن المكلف، هذا مقتضى اطلاق الشرط، واما
مقتضى اطلاق الجزاء، فهو ان الجزاء وماهية الوضوء تمام المتعلق لتعلق الايجاب عليها بلا
تقييدها بما يغايرها مع الجزاء الاخر فيكون الموضوع في القضيتين نفس طبيعة الوضوء
(فح) يقع التعارض بين اطلاق الجزاء في القضيتين مع اطلاق الشرط فيهما، وبتبعه يقع
التعارض بين اطلاق الشرطيتين، ولا يمكن الجمع بين اطلاق الشرط في القضيتين واطلاق
الجزاء فيهما، لبطلان تعلق إرادتين على مهية واحدة بلا تقييد، فيدور الامر بين رفع اليد
عن اطلاق الشرط والاحتفاظ على اطلاق الجزاء فيقال ان كل شرط مع عدم تقدم شرط آخر
عليه أو تقارنه به، مؤثر مستقلا، وبين رفع اليد عن اطلاق الجزاء وحفظ اطلاق الشرط
بتقييد مهية الوضوء، ولا ترجيح لشئ منهما لان ظهور الاطلاقين على حد سواء، فلا يمكن
أن يكون أحدهما بيانا للاخر، (وبعبارة ثانية) ان هنا اطلاقات أربعة في جملتين، اثنان
في جانب الشرط، وآخران في جانب الجزاء ورفع التعارض يحصل (تارة) بتحكيم اطلاق
الشرط فيهما المفيد للاستقلال والحدوث عند الحدوث على اطلاق الجزاء فيهما الدال
على أن نفس المهية تمام المتعلق، بتقييده بأحد القيود حتى يكون متعلق الإرادتين شيئين
مختلفين، (واخرى) بتحكيم اطلاقه على الشرط وتخصيص استقلالهما بما إذا لم يسبق
351

إليه شرط آخر، وكلا العلاجين صحيح لا يتعين واحد منهما الا بمرجح وتوهم ان ظهور
صدر القضية مقدم على ظهور الذيل فاسد لأنه لو سلم فإنما هو بين صدر كل قضية وذيلها
لابين صدر قضية وذيل قضية أخرى ونحن الان في بيان تعارض القضيتين، ولولا ضم قضية
إلى مثلها لما كان بين صدر قوله - إذا بلت فتوضأ - وبين ذيله تعارض حتى نعالجه إذ التعارض
ناش من ضم قضية إلى مثلها كما عرفت
ومما ذكره الشيخ في تمهيد المقدمة الأولى، ما ذكره بعض الأعاظم في تقريراته
ومحصله ان تعلق الطلب بصرف الوجود من الطبيعة وإن كان مدلولا لفظيا، الا ان عدم
قابلية صرف الوجود للتكرر ليس مدلولا لفظيا حتى يعارض ظاهر القضية الشرطية في
تأثير كل شرط في جزاء غير ما اثر فيه الاخر، بل من باب حكم العقل بان المطلوب الواحد
إذا امتثل لا يمكن امتثاله ثانيا، واما ان المطلوب وا حد أو متعدد فلا يحكم به العقل ولا يدل
عليه اللفظ، فلو دل الدليل على أن المطلوب متعدد لا يعارضه حكم العقل، فالوجه في
تقديم ظهور القضيتين من جهة كونه بيانا لاطلاق الجزاء فهو حقيقة رافع
لموضوع حكم العقل انتهى
قلت قد عرفت ان اطلاق الجزاء يقتضى أن يكون بنفسه تمام المتعلق كما أن
اطلاق الشرط يقتضى أن يكون مؤثرا مستقلا سبقه شئ أولا و (ح) فما المرجح لتقديم
ظهور الشرط على التالي بعد الاعتراف بكون الظهور فيهما مستندا إلى الاطلاق دون الوضع
ولو كان الوجه في تقديم الشرط معلقية اطلاق الجزاء بعدم بيان وارد على خلافه، فليكن
اطلاق الشرط كذلك لان اثبات تعدد التأثير يتوقف على عدم ورود بيان على خلافه في
ناحية الجزاء ولنا ان نقول إن حكم العقل بان الشئ الواحد لا يتعلق به ارادتان وبعثان
حقيقيان، يكشف عن وحدة المؤثر والتأثير، فالتقديم ما لم يستند إلى مرجح خارجي بلا وجه
ومنها ما ذكره المحقق المحشى من أن متعلق الجزاء نفس المهية المهملة فهي
بالنسبة إلى الوحدة والتعدد بلا اقتضاء، بخلاف أداة الشرط فإنها ظاهرة في السببية المطلقة
ولا تعارض بين المقتضى والا اقتضاء انتهى (وفيه) انه ان أريد من الاقتضاء، الظهور الاطلاقي
للمقدم، فهو بعينه موجود في التالي، وان أريد ان اطلاق الشرط تام غير معلق بشئ بخلاف
اطلاق الجزاء فقد تقدم جوابه، وان ظهور كل من المقدم والتالي اطلاقي لا مرجح لتقديم
352

