الكتاب: عناية الأصول في شرح كفاية الأصول
المؤلف: السيد مرتضى الحسيني اليزدي الفيروز آبادي
الجزء: ٢
الوفاة: معاصر
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة: السابعة
سنة الطبع: ١٣٨٥ - ١٣٨٦
المطبعة:
الناشر: منشورات الفيروزآبادي - قم
ردمك:
ملاحظات: الطبعة الأولى في النجف الأشرف / الطبعة الثانية - ايران ١٣٩٥ - الطبعة الثالثة - بيروت ١٤٠٠ / الطبعة الرابعة - ايران - ١٤٠٠

عناية الأصول
في
شرح كفاية الأصول
هوية الكتاب 1

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف والناشر
الطبعة الأولى في النجف الأشرف
الطبعة الثانية - إيران 1395 هجرية
الطبعة الثالثة - بيروت 1400 ه‍
توزيع انتشارات
فيروز آبادي - قم
هوية الكتاب 2

عناية الأصول
في
شرح كفاية الأصول
الجزء الثاني
من أول النواهي إلى آخر المجمل والمبين
بقلم سماحة حجة الإسلام والمسلمين
السيد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي
النجفي مولدا ومسكنا
هذه التعليقة هي ستة أجزاء جزءان في مباحث الألفاظ وأربعة أجزاء في الأدلة العقلية وهي لا تدع في الكفاية مشكلة الا وقد حلتها ولا معضلة الا وأوضحتها بل وتتكفل هي حل مطالب شيخنا الأنصاري أيضا أعلى الله مقامه وقد أخذت آراؤه الشريفة في مباحث الألفاظ من التقريرات المعروفة لبعض أجلاء تلامذته وفي الأدلة العقلية من كتاب الرسائل وهو بقلمه الشريف (هذا) مضافا إلى تكفل هذه التعليقة لحل جملة من مطالب الفصول وغيره أيضا حيثما يشير إليه المصنف قدس سره والله ولى التوفيق.
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما هو أهله والصلاة والسلام على أكرم خلقه وأشرف بريته محمد خاتم أنبيائه ورسله وعلى أهل بيته الطاهرين حجج الله على عباده وخلفائه في بلاده وأمنائه على حلاله وحرامه واللعنة الدائمة على أعدائهم ومعادي أوليائهم وموالي أعدائهم إلى يوم لقائه (أما بعد) فهذا هو الجزء الثاني من كتابنا الموسوم بعناية الأصول في شرح كفاية الأصول وأسأل الله تعالى أن يوفقني لإتمامه كما وفقني لإتمام الجزء الأول إنه أكرم مسؤول وأجود من أعطى.
2

في مادة النهي وصيغته
(قوله المقصد الثاني في النواهي فصل الظاهر أن النهي بمادته وصيغته في الدلالة على الطلب مثل الأمر بمادته وصيغته... إلخ) فكما قلنا في مادة الأمر إنها حقيقة في إنشاء الطلب الحتمي الصادر من العالي إذا كان بداعي الطلب الحقيقي النفساني لا بدواعي أخر كالاختبار وغيره وإلا فلا يطلق عليه الأمر حقيقة إلا الأمر الصوري فكذلك نقول في مادة النهي حرفا بحرف غير أن متعلق الطلب في الأمر هو الفعل وفي النهي هو الترك وكما قلنا في صيغة الأمر إنها حقيقة في إنشاء الطلب مطلقا سواء كان وجوبيا أو ندبيا وسواء كان إنشاء الطلب بداعي الطلب الحقيقي النفساني أو بسائر الدواعي وإن ظهر من المصنف خلاف ذلك كله فكذلك نقول في صيغة النهي بلا تفاوت أصلا
(قوله فيعتبر فيه ما استظهرنا اعتباره فيه... إلخ) أي فيعتبر في النهي ما استظهرنا اعتباره في الأمر من العلو والحتم والإلزام وأن يكون الطلب منشأ بداعي الطلب النفساني الحقيقي لا بد واعي أخر.
(قوله نعم يختص النهي بخلاف وهو أن متعلق الطلب فيه هل هو الكف أو مجرد الترك وأن لا يفعل والظاهر هو الثاني... إلخ) نعم الظاهر أن متعلق الطلب في النهي هو مجرد الترك وأن لا يفعل كما أفاد المصنف لا الكف ولكن لا يبعد أن يكون صدق الامتثال وحصول القرب بل واستحقاق الثواب على القول به متوقفا على الكف كما أن صدق الكف يتوقف على الميل والرغبة إلى الفعل فما لم يكن مائلا إليه راغبا فيه لا كف هناك ولا امتثال ولا قرب ولا ثواب (وبالجملة) ان المكلف في المحرمات
3

الإلهية (تارة) لا يتمكن من الفعل أصلا وهاهنا لا يكون مخاطبا بالنهي أبدا إذا النهي عن الشيء هو كالأمر به فرع القدرة عليه والا لم يصح النهي عنه عقلا كما لا يصح الأمر به كذلك (وأخرى) يقدر على الفعل لكن لا يميل إليه ولا يرغب فيه ولو مع قطع النظر عن حرمته شرعا بحيث كان ترك الفعل مستندا إلى عدم الميل إليه وعدم
الرغبة فيه بطبعه لا إلى نهيه تعالى وزجره عنه جل وعلا وهاهنا مخاطب بالنهي ولكن لا يثاب على الترك لعدم كون الترك مستندا إلى امتثال نهيه وإطاعة زجره.
(وثالثة) يقدر على الفعل ويميل إليه ويرغب فيه ولكن يكف نفسه عنه بداعي نهيه تعالى وزجره عنه جل وعلا وهاهنا يكون ممتثلا للنهي متقربا بالكف مثابا عليه إن شاء الله تعالى.
(قوله وتوهم أن الترك ومجرد أن لا يفعل خارج عن تحت الاختيار فلا يصح أن يتعلق به البعث والطلب فاسد.. إلخ) وقد أفاد في وجه الفساد ما حاصله أن الترك أيضا مقدور كالفعل والا بان كان الترك خارجا عن تحت القدرة كان الفعل أيضا غير مقدور وكان خارجا عن تحت القدرة فان مقدورية الفعل لا تنفك عن مقدورية الترك فإذا كان الترك غير اختياري كان الفعل أيضا غير اختياري (ثم ان مقصود المصنف) من كون الترك مقدورا كما صرح به في المتن هو مقدوريته بحسب البقاء والاستمرار الذي يكون بحسبه محلا للتكليف لا العدم الأزلي الثابت من قبل فإنه بلا اختيار قطعا.
(قوله ثم انه لا دلالة لصيغته على الدوام والتكرار كما لا دلالة لصيغة الأمر وان كان قضيتهما عقلا تختلف ولو مع وحدة متعلقهما... إلخ) وقد أفاد في وجه الاختلاف ما حاصله أن وجود الطبيعة يكون بوجود فرد واحد وأما ترك الطبيعة فلا يحصل الا بترك جميع أفراد الطبيعة سواء كانت دفعية
4

أو تدريجية أي عرضية أو طولية فإذا قال مثلا اضربه فيكفي الإتيان بضرب واحد وإذا نهى عنه وقال لا تضربه لا يحصل الامتثال الا بترك جميع افراد الضرب افراده العرضية كالضرب بهذا السوط والضرب بذاك السوط والضرب في هذا المكان والضرب في ذاك المكان وهكذا افراده الطولية من الضرب في هذا الآن والضرب في الآن الثاني والضرب في الآن الثالث وهكذا.
(قوله بان يكون طبيعة واحدة بذاتها وقيدها تعلق بها الأمر مرة والنهي أخرى... إلخ) كما إذا قال اضربه ضربا شديدا أو قال لا تضربه ضربا شديدا ولو قال بان يكون طبيعة واحدة تعلق بها الأمر مرة والنهي أخرى بإسقاط كلمة بذاتها وقيدها كان أولى.
(قوله طبيعة مطلقة غير مقيدة بزمان أو حال... إلخ) فإذا كانت مقيدة بزمان أو بحال لم يكن النهي للدوام والاستمرار كما إذا قال لا تأكل الحامض غدا أو لا تأكله في حال سقمك ومرضك.
(قوله وبالجملة قضية النهي ليس الا ترك تلك الطبيعة التي تكون متعلقة له كانت مقيدة أو مطلقة... إلخ) فإن كانت الطبيعة التي تكون متعلقة للنهي مطلقة كان مقتضى النهي المتعلق بها الدوام والاستمرار وان كانت مقيدة بزمان أو حال لم يكن النهي للدوام والاستمرار وان استوعب جميع الأفراد الدفعية بل ومقدارا من التدريجية.
(قوله ثم انه لا دلالة للنهي على إرادة الترك لو خولف أو عدم إرادته بل لا بد في تعيين ذلك من دلالة ولو كان إطلاق المتعلق من هذه الجهة... إلخ) قد عرفت فيما تقدم آنفا أن متعلق الطلب في النهي هو الترك وان ترك الطبيعة لا يكون الا بترك تمام أفرادها أي الدفعية والتدريجية جميعا ولكن حيث أن النهي ثبوتا على قسمين:
5

(أحدهما) أن يكون المطلوب فيه هو مجموع التروك من حيث المجموع بحيث إذا خالف مرة لم يحصل الامتثال أصلا ويسقط النهي بالمرة كما إذا نهى عبده عن التكلم ساعة لئلا يشعر بهم العدو لكونه في مكان قريب منهم فإذا خالف آنا ما وتكلم وشعر بهم العدو سقط النهي من أصله ولم يحصل الامتثال أبدا وإن فرض سكوته في بقية آنات الساعة وهذا القسم من المنهي عنه هو في الحقيقة من المأمور به الارتباطي غير أنه قد تكون أجزائه وجودية كما في الصلاة وقد تكون عدمية كما في الصوم والمثال من الثاني.
(وثانيهما) أن يكون المطلوب فيه متعددا بتعدد التروك فكل ترك مطلوب مستقل غير مرتبط بالآخر فإذا خالف أحدها بقي الباقي على مطلوبيته كما في قوله لا تشرب الخمر أو لا تكرم الفساق أو لا تكذب أو لا تزن ونحو ذلك من النواهي فينحل النهي فيه إلى نواهي متعددة بتعدد الخمر أو الفساق أو الكذب أو الزنا فإذا خالف بعضها لم يضر الباقي وهذا القسم من المنهي عنه هو المحرم الغير الارتباطي (فحينئذ) يقع الكلام في أنه إذا خالف النهي مرة فهل لنا في مقام الإثبات ما يدل على كون النهي من القسم الثاني كي يكون باقيا على حاله بالنسبة إلى بقية التروك أم لا بل هو من القسم الأول بحيث إذا خالفه مرة سقط النهي رأسا (فيقول المصنف) إن نفس النهي مما لا دلالة له على إرادة الترك لو خولف مرة ولكن إطلاق المتعلق من هذه الجهة وعدم تقيده بان لا يخالف ولو مرة مما يكفى للدلالة في مقام الإثبات على بقاء النهي على حاله لو خولف مرة أو أكثر وان لم ينفعه إطلاق المتعلق من ساير الجهات كالزمان والمكان ونحو هما (وببالي) أن المحقق القمي رحمه الله قد تمسك لهذا المعنى بإطلاق الطلب أي طلب الترك كما تمسك بإطلاقه لكون النهي للدوام والتكرار (ولكن الحق) أن شيئا من الإطلاقين مما لا يجدى لا إطلاق الطلب
6

ولا إطلاق المتعلق فان شيئا من الطلب والمتعلق ليس مقيدا في القسم الأول من النهي في لسان الدليل كي يعرف من إطلاقه إثباتا أن النهي من القسم الثاني ثبوتا وأنه إذا خولف مرة أو أكثر فهو باق على حاله بالنسبة إلى بقية التروك (وعليه) فان عرف كما هو الغالب حال النهي من القرائن المقامية أو المقالية وأنه من أي القسمين فهو والا فالمرجع هو الأصول العملية فإذا خولف النهي مرة أو أكثر وشك في بقائه استصحب (ثم ان للنهي) قسم ثالث لم ينبه عليه في كلماتهم هنا وهو أن يكون المبغوض فيه المجموع من حيث المجموع وهو المسمى بالمحرم الارتباطي غير أنه قد تكون أجزائه وجودية كما في الغناء إذا فرض كونه هو الصوت مع الإطراب والترجيع وقد تكون عدمية كما إذا قال لا تهجر الفراش أربعة أشهر فمجموع التروك من حيث المجموع مبغوض للمولى فإذا هجر الفراش في تمام المدة الا يوما واحدا لم يعص (وإذا تردد) النهي بين القسم الأول والثاني والثالث ولم يكن هناك ما يعين حاله كما إذا قال لا تأكل ساعة ولم يعرف أن المطلوب فيه هل هو مجموع التروك أو هو متعدد بتعدد التروك في آنات الساعة أو أن المبغوض فيه هو مجموع الأكل في تمام الساعة من حيث المجموع فإذا أكل في تمام الساعة الا آنا واحدا لم يعص فالظاهر أن الفعل في تمام المدة مقطوع الحرمة وفيما سواه مشكوك فتجري البراءة عنه (نعم إذا تردد) النهي بين الأول والثاني فقط فيستصحب الحرمة حينئذ بعد المخالفة مرة أو أكثر
كما أشرنا وفي غير هذه الصورة يكون الفعل في مجموع المدة مقطوع الحرمة وفيما سواه مشكوك فتجري البراءة عنه فتأمل جيدا فان المقام لا يخلو عن دقة.
7

في اجتماع الأمر والنهي وبيان أقوال المسألة
(قوله فصل اختلفوا في جواز اجتماع الأمر والنهي في واحد وامتناعه على أقوال ثالثها جوازه عقلا وامتناعه عرفا... إلخ) لا اختلاف من أحد في امتناع اجتماع الأمر والنهي في واحد بعنوان واحد وانما الاختلاف كما سيأتي التصريح به في جواز اجتماعهما في واحد إذا كان ذا وجهين ومعنونا بعنوانين بأحدهما تعلق الأمر وبالآخر تعلق النهي كما في الصلاة في المغصوب (فمنهم) من جوزه بدعوى أن تعدد الوجه والعنوان مما يوجب تعدد المتعلق فلا يسرى كل من الأمر والنهي إلى متعلق الآخر كي يلزم اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد الذي لا اختلاف في امتناعه (ومنهم) من منعه نظرا إلى أن تعدد الوجه والعنوان مما لا يوجب تعدد المتعلق فيسري بالأخرة كل من الأمر والنهي إلى متعلق الآخر فيكون من اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد فيمتنع (ثم) ان أقوال المسألة كما أشار إليها المصنف ثلاثة (قال في التقريرات) فذهب أكثر أصحابنا وجمهور المعتزلة وبعض الأشاعرة كالباقلاني إلى الامتناع بل عن جماعة منهم العلامة والسيد الجليل في إحقاق الحق والعميدي وصاحب المعالم والمدارك وصاحب التجريد الإجماع عليه بل ادعى بعضهم الضرورة وليس بذلك البعيد وأكثر الأشاعرة على الجواز ووافقهم جمع من أفاضل متأخري أصحابنا كالمحقق الخوانساري في تداخل الأغسال من المشارق وجمال الدين والمدقق الشيرواني والسيد الشارح للوافية والمحقق القمي بل نسبه
8

إلى ظاهر السيد في الذريعة والأردبيلي بل حكاه عن الفضل بن شاذان مستظهرا من كلامه أنه من مسلمات الشيعة واستظهره من الكليني حيث نقل كلام الفضل ولم يطعن عليه (إلى أن قال) وقد ينقل في المقام قول ثالث وهو التفصيل بين العقل والعرف فيجوز عقلا ولا يجوز عرفا ونسبه بعضهم إلى الأردبيلي في شرح الإرشاد (انتهى موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه).
في بيان المراد من الواحد
(قوله وقبل الخوض في المقصود يقدم أمور الأول المراد بالواحد مطلق ما كان ذا وجهين ومندرجا تحت عنوانين... إلخ) قد يكون الواحد شخصيا كزيد وقد يكون نوعيا كالإنسان وقد يكون جنسيا كالحيوان والوحدة في كل من هذه الأقسام الثلاثة حقيقية لا مجازية وقد يكون الواحد بالنوع كما في قولك الزنجي والرومي واحد أي من نوع واحد وقد يكون بالجنس كما في قولك البقر والغنم واحد أي من جنس واحد والوحدة في هذين القسمين مجازية لا حقيقية فان الزنجي والرومي اثنان حقيقة وانما ينسب إليهما الوحدة بالعرض والمجاز أي نوعهما واحد وهكذا الحال في البقر والغنم فهما واحد أي جنسهما واحد (ثم انك) إذا عرفت هذا الأمر فنقول ان محل الكلام في المقام ليس خصوص الواحد الشخصي المعنون بعنوانين كالصلاة الخارجية الواقعة ليس خصوص الواحد الشخصي المعنون بعنوانين كالصلاة الخارجية الواقعة في المغصوب بل مطلق الواحد الحقيقي المعنون بعنوانين وان كان كليا مقولا على كثيرين كطبيعة الصلاة الواقعة في المغصوب فذكر كلمة الواحد في عنوان البحث انما هو لإخراج الواحد بالنوع أو بالجنس الذي ليست الوحدة فيه حقيقية ولا كلام في جواز الاجتماع فيه لتعدد متعلقي الأمر والنهي حقيقة
9

من دون أن يجتمعا وجودا وخارجا وان كان يجمعهما نوع واحد أو جنس واحد كما في السجود لله والسجود للصنم فالأول واجب والثاني حرام مع كونهما واحدا بالجنس وليس ذكر كلمة الواحد لإخراج الواحد النوعي أو الجنسي بعد كون الوحدة فيهما حقيقية لا مجازية فتأمل جيدا.
في الفرق بين المسألة ومسألة النهي في العبادات
(قوله الثاني الفرق بين هذه المسألة ومسألة النهي في العبادات... إلخ) (قال المحقق القمي) في مسألة النهي في العبادات والمعاملات ما هذا لفظه ومما ذكرنا يظهر أن ما تقدم من اجتماع الأمر والنهي هو فيما كان بين المأمور به والمنهي عنه عموم من وجه (إلى أن قال) وبالجملة النزاع في هذا الأصل هو فيما كان بين المأمور به والمنهي عنه أو المأمور والمنهي عموم وخصوص مطلقا (وقال صاحب الفصول) في مسألة الاجتماع ما هذا لفظه ثم لا فرق في موضع النزاع بين أن يكون بين الجهتين عموم من وجه كالصلاة في الغصب وبين أن يكون بينهما عموم مطلق مع عموم المأمور به كما لو أمره بالحركة ونهى عن التداني إلى موضع مخصوص فتحرك إليه فان الحركة والتداني طبيعتان متخالفتان وقد أوجدهما في فرد واحد والأولى منهما أعم وبعض المعاصرين يعنى به المحقق القمي خص موضع النزاع بالقسم الأول وجعله فارقا بين هذا النزاع والنزاع الآني في الفصل اللاحق حيث يختص بالقسم الثاني وقد سبقه إلى ذلك غيره (إلى أن قال) وسيأتي تحقيق الفرق بين النزاعين (وقال)
10

مسألة النهي في العبادات والمعاملات ما هذا لفظه ثم أعلم إن الفرق بين المقام والمقام المتقدم وهو أن الأمر والنهي هل يجتمعان في شيء واحد أو لا أما في المعاملات فظاهر وأما في العبادات فهو أن النزاع هناك فيما إذا تعلق الأمر والنهي بطبيعتين متغايرتين بحسب الحقيقة وان كان بينهما عموم مطلق وهنا فيما إذا اتحدتا حقيقة وتغايرتا بمجرد الإطلاق والتقييد بان تعلق الأمر بالمطلق والنهي بالمقيد وما ذكره بعض المعاصرين في بيان الفرق من أن النزاع هناك فيما إذا كان بين الموردين عموم من وجه وهنا فيما إذا كان بينهما عموم مطلق فغير مستقيم وقد مر التنبيه عليه (انتهى) هذا كله كلام المحقق القمي وكلام صاحب الفصول رحمهما الله (وأما المصنف) فحاصل كلامه أن الفرق بين المسألتين إنما هو باختلاف الجهة المبحوثة عنها التي بها تمتاز المسائل بعضها عن بعض والجهة المبحوثة عنها في المسألة هي سراية كل من الأمر والنهي إلى متعلق الآخر لاتحاد متعلقيهما وجودا وعدم سرايته لتعدد هما وعدم اتحادهما وجودا كما أن الجهة المبحوثة عنها في تلك المسألة هي مفسدية النهي للعبادة أو المعاملة وعدمها بعد الفراغ عن سراية النهي وتوجهه إليها وليس الفرق بين المسألتين ما ذكره الفصول من أن متعلقي الأمر والنهي في مسألة الاجتماع طبيعتان متغايرتان بحسب الحقيقة وفي المسألة الآتية طبيعتان متحدتان بحسب الحقيقة متغايرتان بمجرد الإطلاق والتقييد الذي مرجعه إلى الفرق بموضوعي المسألتين فان مجرد تعدد
الموضوعات مما لا يوجب التمايز بين المسائل ما لم يكن هناك اختلاف الجهات المبحوثة عنها ومع اختلافها لا حاجة أصلا إلى تعدد الموضوعات فإذا كانت الجهة متعددة فلا بد من عقد مسألتين ولو مع وحدة الموضوع وإن كانت الجهة واحدة فلا بد من عقد مسألة واحدة ولو مع تعدد الموضوع (ثم إن هذا الاعتراض) وإن وجهه المصنف إلى خصوص
11

الفصول ولكنه مما يشمل المحقق القمي أيضا حيث لم يفرق بين المسألتين بالجهة المبحوثة عنها بل حام حول الفرق بتعدد الموضوع أيضا غايته أنه ببيان آخر وهو أن النسبة بين متعلقي الأمر والنهي في إحداهما عموم من وجه وفي أخراهما عموم مطلق.
(أقول) أما ما ادعاه المصنف من أن تمايز المسائل إنما هو باختلاف الجهة المبحوثة عنها فهو حق لكن في الجملة لا مطلقا (وتوضيحه) أن المراد من الجهة المبحوثة عنها في المسألة هو محمول المسألة لا الغرض الذي لأجله دون هذا العلم لأن غرض العلم مترتب على تمام المسائل على اختلافها فكيف يكون تمايز بعضها عن بعض بالغرض الوحداني المترتب على الكل ومن المعلوم أن تمايز المسائل كما قد يكون بتمايز المحمولات فكذلك قد يكون بتمايز الموضوعات (فان كان الموضوع) في المسألتين واحدا فالتمايز يكون بتمايز المحمول كما أفاد المصنف (وإن كان المحمول) فيهما واحدا فالتمايز يكون بتمايز الموضوع ولا يكاد يصح عقد مسألة واحدة حينئذ بمجرد اتحاد المحمول ما دام الموضوع فيهما متعددا مختلفا وإلا لزم أن يكون الفقه بطوله عبارة عن مسائل معدودة بان تكون مسائل الصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد ونحو ذلك من الواجبات كلها مسألة واحدة لكون المحمول فيها وهي الجهة المبحوثة عنها واحدا أي الوجوب وتكون مسائل الكذب والغيبة والنميمة والرشوة وشرب الخمر والقمار ونحو ذلك من المحرمات مسألة واحدة لكون المحمول فيها وهي الجهة المبحوثة عنها واحدا أي الحرمة وهكذا مسائل النجاسات والمطهرات ونحوهما وهو كما ترى (وبالجملة) تمايز مسائل علم واحد بعضها عن بعض كما تقدم في صدر الكتاب انما هو بتمايز الموضوع أو المحمول أو كليهما جميعا لا بخصوص المحمول فقط كما يظهر من المصنف هنا
12

(وأما ما ادعاه المحقق القمي) من أن النسبة بين متعلقي الأمر والنهي في المسألة عموم من وجه وفي المسألة الآتية عموم مطلق فهو أيضا حق لا مجال لإنكاره (وما اعترضه الفصول عليه) من أن النسبة في المسألة قد تكون عموما مطلقا كما في الأمر بالحركة والنهي عن التداني إلى موضع مخصوص مدعيا أن الحركة والتداني طبيعتان متخالفتان (هو في غير محله) فان المثال المذكور خارج عن النزاع بلا شبهة ويعامل معه معاملة العام والخاص بلا ريب وليس التداني إلى موضع مخصوص طبيعة متخالفة مع الحركة بل هو قسم خاص منها ولكن يرد على المحقق القمي شيء يسير وهو أن مجرد كون النسبة بين متعلقي الأمر والنهي عموما من وجه مما لا يوجب دخولهما في مسألة الاجتماع ما لم تكن النسبة بين نفس المتعلقين كذلك كما في الصلاة والغصب لا بين متعلقي المتعلقين كما في أكرم العلماء ولا تكرم الفساق فإنه من باب التعارض والرجوع إلى المرجحات السندية وليس من باب الاجتماع بلا كلام كما نبه عليه صاحب التقريرات (بقوله) ثم ان الظاهر اختصاص كلماتهم فيما نحن بصدده بما إذا كان العموم من وجه بين نفس الفعل المأمور به والفعل المنهي عنه كما في قولك صل ولا تغصب (إلى أن قال) بخلاف ما إذا كان العموم بينهما باعتبار متعلقهما كما في قولك أكرم عالما ولا تكرم فاسقا... إلخ وسيأتي تفصيل الكلام فيه إن شاء الله تعالى في آخر تنبيهات المسألة عند تعرض المصنف له فانتظر (وأما ما ادعاه الفصول) من أن متعلقي الأمر والنهي في المسألة طبيعتان متغايرتان وفي النهي في العبادات متحدتان فهو أيضا حق ولكن قد عرفت آنفا ما في تجويزه كون النسبة في المسألة عموما مطلقا وعرفت حال تمثيله له بالأمر بالحركة والنهي عن التداني إلى موضع مخصوص (كما أنه يرد عليه) أيضا ما اشترطه في النهي في العبادات من تعلق الأمر بالمطلق والنهي بالمقيد كصل ولا تصل
13

في الدار المغصوبة مع إمكان العكس أيضا كما إذا قال لا تصل وصل في المكان المباح فان النهي متعلق بالمطلق والأمر متعلق بالمقيد ومع ذلك يكون النهي عن الصلاة في غير المكان المباح من النهي في العبادات (وبالجملة) ملخص الكلام إلى هنا أن الفرق بين مسألة الاجتماع ومسألة النهي في العبادات يكون من جهات.
(الأولى) أن الجهة المبحوثة عنها في مسألة الاجتماع هي غير الجهة المبحوثة عنها في مسألة النهي في العبادات كما أفاد المصنف فان النزاع في الأولى في سراية النهي وعدمها وفي الثانية في مفسدية النهي وعدمها بعد الفراغ عن سرايته وتوجهه.
(الثانية) أن النسبة بين متعلقي الأمر والنهي في مسألة الاجتماع غير النسبة بين متعلقي الأمر والنهي في مسألة النهي في العبادات كما أفاد المحقق القمي فان النسبة في الأولى عموم من وجه وفي الثانية عموم مطلق.
(الثالثة) أن متعلقي الأمر والنهي في مسألة الاجتماع طبيعتان مختلفتان وفي مسألة النهي في العبادات طبيعتان متحدتان كما أفاد الفصول فتأمل جيدا فان المقام لا يخلو عن دقة.
(قوله التي بها تمتاز المسائل... إلخ) أي تمتاز مسائل علم واحد منها عن بعض لا مسائل هذا العلم عن مسائل ساير العلوم فان تمايز مسائل هذا العلم عن مسائل ساير العلوم كما تقدم في صدر الكتاب إنما هو بتمايز الأغراض وان جاز بالموضوعات والمحمولات أيضا فراجع.
(قوله نعم لو قيل بالامتناع مع ترجيح جانب النهي في مسألة الاجتماع... إلخ) أي بإحدى مرجحات باب التزاحم كما سيأتي تفصيلها واحدا بعد واحد إن شاء الله تعالى.
14

(قوله أما في المعاملات فظاهر... إلخ) ولعل وجه الظهور أنه لا أمر في المعاملات كي تشتبه مسألة النهي في المعاملات مع مسألة اجتماع الأمر والنهي ويحتاج إلى بيان الفارق بينهما.
(قوله فان مجرد تعدد الموضوعات وتغايرها بحسب الذوات لا يوجب التمايز بين المسائل ما لم يكن هناك اختلاف الجهات... إلخ) بل قد عرفت أن تعدد الموضوع مما يوجب التمييز بين المسألتين وإن كان المحمول واحدا أي الجهة المبحوثة عنها.
(قوله بل لا بد من عقد مسألتين مع وحدة الموضوع وتعدد الجهة... إلخ) فالخمر حرام مسألة والخمر نجس مسألة أخرى مع وحدة الموضوع في كلتيهما.
(قوله وعقد مسألة واحدة في صورة العكس كما لا يخفى... إلخ) أي عقد مسألة واحدة في صورة تعدد الموضوع ووحدة الجهة المبحوثة عنها ولكن قد عرفت ما فيه فان مجرد وحدة المحمول أي الجهة المبحوثة عنها مما لا يوجب وحدة المسألة ما دام الموضوع فيها متعددا مختلفا وإلا لزم أن تكون جملة من مسائل الفقه كما تقدم مسألة واحدة نظرا إلى أن الجهة المبحوثة عنها واحدة وهي الوجوب أو الحرمة أو الطهارة أو النجاسة ونحوها وهو كما ترى
(قوله ومن هنا انقدح أيضا فساد الفرق بان النزاع هنا في جواز الاجتماع عقلا وهناك في دلالة النهي لفظا... إلخ) إشارة إلى فرق آخر بين مسألة الاجتماع ومسألة النهي في العبادات والمعاملات ذكره بعضهم وهو أن النزاع هاهنا في جواز الاجتماع وعدمه عقلا وهناك في دلالة النهي وعدمها على الفساد لفظا فمسألتنا هذه عقلية وتلك لفظية (وقد أجاب عنه المصنف) بوجهين:
15

(الأول) أن مجرد كون النزاع هاهنا في جواز الاجتماع عقلا وهناك في دلالة النهي لفظا مما لا يوجب فرقا بين المسألتين ما لم يكن تعدد الجهة في البين فان الملاك في تمايز المسائل على ما عرفت من المصنف هو تعدد الجهة فان كانت متعددة فهو وإلا فمجرد الفرق المذكور مما لا يوجب إلا تفصيلا في المسألة الواحدة فنقول مثلا أنه يجوز الاجتماع عقلا ولكن النهي يدل على الفساد لفظا أو بالعكس فلا يجوز الاجتماع عقلا ولكن النهي لا يدل على الفساد لفظا إلى غير ذلك من الصور ولا يوجب ذلك تمييزا بين المسألتين ولا فرقا بينهما ما لم يكن تعدد الجهة في البين (وفيه) أن مجرد كون النزاع هاهنا في جواز الاجتماع عقلا وهناك في دلالة النهي على الفساد لفظا هو مما يوجب اختلاف المحمول والجهة المبحوثة عنها فتتعدد المسألة قهرا لما عرفت من أن الجهة المبحوثة عنها هي المحمول لا غيره فإذا كان المحمول متعددا كانت الجهة المبحوثة عنها متعددة.
(الوجه الثاني) أن النزاع في مسألة النهي في العبادات والمعاملات كما سيظهر لك تفصيله هو مما لا يختص بدلالة اللفظ كي يتم الفرق المذكور ويوجب التمايز بين المسألتين (وفيه) أن مسألة النهي في العبادات والمعاملات وإن لم تختص هي بدلالة اللفظ بل لا مساس لها باللفظ أصلا فهي عقلية محضة وليس النزاع فيها في دلالة النهي على الفساد أبدا ولكن المصنف كما سيأتي هناك ممن يلتزم بان تلك المسألة لفظية لا عقلية (وعليه) فلا يبقى له مجال هاهنا أن يجيب بهذا الوجه أصلا وإن صح الجواب به في حد ذاته ثبوتا.
16

في كون المسألة أصولية
(قوله الثالث انه حيث كانت نتيجة هذه المسألة مما تقع في طريق الاستنباط كانت المسألة من المسائل الأصولية لا من مباديها الأحكامية ولا التصديقية ولا من المسائل الكلامية ولا من المسائل الفرعية وان كانت فيها جهاتها... إلخ) (قال المحقق القمي أعلى الله مقامه) ما هذا لفظه وهذه المسألة وان كانت من المسائل الكلامية ولكنها لما كانت يتفرع عليها كثير من المسائل الفرعية ذكرها الأصوليون في كتبهم ونحن نقتفي آثارهم في ذلك (وقال في التقريرات) ما هذا لفظه يظهر من بعضهم انها من المسائل الكلامية ولم يظهر له وجه فإنه يبحث في الكلام عن أحوال المبدأ والمعاد (إلى أن قال) نعم لو كان البحث من حيث صدوره عنه أي عن الصانع جل وعلا كأن يكون النزاع في فعله كما يبحث في جواز إقدار الكاذب على فعل خارق للعادة كان له وجه (إلى أن قال) وقد يظهر من بعض آخر أن البحث فيها يرجع إلى البحث عن مقاصد الأصول فإنها يستنبط منها صحة الصلاة في الدار المغصوبة وفسادها وليس بشيء فان الصحة والفساد لا يترتبان على الجواز والعدم بل التحقيق أن الصحة متفرعة على عدم التعارض والتناقض بين مدلولي الأمر والنهي وتشخيص ذلك موقوف على مسألة الجواز والامتناع فهذه المسألة من مباني المسألة الأصولية وهي وجود التعارض وتحقق التناقض بين الأدلة وعدمه فالحكم الفرعي لا يترتب على هذه المسألة بدون توسيط والأولى أن يقال بان البحث فيها انما هو بحث عن مبادئ الأحكامية حيث يناسب عند ذكرها وتحقيقها ذكر بعض أحكامها وأوصافها من ملازمة وجوب شيء لوجوب
17

مقدمته ومن جواز اجتماع الحكمين مع تضادهما كما تقدم شطر من الكلام في ذلك في بحث المقدمة وذلك هو الوجه في ذكر العضدي له في المبادي الأحكامية كشيخنا البهائي (انتهى).
(أقول) ويعرف من جميع ما ذكر إلى هنا أن (لنا قول) بكون المسألة من المسائل الكلامية وهو خيرة المحقق القمي ولعله نظرا إلى كونها بحثا عن بعض أفعاله تعالى كما احتمله التقريرات وأنه هل يجوز ذلك منه جل وعلا أم لا (ولنا قول) بكونها من المسائل الأصولية نظرا إلى كونها مما يستنبط به صحة الصلاة في الدار الغصبي وفسادها وهو خيرة بعضهم كما تقدم التصريح به من التقريرات (ولنا قول) بكونها من المبادي الأحكامية نظرا إلى انها باحثة عن أحوال الحكم وأوصافه وأن الأمر والنهي هل يجتمعان في شيء واحد ذي جهتين أم لا وهو خيرة التقريرات وشيخنا البهائي والعضدي بل الحاجي أيضا على ما تقدم في صدر الكتاب في المبادي الأحكامية (وأما المصنف) فقد اختار كونها من المسائل الأصولية أي القول الثاني وهو أجود من الكل.
(وما أفاده التقريرات) في وجه عدم كونها من المسائل الأصولية من أن الصحة والفساد مترتبان على التعارض وعدمه وهما على الجواز وعدمه (فليس كما ينبغي) إذ لا يجب أن تكون المسألة الأصولية مما يستنبط به الحكم الشرعي بلا توسيط كما تقدم في صدر الكتاب أيضا وإن لم يجز أن تكون الوسائط كثيرة بحيث يخرجها عن المسألة الأصولية (مضافا) إلى أن الصحة والفساد مترتبان على التزاحم وترجيح جانب النهي وعدمه لا على التعارض والتناقض بين الدليلين وعدمه وذلك لما ستعرف
من أن الجمع على الامتناع من باب التزاحم لا التعارض (ولكن يرد على المصنف) أنه بعد ما سلم أخيرا أن في المسألة جهات غير المسألة الأصولية أيضا حيث قال وان كانت
18

فيها جهاتها لا وجه لنفي كونها من المبادي الأحكامية ولا التصديقية ولا من المسائل الكلامية... إلخ بقوله لا من مباديها الأحكامية ولا التصديقية ولا من المسائل الكلامية... إلخ فان المسألة وان كانت أصولية لما فيها من جهتها ولكن لا ينافي كونها من المبادي الأحكامية أيضا وغيرها بعد ما فرض وجود ساير الجهات فيها (نعم يظهر من قوله) وان عقدت كلامية في الكلام وصح عقدها فرعية أو غيرها بلا كلام... إلخ أنه لا ينفى كونها من غير المسائل الأصولية أيضا وبين العبارتين لا يخلو عن التناقض (وبالجملة) الصحيح الذي ينبغي المصير إليه أن المسألة أصولية لما فيها من جهتها وهي استنباط الحكم الشرعي بوسيلتها ولو بأكثر من واسطة ولا ينافي ذلك كونها من المبادي الأحكامية أيضا وغيرها لما فيها من جهتهما وإن لم يجز عقدها في الأصول من غير الأصول بعد كونها أصولية كما لا يخفى (ثم ان ظاهر قول المصنف) وان كانت فيها جهاتها... إلخ تسليم كون ساير الجهات فيها حتى جهة المبادي التصديقية والمسألة الفرعية ولم يتضح لنا وجهه نعم يمكن تصوير كونها من المبادي التصديقية نظرا إلى ما أشار إليه التقريرات من كونها من مباني المسألة الأصولية فإذا كانت من مبانيها كانت من مباديها التصديقية ولكن لا وجه لكونها من المسائل الفرعية ولا أظن أن أحدا قد احتمل ذلك سوى المصنف والله العالم.
(قوله ضرورة أن مجرد ذلك لا يوجب كونها منها... إلخ) أي ضرورة أن مجرد كون الجهات فيها لا يوجب كونها منها أي من المبادي الأحكامية والتصديقية ومن المسائل الكلامية والفرعية (وفيه) ما عرفته آنفا فان المسألة بعد الاعتراف بوجود ساير الجهات فيها تكون هي منها قهرا وان كانت فيها جهة أخرى أمكن عقدها معها من المسائل الأصولية بل لا مجال
19

لعقدها في الأصول من غير الأصول كما أشرنا.
(قوله وقد عرفت في أول الكتاب... إلخ) أي عند قوله فلذا قد يتداخل بعض العلوم في بعض المسائل مما كان له دخل له في مهمين لأجل كل منهما دون علم على حده فيصير من مسائل العلمين... إلخ.
(قوله أنه لا ضير في كون مسألة واحدة يبحث فيها عن جهة خاصة من مسائل علمين لانطباق جهتين عامتين على تلك الجهة كانت بإحداهما من مسائل علم وبالأخرى من آخر... إلخ) مقصوده من الجهة الخاصة التي يبحث عنها في المسألة هي المحمول المختص بتلك المسألة فان كل مسألة كما أن لها موضوع خاص كذلك لها محمول خاص كما أن مقصوده من الجهتين العامتين بقرينة ما تقدم منه في أول الكتاب هما غرضا العلمين فان غرض العلم هي الجهة العامة المترتبة على تمام مسائله المختلفة وأما قوله على تلك الجهة... إلخ فالأولى كان أن يقول على تلك المسألة أي لانطباق جهتين عامتين على تلك المسألة كانت بإحداهما من مسائل علم وبالأخرى من آخر.
في كون المسألة عقلية لا لفظية
(قوله الرابع أنه قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه أن المسألة عقلية... إلخ) لما عرفت في صدر الأمر الثاني من أن النزاع في المسألة هو في سراية كل من الأمر والنهي إلى متعلق الآخر وعدمها وليس النزاع في دلالة اللفظ وعدمها (مضافا إلى ما عرفت في آخر الأمر المذكور عند ذكر الفارق الأخير بين المسألتين وهو كون النزاع هنا في جواز الاجتماع عقلا وهناك أي في مسألة النهي في العبادات والمعاملات في دلالة النهي لفظا من أن النزاع في كلتا المسألتين عقلية لا لفظية.
20

(قوله ولا اختصاص للنزاع في جواز الاجتماع والامتناع فيها بما إذا كان الإيجاب والتحريم باللفظ... إلخ) بل لو كان النزاع في جواز الاجتماع والامتناع مختصا بما إذا كان الإيجاب والتحريم باللفظ لكانت المسألة أيضا عقلية لأن النزاع مع ذلك تكون في السراية وعدمها لا في دلالة اللفظ وعدمها غايته أن دائرة البحث حينئذ تكون أضيق مما إذا وقع الكلام في جواز الاجتماع والامتناع بالنسبة إلى مطلق الإيجاب والتحريم ولو كانا مستفادين من دليل لي كإجماع أو سيرة ونحوهما فما يوهمه تعبير المصنف من أن النزاع في جواز الاجتماع والامتناع لو كان مختصا بما إذا كان الإيجاب والتحريم باللفظ لكانت المسألة لفظية لا يخلو عن مسامحة والتعبير الصحيح هو ما ذكره في الفوائد حيث قال في الأمر الرابع ما لفظه إنه قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه أن المسألة عقلية وليس البحث فيها في دلالة اللفظ أصلا (انتهى).
(قوله وذهاب البعض إلى الجواز عقلا والامتناع عرفا... إلخ) أي وذهاب البعض إلى الجواز عقلا والامتناع عرفا كما نسب ذلك إلى الأردبيلي في شرح الإرشاد على ما تقدم في صدر المسألة ليس هو بمعنى دلالة اللفظ على الامتناع كي يكون هذا التفصيل من شواهد كون المسألة لفظية فان الامتناع العرفي بهذا المعنى مما لا محصل له بل معناه أن الواحد المعنون بعنوانين بالنظر الدقيق العقلي اثنان فيجوز الاجتماع فيه عقلا وبالنظر المسامحي العرفي واحد فلا يجوز الاجتماع فيه عرفا ومن المعلوم أن هذا المعنى مما لا شهادة فيه على كون المسألة لفظية لا عقلية.
(قوله غاية الأمر دعوى دلالة اللفظ على عدم الوقوع بعد اختيار جواز الاجتماع... إلخ) استدراك عن المنع عن كون الامتناع عرفا بمعنى دلالة اللفظ (فيقول) نعم يمكن أن يكون الامتناع عرفا بمعنى دلالة اللفظ
21

على عدم وقوع الاجتماع بعد اختيار جواز الاجتماع عقلا.
(أقول) لكن مع ذلك مما لا يشهد هذا التفصيل على كون المسألة لفظية محضة وان شهد على كونها ذا جهتين عقلية ولفظية بل لا يشهد على ذلك أيضا فان مجرد ذهاب بعضهم إلى الامتناع العرفي ولو بالمعنى المذكور مما لا يوجب كونها ذا جهة لفظية مع ذهاب جلهم إلى الجواز والامتناع العقليين من دون تعرض لحال الجواز والامتناع العرفيين أصلا.
ملاك النزاع يعم جميع أقسام الإيجاب والتحريم
(قوله الخامس لا يخفى أن ملاك النزاع في جواز الاجتماع والامتناع يعم جميع أقسام الإيجاب والتحريم.... إلخ) أي سواء كانا نفسيين أو غيريين أو مختلفين أو كانا عينيين أو كفائيين أو مختلفين أو كانا تعبديين أو توصليين أو مختلفين بل ملاك النزاع يعم حتى الأمر والنهي الغير الإلزاميين (نعم لا ينبغي) التأمل في جواز اجتماع الأمر والنهي التخييريين كما قال به في التقريرات ولو بعنوان واحد فضلا عما إذا كان بعنوانين بينهما من وجه (وهكذا لا ينبغي) التأمل في جواز اجتماع الأمر والنهي الموسعين أو المشروطين ولو بعنوان واحد أيضا فضلا عما إذا كان بعنوانين بينهما من وجه (أما جواز الاجتماع في الأول) فلعدم التنافي بين قوله تزوج هندا أو أختها وقوله دع تزويج هندا أو أختها فان مرجع ذلك إلى وجوب تزويج إحداهما وحرمة الجمع بينهما.
22

(وأما جواز الاجتماع في الثاني) فلعدم التنافي بين قوله تحرك في كل يوم ساعة وقوله دع الحركة في كل يوم ساعة فالحركة في كل ساعة من ساعات النهار واجبة موسعا ومحرمة كذلك والاختيار بيد المكلف فله أن يختار في الحركة أي ساعة من ساعات النهار وله أيضا أن يختار في ترك الحركة أي ساعة من ساعات النهار ولا محذور في هذا كله.
(وأما جواز الاجتماع في الثالث) فلعدم التنافي أيضا بين قوله إن جاءك زيد فأكرمه وقوله إن لم يجئك زيد فلا تكرمه فإكرام زيد واجب مشروط بالمجيء ومحرم مشروط بعدم المجيء (ولكن مع ذلك كله) قد عمم المصنف جريان النزاع بالنسبة إلى الأمر والنهي التخييريين أيضا ومثل له في الكتاب بما إذا أمر بكل من الصلاة والصوم تخييرا ونهى عن كل من التصرف في الدار والمجالسة مع الأغيار تخييرا فصلى في الدار مع مجالستهم فقال هذه الصلاة كالصلاة في الدار الغصبي عينا من حيث جواز الاجتماع والامتناع عقلا ومثل له في الفوائد بما إذا أمر بكل من الصلاة والصوم تخييرا ونهى عن كل من التسرب والدخول في الحمام تخييرا فصلى في الحمام وقال هذه الصلاة أيضا كالصلاة في الغصب من حيث جريان النزاع فيها (كما أن صاحب التقريرات) عمم النزاع بالنسبة إلى الأمر والنهي الموسعين والمشروطين جميعا (فقال) وأما ساير أقسام الأمر والنهي من الموسعين والمضيقين أو المشروطين أو التعبديين والتوصليين وغير ذلك فلعله لا فرق لها في دخولها في محل الكلام (انتهى) (أقول) وأنت خبير بما في كلا التعميمين جميعا (أما تعميم) المصنف فلما في تمثيله في الكتاب من المسامحة الواضحة إذ المكلف لو أتى بكلا طرفي النهي التخييري من التصرف في الدار والمجالسة مع الأغيار فيقع قهرا كل من طرفي النهي التخييري على صفة المبغوضية ولكن لو أتى بأحدهما دون
23

الآخر كما إذا صلى في الدار ولم يجالس الأغيار فلا تقع الصلاة حينئذ مبغوضة محرمة مع أنه اجتمع فيها الوجوب والحرمة التخييريين فالصحيح كان أن يقول فصلى في الدار مع عدم مجالستهم نعم تمثيله في الفوائد صحيح ولكن كون الصلاة في الحمام في المثال المذكور كالصلاة في الغصب غير مسلم بل هي مما يجوز فيه اجتماع الأمر والنهي التخييريين قطعا فإذا صلى فيه ولم يشرب صحت صلاته مع كونها واجبة تخييرا ومحرمة تخييرا.
(وبالجملة) المثال المذكور في الكتاب خارج عن محل الكلام وما ذكره في الفوائد ليس بخارج ولكن كونه كالصلاة في الغصب ممنوع.
(وأما تعميم صاحب التقريرات) فالمسامحة فيه أوضح إذ قد عرفت أنه لا مانع من أن يجب شيء واحد تخييرا ويحرم ذلك الشيء بعينه تخييرا أيضا ومن المعلوم أن الأمر والنهي الموسعين مرجعهما إلى الأمر والنهي التخييريين وعرفت أيضا أنه لا مانع من أن يجب شيء واحد على تقدير ويحرم ذلك الشيء بعينه على تقدير آخر فيكون في حال واحد متعلقا للوجوب التقديري وللحرمة التقديرية ولعل هذا التعميم من طغيان قلم المقرر لا مما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه والله العالم.
(قوله كما هو قضية إطلاق لفظ الأمر والنهي... إلخ) فكما أن ملاك النزاع في جواز الاجتماع والامتناع يعم جميع أقسام الإيجاب والتحريم فكذلك إطلاق لفظ الأمر والنهي الواقعين في عنوان البحث مما يقتضى الشمول لجميع أقسام الإيجاب والتحريم قلنا دليلان على العموم أحدهما عموم الملاك والآخر إطلاق لفظ الأمر والنهي.
(قوله ودعوى الانصراف إلى النفسيين التعيينيين العينيين في مادتهما غير خالية عن الاعتساف... إلخ) إذ لا منشأ يعتد به لانصراف لفظ
24

الأمر والنهي إلى النفسيين التعيينيين العينيين على نحو يوجب ظهوره فيهما عرفا ظهورا يعمل به ويعتمد عليه.
(قوله وان سلم في صيغتهما... إلخ) كما تقدم في المبحث السادس من مباحث صيغة الأمر بعد التعبدي والتوصلي بلا فصل.
(قوله مع أنه فيهما ممنوع... إلخ) أي مع أن الانصراف إلى النفسي التعييني العيني في الصيغة أيضا ممنوع لأن ما تقدم في المبحث السادس من مباحث الصيغة من أن قضية إطلاق الصيغة كون الوجوب نفسيا تعيينيا عينيا إنما هو بمقتضى مقدمات الحكمة لا بمقتضى الانصراف اللفظي أو الانسباق الحاقي المستند إلى الوضع فالانصراف المسلم هناك كما ستأتي الإشارة إليه بقوله نعم لا يبعد... إلخ هو انصرافها بمقدمات الحكمة والانصراف الممنوع هاهنا هو انصرافها بنفسها لفظا أو وضعا.
(قوله نعم لا يبعد دعوى الظهور والانسباق من الإطلاق بمقدمات الحكمة الغير الجارية في المقام... إلخ) أي الغير الجارية في لفظ الأمر والنهي الواقعين في عنوان البحث وذلك لعموم ملاك النزاع وشموله لجميع أقسام الإيجاب والتحريم ومعه لا تكاد تتم المقدمات هنا.
(قوله وكذا ما وقع في البين من النقض والإبرام... إلخ) الظاهر أنه عطف على الملاك أي لما عرفت من عموم الملاك لجميع الأقسام وكذا عموم ما وقع في البين من النقض والإبرام.
25

في أخذ قيد المندوحة في محل النزاع
(قوله السادس انه ربما يؤخذ في محل النزاع قيد المندوحة في مقام الامتثال بل ربما قيل بان الإطلاق انما هو للاتكال على الوضوح... إلخ) المندوحة هي كون
المكلف في سعة وفسحة على نحو أمكنه الإتيان بالصلاة مثلا في غير المغصوب في قبال من لا يتمكن من الإتيان بها إلا في المغصوب (ثم ان الذي) أخذ قيد المندوحة صريحا في محل النزاع هو صاحب الفصول (قال:) في صدر المسألة ما هذا لفظه وان اختلفت الجهتان وكان للمكلف مندوحة في الامتثال فهو موضع النزاع ومن ترك القيد الأخير فقد اتكل على الوضوح لظهور اعتباره (انتهى) (بل ويظهر ذلك) من المحقق القمي أيضا (قال) فيما إفادة في الدليل الأول للجواز ما هذا لفظه نعم لو فرض انحصار تحقق الصلاة مثلا في الدار المغصوبة فنحن أيضا نقول بامتناع الاجتماع فلا بد إما من الوجوب أو التحريم (انتهى) (بل ويظهر ذلك من المصنف) أيضا في الفوائد حيث قال في الأمر الخامس (ما لفظه) ثم الظاهر انه يعتبر في محل النزاع اعتبار المندوحة وان أطلقه جماعة... إلخ.
(نعم) خالف المصنف في الكتاب فلم يعتبر المندوحة في محل النزاع أصلا حيث (قال) ولكن التحقيق مع ذلك عدم اعتبارها فيما هو المهم في محل النزاع من لزوم المحال... إلخ (انتهى) وهو جيد فان المهم المبحوث عنه في المقام هو استحالة اجتماع الأمر والنهي في مثل الصلاة في المغصوب وعدمها من ناحية وحدة المتعلق وتعدده ووجود المندوحة وعدمها أي تمكن المكلف من الإتيان بالصلاة في غير الغصب وعدمه مما لا مدخل له في استحالة
26

اجتماع الأمر والنهي في الصلاة في نفس الغصب وعدمها (نعم إذا قلنا) بالجواز وعدم استحالة اجتماعهما من ناحية وحدة المتعلق بدعوى تعدده وإثنينيته فلا بد في فعلية الحكمين جميعا من اعتبار المندوحة وتمكن المكلف من التفكيك والإتيان بالصلاة في غير الغصب كما ربما يعتبر أمر آخر كالعلم والعقل ونحوهما وإلا فلا قدرة له على امتثالهما جميعا فيلزم التكليف بالمحال أي بغير المقدور وهو غير التكليف المحال أي الأمر والنهي بشيء واحد.
(أقول) والظاهر أنه لا فرق بين التكليف بالمحال والتكليف المحال فان كلا منهما محال إذ لا يعقل تعلق التكليف والإرادة الحقيقية بالمحال الا تكليفا صوريا أو إذا جهل الآمر بمحالية المكلف به فأمر به جهلا.
في توهم ابتناء النزاع على القول بتعلق الأحكام بالطبائع
(قوله السابع ربما يتوهم تارة أن النزاع في الجواز والامتناع يبتنى على القول بتعلق الأحكام بالطبائع... إلخ) في المقام توهمان.
(أحدهما) أن النزاع في الجواز والامتناع مبتن على القول بتعلق الأحكام بالطبائع وأما على القول بتعلقها بالأفراد فلا محيص عن الامتناع (قال المنصف) ضرورة لزوم تعلق الحكمين بواحد شخصي ولو كان ذا وجهين على هذا القول يعنى به على القول بتعلقها بالأفراد (انتهى).
(ثانيهما) أن الجواز مبتن على القول بتعلق الأحكام بالطبائع والامتناع على القول بتعلقها بالأفراد (وقد أشار إليه المصنف) بقوله الآتي وأخرى
27

أن القول بالجواز مبنى على القول بالطبائع لتعدد متعلق الأمر والنهي ذاتا أن اتحد وجودا والقول بالامتناع على القول بالأفراد لاتحاد متعلقهما شخصا خارجا وكونه فردا واحدا (انتهى) (ثم ان المصنف) قد أجاب عز كلا التوهمين بجواب واحد وحاصله أن تعدد الوجه ان كان يجدى في تعدد المتعلق بحيث لا يضر معه الاتحاد الوجودي لكان يجدى ذلك حتى على القول بتعلق الأحكام بالأفراد فكما لا يضر وحدة الوجود بتعدد الطبيعتين وبكونهما موجودين بوجود واحد فكذلك لا يضر وحدة الوجود بتعدد الفردين وبكونهما موجودين بوجود واحد (وأما إذا كان) تعدد الوجه مما لا يجدى في تعدد المتعلق بل كان المتعلقان واحدا لا تعدد فيه فلا يجدى ذلك حتى على القول بالطبائع.
(أقول) وفي كل من التوهمين وجواب المصنف عنهما ما لا يخفى (أما التوهمان) فلما عرفته في بحث تعلق الأحكام بالطبائع أو الأفراد من أن متعلق الأحكام على كل من القولين كلي صادق على كثيرين ليس بجزئي خارجي فان الخارجي أمر حاصل محقق ولا يكاد يتعلق الطلب بالأمر الحاصل المحقق غايته أن المتعلق على الأول هي الطبيعة المحضة وأما الخصوصيات والمشخصات التي بها يكون الفرد فردا فهي خارجة عن تحت الطلب وتكون لازم المطلوب لا جزئه وعلى الثاني هي الطبيعة مع الخصوصيات والمشخصات على نحو كانت الخصوصيات جزء المطلوب لا لازمه ومن الواضح المعلوم أن متعلق الأحكام إذا كان على كل من القولين أمرا كليا صادقا على كثيرين فلا يكاد يبقى معه مجال للتوهمين المذكورين ولا لشيء من علتيهما أصلا وهما قوله ضرورة لزوم تعلق الحكمين بواحد شخصي ولو كان ذا وجهين على هذا القول... إلخ وقوله لاتحاد متعلقهما شخصا خارجا وكونه فردا واحدا... إلخ.
28

(وأما جواب المصنف) عن التوهمين فلان المجوز وإن كان يدعى أن تعدد الوجه مما يجدى في تعدد المتعلق ولكن لم يعلم أنه يعترف بالاتحاد الوجودي ولعله كما يدعى تعدد المتعلقين ذاتا فكذلك يدعى تعددهما خارجا وان المجمع مقدمة لهما كما سيأتي شرحه بل لا معنى لكونهما متعددين موجودين بوجود واحد (وكأن المصنف) زعم ان اتحاد متعلقي الأمر والنهي وجودا أمر مفروغ عنه لا ينكره حتى المجوز فأجاب بان الاتحاد الوجودي كما لا يضر بتعدد المتعلقين على القول بالطبائع فكذلك لا يضر بتعددهما على القول بالأفراد أيضا.
في اعتبار وجود المناطين في المجمع
(قوله الثامن أنه لا يكاد يكون من باب الاجتماع إلا إذا كان في كل واحد من متعلقي الإيجاب والتحريم مناط حكمه... إلخ) (المقصود) من عقد هذا الأمر الثامن هو بيان أنه يعتبر في باب الاجتماع أن يكون مناط كل من الأمر والنهي موجودا في المجمع كي يكون على الجواز محكوما بكلا الحكمين وعلى الامتناع مندرجا في باب التزاحم بين المقتضيين وستعرف حكم التزاحم بينهما (والمقصود) من عقد الأمر التاسع بيان أنه بم يحرز المناطان في المجمع كي يكون على الجواز محكوما بكلا الحكمين وعلى الامتناع مندرجا في باب التزاحم بين المقتضيين (كما أن المقصود) من صدر التنبيه الثاني من التنبيهات الآتية في خاتمة البحث أنه إذا أحرز المناطان في المجمع وكان على الامتناع من صغريات باب التزاحم فكيف يصنع به وما حكم التزاحم بين المقتضيين فهذه مقامات ثلاثة (أما المقام الأول) فحاصل الكلام فيه أن
المجمع (إن كان) كل من
29

المناطين موجودا فيه فهو من باب الاجتماع كما ذكرنا فعلى الجواز يكون محكوما بكلا الحكمين وعلى الامتناع يكون من باب التزاحم بين المقتضيين (وأما إذا كان) أحد المناطين موجودا فيه دون الآخر فهو محكوم بحكمه بالخصوص دون غيره (كما أنه إذا لم يكن) فيه شيء من المناطين فهو محكوم بحكم آخر غير الحكمين من غير فرق في الصورتين الأخيرتين بين الجواز والامتناع أصلا (هذا كله) بحسب مقام الثبوت والواقع فإنه لا يخلو من إحدى الصور الثلاث (وأما) بحسب مقام الدلالة والإثبات (فتارة) يحرز أن المناط من قبيل الثاني بمعنى أن أحد المناطين بلا تعيين موجود فيه دون الآخر وفي هذه الصورة الدليلان الدالان على الحكمين متعارضان بالنسبة إلى المجمع على كل من الجواز والامتناع ولا بد من عمل المعارضة حينئذ بينهما من الترجيح أو التخيير (وأخرى) يحرز أن المناط من قبيل الأول بمعنى أن كلا من المناطين موجود في المجمع وفي هذه الصورة يكون الدليلان متزاحمين بالنسبة إلى المجمع فربما كان الترجيح مع ما هو أضعف دليلا لكونه أقوى مناطا ولكن التزاحم إنما هو على الامتناع وإلا فعلى الجواز لا تعارض ولا تزاحم أصلا لعدم التنافي بينهما باعتقاد المجوز (ومن جميع) ما ذكر إلى هنا يعرف أن عبارة المصنف المقام الإثبات قاصرة جدا عن إفادة المراد فان العبارة لم تستقص صور مقام الإثبات الا بعضها فإنه كما يحرز تارة أن المناط من قبيل الأول وأخرى من قبيل الثاني فكذلك يحرز أن المناط من قبيل الثالث أي لا مناط في المجمع أصلا والدليلان حينئذ لا متعارضان ولا متزاحمان لا على الجواز ولا على الامتناع
30

في بيان ما يحرز به المناطان في المجمع
(وأما المقام الثاني) فحاصل الكلام فيه أن المحرز لثبوت المناطين في المجمع أحد أمور ثلاثة فهو أما إجماع أو غيره من دليل خاص أو إطلاق الدليلين وفي محرزية الأمر الأخير تفصيل (وشرحه) أن الإطلاقين (إن كانا) لبيان الحكم الاقتضائي فهما محرزان للمناطين في المجمع (وإن كان) أحدهما اقتضائيا والآخر فعليا فهما أيضا محرزان لهما وان لم يتعرض له المصنف هاهنا وتعرضه في صدر التنبيه الثاني حيث لم يحكم فيه بالتعارض بل حكم فيه بوجوب الأخذ بالفعلي دون الاقتضائي (وإن كانا) بصدد الحكمين الفعليين فان قلنا بالجواز فهما أيضا محرزان لهما لعدم التنافي بينهما وان قلنا بالامتناع فالإطلاقان متنافيان أي متعارضان فلا يثبت بهما المناطان جميعا ولكن يرجع عنه أخيرا بقوله إلا أن يقال إن قضية التوفيق بينهما هو حمل كل منهما على الحكم الاقتضائي لو لم يكن أحدهما أظهر يعنى في الشمول لمادة الاجتماع وإلا فخصوص الظاهر منهما... إلخ أي خصوص الظاهر منهما يحمل على الاقتضائي والأظهر على الفعلي فيؤخذ به فبناء على رجوعه الأخير يكون إطلاق الدليلين مطلقا مثبتا ومحرزا للمناطين سواء كانا إقتضائيين أو كان أحدهما اقتضائيا والآخر فعليا أو كانا جميعا بصدد الحكم الفعلي وقد صرح بذلك في الفوائد بعد رجوعه المذكور (فقال) ما لفظه فيكون أي مورد الاجتماع من موارد هذه المسألة مطلقا يعنى به في جميع الصور الثلاث المذكورة.
(أقول) إن قيام الإجماع أو غيره من دليل خاص على وجود المناطين في المجمع وإن كان أمرا ممكنا في حد ذاته ولكنه بعيد جدا بل غير واقع
31

خارجا وعليه فالمحرز للمناطين ينحصر دائما بإطلاقي الدليلين (ثم ان التفصيل) في محرزيتهما بين ما إذا كان الدليلان بصدد الحكم الاقتضائي أو كان أحدهما بصدد الفعلي والآخر بصدد الاقتضائي وبين ما إذا كانا جميعا بصدد الحكم الفعلي فيكون المناطان محرزين بالإطلاقين في الصورتين الأوليين دون الأخيرة بدعوى تعارض الدليلين فيها (ضعيف جدا) فان الأدلة التي بأيدينا كلها بصدد الأحكام الفعلية وليس شيء منها بصدد الحكم الاقتضائي فان الاقتضائي الإنشائي مما لا يجب الإتيان به مع قطع النظر عن التعارض أو التزاحم فكيف بما إذا كان معارضا أو مزاحما بمثله وسيأتي اعترافه بذلك في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي إن شاء الله تعالى في بحث إمكان التعبد بالأمارة الغير العلمية (وعليه) فالحكمان المستفادان من إطلاقي الدليلين في المجمع كلاهما فعليان دائما قد تجاوز عن مرتبة الاقتضاء والإنشاء إلى مرتبة الفعلية وهما على الامتناع متزاحمان لا متعارضان لما ستعرف السر في ذلك مشروحا في الجهة الأولى من الجهتين الآتيتين إن شاء الله تعالى بل هما متزاحمان في مرتبة التنجز فقط فيتنجز أحدهما لمرجح من مرجحات باب التزاحم دون الآخر وسيأتي تفصيل مراتب الحكم من الاقتضاء والإنشاء والفعلية والتنجز ومعنى كل منها على التفصيل ووجه عدم تنافي الحكمين لا بنحو التزاحم ولا بنحو التعارض الا في المرتبة الأخيرة فقط في المقدمة الأولى من مقدمات الاستدلال على الامتناع فانتظر (هذا كله مضافا) إلى منافاة حكمه في المقام بتعارض الإطلاقين بمجرد كونهما بصدد الحكم الفعلي من دون استثناء صورة أقوائية مناط أحدهما من الآخر مع حكمه بما سيأتي الإشارة إليه في آخر هذا الأمر الثامن من أن مناط أحد الحكمين الفعليين إذا كان أقوى فهو يوجب رفع التعارض بينهما فيحمل الأقوى منهما مناطا على الفعلي والآخر على الاقتضائي حيث يقول ما لفظه لو لم يوفق بينهما
32

بحمل أحدهما على الحكم الاقتضائي بملاحظة مرجحات باب المزاحمة... إلخ يعنى به الأقوائية في المناط وسيأتي أيضا حكمه بذلك صريحا في صدر التنبيه الثاني حيث يحكم فيه بوجوب الأخذ بالغالب منهما مناطا مطلقا إذا أحرز الغالب منهما وإطلاق حكمه مما يشمل حتى ما إذا كان الإطلاقان جميعا بصدد الحكم الفعلي كما يشمل ما إذا كانا جميعا إقتضائيين أو كان أحدهما اقتضائيا والآخر فعليا (وأضعف من الكل) توفيقه بين الإطلاقين المتعارضين لكونهما فعليين بحمل كل منهما على الاقتضائي لو لم يكن أحدهما أظهر والا فخصوص الظاهر فان الدليلين إذا لم يكن أحدهما أظهر فلا وجه لحمل كل منهما على الاقتضائي بعد فرض كونهما بصدد الحكم الفعلي فإنه حمل بلا شاهد بل يبقى الدليلان على تعارضهما فلا بد من الترجيح أو التخيير على الخلاف الآتي في باب التعارض ولا يحرز بهما المناطان حينئذ في المجمع ليكون من باب التزاحم هذا إذا لم يكن الدليلان أحدهما أظهر أي في الشمول لمادة الاجتماع والا فبينهما جمع دلالي وهو يوجب خروج المجمع عن تحت الآخر رأسا كما في العام والخاص عينا فلا يكون المناطان محرزين فيه جميعا ليكون من باب التزاحم ويستنتج منه صحة الصلاة في الغصب ونحوها نسيانا أو جهلا كما سيأتي شرحها في الأمر العاشر فانتظر.
في بيان حكم المجمع على الامتناع والتزاحم
(وأما المقام الثالث) وهو أهم المقامات الثلاثة (فحاصل الكلام) فيه أنه لا بد في باب الاجتماع بعد القول بالامتناع وإحراز المناطين في المجمع بأحد الأمور المتقدمة الثلاثة وصيرورته من باب التزاحم لا التعارض من
33

الترجيح بأقوائية المناط (فإذا أحرز) الغالب منهما فيؤخذ به ويقدم على صاحبه ويكون المجمع محكوما بحكمه ومن إطلاق المصنف هاهنا يعرف أنه لا فرق في تقديم الغالب منهما بين أن كان الخطابان جميعا بصدد الحكم الفعلي أو كان أحدهما بصدد الفعلي والآخر بصدد الاقتضائي أو كانا جميعا بصدد الحكم الاقتضائي (وإذا لم يحرز) الغالب منهما (فان كان) الخطابان جميعا بصدد الحكم الفعلي فهما متعارضان ويقدم الأقوى منهما دلالة أو سندا وبطريق الإن يحرز أن ملاكه أقوى (وإن كان) أحدهما بصدد الفعلي والآخر بصدد الاقتضائي فيؤخذ بالفعلي دون الاقتضائي والظاهر أنه لاستكشاف أغلبية مناطه بسبب فعليته وإن لم يصرح به (وإن كانا) جميعا بصدد الحكم الاقتضائي فلا بد من الرجوع إلى الأصول العملية والأخذ بحكم آخر بعد فرض كون الحكمين جميعا إقتضائيين غير فعليين (بل لا يبعد) الرجوع إلى الأصول العلمية في الصورة الثانية أيضا في نظر المصنف وإن لم يصرح به إذا لم يكن أحدهما أقوى دلالة أو سندا فيكون الفعليان المتساويان في الدلالة والسند كالإقتضائيين (اللهم الا أن يقال) أن في مورد فرضهما فعليين إذا تعارضا ولم يكن هناك مرجح دلالي أو سندي فنتخير بينهما شرعا لعدم جواز الرجوع في المتعارضين إلى الثالث بل لا بد من الترجيح أو التخيير بمقتضى الإجماع والأخبار العلاجية الآتية في محلها إن شاء الله تعالى.
(وبالجملة) اللازم بنظر المصنف في باب الاجتماع هو الأخذ بأقوى المناطين إذا أحرز الأقوى منهما والا فان كان الدليلان فعليين فأقوائية أحدهما دلالة أو سندا هو المحرز لأقوائية مناطه فيقدم وان كان أحدهما فعليا والآخر اقتضائيا فيؤخذ بالفعلي دون الاقتضائي وان كانا إقتضائيين جميعا فلا بد من الرجوع إلى الأصل العملي.
34

(أقول) ويرد عليه مضافا إلى ما ستعرفه في الجهة الثانية من أن المرجح الأول لباب التزاحم ليس هو أقوائية المناط وأغلبية الملاك بل هو اللابدلية في قبال ما له البدل فما لا بدل له يقدم على ما له البدل وان كان أضعف مناطا بكثير فان تساويا من هذا الحيث فعند ذلك تصل النوبة إلى الترجيح بأقوائية المناط وأغلبية الملاك لا من بدو الأمر كما زعم المصنف (أن بأقوائية) الدلالة أو السند فيما إذا كانا فعليين كيف يعرف إنا أقوائية المناط وأي ربط بين أقوائية الدلالة أو السند وبين أقوائية المناط وأغلبية الملاك (على أن الدليلين) إذا فرضنا متعارضين لأجل كونهما بصدد الحكمين الفعليين فلا يكاد يحرز بهما المناطان جميعا كي تكون أقوائية الدلالة أو السند في أحدهما كاشفا عن أقوائية مناطه عن مناط الآخر ويكون المجمع من باب التزاحم لا التعارض فتأمل في المقام جيدا هذا كله شرح ما للمصنف في المقامات الثلاثة من التحقيق الذي لا ينجلي تفصيله الا بالتدبر التام فيه.
تحقيق في كون المجمع على الامتناع من باب التزاحم لا التعارض
(وأما) ما عندنا من التحقيق فنقول إن اللازم هو البحث عن جهتين لم يؤد حقهما كما ينبغي.
(الأولى) أن المجمع على الامتناع هل هو من باب التعارض بحيث يجب الرجوع فيه إلى المرجحات السندية أو نتخير بين الدليلين على الخلاف الآتي في المتعارضين أو هو من باب التزاحم بحيث يجب الرجوع فيه إلى مرجحات
35

هذا الباب كما ستعرف تفصيلها إن شاء الله تعالى واحدا بعد واحد وبين البابين فرق عظيم جدا (والحق) أنه من باب التزاحم بين المقتضيين كما هو خيرة المصنف وظاهر المشهور حيث حكموا بصحة الصلاة في الغصب نسيانا أو جهلا بالموضوع كما سيأتي في الأمر العاشر نظرا إلى وجود المقتضى فيها وفقد المانع عن التقرب بها وهو النهي المنجز فلو كان من باب التعارض وقدم فيه جانب النهي لم يتفاوت الحال بين الذكر والنسيان ولا بين العلم والجهل أصلا لخروجه عن تحت الأمر رأسا (وليس المجمع) من باب التعارض كما هو ظاهر التقريرات من عبارته المتقدمة عند بيان كون المسألة أصولية بل صريحه في الهداية الثانية عند بيان ثمرة النزاع (قال فيها) الثالث في بيان ثمرة النزاع واعلم أنه لما كانت هذه المسألة من المبادي فالوجه أن تظهر الثمرة في مسألة أصولية وهي أن الأمر والنهي في مورد الاجتماع هل هما متعارضان أو لا تعارض بينهما فعلى القول بالامتناع فالتعارض ثابت وعلى القول بالجواز فلا تعارض (ثم حكم) على تقدير التعارض بالرجوع إلى المرجحات الدلالية (إلى أن قال) هذا ولكن ينبغي أن يعلم أن الأخذ بالمرجح من حيث الدلالة مثل تقديم الخاص على العام أو تقديم النهي على الأمر لقوة الدلالة لا يلائم مذاق المشهور المانعين حيث أنهم كما عرفت من كلام المحقق الأردبيلي يقتصرون في التخصيص بصورة وجود النهي الفعلي ويحكمون بالصحة في صورة النسيان والجهل ونحوهما وتخصيص العام بالخاص ليس من هذا القبيل بل مقتضاه خروج الفرد بجميع أحواله عن العام.
(أقول) والعجب أنه مع نقله فتوى المشهور بالصحة عند الجهل والنسيان ونحوهما من موارد سقوط النهي عن مرتبة التنجز والتفاته إلى عدم ملائمة ذلك مع كون المجمع من باب التعارض لخروجه حينئذ عن تحت الأمر
36

رأسا كيف يدعى أن المجمع على الامتناع من باب التعارض بضرس قاطع من دون أن يحتمل كونه من باب التزاحم على مذاق المشهور (ولو قال) أعلى الله مقامه الحق عندنا أن المجمع على الامتناع من باب التعارض وإن كان يظهر من المشهور القائلين بالامتناع أنه من باب التزاحم كان أهون (وعلى كل حال) الحق كما ذكرنا آنفا أن المجمع على الامتناع هو من باب التزاحم لا التعارض وذلك لأن ضابطة التعارض كما سيأتي في محله هو التنافي في مقام الجعل والتشريع بحيث يعلم إجمالا بكذب أحد الدليلين من أصله ولو في خصوص ما إذا كانا قطعيين دلالة وجهة لا مطلقا وضابطة التزاحم هو التنافي في مقام الامتثال والإتيان بحيث لا قدرة للمكلف على رعايتهما جميعا والمقام من قبيل الثاني إذا لا تنافي عرفا بين تشريع صل وتشريع لا تغصب فيشمل إطلاق كل منهما الصلاة في الغصب وبوسيلة الإطلاقين يثبت فيها المقتضيان
جميعا فيتزاحمان في مقام الامتثال حيث لا يقدر المكلف على رعايتهما جميعا من جهة وحدة المتعلق فيسقط أحد الحكمين عن التنجز ويبقى الآخر على تنجزه لمرجح من المرجحات الآتية لباب التزاحم وإذا فرضا متساويين فنتخير بينهما عقلا (ودعوى) إنا نعلم إجمالا بكذب أحد الإطلاقين من أصله فيتعارضان الإطلاقان ولا يكاد يتزاحمان مما لا وجه له حيث تجري هذه الدعوى بعينها في مثل أنقذ العالم وأنقذ الهاشمي فإطلاق هذا يشمل جميع الأحوال حتى حال ما إذا غرق ذاك وإطلاق ذاك يشمل جميع الأحوال حتى حال ما إذا غرق هذا فإذا غرقا جميعا ولم يتمكن المكلف من إنقاذهما جميعا فأحد الإطلاقين كاذب لا محالة في هذا الحال إما هذا وإما ذاك مع انهما من باب التزاحم بلا كلام غايته أن الإطلاق في المثال أحوالي وفي المقام أفرادي وذلك مما لا يوجب تفاوتا في ناحية العلم الإجمالي بكذب أحد الإطلاقين (كما أن تعدد المتعلق) في المثال ووحدته في
37

المقام مما لا يوجب أيضا تفاوتا في ذلك فان مجرد وحدة المتعلق مما لا يوجب التعارض بين الدليلين بعد تحقق المناطين في المتعلق وإلا لوجب أن تكون المقدمة المنحصرة بالحرام من باب التعارض بين الوجوب الغيري المترشح إليها من الواجب الأهم والحرمة النفسية الثابتة لها بما هي هي مع أن الحكمين فيها متزاحمان لا متعارضان فإذا توقف إنقاذ الغريق على اجتياز أرض غصبي قدم الأمر الغيري على النهي النفسي نظرا إلى أهمية الإنقاذ من الغصب فكما يقال في جميع ذلك كله لا تنافي عرفا بين الإطلاقين في مقام الجعل والتشريع وانما يتنافيان في مقام الامتثال من جهة عدم القدرة على رعاية الحكمين جميعا بعد إحراز المناطين في المجمع بوسيلة إطلاقي الدليلين فكذلك يقال في مثل صل ولا تغصب حرفا بحرف غايته أن المرجح في الأمثلة المذكورة أقوائية المناط وفي المقام أمر آخر وهو اللابدلية كما ستعرف تفصيلها إن شاء الله تعالى
في بيان مرجحات باب التزاحم
(الجهة الثانية) في بيان مرجحات باب التزاحم وقد أهمل الأصوليون ذكرها في الأصول ولم يفردوا لها بحثا مستقلا ومحلا مخصوصا مع أنه كان ينبغي ذلك منهم ولم يفعلوا وعلى كل حال هي أمور عديدة.
(منها) أن يكون أحد التكليفين تعيينيا لا بدل له والآخر تخييريا له البدل فيقدم التعييني على التخييري سواء كان التخيير عقليا أو شرعيا.
(أما الأول) فكما إذا زاحم واجب مضيق كإنقاذ غريق ونحوه واجبا موسعا له أفراد طولية إلى آخر الوقت كالصلاة ونحوها بناء على كون التخيير بين الأفراد الطولية عقليا كما اختاره المصنف لا شرعيا كما اخترناه وتقدم في
38

الواجب الموقت أو زاحم حرام واجبا له المندوحة كالغصب مع الصلاة إذا تمكن من إتيانها في غير الغصب فان الغصب استيعابي يحرم منه جميع أفراده على التعيين والصلاة بدلي لها أفراد عرضية من الصلاة في المسجد والصلاة في الدار والصلاة في الحمام ونحو ذلك كالأفراد الطولية نتخير بينها عقلا.
(ومن هنا) يظهر أن جانب النهي في باب الاجتماع على الامتناع مما يقدم على جانب الأمر دائما من غير ملاحظة لأقوائية مناط أحدهما كما زعم المصنف على ما تقدم تفصيل كلامه في المقام الثالث نعم إذا انحصر الواجب في فرد واحد فتصل النوبة حينئذ إلى الترجيح بأقوائية المناط كما إذا لم يتمكن من إيقاع الصلاة الا في الغصب بان كان في مكان مباح ولم يقدر على إتيان الصلاة بما لها من الأجزاء الواجبة كالقيام والركوع والسجود الا في مكان مغصوب فحينئذ لا بد من ملاحظة أقوائية الملاك فان كان ملاك الأجزاء الواجبة أقوى من حرمة الغصب وجبت الصلاة في الغصب وان كان ملاك الغصب أقوى لم تجب الأجزاء الخاصة بل تحرم وان تساويا نتخير بينهما عقلا.
(وأما الثاني) أي التخيير الشرعي فكما إذا زاحم واجب تعييني أحد خصال الكفارة فيقدم التعييني على التخييري إذا وجد له عدل والا فينقلب التخييري إلى التعييني (هذا) وقد يدعى أنه يلحق بالبدل الاختياري البدل الاضطراري مطلقا فيقدم ما لا بدل له على ماله البدل الاضطراري دائما فإذا زاحم مثلا طهارة البدن الوضوء قدم طهارة البدن عليه وانتقل التكليف بالوضوء إلى التيمم (وفيه ما لا يخفى) إذ قد يكون الفائت من المصلحة بسبب الانتقال من اختياري إلى الاضطراري أكثر من تمام مصلحة ما لا بدل له فيتعين الإتيان حينئذ بما له البدل الاضطراري وترك ما لا بدل له رأسا.
(نعم) إذا أحرزنا أن مصلحة ما لا بدل له أكثر من القدر الفائت
39

بسبب الانتقال من الاختياري إلى الاضطراري قدم حينئذ ما لا بدل له على ما له البدل الاضطراري كما أنه إذا لم نحرز شيئا منهما إثباتا ولو بالظن الغير المعتبر نتخير بينهما عقلا فإذا لا عبرة بتقديم ما لا بدل له على ما له البدل الاضطراري مطلقا أي دائما كما يقدم على ما له البدل الاختياري كذلك.
(ومنها) أن يكون أحد التكليفين عينيا والآخر كفائيا فيقدم العيني على الكفائي مع وجود من به الكفاية والا فينقلب الكفائي إلى العيني وهذا واضح.
(ومنها) أن يكون أحد التكليفين أقوى مناطا وأهم ملاكا كما إذا زاحم إنقاذ عالم إنقاذ جاهل أو إنقاذ نبي إنقاذ عالم فيقدم الأقوى منهما مناطا على الآخر الأضعف بل لو احتمل الأقوائية في أحدهما دون الآخر قدم محتمل الأقوائية على الطرف الآخر هذا إذا كانت الأقوائية المقطوعة أو المحتملة بمقدار يعتد به والا لم يتعين الأخذ بالجانب الأقوى وان كان تقديمه حسنا عقلا (ومن هنا يظهر) أن التخيير عند التساوي أو التفاوت اليسير عقلي لا شرعي وان نسب إلى المحقق صاحب الحاشية وإلى صاحب البدائع أن التخيير بينهما شرعي (ولكن فيه ما لا يخفى) فان التخيير الشرعي انما يكون إذا ورد في لسان الدليل والا فيكون من مستقلات العقل جدا والشرع وان كان عن لا يتخطى ثبوتا عن حكم العقل ولكن مجرد ذلك مما لا يجعل التخيير شرعيا كما لا يخفى.
(ثم) أن المرجح الأولى والثاني لا ترجيح لأحدهما على الآخر فإذا كان أحد التكليفين مما لا بدل له وكان كفائيا وكان الآخر مما له البدل وكان عينيا فتخير بينهما عقلا
مع وجود من به الكفاية (وأما إذا) دار الأمر بين المرجح الأول أو الثاني وبين المرجح الثالث فيقدم الأول أو الثاني
40