أحدهما على الاخر
نعم هنا تقريب أو تقريبان يستفاد من كلام المحقق الهمداني في مصباحه وقد سبقه
الشيخ الأعظم، وحاصله ان مقتضى القواعد اللفظية سببية كل شرط للجزاء مستقلا، ومقتضاه
تعدد اشتغال الذمة بفعل الجزاء، ولا يعقل تعدد الاشتغال الا مع تعدد المشتغل به، فان السبب
الأول سبب تام في اشتغال ذمة المكلف بايجاد الجزاء والسبب الثاني ان اثر ثانيا وجب أن يكون
اثره اشتغالا آخر، لان تأثير المتأخر في المتقدم غير معقول، وتعدد الاشتغال مع
وحدة الفعل المشتغل به ذاتا ووجودا غير معقول، وان لم يؤثر يجب ان يستند اما إلى فقد
المقتضى أو وجود المانع والكل منتف لان ظاهر القضية الشرطية سببية الشرط مطلقا
والمحل قابل للتأثير والمكلف قادر على الامتثال فأي مانع من التنجز
وأيضا ليس حال الأسباب الشرعية الا كالأسباب العقلية فكما انه يجب تحقق الطبيعة
في ضمن فردين على تقدير تكرر علة وجودها وقابليتها للتكرار، فكذا يتعدد اشتغال الذمة
بتعدد أسبابه (انتهى) وقد أفاد شيخنا العلامة قدس سره قريبا مما ذكره، في أواخر عمره
بعد ما كان بانيا على التداخل سالفا، وقد مضى شطر منه في مبحث التوصلي والتعبدي فراجع
(أقول) وفيه ان كلا من الظهورين مقتض لمدلوله ومانع عن صحة الاحتجاج
بالآخر، وبه يظهر ضعف قوله إن عدم الاشتغال اما لعدم المقتضى أو لوجود المانع وكل منتف، إذ
لنا ان نقول إن المانع موجود وهو اطلاق الجزاء المعارض مع اطلاق الشرط والدليل
على تعدد الاشتغال والمشتغل به ليس الا الاطلاق وهو معارض لمثله
(فان قلت) ان تقييد الجزاء انما نشاء من حكم العقل بعد استفادة السببية التامة من الدليل،
فاطلاق السبب منضما إلى حكم العقل بان تعدد المؤثر يستلزم تعدد الأثر بيان للجزاء،
ومعه لا مجال للتمسك باطلاقه، وليس المقام من قبيل تحكيم أحد الظاهرين على الاخر
حتى يطالب بالدليل بل لان وجوب الجزاء بالسبب الثاني يتوقف على اطلاق سببيته، ومعه
يمتنع اطلاق الجزاء بحكم العقل فوجوبه ملزوم لعدم اطلاقه
(قلت) قد نبه بذلك المحقق المزبور في خلال كلماته دفعا للاشكال الذي أوردناه
وهو ان المانع موجود وهو اطلاق الجزاء، وأنت خبير بأنه غير مفيد فإنه مع اعترافه بان
وجوب الجزاء بالسبب الثاني انما هو بالاطلاق لا بالدلالة اللغوية فأي معنى لتحكيم أحد
353

الاطلاقين على الاخر، والتخلص عن امتناع تعدد المؤثر مع وحدة الأثر بعد الغض عن
عدم كون حكم العقل الدقيق مناطا للجمع بين الأدلة، وبعد الإغماض عن أن مثل ما نحن
فيه ليس من قبيل التأثير التكويني، بل علة الامتناع هو عدم امكان تعلق إرادتين بمراد
واحد، كما يمكن بما ذكره، كذلك يمكن برفع اليد عن اطلاق الشرط عند اجتماعه مع
شرط آخر، فالعقل انما يحكم باستحالة وحدة الأثر مع تعدد المؤثر، وهى تنشأ من حفظ
اطلاق الشرطيتين واطلاق الجزاء فلا محيص عن القول بان الأثر اما متعدد أو المؤثر واحد
ولا ترجيح بينهما
واما قياس التكوين بالتشريع فقد صار منشأ لاشتباهات ونبهنا على بعضها إذ المعلول
التكويني انما يتشخص بعلته وهو في وجوده ربط ومتدل بعلته فيكون في وحدته وكثرته
تابعا لها، واما التشريع فان منه الإرادة المولوية، فالإرادة تتعين بمرادها وتتشخص بمتعلقها
فهما في أمر التشخص والتعين متعاكسان، وان أريد منها الأسباب الشرعية فليست هي
أيضا بمثابة التكوين، ضرورة ان النوم والبول لم يكونا مؤثرين في الايجاب والوجوب
ولا في الوضوء، فالقياس مع الفارق بل لابد من ملاحظة ظهور الأدلة، ومجرد هذه المقايسة
لا يوجب تقديم أحدهما على الاخر، واضعف من ذلك ما ربما يقال من أن المحرك الواحد
يقتضى التحريك الواحد والمحرك المتعدد يقتضى المتعدد كالعلل التكوينية، إذ فساده
يلوح من خلاله، لان كون التحريك في المقام متعددا غير مسلم إذ يمكن ان نستكشف من
وحدة المهية وكونها متعلقة بلا قيد، ان التحريك واحد، والتكرار في البعث لأجل
التأكيد لا التأسيس
والانصاف ان أصحاب القول بعدم التداخل وإن كان مقالتهم حقة الا ان ذلك لا يصح
اثباته بالقواعد الصناعية، كما عرفت، ولابد من التمسك بأمر آخر، وقد نبه بذلك المحقق
الخراساني في هامش كفايته وهو ان العرف لا يشك بعد الاطلاع على تعدد القضية الشرطية
في أن ظهور كل قضية هو وجوب فرد غير ما وجب في الأخرى كما إذا اتصلت القضايا
وكانت في كلام واحد
ولعل منشأ فهم العرف وعلة استيناسه، هو ملاحظة العلل الخارجية إذ العلل الخارجية
بمرآى ومسمع منه حيث يرى أن كل علة انما يؤثر في غير ما اثر فيه الاخر، وهذه المشاهدات
354

الخارجية ربما تورث له ارتكازا وفطرة، فإذا خوطب بخطابين ظاهرهما كون الموضوع
فيه من قبيل العلل والأسباب، فلا محالة ينتقل منه إلى أن كل واحد يقتضى مسببا غير ما
يقتضيه الاخر قياسا لها بالتكوين بل العرف غير فارق بينهما الا بعد التنبيه والتذكار
فإذا قيل للعرف الساذج بان وقوع الفارة في البئر يوجب نزح عدة دلاء معينة، و
كذا الهرة، ينتقل بفطرته إلى أن لوقوع الفارة مثلا في البئر تناسبا لنزح سبع دلاء، و
لوقوع الهرة فيها مناسبة كذلك، وان الامر انما تعلق به لأجل التناسب بينهما والا كان
جزافا، وإلى ان لوقوع كل منهما اقتضاء خاصا بها، وارتباطا مستقلا لا يكون في الأخرى و
هو يوجب تعدد وجوب نزح المقدار أو استحبابه، وهذا يوجب تحكيم ظهور الشرطية على
اطلاق الجزاء واما ما أبطلناه من مقايسة التشريع بالتكوين فإنما هو ببرهان عقلي لا يقف
عليه العرف الساذج، ولكن هذا الارتكاز وإن كان غير صحيح الا انه ربما يصير منشأ للظهور
العرفي، ويوجب تحكيم ظهور الشرط على ظهور الجزاء فلابد من اتباعه، فإنه المحكم في تلكم
المواضع هذا كله راجع إلى المقدمة الأولى أعني فرض استقلال كل شرط في التأثير، و
لكنها وحدها لا تفيد شيئا بل لابد من اثبات المقدمة الثانية وهى ان اثر الثاني غير اثر الأول، ولقائل
ان يمنع هذه المقدمة لان غاية ما تلزم من الأولى من استقلالهما في التأثير هي ان الوجوب
الآتي من قبل النوم، غير الآتي من قبل الاخر، وذلك لا يوجب الا تعدد الوجوب لا تعدد الواجب
بل يمكن ان يستكشف من وحدة المتعلق كون ثانيهما تأكيد للأول، ولا يوجب التأكيد
استعمال اللفظ في غير معناه لان معنى وضع الامر للوجوب هو وضعها لإيجاد بعث ناش
من الإرادة الحتمية، والأوامر التأكيدية كلها مستعملة كذلك، ضرورة ان التأكيد انما
يؤتى به في الأمور الهامة التي لا يكتفى فيها بأمر واحد (و ح) فكل بعث، ناش من الإرادة
الأكيدة، ولا معنى للتأكيد الا ذلك لا ان الثاني مستعمل في عنوان التأكيد أو في الاستحباب
أو الارشاد أو غير ذلك فإنها لا ترجع إلى محصل بل التأكيد لا يمكن الا أن يكون المؤكد
من سنخ المؤكد فلابد أن يكون البعثان ناشأين من الإرادة الأكيدة لغرض الانبعاث حتى
ينتزع التأكيد من الثاني
وبعبارة ثانية ان الأسباب الشرعية علل للأحكام لا لافعال المكلفين فتعددها
لا يوجب الا تعدد المعلول وهو الوجوب مثلا، فيستنتج التأكيد ومع حمل الامر على التأكيد
355