الثالث فإذا كان أحدهما مما لا بدل له وكان الآخر الذي له البدل أقوى مناطا قدم ما لا بدل له على الآخر الأقوى مناطا أو كان أحدهما عينيا وكان الآخر الكفائي أهم ملاكا قدم العيني على الكفائي.
(نعم) إذا تساويا الطرفان من حيث التعيينية والعينية بان كانا تعيينيين عينيين فحينئذ تصل النوبة إلى الأقوى مناطا ويقدم الأهم ملاكا وإذا تساويا من هذا الحيث أيضا فنتخير بينهما عقلا كما تقدم آنفا.
(هذا) وقد يدعى أن لباب التزاحم مرجحين آخرين.
(أحدهما) أن يكون أحد التكليفين مشروطا بالقدرة الشرعية وهي ما أخذت شرطا في لسان الدليل كما في الحج والآخر مشروطا بالقدرة العقلية كما في الصلاة والصيام والزكاة ونحو ذلك من التكاليف الغير المشروطة بها في لسان الدليل وإن كانت مشروطة بها عقلا فيقدم المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية (ووجه التقديم) أن المشروط بالقدرة العقلية يصلح أن يكون معجزا مولويا عما يكون مشروطا بالقدرة الشرعية لأن وجوبه لا يتوقف على أزيد من القدرة العقلية وهي حاصلة موجودة ومع وجوبه لا يكاد يبقى قدرة شرعا على الآخر.
(أقول) إن المراد من القدرة الشرعية كما تقدم آنفا هو ما أخذه الشرع شرطا للتكليف في لسان الدليل والقدرة العقلية هي ما اعتبره العقل شرطا للتكليف من دون أن تكون مأخوذة في لسان الدليل (وبعبارة أخرى) لا فرق بين القدرة الشرعية والقدرة العقلية سوى أن الحاكم بإحداهما الشرع وبأخراهما العقل (وعليه) فلا وجه لدعوى حصول الشرط بالنسبة إلى أحدهما بالخصوص فيكون واجبا ومع وجوبه لا تكاد تبقى قدرة شرعا على ذاك فان لنا واجبين في المقام مشروطين بالقدرة جميعا ولنا قدرة واحدة في
41

البين ان صرفناها في هذا فذاك مما لا قدرة عليه وان صرفناها في ذاك فهذا مما لا قدرة عليه فلا يكون أحدهما أحق بها إلا الأهم الأقوى مناطا في نظر الشرع دون ما ليس مشروطا بالقدرة في لسان الدليل وكان مشروطا بها عقلا فان عدم الاشتراط بها في لسان الدليل مما لا دخل له في التقدم على الآخر أبدا (لا يقال) إن المراد من القدرة الشرعية في مثل الحج هي القدرة الخاصة من حصول الزاد والراحلة والرجوع على الكفاية ونحو ذلك في قبال القدرة المطلقة على الحج ولو متسكعا فالأولى تسمى بالقدرة الشرعية والثانية تسمى بالقدرة العقلية فإذا زاحم ما يعتبر فيه القدرة الشرعية ما لا يعتبر فيه إلا القدرة العقلية وكان في البين قدرة واحدة عقلية فلا محالة يقدم الثاني على الأول (لأنه يقال) نعم في هذا الفرض يقدم الثاني على الأول بل الأول لم يحصل شرطه كي يزاحم الثاني ولكنا نفرض الكلام فيما إذا حصلت القدرة الشرعية فان صرفناها في الحج لم نتمكن من ذاك وان صرفناها في ذاك لم نتمكن من الحج وفي مثله لا بد من ملاحظة الأقوى منهما مناطا فيقدم هو لا تقديم ما لا يعتبر فيه إلا القدرة العقلية (نعم يمكن) أن يقال إن المشروط بالقدرة الشرعية تكون القدرة دخيلة في أصل ملاكه ومناطه بخلاف المشروط بالقدرة العقلية فإنه مع انتفاء القدرة عليه يكون ذا ملاك ومناط غير أن المكلف من جهة عجزه عنه يكون معذورا في تركه وهذا معنى سقوطه عن مرتبة التنجز دون ساير المراتب (وعليه) فإذا زاحم واجب مشروط بالقدرة الشرعية مع واجب آخر غير مشروط بها فالملاك في الثاني محرز محقق لعدم دخل القدرة في ملاكه أصلا بخلافه في الأول فان الملاك فيه مشكوك غير محرز لدخل القدرة فيه وهي مشكوكة (ولكن يجاب عنه) بان القدرة فيه غير مشكوكة ليكون الملاك أيضا مشكوكا بتبعها فان كلا من الواجبين المتزاحمين مع قطع
42

النظر عن الإتيان بالآخر مقدور للمكلف يمكنه الإتيان به وهو يكفى في تحقق الملاك وحدوث المناط فيه فيتزاحمان الواجبان جميعا بعضهما مع بعض وتصل النوبة إلى الأقوى منهما مناطا فيقدم هو عقلا على صاحبه.
(ثانيهما) أن يكون ظرف امتثال أحدهما مقدما على الآخر كما إذا زاحم القيام في الركعة الأولى مع القيام في الركعة الثانية بان لم يتمكن من الجمع بينهما فيقدم الأول لقدرته عليه فعلا وعدم ما يوجب سلب قدرته عليه شرعا بل لو كان زمان وجوب أحدهما مقدما على زمان وجوب الآخر وان اتحدا من حيث زمان الامتثال كما إذا قال ان جاءك زيد فأكرمه يوم الجمعة وقال ان جاءك عمرو فأكرمه يوم الجمعة فجاء أحدهما يوم الأربعاء وجاء الآخر يوم الخميس فوجب إكرام أحدهما قبل وجوب إكرام الآخر ولم يتمكن المكلف من الجمع بين إكراميهما في يوم الجمعة قدم الأسبق منهما وجوبا على الآخر فإنه قد شغل الوقت ولم يبق مجال للثاني.
(نعم) الترجيح بأسبقية زمان الامتثال أو أسبقية زمان الوجوب إنما يكون عند تساوى المتزاحمين في قوة المناط وأهمية الملاك وإلا فيقدم الأهم الأقوى وإن كان زمان امتثاله متأخرا كما إذا زاحم القيام حال القراءة مع القيام المتصل بالركوع أو كان زمان وجوبه متأخرا كما في مثال الإكرام وفرض أن إكرام الجائي يوم الخميس أهم من إكرام الجائي يوم الأربعاء بكثير (أقول) إن الحاكم في مرجحات باب للتزاحم ليس إلا العقل ومجرد تقدم زمان امتثال أحدهما على الآخر من دون أقوائية مناطه لا يكاد يوجب في نظر العقل الحكم بوجوب تقديمه بعد أن كان الوجوب المتعلق بالثاني أيضا فعليا.
(نعم) إذا كان المتأخر امتثالا لم يدخل بعد وقت وجوبه فلا وجه
43

حينئذ لرفع اليد عن السابق والأخذ باللاحق ولكن مع فعلية وجوب الثاني كالأول لا وجه في نظر العقل في تقديم الأسبق امتثالا بمجرد سبق زمان امتثاله من دون أقوائية مناطه وإن استحسنه العقل وكان راجحا في نظره لكن لا بنحو الإلزام (كما أن مجرد) تقدم زمان وجوب أحدهما على الآخر مع اتحاد زمان امتثالهما من دون أقوائية مناطه لا يكاد يوجب أيضا في نظر العقل الحكم بوجوب تقديمه ومراعاته بعد فرض تساويهما في قوة المناط وأهمية الملاك (ودعوى) أن الأسبق وجوبا شاغل للوقت فلا
يكاد يبقى مجال للثاني لو صحت لقدم الأسبق وجوبا حتى على الأقوى مناطا لإشغاله الوقت مع أن المدعى يعترف بتقديم الأقوى مناطا وإن كان متأخرا وجوبا بل يظهر منه وان لم يدخل بعد زمان وجوبه وهو مشكل جدا فإذا لم يتم الدليل فيما إذا كان أحدهما أقوى مناطا لم يتم في المتساويين في المناط أيضا.
(وبالجملة) ترجيح الأسبق امتثالا أو الأسبق وجوبا بعد فرض تساوى الطرفين في قوة المناط وأهمية الملاك وان كان راجحا في حد ذاته ولكن ليس متعينا في نظر العقل بنحو البت والإلزام ولكن مع ذلك ينبغي مراعاة الاحتياط في المقام والله العالم.
(قوله أو بحكم آخر غير الحكمين فيما لم يكن هناك أحدهما أقوى... إلخ) يعنى فيما كان الحكمان إقتضائيين وذلك لما عرفت في المقام الثالث من عدم رجوعه إلى الحكم الآخر أي الأصل العملي الا عند عدم إحراز الغالب منهما مناطا مع كونهما إقتضائيين وأما مع كونهما فعليين فيؤخذ بالأقوى منهما دلالة أو سندا وبطريق الإن يعرف أن ملاكه أقوى كما أن مع كون أحدهما فعليا والآخر اقتضائيا يؤخذ بالفعلي دون الاقتضائي.
(قوله كما يأتي تفصيله... إلخ) أي في صدر التنبيه الثاني الذي عبرنا عنه بالمقام الثالث وقد أشرنا نحن إلى تفصيله كما هو حقه فلا نعيد.
44

(قوله بل لا بد من مرجحات المقتضيات المتزاحمات كما يأتي الإشارة إليها... إلخ) أي في صدر التنبيه الثاني ولكن الذي يؤشر إليه فيه هو مرجح واحد لا أكثر وهو أقوائية المناط فقط نعم يذكر المصنف هناك مرجحات النهي على الأمر وهي غير مرجحات باب التزاحم.
(قوله نعم لو كان كل منهما متكفلا للحكم الفعلي لوقع بينهما التعارض... إلخ) استدراك عن قوله وإلا فلا تعارض في البين بل كان من باب التزاحم بين المقتضيين... إلخ أي نعم لو كان كل من الدليلين بصدد الحكم الفعلي لوقع التعارض بينهما إلا إذا كان أحدهما أغلب مناطا وأقوى ملاكا فيوفق بينهما بحمل الأغلب على الفعلي والآخر على الاقتضائي فيؤخذ بالفعلي دون الاقتضائي وهذا معنى قوله لو لم يوفق بينهما بحمل أحدهما على الحكم الاقتضائي بملاحظة مرجحات باب المزاحمة فتفطن.
(قوله التاسع أنه قد عرفت أن المعتبر في هذا الباب... إلخ) قد عرفت أن المقصود من عقد هذا الأمر التاسع هو بيان أنه بم يحرز المناطان في المجمع كي يكون على الجواز محكوما بكلا الحكمين وعلى الامتناع مندرجا في باب التزاحم بين المقتضيين وقد عبرنا نحن عن الأمر التاسع بالمقام الثاني من المقامات الثلاثة وأوضحنا الجميع مشروحا في صدر الأمر الثامن فلا تغفل.
(قوله إلا إذا علم إجمالا بكذب أحد الدليلين فيعامل معهما معاملة المتعارضين... إلخ) وفيه ما لا يخفى فان مجرد العلم الإجمالي بكذب أحد الدليلين مما لا يوجب التعارض بينهما ما لم يكن العلم الإجمالي بالكذب ناشئا من جهة التنافي بين مدلوليهما على وجه التضاد أو التناقض حقيقة أو عرضا على ما سيأتي تفصيل الكل في محله إن شاء الله تعالى وعليه فإذا كان هناك دليلان ليس بينهما تناف بحسب المدلول لا حقيقة ولا عرضا وقد علمنا من الخارج
45

بكذب أحدهما من أصله فهما من باب اشتباه الحجة بلا حجة لا من باب التعارض.
(قوله فان انتفاء أحد المتنافيين كما يمكن أن يكون لأجل المانع مع ثبوت المقتضى له... إلخ) أي فان انتفاء أحد الحكمين المتعارضين كما يمكن أن يكون لأجل المانع وهو التعارض مع ثبوت المقتضى له واقعا فكذلك يمكن أن يكون لأجل انتفاء المقتضى له من أصله وبعبارة أخرى إذا تعارض الحكمان وانتفى أحدهما فلا محرز ولا كاشف لمناطيهما جميعا كي يعامل معهما معاملة المقتضيين المتزاحمين.
(قوله الا ان يقال ان قضية التوفيق بينهما... إلخ) هذا رجوع عن حكمه بتنافي الإطلاقين وتعارضهما على القول بالامتناع فيما إذا كانا بصدد الحكم الفعلي كما أشرنا من قبل في المقام الثاني من المقامات الثلاثة فتذكر.
(قوله فتخلص أنه كلما كانت هناك دلالة على ثبوت المقتضى في الحكمين... إلخ) أي فتلخص أنه كلما كانت هناك دلالة على ثبوت المقتضيين جميعا فهو من باب الاجتماع وكلما لم تكن هناك دلالة عليه فهو من باب التعارض مطلقا حتى على الجواز إذا كانت هناك دلالة على انتفاء أحدهما أي بلا تعيين والا أي وان لم تكن هناك دلالة على انتفاء أحدهما فعلى خصوص القول بالامتناع يكون من باب التعارض لكفاية عدم الدلالة على ثبوت المقتضيين في كونه من باب التعارض بين الدليلين وان لم يكف هذا على القول بالجواز بل يحتاج إلى إحراز انتفاء أحد المقتضيين.
46

في ثمرة بحث الاجتماع
(قوله العاشر لا إشكال في سقوط الأمر وحصول الامتثال بإتيان المجمع بداعي الأمر على الجواز مطلقا ولو في العبادات... إلخ) المقصود من عقد هذا الأمر العاشر بيان الثمرة بين القول بالجواز والقول بالامتناع في مسألة الاجتماع فالإتيان بالمجمع (على الجواز) امتثال للأمر وعصيان للنهي (وعلى الامتناع) إن رجحنا جانب الأمر فهو امتثال للأمر ولا عصيان وان رجحنا جانب النهي فهو عصيان ولا امتثال غايته أن المجمع (ان كان توصليا) كما إذا قال حدث ولا تؤذ فهو حرام قد سقط به الأمر وحصل به الغرض (وان كان تعبديا) كما إذا قال صل ولا تغصب فهو حرام لم يسقط به الأمر ولم يحصل به الغرض (إذا كان) الإتيان بها مع الالتفات إلى الحرمة أو بدونه تقصيرا كما إذا قصر في معرفة حكم الغصب فصلى في الغصب جهلا بالحكم أو قصر في رد الغصب حتى صلى فيه نسيانا للموضوع فان الصلاة حينئذ وان كانت مأتية بها بقصد القربة لعدم الالتفات إلى حرمتها ولكن حرمتها المنجزة عليه بسبب التقصير مما تمنع عن حصول التقرب بها شرعا بل يصدر الفعل قبيحا مبعدا له لا حسنا مقربا فلا يحصل الغرض ولا يسقط الأمر (وأما إذا كان) الإتيان بها مع عدم الالتفات إلى الحرمة قصورا سواء كان جهلا بالحكم إذا فرض فيه القصور أو جهلا بالموضوع أو كان نسيانا لأحدهما فالصلاة صحيحة شرعا قد سقط بها الأمر وحصل بها الغرض (ووجه الصحة) وجود الملاك فيها وحصول التقرب بها إلى الله تعالى (أما وجود الملاك فيها) فلان المفروض أن المجمع على الامتناع من باب التزاحم
47

ويكون مناط كل من الأمر والنهي موجودا فيه كما تقدم (وأما حصول التقرب بها) فلان النهي انما ينافي التقرب بل يؤثر في بعد المكلف وصدور الفعل قبيحا مبغوضا عليه إذا كان منجزا عليه بسبب الالتفات إلى الحرمة أو عدم الالتفات إليها تقصيرا وأما إذا لم يكن منجزا عليه بان لم يلتفت إلى الحرمة قصورا فلا يكاد ينافي التقرب أو يؤثر في بعد المكلف وصدور الفعل قبيحا مبغوضا عليه بل المكلف حيث تخيل أن الفعل مأمور به وأتى به بهذا القصد فإتيانه كذلك مما يؤثر في قربه إلى الله تعالى ويكون صدوره منه حسنا عقلا وان كان محرما قبيحا واقعا فان المكلف إذا أتى بحرام واقعي محض ليس فيه مناط الوجوب أصلا وهو يزعم أنه واجب بلا تقصير في زعمه فالحرام الواقعي يكون مقربا له عقلا كما إذا قتل صديق المولى بزعم أنه عدو له فكيف بما إذا أتى بحرام واقعي فيه مناط الوجوب أيضا كما في المقام فان المجمع وان كان محرما واقعا ولكن فيه مناط الوجوب أيضا كما أشير آنفا غايته أنه مغلوب لمناط الحرمة.
(وبالجملة) ان الفعل بسبب عدم الالتفات إلى الحرمة وان لم يتغير عما هو عليه من المبغوضية الواقعية والقبح الواقعي ولكنه حيث يصدر عنه بلا التفات إليها لا عن تقصير فلا يؤثر مبغوضيته الواقعية وقبحه الواقعي في البعد منه جل وعلا وفي صدوره عنه قبيحا مبغوضا عليه فإذا لم يؤثر في البعد أثر الإتيان به بزعم كونه مأمورا به في القرب إليه وفي صدوره عنه حسنا وإذا صدر حسنا وقع صحيحا شرعا بعد فرض وجود المناط فيه كما لا يخفى (ومن هنا) قد أفتى المشهور بصحة الصلاة في الغصب إذا كان نسيانا أو جهلا بالموضوع بل بالحكم إذا كان عن قصور مع ذهابهم إلى الامتناع في مسألة الاجتماع وادعوا ان الغصب من الموانع العلمية فإذا علم به وبحرمته وتنجزت
48

الحرمة بسبب العلم أو بأمر آخر فهي مانع عقلا عن الصلاة وتبطلها وإلا فالغصب الواقعي مما لا يبطل الصلاة نظرا إلى أن الغصب ليس من الموانع الشرعية أي المأثورة من قبل الشارع في لسان الدليل نظير لبس غير المأكول مثلا كي تقتضي القاعدة بطلان الصلاة معه مطلقا سواء كان عن علم أو عن نسيان أو عن جهل وسواء كان عن تقصير أو بلا تقصير بل هو من الموانع العلمية من جهة منافاة حرمته المعلومة المنجزة مع التقرب المعتبر في العبادات عقلا فتأمل جيدا.
(قوله فيسقط به الأمر مطلقا في غير العبادات... إلخ) أي فيسقط الأمر بإتيان المجمع في التوصليات مطلقا سواء كان مع الالتفات إلى الحرمة أو بدونه تقصيرا أو قصورا فان التوصلي مما يحصل به الغرض لا محالة ولو على نحو محرم.
(قوله فالأمر يسقط لقصد التقرب بما يصلح أن يتقرب به لاشتماله على المصلحة... إلخ) بل لو قصد التقرب بما لا يصلح أن يتقرب به لعدم اشتماله على المصلحة أصلا بل كان مشتملا على المفسدة الواقعية كما في الحرام الواقعي المحض لحصل التقرب به إذا كان بلا التفات إلى الحرمة قصورا وقد زعم رجحانه وحسنه (فالأولى) كان تعليل سقوط الأمر بوجود الملاك فيه وحصول التقرب به من جهة عدم الالتفات إلى حرمته قصورا وقد زعم وجوبه ورجحانه كما عللناه آنفا لا بقصد التقرب بما يصلح أن يتقرب به لاشتماله على المصلحة فإنه مما يوهم انحصار قصد التقرب بما يصلح أن يتقرب به لاشتماله على المصلحة وهو كما ترى.
(قوله مع صدوره حسنا لأجل الجهل بحرمته قصورا... إلخ) المناط في الحسن الصدوري أن يعتقد الفاعل بلا تقصير منه رجحان الفعل
49

فيأتي به بهذا الداعي سواء كان الفعل حسنا واقعا ليطابق حسنه الصدوري مع حسنه الواقعي أو كان قبيحا محضا واقعا ليس فيه جهة الحسن أصلا غير أن الفاعل أخطأ في اعتقاده أو كان واجدا لجهتي الحسن والقبح جميعا كما في المقام ولكن لم يعلم الفاعل بجهة القبح قصورا
(قوله وان لم يكن امتثالا له... إلخ) وذلك لسقوط الأمر المتعلق بالمجمع عن التنجز فان إطلاق كل من الأمر والنهي وان كان شاملا للمجمع وبه أحرزنا المناطين فيه وصار من باب التزاحم ولكن حيث كان الترجيح مع جانب النهي سقط الأمر لا محالة عن التنجز كما في ساير موارد التزاحم إذا قدم أحد الجانبين لمرجح من المرجحات وسقط الآخر عن التنجز.
(قوله بناء على تبعية الأحكام لما هو الأقوى من جهات المصالح والمفاسد واقعا... إلخ) أي بناء على تبعية الأحكام الواقعية لما هو الأقوى من جهات المصالح والمفاسد واقعا وحيث أن المجمع تكون المفسدة فيه أقوى فالحكم الواقعي فيه تابع لها ولا يكون مأمورا به وان صح وسقط به الأمر من جهة وجود المناط فيه وسقوط النهي عن مرتبة التنجز بسبب عدم الالتفات إليه قصورا وصدوره عنه حسنا على ما عرفت شرحه آنفا كما أن الحسن والقبح العقليين أيضا يتبعان أقوى الجهات واقعا فالشيء الواحد وإن صح أن يكون فيه جهتا الحسن والقبح جميعا كما في المقام أو في مثل الكذب المنجي من الهلكة أو الصدق الموقع في المهلكة ولكن لدى النتيجة بنظر العقل إما يكون محكوما بالحسن إذا كان ملاك الحسن أقوى أو بالقبح إذا كان ملاك القبح أقوى وإذا تساويا فهو لا قبيح ولا حسن بنظر العقل لكن هذا في الحسن والقبح الواقعيين وأما الحسن والقبح الصدوريين فهما تابعان لما علم من الجهات فإذا علم المكلف بجهة الحسن فقط وقد أتى به بداعيه كان صدوره
50

حسنا مقربا له وإن كان جهة القبح أقوى واقعا وإذا علم بجهة القبح فقط ومع ذلك قد أتى به كان صدوره عنه قبيحا مبعدا له وإن كان جهة الحسن أقوى واقعا فتأمل جيدا.
(قوله لا لما هو المؤثر منها فعلا للحسن أو القبح لكونهما تابعين لما علم منها... إلخ) أي بناء على تبعية الأحكام لما هو الأقوى من جهات المصالح والمفاسد واقعا لا لما هو المؤثر من الجهات فعلا للحسن أو القبح الصدوريين فإنهما تابعان لما علم من الجهات لا لأقوى الجهات واقعا كما عرفت آنفا
(قوله مع أنه يمكن أن يقال بحصول الامتثال مع ذلك فان العقل لا يرى تفاوتا بينه وبين ساير الأفراد في الوفاء بغرض الطبيعة المأمورة بها... إلخ) إشارة إلى ما تقدم منه في آخر بحث الضد بعد الترتب من قوله نعم فيما إذا كانت موسعة أي العبادة وكانت مزاحمة بالأهم ببعض الوقت لا في تمامه يمكن أن يقال إنه حيث كان الأمر بها على حاله وإن صارت مضيقة بخروج ما زاحمه الأهم من أفرادها من تحتها أمكن أن يؤتى بما زوحم منها بداعي ذاك الأمر فإنه وإن كان خارجا عن تحتها بما هي مأمور بها الا أنه لما كان وافيا بغرضها كالباقي تحتها كان عقلا مثله في الإتيان به في مقام الامتثال والإتيان به بداعي ذاك الأمر بلا تفاوت في نظره بينهما أصلا...
إلخ وقد تقدم منا هناك ما يضعف هذا كله فراجع ولا نعيد.
(قوله لكنه لوجود المانع... إلخ) وهو المزاحم الأهم.
(قوله لو قيل بتزاحم الجهات في مقام تأثيرها للأحكام الواقعية... إلخ) بمعنى أن يكون الحكم الواقعي تابعا للجهة الأقوى واقعا كما تقدم آنفا.
(قوله وأما لو قيل بعدم التزاحم الا في مقام فعلية الأحكام... إلخ) هذا القول مما لا محيص لنا عنه أي القول بعدم التزاحم الا في مقام فعلية
51

الأحكام بمعنى أن خصوص الحكم الواقعي الفعلي يكون تابعا للجهة الأقوى لا مطلق الحكم الواقعي حتى الإنشائي والا بان كان مطلق الحكم الواقعي تابعا للجهة الأقوى فبم قد أحرزنا المناطين في المجمع وصار من باب التزاحم بين المقتضيين وهل هو الا بوسيلة الإطلاقين وعدم تزاحم الجهات في مقام تأثيرها في الأحكام الواقعية الإنشائية بل والفعلية الا المنجزة منها كما سيأتي تفصيلا.
(قوله لكان مما تسعه وامتثالا لأمرها بلا كلام... إلخ) أقول نعم لو قيل بعدم التزاحم الا في مقام فعلية الأحكام لكان الإتيان بالمجمع مما تسعه الطبيعة بما هي مأمورة بها ولكان امتثالا لأمرها لكن امتثالا لأمرها الإنشائي لا الفعلي المنجز فان الأمر المتعلق بها لم يتنجز بسبب المزاحمة بالنهي الأهم فلا تغفل.
(قوله وقد انقدح بذلك الفرق بين ما إذا كان دليلا الحرمة والوجوب متعارضين... إلخ) وجه الفرق أنه لو قلنا بالتعارض بين خطاب صل ولا تغصب في مادة الاجتماع وقد قدمنا جانب النهي في المجمع ترجيحا أو تخييرا على الخلاف الآتي في باب التعارض فيكون النهي بمنزلة المخصص ويكون المجمع خارجا عن تحت الأمر رأسا مثل أن يقول صل ولا تصل في الغصب فلا يحرز مناط الأمر في المجمع كي إذا وقعت الصلاة في الغصب مع عدم الالتفات إلى حرمتها قصورا أثر المناط الموجود فيها مع الإتيان بها بقصد القربة في صحتها وسقوط الأمر بها وحصول الغرض منها نظرا إلى عدم تأثير النهي الساقط عن التنجز في صدورها قبيحا ومبغوضا عليه كي ينافي التقرب المعتبر فيها وهذا بخلاف ما إذا قلنا في مسألة الاجتماع بالتزاحم ورجحنا جانب النهي بإحدى مرجحات باب التزاحم وأتينا بالصلاة في الغصب بلا التفات إلى حرمتها
52

قصورا فيؤثر المناط المحرز فيها بوسيلة إطلاق الأمر بضميمة الإتيان بها بقصد القربة في الصحة وسقوط الأمر وحصول الغرض لأجل عدم تأثير النهي الساقط عن مرتبة التنجز في البعد عن المولى بعد الغفلة عنه بلا تقصير ولا تعمد فافهم جيدا.
في تحقيق القول بالامتناع وتمهيد مقدماته
(قوله فالحق هو القول بالامتناع كما ذهب إليه المشهور وتحقيقه على وجه يتضح به فساد ما قيل أو يمكن أن يقال من وجوه الاستدلال لسائر الأقوال يتوقف على تمهيد مقدمات أحدها أنه لا ريب في أن الأحكام الخمسة متضادة في مقام فعليتها وبلوغها إلى مرتبة البعث والزجر... إلخ) قد ذكروا للأحكام مراتب أربع.
(الأولى) مرتبة الاقتضاء وهي مرتبة الملاك والمصلحة ولكن عد هذه المرتبة من مراتب الحكم مما لا يخلو عن مسامحة.
(الثانية) مرتبة الإنشاء وهي مرتبة جعل القانون وضرب القاعدة من دون أن يكون فيه إنفاذ للحكم ولا إعلام به وهذا مما يتفق في العرفيات كثيرا فان الملوك ربما يجعلون قانونا لرعاياهم ويؤخرون إنفاذه فيهم لمانع يخشى منه أو لعدم تهيأ وسائل الإنفاذ بعد فإذا ارتفع المانع أو تهيأ الوسائل أنفذوه بكل قوة وسرعة بل لا يبعد دعوى وقوعه في الشرعيات أيضا بان يقال ان أغلب الأحكام الشرعية في صدر الإسلام كان من هذا القبيل فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلم بالأحكام الإلهية والقوانين الإسلامية ومع ذلك لم يؤمر بإنفاذها وإعلامها دفعة مخافة أن يشق ذلك على الناس فلا يرغبون في
53

دين الإسلام أو يرتد المسلمون بعد ما أسلموا عن دينهم لقرب عهدهم بالجاهلية بل أمر صلى الله عليه وآله وسلم بإنفاذ الأحكام السهلة أو لا كالشهادتين ونحوهما إلى أن يرتكز الإيمان في قلوبهم كما ينبغي ثم ينفذ فيهم الأحكام المهمة التي فيها ضرر الأموال والنفوس كالزكاة والجهاد وأمثالهما (ومن خواص) هذه المرتبة الثانية أنه لو علم المكلف بالحكم الإنشائي الغير البالغ إلى مرتبة الإنفاذ والاعلام لم يجب عليه امتثاله وان أوجب امتثاله القرب إلى المولى كما لا يجب عليه امتثاله في المرتبة الأولى أيضا ولو كان المكلف به أمرا مقدورا ميسورا له.
(الثالثة) مرتبة الفعلية وهي مرتبة الإنفاذ والاعلام والا بلاغ للناس فإذا وصل الحكم بهذه المرتبة فهو فعلا على صفة لو علم به المكلف وتمكن من امتثاله لتنجز عليه ولم يبق له عذر في الترك أصلا بخلافه في المرتبة السابقة فلا يجب عليه امتثاله وان علم به المكلف وهو قادر على امتثاله.
(الرابعة) مرتبة التنجز وهي مرتبة انقطاع عذر المكلف ببلوغ الحكم إليه وقدرته عليه فإذا علم به وهو متمكن من امتثاله فقد تنجز عليه التكليف ولا عذر له في تركه فإذا خالفه وعصاه استحق العقاب عليه عقلا فالحكم قبل أن يبلغ إلى مرتبة الإنفاذ والاعلام إنشائي محض لا يجب على المكلف امتثاله ولو علم به وتمكن منه وإذا بلغ إلى مرتبة الإنفاذ والاعلام فان كان المكلف حاضرا في مجلس الخطاب وسمع كلام المولى فقد صار الحكم في حقه فعليا منجزا دفعة واحدة وان لم يكن حاضرا في مجلس الخطاب فقد صار الحكم في حقه فعليا لا منجزا أي صار على صفة لو علم به وتمكن منه لتنجز عليه الحكم من دون أن يكون منجزا عليه فعلا بحيث لا يكون معذورا في تركه (ثم ان الحكم) ما لم يبلغ إلى مرتبة التنجز بالعلم والقدرة لا يكاد تنقدح الإرادة أو الكراهة على طبقه في نفس المولى لاستحالة إرادة الفعل أو الترك من الجاهل الغافل أو
54

من العالم العاجز وان أمكن إرادته من الجاهل الملتفت المتمكن من الاحتياط ما لم يرخص له في الترك عند الشك في التكليف فإذا وصل الخطاب إلى المكلف وقد علم به وهو قادر عليه فعند ذلك تنقدح الإرادة أو الكراهة في نفس المولى على طبقه ووفقه (ومن هنا يظهر) أنه لا تنافي بين الحكم الواقعي والظاهري المتخالفين وهكذا بين
الحكمين المتزاحمين الا في مرتبة التنجز فقط وهي مرتبة انقداح الإرادة والكراهة على طبق الحكم في نفس المولى دون ساير المراتب.
(نعم) ان الحكمين المتعارضين هما مما يتنافيان حتى في مرتبة الجعل والإنشاء بحيث يعلم إجمالا بكذب أحدهما من أصله لكن مع قطعية الدلالة والجهة لا مطلقا (ثم ان المصنف) هاهنا وان لم يجعل للحكم إلا مرتبتين الإنشاء والفعلية وجعل تنافي الأحكام الخمسة وتضادها في خصوص مرتبة الفعلية ولكن سيأتي منه قريبا في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري التجاؤه إلى تصوير مرتبة أخرى وهي مرتبة التنجز وأنه لا تنافي بين الأحكام الواقعية مع الظاهرية الا في مرتبة التنجز فقط وان الأحكام الواقعية التي قامت الأمارات أو الأصول على خلافها كلها فعلية وليست هي إنشائية محضة كي يقال انها لو كانت إنشائية محضة لم يجب على المكلف الإتيان بها ولو علم بها مع انها لو علم بها وارتفع الستار عنها لوجب عليه الإتيان بها قطعا ولا هي منجزة قد وصلت إلى مرتبة انقداح الإرادة والكراهة كي يقال ان الأحكام الواقعية مما تنافي الأحكام الظاهرية المجعولة على طبق الأمارة أو الأصل العملي فكيف التوفيق بينهما.
(وبالجملة) ان للحكم مراتب أربع.
(الأولى) مرتبة الاقتضاء والملاك.
55

(الثانية) مرتبة الإنشاء وهي مرتبة جعل القانون وضرب القاعدة.
(الثالثة) مرتبة الفعلية وهي مرتبة الإنفاذ والاعلام والمصنف عبر عن مرتبة الفعلية هاهنا بمرتبة البعث والزجر والظاهر أن مراده من البعث والزجر هو الإرادة والكراهة بقرينة قوله الآتي في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري (وكونه فعليا انما يوجب البعث والزجر في النفس النبوية أو الولوية... إلخ) حيث جعل محلهما النفس غير أن الإرادة والكراهة قد جعلهما هناك في مرتبة التنجز وهاهنا جعلهما في مرتبة الفعلية حيث لم يتصور بعدها مرتبة أخرى في المقام.
(الرابعة) مرتبة التنجز وهي مرتبة قطع عذر المكلف بوصول الحكم إليه وعلمه به وقدرته عليه وفي هذه المرتبة تنقدح الإرادة والكراهة في نفس المولى وتتنافى الأحكام الخمسة بعضها مع بعض كما اختاره المصنف في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى مشروحا.
(قوله لا يكون من باب التكليف بالمحال... إلخ) بمعنى أن استحالة اجتماع الأمر والنهي في واحد لا يكون من باب التكليف بالمحال أي بغير المقدور كالجمع بين المتناقضين ونحوه كي يجوزه القائل بجواز التكليف بغير المقدور بل من جهة أنه بنفسه محال لما عرفت من تنافي الأحكام الخمسة في مرتبة التنجز وانقداح الإرادة والكراهة في نفس المولى فتعلق الإرادة والكراهة ثبوتا بشيء واحد هو بنفسه محال لا أنه تكليف بمحال وأمر بغير مقدور.
(أقول) تقدم منا في الأمر السادس أن الظاهر أنه لا فرق بين التكليف بالمحال والتكليف المحال فان كلا منهما محال إذ لا يعقل تعلق التكليف والإرادة الحقيقية بالمحال الا تكليفا صوريا أو إذا جهل الآمر بمحالية المكلف به فأمر به جهلا فتذكر.
56

(قوله ثانيهما أنه لا شبهة في أن متعلق الأحكام هو فعل المكلف وما هو في الخارج يصدر عنه وهو فاعله وجاعله... إلخ) المقصود من تمهيد هذه المقدمة الثانية هو بيان أن الأحكام إنما تتعلق بحقيقة الشيء وواقعه وهي فعل المكلف وما يصدر عنه في الخارج وهو فاعله وجاعله ويترتب عليه الخواص والآثار لا بما هو اسمه وعنوانه ضرورة أن البعث لا يكون إلا نحوها والزجر لا يكون إلا عنها والاسم والعنوان إنما يؤخذان في لسان الدليل لأجل الإشارة بهما إلى المسمى والمعنون بمقدار الغرض منهما والحاجة إليهما لا بما هما هما وبنفسهما وعلى استقلالهما وحيالهما.
(أقول) وتمام ما ذكره المصنف في متعلق التكليف هو يجري في موضوع التكليف أيضا حرفا بحرف فإذا قال مثلا ائتني بالماء فالماء وأن أخذ في لسان الدليل موضوعا للحكم ولكن قد أخذ موضوعا للإشارة به إلى حقيقة الماء وواقعه الذي يروى الغليل ويرتفع به العطش وهو المعنون بعنوان الماء لا بما هو هو وبنفسه وعلى استقلاله وحياله وهكذا الحال في ساير الموضوعات جميعا
(قوله لا ما هو اسمه وهو واضح ولا ما هو عنوانه مما قد انتزع عنه بحيث لو لا انتزاعه تصورا واختراعه ذهنا لما كان بحذائه شيء خارجا ويكون خارج المحمول كالملكية والزوجية والرقية والحرية والمغصوبية إلى غير ذلك من الاعتبارات والإضافات... إلخ) الظاهر أن مراده من الاسم بقرينة جعله في قبال العنوان هو المبدأ المتأصل الذي له حظ من الوجود حقيقة وان كان من الاعراض ولا يتحقق الا في ضمن المعروض ويقال له المحمول بالضميمة كالضرب والقيام والقعود والمشي ونحو ذلك من الأمور الحقيقة الواقعية كما أن مراده من العنوان هو المبدأ الاعتباري المحض الذي ليس بحذائه شيء في الخارج سوى منشأ انتزاعه ويقال له خارج المحمول كالملكية والزوجية
57

والرقية والحرية والمغصوبية ونحو ذلك من العناوين المنتزعة عن فعل المكلف بحيث لو لا فعله لم تنتزع تصورا ولم تخترع ذهنا (فيقول) ان الأحكام في كلا القسمين متعلقة بفعل المكلف وما هو في الخارج يصدر عنه وهو فاعله وجاعله لا بما هو اسمه كالضرب والقيام والقعود والمشي ونحوها ولا بما هو عنوانه المنتزع عنه كالملكية والزوجية والرقية والحرية والمغصوبية ونحوها فان كلا من الاسم والعنوان هو مما يؤخذ في لسان الدليل متعلقا للحكم لأجل الإشارة به إلى فعل المكلف لا بما هو هو وبنفسه وعلى استقلاله وحياله كما أشير آنفا.
(أقول) وفي كلام المصنف إلى هنا مواقع للنظر.
(الأول) ما يظهر منه من الفرق بين الاسم والعنوان وهو كما ترى فان كل اسم عنوان وكل عنوان اسم فكما صح أن يقال إن الضرب والقيام والقعود والمشي ونحوها هي أسامي خاصة فكذلك صح أن يقال انها عناوين خاصة وكما صح أن يقال إن الملكية والزوجية والرقية والحرية والمغصوبية ونحوها هي عناوين مخصوصة فكذلك
صح أن يقال انها أسامي مخصوصة.
(الثاني) ما يظهر منه من أن الأمور الاعتبارية كالملكية والزوجية والرقية ونحوها هي عناوين لفعل المكلف بمقتضى قوله ولا ما هو عنوانه مما قد انتزع عنه إلى قوله كالملكية والزوجية والرقية والحرية... إلخ وهو ليس كما ينبغي فان تلك الأمور وان كانت عناوين منتزعة عن فعل المكلف ولكنها ليست عناوين لفعل المكلف فان عنوان الفعل عبارة عما انطبق عليه وقد صح حمله عليه كعنوان الصلاة والصيام والحج ونحوها مما يحمل على الفعل المخصوص ويقال له هذا صلاة أو هذا صيام أو هذا حج وتلك العناوين مما لا تحمل على فعل المكلف فلا يقال مشيرا إليه هذا ملكية أو هذا زوجية ونحوهما
58

بل يقال له هذا سبب للملكية أو سبب للزوجية وهكذا.
(الثالث) ما يظهر منه من تعلق الأحكام بالأمور الاعتبارية كالملكية والزوجية ونحوهما غايته أنها مما تؤخذ إشارة وآلة لمتعلقاتها أي متعلقات الأحكام وذلك بمقتضى قوله ولا بما هو عنوانه إلى قوله وانما يؤخذ في متعلق الأحكام آلة للحاظ متعلقاتها والإشارة إليها... إلخ وهو خلاف الصواب جدا فان الأحكام مما لا تتعلق بالأمور الاعتبارية كالملكية والزوجية ونحوهما وانما تتعلق هي بمثل التمليك أو التزويج ونحو ذلك وهو فعل المكلف ليس بأمر اعتباري غايته أنه فعل تسبيبي يتولد منه الأمر الاعتباري فتأمل جيدا.
(قوله وانما يؤخذ في متعلق الأحكام آلة للحاظ متعلقاتها... إلخ) وفي العبارة مسامحة واضحة إذ لا معنى لأخذ الاسم أو العنوان في متعلق الأحكام آلة للحاظ متعلقات الأحكام والصحيح هكذا وانما يؤخذ الاسم أو العنوان متعلقا للحكم في لسان الدليل آلة للحاظ المتعلق الواقعي وإشارة إليه وهو فعل المكلف المسمى بهذا الاسم أو المعنون بهذا العنوان وهو الذي يصدر عنه خارجا وهو فاعله وجاعله ويترتب عليه الخواص والآثار وهذا واضح.
(قوله ثالثها أنه لا يوجب تعدد الوجه والعنوان تعدد المعنون... إلخ) لما أثبت المصنف في المقدمة الثانية أن الأحكام تتعلق بالمسميات والمعنونات وان الأسامي والعناوين انما تؤخذ ان في لسان الدليل لأجل الإشارة بهما إليهما لا بما هما هما وبنفسهما وعلى استقلالهما وحيالهما صار في هذه المقدمة الثالثة بصدد إثبات وحدة المعنون كي يمتنع اجتماع الأمر والنهي فيه عقلا بعد ما أثبت في المقدمة الأولى تضاد الأحكام واستحالة اجتماع بعضها مع بعض (فقال) ها هنا ثالثها انه لا يوجب تعدد الوجه والعنوان تعدد المعنون... إلخ واستشهد لذلك بصدق الصفات المتعددة على الواجب
59

تبارك وتعالى مثل كونه حيا عالما قادرا مريدا كارها سميعا بصيرا إلى غير ذلك من الصفات الجارية عليه جل وعلا مع أنه واحد أحد بسيط من جميع الجهات ليس فيه جهة دون جهة ولا حيث دون حيث فإذا كانت الصفات المتعددة مما تصدق على الواحد البسيط من جميع الجهات ولا ينافي ذلك وحدته وعدم تعدده فكذلك تصدق على غيره مما ليس كذلك بطريق أولى.
(قوله الصفات الجلالية والجمالية... إلخ) الصفات الجمالية هي الثبوتية مثل كونه تعالى قادرا عالما سميعا بصيرا إلى غير ذلك ويقال لهما الكمالية أيضا والصفات الجلالية هي السلبية مثل كونه تعالى لا شريك له ليس بمتحيز ليس بمركب إلى غير ذلك وقد يطلق الجلالية على المجموع كما ادعى.
(قوله رابعها أنه لا يكاد يكون للموجود بوجود واحد إلا ماهية واحدة وحقيقة فاردة... إلخ) المقصود من تمهيد هذه المقدمة الرابعة هو دفع شبهتين في المقام وليست هي مما يتوقف عليه تحقيق القول بالامتناع كما ستعرف.
(الأولى) شبهة ابتناء القول بالامتناع على القول بأصالة الوجود وأما إذا قيل بأصالة الماهية فلا محيص عن القول بالجواز فان مجمع العنوانين وان كان واحدا وجودا فيمتنع اجتماع الأمر والنهي فيه على القول بأصالة الوجود وتعلق الأحكام به أي بالوجود ولكنه متعدد ماهية فلا يمتنع اجتماع الأمر والنهي فيه على القول بأصالة الماهية وتعلق الأحكام بها (وقد أجاب عنه المصنف) بما حاصله أن المجمع كما أنه واحد وجودا فكذلك واحد ماهية فكما أنه يمتنع اجتماع الأمر والنهي فيه على القول بأصالة الوجود فكذلك يمتنع اجتماعهما فيه على القول بأصالة الماهية (وفيه ما لا يخفى) فان مجمع العنوانين وان كان واحدا وجودا ولكنه متعدد ماهية سواء كان العنوانان
60

عليه متساويين كالإنسان والضاحك أو مختلفين بينهما عموم مطلق كالإنسان والماشي أو عموم من وجه كالصلاة والغصب (ولكن الصحيح في الجواب) أن يقال ان الأحكام على القول بأصالة الماهية لا تكاد تتعلق بالماهية فإنها بما هي هي ليست الا هي لا مطلوبة ولا لا مطلوبة بل تتعلق كما تقدم منا في تملق الأوامر والنواهي بالطبائع بخارجية الماهية ومن المعلوم أن المجمع كما أنه واحد وجودا فكذلك واحد خارجية فيمتنع اجتماع الأمر والنهي فيه على كل من القول بأصالة الوجود والقول بأصالة الماهية جميعا وإليه يرجع ما سيأتي من جواب الفصول بلفظه فانتظر له قليلا.
(الثانية) شبهة ابتناء القول بالامتناع على القول بعدم التمايز بين الجنس والفصل خارجا ولا بين العناوين العرضية لهما كالماشي والقائم والقاعد والمتحرك بالإرادة ونحوها أو الضاحك والكاتب والعالم والعادل ونحوها وأما لو قيل بالتمايز بين الجنس والفصل خارجا وهكذا بين العناوين العرضية لهما فالمجمع لا محالة متعدد خارجا فيجوز الاجتماع فيه (وقد أجاب عنها الفصول) بمنع الكبرى أي منع التمايز بين الجنس والفصل ولو أحقهما العرضية في الخارج وان عدم التمايز من الأمور الجلية التي أقيم عليها البرهان في محله وان المنازع فيه شاذ نادر (وأما المصنف فقد أجاب عنها) بمنع الصغرى وان العنوانين المتصادقين على المجمع ليسا من قبيل الجنس والفصل كي يبتنى الجواز والامتناع على تمايزهما وعدمه واستشهد لذلك بان الحركة في الدار مثلا التي قد يتصادق عليها عنوان الصلاة والغصب جميعا من أي مقولة كانت هي لا تكاد تختلف حقيقتها وتتخلف ذاتياتها سواء وقعت جزء للصلاة أم لا كانت تلك الدار مغصوبة أم لا فلو كان كل من الصلاة والغصب جنسها وفصلها لاختلفت قهرا حقيقتها وتخلفت ذاتياتها هذا في الجنس والفصل وأما العناوين العرضية
61

لهما فلم يتعرضها المصنف كي يجيب عن تمايزها وتعددها خارجا.
(أقول) أما دعوى التمايز بين الجنس والفصل خارجا ففيها (مضافا) إلى أنا نمنع الصغرى كما منع المصنف لأن المفهومين المتصادقين على المجمع لو كانا من قبيل الجنس والفصل له لم يجز أن يكون بينهما عموم من وجه كما هو مفروض البحث بل وجب أن تكون النسبة بينهما عموما مطلقا (أنا نمنع الكبرى) أيضا أي التمايز بين الجنس والفصل في الخارج كما منع الفصول وذلك لأن الجنس والفصل ليسا من الاجزاء الخارجية كي يتمايزان خارجا بل هما من الأجزاء التحليلية بمعنى أن العقل بالتعمل يحلل النوع ويفصله إلى جنس وفصل كما تقدم في بساطة مفهوم المشتق بنحو أبسط فتذكر (وأما دعوى التمايز) بين العناوين العرضية خارجا فيبطلها صدق كل من العنوانين العرضيين سواء كانا من العناوين الاشتقاقية كالعالم والعادل أو من مبادئ الاشتقاق كالصلاة والغصب على شيء واحد خارجي فلو كان لكل من العالم والعادل في زيد المتصف بهما أو لكل من الصلاة والغصب في الصلاة المأتية بها في المغصوب وجود مستقل في الخارج غير وجود الآخر لم يتصادقا على شيء واحد خارجي وهذا واضح ظاهر بل كاد أن يكون من الضروري بل هو كذلك جدا.
(قوله فيكون الواحد وجودا واحدا ماهية وذاتا... إلخ) تفريع على قوله لا يكاد يكون للموجود بوجود واحد الا ماهية واحدة.
(قوله ولا يتفاوت فيه القول بأصالة الوجود أو أصالة الماهية ومنه ظهر عدم ابتناء القول بالجواز والامتناع في المسألة على القولين في تلك المسألة كما توهم في الفصول كما ظهر عدم الابتناء على تعدد وجود الجنس والفصل في الخارج وعدم تعدده... إلخ) لم يتوهم الفصول ابتناء القول بالجواز
62

والامتناع في المسألة على القولين في مسألة أصالة الوجود أو أصالة الماهية كما أنه لم يتوهم ابتنائه على القول بتعدد وجود الجنس والفصل في الخارج وعدم تعدده بل ادعى الفصول أن الدليل الذي أقامه على الامتناع مبنى على القول بأصالة الوجود وعلى القول بعدم تعدد وجود الجنس والفصل في الخارج (قال قدس سره) بعد أن استدل على الامتناع بدليل طويل قد اقتبس منه المصنف غير واحد من مقدماته الأربع التي مهدها لتحقيق القول بالامتناع (ما هذا لفظه) وأعلم أن هذا الدليل يبتنى على أصلين أحدهما أنه لا تمايز بين الجنس والفصل ولو أحقهما العرضية في الخارج كما هو المعروف وأما لو قلنا بالتمايز لم يتحد المتعلق فلا يتم الدليل الثاني أن للوجود حقائق خارجية ينتزع منها هذا المفهوم الاعتباري كما هو مذهب أكثر الحكماء وبعض محققي المتكلمين وأما إذا قلنا بأنه مجرد هذا المفهوم الاعتباري ينتزعه العقل من الماهيات الخارجية ولا حقيقة له في الخارج أصلا كما هو مذهب جماعة فلا يتم الدليل لكن الأصل الأول مما لا يرتاب فيه أكثر المخالفين في المسألة إن لم يكن كلهم وإنما النازع فيه شاذ ومع ذلك فهو من الأمور الجلية التي أقيم عليها البرهان في محله وأما الثاني فهو وإن كان عندنا من واضحات علم المعقول ولكن لا يساعد عليه أكثر المخالفين في المسألة إن لم يكن كلهم فيبتني الاستدلال على تقدير ثبوته (ثم قال) ولنا أن نقرر الدليل بوجه لا يبتنى على هذا الأصل فنقول لا ريب في أن الطلب لا يتعلق بالماهية من حيث هي ولا من حيث كونها في الذهن بل من حيث كونها في الخارج لا بمعنى أن الطلب لا يتعلق إلا بما هو موجود في الخارج كيف وتعلق الطلب سابق على وجود المطلوب لامتناع تحصيل الحاصل بل بمعنى أن العقل يلاحظ الماهية الخارجية من حيث كونها خارجية ويجعلها بهذا الاعتبار موردا للطلب والمنع كما نقول في الفرض السابق
63

أنه يلاحظ الوجود الخارجي من حيث أنه وجود خارجي ويجعله موردا للطلب والمنع ولا ريب في أن الماهيتين متحدتان في هذا الاعتبار انتهى موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(قوله إذا عرفت ما مهدناه عرفت أن المجمع حيث كان واحدا وجودا وذاتا كان تعلق الأمر والنهي به محالا ولو كان تعلقهما به بعنوانين لما عرفت من كون فعل المكلف بحقيقته وواقعيته الصادرة عنه متعلقا للأحكام لا بعناوينه الطارية عليه... إلخ) هذا مقام استنتاج الامتناع من المقدمات الأربع التي مهدها المصنف لتحقيق القول بالامتناع ولكن قد أشرنا قبلا أن المقدمة الرابعة هي لدفع الشبهتين المتقدمتين وإلا فالمقدمات الثلاث كافية لتحقيق القول بالامتناع من دون حاجة إلى الإشارة إلى الرابعة حيث يقال إذا عرفت في المقدمة الثانية أن الأحكام تتعلق بالمعنون وإن العنوان إنما يؤخذ في لسان الدليل متعلقا للحكم لأجل الإشارة به إليه وعرفت في المقدمة الثالثة أن المعنون واحد غير متعدد وأن تعدد الوجه والعنوان مما لا يوجب تعدده ولا ينثلم به وحدته فقد عرفت لا محالة استحالة اجتماع الأمر والنهي في المجمع المعنون بعنوانين بعد ما عرفت في المقدمة الأولى تضاد الأحكام الخمسة واستحالة اجتماع حكمين منها في شيء واحد ولو في مرتبة الفعلية فقط بل التنجز فقط (هذا ويمكن) تقريب الامتناع في المسألة بنحو آخر أسهل من غير حاجة إلى تمهيد مقدمات أربع على النحو المتقدم شرحه وبيانه فنقول إن كلام من متعلقي الأمر والنهي كالصلاة والغصب هو عين المجمع خارجا وذلك بشهادة صحة الحمل عليه الذي ملاكه الاتحاد والهوهوية الخارجية والمجمع شيء واحد ولا يكاد يجتمع الأمر والنهي في شيء واحد.
64

في الدليل الأول للمجوزين وجوابه
(قوله وأن غائلة اجتماع الضدين فيه لا تكاد ترتفع بكون الأحكام تتعلق بالطبائع لا الأفراد فان غاية تقريبه أن يقال... إلخ) إشارة إلى الجزء الأول من الدليل الأول للمحقق القمي على الجواز فإنه استدل عليه بوجوه ثلاثة عمدتها هذا الدليل الأول الذي قد أشار المصنف إلى الجزء الأول منه (وملخصه) بطوله أن الحكم إنما يتعلق بالطبيعة فالأمر يتعلق بطبيعة الصلاة والنهي يتعلق بطبيعة الغصب والمجمع فرد لهما والفرد مقدمة تغاير المتعلقين وجودا وخارجا فلم يجتمع الأمر والنهي في شيء واحد وإذا قيل بلزوم اجتماع الوجوب والحرمة الغيريين في الفرد الذي هو مقدمة لهما فنحن لا نقول بوجوب المقدمة كي يلزم ذلك ولو قيل بوجوبها فهو يترشح إلى المقدمة المباحة دون المحرمة أي المجمع وأما سقوط الأمر به مع عدم كونه مأمورا به فلان الأمر الغيري توصلي يحصل الغرض منه ولو بمقدمة محرمة كالسير إلى الحج مع الدابة المغصوبة هذا ملخص ما يستفاد من مجموع كلماته أعلى الله مقامه (ويظهر من التقريرات) أن هذا الدليل مما لا يختص بالمحقق القمي حيث قال بعد نقل ملخصه
(ما لفظه) وقد سلك هذا المسلك غير واحد من المجوزين وأوضحه المحقق القمي (انتهى) (ثم ان المصنف) قد أخذ الجزء الأول من هذا الدليل وهو تعلق الأحكام بالطبائع دون الأفراد وجعله دليلا مستقلا برأسه بتقريب ذكره في الكتاب (وحاصله) بمزيد توضيح منا أن الأمر قد تعلق بطبيعة الصلاة والنهي بطبيعة الغصب والطبيعة بما هي هي وان لم تكن متعلقة للطلب ولكنها بما هي مقيدة بالوجود بحيث كان القيد خارجا والتقيد
65

داخلا تكون متعلقة للطلب وعليه فمتعلق الأمر والنهي حينئذ متعدد ليس بمتحد لا في مقام الأمر والنهي وهو واضح لتعدد الطبيعتين وان اتحدتا فيما هو خارج عن الطلب وهو الوجود ولا في مقام الإطاعة والعصيان وهو كذلك لحصول الإطاعة بطبيعة والعصيان بطبيعة أخرى وان حصلت الطبيعتان بوجود واحد خارجي (وقد أخذ المصنف) هذا التقريب باختلاف يسير من عبارة الفصول رحمه الله (قال) فيما أفاده في الدليل الأول للامتناع ما هذا لفظه فان قيل يجوز أن يكون المأمور به والمنهي عنه نفس الطبيعتين المقيدتين بالوجود الخارجي على أن يكون القيد خارجا وحينئذ فلا يلزم وحدة المتعلق لتغاير المقيدين وان اتحد القيد قلنا لا جدوى في ذلك... إلخ (وعلى كل حال) قد أجاب المصنف عن هذا التقريب بما حاصله إنك قد عرفت أن الطبيعتين المتعلقتين للأمر والنهي كعنواني الصلاة والغصب إنما يؤخذان في لسان الدليل للإشارة بهما إلى المعنون وأن المعنون هو أمر واحد لا يتعدد بتعدد العنوان فيستحيل اجتماع الأمر والنهي فيه عقلا بعد ما عرفت تضاد الأحكام الخمسة بعضها مع بعض.
(أقول) هذا مضافا إلى عدم تعلق الطلب بالطبيعة المقيدة بالوجود على أن يكون القيد خارجا والتقيد داخلا بل الطلب كما تقدم تحقيقه على القول بأصالة الوجود يتعلق بوجود الطبيعة وعلى القول بأصالة الماهية يتعلق بخارجية الماهية ومن المعلوم أن وجود الطبيعتين وهكذا خارجيتهما في المجمع شيء واحد فيستحيل الاجتماع فيه عقلا.
(قوله كالآثار العادية والعقلية... إلخ) فان الإحراق مثلا الذي هو من الآثار العادية للنار نظرا إلى جواز انفكاكه عنها بإعجاز ونحوه أو التحيز الذي هو من الآثار العقلية للجسم لعدم جواز انفكاكه عنه عقلا مما لا يترتب
66

على الماهية بما هي كما هو الحال في الحكم الشرعي أيضا بعينه بل على وجودها أو على خارجية الماهية على الخلاف في أصالة الوجود أو أصالة الماهية.
(قوله كما ظهر مما حققناه أنه لا يكاد يجدى أيضا كون الفرد مقدمة لوجود الطبيعي المأمور به أو المنهي عنه... إلخ) إشارة إلى الجزء الثاني من الدليل الأول للمحقق القمي الذي قد عرفت تفصيله آنفا من أن الأمر متعلق بطبيعة الصلاة والنهي متعلق بطبيعة الغصب والمجمع فرد لهما والفرد مقدمة تغاير المتعلقين وجودا وخارجا فلا يلزم الاجتماع في شيء واحد... إلخ (وقد أجاب المصنف) عن هذا الجزء الثاني من وجهين.
(أحدهما) ما أشار إليه بقوله وذلك مضافا إلى وضوح فساده وان الفرد هو عين الطبيعي في الخارج... إلخ.
(ثانيهما) ما أشار إليه بقوله أنه انما يجدى لو لم يكن المجمع واحدا ماهية... إلخ ولكن الظاهر بعد التدبر التام أن الوجه الثاني من تتمات الوجه الأول وليس هو وجها مستقلا برأسه فالمجموع وجه واحد (وحاصله) أن الفرد ليس مقدمة للطبيعي بل عينه ونفسه وجودا وخارجا وعليه فإذا تعلق الأمر والنهي بالطبيعتين فقد تعلقا بالمجمع وقد عرفت أن المجمع ليس له الا ماهية واحدة فيستحيل الاجتماع فيه لا ماهيتين كي جاز الاجتماع فيه.
(أقول) نحن وان ضعفنا دعوى ان المجمع ليس له الا ماهية واحدة وجوزنا أن يكون له ماهيتان ولكن كما أن بناء على أصالة الوجود يتعلق الطلب بالوجود ووجود المجمع واحد فيستحيل الاجتماع فيه فكذلك بناء على أصالة الماهية يتعلق الطلب بخارجية الماهية وخارجية المجمع واحد فيستحيل الاجتماع فيه أيضا فتأمل جيدا.
(قوله وأنه لا ضير في كون المقدمة محرمة في صورة عدم الانحصار
67

بسوء الاختيار... إلخ) إشارة إلى كلام آخر للمحقق القمي فإنه بعد أن استدل للجواز بما تقدم شرحه وبيانه وادعى في ضمنه أن الفرد مقدمة للكلي أفاد أن الفرد المحرم قد يصير مسقطا عن الواجب في التوصليات وقد استثنى أخيرا صورة الانحصار به وقال فيها بالامتناع فلا بد أما من الوجوب أو التحريم ولكن لم يقيد الانحصار بسوء الاختيار كما قيد المصنف في عبارته فراجع عين كلامه زيد في علو مقامه.
في الدليل الثاني للمجوزين وهو النقض بالعبادات المكروهة وجوابه
(قوله ثم انه قد استدل على الجواز بأمور... إلخ) والعجب أن المصنف بعد قوله هذا أعني لفظة بأمور ذكر أمرين أي الدليل الثاني والثالث من أدلة المجوزين لا أمورا ثلاثة وأما الدليل الأول فقد تقدم بجزأيه قبل قوله هذا وكان اللازم ذكره بعد قوله هذا.
(قوله منها أنه لو لم يجز اجتماع الأمر والنهي لما وقع نظيره وقد وقع كما في العبادات المكروهة... إلخ) إشارة إلى الدليل الثاني للمجوزين وهو النقض بالعبادات المكروهة وقد أجاب عنه المصنف بجوابين إجمالي وتفصيلي وسيأتي تفصيل كل منهما على حده وقد أطال الكلام صاحب التقريرات في الجواب عنه حتى كتب حول ذلك نحو خمس عشرة صفحة من الصفحات الطوال وأطال الكلام فيه أيضا صاحب الفصول بما دون ذلك والعجب أن المصنف الذي كان من دأبه الاختصار قد ابتلي هنا بالتطويل أيضا فساق الكلام
68

في جوابه من نحو صفحتين من طبع بغداد والحق أن الجواب عنه أهون من ذلك وأيسر ولا يحتاج إلى هذا التفصيل والتطويل أصلا.
(قوله كالصلاة في مواضع التهمة... إلخ) الظاهر أن الصلاة في مواضع التهمة ليست هي من العبادات المكروهة وذلك لعدم الدليل على كراهتها فيها وإنما الدليل قد قام على كراهة الكون فيها والكون كما سيأتي تحقيقه في الدليل الثالث للمجوزين ليس متحدا مع الصلاة كي تكره الصلاة فيها بسببه وإنما هو شيء يلازم الصلاة وجودا وخارجا وليس نظير الغصب يتحد مع الصلاة ليسري الحكم منه إليها بل العبادات المكروهة هي كالصلاة في الحمام أو على القبر أو إلى القبر أو بين القبور أو في معاطن الإبل أو في مرابض الغنم أو في مرابط الخيل إلى غير ذلك من الأماكن التي تكره الصلاة فيها وإن لم يكره الكون فيها شرعا.
(قوله والصيام في السفر... إلخ) أي المندوب منه لا الواجب فان الواجب منه باطل في السفر بلا كلام بل المندوب أيضا محل الخلاف، الأقوى بطلانه كما حقق في محله.
(قوله وفي بعض الأيام... إلخ) كصوم يوم عرفة لمن يضعفه عن الدعاء.
(قوله بيان الملازمة أنه لو لم يكن تعدد الجهة مجديا في إمكان اجتماعهما لما جاز اجتماع حكمين آخرين في مورد مع تعددها لعدم اختصاصهما من بين الأحكام بما يوجب الامتناع من التضاد... إلخ) مقصوده من الملازمة هو قوله المتقدم أنه لو لم يجز اجتماع الأمر والنهي لما وقع نظيره... إلخ وهو لدى الحقيقة تقريب للاستدلال المذكور (وقد أخذ التقريب) من المحقق القمي (قال أعلى الله مقامه) ما لفظه الثاني أنه لو لم يجز ذلك لما وقع في الشرع
69

وقد وقع كثيرا منها العبادات المكروهة فان الاستحالة المتصورة انما هي من جهة اجتماع الضدين والأحكام الخمسة كلها متضادة بالبديهة فلو لم يكن تعدد الجهة في الواحد الشخصي مجديا للزم القبح والمحال وهو محال على الشارع الحكيم مع أن هذا يدل على المطلوب بطريق أولى إذ النهي في المكروهات تعلق بالعبادات دون ما نحن فيه يعنى به الصلاة في الغصب وبعبارة أخرى المنهي عنه بالنهي التنزيهي أخص من المأمور به مطلقا بخلاف ما نحن فيه فان النسبة بينهما فيما نحن فيه عموم من وجه ومن كل ذلك ظهر أن العقل لا يدل على امتناع الاجتماع في المنهي عنه تحريما أيضا لو كان أخص من المأمور به مطلقا أيضا وان أمكن إثباته من جهة فهم العرف كما سنحققه إن شاء الله تعالى (انتهى موضع الحاجة) من كلامه رفع مقامه.
(قوله لوقوع اجتماع الكراهة والإيجاب أو الاستحباب في مثل الصلاة في الحمام والصيام في السفر... إلخ) فالصلاة في الحمام هي لاجتماع الكراهة مع الإيجاب أو مع الاستحباب والصيام في السفر هو لاجتماع الكراهة مع الاستحباب دون الإيجاب وذلك لما عرفت من بطلان الصوم الواجب في السفر بلا كلام.
(قوله وفي العاشوراء ولو في الحضر... إلخ) اختلفت الروايات في صوم يوم العاشوراء فورد في بعضها الأمر بصومه وورد في بعضها النهي عنه (وقد أفتى المحقق) في الشرائع باستحباب صيامه على وجه الحزن (وحكى في المدارك) عن الشيخ في الاستبصار أنه جمع بين الأخبار بان من صام يوم عاشوراء على طريق الحزن لمصاب آل محمد عليهم السلام والجزع لما حل بعترته فقد أصاب ومن صام على ما يعتقد فيه مخالفونا من الفضل في صومه والتبرك به والاعتقاد لبركته وسعادته فقد أثم وأخطأ (قال) ونقل
70

الجمع عن شيخه المفيد وهو جيد (انتهى).
(قوله واجتماع الوجوب أو الاستحباب مع الإباحة أو الاستحباب في مثل الصلاة في المسجد أو الدار... إلخ) فان أتينا بالفريضة في الدار فقد اجتمع فيها الوجوب مع الإباحة وان أتينا بالنافلة فيها فقد اجتمع فيها الاستحباب مع الإباحة وان أتينا بالفريضة في المسجد فقد اجتمع فيها الوجوب مع الاستحباب وان أتينا بالنافلة فيه فقد اجتمع فيها الاستحباب مع الاستحباب.
(قوله والجواب عنه أما إجمالا... إلخ) هذا الجواب الإجمالي مرجعه إلى أمرين.
(أحدهما) أن أدلة العبادات المكروهة ظاهرة في جواز اجتماع الحكمين ونحن قد أقمنا البرهان القطعي على الامتناع والظهور مما لا يقاوم البرهان.
(ثانيهما) أن المجوز قد ادعى الجواز فيما كان الاجتماع بعنوانين بينهما عموم من وجه كما في صل ولا تغصب لا بعنوان واحد كما في العبادات المكروهة كقوله صل ولا تصل في الحمام وعليه فالمجوز أيضا ممن يجب عليه التخلص عن هذه العويصة.
(قوله اجتماع الحكمين فيها بعنوان واحد.... إلخ) ولو قال بعنوانين بينهما عموم مطلق كان أصح بل كان هو الصحيح.
(قوله ولا يقول الخصم بجوازه كذلك... إلخ) نعم لا يقول الخصم بجواز الاجتماع بعنوان واحد ولكن تسمية مثل قوله صل ولا تصل في الحمام من الاجتماع بعنوان واحد غير صحيح كما أشرنا آنفا بل هو من الاجتماع بعنوانين بينهما عموم مطلق وهو وان لم يجز عقلا كالاجتماع بعنوان واحد ولكنك قد عرفت أن المحقق القمي قد التزم بجوازه عقلا حتى في مثل الوجوب
71

مع الحرمة فكيف بالوجوب مع الكراهة.
(قوله كما في العبادات المكروهة التي لا بدل لها... إلخ) سنشرح لك بعد أسطر معنى ما لا بدل له وما له البدل عند تقسيم العبادات المكروهة على ثلاثة أقسام فانتظر.
(قوله فيقال وعلى الله الاتكال ان العبادات المكروهة على ثلاثة أقسام أحدهما ما تعلق به النهي بعنوانه وذاته ولا بدل له كصوم يوم العاشوراء أو النوافل المبتدئة في بعض الأوقات ثانيها ما تعلق به النهي كذلك ويكون له البدل كالنهي عن الصلاة في الحمام ثالثها ما تعلق النهي به لا بذاته بل بما هو مجامع معه وجودا أو ملازم له خارجا... إلخ) شروع في الجواب التفصيلي عن النقض بالعبادات المكروهة (وتوضيحه أنه) إذا أمر بطبيعة وجوبا أو ندبا وكان لها أفراد عرضية أو طولية نتخير بينها عقلا كما في الأول أو شرعا كما في الثاني على ما اخترنا في الموقت فالمأمور به مما له البدل كالفرائض اليومية ونوافلها فللمكلف أن يأتي بها في هذا المكان أو في ذاك المكان أو في مكان ثالث وهكذا أو في الآن الأول من الوقت أو في الآن الثاني أو الثالث وهكذا فكل فرد من الافراد العرضية أو الطولية بدل للآخر يجب أو يستحب تخييرا أما عقلا أو شرعا ولا يجب تعيينا (وإذا أمر بطبيعة) وجوبا أو ندبا وليس لها أفراد نتخير بينها عقلا أو شرعا بل كان كل فرد منها واجبا أو مستحبا على التعيين فالمأمور به مما لا بدل له إذ ليس حينئذ كل فرد بدلا للآخر كي يكون مما له البدل وهذا كصوم شهر رمضان أو صوم ساير الأيام فان صوم كل يوم واجب أو
مستحب على التعيين وهكذا النوافل المبتدئة التي ليس لها وقت خاص ولا عنوان مخصوص فإنها مما تستحب في كل وقت يسع ركعتين على التعيين (هذا كله) في العبادات الواجبة أو المستحبة بقسميها
72

مما لا بدل له وماله البدل (وأما العبادات المكروهة) التي قسمها المصنف على ثلاثة أقسام (فما لا بدل له) كصوم يوم العاشوراء بناء على كراهته أو صوم يوم عرفة لمن يضعفه عن الدعاء كما تقدم أو النوافل المبتدئة عند طلوع الشمس أو غروبها (وماله البدل) كالصلاة في الحمام أو في معاطن الإبل أو في مرابط الخيل أو في مرابض الغنم إلى ساير الأماكن التي تكره فيها الصلاة (ثم أن في هذين القسمين) يكون النهي متعلقا بنفس العبادة وبذاتها كما صرح به المصنف فنفس الصلاة عند طلوع الشمس أو عند غروبها أو في الحمام تكون مكروهة في قبال ما إذا تعلق النهي بالعبادة لكن لا بذاتها بل علم أنه لأجل عنوان يتحد معها وجودا أو يلازمها خارجا فان المنهي عنه حقيقة هو ذلك الأمر المتحد مع العبادة أو الملازم لها لا نفس العبادة وذاتها (وهذا هو القسم الثالث) مما قسمه المصنف نظير ما إذا فرض تعلق النهي بالصلاة في مواضع التهمة وعلم أنه لأجل عنوان يتحد معها وجودا أو يلازمها خارجا بحيث كان المكروه هو ذاك العنوان المتحد معها أو الملازم لها كالكون فيها على ما تقدم لا نفس العبادة وذاتها كما في الصلاة في الحمام فإنها بنفسها تكون مكروهة لا لأجل الكون في الحمام فان الكون فيه ليس بمكروه كما لا يخفى.
(قوله كالصلاة في مواضع التهمة بناء على كون النهي لأجل اتحادها مع الكون في مواضعها... إلخ) قد ذكرنا قبلا أن الظاهر ان الصلاة في مواضع التهمة ليست من العبادات المكروهة إذ لم يدل دليل على كراهتها شرعا كما يوهمه العبارة وانما المكروه الكون فيها (والحق) أن الكون كما أشير قبلا ويأتي تفصيله هو مما يلازم الصلاة لا مما يتحد معها كي تسرى الكراهة منه إليها على الامتناع.
(قوله أما القسم الأول... إلخ) وحاصل جواب المصنف عن القسم
73

الأول من العبادات المكروهة وهو ما لا بدل له كصوم يوم العاشوراء بناء على كراهته والنوافل المبتدئة عند الطلوع والغروب ان النهي فيه ليس لأجل منقصة في الفعل كي يقال إن المنقصة إن كانت غالبة على المصلحة فكيف يقع الفعل صحيحا يتقرب به إلى الله تعالى مع العلم بالنهي وإن كانت مغلوبة فلما ذا ينهى الشارع عنه ولو تنزيها ويصير سببا لفوت المصلحة الزائدة عن المكلف بل النهي فيه اما لأجل انطباق عنوان ذي مصلحة أهم على الترك أو لأجل ملازمة هذا العنوان للترك وان لم ينطبق عليه خارجا وعليه فلا إشكال في المقام ولا إيراد إذا الفعل لو أتينا به فهو ذو مصلحة محضة يتقرب به إلى الله تعالى وان تركناه فالمصلحة العائدة من العنوان المنطبق على الترك أو الملازم له أرجح وأهم ولذا قد نهى الشارع عن الفعل تنزيها أي ليدرك المصلحة الراجحة.
(أقول) ويرد عليه (مضافا) إلى ما ستعرفه من أن النهي المتعلق بالفعل مطلقا سواء كان تحريميا أو تنزيهيا كان لمنقصة في الفعل أو لمصلحة أهم في الترك أو في العنوان الملازم للترك هو مما يسقط الفعل عن التقرب به إلى الله تعالى لا محالة وإن كان بين النهيين فرق من ناحية استحقاق العقاب وعدمه (أن النهي) عن الفعل على نحو ما ذكره المصنف وإن كان أمرا جائزا ثبوتا ولكنه خلاف الظاهر إثباتا فان الظاهر من النهي أنه لمنقصة في نفس الفعل لا لمصلحة أهم في الترك أو في العنوان الملازم للترك (وعليه) فالحق في الجواب أن يقال ان هذا القسم من العبادات المكروهة صحيح وليس بعبادة فصحيح بمعنى أنه صوم أو صلاة وليس بعبادة بمعنى أنه لا يتقرب به إلى الله تعالى (وتوضيحه) إنك قد عرفت في آخر التوصلي والتعبدي أن قصد العنوان هو مما يعتبر في أصل ماهية العبادات بل وفي بعض التوصليات أيضا فما لم يقصد الصوم لم يقع الإمساك صوما وما لم يقصد الغسل لم يقع الارتماس غسلا وما لم
74

يقصد التعظيم لم يقع القيام تعظيما وهكذا وان قصد القربة هو مما يعتبر في عبادية العبادات لا في أصل ماهيتها وتحققها فإذا أمسك بقصد الصوم ولم يقصد القربة فقد وقع الإمساك صوما ولم يقع عبادة يتقرب به إلى الله تعالى على نحو يحصل منه الغرض ويسقط به الأمر وهكذا الأمر في الصلاة والغسل ونحوهما (وعلى هذا) ففي صوم يوم العاشوراء بناء على كراهته إذا قصد العنوان فقد تحقق الصوم بمعنى تحقق ماهيته وحقيقته وهو معنى وقوعه صحيحا ولكن حيث أنه منهي عنه ولو تنزيها فلا يقع عبادة بمعنى عدم حصول التقرب به إلى الله تعالى فهو نظير صوم العيدين تقريبا فإذا أمسك فيهما لا بقصد الصوم فلا صوم ولا حرمة وإذا أمسك بقصد الصوم تحقق الصوم ووقعت ماهيته وحقيقته وان لم يقع عبادة بمعنى أنه صوم لا يكون مقربا إلى الله تعالى بل مبعد عنه غايته أنه في صوم العيدين يستحق العقاب وفي صوم العاشوراء لا يستحق العقاب.
(وبالجملة) لا تنافي بين تحقق أصل ماهية الصوم أو الصلاة أو غيرهما من العبادات لأجل قصد العنوان وبين عدم وقوعها عبادة بمعنى عدم كونها مما يتقرب به إلى الله تعالى كي يستحق الأجر والثواب منه جل وعلا فالعبادات المكروهة التي لا بدل لها كلها من هذا القبيل أي صحيحة تتحقق ماهياتها ولا تكون عبادة أي لا تكون مقربة إلى الله تعالى فتدبر جيدا.
(قوله وأرجحية الترك من الفعل لا توجب حزازة ومنقصة فيه أصلا... إلخ) (قال المصنف) في تعليقته على الكتاب لدى التعليق على قوله لا توجب حزازة ومنقصة فيه أصلا (ما ملخصه) أنه قد يقال إن أرجحية الترك وإن لم توجب منقصة في الفعل ولكنها أوجبت تعلق النهي بالفعل وهو مما يكفى في الفساد والبطلان عقلا ومن هنا لو قيل باقتضاء الأمر بالشيء
75

النهي عن الضد فالضد فاسد لا محالة إذا كان عبادة مع أن النهي عنه ليس لأجل منقصة فيه بل لمصلحة أهم في الترك وهو المقدمية والوصول به إلى الواجب الأهم (ثم أجاب عن ذلك) بما ملخصه أن هذا كله إنما هو في النهي التحريمي وأما التنزيهي فلا (قال) ولذلك لم تفسد العبادة إذا كانت ضدا لمستحب أهم اتفاقا فتأمل (انتهى) (وفيه ما لا يخفى) إذ لا فرق بين النهي التحريمي أو التنزيهي بعد تعلقه بالفعل بالخصوص من قبل الشارع في سقوط الفعل بسببه عن قابلية التقرب به إلى الله تعالى وان
كان بينهما فرق من ناحية استحقاق العقاب وعدمه.
(نعم) في القسم الثاني من العبادات المكروهة لا يقتضى النهي التنزيهي فسادها وذلك لاجتماع الوجوب التخييري فيها مع الكراهة التعينية كما سيأتي تفصيلهما وهو غير المقام مما ليس فيه الا النهي المحض ولو لا لأجل منقصة في الفعل بل لمصلحة أهم في الترك وأما عدم فساد العبادة إذا كانت ضدا لمستحب أهم اتفاقا فهو على تقدير تسليمه مما لا يكشف عن عدم تأثير النهي التنزيهي في الفساد بل يكشف عن عدم اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن الضد كي يفسد (وعليه) فالجواب الصحيح عن القسم الأول من العبادات المكروهة هو ما ذكرناه من أنه صحيح أي صوم أو صلاة وليس بعبادة أي لا يتقرب به إلى الله تعالى على التفصيل الذي قد عرفت منا شرحه وبيانه لا تسليم عباديته أي التقرب به إلى الله تعالى والجواب بان النهي التنزيهي عنه مما لا يفسده لأنه ليس لمنقصة في الفعل بل لمصلحة أهم في الترك أو في الملازم للترك فتأمل جيدا.
(قوله واما لأجل ملازمة الترك لعنوان كذلك... إلخ) أي لعنوان ذي مصلحة وهو في قبال قوله المتقدم اما لأجل انطباق عنوان ذي مصلحة على الترك.
76

(قوله من غير تفاوت الا في أن الطلب المتعلق به ليس بحقيقي بل بالعرض والمجاز... إلخ) لأن الطلب فيما كان النهي لأجل ملازمة الترك لعنوان ذي مصلحة لم يتعلق حقيقة بالترك بل بالعنوان الملازم له وانما نسب إلى الترك مجازا بلحاظ الملازم له كما ينسب الجري في قوله جرى الميزاب إلى الميزاب مجازا بلحاظ الماء الحال فيه.
(قوله نعم يمكن أن يحمل النهي في كلا القسمين على الإرشاد... إلخ) ويعنى بالقسمين هاهنا ما إذا كان النهي لأجل انطباق عنوان ذي مصلحة على الترك أو لأجل ملازمة الترك لعنوان ذي مصلحة والظاهر أن مقصوده من النهي الإرشادي في المقام هو النهي الخالي عن الطلب النفساني قد أنشأ لمحض الإرشاد والتنبيه على بعض الخواص ولا يبعد أنه اتخذ هذا المعنى من صاحب الفصول حيث (قال) بعد ما نقل محصل كلام المحقق القمي في رد المفسرين لكراهة العبادات بأقلية الثواب (ما هذا لفظه) والجواب عنه أما أو لا فبأنا نلتزم بما هو ظاهر كلام القوم من أن الكراهة في العبادة بمعنى قلة الثواب وان تلك النواهي إرشادية مجردة عن معنى طلب الترك ولا يلزم عليه شيء من المفاسد المذكورة انتهى.
(أقول) وعلى هذا فالأمر كما ذكره المصنف فان كان النهي مولويا قد أنشأ بداعي الطلب النفساني كان اسناد الطلب إلى الترك في خصوص ما كانت المصلحة في العنوان المنطبق على الترك حقيقيا وفيما كانت المصلحة في العنوان الملازم للترك مجازيا لكون المطلوب حينئذ هو الملازم للترك لا نفس الترك وأما إذا كان النهي إرشاديا أي خاليا عن الطلب النفساني وكان إنشائه لمحض الإرشاد إلى الترك اما لكونه بنفسه ذا مصلحة أو لكونه ملازما لما هو ذو مصلحة كان اسناد الطلب حينئذ إلى الترك مطلقا حقيقيا (ولكنك) قد
77

عرفت منا في الفور والتراخي أن خلو الأوامر والنواهي الشرعية من الإرادة أو الكراهة النفسانية مما لا يرجع إلى محصل فراجع.
(قوله وأما القسم الثاني... إلخ) وقد أجاب المصنف عن القسم الثاني من العبادات المكروهة وهو ماله البدل كالصلاة في الحمام ونحوها بجوابين (أحدهما) ما أجاب به في القسم الأول من أن النهي فيه ليس لمنقصة في الفعل بل لمصلحة أهم في العنوان المنطبق على الترك أو الملازم للترك فان أتى بالفعل فهو صحيح يتقرب به إلى الله تعالى لاشتماله على المصلحة المحضة وإن تركه فالمنفعة العائدة من العنوان المنطبق على الترك أو الملازم له أهم وأكثر ولذا قد نهى الشارع عن فعله وإتيانه (وفيه) ما قد عرفته منا مما يرد على هذا الجواب من وجهين فلا نعيدهما ثانيا.
(ثانيهما) أن النهي فيه يكون لمنقصة في الفعل لكن لا تكون غالبة على المصلحة الموجودة فيه كي لا يصلح الفعل للتقرب به إلى الله تعالى مع العلم بالنهي عنه ولا يقع عبادة بل المنقصة فيه مغلوبة وإنما نهى الشارع عن الفعل مع مغلوبية المنقصة وغلبة المصلحة ليؤتى ببدله أي بالفرد الآخر الذي لا منقصة فيه أصلا من الصلاة في الدار والصلاة في المسجد ونحوهما.
(أقول) هذا هو الجواب الصحيح عن القسم الثاني ومرجعه إلى وجوب الصلاة في الحمام تخييرا كما في ساير الأفراد العرضية ولذا صح الإتيان بها بقصد الوجوب إجماعا وكراهتها تعيينا لمنقصة فيها توجب قلة ثوابها وانحطاط أجرها فينهى الشارع عنها ليختار المكلف غيرها مما لا منقصة فيه ولا حزازة.
(قوله ولا يرد عليه بلزوم اتصاف العبادة التي تكون أقل ثوابا من الأخرى بالكراهة... إلخ) حاصل الإيراد أنه لو كانت الكراهة في العبادات بمعنى كونها أقل ثوابا لزم أن تكون الصلاة في مسجد السوق مثلا
78

مكروهة لكونها أقل ثوابا من الصلاة في مسجد الجامع بل الصلاة في الدار تكون مستحبة لأنها أكثر ثوابا من الصلاة في الحمام (وفيه) أن المقياس هو الحد الوسط أي الطبيعة المتشخصة بما لا يحدث معها مزية ولا منقصة كالصلاة في الدار فأكثر ثوابا منها مستحب وأقل ثوابا منها مكروه.
(قوله ولا يخفى أن النهي في هذا القسم لا يصح الا للإرشاد... إلخ) إذ ليس الفعل ذا منقصة غالبة كي ينهى الشارع عنه ويطلب تركه حقيقة مولويا أي بداعي الطلب النفساني بل مصلحته غالبة ولذا يجب تخييرا كما أشير آنفا وصح الإتيان بها بقصد الوجوب كسائر الأفراد إجماعا وانما ينهى الشارع عنه لأجل الإرشاد إلى منقصة فيه مغلوبة ليختار المكلف غيرها مما لم يبتل بالمنقصة والحزازة أصلا (وفيه) أنه لا منافاة بين كون الشيء ذا مصلحة غالبة ويطلب الشارع تركه حقيقة مولويا بداعي الطلب النفساني ليختار المكلف غيره مما لا منقصة فيه أصلا فدعوى الإرشادية في المقام ضعيفة جدا بل قد أشير آنفا وتقدم في الفور والتراخي مفصلا عدم تعقل الإرشادية في الأوامر والنواهي الشرعية بمعنى خلوها عن الطلب النفساني أبدا فتذكر.
(قوله وأما القسم الثالث... إلخ) وهو ما إذا تعلق النهي بالعبادة لكن لا بذاتها بل علم أنه لأجل عنوان يتحد معها وجودا أو يلازمها خارجا كما إذا قال لا تصل في مواضع التهمة ونحن نعلم أن النهي انما هو لأجل الكون فيها المتحد معها وجودا أو الملازم لها خارجا بحيث كان المكروه هو ذاك العنوان المتحد أو الملازم لا نفس الصلاة وذاتها (وقد أجاب المصنف) عن هذا القسم الثالث على الجواز تارة وعلى الامتناع أخرى (أما على الجواز) وتعدد متعلقي الأمر والنهي على كل حال فحاصله أنه يمكن أن يكون النهي مولويا وكان اسناده إلى العبادة مجازيا فان المكروه هو ذاك العنوان المتحد
79

معها أو الملازم لها دون العبادة بنفسها ويمكن أن يكون إرشاديا أي خاليا عن الطلب النفساني كما أشير آنفا غير مرة فيكون اسناده إلى العبادة حقيقيا قد أنشأ بداعي الإرشاد إلى ساير الأفراد مما لم يبتل بعنوان ذي منقصة متحد معها أو ملازم لها (وأما على الامتناع) فان كان النهي لأجل عنوان يلازم العبادة خارجا فالجواب هو عين جواب المجوز حرفا بحرف لتعدد المتعلق حينئذ وهو معنى قول المصنف وأما على الامتناع فكذلك في صورة الملازمة... إلخ وأما إذا كان النهي لأجل عنوان يتحد مع العبادة وجودا ورجحنا جانب الأمر كما هو المفروض إذ لو كان الراجح جانب النهي لكانت العبادة باطلة جدا لا مكروهة فالجواب ما أجيب به في القسم الثاني أي الجواب الأخير فيه من كون النهي لمنقصة مغلوبة في الفعل وانما نهى الشارع عنه إرشادا إلى ساير الأفراد مما لم يبتل بالمنقصة والحزازة أصلا.
(أقول) أما الجواز فلا نقول به وأما الإرشادية في الأوامر والنواهي الشرعية فقد عرفت حالها (وعليه) فالجواب الصحيح عن القسم الثالث على تقدير اتفاقه هو أن النهي عن العبادة مولوي قد أنشأ بداعي الكراهة النفسانية فان كان لأجل عنوان يتحد معها وجودا فإسناده إليها حقيقي وان كان لأجل عنوان يلازمها خارجا فإسناده إليها مجازي والشارع على كل حال انما نهى عنها ليختار المكلف غيرها مما لم يبتل بعنوان ذي منقصة مغلوبة متحد معها أو ملازم لها أصلا فتدبر جيدا.
(قوله وقد انقدح بما ذكرناه أنه لا مجال أصلا لتفسير الكراهة في العبادة بأقلية الثواب في القسم الأول مطلقا... إلخ) إذ ليس للقسم الأول كصوم يوم العاشوراء بدل كي صح أن يقال ان النهي عنه لمنقصة فيه وأنه إرشاد إلى ساير الافراد مما لا منقصة فيه وهو بدل عنه نتخير بينه وبينه
80

إذا المفروض أن صوم كل يوم مستحب تعييني لا تخييري (ثم ان) المراد من قوله مطلقا أي سواء قلنا بالجواز أو بالامتناع ويعرف ذلك من قوله الآتي وفي هذا القسم على القول بالجواز.
(قوله وفي هذا للقسم على القول بالجواز... إلخ) أي في القسم الثالث والسر في عدم جريان التفسير المذكور للكراهة في هذا القسم الثالث على القول بالجواز أن متعلقي الأمر والنهي على هذا القول متعدد حتى فيما كان النهي لأجل عنوان يتحد مع العبادة وجودا فإذا كان المتعلق متعددا فلا منقصة في العبادة كي يقال إن النهي لمنقصة فيها وأنه للإرشاد إلى ساير الأفراد (ومن هنا يظهر) أنه كان اللازم أن يقول وهكذا على الامتناع في صورة الملازمة... إلخ وذلك لتعدد المتعلق حينئذ وعدم كون المنقصة في نفس العبادة وانما هي فيما يلازمها خارجا فتأمل جيدا.
(قوله كما انقدح حال اجتماع الوجوب والاستحباب فيها... إلخ) أي في العبادة وتوضيح حال اجتماع الوجوب فيها مع الاستحباب أن تعلق الأمر الاستحبابي بما تعلق به الأمر الوجوبي على قسمين (فتارة) يتعلق بعين ما تعلق به الأمر الوجوبي وبذاته كما إذا أمر استحبابا بإتيان الفريضة في المسجد بحيث كان نفس الصلاة فيه مستحبة (وأخرى) يتعلق بعين ما تعلق به لكن لا بذاته بل علم أنه لأجل عنوان يتحد معه وجودا أو يلازمه خارجا على النحو المتقدم آنفا في القسم الأخير من العبادات المكروهة كما إذا أمر استحبابا بإتيان الفريضة في المسجد وعلم أنه لأجل عنوان يتحد مع الصلاة في المسجد وجودا أو يلازمها خارجا لا لأجل نفس الصلاة فيه بما هي هي وبذاتها ثم لا ثالث هنا للقسمين المذكورين كما سيأتي وجهه (وإذا عرفت هذين القسمين) فنقول (يمكن) أن يكون الأمر الاستحبابي المتعلق بالفريضة إرشادا إلى
81

أفضل الأفراد ويكون اسناد الأمر الاستحبابي إليها حقيقيا من غير فرق بين القول بجواز الاجتماع أو الامتناع وهذا معنى قول المصنف مطلقا على نحو الحقيقة... إلخ (ويمكن) أن يكون الأمر الاستحبابي مولويا اقتضائيا أي إنشائيا محضا لا فعليا من غير فرق بين القولين أيضا وهذا معنى قول المصنف ومولويا اقتضائيا كذلك... إلخ أي مطلقا على نحو الحقيقة (ويمكن) أن يكون مولويا فعليا إذا كان لأجل عنوان يلازم الصلاة وجودا غايته أنه قد أسند في لسان الدليل إلى الصلاة بالعرض والمجاز وهذا معنى قول المصنف وفعليا بالعرض والمجاز فيما كان ملاكه ملازمتها لما هو مستحب... إلخ (بل ويمكن) أن يكون مولويا فعليا حتى فيما إذا كان لأجل عنوان يتحد مع الصلاة وجودا لكن على القول بالجواز لأن المتعلق حينئذ متعدد فلا يلزم اجتماع الحكمين الفعليين في شيء واحد وهذا معنى قول المصنف أو متحد معه على القول بالجواز... إلخ.
(أقول) أما الجواز فلم نقل به وأما الإرشادية فقد عرفت حالها وأما تعلق الأمر الاستحبابي بالعبادة لا بذاتها بل لأجل عنوان يتحد معها وجودا أو يلازمها خارجا فهو على الظاهر مجرد تصوير لا وقوع له في الخارج (وعليه) فالصحيح في الجواب عن اجتماع الوجوب مع الاستحباب في العبادات أن يقال ان الفريضة في المسجد مثلا واجبة تخييرا ولذا صح أن يؤتى بها بداعي الوجوب إجماعا ومستحبة تعيينا لمزية فيها توجب علو شأنها وارتفاع قدرها بالنسبة إلى ساير الافراد فهي كالصلاة في الحمام طابق النعل بالنعل غير أن فيها قد اجتماع الوجوب التخييري مع الكراهة التعيينية وفي المقام قد اجتمع الوجوب التخييري مع الاستحباب التعييني ولا منافاة بين الحكمين كما لم تكن بين الوجوب التخييري والكراهة التعيينية فتدبر جيدا.
82

(قوله ولا يخفى انه لا يكاد يأتي القسم الأول هاهنا... إلخ) أي ولا يكاد يأتي القسم الأول من العبادات المكروهة وهو ما لا بدل له هاهنا أي في اجتماع الوجوب والاستحباب فان انطباق عنوان ذي مصلحة أهم على ترك صوم يوم العاشوراء أو ملازمته له وان صحح النهي هناك ولكن انطباق عنوان راجح في المقام على الفعل الذي لا بدل له كانطباق عنوان صوم أول الشهر مثلا على صوم شهر رمضان مما لا يصحح استحبابه ولو مجازا الا على القول بالجواز لتعدد الجهة حينئذ بل يؤكد إيجابه
وهكذا فيما إذا لازم العنوان الراجح الفعل الواجب فإنه ان لم يؤكد إيجابه لا يصحح استحبابه الا مجازا اقتضائيا أما مجازا فلكون المستحب هو الملازم وأما اقتضائيا فلئلا يلزم اختلاف المتلازمين في الحكم الفعلي.
(أقول) هاهنا قد التزم المصنف باقتضائية الاستحباب في الملازم لئلا يلزم اختلاف المتلازمين في الحكم الفعلي وهو حق فان الوجوب والاستحباب وان كانا مثبتين ولكن مع ذلك لا يمكن اتصاف أحد المتلازمين بالاستحباب الفعلي بحيث جاز تركه مع اتصاف الآخر بالوجوب الفعلي بحيث لم يجز تركه (ولكن) هذا مناف لما تقدم منه آنفا من قوله وفعليا بالعرض والمجاز فيما كان ملاكه ملازمتها لما هو مستحب... إلخ فان مقتضى قوله المتقدم جواز اختلاف المتلازمين في الحكم الفعلي واتصاف أحدهما بالوجوب الفعلي والآخر بالاستحباب الفعلي وهو كما ترى في غير محله.
83

في الدليل الثالث للمجوزين وجوابه
(قوله ومنها أن أهل العرف يعدون من أتى بالمأمور به في ضمن الفرد المحرم مطيعا وعاصيا من وجهين فإذا أمر المولى عبده بخياطة ثوب ونهاه عن لكون في مكان خاص... إلخ) هذا هو الدليل الثالث للمجوزين (قال) المحقق القمي أعلى الله مقامه الثالث أن السيد إذا أمر عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون في مكان مخصوص ثم خاطه في ذلك المكان فانا نقطع أنه مطيع عاص لجهتي الأمر بالخياطة والنهي عن الكون (انتهى).
(قوله وفيه مضافا إلى المناقشة في المثال بأنه ليس من باب الاجتماع... إلخ) ووجه المناقشة أن المنهي عنه في المثال المذكور هو الكون في مكان خاص والمأمور به هو الخياطة وهما لا يتحدان وجودا بحيث كان الشيء الواحد خياطة وكونا في المكان الخاص بل الخياطة في المكان الخاص مع الكون فيه متلازمان وجودا وليسا من قبيل الصلاة في الدار المغصوبة فان الحركات الخاصة فيها هي بنفسها صلاة وغصب وليس اتحاد الصلاة مع الغصب من ناحية اتحادها مع الكون الغصبي فان الكون ليس صلاة والصلاة ليست كونا وإذا نوقش في كون الحركات الخاصة صلاة بدعوى خروجها من اجزاء الصلاة وانما هي مقدمة للاجزاء فالسجود الذي هو عبارة عن وضع المساجد السبعة على الأرض هو بنفسه سجود وغصب وهكذا الركوع والقيام.
(وبالجملة) إن الخياطة أو الصلاة فعل من أفعال المكلف والكون في مكان خاص أي التحيز مما يلازمها خارجا فإذا أمر بالخياطة أو بالصلاة ونهى عن الكون في مكان خاص فخاط أو صلى فيه فتلك الخياطة أو الصلاة وان
84

لم تكن مأمورة بها بالأمر الفعلي المنجز من جهة ملازمتها للمحرم الفعلي المنجز ولا يمكن اختلاف المتلازمين في الحكم المنجز وان لم نقل بسراية الحكم من أحدهما إلى الآخر ولكنها صحيحة بمعنى حصول الغرض بها وسقوط الأمر لأجلها (أما في الخياطة) وأمثالها من التوصليات فواضح (وأما في الصلاة) وأمثالها من التعبديات فلوجود المناط فيها وعدم الحرمة إذ المفروض عدم سراية الحرمة من الملازم إلى الملازم فإذا لم تسر الحرمة كفى قهرا وجود الملاك في الصحة (بل لو اعتبر) قصد الأمر في صحة العبادات فالامر الترتبي على القول به مما يجدى في المقام فكما صح الأمر بالإزالة والأمر بالصلاة على تقدير عصيان الإزالة فكذلك صح في المقام النهي عن الكون في المكان الخاص والأمر بالصلاة فيه على تقدير العصيان بالكون فيه فكما لا يضر في الأول اختلاف المتلازمين في الحكم الشرعي لأجل الترتب على القول به فكذلك لا يضر في الثاني (ولو مثل) المجوز بدل الأمر بالخياطة والنهي عن الكون في مكان خاص بالأمر بالحديث والنهي عن الإيذاء بان قال مثلا حدث ولا تؤذ فحدثه بما آذاه كان سالما عن هذه المناقشة كلها فان الشيء الواحد هو حديث وإيذاء كما لا يخفى ولكنه مع ذلك لا يسلم عن الجواب الثاني الآتي فانتظر.
(قوله المنع الا عن صدق أحدهما... إلخ) هذا جواب ثاني عن الدليل الثالث للمجوزين وحاصله انا نمنع في المثال المذكور أن من خاط الثوب في المكان الخاص عد مطيعا وعاصيا من وجهين بل هو إما مطيع إذا كان مناط الأمر أقوى أو عاص إذا كان مناط النهي أقوى (وفيه) أن هذا التشقيق مما لا وجه له بل هو عاص غير مطيع لا محالة فان النهي مقدم على كل حال ولو كان مناط الأمر أقوى وذلك لكون النهي تعيينيا لا بدل له والأمر
85

تخييريا له البدل وقد عرفت أن ما لا بدل له مقدم على ماله البدل وإن كان ماله البدل أقوى مناطا نعم إذا كان التكليفان في المثال متساويين من حيث اللابدلية بان لم يتمكن من الخياطة إلا في ذلك المكان الخاص الذي نهى المولى عن الكون فيه فحينئذ تصل النوبة إلى الترجيح بأقوى المناطين وأغلبها وهذا واضح
(قوله نعم لا بأس بصدق الإطاعة بمعنى حصول الغرض... إلخ) وذلك لما عرفت غير مرة من أن التوصليات يحصل الغرض منها ويسقط أمرها ولو بفعل محرم كالسير إلى الحج مع الدابة المغصوبة.
(قوله إلا فيما صدر من المكلف فعلا غير محرم وغير مبغوض عليه كما تقدم... إلخ) أي تقدم في الأمر العاشر حيث عرفت هناك أنه تصح الصلاة في الغصب مع النسيان أو مع الجهل قصورا فان الفعل مع كونه حراما مبغوضا واقعا لا يكون محرما فعلا ولا مبغوضا على المكلف بمعنى عدم صدوره عنه مبعدا له كي ينافي العبادية والتقرب به إلى الله تعالى.
في القول بالجواز عقلا والامتناع عرفا وجوابه
(قوله بقي الكلام في حال التفصيل من بعض الأعلام والقول بالجواز عقلا والامتناع عرفا... إلخ) قد عرفت في الأمر الرابع أن التفصيل في المسألة وهو القول بالجواز عقلا والامتناع عرفا منسوب إلى الأردبيلي في شرح الإرشاد وأن المصنف جعله بمعنى كون الواحد بالنظر الدقيق العقلي اثنين وبالنظر المسامحي العرفي واحدا ذا وجهين (فيقول) ها هنا إنه لا وجه لهذا التفصيل إذ لا عبرة بالنظر المسامحي العرفي بعد الاطلاع على خلافه بالنظر الدقيق العقلي.
86

(قوله وقد عرفت فيما تقدم أن النزاع ليس في خصوص مدلول صيغة الأمر والنهي... إلخ) أي قد عرفت في الأمر الرابع أن النزاع في المسألة ليس في دلالة اللفظ
كي جاز أن يقال إن العرف هو المحكم في تعيين مداليل الألفاظ ولعل بين مدلول الأمر والنهي حسب تعيين العرف تناف لا يجتمعان في واحد بعنوانين وان جاز اجتماعهما عقلا.
في حكم الخروج عن الأرض الغصبي إذا توسطها بسوء الاختيار
(قوله وينبغي التنبيه على أمور الأول أن الاضطرار إلى ارتكاب الحرام... إلخ) وقبل الشروع في أصل المقصود من عقد هذا التنبيه يستفاد من عبارة المصنف فرعان:
(أحدهما) أنه إذا اضطر إلى الغصب لا بسوء الاختيار فالصلاة فيه مأمورة بها وذلك لزوال النهي عن الغصب بحدوث الاضطرار إليه فيبقى ملاك الوجوب الثابت في الصلاة مؤثرا في الوجوب فتكون الصلاة واجبة غير محرمة ولا تقاس بالصلاة في الغصب نسيانا أو جهلا قصورا فإنها وأن كانت صحيحة أيضا لوجود الملاك فيها وسقوط النهي المانع عن التقرب بها عن التنجز بسبب النسيان أو الجهل القصوري ولكنها لم تكن متعلقة للوجوب بل الوجوب كان متعلقا بغيرها من الأفراد الواقعة في غير الغصب بخلاف الصلاة في المقام فهي متعلقة للوجوب علاوة على سقوط نهيها عنها وذلك لفقد المندوحة والانحصار بها كما لا يخفى.
87

(أقول) نعم هي متعلقة للوجوب علاوة على سقوط نهيها عنها ولكنها ما لم تستلزم تصرفا زائدا في الغصب والا فلا وجوب لها بل تحرم وتبطل (وعليه) ففي الفرع المذكور لا بد من الركوع والسجود بالإيماء لا بغيره.
(ثانيهما) أنه إذا اضطر إلى الغصب بسوء الاختيار فالصلاة فيه غير مأمورة بها فان النهي عن الغصب وان كان ساقطا بعد الاضطرار ولكن الغصب حيث يصدر من المكلف مبغوضا عليه ومستحقا عليه العقاب لكونه بسوء الاختيار فلا يصلح لأن يتعلق به الإيجاب وان كان فيه ملاك الوجوب (وفيه ما لا يخفى) فان مجرد صدور الغصب من المكلف مبغوضا عليه ومستحقا عليه العقاب لكونه بسوء الاختيار مما لا يوجب عدم تعلق الإيجاب به فعلا إذا كان فيه ملاك الوجوب بعد سقوط النهي عنه الأجل الاضطرار إليه وانحصار الواجب به كما هو المفروض وفوت المصلحة لو لم يأت به بل لا بد وان يتعلق به الإيجاب فعلا إذا لم يستلزم تصرفا زائدا ثم يعاقبه المولى بعدا إن شاء لارتكابه الغصب بسوء الاختيار.
(قوله مع بقاء ملاك وجوبه لو كان مؤثرا له... إلخ) كلمة كان تامة لا خبر لها وكلمة مؤثرا ليست خبرا لها بل هي حال كما لا يخفى.
(قوله وانما الإشكال فيما إذا كان ما اضطر إليه بسوء اختياره مما ينحصر به التخلص عن محذور الحرام كالخروج عن الدار المغصوبة فيما إذا توسطها بالاختيار... إلخ) هذا شروع فيما هو المقصود من عقد هذا التنبيه الأول وهو أنه إذا توسط الأرض الغصبي بسوء الاختيار وتوقف التخلص منه على الخروج عنه فما حكم الخروج شرعا وقد اضطرب عبارات غير واحد من الأعلام في بيان ما هو المهم المبحوث عنه في المقام (والصحيح) في عنوانه
88

على نحو لا يختص بمثال دون مثال أن يقال إذا توقف الواجب الأهم على مقدمة محرمة وكان التوقف بسوء الاختيار كما إذا دخل الأرض الغصبي عصيانا وتوقف التخلص منه على الخروج منها أو ألقى نفسه متعمدا في مرض صعب توقف علاجه على شرب الخمر (فهل تحرم) المقدمة حينئذ كما في السابق (أو تجب) فعلا مقدمة للأهم مع جريان حكم المعصية عليها بمعنى استحقاق العقاب عليها لكونها منهية عنها بالنهي السابق الساقط فعلا بحدوث الاضطرار إليها (أو مع عدم جريان) حكم المعصية عليها (أو تحرم وتجب) بناء على جواز اجتماع الأمر والنهي بعنوانين بينهما عموم من وجه وأن المقام من هذا القبيل فالخروج مثلا بعنوان أنه غصب حرام وبعنوان أنه تخلص عن الغصب واجب (أو لا تحرم ولا تجب) مع جريان حكم المعصية عليها (فيه أقوال) خمسة:
(الأول) نسبة التقريرات إلى بعض الأفاضل في الإشارات.
(الثاني) مختار الفصول حاملا لما عزي إلى الفخر الرازي من القول بان المكلف مأمور بالخروج وحكم المعصية جار عليه على مختاره.
(الثالث) مختار التقريرات بنفسه مدعيا أنه نسبه بعضهم إلى قوم ومستظهرا له من العضدي والحاجبي حيث اقتصرا على كون الخروج مأمورا به فقط.
(الرابع) مختار المحقق القمي ناسبا له إلى أبي هاشم وأكثر أفاضل متأخرينا بل وظاهر الفقهاء.
(الخامس) مختار المصنف في الكتاب والفوائد جميعا.
(قوله والحق أنه منهي عنه بالنهي السابق الساقط بحدوث الاضطرار إليه وعصيان له بسوء الاختيار ولا يكاد يكون مأمورا به... إلخ) قد عرفت أن مختار المصنف هو القول الخامس في المسألة وهو القول بعدم وجوب
89

الخروج وعدم حرمته مع جريان حكم المعصية عليه فقد شارك الفصول في نفى الحرمة فعلا وفي جريان حكم المعصية عليه وخالفه في عدم كونه مأمورا به مقدمة للأهم وهو التخلص عن الغصب فمرجع مختاره إلى دعاوى ثلاثة نفى الحرمة فعلا وجريان حكم المعصية عليه ونفى الوجوب مقدمة (وقد استدل) لسقوط النهي فعلا بحدوث الاضطرار إليه وأشار إليه بقوله الساقط بحدوث الاضطرار إليه (واستدل لجريان) حكم المعصية عليه بما حاصله انه كان منهيا عنه في السابق وقد عصاه بسوء اختياره فإنه قبل الدخول في الأرض الغصبي كان مكلفا بترك الغصب بجميع أنحائه من الدخول والخروج والبقاء جميعا حيث كان قادرا على ترك الكل غايته أنه كان يقدر على ترك الدخول بترك نفسه وكان يقدر على ترك الخروج وترك البقاء بترك الدخول من أصله وقد عصى النهي بالنسبة إلى الخروج كما عصاه بالنسبة إلى الدخول فيستحق العقاب عليهما جميعا وقد أشار إلى ذلك بقوله وذلك ضرورة أنه حيث كان قادرا على الترك الحرام رأسا... إلخ (واستدل) لعدم وجوبه فعلا مقدمة للأهم بكون التوقف والانحصار بسوء الاختيار وقد أشار إلى ذلك بقوله ولا يكاد يجدى توقف انحصار التخلص عن الحرام به لكونه بسوء الاختيار... إلخ.
(أقول) إن المصنف وان أصاب في دعوى عدم الحرمة للخروج فعلا لسقوطها بحدوث الاضطرار إليه وهكذا في دعوى جريان حكم المعصية عليه لكونه منهيا عنه بالنهي السابق وقد عصاه بسوء الاختيار ولكن لم يصب في دعوى عدم كونه مأمورا به مع كونه مقدمة للواجب الأهم وهو التخلص عن الغصب فان مجرد كون التوقف والانحصار بسوء الاختيار مما لا يسوغ عدم ترشح الوجوب إليه غيريا بعد توقف الأهم عليه فعلا ما لم يرفع المولى يده عن الأهم أو نحن نرفع يدنا عن الملازمة التي ادعيناها في بحث مقدمة الواجب
90

وجوب ذي المقدمة ووجوب المقدمة (وعليه) فالحق في المقام هو ما ذهب إليه الفصول من القول بعدم حرمة الخروج فعلا وجريان حكم المعصية عليه مع الالتزام بوجوبه غيريا مقدمة للتخلص عن الغصب.
(قوله كما إذا لم يكن هناك توقف عليه... إلخ) أي على الخروج (قال في تعليقته على الكتاب) لدى التعليق على قوله هذا ما محصله أن الخروج ليس مقدمة لترك الكون في الغصب كي يجب غيريا بل هو مقدمة للكون في خارج الغصب وهو مع ترك الكون في الغصب متلازمان كما هو الشأن في كل ضد مع ترك ضده فالكون في خارج الغصب يجب بالعرض والمجاز من جهة ملازمته مع الواجب الواقعي لا حقيقة فيجب مقدمته أيضا كذلك أي بالعرض والمجاز لا حقيقة.
(أقول) إن الخروج وان كان مقدمة للكون في خارج الغصب كما ذكر المصنف ولكنه مقدمة أيضا لترك الكون في الغصب فان المفروض أن الكون في خارج الغصب وترك الكون في العصب متلازمان كل منهما في عرض الاخر فكما أن بالخروج يحصل الكون في خارج الغصب فكذلك به يحصل ترك الكون في الغصب في عرض واحد دفعة واحدة (وعليه) فوجوب الخروج غيريا انما هو لأجل مقدميته لترك الكون في الغصب لا لأجل مقدميته للكون في خارج الغصب كي يقال انه يجب بالعرض والمجاز لا حقيقة
(قوله وذلك ضرورة انه حيث كان قادرا على ترك الحرام رأسا... إلخ) قد أشرنا إلى أن قوله هذا دليل لجريان حكم المعصية على الخروج وهو دعواه الثانية من دعاويه الثلاثة المتقدمة.
(قوله ولا يكاد يجدى توقف انحصار التخلص عن الحرام به لكونه بسوء الاختيار... إلخ) قد أشرنا أيضا إلى أن قوله هذا دليل لعدم كون
91

الخروج مأمورا به وهو دعواه الثالثة من دعاويه الثلاثة وقد عرفت ضعف هذا الدليل فلا نعيد.
(قوله ان قلت كيف لا يجديه ومقدمة الواجب واجبة... إلخ) (وحاصل الإشكال) أنه كيف لا يجدى انحصار التخلص عن الحرام بالخروج في اتصافه بالوجوب الغيري إذا توسط الغصب بسوء الاختيار وقد حققنا أن مقدمة الواجب واجبة (وحاصل الجواب) بإسقاط الزوائد وحذفها أن الوجوب وان كان يترشح من الواجب إلى المقدمة ولو كانت محرمة مع الانحصار بها وكون الواجب أهم ولكن إذا لم يكن الانحصار بها بسوء الاختيار ومعه لا تتغير المقدمة عما هي عليه من الحرمة والمبغوضية ولا يكاد يترشح إليها الوجوب من ذي المقدمة والا لزم أن تكون حرمة المقدمة معلقة على إرادة المكلف واختياره فإذا اختار ترك الغصب بترك الدخول من أصله فالخروج كالدخول والبقاء حرام وإذا اختار الدخول بسوء الاختيار فالخروج غير محرم وهو كما ترى ضعيف (مضافا) إلى أن ذلك خلاف الفرض إذا المفروض أن الاضطرار كان بسوء الاختيار فلو كانت الحرمة معلقة على إرادة المكلف لم يكن ذلك بسوء الاختيار.
(أقول) أما عدم تغير الخروج عما هو عليه من المبغوضية لكونه غصبا وتصرفا في مال الغير بدون اذنه (فهو حق) ولكن يرد عليه أن ذلك مما لا ينافي الأمر به فرارا عن الأبغض كالأمر بالكل الميتة فرارا عن هلاك النفس (وأما عدم تغير الخروج) عما هو عليه من الحرمة فهو خلاف ما اعترف به قبلا من سقوط النهي السابق بحدوث الاضطرار إليه (وعليه) فتعليق الحرمة على إرادة المكلف مما يتوجه على كل حال سواء قلنا بوجوب الخروج مقدمة أم لم نقل (هذا) مضافا إلى أن تعليق الحرمة على إرادة المكلف
92

إذا كان بتغيير الموضوع وتبديله كما في المقام فهو مما لا محذور فيه فان الخروج قبل الدخول لم يكن مقدمة منحصرة وذلك لجواز ترك الغصب بترك الدخول من أصله فكان يحرم وبعد الدخول بسوء الاختيار تنحصر المقدمة به فلا يحرم بل يجب من باب المقدمة وان استحق العقاب عليه عقلا لكون الانحصار بسوء الاختيار.
(قوله وإطلاق الوجوب بحيث ربما يترشح منه الوجوب عليها... إلخ) قوله وإطلاق الوجوب ليس معطوفا على قوله في المقدمية والعبارة ليست كما تنبغي (وحاصلها) أن إطلاق وجوب ذي المقدمة على نحو يترشح منه الوجوب إلى المقدمة المحرمة مع الانحصار بها إنما هو فيما إذا كان الواجب أهم من ترك المقدمة المحرمة والمفروض في المقام وان كان ذلك إلا أن الانحصار حيث كان بسوء الاختيار فلا تتغير المقدمة عما كانت عليه من الحرمة والمبغوضية.
(قوله إن قلت إن التصرف في أرض الغير بدون إذنه بالدخول والبقاء حرام بلا إشكال ولا كلام وأما التصرف بالخروج الذي يترتب عليه رفع الظلم ويتوقف عليه التخلص عن التصرف الحرام فهو ليس بحرام في حال من الحالات... إلخ) المقصود من ذكر هذا الإشكال بطوله هو الإشارة إلى مختار صاحب التقريرات وهو القول الثالث في المسألة أي كون الخروج عن الغصب واجبا مع عدم جريان حكم المعصية عليه وان كان الدخول بسوء الاختيار كما هو مفروض البحث (قال في التقريرات) بعد ما نقل حجة الفصول على مختاره من كون الخروج مأمورا به مع جريان حكم النهي السابق عليه (ما هذا لفظه) أقول أما ما ذكر في الإحتجاج على كون الخروج مأمورا به مطابقا لما ذكرناه في الإحتجاج على المختار فهو كلام صحيح لا غبار عليه
93

بجميع جزئياته (إلى أن قال) وأما ما ذكره من جريان حكم النهي السابق على الخروج فيكون معصية بواسطة النهي فهو كلام مختل النظام أما أو لا فلان التصرف في مال الغير ليس من العناوين التي لا يتبدل حكمها بلحوق العناوين اللاحقة للأفعال ضرورة اتصافه بالوجوب عند لحوق عنوان حفظ النفس مثلا بالتصرف المذكور فيمكن أن
يلحق بالتصرف عنوان يكون ذلك العنوان مناطا لاختلاف حكم التصرف المذكور مثل كونه تخلصا عن الغصب على وجه الانحصار ولا شك أن موضوع التخلص عن الغصب مما لا يختلف حكمه بعد الدخول وقبله (إلى أن قال) فالغصب مبغوض دائما والتخلص مطلوب من غير فرق بين قبل الدخول وبعده (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (وحاصله) أن التصرف في مال الغير وان كان غصبا حراما ولكن التصرف الموجب للتخلص عن الغصب كالخروج منه واجب دائما ولا يعقل أن يكون حراما في حال من الأحوال كي يقال إنه كان منهيا عنه سابقا وقد عصاه بسوء اختياره فيجري عليه حكم المعصية من استحقاق العقاب عليه بل من الأول كان واجبا غير محرم نظير شرب الخمر المنجي من الهلكة فإنه واجب دائما ولا يتصف بالحرمة في وقت من الأوقات أصلا (ثم ان المصنف) لم يكتف بهذا كله في تقرير الإشكال بل أضاف إليه وجها آخر من عند نفسه تأييدا للتقريرات (وحاصله) أن الدخول بالنسبة إلى الخروج من قبيل الموضوع له فالخروج قبل الدخول لا يكاد يكون مقدورا للمكلف كي يمكن تعلق النهي به بل لا فعله مقدور له ولا تركه (أما فعله) فواضح فان من لم يدخل الغصب كيف يخرج منه (وأما تركه) فلعدم صدق ترك الخروج بترك الدخول رأسا فان من لم يخرج عن الغصب لعدم دخوله فيه لا يصدق عليه الا أنه لم يدخل الغصب لا أنه لم يخرج عنه الا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع
94

وهكذا من أنه لم بشرب الخمر في المهلكة لعدم وقوعه في المهلكة لا يصدق عليه الا أنه لم يقع في المهلكة لا أنه لم يشرب الخمر في المهلكة الا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع فمرجع هذا الوجه الثاني الذي أضافه المصنف من عند نفسه إلى دعويين.
(الأولى) عدم كون فعل الخروج مقدورا قبل الدخول.
(الثانية) عدم كون ترك الخروج مقدورا قبل الدخول.
(قوله وذلك لأنه لو لم يدخل لما كان متمكنا من الخروج وتركه... إلخ) إشارة إلى الوجه الثاني الذي قد أضافه المصنف من عند نفسه تأييدا للتقريرات وان كان في الظاهر بصورة التعليل لما سبق.
(قوله فمن لم يشرب الخمر لعدم وقوعه في المهلكة... إلخ) كان الصحيح أن يقول فمن لم يشرب الخمر في المهلكة لعدم وقوعه في المهلكة... إلخ فان شرب الخمر الذي موضوعه الوقوع في المهلكة هو خصوص شرب الخمر الذي في المهلكة لا مطلق شرب الخمر.
(قوله بملاحظة كونه مصداقا للتخلص عن الحرام أو سببا له... إلخ) الظاهر أن الأول بلحاظ ما سيأتي من المحقق القمي أعلى الله مقامه من كون التخلص عنوانا منطبقا على الخروج وأن الخروج من مصاديق التخلص بل ظهر ذلك من العبارة المتقدمة للتقريرات أيضا حيث قال مثل كونه تخلصا عن الغصب يعنى به الخروج والا فالمصنف هو ممن سيأتي تصريحه بكون الخروج سببا للتخلص ومقدمة له وأن التخلص مسبب عنه لا عنوان منطبق عليه فانتظر
(قوله قلت هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال على كون ما انحصر به التخلص مأمورا به وهو موافق لما أفاده شيخنا العلامة أعلى الله مقامه على ما في تقريرات بعض الأجلة... إلخ) كان اللازم أن يقول هذا
95

غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال على كون ما انحصر به التخلص مأمورا به مع عدم جريان حكم المعصية عليه... إلخ والا فالفصول أيضا ممن يدعى كون الخروج مأمورا به كما تقدم لك شرحه وبيانه مضافا إلى أن الوجه الثاني الذي قد أضافه المصنف من عند نفسه ليس هو من التقريرات أصلا فكيف صح له أن يقول وهو يعنى المجموع موافق لما أفاده شيخنا العلامة أعلى الله مقامه على ما في تقريرات بعض الأجلة... إلخ (وعلى كل حال) حاصل ما أجاب به المصنف أن التصرف الذي به يحصل التخلص عن الغصب أي الخروج وهكذا شرب الخمر في المهلكة انما يكون مطلوبا ومأمورا به شرعا من الأول من غير اختصاص له بحال دون حال إذا لم يكن التوقف والانحصار به بسوء الاختيار بان دخل الغصب ظلما وعدوانا فاضطر إلى الخروج ليخلص به من الغصب أو ألقى نفسه في المهلكة عمدا اختيارا فاضطر إلى شرب الخمر لينجو به من الهلكة وأما إذا كان بسوء الاختيار فهو من الأول كان منهيا عنه لا مأمورا به وان سقط نهيه فعلا بعد الاضطرار إليه وبقي استحقاق العقاب عليه عقلا.
(قوله ان ما به التخلص عن فعل الحرام أو ترك الواجب... إلخ) لا يبعد بمناسبة بعض عباراته المتقدمة أن يكون مقصوده من فعل الحرام هو الغصب ومن ترك الواجب هو ترك النجاة من الهلاك فالخروج من الغصبي يتخلص به من فعل الغصب وشرب الخمر في المهلكة يتخلص به من ترك النجاة من الهلاك.
(قوله ولم يقع بسوء اختياره اما في الاقتحام في ترك الواجب أو فعل الحرام وأما في الأقدام على ما هو قبيح وحرام لو لا به التخلص بلا كلام... إلخ) قد أشرنا آنفا أنه لا يبعد أن يكون مقصوده من ترك الواجب
96

هو ترك النجاة من الهلاك ومن فعل الحرام هو فعل الغصب (وعليه) فالمعنى يكون هكذا أي ولم يقع بسوء اختياره يعنى بإلقاء نفسه في المهلكة عمدا أو بدخوله في الغصب عدوانا بين أن يقتحم في ترك النجاة من الهلاك بترك الشرب أو في فعل الغصب بترك الخروج وبين أن يقدم على ما هو قبيح وحرام لو لا به التخلص يعنى به الشرب أو الخروج.
(قوله ضرورة تمكنه منه قبل اقتحامه فيه بسوء اختياره... إلخ) علة لتمكنه المستفاد من مفهوم قوله المتقدم إذا لم يتمكن المكلف من التخلص بدونه.
(قوله وبالجملة كان قبل ذلك متمكنا من التصرف خروجا... إلخ) هذا جواب عن الوجه الثاني الذي قد أضافه المصنف من عند نفسه تأييدا للتقريرات من عدم كون الخروج قبل الدخول مقدورا للمكلف لا فعله ولا تركه وقد عرفت أن مرجعه كان إلى دعويين.
(الأولى) عدم كون فعل الخروج مقدورا قبل الدخول.
(الثانية) عدم كون ترك الخروج مقدورا قبل الدخول فيجيب عنه هنا جوابا واحدا عن الدعوى الأولى وجوابين عن الدعوى الثانية.
(أما الجواب عن الدعوى الأولى) فحاصله أن الخروج قبل الدخول أمر مقدور للمكلف كالدخول بعينه غايته أن الدخول أمر مقدور له بلا واسطة والخروج مقدور له بواسطة الدخول ومجرد عدم القدرة على شيء الا بالواسطة مما لا يخرجه عن المقدورية له.
(وأما الجوابان عن الدعوى الثانية) وهي دعوى أن ترك الخروج لا يكون مقدورا قبل الدخول لعدم صدق تركه مع ترك الدخول الا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع (فحاصلهما) بمزيد توضيح منا أن الخروج
97

من الغصب وهكذا شرب الخمر في المهلكة ليس هو إلا نظير الأفعال التوليدية فيكون اختيار تركها بترك العمد إلى أسبابها ومقدماتها فكما أن من ترك الإحراق بترك الإلقاء في النار يصدق عليه أنه ترك الإحراق ولو بترك السبب له لا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع فكذلك من ترك الخروج من الغصب بترك الدخول فيه أو ترك شرب الخمر في المهلكة بترك إلقاء النفس فيها يصدق عليه أنه ترك الخروج من الغصب أو ترك شرب الخمر في المهلكة بترك المقدمة له لا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع إذ فرق عظيم بين الموضوع وبين المقدمة فان الموضوع هو المعروض للمسلوب كما في قولك زيد لم يكن قائما في الأزل فهذا هو السالبة بانتفاء الموضوع وأما المقدمة فهي عبارة عما يتوقف عليه وجود الشيء كالدخول بالنسبة إلى الخروج أو إلقاء النفس في المهلكة بالنسبة إلى شرب الخمر في المهلكة وليس هو معروضا للمسلوب أي للخروج أو للشرب (ولو سلم عدم صدق الترك هنا إلا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع فهو مع ذلك مما لا يضر بتمكنه من الترك عقلا بترك الموضوع من أصله كما يتمكن من الفعل بفعل الموضوع وإتيانه في الخارج ومن الواضح أن مجرد التمكن من الترك عقلا مما يكفى في صحة النهي عن الفعل وطلب تركه شرعا فتدبر جيدا
(قوله كذلك لم تكن مانعة عن مطلوبيته... إلخ) أي فكما لا تكون الفرعية مانعة عن مطلوبية ترك البقاء قبل الدخول وبعده كذلك لم تكن مانعة عن مطلوبية ترك الخروج لكن قبل الدخول لا بعده وذلك لما عرفت من سقوط النهي عنه فعلا بحدوث الاضطرار إليه.
(قوله وإن كان العقل يحكم بلزومه إرشادا إلى ما هو أهم وأولى بالرعاية من تركه... إلخ) أي وان كان العقل يحكم فعلا بلزوم الخروج إرشادا إلى ما هو أهم وهو التخلص عن الغصب.
98

(أقول) بل الشرع أيضا يحكم فعلا بلزوم الخروج غيريا مولويا كما عرفته منا وانما ذهب المصنف هنا إلى حكم العقل بلزومه إرشادا دون الشرع مولويا لما تقدم منه من عدم كون الخروج مأمورا به شرعا في نظره ولكن قد عرفت منا ضعفه ووهنه وان الحق تبعا للفصول هو كونه مأمورا به مع جريان حكم المعصية عليه (ثم ان في بعض النسخ) زيادة هنا وهي هكذا وان كان العقل يحكم بلزومه إرشادا إلى اختيار أقل المحذورين وأخف القبيحين ومن هنا ظهر حال شرب الخمر علاجا وتخلصا عن المهلكة وأنه انما يكون مطلوبا على كل حال لو لم يكن الاضطرار إليه بسوء الاختيار والا فهو على ما هو عليه من الحرمة وان كان العقل يلزمه إرشادا إلى ما هو أهم وأولى بالرعاية من تركه... إلخ.
(أقول) هذه الزيادة مما لا بأس به غير أنه يظهر منها أن شرب الخمر علاجا وتخلصا عن المهلكة حرام شرعا إذا كان الاضطرار إليه بسوء الاختيار وهو مع فساده في حد ذاته مما ينافي ما تقدم منه في الخروج من الغصب من التصريح بسقوط النهي عنه بحدوث الاضطرار إليه ولو كان بسوء الاختيار حيث (قال) والحق أنه منهي عنه بالنهي السابق الساقط بحدوث الاضطرار إليه وعصيان له بسوء الاختيار... إلخ ولعل من هنا قد أسقطوا الزيادة في طبع بغداد والله العالم.
(قوله فمن ترك الاقتحام فيما يؤدى إلى هلاك النفس أو شرب الخمر لئلا يقع في أشد المحذورين منهما... إلخ) أي في أشدهما محذورا وهو شروع في الجواب الأول عن الدعوى الثانية وقد عرفت منا شرحه وبيانه فلا نعيد.
(قوله كسائر الأفعال التوليدية... إلخ) كان اللازم أن يقول نظير
99

الأفعال التوليدية فان الخروج من الغصب وهكذا شرب الخمر في المهلكة ليس من الأفعال التوليدية بل المباشرية فلا تغفل.
(قوله ولو سلم عدم الصدق الا بنحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع... إلخ) شروع في الجواب الثاني عن الدعوى الثانية وقد عرفت منا تفصيله آنفا فلا نكرر.
(قوله ان قلت كيف يقع مثل الخروج والشرب ممنوعا عنه شرعا ومعاقبا عليه عقلا... إلخ) حاصل الإشكال أنه كيف يعقل أن يكون مثل الخروج عن الغصب أو شرب الخمر في المهلكة محرما شرعا ومعاقبا عليه عقلا فيما إذا كان الدخول أو الوقوع في المهلكة بسوء الاختيار مع بقاء ما يتوقف عليه وهو التخلص عن الغصب أو النجاة من المهلكة على وجوبه شرعا ووضوح سقوط الوجوب بامتناع المقدمة ولو شرعا لا عقلا (وحاصل الجواب) أن المقدمة وان كانت محرمة شرعا ولكنها ليست كالممتنع عقلا إذا كانت واجبة بحكم العقل إرشادا لئلا يقع في أشد المحذورين ومن المعلوم أن مع وجوبها العقلي لا بأس ببقاء ذي المقدمة على وجوبه الشرعي (ولو سلم ذلك أي أن المحرم شرعا كالممتنع عقلا فنلتزم بسقوط وجوب ذي المقدمة شرعا مع بقاء وجوب إتيانه عقلا خروجا عن عهدة ما تنجز عليه سابقا من النهي عن الغصب بتمام أنحائه وفرارا عن الوقوع في المحذور الأشد وهو البقاء في الغصب (أقول) والحق أن هذا الإشكال فاسد من أصله لا يحتاج إلى الجواب أصلا والحري كان أن يضرب عليه فإنه مع اعتراف المصنف قبلا بكون الخروج منهيا عنه في السابق وقد سقط نهيه بحدوث الاضطرار إليه لا يكاد يبقى مجال لهذا الإشكال من أنه كيف يكون مثل الخروج والشرب محرما شرعا مع بقاء ما يتوقف عليه على وجوبه (وأضعف منه) جوابه عنه من
100

التفكيك بين حكم الشرع وحكم العقل فالشرع يحرم الخروج والعقل يوجبه ويأمر به وهو غير معقول (وأضعف من الكل) جوابه الثاني من الالتزام بسقوط وجوب ذي المقدمة شرعا مع بقاء وجوبه عقلا فتأمل جيدا.
(قوله وإلزام العقل به لذلك إرشادا... إلخ) ليس الواو عطفا بل للاستئناف أي وإلزام العقل بالإتيان بذي المقدمة إرشادا لأجل الخروج عن عهدة ما تنجز عليه سابقا والفرار عن الوقوع في المحذور الأشد كاف لا حاجة معه إلى بقاء وجوبه شرعا.
(قوله وقد ظهر مما حققناه فساد القول بكونه مأمورا به مع إجراء حكم المعصية عليه... إلخ) شروع في الرد على الفصول القائل بكون الخروج مأمورا به مع إجراء حكم المعصية عليه لكونه منهيا عنه في السابق أي قبل الدخول وقد عصاه بسوء اختياره (ووجه الظهور) ما تقدم من المصنف في وجه عدم كونه مأمورا به من أن الخروج وإن كان مقدمة للواجب الأهم ولكن التوقف والانحصار به حيث كان بسوء الاختيار فلا يجب ولكن قد عرفت منا ضعفه بما لا مزيد عليه وان سوء الاختيار مما لا دخل له في نفى وجوبه غيريا بعد صيرورته مقدمة للواجب الأهم ما لم يرفع المولى يده عن الواجب الأهم أو نحن نرفع يدنا عن الملازمة التي ادعيناها في مقدمة الواجب بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته وأن الحق على هذا هو مع صاحب الفصول رحمه الله في كون الخروج مأمورا به مع جريان حكم المعصية عليه.
(قوله مع ما فيه من لزوم اتصاف فعل واحد بعنوان واحد بالوجوب والحرمة ولا يرتفع غائلته باختلاف زمان التحريم والإيجاب قبل الدخول أو بعده كما في الفصول مع اتحاد زمان الفعل... إلخ) هذا رد آخر على الفصول غير ما أشير إليه آنفا وقبل توضيحه لا بأس بذكر جملة من عبائر
101

الفصول مما يناسب المقام ثم الشروع في النقض والإبرام بما يتضح به المرام فنقول (قال) في جملة ما أفاده هنا (ما هذا لفظه) لا يقال لو صح ذلك لزم أن يكون الخروج طاعة وعصيانا وهو محال لأن الطاعة والعصيان أمر ان متنافيان بالضرورة فيمتنع استنادهما إلى شيء واحدا أو تواردهما على محل واحد لأنا نقول ان أريد أن الطاعة والعصيان متنافيان من حيث نفسيهما فممنوع لأن معناهما موافقة الطلب ومخالفته ولا منافاة بينهما مع تعدد الطلب وان أريد انهما متنافيان من حيث ما أضيفا إليه من الأمر والنهي فممنوع أيضا لأنهما انما يتنافيان إذا اجتمعا في الزمان كما هو شأن التضاد وقد بينهما أن زمن الأمر غير زمن النهي (إلى أن قال) فيكون للخروج بالقياس إلى ما قبل الدخول وما بعده حكمان متضادان أحدهما مطلق وهو النهي عن الخروج والآخر مشروط بالدخول وهو الأمر به وهما غير مجتمعين فيه ليلزم الجمع بين الضدين بل يتصف بكل في زمان (انتهى موضع الحاجة من كلامه) رفع مقامه (فيقول المصنف) في رده إنه لو قلنا بكون الخروج مأمورا به مع إجراء حكم المعصية عليه للنهي السابق لزم أن يكون الخروج مع وحدة عنوانه حراما وواجبا (وما تشبث به الفصول) في دفع التضاد باختلاف زمان الحرمة والوجوب وان الحرمة كانت في السابق والأمر به يكون في اللاحق (مما لا يجدى) مع اتحاد زمان الفعل وموطنه إذ لا إشكال في أن الخروج موطنه هو بعد الدخول فمعنى حرمته قبلا أنه يحرم الخروج بعد الدخول فإذا فرض أنه بمجرد تحقق الدخول في الخارج يجب الخروج غيريا لزم التضاد لوحدة زمان الفعل نظير قولك في يوم الأربعاء أكرم زيدا يوم الجمعة وقولك في يوم الخميس لا تكرم زيدا يوم الجمعة فهما متناقضان من حيث وحدة زمان الفعل وان كان زمان الإيجاب والتحريم متعددا فالمجدي لدفع التناقض هو
102

تعدد زمان الفعل كما في قولك أكرم زيدا يوم الجمعة ولا تكرم زيدا يوم السبت وان كان زمان الحكمين واحدا لا تعدد زمان الإيجاب والتحريم مع وحدة زمان الفعل (كما أن ما تشبث به الفصول) أخيرا من كون النهي مطلقا والأمر مشروطا بالدخول (مما لا يجدى أيضا) فان حرمة الشيء على نحو الإطلاق إلى الآخر والوجوب في بعض الأحوال متنافيان جدا.
(أقول) ان المصنف كما تقدم قبلا وان لم يلتزم بكون الخروج بعد الدخول واجبا ولكن قد التزم بكونه منهيا عنه في السابق قبل الدخول وأنه بالدخول يسقط نهيه لحدوث الاضطرار إليه (وعليه) فيتوجه إليه الإشكال مثل ما يتوجه إلى الفصول عينا غايته أنه يتوجه إلى الفصول لزوم اتصاف الخروج بالحرمة والوجوب مع اتحاد زمان الفعل ويتوجه إلى المصنف لزوم اتصاف الخروج بالحرمة وعدم الحرمة مع اتحاد زمان الفعل ومن المعلوم أنه كما تكون الحرمة والوجوب متضادين لا يجتمعان فكذلك تكون الحرمة وعدم الحرمة متناقضين لا يجتمعان (هذا مضافا) إلى أنه لا محذور عقلا في اتصاف شيء واحد بالوجوب والحرمة مع اختلاف زمانهما واتحاد زمان الفعل فان المستحيل عقلا هو اتصاف شيء واحد بالوجوب والحرمة مع اتحاد زمان الحكمين واتحاد زمان الفعل جميعا وأما مع اختلاف زمان الإيجاب والحرمة واتحاد زمان الفعل بان يقول المولى في يوم الأربعاء لا تكرم زيدا يوم الجمعة وبعد مجيء يوم الخميس يقول أكرم زيدا يوم الجمعة فلا محذور فيه أبدا بل يكون من قبيل النسخ والبداء غايته أن هذا النحو من التحريم والإيجاب يحتاج إلى داع عقلائي وحكمة عقلائية وهي موجودة في المقام لأن الخروج من الغصب فيه مفسدة الغصب وفيه مصلحة التخلص فالمولى من قبل الدخول في الغصب يطلب منه ترك الخروج ولو بترك الدخول من أصله فإذا ترك الدخول
103

سلم من المفسدة ولا يفوته المصلحة وهو التخلص لأنها حاصلة بنفسها وبعد تحقق الدخول في الغصب يرفع المولى يده عن النهي ويأمر بالخروج مع ما فيه من المفسدة نظرا إلى ما فيه من المصلحة الغالبة وهي التخلص عن الغصب وهكذا الأمر في شرب الخمر في المهلكة حرفا بحرف فيطلب منه أو لا تركه بترك الوقوع في المهلكة وبعد الوقوع فيها يأمر بفعله لما فيه من المصلحة الغالبة فتدبر جيدا فان المقام لا يخلو عن دقة.
(قوله كيف ولازمه وقوع الخروج بعد الدخول عصيانا للنهي السابق وإطاعة للأمر اللاحق فعلا... إلخ) قد عرفت الجواب عن هذا الإشكال من نفس كلام الفصول فان التنافي في كون الخروج إطاعة وعصيانا ان كان من حيث نفس الطاعة والعصيان فهذا ممنوع لكون الخروج إطاعة لطلب وعصيانا لطلب آخر وان كان التنافي من حيث ما أضيفا إليه من الأمر والنهي فقد عرفت أنه لا تنافي بينهما بعد اختلافهما زمانا وان اتحد زمان الفعل وموطنه بالتقريب الذي قد عرفته منا آنفا.
(نعم) لم يكف تقريب الفصول بنفسه في تصحيحهما وفي دفع التنافي بينهما (بل) لم يصح دعواه الأخيرة من كون النهي مطلقا والأمر مشروطا فان النهي أمده إلى أن يتحقق الدخول في الخارج لا إلى الآخر والأمر يحدث بعد الدخول.
(قوله ومبغوضا ومحبوبا كذلك... إلخ) أي فعلا وفيه عدم لزوم ذلك فان الخروج فعلا أي بعد الدخول باق على ما كان عليه من المبغوضية السابقة لاشتماله على
مفسدة الغصب ولكن المولى انما يأمر به فعلا فرارا عما هو أبغض وأشد وهو البقاء في الغصب نظير أمره بأكل الميتة عند الاضطرار إليه فرارا عما هو أبغض وأشد محذورا وهو هلاك النفس.
104

(قوله وأما القول بكونه مأمورا به ومنهيا عنه... إلخ) وهو القول الرابع في المسألة وقد عرفت أنه مختار المحقق القمي رحمه الله وأنه نسبه إلى أبي هاشم وأكثر أفاضل متأخرينا بل وظاهر الفقهاء (وقد رد عليه المصنف) ها هنا من قبل أن يذكر دليله الذي استدل به وكان الأولى عكس ذلك فهو من قبيل الشرح قبل المتن (وعلى كل حال) قد استدل المحقق القمي لمختاره بعبارات طويلة مضطربة غير وافية بمقصوده وقد لخصها التقريرات بعبارة مختصرة وافية (قال أعلى الله مقامه) حجة القول بكونه مأمورا به ومنهيا عنه هو أن المقتضى وهو إطلاق الأدلة الدالة على حرمة الغصب ووجوب التخلص موجود ولا مانع منه لأن المانع اما اجتماع الضدين أو التكليف بما لا يطاق وشئ منهما لا يصلح لذلك أما الأول فلما عرفت من إجداء تعدد الجهتين في اجتماعهما وأما الثاني فلأنه لا نسلم بطلان التكليف بما لا يطاق فيما إذا كان المكلف سببا له فان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار (انتهى) وحاصله أن الخروج من الغصب هو من صغريات مسألة الاجتماع وقد اخترنا فيها الجواز فالخروج بعنوان أنه غصب حرام وبعنوان أنه تخلص واجب والمندوحة وان اعتبرناها هناك حذرا عن لزوم التكليف بما لا يطاق ولكنها لا تعتبر في المقام لكون الانحصار بسوء الاختيار والامتناع بالاختيار مما لا ينافي الاختيار.
(نعم) المحقق المذكور لم يصرح في كلامه بلفظ أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ولكنه قد أفاد ما يؤدى ذلك عينا (قال) وأما فيما نحن فيه فإنه وإن كان يلزم تكليف ما لا يطاق أيضا ولكن لا دليل على استحالته إن كان الموجب هو سوء اختيار المكلف كما يظهر من الفقهاء في كون المستطيع مكلفا بالحج إذا أخره اختيارا وان فات استطاعته (انتهى كلامه) هذا كله
105

حاصل الاستدلال (وأما الجواب عنه) فالحق أن يقال.
(أولا) إن الخروج وإن كان غصبا ولكنه ليس تخلصا عن الغصب بل به يحصل التخلص عن الغصب فهو مقدمة له وسبب له والمحقق المذكور ممن لا يقول بوجوب المقدمة كي يجتمع في الخروج النهي النفسي والأمر الغيري وتوضيحه أن الخروج كما أشير قبلا في صدر البحث في ذيل التعليق على قول المصنف كما إذا لم يكن هناك توقف عليه... إلخ مقدمة للكون في خارج الغصب وترك الكون في الغصب فان الكون في خارجة وترك الكون في داخله متلازمان في عرض واحد فإذا كان مقدمة لأحدهما كان مقدمة للآخر أيضا (ثم ان) التخلص هو عنوان وجودي منتزع عن خصوص ترك الكون في الغصب منطبق عليه انطباق عنوان الصوم على تروك خاصة وليس التخلص هو عنوان منطبق على نفس الخروج الذي هو مقدمة له.
(وثانيا) لو سلم أن الخروج بنفسه تخلص عن الغصب فليست النسبة بين العنوانين المنطبقين على الخروج من الغصب والتخلص عموما من وجه بل عموم مطلق فان كل تخلص عن الغصب غصب ولا عكس والمحقق المذكور وإن حاول إثبات كون النسبة بينهما عموما من وجه بدعوى إمكان التخلص بوجه آخر غير الخروج الغصبي بان يحمله غير الغاصب ويخرجه من دون اختياره ولكنه ضعيف فإنه مضافا إلى أن ذلك انما يتم إذا لم يكن الفضاء غصبيا وإلا فخروجه محمولا على الغير أيضا غصب أن مفروض البحث هو انحصار التخلص عن الغصب بالخروج الغصبي المحرم لا بغيره مما ليس بغصب.
(وثالثا) لو سلم كون الخروج ذات عنوانين بينهما عموم من وجه فنحن قد أثبتنا الامتناع في مسألة الاجتماع ومعه لا يكاد يبقى مجال لدعوى الجواز أصلا.
106

(ورابعا) لو سلم الجواز في مسألة الاجتماع ففي المقام لا نقول به لانتفاء المندوحة فإنها كما تقدم قبلا وإن لم تعتبر هي فيما هو المهم المبحوث عنه من استحالة الاجتماع وعدمها استنادا إلى وحده المتعلق أو تعدده ولكن قد قلنا أنه على الجواز وفعلية كلا الحكمين لا بد من وجود المندوحة وتمكن المكلف من التفكيك بين التكليفين في مقام الامتثال كي لا يلزم التكليف بالمحال أي بغير المقدور (وأما ما قيل) من أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار (فهو كلام) في قبال الأشاعرة المدعين لكون الأفعال غير اختيارية نظرا إلى أن الشيء ما لم يجب من ناحية العلة لم يوجد فإذا وجب خرج عن تحت الاختيار فيقال لهم إن خروج الشيء عن تحت الاختيار بإيجاد العلة له هو مما لا ينافي الاختيار من جهة انتهائه بالأخرة إلى ما بالاختيار وليس المقصود من ذلك أن الشيء بعد أن امتنع ولو بسوء الاختيار صح أن يتعلق به التكليف فعلا فإنه غير معقول (وأما حكم الفقهاء) بوجوب الحج على من زالت استطاعته فهو في صورة بقاء القدرة العقلية عليه بان تمكن من الحج متسكعا لا مطلقا حتى مع زوال القدرة العقلية رأسا (ثم ان) جميع ما تقدم من أول بحث الخروج إلى هنا كان تفصيل الكلام في قول التقريرات وقول الفصول وقول المحقق القمي وقول المصنف وبقي في المقام قول واحد وهو القول الأول في المسألة من كون الخروج منهيا عنه كما في السابق مع عدم كونه مأمورا به (وقد احتج) القائل به على ما في التقريرات بأنه تصرف في ملك الغير وهو غصب عند عدم الاذن وهو منهي عنه وبان الواجب هو عدم التصرف والخروج انما هو مقدمة له فهي ليست بواجبة.
(أقول) وضعف هذا القول يظهر من جميع ما تقدم إلى هنا فإنه مع حدوث الاضطرار إلى الخروج ولو كان بسوء الاختيار لا يكاد يعقل بقاء
107

النهي على حاله وأما دعوى عدم كون المقدمة واجبة فقد عرفت ضعفها في بحث المقدمة بما لا مزيد عليه فلا نعيد.
(قوله ففيه مضافا إلى ما عرفت من امتناع الاجتماع... إلخ) إشارة إلى الجواب الثالث من الأجوبة المتقدمة.
(قوله فضلا عما إذا كان بعنوان واحد كما في المقام حيث كان الخروج بعنوانه سببا للتخلص... إلخ) إشارة إلى الجواب الأول من الأجوبة المتقدمة وليس في كلام المصنف من الجواب الثاني عين ولا أثر.
(قوله عن ترك الحرام المسبب عن الخروج... إلخ) المصنف بمقتضى قوله هذا يعترف ويصرح بان الخروج سبب ومقدمة لترك الكون في الغصب ولكن سبق منه
تعليقة على قوله المتقدم في صدر البحث كما إذا لم يكن هناك توقف عليه... إلخ قد أنكر فيها مقدمية الخروج لترك الكون في الغصب وإنما هو مقدمة للكون في خارج الغصب ونحن قد ضعفناه بان الكون في خارج الغصب وترك الكون في داخله متلازمان في عرض واحد فإذا كان مقدمة لأحدهما كان مقدمة للآخر أيضا وهاهنا أيضا له تعليقة على قوله هذا يكرر فيها كلامه المتقدم في تعليقته السابقة ولكنك بعد ما عرفت منا ضعفه جدا فلا يكاد ينفعه التكرار ولو كان مرارا عديدة.
(قوله أن الاجتماع هاهنا لو سلم أنه لا يكون بمحال لتعدد العنوان وكونه مجديا في رفع غائلة التضاد كان محالا لأجل كونه طلب المحال حيث لا مندوحة هنا... إلخ) هذا شروع في الجواب الرابع من الأجوبة المتقدمة وقد عرفت أنه أبسطها وأقواها.
(قوله وذلك لما عرفت من ثبوت الموجب للتقييد عقلا... إلخ) فإنه بعد ما ثبت الامتناع عقلا وجب تقييد أحد الحكمين لا محالة فان قلنا
108

بالتعارض وجب إخراج المجمع عن تحت أحد الحكمين رأسا فيكون بمنزلة التخصيص العرفي كما في العام والخاص وان قلنا بالتزاحم كما اخترنا ذلك وتقدم شرحه وجب إسقاط أحد الحكمين عن التنجز فقط فيكون التخصيص عقليا ناشئا عن تقديم أحد الحكمين بإحدى مرجحات باب التزاحم وسيأتي تصريح المصنف بان وزان التخصيص في المقام وزان التخصيص العقلي الناشئ من جهة تقديم أحد المقتضيين وتأثيره فانتظر يسيرا.
في ثمرة بحث الخروج عن الأرض الغصبي
(قوله ثم لا يخفى انه لا إشكال في صحة الصلاة مطلقا في الدار المغصوبة على القول بالاجتماع... إلخ) هذا شروع في ثمرة بحث الخروج عن الأرض الغصبي إذا توسطها بسوء الاختيار ولكن قد ذكر المصنف في المقام فروعا عديدة تظهر الثمرة في الفرع الثالث منها والظاهر أن المراد من قوله مطلقا أنه تصح الصلاة في الدار المغصوبة على القول بالاجتماع على كل حال من غير فرق بين كونها مع الاضطرار إلى الغصب أم لا كان الاضطرار إليه بسوء الاختيار أم بغير سوء الاختيار كانت الصلاة في حال الخروج أو في حال الدخول أو في حال البقاء ففي جميع هذه الصور كلها تصح الصلاة في الغصب على القول بجواز الاجتماع وتعدد المتعلق وعدم سراية كل من الأمر والنهي إلى متعلق الآخر وان كان المصلى آثما في بعض الصور.
(أقول) أما صحة الصلاة في المغصوبة على القول بالاجتماع لا مع الاضطرار إلى الغصب فواضح (وأما مع الاضطرار بسوء الاختيار) فلان المجوز وإن اعتبر المندوحة في فعلية الحكمين ولا مندوحة في هذا الفرض
109

ولكن صرح المحقق القمي في محكي كلامه المتقدم بعدم بطلان التكليف بما لا يطاق إذا كان المكلف هو السبب لتوجهه إليه مستدلا بان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار (وأما إذا كان الاضطرار لا بسوء الاختيار) فلا محالة يلتزم بسقوط النهي حينئذ وبقاء الأمر فتصح العبادة قهرا.
(قوله وأما على القول بالامتناع فكذلك مع الاضطرار إلى الغصب لا بسوء الاختيار... إلخ) نعم تصح الصلاة في الغصب مع الاضطرار إليه لا بسوء الاختيار لكن على نحو لا تستلزم تصرفا زائدا كما أشير قبلا (وعليه) فلا يركع ولا يسجد إلا بالإيماء ومنه يظهر عدم جواز البدار حينئذ إلا مع اليأس عن طرو الاختيار والله العالم.
(قوله أو معه ولكنها وقعت في حال الخروج على القول بكونه مأمورا به بدون إجراء حكم المعصية عليه... إلخ) هذا هو الفرع الثالث الذي تظهر فيه ثمرة بحث الخروج عن الأرض الغصبي فبعد القول بالامتناع والاضطرار إلى الغصب بسوء الاختيار (ان قلنا) أن الخروج مأمور به بدون أن يجري عليه حكم المعصية كما اختاره التقريرات فتصح الصلاة حينئذ في حال الخروج والا فلا تصح سواء قلنا بكون الخروج منهيا عنه فعلا كما في السابق أو قلنا بكونه مأمورا به مع جريان حكم المعصية عليه أو لا منهيا عنه فعلا ولا مأمورا به مع جريان حكم المعصية عليه (وقد أشار التقريرات) إلى هذه الثمرة فقال (ما لفظه) والأقوى كونه يعنى الخروج مأمورا به فقط ولا يكون منهيا عنه (إلى أن قال) ولعله ظاهر الفقهاء حيث حكموا بصحة الصلاة في حال الخروج (انتهى) فاستكشف رحمه الله من حكمهم بصحة الصلاة في حال الخروج كون الخروج مأمورا به عندهم من دون إجراء حكم المعصية عليه.
(أقول) لا إشكال في صحة الصلاة المندوبة في حال الخروج على
110

القول نظرا إلى كفاية الإيماء فيها في حال المشي بدلا عن الركوع والسجود حتى في حال الاختيار ولا يعتبر فيها الاستقرار ولا الاستقبال (وأما الصلاة الفريضة) فلا بد من فرض ضيق الوقت فيها على نحو لا يتمكن من إيقاع الصلاة في خارج الغصب مع الركوع والسجود والاستقرار والاستقبال والا فلا تصح وإذا فرض ضيق الوقت بالنسبة إلى الفريضة حتى جاز الإتيان بها في حال الخروج مؤميا الركوع والسجود بلا رعاية للاستقرار والاستقبال فلا فرق حينئذ بين القول بإجراء حكم المعصية عليه أم لا وذلك لما عرفت منا في صدر البحث من أنه إذا اضطر إلى الصلاة في الغصب صحت الصلاة فيه إذا لم تستلزم تصرفا زائدا بل هي مأمورة بها ولو كان الاضطرار إليها بسوء الاختيار واستحق عليها العقاب بعدا فراجع.
(قوله أو مع غلبة ملاك الأمر على النهي مع ضيق الوقت أما مع الحسنة فالصحة وعدمها مبنيان على عدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضد واقتضائه... إلخ) عطف على قوله مع الاضطرار إلى الغصب لا بسوء الاختيار والمعنى هكذا وأما على القول بالامتناع فكذلك لا إشكال في صحة الصلاة في الدار المغصوبة مع الاضطرار إلى الغصب لا بسوء الاختيار أو مع غلبة ملاك الأمر على النهي لكن في ضيق الوقت وأما مع السعة والتمكن من إتيان الصلاة في غير الغصب فصحتها مبتنية على عدم اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده الخاص والا فلا تصح نظرا إلى أن الأمر في الصورة المفروضة يتعلق بالصلاة في خارج الغصب لخلوها عن المنقصة والصلاة في الغصب مما يضادها ويعاندها بناء على أنه لا يبقى مع أحدهما مجال للأخرى كما صرح في المتن فتقع الصلاة في الغصب منهية عنها فتفسد.
(أقول) إذا فرض عدم تعلق الأمر بالصلاة في الغصب مع غلبة ملاك
111

الأمر الا مع الضيق دون السعة فالأمر المتعلق بالصلاة في خارج الغصب عند السعة أمر موسع والأمر الموسع على القول بالاقتضاء لا يقتضى الا النهي الموسع والنهي الموسع مما لا يوجب الفساد كما تقدم تحقيقه في صدر مسألة الضد ما لم يتضيق الأمر فيقتضى النهي المضيق فيوجب الفساد.
(قوله فالصلاة في الغصب اختيارا في سعة الوقت صحيحة... إلخ) تفريع على عدم الاقتضاء أي وعليه فالصلاة في الغصب اختيارا في سعة الوقت صحيحة مع غلبة ملاك الأمر على النهي كما هو المفروض في الفرع الأخير فلا تغفل.
(قوله وان لم تكن مأمورا بها... إلخ) بل وتكون مأمورة بها أيضا على القول بالترتب كما هو الأصح على ما حققناه.
(قوله الأمر الثاني قد مر في بعض المقدمات أنه لا تعارض بين مثل خطاب صل ولا تغصب على الامتناع... إلخ) قد مر ذلك في الأمر الثامن حيث قال فيه أنه لا يكاد يكون من باب الاجتماع الا إذا كان في كل واحد من متعلقي الإيجاب والتحريم مناط حكمه مطلقا حتى في مورد التصادق والاجتماع (إلى أن قال) وأما إذا لم يكن المتعلقين مناط كذلك فلا يكون من هذا الباب (إلى أن قال) فالروايتان الدالتان على الحكمين متعارضتان إذا أحرز أن المناط من قبيل الثاني (إلى أن قال) والا فلا تعارض في البين بل كان من باب التزاحم بين المقتضيين فربما كان الترجيح مع ما هو أضعف دليلا لكونه أقوى مناطا فلا مجال حينئذ لملاحظة مرجحات الروايات أصلا بل لا بد من مرجحات المقتضيات المتزاحمات... إلخ (ثم ان المقصود) من صدر هذا التنبيه كما تقدم في الأمر الثامن هو بيان أنه إذا أحرز المناطات في المجمع وكان على الامتناع من صغريات باب التزاحم فكيف يصنع به وما حكم
112

التزاحم بين المقتضيين وقد عبرنا نحن عن ذلك فيما تقدم بالمقام الثالث واستقصينا الكلام فيه بقدر الحاجة فتذكر ولا نعيد.
(قوله ثم لا يخفى ان ترجيح أحد الدليلين وتخصيص الآخر به في المسألة لا يوجب خروج مورد الاجتماع عن تحت الآخر رأسا... إلخ) رد على التقريرات على ما يظهر من الفوائد (قال في التقريرات) وأما الترجيح بحسب الدلالة فقيل أنه مرعي في المقام حيث أنه يحكم بتقديم النهي في مورد الاجتماع لأن دلالة الأمر على مطلوبية محل الاجتماع بالإطلاق ودلالة النهي على مبغوضيته بالعموم ولا شك أن العام أظهر من المطلق في استيعابه لافراده ويمكن أن يقال إن ملاحظة الترجيح في الدلالة يوجب المصير إلى أن مورد الاجتماع خارج عن المطلوب بجميع أحواله وأطواره وهو يوجب فساد المورد بواسطة ارتفاع المطلوبية والأمر ولو حال الغفلة عن الحرمة وقد عرفت أن المانعين لا يلتزمون به (انتهى) فيقول المصنف إن ترجيح أحد الدليلين في المسألة مما لا يوجب خروج المجمع عن تحت الآخر رأسا كما هو مقتضى التقييد والتخصيص بل يوجب خروجه عن تحت فعلية الآخر وتنجزه مع محفوظية مرتبة الإنشاء وإحراز الملاك فيه بوسيلتها وعليه فإذا وقعت الصلاة في الغصب لاضطرار أو جهل أو نسيان وقد زال النهي عن التنجز والتأثير في البطلان أثر لا محالة ملاك الأمر الموجود فيها في الصحة ولا تفسد.
(أقول) نعم ترجيح أحد الدليلين في المسألة مما لا يوجب خروج المجمع عن تحت الآخر رأسا كما ذكر المصنف ولكن هذا إذا كان ترجيحه بمرجحات باب التزاحم لا ترجيحه بأقوائية الدلالة كما هو مقصود التقريرات والا فالترجيح بها مما يوجب لا محالة خروج المجمع عن تحت الآخر رأسا
113

فلا يبقى وجه للصحة في حال الغفلة عن الحرمة أصلا فاللازم في قبال الكلام المذكور للتقريرات هو منع الصغرى وعدم تسليم كون أحد الدليلين في المسألة أقوى دلالة كما سيأتي بل منع كون المسألة من باب التعارض كي تصل النوبة إلى الترجيح الدلالي بل هي من باب التزاحم كما عرفت تفصيله في الأمر الثامن لا منع الكبرى أي منع كون ترجيح أحد الدليلين في الدلالة موجبا لخروج المجمع عن تحت الآخر رأسا فافهم جيدا.
(قوله بل قضيته ليس إلا خروجه فيما كان الحكم الذي هو مفاد الآخر فعليا... إلخ) كان الصحيح أن يقول بل قضيته ليس إلا خروجه عن فعلية الحكم الذي هو مفاد الآخر.
(قوله أو لم يكن واحد من الدليلين دالا على الفعلية أصلا... إلخ) فان الصلاة في هذا الفرض صحيحة أيضا لعدم فعلية النهي وتنجزه كي يمنع عن الصحة وينافى القربة ولكن تقدم منا في المقام الثاني من المقامات المتقدمة في الأمر الثامن أن الدليلين دائما بصدد الحكم الفعلي فلا معنى لكون أحدهما بصدد الحكم الاقتضائي فضلا عن أن يكون كلاهما كذلك.
(قوله كما هو الحال فيما إذا كان الخطابات من أول الأمر متعارضين ولم يكونا من باب الاجتماع أصلا... إلخ) أي كما هو الحال من حيث الإشكال في صحة الصلاة لا من حيث فساد الإشكال فلا تشتبه.
(قوله وذلك لثبوت المقتضى في هذا الباب... إلخ) علة لفساد الإشكال في صحة الصلاة في صورة الجهل أو النسيان ونحوهما.
(قوله كما إذا لم يقع بينهما تعارض ولم يكونا متكفلين للحكم الفعلي... إلخ) بل ولو كانا متكفلين للحكم الفعلي فإنه قد وفق بين الفعليين في الأمر التاسع بحملهما على الاقتضائي لو لم يكن أحدهما أظهر وإلا فخصوص الظاهر
114

وقد عامل معهما في المقام معاملة المتزاحمين حيث حكم بتقديم الأقوى منهما دلالة أو سندا وبطريق الإن أحرز أن مدلوله أقوى مقتضيا من الآخر.
(قوله وزان التخصيص العقلي... إلخ) الفرق بين التخصيص العقلي والتخصيص العرفي أن التخصيص العرفي كما في العام والخاص هو مما ينقطع به الحكم من أصله والتخصيص العقلي كما في المتزاحمين هو مما ينقطع به الحكم عن المرتبة الفعلية والتنجز مع بقاء مرتبة الإنشاء على حالها.
(قوله المقتضى لصحة مورد الاجتماع مع الأمر أو بدونه فيما كان هناك مانع عن تأثير المقتضى للنهي له أو عن فعليته... إلخ) (أما قوله) المقتضى لصحة مورد الاجتماع فهو صفة للتخصيص العقلي (وأما الترديد) في صحة مورد الاجتماع بين كونها مع الأمر أو بدونه فهو للإشارة إلى ما تقدم منه في الأمر العاشر من الحكم
بصحة الصلاة في الغصب على الامتناع وترجيح جانب النهي إذا كانت الصلاة بلا التفات إلى الحرمة قصورا وان لم تكن امتثالا للأمر بناء على تبعية الأحكام لما هو الأقوى من جهات المصالح والمفاسد واقعا لا لما هو المؤثر منها فعلا للحسن أو القبح (فان قلنا) بتبعية الأحكام لما هو الأقوى فالصلاة في الغصب نسيانا أو جهلا عن قصور صحيحة ولا أمر لها لما فرض من تبعية الأحكام للجهة الغالبة وهي جهة النهي (وإن قلنا) بتبعيتها لما هو المؤثر منها فعلا للحسن أو القبح فالصلاة في الغصب نسيانا أو جهلا عن قصور صحيحة ولها الأمر لما فرض من تبعية الأحكام للجهة المؤثرة للحسن أو القبح وهي جهة الأمر التي قد أثرت فعلا في الحسن الصدوري (وأما مقصوده) من المانع عن تأثير المقتضى للنهي له فهو النسيان أو الجهل القصوري ونحوهما كالاضطرار (بقي شيء) وهو الترديد بين كون المانع مانعا عن تأثير المقتضى للنهي له أو عن فعليته وهو على الظاهر مما لا وجه له فان المانع عن
115

تأثير المقتضى للنهي له ليس إلا النسيان أو الجهل قصورا أو الاضطرار وهو مما لا يرفع النهي من أصله الا فعليته والا فبأي وسيلة قد أحرزنا المناط في المجمع وكان من باب التزاحم وحكمنا بصحة الصلاة في الغصب مع النسيان أو الجهل القصوري أو مع الاضطرار (مضافا) إلى أن نسيان الحكم أو الجهل به لو كان رافعا للحكم من أصله وكان النهي منوطا بالذكر والعلم لزم الدور كما لا يخفى وان لم يجر ذلك في نسيان الموضوع أو الجهل به فتفطن.
(قوله كما مر تفصيله... إلخ) أي في الأمر العاشر كما أشير آنفا.
في مرجحات النهي على الأمر
(قوله وقد ذكروا لترجيح النهي وجوها منها أنه أقوى دلالة... إلخ) قد ذكر القائلون بالامتناع لترجيح جانب النهي على الأمر وجوها.
(منها) أنه أقوى دلالة ووجه أقوائيته في الدلالة كما يظهر من العبارة المتقدمة للتقريرات أن دلالة الأمر على وجوب مورد الاجتماع يكون بالإطلاق ودلالة النهي على حرمته يكون بالعموم والعموم أقوى دلالة من الإطلاق فيقدم عليه (وقد أورد عليه) بان عموم النهي أيضا لا يكون الا بوسيلة مقدمات الحكمة الجارية في المتعلق كمادة الغصب ونحوها فإذا لا فرق بين إطلاق الأمر وعموم النهي من حيث كونهما مستفادين من الحكمة لا بالوضع فلا ترجيح (وقد انتصر بعضهم) للوجه المذكور فأورد على الإيراد بما حاصله أنه لو كان العموم في النهي مستندا إلى مقدمات الحكمة لم يكن استعمال مثل لا تغصب في بعض أفراد الغصب ولو بالقرينة مجازا لعدم تمامية المقدمات حينئذ فلا يبقى موجب للتجوز وهو فاسد بل العموم فيه مستند إلى دلالة النهي عليه
116