يحفظ اطلاق الشرطيتين واطلاق الجزاء فيهما ولا يوجب تجوزا في صيغة الامر على فرض
وضعها للوجوب فان المراد من وضعها ليس وضعها له لهذا المفهوم الأسمى بل لإيجاد البعث
الناشئ من الإرادة الحتمية وهو حاصل في المؤكد بالكسر والمؤكد، أترى من نفسك انك
إذا امرت ولدك بأوامر مؤكدة ان تمنع عن كون الثاني والثالث مستعملة في غير معناه
كيف وهذا كتاب الله والذكر الحكيم بين ظهرانينا تتلى آياته آناء الليل والنهار فهل تجد من نفسك
ان تقول ان أوامره المؤكدة في الصلاة وغيرها مما استعملت في غير البعث عن الإرادة الالزامية
بل ترى كلها صادرة عن إرادة الزامية وغاية كل منها انبعاث المأمور نعم حمل الامر
على التأكيد يوجب ارتفاع التأسيس وهو خلاف ظاهر الامر لكنه ظهور لا يعارض اطلاق المادة
والشرطية فإذا دار الامر بين رفع اليد عن أحد الاطلاقين ورفع اليد عن التأسيس لا ريب
في أولوية الثاني وفيما نحن فيه إذا حمل الامر على التأكيد يرفع التعارض بين الاطلاقين
(والحاصل) ان ما ذكر لا يقتضى الا رفع اليد من التأسيس الذي يقتضيه السياق ولا ضير فيه
لاطباقهم على طرده إذا دار الامر بينه وبين الاخذ باطلاق بعض اجزاء الكلام
ومما ذكرنا يظهر ضعف ما في مقالات بعض محققي العصر (رحمه الله) من أن تأكد الوجوب
في ظرف تكرر الشرط يوجب عدم استقلال الشرط في التأثير لبداهة استناد الوجوب
الواحد المتأكد إليهما لا إلى كل منهما (وجه الضعف) ان البعث الالزامي الناشئ من الإرادة
الالزامية متعدد وكل منهما معلول لواحد من الشرطيتين لا انهما يؤثران في وجوب واحد
متأكد، لان التأكيد منتزع من تكرار البعثين وكذا الوجوب المتأكد أمر انتزاعي منه لا
انه معلول للشرطيتين (ثم إنه) يظهر من الشيخ الأعظم تحكيم هذه المقدمة بوجهين الأول
ان الأسباب الشرعية كالأسباب العقلية (فح) لو كانت الأسباب الشرعية سببا لنفس الاحكام
يجب تعدد ايجاد الفعل فان المسبب يكون هو اشتغال الذمة بايجاده، والسبب الثاني
لو لم يقتض اشتغالا آخر فاما أن يكون لنقص في السبب أو المسبب وليس النقص في شئ
منهما اما الأول فمفروض واما الثاني فلان قبول الاشتغال للتعدد تابع لقبول الفعل المتعلق
له، والمفروض قبوله للتعدد واحتمال التأكيد مدفوع بعد ملاحظة الأسباب العقلية (انتهى)
وفيه (أولا) ان قياس التشريع بالتكوين قياس مع الفارق وقد أوعزنا إلى فساده غير
مرة فراجع (وثانيا) ان اشتغال الذمة بايجاد الفعل ليس الا الوجوب على المكلف، وليس
356

ههنا شئ غير بعث المكلف نحو الطبيعة المنتزع منه الوجوب (فح) تحقق اشتغال آخر
من السبب الثاني فرع تقديم الظهور التأسيسي على اطلاق الجزاء وهو ممنوع بل لو فرض
معنى آخر لاشتغال الذمة فتعدده فرع هذا التقديم الممنوع، و (ثالثا) ان ما افاده في ذيل
كلامه من أن احتمال التأكيد فيما تعلق بعنوانين أقوى مما إذا تعلق بعنوان واحد، لا
يخلو من غرابة، إذ لو عكس لكان أقرب إلى الصواب، لان الاحكام تتعلق بالعناوين لا
بالمصاديق فلا وجه للقول بان الامر المتعلق بأحد العناوين تأكيد لما تعلق بالعنوان الاخر
نعم لو تعلقا بعنوان واحد لكان للتأكيد مجال واسع، واعجب من ذلك ما افاده من أن
الاحكام الكلية في عرض واحد فلا مجال لتأكيد أحدهما الاخر الا إذا كان متعلقها الأمور
الخارجية مع فرض تأخر أحدهما عن الاخر، وذلك لان مدار التأكيد هو تشخيص العرف
دون التقدم والتأخر، بل لو فرض امكان التكلم بشئ واحد مرتين في آن واحد لحكم
العرف بان المتكلم اتى بشئ مؤكد كما هو كذلك في البعث اللفظي المقارن للإشاره الدالة
عليه نعم لو تأخر أحدهما ينتزع التأكيد من المتأخر
الثاني من الوجهين، الالتزام بان الأسباب أسباب لنفس الافعال لا الاحكام، ولا يلزم
منه الانفكاك بين العلة والمعلول، لأنها أسباب جعلية لا عقلية ولا عادية، ومعنى السبب
الجعلي ان لها نحو اقتضاء في نظر الجاعل بالنسبة إلى المعلول، وبعبارة أخرى ان ظاهر
الشرطية كونه مقتضيا لوجود المسبب وان اقتضائه لوجوبه من تبعات اقتضائه لوجوده
وحيث إن اقتضائه التشريعي لوجود شئ كونه موجبا لوجوبه و (ح) لازم ابقاء ظهور
الشرط في الموثرية المستقلة، اقتضائه وجودا مستقلا انتهى (قلت) هذا الوجه مما لم يرتضه
الشيخ نفسه حتى قال إنه لا يسمن شيئا ولكن ارتضاء بعض محققي العصر (ره) واعتمد
عليه في مقالاته، والانصاف انه لا يسمن ولا يغنى من جوع، إذ بعد، الاعتراف على أن معنى
السببية الجعلية هو الاقتضاء لا الموثرية الفعلية فرارا عن انفكاك العلة عن معلولها، فلا
منافاة بين استقلال الاقتضاء وعدم تعدد الوجود لان معنى استقلاله، ان كل سبب بنفسه
تمام المقتضى لا جزئه، ولا ينافي الاستقلال في الاقتضاء، والاشتراك في التأثير الفعلي (فح)
مع حفظ اطلاق الجزاء واستقلال الشرطيتين في الاقتضاء صارت النتيجة التداخل
واما ما افاده بقوله لازم ابقاء ظهور الشرط في المؤثرية المستقلة، اقتضائه وجودا
357