بالالتزام نظرا إلى وقوع الطبيعة في حين النهي فلا ينتهى عنها الا بالانتهاء عن جميع أفرادها فيكون العموم للنهي من المداليل الالتزامية وان لم تكن لفظية بل عقلية لعدم اللزوم البين بالمعنى الأخص (وفيه) أن العموم في النهي وان كان مستفادا من دلالته عليه بالالتزام كما ذكره المنتصر ولكن الاستدلال لنفي استفادته من الحكمة بما ذكره في المقام في غير محله فان الاستعمال في بعض الأفراد سواء كان بمخصص متصل أو منفصل لا يكاد يكون مجازا كما سيأتي شرحه في العام والخاص من غير فرق بين كون العموم مستفادا من الحكمة أو من الوضع أو من الدلالة عليه بالالتزام كما في النهي والنفي الداخلين على الطبيعة (ثم ان المصنف) قد حكم بين المورد والمنتصر بما حاصله أن دلالة النهي أو النفي على العموم مما لا شبهة فيه ولكن العموم في المقام ليس مستفادا من خصوص الحكمة فقط كما زعم المورد ولا من خصوص دلالة النهي عليه فقط بالالتزام كما زعم المنتصر بل بكليهما جميعا فبمقدمات الحكمة تتعين دائرة الغصب سعة وضيقا ثم بالنهي الداخل عليه يستوعب تمام أفراده كما هو الحال في لفظ كل رجل فاستفادة العموم منه يكون بمجموع الأمرين لا ببعضهما دون بعض ولكن قد رجع عنه أخيرا بقوله اللهم الا أن يقال... إلخ كما رجع عنه في العام والخاص أيضا على ما سيأتي تفصيله بدعوى أن لفظ الكل أو النهي أو النفي الداخل على الجنس بنفسه كاف في الدلالة على استيعاب تمام أفراد المدخول من دون حاجة إلى مقدمات الحكمة في المتعلق (وعليه) فيكون الحق مع المنتصر من حيث كون العموم في النهي مستندا إلى مجرد الدلالة عليه بالالتزام والإطلاق في الأمر يكون مستندا إلى مقدمات الحكمة فيكون النهي أقوى دلالة فيقدم.
(أقول) لو سلم أن الحق مع المنتصر كما رجع المصنف أخيرا بان كان
117

العموم في جانب النهي مستفادا من الدلالة عليه بالالتزام والإطلاق في جانب الأمر مستفادا من مقدمات الحكمة (فيرد عليه أولا) أن مجرد ذلك مما لا يوجب أقوائية الدلالة والأظهرية في جانب النهي بحسب المتفاهم العرفي بحيث لو أعطى مثل خطابي صل ولا تغصب بيد العرف عرفوا منهما أن الصلاة في الغصب داخل تحت النهي وخارج عن تحت الأمر كما هو الحال في العام والخاص نظير قوله صل ولا تصل في الغصب حيث يرون فيهما أن المجمع داخل تحت الخاص لا العام نظرا إلى أظهرية الخاص فيه دون العام.
(وثانيا) ان المسألة ليست من باب التعارض كي تصل النوبة إلى مرجحات هذا الباب وهي أقوائية الدلالة ثم أقوائية السند إذا تساويا في الدلالة بل من باب التزاحم فقد يقدم الأقوى فيه مناطا وإن كان أضعف دلالة أو سندا (وعليه) فالصحيح في مقام ترجيح جانب النهي على الأمر بعد القول بالامتناع وكون المجمع من باب التزاحم لا التعارض كما أثبتناه في الجهة الأولى في ذيل الأمر الثامن هو أن يقال كما تقدم شرحه في الجهة الثانية إن النهي إنما يقدم على الأمر من جهة كونه تعيينيا لا بدل له والأمر تخييريا له البدل فكل فرد من أفراد الغصب يحرم على التعيين بخلاف أفراد الصلاة فيجب على التخيير ولو عقلا ومهما وقع التزاحم بين تكليفين كذلك قدم ما لا بدل له على ما له البدل وأما الترجيح بأغلبية المناط كما تقدم من المصنف في صدر هذا التنبيه الثاني فقد عرفت منا أنه لا يكاد يكون إلا بعد تساوى الطرفين من حيث اللابدلية والبدلية كما إذا انحصر الواجب في المقام بفرد واحد لا بدل له لا الترجيح بها من الأول.
(قوله وإن كان لا يلزم مجاز أصلا لو أريد منه خاص بالقرينة... إلخ) كما في قوله أكرم كل رجل عالم فإنه لا تجوز فيه أصلا لا في لفظة كل
118

لاستعمالها في استيعاب تمام أفراد المدخول أي الرجل العام ولا في المدخول إذا كان بنحو تعدد الدال والمدلول فان الرجل قد دل عليه الطبيعة المهملة والخصوصية الموجبة للتضييق قد استفيدت من كلمة العالم.
(قوله ومنها ان دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة وقد أورد عليه في القوانين بأنه مطلقا ممنوع... إلخ) هذا هو الوجه الثاني من وجوه ترجيح جانب النهي على الأمر وحاصل رد القوانين عليه أن في ترك الواجب أيضا مفسدة إذا كان تعيينيا وقد أجاب عنه المصنف بما حاصله أن في ترك الواجب فوت المصلحة وهي غير درك المفسدة.
(قوله ولكن يرد عليه أن الأولوية مطلقا ممنوعة بل ربما يكون العكس أولى... إلخ) قد أورد المصنف على هذا الوجه الثاني من وجوه شتى.
(منها) وهو أصحها أن أولوية دفع المفسدة من جلب المنفعة على الإطلاق ممنوعة إذ قد ينعكس الأمر فيكون منفعة أهم وجلبها أولى من دفع المفسدة.
(ومنها) أنه لو سلم إطلاق الأولوية فهي أجنبية عن المقام فإنها جارية فيما إذا دار الأمر بين الواجب والحرام فان أتى بالواجب لم يترك الحرام وان ترك الحرام لم يأت بالواجب كما إذا توقف إنقاذ غريق على اجتياز أرض غصبي لا فيما إذا دار الأمر في فعل واحد بين الوجوب والحرمة كما في المجمع على الامتناع فإنه يدور أمره بين رجحان جانب النهي أو الأمر (وفيه) أنه لا وجه لتخصيص القاعدة على تقدير صحتها بما إذا دار الأمر بين الواجب والحرام فان الملاك في جريانها ليس الا دوران الأمر بين مفسدة الحرام ومصلحة الواجب وهو بعينه موجود في مثل المجمع لما فيه من المفسدة والمصلحة جميعا بل وتجري القاعدة حتى في الفعل الذي دار أمره ثبوتا بين كونه اما
119

حراما فيه المفسدة أو واجبا فيه المصلحة فان القاعدة على القول بها كما تقدم بها الحرام على الواجب فكذلك يقدم بها احتمال الحرمة على احتمال الوجوب (ومنها) أنه لو سلم أن القاعدة ليست أجنبية عن المقام فهي انما تجدي إذا حصل القطع بالأولوية إذ لا عبرة بالأولوية الظنية ونحوها.
(ومنها) أنه لو سلم أن القاعدة مما تجدي حتى إذا لم يحصل القطع بالأولوية وكنا مترددين في رجحان جانب النهي على الأمر لعدم القطع بالأولوية فهي انما تجري إذا لم يكن هناك مجال لجريان الأصل العملي عن الحرمة من جهة العلم الإجمالي كما في دوران الأمر بين الوجوب والحرمة التعيينيين وأما المجمع الدائر أمره بين الوجوب التخييري والحرمة التعيينية فلا مانع عن جريان أصالة البراءة عن حرمته الفعلية فان الوجوب التخييري كما سيأتي في محله مما لا تجري البراءة عنه حتى مع قطع النظر عن العلم الإجمالي فيبقى الأصل العملي في جانب الحرمة بلا مانع عنه فيجري وتصح الصلاة في الغصب لوجود المقتضى فيها وفقد المانع عن التقرب بها وهو النهي الفعلي المرتفع بالبراءة وان قيل بجريان الاشتغال في الأقل والأكثر الارتباطيين وذلك لأن المانع هناك واقعي فإذا رفعنا المانع بالبراءة في الظاهر فلا يرتفع بها في الواقع على تقدير وجوده فجاز أن نقول إنه لا يقطع ببراءة الذمة الا بالاحتياط ولكن المانع في المقام على تقدير وجوده هو الحرمة الفعلية لا الحرمة الواقعية فإذا ارتفعت الفعلية بالأصل العملي فلا يبقى مانع عن الصحة أصلا (وفيه) ما سيأتي من المنع الأكيد عن عدم جريان البراءة عن الوجوب التخييري وذلك لما ستعرف من جريان بعض أدلتها عنه وان لم يجر كلها فإذا جرى الأصل عن الوجوب التخييري عارض قهرا الأصل الجاري عن الحرمة التعيينية ولم يتم الإيراد الرابع الأخير للمصنف أصلا.
120

(قوله ولو سلم فهو أجنبي عن المقام فإنه فيما إذا دار بين الواجب والحرام... إلخ) هذا هو الإيراد الثاني مما أورده على كون دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة وقد ذكر في تعليقته على الكتاب في وجه كونه أجنبيا عن المقام (ما هذا لفظه) فان الترجيح به إنما يناسب ترجيح المكلف واختياره للفعل أو الترك بما هو أوفق بغرضه لا المقام وهو مقام جعل الأحكام فان المرجح هناك ليس إلا حسنها أو قبحها العقليان لا موافقة الأغراض ومخالفتها تأمل تعرف (انتهى) (وفيه) أن القاعدة على تقدير تسليمها ليست إلا من جهة استقلال العقل بان دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة واستقلال العقل بها مما لا يختص بالمكلف في مقام اختياره للفعل أو الترك أو بالشارع في مقام جعل الأحكام وتشريعه بل هو بالنسبة إلى الكل على حد سواء فيجب مراعاتها.
(قوله نعم لو قيل بان المفسدة الواقعية الغالبة مؤثرة في المبغوضية ولو لم تكن العلية بمحرزة... إلخ) استدراك عن حكمه في الإيراد الرابع الأخير بصحة المجمع لأجل البراءة عن حرمته الفعلية أي نعم لو قيل بان المفسدة الغالبة في الواقع مؤثرة في المبغوضية فمع احتمال غلبة المفسدة في المجمع لا تكاد تجدي البراءة فإنها وان فرض كونها رافعة للحرمة الفعلية ولكنها لا ترفع احتمال غلبة المفسدة في الواقع الموجبة لمبغوضيته واقعا ومع احتمال المبغوضية لا يكاد يتأتى قصد القربة فتجري قاعدة الاحتياط قهرا ويجب الإتيان بغير المجمع تفريغا للذمة عما اشتغلت به يقينا ولو لم نقل بالاحتياط عند الشك في الجزئية والشرطية لأن الشك حينئذ ليس في اعتبار شيء في المأمور به بنحو الشبهة الحكمية كي تجري البراءة عنه عقلا ونقلا بل الشك في حصول ما هو المعتبر فيه قطعا وهو قصد القربة.
121

(أقول) ان المصنف كما تقدم غير مرة قد حكم تبعا للمشهور على الامتناع وترجيح جانب النهي بصحة الصلاة في الغصب نسيانا أو جهلا عن قصور نظرا إلى وجود المقتضى فيها وفقد المانع عن التقرب بها وهو النهي الفعلي المنجز ولم ير أن المفسدة الغالبة فيها الموجبة لمبغوضيتها واقعا مانعة عن التقرب بها فكيف يتوقف في المقام لأجل احتمال غلبة المفسدة فيه الموجب لاحتمال المبغوضية الواقعية (اللهم الا أن يقال) إن مع الجهل أو النسيان يتمشى قصد القربة بخلاف المقام لفرض الالتفات فيه من أجل احتمال غلبة المفسدة واقعا الموجب لاحتمال المبغوضية الواقعية (الا أنه كيف) أفتى بصحة الصلاة في الغصب اضطرارا إذا كان لا بسوء الاختيار كما أشار إليه في صدر التنبيه الأول وصرح به في أواخره أيضا ومن المعلوم أن الغصب بمجرد الاضطرار إليه ولو كان بغير سوء الاختيار لا يكاد ينقلب عما هو عليه من المفسدة الغالبة والمبغوضية الواقعية غايته أنه لا يكون صدوره مبغوضا عليه وهو يكفى في الصحة فإذا صحت الصلاة في الغصب ولو مع الاضطرار لا بسوء الاختيار بل قلنا نحن حتى مع سوء الاختيار وان استحق العقاب عليه بعدا مع اشتمال الصلاة على المفسدة الغالبة الموجبة للمبغوضية الواقعية ففي المقام الذي ليس فيه الا احتمال
غلبة المفسدة بطريق أولى.
(قوله فتأمل... إلخ) إشارة إلى ضعف الاستدراك عن حكمه في الإيراد الرابع الأخير بصحة المجمع ورجوع ثانيا إلى الحكم بالصحة وللمصنف تعليقة طويلة في المقام قد صرح في آخرها بوجه التأمل (وتفصيله) أنه ذكر في بدو الأمر أن للمفسدة مراتب عديدة مرتبة مغلوبة ومرتبة مساوية للمنفعة ومرتبة غالبة والأخيرة هي التي تؤثر في المبغوضية دون غيرها وأن مجرد إحراز المفسدة مما يكفى في تأثيرها في المبغوضية ان كانت غالبة واقعا كما أن للحرمة
122

مراتب ضعيفة ومتوسطة وقوية ومجرد إحرازها مما يكفى في تنجز المرتبة القوية لو كانت قوية واقعا وفي استحقاق عقاب تلك المرتبة القوية (ثم ساق الكلام) إلى أن أخذ في تصحيح المجمع ثانيا فادعى أنه لا يعتبر في العبادة أزيد من إتيان العمل قربة إلى الله ولا كون العمل ذاتا راجحا وان اعتبر أن لا يقع منه مبغوضا عليه (ثم قال) ما هذا لفظه وقولنا فتأمل إشارة إلى ذلك (انتهى).
(أقول) نعم الا أنه يعتبر في العبادة مضافا إلى ذلك وجود الملاك أيضا وبه صحت الصلاة في الغصب نسيانا أو جهلا بالموضوع ولو لا وجود الملاك فيها لم يكف مجرد الإتيان بها قربة إلى الله تعالى وعدم وقوعها مبغوضة عليه والملاك في المقام وان كان محرزا ولكن مع ذلك لا تتم الصحة التي قد حكم بها في الإيراد الرابع الأخير فان المقتضى وان كان محرزا ولكن المانع وهو الحرمة الفعلية محتمل وجوده لأن البراءة لا تجري عنها بعد ما عرفته منا من معارضتها للبراءة عن الوجوب الفعلي أيضا ولو كان تخييريا (وعليه) فالصحيح هو الاعتراف بعدم صحة المجمع في مفروض الإيراد الرابع الأخير فتأمل جيدا فان المقام لا يخلو عن دقة.
(قوله ومنها الاستقراء فإنه يقتضى ترجيح جانب الحرمة على جانب الوجوب كحرمة الصلاة في أيام الاستظهار وعدم جواز الوضوء من الإناءين المشتبهين... إلخ) هذا هو الوجه الثالث من وجوه ترجيح جانب النهي على الأمر (وقد أورد عليه المصنف) من وجوه.
(منها) أنه لا دليل على اعتبار الاستقراء ما لم يفد القطع.
(ومنها) أنه لو سلم اعتباره مطلقا فموضوع الاستقراء مما لا يتحقق بهذا المقدار أي بالظفر على موردين في الشرع من حرمة الصلاة في أيام
123

الاستظهار أي بعد العادة وقبل تجاوز العشرة ومن عدم جواز الوضوء من الإناءين المشتبهين ووجوب إهراقهما والتيمم كما في النص.
(ومنها) أنه لو سلم ثبوته بهذا المقدار فليس حرمة الصلاة في أيام الاستظهار ولا عدم جواز الوضوء من الإناءين المشتبهين مربوطا بترجيح جانب الحرمة على الوجوب.
(أما الأول) فلان حرمتها في تلك الأيام ليس إلا لأجل قاعدة الإمكان الجارية في الدم أي كل دم أمكن أن يكون حيضا بان لم يكن قبل البلوغ أو بعد اليأس أو مع عدم فصل أقل الطهر فهو حيض وهكذا لأجل قاعدة الاستصحاب المطابقة لقاعدة الإمكان القاضيتين بكون الدم في أيام الاستظهار حيضا يترتب عليه جميع أحكامه وآثاره ومنها حرمة الصلاة.
(وأما الثاني) فلعدم كون حرمة الوضوء من الماء النجس ذاتيا كي يكون عدم جواز الوضوء من الإناءين المشتبهين من ترجيح جانب الحرمة على الوجوب بل تشريعيا ولا تشريع فيما إذا توضأ منهما احتياطا وأما عدم جواز التوضي مع ذلك منهما ولو احتياطا بل يجب إراقتهما كما في موثقة الساباطي فهو للتعبد الشرعي أو للابتلاء بنجاسة البدن ظاهرا بحكم الاستصحاب حال ملاقاة الماء الثاني للبدن فإنه بمجرد ملاقاته له ولو لأجل تطهير مواضع الملاقاة بالأول قبل أن ينفصل الغسالة أو يتعدد الغسل فيما يحتاج إلى التعدد يقطع بنجاسة البدن أما بسبب ملاقاته مع الأول أو مع الثاني نعم إذا انفصل الغسالة أو تعدد الغسل فيما يحتاج إلى التعدد يزول العلم لجواز نجاسة الأول وطهارة الثاني مع بقاء الشك فيها لجواز العكس أي طهارة الأول ونجاسة الثاني فتستصحب النجاسة (وفيه) أن المكلف إذا توضأ بأحدهما وصلى ثم طهر المواضع بالآخر وتوضأ به وصلى قطع ببراءة ذمته يقينا وإن ابتلي بنجاسة البدن ظاهرا بحكم
124

الاستصحاب كما ذكر المصنف ولكنه لا يهم بعد القطع ببراءة ذمته (وعليه) فالصحيح في الجواب أن يقال إن المنع عن التوضي منهما والأمر بإراقتهما والتيمم إنما هو للتعبد المحض كما تقدم أو لتسهيل الأمر على المكلف لا للابتلاء بالنجاسة الظاهرية بحكم الاستصحاب فإنه مما لا محذور فيه بعد إمكان تحصيل القطع بفراغ الذمة من الصلاة كما عرفت.
(قوله هذا لو قيل بحرمتها الذاتية في أيام الحيض... إلخ) كما هو الحق المختار على ما حقق في محله لقوله عليه السلام إذا كانت المرأة طامثا فلا تحل لها الصلاة ولقوله عليه السلام عند اشتباه دم الحيض بدم العذرة فلتتق الله فان كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر إلى غير ذلك.
(قوله فعدم جواز الوضوء منهما ولو كذلك... إلخ) أي ولو احتياطا.
(قوله وعدم استعمال مطهر بعده... إلخ) عطف على حال ملاقاة المتوضئ من الإناء الثانية أي وحال عدم استعمال مطهر بعد التوضي من الإناء الأولى بمعنى أنه لم يطهر المواضع بماء ثالث فإنه إذا فعل ذلك لم يقطع بحصول النجاسة حال ملاقاة المتوضئ من الإناء الثانية.
(قوله نعم لو طهرت على تقدير نجاستها بمجرد ملاقاتها بلا حاجة إلى التعدد أو انفصال الغسالة لا يعلم تفصيلا بنجاستها... إلخ) استدراك عن القطع بحصول النجاسة حال ملاقاة المتوضئ من الإناء الثانية (ووجه الاستدراك) أنه لو كان أحد الإناءين المشتبهين كرا بان علم إجمالا أنه اما هذا الماء القليل نجس أو ذاك الماء البالغ كرا فتوضأ بالقليل وطهر المواضع بالكر فلا يقطع حينئذ عند الملاقاة مع الثاني بنجاسة البدن لجواز كون الأول نجسا والثاني طاهرا طهرت المواضع بملاقاتها معه من دون حاجة إلى انفصال
125

الغسالة أو التعدد كي يقطع قبل الانفصال أو التعدد بنجاسة البدن (وفيه) أن ملاقاة المواضع مع الثاني الكر دفعة واحدة غير معقول دقة بل تدريجي قطعا فإذا انغمس بعض يده في الماء الثاني الكر قبل انغماس الكل علم فعلا بنجاسة يده لا محالة أما البعض المنغمس ان كان الثاني نجسا وأما البعض الغير المنغمس ان كان الأول نجسا وهذا واضح.
(قوله وان علم بنجاستها حين ملاقاة الأولى أو الثانية إجمالا... إلخ) لا يقال انه لو علم إجمالا بنجاسة المواضع أما حين الملاقاة مع الأولى أو مع الثانية فتستصحب النجاسة (لأنه يقال) انه كما علم إجمالا بنجاسة المواضع اما حين الملاقاة مع الأولى أو مع الثانية فكذلك علم إجمالا بطهارتها اما حين الملاقاة مع الأولى أو مع الثانية أي بعد تطهير المواضع بها وسيأتي في بعض تنبيهات الاستصحاب إن شاء الله تعالى أن في تعاقب الحالتين كالطهارة والنجاسة ونحوهما لا يكاد يجري الاستصحاب في شيء من الحالتين.
(قوله فلا مجال لاستصحابها بل كانت قاعدة الطهارة محكمة... إلخ) تفريع على قوله المتقدم لا يعلم تفصيلا بنجاستها... إلخ.
هل يلحق تعدد الإضافات بتعدد العنوانات أم لا
(قوله الأمر الثالث الظاهر لحوق تعدد الإضافات بتعدد العنوانات والجهات... إلخ) مقصوده من العنوانات والجهات معلوم واضح وهو متعلقا الأمر والنهي كالصلاة والغصب وأما مقصوده من الإضافات فهو إضافة
126

متعلقي الأمر والنهي إلى متعلقيهما كإضافة الإكرام إلى العلماء في أكرم العلماء وإضافة الإكرام أيضا إلى الفساق في لا تكرم الفساق فيكون المعنى لدى الحقيقة هكذا هل يلحق تعدد متعلقي المتعلقين كالعلماء والفساق في المثالين بتعدد المتعلقين كالصلاة والغصب في صل ولا تغصب فكلما أن الثاني من باب الاجتماع لكون النسبة بين متعلقي الأمر والنهي عموما من وجه فكذلك الأول من باب الاجتماع لكون النسبة بين متعلقي المتعلقين عموما من وجه أم لا يلحق (فيقول المصنف) الظاهر لحوق تعدد الإضافات بتعدد العنوانات فكما أن تعدد العنوان بناء على الجواز مما يجدى في تعدد المتعلق فكذلك تعدد الإضافة بناء عليه مما يجدى أيضا في تعدده فيكون مثل أكرم العلماء ولا تكرم الفساق من باب الاجتماع كصل ولا تغصب عينا فعلى الجواز لا تعارض ولا تزاحم في المجمع وعلى الامتناع يكون المجمع من باب التزاحم وأما ما يتراءى من القوم من معاملتهم مع مثل أكرم العلماء ولا تكرم الفساق معاملة تعارض العامين من وجه في مادة الاجتماع فهو مبنى على الامتناع وعدم وجود المقتضى لأحد الحكمين في المجمع.
(أقول) والحق عدم لحوق تعدد الإضافات بتعدد العنوانات فعلى الامتناع كما هو المختار يعامل مع صل ولا تغصب معاملة المتزاحمين في المجمع ويرجع فيه إلى مرجحات باب التزاحم كما تقدم ومع أكرم العلماء ولا تكرم الفساق يعامل معاملة المتعارضين في المجمع ويرجع فيه إلى مرجحات باب التعارض والفارق هو فهم العرف فإنهم يرون التنافي في الأول في مقام الامتثال وفي الثاني في مقام الجعل والتشريع وقد أشير في الأمر الثامن في الجهة الأولى إلى ضابطتي التزاحم والتعارض وسيأتي تفصيلهما بنحو أبسط في صدر التعادل والتراجيح إن شاء الله تعالى فمعاملة القوم مع مثل أكرم العلماء ولا تكرم
127

الفساق معاملة المتعارضين في المجمع انما هو لأجل كونهما من باب التعارض لا لكونهما من باب التزاحم ولم يحرز وجود المقتضى لأحد الحكمين في المجمع فإنه دعوى بلا شاهد وتأويل بلا برهان (بل لا يبعد) أن يرى العرف التنافي في مقام الجعل والتشريع حتى فيما كانت النسبة بين نفس المتعلقين عموما من وجه إذا كانا في الأحكام الوضعية كالطهارة والنجاسة أو الصحة والفساد ونحوهما ففي مثل قوله النباتات طاهرة والمسكرات نجسة يعامل معهما في النبات المسكر معاملة المتعارضين لا معاملة باب الاجتماع فلا المجوز يقول فيهما بان المجمع طاهر ونجس ولا الممتنع يرجع فيه إلى مرجحات باب التزاحم كأقوائية المناط ونحوها فتأمل جيدا فان المقام من مزال الإقدام وقد زل فيه بعض الأساتيذ العظام.
هل النهي يقتضى الفساد أم لا
(قوله فصل في أن النهي عن الشيء هل يقتضى فساده أم لا وليقدم أمور الأول أنه قد عرفت في المسألة السابقة الفرق بينها وبين هذه المسألة... إلخ) أي قد عرفت في صدر مسألة الاجتماع أن الجهة المبحوثة عنها في تلك المسألة كانت سراية كل من الأمر والنهي إلى متعلق الآخر لاتحاد متعلقيهما وجودا وعدم سرايته لتعددهما كذلك وان الجهة المبحوثة عنها في هذه المسألة هي مفسدية النهي للعبادة أو المعاملة وعدمها بعد الفراغ عن أصل توجهه وسرايته إليها.
128

هل المسألة لفظية أو عقلية
(قوله الثاني انه لا يخفى ان عد هذه المسألة من مباحث الألفاظ إنما هو لأجل أنه... إلخ) وحاصل ما في هذا الأمر الثاني بمزيد توضيح منا أن هذه المسألة وإن كانت عقلية واقعا لكون الكلام فيها في الملازمة بين الحرمة والفساد عقلا ولكن حيث أن في جملة الأقوال قول بدلالة النهي على الفساد في المعاملات مع إنكار الملازمة بينهما عقلا تعد المسألة من مباحث الألفاظ وتكون لفظية لا عقلية (وفيه ما لا يخفى) إذ بمجرد أن في الأقوال قول بدلالة النهي على الفساد في المعاملات مع إنكار الملازمة بين الحرمة والفساد عقلا وإن كان يعرف أن النزاع عند هذا القائل هو في دلالة اللفظ على الفساد لا في الملازمة العقلية ولكن لا يعرف أن النزاع عند ساير الأعلام أيضا كذلك (هذا) مضافا إلى أن هذا القول مما لم نعثر عليه بعد الفحص عنه في الكتب الأصولية التي بأيدينا ولعل المصنف قد اشتبه في النقل والله العالم
(قوله ولا ينافي ذلك أن الملازمة على تقدير ثبوتها في العبادة إنما تكون بينه وبين الحرمة... إلخ) رد على صاحب التقريرات رحمه الله (وتفصيله) أنه قال في الهداية الأولى من هذه المسألة (ما لفظه) قد عرفت في المسألة السابقة الفرق بينها وبين هذه المسألة على وجه التفصيل ومحصله هو أن المسؤول عنه في تلك المسألة
هو إمكان اجتماع هذين النحوين من الطلب في مورد واحد وامتناعه والمسؤول عنه في هذه المسألة هو ثبوت الملازمة بين تعلق النهي بشيء وبين فساد ذلك الشيء (إلى أن قال) ومن هنا يظهر أن المسألة لا ينبغي أن تعد من مباحث الألفاظ فان هذه الملازمة على تقدير ثبوتها انما هي موجودة
129

بين مفاد النهي المتعلق بشيء وبين فساد ذلك الشيء وان لم يكن ذلك النهي مدلولا بالصيغة اللفظية وعلى تقدير عدمها انما يحكم بانتفائها بين المعنيين (انتهى) ومحصله أن محل الكلام في المسألة نفيا وإثباتا انما هو الملازمة بين الحرمة والفساد عقلا وان لم تكن الحرمة مستفادة من اللفظ أصلا كما إذا استفيد من عقل أو إجماع ونحوهما وعليه فالمسألة ليست لفظية بل عقلية (وحاصل رد المصنف) عليه أنه لا ينافي ذلك أن يكون النزاع مع ذلك في دلالة الصيغة على الفساد وعدمها غايته انها تدل على الحرمة بالمطابقة وعلى الفساد الملازم للحرمة بالالتزام (وفيه) أن إرجاع البحث عن الملازمة بين الحرمة والفساد عقلا إلى البحث عن دلالة النهي على الفساد بالالتزام وان أمكن بالتقريب المذكور ولكن يلزم حينئذ حصر النزاع بما إذا كان هناك لفظ قد استفيدت الحرمة منه وأما إذا لم يكن هناك لفظ بان استفيدت الحرمة من دليل لبي من عقل أو إجماع ونحوهما فلا يكون هناك بحث أصلا وهو كما ترى (هذا مضافا) إلى أنه يعتبر في دلالة اللفظ على شيء بالالتزام من اللزوم البين بالمعنى الأخص كما في الحاتم والجود وفي العمى والبصر وهو مفقود في المقام إذ لا لزوم بهذا النحو بين الحرمة التي هي مفاد النهي بالمطابقة وبين الفساد على نحو لا يمكن تصورها بدون تصور الفساد وهذا واضح.
130

ملاك البحث يعم النهي التحريمي
والتنزيهي والنفسي والغيري جميعا
(قوله الثالث ظاهر لفظ النهي وإن كان النهي التحريمي إلا أن ملاك البحث يعم التنزيهي... إلخ) لا إشكال في أن المراد من النهي المأخوذ في عنوان البحث ليس هو النهي الوضعي المسوق للإرشاد إلى الفساد كالنهي عن بيع الغلام حتى يحتلم أو عن نكاح العبد حتى يأذن مولاه أو عن لبس غير المأكول في الصلاة حتى يصلى في غيره ونحو ذلك بل المراد منه هو النهي التكليفي ولكن المراد هل هو خصوص التحريمي منه أم يشمل التنزيهي أيضا فيقول المصنف إن ملاك البحث يعم التنزيهي.
(أقول) نعم يعم التنزيهي ولذا قد قلنا في مسألة الاجتماع بفساد العبادات المكروهة التي لا بدل لها مما لا يمكن القول فيه بكون النهي لأقلية الثواب كالصلوات المبتدئة عند الطلوع والغروب وكصوم يوم العاشوراء بناء على كراهته ونحوهما بمعنى عدم وقوعها عبادة مقربة إلى الله تعالى وإن تحققت مسمياتها وماهياتها كما في العبادات المحرمة كصوم يوم العيدين ونحوه فإنها وان كانت فاسدة لحرمتها بمعنى عدم كونها عبادة مقربة إلى الله تعالى ولكن مع ذلك تتحقق ماهياتها ومسمياتها وبها تحصل المخالفة والعصيان قطعا ولكن المصنف مع اعترافه في المقام بعموم ملاك البحث للتنزيهي لم يلتزم هناك بفساد العبادات المكروهة ولو في خصوص ما لا بدل له.
(قوله ومعه لا وجه لتخصيص العنوان... إلخ) رد على صاحب
131

التقريرات رحمه الله حيث قال (ما لفظه) الثاني ظاهر النهي المأخوذ في العنوان هو النهي التحريمي وإن كان مناط البحث في التنزيهي موجودا وذلك لا يوجب تعميم العنوان (انتهى) فيقول المصنف إن مع عموم الملاك وشموله للنهي التنزيهي لا وجه لتخصيص العنوان بالتحريمي فقط وهو جيد.
(قوله واختصاص عموم ملاكه بالعبادات لا يوجب التخصيص به كما لا يخفى... إلخ) دفع إشكال مترقب في المقام (وحاصل الإشكال) أنه لا إشكال في أن عموم ملاك البحث للنهي التنزيهي هو مما يختص بالعبادات فقط دون المعاملات إذ لا وجه لاقتضاء التنزيهي الفساد في المعاملات كما لا يخفى فهذا قد يكون قرينة على أن المراد من النهي المأخوذ في العنوان هو خصوص التحريمي فقط الجاري في العبادات والمعاملات جميعا لا ما يعم التنزيهي المختص بالعبادات فقط (وحاصل الدفع) أن اختصاص عموم ملاك البحث بالعبادات فقط دون المعاملات مما لا يوجب تخصيص العنوان بالتحريمي فقط دون غيره بل المبحوث عنه هو مطلق النهي سواء كان تحريميا أو تنزيهيا غايته أن التحريمي يجري في العبادات والمعاملات جميعا والتنزيهي يختص بالعبادات فقط.
(قوله كما لا وجه لتخصيصه بالنفسي فيعم الغيري إذا كان أصليا وأما إذا كان تبعيا... إلخ) أي كما لا وجه لتخصيص النهي المأخوذ في العنوان بالنفسي فقط بل يعم الغيري أيضا (إذا كان أصليا) فكما أنه إذا نهى مثلا عن الصلاة في أيام الحيض نفسيا يقع الكلام في مفسديته لها فكذلك إذا نهى عن الصلاة غيريا لأجل الإزالة يقع الكلام في مفسديته لها (وأما إذا كان الغيري تبعيا) فهو داخل في ملاك البحث لا في عنوان البحث بنفسه (والسر في ذلك) أن الغيري الأصلي على ما تقدم شرحه في مقدمة الواجب عبارة
132

عما تعلقت به إرادة مستقلة من جهة الالتفات إليه بما هو عليه مما يوجب طلبه والغيري التبعي عبارة عما لم تتعلق به إرادة مستقلة لعدم الالتفات إليه بل تعلقت به إرادة إجمالية تبعية وعلى هذا فالغيري الأصلي يكون من مقولة اللفظ حيث يلتفت إلى الشيء بما هو عليه ويتعلق به إرادته المستقلة فيجعله في قالب الطلب ويقول مثلا أدخل السوق واشتر اللحم فيكون داخلا في عنوان البحث والغيري التبعي يكون من مقولة المعنى كما إذا قال اشتر اللحم فوجب دخول السوق تبعا لغيره فيكون خارجا عن عنوان البحث قهرا بعد ما عرفت من كون النزاع فيه في دلالة اللفظ أي في دلالة النهي على الفساد وعدمها ولكن مع ذلك يعمه ملاك البحث لأن دلالة النهي على الفساد على القول بها ليس الا من جهة دلالته على الحرمة والحرمة موجودة بعينها في النهي التبعي.
(أقول) هذا ان قلنا بكون المسألة لفظية كما زعم المصنف والا بان قلنا أن المسألة عقلية كما تقدم منا نظرا إلى وقوع الكلام فيها في الملازمة بين الحرمة والفساد لا في دلالة النهي عليه فالنهي التبعي داخل في نفس البحث لا في ملاكه.
(قوله من غير دخل لاستحقاق العقوبة على مخالفته في ذلك كما توهمه القمي قدس سره... إلخ) رد على المحقق القمي أعلى الله مقامه الذي يظهر من بعض كلماته
خروج النهي الغيري عن محل الكلام لعدم استحقاق العقاب عليه (قال) في المقدمة السادسة ما هذا لفظه ان النهي المستلزم للفساد ليس الا ما كان فاعله معاقبا (انتهى) ولازم ذلك أن النهي الغيري مطلقا خارج عن عنوان البحث سواء كان أصليا أو تبعيا نظرا إلى عدم كونه موجبا لاستحقاق العقوبة على مخالفته وان كان مما يوجب استحقاق العقوبة على مخالفة ذي المقدمة (فيجيب عنه المصنف) بعدم دخالة استحقاق العقاب على المخالفة
133

وعدمه في مفسدية النهي وعدمها بل الملاك في مفسديته على القول بها هو نفس الحرمة وهي موجودة بعينها في النهي الغيري كالنهي النفسي بعينه.
(قوله ويؤيد ذلك أنه جعل ثمرة النزاع في أن الأمر بالشيء يقتضى النهي عن ضده فساده إذا كان عبادة... إلخ) أي ويؤيد ما ذكرنا من عموم ملاك البحث للنهي الغيري وان دلالة النهي على الفساد على القول بها انما يكون لأجل دلالته على الحرمة من غير دخل لاستحقاق العقوبة على مخالفتها ما جعله القوم ثمرة لمسألة الضد من فساد الضد الخاص على القول بالاقتضاء إذا كان عبادة كالصلاة ونحوها إذ من المعلوم أن حرمة الضد بناء على الاقتضاء ليست الا غيرية مقدمية فمع كونها كذلك قد التزموا بمفسديتها للعبادة وهذا مما يكشف عن عدم دخالة استحقاق العقاب وعدمه في مفسدية النهي وعدمها.
(أقول) نعم ولكن من المحتمل أن القائلين بالاقتضاء وفساد الضد إذا كان عبادة هم يلتزمون باستحقاق العقاب على الحرمة الغيرية وان كان هذا الاحتمال بعيدا جدا ولعل المصنف لهذا الاحتمال قد جعل الأمر المذكور مؤيدا لا دليلا برأسه وعلى كل حال لا وجه لاختصاص النزاع بالنهي النفسي دون الغيري.
في تعيين المراد من العبادة
(قوله الرابع ما يتعلق به النهي اما يكون عبادة أو غيرها والمراد بالعبادة هاهنا... إلخ) المقصود من عقد هذا الأمر الرابع هو تعيين المراد من العبادة التي يقع البحث عن اقتضاء النهي فسادها كما أن الغرض من ذلك
134

هو دفع ما قد يشكل الأمر في تصوير تعلق النهي بها فان العبادة ليست الا ما تعلق به أمر عبادي لا يكاد يسقط الا بقصد القربة وما تعلق به أمر كذلك بل مطلق الأمر ولو كان توصليا كيف يعقل تعلق النهي بها كي يفسدها أو لا يفسدها (فيقول المصنف) في دفع هذا الإشكال ما محصله بتوضيح منا ان المراد من العبادة هاهنا هو أحد أمرين.
(الأول) ما يكون عبادة ذاتا ومقربا إلى الله تعالى لو لا حرمته شرعا من دون أن يحتاج عباديته إلى تعلق أمر به بل ولا يضر بعباديته حرمته شرعا كما سيأتي من المصنف في المقام الأول وان أضر بمقربيته إلى الله تعالى وهذا كالسجود والخضوع والخشوع والتسبيح والتقديس ونحو ذلك وفي هذا القسم لا إشكال في تصوير تعلق النهي به إذ لا يحتاج عباديته إلى أمر كي يقال أنه مع الأمر به كيف ينهى عنه.
(الثاني) ما لو تعلق الأمر به كان أمر وأمرا عباديا لا يكاد يسقط الا بقصد القربة كسائر أمثاله وأقرانه وهذا كصوم يوم العيدين أو الصلاة في أيام الحيض بناء على حرمتها ذاتا ونحوهما وفي هذا القسم أيضا لا إشكال في تصوير تعلق النهي به إذ لا أمر به فعلا كي يشكل الأمر في تعلق النهي به بل يتعلق به بلا مانع عنه ولا محذور ويقال مثلا ان صوم العيدين الذي لو تعلق به الأمر كان أمره أمرا عباديا كصوم ساير الأيام هل النهي المتعلق به يفسده أم لا.
(قوله لا ما أمر به لأجل التعبد به ولا ما يتوقف صحته على النية ولا ما لا يعلم انحصار المصلحة فيها في شيء... إلخ) هذه تعاريف ثلاثة للعبادة (الأول) لصاحب التقريرات.
(والثاني) للمحقق القمي بل ولغير واحد من القوم على ما ذكره التقريرات (والظاهر) أن المراد من النية هو قصد القربة لا قصد العنوان
135

والا فمثل أداء الدين أيضا يتوقف صحته على النية وليس بعبادة قطعا.
(الثالث) للمحقق القمي أيضا (قال في القوانين) في المقدمة الأولى المراد بالعبادات هنا ما احتاج صحتها إلى النية (ثم قال) وبعبارة أخرى ما لم يعلم انحصار المصلحة فيها في شيء انتهى (فيقول المصنف) ان العبادة بشيء من هذه المعاني الثلاثة مما لا يمكن تعلق النهي بها.
(أقول) أما الأول فنعم فان ما أمر به لأجل التعبد به مما لا يعقل تعلق النهي به ولكن الثاني والثالث مما يعقل غير انهما لا يسلمان عما أورد عليهما بالانتقاض طردا أو عكسا أو بغيره كما أفاد المصنف وسيأتي تفصيله.
(قوله مع ما أورد عليها بالانتقاض طردا أو عكسا أو بغيره كما يظهر من مراجعة المطولات... إلخ) (وقد أورد في الفصول) على التعريف الثالث عكسا وطردا (قال أعلى الله مقامه) وقد تعرف العبادة بما لم يعلم انحصار المصلحة فيها في شيء وهذا غير سديد لانتقاضه عكسا بالعبادة التي علم انحصار المصلحة فيها بالامتثال بغيرها ونحوه كالطهارة وطردا بالواجبات التي ليست عبادة ولا ينحصر مصالحها في شيء كوجوب توجيه الميت إلى القبلة انتهى (وقد أورد في التقريرات) على التعريف الثاني بالدور وأشار إليه المصنف بقوله أو بغيره أي بغير الانتقاض طردا أو عكسا.
(أقول) وتقريب الدور بلسان واضح أن معرفة العبادة يتوقف على معرفة صحة العبادة نظرا إلى أخذ صحتها في تعريفها ومعرفة صحة العبادة موقوفة على معرفة نفس العبادة توقف معرفة المقيد على معرفة قيده فإذا تتوقف معرفة العبادة على معرفة العبادة وهذا هو الدور.
(قوله كون مثلها من التعريفات ليس بحد ولا رسم بل من قبيل شرح الاسم... إلخ) قد تقدم منا في مقدمة الواجب في صدر المطلق والمشروط
136

معنى كل من التعريف اللفظي المعبر عنه بشرح الاسم والتعريف الحقيقي المعبر عنه بالحد والرسم فراجع ولا نعيد.
في تعيين المراد من المعاملة
(قوله الخامس أنه لا يدخل في عنوان النزاع إلا ما كان قابلا للاتصاف بالصحة والفساد... إلخ) المقصود من عقد هذا الأمر الخامس هو تعيين المراد من المعاملة التي يقع البحث عن اقتضاء النهي فسادها وعدمه وقد قسم المعاملة في التقريرات على ثلاثة أقسام.
(الأول) ما يتصف بالصحة والفساد كالعقود والإيقاعات وغسل النجاسات.
(الثاني) ما لا يتصف بالصحة والفساد مع ترتب الأثر الشرعي عليه كالغصب والإتلاف واليد والجنايات وأسباب الوضوء ونحوها (والظاهر) أن وجه عدم اتصاف هذا القسم الثاني بالصحة والفساد مع كونه مما يترتب عليه الأثر الشرعي هو عدم تركبه من أجزاء وشرائط كي يكون قابلا لطرو النقص والتمام عليه بخلاف مثل العقود والإيقاعات وغسل النجاسات فإنها مركبة من أمور خاصة حتى مثل الغسل لما يعتبر فيه من التعدد ولو في بعض النجاسات كالبول ويعتبر فيه العصر فيما يقبل العصر وانفصال الغسالة إذا كان بالقليل ونحو ذلك.
(الثالث) ما لا يتصف بالصحة والفساد مع عدم ترتب أثر شرعي عليه وقد مثل له بشرب الماء (والظاهر) أن وجه عدم اتصاف هذا القسم الثالث بالصحة والفساد مضافا إلى عدم تركبه عدم ترتب أثر شرعي عليه (ثم ان
137

التقريرات) قد اختار أن الداخل تحت عنوان النزاع هو القسم الأول من الأقسام الثلاثة أي المعاملة بالمعنى الأعم مع قابليتها للاتصاف بالصحة والفساد فلا يختص النزاع بالمعاملة بالمعنى الأخص وهي العقود والإيقاعات ولا يعم مطلق المعاملة بالمعنى الأعم مما لا يقبل الاتصاف بالصحة والفساد (وقد أفاد) في وجه عدم التعميم إلى مطلق المعاملة بالمعنى الأعم ما محصله أن مع عدم قابلية الاتصاف بالصحة والفساد لا وجه للبحث عن اقتضاء النهي للفساد فيه وعدمه (كما أنه قد أفاد) في وجه عدم الاختصاص بالمعاملة بالمعنى الأخص وتعميمه إلى مطلق ما يقبل الاتصاف بالصحة والفساد كغسل النجاسات أمرين (أحدهما) عموم الأدلة.
(ثانيهما) ما ذكره الشيخ في محكي المبسوط من الاستدلال على عدم حصول الطهارة فيما لو استنجى بالمطعوم ونحوه مما تعلق النهي بالاستنجاء به بما هذا لفظه قال كل ما قلنا لا يجوز استعماله لحرمته أو لكونه نجسا ان استعمل في ذلك ونقي به الموضع لا يجزى لأنه منهي عنه والنهي يقتضى الفساد قال في التقريرات وقد نقله في المعتبر ولم يعترض عليه بخروجه عن محل الكلام كغيره وإنما اعترضوا عليه بعدم اقتضاء النهي للفساد (ثم ان المصنف) قد اتبع التقريرات فاختار أن الداخل في عنوان النزاع هو القسم الأول من الأقسام الثلاثة المتقدمة غير أنه زعم أن وجه عدم اتصاف القسم الثاني بالصحة والفساد عدم انفكاك الأثر عنه وأن وجه عدم اتصاف الثالث بهما أنه لا أثر له (وفيه ما لا يخفى) فان الثاني مما يجوز انفكاك الأثر عنه أحيانا كما إذا أتلف مال الغير لحفظ الغير من الغرق أو الحرق ونحوهما مما كان على نحو الإحسان إليه والصحيح في وجه عدم الاتصاف في كل من القسم الثاني والثالث بالصحة والفساد مضافا إلى عدم ترتب الأثر على القسم الثالث هو ما
138

عرفته منا من عدم تركبهما من أجزاء وشرائط ليتصفا بالتمامية والنقصان ولعله إلى ذلك كله قد أشار أخيرا بقوله فافهم.
(قوله فافهم... إلخ) قد أشير الآن إلى وجه قوله فافهم فلا تغفل.
في التكلم حول الصحة والفساد
(قوله السادس أن الصحة والفساد وصفان إضافيان يختلفان بحسب الآثار والأنظار... إلخ) المقصود من عقد هذا الأمر السادس بيان أمرين بل بيان أمور ثلاثة ذكرها المصنف بغير ترتيب.
(الأول) ان اختلاف المتكلم والفقيه في تعريف الصحة والفساد مما لا يوجب اختلافا في المعنى وهو التمامية وعدم التمامية فالأول عرف الصحة في العبادات بما يوافق الأمر أو الشريعة والثاني بما يسقط معه القضاء والإعادة (والسر) في عدم الاختلاف أن كلا منهما قد عبر عن الصحة بما يهمه من الأثر فان المتكلم بصدد امتثال أمر المولى واستحقاق المثوبات فعبر عن الصحة بما يوافق الأمر أو الشريعة والفقيه بصدد حكم فعل المكلف فعبر عن الصحة بما يسقط معه وجوب القضاء والإعادة والمراد من سقوطهما في المقام سقوطهما على تقدير ثبوتهما فلا يرد النقض بصحيح العيدين والجمعة إذ ليس فيهما قضاء كي يسقطه صحيحهما (وقد أشار المصنف) إلى هذا الأمر الأول بقوله وهكذا الاختلاف بين الفقيه والمتكلم في صحة العبادة انما يكون لأجل الاختلاف فيما هو المهم لكل منهما من الأثر... إلخ.
(الثاني) أن اختلاف الصحة والفساد بحسب الآثار والأنظار مما لا يوجب أيضا اختلافا في المعنى فالإتمام مثلا مكان القصر نسيانا مما يوجب الإعادة
139

في الوقت دون القضاء في خارج الوقت فيكون صحيحا بحسب أثر وفاسدا بحسب آخر وهكذا المأمور به الاضطراري المعبر عنه بالواقعي الثانوي أو المأمور به الظاهري فيكون موافقا للأمر الاضطراري أو للأمر الظاهري ومخالفا للأمر الواقعي الأولى فيكون صحيحا بحسب أمر وفاسدا بحسب آخر وحيث ان إجزاءهما عن الواقعي الأولى محل الكلام فيكون الإتيان بهما صحيحا مسقطا للقضاء والإعادة بنظر وفاسدا غير مسقط للقضاء والإعادة بنظر آخر (وقد أشار المصنف) إلى هذا الأمر الثاني بقوله فربما يكون شيء واحد صحيحا بحسب أثر أو نظر وفاسدا بحسب آخر (قال) ومن هنا صح أن يقال ان الصحة في العبادة والمعاملة لا تختلف بل فيهما بمعنى واحد وهو التمامية وانما الاختلاف فيما هو المرغوب منهما من الآثار... إلخ.
(الثالث) أن الصحة والفساد وصفان إضافيان يختلفان بحسب الآثار والأنظار كما عرفت آنفا (وقد أشار) إلى هذا الأمر الثالث بقوله السادس أن الصحة والفساد... إلخ.
(أقول) ان تعبير المصنف عن الصحة والفساد بأنهما وصفان إضافيان لا يخلو عن مناقشة فان الصحة والفساد وان كانا قد يختلفان بحسب الآثار والأنظار فيكون عمل واحد صحيحا بالنسبة إلى أثر دون أثر أو بالنسبة إلى نظر دون نظر ولكن ليس دائما كذلك لجواز أن يكون عمل واحد صحيحا بحسب تمام الآثار والأنظار كما جاز أن
يكون عمل واحد فاسدا بحسب تمام الآثار والأنظار وليست الصحة والفساد من قبيل الإطلاق والاشتراط المتقدمين في مقدمة الواجب من حيث كونهما وصفين إضافيين دائما لا واقع معين لهما في عالم الثبوت نظرا إلى أنه ما من مطلق الا وهو مشروط ببعض الأمور ولا أقل من الشرائط العامة وما من مشروط الا وهو مطلق
140

إلى جملة من الأمور وهي التي لم يؤخذ شرطا في لسان الدليل بل الصحة والفساد قد يكونان إضافيين وقد يكونان واقعيين.
(قوله وحيث أن الأمر في الشريعة يكون على أقسام من الواقعي الأولى والثانوي والظاهري والأنظار تختلف في أن الأخيرين يفيد ان الإجزاء أو لا يفيدان... إلخ) شروع في بيان كيفية اختلاف الصحة والفساد بحسب الآثار والأنظار فالإتيان بالمأمور به الاضطراري أي الواقعي الثانوي وهكذا الإتيان بالمأمور به الظاهري يكون موافقة للأمر الاضطراري أو الظاهري فيكون صحيحا بالنسبة إليه ومخالفة للأمر الواقعي الأولى فيكون فاسدا بالنسبة إليه (وقد أشار) إلى ذلك بقوله كان الإتيان بعبادة موافقة لأمر ومخالفة لآخر... إلخ بل الإتيان بالاضطراري والظاهري حيث يكون إجزاؤهما عن الواقع محل الخلاف كما تقدم فيكون صحيحا مسقطا للقضاء والإعادة بنظر وفاسدا غير مسقط لهما بنظر آخر (وقد أشار) إليه بقوله أو مسقطا للقضاء والإعادة بنظر وغير مسقط لهما بنظر آخر... إلخ.
(قوله فالعبادة الموافقة للأمر الظاهري تكون صحيحة عند المتكلم والفقيه... إلخ) إشارة إلى كلام لهم حول النسبة بين التفسيرين أي تفسير المتكلم والفقيه (قال في التقريرات) ثم انهم قد ذكروا أن النسبة بين التفسيرين عموم مطلق لأن العبادة التي توجب سقوط القضاء يجب مطابقتها للأمر وليس كل ما يطابق الأمر مسقطا للقضاء لأن الصلاة بالطهارة المستصحبة مطابقة للأمر يعنى الظاهري وليست مسقطة للقضاء لأنه يجب إذا انكشف الخلاف (انتهى) (فيقول المصنف) وقد وجه كلامه حول المأمور به الظاهري الذي ادعوا أنه مطابق للأمر وليس مسقطا للقضاء أي صحيح عند المتكلم دون الفقيه (ما محصله) أن المراد من الأمر في تفسير المتكلم للصحة إن كان ما يعم
141

الأمر الظاهري ونحن قلنا باجزاء الظاهري عن الواقعي فالمأمور به الظاهري صحيح على كلا التفسيرين جميعا وإن لم نقل باجزاء الظاهري عن الواقعي وكان المراد من الأمر في تفسير المتكلم للصحة خصوص الواقعي فالمأمور به الظاهري غير صحيح على كلا التفسيرين وهو معنى قول المصنف وعدم اتصافها بها عند الفقيه بموافقته بناء على عدم الاجزاء وكونه مراعى بموافقة الأمر الواقعي عند المتكلم بناء على كون الأمر في تفسيرها خصوص الواقعي... إلخ.
(أقول) نعم ولكن إذا لم نقل باجزاء الظاهري عن الواقعي كما حققناه في محله وكان المراد من الأمر في تفسير المتكلم للصحة ما يعم الأمر الظاهري كما هو الظاهر فحينئذ يكون المأمور به الظاهري صحيحا عند المتكلم دون الفقيه أي يكون مطابقا للأمر وليس مسقطا للقضاء فتدبر جيدا.
(قوله وكونه مراعى بموافقة الأمر الواقعي... إلخ) أي وكون الاتصاف بالصحة مراعى بموافقة الأمر الواقعي.
(قوله تنبيه وهو أنه لا شبهة في أن الصحة والفساد عند المتكلم وصفان اعتباريان... إلخ) (قال في التقريرات) في تذنيب الأمر الرابع (ما لفظه) ان الصحة والفساد وصفان اعتباريان ينتزعان من الموارد بعد ملاحظة العقل انطباق المورد لما هو المأمور به أو لما هو المجعول سببا وعدمه مطلقا سواء كان في العبادات أو في المعاملات وسواء فسرت الصحة بما فسرها المتكلمون أو بما فسرها الفقهاء (انتهى) ومحصله أن الصحة والفساد سواء كانا في العبادات أو في المعاملات كانا بتفسير المتكلم أو بتفسير الفقيه هما وصفان انتزاعيان غايته أنه في العبادات ينتزعان من مطابقة المورد لما هو المأمور به وفي المعاملات من مطابقته لما هو المجعول سببا هذا في نظر التقريرات (وأما المصنف) ففي العبادات فصل بين تفسيري المتكلم والفقيه (فعلى تفسير
142

المتكلم) هما وصفان اعتباريان ينتزعان من مطابقة المأتي به لما هو المأمور به كما اختاره التقريرات (وأما على تفسير الفقيه) أي سقوط القضاء والإعادة ففي المأمور به الواقعي هي لازم عقلي بمعنى أن العقل يحكم بأنه مسقط للقضاء والإعادة وفي غيره من الاضطراري والظاهري على القول بالاجزاء فيهما هي حكم شرعي بمعنى أن الشرع يحكم بأنه مسقط للقضاء والإعادة منة منه على العباد وتخفيفا عنهم مع ثبوت المقتضى لهما لفوت الواقعي الأولى.
(نعم) الصحة في الموارد الخاصة والمصاديق الجزئية للإضطراري والظاهري ليست حكما شرعيا وانما تتصف الموارد بالصحة بمعنى انطباقها لما هو المأمور به كما أفاد التقريرات هذا كله في العبادات (وأما المعاملات) فالصحة فيها حكم شرعي ولو إمضاء نعم في الموارد الخاصة والمصاديق الجزئية ليست حكما شرعيا بل تتصف الموارد بالصحة بمعنى انطباقها لما هو المجعول سببا كما هو الحال في الأحكام التكليفية عينا فان المصداق الجزئي من الواجب أو الحرام تتصف بالوجوب أو الحرمة بمعنى انطباقه لما هو الواجب الكلي أو الحرام الكلي.
(أقول) ويرد عليه.
(أولا) ان الشارع الحاكم في الاضطراري والظاهري بكونهما مسقطين للقضاء والإعادة بناء على الإجزاء فيهما هو بنفسه أيضا يحكم في مصاديقهما الجزئية بذلك وهكذا في المعاملات غايته أن حكمه في الكلي كلي وفي المصاديق الجزئية جزئي.
(وثانيا) ان الصحة إذا قلنا بأنها عند الكل بمعنى واحد كما تقدم وهو التمامية وأن اختلاف المتكلم والفقيه في التعريف انما هو لتعبير كل منهما بما يهمه من الأثر فهي لا محالة وصف اعتباري منتزع عن واحدية الشيء لتمام
143

ما يعتبر فيه من الأجزاء والشرائط سواء كان الشيء من المركبات الشرعية كالصلاة والصوم والحج وما أشبهها أو من المركبات العرفية المترتبة عليها الآثار الشرعية كالعقود والإيقاعات ونحوهما أو المترتبة عليها الخواص والآثار العرفية كما في الحبوب والمعاجين وغيرهما المركبة عن أمور خاصة فالصحة في الكل بمعنى واحد وهو التمامية منتزعة عن واجدية الشيء لتمام ما يعتبر فيه جزءا وشرطا من غير فرق في ذلك كله بين العبادات أو المعاملات ولا بين كليها أو جزئيها فتدبر جيدا.
(قوله ليس بحكم وضعي مجعول بنفسه أو بتبع تكليف... إلخ) فالوضعي المجعول بنفسه هو كما إذا قال السورة جزء للصلاة والوضعي المجعول بتبع التكليف هو كما إذا أمر بقراءة السورة في الصلاة وبتبع جعل الوجوب لها قد جعلت الجزئية.
(قوله الا أنه ليس بأمر اعتباري ينتزع كما توهم... إلخ) مقصوده من المتوهم هو صاحب التقريرات كما تقدم فإنه الذي ادعى أن الصحة والفساد وصفان اعتباريان ينتزعان من انطباق المورد لما هو المأمور به أو لما هو المجعول سببا مطلقا سواء كان في العبادات أو في المعاملات وسواء فسرت الصحة بما فسرها المتكلمون أو بما فسرها الفقهاء.
(قوله وفي غيره فالسقوط ربما يكون مجعولا... إلخ) أي وفي غير المأمور به الواقعي الأولى من المأمور به الاضطراري والظاهري ربما يكون السقوط مجعولا شرعا أي على القول بالإجزاء فيهما.
(قوله كما ربما يحكم بثبوتهما... إلخ) أي بثبوت القضاء والإعادة في المأمور به الاضطراري والظاهري بناء على عدم الإجزاء فيهما.
(قوله بالوجوب أو الحرمة أو غيرهما... إلخ) من الأحكام التكليفية كالاستحباب والكراهة ونحوهما.
144

في تحقيق حال الأصل في المسألة
(قوله السابع لا يخفى أنه لا أصل في المسألة يعول عليه... إلخ) وحاصل الكلام في هذا الأمر السابع أنه إذا أثبتنا في المسألة الأصولية أن النهي يدل على الفساد أو أنه لا يدل عليه فهو وان عجزنا عن ذلك نفيا وإثباتا وشك في دلالته على الفساد وعدمه فلا أصل لنا في المسألة يقتضى دلالة النهي على الفساد أو عدم دلالته عليه (نعم في المسألة الفقهية) وهي فساد العبادة أو المعاملة المنهية عنها وعدمه الأصل يقتضى الفساد (أما في المعاملات) بعد فرض عدم عموم أو إطلاق يقتضى الصحة فيها فلأنها بعد ما تعلق النهي بها وشك في دلالته على فسادها إذا تحققت هي في الخارج فلا محالة يقع الشك في حصول الأثر المترتب عليها من ملكية أو زوجية أو بينونة ونحو ذلك فيستصحب عدم حصول الأثر وهذا هو معنى أصالة الفساد المشتهرة على الألسن في المعاملات (وفيه) أن مقتضى الأصل وان كان عدم حصول الأثر المترتب عليها ولكن هذا إذا لم يكن هناك أصل سببي يرتفع به الشك فانا مهما شككنا في اعتبار شيء في السبب شرعا كاعتبار الماضوية أو العربية ونحوهما في عقد النكاح مثلا والصلاة بالطهارة المستصحبة مطابقة للأمر يعنى الظاهري وليست مسقطة للقضاء لأنه عقلا بعد الفحص عنه بحد اليأس فالبراءة الجارية عن المشكوك مما يوجب تحديد أجزاء السبب وحصرها بحسب الظاهر بالاجزاء المعلومة فإذا تحققت هي فلا محالة يترتب عليها الأثر ولا يبقى مجال لاستصحاب عدمه وسيأتي نظير ذلك في الواجب الارتباطي إذا دار أمره بين الأقل والأكثر فتجري البراءة عن وجوب الأكثر وبها يرتفع الإجمال والتردد
145

بحسب الظاهر وتعينه في الأول كما صرح به المصنف هناك فتكون واردة على أصل الاشتغال أو استصحاب الاشتغال بعد الإتيان بالأقل فكما ان البراءة هناك واردة على أصل الاشتغال أو على استصحابه فكذلك البراءة في المقام واردة على أصالة الفساد واستصحاب عدم الأثر (وأما في العبادات) فلان العبادة بعد ما تعلق النهي بها كما في صوم العيدين وشك في اقتضاء حرمتها فسادها هي مما لا أمر له قطعا وهو مما يكفى في بطلان العبادة والاكتفاء بقصد الملاك في العبادة المزاحمة بالأهم إنما هو من جهة شمول إطلاق الأمر لها وهو يكفى في إحراز الملاك فيها وان كان الأمر ساقطا فعلا عن التنجز لأجل المزاحمة بالأهم وهذا بخلاف المقام فان مع تعلق النهي بالعبادة بالخصوص يكون الأمر بها منقطعا من أصله فلا أمر ولا محرز للملاك أصلا.
(أقول) نعم إلا أن هذا التقريب إنما يتم في العبادات التي تحتاج عباديتها إلى تعلق أمر بها كالصلاة والزكاة والصيام والحج ونحوها وأما العبادات الذاتية التي تقدمت الإشارة إليها من المصنف في الأمر الرابع ولا يحتاج عباديتها إلى تعلق أمر بها كالسجود والخضوع والخشوع والتسبيح والتقديس ونحو ذلك فلا يكاد يتم فيها هذا التقريب فإذا تعلق بها النهي وشك في مفسدية النهي لها فلا وجه للالتزام بأصالة الفساد فيها من أجل عدم الأمر بها إذ المفروض أن عباديتها ليست بسبب الأمر كي يقال إن النهي إذا شك في مفسديته لها فعدم الأمر بها كاف في بطلانها بل مقتضى القاعدة في هذا القسم من العبادات إذا فرض الشك في مفسدية النهي له هو الصحة وبقائه على ما كان عليه من قبل النهي فتأمل جيدا.
146

في أقسام تعلق النهي بالعبادة
(قوله الثامن ان متعلق النهي اما أن يكون نفس العبادة أو جزئها أو شرطها الخارج عنها أو وصفها الملازم لها كالجهر والإخفات للقراءة أو وصفها الغير الملازم... إلخ) المقصود من عقد هذا الأمر الثامن بيان أقسام تعلق النهي بالعبادة وبيان حكم كل منها على حده من حيث الدخول في محل النزاع وعدمه (فيقول) إن النهي:
(تارة) يتعلق بنفس العبادة كالنهي عن الصلاة في أيام الحيض بناء على حرمتها الذاتية أو النهي عن الصوم في يوم العيدين أو نحو ذلك من العبادات المحرمة.
(وأخرى) يتعلق بجزء العبادة كما إذا نهى عن سور العزائم في الصلاة (وثالثة) يتعلق بشرط العبادة الخارج عنها كما إذا نهى عن تطهير الثوب أو البدن بماء الغصب للصلاة أو الطواف ونحوهما.
(ورابعة) يتعلق بوصفها الملازم لها كما إذا نهى عن الجهر بالقراءة فان الجهر بالقراءة مما لا ينفك عن القراءة وان جاز انفكاك القراءة عن الجهر بها وهكذا الأمر في النهي عن الإخفات بالقراءة ولو عدل المصنف عن المثال المذكور إلى النهي عن الجهر بالصلاة أو الإخفات بها كما في قوله تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها كان أولى فان الأولى نهى عن الوصف الملازم لجزء العبادة والثاني نهى عن الوصف الملازم لنفس العبادة.
(وخامسة) يتعلق بوصفها الغير الملازم لها أي القابلة للانفكاك عنها وهذا على نحوين.
147

(فتارة) يكون الوصف الغير الملازم غير متحد مع العبادة في مورد الاجتماع كالجهر مع القراءة فان الجهر غير القراءة والقراءة غير الجهر وقد جاز انفكاك كل منهما عن الآخر وهكذا الأمر في الإخفات والفرق بين هذا والقسم الرابع أن النهي في القسم الرابع تعلق بخصوص الجهر بالقراءة أو بالإخفات بها فلا ينفك عنها وهاهنا تعلق بمطلق الجهر أو الإخفات وهو قابل للانفكاك عن القراءة فلا تغفل.
(وأخرى) يكون متحدا مع الصلاة في مورد الاجتماع كالغصب مع أفعال الصلاة فإنه في مورد الاجتماع يكون عين الركوع والسجود والقيام والهوى والنهوض ونحو ذلك وهي عينه.
(قوله كالغصبية لأكوان الصلاة المنفكة عنها... إلخ) وفي التمثيل ما لا يخفى فإنه مثال للوصف الغير الملازم للعبادة المتحد معها وجودا وهذا غير صحيح فان الأكوان ليست هي من أجزاء الصلاة كي إذا اتحد الغصب معها اتحد مع الصلاة والصحيح كان أن يقول كالغصب لأفعال الصلاة كما مثلنا به فهو وصف مفارق يتحد مع العبادة وجودا عند الاجتماع معها.
(قوله لا ريب في دخول القسم الأول في محل النزاع وكذا القسم الثاني... إلخ) شروع في بيان حكم كل قسم من الأقسام الخمسة على حده من حيث الدخول في محل النزاع وعدمه بعد الفراغ عن ذكر الأقسام كلها.
(قوله الا أن يستلزم محذورا آخر... إلخ) كفوت الموالاة إذا كان الجزء المحرم الفاسد طويلا لا يلتئم ما بعده بما قبله.
(قوله وأما القسم الثالث فلا يكون حرمة الشرط والنهي عنه موجبا لفساد العبادة... إلخ) وفاقا لصاحب التقريرات (قال) في آخر الأمر السابع فحرمة الشرط لا دليل على سرايتها إلى المشروط فلا يقتضى الفساد
148

قطعا فان النهي عن شيء مباين للشيء كيف يعقل اقتضائه الفساد (انتهى).
(قوله وأما القسم الرابع فالنهي عن الوصف اللازم مساوق للنهي عن موصوفه... إلخ) (وفيه ما لا يخفى) فان الوصف ما لم يكن متحدا مع الموصوف وجودا كما في النحو الثاني من القسم الخامس فلا وجه لسراية الحرمة من الوصف إلى الموصوف وإن فرض كونه ملازما له واستحالة كون الموصوف واجبا حينئذ وجوبا منجزا وإن كان حقا ولكن لا يجب أن يكون محكوما بحكمه كما تقدم غير مرة فإذا لم يكن الموصوف محكوما بحكم الوصف أي لم يكن حراما شرعا كفى في صحته قصد الملاك المحرز فيه بإطلاق الأمر الساقط عن مرتبة التنجز.
(وبالجملة) الجهر بالقراءة مع القراءة شيئان خارجا كالبياض والجسم وإن كان الأول مما لا يتحقق إلا مع الثاني فإذا كانا أمرين وجودا فلا وجه لسراية الحرمة من أحدهما إلى الآخر وإن كانا متلازمين خارجا فإذا لم يحرم الموصوف فلا وجه لفساده بل يصححه الملاك المحرز فيه بوسيلة إطلاق الأمر كما في ساير الموارد فان المولى إذا أمر بالقراءة فقد شمل جميع أفرادها وإذا نهى عن وصفها الملازم لها الغير المتحد معها وجودا سقط أمر الموصوف من جهة الملازمة مع الحرام عن مرتبة التنجز وبقي الملاك فيه محرزا بوسيلة الإطلاق فتصح القراءة ولا تفسد.
(قوله وأما النهي عن العبادة لأجل أحد هذه الأمور... إلخ) وحاصله أنه إذا نهى عن العبادة لأجل النهي عن الجزء أو الشرط أو الوصف فان كان من قبيل الوصف بحال المتعلق كما في قولك زيد منطلق أبوه (وبعبارة أخرى) كان اسناد النهي إليها بالعرض والمجاز من قبيل اسناد الجري إلى الميزاب وكان المنهي عنه حقيقة هو الجزء أو الشرط أو الوصف لا نفس
149

العبادة فحال هذا النهي حال النهي عن أحد هذه الأمور من حيث كونه داخلا في محل النزاع أم لا (وأما إذا كان) النهي عن العبادة على نحو الحقيقة بان كان المقصود هو تحريم نفس العبادة وان كان السبب لتحريمها مبغوضية جزئها أو شرطها أو وصفها بحيث كان أحد هذه الأمور واسطة في الثبوت كالنار لحرارة الماء لا في العروض كالماء في اسناد الجري إلى الميزاب فحال هذا النهي حال النهي في القسم الأول من الأقسام المتقدمة أي النهي عن نفس العبادة بل هو عينه حقيقة.
(قوله ربما تزيد على العشرة على ما قيل... إلخ) القائل هو صاحب التقريرات (قال) في صدر الهداية الثانية من المسألة (ما لفظه) فاعلم أنهم اختلفوا في مورد النزاع في دلالة النهي على الفساد على أقوال ربما تزيد على العشرة (انتهى).
في اقتضاء النهي الفساد في العبادات
(قوله من بسط المقال في مقامين الأول في العبادات فنقول وعلى الله الاتكال... إلخ) والأولى في تقريب الاستدلال على اقتضاء النهي الفساد في العبادات أن يقال بنحو الاختصار ان النهي مما يدل على الحرمة والحرمة مما لا تجتمع مع التقرب المعتبر في العبادات قطعا فتفسد قهرا إذا تعلق بها النهي وهذا من غير حاجة إلى إطالة الكلام ومزيد النقض والإبرام كما فعل المصنف.
(قوله بالعبادة بنفسها... إلخ) أي لا بشرطها ولا بوصفها ولكن قد عرفت أن تعلق النهي بوصفها الغير الملازم المتحد معها وجودا مما
150

السراية إليها بل وحتى الملازم الغير المتحد معها وجودا في نظر المصنف (وعليه) فلا وجه لتخصيص اقتضاء الفساد بالنهي المتعلق بالعبادة بنفسها دون غيره.
(قوله ولو كانت جزء عبادة بما هو عبادة كما عرفت... إلخ) أي كما عرفت أن جزء العبادة عبادة حيث قال فيما تقدم وكذا القسم الثاني بلحاظ أن جزء العبادة عبادة.
(قوله لدلالته على حرمتها ذاتا... إلخ) الحرمة الذاتية هي التي تكون عن مفسدة في الفعل وتوجب مبغوضيته شرعا ولو لم يأت به عن تشريع وافتراء على المولى في قبال الحرمة التشريعية وهي التي تكون عند الإتيان بالفعل على نحو التشريع والافتراء على المولى فيكون صدوره حينئذ قبيحا مبغوضا على المكلف وان لم يكن في
حد ذاته قبيحا مبغوضا واقعا.
(قوله لا يقال هذا لو كان النهي عنها دالا على الحرمة الذاتية ولا يكاد يتصف بها العبادة... إلخ) (وحاصل الإشكال) أن اقتضاء النهي الفساد في العبادات انما يتم إذا كان النهي المتعلق بها دالا على الحرمة الذاتية ولا يكاد يتصف بها العبادة وبعبارة أخرى لا يعقل تحريمها ذاتا فان المكلف إذا لم يقصد القربة فلا عبادة كي تحرم بالنهي ذاتا وتفسد وإذا قصدها فهذا غير مقدور له إذ لا أمر في البين كي يقصد ويتحقق به العبادة وتحرم ذاتا وتفسد الا إذا قصد القربة تشريعا ومعه يتصف الفعل بالحرمة التشريعية دون الذاتية لامتناع اجتماع المثلين (وقد أجاب المصنف) عن الإشكال من وجوه.
(الأول) أن المراد من تحريم العبادة في المسألة كما تقدم في الأمر الرابع هو تحريم ما لو تعلق الأمر به كان أمره أمرا عباديا لا يكاد يسقط الا بقصد القربة كسائر أقرانه وأمثاله نظير صوم العيدين أو الصلاة في أيام الحيض بناء على حرمتها ذاتا ونحو ذلك ومن المعلوم أن تحريم ذلك ذاتا في كمال الإمكان
151

هذا في العبادات الغير الذاتية (وأما العبادات الذاتية) كالركوع والسجود والخضوع والخشوع ونحوها مما لا يحتاج عباديتها إلى تعلق أمر بها بل ولا يضر بعباديتها حرمتها شرعا وان أضرت بمقربيتها كما تقدم فجواز تحريمها ذاتا أوضح وأظهر كما لا يخفى.
(الثاني) أن تحريم الفعل المأتي به بقصد القربة تشريعا أمر ممكن ميسور من دون أن يجتمع فيه المثلان فان التشريعية تتعلق بفعل القلب وهو الاعتقاد بوجوبه وعقد القلب عليه مع العلم بعدمه كما هو الحال في التجري أيضا من حيث كون العقاب فيه على فعل القلب في نظر المصنف على ما سيأتي أي على قصد العصيان والعزم على الطغيان وأما الحرمة الذاتية فتتعلق هي بفعل الجوارح لا بفعل القلب فيتعدد المتعلق ولا اجتماع المثلين (وفيه) ان الحرمة التشريعية في المقام وحرمة التجري هناك تتعلقان جميعا بفعل الجوارح كسائر الأحكام التكليفية وأما فعل القلب وهو الاعتقاد بوجوب ما ليس بواجب عمدا أو قصد العصيان والعزم على الطغيان فهو السبب لتحقق عنوان التشريع أو التجري للفعل وهو المصحح للعقاب عليه وان كان مجرد فعل القلب أيضا من دون صدور فعل من الجوارح مما يوجب استحقاق العقاب عقلا لكن دون عقاب من صدر عنه الفعل في الخارج ولم يقتصر على فعل القلب فقط ولعله إلى هذا كله قد أشار أخيرا بقوله فافهم (وعليه) فالحق في الجواب الثاني أن يقال انه لا مانع من اجتماع الحرمتين في فعل واحد الحرمة التشريعية والذاتية جميعا لكونهما اعتباريين فيندك بعضهما في بعض ويتأكد بعضهما ببعض فيكون هناك حرمة واحدة أكيدة متعلقة بفعل واحد.
(الثالث) انه لو سلم أن النهي في العبادات لا يكون دالا على الحرمة الذاتية نظرا إلى الإشكال المتقدم فالنهي فيها مما يدل على الفساد من جهة
152

أخرى وهي دلالته على حرمتها التشريعية فإنه لا أقل من دلالته على سقوط الأمر عنها وانها ليست بمأمورة بها من أصلها وهو يكفى في فسادها وعدم وقوعها عبادة مقربة (وفيه) أن ذلك إنما يتم في العبادات الغير الذاتية مما كانت عباديتها تحتاج إلى تعلق الأمر بها كالصلاة والزكاة والصيام وما أشبهها وأما العبادات الذاتية التي لا تحتاج عباديتها إلى تعلق أمر بها كالسجود والركوع والخضوع والخشوع ونحوها إذا تعلق النهي بها وفرض عدم كونه للحرمة الذاتية فالنهي عنها وإن كان دالا على عدم الأمر بها ولكن مجرد عدم الأمر بها مما لا يكفى في فسادها كما لا يخفى.
(قوله مع أنه لا ضير في اتصافه بهذه الحرمة مع الحرمة التشريعية... إلخ) إشارة إلى الجواب الثاني من الإشكال وقد عرفت تفصيله مع ما فيه
(قوله فافهم... إلخ) قد أشير آنفا إلى وجه قوله فافهم فلا تغفل.
(قوله هذا مع أنه لو لم يكن النهي فيها دالا على الحرمة لكان دالا على الفساد لدلالته على الحرمة التشريعية... إلخ) إشارة إلى الجواب الثالث عن الإشكال وقد عرفت أيضا تفصيله مع ما فيه (مضافا) إلى أنه لا يخلو عن سوء التعبير فان النهي مما لا يدل على الحرمة التشريعية ومراده أن النهي يدل على سقوط الأمر وانقطاع العموم أو الإطلاق من أصله فيكون العمل تشريعا قهرا.
(قوله نعم لو لم يكن النهي عنها الا عرضا... إلخ) استدراك عن قوله لكان دالا على الفساد أي نعم لو لم يكن النهي عن العبادة إلا بالعرض والمجاز من قبيل اسناد الجري إلى الميزاب وكان المنهي عنه حقيقة غيرها كما إذا نهى عن فعل الصلاة عند تنجس المسجد وكان المقصود من النهي عنها هو النهي عن ترك الإزالة فلا يكون النهي حينئذ مقتضيا لفساد العبادة بناء على
153

ما تقدم في بحث الضد من عدم اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن الضد الخاص وعليه فيخصص بمثل هذا النهي العرضي عموم قولنا النهي في العبادات يقتضى الفساد أو يقيد به إطلاقه.
في عدم اقتضاء النهي الفساد في المعاملات
(قوله المقام الثاني في المعاملات ونخبة القول أن النهي الدال على حرمتها لا يقتضى الفساد... إلخ) وقد أفاد في وجه عدم الفساد أنه لا ملازمة لغة ولا عرفا بين حرمة المعاملة وفسادها (سواء كانت) الحرمة متعلقة بنفس السبب بما هو فعل مباشري كالإيجاب والقبول في وقت النداء على نحو كان المبغوض هو نفس الإيجاب والقبول من دون أن يكون الأمر المترتب عليهما مبغوضا شرعا (أو كانت) الحرمة متعلقة بالمسبب بما هو فعل تسبيبي على نحو كان المبغوض شرعا هو نفس الأمر المترتب على السبب دون السبب بنفسه كتمليك المسلم من الكافر أو المصحف منه فإنه فعل تسبيبي حاصل بالسبب الخاص فالسبب وان كان حراما شرعا غيريا ولكن المبغوض النفسي هو نفس تمليك المسلم أو المصحف من الكافر الحاصل بهذا السبب الخاص (أو كانت) الحرمة متعلقة بالتسبب بسبب خاص كما إذا نهى عن تمليك الزيادة بوسيلة البيع الربوي على نحو كان المبغوض هو التمليك بهذا السبب الخاص فلو حصل التمليك بسبب آخر غير البيع الربوي كالهبة ونحوها لم يبغضه الشارع
(قوله وانما يقتضى الفساد فيما إذا كان دالا على حرمة ما لا يكاد يحرم مع صحتها مثل النهي عن أكل الثمن أو الثمن... إلخ) بل يمكن أن يقال ان النهي في هذا القسم أيضا مما لا يدل على الفساد فان تحريم ثمن الخمر
154

أو الكلب أو الخنزير أو ثمن كل شيء حرمه الله تعالى كما في الحديث مما لا يستلزم عقلا عدم نفوذ المعاملة وذلك لجواز حصول النقل والانتقال شرعا وصيرورة الثمن ملكا للبائع والثمن ملكا للمشتري ومع ذلك يحرم على البائع أكل الثمن وعلى المشتري أكل الثمن تعبدا (بل الظاهر) أن وجه حرمة الثمن أو المثمن ليس مجرد فساد المعاملة وعدم حصول النقل والانتقال بسببها وأنه مال الغير فلا يجوز أكله فإنه لو كانت الحرمة لذلك لجاز أكله فيما لو علم بطيب نفس المشتري أو البائع على كل تقدير مع أنه لا يجوز قطعا ولو علم برضائه كذلك.
(قوله في بيع أو بيع شيء... إلخ) كما إذا حرم أكل الثمن أو المثمن في بيع خاص كبيع الربوي أو بيع شيء خاص كبيع الخمر أو الكلب أو الخنزير ونحوها.
(قوله لكنه في المعاملات بمعنى العقود والإيقاعات... إلخ) لا وجه لتخصيص ظهور النهي في الإرشاد إلى الفساد دون الحرمة الذاتية بالمعاملات بالمعنى الأخص فقط أي العقود والإيقاعات بل لا يبعد ظهوره حتى في المعاملات بالمعنى الأعم مما يقبل الاتصاف بالصحة والفساد كغسل النجاسات والمتبع على كل حال هو الظهور فان كان النهي ظاهرا في الإرشاد بقرينة حال أو مقال فهو والا فلا بد من الأخذ بما هو ظاهر النهي لو لا القرينة وهو الحرمة وقد عرفت انها مما لا تقتضي الفساد الا في العبادات.
(قوله نعم ربما يتوهم استتباعها له شرعا من جهة دلالة غير واحد من الأخبار عليه... إلخ) (قال في الفصول) واحتج من أثبت دلالته على فساد المعاملة شرعا فيما إذا تعلق بعينها أو لازمها بما يرجع محصله إلى وجوه (إلى أن قال) الثالث ظاهر جملة من الاخبار منها ما رواه زرارة في الصحيح
155

عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن مملوك تزوج بغير اذن سيده فقال ذلك إلى سيده إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما قلت أصلحك الله ان الحكم ابن عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون ان أصل النكاح فاسد ولا تحل له إجازة السيد له فقال أبو جعفر عليه السلام انه لم يعص الله انما عصى سيده فإذا أجازه فهو له جائز (قال) وفي روايته الأخرى بعد أن ذكر حكمه عليه السلام بصحة نكاح العبد مع لحوق الإجازة قال فقلت لأبي جعفر عليه السلام فإنه في أصل النكاح كان عاصيا فقال أبو جعفر عليه السلام انما أتى شيئا حلالا وليس بعاص لله وانما عصى سيده ولم يعص الله ان ذلك ليس كإتيانه ما حرم الله تعالى عليه من نكاح في عدة وأشباهه (ثم قال) ووجه الدلالة أن الروايتين دلتا على أن نكاح العبد الغير المأذون انما لم يفسد مع لحوق الإجازة لأنه لم يعص الله فيه وانما عصى سيده فيدل على أن عصيان الله في النكاح الذي من أقسام المعاملة يوجب الفساد (انتهى) (وقال المحقق القمي) رحمه الله وقد يستدل بما ورد في بعض الأخبار من صحة عقد المملوك إذا كان بغير اذن مولاه ثم رضى به معللا بأنه لم يعص الله بل عصى سيده فإنه يدل على أنه إذا كان فيه معصية بالنسبة إليه تعالى وكان منهيا عنه فيكون فاسدا (انتهى) هذا حاصل ما توهم من استتباع الحرمة للفساد شرعا في المعاملات من جهة دلالة غير واحد من الاخبار وستعرف الجواب عنه في الحاشية الآتية.
(قوله ولا يخفى ان الظاهر أن يكون المراد بالمعصية المنفية هاهنا أن النكاح ليس مما لم يمضه الله ولم يشرعه... إلخ) وحاصل الجواب عن التوهم المذكور بمزيد توضيح منا أن المراد من العصيان في قوله عليه السلام أنه لم يعص الله انما عصى سيده ليس هو العصيان التكليفي لأنه قد عصى الله تكليفا لا محالة فان من عصى سيده فقد عصى الله بل المراد هو العصيان الوضعي أي
156

لم يأت بما لم يمضه الله ولم يشرعه كالنكاح في العدة وأشباهه بل عصى سيده بمعنى أنه أتى بما لم يأذن به سيده ولو لم يسبق منه نهى عنه ومن المعلوم أن العصيان الوضعي مما يوجب الفساد وعدم ترتب الأثر شرعا فافهم جيدا.
(قوله وهكذا حال ساير أخبار الواردة في هذا الباب... إلخ) وهو باب تزويج الإماء والعبيد (في الوافي) وباب أنه لا يجوز للعبد أن يتزوج ولا يتصرف في ماله الا بإذن مولاه (في الوسائل) وفيه أيضا باب أن العبد إذا تزوج بغير اذن مولاه كان العقد موقوفا على الإجازة منه فراجع.
فيما حكي عن أبي حنيفة والشيباني من دلالة النهي على الصحة
(قوله تذنيب حكي عن أبي حنفية والشيباني دلالة النهي على الصحة وعن الفخر أنه وافقهما في ذلك... إلخ) المراد من الفخر هو فخر المحققين نجل العلامة لا امام المشككين أحد علماء العامة (قال) في التقريرات حكي عن أبي حنيفة والشيباني دلالة النهي على الصحة والمنقول عن نهاية العلامة التوقف ووافقهما فخر المحققين في نهاية المأمول وأحال الأمر على شرح التهذيب (انتهى).
(أقول) أما دلالة النهي على الصحة (ففي المعاملات) حق لا ريب فيه فان تحريم الشيء فرع القدرة عليه والا لم يصح تحريمه ومن المعلوم أن القدرة على الشيء مما يساوق صحته وإمكان تحققه في الخارج (وأما في العبادات) فان كان المقصود من الصحة التي يقتضيها النهي هو تحقق ماهياتها ومسمياتها
157

فهذا أيضا حق لما عرفت مشروحا في التعبدي والتوصلي من خروج قصد القربة عن ماهية العبادات ومسمياتها وجواز تحقق الماهية بدونه وإن كان المقصود من الصحة التي يقتضيها النهي هو وقوع الفعل عبادة مقربة إلى الله فهذا ممنوع أشد المنع لما عرفت في الاستدلال على اقتضاء النهي الفساد في العبادات عدم اجتماع الحرمة مع وقوع الفعل عبادة مقربة إليه وإن اجتمعت في العبادات عدم اجتماع الحرمة مع وقوع الفعل عبادة مقربة إليه وإن اجتمعت في العبادات الذاتية مع عباديتها دون مقربيتها (والظاهر) أن مراد القائل من دلالة النهي على الصحة هو المعنى الأول أي تحقق الماهية والمسمى فالنهي يدل على الصحة أي على إمكان تحقق ماهية المنهي عنه ومسماه.
(قوله والتحقيق أنه في المعاملات كذلك إذا كان عن المسبب أو التسبب... إلخ) وحاصل تحقيقه في المقام أن النهي (في المعاملات) مما يدل على الصحة إذا كان عن المسبب أو عن التسبب وقد عرفت التمثيل لهما فيما تقدم (ووجه الدلالة) اعتبار القدرة في متعلق النهي عقلا كالأمر ولا يكاد يقدر على المسبب أو التسبب إلا فيما إذا كانت المعاملة مؤثرة صحيحة وأما إذا كان النهي عن السبب فلا يكاد يدل على الصحة وذلك لجواز كونه مقدورا وان لم يكن مؤثرا صحيحا نعم لا يدل النهي فيه على الفساد كما تقدم ولكنه غير الدلالة على الصحة كما لا يخفى (وفيه) أن النهي في السبب أيضا مما يدل على الصحة وذلك لعين ما اعترف به في المسبب والتسبب من اعتبار القدرة في متعلق النهي ودعوى جواز كون السبب مقدورا وان لم يكن صحيحا مما لا وجه له فان السبب وان جاز أن يكون مقدورا مع عدم تأثيره في النقل والانتقال لفقد شرط أو لوجود مانع ولكن صحة كل شيء بحسبه وليس صحة السبب بمعنى أن يترتب عليه الأثر خارجا فان الأثر مترتب على مجموع السبب والشرط وفقد المانع لا على السبب وحده بل صحة السبب هو بمعنى أنه إذا انضم إليه الشرط وفقد
158

المانع أثر أثره أي في النقل والانتقال ومن المعلوم حصول هذا المعنى في السبب ولو مع النهي عنه كما لا يخفى هذا كله تحقيق المصنف في المعاملات مع ما فيه من المناقشة (وأما العبادات) فقد قسمها إلى قسمين:
(الأول) ما كان منها عبادة ذاتية كالركوع والسجود والخضوع والخشوع ونحوها مما لا يحتاج عباديتها إلى تعلق أمر بها وفي هذا القسم ذهب إلى كونه مقدورا مع النهي عنه كما إذا كان مأمورا به (وفيه) أن مجرد المقدورية مما لا يكشف عن الصحة فان العبادات الذاتية وان كانت عبادة حتى مع النهي عنها كما تقدم غير مرة ولكنها ليست مقربة إلى الله تعالى وهو مما يكفى في عدم صحتها وفسادها بمعنى عدم ترتب الأثر المرغوب منها عليها اللهم الا إذا كان المقصود من صحتها حينئذ هو تحقق عباديتها إذ المفروض انها عبادة ذاتية لا تتخلف عباديتها حتى مع النهي عنها.
(الثاني) ما كان منها عبادة لاعتبار قصد القربة فيه لو كان مأمورا به وفي هذا القسم ذهب إلى عدم كونه مقدورا مع النهي عنه الا إذا قيل بجواز اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد بعنوان واحد (وفيه) أن المراد من القسم الثاني هو العبادة التقديرية أي ما لو تعلق الأمر به كان أمره أمرا عباديا لا يكاد يسقط الا مع قصد القربة كما تقدم في الأمر الرابع ويشهد به قوله في المقام لو كان مأمورا به وقوله أيضا بمعنى أنه لو كان مأمورا به كان الأمر به أمر عبادة لا يسقط الا بقصد القربة... إلخ ومن الواضح المعلوم عدم توقف القدرة على العبادة التقديرية مع النهي عنها على القول بجواز الاجتماع في شيء واحد بعنوان واحد فان الذي يتوقف على ذلك هو العبادة الفعلية أي ما تعلق الأمر به فعلا أمرا عباديا لا يكاد يسقط الا مع قصد القربة لا العبادة التقديرية والظاهر أن إليه أشار أخيرا بقوله فافهم.
159

(ثم) ان للمصنف تعليقة في المقام قد لخص فيها تحقيقه على نحو تسلم مما أوردناه عليه في المعاملات والعبادات جميعا (قال) لدى التعليق على قوله والتحقيق... إلخ ما لفظه ملخصه أن الكبرى وهي أن النهي حقيقة إذا تعلق بشيء ذي أثر كان دالا على صحته وترتب أثره عليه لاعتبار القدرة فيما تعلق به النهي كذلك يعنى حقيقة وان كانت مسلمة الا أن النهي كذلك لا يكاد يتعلق بالعبادات ضرورة امتناع تعلق النهي كذلك بما تعلق به الأمر وتعلقه بالعبادات بالمعنى الأول وان كان ممكنا الا أن أثر المرغوب منها عقلا أو شرعا غير مترتب عليها مطلقا بل على خصوص ما ليس بحرام منها وهكذا الحال في المعاملات فان كان الأثر في معاملة مترتبا عليها ولازما لوجودها كان النهي عنها دالا على ترتبه عليها لما عرفت يعنى لاعتبار القدرة فيما تعلق به النهي حقيقة (انتهى).
في المنطوق والمفهوم
(قوله المقصد الثالث في المفاهيم... إلخ) كان الأولى أن يقول المقصد الثالث في المنطوق والمفهوم كما هو دأب الأصوليين والظاهر أن العدول عن ذلك لأجل الفرار عن تعرض حال المنطوق وعلى كل حال يقع الكلام ها هنا في جهات عديدة.
(الأولى) في تعريف المنطوق والمفهوم (وقد عرف الحاجبي) المنطوق بما دل عليه اللفظ في محل النطق والمفهوم بما دل عليه اللفظ لا في محل النطق (وقد فسر العضدي) التعريف الأول بقوله أن يكون حكما لمذكور وحالا من أحواله وفسر التعريف الثاني بقوله بان يكون حكما لغير مذكور وحالا
160

أحواله وقد أطيل فيهما الكلام بين الأعلام بالنقض والإبرام طردا وعكسا على ما يظهر من التقريرات وغيره كما يظهر منه أن لكل من الآمدي والعلامة أعلى الله مقامه تعريف آخر غير ما ذكره الحاجبي والعضدي (والصحيح لدى المصنف) أن المفهوم حكم غير مذكور ومنه يعرف تعريف المنطوق فيكون حكما مذكورا وإليه أشار بقوله فصح أن يقال ان المفهوم انما هو حكم غير مذكور لا أنه حكم لغير مذكور... إلخ والظاهر أن وجه العدول عن الثاني أنه لو قيل ان المفهوم حكم لغير مذكور فيرد عليه النقض بمفهوم الشرط ونحوه فان مفهوم قوله ان جاءك زيد فأكرمه على القول به عبارة عن عدم وجوب إكرام زيد عند عدم مجيئه وهو حكم للمذكور أي لإكرام زيد المذكور في المنطوق فيختل تعريف المفهوم بعدم العكس وتعريف المنطوق بعدم الطرد وهذا بخلاف ما إذا عرف المنطوق بأنه حكم مذكور والمفهوم بأنه حكم غير مذكور فلا إيراد ولا نقض.
(أقول) ولو عرف المنطوق بما نطق به والمفهوم بما لا ينطق به كان أسهل وأخصر مع عدم النقض عليهما لا طردا ولا عكسا.
(الثانية) هل المنطوق والمفهوم من صفات المدلول أم من صفات الدلالة (قال في التقريرات) الظاهر من موارد إطلاق اللفظين في كلمات أرباب الاصطلاح انهما وصفان منتزعان من المدلول (إلى أن قال) خلافا لظاهر العضدي تبعا للحاجبي والمحكي عن الشهيد حيث جعلوهما من الأوصاف الطارية للدلالة ولا وجه لذلك وأما ما قيل من أن تقسيم الدلالة إليهما يدل على ذلك ففيه أن التقسيم المذكور لم نعثر عليه في كلام من يرى انهما من الأوصاف المنتزعة من المدلول نعم عدهم دلالة الإشارة يعنى كدلالة الآيتين على أقل الحمل من المنطوق دليل عليه (قال) والظاهر إرادة دخول مدلولها فيه (انتهى)
161

ثم ان المصنف قد مال إلى مختار التقريرات حيث قال وإن كان بصفات المدلول أشبه... إلخ والظاهر أن قوله بعد هذا وتوصيف الدلالة أحيانا كان من باب التوصيف بحال المتعلق... إلخ إشارة إلى توصيفها في مقام تقسيم الدلالة بمعنى أن توصيف الدلالة بالمنطوق والمفهوم إنما هو من باب التوصيف بحال المتعلق نظير زيد منطلق أبوه أي فالمدلول إما منطوق أو مفهوم لا الدلالة كما أن الظاهر أن هذا الجواب قد اقتبسه من قول التقريرات المتقدم في جواب عدهم دلالة الإشارة من المنطوق من أن الظاهر إرادة دخول مدلولها فيه أي مدلول الإشارة في المنطوق.
(الثالثة) هل المنطوق والمفهوم يختصان بالمداليل المركبة دون المفردة أم لا مختار التقريرات هو الأول (قال) في الأمر الثاني ثم إن المداليل المفردة ليست من المنطوق كما أن لوازمها العقلية أو غيرها ليست من المفهوم فان المقسم فيهما هو المدلول المركب.
(أقول) بل كما يطلق المنطوق والمفهوم على المداليل المركبة مثل إن جاءك زيد فأكرمه أو إن لم يجئك فلا تكرمه فكذلك لا بأس بإطلاقهما على المدلول المفرد فمدلول المطابقي للفظ حاتم مثلا يكون منطوقا ومدلوله الالتزامي وهو الجود يكون مفهوما غير أن الاصطلاح على الظاهر قد جرى بإطلاقهما على المداليل المركبة ولا مشاحة في الاصطلاح.
(الرابعة) إنهم قسموا المنطوق إلى صريح وغير صريح (فالصريح) هو المدلول المطابقي بل التضمني أيضا وان أشكل فيه غير واحد منهم (قال المحقق القمي) ولى في كون التضمني صريحا إشكال (إلى أن قال) فالأولى جعله من باب الغير الصريح انتهى (وقال في الفصول) وألحقوا به أي بالمدلول المطابقي التضمني وليس على ما ينبغي انتهى (وغير الصريح) ينقسم إلى المدلول بدلالة
162

الاقتضاء والإيماء والإشارة (فالمدلول بدلالة الاقتضاء) هو ما توقف صدق الكلام عليه كقوله صلى الله عليه وآله وسلم رفع عن أمتي الخطأ والنسيان فان المراد منه رفع المؤاخذة عنهم لا رفع نفس الخطأ والنسيان والا لزم الكذب أو توقف صحته عقلا عليه كما في قوله تعالى واسئل القرية فإنه إذا لم يقدر الأهل لم يصح الكلام ولم يستقم أو توقف صحته شرعا عليه كقول القائل أعتق عبدك عني على الف أي مملكا لي على الف إذ لا يصح العتق شرعا الا في ملك هكذا مثلوا (والمدلول بدلالة الإيماء) هو ما دل عليه اللفظ لاقترانه بما يستبعد معه عدم إرادته كدلالة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم كفر بعد قول الأعرابي هلكت وأهلكت واقعت أهلي في نهار رمضان على علية الوقاع للكفارة فان مع اقتران كلمة كفر بقول الأعرابي هلكت وأهلكت.. إلخ يستبعد عدم كون الوقاع علة للكفارة هكذا مثلوا أيضا (والمدلول بدلالة الإشارة) هو ما يلزم من الكلام من دون قصد المتكلم له كدلالة الآيتين على أقل الحمل فقوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين وقوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا يدلان على كون أقل الحمل ستة أشهر مع عدم كونه مقصودا للمتكلم في شيء من الآيتين.
(أقول) ان عد المدلول بدلالة الاقتضاء والإيماء والإشارة من المنطوق ولو من غير صريحه مما لا وجه له سيما الإشارة التي صرحوا بأنها غير مقصودة للمتكلم فان المنطوق على ما عرفت عبارة عما نطق به أو ما دل عليه اللفظ في محل النطق وليس شيء منها مما نطق به أو مما دل عليه اللفظ في محل النطق (وعليه) فتقسيم المنطوق إلى صريح وغير صريح وان مدلول الاقتضاء والإيماء والإشارة من الغير الصريح في غير محله والمناسب عد الجميع أي الاقتضاء والإيماء والإشارة من أقسام المفهوم (ثم ان) التأمل في دخول
163

التضمني في المنطوق الصريح كما تقدم من المحقق القمي وصاحب الفصول وصرح به التقريرات أيضا في الأمر الخامس فقال بأولوية إلحاقه بالإلتزامي الغير الصريح في غير محله أيضا فان التضمني جزء المطابقي فهو مما نطق به ضمن النطق بالمطابقي ومعه لا وجه لدرجه في المنطوق الغير الصريح وجعله في صف المدلول بدلالة الاقتضاء والإيماء والإشارة.
(وبالجملة) الحق ان المنطوق هو قسم واحد وهو الصريح فقط حتى أن العلامة على ما يظهر من التقريرات في الأمر الرابع قد أخذ الصراحة في تعريف المنطوق فعرفه بما دل اللفظ عليه بصريحه وعلى هذا فينحصر المنطوق بالمدلول المطابقي والتضمني فقط دون غيرهما.
(الخامسة) هل المفهوم يطلق على مطلق المدلول الالتزامي ولو لم يكن لفظيا بينا بالمعنى الأخص أم لا بل لا يطلق الا على خصوص المدلول الالتزامي اللفظي البين بالمعنى الأخص الذي لا ينفك تصوره عن تصور الملزوم (ظاهر الفصول) هو الثاني قال في الفصل الأول من المسألة (ما هذا لفظه) ومنها أي ومن الإشكالات الواردة على الحدود المذكورة أن حد المفهوم منقوض بدلالة الأمر بالشيء على الأمر بمقدمته وبدلالته على فساد الضد على القول به ونحو ذلك مع أن شيئا منها لا يسمى مفهوما اصطلاحا ويمكن دفعه بان المعتبر في المفهوم والمنطوق أن يكونا مدلول اللفظ أو دلالته بقرينة أن المقسم عندهم أحدهما ولا نسلم أن اقتضاء الأمر لما ذكر يعد من دلالة اللفظ بل من دلالة العقل.
(أقول) والظاهر أن الأمر كما أفاد الفصول فالمراد من المفهوم هو مدلول اللفظ أو دلالة اللفظ على الخلاف السابق في الجهة الثانية من كونهما من صفات المدلول أو الدلالة والمدلول الالتزامي الغير البين بالمعنى الأخص
164

كما في دلالة الأمر على وجوب المقدمة أو على حرمة الضد على القول بها أو دلالة النهي على الفساد ولو في العبادات ليس من مدلول اللفظ فلا يطلق عليه المفهوم في الاصطلاح.
(قوله عن حكم إنشائي... إلخ) كما في قولك ان جاءك زيد فأكرمه فمفهومه على القول به ان لم يجئك زيد فلا تكرمه وهو حكم إنشائي
(قوله أو إخباري... إلخ) كما في قولك ان جئتني أكرمتك فمفهومه على القول به ان لم تجئني ما أكرمتك وهو حكم إخباري.
(قوله تستتبعه خصوصية المعنى الذي أريد من اللفظ بتلك الخصوصية... إلخ) فان المفهوم تابعة لخصوصية في المعنى المنطوق به الموجبة للمفهوم وهي العلية المنحصرة للشرط ونحوه على القول باستفادتها منه.
(قوله ولو بقرينة الحكمة... إلخ) فان ثبوت الخصوصية للمعنى المنطوق به المستتبعة للمفهوم قد يدعى استناده إلى التبادر وقد يدعى استناده إلى الانصراف وقد يدعى استناده إلى مقدمات الحكمة وهو أضعف الوجوه كما ستعرف
(قوله وكان يلزمه لذلك... إلخ) أي وكان الحكم الإنشائي أو الاخباري يلزم المعنى الذي أريد من اللفظ لأجل تلك الخصوصية.
(قوله وافقه في الإيجاب والسلب... إلخ) كما في قوله تعالى ولا تقل لهما أف المستفاد منه حرمة الضرب والشتم بالأولوية ويسمى بمفهوم الموافقة ولحن الخطاب وفحوى الخطاب.
(قوله أو خالفه... إلخ) كما في قولك ان جاءك زيد فأكرمه فان المنطوق إيجابي والمفهوم سلبي ويسمى بمفهوم المخالفة ودليل الخطاب كما أن المجموع من الموافقة والمخالفة يسمى بلازم الخطاب في قبال المدلول المطابقي أو التضمني المنطوق به.
165

(قوله كما أشرنا إليه في غير مقام لأنه من قبيل شرح الاسم... إلخ) قد أشار إلى ذلك في الأمر الرابع من بحث النهي في العبادات والمعاملات مختصرا وقبله في المطلق والمشروط من بحث مقدمة الواجب مفصلا.
(قوله كما في التفسير اللغوي... إلخ) كتفسيره بان السعدانة نبت فإنه تعريف لفظي شارح للاسم يحصل به الميز في الجملة.
(قوله كما لا يهمنا بيان أنه من صفات المدلول أو الدلالة... إلخ) إشارة إلى الجهة الثانية من الجهات الخمس التي قد عقدناها في المقام فلا تغفل.
(قوله وتوصيف الدلالة أحيانا... إلخ) إشارة إلى توصيف الدلالة بالمنطوق والمفهوم أحيانا في مقام تقسيم الدلالة وقد تقدم تفصيل ذلك في الجهة الثانية من الجهات الخمس فتذكر.
(قوله أو بالقرينة العامة... إلخ) يعنى بها الانصراف ومقدمات الحكمة وستعرف تفصيلهما قريبا فانتظر.
في مفهوم الشرط
(قوله فصل الجملة الشرطية هل تدل على الانتفاء عند الانتفاء... إلخ) بمعنى أنه إذا قال إن جاءك زيد فأكرمه فهل يدل قوله هذا على أنه كلما انتفى المجيء انتفى وجوب الإكرام بحيث لو قال بعدا وإن أحسن إليك فأكرمه كان ذلك مخصصا لمفهوم إن جاءك زيد فأكرمه أم لا بل لا يدل قوله هذا على الانتفاء عند الانتفاء سوى الثبوت عند الثبوت المتسالم عليه عند الكل (فيه) خلاف بين الأعلام (والحق) أنه يدل على الانتفاء عند الانتفاء في الجملة ولا بد لتحقيق الحال من التكلم في مقامات ثلاثة.
166

(الأول) أن الجملة الشرطية هل هي ظاهرة في اللزوم أي في الملازمة الوجودية بين الشرط والجزاء كما في قولك إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود بحيث كلما كان الشرط كان الجزاء أم لا بل ظاهرة في مجرد الثبوت عند الثبوت ولو من باب الاتفاق كما في قولك إن كان زيد ضعيفا فإيمانه قوى أو إن كان زيد مريضا فعقله سالم وهكذا (الظاهر) أنه لا كلام في ظهورها في اللزوم واستفادة الملازمة الوجودية بين الشرط والجزاء كما أن الظاهر أن ذلك مستند إلى الوضع بشهادة التبادر والانسباق الحاقي (وعليه) فاستعمالها في الثبوت عند الثبوت من باب الاتفاق كما في المثالين مما لا يصح الا بضرب من التأويل نعم لا بأس باستعمالها في الملازمة الاتفاقية كما في قولك كلما جئتني كنت نائما أو كلما جئتك كنت غائبا وهكذا.
(الثاني) أن الجملة الشرطية هل هي ظاهرة في علية الشرط للجزاء وبعبارة أخرى هل هي ظاهرة في اللزوم بنحو الترتب أي ترتب الجزاء على الشرط ترتب المعلول على العلة كترتب النهار على طلوع الشمس أم لا (الحق) كما اختاره صاحب التقريرات أنه لا ينبغي الإشكال في ظهورها في علية الشرط للجزاء وسببيته له.
(نعم) ليس هذا الظهور مستندا إلى الوضع بحيث لو استعملت فيما لم يكن الشرط علة للجزاء بل كان الجزاء علة للشرط كما في قولك إن كان النهار موجودا فالشمس طالعة أو كان الشرط والجزاء معلولين لعلة ثالثة كما في قولك ان كان النهار موجودا فالعالم مضيء كان استعمال الجملة مجازا لغة فان استعمالها في جميع هذا كله ليس بمجاز لعدم عناية ولا رعاية علاقة (والظاهر) أنه ليس هذا الظهور مستندا إلى كثرة الاستعمال أيضا ولا إلى أكملية علاقة العلية عن ساير العلاقات والملازمات إذ لو سلم أكثرية الاستعمال فهي ليست بمقدار
167

توجب الانصراف إليها لكثرة الاستعمال فيما لم يكن الشرط علة أيضا كما أنه لو سلم أكملية علاقة العلية عن ساير العلاقات والملازمات فهي ليست أيضا بمثابة توجب الانصراف إليها بل الظاهر أن ظهور الجملة الشرطية في علية الشرط للجزاء وترتب الجزاء عليه ترتب المعلول على العلة مستند إلى تركيب الجملة الشرطية وجعل الشرط مقدما والجزاء تاليا فنفس هذا التركيب مع قطع النظر عن كل قرينة مما يوجب الظهور في سببية الشرط للجزاء وترتب الجزاء عليه خارجا كما هو مرتب عليه في القضية اللفظية.
(وبالجملة) ظهور الجملة الشرطية في علية الشرط للجزاء وسببيته له مما لا ينبغي إنكاره وان فرض عدم العلم بمدركه ومنشأه فان الظهور متبع على كل حال من أينما حصل وتحقق.
(الثالث) أن الجملة الشرطية بعد تسليم ظهورها في علية الشرط للجزاء وسببيته له هل هي ظاهرة في عليته المنحصرة أي ان الشرط علية للجزاء ولا علة له سواه أم لا (وعلى هذا) يبتنى القول بالمفهوم والانتفاء عند الانتفاء وذلك لوضوح انتفاء المعلول بانتفاء علته المنحصرة ولا يكاد يبتنى على مجرد ظهورها في اللزوم أو مجرد
ظهورها في علية الشرط للجزاء من دون الانحصار به فان مجرد الظهور في الملازمة الوجودية وانه كلما كان الشرط كان الجزاء كما عرفته في المقام الأول أو ظهورها في علية الشرط للجزاء كما عرفته في المقام الثاني مما لا يستلزم المفهوم والانتفاء عند الانتفاء أي كلما انتفى الشرط انتفى الجزاء فان الملازمة من طرف الوجود لا يستلزم الملازمة من طرف العدم كما أن علية الشرط للجزاء أيضا لا يستلزم ذلك لجواز انتفاء العلة وقيام علة أخرى مكانها نعم إذا كان الشرط علة منحصرة للجزاء فعند ذلك إذا انتفى الشرط انتفى الجزاء لا محالة (والحق) تبعا للمصنف أن الجملة الشرطية غير
168

ظاهرة في العلية المنحصرة لا وضعا لعدم عناية ولا رعاية علاقة فيما إذا استعملت الجملة في غير العلية المنحصرة كما في قولك إن جاءك زيد فأكرمه وان أحسن إليك فأكرمه أو إذا زالت الشمس فصل وإذا طلع الفجر فصل وهكذا ولا انصرافا لعدم منشأ صحيح للانصراف كما ستعرف شرحه ولا إطلاقا بمعونة مقدمات الحكمة كما ستعرف أيضا شرحه وإن كان المنسوب إلى المشهور على ما في التقريرات هو القول بالمفهوم نظرا إلى ظهورها في العلية المنحصرة بل الظاهر من التقريرات التزامهم بوضعها لذلك بحيث لو استعملت في غيرهما كانت مجازا لغة وهو محل المنع جدا.
(نعم) مقتضى ظهور الجملة الشرطية في علية الشرط للجزاء هو الانتفاء عند الانتفاء في الجملة كما إذا انتفى الشرط وانتفى كل علة أخرى سواه فينتفى الجزاء حينئذ وإن لم يظهر من المصنف الاعتراف بهذا المقدار ولكن الإنصاف ظهورها فيه بهذا القدر والا لبطل التعليق ولزم اللغو غالبا فإنه وان جاز أحيانا أن يكون التعليق لغير الانتفاء عند الانتفاء ولو في الجملة كما إذا كان التعليق لأجل مزيد الاهتمام بمورد الشرط كما في قولك إن رزقت ولدا فاشكر ربك فان وجوب الشكر مما لا ينتفي بانتفاء الشرط بل ثابت على كل حال أو كان التعليق لأجل توهم عدم شمول الحكم لمورد الشرط كما في قولك إن سبك أحد فلا تسبه فان حرمة السب مما لا ينتفي أيضا بانتفاء الشرط بل تثبت بطريق أولى ولكن التعليق غالبا ليس من هذا القبيل (وعليه) فالجملة الشرطية لو خليت عن كل قرينة فهي ظاهرة بطبعها في كون التعليق لأجل علية الشرط وسببيته للجزاء ولو لا بنحو الانحصار وهو يستلزم الانتفاء عند الانتفاء في الجملة وإن لم تكن ظاهرة في العلية المنحصرة كي يستلزم الانتفاء عند الانتفاء مطلقا أي كلما انتفى الشرط انتفى الجزاء.
169

(قوله أو بقرينة عامة... إلخ) من الانصراف ومقدمات الحكمة كما ستعرف الكلام فيهما مفصلا.
(قوله بأحد الوجهين... إلخ) من الوضع أو القرينة العامة.
(قوله على تلك الخصوصية المستتبعة... إلخ) وهي العلية المنحصرة كما عرفت تفصيلها آنفا في المقام الثالث.
(قوله وأما القائل بعدم الدلالة ففي فسحة فان له منع دلالتها على اللزوم... إلخ) بل ليس له المنع عن ذلك أبدا لما عرفت في المقام الأول من ظهورها في اللزوم وانسباقه منها وسيأتي اعتراف المصنف بان المنع عن دلالتها على اللزوم في غاية السقوط.
(قوله أو منع دلالتها على الترتب... إلخ) كما إذا كان الشرط والجزاء معلولين لعلة ثالثة لا ترتب بينهما كما في قولك ان كان النهار موجودا فالعالم مضيء ولكن قد عرفت منا في المقام الثاني ظهور الجملة الشرطية في علية الشرط وسببيته للجزاء وترتب الجزاء عليه ترتب الجزاء عليه ترتب المعلول على العلة وإن لم يكن ظهورها في ذلك مستندا إلى الوضع كما تقدم (وعليه) فليس للقائل بعدم الدلالة المنع عن دلالتها على الترتب أيضا.
(قوله أو على نحو الترتب على العلة... إلخ) أي للقائل بعدم الدلالة المنع عن دلالتها على الترتب بنحو الترتب على العلة بعد تسليم أصل الترتب كما إذا كان الشرط ملازما لما هو علة الجزاء لا علة له بنفسه (هذا) ولكن الإنصاف بعد تسليم ظهور الجملة في الترتب لا مجال لإنكار ظهورها في الترتب بنحو الترتب على العلة لا على ملازم العلة.
(قوله أو العلة المنحصرة... إلخ) أي للقائل بعدم الدلالة المنع عن دلالتها على الترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة بعد تسليم أصل
170

على اللزوم والترتب على العلة.
(أقول) وهذا المنع من القائل بعدم الدلالة حق لا ننكره وذلك لما أشير إليه في المقام الثالث من عدم ظهورها في العلية المنحصرة لا وضعا ولا انصرافا ولا إطلاقا بمقدمات الحكمة وهو يكفى في عدم ثبوت المفهوم فان النتيجة تتبع أخس المقدمات فإذا منعت إحداها منعت النتيجة وان كانت المقدمة الأولى والثانية أي دلالتها على أصل اللزوم وعلى علية الشرط صحيحتين تامتين لا كلام لنا فيهما.
(قوله وأما المنع عن أنه بنحو الترتب على العلة فضلا عن كونها منحصرة فله مجال واسع... إلخ) بل عرفت أنه لا مجال للمنع عن ظهورها في الترتب على العلة وان كان للمنع عن دلالتها على كونها منحصرة مجال واسع كما أفاد.
(قوله ودعوى تبادر اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة... إلخ) إشارة إلى أقوى دليل يمكن الاستدلال به للقول بالمفهوم وقد تقدم منا في المقام الثالث تبعا للمصنف ما تعرف به ضعف هذا الدليل من عدم عناية ولا رعاية علاقة فيما إذا استعملت الجملة الشرطية في غير العلة المنحصرة فتذكر.
(قوله وفي عدم الإلزام والأخذ بالمفهوم... إلخ) عطف على موارد الاستعمالات.
(قوله وعدم صحته... إلخ) أي وعدم صحة الجواب.
(قوله معلوم... إلخ) خبر لقوله وعدم صحته.
(قوله وأما دعوى الدلالة بادعاء انصراف إطلاق العلاقة اللزومية... إلخ) إشارة إلى دليل آخر أمكن الاستدلال به للقول بالمفهوم وان لم
171

يستدل به في الخارج (وحاصله) أن إطلاق العلاقة اللزومية المستفادة من الجملة الشرطية التي اعترف بها المصنف واعترفنا بها بل وبأكثر منها وهو ظهور الجملة في علية الشرط وسببيته للجزاء وان لم تكن ظاهرة في العلية المنحصرة منصرف إلى ما هو أكمل أفراد العلاقة وهي الكائنة بين العلة المنحصرة ومعلولها (وحاصل الجواب) أن ذلك ممنوع كبرى وصغرى (أما كبرى) فلعدم كون الأكملية موجبة للانصراف سيما مع كثرة الاستعمال في غير الأكمل أيضا كما في المقام ضرورة كثرة استعمال الجملة الشرطية في غير العلة المنحصرة لو لم يكن بأكثر (وأما صغرى) فلعدم كون العلاقة الكائنة بين العلة المنحصرة ومعلولها آكد وأقوى من الكائنة بين العلة الغير المنحصرة ومعلولها فان الربط والسنخية بين كل علة ومعلولها لا بد وأن يكون بحد يوجب التأثير والتأثر واما الانحصار وعدمه فمما لا ربط له بشدة الربط والسنخية كما لا يخفى.
(أقول) نحن وان اعترفنا في المبحث الرابع من مباحث الصيغة أن الأكملية قد توجب الانصراف إلى الأكمل ولكن الصغرى في المقام ممنوعة كما أفاد المصنف وهو يكفى في بطلان دعوى الانصراف إلى العلة المنحصرة.
(قوله ان قلت نعم ولكنه قضية الإطلاق بمقدمات الحكمة... إلخ) إشارة إلى دليل ثالث قد أمكن الاستدلال به للقول بالمفهوم وان لم يستدل به في الخارج أيضا وهو التمسك بالإطلاق وهذا أضعف الوجوه الثلاثة وله تقريبات عديدة قد أشار المصنف إلى الأول منها بقوله هذا أعنى قوله ان قلت نعم... إلخ (وحاصله) هو مجرد قياس المقام على إطلاق صيغة الأمر فكما أن إطلاق الصيغة بوسيلة مقدمات الحكمة يقتضى كون الوجوب نفسيا لا غيريا فكذلك إطلاق العلاقة اللزومية بوسيلة مقدمات الحكمة يقتضى كون العلاقة اللزومية بنحو العلية المنحصرة لا غيرها (وقد أجاب عنه) المصنف بجوابين
172

(الأول) أن مقدمات الحكمة إنما تتم هي في مورد قابل لانعقاد الإطلاق ولا يكاد ينعقد الإطلاق في مفاد الحروف كمفاد أدوات الشرط المستفاد منها العلاقة اللزومية فان المعنى كما تقدم في صدر الكتاب لا يكاد يكون حرفيا إلا إذا لوحظ حالة لمعنى آخر ومن خصوصياته القائمة به ومع لحاظه كذلك لا محالة يكون المعنى جزئيا لا كليا والجزئي لا يكاد ينعقد له الإطلاق (وفيه) ما تقدم من المصنف هناك من كون اللحاظ الآلي خارجا عن المعنى الحرفي كخروج اللحاظ الاستقلالي عن المعنى الاسمي وإلا لكان الاسمي أيضا جزئيا كالحرفي ومع خروج اللحاظ عن المعنى الحرفي وكونه كالإسمي يكون قابلا لا محالة لانعقاد الإطلاق كما لا يخفى.
(الثاني) أن قياس إطلاق العلاقة اللزومية على إطلاق صيغة الأمر قياس مع الفارق فان الوجوب النفسي كان وجوبا مطلقا ثابتا على كل حال والوجوب الغيري كان وجوبا مقيدا بوجوب الغير ثابتا على تقدير دون تقدير فاقتضى إطلاق الصيغة كون الوجوب مطلقا ثابتا على كل حال لا مقيدا ثابتا على تقدير وهذا بخلاف المقام فان كلا من العلاقة اللزومية الكائنة بين العلة المنحصرة ومعلولها والعلاقة اللزومية الكائنة بين العلة الغير المنحصرة ومعلولها بل والعلاقة اللزومية الكائنة بين المتلازمين هو على حد سواء فالتعيين مما يحتاج إلى قرينة معينة.
(أقول) بل قد عرفت منا في المبحث السادس من مباحث الصيغة أن إطلاق الصيغة أيضا مما لا يقتضى كون الوجوب نفسيا لا غيريا (وعليه) فيرد على التمسك المذكور مضافا إلى المنع في المقيس أن اقتضاء الإطلاق كون الوجوب نفسيا في المقيس عليه أيضا ممنوع.
(قوله ثم إنه ربما يتمسك الدلالة على المفهوم بإطلاق الشرط... إلخ)
173

إشارة إلى التقريب الثاني من التمسك بالإطلاق للقول بالمفهوم (وحاصله) أنه لو قال مثلا إن جاءك زيد فأكرمه فإطلاق الشرط يقتضى أن المجيء وحده يؤثر في وجوب الإكرام فلو كان هناك شيء آخر مؤثرا في وجوب الإكرام أيضا وقد قارن المجيء أو سبقه لم يكن المجيء وحده مؤثرا فيه بل كان المؤثر هو والأمر المقارن أو خصوص الأمر السابق (وقد أجاب عنه المصنف) بان إطلاق الشرط من حيث التأثير وحده وإن كان يقتضى أن لا يكون هناك شرط آخر غير المجيء فيكون هو العلة المنحصرة ولكن من المعلوم ندرة تحقق هذا الإطلاق لو لم نقل بعدم اتفاقه.
(أقول) ان تأثير الشرط وحده له معنيان:
(فتارة) يكون بمعنى أنه لا يحتاج في التأثير إلى ضم شيء آخر معه أصلا وهذا هو الذي يقتضيه إطلاق الشرط فلو لم يكن المجيء وحده في المثال المشهور كافيا في وجوب الإكرام بل كان يحتاج إلى ضم شيء آخر معه يقارنه أو يسبقه لكان على المولى البيان ولكن التمسك بهذا الإطلاق مما لا ينفع القائل بالمفهوم فان أقصى ما يقتضيه الإطلاق حينئذ أن المجيء شرط تام لا يحتاج في التأثير إلى ضم شيء آخر معه لا أن الشرط منحصر به وأنه ليس هناك شيء آخر يؤثر في وجوب الإكرام أصلا.
(وأخرى) يكون بمعنى أنه لا يمكن أن يشترك معه في التأثير شيء آخر أصلا بل المؤثر في كل حال هو بنفسه وحده وهذا هو الذي ينفع القائل بالمفهوم إذ لو كان هناك غير المجيء في المثال المتقدم شيء آخر مؤثرا أيضا في وجوب الإكرام نظير المجيء وقد قارن المجيء أو سبقه لم يكن المجيء وحده مؤثرا بل كان المؤثر هو ومقارنه مجموعا أو كان المؤثر هو الأمر السابق عليه ولكن هذا مما لا يقتضيه إطلاق الشرط إذ لو كان هناك شيء آخر مؤثرا
174

أيضا في وجوب الإكرام نظير المجيء على نحو لو قارنه أو سبقه كان المؤثر هما جميعا أو الأمر السابق عليه لم يكن على المولى البيان قطعا فإنه في مقام بيان شرطية هذا لا عدم شرطية ما سواه (وعليه) فما يقتضيه إطلاق الشرط لا ينفع القائل بالمفهوم وما ينفع القائل بالمفهوم لا يقتضيه إطلاق الشرط (ومن هنا) يتضح أنه كان الحق في الجواب هو منع اقتضاء الإطلاق كون الشرط وحده مؤثرا في الجزاء بالمعنى الذي ينفع القائل بالمفهوم لا تسليم اقتضائه ودعوى ندرة تحققه لو لم نقل بعدم اتفاقه.
(نعم) قد يقتضى الإطلاق انحصار الشرط بما ذكر في لسان الدليل كما إذا أحرز كون المولى في مقام بيان ما هو الشرط والعلة للجزاء ولم يذكر في الدليل سوى شرط واحد ولكنه مع ندرته جدا هو إطلاق مقامي الذي هو عبارة أخرى عن عدم البيان في مقام البيان لا إطلاق لفظي كإطلاق الشرط ونحوه فتأمل جيدا فان المقام لا يخلو عن
دقة.
(قوله وأما توهم أنه قضية إطلاق الشرط بتقريب أن مقتضاه تعينه... إلخ) إشارة إلى التقريب الثالث من التمسك بالإطلاق للقول بالمفهوم (وحاصله) أن إطلاق صيغة الأمر كما أنه يقتضى تعين الوجوب وأنه ليس بتخييري فكذلك إطلاق الشرط يقتضى تعين الشرط وأنه لا شرط سواه فيثبت الانحصار به والانتفاء عند الانتفاء (وحاصل الجواب) أن نحوة الوجوب التعييني كما تقدم في محله غير نحوة الوجوب التخييري فالأول مما لا عدل له في لسان الدليل والثاني مما له عدل في لسان الدليل فيقول مثلا في الثاني صم ستين يوما أو أطعم ستين مسكينا فإذا قال صم ستين يوما وكان واجبا تخييريا واقعا ولم يبين له العدل في لسان الدليل كان المولى مقصرا في بيان نحوة وجوب الصوم بخلاف الشرط فان شرطية الشرط المنحصر وغير المنحصر على
175

حد سواء فإذا قال مثلا ان جاءك زيد فأكرمه وكان لوجوب الإكرام علة أخرى أيضا تؤثر فيه غير المجيء كالسلام في قوله وان سلم عليك فأكرمه لم يكن مقصرا في بيان شرطية المجيء وعليته لوجوب الإكرام.
(وبالجملة) ان المولى إذا قال صم ستين يوما وقد أحرز أنه في مقام بيان وجوبه فمجرد ذلك مما يكفى في إثبات تعينه إذ لو كان له عدل آخر فقد قصر في بيان نحوة وجوب الصوم وهذا بخلاف ما إذا قال إن جاءك زيد فأكرمه وقد أحرز أنه في مقام بيان علية المجيء فان مجرد ذلك مما لا يكفى في إثبات تعينه وانحصار العلة به إذ لو كان هناك علة أخرى سواه لم يكن المولى مقصرا في بيان علية المجيء.
(نعم) إذا أحرز أحيانا أن المولى في مقام بيان ما هو الشرط والعلة لوجوب الإكرام ولم يذكر غير المجيء شيئا آخر فعند ذلك يستكشف إنا بوسيلة الإطلاق انحصار العلة به ولكن ذلك ليس من باب إطلاق الشرط كما أشرنا بل من الإطلاق المقامي أي عدم البيان في مقام البيان كما بينا (وبعبارة أخرى) ليس من الإطلاق اللفظي كإطلاق الهيئة أو المادة في صيغة الأمر المقتضى لكون الوجوب مطلقا لا مشروطا أو تعيينيا لا تخييريا بل من الإطلاق المقامي النادر تحققه خارجا فتأمل جيدا.
(قوله واحتياج ما إذا كان الشرط متعددا إلى ذلك... إلخ) إشارة إلى دفع ما قد يقال من أن بيان الشرط أيضا فيما إذا كان متعددا يحتاج إلى زيادة مئونة فكما أن من إطلاق الدليل في الواجب يعرف أنه تعييني لا تخييري والا لاحتاج إلى مزيد بيان فكذلك من إطلاق الدليل في الشرط يعرف أنه واحد منحصر به والا لاحتاج إلى مزيد بيان (فيقول في الدفع) ما محصله أن زيادة المئونة فيما كان الشرط متعددا انما هو لبيان التعدد وليس من متممات
176

نحوة الشرطية فإذا لم يبين لم يكن المولى مقصرا في بيان نحوة الشرط وهذا بخلاف زيادة المئونة في الواجب التخييري فإنه من متممات نحوة الوجوب فإذا كان الواجب تخييريا ولم يبين له العدل في لسان الدليل كان المولى مقصرا في بيان نحوة الوجوب (وعليه) فلا يكاد يتمسك بإطلاق الدليل لكون الشرط واحدا منحصرا به ويتمسك بإطلاقه لكون الوجوب تعيينيا لا تخييريا.
(قوله فنسبة إطلاق الشرط إليه لا تختلف كان هناك شرط آخر أم لا حيث كان مسوقا لبيان شرطيته بلا إهمال ولا إجمال... إلخ) أي فنسبة إطلاق الشرط إلى نحو الشرطية لا تختلف كي يكون الإطلاق مثبتا لنحو دون نحو كما كان نسبة إطلاق الواجب إلى نحو الوجوب تختلف فكان إطلاقه مثبتا لنحو دون نحو أي للتعييني منه دون التخييري.
(قوله هذا مع أنه لو سلم لا يجدى القائل بالمفهوم... إلخ) أي هذا مع أنه لو سلم أن الإطلاق يقتضى تعين الشرط بالتقريب المتقدم لك شرحه منا أي فيما إذا أحرز كون المولى في مقام بيان ما هو الشرط والعلة لوجوب الإكرام ولم يبين سوى المجيء فهذا الإطلاق مما لا يجدى القائل بالمفهوم فان الإطلاق كذلك قد يتفق انعقاده ندرة وأين هو من دعوى المفهوم دائما.
(أقول) هذا مضافا إلى ما عرفت من أن هذا الإطلاق على تقدير تحققه هو إطلاق مقامي لا إطلاق لفظي كإطلاق الشرط الذي قد استدل به الخصم
(قوله ثم انه ربما استدل المنكرون للمفهوم بوجوه أحدها ما عزي إلى السيد... إلخ) وحاصل هذا الوجه بطوله أن تأثير الشرط انما هو تعليق الحكم عليه ولا يمتنع أن يتخلف شرط ويقوم مقامه شرط آخر فلا ينتفي الحكم بانتفائه.
(قوله والجواب أنه قدس سره... إلخ) وحاصل الجواب أن السيد
177

قدس سره (إن كان) بصدد إمكان نيابة بعض الشروط عن بعض ثبوتا وعدم انتفاء الحكم بانتفاء الشرط لقيام شرط آخر مكانه فالخصم ممن لا ينكر ذلك وانما يدعى عدم وقوعه إثباتا بمعنى دلالة الجملة الشرطية في مقام الإثبات على خلافه وان الشرط ومنحصر بما ذكر في القضية فإذا انتفى الشرط انتفى الحكم المعلق عليه (وان كان) بصدد إبداء احتمال وقوعه إثباتا فمجرد الاحتمال لا يضر بظهور الجملة الشرطية ما لم يكن الاحتمال راجحا أو مساويا وليس في ما أفاده أعلى الله مقامه ما يثبت به رجحان الاحتمال أو تساويه على نحو يبطل به الظهور ويتوقف (فالحق) في إنكار المفهوم ما أفدناه من منع التبادر ومنع الانصراف ومنع الإطلاق بتقريباته الثلاثة.
(قوله ثانيها أنه لو دل لكان بإحدى الدلالات... إلخ) وحاصل هذا الوجه الثاني من وجوه المنكرين أن الشرط لو دل على المفهوم أي الانتفاء عند الانتفاء لكان بإحدى الدلالات الثلاث أي المطابقة أو التضمن أو الالتزام والملازمة كبطلان التالي وهو دلالتها على المفهوم بإحدى الدلالات الثلاث ظاهرة (وقد أجيب عنه) بمنع بطلان التالي لأن الشرط يدل على المفهوم بالالتزام وان لم يدل عليه بالمطابقة أو التضمن (فيقول المصنف) قد عرفت بما لا مزيد عليه ما قيل أو يمكن أن يقال في إثبات الدلالة عليه بالالتزام وعدمها فان دلالة الشرط على المفهوم بالالتزام فرع دلالته بالمنطوق على الخصوصية المستتبعة للمفهوم وهي العلية المنحصرة وقد اتضح لك عدم دلالته عليها لا وضعا ولا انصرافا ولا إطلاقا.
(قوله ثالثها قوله تبارك وتعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء أن أردن تحصنا... إلخ) وحاصل هذا الوجه الثالث من وجوه المنكرين أن الشرط لو دل على المفهوم لدل قوله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء أن أردن
178

تحصنا على جواز الإكراه على البغاء ان لم يردن التحصن وهو باطل بالضرورة (وقد أجاب عنه المصنف) بما حاصله أن عدم دلالة الشرط على المفهوم أحيانا وبالقرينة مما لا يكاد ينكر وانما القائل بالمفهوم يدعى دلالة الشرط عليه وضعا أو انصرافا أو إطلاقا بمقدمات الحكمة على ما عرفت شرح الكل.
(أقول) والحق في الجواب أن يقال ان الآية الشريفة خارجة عن محل الكلام بلا كلام فلا وجه للتمسك بها لنفي المفهوم أصلا (وتوضيحه) أن الشرط على قسمين:
(فتارة) يكون شرطا للحكم من دون دخل له في تحقق موضوع الحكم بحيث إذا انتفى الشرط فالموضوع باق محفوظ على حاله كما في قولك ان جاءك زيد فأكرمه (وأخرى) يكون شرطا للحكم مع دخله في تحقق موضوع الحكم أيضا بحيث إذا انتفى الشرط فلا حكم ولا موضوع للحكم أصلا كما في قولك ان رزقت ولدا فاختنه أو ان ركب الأمير فخذ ركابه ويعبر عن هذا القسم الثاني بالشرطية المسوقة لبيان تحقق الموضوع والمبحوث عنه بين الأعلام من حيث ثبوت المفهوم وعدمه انما هو القسم الأول من الشرط وهو ما إذا انتفى الشرط بقي موضوع الحكم على حاله كما في المثال الأول فإنه إذا انتفى مجيء زيد فزيد محقق محفوظ على حاله فيقال حينئذ هل ينتفي وجوب إكرامه بانتفاء مجيئه أم لا وأما القسم الثاني الذي إذا انتفى الشرط لم يبق موضوع الحكم على حاله فلا يكاد يكون هو محل البحث والكلام أصلا فإنه إذا لم يرزق الولد أو لم يركب الأمير فلا ولد كي يجب ختانه أو لم يجب أو لا ركاب كي يجب الأخذ به أو لم يجب والآية الشريفة التي تمسك بها المنكرون للمفهوم انما هي من القسم الثاني دون الأول فان الفتيات إذا لم يردن التحصن فلا إكراه هناك كي يحرم أو لا يحرم وهذا كله لدى التدبر واضح فتدبر.
179

المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم بانتفاء شرطه لا انتفاء شخصه
(قوله بقي هاهنا أمور الأمر الأول أن المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم المعلق على الشرط عند انتفائه لا انتفاء شخصه... إلخ) المقصود من عقد هذا الأمر الأول بيان أن المراد من المفهوم في الجملة الشرطية ليس هو انتفاء شخص الحكم المعلق على الشرط عند انتفائه والا ففي اللقب أيضا ينتفي شخص الحكم بانتفائه فان شخص الوجوب المنشأ بقولك أكرم زيدا منفي عن إكرام عمرو قطعا مع أن المشهور القائلين بالمفهوم في الجملة الشرطية لم يقولوا به في اللقب بل يظهر من التقريرات أنه لم يقل به أحد من أصحابنا وان قال به مشهور المخالفين بل المراد من المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم ونوعه بانتفاء الشرط ففي مثل ان جاءك زيد فأكرمه كما أن شخص الحكم المنشأ على تقدير المجيء ينتفي بانتفاء المجيء فكذلك طبيعة الوجوب ونوعه ينتفي بانتفاء المجيء بمعنى أنه لا وجوب لإكرامه عند عدم المجيء لا بهذا الإنشاء ولا بإنشاء آخر يماثله بحيث لو ثبت له وجوب بإنشاء آخر ولو معلقا على شرط آخر بان قال مثلا وان أحسن إليك فأكرمه كان ذلك منافيا لمفهوم ان جاءك زيد فأكرمه وان قدم على المفهوم ووجب تخصيصه به كما سيأتي (ثم ان هذا النزاع) أي ثبوت المفهوم وعدمه كما أشرنا آنفا لا يكاد يجري فيما كان الشرط دخيلا في تحقق الموضوع أيضا بحيث إذا انتفى الشرط فلا حكم ولا موضوع للحكم أصلا كما في قوله ان رزقت ولدا فاختنه بل يجري فيما إذا كان الشرط شرطا
180

الحكم فقط بحيث إذا انتفى الشرط كان الموضوع باقيا محفوظا على حاله فحينئذ يقع الكلام في انتفاء سنخ الحكم بانتفاء الشرط وعدمه كما في قوله ان جاءك زيد فأكرمه أو ان سافرت فتصدق بدرهم وهكذا (وقد أشار المصنف) إلى ذلك كله بقوله ولا يتمشى الكلام في أن للقضية الشرطية مفهوما أو ليس لها مفهوم... إلخ.
(قوله ومن هنا انقدح أنه ليس من المفهوم دلالة القضية على الانتفاء عند الانتفاء في الوصايا والأوقاف والنذور والإيمان... إلخ) فإذا قال مثلا وقفت داري على أولادي أو على أولادي الفقراء أو ان كانوا فقراء فالوقف لا يكاد يشمل غير الأولاد أو الأولاد الغير المتصفين بالفقر أو المتصفين به ولكن قد زال عنهم الفقر فعلا وليس ذلك من باب مفهوم اللقب أو الوصف أو الشرط بل من باب انتفاء شخص الحكم عقلا بانتفاء موضوعه فان المفهوم عبارة عن نفى سنخ الحكم فيما أمكن ثبوته ولا يكاد يمكن ثبوت سنخ الحكم في المقام كي يمكن نفيه بالمفهوم فان الدار مثلا بعد أن وقفها الواقف على اشخاص معينين بألقابهم أو بوصف شيء أو بشرط شيء كالفقر ونحوه مما لا تقبل أن تصير وقفا ولو بإنشاء آخر على غيرهم أو عليهم عند انتفاء الوصف أو زوال الشرط عنهم كي ينفى بالمفهوم وهذا بخلاف الأمر في المثال المشهور فإنه إذا أنشأ الوجوب لإكرام زيد على تقدير مجيئه جاز ثبوت وجوب آخر ولو بإنشاء آخر لإكرامه عند عدم مجيئه ولو معلقا على شرط آخر بان يقول مثلا وان أحسن إليك فأكرمه وهذا واضح.
(قوله كما توهم... إلخ) الظاهر أن مراده من المتوهم هو صاحب التقريرات وذلك لما صرح بعدم الفرق في مفهوم الجملة الشرطية بين أن يكون في موارد الوصايا أو الأوقاف أو الأقارير وبين غيرها (قال) في أول الهداية
181

الثالثة من المنطوق والمفهوم ما هذا لفظه بعد ما عرفت أن الحق هو المفهوم في الجملة الشرطية فهل يفرق في ذلك بين موارد الوصايا والأوقاف ونحوها وبين غيره فنقول لا فرق فيما ذكرنا من ثبوت المفهوم بين كون الجمل الشرطية واقعة في موارد الوصايا أو الأوقاف أو الأقارير وبين غيره (انتهى).
(قوله بل عن الشهيد قدس سره في تمهيد القواعد أنه لا إشكال في دلالتها على المفهوم... إلخ) (قال في التقريرات) في الهداية الثالثة من المنطوق والمفهوم ما هذا لفظه ويظهر من الشهيد الثاني اختصاص النزاع بالثاني أي بغير موارد الوصايا أو الأوقاف أو الأقارير لخروج الأول عن محل التشاجر للقطع بثبوت المفهوم فيها من غير أن يكون قابلا للنزاع قال في محكي تمهيد القواعد لا إشكال في دلالتها في مثل الوقف والوصايا والنذر والأيمان كما إذا قال وقفت هذا على أولادي الفقراء أو إن كانوا فقراء أو نحو ذلك (انتهى).
(أقول) والعجب من صاحب التقريرات رحمه الله فإنه بعد أن نقل الكلام المذكور للشهيد قد اعترض عليه بما حاصله أن دلالة القضية على الانتفاء عن الانتفاء في موارد
الوصايا والأوقاف ونحوهما ليس من المفهوم وانتفاء سنخ الحكم بل هو من باب انتفاء شخص الحكم (ووجه التعجب) أنه في أول الهداية الثالثة كما تقدم آنفا لم يفرق في ثبوت المفهوم للجملة الشرطية بين أن يكون في موارد الوصايا أو الأوقاف أو الأقارير وبين غيرها وبعده بيسير قد اعترض على الشهيد بان دلالة القضية على الانتفاء عند الانتفاء في موارد الوصايا والأوقاف ونحوهما ليس من المفهوم بل من باب انتفاء شخص الحكم الذي يعترف به كل أحد.
(قوله وذلك لأن انتفائها عن غير ما هو المتعلق لها... إلخ) تعليل
182

لقوله ومن هنا انقدح... إلخ.
(قوله إشكال ودفع... إلخ) (قال في التقريرات) بعد ما بين أن المراد من المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم ونوعه لا شخص الحكم (ما هذا لفظه) وقد يستشكل في المقام نظرا إلى أن الشرط المذكور إنما وقع شرطا بالنسبة إلى الإنشاء الخاص الحاصل بذلك الكلام دون غيره فأقصى ما يفيد الشرطية انتفاء ذلك وأين ذلك من دلالته على انتفاء نوع الوجوب كما هو المدعى (انتهى) وحاصله أن الشرط مما علق عليه شخص الحكم لا سنخ الحكم ومقتضى ذلك أنه إذا انتفى الشرط انتفى شخص الحكم المعلق عليه لا سنخ الحكم الغير المعلق عليه فكيف يدعى القائل بالمفهوم أن بانتفاء الشرط ينتفي سنخ الحكم (وحاصل جواب المصنف) عن الإشكال أن الحكم المعلق على الشرط هو طبيعة الوجوب لا شخص الوجوب وذلك لما عرفت في صدر الكتاب من أن الاسم والحرف كما انهما موضوعان لمعنى واحد وان كلا من لحاظ الآلية والاستقلالية خارج عن أصل المعنى والمستعمل فيه فكذلك الخبر والإنشاء أيضا مثل قولك أنكحت اخبارا وأنكحت إنشاء موضوعان لمعنى واحد غايته أن الخبر وضع ليستعمل في حكاية معناه والإنشاء وضع ليستعمل في إيجاد معناه وان كلا من الحكاية والإنشاء خارج عن أصل المعنى والمستعمل فيه (وعليه) فصيغة الأمر في قوله ان جاءك زيد فأكرمه ليس معناها الا طبيعة الوجوب وان الخصوصية الناشئة من قبل الإنشاء خارجة عن أصل المعنى والمستعمل فيه فالمعنى المستعمل فيه صيغة الأمر هي طبيعة الوجوب وهي المعلقة على الشرط لا شخص الحكم كي ينتفي الشخص بانتفاء الشرط.
(وفيه أولا) ان المعلق على الشرط لو كان طبيعة الوجوب لا شخصه فلا بد حينئذ من القول بالمفهوم وانتفاء سنخ الحكم بانتفاء الشرط فان انتفاء
183

الحكم المعلق بانتفاء المعلق عليه أمر عقلي لا ريب فيه فكيف يجوز للمصنف إنكار المفهوم مع تصريحه في المقام بان المعلق على الشرط هو سنخ الحكم لا شخصه.
(وثانيا) قد عرفت منا في ذيل المعاني الحرفية المنع الأكيد عن وضع الخبر والإنشاء لمعنى واحد بان يكون كل من الاخبار والإنشاء خارجا عن أصل المعنى والموضوع له بل هو نفس الموضوع له بلا شبهة ولا ريب فراجع التفصيل هناك ولا نعيد الكلام هنا ثانيا.
(وثالثا) أن الصيغة بعد ما استعملت في الطلب فالمنشأ بها لا محالة ليس الا شخص الوجوب لا الكلي فيكون الشخص هو المعلق على الشرط لا سنخ الوجوب وهذا واضح (وعليه) فالحق في الجواب عن الإشكال أن يقال نعم الحكم المعلق على الشرط في القضية هو الشخص ولكن القائل بالمفهوم حيث أنه استفاد من الجملة الشرطية أن الشرط علة منحصرة للجزاء ولا علة سواه فقهرا إذا انتفى الشرط انتفى شخص الحكم المعلق عليه وكل حكم آخر من سنخه ونوعه وقد أنشأ بخطاب آخر بداهة انتفاء المعلول بانتفاء علته المنحصرة.
(قوله ولكنك غفلت عن أن المعلق على الشرط... إلخ) شروع في دفع الإشكال وقد عرفت تفصيله مع ما يرد عليه من الإشكالات الثلاثة.
(قوله وأما الشخص والخصوصية الناشئة من قبل استعمالها فيه... إلخ) وهي الخصوصية الخارجية الناشئة من قبل استعمال الصيغة في الوجوب وإنشائه
(قوله كما لا تكون الخصوصية الحاصلة من قبل الاخبار به... إلخ) وهي الخصوصية الذهنية الحاصلة من قبل الاخبار بالوجوب والحكاية عنه فان الاخبار به يستلزم اللحاظ الموجب للتشخص الذهني.
184

(قوله وبالجملة كما لا يكون المخبر به المعلق على الشرط... إلخ) أي وبالجملة كما لا يكون المخبر به المعلق على الشرط في مثل قولك ان أكرمتني أكرمتك خاصا بالخصوصيات الذهنية الناشئة من اللحاظ في مقام الاستعمال فكذلك لا يكون المنشأ بالصيغة المعلق عليه في مثل قولك ان جاءك زيد فأكرمه خاصا بالخصوصيات الخارجية الناشئة من قبل الإنشاء في مقام الاستعمال (وفيه) ما عرفته آنفا في الجواب الثالث من أن المنشأ لا محالة ليس الا شخص الوجوب لا الكلي فيكون الشخص هو المعلق على الشرط لا طبيعته وسنخه.
(قوله وبذلك قد انقدح فساد ما يظهر من التقريرات في مقام التفصي عن هذا الإشكال... إلخ) وحاصل ما تفصى به التقريرات عن الإشكال ان الكلام المشتمل على المفهوم ان كان خبريا كقولك يجب على زيد كذا ان كان كذا فالوجوب فيه كلي فيكون الحكم المعلق على الشرط كليا لا شخصيا كي يتوجه الإشكال وان كان إنشائيا كما في قولك ان جاءك زيد فأكرمه فالحكم المعلق على الشرط وان كان شخصيا ولكن نفى سنخ الحكم بانتفاء الشرط على القول بالمفهوم إنما يكون من فوائد العلية المنحصرة المستفادة من الجملة الشرطية فان انتفاء شخص الحكم غير مستند إلى ارتفاع العلة المنحصرة فإنه يرتفع ولو في اللقب والوصف كما لا يخفى (فيقول المصنف) إنه بما ذكرنا من عدم الفرق بين الإخبار والإنشاء وان كلا من الخصوصيات الحاصلة من قبلهما خارج عن أصل المعنى وأن المعنى في كل منهما كلي لا شخصي ينقدح فساد ما ذهب إليه التقريرات من كون الوجوب في الإنشائي جزئيا لا كليا.
(أقول) بل ضعف ما ذهب إليه التقريرات ليس إلا من جهة التزامه بكلية الحكم في الإخباري لا من جهة التزامه بجزئية الحكم في الإنشائي وذلك
185

لما عرفت من أن الحكم المنشأ في الخارج لا بد وأن يكون جزئيا لا كليا سواء أنشئ بصيغة افعل أو بالجملة الخبرية فان الشيء ما لم يتشخص لم يوجد (وعليه) فالحق في دفع الإشكال هو ما ذكرناه من أن الحكم المعلق على الشرط وإن كان هو الشخص ولكن انتفاء سنخ الحكم ونوعه بانتفاء الشرط إنما هو من فوائد العلية المنحصرة التي
استفادها القائل بالمفهوم من منطوق الجملة الشرطية فتأمل جيدا.
(قوله وأورد على ما تفصى به عن الإشكال بما ربما يرجع إلى ما ذكرناه بما حاصله أن التفصي لا يبتنى على كلية الوجوب... إلخ) (قال في التقريرات) بعد ما ذكر الإشكال المتقدم ما هذا لفظه وقد يذب عنه بان الوجوب المنشأ في المنطوق هو الوجوب مطلقا من حيث كون اللفظ موضوعا له بالوضع العام واختصاصه وشخصيته من فعل الآمر كما أن شخصية الفعل المتعلق للوجوب من فعل المأمور فيحكم بانتفاء مطلق الوجوب في جانب المفهوم (ثم ساق الكلام) إلى أن قال ردا على الذب المذكور إن ابتناء الدفع على ما زعمه من عموم الموضوع له والوضع ليس على ما ينبغي كما عرفت فيما ذكرنا مضافا إلى أن ذلك أيضا مما لم يقم دليل عليه لو لم نقل بقيام الدليل على خلافه حيث أن الخصوصيات بأنفسها مستفادة من الألفاظ (انتهى) ومرجع الذب هو إلى ما ذكره المصنف في مقام الجواب عن الإشكال من أن الصيغة موضوعة لمطلق الوجوب فيكون هو المعلق على الشرط وينتفي بانتفاء الشرط لا شخص الوجوب كي يتوجه الإشكال (ومرجع ما أورده التقريرات) عليه أن دفع الإشكال مما لا يبتنى على ما أفاده الذاب من كلية الوجوب وعموم معنى الصيغة بل على ما أفدناه من كون انتفاء سنخ الحكم من فوائد العلية المنحصرة مضافا
186

إلى أن دعوى كون الموضوع له للصيغة عاما لم يقم عليه دليل لو لم نقل بقيام الدليل على خلافه.
(أقول) ان التقريرات وان أحسن في الرد على الذب من حيث عدم ابتناء دفع الإشكال على ما ذكره الذاب بل يبتنى على ما ذكره التقريرات من كون انتفاء السنخ من فوائد العلية المنحصرة ولكن لم يحسن في إنكار عموم الموضوع له للصيغة فان الصيغة كما حققناها من قبل هي موضوعة لمعنى عام وهو إنشاء الطلب غايته انها بعد ما استعملت وأنشأ بها الطلب كان الوجوب المتحقق بها لا محالة هو الشخص فيكون هو المعلق على الشرط لا سنخ الحكم فيتفصى عن الإشكال حينئذ باستفادة العلية المنحصرة من الشرط وأن من فوائدها انتفاء سنخ الحكم بانتفاء الشرط لا انتفاء شخص الحكم وخصوصه.
(قوله لما أفاده... إلخ) أي لما أفاده التقريرات من كون انتفاء سنخ الحكم من فوائد العلية المنحصرة.
(قوله وكون الموضوع في الإنشاء عاما لم يقم عليه دليل... إلخ) إشارة إلى الإيراد الثاني الذي أورده التقريرات على الذاب وقد أشار إليه بقوله المتقدم مضافا إلى أن ذلك أيضا مما لم يقم دليل عليه... إلخ.
(قوله وذلك لما عرفت من أن الخصوصيات... إلخ) علة لقوله المتقدم وبذلك قد انقدح فساد ما يظهر من التقريرات في مقام التفصي... إلخ)
187

إذا تعدد الشرط وقلنا بالمفهوم فهل يخصص مفهوم كل بمنطوق الآخر أم لا
(قوله الأمر الثاني أنه إذا تعدد الشرط مثل إذا خفي الأذان فقصر وإذا خفي الجدران فقصر... إلخ) وحاصل ما في هذا الأمر الثاني أنه إذا تعدد الشرط مثل قوله إذا خفي الأذان فقصر وإذا خفي الجدران فقصر فان لم نقل بالمفهوم فلا كلام وان قلنا بالمفهوم وبظهور الجملة الشرطية فيه فلا بد من التصرف فيهما بأحد وجوه أربعة.
(الأول) أن يخصص مفهوم كل بمنطوق الآخر فيكون المفهوم في المثال المذكور هكذا إذا لم يخف الأذان فلا تقصر الا إذا خفي الجدران وهكذا الأمر في الطرف الآخر أي إذا لم يخف الجدران فلا تقصر الا إذا خفي الأذان ووجه التخصيص أن منطوق كل منهما أخص من مفهوم الآخر فيخصص به مضافا إلى أن المنطوق مع قطع النظر عن أخصيته هو أقوى دلالة من المفهوم فإنه بالنسبة إليه كالنص بالنسبة إلى الظاهر فيقدم عليه فيكون مرجع هذا الوجه لدى التأمل إلى علية كل من خفاء الأذان وخفاء الجدران لوجوب القصر بنحو الاستقلال فإذا تحقق أحدهما كفى في وجوب القصر وإذا انتفى كلاهما جميعا انتفى وجوب القصر.
(الثاني) أن يرفع اليد عن المفهوم فيهما رأسا فلا دلالة لهما على عدم علية ما سوى الشرطين أصلا وهذا بخلافهما على الوجه الأول فيدلان على نفى علية أمر ثالث لمحفوظية المفهوم في كل منهما بالنسبة إلى ما سوى منطوق
188

الآخر وان لم يبق محفوظا بالنسبة إلى منطوق الآخر.
(الثالث) أن يقيد إطلاق الشرط في كل منهما بالآخر فتكون العلة لوجوب القصر مجموع خفاء الأذان والجدران معا لا كلا منهما بنحو الاستقلال وعليه فيجب القصر عند تحققهما جميعا ولا يجب عند انتفاء أحدهما فضلا عن انتفاء كليهما جميعا.
(الرابع) أن يكون الشرط هو القدر الجامع بين الشرطين نظرا إلى القاعدة المعروفة وهي الواحد لا يصدر إلا من الواحد المبتنية على مقدمتين إحداهما أنه لا بد من الربط والسنخية بين العلة والمعلول وإلا لصدر كل شيء من كل شيء وأخراهما أن الشيء الواحد بما هو واحد لا يعقل أن يكون مرتبطا ومتسنخا مع أمور مختلفة بما هي مختلفة وقد تقدم الكلام في هذه القاعدة بمقدمتيها في الجامع الصحيحي وغيره بنحو أبسط ففي المقام بمقتضى هذه القاعدة يعرف أن بين خفاء الأذان وخفاء الجدران قدر جامع يكون هو المؤثر في وجوب القصر لا أن كلا من خفاء الأذان وخفاء الجدران بما هو أمر مختلف مع الآخر مؤثر فيه (وعليه) فالشرط هو الجامع بينهما لا هما بنفسهما (ثم ان حاصل كلام المصنف) في هذه الوجوه الأربعة أن العرف مما يساعد الوجه الثاني والعقل مما يساعد الوجه الرابع.
(أقول) بل الذي يساعده العرف من بين الوجوه المذكورة.
(هو الوجه الأول) (لا الوجه الثاني) فإنه ضعيف جدا فان رفع اليد عن المفهوم رأسا بمجرد تعدد الشرط مما لا وجه له بل اللازم على القول بالمفهوم هو الاقتصار في رفع اليد عنه على القدر الذي ورد به دليل وهو منطوق الآخر لا أكثر.
(وأما الوجه الثالث) فهو أضعف من الثاني فان تقييد شرطية كل منهما
189

بوجود الآخر تصرف في منطوق كل منهما بلا ملزم وهذا بخلاف الوجه الأول إذ ليس فيه تصرف في المنطوق أصلا ولا في المفهوم إلا بالقدر اللازم (وأما الوجه
الرابع) فهو ليس وجها مستقلا على حده في قبال الوجه الأول بل هو عينه غير أن العرف في مقام الإثبات ودلالة الدليل يرى كلا منهما سببا مستقلا للجزاء والعقل في مقام الثبوت واللب يرى الجامع بينهما هو السبب المؤثر في الجزاء لقاعدة الواحد لا يصدر إلا من الواحد.
(قوله اما بتخصيص مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر... إلخ) إشارة إلى الوجه الأول من الوجوه الأربعة المتقدمة.
(قوله فيقال بانتفاء وجوب القصر عند انتفاء الشرطين... إلخ) تفريع على الوجه الأول وهو تخصيص مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر فان مقتضى هذا الوجه هو انتفاء الحكم بانتفاء كلا الشرطين جميعا في قبال الوجه الثاني وهو رفع اليد عن المفهوم رأسا فلا يدلان على انتفاء الحكم ولو بانتفاء الشرطين جميعا وفي قبال الوجه الثالث وهو انتفاء الحكم بانتفاء أحد الشرطين بلا حاجة إلى انتفاء كليهما جميعا.
(قوله واما برفع اليد عن المفهوم فيهما... إلخ) إشارة إلى الوجه الثاني من الوجوه الأربعة المتقدمة.
(قوله واما بتقييد إطلاق الشرط في كل منهما بالآخر... إلخ) إشارة إلى الوجه الثالث من الوجوه الأربعة المتقدمة.
(قوله ولا يجب عند انتفاء خفائهما ولو خفي أحدهما... إلخ) في العبارة خفاء كما لا يخفى والمقصود أن الشرط على الوجه الثالث هو مجموع الخفائين فلا يجب القصر عند انتفاء مجموع الخفائين ولو خفي أحدهما.
(قوله واما بجعل الشرط هو القدر المشترك بينهما... إلخ)
190

إلى الوجه الرابع من الوجوه الأربعة المتقدمة.
(قوله ربما يعين هذا الوجه... إلخ) أي الأخير الرابع.
(قوله بعد البناء على رفع اليد عن المفهوم... إلخ) أي فلا بد من المصير إلى الوجه الرابع وهو كون الشرط هو الجامع المشترك بين الشرطين بعد البناء على رفع اليد عن المفهوم فيهما بمقتضى مساعدة العرف على الوجه الثاني كما تقدم من المصنف آنفا.
(قوله وبقاء إطلاق الشرط في كل منهما على حاله... إلخ) عطف على رفع اليد عن المفهوم أي بعد البناء على رفع اليد عن المفهوم وبعد البناء على بقاء إطلاق الشرط في كل منهما على حاله إذ مع تقييد إطلاق الشرط في كل منهما بالآخر وكون الشرط هو مجموع الأمرين كما في الوجه الثالث لا يمكن المصير إلى الوجه الرابع وأن الشرط هو الجامع بين الأمرين فإنه على الرابع يكتفى بشرط واحد في وجوب القصر بخلاف الثالث فلا يجب القصر عليه الا عند تحقق الشرطين جميعا كما تقدم.
(قوله فافهم... إلخ) ولعله إشارة إلى ما أشرنا إليه من رجوع الوجه الرابع إلى الوجه الأول وعدم كونه وجها مستقلا في قباله (ثم ان في بعض النسخ) بعد قوله فافهم هكذا (وأما رفع اليد) عن المفهوم في خصوص أحد الشرطين وإبقاء الآخر على مفهومه (فلا وجه) لأن يصار إليه الا بدليل آخر الا أن يكون ما أبقي على المفهوم أظهر فتدبر جيدا (انتهى) فيكون هذا وجها خامسا في المسألة وقد ينسب ذلك إلى الحلي ولكن الظاهر سقوطه جدا فان رفع اليد عن المفهوم في خصوص أحد الشرطين وإبقاء الآخر على مفهومه جزافا مما لا محصل له والصحيح هو ما قاله المصنف في رده فلا وجه لأن يصار إليه... إلخ وأصح منه كان ترك التعرض له رأسا.
191

إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء فهل يتداخل الأسباب أو المسببات أم لا يتداخل
(قوله إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء... إلخ) وحاصل الكلام في هذا الأمر الثالث أنه إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء كما إذا قال ان سافرت فتصدق وان كان يوم الاثنين فتصدق وتحقق الشرطان جميعا بان سافر في يوم الاثنين فان قلنا في الأمر السابق بالوجه الثالث أي قد اخترنا تقييد إطلاق الشرط في كل منهما بالآخر بحيث كان الشرط لوجوب الصدقة في المثال مجموع السفر ويوم الاثنين لا كلا منهما على حده فلا كلام ولا نزاع وان لم نقل بذلك (فهل يجب الإتيان) بالجزاء متعددا حسب تعدد الشرط (أو يتداخل) ويؤتى به مرة واحدة (أو يفصل) بين ما إذا اختلف جنس الشرط كما إذا تحقق السفر وتحقق يوم الاثنين وبين ما إذا اتحد جنسه كما إذا تحقق السفر مرتين ففي الأول يؤتى بالجزاء متعددا وفي الثاني يتداخل والأول منسوب إلى المشهور والثاني إلى جماعة منهم المحقق الخوانساري والثالث إلى الحلي وهو ابن إدريس رحمه الله (ثم ان) التداخل على قسمين:
(الأول) تداخل الأسباب بمعنى عدم تأثير السبب الثاني في الوجوب (والثاني) تداخل المسببات بمعنى أن الشرط الثاني قد أثر في الوجوب كالأول غير أنه يندك الوجوب الثاني في الأول ويتأكد الوجوب الأول بالثاني فيكون هناك وجوب واحد أكيد متعلق بالجزاء فيكتفى بإتيانه مرة واحدة ويحتمل أن يكون مراد القائلين بالتداخل هو تداخل الأسباب ويحتمل أيضا
192

تداخل المسببات (وعلى كل حال) يخرج من محل النزاع ما إذا لم يكن الجزاء قابلا للتكرار كالقتل ونحوه فإذا قال مثلا إن زنى بمحصنة فاقتله وإن ارتد عن الدين فاقتله ثم زنى بمحصنة وارتد لم يمكن قتله مرتين كي يجري فيه مقالة المشهور من تكرار الجزاء وجوبا فإذا لم يقبل التكرار (فان كان) قابلا للتأكد كما في المثال لجواز تأكد وجوب القتل شرعا جرى فيه بقية الوجوه من تداخل الأسباب أو المسببات أو التفصيل بين اختلاف جنس الشرط واتحاده (وان لم يقبل) التأكد فلا يجري فيه سوى القول بتداخل الأسباب فقط كما في الحدث الأصغر فإذا قال مثلا إن بلت فقد أحدثت وإن نمت فقد أحدثت فلا محيص عن القول بعدم تأثير السبب الثاني في المسبب إذ الحدث الأصغر مما لا يقبل التكرار ولا التأكد ومن هنا لا يتكرر الوضوء بتعدد أسبابه ولا يتأكد وجوبه بتكرر موجباته.
(نعم) في الحدث الأكبر قد يقال بالتأكد كما إذا كانت المرأة مجنبة فحاضت كما يظهر من رواية سعيد بن يسار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام المرأة ترى الدم وهي
جنب أتغتسل عن الجنابة أو غسل الجنابة والحيض واحد فقال قد أتاها ما هو أعظم من ذلك يعنى به عليه السلام أن حدث الحيض أعظم من الجنابة
(قوله والتحقيق أنه لما كان ظاهر الجملة الشرطية حدوث الجزاء عند حدوث الشرط... إلخ) وحاصل تحقيق المصنف أنه لا إشكال في ظهور الجملة الشرطية في حدوث الجزاء عند حدوث الشرط كما لا إشكال في أن مقتضى ذلك أن يتعدد الجزاء بتعدد الشرط ولازمه اجتماع حكمين متماثلين أو أكثر في شيء واحد وهو محال كاجتماع الضدين لعدم قابلية المحل لاجتماعهما مع حفظ الإثنينية وعليه (فان قلنا بالتداخل) فلا بد من التصرف في الظهور بأحد وجوه ثلاثة (اما بالالتزام) بعدم دلالة الجملة الشرطية في حال التعدد
193

على الحدوث عند الحدوث بل على الثبوت عند الثبوت وبعبارة أخرى نرفع اليد عن تأثير الشرط الثاني في حدوث الجزاء فيكون عبارة أخرى عن التداخل في الأسباب (أو بالالتزام) بكون متعلق الحكم في الجزاء حقائق متعددة منطبقة على فعل واحد فالاجتزاء به يكون من باب الاجتزاء بمجمع العنوانين لواجبين مستقلين كما في أكرم هاشميا وأضف عالما فأكرم الهاشمي العالم بالضيافة (أو بالالتزام) بتأثير الشرط الأول في الوجوب والثاني في تأكد الوجوب (وأما إذا قلنا) بعدم التداخل فلا بد من التصرف في إطلاق المادة أي الفعل وتقييدها بمرة أخرى أو بفرد آخر كي لا يتعلق الحكم الثاني بعين ما تعلق به الأول ويلزم اجتماع المثلين فإذا جاء يوم الاثنين في المثال المتقدم في صدر البحث وجبت الصدقة وإذا سافر في ذلك اليوم قبل أن يتصدق تعلق الوجوب بفرد آخر من الصدقة لا بالفرد الذي تعلق به الوجوب الأول ومن المعلوم أن التصرف في إطلاق المادة أهون من الوجوه المتقدمة كلها فان تلك الوجوه كلها على خلاف الظاهر بخلاف التصرف في إطلاق المادة فإنه ليس على خلاف ظهور الإطلاق فان الإطلاق في المادة انما ينعقد بوسيلة مقدمات الحكمة ومنها عدم البيان وظهور الجملة الشرطية في حدوث الجزاء عند حدوث الشرط يكون بيانا لكون المراد من المادة في الجزاء الثاني فردا آخر غير الفرد الذي وجب بالشرط الأول هذا كله ملخص تحقيق المصنف ومحصله هو مساعدة المشهور واختيار القوم بعدم التداخل.
(أقول) ويرد عليه من وجوه عديدة.
(الأول) أن ظهور الجملة الشرطية في حدوث الجزاء عند حدوث الشرط وان كان حقا بناء على ما تقدم منا من ظهور الجملة الشرطية في علية الشرط وسببيته للجزاء وان لم تكن ظاهرة في عليته المنحصرة ولكن المصنف
194

لم يعترف بظهورها في علية الشرط بل منع عن ذلك بقوله وأما المنع عن أنه بنحو الترتب على العلة فضلا عن كونها منحصرة فله مجال واسع بل اعترف فقط بظهورها في أصل الملازمة ومن المعلوم أن مجرد الملازمة مما لا يقضى بحدوث الجزاء عند حدوث الشرط ما لم يكن بينهما علية وسببية وان اقتضى الثبوت عند الثبوت كما لا يخفى.
(الثاني) أنه على القول بالتداخل لا يكاد نحتاج في التصرف في الظهور بأحد وجوه ثلاثة بل بأحد وجهين اما الأول واما الثالث إذ مرجع التصرف بالوجه الثاني إلى التصرف بالوجه الثالث وليس شيئا جديدا على حده فان الاجتزاء بمجمع العنوانين وصحة الإتيان به بداعي الأمرين لا يكاد يمكن الا إذا كان مجمعا لأمرين وحيث لا يعقل اجتماع الأمرين فيه مع حفظ تعددهما فلا محالة يندك أحد الأمرين في الآخر ويتأكد بعضهما ببعض فيكون هناك وجوب واحد أكيد متعلق بالمجمع من قبيل تعلق الأمرين بعنوان واحد تأكيدا لا تأسيسا (ودعوى) أن المجمع مما لا يتصف بوجوبين بل غايته أن انطباقهما عليه يكون منشأ لاتصافه بالوجوب كما أفاد المصنف في جواب ان قلت الأول على ما سيأتي تفصيله في المتن (هي واضحة الضعف) بعد وضوح صحة الإتيان به بداعي الأمرين جميعا واعترف به المصنف من قبل ان قلت الأول والظاهر أنه إليه أشار أخيرا بقوله فافهم.
(الثالث) أن إطلاق المادة هب أنه بمقدمات الحكمة ومع ظهور الجملة الشرطية في حدوث الجزاء عند حدوث الشرط لا ينعقد لها إطلاق ولكن تقييدها بمرة أخرى أو بفرد آخر هو أيضا على خلاف الظاهر فان مجرد عدم انعقاد الإطلاق لها مما لا يقتضى التقييد بمرة أخرى أو بفرد آخر إذ الإطلاق كما يحتاج إلى مئونة مقدمات الحكمة فكذلك التقييد بمرة أخرى أو
195

بفرد آخر يحتاج أيضا إلى دليل خاص (ودعوى) أن ظهور الجملة الشرطية في حدوث الجزاء عند حدوث الشرط هو بيان لكون المراد من المادة في الجزاء الثاني فردا آخر غير الفرد الذي وجب بالشرط الأول (ضعيفة جدا) إذ لا منافاة بين ظهور الجملة فيما ذكر وبين إطلاق المادة وتعلق الوجوب الثاني بعين ما تعلق به الأول غايته أنه يندك الثاني في الأول ويتأكد الأول بالثاني نظير تعلق الأمر بعد الأمر بشيء واحد تأكيدا لا تأسيسا وهو أمر شايع عند العرف لا يحتاج إلى مئونة.
(وبالجملة) كما أنه في الأمر بعد الأمر نلتزم بتأثير كل إنشاء في وجوب مستقل على حده ونلتزم بإطلاق المادة ولا نرفع اليد عنه بتقييدها بمرة أخرى أو بفرد آخر بل نقول باندكاك الوجوب الثاني في الأول وتأكد الأول بالثاني فيكون هناك وجوب واحد أكيد متعلق بفعل واحد بحيث كلما أنشأ ثانيا وثالثا زاد الوجوب تأكدا فكذلك نلتزم في المقام حرفا بحرف بلا زيادة ونقيصة إذ لا فرق في تعلق الوجوبين بشيء واحد بين أن يكونا مطلقين أو يكونا مشروطين بشرطين قد حصل الشرطان جميعا (وعليه) فالحق في المسألة هو التداخل في المسببات وعدم وجوب الإتيان بالجزاء متعددا بتعدد الشرط وان كان الاحتياط في المسائل الفقهية في مقام العمل مما لا يرفع اليد عنه والله العالم
(قوله بسببه أو بكشفه عن سببه... إلخ) إشارة إلى الخلاف الآتي من كون الأسباب الشرعية هل هي معرفات وكواشف عما هو المؤثر واقعا أم هي بنفسها مؤثرات وعلل.
(قوله إذا تعدد الشرط حقيقة أو وجودا... إلخ) إشارة إلى تعدد الشرط من جنسين وتكرره من جنس واحد فالأول تعدد حقيقة والثاني تعدد وجودا أي مصداقا.
196

(قوله قلت انطباق عنوانين واجبين لا يستلزم اتصافه بوجوبين... إلخ) قد أشرنا إلى ضعف هذا الجواب وإلى وجه الضعف وأن الحق في دفع إشكال اجتماع الحكمين المتماثلين أن يقال انه يندك الوجوب الثاني في الأول ويتأكد الأول بالثاني فيكون هناك وجوب واحد أكيد متعلق بشيء واحد.
(قوله فافهم... إلخ) قد أشرنا إلى وجه قوله فافهم فلا تغفل.
(قوله ولا يخفى أنه لا وجه لأن يصار إلى واحد منها فإنه رفع اليد عن الظاهر بلا وجه مع ما في الأخيرين من الاحتياج إلى إثبات... إلخ) وفيه (أولا) أن الوجه الأول وهو الالتزام بعدم تأثير الشرط الثاني وان كان خلاف الظاهر وهكذا الوجه الثاني وهو الالتزام بكون متعلق الحكم في الجزاء حقائق متعددة منطبقة على فعل واحد وان الاجتزاء به يكون من باب الاجتزاء بمجمع العنوانين لواجبين مستقلين ولكن الوجه الثالث ليس على خلاف الظاهر في قبال رفع اليد عن إطلاق المادة أي الالتزام بتقييدها بمرة أخرى أو بفرد آخر بعد ما عرفت أن تأكد الوجوب الأول بالثاني واندكاك الثاني في الأول أمر شايع عند العرف لا يحتاج إلى مئونة.
(وثانيا) لو سلم أن جميع تلك الوجوه الثلاثة على خلاف الظاهر فاحتياج الأخيرين إلى إثبات أن متعلق الجزاء متعدد متصادق على واحد أو إثبات أن الحادث بالشرط الثاني تأكد الوجوب الأول لا تأسيس وجوب جديد ليس أمرا آخر ما وراء كونهما على خلاف الظاهر فكونهما على خلاف الظاهر لو قيل به ليس الا من جهة احتياجهما إلى إثبات ما ذكر لا لشيء آخر (وعليه) فلا وجه لعد احتياجهما إلى مئونة الإثبات وجها آخر غير كونهما على خلاف الظاهر.
(قوله ان قلت وجه ذلك هو لزوم التصرف في ظهور الجملة الشرطية
197

... إلخ) أي ان قلت وجه المصير إلى أحد الوجوه المتقدمة على القول بالتداخل هو لزوم التصرف في ظهور الجملة الشرطية لئلا يلزم محذور اجتماع الوجوبين في فعل واحد كما تقدم شرحه عند بيان تحقيق المصنف وليس المصير إليه بلا وجه ولا ملزم.
(قوله قلت نعم إذا لم يكن المراد... إلخ) وحاصل الجواب أنه نعم لكن إذا لم يتعلق الحكم الثاني بفرد آخر غير الفرد الأول والا فيندفع محذور الاجتماع بدون المصير إلى أحد الوجوه المتقدمة.
(قوله في كون الشرط سببا أو كاشفا عن السبب... إلخ) قد أشرنا أن ذلك إشارة إلى الخلاف الآني من كون الأسباب الشرعية هل هي معرفات وكواشف عما هو السبب واقعا أو انها بنفسها مؤثرات وأسباب وعلل.
(قوله وقد انقدح مما ذكرناه أن المجدي للقول بالتداخل هو أحد الوجوه التي ذكرناها لا مجرد كون الأسباب الشرعية معرفات لا مؤثرات فلا وجه لما عن الفخر وغيره من ابتناء المسألة على انها معرفات أو مؤثرات مع أن الأسباب الشرعية حالها حال غيرها... إلخ) (قال في التقريرات) في الأمر الثالث حكى عن فخر المحققين أنه جعل مبنى المسألة على أن الأسباب الشرعية هل هي معرفات وكواشف أو مؤثرات وعلى الأول فالأصل التداخل بخلافه على الثاني ولعله تبعه في ذلك بعض المحققين في كتابه الموسوم بالعوائد (انتهى موضع الحاجة من كلامه) رفع مقامه (وحاصل كلام المصنف) في الرد عليه أن المجدي للقول بالتداخل هو أحد الوجوه الثلاثة المتقدمة لا مجرد كون الأسباب الشرعية معرفات لا مؤثرات (مضافا) إلى أن حال الأسباب الشرعية كحال غيرها في كونها معرفات تارة ومؤثرات أخرى (والظاهر) أن مراد المصنف من غيرها هو أسباب الأحكام العرفية أي فكما أن غير
198

الأسباب الشرعية من الأسباب العرفية تارة يكون مؤثرا وأخرى يكون معرفا أي كاشفا عما هو السبب كما في قوله ان غضب الأمير فاحذره وان لبس الأصفر فاحذره فالأول مؤثر والثاني معرف فكذلك السبب الشرعي فتارة يكون مؤثرا وأخرى يكون معرفا أي كاشفا عما هو السبب كما في قوله إذا زالت الشمس فصل أو إذا زاد الظل فصل فالأول مؤثر والثاني معرف.
(قوله أن له الدخل فيهما... إلخ) أي في كل من الحكم الشرعي والحكم الغير الشرعي.
(قوله نعم لو كان المراد بالمعرفية في الأسباب الشرعية... إلخ) أي نعم لو ادعى أن المراد بالمعرفية في الأسباب الشرعية انها ليست بدواعي الأحكام وعللها وان كانت هي مما يتحقق بها موضوعاتها ففي قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه أن شهود الشهر وان لم يكن علة لوجوب الصوم ولكنه مما يتحقق به موضوعه وهو شهر الصيام وهذا بخلاف الأسباب الغير الشرعية فإنها علل ومؤثرات دائما (فهذا الدعوى) وان كانت مما له وجه الا انها مما لا تجدي فيما هم وأراده الفخر من ابتناء التداخل عليه.
(أقول) بل الدعوى مضافا إلى أنها لو سلمت هي لا يبتنى عليها أمر التداخل (هي ضعيفة) في حد ذاتها لعدم الفرق بين الأسباب الشرعية وغيرها من هذه الناحية أيضا فان السبب المأخوذ في لسان الدليل في كل منهما قد يكون لمجرد تحقق الموضوع بها وقد يكون مضافا إلى ذلك مؤثرا وعلة للحكم فتأمل جيدا.
(قوله ثم انه لا وجه للتفصيل بين اختلاف الشروط بحسب الأجناس وعدمه... إلخ) إشارة إلى تفصيل الحلي وهو ابن إدريس كما تقدم في صدر البحث بين ما إذا اختلف جنس الشرط فلا يتداخل وبين ما إذا اتحد جنسه
199

وتحقق فردان منه أو أكثر فيتداخل (قال في التقريرات) واحتج ابن إدريس رحمه الله على ما ذهب إليه من التفصيل من التعدد عند اختلاف الأجناس وعدمه عند الاتحاد بدعوى الصدق على الثاني وبإطلاق السببية على الأول قال في محكي السرائر في مسألة تكرار الكفارة عند تكرر وطء الحائض بعد أن اختار العدم الأصل براءة الذمة وأما العموم فلا يصح التعلق به في مثل هذه المواضع لأن هذه أسماء أجناس وقال في بحث السجود ما يظهر منه الوجه المذكور إلى أن قال فاما إذا اختلف الجنس
فالأولى عندي بل الواجب الإتيان عند كل جنس بسجدتي السهو لعدم الدليل على تداخل الأجناس (انتهى) ومحصل كلامه رحمه الله أنه إذا قال مثلا إن سافرت فتصدق وقد سافر مرتين فلا يصح التمسك لوجوب التصدق مرة أخرى بعموم قوله ان سافرت فتصدق فان السفر اسم جنس صادق على القليل والكثير والمرة والمرات بخلاف ما إذا اختلف الجنس كما إذا قال إن سافرت فتصدق وان كان يوم الاثنين فتصدق وتحقق الشرطان جميعا فلا يتداخل الأجناس لعدم الدليل عليه (ومحصل جواب المصنف) أن مقتضى إطلاق الشرط في مثل قوله ان سافرت فتصدق هو حدوث وجوب الصدقة في كل مرة لو سافر مرات مثل ما إذا تحقق الشرطان المختلفان عينا والا ففي الشروط المختلفة في الجنس أيضا يجب أن يقال بالتداخل لرجوعها إلى قدر جامع بين الكل يكون هو الشرط والمؤثر واقعا لما تقدم من قاعدة الواحد ومن المعلوم أن ذلك الجامع هو من جنس واحد فإذا تحقق الجامع مرتين أو مرات وجب التداخل قهرا.
(قوله هذا كله فيما إذا كان موضوع الحكم في الجزاء قابلا للتعدد وأما ما لا يكون قابلا لذلك... إلخ) إشارة إلى ما تقدم منا في صدر البحث من أن متعلق الحكم في الجزاء إذا لم يقبل التكرار كالقتل ونحوه في مثل قوله
200

ارتد عن الدين فاقتله وإن زنى بمحصنة فاقتله ثم ارتد وزنى بمحصنة فهو خارج عن محل النزاع قطعا إذ لا يجري فيه التكرار وعدم التداخل كي يمكن القول فيه بذلك وحينئذ (فان كان المسبب) قابلا للتأكد كما في المثال فلا بد من التداخل في المسببات فيؤثر السبب الثاني في الوجوب كالسبب الأول عينا وحيث لا يمكن تعلق الوجوب الثاني بفرد آخر من القتل فيتعلق لا محالة بعين ما تعلق به الوجوب الأول ويندك فيه ويتأكد الوجوب الأول به (وإلا) بان لم يكن المسبب قابلا للتأكد كما في الحدث الأصغر على ما مثلنا به فلا محيص هاهنا عن التداخل في الأسباب والالتزام بعدم تأثير السبب الثاني في شيء أبدا.
في مفهوم الوصف
(قوله فصل الظاهر أنه لا مفهوم للوصف وما بحكمه... إلخ) المراد بالوصف هي المشتقات الجارية على الذوات كاسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وصيغ المبالغة واسم الزمان واسم المكان بل المنسوبات أيضا كبغدادي (والمراد) مما بحكمه ما يؤدى معناه كذي علم ونحوه أو ما هو كناية عنه كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأن يمتلئ بطن الرجل قيحا خير من أن يمتلئ شعرا فان امتلاء البطن من الشعر كناية عن الشعر الكثير وقد عبر عنه في الفصول بالوصف الغير الصريح وفي التقريرات بالوصف الضمني وفي القوانين بالوصف المقدر (ويحتمل) أن يكون المراد مما بحكم الوصف الأسامي الجامدة الجارية على الذوات بلحاظ اتصافها بعرض كالسواد والبياض أو بعرضي كالزوجية والملكية ونحوهما مما تقدم شرحه في المشتق ولعل احتمال الأخير أقوى من الأول والثاني (وعلى كل حال) إذا أخذ الوصف موضوعا لحكم كما
201

في أكرم العالم فهل الوصف يدل على انتفاء الحكم بانتفائه بحيث لو دل دليل آخر على وجوب إكرام زيد الجاهل كان ذلك مخصصا لمفهوم قوله أكرم العالم أم لا (قال في الفصول) فأثبته أي المفهوم جماعة وعزي ذلك إلى ظاهر الشيخ وحكى عن الشهيد أنه جنح إليه في الذكرى ونفاه جماعة وهو المنقول عن السيد والمحقق والعلامة (وقال في التقريرات) ولعل المشهور بين أصحابنا هو العدم (انتهى) (وقد حكى) قبله عن العلامة التفصيل بين ما كان الوصف علة كما في قوله أكرم زيدا لأنه عالم وبين غيره (ثم ان) في كل من الفصول والتقريرات تفاصيل أخر لا يعبأ بها كالتفصيل بين ما كان في مقام البيان وغيره فإنه لو أحرز كونه في مقام بيان ما هو موضوع الحكم ولم يبين سوى الوصف المأخوذ موضوعا للحكم فلا كلام حينئذ في الانتفاء عند الانتفاء (وقال المحقق القمي) ولي في المسألة التوقف وان كان الظاهر في النظر أنه لا يخلو عن اشعار كما هو المشهور إذ التعليق بالوصف مشعر بالعلية لكن لا بحيث يعتمد عليه في الاحتجاج الا أن ينضم إليه قرينة (ومختار المصنف) تبعا للمشهور عدم المفهوم نظرا إلى وجوه عديدة.
(أحدها) عدم ثبوت الوضع له بمعنى أن الوصف لم يوضع لمعنى يستتبع المفهوم والانتفاء عند الانتفاء كالعلية المنحصرة لوضوح استعماله في غيرها بلا عناية ولا رعاية علاقة فلا يصغى إلى ما احتج به المثبتون على ما في التقريرات من دعوى التبادر عرفا ان كان مرادهم من التبادر هو الانسباق الحاقي المستند إلى الوضع.
(ثانيها) عدم لزوم اللغوية بدون المفهوم لجواز أن يكون التوصيف لشدة الاهتمام بمورد الوصف مثل قوله إياك وظلم اليتيم أو إياك وظلم المظلوم أو إياك وغيبة العلماء أو لدفع توهم عدم شمول الحكم لمورد الوصف كما في قوله
202

تعالى ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق أو لعدم احتياج السامع إلى ما سوى مورد الوصف كقولك لمن لا يجد غير ماء البئر ماء البئر طاهر مطهر أو لغير ذلك من أمور أخر فلا يصغى إلى ما احتج به المثبتون من أنه لو لا المفهوم لزم اللغو والعراء عن الفائدة.
(ثالثها) أنه لا قرينة أخرى عامة تستلزم المفهوم إذ لو كانت لكانت هي الانصراف إلى العلية المنحصرة ولا منشأ له إلا كثرة الاستعمال فيها أو أكمليتها وكل منهما ممنوع كما عرفت في مفهوم الشرط.
(أقول) إن الوصف المأخوذ موضوعا للحكم كما تقدم في المشتق في ذيل تمسك الأعمي بآية لا ينال عهدي الظالمين (قد يكون) لمجرد الإشارة إلى المعنون من دون دخل للعنوان في الحكم أصلا كما في قولك مشيرا إلى زيد أكرم هذا الجالس وفي هذا القسم لا يكون للوصف مفهوم أصلا فحاله حال اللقب كما سيأتي فهو بمنزلة أن يقول أكرم زيدا (وقد يكون) للإشارة إلى علية العنوان للحكم إما حدوثا لا بقاء كما في الزانية والزاني فاجلدوا... إلخ أو حدوثا وبقاء كما في أكرم العالم أو قلد المجتهد وفي هذا القسم الثاني لا محيص عن الانتفاء عند الانتفاء في الجملة فان الحكم وإن جاز أن لا ينتفي بانتفاء الوصف الذي هو علة الحكم لجواز أن يقوم مقامه علة أخرى ولكن إذا انتفى الوصف وكل علة أخرى سواه انتفى الحكم قهرا (وبعبارة أخرى) ان مثل قوله أكرم العالم وإن لم يدل على انتفاء وجوب الإكرام فيما عدى العالم
عموما كما يدعيه القائل بالمفهوم ولكنه يدل على انتفائه فيما عدى العالم في الجملة وإلا بان كان وجوب الإكرام في كل ما سوى العالم موجودا أيضا فتعليق الحكم على العالم لغو جدا (ودعوى) أن التوصيف قد يكون لشدة الاهتمام بمورد الوصف أو لدفع توهم عدم شمول الحكم لمورد الوصف أو لغير ذلك
203

مما تقدم شرحه آنفا (يدفعها) أنه ليس دائما من هذا القبيل فلو لم يدل الوصف على الانتفاء عند الانتفاء في الجملة كان التوصيف لغوا غالبا (ثم ان الظاهر) أن مجرد أخذ الوصف موضوعا للحكم ظاهر في القسم الثاني أي للإشارة إلى علية الوصف ولو انصرافا لا وضعا فيكون ظاهرا في الانتفاء عند الانتفاء في الجملة وإن لم يكن ظاهرا في عليته المنحصرة كي يستلزم الانتفاء عند الانتفاء مطلقا (كما أن الظاهر) من إطلاق عناوين القوم هو عدم اختصاص محل النزاع بما إذا كان الوصف معتمدا على الموصوف وان صرح في الفصول أنه اقتصر بعضهم في تحرير محل النزاع عليه ولكن الحق كما ذهب إليه الفصول بنفسه عدم الاختصاص به إذ لا فرق بين قوله أكرم الرجل العالم وبين قوله أكرم العالم فان منشأ المفهوم على القول به في الجملة أو مطلقا هو استفادة علية المبدأ أو عليته المنحصرة ومن المعلوم أنه لا يتفاوت الأمر في ذلك بين ذكر الموصوف وعدمه (ومن هنا) يظهر لك فساد ما قد يتوهم من أن الوصف لو لم يكن معتمدا فحاله حال القلب (ووجه الفساد) أنه ليس في اللقب مبدأ يتصف به الذات كي يستفاد منه عليته للحكم بنحو الانحصار أو بغير الانحصار ويقال بالمفهوم مطلقا أو في الجملة فالقياس باطل جدا.
(قوله مطلقا... إلخ) إشارة إلى نفى التفاصيل التي فصلوها في المسألة كتفصيل العلامة الذي قد حكاه التقريرات فيما تقدم آنفا بين ما كان الوصف علة مثل قوله أكرم زيدا لأنه عالم وبين غيره أي لا مفهوم الموصف وما بحكمه مطلقا ولو كان علة.
(قوله لعدم ثبوت الوضع... إلخ) إشارة إلى الوجه الأول من وجوه عدم المفهوم وقد أبطل به دعوى المثبتين تبادر المفهوم عرفا كما تقدم شرحه.
204

(قوله وعدم لزوم اللغوية بدونه... إلخ) إشارة إلى الوجه الثاني من وجوه عدم المفهوم وقد أبطل به دعوى المثبتين أنه لو لا المفهوم لزم اللغو والعراء عن الفائدة كما تقدم أيضا شرحه.
(قوله وعدم قرينة أخرى ملازمة له... إلخ) إشارة إلى الوجه الثالث من وجوه عدم المفهوم وقد أبطل به في الحقيقة دعوى الانصراف إلى العلية المنحصرة اما لكثرة الاستعمال فيها أو لأكمليتها على ما عرفت تفصيل الدعوى آنفا فلا نعيد.
(قوله وعليته فيما إذا استفيدت غير مقتضية له... إلخ) تضعيف لتفصيل العلامة أعلى الله مقامه وهو كما أشير قبلا قد فصل بين ما إذا كان الوصف علة مثل قوله أكرم زيدا لأنه عالم فله المفهوم وبين ما إذا لم يكن كذلك فلا مفهوم له (وحاصل التضعيف) أن علية الوصف فيما إذا استفيدت غير مقتضية للمفهوم أي للانتفاء عند الانتفاء ما لم يحرز كونها علة منحصرة ومع إحراز كونها كذلك فهو ليس من باب مفهوم الوصف بل من باب اقتضاء العلية المنحصرة المستفادة من القرينة عليها بالخصوص.
(قوله ولا ينافي ذلك ما قيل من أن الأصل في القيد أن يكون احترازيا... إلخ) إشارة إلى ما ذكره المحقق صاحب الحاشية (قال) فيما أفاده في المقام (ما لفظه) ثم ان هاهنا أمورا ربما يتوهم منافاته للخلاف المذكور في المقام (إلى أن قال) أحدها ما اشتهر في الألسنة من أن الأصل في القيد أن يكون احترازيا (انتهى) (وحاصل التوهم) أن الأصل في القيد كما اشتهر على الألسنة أن يكون احترازيا ولا يكون احترازيا كما في قولك جئني بحيوان ناطق الا بدلالته مفهوما على عدم وجوب الإتيان بحيوان غير ناطق (وحاصل الجواب) أن أقصى ما تقتضيه الاحترازية أن توجب هي تضييق
205

دائرة موضوع الحكم مثل أن يقول من الأول جئني بإنسان من غير دلالة له مفهوما على انتفاء الحكم فيما سواه (وفيه) أن الوصف كما تقدم منا بمقتضى ظهوره في العلية ولو انصرافا لا وضعا له ظهور في الانتفاء عند الانتفاء في الجملة وان لم يكن ظاهرا في العلية المنحصرة كي يدل على الانتفاء عند الانتفاء مطلقا (وعليه) فالوصف إذا جعل قيدا فمعنى احترازيته ليس مجرد تضييق دائرة الموضوع به المستلزم لانتفاء شخص الحكم بانتفائه الموجود ذلك حتى في اللقب بل معناه الدلالة على انتفاء سنخ الحكم عند انتفائه في الجملة فإذا فرق بين قوله جئني بإنسان وقوله جئني بحيوان ناطق فالأول ساكت عما سواه والثاني يدل على الانتفاء عما عداه في الجملة (ثم ان صاحب الحاشية) قد ساق الكلام بعد هذا إلى أن قال (ما لفظه) ثانيها عدهم الصفات من المخصصات المتصلة للعمومات ولا خلاف لهم في ذلك في مباحث التخصيص وهذا بظاهره مناف لما ذكروه من انتفاء الدلالة في المقام (انتهى) وحاصله أن الصفة في مثل قوله أكرم العلماء العدول مما يعد عندهم من المخصصات المتصلة كما في قوله أكرم العلماء الا فساقهم ولا تكون الصفة مخصصة الا إذا دلت مفهوما على الانتفاء عند الانتفاء (والمصنف) وان لم يؤشر إلى هذا الأمر الثاني ولكن يظهر حال جوابه عنه مما أجاب به عن الأمر الأول من أن أقصى ما تقتضيه المخصصية هو تضييق دائرة الموضوع ويجري فيه أيضا ما اعترضنا عليه من اقتضاء الوصف فوق ذلك وهو الانتفاء عن فساق العلماء في المثال المذكور في الجملة لا مجرد تضييق دائرة الموضوع المستلزم لانتفاء شخص الحكم بانتفائه الموجود ذلك حتى في اللقب.
(قوله كما أنه لا يلزم في حمل المطلق على المقيد فيما وجد شرائطه إلا ذلك... إلخ) إشارة إلى الأمر الثالث من الأمور المتوهمة منافاتها مع
206

الخلاف في المقام (قال المحقق صاحب الحاشية) بعد أن نقل الأمرين المتقدمين (ما لفظه) ثالثها ما اتفقوا عليه من لزوم حمل المطلق على المقيد مع اتحاد الموجب كما إذا قيل ان ظاهرت فأعتق رقبة وإن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة فإنه لا إشكال عندهم حينئذ في وجوب حمل المطلق على المقيد مع أنه لا معارضة بينهما ليفتقر إلى الحمل إلا مع البناء على دلالة المقيد على انتفاء الحكم بانتفاء القيد لتقع المعارضة بينه وبين إطلاق منطوق الآخر (انتهى) (وحاصله) أنه لا ريب في وجوب حمل المطلق على المقيد مع اتحاد الموجب الذي قد أشار إليه المصنف بقوله فيما وجد شرائطه كما لا ريب في أن ذلك ليس إلا من جهة المعارضة بينهما وهي مبتنية على القول
بالمفهوم ودلالة الوصف على الانتفاء عند الانتفاء وإلا لم تكن معارضة بينهما كي توجب حمل المطلق على المقيد (وحاصل جواب المصنف) أن القيد لما أوجب تضييق دائرة الموضوع حصلت المعارضة بين المطلق والمقيد فحمل الأول على الثاني لهذه الجهة وليست المعارضة من جهة دلالة الوصف على المفهوم والانتفاء عند الانتفاء (وفيه) أن مجرد ضيق دائرة الموضوع في أحد الدليلين مما لا يوجب التعارض بينهما كما في قولك أكرم العالم وقولك أكرم زيد العالم بل المعارضة مما لا تحصل إلا من المفهوم والانتفاء عند الانتفاء ولو في الجملة فالأولى بل اللازم الاعتراف بالمفهوم بهذا المقدار كما تقدم منا قبلا وقد عرفت وجهه.
(وبالجملة) إنا نرى فرقا واضحا بين قولك أكرم العالم وأكرم زيد العالم وبين قولك أكرم العالم وأكرم العالم العادل إذ نشاهد المعارضة في الثاني دون الأول مع أن ضيق دائرة الموضوع موجود في كليهما جميعا (والسر) في ذلك ليس الا ما أشير إليه من أن أكرم زيد العالم مما لا يدل على المفهوم والانتفاء عند الانتفاء ولو في الجملة فلا يعارض أكرم العالم الا إذا قيل بمفهوم اللقب
207

بخلاف قولك أكرم العالم العادل فيدل على الانتفاء عند الانتفاء ولو في الجملة فيعارض إطلاق أكرم العالم فيحمل المطلق على المقيد فتأمل جيدا.
(قوله بل ربما قيل انه لا وجه للحمل لو كان بلحاظ المفهوم... إلخ) القائل هو صاحب التقريرات (قال ما هذا لفظه) ان حمل المطلق على المقيد انما هو من جهة المنطوق من غير ملاحظة المفهوم بل لو فرض اعتبار المفهوم فلقائل أن يقول بعدم الحمل أما الأول فلان محصل الحمل هو أن المراد من المطلق هو المقيد فيكون غير المقيد في قولك أعتق رقبة غير واجب بمعنى أن اللفظ المذكور والإنشاء الخاص لا يدل على وجوبه (إلى أن قال) وأما الثاني فلأنا لو قلنا بثبوت المفهوم الوصف كان التعارض بين المطلق والمقيد من قبيل تعارض الظاهرين وقد تقرر في مقامه أنه لا بد في مثله من التوقف والحكم بمقتضى الأصول العملية فلا سبيل إلى الحمل (انتهى).
(أقول) ومما ذكرنا آنفا يظهر لك ما في كلامي التقريرات جميعا.
(أما الأول) فلان حمل المطلق على المقيد ليس من جهة المنطوق وتضييق دائرة الموضوع في المقيد والا لوجب الحمل حتى في مثل أكرم العالم وأكرم زيد العالم مع أنه لا معارضة بينهما أصلا ولا يحمل الأول على الثاني أبدا وذلك لعدم التنافي بينهما.
(وأما الثاني) فلأنه لو فرض اعتبار المفهوم فليس لقائل أن يقول بعدم الحمل بدعوى كون التعارض بينهما من قبيل تعارض الظاهرين فان التعارض بينهما وان كان من هذا القبيل ولكن المفهوم من جهة ضيق دائرته أظهر فيقدم (ومنه يظهر) ما في كلام المصنف أيضا من قوله فان ظهوره فيه ليس بأقوى من ظهور المطلق في الإطلاق كي يحمل عليه لو لم نقل بأنه الأقوى لكونه بالمنطوق... إلخ فان المنطوقية وان كانت مقتضية للأقوائية
208

ولكنها مما لا تقاوم الأقوائية الناشئة من جهة ضيق الدائرة الكائنة في المفهوم فلا تغفل.
(قوله وأما الاستدلال على ذلك أي عدم الدلالة على المفهوم بآية وربائبكم اللاتي في حجوركم ففيه أن الاستعمال... إلخ) لم أر في الكتب الأصولية التي بأيدينا من تمسك بالآية الشريفة لنفي مفهوم الوصف ولعل مقصود المصنف هو دفع توهم الاستدلال بها لنفي المفهوم لا دفع ما وقع من الاستدلال بها في الخارج (وكيف كان) حاصل جواب المصنف عن الاستدلال بها أن الاستعمال في غير المفهوم أحيانا مع القرينة مما لا يكاد ينكر.
(قوله مع أنه يعتبر في دلالته عليه عند القائل بالدلالة أن لا يكون واردا مورد الغالب كما في الآية... إلخ) هذا جواب آخر عن الاستدلال بالآية الشريفة لنفي مفهوم الوصف (وحاصله) أنه يعتبر في دلالة الوصف على المفهوم عند القائل به أن لا يكون الوصف واردا مورد الغالب كما في الآية فان الربائب غالبا تكون في الحجور كالأولاد (ووجه الاعتبار) أنه لا دلالة للوصف منطوقا مع وروده مورد الغالب على اختصاص الحكم بمورده كي يدل مفهوما على انتفاء الحكم عن غير مورده فان الورود مورد الغالب قرينة عامة على صرف الوصف عما كان ظاهرا فيه بالمنطوق من تضييق دائرة الموضوع به واختصاص الحكم بمورده فقهرا لا يدل بالمفهوم على انتفاء الحكم عن غير مورده.
(قوله فافهم... إلخ) ولعل قوله فافهم إشارة إلى أن نفس الورود مورد الغالب في الآية الشريفة هو القرينة القائمة على الاستعمال في غير المفهوم الذي قد يتفق أحيانا (وعليه) فلا يكون قوله مع أنه يعتبر في دلالته عليه... إلخ جوابا آخر غير ما أجاب به أولا بقوله ففيه أن الاستعمال في غيره
209

أحيانا مع القرينة مما لا يكاد ينكر (اللهم) الا أن يقال ان المراد من القرينة في الجواب الأول هو الإجماع والنصوص التي قامت على حرمة الربائب مطلقا ولو لم تكن في الحجور بعد الدخول بالأمهات (وعليه) فيكون الورود مورد الغالب قرينة أخرى على عدم المفهوم في الآية الشريفة فيكون هو جوابا آخر عن الاستدلال بها فلا يبقى وجه لقوله فافهم جيدا.
(قوله تذنيب... إلخ) (لا إشكال) في عدم جريان النزاع فيما إذا كان الوصف مساويا مع الموصوف أو كان أعم كما في قولك جئني بإنسان ضاحك أو جئني بإنسان حساس (وقد علله) التقريرات بما حاصله أن الموضوع مما لا يبقى فيهما بانتفاء الوصف (وهو جيد) إذ لو دل قولك جئني بإنسان ضاحك أو حساس على نفى الحكم عن غير موضوعه كالحيوان الغير الضاحك أو الجماد الغير الحساس فهو من باب مفهوم اللقب أي كلمة الإنسان لا من باب مفهوم الوصف وهذا واضح (كما لا إشكال) في جريان النزاع فيما إذا كان الوصف أخص من الموصوف كما في قولك جئني بإنسان زنجي فان مع انتفاء الوصف يبقى الموضوع على حاله وهو الإنسان فيقع الكلام في دلالة الوصف على انتفاء الحكم بانتفائه وعدمها (وأما الوصف الأخص من وجه) كما في قوله في الغنم السائمة زكاة (فلا إشكال أيضا) في جريان النزاع في مادة الافتراق من جانب الموصوف أي الغنم الغير السائمة وذلك لبقاء الموضوع على حاله (كما لا إشكال) في عدم جريان النزاع في مادة الافتراق من جانب الوصف أي في
السائمة من غير الغنم كالإبل السائمة وذلك لعدم بقاء الموضوع فيه فان قوله في الغنم السائمة زكاة لو دل على نفى الزكاة عن الإبل السائمة فهو من باب مفهوم اللقب أي كلمة الغنم لا من باب مفهوم الوصف أي السائمة وهذا أيضا واضح (وأما في مادة الافتراق من الوصف والموصوف) جميعا كالإبل
210

المعلوفة فيظهر من بعض الشافعية على ما في التقريرات جريان النزاع فيه حيث قال ان قولنا في الغنم السائمة زكاة يدل على عدم الزكاة في معلوفة الإبل (وقد استظهر) التقريرات خلاف ذلك نظرا إلى اختلاف الموضوع وهو جيد أيضا فان قوله في الغنم السائمة زكاة لو دل على عدم الزكاة في الإبل المعلوفة فهو من باب مفهوم اللقب كدلالته على عدم الزكاة في الإبل السائمة على ما أشرنا آنفا (ثم استدرك) التقريرات بقوله نعم يتم ذلك فيما لو قلنا بان الوصف علة مستقلة يعنى بها المنحصرة (قال) كما في منصوص العلة فيخرج بذلك عن مفهوم الوصف (انتهى) (وحاصله) أنه لو قلنا ان السوم في المثال علة منحصرة لوجوب الزكاة كما في منصوص العلة كقوله لا تشرب الخمر لأنه مسكر فيتم ما ادعاه بعض الشافعية فكما أن قوله لا تشرب الخمر لأنه مسكر مما يدل على نفى حرمة ما لم يسكر ولو لم يكن خمرا فكذلك قوله في الغنم السائمة زكاة يدل على عدم الزكاة فيما ليس بسائمة ولو لم يكن غنما كالإبل المعلوفة غير أنه ليس حينئذ من باب مفهوم الوصف بل من باب استفادة العلية المنحصرة من الوصف (فيقول المصنف) معترضا على التقريرات أنه لو كان وبه ما ادعاه بعض الشافعية هو ذلك أي استفادة العلية المنحصرة من الوصف فيجري النزاع حينئذ حتى في الوصف المساوي أو الأعم المطلق فيدل مثل قوله جئني بإنسان ضاحك أو حساس على عدم وجوب الإتيان بغير الضاحك أو بغير الحساس ولو لم يكن إنسانا كالحمار أو الجماد فلا وجه لتفصيله بين الوصف المساوي والأعم المطلق والالتزام بخروجهما عن محل النزاع وبين الوصف الأخص من وجه في مادة الافتراق من الوصف والموصوف جميعا كالإبل المعلوفة والالتزام بجريان النزاع فيه.
(أقول) والظاهر أن الاعتراض في غير محله فان التقريرات يعترف
211

بأنه لو قلنا باستفادة العلية المنحصرة من الوصف الأخص من وجه فهو ليس من باب مفهوم الوصف فهو لا يذعن أنه من باب مفهوم الوصف كي يعترض عليه بأنه لا وجه للتفصيل بينه وبين الوصف المساوي والأعم بخروج الأخيرين عن محل النزاع ودخول الأول فيه.
(نعم) يرد على التقريرات أن أقصى ما تقتضيه العلة المنصوصة كما في قوله لا تشرب الخمر لأنه مسكر هو حرمة المسكر مطلقا ولو لم يكن خمرا لا عدم حرمة ما لم يسكر ولو لم يكن خمرا الا إذا استفيد ان العلة للحرمة منحصرة بالإسكار وهي غير العلة المنصوصة.
(وبالجملة) قياس العلة المنحصرة على العلة المنصوصة مما لا وجه له.
(قوله وأما في غيره... إلخ) أي في مورد الافتراق من جانب الوصف والموصوف جميعا فإنه الذي يظهر عن بعض الشافعية جريان النزاع فيه لا مطلقا ولو كان الافتراق من جانب الوصف فقط كالسائمة من غير الغنم
(قوله فيما إذا كان الافتراق من جانب الوصف... إلخ) العبارة ناقصة والصحيح هكذا فيما إذا كان الافتراق من جانب الوصف والموصوف جميعا فان كلام بعض الشافعية كان في مورد الافتراق من جانبهما كليهما كالإبل المعلوفة لا من جانب الوصف فقط كالإبل السائمة ومنشأه هو نقص عبارة صاحب التقريرات رحمه الله فان المصنف نقلها على ما هي عليه من غير أن يتفطن نقصها فيتداركه فراجع.
212

في مفهوم الغاية
(قوله فصل هل الغاية في القضية تدل على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية... إلخ) في الغاية مقامان من الكلام.
(الأول) أن الغاية هل هي داخلة في المغيا أم خارجة عنه فإذا قال مثلا صم من أول الشهر إلى اليوم العاشر فهل يجب صوم يوم العاشر كما يجب قبله أم لا (الثاني) أن الغاية سواء كانت داخلة في المغيا أم خارجة عنه هل هي تدل مفهوما على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية بناء على دخولها في المعنى أو عن نفس الغاية وبعدها بناء على خروجها عن المغيا أم لا.
(أما المقام الأول) فسيأتي الكلام فيه عند تعرض المصنف له.
(وأما المقام الثاني) ففي التقريرات أن المشهور بل المعظم على الأول أي الدلالة وأنه ذهب جماعة منهم السيد والشيخ إلى الثاني أي عدم الدلالة (وأما تحقيق المصنف) ها هنا فحاصله أن الغاية (إن كانت) بحسب القواعد العربية أي بحسب متفاهم أهل اللسان قيدا للحكم كما في قوله كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام أو كل شيء طاهر حتى تعرف أنه قذر فهي تدل على ارتفاع الحكم بمجرد حصول الغاية وذلك للتبادر ولكونه مقتضى التقييد بها (وإن كانت) بحسبها قيدا للموضوع يعنى به متعلق الحكم كالسير في قولك سر من البصرة إلى الكوفة فحالها حال الوصف في عدم المفهوم فلا تدل على ارتفاع سنخ الحكم بحصول الغاية وإن ارتفع به شخص الحكم ولكنه ليس من باب المفهوم كما عرفته مرارا (ووجه) عدم الدلالة عدم وضعها لذلك لغة وعدم قرينة عامة ملازمة لذلك غالبا (وأما فائدة) التحديد بها كسائر التحديدات
213

على ما مر في الوصف غير منحصرة بالمفهوم فكما أن التوصيف جاز أن يكون لشدة الاهتمام بمورد الوصف أو لدفع توهم عدم شمول الحكم لمورد الوصف أو لغير ذلك من أمور أخر فكذلك التحديد بالغاية جاز أن يكون لشدة الاهتمام بما قبل الغاية كما في قوله إذا حضر شهر رمضان فاتلوا القرآن حتى ينسلخ الشهر أو لدفع توهم عدم شمول الحكم لما قبل الغاية كما في قوله أحسن إلى من أبغضك إلى أن يحبك.
(أقول) ان الغاية وان لم تدل على ارتفاع الحكم بحصول الغاية مطلقا على وجه لو قال صم إلى اليوم العاشر ثم قال ومن العشرين إلى الآخر كان الثاني منافيا لمفهوم الأول بحيث وجب تخصيص المفهوم به ولكنها مما تدل على ارتفاع الحكم بحصول الغاية في الجملة والا لكان التحديد بها لغوا غالبا (وأما التحديد) بها لأجل شدة
الاهتمام بما قبل الغاية أو لغيرها وان كان قد يتفق أحيانا ولكنه ليس دائما من هذا القبيل ففي الأغلب يكون لأجل ارتفاع الحكم بحصول الغاية ولو في الجملة والا لكان التحديد بها عبثا جدا (وأما الفرق) بين تحديد الحكم بها وبين تحديد متعلقه بها فمما لا وجه له فان الحكم الظاهري كما في الحديثين الشريفين وان كان مما يرتفع مطلقا بمجرد حصول غايته وهو العلم إذ لا يعقل ثبوت الحلية الظاهرية أو الطهارة الظاهرية مع حصول العلم وارتفاع الجهل ولكن الحكم الواقعي ليس من هذا القبيل فيجوز أن يجتمع مع حصول غايته ولو في الجملة فإذا قال مثلا يجب عليك الصوم من أول الشهر إلى العاشر جاز أن يقول ومن العشرين إلى الآخر من دون أن يكون بينهما تناف عرفا.
(وبالجملة) التحديد بالغاية فيما سوى الحكم الظاهري مما يدل على ارتفاع الحكم في الجملة وان لم يدل على ارتفاعه مطلقا من غير فرق بين كون الغاية قيدا للحكم الواقعي أو لمتعلقه.
214

(قوله وأما إذا كانت بحسبها قيدا للموضوع... إلخ) ويعنى بالموضوع متعلق الحكم كما أشرنا وان كان إطلاق الموضوع على متعلق الحكم خلاف الاصطلاح.
(قوله وان كان تحديده بها بملاحظة حكمه... إلخ) وحاصله أن تحديد الموضوع بالغاية وان كان هو بملاحظة حكمه المتعلق به ويكون مرجعه إلى تحديد الحكم بها ولكنه مع ذلك إذا كانت الغاية بحسب القواعد العربية ومتفاهم أهل اللسان قيدا للموضوع لا للحكم لا تدل على ارتفاع سنخ الحكم بحصول الغاية وقد عرفت معنى ارتفاع السنخ في مفهوم الشرط فلا نعيد.
(قوله وقضيته ليس الا عدم الحكم فيها الا بالمغيى... إلخ) أي وقضية تحديد الموضوع بالغاية ليس الا عدم الحكم في القضية الا بالمغيى من دون دلالة لها على المفهوم وارتفاع سنخ الحكم بحصول الغاية.
(قوله وفائدة التحديد بها كسائر أنحاء التقييد غير منحصرة بإفادته... إلخ) دفع لما قد يتوهم من أن التحديد بالغاية لو لم يدل على ارتفاع الحكم بحصول الغاية فما فائدة التحديد بها فيقول ان فائدة التحديد بها مما لا ينحصر بالمفهوم كما مر في الوصف بل قد يكون لشدة الاهتمام بما قبل الغاية أو لدفع توهم شمول الحكم لما قبل الغاية وقد تقدم التمثيل لهما فتذكر.
(قوله ثم انه في الغاية خلاف آخر كما أشرنا إليه... إلخ) هذا هو المقام الأول الذي قد أخره المصنف عن المقام الثاني ومقصوده من قوله كما أشرنا إليه هو ما تقدم من قوله في صدر البحث بناء على دخول الغاية في المغيا أو عنها وبعدها بناء على خروجها... إلخ (وعلى كل حال) ان في هذا المقام أقوال عديدة (قال في التقريرات) أما المقام الأول فاختلف القوم فيه على أقوال فذهب نجم الأئمة إلى الخروج مطلقا نظرا إلى أن حدود الشيء خارجة
215

عنه وحمل الموارد التي يظهر فيها الدخول على وجود القرينة فيها وقيل بالدخول مطلقا وفصل ثالث بين حتى وإلى فقال بالدخول في الأول وبعدمه في الثاني اختاره الزمخشري على ما نسب إليه وادعى بعض النحاة الإجماع على الدخول في حتى ولعله خلط بين العاطفة والخافضة كما نص عليه ابن هشام وفصل بعضهم بين ما إذا كان ما قبل الغاية وما بعدها متحدين في الجنس فقال بالدخول وبين غيره وهنا أقوال أخر (انتهى) ومختار المصنف قدس سره هو ما ذهب إليه نجم الأئمة من الخروج مطلقا ما لم تقم على الدخول قرينة بالخصوص نظرا إلى كون الغاية من حدود الشيء وهي خارجة عنه (وفيه) أن حد الشيء ان كان عبارة عن أول جزء من الأمر الملاصق للشيء فهو خارج عنه وان كان عبارة عن آخر جزء من أجزاء الشيء فهو داخل فيه ولم يعلم كونه عبارة عن الأول (وعليه) فدعوى خروج الغاية لكونها من الحدود مما لا يخلو عن نظر (والحق) أن الغاية تختلف دخولا وخروجا باختلاف المقامات ولا ضابطة لها (فقد تكون) خارجة عن المغيا كما في قوله تعالى وأتموا الصيام إلى الليل (وقد تكون) داخلة فيه كما في قولك صم إلى آخر الشهر وهكذا الأمر في حتى الخافضة التي هي للغاية وتكون بمعنى إلى (فقد تكون) الغاية فيها خارجة عن المغيا كما في قوله تعالى وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود أو كما نمت البارحة حتى الصباح (وقد تكون) داخلة فيه كما في قولك سرت اليوم حتى الكوفة أو صمت الشهر حتى آخره فاللازم في كل مورد مراعاة القرائن والشواهد الحالية أو المقالية الموجودة فيه فان كان هناك دليل على خروجها أو دخولها فهو والا فنفس الغاية بطبعها الأصلي مما لا دلالة لها على الدخول ولا الخروج فلا بد عند الشك في حكمها من حيث اللحوق بما قبلها وعدمه من الرجوع إلى الأصل العملي وأما حتى العاطفة كما في قولك
216

أكلت السمكة حتى رأسها أو مات الناس حتى الأنبياء فهي خارجة عن محل الكلام لعدم كونها للغاية ومدخولها ملحق بما قبلها اتفاقا كما نص عليه ابن هشام (قال) فيما أفاده في كلمة حتى (ما لفظه) وزعم الشيخ شهاب الدين القرافي أنه لا خلاف في وجوب دخول ما بعد حتى وليس كما ذكر بل الخلاف فيها مشهور وإنما الاتفاق في حتى العاطفة لا الخافضة والفرق أن العاطفة بمنزلة الواو (انتهى).
(قوله وعليه يكون كما بعدها بالنسبة إلى الخلاف الأول... إلخ) أي وبناء على خروج الغاية عن المغيا تكون الغاية كما بعدها بالنسبة إلى الخلاف الأول فان قلنا في الخلاف السابق بالمفهوم وارتفاع سنخ الحكم بحصول الغاية فالحكم مرتفع عنها كما بعدها وإن قلنا بسكوت الغاية عن ارتفاع سنخ الحكم بحصولها فهي ساكتة عن نفسها كما بعدها كما أن بناء على دخول الغاية في المغيا تكون كما قبلها داخلة في المنطوق ومحكومة بحكمه.
(قوله ثم لا يخفى ان هذا الخلاف لا يكاد يعقل جريانه فيما إذا كان قيدا للحكم فلا تغفل... إلخ) ووجه عدم الجريان على ما يظهر من تعليقته على الكتاب أن الغاية إذا كانت قيدا للحكم فالمغيا هو نفس الحكم ولا يعقل دخول الغاية في نفس الحكم نعم يعقل النزاع حينئذ بنحو آخر بأن يقال هل الحكم ينقطع بمجرد حصول الغاية أو لا ينقطع إلا بتحقق تمام الغاية فإذا قال مثلا يجب عليك الصوم من أول الشهر إلى العاشر فهل الوجوب ينقطع بمجرد الشروع في العاشر أو لا ينقطع إلا بتحقق تمام العاشر.
(أقول) إن دخول الغاية في المغيا في كل مقام بحسبه وإلا ففيما كانت الغاية قيدا لمتعلق الحكم أيضا لا معنى لدخول الغاية في متعلق الحكم فإذا قال مثلا سر من البصرة إلى الكوفة فلا معنى لدخول الكوفة في السير فكما يقال إن
217

دخولها فيه يكون بمعنى اندراجه تحت وجوب السير فكذلك يقال إن دخول العاشر في الوجوب يكون بمعنى عدم انقطاعه عنه (وعليه) فلا تحتاج إلى هذا التفصيل والتطويل أبدا.
في مفهوم الاستثناء
(قوله فصل لا شبهة في دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم سلبا أو إيجابا بالمستثنى منه ولا يعم المستثنى ولذلك يكون الاستثناء من النفي إثباتا ومن الإثبات نفيا... إلخ) لا شبهة في دلالة الاستثناء على اختصاص شخص الحكم الذي أنشأه المتكلم سلبيا كان أو إيجابيا بالمستثنى منه فان الاستثناء قد أخرج المستثنى وتضيقت به دائرة الموضوع والحكم لا يكاد يشمل الا موضوعه (ولكن) هل ينتفي سنخ الحكم ونوعه عن المستثنى (وبعبارة أخرى) هل يدل الاستثناء مفهوما على نقيض الحكم في المستثنى بحيث كان الاستثناء من النفي إثباتا ومن الإثبات نفيا (والحق) تبعا للمشهور أنه يدل وذلك للانسباق فان الاستثناء وان كان مدلوله المطابقي هو القطع كالمقراض فيخرج المستثنى من المستثنى منه ولازمه العقلي هو اختصاص شخص الحكم بالمستثنى منه وانتفائه عن المستثنى ولكن العرف يستفيد فوق ذلك وهو انتفاء السنخ أيضا بل وثبوت النقيض المستثنى فلو قال مثلا أكرم العلماء الا زيدا وثبت بدليل آخر وبإنشاء جديد وجوب إكرام زيد كان ذلك معارضا للأول وليس ذلك الا لاستفادة انتفاء السنخ عن المستثنى فوق الشخص بل وثبوت النقيض له عرفا فتأمل جيدا.
(ثم ان) المحكي عن أبي حنيفة أنه قد خالف المشهور في الاستثناء
218

محتجا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم لا صلاة الا بطهور بل يظهر من الفصول وقد عنون المسألة في العام والخاص أنه احتج بمثل لا علم الا بحياة أيضا (وظاهر التقريرات) أن خلافه ناظر إلى كلا الشقين فلا الاستثناء من النفي يفيد الإثبات ولا الاستثناء من الإثبات يفيد النفي ولكن ظاهر استدلاله المذكور هو الاختصاص بالشق الأول بمعنى أن الاستثناء من النفي لا يفيد الإثبات لأن الصلاة لا تكون بمجرد الطهور (ويؤيده) ما حكى عن البهائي في حاشيته على الزبدة من أن المشهور أن الحنفية يوافقون في الاستثناء من الإثبات (وعلى كل حال) قد أجاب عنه المصنف بجوابين.
(الأول) أن المراد من الصلاة هي الصلاة الواجدة للأجزاء والشرائط أي لا صلاة واجدة للأجزاء والشرائط الا بالطهور ومن المعلوم أن الصلاة كذلك تكون بالطهور.
(الثاني) أنه لو سلم عدم كون الاستثناء من النفي إثباتا فالاستعمال مع القرينة أحيانا كما في المثال ونحوه مما علم فيه الحال لا يكاد يجدى (وأجاب عنه) في تعليقته على الكتاب بنحو ثالث قال عند التعليق على قوله بكون المراد من مثله (ما هذا لفظه) بل المراد من مثله في المستثنى منه نفى الإمكان ذاته وأنه لا يكاد يكون بدون المستثنى وقضيته ليس الا إمكان ثبوته معه لا ثبوته فعلا لما هو واضح لمن راجع أمثاله من القضايا (انتهى) وحاصله أن المعنى هكذا أي لا صلاة بممكنة الا بطهور فتمكن به لا أنه لا صلاة بموجودة الا بطهور فتوجد به كي يقال إن الصلاة لا توجد بمجرد الطهور وهذا لمن تدبر أمثاله من القضايا واضح كقولك لا إحراق الا بحطب أي لا إحراق بممكن الا بحطب فيمكن به أو لا حج الا بالزاد والراحلة أي لا حج بممكن الا بالزاد والراحلة فيمكن بهما وهكذا.
219

(أقول) ويمكن الجواب عنه بنحو رابع بأن يقال إن المنفي بكلمة لا ليس هو الإمكان كما ادعاه المصنف في الجواب الثالث وان جاز دعواه بل المنفي هو الوجود كما هو المفروض في الجواب الأول ويشهد له صحة التصريح به بأن يقال لا صلاة بموجودة الا بطهور ولكن المقصود من الاستثناء من النفي ليس إثبات الوجود بنحو العلية التامة كما في لا نهار الا بالشمس ولا ليل الا بغروب ولا شيء الا بمشية الله وهكذا كي يقال إنه لا توجد الصلاة بمجرد الطهور بل المراد إثبات الوجود بنحو الاقتضاء أي مع انضمام ساير ما له الدخل شطرا أو شرطا كما في لا صلاة الا بفاتحة الكتاب ولا علم الا بحياة ولا حياة الا بماء وهكذا الأمر في مثالي الإحراق والحج وغيرهما.
(ثم) إن في الاستثناء نزاع آخر غير ما تقدم وعرفت لم يؤشر إليه المصنف وهو أن الاستثناء من النفي هل يدل على حصر النقيض بالمستثنى أم لا فإذا قال مثلا ما جاءني القوم الا زيدا فهل يدل على حصر الجائي بزيد على نحو لو ثبت بعدا أنه جاء مع زيد رجل آخر كان ذلك مخصصا للحصر المستفاد من القضية أم لا.
(أقول) والظاهر أن هذا النزاع بعد الفراغ عن النزاع الأول فبعد الفراغ عن كون الاستثناء من النفي إثباتا وأنه يدل بالمفهوم على نقيض الحكم في المستثنى يقع الكلام في دلالته مفهوما على حصر النقيض بالمستثنى (والظاهر) أنه لا إشكال في استفادة الحصر منه عرفا فوق ثبوت أصل النقيض له غير أنه لا وجه لحصر النزاع بالاستثناء من النفي بل ينبغي إجرائه في الاستثناء من الإثبات أيضا غايته أن الاستثناء من النفي يدل على حصر الحكم الإيجابي بالمستثنى والاستثناء من الإيجاب يدل على حصر الحكم السلبي بالمستثنى.
(قوله لا تكون صلاة على وجه... إلخ) أي على القول بالصحيح
220

(قوله وصلاة تامة على وجه آخر... إلخ) أي على القول بالأعم.
(قوله ومنه قد انقدح أنه لا موقع للاستدلال على المدعى بقبول رسول الله صلى الله عليه وآله إسلام من قال كلمة التوحيد... إلخ) رد على التقريرات والفصول جميعا حيث استدلا به (فقال في التقريرات) وقبول رسول الله صلى الله عليه وآله إسلام من قال لا اله الا الله من أعدل الشواهد على ذلك أي على كون الاستثناء من النفي مفيدا للإثبات (وقال في الفصول) وقد عنون المسألة مشروحا في العام والخاص كما أشرنا (ما هذا لفظه) وثالثا الاتفاق على أن كلمة التوحيد تفيده ولو كان مدلول الاستثناء الإعلام بعدم التعرض لحال المستثنى لم تفده.
(قوله والإشكال في دلالتها عليه... إلخ) أي والإشكال في دلالة كلمة التوحيد على التوحيد... إلخ (وحاصل الإشكال) أن في كلمة لا اله الا الله ان كان المقدر لخبر (لا) لفظة ممكن أي لا اله بممكن الا الله فلا تدل حينئذ على إثبات وجوده تعالى فضلا عن نفى غيره وان كان المقدر لخبر (لا) لفظة موجود أي لا اله بموجود الا الله فأقصى ما تدل عليه كلمة التوحيد حينئذ هو إثبات الوجود له جل وعلا من دون أن تدل على عدم إمكان اله آخر معه ليثبت بها التوحيد.
(قوله مندفع بان المراد من الله هو واجب الوجود... إلخ) وحاصل الدفع أن المقدر لخبر (لا) هو لفظة موجود أي لا اله بموجود الا الله ولكن المراد من الله هو واجب الوجود وحينئذ فنفي وجوده في الخارج وإثبات فرد منه فيه مما يدل على امتناع غيره إذ لو لم يكن الغير ممتنعا لوجد بعد فرض كونه من أفراد واجب الوجود.
(أقول) والإنصاف أن الدفع مما لا يحتاج إلى هذه التكلفات فان
221

الجواب الصحيح أنه لا يجب في دلالة كلمة التوحيد على التوحيد دلالتها على امتناع غيره تعالى بل يكفى فيها دلالتها على عدم وجود اله غيره تعالى وهذا هو معنى التوحيد وأما امتناع غيره تعالى فهو وإن كان حقا ولكنه أمر آخر لا ربط له بالتوحيد كما لا يخفى.
(قوله ثم إن الظاهر أن دلالة الاستثناء على الحكم في طرف المستثنى بالمفهوم وأنه لازم خصوصية الحكم في جانب المستثنى منه... إلخ) والظاهر أن المصنف قد أراد بقوله هذا قياس المقام بباب الشرط والوصف فكما أن المفهوم فيهما على القول به كان من لوازم خصوصية المعنى المنطوق به وهي علية الشرط أو الوصف بنحو الانحصار فكذلك في المقام ثبوت نقيض الحكم في المستثنى يكون من لوازم خصوصية الحكم في المستثنى منه وهو مما لا وجه له فان نقيض الحكم في المستثنى كما أشير في صدر البحث انما هو من لوازم المدلول المطابقي للاستثناء وهو القطع وإخراج المستثنى من المستثنى منه بمعنى أنه يلزمه عرفا ثبوت النقيض للمستثنى وان لم يلزمه عقلا لا أنه من لوازم خصوصية الحكم في المستثنى منه.
(قوله نعم لو كانت الدلالة في طرفه بالاستثناء لا بتلك الجملة كانت بالمنطوق... إلخ) بل الدلالة على نقيض الحكم في طرف المستثنى تكون بالاستثناء قطعا بمعنى كون النقيض مدلولا التزاميا له حيث أنه من لوازم مدلوله المطابقي وهو القطع وإخراج المستثنى من المستثنى منه ومع ذلك لا تكون الدلالة بالمنطوق بل بالمفهوم نظير دلالة الحاتم على الجود مفهوما أي التزاما.
222

فيما دل على الحصر
(قوله ومما يدل على الحصر والاختصاص انما وذلك لتصريح أهل اللغة بذلك وتبادره منها قطعا... إلخ) وكفى بتبادر الحصر دليلا ومدركا في المسألة من غير حاجة إلى تصريح أهل اللغة فلا يعبأ بخلاف الرازي عنادا وعدوانا في ذيل تفسير قوله تعالى انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا... إلخ (ثم إن الظاهر) أن وجه تعرض المصنف لبيان ما دل على الحصر هو مناسبته للنزاع الثاني المتقدم في الاستثناء وان لم يؤشر إليه المصنف من أن الاستثناء من النفي بعد الفراغ عن دلالته مفهوما على النقيض في المستثنى أي الإثبات هل هو يدل على حصر النقيض به أم لا (ثم إنه) قدس سره لم يذكر تمام ما قيل أو يمكن أن يقال بدلالته على الحصر وان ذكر المهم منه كما لا يخفى.
(قوله ودعوى أن الإنصاف أنه لا سبيل لنا إلى ذلك... إلخ) هذه الدعوى من صاحب التقريرات (قال) والإنصاف أنه لا سبيل لنا إلى ذلك فان موارد استعمال هذه اللفظة مختلفة ولا يعلم بما هو مرادف لها في عرفنا حتى يستكشف منها ما هو المتبادر منها بخلاف ما هو بأيدينا من الألفاظ المترادفة قطعا لبعض الكلمات العربية كما في أداة الشرط (انتهى) (وحاصله) ان الألفاظ التي نعلم بما يرادفها في اللغة الفارسية كأداة الشرط كلفظة (ان) حيث أن ما يرادفها في الفارسية هو لفظة (أكر) صح فيها دعوى التبادر وأما الألفاظ التي لا نعلم بما يرادفها في عرفنا (كأنما) فلا يصح لنا دعوى التبادر فيها (وقد أجاب عنه المصنف) بان التبادر مما لا ينحصر بالانسباق إلى أذهاننا كي لا يمكن دعواه في المقام نظرا إلى عدم علمنا بما يرادف اللفظ في لغتنا فان
223

الانسباق إلى أذهان أهل اللسان أيضا سبيل إلى العلم بالوضع وهو موجود في المقام.
(أقول) هذا مضافا إلى أن الانسباق إلى أذهاننا أيضا مما لنا إليه سبيل وذلك للعلم بما يرادفه في لغتنا وهو لفظة (اينست وجز اين نيست).
(قوله وربما يعد مما دل على الحصر كلمة بل الإضرابية... إلخ) في بل الإضرابية جهات من الكلام على ما يظهر من التقريرات ولكن عمدتها انها (إن تقدمها) أمر أو إيجاب كما في أكرم زيدا بل عمرا أو جاءني زيد بل عمرو فهي تنقل الحكم إلى ما بعدها وتجعل ما قبلها كالمسكوت عنه فكأنه قال من الأول أكرم عمرا أو جاءني عمرو ولا دلالة لها حينئذ على حصر الحكم بالمضرب إليه أصلا (وإن تقدمها) نهى أو نفى فالمشهور انها لتقرير ما قبلها على حاله من النهي أو النفي وجعل النقيض لما بعده فقولك لا تضرب زيدا بل عمرا أي بل اضرب عمرا وقولك ما جاءني زيد بل عمرو أي بل جاءني عمرو فتكون حينئذ لحصر الحكم أي النقيض في المضرب إليه جدا (ونسب) إلى المبرد وغيره انها في هذا القسم تكون ناقلة لمعنى النهي أو النفي إلى ما بعدها فقولك لا تضرب زيدا بل عمرا أي بل لا تضرب عمرا وقولك ما جاءني زيد بل عمرو أي بل ما جاءني عمرو فيكون ما قبلها كالمسكوت عنه كما في القسم الأول وعلى هذا القول لا تكون بل الإضرابية للحصر مطلقا (وفي قبال هذا القول) ما نسب إلى الحاجبي من كونها للحصر مطلقا فتكون الأقوال فيها ثلاثة (ومن هنا قال في التقريرات) اختلفوا فيها على أقوال أحدها إفادتها الحصر مطلقا سواء كان في الإيجاب أو النفي وهو المنسوب إلى الحاجبي الثاني العدم مطلقا (إلى أن قال) الثالث التفصيل بين النفي فيدل والإثبات فلا يدل (انتهى).
224

(أقول) والظاهر أن الحق مع المشهور أي في التفصيل ففي الإثبات سواء كان أمرا أو إيجابا لا يدل على حصر الحكم بالمضرب إليه ونفيه عن المضرب عنه بل المضرب عنه يكون مسكوتا عنه ولكن في النفي أو النهي يدل على حصر الحكم أي النقيض بالمضرب إليه ونفيه عن المضرب عنه جدا.
(قوله والتحقيق أن الإضراب على أنحاء... إلخ) (فتارة) يكون لأجل أن المضرب عنه قد أتى به غفلة.
(وأخرى) يكون لأجل أن المضرب عنه قد أتى به لسبق اللسان مع عدم الغفلة.
(وثالثة) يكون لأجل التأكيد فيذكر المضرب عنه تمهيدا ومقدمة لذكر المضرب إليه فيقول جاءني القوم ثم يضرب عنهم ويقول بل سيدهم ثم ان هذا القسم إنما يتم فيما إذا كان بين المضرب عنه والمضرب إليه سنخية وعلاقة كما في المثال وإلا فذكر الأجنبي قبلا ليس فيه تمهيد ولا توطئة كما لا يخفى.
(ورابعة) يكون الردع وإبطال ما أثبت أو لا كما في قوله تعالى وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون (وقد أضاف) المصنف في تعليقته على الكتاب قسما خامسا (قال) عند التعليق على قوله فيدل عليه وهو واضح (ما هذا لفظه) إذا كان بصدد الردع عنه ثبوتا وأما إذا كان بصدده إثباتا كما إذا كان مثلا بصدد بيان أنه إنما أثبته أو لا بوجه لا يصح معه الإثبات اشتباها فلا دلالة له على الحصر أيضا فتأمل جيدا انتهى (وحاصله) أن المتكلم قد يكون بصدد إبطال ما أثبت أو لا ثبوتا وهذا هو القسم الرابع وقد يكون بصدد إبطال ما أثبت أو لا إثباتا بمعنى أنه يبطل دليليته وصحة الاستناد إليه وان لم يكن باطلا ثبوتا كما في قولك أكرم زيدا لأنه شاعر بل لأنه عالم فبهذا الإضراب لم يقصد إبطال كونه شاعرا بل أراد إبطال دليلية كونه شاعرا
225

لوجوب الإكرام وأن الدليل غيره (ثم إن) حاصل كلام المصنف في هذه الأقسام الخمسة كلها أن الإضراب الذي يستفاد منه الحصر بالمضرب إليه هو القسم الرابع فقط أي ما كان لإبطال ما أثبت أو لا ثبوتا فيفيد الحصر قهرا بالمضرب إليه وأما ما سواه فلا.
(أقول) نعم ما ذكره المصنف من التحقيق فهو حق صحيح ولكن التفصيل بين ما إذا تقدمها أمر أو إيجاب فلا تكون للحصر وبين ما إذا تقدمها نهى أو نفى فتكون للحصر أيضا حق صحيح (وعليه) فلا تكون بل الإضرابية للحصر الا في موردين.
(أحدهما) أن تكون بعد النهي أو النفي فهي تقرر النهي أو النفي السابق وتجعل النقيض لما بعدها وتوجب حصره به كما في قولك لا تضرب زيدا بل عمرا أي بل أضرب عمرا أو ما ضربت زيدا بل عمرا أي بل ضربت عمرا (ثانيهما) أن تكون لإبطال ما أثبت أولا ثبوتا كما في الآية الشريفة فيستفاد منه الحصر بما بعدها.
(قوله ومما يفيد الحصر على ما قيل تعريف المسند إليه باللام والتحقيق أنه لا يفيده الا فيما اقتضاه المقام... إلخ) المراد من المسند إليه في المقام على ما يظهر من كلماتهم بل من تصريحاتهم هو خصوص المبتداء لا مطلقا ولو كان فاعلا فتعريف الفاعل باللام كما في قولك جاء الضارب أو الشارب ليس من محل الكلام أصلا بل الكلام في مثل قولك الضارب زيدا أو الشارب عمرو (ثم ان) حاصل تحقيق المصنف أن الأصل في اللام أن يكون للجنس والأصل في الحمل هو الشائع الذي ملاكه مجرد الاتحاد الخارجي ولو كان الموضوع أخص وأضيق (وعليه) فمجرد حمل الشيء على الجنس والماهية بالحمل الشائع الصناعي مما لا يقتضى حصر ذلك الجنس به وذلك لجواز إرادة قسم خاص منه
226

أو فرد مخصوص منه ما لم تقم قرينة على أن اللام للاستغراق كي يستفاد منه حصر جميع الأفراد به أو تتم مقدمات الحكمة وينعقد لمدخول اللام إطلاق وسريان يشمل الجميع كي يستفاد منه حصر الجنس بإطلاقه وسعته فيه أو تقم قرينة على أن الحمل ذاتي ليس الموضوع فيه أخص وأضيق.
(أقول) والإنصاف أن المبتداء المعرف باللام هو مما يفيد الحصر بلا شبهة من غير حاجة فيه إلى قيام قرينة خاصة على كون اللام فيه للاستغراق أو إلى انعقاد مقدمات الحكمة في مدخول اللام وأنه أخذ بنحو الإرسال والإطلاق أو قيام قرينة على أن الحمل أولى ذاتي لا شايع صناعي وذلك كله بحكم التبادر والانسباق إلى الذهن عرفا فتأمل جيدا (ثم إن هاهنا) أمرين آخرين قد اشتهر إفادتهما الحصر غير ما تقدم ومضى.
(أحدهما) تعريف المسند باللام.
(وثانيهما) تقديم ما حقه التأخير.
(أقول) أما تعريف المسند باللام كقولك زيد العالم أو عمرو العادل فالحق أنه كما اشتهر يفيد الحصر عرفا بحكم التبادر وان كان ظهوره دون ظهور المسند إليه المعرف باللام وأما تقديم ما حقه التأخير فان كان تقديم المعمول على الفعل كما في إياك نعبد وإياك نستعين فالظاهر أنه أيضا مما يفيد الحصر وأما تقديم الخبر على المبتداء سواء كان الخبر وصفا كما في قولك قائم زيد أو أمير عمرو أو كان اسما جامدا كما في قولك إنسان زيد أو حيوان عمرو فلا يستفاد منه الحصر وان كان يظهر منه التأكيد.
(نعم) إذا عرف باللام فيفيد الحصر ولكنه من باب تعريف المسند إليه باللام لا من باب تقديم ما حقه التأخير.
(قوله لا الحمل الذاتي الذي ملاكه الاتحاد بحسب المفهوم... إلخ)
227

ليس ملاك الحمل الذاتي كما تقدم منا في علائم الحقيقة والمجاز منحصرا بالاتحاد المفهومي كما في الإنسان إنسان أو بشر بل ملاكه الاتحاد الماهوي وان كان المحمول والمحمول عليه مختلفين مفهوما كما في الإنسان حيوان ناطق فان مفهوم الأول بسيط ومفهوم الثاني مركب ومع ذلك هما متحدان ماهية وذاتا والحمل فيهما أولى ذاتي فلا تغفل.
في مفهوم اللقب والعدد
(قوله فصل لا دلالة للقب ولا للعدد على المفهوم... إلخ) المراد من اللقب في المقام ليس معناه المصطلح أي العلم الذي فيه مدح أو ذم كمحمود وبطة في قبال الكنية وهي العلم المصدر باب أو أم كأبي الحسن وأم كلثوم أو في قبال العلم المحض كالحسن والحسين بل هو مطلق ما يقابل الوصف سواء كان اسم جنس كالرجل والمرأة أو كان علما لشخص كمحمد وعلى وسواء كان العلم اسما جامدا كما في المثالين أو اسما مشتقا صار علما في الحال لا يراد منه معناه الوصفي كالباقر والصادق (وعلى كل
حال) أما اللقب فلا مفهوم له بمعنى أنه لا يدل على الانتفاء عند الانتفاء حتى في الجملة فقولك أكرم زيدا مما لا يدل على عدم إكرام عمرو بل هو مسكوت عنه حتى أنه اشتهر على الألسن أن إثبات شيء لا ينفى ما عداه.
(نعم) شخص الحكم مما ينتفي بانتفاء اللقب المأخوذ موضوعا الا أنك قد عرفت غير مرة أن انتفاء الشخص ليس من باب المفهوم بل المفهوم هو انتفاء السنخ وهو مما لا ينتفي في المقام (ثم إن) الظاهر أنه لا خلاف في هذه المسألة سوى ما يظهر عن جماعة من العامة على ما في التقريرات (وقد تشبثوا)
228

للمفهوم بلزوم العراء عن الفائدة (وهو ضعيف) فان مجرد إنشاء الحكم لموضوع خاص كما في قولك أكرم زيدا أو اسناد شيء إلى موضوع خاص كما في قولك جاءني زيد فائدة جليلة يستفيدها المخاطب من دون حاجة إلى الالتزام بالمفهوم خوفا من لزوم العراء عن الفائدة (وأضعف منه) تشبثهم بان قول القائل لا أنا بزان ولا أختي بزانية رمى للمخاطب ولأخته بالزنى ولذلك أوجبوا عليه حد القذف فإنه لو سلم وجوب الحد فيه فإنما هو لكونه في مقام التعريض والا فمجرد قوله ذلك على سبيل الحكاية مما لا يفهم منه رمى للمخاطب ولا لأخته بالزنى.
(وبالجملة) ان مجرد إثبات حكم لموضوع خاص أو اسناد شيء إلى موضوع خاص مما لا يفهم منه نفيه عن غيره ولو في الجملة ما لم يعلم بقرينة حالية أو مقالية أنه في مقام التعريض أو في مقام بيان تمام ما هو الموضوع للحكم أو تمام ما أسند إليه الشيء فيستفاد منه حينئذ الانتفاء عند الانتفاء ولكنه بوسيلة القرينة أحيانا لا بمقتضى اللقب وضعا أو انصرافا.
(وأما العدد) فحاصل الكلام فيه أن التحديد (قد يكون) بالإضافة إلى جانب الأقل كما إذا قال بع لي الدار الفلاني بألف ولك كذا وكذا فحينئذ يدل مفهوما على عدم جواز الاقتصار على الأقل وان جاز بيعه بأكثر (وقد يكون) بالإضافة إلى جانب الأكثر كما إذا قال اشتر لي الدار الفلاني بألف ولك كذا وكذا فحينئذ يدل مفهوما على عدم جواز التعدي عن الألف وان جاز شرائه بأقل (وقد يكون) بالإضافة إلى كلا الطرفين جميعا فحينئذ يدل مفهوما على عدم جواز الاقتصار على الأقل ولا التعدي إلى الأكثر كما في تحديد الأطباء غالبا فإنها في الأغلب يكون كذلك سيما في الأدوية المسمومة فقوله عشر قطرات أو خمسة مثاقيل يكون للتحديد من كلا الجانبين جميعا فلا
229

الأقل ينفع ولا الأكثر يخلو عن الضرر (ثم انه) إن علم أن التحديد يكون بالإضافة إلى الأقل أو الأكثر أو إلى كلا الطرفين جميعا فهو بمعنى أنه يجوز التعدي إلى الأكثر في الأول والاقتصار على الأقل في الثاني ولا يجوز شيء منهما في الثالث (وان لم يعلم) ذلك فالظاهر أنه يجب الاحتياط لأنه يعلم إجمالا بالتحديد في الجملة فاما لا يجوز التعدي إلى الأكثر وأما لا يجوز الاقتصار على الأقل وأما لا يجوز كلاهما جميعا فلا يمكنه التخلف عن المنطوق وهو العدد الخاص الذي نطق به المولى (ثم ان) من تمام ما ذكر إلى هنا يظهر لك أمران (أحدهما) أن التحديد بالعدد قد يكون بالإضافة إلى جانب الأقل وقد يكون بالإضافة إلى جانب الأكثر وقد يكون بالإضافة إلى كليهما جميعا فما يظهر من المصنف من أن التحديد بالإضافة إلى الأقل متيقن دائما وأنه اما يكون بالإضافة إلى الأقل فقط أو بالإضافة إلى كلا الطرفين جميعا هو في غير محله.
(ثانيهما) أنه مهما علم أن التحديد هو بالإضافة إلى الأقل فعدم جواز الاقتصار على الأقل يكون بمفهوم العدد لا بمنطوقه وهكذا إذا علم أن التحديد هو بالإضافة إلى الأكثر فعدم جواز التعدي إلى الأكثر يكون بمفهوم العدد لا بمنطوقه وهكذا إذا علم أن التحديد هو بالإضافة إلى كلا الطرفين جميعا فعدم جواز التخلف عن العدد المخصوص إلى الأقل أو الأكثر يكون بالمفهوم لا بالمنطوق فإذا قال مثلا في الصورة الأولى بع لي الدار الفلاني بألف فمنطوقه وان كان هو الأمر ببيعها بهذا المقدار فإذا باعها بأقل لم يمتثل الأمر ولكن مفهومه عرفا عدم الرضاء ببيعها بأقل فإذا باعها بأقل فقد أتى بما لا يرضى به.
(وبالجملة) إذا قال بع لي الدار الفلاني بألف فيعرف منه وجوب بيعها بهذا المقدار وحرمة بيعها بأقل وعدم رضائه به جدا والأول بالمنطوق والثاني بالمفهوم وهكذا الأمر في الصورتين الأخيرتين حرفا بحرف فتأمل جيدا.
230

في العام والخاص وبيان تعاريف العام
(قوله المقصد الرابع في العام والخاص فصل قد عرف العام بتعاريف وقد وقع من الاعلام فيها النقض بعدم الاطراد تارة والانعكاس أخرى... إلخ) (قال في الفصول) ان للقوم في العام حدودا كثيرة لا يسلم كلها أو جلها عن المناقشة أو الخلل المحوج إلى ارتكاب التعسف أو التمحل والتعرض لها بكثرتها وكثرة ما يرد عليها يوجب التطويل الباعث على الملل فلنقتصر على ذكر حد واحد منها بما يرد عليه (إلى أن قال) فنقول قيل العام هو اللفظ المستغرق لما يصلح له واعترض على عكسه.
(أولا) بالمشترك إذا استغرق جميع أفراد أحد معانيه إذ لا يتناول أفراد معنى آخر وهو يصلح لها.
(أقول) بمعنى أن لفظ العين مثلا إذا وقع مدخولا للفظ كل وأريد منه الجارية فهو مستغرق لجميع أفرادها دون أفراد الباكية مع صلاحيته لها فهو عام غير مستغرق لجميع ما يصلح له فلا عكس للتعريف (إلى أن قال) في الفصول.
(وثانيا) بالجمع المعرف فان عمومه باعتبار تناوله لكل فرد ولا يصلح له لفظ الجمع نعم ينعكس عند من يجعل عمومه باعتبار الجماعات.
(أقول) بمعنى أن لفظ العلماء مثلا الذي هو من الجميع المعرف يستغرق كل فرد من أفراد العالم مع أن الجمع لا يصلح للفرد ولا يصح انطباقه عليه وانما يصلح لثلاثة وأكثر فهو عام مستغرق لما لا يصلح له فلا عكس أيضا للتعريف فالنقض الأول كان من جهة عدم الاستغراق لما يصلح له والنقض
231