مستقلا، فرجوع عن أن السببية الجعلية عبارة عن نحو اقتضاء بالنسبة إلى المعلول لا المؤثرية
الفعلية الاستقلالية.
فالأولى التمسك بذيل فهم العرف في اثبات تعدد الجزاء وجودا لأجل مناسبات مغروسة في
ذهنه كما أشرنا إليها، ولهذا لا يتقدح في ذهنه التعارض بين اطلاق الجزاء وظهور الشرطية
في التعدد بل يحكم بالتعدد من عير التفات إلى اطلاق الجزاء (ثم) انه بعد تسليم المقدمتين أعني
ظهور الشرطية في استقلال التأثير وكون اثر الثاني غير أثر الأول، لابد من البحث في المقدمة
الثالثة من أن تعدد الأثر هل يوجب تعدد الفعل أولا فيقع البحث تارة في الثبوت أي امكان
تداخل المسببين واخرى في الاثبات فنقول اما تداخل المسببين فقد منع الشيخ الأعظم
امكانه وقال قد قررنا في المقدمة السابقة ان متعلق التكاليف (ح) هو الفرد المغاير
للفرد الواجب بالسبب الأول، ولا يعقل تداخل فردين من مهية واحدة بل ولا يعقل ورود
دليل على التداخل أيضا على ذلك التقدير الا أن يكون ناسخا لحكم السببية (انتهى)
وفيه ان مراده من الفرد المغاير للفرد الواجب بالسبب الأول، إن كان هو الفرد الخارجي
كما هو الظاهر فتداخل الفردين غير معقول بلا اشكال لكن تعلق الحكم بالفرد الخارجي
ممتنع، وإن كان المراد هو العنوان القابل للانطباق على الخارج، وانما سماه فردا لكونه
تحت العنوان العام فعدم امكان تداخل العنوانين من مهية واحدة غير مسلم بل القيود الواردة
على المهية مختلفة، فقد تكون موجبة لصيرورة المقيدين متبائنين كالانسان الأبيض
والأسود وقد وجب كون المقيدين عامين من وجه كالانسان الأبيض والعالم، فالوضوء في
قوله إذا نمت فتوضأ وإذا بلت فتوضأ، مهية واحدة، ولأجل تسليم المقدمتين لابد من
كونهما مقيدتين بقيدين حتى يكون كل سبب، علة مستقلة للايجاب على أحد العنوانين لكن
لا يجب أن يكون بين العنوانين نسبة التبائن حتى يمتنع تصادقهما على الفرد الخارجي
فمع عدم قيام دليل على امتناعه لا يجوز رفع اليد عن الدليل الدال على التداخل فرضا فقوله
قدس سره، لا يعقل ورود دليل على التداخل، فرع اثبات الامتناع وهو مفقود، بل لنا ان
نقول لازم ظهور الشرطيتين فيما ذكر، ولازم ورود الدليل مثلا على التداخل، هو كون
المقيدين قابلين للتصادق
واما مقام الاثبات فما لم يدل دليل على التداخل لا مجال للقول به فلابد في
358

مقام العمل من الاتيان بفردين حتى يحصل اليقين بالبرائة للعلم بالاشتغال بعد استقلال
الشرطيتين في التأثير، ولفرض ان اثر كل، غير، الاخر، واما دعوى تفاهم العرف تكرار الوضوء
من الشرطيتين فعهدتها على مدعيها لأنها ترجع إلى دعوى استظهار كون كل عنوان مبائنا
للاخر وهى بمكان من البعد
واما المقام الثاني أعني ما إذا تعددت شخصا لا نوعا كما لو قال إذا نمت
فتوضأ وفرضنا ان المكلف نام مكررا، وشك في أن المصداقين منه يتداخلان في ايجاب
الوضوء أولا، فربما يقال بالتفريق بين ما إذا كانت العلة نفس الطبيعة فيتداخلان، وبين
ما إذا كان السبب هو وجود كل فرد مستقلا فلا يتداخلان، وفيه ان الكلام انما هو بعد الفراغ
عن سببية كل فرد مستقلا لو وجد منفردا، والا فلو فرضنا ان السبب هو نفس الطبيعة أو احتملنا
ذلك يخرج النزاع من باب تداخل الأسباب بل يرجع البحث إلى أن السبب واحد أو
متعدد، (نعم) البحث عن تعدد السبب أو وحدته من مبادئ المسألة المبحوث عنها هنا بالفعل
إذ لابد ان يثبت أولا ان السبب هو الفرد لا الطبيعة حتى يتعدد السبب، ثم يبحث في تداخل
الأسباب وان المصداقين منه يتداخلان في ايجاب الوضوء أولا
فما أتعب به بعض الأعاظم نفسه الزكية واستظهر انحلال القضية الشرطية وقال بتقديم
ظهورها في الانحلال على ظهور الجزاء في الاتحاد فاجنبي من حريم النزاع مع أنه غير
خال عن الاشكال فتدبر
وخلاصة الكلام في هذا المقام انه لو فرضنا ظهور القضية في سببية كل مصداق
من البول لايجاب الوضوء، فلا شك انه يقع التعارض بين صدر القضية الدال على سببية كل فرد
كما إذا صدره بلفظة كلما وبين اطلاق الجزاء ولكن الترجيح مع الصدر عرفا فيتقدم
على اطلاق الذيل إذ لا شك انه إذا سمع العرف بان كل فرد سبب لايجاب الوضوء لا يعتمد
على اطلاق الجزاء بل يحكم بان كل فرد سبب لوجوب خاص بلا تداخل الأسباب، وقد
ذكرنا وجه فهمه ومنشأ حكمه، هذا حال تداخل الأسباب واما تداخل المسببات في
هذا المقام فقد قدمناه في المقام الأول ثبوتا واثباتا
تتمة
لابد في اخذ المفهوم من القضية الشرطية من حفظ الموضوع مع تمام ما اعتبر قيدا
359

في طرف الموضوع أو في طرف الجزاء فمفهوم قولنا ان جائك زيد راكبا يوم الجمعة
فاضربه، هو قولنا ان لم يجئك زيد راكبا يوم الجمعة فلا يجب عليك ضربه وقس عليه سائر
القيود وهذا ما يعبر عنه من تبعية المفهوم للمنطوق، ومن القيود، العام المجموعي مثل
قولك ان جائك زيد أكرم مجموع العلماء، وقد تسالم كل من قال بالمفهوم ان مفهومه هو انه
ان لم يجئك لا يجب اكرام مجموعهم، ولا ينافي ذلك وجوب اكرام بعضهم، انما الاشكال
في العام الاستغراقي سواء استفيد بالوضع اللغوي مثل كل والجمع المحلى باللام، أم
بغيره مثل النكرة في سياق النفي كما في قوله (ع) الماء إذا بلغ قدر كر لم ينجسه شئ
فعلى القول بافادته المفهوم فهل هو الايجاب الجزئي بداهة ان نقيض السالبة الكلية هي
الموجبة الجزئية كما عليه الشيخ المحقق صاحب الحاشية، أو الموجبة الكلية كما عن الشيخ
الأعظم قدس سره وأوضحه كما في تقريرات بعض تلامذته بان المراد من لفظة شئ اما
معناه العام من دون جعله عبرة لعناوين آخر التي هي موضوعات في لسان الدليل كالدم
والبول أو يكون عنوانا مشيرا إلى العناوين الواقعة موضوعا للنجاسات، فعلى الأول
يكون المفهوم هو الايجاب الجزئي فيقال الماء إذا لم يبلغ الكر ينجسه شئ وعلى الثاني
يكون مفاد المنطوق لم ينجسه هذا وهذا ويصير مفهومه (ح) قضية منطبقة عليها، ويقال
الماء إذا لم يبلغ قدر الكر ينجسه هذا وهذا، ويكون هو الموجبة الكلية، والأظهر
هو الثاني (انتهى ملخصا)
ويرد عليه انه كان المراد من جعله عبرة ومرآة للعناوين، هو جعل الحكم على
الكثرة التفصيلية أولا وبالذات بلا وساطة لفظ الشئ والكل فهو واضح البطلان، ضرورة
ملحوظية عنواني الكل والشئ في موضوع القضية وإن كان المراد، ان الغرض من التوصل
بهما ليس جعل الحكم عليهما بما هما كذلك، بل الغرض هو اتخاذ هما وسيلة لاسراء
الحكم منهما إلى العناوين الواقعية، فهو حق لكن ذلك لا يستلزم ما يبتغيه إذ لابد أن يكون
الحكم في طرف المفهوم كذلك أي ان ينفى الحكم عن العنوان المشير إلى العناوين
الواقعية فمفهوم قولنا إذا جائك زيد أكرم كل عالم هو انه إذا لم يجئك لا يجب اكرام كل
عالم ولا اشكال في إفادته قضية جزئية، وبعبارة أوضح ان كون لفظ شئ مرآة للعناوين
لا يستلزم أن يكون العناوين موضوعا للحكم في لسان الدليل بل الموضوع هو لفظ شئ
360

وإن كان مرآة للعناوين، وعليه فمدار اخذ المفهوم هو رفع الحكم عما جعل موضوعا في
لسان الدليل كما أن الحكم ثابت عليه ظاهرا، و (ح) يكون مفهوم قولنا لا ينجسه شئ
هو ينجسه شئ ولا يضر كونه مرآة لما هو موضوع فتدبر على أن فهم العرف أقوى شاهد
أضف إلى ذلك أنه لو سلمنا كونه مرآة بالمعنى المتقدم، وان العناوين بكثرتها
التفصيلية وقعت موضوعا للحكم، الا انه لا يستفاد من القضية الا الجزئية لان المفهوم ليس الا رفع
سنخ الحكم المذكور عن الموضوع، لا اثبات حكم مقامه ومفهوم قولنا لا ينجسه، هو ليس لا ينجسه
والقول بان مفهوم ما ذكر هو ينجسه مسامحة نشأت من وضع لازم المفهوم مكانه، و (ح) فمفهوم
قوله إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه البول والدم والكلب هو انه إذا لم يبلغ قدر كر ليس
لا ينجسه البول والدم والكلب، وهو لا ينافي تنجيس بعضها إذ المفهوم هو سلب السالبة
الكلية، وهو يتحقق تارة بالايجاب الجزئي واخرى بالايجاب الكلى (ولو سلم) ان العرف
في مثل القضية لا ينتقل إلى سلب السلب بل ينتقل إلى الايجاب فلا اشكال فيما هو مورد نزاع
العلمين ان العرف مساعد للايجاب الجزئي وان المفهوم من قوله إذا بلغ الماء قدر كر
لا ينجسه شئ هو انه إذا لم يبلغ قدر كر ينجسه شئ في الجملة لا انه ينجسه كل شئ من العناوين
(لا يقال) ان لازم حصر العلة في الكرية الذي هو الأساس لاثبات المفهوم، ان لا
يكون لبعض افراد العام علة أخرى غير ما ذكر في الشرطية، والا يكون مخالفا لظهور
الشرطية في الانحصار بل ينهدم أساس المفهوم، و (ح) فلازم انحصار العلة في جميع الافراد
والعناوين، هو الايجاب الكلى في صورة عدم الكرية فيثبت ان مفهومه هو انه ينجسه كل شئ
لأنا نقول ما يستفاد من الشرطية في مثل تلك القضايا بعد تسليم المفهوم هو كون
الشرط علة منحصرة للعموم وإن كان استغراقيا، فلا ينافي عدم الانحصار بالنسبة إلى البعض
فبلوغ الكر علة منحصرة لعدم تنجسه بكل نجاسة لا انه علة منحصرة لعدم تنجسه بالبول
وعلة منحصرة لعدم تنجسه بالدم وهكذا نعم لو انحلت القضية إلى تعليقات عديدة أو الجزاء
إلى كثرة تفصيلية حكما وموضوعا كان لما ذكره وجه، لكن الانحلالين ممنوعان، والدليل
الأسد الذي هو فهم العرف ان قطعنا النظر عما يقتضيه الضاعة موافق لما قويناه
فصل في مفهوم الوصف
وقبل الخوض ينبغي تقديم أمرين (الأول) الظاهران محط البحث هو مطلق الوصف
361