الثاني هو من جهة الاستغراق لغير ما يصلح له.
(نعم) إذا قلنا أن الجمع المعرف هو لاستغراق الجماعات كما يظهر من المحقق القمي في المقدمة الرابعة في ذيل القانون الثالث فقولك جاءني الرجال أي جاءني كل
جماعة من جموع الرجال فلا نقض حينئذ وان كان يظهر من المحقق المذكور بعد انتهاء المقدمات استظهار تبادر العموم الأفرادي من الجمع المحلى باللام أي استغراق الأفراد وأن المعنى الذي كان يقتضيه الأصل أي العموم باعتبار الجماعات قد هجر وانسلخ (إلى أن قال) في الفصول وعلى طرده (تارة) بالمشترك إذا استعمل في جميع معانيه حقيقة على القول بالجواز.
(أقول) بمعنى أنه إذا جوزنا استعمال المشترك في جميع معانيه دفعة واحدة فهو مستغرق لجميع ما يصلح له وليس بعام فلا طرد للتعريف (إلى أن قال) وأخرى بنحو عشرة ومائة من المركبات لاستغراقه لما يصلح من أجزائه.
(أقول) بمعنى أن العشرة وهكذا المائة ونحوهما من الأعداد يستغرق جميع آحادها المندرجة تحتها ومع ذلك ليس بعام فلا طرد أيضا للتعريف (إلى ان قال) والمختار في حده أن يقال هو ما استغرق جميع جزئيات مفهومه وضعا (انتهى) (وقال المحقق القمي) فالعام هو اللفظ الموضوع للدلالة على استغراق أجزائه أو جزئياته كما عرفه شيخنا البهائي (قال) واحترز بقيد الموضوع الدلالة عن المثنى والجمع المنكر وأسماء العدد فإنها لم توضع للدلالة على ذلك وان دلت وقوله اجزائه أو جزئياته لدخول مثل الرجال على كل من المعنيين الآتيين من إرادة العموم الجمعي أو الأفرادي (انتهى) (وقال المصنف) قدس سره في تعريف العموم كما سيأتي بعد أسطر (ما هذا لفظه) وهو شمول المفهوم لجميع ما يصلح ان ينطبق عليه (انتهى) والظاهر انه اقتبسه من التعريف الأول (وعلى كل حال).
232

(الحق) في تعريف العام بعبارة واضحة على وجه يسلم من جميع المناقشات كلها ان يقال إن العام ما استغرق جميع مصاديقه كمدخول كل أو مدخول جميع أو مدخول لام الاستغراق سواء كان جمعا أو مفردا وكالنكرة في سياق النفي أو النهي وهكذا (ومن هنا يظهر) أن لفظ كل وجميع أو لام الاستغراق أو النفي أو النهي لا يكون عاما وإنما هو أداة العموم والعام إنما هو مدخول هذه الأمور وسيأتي لذلك مزيد بيان إن شاء الله تعالى فانتظر (ثم ان) الأوجه من بين الاعتراضات المتقدمة كلها هو الثاني والرابع ومع ذلك لا يرد على التعريف شيء منهما.
(أما الثاني) فالجواز الالتزام بكون عموم الجمع المحلى باللام باعتبار الجماعات (ولو سلم استغراقه للآحاد كما هو المتبادر فهو مستغرق لمصاديقه أي الجماعات مع الزيادة وهي الآحاد ولا ضير فيه.
(وأما الرابع) فلأن العشرة وان كانت مستغرقة لجميع الآحاد المندرجة تحتها ولكن الآحاد ليست هي مصاديقها بل هي أجزائها وأما مصاديقها فهي العشرات القابلة انطباقها عليها فما تستغرقه هي ليس من مصاديقها وما هو من مصاديقها ليست هي بمستغرقة لها الا إذا دخل عليها لفظة كل ونحوها فيقال مثلا كل عشرة.
(قوله فإنها تعاريف لفظية تقع في جواب السؤال عنه بالماء الشارحة... إلخ) قد تقدم في المطلق والمشروط أن التعريف اللفظي الذي يقع في جواب الماء الشارحة عبارة عن التعريف الذي يحصل به الميز في الجملة كتعريف السعدانة بأنه نبت والتعريف الحقيقي الواقع في جواب الماء الحقيقية عبارة عن تعريف الشيء بحقيقته وكنهه على الضبط والدقة فان كان بالجنس والفصل أو بالفصل فقط كتعريف الإنسان بالحيوان الناطق أو بالناطق فهو حد وان كان
233

بالجنس والعرض الخاص أو بالعرض الخاص فقط كتعريف الإنسان بالحيوان الضاحك أو بالضاحك فهو رسم (ثم ان المصنف) قد استدل لكون تعاريف القوم في مقامنا هذا وفي كل مقام آخر تعاريف لفظية لا حقيقية بأمرين قد ذكر أحدهما هاهنا وثانيهما في صدر الاجتهاد والتقليد.
(وحاصل الأول) أن المعنى المركوز في الأذهان من العام أوضح وأجلى مما عرف به ولذا يجعل المقياس في النقض على التعريف عكسا أو طردا صدق ذلك المعنى المركوز وعدم صدقه فان صدق المركوز على مورد ولم يشمله التعريف فيشكل عليه بعدم العكس وان لم يصدق هو على مورد وقد شمله التعريف فيشكل عليه بعدم الطرد مع أنه يعتبر في التعريف أن يكون هو أجلى وأظهر من المعرف لا بالعكس.
(وحاصل الأمر الثاني) أنه لا إحاطة لغير علام الغيوب بالأشياء بكنهها أو بخواصها الموجبة لامتيازها عما عداها كي صح أن تكون تعاريف القوم حقيقية بالحد أو الرسم لا لفظية لحصول الميز في الجملة.
(أقول) وفي كلا الوجهين ما لا يخفى.
(أما الأول) فلأن المراد من اعتبار كون التعريف أجلى من المعرف ليس كونه أجلى منه مفهوما والا فما من تعريف الا والمعرف أجلى منه مفهوما كتعريف الإنسان بالحيوان الناطق فان الأول أجلى وأوضح بلا كلام بل المراد هو كونه أجلى منه في بيان الحقيقة وشرح الماهية فالإنسان أجلى من الحيوان الناطق بحسب المفهوم والحيوان الناطق أجلى منه بحسب شرح الحقيقة وبيان الماهية (وعليه) فمجرد عدم كون التعاريف أجلى مفهوما من المعرف مما لا يكون دليلا على كونها تعاريف لفظية لا حقيقية.
(وأما الثاني) فلأن عدم الإحاطة لغير علام الغيوب بكنه الأشياء
234

وخواصها على الضبط والدقة مما لا ينافي كونهم في مقام بيان حقيقة الشيء وكنهه على حسب قدرتهم وطاقتهم كيف وقد يصرحون بأنهم بصدد تعريف الحقيقة والماهية وان القيد الفلاني هو لإخراج كذا أو لإدخال كذا أو للاحتراز عن كذا أو لإدراج كذا كل ذلك تحفظا على عكس التعريف وطرده فمع هذا التصريح والتعليل كيف يحمل تعاريفهم على اللفظية دون الحقيقية وانهم بصدد شرح الاسم وحصول الميز في الجملة دون بيان الحد أو الرسم وهذا واضح.
(قوله ماله من الأحكام... إلخ) أي ما للعام من الأحكام مثل أن العام إذا خصص فهل يكون حجة في الباقي أم لا أو أن العام إذا خصص بمجمل مفهوما أو مصداقا فهل هو حجة في موارد الشبهة أم لا إلى غير ذلك من الأحكام المبحوث عنها في المباحث الآتية إن شاء الله تعالى.
(قوله حيث لا يكون بمفهومه العام محلا لحكم من الأحكام... إلخ) أي لا يكون العام بمفهومه العام الشامل لجميع أفراده ومصاديقه محلا لحكم من الأحكام كي يجب تعيين مفهومه ومعناه ليترتب عليه حكمه الخاص بل الأحكام انما هو لمصاديق العام وأفراده مثل مدخول كل أو مدخول لام الاستغراق أو النكرة في سياق النفي أو النهي وهكذا والمصاديق كلها معلومة واضحة وإن لم نعرف للمجموع تعريفا جامعا مانعا له الطرد والعكس على الضبط والدقة.
في أقسام العموم
(قوله ثم ان الظاهر أن ما ذكر له من الأقسام من الاستغراقي والمجموعي والبدلي... إلخ) الظاهر أن العموم البدلي ليس من أقسام العموم
235

وإنما هو إطلاق في الحقيقة يعبر عنه أحيانا بالعموم البدلي كما أنه قد يعبر عن العموم بالإطلاق الشمولي (وتوضيحه) أن كلا من العام والمطلق وإن كان عبارة عما استغرق جميع مصاديقه وأفراده ولكن العام يستغرق مصاديقه بنحو العطف بواو فأكرم كل عالم أي أكرم هذا العالم وذاك العالم وذاك العالم وهكذا والمطلق يستغرق مصاديقه بنحو العطف بأو فأعتق رقبة أي أعتق هذه الرقبة أو تلك الرقبة أو تلك الرقبة وهكذا (ومن هنا يظهر) ضعف دعوى أن الفرق بينهما يكون من حيث الاستناد إلى الوضع في الأول وإلى مقدمات الحكمة في الثاني كما تقدم عن الفصول حيث أخذ الوضع في تعريف العام فقال هو ما استغرق جميع جزئيات مفهومه وضعا بل صرح في المطلق والمقيد أن اعتبار العموم الوضعي في تعريف العام هو المعروف (ووجه الضعف) أن العام والمطلق في أصل المفهوم مختلفان وليس اختلافهما بحسب الاستناد إلى الوضع وعدمه (فالعام) عبارة عما استغرق مصاديقه بنحو العطف بواو وإن كان استغراقه مستندا إلى مقدمات الحكمة كما في أحل الله البيع والمطلق عبارة عما استغرق مصاديقه بنحو العطف بأو وإن كان استغراقه مستندا إلى الوضع كما في أي فقولك تصدق بدرهم على أي فقير أي سواء كان على هذا الفقير أو على ذاك الفقير أو على ذاك الفقير وهكذا.
(نعم) إن العام وهو ما استغرق مصاديقه بنحو العطف بواو على قسمين (فتارة) يكون الإتيان بكل بعض منه مطلوبا مستقلا على حده بحيث لو أتى ببعض وأخل ببعض فقد امتثل وعصى.
(وأخرى) يكون الإتيان بالمجموع من حيث المجموع مطلوبا واحدا بحيث كان امتثال بعضه مرتبطا بامتثال بعض على نحو لو أتى بالجميع إلا بعضا لم يمتثل أصلا ويسمى الأول بالعام الاستغراقي ويقال له الأفرادي أيضا
236

والثاني بالعام المجموعي أي ما كان للهيئة الاجتماعية دخلا فيه (والظاهر) أن مدخول كل وما جرى مجراه كلفظ جميع في الأمر أو في الإيجاب كما في أكرم كل عالم أو أكرمت كل عالم ظاهر في العموم الاستغراقي إلا إذا قام قرينة على دخل الهيئة الاجتماعية فيه وان إكرام المجموع مطلوب واحد وفي النهي أو النفي كما في قولك لا تثق بكل أحد أو ما وثقت بكل أحد ظاهر في المجموعي فإذا وثق بالجميع إلا واحدا لم يعص في الأول ولم يكذب في الثاني (وأما الجمع المحلى باللام) والمفرد المحلى باللام والجمع المضاف والمفرد المضاف بناء على إفادتها العموم كما سيأتي فلا يتفاوت الحال فيها بين أن كانت في الأمر أو الإيجاب أو كانت في النهي أو النفي ففي الكل ظاهرة في العموم الاستغراقي (ثم ان كلا) من العام الاستغراقي والمجموعي (قد يكون) عاما له الأفراد كما في الأمثلة المتقدمة (وقد يكون) مركبا له الأجزاء كما في قولك كل كل السمكة أو لا تأكل كل السمكة فان العموم في الأول استغراقي بظاهره بحيث إذا أكل بعض الاجزاء وترك بعضا فقد امتثل وعصى وفي الثاني مجموعي بحيث إذا كل جميع الاجزاء إلا واحدا لم يعص.
(نعم) لا يبعد دعوى أن الغالب في العموم الاستغراقي هو أن يكون في العام بحسب الافراد كما أن الغالب في العموم المجموعي هو أن يكون في المركب من الاجزاء.
(قوله انما هو باختلاف كيفية تعلق الأحكام به والا فالعموم في الجميع بمعنى واحد... إلخ) قد عرفت.
(أولا) أن العموم على قسمين استغراقي ومجموعي وليس البدلي من أقسام العموم أصلا وانما هو إطلاق يعبر عنه أحيانا بالعموم البدلي (ولو سلم ذلك) فليس اختلاف هذه الأقسام الثلاثة باختلاف كيفية تعلق الأحكام بها
237

فان العموم الاستغراقي والمجموعي هب ان اختلافهما يكون باختلاف كيفية تعلق الحكم بهما وان المعنى فيهما واحد ففي قوله أكرم كل فقيه قد يتعلق الحكم بالعام على أن يكون إكرام كل فقيه مطلوبا مستقلا وقد يتعلق الحكم به على أن يكون إكرام المجموع من حيث المجموع مطلوبا واحدا ولكن اختلاف العموم البدلي مع صاحبيه انما هو باختلاف أصل المفهوم لا باختلاف كيفية تعلق الحكم به وهل يعقل أن يكون المعنى في لفظه (كل) ولفظه (أي) شيئا واحدا حاشا وكلا (ولعمري) هذه زلة عجيبة من المصنف لم نترقب صدورها من مثله (وأعجب) منها أنه أكدها في تعليقته على الكتاب ولم يرجع عنها (قال) فيها عند التعليق على قوله في المتن انما هو باختلاف كيفية تعلق الأحكام به (ما هذا لفظه) ان قلت كيف ذلك ولكل واحد منها لفظ غير ما للآخر مثل أي رجل للبدلي وكل رجل للإستغراقي قلت نعم ولكنه لا يقتضى أن تكون هذه الأقسام له لا بملاحظة اختلاف كيفية تعلق الأحكام لعدم إمكان تطرق هذه الأقسام الا بهذه الملاحظة فتدبر جيدا (انتهى) (وحاصله) ان مجرد ان لكل واحد منها لفظ غير ما للآخر لا يقتضى أن تكون هذه الأقسام لا بملاحظة اختلاف كيفية تعلق الأحكام به وذلك لعدم تطرق هذه الأقسام الا بهذه الملاحظة (وهو كما ترى) ضعيف جدا إذ مجرد أن لكل من العموم البدلي وغيره لفظ بالخصوص وان لم يقتض اختلافهما مفهوما لجواز ترادف اللفظين ولكن بعد عدم صحة استعمال كل منهما مكان الآخر وانسباق معنى خاص من كل منهما غير ما ينسبق من الآخر يعرف قطعا انهما مختلفان مفهوما
(قوله وقد انقدح أن مثل شمول عشرة وغيرها لآحادها المندرجة تحتها ليس من العموم... إلخ) إشارة إلى الاعتراض الرابع من الاعتراضات المتقدمة وكأنه بنظر المصنف هو أقوى من الكل فخصه بالذكر من بين الجميع
238

(وعلى كل حال) حاصل كلامه أنه قد انقدح بما ذكرنا في تعريف العموم من انه شمول المفهوم لجميع ما يصلح أن ينطبق عليه أن شمول مثل عشرة وغيرها من أسماء العدد لآحادها المندرجة تحتها ليس من العموم فإنه وان كان شمولا واستغراقا لها ولكنه ليس شمولا لما يصلح أن ينطبق عليها ضرورة عدم صلاحية انطباق عشرة على الواحد أو الاثنين أو الثلاث وهكذا كي ينتقض على التعريف المذكور للعام بعدم الطرد.
(أقول) نعم ولكن بقي على المصنف شيء واحد وهو ان تعريفه المذكور للعام وان خرج مثل العشرة وغيرها فلا نقض عليه بعدم الطرد ولكن تعريفه مما لا يشمل مثل الجمع المحلى باللام كالعلماء فإنه يستغرق جميع أفراد العالم مع أنه لا يصلح ان ينطبق العام على كل فرد من افراد العالم فان الجمع لا يصدق على أقل من ثلاثة أو اثنين فينتقض عليه بعدم العكس ولعله إليه أشار أخيرا بقوله فافهم ولكن قد عرفت منا الجواب عنه فلا نقض علينا.
(قوله فافهم... إلخ) قد أشير الآن إلى وجه قوله فافهم فلا تغفل.
للعموم صيغة تخصه
(قوله فصل لا شبهة في ان للعموم صيغة تخصه... إلخ) إشارة إلى نزاع يشبه النزاع في الضروريات ولو تركه المصنف كان أولى (قال في الفصول) اختلفوا في انه هل للعموم صيغة تخصه أو لا فذهب جماعة إلى الأول وهو المحكي عن المحقق والشيخ والعلامة وعزاه بعضهم إلى الأكثر وذهب قوم إلى الثاني وتوقف بعضهم ثم اختلف النافون فمنهم من جعلها مشتركة بينه وبين الخصوص وحكى عن السيد موافقته لهم على ذلك لغة مع مصيره إلى انها
239

نقلت في عرف الشارع إلى العموم خاصة ومنهم من جعلها حقيقة في الخصوص ومجازا في العموم (انتهى).
(قوله لغة وشرعا... إلخ) إشارة إلى ضعف ما اختاره السيد (رحمه الله) من أن للعموم صيغة تخصه شرعا وانها مشتركة بين العموم والخصوص لغة وظاهره الاشتراك اللفظي سيما بملاحظة مسلكه المعروف في سائر المقامات.
(قوله كالخصوص... إلخ) أي كما أن للخصوص صيغة تخصه كلفظة خاصة وفقط وأشباههما.
(قوله: كما يكون ما يشترك بينهما ويعمهما... إلخ) كالجنس الصادق على القليل والكثير المشترك بين العام والخاص سواء كان اسم ذات كالرجل والمرأة أو اسم معنى كالقيام والقعود.
(قوله: وما يرادفه... إلخ) كلفظ الجميع وأخواته.
(قوله: ولا ينافي اختصاصه به استعماله في الخصوص عناية بادعاء أنه العموم... إلخ) كما في قولك جاءني كل الرجل فيما كان الجائي خصوص زيد بادعاء أنه جميع أفراد الرجل مبالغة في رجوليته.
(قوله: ومعه لا يصغى إلى أن إرادة الخصوص متيقنة ولو في ضمنه... إلخ) رد على دليلي من قال ان صيغ العموم حقيقة في الخصوص فقط. (قال في الفصول) حجة من جعلها حقيقة في الخصوص فقط أمران الأول ان إرادة الخصوص ولو في ضمن العموم معلومة بخلاف العموم لاحتمال أن يكون المراد به الخصوص فقط وجعل اللفظ حقيقة في المتيقن أولى من جعله حقيقة في المحتمل، الثاني انه قد اشتهر التخصيص وشاع حتى قيل ما من عام إلا وقد خص إلحاقا للقليل بالعدم مبالغة والظاهر يقتضى كونه
240

في الأشهر الأغلب تقليلا للمجاز (انتهى) (فيقول المصنف) ومعه يعنى مع ضرورة أن مثل لفظ كل وما يرادفه في أي لغة كان تخص العموم ولا يخص الخصوص ولا يعمهما بان كان مشتركا بينهما لا يكاد يصغى إلى الأمرين المذكورين مضافا إلى أن تيقن إرادة الخصوص في الدليل الأول مما لا يوجب اختصاص الوضع به وان اشتهار التخصيص في الدليل الثاني مما لا يوجب كثرة المجاز كي يقال ان الظاهر يقتضى كونه حقيقة في الأشهر الأغلب تقليلا للمجاز لما ستعرف من أن التخصيص مما لا يوجب التجوز مع أن كثرة المجاز مما لا محذور فيه إذا كان بالقرينة.
(أقول) هذا مضافا إلى أن الخصوص ليس له حد خاص ومرتبة مخصوصة كي يمكن الالتزام بوضع صيغ العموم لذلك الحد الخاص فان العام إذا خرج منه فرد واحد فالباقي خاص وان خرج منه فردان فهو أيضا خاص وهكذا إلى أن يصل إلى حد لا يجوز أن يتجاوز عنه التخصيص فان قلنا بوضع الصيغ لجميع هذه المراتب بنحو الاشتراك اللفظي فهذا باطل جدا وان قلنا بوضعها للجميع بنحو الاشتراك المعنوي فهو كذلك لوضوح عدم الجامع بينها فقهرا يتعين الوضع للعموم وهذا واضح.
في بيان ما دل على العموم
(قوله فصل ربما عد من الألفاظ الدالة على العموم النكرة في سياق النفي أو النهي... إلخ) المقصود من عقد هذا الفصل بعد ما عرفت في الفصل السابق أن للعموم صيغة تخصه وأنه لا يعبأ بخلاف من خالف هو عد صيغ العموم والأدوات الدالة عليه.
241

(وقد عد منها) لفظة كل وجميع وكافة وقاطبة وأجمع وأكتع وأبتع وأبصع.
(أقول) أما لفظة كل وجميع فهي مما يفيد العموم تأسيسا بمعنى انها مما توجب أن يستغرق مدخوله جميع مصاديقه وأفراده (فتقول) كل رجل آمن بالله دخل الجنة وجميع رجل كفر بالله دخل النار وأما ما سواهما فهو مما يفيد العموم تأكيدا (فتقول) أجمع العلماء كافة أو لعن الله بنى أمية قاطبة (أو تقول) اشتريت العبد كله أجمع أكتع أبتع أبصع أو اشتريت الجارية كلها كتعاء بتعاء بصعاء أو جاءني القوم كلهم أجمعون أكتعون أبتعون أبصعون أو قامت النسوة كلهن جمع كتع بتع بصع فأصل العموم يستفاد من أمر آخر وتلك الألفاظ مما تؤكد العموم من غير أن تؤسسه.
(وقد عد أيضا) من صيغ العموم من وما وأي الشرطية والاستفهامية والموصولة (تقول) في الشرطية من أكرمني أكرمه أو ما تصنع أصنع أو أيا تضرب أضرب (وتقول) في الاستفهامية من جاءك أو ما دهاك أو أيكم يأتيني به (وأما الموصولة) فهي كقول الله عز وجل ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا أو إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أو لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا.
(أقول) عد هذه الصيغ كلها من صيغ العموم بعد ما بينا لك معنى العام من أنه عبارة عما استغرق جميع مصاديقه بنحو العطف بواو مما لا يخلو عن مسامحة فان الاستغراق فيها يكون بنحو العطف بأو كما صرح به المحقق القمي في خصوص أي (قال) في القانون الثاني إلا انها يعنى صيغة أي ليست للتكرار بخلاف كل فلو قال لوكيله أي رجل دخل المسجد فأعطه درهما اقتصر على إعطاء واحد بخلاف ما لو قال كل رجل فإنه يعطى الجميع (انتهى) (نعم)
242

لا بأس) بإطلاق العموم البدلي عليها إلا إنك قد عرفت أن العموم البدلي هو إطلاق في الحقيقة يعبر عنه أحيانا بالعموم كما أنه قد يعبر عن العموم بالإطلاق الشمولي غير أن الإطلاق قد ينعقد بمقدمات الحكمة كما في أسامي الأجناس على ما سيأتي في المطلق والمقيد وقد يكون بالوضع كما في الصيغ المذكورة (ثم لا يخفى عليك) الفرق بين الصيغ المذكورة كلها وبين الصيغ المتقدمة عليها من لفظة كل وأخواتها بل ولام الاستغراق أيضا والنفي والنهي فان كلا من لفظة كل وأخواتها ولام الاستغراق والنفي والنهي مما يوجب أن يستغرق مدخوله جميع مصاديقه وأفراده فهو أداة العموم ومدخوله عام ينطبق عليه التعاريف المتقدمة في صدر البحث بل وهكذا الجمع المضاف أو المفرد المضاف على ما سيأتي فإضافته سبب لاستغراقه جميع المصاديق والأفراد بخلاف مثل من وما وأي فهو أداة وذو الأداة وليس سببا لاستغراق الغير جميع مصاديقه وأفراده فالتعاريف المذكورة صادقة عليه بنفسه لا على مدخوله فتأمل جيدا (وقد عد أيضا) مما يفيد العموم النكرة في سياق النفي أو النهي كما في قولك ما ظلمت أحدا أو لا تظلم أحدا (والظاهر) أن إفادتها العموم مما لا خلاف فيه (قال المحقق القمي) لا خلاف ظاهرا في أن النكرة في سياق النفي تفيد العموم (وقال في الفصول) لا ريب في أن النكرة في سياق النفي يقتضى العموم (بل المصنف) قد ادعى فوق ذلك وهو أن دلالتها على العموم عقلية نظرا إلى أن النفي أو النهي للعدم والنكرة هي الطبيعة ولا تنعدم الطبيعة الا بانعدام جميع أفرادها والا لما كانت معدومة.
(أقول) والظاهر أن مرادهم من النكرة في المقام هو اسم الجنس لا النكرة بمعناها المصطلح وهو اسم الجنس إذا دخل عليه التنوين وأفاد الوحدة والا فمقتضى نفى الواحد أو النهي عنه ليس هو نفى الجميع أو النهي عن الجميع
243

ولذا صح أن يقال ما جاءني رجل بل رجال أي ما جاءني رجل واحد بل جاءني رجال كثيرون (كما ان الظاهر) انه لا وجه لتخصيص اسم الجنس بالذكر فيشمل الحكم حتى المعرف بلام الجنس كما في قولك ما أكلت الحرام طول حياتي أولا تأكل الحرام طيلة عمرك.
(وبالجملة) مهما وقع اسم الجنس في سياق النفي أو النهي سواء كان معرفا بلام الجنس كما في الأخيرين أو مجردا عن اللام ولم يدخل عليه التنوين كما في لا رجل في الدار أو لا رفث في الحج أو دخل عليه التنوين ولم يرد منه الوحدة كما في قولك ما ضربت أحدا أو لا تضرب أحدا فهو للعموم ومهما دخل عليه التنوين وأريد منه الوحدة ولو بقرينة الإضراب ببل كما في قولك ما جاءني رجل بل رجلان أو رجال أو لا تجئني برجل بل برجلين أو برجال فهو ليس للعموم (وقد عد أيضا) مما يفيد العموم الجمع المحلى باللام حيث لا عهد والمفرد المحلى باللام أيضا حيث لا عهد.
(أما الأول) (فقال فيه صاحب المعالم) ولا نعرف في ذلك مخالفا من الأصحاب ومحققو مخالفينا على هذا أيضا وربما خالف في ذلك بعض من لا يعتد به منهم (وقال صاحب الفصول) ما يقرب من ذلك.
(وأما الثاني) فهو محل الخلاف (قال في المعالم) فذهب جمع من الناس إلى أنه يفيد العموم وعزاه المحقق إلى الشيخ وقال قوم بعدم إفادته واختاره المحقق والعلامة (وقال في الفصول أيضا) ما يقرب من ذلك.
(أقول) وتحقيق الكلام فيهما مما يقتضى ذكر مقدمة وهي أن كلمة أل على وجوه.
(منها) أن تكون زائدة كالداخلة على بعض الأعلام كالحسن والحسين والعباس والقاسم وهذه أجنبية عن المقام جدا.
244

(ومنها) أن تكون موصولة بمعنى الذي كالداخلة على أسماء الفاعلين والمفعولين ونحوهما كقولك جاء الظالم أو المظلوم أو القاتل أو السارق وهذه أيضا أجنبية عن المقام جدا.
(ومنها) أن تكون حرف تعريف وإشارة كالداخلة على الجمع المنكر والمفرد المنكر وهذه هي المربوطة بالمقام وهي على نوعين عهدية وجنسية (أما العهدية) فهي على أقسام فإنها سواء دخلت على الجمع أو المفرد.
(تارة) تكون إشارة إلى المذكور في الكلام.
(وأخرى) إلى الحاضر في مجلس الخطاب.
(وثالثة) إلى المعهود في ذهن المخاطب تقول أكرم الرجال مشيرا باللام إلى رجال مذكورين في الكلام أو إلى رجال حاضرين في مجلس الخطاب أو إلى رجال معهودين في ذهن المخاطب وهكذا تقول أكرم الرجل مشيرا بها إلى رجل مذكور أو حاضر أو معهود (وأما الجنسية) فهي على قسمين:
(الأول) أن تكون للإشارة إلى الأفراد والمصاديق الخارجية ويقال لها لام الاستغراق سواء كانت في الجمع أو في المفرد تقول جمع الأمير الصاغة أو جمع الأمير العسكر أي جمع كل فرد من أفراد الصائغ أو العسكر.
(الثاني) أن تكون للإشارة إلى الماهية والطبيعة سواء كانت في الجمع أيضا أو في المفرد تقول في الجمع الرجال قوامون على النساء أو النساء ناقصات العقول وتقول في المفرد الرجل خير من المرأة أو الإنسان حيوان ناطق فيكون اللام في هذا القسم الثاني لتعريف الجنس والإشارة إلى الماهية ويكون الحكم فيه على محض الطبيعة والحقيقة ويعرف الفرق بين الجنس والاستغراق بمناسبة الحكم والموضوع إذا عرفت هذا كله (فنقول) ان المحلى بلام الجنس سواء كان جمعا أو مفردا ان كان لامه لام الاستغراق وللإشارة بها إلى الأفراد
245

والمصاديق الخارجية فهو للعموم قطعا وان كان لامه لمجرد الإشارة بها إلى الماهية والحقيقة فهو للعموم أيضا لكن إذا اقتضته مقدمات الحكمة كما اشتهر في مثل أحل الله البيع وحرم الربا أي أحل الله كل فرد من أفراد البيع الا ما خرج بالدليل وحرم كل فرد من أفراد الربا الا ما خرج بالدليل والا فهو للإطلاق كما في مثل كل التمر واشرب الماء فان المنعقد فيهما بوسيلة المقدمات هو الإطلاق كما أعتق رقبة أي أي تمر كان أو أي ماء كان أو أي رقبة كانت لا كل فرد من أفراد التمر أو الماء أو الرقبة فتفطن ولا تغفل.
(وقد عد أيضا) مما يفيد العموم الجمع المضاف كقولك أكرم علماء البلد أو أطعم فقراء المدينة أو ارحم مساكين القرية وهكذا (قال المحقق القمي) في القانون الثالث أما الجمع المعرف باللام فالظاهر أنه لا خلاف بين أصحابنا في إفادته العموم (إلى أن قال) وكذلك الجمع المضاف عند جمهور الأصوليين (وقال في الفصول) فصل الجمع المضاف ظاهر في العموم كمعرفه باللام وهذا مما لا خفاء فيه بعد ملاحظة موارد إطلاقه وانما الإشكال في منشأ هذا الظهور.
(أقول) ولا يهمنا منشأ الظهور بعد التسالم على ظهوره في العموم كما لا يخفى فان المتبع عند العرف والعقلاء هو الظهور من أينما حصل ونشأ كما سيأتي تحقيقه في حجية الظواهر.
(وقد عد أيضا) مما يفيد العموم المفرد المضاف كقولك أكرم حاج البيت أو أطعم زائر الحسين عليه السلام أو ارحم فقير بلدك (قال في الفصول) في ذيل الجمع المضاف وأما المفرد المضاف فالحق أنه لا يفيد العموم.
(أقول) بل الحق أنه يفيد العموم سيما إذا كان المفرد المضاف اسم معنى كما إذا قال أحل الله نكاح الأمة وحرم وطي الحائض وأمر بصلاة العيدين
246

ونهى عن صوم الوصال وهكذا ففي الجميع يشمل الحكم جميع الأفراد والمصاديق بنحو العطف بواو وهو معنى العموم كما بينا.
(وقد عد أيضا) مما يفيد العموم الجمع المنكر كما في قولك جاءني رجال أو رأيت رجالا أو جئني برجال (قال في المعالم) أكثر العلماء على أن الجمع المنكر لا يفيد العموم بل يحمل على أقل مراتبه وذهب بعضهم على إفادته ذلك وحكاه المحقق عن الشيخ بالنظر إلى الحكمة والأصح الأول (إلى أن قال) حجة الشيخ أن هذه اللفظة إذا دلت على القلة والكثرة وصدرت من حكيم فلو أراد القلة لبينها وحيث لا قرينة وجب حمله على الكل.
(أقول) والحق ما اختاره الأكثر من عدم إفادته العموم فان مقدمات الحكمة وان كانت قد تقتضي العموم كما في المحلى بلام الجنس على ما أشرنا ولكنها في الجمع المكر مما لا تقتضي العموم وذلك من جهة التنوين فإنه كما إذا دخل على المفرد سمى بالنكرة ومنعه عن إفادة العموم كما في قولك جئني برجل وان لم يمنع عن انعقاد الإطلاق له فكذلك إذا دخل على الجمع وسمى بالجمع المنكر كما في قولك جئني برجال فيمنعه عن إفادة العموم وان لم يمنع عن انعقاد الإطلاق له.
(قوله لكن لا يخفى انها تفيده إذا أخذت مرسلة لا مبهمة... إلخ) أي لكن لا يخفى أن النكرة في سياق النفي أو النهي تفيد العموم إذا أخذت مرسلة أي إذا أحرز إرسالها بمقدمات الحكمة كما صرح به في تعليقته على الكتاب لا مبهمة والا فسلب الطبيعة المبهمة مما لا يقتضى الا استيعاب السلب للافراد المتيقنة لا مطلق الأفراد وما تقدم من أن دلالة النكرة الواقعة في سياق النفي أو النهي على العموم عقلية فهو لا ينافي ذلك فان نفى الطبيعة وان لم يكن الا بنفي جميع أفرادها لكن إذا أخذت مرسلة مطلقة لا مبهمة أو مقيدة
247

كما أن دلالة لفظة كل على العموم وضعا لا ينافي كون عمومها بحسب ما يراد من مدخولها سعة وضيقا فان كان المدخول وسيعا غير مقيد فهي تستوعب جميع أفراده على سعته وان كان مقيدا بقيد فهي تستوعب جميع أفراد المقيد ومن هنا لا يكون تقييد مدخوله ولو بقيود كثيرة منافيا لمعنى لفظة كل فهي في الكل مستوعبة لأفراد مدخولها غايته أن المدخول يختلف سعة وضيقا ففي كل من أكرم كل رجل وأكرم كل رجل عالم قد استعملت اللفظة فيما هو معناها الحقيقي وهو استيعاب تمام أفراد المدخول.
(وبالجملة) حاصل مقصود المصنف كما تقدمت الإشارة إليه في بحث الاجتماع في مرجحات النهي أن كلا من النفي والنهي ولفظة كل مما يدل على العموم واستيعاب المدخول لكن بمعونة مقدمات الحكمة المحرزة بها سعة المدخول وإرساله وإطلاقه (ولكن يرجع عن هذا كله) في المقام بقوله نعم لا يبعد... إلخ كما رجع هناك بقوله اللهم الا أن يقال... إلخ وحاصله أنه لا يبعد أن يكون نفس إطلاق النكرة الواقعة في سياق النفي أو النهي وعدم تقييدها بشيء كافيا في استيعاب النفي أو النهي تمام أفرادها ومصاديقها من دون حاجة إلى مقدمات الحكمة وإحراز سعة المدخول وإرساله بها غير أنه رجع هناك في كل من النفي والنهي ولفظة كل جميعا ورجوعه في المقام ظاهر في خصوص الأولين فقط.
(أقول) نعم نفس إطلاق النكرة وعدم تقييدها بشيء في لسان الدليل يكفى في استيعاب النفي أو النهي تمام أفرادها ولكن إحراز الإرسال في مدخول النفي أو النهي مما لا يحتاج إلى أكثر من ذلك لما سيأتي منا في المطلق والمقيد من أن الدخيل من بين مقدمات الحكمة في انعقاد الإطلاق والسريان هو مجرد انتفاء ما يوجب التعيين والتقييد في لسان الدليل بل وانتفاء المتيقن
248

في مقام التخاطب أيضا كما سيأتي شرحه وأما إحراز كون المتكلم بصدد بيان تمام مراده فهو دخيل في حجية الإطلاق واعتباره لا في تحقق أصل الإطلاق وانعقاده.
(وبالجملة) إحراز سعة المدخول وإرساله أمر لازم فما لم يحرز لم يفد لفظة كل ولا جميع ولا النفي ولا النهي ولا لام الاستغراق بل ولا إضافة الجمع أو إضافة المفرد بناء على إفادتهما العموم كما تقدم آنفا استيعاب تمام الأفراد واستغراق جميع المصاديق ولكن إحراز سعة المدخول مما لا يحتاج إلى أكثر من إطلاقه وعدم تقييده في لسان الدليل بشيء كما لا يخفى.
(قوله نعم لا يبعد أن يكون ظاهرا عند إطلاقها في استيعاب جميع أفرادها... إلخ) استدراك عن قوله لا يخفى انها تفيده إذا أخذت مرسلة لا مبهمة كما أشرنا آنفا (ومن هنا يظهر) أن الصحيح كان أن يقول نعم لا يبعد أن تكون ظاهرة عند إطلاقها في استيعاب جميع أفرادها... إلخ بتأنيث كلمة ظاهرة لا بتذكيرها.
(قوله وهذا هو الحال في المحلى باللام... إلخ) أي وكون العموم بحسب ما يراد من المدخول هو الحال في المحلى باللام جمعا كان أو مفردا بناء على إفادتهما العموم.
(قوله وإطلاق التخصيص على تقييده... إلخ) دفع لما قد يتوهم من أن العموم لو كان بحسب ما يراد من المدخول سعة وضيقا ولذا لا ينافيه تقييد المدخول بقيود كثيرة فلم يطلق التخصيص على تقييد المدخول فان التخصيص فرع أن يكون هناك عموم وشمول فتتضيق الدائرة بمخصص لها (فيقول) في دفعه إن إطلاق التخصيص على تقييد المدخول ليس بمعناه الحقيقي بل من قبيل قوله ضيق فم الركية أي من الأول أوجد فم البئر ضيقا لا أنه
249

ضيقه بعد ان كان وسيعا.
(قوله لكن دلالته على العموم وضعا محل منع... إلخ) أي ولكن دلالة المحلى باللام وضعا على العموم محل منع بل العموم المستفاد منه يكون بمقدمات الحكمة أو بقرينة شخصية وذلك لعدم وضع اللام فيه للعموم ولا وضع مدخوله له ولا وضع آخر للمركب منهما (وفيه مضافا) إلى ما ستعرفه في المطلق والمقيد من إثبات وضع اللام بحكم التبادر للتعريف والإشارة إما إلى جميع الأفراد فيكون للعموم والاستغراق أو إلى الجنس والماهية أو إلى المعهود بأقسامه من الحضوري والذكرى والذهني ما سيأتي من المصنف من الاعتراف صريحا هناك باستناد العموم فيه إلى وضع المجموع للعموم (قال قدس سره) هناك وأما دلالة الجمع المعرف باللام على العموم مع عدم دلالة المدخول عليه فلا دلالة فيها على انها تكون لأجل دلالة اللام على التعيين (إلى أن قال) فلا بد أن يكون دلالته عليه مستندة إلى وضعه كذلك لذلك لا إلى دلالة اللام على الإشارة إلى المعين (انتهى).
هل العام المخصص حجة في الباقي
(قوله فصل لا شبهة في أن العام المخصص بالمتصل أو المنفصل حجة فيما بقي... إلخ) مقصود القوم من عقد هذه المسألة هو بيان أن العام إذا خصص بشيء فهل يوجب تخصيصه به سقوطه عن الحجية بالنسبة إلى الباقي ولو كان المخصص أمرا مبينا معلوما لا إجمال فيه لا مفهوما ولا مصداقا أم لا يوجب ذلك (فيه) أقوال (قول) بالسقوط عن الحجية بمجرد التخصيص وقد نسبه التقريرات إلى بعض العامة (وقول) بعدم السقوط وقد نسبه إلى
250

قال بل ولم يظهر من أصحابنا فيه خلاف (وقول) بالتفصيل بين المخصص المتصل فيكون العام حجة في الباقي وبين المنفصل فلا يكون حجة فيه وقد نسبه إلى جماعة من العامة قال منهم البلخي على ما حكى (والمقصود) من عقد المسألة الآتية بعد الفراغ هاهنا من عدم سقوط العام عن الحجية بمجرد التخصيص هو البحث في أن العام إذا خصص بأمر مجمل مفهوما أو مصداقا كما إذا خصص أكرم العلماء بلا تكرم فساق العلماء وكان الفاسق مجملا بحسب المفهوم مرددا بين أمرين متباينين أو بين الأقل والأكثر كما سيأتي توضيح الكل إن شاء الله تعالى أو كان مجملا مصداقا بان كان هناك أفراد مشتبهة الحال مرددة بين الفسق والعدالة بنحو الشبهة الموضوعية فهل العام يكون حجة في موارد الإجمال والشبهة كما يكون حجة في غير موارد الشبهة من معلوم العدالة أم لا (وقد خلط المصنف) بين المسألتين واشتبه عليه بعنوان المسألة فزعم أن النزاع في مسألتنا هذه أيضا مفروض فيما إذا كان المخصص مجملا وكان له أفراد معلومة وأفراد محتملة (فقال) حجة فيما بقي فيما علم عدم دخوله في المخصص مطلقا ولو كان متصلا وما احتمل دخوله فيه أيضا إذا كان منفصلا أي حجة في ما علم خروجه عن المخصص مطلقا سواء كان المخصص متصلا أو منفصلا وذلك للقطع بخروجه كما هو المفروض وحجة أيضا في محتمل الخروج إذا كان المخصص منفصلا وكأنه لانعقاد الظهور حينئذ للعالم بعد فرض انفصال المخصص المجمل عنه فيكون حجة في الأفراد المحتملة الخروج عن المخصص ولم يتفطن أن مفروض الكلام في هذه المسألة ليس في المخصص المجمل بل الكلام فيها متمحض في أن العام بمجرد أن خصص ولو بأمر مبين معلوم مفهوما ومصداقا هل هو يسقط عن الحجية في الباقي أم لا (والعجب) أن الأصحاب قد صرحوا بذلك ومع ذلك لم يلتفت إليه المصنف (قال في التقريرات) هداية إذا خصص العام بأمر معلوم
251

مفهوما ومصداقا فلا ينبغي الإشكال في حجية العام في الباقي (وقال في الفصول) فصل إذا تخصص العام بمجمل سقط عن الحجية في مورد الإجمال اتفاقا (إلى أن قال) واختلفوا فيما إذا تخصص بما عداه في أنه هل يبقى حجة في الباقي أو لا إلى أقوال ثالثها أنه ان خص بمتصل كان حجة فيه والا فلا (وقال المحقق القمي) قانون العام المخصص بمجمل ليس بحجة اتفاقا (إلى أن قال) وأما المخصص بمبين فالمعروف من مذهب أصحابنا الحجية في الباقي مطلقا ونقل بعض الأصحاب اتفاقهم على ذلك واختلف العامة فمنهم من قال بعدم الحجية مطلقا ومنهم من خص الحجية بما لو كان المخصص متصلا (وقال في المعالم) أصل الأقرب عندي أن تخصيص العام لا يخرجه عن الحجية في غير محل التخصيص ان لم يكن المخصص مجملا مطلقا ولا أعرف في ذلك من الأصحاب مخالفا (إلى أن قال) ومن الناس من أنكر حجيته مطلقا ومنهم من فصل (انتهى موضع الحاجة من كلامهم) أعلى الله تعالى مقامهم (هذا كله مع ما يرد) على المصنف من حكمه في المقام بحجية العام فيما احتمل
دخوله في المخصص إذا كان منفصلا مطلقا من غير فرق بين الشبهة المفهومية والمصداقية حيث أنه سيأتي منه في المسألة الآتية من التفصيل في المخصص المنفصل فان كان مجملا مفهوما مرددا بين الأقل والأكثر فالعام حجة فيما سوى الأقل وهكذا ان كان مجملا مصداقا وكان المخصص لبيا فيكون العام حجة في الشبهات المصداقية وأما إذا كان مجملا مفهوما مرددا بين المتباينين أو كان مجملا مصداقا وكان المخصص لفظيا فلا يكون العام حجة في موارد الإجمال والشبهة فانتظر وتأمل.
(قوله واحتج النافي بالإجمال لتعدد المجازات حسب مراتب الخصوصيات وتعين الباقي من بينها بلا معين ترجيح بلا مرجح... إلخ) هذه عمدة ما استدل به النافي مطلقا والا فهو مستدل بأمرين حقيقة أحدهما
252

ما ذكره المصنف والآخر ما ذكره في الفصول وغيره (قال في الفصول) حجة النافي مطلقا أمران الأول أن اللفظ حقيقة في العموم ولم يرد منه وما دونه من المراتب مجازات واللفظ صالح لها ولا دليل على تعيين البعض فيبقى اللفظ مجملا مترددا بينها (إلى أن قال) الثاني أن تخصيص العام يخرجه عن كونه ظاهرا وما لا يكون ظاهرا لا يكون حجة.
(أقول) والظاهر أن مرجع الثاني إلى الأول إذ لا معنى لخروج العام بالتخصيص عن كونه ظاهرا الا إجماله ولا وجه لإجماله الا تردده بين مراتب الخصوصيات وعدم تعين الباقي من بينها لا أمر آخر ولعله لذلك تركه المصنف ولم يذكره أصلا الا الوجه الأول.
(قوله والتحقيق في الجواب أن يقال إنه لا يلزم من التخصيص كون العام مجازا... إلخ) وتوضيح الجواب كما هو حقه أن لنا دعويين.
(إحداهما) في المقام وهي أن التخصيص لا يستلزم تجوزا في العام مطلقا سواء كان المخصص متصلا أو منفصلا.
(وأخراهما) ما سيأتي في المطلق والمقيد من أن التقييد أيضا لا يستلزم تجوزا في المطلق مطلقا سواء كان المقيد متصلا أو منفصلا (ثم إن) إثبات الدعوى الأولى حيث يتوقف على إثبات الدعوى الثانية فلا محيص عن تقديم الثانية وذكرها أولا (فنقول) ان تقييد مثل لفظ الرقبة بمؤمنة سواء كانت المؤمنة متصلة بها كما إذا قال أعتق رقبة مؤمنة أو منفصلة عنها كما إذا قال أعتق رقبة ثم قال أعتق رقبة مؤمنة لا يكاد يستلزم تجوزا في لفظ الرقبة أبدا وذلك لأن التجوز يتوقف على أحد أمرين.
(الأول) أن يكون الإرسال والإطلاق داخلين في معنى المطلق كي ينافيهما التقييد وهذا خلاف التحقيق لما ستعرف من وضع أسامي الأجناس
253

للطبيعة بما هي هي مبهمة مهملة لا بما هي مرسلة سارية في جميع الأفراد كي ينافيهما التقييد.
(الثاني) أن يكون لفظ الرقبة مستعملة في خصوص الرقبة المؤمنة على أن تكون الخصوصية داخلة فيما استعمل فيه اللفظ ويكون لفظ المؤمنة قرينة عليه وهذا خلاف الظاهر فان الظاهر أن الرقبة مستعملة فيما هو معناها الحقيقي من الطبيعة بما هي هي وأن الخصوصية قد استفيدت من لفظة المؤمنة بنحو تعدد الدال والمدلول فلنا دالان ومدلولان كل منهما قد استعمل فيما هو معناه الحقيقي من غير فرق بين اتصال كل منهما بالآخر أو انفصالهما عن الآخر غايته انهما ان كانا متصلين فتمام المراد قد أداه المتكلم بكلام واحد وان كانا منفصلين فقد أداه بكلامين لحكمة مقتضية لذلك (وعليه) فلا تجوز في التقييد أصلا سواء كان بمتصل أو بمنفصل وهذا لدى التدبر واضح هذا تمام الكلام في الدعوى الثانية (وأما الدعوى الأولى) فحاصل الكلام فيها أن التخصيص أيضا مما لا يستلزم التجوز في العام مطلقا سواء كان المخصص متصلا بان قال مثلا أكرم كل عالم عادل أو كان منفصلا عنه بان قال مثلا أكرم كل عالم ثم قال لا تكرم العالم الفاسق (والمقصود) من عدم التجوز في العام أنه لا تجوز لا في أداة العموم ولا في مدخولها (أما عدم التجوز في المدخول) وهو لفظ العالم في المثال المذكور فلما عرفت من أن التقييد مطلقا سواء كان بمتصل أو بمنفصل لا يستلزم التجوز في المطلق (وأما عدم التجوز في أداة العموم) فلأن المخصص إذا كان متصلا بالعام فأداة العموم مستعملة فيما هو معناها الحقيقي من استغراق تمام أفراد المدخول غايته أن دائرة المدخول مضيقة من جهة التقييد وقد أشرنا في الفصل المتقدم أن عموم لفظ كل إنما هو بحسب ما يراد من مدخوله سعة وضيقا فهو على كل حال مستوعب لتمام أفراد المدخول من
254

دون تجوز فيه أصلا (وأما إذا كان المخصص منفصلا) بأن قال مثلا أكرم كل عالم ثم قال ولا تكرم العالم الفاسق فأداة العموم حينئذ وإن كان يدور أمر استعمالها ثبوتا بين نحوين (بين أن تكون) مستعملة في العموم حقيقة وهو استغراق تمام أفراد المدخول ويكون الخاص المنفصل قرينة على إرادة الخصوص لبا وواقعا ومانعا عن حجية ظهورها في العموم بالنسبة إلى مورد الخاص تحكيما للنص أو الأظهر على الظاهر لا مصادما لأصل ظهورها بالنسبة إليه (وبين أن تكون) مستعملة في الخصوص مجازا وهو استغراق بعض أفراد المدخول ويكون الخاص المنفصل قرينة على استعمالها فيه كما يكون قرينة على إرادة الخصوص لبا وواقعا (ولكن الظاهر) أن ظهورها في العموم يكون دليلا على استعمالها على النحو الأول أي في العموم حقيقة وهو استغراق تمام أفراد المدخول ليكون قاعدة يعمل بها عند الشك في التخصيص وان الخاص المنفصل يكون قرينة على إرادة الخصوص لبا وواقعا لا على استعمالها في الخصوص مجازا.
(وبالجملة) إن ظهور العام في العموم أمارة على أمرين على استعمال العام في العموم وعلى إرادته جدا فإذا ورد خاص منفصل فهو قرينة على عدم إرادة العموم جدا ولا وجه لقرينيته على عدم إرادته استعمالا وقاعدة بل ظهوره في العموم باق على أماريته على استعمال العام في العموم فإذا كان مستعملا في العموم فالعموم حجة فيما لم يكن حجة أقوى منه أي في غير مورد المخصص فلا وجه لعدم حجية العام في الباقي بعد عدم حجة أقوى منه بالنسبة إلى الباقي فتأمل جيدا.
(قوله بل من الممكن قطعا استعماله معه في العموم قاعدة... إلخ) أي بل من الممكن قطعا استعماله مع إرادة الخصوص واقعا في العموم قاعدة
255

(قوله لا يقال هذا مجرد احتمال ولا يرتفع به الإجمال... إلخ) (وحاصل الإشكال) أن استعمال العام في العموم وكون الخاص مانعا عن حجية ظهوره في الخصوص تحكيما للنص أو الأظهر على الظاهر وإن كان ممكنا ثبوتا إلا أن ذلك مجرد احتمال لا يرتفع به الإجمال لاحتمال استعمال العام في الخصوص مجازا وكون
الخاص قرينة عليه فإذا استعمل العام في الخاص فقد أجمل المعنى لا محالة لتردد العام حينئذ بين مراتب الخصوصات وعدم تعين الباقي من بينها كما تقدم (وحاصل الجواب) هو ما أشرنا إليه من أن ظهور العام في العموم دليل إثباتا على استعماله على النحو الأول لا على النحو الثاني المستلزم للإجمال فتدبر جيدا.
(قوله وقد أجيب عن الإحتجاج بأن الباقي أقرب المجازات... إلخ) هذا الجواب هو للمحقق القمي أعلى الله مقامه (قال) بعد ما ذكر وجهي احتجاج الباقي مطلقا (ما هذا لفظه) والجواب عن الأول منع الإجمال وعدم المرجح إذ الأقربية إلى العام مرجح (وقد أخذ منه) هذا الجواب صاحب الفصول (قال قدس سره) والجواب عن الأول أما أولا فبأنا لا نسلم أن كل تخصيص يوجب التجوز (إلى أن قال) وأما ثانيا فبأن ما دون العموم من المراتب على تقدير كونها مجازات له ليست متساوية بل بعضها وهو الباقي أظهر مما دونه لكونه أقرب إلى العموم من حيث المعنى فيتعين بالترجيح.
(قوله وفيه لا اعتبار في الأقربية بحسب المقدار... إلخ) (وحاصل رد المصنف) على جوابي القمي والفصول جميعا أنه لا وجه لأقربية الباقي إلى العام الا بحسب المقدار ولا اعتبار بها وانما المدار على الأقربية بحسب الأنس الناشئ من كثرة الاستعمال الموجب للتميز عن بقية المجازات وهي مفقودة في المقام إذ ليس للباقي حد خاص كي يكثر الاستعمال فيه ويشتد أنسه مع اللفظ
256

ويتميز عن ساير مراتب الخصوصات ويتعين وأصل هذا الرد من صاحب التقريرات (قال رحمه الله) بعد ما ذكر احتجاج النافي (ما هذا لفظه) وأجيب عنه بان المرجح هو أقربية الباقي لمدلول العام فإن أريد من الأقربية ما هي معتبرة في الترجيح فلا نسلم تحققها إذ الأقربية المعتبرة ما تكون منوطة بغلبة استعمال اللفظ بعد صرفه عن الحقيقة مثل استعمال الأسد في الشجاع لا في الأبخر مثلا ولا سبيل إلى إثبات غلبة استعمال العام المخصص في الباقي إذ المراد مصداق الباقي وهو مختلف جدا فلا تتحقق الغلبة كما لا يخفى وإن أريد غيرها فلا يكفى في الترجيح.
(أقول) نعم لا اعتبار بالأقرب مقدارا بما هو هو ولكنه في المقام حيث يكون هو أقرب إلى أظهر خواص المعنى الحقيقي وهو العموم والسعة فلا محالة يكون هو المتعين من بين ساير المجازات وإن لم يكن الاستعمال فيه أكثر فإذا فرض أن استعمال الأسد مجازا في كل من الرجل الشجاع والرجل الأبخر على حد سواء وقامت القرينة على عدم استعماله في معناه الحقيقي فالرجل الشجاع هو المتعين لكونه أقرب إلى أظهر خواص المعنى الحقيقي وأشبه إليه من غيره وان لم يكن الاستعمال فيه أكثر وهذا واضح.
(قوله وفي تقريرات بحث شيخنا الأستاذ قدس سره في مقام الجواب عن الإحتجاج ما هذا لفظه... إلخ) (وحاصل جوابه عن الإحتجاج) أنا نسلم أن الباقي مجاز كسائر مراتب الخصوصات ولكنه متعين من بينها لا من جهة كونه أقرب المجازات بل من جهة وجود المقتضى للحمل عليه وفقد المانع عنه (أما وجود المقتضى) فهو دلالة العام عليه فان دلالة العام على كل فرد من أفراده ليس مرتبطا بدلالته على فرد آخر فإذا لم يدل على فرد لخروجه عنه بدليل خاص لم يستلزم عدم دلالته على بقية الأفراد أيضا ولو كان دلالته
257

على البقية مجازا فان المجازية لم تحدث بدخول فرد أجنبي في أفراده كي لا يدل عليه بل بخروج بعض أفراده الداخلة تحته (وأما فقد المانع) فلان المانع ليس الا المخصص ولا مخصص للباقي الا بالنسبة إلى ما علم خروجه بدليل خاص ولو فرض الشك في وجود أكثر مما علم فهو مرفوع بالأصل فإذا كان المقتضى وهو دلالة العام موجودا والمانع عنه وهو المخصص مفقودا ولو بالأصل وجب الحمل على الباقي وتعين من بين مراتب المجازات والخصوصات.
(قوله قلت لا يخفى أن دلالته على كل فرد انما كانت لأجل دلالته على العموم... إلخ) (وحاصل جواب المصنف) عن جواب التقريرات أن دلالة العام على كل فرد انما يكون في ضمن دلالة العام على العموم وفي ضمن استعماله في المعنى الحقيقي الموضوع له وأما إذا قام دليل على التخصيص وقلنا أنه قرينة على عدم استعمال العام في العموم كما هو مفروض التقريرات فتعين الباقي من بين مراتب الخصوصات مما لا وجه له بعد عدم كونه موضوعا له وعدم قرينة على تعيينه بالخصوص وعدم كون أقربيته إلى العام موجبة لتعينه كما اعترف به (وعليه) فالمانع عن حمل العام على الباقي وان لم يكن موجودا ولكن المقتضى لحمله عليه غير موجود (نعم لو قيل) أن العام مستعمل في العموم كما اخترنا ذلك وبيناه وان الخاص مانع عن حجية العام بالنسبة إلى مورد الخاص فالمقتضى للحمل على الباقي حينئذ موجود وهو دلالة العام عليه في ضمن دلالته على العموم والمانع عن الحمل عليه وهو المخصص له مفقود ولو احتمل وجوده فرضا فهو مرفوع بالأصل.
(قوله مما جاز انتهاء التخصيص إليه... إلخ) وهو ما لم يلزم تخصيص الأكثر.
(قوله واستعمال العام فيه مجازا... إلخ) عطف على انتهاء التخصيص إليه
258

(قوله بعد رفع اليد عن الوضع... إلخ) أي عن الموضوع له والاستعمال فيه وهو العموم.
(قوله نعم انما يجدى إذا لم يكن مستعملا الا في العموم... إلخ) أي نعم انما يجدى رفع المانع بالأصل إذا لم يكن العام مستعملا الا في العموم كما اخترنا ذلك وبيناه فيكون المقتضى حينئذ موجودا وهو دلالة العام على الباقي في ضمن دلالته على العموم فإذا انضم إليه عدم المانع ولو بالأصل ثم المطلوب وهو وجوب الحمل على الباقي.
إذا خصص العام بمجمل مفهوما أو مصداقا
(قوله فصل إذا كان الخاص بحسب المفهوم مجملا... إلخ) هذا من أهم مباحث العام والخاص وأنفعها في الفقه (وحاصل الكلام) فيه أنه إذا خصص العام بمجمل فاما أن يكون مجملا مصداقا وهذا سيأتي الكلام فيه وإما أن يكون مجملا مفهوما.
(والمجمل المفهومي تارة) يكون مجملا من جميع الوجوه كما في قوله تعالى أحلت لكم بهيمة الأنعام الا ما يتلى عليكم أو كما في قولك أكرم العلماء الا بعضهم وفي هذا القسم لا كلام في سقوط العام عن الحجية رأسا فلا يمكن التمسك به أصلا.
(وأخرى) يكون مجملا في الجملة بحيث يبقى للعام موارد خالية عن الإجمال كما إذا قال أكرم العلماء ولا تكرم فساقهم وكان للعلماء أفراد نعلم بعدم فسقهم على كل حال وأفراد نشك في فسقهم لإجمال مفهوم الفسق وهذا هو محل الكلام في المقام بمعنى أن العام حينئذ هل يكون حجة في موارد الإجمال
259

من المخصص أم لا (فنقول) ان المخصص المجمل بحسب المفهوم على أربعة أقسام (فتارة) يكون متصلا بالعام.
(وأخرى) يكون منفصلا عنه وكل منهما.
(تارة) يكون إجماله لأجل الدوران بين الأقل والأكثر بأن علم في مثل أكرم العلماء ولا تكرم فساقهم أن مرتكب الكبيرة فاسق قطعا ولم يعلم أن المصر على الصغيرة أيضا فاسق أم لا.
(وأخرى) يكون إجماله لأجل الدوران بين المتباينين بأن لم يعلم في المثال أن الفاسق هل هو مرتكب الكبيرة أو المصر على الصغيرة (أما المجمل المتصل) بالعام سواء كان إجماله لأجل الدوران بين الأقل والأكثر أو بين المتباينين فالعام مما لا ظهور له فيه أصلا فضلا عن أن يكون حجة فيه إذا المجمل المتصل بالعام مما يمنع عن انعقاد الظهور للعام إلا فيما علم خروجه عن المخصص على كل حال وهو من لم يرتكب الكبيرة ولم يصر على الصغيرة (وأما المجمل المنفصل فان كان إجماله لأجل الدوران بين الأقل والأكثر) فالعام ظاهر في القدر الزائد على الأقل وحجة فيه (أما ظهوره فيه) فواضح لأن العام من جهة انفصاله عن الخاص قد انعقد له الظهور في الجميع حتى في الفاسق اليقيني وهو مرتكب الكبيرة فكيف بالفاسق المشكوك وهو المصر على الصغيرة (وأما حجيته فيه) فلان الثابت من مزاحمة الخاص لحجية ظهور العام انما هو في المتيقن من معنى الفاسق تحكيما للنص أو الأظهر على الظاهر لا في غيره فيكون العام حجة فيما لا يكون الخاص حجة فيه (وبعبارة أخرى) كما أنه إذا شككنا في أصل التخصيص بنحو الشبهة البدوية نتمسك بأصالة العموم لرفعه فكذلك إذا علمنا إجمالا بالتخصيص وانحل العلم الإجمالي لأجل دورانه بين الأقل والأكثر إلى علم تفصيلي وشك بدوي فنتمسك أيضا بأصالة
260

بالنسبة إلى القدر الزائد على الأكثر لكون الشك حينئذ في أصل التخصيص بعد انحلال العلم الإجمالي (وأما إذا كان إجمال المنفصل لأجل الدوران بين المتباينين) فالعام وان كان ظاهرا في كليهما لانفصال المخصص عنه وانعقاد الظهور له في الجميع ولكن لا يكون العام حينئذ حجة في شيء منهما لأنهما من أطراف العلم الإجمالي كما أنه لا يكون الخاص أيضا حجة في شيء منهما فاللازم حينئذ هو الرجوع إلى الأصل العملي ومقتضاه مختلف باختلاف المقامات (فان كان) حكم العام الوجوب وحكم الخاص الحرمة بأن قال مثلا أكرم العلماء ويحرم إكرام فساقهم فاللازم في المتباينين الرجوع إلى أصالة التخيير نظرا إلى دوران الأمر بين المحذورين (وان كان) حكم الأول الوجوب وحكم الثاني الترخيص في الترك بأن قال مثلا أكرم العلماء ولا يجب إكرام فساقهم فاللازم حينئذ في المتباينين الاحتياط بإكرامهما جميعا من جهة العلم الإجمالي بوجوب إكرام أحدهما (وان كان) بالعكس بان كان حكم الأول الترخيص في الفعل والثاني التحريم بأن قال مثلا لا بأس بإكرام العلماء وقال يحرم إكرام فساقهم فاللازم حينئذ في المتباينين الاحتياط بترك إكرامهما جميعا من جهة العلم الإجمالي بحرمة إكرام أحدهما (ومما ذكرنا يظهر لك) وجوب الرجوع إلى الأصل أيضا في صورتي المتصل (فان كان) المتصل مرددا بين المتباينين ففي كل منهما يرجع إلى الأصل لعدم حجية شيء من العام والخاص فيهما (وان كان) مرددا بين الأقل والأكثر ففي القدر الزائد على المتيقن يرجع إلى الأصل لعدم حجية شيء من العام والخاص فيه فتدبر جيدا.
(قوله بان كان دائرا بين الأقل والأكثر وكان منفصلا... إلخ) إشارة إلى القسم الثالث من الأقسام الأربعة المتقدمة.
(قوله فلا يسرى إجماله إلى العام لا حقيقة ولا حكما... إلخ) بمعنى
261

أن العام باق على ظهوره وحجيته جميعا في القدر الزائد على الأقل فهو غير مجمل بالنسبة إليه لا حقيقة ولا حكما.
(قوله وان لم يكن كذلك بان كان دائرا بين المتباينين مطلقا... إلخ) أي سواء كان متصلا بالعام أو كان منفصلا عنه وهو إشارة إلى القسم الثاني والرابع من الأقسام الأربعة المتقدمة.
(قوله أو بين الأقل والأكثر فيما كان متصلا... إلخ) إشارة إلى القسم الأول من الأقسام الأربعة المتقدمة
(قوله فيسري إجماله إليه حكما في المنفصل المردد بين المتباينين... إلخ) بمعنى أن العام باق على ظهوره في الخاص المنفصل المردد بين المتباينين ولكن لا يكون حجة فيه من جهة دورانه بين المتباينين وعدم انحلال العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي وشك بدوي مثل ما انحل في الدوران بين الأقل والأكثر وعليه فالعام غير مجمل بالنسبة إليه حقيقة ولكن مجمل حكما.
(قوله وحقيقة في غيره... إلخ) أي في غير المنفصل المردد بين المتباينين وهو المتصل المردد بين المتباينين والمتصل المردد بين الأقل والأكثر وأما المنفصل المردد بين الأقل والأكثر فقد تقدم حكمه وأشار إليه بقوله بان كان دائرا بين الأقل والأكثر وكان منفصلا... إلخ وليس داخلا في كلمة في غيره.
(قوله أما الأول... إلخ) وهو سراية إجمال الخاص إلى العام حكما في المنفصل المردد بين المتباينين.
(قوله وأما الثاني... إلخ) وهو سراية إجمال الخاص إلى العام حقيقة في غير المنفصل المردد بين المتباينين وهو المتصل المردد بين المتباينين والمتصل المردد بين الأقل والأكثر وأما المنفصل المردد بين الأقل والأكثر
262

فقد أشرنا آنفا أنه قد تقدم حكمه.
(قوله وأما إذا كان مجملا بحسب المصداق... إلخ) وحاصله أنه إذا خصص العام بمجمل مصداقا لا مفهوما بأن قال مثلا أكرم العلماء الا فساقهم أو قال أكرم العلماء ثم قال لا تكرم فساق العلماء وكان معنى الفاسق في المثالين واضحا مبينا لنا ولكن كان له أفراد مشتبهة مرددة بين الفسق والعدالة (فهل يكون) العام حينئذ حجة في الافراد المشتبهة ويجوز التمسك به لثبوت الحكم فيها بعد اليأس من الأصل الموضوعي الذي تدرج الفرد المشتبه تحت العام أو الخاص مثل استصحاب كونه عادلا أو فاسقا فيما علم حالته السابقة (أم لا يكون) العام حجة فيها ولا يجوز التمسك به (الظاهر) أنه لا كلام فيما إذا كان المخصص المجمل بحسب المصداق متصلا بالعام فإنه من الأول لا ينعقد ظهور للعام الا فيما علم خروجه عن المخصص (وأما إذا كان منفصلا) عن العام ففي التمسك به خلاف بين الاعلام وقد حكى عن الشهيد الثاني التمسك به (قال في التقريرات) ما لفظه وانما العجب من الشهيد الثاني حيث أنه قال علي ما حكى والمرأة لا تقتل بالارتداد وكذا الخنثى للشك في ذكوريته المسلط على قتله ويحتمل أن يلحقه حكم الرجل لعموم قوله من بدل دينه فاقتلوه خرج منه المرأة ويبقى الباقي داخلا في العموم إذ لا نص على الخنثى بخصوصه (انتهى) (وعلى كل حال) إن ما استدل به للتمسك بالعام في الشبهات المصداقية للخاص المنفصل بعد التسالم من الكل على عدم جواز التمسك بالدليل في الشبهات المصداقية لنفسه وجوه عديدة.
(منها) ما أشار إليه المصنف بقوله إذ غاية ما يمكن أن يقال... إلخ (وحاصله) ان الخاص المنفصل انما يزاحم حجية العام في خصوص الافراد المعلومة دخولها في الخاص كمن علم فسقه ولا يزاحمه في الافراد المشكوكة
263

الفسق فيكون العام حجة فيما لا يكون الخاص حجة فيه (وحاصل جواب المصنف) عنه أن الخاص كما لا يكون حجة في المصاديق المشكوكة فكذلك العام لا يكون حجة فيه فلا بد فيها من الرجوع إلى الأصل العملي وذلك لأن الخاص المنفصل وإن لم يصادم أصل ظهور العام بل ظهوره باق محفوظ على حاله حتى في الافراد المعلومة الفسق فضلا عن المشكوكة ولكن يوجب لا محالة قصر حجيته بما سوى الفاسق (وعليه) فالفرد المشتبه كما لا يعلم اندراجه تحت الخاص ولا يمكن التمسك به لإجراء حكمه عليه وهو حرمة الإكرام فكذلك لا يعلم اندراجه تحت العام بما هو حجة كي يمكن التمسك به لإجراء حكم العام عليه وهو وجوب الإكرام وان علم اندراجه تحت العام بما هو هو لا بما هو حجة ومقايسة المقام بالخاص المجمل مفهوما المردد بين الأقل والأكثر حيث جاز التمسك فيه بالعام بالنسبة إلى القدر الزائد على الأقل وكان العام حجة فيما لا يكون الخاص حجة فيه مما لا وجه له لأن الشك هناك بالنسبة إلى ما زاد على الأقل كان شكا في أصل التخصيص فيتمسك فيه بأصالة العموم ولكن الخاص في المقام أمر مبين معلوم وهو مرتكب الكبيرة مثلا غير أنا لا نعلم أن الفرد الخارجي هل هو مرتكب الكبيرة كي يجري عليه حكم الخاص أو غير مرتكب الكبيرة كي يجري عليه حكم العام فلا يكون الشك فيه شكا في أصل التخصيص كي يتمسك فيه بأصالة العموم.
(أقول) هذا كله مضافا إلى ما صح أن يقال ان الخاص ولو كان منفصلا عن العام ولكنه مما يوجب التنويع لا محالة كما سيأتي من التقريرات ويكون سببا لتعنون العام بعنوان عدمي وهو عدم عنوان الخاص وان كان المصنف لا يعترف بذلك كما ستعرف فإذا قال مثلا أكرم العلماء ثم قال لا تكرم فساقهم فهو يوجب تنويع العالم لبا إلى نوعين فالعالم الغير الفاسق يجب إكرامه والعالم
264

الفاسق لا يجب إكرامه وإن كان ظهور العالم في العموم إثباتا باقيا على حاله ولكن لا عبرة به بعد العلم بعدم إرادته ثبوتا (وعليه) فإذا شك في عالم أنه فاسق أو غير فاسق لم يجز التمسك فيه بالعام فإنه وإن أحرز فيه العنوان الوجودي وهو عنوان العالم ولكن لم يحرز فيه العنوان العدمي وهو غير الفاسق فلا يجب إكرامه ومقايسة المقام بالخاص المجمل مفهوما المردد بين الأقل والأكثر من حيث ان الخاص فيه يوجب أيضا تعنون العام بعنوان عدمي ومع ذلك يتمسك فيه بالعام مما لا وجه له فان الخاص هناك وإن كان يوجب تعنون العام ولكن حيث يكون الخاص فيه مرددا مفهوما بين مرتكب الكبيرة فقط أو مرتكب الكبيرة وهكذا المصر على الصغيرة فالمتيقن من تعنون العام هو تعنونه بعنوان الغير المرتكب للكبيرة وأما تعنونه بعنوان الغير المصر على الصغيرة فلم يحرز فيتمسك لا محالة بالعام في المصر على الصغيرة لوجوب إكرامه (ومنها) ما تعرضه التقريرات (بقوله) ويمكن أن يحتج للخصم تارة بالاستصحاب فيما لو عمل بالعام في المشكوك بواسطة القطع باندراجه ثم طرء الشك فيه (انتهى) ومقصوده أنه إذا قطع أن زيدا مثلا عالم غير فاسق فعمل بالعام فيه مدة ثم طرء الشك في أصل عدالته فحينئذ يستصحب وجوب العمل بالعام فيه إذ المفروض أنه في السابق كان ممن يجب العمل بالعام فيه بمقتضى القطع بكونه عالما غير فاسق والآن حيث زال القطع بذلك وهو شاك في وجوب العمل بالعام في المصاديق المشتبهة للخاص فيستصحب وجوب العمل به في هذا الفرد من السابق وليس المقصود من قوله ثم طرء الشك فيه أي في بقاء عدالته والا فيستصحب العدالة ويخرج بهذا الأصل الموضوعي عن كونه من المصاديق المشتبهة للخاص بلا كلام كما أشير آنفا عند الشروع في المجمل المصداقي (وعلى كل حال) يرد على هذا الوجه أنه على تقدير اتفاق هذه
265

الصورة وعدم المناقشة في الاستصحاب بدعوى تبدل موضوعه هو تمسك باستصحاب العمل بالعام لا تمسك بالعام بنفسه فتدبر جيدا.
(ومنها) ما تعرضه التقريرات أيضا (بقوله) وأخرى بان الظاهر من عنوان العام والمخصص أن يكون الأول مقتضيا والثاني مانعا عن الحكم ففي موارد الاشتباه يؤل الأمر إلى الشك في وجود المانع بعد إحراز المقتضى والأصل عدمه فلا بد من الحكم بوجود المقتضى يعنى بالفتح (انتهى) (وفيه) بعد تسليم كون العام والخاص من قبيل المقتضى والمانع ففي أكرم العلماء ولا تكرم فساقهم يكون العلم مقتضيا والفسق مانعا لا أصل لنا يرفع المانع في الفرد المشكوك المحتمل فسقه إلا إذا كانت له حالة سابقه فيدرجه الاستصحاب الموضوعي تحت العام أو الخاص وهو خارج عن محل الكلام كما أشير قبلا فتذكر
(قوله هذا إذا كان المخصص لفظيا وأما إذا كان لبيا... إلخ) أي تمام ما تقدم من أن العام إذا خصص بمجمل مصداقا فالمخصص إن كان متصلا فلا يكون العام حجة في المصداق المشتبه بلا كلام وإن كان منفصلا عنه فحجيته محل الخلاف وان التحقيق أنه لا يكون حجة فيه إنما هو في المخصص اللفظي (وأما إذا كان لبيا) كإجماع أو ضرورة أو سيرة أو حكم العقل (فان كان) خروجه عن تحت العام واضحا بمثابة صح للمتكلم أن يتكل عليه في مقام التخاطب فهو بمنزلة المخصص المتصل فيمنع من الأول عن انعقاد الظهور للعام إلا فيما علم خروجه عن المخصص فلا يمكن التمسك به للمصداق المشتبه (وإن لم يكن) خروجه واضحا بهذه المثابة فهو كالمخصص المنفصل (ولكن الظاهر) مع ذلك في نظر المصنف أن العام حينئذ حجة في المصداق المشتبه على خلاف ما تقدم منه في المنفصل اللفظي وقد استدل لذلك بأمور.
(منها) ما أشار إليه بقوله والسر في ذلك... إلخ (وحاصله) أنه
266

فرق بين أن يكون المخصص لفظيا بان قال مثلا أكرم جيراني ثم قال لا تكرم أعدائي من جيراني وبين أن يكون المخصص لبيا بان قال مثلا أكرم جيراني ونحن علمنا من الخارج أنه لا يريد إكرام أعدائه من جيرانه.
(ففي الأول) يكون الملقى من السيد حجتين ومقتضى تحكيم الثانية على الأولى لأظهريتها أو لنصوصيتها ان العام كأنه من الأول لا يعم الخاص بمعنى انه وإن عمه حقيقة إذ المفروض أن المخصص ليس بمتصل كي لا يعمه حقيقة ولا ينعقد له ظهور فيه ولكن عمومه له كالعدم إذ لا يكون حجة إلا فيما سوى الخاص.
(وفي الثاني) يكون الملقى من السيد حجة واحدة فلا بد من اتباعها فيما لا حجة على خلافها ولا حجة على خلافها إلا القطع بأنه لا يريد إكرام أعدائه من جيرانه وهو لا يكون حجة إلا في الفرد المقطوع عداوته وأما المشكوك عداوته فلا بد من العمل فيه بالعموم لعدم قيام حجة أخرى على خلاف العموم (وفيه) أنه لا فرق في المخصص بين أن كان لفظيا أو كان لبيا في عليته لقصر حجية العام بما سوى الخاص فالسيد سواء صرح بنفسه أنه لا تكرم أعدائي من جيراني أو لم يصرح هو ونحن قد علمنا من الخارج أنه لا يريد إكرام أعدائه من جيرانه ففي كل منهما تكون حجية العام مقصورة بما سوى أعدائه (وعليه) ففي الجار المشكوك عداوته وان علم اندراجه تحت العام بما هو ولكن لم يعلم اندراجه تحته بما هو حجة فلا يمكن التمسك به لوجوب إكرامه وهذا لدى التدبر واضح فتدبر.
(ومنها) ما أشار إليه بقوله كما يظهر صدق هذا من صحة مؤاخذة المولى... إلخ وحاصله أنه لو قال أكرم جيراني ونحن علمنا من الخارج أنه لا يريد إكرام أعدائه من جيرانه وشككنا في عداوة بعض جيرانه ولم نكرمه فنستحق
267

العقاب والمؤاخذة على ترك إكرامه بخلاف ما لو قال أكرم جيراني وصرح بنفسه أنه لا تكرم أعدائي من جيراني وشككنا في عداوة بعض جيرانه ولم نكرمه فلا نستحق المؤاخذة على ترك إكرامه (وفيه ما لا يخفى) فان ذلك ليس الا مجرد دعوى لا شاهد عليها فان العلم بعدم إرادة إكرام أعدائه من جيرانه ليس الا كتصريحه بأنه لا يريد إكرام أعدائه من جيرانه فان كان الثاني عذرا في ترك إكرام مشكوك العداوة فليكن الأول كذلك وهذا لعمري واضح أيضا لا يحتاج إلى إطالة الكلام ومزيد النقض والإبرام.
(ومنها) ما أشار إليه بقوله وبالجملة كان بناء العقلاء... إلخ (وحاصله) أن العقلاء يبنون على حجية أصالة العموم والعمل بالعام في الشبهات المصداقية للخاص إذا كان المخصص المنفصل لبيا بخلاف ما إذا كان المخصص لفظيا فلا يعملون بالعام ولا يبنون على حجية أصالة العموم في الشبهات المصداقية للخاص (وفيه ما لا يخفى) فان ذلك ليس أيضا الا مجرد دعوى لا شاهد عليها (وعليه) فلا فرق في المخصص المنفصل المجمل مصداقا بين ان كان لفظيا أو لبيا فكل منهما مما يوجب قصر حجية العام بما سوى الخاص فلا يكون العام حجة في المصداق المشتبه للخاص أصلا فإنه وان علم اندراجه تحت العام بما هو هو ولكن لم يعلم اندراجه تحته بما هو حجة فلا بد فيه من الرجوع إلى الأصل العملي بعد اليأس عن كل من العام والخاص جميعا.
(ثم ان) الفرق بين المخصص اللفظي واللبي وأن العام في الثاني حجة في الشبهات المصداقية للخاص بخلاف الأول قد أخذه المصنف من صاحب التقريرات رحمه الله غير أنه لم يفصل في اللبي بين المتصل والمنفصل ولم يستدل على حجية العام في الفرد المشتبه للخاص بنحو ما استدل به المصنف بل بنحو آخر على حده وعمدة ما يستفاد من مجموع كلامه أمران:
268

(أحدهما) ما محصله أن المخصص اللفظي مما يوجب تعدد الموضوعين وتنويعهما كالعالم الغير الفاسق والعالم الفاسق وفي مثله لا بد من إحراز العنوان العدمي في أفراد العام كي يترتب عليها حكمه وحيث لا يكون هو محرزا في المصداق المشتبه للخاص إذ المفروض هو الشك في فسقه وعدالته فلا يمكن التمسك فيه بالعام لوجوب إكرامه وهذا بخلاف ما إذا كان المخصص لبيا فلا يوجب التنويع ولا تعدد الموضوعين فلا مانع فيه من التمسك بالعام لكونه من مصاديق العام بلا كلام فيجري عليه حكمه (وفيه) أنه لا فرق في التنويع وتعنون العام بعنوان عدمي بين ان كان المخصص لفظيا أو لبيا فإذا قال مثلا أكرم العلماء فلا فرق بين أن يصرح المولى بنفسه بعدا أنه لا تكرم فساقهم أو نحن علمنا من الخارج أنه لا يجب إكرام فساق العلماء فعلى كلا التقديرين يتعنون العام لبا بعنوان عدمي أي أكرم العلماء الغير الفساق (وعليه) فكما في المخصص اللفظي يجب إحراز العنوان العدمي في أفراد العام وهو غير محرز في المصداق المشتبه للخاص فلا يتمسك فيه بالعام فكذلك في المخصص اللبي بلا فرق بينهما أصلا.
(ثانيهما) أن الرجوع إلى العام فيما إذا كان المخصص لبيا مما يوجب رفع الشك عن المصداق المشتبه للخاص فإذا قال مثلا لعن الله بنى أمية قاطبة وقد علمنا من الخارج أنه لا يجوز لعن المؤمن شرعا فيعرف من العموم وعدم التخصيص في لسان الدليل أنه ليس في بنى أمية مؤمن لا يجوز لعنه وبه نعرف أيضا أن المصداق المشتبه للخاص المردد بين الإيمان وعدمه ليس بمؤمن (وفيه) أن هذا الفرض خارج عن محل الكلام فان البحث مفروض فيما إذا علم بمخصص للعام ولو لبا لا لفظا لا
فيما لم يعلم بمخصص له أصلا وان احتمل المخصص له (وتوضيحه) أنه إذا قال مثلا لعن الله بنى أمية قاطبة وقد علمنا
269