سواء اعتمد على موصوفه أم لا، لان المثبت ربما يتمسك بفهم أبى عبيدة في قوله مطل الغنى
ظلم، ولى الواجد يحل عقوبته وعرضه، وترى ان النافي لم يرده بأنه خارج عن محط البحث
لان الوصف لم يعتمد على موصوفه بل رده بوجه آخر، على أنه الأدلة المذكورة من الوضع
والصون عن اللغوية جارية في كلا المقامين وبما ذكرنا يظهر ضعف ما افاده بعض الأعاظم
من أن الالتزام بالمفهوم فيما إذا ذكر الموصوف صريحا انما هو لخروج الكلام عن اللغوية
وهذا لا يجرى في مثل أكرم عالما فان ذكر الموضوع لا يحتاج إلى نكتة غير اثبات الحكم
له لا اثباته له ونفيه عن غيره (انتهى) وجه الضعف هو ان اللغوية يأتي في الثاني أيضا، لان
الحكم لو كان ثابتا لفاقد الوصف لما كان لذكر الموصوف بما هو موصوف وجه، والصون
عن اللغوية لو تم في الأول لتم في الثاني، وبالجملة هما متحدان استدلالا وجوابا
الثاني ان استفادة المفهوم من الوصف كاستفادته من الجملة الشرطية فلابد من حفظ
جميع ما ذكر في الكلام من القيود عدا الوصف الذي يدور عليه المفهوم، وعليه فلو كان
الوصف أخص مطلق من مفهوم الوصف فلا ريب في دخوله في محط البحث لبقاء الموضوع
بعد انتفائه حتى في الوصف الذي لم يعتمد على موصوفه مثل قولك أكرم عالما إذ لابد
على القول بالمفهوم من تقدير موصوف عند التحليل كما لا ريب في خروج الوصف المساوى
لموصوفه عن حريم النزاع لارتفاع الموضوع بارتفاعه فلا يبقى للحم مركز حتى يحمل
عليه أو يسلب عنه، وما في كلام المحقق الخراساني من تعميم البحت للمساوي فهو مخدوش
واما العامان من وجه فلو كان الافتراق من جانب الوصف كما في مثل في الغنم السائمة
زكاة في مقابل الغنم غير السائمة. فهو داخل أيضا في محط النزاع. نعم لو كان الافتراق من جانب
الموصوف فهو خارج قطعا: وما حكى عن بعض الشافعية من أن قوله في الغنم السائمة
زكاة يدل على عدم الزكاة في الإبل المعلوفة. فاسد لان حفظ الموضوع في المنطوق
والمفهوم مما لا به منه، وانما الاختلاف بينهما في تحقق الوصف في أحدهما دون الاخر بعد
حفظه. فلا معنى لنفى الحكم عن موضوع أجنبي وعده مفهوما للكلام
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أن الحق عدم دلالة الجملة الوصفية على المفهوم لا بالوضع
والتبادر، ولا بالاطلاق. وما يقال من أن الاطلاق كما يدل على أنه تمام الموضوع وبلا شريك
كذلك يدل على أنه بلا عديل. قد عرفت جوابه فيما مضى مفصلا. والتمسك بفهم أبى عبيدة
362

ضعيف جدا. ضرورة انه لا يثبت به الوضع ولم يعلم أنه ادعى الوضع بل لعله استند إلى
قرائن حافة بالكلام وغير ذلك من الاحتمالات، واما لزوم اللغوية فمدفوع بان الغرض لا
ينحصر في الاحتراز ولو سلمنا فهي أيضا حاصلة لان معناها ان الذات بلا قيد ليس موضوعا
للحكم وهو هناك كذلك. وهو لا يدل على عدم نيابة قيد مكانه عند فقدانه
والعجب عما أفيد في المقام من التدقيقات الصناعية وان مر نظيره في مفهوم الشرط
ومحصله انه بعد احراز ان الأصل في القيدان يكون احترازيا. ان معنى قيدية شئ لموضوع
حكم، هو ان ذات الموضوع غير قابلة لتعلقه بها الابعد اتصافها بهذا الوصف، فالوصف متمم
قابلية القابل وهو معنى الشرط حقيقة. وحيث إن الظاهر دخله بعنوانه الخاص إذ مع تعدد
العلة يكون الجامع علة، وهو خلاف الظاهر فلا محالة ينتفى سنخ الوجوب
بانتفاء قيد الموضوع (انتهى)
وفيه وجوه من الاشكال قد نبهنا عليها غير مرة، (منها) قياس التشريع بالتكوين و
تقدم بطلانه إذ لا مانع من جعل العناوين المختلفة موضوعا لحكم واحد بالنوع (ومنها) اجراء
القاعدة المعروفة في الفن الا على في نظائر المقام مع أنه لامساس لها بهذه المقامات أصلا و
هو غير خفى على أهلها (ومنها) حديث تأثير الجامع مع أنك قد عرفت انه غير صحيح وان الجامع
بنعت الجامعية يمتنع أن يكون موجودا خارجيا حتى يؤثر في الشئ والا يلزم الالتزام بمقالة
الرجل الهمداني، (ومنها) انه بعد تسليم هذه المقدمات لا يفيد شيئا لان الميزان في هذا
المقام هو فهم العرف الساذج لا الدقائق الفلسفية
فصل في مفهوم الغاية
والبحث فيه يقع في مقامين (الأول) هل الغاية في القضية تدل على ارتفاع الحكم
عما بعد الغاية أولا المشهور هو دلالة الغاية المذكورة في القضية على ارتفاع الحكم عما
بعدها خلافا لجماعة منهم السيد والشيخ قدس سرهما، وفصل جمع من المحققين بين الغاية
المجعولة للموضوع بحسب اللب وبين المجعولة للحكم، قائلين بالدلالة في الثاني دون
الأول، اما عدم الدلالة فيه فلان الغاية حالها (ح) حال الوصف في أنها قيد للموضوع، وارتفاع
الحكم عن الموضوع المقيد ليس من باب المفهوم بل لارتفاع الموضوع الذي لابد من بقائه
في الإفادة واما الدلالة في الثاني فاسد ما قيل في تقريبه ما افاده شيخنا العلامة أعلى الله
363

مقامه حيث قال ما حاصله إذا جعلت الغاية غاية للحكم فالظاهر الدلالة لان مفاد الهيئة
انشاء حقيقة الطلب، لا الطلب الجزئي فتكون الغاية غاية لحقيقة الطلب، ولازمه ارتفاع
حقيقته عند وجود الغاية نعم لو قلنا إن مفاد الهيئة الطلب الجزئي فالغاية لا تدل على ارتفاع
سنخ الوجوب (هذا) ولكنه عدل عنه في الدورة الأخيرة، ومحصل ما افاده في وجه العدول
على ما ببالي هو انه لا دلالة لها على الانحصار مطلقا لان الطلب مسبب عن سبب بحسب الواقع وان لم
يذكر في القضية، وليس فيها دلالة على حصره حتى تدل على المفهوم وما ذكرنا في المتن
غير وجيه لان الطلب المعلول لعلة، لا اطلاق له بالنسبة إلى غير موردها وإن كان غير متقيد بها أيضا
ولكن قرر وجه رجوعه في النسخة المطبوعة أخيرا بما حاصله، دعوى مساعدة
الوجدان في مثل اجلس من الصبح إلى الزوال، لعدم المفهوم لأنه لو قال المتكلم بعده، و
ان جاء زيد، فاجلس من الزوال إلى الغروب لا يكون مخالفا لظاهر كلامه، وهذا
يكشف عن أن المغيى ليس سنخ الحكم من أي علة تحقق بل السنخ المعلول لعلة خاصة
سواء كانت مذكورة أم لا (قلت) الحق انه لو سلمنا ان الهيئة موضوعة لانشاء حقيقة الطلب لا
الطلب الجزئي لا يرد عليه شئ من هذين الوجهين اما على ما ببالنا مطابقا لما حررناه فلان
المفهوم لا يتوقف على انحصار العلة دائما، بل ربما يثبت لو كان موافقا لاستظهار العرف
وفهمه وان لم يلتفت إلى انحصارها وذلك لأنا إذا فرضنا ان الحكم عند العرف غاية لسنخ
الطلب المنشأ، فلازمه انتفاء الحكم لدى الوصول إلى الغاية، والا لما كان غاية لنسخه
بل لحصة خاصة وهو خلف، وبعبارة ثانية، ان المفهوم ربما يستفاد من تحديد حقيقة الحكم
بلا تقييدها بقيد خاص، إلى غاية، فكأنه قال حقيقة وجوب الجلوس تكون إلى
الزوال (فح) يكون الوجوب بعد الزوال مناقضا له، والعرف ينتقل إلى المفهوم بعد ثبوت
أمرين، ثبوت كون الغاية للحكم وثبوت كون الهيئة ظاهرة في حقيقة الطلب من غير
توجه إلى علة الحكم فضلا عن انحصارها، ولو فرض توجهه إليها يكشف من هذا
الظهور المتبع، انحصارها
واما على ما قرر في ذيل النسخة المطبوعة أخيرا، فلان الخلل انما هو في مثاله فان
ظاهر قوله اجلس من الصبح إلى الزوال هو رجوع الغاية إلى المادة ولعل عدم فهم المخالفة
بعد التصريح بأنه ان جاء زيد فاجلس من الزوال إلى الغروب لذلك والا فلو سلمنا كون
364

القيد غاية للحكم وكون المنشئ، حقيقة الطلب فيفهم المخالفة قطعا
نعم الاشكال كله في أصل المبنى وهو كون المنشأ حقيقة الطلب لما قدمناه سابقا
من ابطال كون معاني الحروف مفاهيم عامة لامتناع تصور جامع بينهما كما سلف، وبسقوطه
يسقط ما بنى عليه، هذا
ولكن ذكرنا في خاتمة بحث الجملة الشرطية. ان معاني الحروف لا سيما الايجادي
منها وإن كانت خاصة توجد بنفس الاستعمال كحروف النداء والقسم الا ان العرف بعد
سماع الانشاء اللفظي ينتزع نفس البعث وحقيقته ولو بالغاء الخصوصية من غير توجه
إلى الجزئية والكلية ويفهم من قوله اجلس إلى الزوال ان الوجوب إلى هذا الحد، من غير
توجه إلى ايقاع الوجوب وانه أمر جزئي (فح) فيحصل من القضية بحسب فهم العرف ارتفاع
سنخ الحكم من الغاية هذا كله بحسب الثبوت واما الكلام اثباتا وان القيد هل هو راجع
إلى الموضوع أو الحكم أو المتعلق فليس له ميزان تام بل يختلف باختلاف التراكيب والمقامات
والمناسبات فتذكر
المقام الثاني في أن الغاية داخلة في المغيى أولا ومحطه ما إذا كان مدخول
حتى والى ذا اجزاء كما في مثل سر من البصرة إلى الكوفة أو ذا امتداد كما في قوله تعالى
فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق بناء على أن المراد منه محل رفق العظمين مما
له امتداد وعلى ما ذكرنا فال مسألة عرفية وليس المراد من الغاية هو انتهاء الأجسام حتى
يكون البحث عن أن غايات الأجسام داخلة فيها أولا، لان البحث (ح) يصير فلسفيا، وما عن شيخنا
العلامة من ابتناء المسألة على امتناع الجزء الذي لا يتجزى وعدمه فالغاية داخلة على الثاني دون
الأول ليس بوجيه لعدم ارتباط بالمسألة الأصولية (ثم) على ما ذكرنا من كون المدخول ذا اجزاء
وامتداد لأجل اخراج ما ليس قابلا للتجزية والامتداد كالفصل المشترك فلا ينتج البحث نتيجة
مطلوبة لكن تعميمه بالنسبة إليه لا مانع منه وان لم يترتب الثمرة الا على بعض التقادير
ككثير من المسائل الأصولية ثم إن النزاع ليس بمختص بغاية الموضوع والمتعلق بل
يجرى فيما إذا كانت غاية للحكم فلو صرح القائل بان الغاية في قوله صم إلى الليل غاية
للوجوب. فلنا ان نبحث في أن الوجوب هل ينقطع بانتهاء اليوم أو يبقى إلى دخول مقدار
الليل أو إلى انقضائه
365

وأيضا ان البحث في المقام انما هو إذا كانت لفظة حتى للغاية مثل لفظة إلى، كما
في قول الله عز شأنه كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود
من الفجر وقوله عز سلطانه ثم أتموا الصيام إلى الليل واما إذا كانت عاطفة كما في المثال
الدائر اكلت السمكة حتى رأسها أو قدح الحاج حتى المشاة، مما ليست الكلمتان فيهما
مستعملة في الغاية، فهي خارجة عن محط البحث قطعا، وبذلك يظهر ان ما افاده بعض
محققي العصر في مقالاته من ظهور دخول مدخول حتى في المغيى في مثال السمكة غير
صحيح نشاء من الخلط بين المضافضة والعاطفة، والبحث في الأول دون الثاني إذا عرفت ذلك فاعلم أنه
اختار شيخنا الأستاذ قدس سره دخولها في المغيى فيما إذا كانت قيد للفعل كقوله سر من البصرة
إلى الكوفة وعدم دخولها فيما إذا كانت غاية للحكم، والتحقيق عدم الدخول مطلقا، لان الكوفة
لو كانت اسما لذلك الموضع المحصور بسورها وجدرانها وفرضنا ان المكلف سار من البصرة
منتهيا سيره إلى جدرانها من دون ان يدخل جزء من الكوفة يصدق عليه انه اتى بالمأمور به وامتثل
ويشهد على ما ذكرنا صدق قول القائل قرأت القرآن إلى سورة الإسراء إذا انتهى به القراءة
إلى الاسراء ولم يقرء شيئا من تلك السورة وقس عليه نظائره وأشباهه، والظاهر أن ما
ذكر في إلى جار في لفظ حتى إذا استعملت في انتهاء الغاية، فإذا قلت نمت البارحة حتى
الصباح بالجر لا يفهم منه الا ما يفهم إذا أبدلته إلى قولك نمت البارحة إلى الصباح كما
هو كذلك في قوله تعالى كلوا واشربوا حتى يتبين (الخ) نعم استعمالها في غير الغاية كثير
ولعله صار منشأ للاشتباه حتى ادعى بعضهم فيها الاجماع على الدخول،
في مفهوم الاستثناء
ومن جملة ما يستفاد منه المفهوم الجملة المحفوفة بالاستثناء والكلام فيها يقع
في مقامين (الأول) هل الاستثناء من النفي يدل على الاثبات ومن الاثبات يدل على النفي،
(الظاهر) كما هو المشهور كذلك، للتبادر في اللغات التي نمارسها، والمخالف في المقام هو
(أبو حنيفة) مستدلا بالأثر المشهور (لا صلاة الا بفاتحة الكتاب أو بطهور) فإنه على تقدير
الدلالة يلزم أن يكون الصلاة المقرونة بها مع فقد سائر شرائطها، صلاة تامة (وأنت خبير)
بان المتكلم في مقام بيان ان الفاتحة من اجزاء الصلاة بحيث تنتفى بانتفائها، ولا تثبت الا
باثباتها، واما ان محقق الصلاة هي نفسها وحدها أو هي بانضمام شرائط أخرى فليس بصدد
366

بيانه و (بعبارة أوضح) ان هذا الكلام بصدد إفادة شرطية الطهارة وجزئية الفاتحة في الصلاة
لا الاخبار عن أن الصلاة تتحقق عند وجودهما دائما فهو بصدد إفادة الجزئية لا بصدر الاخبار
عن العقد السلبي والايجابي وفي مثله لا يجرى ما يجرى في مثل جائني القوم الا زيدا (هذا)
وقد يستدل للمطلوب بقبول رسول الله صلى الله عليه وآله اسلام من قال لا إله إلا الله ولولا دلالته
على اثبات الألوهية لله لما كان مفيدا لذلك (هذا) ويمكن ان يقال إن القوم في صدور الاسلام
لم يكونوا مشركين في ذات الواجب تعالى بل كانوا معتقدين لوحدة ذاته، فقد كانوا يعبدون
الأصنام ليقربوهم إلى الله زلفى، فكلمة الاخلاص وردت لردهم فمعناه نفى استحقاق العبودية
عما سواه لا اثبات كونه معبودا ويؤيد ذلك ان كلمة اله بمعنى المعبود، فحاصله انه غيره
تعالى غير مستحق للعبودية، وبالجملة ان وجود الباري كان مفروغا عنه عند عبدة الأصنام
والأوثان وكان الغرض من عبادتهم لها، لأجل كونها وسائط القرب من الله تبارك وتعالى،
فكلمة الاخلاص وردت لنفى معبودية غير الله تعالى
(وبذلك) يتضح الجواب عن الاشكال المعروف من أن الخبر المقدر اما لفظ
موجود أو ممكن وعلى الأول يدل الاستثناء على حصر وجود الألهة في الباري ولا يدل على
نفى امكان الغير، وعلى الثاني يدل على اثبات الامكان لوجوده لا على وجوده (وجه الاتضاح)
هو ان كلمة الاخلاص سيقت لنفى ما يعتقده عبدة الأوثان من الشرك في العبادة لا لاثبات
وجود الواجب أو وجوبه حتى يرد الاشكال واما الأجوبة الفلسفية وإن كانت صحيحة في
محلها لكنها لبعدها عن أذهان العامة لا يمكن ابتناء قبوله عليها مما قصرت افهام العامة
عنها واما الثاني أي الدلالة على الحصر فهو أيضا ثابت بالتبادر والارتكاز العرفي مما هو المعلول
في أمثال المقامات فخروج فرد آخر مخالف للحصر كما أنه مخالف للعموم في مثل قوله أكرم
كل عالم الا زيدا
ولنختم الكلام حامدين ومصلين، وقد ضاق نطاق الجزء عن التبسط، ويتلوه الجزء الثاني
يبتدء فيه من مباحث العموم والخصوص وتم بيد مؤلفه الفقير محمد جعفر السبحاني
التبريزي ابن الفقيه الحاج الميرزا محمد حسين التبريزي عاملهما الله بلطفه
وكرمه ليلة الثلثا بعد ما مضى سبع وعشرون من الجمادى الأولى من شهور سنة
1373 من الهجرة النبوية على صاحبها آلاف الثناء والتحية
367