من الخارج أنه لا يجوز لعن المؤمن شرعا فان لم نعلم بوجود مؤمن في بنى أمية أصلا فمن عموم لعن الله بنى أمية قاطبة يمكن استكشاف أنه لا مؤمن فيهم أبدا وبه يرتفع الشك في المصداق المشتبه للخاص المردد بين الإيمان وعدمه وأما إذا علم بوجود مؤمنين فيهم لا يجوز لعنهم قطعا فلا يجري الكلام المذكور فيه أصلا فان العلم المزبور مما يوجب حصر حجية العموم بما سوى المؤمن من بنى أمية فإذا شك في أحد بنى أمية أنه مؤمن أو غير مؤمن فهو وان كان مندرجا تحت العام بلا كلام ولكن لم يعلم اندراجه تحت العام بما هو حجة فلا يمكن التمسك فيه بالعموم لجواز لعنه شرعا فتأمل جيدا.
(قوله كظهوره فيه... إلخ) أي كظهور العام في المصداق المشتبه بمعنى أن العام كما أنه باق على ظهوره فيه فكذلك باق على حجية فيه.
(قوله للعلم بعداوته... إلخ) علة لخروجه عن عموم الكلام.
(قوله لعدم حجة أخرى بدون ذلك على خلافه... إلخ) علة لبقاء أصالة العموم على الحجية أي لعدم حجة أخرى بدون العلم بالعداوة على خلاف العموم ومن المعلوم انتفاء العلم في مشكوك العداوة فيتعين العمل فيه بالعموم قهرا
(قوله والقطع بعدم إرادة العدو لا يوجب انقطاع حجيته الا فيما قطع أنه عدوه لا فيما شك فيه... إلخ) وفيه أن القطع بعدم إرادة العدو من جيرانه مما يوجب حصر حجية العام بما سوى العدو من الجيران كالمخصص اللفظي عينا فإذا انحصر حجية العام بما سوى العدو منهم فكما لا يكون العام حجة في معلوم العداوة منهم فكذلك لا يكون حجة في مشكوك العداوة منهم فإنه وان علم اندراجه تحت العام بلا كلام ولكن لم يعلم اندراجه تحته بما هو حجة (وعليه) فالعلم بعدم إرادة العدو وهو مما يوجب انقطاع حجية العام في المشكوك عداوته كما يوجب انقطاع حجيته في المقطوع عداوته بلا فرق بينهما أصلا.
270

(قوله بخلاف هناك... إلخ) أي بخلاف ما إذا كان المخصص المنفصل لفظيا فالعقلاء لا يبنون فيه على حجية أصالة الظهور بالنسبة إلى المشتبه
(قوله بل يمكن أن يقال إن قضية عمومه للمشكوك أنه ليس فردا لما علم بخروجه... إلخ) (وفيه) ما تقدم آنفا من أنه لو قال مثلا لعن الله بنى أمية قاطبة وقد علمنا من الخارج أنه لا يجوز لعن المؤمن شرعا فان لم نعلم بوجود مؤمن فيهم أصلا فمن هذا الحكم والعموم نستكشف أنه لا مؤمن في بنى أمية أبدا ولو فرض الشك في إيمان بعضهم فبهذا العموم يرتفع الشك عنه فيتم الصغرى والكبرى جميعا كما ذكر المصنف فنقول هذا جائز اللعن بمقتضى العموم وكل من جاز لعنه لا يكون بمؤمن فهذا ليس بمؤمن (وأما إذا علمنا) أن في بنى أمية مؤمنين لا يجوز لعنهم قطعا فبالعموم لا يكاد يرتفع الشك عن المصداق المشتبه أصلا فإنه بعد العلم بالتخصيص ووجود مؤمنين فيهم تنحصر لا محالة حجية العام بما سوى المؤمنين منهم فإذا شك في أحدهم أنه مؤمن أو غير مؤمن فلا يمكن التمسك بالعموم فيه ليستكشف به أنه غير مؤمن فتأمل جيدا.
(قوله بمفهومه... إلخ) متعلق بخروجه أي لما علم بخروجه بمفهومه
إيقاظ فيه تحقيق استصحاب العدم الأزلي
(قوله إيقاظ لا يخفى أن الباقي تحت العام... إلخ) قد عرفت منا عند التكلم في الخاص المجمل بحسب المصداق أن الكلام مفروض فيما لم يكن هناك أصل موضوعي كاستصحاب فسق الفرد المشتبه أو عدالته بان لم يعلم الحالة السابقة فيه كي يجري الاستصحاب ويدرجه تحت الخاص أو العام
271

ولكن المصنف في المقام يريد إثبات أصل موضوعي آخر يعين به حال الفرد المشتبه وهو استصحاب عدم النسبة من الأزل (وحاصله) أن المخصص المنفصل مما لا يوجب تعنون العام بعنوان مخصوص وهكذا المخصص المتصل إذا كان بالاستثناء مثل قوله أكرم العلماء الا فساقهم لا بالتوصيف أو بالشرط أو بالغاية مثل قوله أكرم العلماء العدول أو ان عدلوا أو إلى أن يفسقوا فإذا لم يتعنون العام بعنوان مخصوص وشك في فرد أنه فاسق أو لا فباستصحاب عدم النسبة بينه وبين الفسق من الأزل يخرج الفرد عن تحت الخاص ويبقى مندرجا تحت العام ويترتب عليه حكمه إذ المفروض أن العام لا عنوان له سوى العالم وهو موجود محرز فيه ولم يتعنون بعنوان الغير الفاسق بسبب المخصص كي يقال إن استصحاب عدم النسبة بينه وبين الفسق من الأزل بنحو مفاد ليس التامة مما لا يثبت كونه غير فاسق بنحو مفاد كان الناقصة أي بنحو العدم النعتي (وهكذا الأمر) في المثال الذي ذكره المصنف من المرأة القرشية فلنا عام دل على أن المرأة تحيض إلى خمسين ولنا خاص دل على أن القرشية تحيض إلى ستين والمخصص مما لا يوجب تعنون العام بالغير القرشية فإذا شك في امرأة انها قرشية أو غير قرشية فباستصحاب عدم النسبة بينها وبين قريش من الأزل تخرج المرأة عن تحت عنوان القرشية وتبقى مندرجة تحت العام ويكون حيضها إلى خمسين (لا يقال) ان استصحاب عدم النسبة بينها وبين قريش من الأزل معارض باستصحاب عدم النسبة بينها وبين غير قريش (لأنه يقال) إن النسبة بينها وبين غير قريش مما لا أثر له شرعا كي يجري استصحاب عدمها ويعارض الأول بعد فرض عدم تعنون العام بعنوان الغير القرشية بسبب خروج الخاص عنه وعين هذا الكلام إشكالا وجوابا يجري في المثال الأول أيضا حرفا بحرف فلا تغفل.
272

(أقول) قد عرفت منا في أوائل المجمل المصداقي أن المخصص هو لا محالة مما يوجب تعنون العام بعنوان عدمي وهو عدم عنوان الخاص ويكون سببا لتنويع العام لبا كما تقدم من التقريرات أيضا فإذا تعنون العلماء بغير الفساق فأصالة عدم النسبة بين الفرد المشكوك وبين الفسق بنحو مفاد ليس التامة من الأزل مما لا يثبت كونه غير فاسق بنحو مفاد كان الناقصة أي العدم النعتي وهكذا إذا تعنون المرأة بغير القرشية فأصالة عدم النسبة بينها وبين قريش بنحو مفاد ليس التامة من الأزل مما لا يثبت كونها غير قرشية بنحو مفاد كان الناقصة أي العدم النعتي (وعليه) فالأصل المذكور مما لا يجدى لنا شيئا أصلا (ثم انك ان شئت توضيح الفرق) بين ليس التامة وليس الناقصة وبين العدم النعتي الذي هو بنحو مفاد كان الناقصة (فنقول) ان استصحاب العدم من الأزل على أقسام.
(فتارة) يستصحب العدم من الأزل بنحو مفاد ليس التامة وهذا هو العدم المحمولي تقول زيد لم يكن وقيام زيد لم يكن والنسبة بينهما لم تكن أو تقول ليس زيد وليس قيام زيد وليست النسبة بينهما ولا إشكال في جواز هذا القسم من الاستصحاب من الأزل قطعا لليقين السابق والشك اللاحق فلو كان هناك أثر مترتب على نفس زيد أو على قيامه أو على النسبة الحاصلة بينهما أو على عدم أحد هذه الأمور الثلاثة من الموضوع والمحمول والنسبة استصحب العدم من الأزل لنفي الأثر أو لترتيب الأثر.
(وأخرى) يستصحب العدم من الأزل بنحو مفاد كان الناقصة وهذا هو العدم النعتي تقول كان زيد غير قائم أو لا قائم ويسمى بمعدولة المحمول في قبال معدولة الموضوع كاللاقائم زيد ولا إشكال في عدم جواز هذا القسم من الاستصحاب من الأزل قطعا لعدم اليقين السابق فان النعت سواء كان
273

وجوديا أو عدميا لا بد له من وجود منعوت يعرضه النعت ومن المعلوم أن المنعوت لم يكن في السابق فكيف يصدق أنه في الأزل كان غير قائم أو لا قائم (وثالثة) يستصحب العدم من الأزل بنحو مفاد ليس الناقصة تقول لم يكن زيد قائما أو ليس زيد قائما وهذا القسم من الاستصحاب يسمى بالسالبة بانتفاء الموضوع وهو محل الكلام بين الأعلام ولعل المشهور جوازه (والحق) عدم جوازه كاستصحاب العدم النعتي عينا فكما ان النعت ولو كان أمرا عدميا يحتاج إلى منعوت يعرضه النعت ولم يكن المنعوت في السابق فكذلك سلب الشيء عن الشيء بنحو مفاد ليس الناقصة يحتاج إلى موضوع يسلب عنه الشيء ولم يكن الموضوع في السابق فكيف يصدق ان زيدا في الأزل لم يكن قائما (ودعوى) أن قولك لم يكن زيد قائما لو لم يصدق لصدق انه كان زيد قائما لاستحالة ارتفاع النقيضين (ففيها) مضافا إلى ورود النقض عليه بالعدم النعتي وأن قولك كان زيد غير قائم لو لم يصدق لصدق قولك كان زيد قائما مع أنه عدم نعتي لا يصدق في الأزل لا هو ولا نقيضه بلا كلام (ان استحالة) ارتفاع النقيضين إنما يكون في ظرف وجود الموضوع ففي ظرف وجوده لا بد وأن يكون اما قائما أو غير قائم أو يكون قائما أو لا يكون قائما لا في ظرف انتفائه فإنه في هذا الظرف لا قائم ولا غير قائم ولا ليس بقائم.
(وبالجملة) فرق عظيم بين سلب النسبة بنحو مفاد ليس التامة وبين سلبها بنحو مفاد ليس الناقصة وهو سلب الشيء عن الشيء فالأول يستصحب من الأزل بحيث لو كان أثر شرعي مترتب على نفس النسبة أو على عدمها لنفي ذلك الأثر أو لرتب ذلك الأثر بوسيلة الاستصحاب والثاني مما لا يستصحب لانتفاء المسلوب عنه كما تقدم فتدبر جيدا فان المقام لا يخلو عن دقة.
(قوله لما كان غير معنون بعنوان خاص بل بكل عنوان لم يكن ذاك
274

بعنوان الخاص... إلخ) أي لما كان غير معنون بعنوان مخصوص بل بكل عنوان لم يكن ذاك بعنوان المخصص.
(قوله إلا ما شذ ممكنا... إلخ) مقصوده من الموارد الشاذة التي لا يمكن فيها إحراز المشتبه بالأصل الموضوعي هو فيما إذا لم يكن عنوان المخصص من العناوين التي لا يمكن زوالها كالقرشية والنبطية والعربية والعجمية ونحو ذلك بل كان مما يقبل الزوال والحدوث كالفسق والعدالة والصحة والسقم ونحو ذلك ثم تبادل الحالتان بأن علم مثلا ان زيدا كان فاسقا في زمان وكان عادلا في زمان آخر ولم يعلم السابق من اللاحق فحينئذ لا يمكن استصحاب عدم النسبة بينه وبين الفسق من الأزل بعد العلم الإجمالي بانتقاض عدم النسبة وتبدله إلى الوجود قطعا.
(قوله وان لم يجز التمسك به بلا كلام... إلخ) أي وان لم يجز التمسك بالعام بلا كلام لكونه تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية للخاص وقد تقدم أنه مما لا يجوز وان جوزه المصنف في خصوص ما إذا كان المخصص لبيا لا لفظيا ونحن قد معناه مطلقا فتذكر.
(قوله فلا أصل يحرز انها قرشية أو غيرها... إلخ) لأنها في السابق لا كانت قرشية ولا كانت غير قرشية فان كلا من القرشية وغير القرشية نعت لها والنعت فرع المنعوت كما أشرنا ولم يكن المنعوت في السابق كي يصدق انها كانت قرشية أو غير قرشية وهذا واضح.
275

وهم وإزاحة
(قوله وهم وإزاحة... إلخ) وحاصل كلام المتوهم أنه إذا شك في صحة الوضوء بمائع مضاف كماء الورد ونحوه وقد تعلق به النذر فنتمسك بعموم أوفوا بالنذور لوجوب الإتيان به ومن وجوب الإتيان به نستكشف صحته ورجحانه.
(أقول) وفساد هذا التوهم بمثابة هو لا يوصف وكان من اللازم ترك التعرض له جدا غير أن التقريرات قد ذكره فأحب المصنف متابعته (ووجه فساده) أن التمسك بالعموم إنما هو عند احتمال التخصيص كما إذا قال مثلا أكرم العلماء ونحن قد احتملنا خروج زيد العالم أو خروج فساقهم بدليل خاص وقد خفي علينا أو عند احتمال عدم إرادة المتكلم له لبا مع عدم إظهاره إثباتا لحكمة مقتضية لذلك وأما عند احتمال خروجه عن العام بالتخصص وعدم كونه فردا له أي عند الشك في مصداقية المصداق فلا يكاد يتمسك بالعام كي يستكشف من عمومه وجوبه ومن وجوبه فرديته ومصداقيته وقد أشرنا في صدر البحث أن التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية لنفسه مما لا يقول به أحد وما ذهب إليه المتوهم في المقام هو من هذا القبيل عينا فان النذر قد أخذ في موضوعه رجحان المتعلق فمع الشك في صحة الوضوء بمائع مضاف والترديد في رجحانه وتماميته إذا تعلق به النذر كيف يتمسك بعموم أوفوا بالنذور لوجوب الإتيان به كي يستكشف من وجوب الإتيان به صحته ورجحانه (وبعبارة أخرى) أن التمسك بعموم أوفوا فرع إحراز رجحان المتعلق فلو أحرز رجحانه وصحته بعموم أوفوا لزم الدور وهذا واضح.
276

(وأما) ما ذهب إليه المصنف من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذا كان المخصص لبيا مثل التمسك بعموم لعن الله بنى أمية قاطبة لجواز لعن المشكوك في إيمانه من بنى أمية والاستكشاف من جواز لعنه أنه ليس بمؤمن فهو انما كان في الشبهات المصداقية للخاص إذا كان لبيا لا في الشبهات المصداقية لنفس العام كما في المقام.
(وبالجملة) وجوب الوفاء بالنذر وكل حكم آخر ثابت بعنوان ثانوي مثل وجوب إطاعة الوالد أو استحباب إجابة أخ المؤمن ونحو ذلك إذا أخذ في موضوعه أحد الأحكام
المتعلقة بالأفعال بعناوينها الأولية من الرجحان أو الجواز وعدم المنع فلا بد عند التمسك بعمومه من إحراز ما أخذ في موضوعه من الحكم المتعلق بالفعل بعنوانه الأولى وفي المقام حيث لم يحرز رجحان الوضوء بمائع مضاف ولم يعلم صحته وتماميته لم يجز التمسك بعموم أوفوا بالنذور إذا تعلق به النذر لوجوب الإتيان به والاستكشاف بذلك عن صحته ورجحانه وهكذا إذا أمر الوالد بشيء أو التمس أخو المؤمن شيئا قد شك في جوازه وحليته فلا يمكن التمسك لوجوب الإتيان به أو لاستحبابه بعموم ما دل على وجوب إطاعة الوالد أو استحباب إجابة أخ المؤمن وذلك لما أشير إليه من لزوم الدور هنا فتأمل جيدا.
(قوله وربما يؤيد ذلك بما ورد من صحة الإحرام والصيام قبل الميقات وفي السفر إذا تعلق بهما النذر كذلك... إلخ) أي إذا تعلق بهما النذر من قبل الميقات وفي السفر ثم انه ليس في كلام المتوهم كما يظهر بمراجعة التقريرات من التأييد المذكور عين ولا أثر وانما هو شيء قد ذكره المصنف من عند نفسه (ووجه التأييد) أنه إذا صح الإحرام قبل الميقات والصوم في السفر بالنذر مع القطع ببطلانهما بدون النذر فصحة الوضوء بمائع مضاف بالنذر مع الشك
277

في بطلانه بدون النذر بطريق أولى.
(ثم ان) بطلان الإحرام قبل الميقات إجماعي ويدل عليه مضافا إلى ذلك أخبار مستفيضة (مثل قوله عليه السلام) في صحيحة عبيد الله الحلبي الإحرام من مواقيت خمسة وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينبغي لحاج ولا معتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها (وفي حسنة) ابن أذينة من أحرم بالحج في غير أشهر الحج فلا حج له ومن أحرم دون الوقت فلا إحرام له (وفي صحيحة) علي بن عقبة عن ميسرة قال دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا متغير اللون فقال لي من أين أحرمت فقلت من موضع كذا وكذا فقال رب طالب خير تزل قدمه ثم قال يسرك ان صليت الظهر في السفر أربعا قلت لا قال فهو والله ذاك (كما أن) بطلان الصوم في السفر مما يدل عليه أخبار مستفيضة أيضا بل فوق الاستفاضة (ففي صحيحة صفوان) ليس من البر الصيام في السفر (وفي صحيحة عمار) من سافر قصر وأفطر (وفي موثقة الساباطي) إذا سافر فليفطر لأنه لا يحل له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره (وفي رواية سماعة) لا صيام في السفر قد صام أناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسماهم العصاة (وفي رواية محمد بن حكيم) لو أن رجلا مات صائما في السفر ما صليت عليه إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
(وأما) صحة الإحرام قبل الميقات إذا تعلق به النذر فقد أفتى بها الشيخان وأتباعهما على ما في المدارك وان حكى المنع عن ابن إدريس والعلامة في المختلف ولكن الأقرب الأول (وذلك لما رواه الشيخ) في الاستبصار بإسناده عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل جعل لله عليه شكرا أن يحرم من الكوفة قال فليحرم من الكوفة وليف لله بما قال (وعن علي بن حمزة) قال كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن رجل جعل لله
278

عليه أن يحرم من الكوفة قال يحرم من الكوفة (وعن أبي بصير) عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعت يقول لو أن عبدا أنعم الله عليه نعمة أو ابتلاه ببلية فعافه من تلك البلية فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان كان عليه أن يتم (كما ان) صحة الصوم في السفر إذا نذر أن يصومه سفرا وحضرا قد أفتى بها الشيخان وأتباعهما أيضا على ما في المدارك (قال) واستدل عليه في التهذيب (بما رواه) عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام قال سألته عن الرجل يجعل لله عليه صوم يوم مسمى قال يصوم أبدا في السفر والحضر فإنه حمل هذه الرواية على من نذر يوما وشرط على نفسه أن يصوم في السفر والحضر (واستدل) على هذا التأويل (بما رواه) عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد وعبد الله بن محمد عن علي بن مهزيار قال كتب إليه بندار مولى إدريس يا سيدي نذرت ان أصوم كل يوم سبت وان أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة فكتب قرأته لا تتركه الا من علة وليس عليك صومه في سفر ولا مرض الا أن يكون نويت ذلك (الحديث).
(أقول) أما الرواية الأولى فهي على الظاهر في مطلق المنذور المعين لا في خصوص المنذور سفرا وحضرا وهي مما لا تقاوم موثقتي زرارة وكرام الواردتين في المنذور المعين المانعتين عنه في السفر (قال زرارة) قلت لأبي جعفر عليه السلام أن أمي كانت جعلت عليها نذرا ان رد الله بعض ولدها من شيء كانت تخافه عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت فخرجت معنا مسافرة إلى مكة فأشكل علينا لمكان النذر أتصوم أم تفطر فقال لا تصوم وضع الله عز وجل عنها حقه وتصوم هي ما جعلت على نفسها الحديث (وقال كرام) قلت لأبي عبد الله عليه السلام انى جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم فقال صم ولا تصم في السفر ولا العيدين (الحديث) (وأما
279

الرواية الثانية) فهي وان كانت أخص مضمونا من أخبار المنع عن الصوم في السفر ولكن رفع اليد عن عمومات تلك الأخبار الكثيرة المعتضدة بعضها ببعض سيما مع اشتمال بعضها على تشديدات عظيمة بمجرد هذه الرواية الثانية مما لا يخلو عن إشكال خصوصا مع اشتمالها على ما لا يقول به أحد من الصوم في المرض إذا كان من نيته ذلك والله العالم.
(قوله نعم لا بأس بالتمسك به في جوازه بعد إحراز التمكن منه والقدرة عليه فيما لم يؤخذ في موضوعاتها حكم أصلا... إلخ) استدراك عن قوله لا مجال لتوهم الاستدلال بالعمومات المتكفلة لأحكام العناوين الثانوية... إلخ وحاصله أنه نعم لو فرض أنه لم يؤخذ في موضوع الحكم الثانوي كوجوب الوفاء بالنذر أو وجوب إطاعة الوالد أحد الأحكام المتعلقة بالفعل بعنوانه الأولى من الرجحان أو الجواز أو غير ذلك فحينئذ بمجرد أن تعلق النذر أو تعلق أمر الوالد بشيء وأحرز التمكن منه والقدرة عليه لاعتبارهما عقلا فلا بأس بالتمسك بعموم دليله لوجوب الإتيان بذلك الشيء وان لم يحرز رجحانه أو جوازه إذ المفروض أنه لم يؤخذ في موضوعه الرجحان أو الجواز كي تكون الشبهة مصداقية ولم يجز التمسك بالعموم فيها فإذا تمسك بعموم دليله ووجب الإتيان بذلك الشيء ثبت رجحانه أو جوازه قهرا ضرورة ان كل واجب ولو بمقتضى العموم هو راجح أو جائز ولكنه مجرد فرض في مثل النذر وإطاعة الوالد وأشباههما من العناوين الثانوية وذلك لوضوح أخذ الرجحان أو الجواز في موضوعهما شرعا وان لم يؤخذ ذلك في موضوع بعض العناوين الثانوية مثل الاضطرار والإكراه والخطأ والنسيان ونحو ذلك.
(قوله وإذا كانت محكومة بعناوينها الأولية بغير حكمها
280

الثانوية... إلخ) إشارة إلى مطلب جديد غير ما تقدم ومضى (وحاصله) ان الأفعال إذا كانت محكومة بعناوينها الأولية بغير حكمها بعناوينها الثانوية فتقع المزاحمة بين المقتضيين (فان كان) أحد الحكمين استحبابيا والآخر تحريميا قدم التحريمي على الاستحبابي فإذا التمس المؤمن أو المؤمنة أمرا غير مشروع من كذب أو غيبة أو نحوهما يراعى الحرمة ولا يراعى استحباب إجابة المؤمن أو المؤمنة (وإن كان) أحد الحكمين إيجابيا والآخر تحريميا قدم أهمهما ملاكا وأقواهما مناطا كما إذا توقف إحياء نفس محترمة على اجتياز أرض غصبي ففي الاجتياز يقدم الوجوب الغيري الطاري بعنوان ثانوي على الحرمة النفسية الأولية (وإذا لم يكن) أحدهما أهم فنتخير عقلا وهو المقصود من قول المصنف فليحكم عليه حينئذ بحكم آخر كالإباحة يعنى بها العقلية وهي التخيير لا الإباحة الشرعية وقد تقدم في باب الاجتماع أن المجمع هو من باب التزاحم وأنه محكوم بكلا الحكمين الا انهما لا يكونان منجزين الا الأهم منهما ان كان أحدهما أهم والا فنتخير بينهما عقلا فتذكر.
(قوله والا لزم الترجيح بلا مرجح... إلخ) أي وان أثر أحدهما مع عدم كون الأقوى في البين لزم الترجيح بلا مرجح.
(قوله وأما صحة الصوم في السفر بنذره فيه بناء على عدم صحته فيه بدونه وكذا الإحرام قبل الميقات... إلخ) شروع في تصحيح المؤيدين المذكورين حيث يشكل الأمر في تصويرهما ثبوتا نظرا إلى قيام الدليل على اعتبار الرجحان في متعلق النذر وقيام الدليل أيضا على بطلان الصوم في السفر والإحرام قبل الميقات فمع الدليلين المذكورين كيف يعقل صحة الصوم في السفر والإحرام قبل الميقات بالنذر والدليل التعبدي وان ورد بصحتهما بالنذر ولكن الأخذ به فرع إمكان المدلول ثبوتا (فيقول) ما حاصله ان صحة الصوم
281

في السفر والإحرام قبل الميقات بالنذر يكون بأحد وجوه ثلاثة.
(الأول) أن يكون ما دل على صحتهما بالنذر كاشفا عن رجحانهما ذاتا وانما لم يؤمر بهما استحبابا أو وجوبا بل ورد النهي عنهما شرعا لاقتران رجحانهما بمانع لا يرتفع الا بالنذر فإذا تعلق بهما النذر ارتفع المانع.
(الثاني) أن يكون ما دل على صحتهما بالنذر كاشفا عن صيرورتهما راجحين بالنذر بعد ما لم يكونا راجحين ذاتا.
(الثالث) أن يكون ما دل على صحتهما بالنذر مخصصا لما دل على اعتبار الرجحان في متعلق النذر فيعتبر في متعلقه الرجحان الا في هذين الموردين (ثم ان المصنف) لم ينظم كلامه في المقام فقبل أن يذكر الوجه الثالث شرع في بيان إشكال يرد على كل من الوجه الثاني والثالث دون الأول وقد أشار إليه بقوله لا يقال... إلخ (وحاصل الإشكال) أنه لا ريب في أن الوجوب الحادث بالنذر وجوب توصلي يسقط بمجرد الإتيان بالمنذور ولو لا بقصد القربة وان توقف الامتثال وحصول الثواب على الإتيان به بقصد القربة كما لا ريب في ان كلا من الصوم في السفر والإحرام قبل الميقات بعد ما تعلق النذر به يكون عباديا لا يسقط الغرض منه الا بقصد القربة وعليهما فقد يقال من أين نشأت عباديتهما بعد الالتزام بعدم رجحانهما ذاتا كما هو مفروض الوجه الثاني والثالث ومن هنا يظهر أنه لا إشكال على الوجه الأول كما أشرنا آنفا هذا حاصل الإشكال (وأما الجواب عنه) فحاصله أن المقصود في الوجه الثاني من صيرورة الصوم في السفر والإحرام قبل الميقات راجحين بتعلق النذر بهما هو عروض عنوان راجح عبادي لهما وحدوث ملاك واجب تعبدي فيهما بسبب النذر فالعبادية وعدم السقوط الا بقصد القربة هي لهذه الجهة لا لمجرد صيرورتهما واجبين بالنذر كي يقال ان الوجوب الحادث بالنذر توصلي فمن
282

أين نشأ عباديتهما (وأما حاصل الجواب) على الوجه الثالث فهو أن الوجوب الحادث فيهما بالنذر وان كان توصليا لا تعبديا ولكنه يكفى في اعتبار قصد القربة فيهما تعلق النذر بإتيانهما متقربا بهما إلى الله تعالى (وبعبارة أخرى) قصد القربة فيهما ليس لصيرورتهما عباديين بالنذر بل لأجل تعلق النذر بإتيانهما متقربا بهما إلى الله تعالى ومن المعلوم أنه إذا نذر إتيانهما على وجه خاص فلا محالة لا يحصل الوفاء به الا إذا أتى بهما على ذلك الوجه.
(أقول) أما الوجوه الثلاثة المتقدمة في تصوير صحة الصوم في السفر والإحرام قبل الميقات بالنذر فالأقرب من بينها هو الوجه الثالث وهو الالتزام بتخصيص أدلة اعتبار الرجحان في متعلق النذر بما دل على صحة الصوم في السفر والإحرام قبل الميقات بالنذر فان الوجه الأول وهو الالتزام برجحانهما ذاتا مع الاقتران بمانع يرتفع بالنذر بعيد جدا والوجه الثاني وهو الالتزام بحدوث الرجحان بتعلق النذر بهما غير معقول فان النذر بمقتضى ما دل على اعتبار الرجحان في متعلقه يتوقف على رجحان متعلقه فلو توقف رجحان متعلقه على النذر لدار (وأما الجوابان) المذكوران عن اعتبار قصد القربة فالمتعين من بينهما هو الجواب الأول وهو الالتزام بحدوث عنوان راجح عبادي وملاك واجب تعبدي فيهما بسبب النذر (وأما الجواب الثاني) وهو كون قصد القربة فيهما لأجل تعلق النذر بإتيانهما متقربا بهما إلى الله (ففيه ما لا يخفى) فان قصد القربة مما يعتبر فيهما مطلقا ولو من دون أن يشترط في النذر إتيانهما متقربا بهما إلى الله تعالى (مضافا) إلى ما يرد على النذر بإتيانهما متقربا بهما إلى الله من الدور الذي ستعرف تفصيله فبالنتيجة نختار الجواب الأول من الجوابين المذكورين ونجريه على الوجه الثالث من الوجوه الثلاثة المتقدمة (فيكون الوجه) الوجيه بالأخرة في تصوير صحة الصوم في السفر والإحرام
283

قبل الميقات بالنذر هو الالتزام بتخصيص أدلة اعتبار الرجحان في متعلق النذر بدليل تعبدي خاص فيهما (وأما اعتبار قصد القربة) فيهما مع كون وجوب الوفاء الحادث فيهما بالنذر توصليا لا يعتبر فيه قصد القربة فنلتزم أنه لحدوث عنوان راجح عبادي وملاك واجب تعبدي فيهما بسبب النذر فتدبر وتأمل جيدا فان المقام لا يخلو عن دقة.
(قوله كاشف عن رجحانهما ذاتا في السفر وقبل الميقات... إلخ) إشارة إلى الوجه الأول من الوجوه الثلاثة المتقدمة في تصوير صحة الصوم في السفر والإحرام قبل الميقات بالنذر.
(قوله وأما لصيرورتهما راجحين بتعلق النذر بهما... إلخ) إشارة إلى الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة المتقدمة.
(قوله لا يقال لا يجدى صيرورتهما راجحين بذلك... إلخ) شروع في إشكال اعتبار قصد القربة في الصوم في السفر والإحرام قبل الميقات بعد تعلق النذر بهما مع كون الأمر الحادث بالنذر توصليا لا تعبديا.
(قوله فإنه يقال عباديتهما... إلخ) شروع في الجواب عن إشكال اعتبار قصد القربة في الصوم والإحرام لكنه جار على خصوص الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة المتقدمة.
(قوله ملازم لتعلق النذر بهما... إلخ) كان اللازم أن يقول لازم لتعلق النذر بهما فان تعلق النذر علة لعروض عنوان راجح عبادي لهما وهو لازمه ومعلوله لا انهما ملازمان في عرض واحد.
(قوله هذا لو لم نقل بتخصيص عموم دليل اعتبار الرجحان في متعلق النذر... إلخ) إشارة إلى الوجه الثالث من الوجوه الثلاثة المتقدمة وقد أشرنا أن المصنف قد خالف النظم والترتيب فكان اللازم تعرضه له بعد
284

الوجهين المتقدمين بلا فصل قبل أن يتعرض إشكال اعتبار قصد القربة في الصوم في السفر والإحرام قبل الميقات ولم يفعل.
(قوله وإلا أمكن أن يقال بكفاية الرجحان الطاري عليهما... إلخ) شروع في الجواب عن إشكال اعتبار قصد القربة في الصوم والإحرام على الوجه الثالث من الوجوه الثلاثة المتقدمة.
(قوله فإنه وان لم يتمكن من إتيانهما كذلك قبله... إلخ) دفع لما قد يقال من أنه كيف يتعلق النذر بإتيانهما متقربا بهما إلى الله تعالى مع عدم كونهما راجحين ذاتا كما هو المفروض في الوجه الثاني والثالث (وبعبارة أخرى) إن الإتيان بهما متقربا قبل النذر غير مقدور لعدم رجحانهما ذاتا فكيف يتعلق النذر بإتيانهما كذلك (وحاصل الدفع) أن الإتيان بهما كذلك قبل النذر وإن كان غير مقدور ولكن المعتبر في النذر عقلا هو القدرة على المنذور حين العمل لا حين النذر ومن المعلوم أنه حين العمل يمكن الإتيان بهما متقربا إلى الله تعالى وذلك لوجوبهما بسبب النذر (وفيه) أن القدرة حين العمل وإن كانت مما تكفي ولكنها إذا كانت حاصلة بطبعها لا بسبب النذر وإلا لزم الدور كما لا يخفى فان النذر يتوقف على القدرة حين العمل والقدرة حين العمل يتوقف على النذر حسب الفرض وهو دور صريح لا مناص عنه ولا منجى.
بقي شيء
(قوله بقي شيء... إلخ) وحاصله أنه إذا قال مثلا أكرم العلماء ونحن نعلم أن زيدا لا يجب إكرامه قطعا ولا نعلم أنه هل هو عالم قد خروج عن تحت العموم بالتخصيص أو أنه جاهل خارج عنه تخصصا فبأصالة العموم هل يحكم
285

أنه خارج تخصصا وأنه جاهل ليس بعالم على نحو يرتب عليه أحكام الجاهل أم لا (فيقول المصنف) إن في الحكم بذلك إشكال.
(أقول) بل لا إشكال في عدم الحكم به نظرا إلى ما أشرنا قبلا من أن التمسك بأصالة العموم إنما هو عند احتمال التخصيص وخروج فرد خاص أو صنف خاص أو عند احتمال عدم إرادة المكلف له ثبوتا مع عدم إظهاره إثباتا لحكمة مقتضية له كل ذلك بعد إحراز فردية الفرد ومصداقية المصداق وأما عند احتمال التخصص والخروج الموضوعي وكون الشبهة مصداقية فلا يكاد يتمسك بالعموم ويحرز به شيء لا فردية الفرد كما توهمه المتمسك بعموم أوفوا بالنذور لصحة الوضوء بمائع مضاف إذا تعلق به النذر بالتقريب المتقدم ولا عدم فرديته وخروجه عن تحت العام بالتخصص كما في المقام (وأما ما تقدم) من المصنف في المخصص المنفصل اللبي من جواز التمسك بعموم لعن الله بنى أمية قاطبة للحكم بعدم كون الفرد المشتبه مؤمنا بتقريب أن الفرد المشكوك جائز اللعن بمقتضى العموم وكل من جاز لعنه فهو ليس بمؤمن فهذا ليس بمؤمن (فهو إنما كان) في الشبهات المصداقية للخاص اللبي كما أشرنا قبلا بعد إحراز مصداقيته للعام لا في الشبهات المصداقية لنفس العام كما في المقام (مضافا) إلى ما عرفته هنا من أن التمسك بالعام في الشبهات المصداقية للخاص اللبي أيضا مما لا يجوز فتذكر ولا تنس.
(قوله والمثبتات من الأصول اللفظية وإن كان حجة الا أنه لا بد من الاقتصار على ما يساعد عليه الدليل... إلخ) وحاصله أن المثبتات من الأصول اللفظية كأصالة العموم وأصالة الإطلاق وأصالة الحقيقة التي مرجعها إلى أصل واحد وهو أصالة الظهور وإن كانت حجة نظرا إلى كونها أمارات ظنية وأدلة اجتهادية لا أصولا عملية التي لا تقوى على إثبات اللوازم العقلية أو العادية
286

كالاستصحاب وقاعدة التجاوز وقاعدة الفراغ بناء على كونها أصولا عملية ولكنها مع ذلك لا بد من الاقتصار على ما يساعده دليل الاعتبار ولا دليل للأصول اللفظية سوى بناء العقلاء ولم يثبت منهم بناء على الأخذ باللازم في مثل المقام بحيث يبنون على أصالة العموم ويأخذون بلازمها العقلي من كون زيد المعلوم عدم وجوب إكرامه جاهلا ليس بعالم.
هل يجوز العمل بالعام قبل الفحص
(قوله فصل هل يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص فيه خلاف وربما نفى الخلاف عن عدم جوازه بل ادعى الإجماع عليه... إلخ) (قال في التقريرات) الحق كما عليه المحققون عدم جواز الأخذ بالعام قبل الفحص عن المخصص وربما نفى الخلاف فيه كما عن الغزالي والآمدي بل ادعى عليه الإجماع كما عن النهاية وحكى عن ظاهر التهذيب اختيار الجواز وتبعه العميدي والمدقق الشيرواني وجماعة من الأخبارية منهم صاحب الوافية وشارحها ومال إليه بعض الأفاضل في المناهج (إلى أن قال) ونقل التفصيل بين ضيق الوقت فالجواز وبين عدمه فالمنع عن بعض (انتهى).
(قوله والذي ينبغي أن يكون محل الكلام في المقام أنه هل يكون أصالة العموم متبعة مطلقا أو بعد الفحص عن المخصص... إلخ) (وتوضيح المقام) مما يحتاج إلى ذكر مقدمة وهي أن القائلين بوجوب الفحص عن المخصص قبل العمل بالعام قد استندوا إلى وجوه متفرقة.
(منها) ما نسبه التقريرات إلى الزبدة (وحاصله) أن الأصول اللفظية كأصالة العموم وأصالة الإطلاق وأصالة الحقيقة مبتنية على الظن الشخصي وهو
287

لا يحصل الا بالفحص وقد نسب ما يقرب من ذلك إلى بعض الأعلام في الإشارات مما محصله ان إطاعة الله وإطاعة خلفائه واجبة وهي لا تتحقق الا بعد العلم بالمراد أو الظن وهو لا يحصل الا بالفحص (وفيه ما لا يخفى) فان مرجع تلك الأصول كلها إلى أصالة الظهور والظهور حجة مطلقا من غير تقييد بإفادته الظن الشخصي على ما ستعرف تفصيله في محله فانتظر.
(ومنها) ما استند إليه المحقق القمي (ومحصله) بعد التدبر التام في كلام له طويل أن العمومات بل مطلق الظواهر بل عموم الأدلة الشرعية كخبر الثقة وغيره حجة لخصوص أصحاب النبي
والأئمة صلوات الله وسلامه عليهم لأنهم كانوا مشافهين لهم ومخاطبين بخطاباتهم وموجودين في عصرهم وأما نحن المتأخرون عنهم بزمان طويل فهي حجة لنا من باب الظن المطلق الثابت اعتباره بدليل الانسداد والقدر المتيقن من اعتباره هو الظن الحاصل بعد الفحص واليأس (وفيه ما لا يخفى أيضا) لما ستعرف في البحث الآتي من عدم اختصاص خطاباتهم بالمشافهين فقط كما انك ستعرف في بحث الظنون عدم انسداد باب العلمي علينا وان انسد باب العلم غالبا (وعليه) فلا تصل النوبة إلى الظن المطلق ليكون القدر المتيقن منه هو الظن الحاصل بعد الفحص واليأس.
(ومنها) ما اعتمد عليه التقريرات بنفسه كما صرح به عند بيان مقدار الفحص وقد عبر عنه بعمدة الوجوه (قال) ورابعها وهو العمدة أن العلم الإجمالي بورود معارضات كثيرة بين الأمارات الشرعية التي بأيدينا اليوم حاصل لمن لاحظ الكتب الفقهية واستشعر اختلاف الأخبار والمنكر انما ينكره باللسان وقلبه مطمئن بالايمان بذلك ولا يمكن إجراء الأصول في أطراف العلم الإجمالي كما قررنا في محله فيسقط العمومات عن الحجية للعلم بتخصيصها إجمالا عند عدم الفحص وأما بعد الفحص فيستكشف الواقع ويعلم أطراف الشبهة
288

تفصيلا بواسطة الفحص (وفيه) ان المعلوم بالإجمال هو مقدار معين وما زاد عليه مشكوك بدوي والعلم الإجمالي مما ينحل بعد الظفر على المخصصات والمعارضات بمقدار المعلوم بالإجمال فإذا انحل العلم فمقتضى هذا الوجه أن العمل بالعام بعد هذا مما لا يحتاج إلى الفحص وهو كما ترى وذلك لما ستعرف من لزوم الفحص حتى في فرض انحلال العلم الإجمالي بالمنافيات (هذه عمدة الوجوه) التي ذكرها التقريرات لوجوب الفحص وإلا فهي كثيرة متعددة كما يظهر بمراجعته.
(ثم ان) جميع ما ذكر إلى هنا كان حاصل المقدمة وإذا عرفتها فنقول حاصل كلام المصنف أن الذي ينبغي أن يكون محل الكلام في المقام هو ان أصالة العموم هل هي حجة مطلقا أو بعد الفحص عن المخصص وهذا بعد الفراغ عن كون اعتبارها من باب الظن الخاص لا من باب الظن المطلق كما أفاد القمي ومن باب الظن النوعي لا من باب الظن الشخصي كما ادعى الزبدة والإشارات ولعموم المكلفين من المشافه وغير المشافه لا لخصوص المشافهين فقط كما ادعاه القمي أيضا كما أنه ينبغي أيضا أن يكون محل الكلام هو ما لم يعلم بتخصيص العموم تفصيلا ولم يكن من أطراف ما علم تخصيصه إجمالا بأن انحل العلم الإجمالي بالفحص والظفر على المقدار المعلوم بالإجمال لا في خصوص ما إذا علم إجمالا بالمعارضات والمنافيات كما عرفته من التقريرات وقد أشار المصنف إلى هذا كله بقوله بعد الفراغ من اعتبارها بالخصوص في الجملة إلى قوله وعليه فلا مجال لغير واحد مما استدل به... إلخ.
(أقول) ان صريح المصنف هنا كما سمعت هو ان الذي ينبغي أن يكون محل الكلام هي أصالة العموم وسيأتي إخراجه أصالة الحقيقة عن محل النزاع بدعوى أن احتمال قرينة المجاز مما اتفقت كلماتهم على عدم الاعتناء به ولو قبل
289

الفحص (ولكن الحق) أن الذي ينبغي أن يكون محل الكلام هو مطلق العمل بظواهر الكتاب والسنة سواء كانت أصالة العموم أو أصالة الإطلاق أو أصالة الحقيقة بل مطلق الأدلة الاجتهادية كخبر الثقة ونحوه بأن يقع الكلام في أنه هل يجوز العمل بالأدلة الاجتهادية أو الإفتاء على طبقها في الفقه للمقلدين بمجرد الظفر عليها بلا فحص ولا تتبع عما ينافيها من المعارضات مما هو أقوى منها دلالة أو سندا أم لا يجوز ذلك كله أصلا (وهذا هو) ظاهر المحقق القمي بل وظاهر التقريرات أيضا بل صريحه فيما تقدم من كلامه حيث قال إن العلم الإجمالي بورود معارضات كثيرة بين الأمارات الشرعية التي بأيدينا اليوم حاصل لمن لاحظ الكتب الفقهية واستشعر اختلاف الأخبار... إلخ (وأصرح من الكل) ما نسبه التقريرات إلى البهائي وغيره (قال) أنه صرح شيخنا البهائي وغيره على أن النزاع في هذه المسألة من جزئيات النزاع في جواز العمل بالأدلة الشرعية قبل الفحص عن المعارض ولو كان الدليلان متباينين وانما الوجه في إفرادهم هذا نظرا إلى أن وجود المعارض هنا أقوى (انتهى) (وفي المعالم) ما لفظه فالأقوى عندي أنه لا يجوز المبادرة إلى الحكم بالعموم قبل البحث عن المخصص بل يجب التفحص عنه حتى يحصل الظن الغالب بانتفائه كما يجب ذلك في كل دليل يحتمل أن يكون له معارض احتمالا راجحا فإنه في الحقيقة جزئي من جزئياته (انتهى).
(قوله من اعتبارها بالخصوص... إلخ) أي من باب الظن الخاص لا من باب الظن المطلق كما تقدم من المحقق القمي.
(قوله في الجملة... إلخ) إشارة إلى الترديد الحاصل في اعتبار أصالة العموم مطلقا أو بعد الفحص عن المخصص.
(قوله فالتحقيق عدم جواز التمسك به قبل الفحص فيما إذا كان
290

معرض التخصيص... إلخ) وحاصل التحقيق أن مدرك حجية أصالة العموم بل كل أصل لفظي وإن شئت قلت مدرك حجية الظواهر كلها كما سيأتي في محله هو بناء
العقلاء على العمل بها ولم يستقر بنائهم فيما إذا كانت العمومات في معرض التخصيص فلو علموا أن أحدا من مواليهم العرفية يتكل كثيرا ما في تخصيص عمومات كلامه على مخصصات منفصلة لم يعملوا بها بمجرد الظفر على عام من العمومات الصادرة منه ما لم يتفحصوا بقدر وسعهم عن المخصص وهكذا الأمر في تقييد المطلقات بل وقرينة التجوز أيضا الصارفة عن المعنى الحقيقي وان لم يقل به المصنف ومن المعلوم أن عمومات الكتاب والسنة هي من هذا القبيل بخلاف غالب العمومات الواقعة في ألسنة أهل المحاورات فيعمل بها مطلقا ولو قبل الفحص عما يخصصها.
(أقول) أما عمومات الكتاب بل مطلق ظواهرها فهي من هذا القبيل قطعا (وأما عمومات السنة) بل مطلق ظواهرها وان لم تكن من هذا القبيل في عصر النبي والأئمة عليهم السلام فان الأصحاب على الظاهر كانوا يعملون بها من دون فحص عما ينافيها ولكنها بعد انقضاء عصرهم وصدور الأخبار الكثيرة عنهم وكثرة المخصصات والمقيدات بل مطلق المعارضات والمنافيات لهما قد صارت هي من هذا القبيل جدا فهي تكون في معرض التخصيص أو التقييد ونحوهما غير أن هذا مما لا يكفى مدركا لما جعلناه محلا للكلام من أنه هل يجوز العمل بمطلق الأدلة الاجتهادية في الفقه بلا شرط وقيد أو لا يجوز الا بعد الفحص بحد اليأس (وبعبارة أخرى) لو كان المبحوث عنه هو خصوص الأدلة الاجتهادية التي مدركها بناء العقلاء فقط كالظواهر فكان يصلح المعرضية للتخصيص أو التقييد أو المعارض الأقوى لأن يكون وجها لوجوب الفحص فيها بحد اليأس نظرا إلى عدم استقرار سيرتهم على العمل بها فيما
291

كانت الظواهر في معرض المنافيات والمعارضات الا بعد ذلك ولكن محل البحث كما عرفت منا حيث لا يختص بها بل يجب الفحص حتى في الأدلة الاجتهادية التي مدركها دليل شرعي كخبر الثقة الثابت اعتباره بالأخبار المتواترة كما سيأتي في محله وان استدل له بالسيرة العقلائية أيضا فلا يكاد يتم فيه هذا الوجه وذلك لجواز أن يقال ان دليل اعتبار خبر الثقة مطلق شرعا غير مشروط بالفحص ولا إجماع في المسألة بعد ما عرفت من وجود المخالف فيها كي نقيد به إطلاقه (وعليه) فلا بد حينئذ من الاستناد إلى وجه آخر لوجوب الفحص عما يعارض خبر الثقة (فنقول) الظاهر أن الوجه الوجيه لوجوب الفحص عما يعارضه وينافيه وعدم جواز العمل به بمجرد الظفر عليه هو عدم إحراز حجيته بلا فحص عن المعارض له إذ لو كان في المسألة أخبار ثقات أرجح منه سندا وأكثر عددا لم يكن ذلك حجة قطعا والتمسك لحجيته حينئذ بعموم دليل الاعتبار تمسك بالدليل في الشبهة المصداقية لوضوح عدم شموله لكلا الطرفين من المتعارضين (وأما التخيير الشرعي) عند التعارض مطلقا ولو مع رجحان أحد الطرفين بدعوى أن الترجيح يستحب شرعا جمعا بين أخباره وأخبار التخيير كما سيأتي من المصنف وغيره فهو انما يكون في الخبرين المتعارضين لا في الخبر المعارض باخبار ثقات متعددة فان في مثله مما لا يمكن القول بالتخيير قطعا لانصراف أخبار التخيير عنه (وعليه) فإذا احتملنا في المسألة وجود أخبار ثقات على خلاف الخبر الذي قد ظفرنا عليه فقد احتملنا قهرا عدم حجيته من أصله ومع عدم إحراز حجيته لا يكاد يمكن العمل به أصلا وهذا واضح.
(قوله وقد ظهر لك بذلك أن مقدار الفحص اللازم ما به يخرج عن المعرضية له... إلخ) ولا يخرج العام عن المعرضية له الا بالفحص بمقدار
292

يحصل معه الوثوق والاطمئنان بانتفاء المخصص له فعند ذلك يبنى العقلاء على العمل به والأخذ بظهوره وإلا فلا كما ان هذا المقدار مما يكفى في الفحص عن المعارض لخبر الثقة أيضا فإذا حصل الوثوق بانتفاء المعارض له فقد جاز الأخذ به وإلا فلا فان الوثوق مدار عمل العقلاء بأجمعهم وإلا لاختل نظامهم ولم يستقم أمر معاشهم وسيأتي لذلك مزيد توضيح إن شاء الله تعالى في حجية خبر الواحد فانتظر.
(قوله كما أن مقداره اللازم منه بحسب ساير الوجوه التي استدل بها... إلخ) (فالمقدار اللازم) من الفحص بحسب الوجه الذي استدل به التقريرات وهو العلم الإجمالي بورود معارضات كثيرة بين الأمارات الشرعية التي بأيدينا هو أن يتفحص في المسألة بمقدار تخرج هي عن أطراف العلم الإجمالي أو يتفحص في مجموع المسائل حتى يظفر على المعارضات بمقدار المعلوم بالإجمال فينحل العلم الإجمالي من أصله وتكون بقية المسائل من الشبهات البدوية (والمقدار اللازم) بحسب الوجه الذي استدل به الزبدة وصاحب الإشارات من اعتبار الظن الشخصي بالمراد هو أن يحصل الظن بعدم المخصص (والظاهر أن المقدار اللازم) بحسب الوجه الذي استند إليه المحقق القمي من كون الخطابات حجة للمشافهين وان حجيتها لغيرهم من باب الظن المطلق وان المتيقن من اعتباره هو الحاصل بعد الفحص ان يتفحص في كل مسألة إلى أن يحصل الوثوق بعدم المعارض (وعليه) فالمقدار اللازم من الفحص ما يختلف باختلاف الوجوه التي يستند إليها في المسألة فيجب على كل مجتهد أن يلحظ الوجه الذي قد استند إليه واعتمد عليه وهذا أيضا واضح.
(قوله ثم إن الظاهر عدم لزوم الفحص عن المخصص المتصل باحتمال أنه كان ولم يصل... إلخ) نعم الظاهر عدم لزومه كما ذكر المصنف لكن لا
293

يختص ذلك بالمخصص فقط بل لا يلزم الفحص عن المقيد المتصل أيضا أو عن قرينة المجاز المتصلة باحتمال انها كانت ولم تصل فان العقلاء لا يكاد يعتنون بهذا الاحتمال أبدا حتى في ظواهر الكتاب والسنة فان ظواهر هما وان قلنا إنها معرض للمنافيات والمعارضات ولا تخرج عن المعرضية الا بالفحص عنهما ولكنها للمنافيات المنفصلة الواردة بعدا لا المتصلة بها باحتمال انها كانت ولم تصل إلينا.
(قوله بل حاله حال احتمال قرينة المجاز وقد اتفقت كلماتهم على عدم الاعتناء به... إلخ) الظاهر أنه اتخذ دعوى اتفاق الكلمات على عدم الاعتناء باحتمال قرينة المجاز من القائل بجواز التمسك بالعام قبل الفحص (قال في المعالم) احتج مجوز التمسك به قبل البحث بأنه لو وجب طلب المخصص في التمسك بالعام لوجب طلب المجاز في التمسك بالحقيقة بيان الملازمة أن إيجاب طلب المخصص انما هو للتحرز عن الخطأ وهذا المعنى بعينه موجود في المجاز لكن اللازم أعني طلب المجاز منتف فإنه ليس بواجب اتفاقا والعرف قاض أيضا بحمل الألفاظ على ظواهرها من غير بحث عن وجود ما يصرف اللفظ عن حقيقته (انتهى).
(أقول) وظاهر المصنف عدم الاعتناء باحتمال قرينة المجاز مطلقا حتى في المنفصلة (وفي إطلاقه نظر) فان الاحتمال المذكور وان كان ملغى مطلقا في كلمات أهل
المحاورة ولكنه ليس ملغى في ألفاظ الكتاب والسنة إذا كان في القرينة المنفصلة فإنها كما هي معرض للتخصيص بمخصص منفصل أو للتقييد بمقيد كذلك فكذلك هي معرض للتجوز بالقرينة المنفصلة كما لا يخفى.
294

إيقاظ
(قوله إيقاظ لا يذهب عليك الفرق بين الفحص هاهنا وبينه في الأصول العملية... إلخ) وحاصله أنه كما يشترط في العمل بالعام الفحص عن المخصص فكذلك يعتبر في جريان الأصول العملية في الشبهات الحكمية من البراءة والاستصحاب وغيرهما الفحص عن الدليل الاجتهادي كما سيأتي في خاتمة الأصول إن شاء الله تعالى غير أن الفحص هنا فحص عما يزاحم الحجية وهناك بدون الفحص لا حجة أصلا (ثم إن المصنف) قد أخذ هذا الفرق من التقريرات حيث ادعى في الفرق بين المقامين أن البراءة قبل الفحص مما لا مقتضى له بخلاف العام فالمقتضى فيه قبل الفحص موجود لظهور اعتبار العام سندا ودلالة غايته أنه نتفحص عن المانع عنه.
(أقول) ان الفرق المذكور انما يتم في خصوص البراءة العقلية فان موضوعها اللابيان وبدون الفحص لا يحرز موضوعها كي تكون حجة وأما البراءة الشرعية أو الاستصحاب أو قاعدة الطهارة بناء على جريانها في الشبهات الحكمية فالمقتضى فيها موجود كالعام بعينه وهو إطلاق أدلتها (وعليه) فالفحص في الجميع فحص عما يزاحم الحجية الا في خصوص البراءة العقلية فإنها بدون الفحص لا حجية لها أصلا ولعله إليه أشار أخيرا بقوله فافهم فافهم جيدا.
(قوله فافهم... إلخ) قد أشير الآن إلى وجه قوله فافهم فلا تغفل.
295

في الخطابات الشفاهية
(قوله فصل هل الخطابات الشفاهية مثل يا أيها المؤمنون... إلخ) ليس في القرآن المجيد من أوله إلى آخره مثل يا أيها المؤمنون وانما فيه يا أيها الذين آمنوا ولعل مقصود المصنف هو مجرد التمثيل لا ذكر ما في الكتاب العزيز وعلى كل حال لو قال يا أيها الذين آمنوا كان أولى.
(قوله يختص بالحاضر مجلس التخاطب أو يعم غيره من الغائبين بل المعدومين... إلخ) ظاهر العناوين هو الدوران بين الاختصاص بالموجودين أو الشمول للمعدومين وظاهر الموجودين كما في الفصول هو مطلق من كان موجودا في زمن الخطاب سواء كان حاضرا في مجلس الخطاب أم كان غائبا عنه ولكن (قال في الفصول) وربما فسر أي المعدومين بغير الموجودين في مهابط الوحي وله وجه (انتهى) وعلى هذا التفسير يكون الدوران بين الحاضرين في مجلس الخطاب وبين غيرهم مطلقا سواء كان غائبا أو معدوما وقد صرح بعدم الفرق بين الغائب والمعدوم صاحب التقريرات (فقال) في التنبيه الأول الظاهر عدم الفرق بين المعدوم والغائب عن مجلس الخطاب في عدم تحقق المخاطبة معه لو لا التنزيل كما تقدم إليه الإشارة واستواء الكل بالنسبة إليه تعالى غيبة وحضورا لا يجدى في المقام (انتهى) وهو كلام جيد متين لما ستعرف من أن المخاطب الحقيقي هو خصوص الحاضر الملتفت فلا فرق إذا في غيره بين أن يكون معدوما رأسا أو يكون موجودا غير حاضر أو حاضرا غير ملتفت
(قوله فيه خلاف... إلخ) (نسب في المعالم) القول بعدم الشمول للمعدومين إلى أصحابنا وأكثر أهل الخلاف قال وذهب قوم منهم إلى تناوله
296

بصيغته لمن بعدهم أي تناول ما وضع لخطاب المشافهة (ونسب في الفصول) القول بالشمول للمعدومين إلى الحنابلة (وحكى في التقريرات) بعد ما اختار في صدر المسألة شمول الخطاب للمعدومين على وجه الحقيقة أقوالا عديدة (منها القول) بالشمول من دون تصريح بكونه على وجه الحقيقة أو المجاز (ومنها القول) بالشمول حقيقة لغة (ومنها القول) بالشمول حقيقة شرعا (ومنها القول) بإمكان الشمول على وجه المجاز بنحو من التنزيل والادعاء إذا كان فيه فائدة يتعلق بها أغراض أرباب المحاورة وأصحاب المشاورة (قال) ولعله المشهور كما قيل.
(أقول) وهو الأقرب كما ستعرف تفصيله.
(قوله فاعلم أنه يمكن أن يكون النزاع... إلخ) وحاصله أنه يمكن أن يكون النزاع في هذا البحث على أحد وجوه ثلاثة:
(الأول) أن التكليف المتكفل له الخطابات الشفاهية هل يصح تعلقه بالمعدومين أم لا (والظاهر) أن النزاع بهذا الوجه وإن كان أمرا ممكنا ثبوتا ولكنه بعيد عما وقع بينهم من النزاع خارجا.
(الثاني) ان المخاطبة هل تصح حقيقة مع المعدومين بل الغائبين عن مجلس الخطاب بالألفاظ الموضوعة لذلك كأدوات النداء وبعض الضمائر المتصلة أو المنفصلة كما في افعلي وأفعلا وافعلوا أو إياك وإياكما وإياكم أو أنت وأنتما وأنتم إلى غير ذلك من صيغ الخطاب أو بنفس توجيه الكلام إليهم بدون أدوات الخطاب مثل ما يتوجه الكلام إلى الموجود الحاضر كما في قولك لدى التكلم معه جاء زيد أو ذهب عمرو أو مات بكر وأشباه ذلك أم لا تصح (ظاهر الفصول) أن النزاع في المقام هو بهذا الوجه (قال قدس سره) كيف كان فالكلام في المقام من جهة توجه الخطاب إلى المعدوم لا من جهة
297

إطلاق لفظ الناس أو الذين آمنوا عليه (انتهى).
(الثالث) أن الألفاظ الواقعة عقيب أداة الخطاب كلفظة الناس في قوله تعالى يا أيها الناس أو لفظة الذين آمنوا في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا هل تعم الغائبين أو المعدومين أم لا (ظاهر التقريرات) أن النزاع في المقام هو بهذا الوجه نظرا إلى أن النزاع في عموم صيغة الخطاب يعنى بها الأدوات للمعدومين بل الغائبين وعدمه كما هو ظاهر غير واحد من العناوين مما لا يلائم مباحث العام.
(أقول) والنزاع بهذا الوجه الأخير كما ستعرف هو مسبب عن النزاع في ان أدوات الخطاب هل هي موضوعة للخطاب مع المخاطب الحقيقي أي للخطاب مع الحاضر الملتفت كي يقضى باختصاص الألفاظ الواقعة عقيبها بالحاضرين فقط أم لا بل هي موضوعة لمطلق الخطاب الإيقاعي فلا يقضى باختصاصها بهم بل يعم المعدومين فضلا
عن الغائبين كما لا يخفى.
(قوله ولا يخفى أن النزاع على الوجهين الأولين يكون عقليا وعلى الوجه الأخير لغويا... إلخ) إشارة إلى ما تعرضه صاحب التقريرات (قال) الثالث هل النزاع المذكور عقلي أو لغوي يشهد للثاني ظاهر عنوان الحاجبي وصاحب المعالم وجماعة آخرين حيث أنهم جعلوا النزاع في عموم الصيغة وعدمه والظاهر أن هذا من الأبحاث اللغوية وإن كان البحث في العموم والخصوص ما يرجع إلى أمر عقلي من إمكان مخاطبة المعدوم وامتناعه إذ المدار في كون المسألة لغوية أو عقلية إنما هو على ما هو المسؤول عنه في عنوانها دون ما ينتهى إليه مداركها كما يشهد له عد المسألة في عداد مسائل العام والخاص فان إمكان مخاطبة المعدوم وامتناعه مما لا ربط له بها جزما (إلى أن قال) وبالجملة فظاهر جملة من الأمارات يشهد للثاني وظاهر جملة أخرى يشهد للأول
298

(انتهى) (فيقول المصنف) إن النزاع على الوجه الأول والثاني وهو صحة تعلق التكليف بالمعدومين وعدمها وصحة المخاطبة معهم وعدمها نزاع عقلي والنزاع على الوجه الأخير الثالث وهو عموم الألفاظ الواقعة عقيب أدوات الخطاب للمعدومين وعدمه المسبب عن وضع الأدوات للخطاب مع المخاطب الحقيقي وعدمه نزاع لغوي وهو جيد متين.
(قوله إذا عرفت هذا فلا ريب في عدم صحة تكليف المعدوم عقلا... إلخ) إشارة إلى حكم النزاع على الوجه الأول (وحاصله) أن تكليف المعدوم بل الموجود الحاضر الغافل فضلا عن المعدوم بمعنى التنجز عليه المساوق لانقداح الإرادة والكراهة على طبقه في نفس المولى محال عقلا نعم إنشاء التكليف على نحو يشمل الحاضر والغائب والمعدوم جميعا غايته أنه يكون في حق الحاضر الملتفت منجزا وفي حق الغائب عن مجلس الخطاب فعليا يتنجز في حقه بوصول الخطاب إليه وفي حق المعدوم إنشائيا يتنجز عليه بعد وجوده وبلوغه ووصول الحكم إليه من دون حاجة إلى إنشاء جديد مما لا ضير فيه.
(قوله فان المعدوم منهم يصير مالكا للعين الموقوفة بعد وجوده بإنشائه... إلخ) أي بإنشاء الواقف حين ما وقف لا بانتقال العين إليه إرثا من البطن السابق (وعليه) فكما صح عقلا إنشاء التمليك للموجود والمعدوم جميعا غايته أنه تكون الملكية فعلية في حق الموجود وإنشائية في حق المعدوم تصير فعلية له بعد ما وجد وتحقق من غير حاجة إلى إنشاء جديد فكذلك صح عقلا إنشاء التكليف لهما عينا بهذا النحو.
(قوله وأما إذا أنشأ مقيدا بوجود المكلف ووجدانه الشرائط... إلخ) أي وأما إذا أنشأ التكليف للمعدوم مشروطا بوجوده ووجدانه الشرائط بعدا فإمكانه مما لا يرتاب فيه أحد.
299

(قوله وكذلك لا ريب في عدم صحة خطاب المعدوم بل الغائب حقيقة... إلخ) إشارة إلى حكم النزاع على الوجه الثاني (وحاصله) أنه لا ريب في عدم صحة خطاب المعدوم بل الغائب عن مجلس الخطاب بل الحاضر الغير الملتفت فضلا عن الغائب والمعدوم على وجه الحقيقة فان الخطاب الحقيقي كما في التقريرات عبارة عن توجيه الكلام نحو الغير للإفهام ومن المعلوم أن ذلك مما لا يتحقق إلا إذا كان توجيه الكلام إلى الحاضر الملتفت.
(نعم) قد يتفق الخطاب مع المعدوم أو مع من وجد ومضى كميت ملقى أو شهيد مسجى بداعي عقلائي صحيح بل قد وقع ذلك من أعقل العقلاء كسيد شباب أهل الجنة في يوم عاشوراء مع المستشهدين بين يديه حين ناداهم وقال لهم يا فلان ويا فلان إلى قوله ما لي أناديكم فلا تسمعون وأدعوكم فلا تجيبون ولكن ذلك بتنزيل المعدوم أو الغائب أو الحاضر الغير الملتفت منزلة الحاضر الملتفت فيكون التخاطب معه على وجه العناية والتنزيل لا على وجه الحقيقة والواقع.
(وبالجملة) ان الخطاب الحقيقي لا يكون إلا مع الحاضر الملتفت وأما مع غيره فقد يتفق أحيانا تنزيلا وعناية لا على وجه الحقيقة والواقع وهذا واضح لا ريب فيه ولا شك يعتريه.
(قوله ومنه قد انقدح إن ما وضع للخطاب مثل أدوات النداء... إلخ) إشارة إلى حكم النزاع على الوجه الثالث وهو النزاع في عموم الألفاظ الواقعة عقيب أداة الخطاب للغائبين بل المعدومين وعدمه وقد أشرنا أنه مسبب عن أن أدوات الخطاب هل هي موضوعة للخطاب مع المخاطب الحقيقي أي للمخاطبة مع الحاضر الملتفت كي يقضى باختصاص الألفاظ الواقعة عقيبها بالحاضرين في مجلس الخطاب فقط أم موضوعة لمطلق الخطاب الإيقاعي و
300

كان مع المخاطب التنزيلي كي لا يقتضى بالاختصاص بل تشمل حتى المعدومين فضلا عن الغائبين (وحاصل كلام المصنف) أن ألفاظ الخطاب كأدوات النداء وضمائر التخاطب موضوعة لإنشاء مطلق التخاطب ولإيقاع مجرد المخاطبة سواء كان مع المخاطب الحقيقي أو التنزيلي ففي مثل يا كوكبا ما كان أقصر عمره الذي ليس المخاطب فيه حقيقيا لعدم كونه حاضرا ملتفتا لا تجوز في أداة الخطاب أصلا بل هي مستعملة فيما هو معناها الحقيقي من إنشاء النداء والخطاب وان كان هناك عناية في المخاطبة بتنزيل غير الحاضر الملتفت منزلة الحاضر الملتفت (ويشهد لذلك) عدم مشاهدة عناية ولا رعاية علاقة في نفس أداة الخطاب وان نشاهد العناية والتنزيل في المخاطبة مع هذا المخاطب الغير الحقيقي (وقد تقدم) في صيغة الطلب وصيغ الاستفهام والتمني والترجي ما يقرب من ذلك من انها موضوعة لإنشاء الطلب أو لإنشاء تلك الصفات المخصوصة مطلقا سواء كان بداعي ثبوت الطلب النفساني أو ثبوت تلك الصفات واقعا من طلب الفهم والتمني والترجي أو كان بدواعي أخر كالتهديد والإنذار والاحتقار أو إظهار المحبة أو التوبيخ أو الإنكار إلى غير ذلك مما تقدم تفصيله ففي جميع ذلك كله تكون الصيغة مستعملة فيما هو معناها الحقيقي ولا تجوز فيها أصلا وان كانت بمقتضى طبعها الأصلي منصرفة إلى الإنشاء بداعي ثبوت تلك الصفات حقيقة كما أن أدوات الخطاب بطبعها الأصلي منصرفة إلى إنشاء التخاطب مع المخاطب الحقيقي غير أن في الخطابات الإلهية ما يمنع عن هذا الانصراف وهو وضوح عدم اختصاص الحكم فيها بطبقة دون طبقة أو بجيل دون جيل (وعليه) فلا وجه لاختصاص الخطابات الإلهية بالحاضرين في مجلس الخطاب فقط بل يعم الغائبين والمعدومين جميعا لعدم وضع الأدوات فيها للخطاب مع المخاطب الحقيقي كي يوجب
استعمالها فيه اختصاصها بهم ولا
301

هي منصرفة إليه بعد وجود ما يمنع عن الانصراف في خطاباته تعالى كما أشير آنفا (أقول) ان المصنف قد استنتج من مجرد عدم وضع الأدوات للخطاب مع المخاطب الحقيقي وعدم انصرافها إليه في الخطابات الإلهية عموم الخطابات الشفاهية وشمولها للغائبين والمعدومين جميعا نظرا إلى انها لو عمتهما لم يلزم تجوز في الأدوات أصلا (وهو كما ترى ضعيف جدا) فإنه بعد الاعتراف بكون المخاطبة الحقيقية مع المعدوم مما لا تصح الا تنزيلا فالخطابات الإلهية هب انها لو حملت على العموم لم يلزم تجوز في الأدوات أصلا ولكن يلزم لا محالة عناية في المخاطبة كما لا يخفى (وعليه) فالأولى الاعتراف بان حمل الخطابات الشفاهية على العموم والشمول مستلزم للعناية والتنزيل وان كان ذلك في المخاطبة لا في الأدوات غايته أن القرينة التي قد منعت عن انصراف الأدوات إلى التخاطب مع المخاطب الحقيقي هي التي دلت على كون المخاطبة تنزيلية ليست هي مع خصوص المخاطب الحقيقي أي مع الحاضر الملتفت كي لا تشمل الغائب والمعدوم جميعا.
(وبالجملة) ان الخطابات الشفاهية القرآنية بقرينة عدم اختصاص الحكم فيها بطبقة دون طبقة وعصر دون عصر وأنه يشترك فيه الكل إلى يوم القيامة ظاهرة جدا في العموم والشمول للجميع من الحاضر والغائب والمعدوم جميعا ولكن ذلك مما يوجب العناية والتنزيل في المخاطبة بتنزيل الغائب والمعدوم منزلة الحاضر الملتفت وان لم يوجب ذلك عناية في أدوات الخطاب أصلا نظرا إلى وضعها لمطلق الخطاب الإيقاعي لا لخصوص الخطاب مع المخاطب الحقيقي فتدبر جيدا.
(قوله كما أن قضية إرادة العموم منه لغيرهم استعماله في غيره... إلخ) أي كما أن مقتضى إرادة العموم مما يقع في تلوه لغير الحاضرين من الغائبين
302

والمعدومين جميعا هو استعمال ما وضع للخطاب في غير الخطاب مع المخاطب الحقيقي
(قوله ويشهد لما ذكرنا صحة النداء بالأدوات... إلخ) أي ويشهد لما ذكرنا من أن الظاهر أن مثل أدوات النداء لم يكن موضوعا لذلك أي للخطاب مع المخاطب الحقيقي بل للخطاب الإيقاعي الإنشائي صحة النداء بالأدوات مع إرادة العموم من الواقع تلوها للغائبين والمعدومين جميعا بلا عناية ولا رعاية علاقة في نفس الأدوات أصلا وان كان هناك عناية في المخاطبة معهم حيث ينزل فيها الغائب والمعدوم منزلة الحاضر الملتفت.
(قوله مع حصوله بذلك لو كان ارتكازيا... إلخ) أي مع حصول العلم بالتنزيل بسبب الالتفات إليه والتفتيش عن حاله لو كان التنزيل ارتكازيا والا فمن أين يعلم بثبوته كذلك وهل هو الا بسبب الالتفات إليه والتفتيش عن حاله.
(قوله وان أبيت الا عن وضع الأدوات للخطاب الحقيقي... إلخ) وحاصله انك ان أبيت عما تقدم منا من وضع الأدوات للخطاب الإيقاعي الإنشائي والتزمت بوضعها للخطاب مع المخاطب الحقيقي فلا مناص حينئذ عن الالتزام باختصاص ما يقع في تلوها بالحاضرين في مجلس الخطاب فقط وان الخطابات الإلهية كغيرها من الخطابات تختص بالمشافهين خاصة فيما لم تكن هناك قرينة على التعميم.
(أقول) نعم ولكن قد عرفت آنفا أنه يمكن دعوى وجود القرينة غالبا على التعميم في كلام الشارع ضرورة وضوح عدم اختصاص الحكم في مثل يا أيها الناس اتقوا أو يا أيها الذين آمنوا بمن حضر في مجلس الخطاب فقط بل يعم الجميع بلا شبهة ولا ارتياب بل بالضرورة من الدين.
(قوله أو بنفس توجيه الكلام بدون الأدوات... إلخ) وقد مثل له
303

في التقريرات بآية الحج (قال) وكيف كان فما ذكر من معنى الخطاب يحصل بمجرد المواجهة بالكلام نحو الغير وان لم يكن الكلام مقرونا بواحدة من أداة الخطاب كالنداء ونحوه كما في قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا.
(قوله وتوهم صحة التزام التعميم في خطاباته تعالى لغير الموجودين فضلا عن الغائبين لإحاطته بالموجود في الحال والموجود في الاستقبال فاسد... إلخ) رد على بعض أدلة القائلين بشمول الخطابات الشفاهية للمعدومين (قال في الفصول) بعد أن ذكر من الحنابلة القائلين بالشمول المعدومين وجهين متعددين (ما هذا لفظه) وقد يتشبث على الإثبات بوجوه أخر (إلى أن قال) ومنها أن دليل المنع على تقدير صحته لا يجري في خطاباته تعالى لأن الموجودين في زمن الخطاب والمعدومين عنده سواء (فيقول المصنف) ردا عليه ان إحاطته تعالى بالموجود والمعدوم على حد سواء مما لا يصحح المخاطبة مع المعدوم ولا الغائب حقيقة كما أن عدم صحتها معهما حقيقة ليس الا لقصور فيهما لا لنقص في ناحيته جل وعلا.
(قوله كما أن خطابه اللفظي لكونه تدريجيا ومتصرم الوجود كان قاصرا عن أن يكون موجها نحو غير من كان بمسمع منه ضرورة... إلخ) رد على القول بشمول الخطابات الشفاهية للغائبين عن مجلس الخطاب وان لم تشمل المعدومين (قال المحقق القمي) في التنبيه الأول (ما هذا لفظه) قيل بشمول الخطابات المذكورة للمكلفين الموجودين وان كانوا غائبين عن مجلس الوحي لأن الخطاب عن الله تعالى ولا يتفاوت بتفاوت الأمكنة ويظهر من بعضهم عدم الشمول انتهى (وقال في التقريرات) في التنبيه الأول أيضا (ما هذا لفظه) الظاهر عدم الفرق بين المعدوم والغائب عن مجلس الخطاب
304

في عدم تحقق المخاطبة لو لا التنزيل كما تقدم إليه الإشارة واستواء الكل بالنسبة إليه تعالى غيبة وحضورا لا يجدى في المقام أما أولا فلأن ذلك مبنى على أن يكون المخاطب بالكسر هو الله تعالى ولا دليل عليه (إلى أن قال) وأما ثانيا فبأن استواءه غيبة وحضورا لا يجدى مع اختلاف حال المخاطبين بالعلم والسماع فان النقص فيهم تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا مضافا إلى أن الاستواء انما هو موجود في الموجود والمعدوم أيضا ولم يظهر التزامه من المورد فبدون التنزيل لا يعقل الخطاب في المقامين ومعه لا إشكال فيهما (انتهى) (فيقول المصنف) ردا على القول المذكور ان خطابه تعالى اللفظي حيث أنه تدريجي متصرم الوجود وليس أمرا قابلا للبقاء لم يقبل الشمول للغائبين فإنهم حين الخطاب لا حضور لهم كي يشملهم الخطاب وبعد حضورهم لا خطاب له تعالى كي يشملهم
(قوله هذا لو قلنا بان الخطاب بمثل يا أيها الناس اتقوا في الكتاب حقيقة إلى غير النبي صلى الله عليه وآله... إلخ) أي أن تمام ما تقدم إلى هنا انما هو لو قلنا ان الخطاب من الله تعالى حقيقة في مثل يا أيها الناس اتقوا أو يا أيها الذين آمنوا أو نحوهما إلى غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم (وأما لو قلنا) ان المخاطب الحقيقي له تعالى هو خصوص النبي صلى الله عليه وآله دون غيره فأدوات النداء في مثلهما مستعملة قهرا في غير الخطاب مع المخاطب الحقيقي بل في الخطاب الإيقاعي الإنشائي ولو مجازا فإذا كانت مستعملة في الخطاب الإيقاعي الإنشائي مجازا وكان المخاطب غير المخاطب الحقيقي فلا فرق حينئذ بين أن يكون المخاطب خصوص الحاضرين فقط أو ما يعم الغائبين والمعدومين جميعا
305

في ثمرة البحث
(قوله فصل ربما قيل إنه يظهر لعمومات الخطابات الشفاهية للمعدومين ثمرتان الأولى حجية ظهور الخطابات في الكتاب لهم كالمشافهين... إلخ) هذه الثمرة الأولى للمحقق القمي رحمه الله فإنه ذكر في بحث الخطابات الشفاهية أن ثمرة عموم الخطابات القرآنية للمعدومين وعدمه هو حجية ظواهرها لهم وعدمها وأساس هذه الثمرة مبتن على مقدمتين قد أشار إليهما في القانون الثاني من الاجتهاد والتقليد.
(الأولى) اختصاص حجية الظواهر بمن قصد افهامه ولو كان متأخرا عن زمان الخطاب ولم يكن مشافها له أصلا كما في تصنيف المصنفين وتأليف المؤلفين دون من لم يقصد افهامه.
(الثانية) أن غير المشافهين للخطابات القرآنية ليسوا مقصودين بالإفهام فالكتاب العزيز ليس كتصنيف المصنفين وتأليف المؤلفين فإذا تم هاتان المقدمتان اختص قهرا حجية ظواهر الكتاب بالمشافهين فقط كما صرح به في حجية الكتاب فيتم حينئذ الثمرة الأولى في المقام فعلى القول بعموم الخطابات القرآنية وشمولها لغير المشافهين تكون هي حجة لنا والا فلا (وقد رد المصنف) على كلتا المقدمتين جميعا.
(فعلى الأولى) بقوله وفيه أنه مبنى على اختصاص حجية الظواهر بالمقصودين بالإفهام وقد حقق عدم الاختصاص بهم.
(وعلى الثانية) بقوله ولو سلم فاختصاص المشافهين بكونهم مقصودين بذلك ممنوع... إلخ.
306

(قوله الثانية صحة التمسك بإطلاقات الخطابات القرآنية بناء على التعميم... إلخ) هذه الثمرة الثانية مذكورة في التقريرات ولم يحسن تقريرها وقد ذكرها المحقق القمي أيضا وأصلها منسوب إلى المحقق البهبهاني رحمه الله وتقريرها على نحو أحسن ان المعدومين إذا وجدوا وبلغوا وكانوا مخالفين مع الموجودين في حال الخطاب في الصنف أي في خصوصية مصنفه نحتمل دخلها ثبوتا في الحكم على نحو شك فعلا في ثبوته لهم كاختلافهم في درك حضور الإمام عليه السلام المحتمل دخله في مثل صلاة الجمعة (فان قلنا) بشمول الخطابات للمعدومين وتوجهها إليهم فيجوز لهم التمسك بإطلاقاتها لرفع دخالة ما شك في دخله كما جاز التمسك بإطلاقاتها للموجودين (وإن لم نقل) بشمولها لهم فلا يجوز لهم التمسك بإطلاقاتها أصلا فان التمسك بالإطلاق فرع توجه الخطاب فإذا لم يتمسك بالإطلاق فلا يبقى في البين سوى دليل الاشتراك ولا دليل على الاشتراك إلا الاجتماع وهو دليل لبي لا إطلاق له فلا يثبت به الحكم الا مع الاتحاد في الصنف وحيث لا اتحاد في الصنف فلا دليل على الحكم أصلا
(قوله ولا يذهب عليك أنه يمكن إثبات الاتحاد... إلخ) هذا جواب عن الثمرة الثانية (وحاصله) أن مع عدم عموم الخطاب للمعدومين وإن لم يصح لهم التمسك بإطلاقه لرفع دخالة ما شك في دخله مما كان المعدمون فاقدين له وكان المشافهون واجدين له ولكن صح التمسك بإطلاقه لرفع دخالته في حق المشافهين قطعا فإذا ارتفع دخله في حقهم ثبت اتحاد المعدومين معهم في الصنف إذ ليس المراد من اتحادهم في الصنف الا الاتحاد فيما كان له دخل في الحكم لا الاتحاد في جميع الخصوصيات مما يكثر الاختلاف بحسبه كالطول والقصر والسواد والبياض والسمن والهزال ونحو ذلك مما لا يوجب اختلافا في الحكم فإذا ثبت اتحادهم معهم في الصنف ثبت الحكم لهم قهرا بدليل الاشتراك
307

وان كان الدليل لبيا لا إطلاق له وهذا واضح.
(قوله وكونهم كذلك لا يوجب صحة الإطلاق مع إرادة المقيد منه فيما يمكن أن يتطرق الفقدان... إلخ) دفع لما قد يقال من أنه لا يصح التمسك بالإطلاق في حق المشافهين أيضا كي يرتفع به دخل ما شك في دخله ويثبت به اتحاد المعدومين مع الموجودين في الصنف ويلحقهم الحكم بدليل الاشتراك ولو كان لبيا وذلك كله لأن المشافهين كانوا واجدين لما شك في دخله ومع كونهم كذلك لا يكون الإطلاق كاشفا عن عدم دخله في الحكم لمكان الدخل فيه ثبوتا وان الإطلاق كان من جهة الاتكال على حصوله لهم وتحققه فيهم (فيقول المصنف) إن ذلك انما يتم في الخصوصيات التي لا يتطرق إليها الفقدان كالعربية والعجمية والقرشية والنبطية وأشباه ذلك مما لا يزول فإذا شك في دخل مثل هذه الأمور وكان المشافهون واجدين له فمن إطلاق الخطاب لهم لا يستكشف عدم دخله في حقهم وذلك لجواز دخله فيه ثبوتا وان الإطلاق كان لأجل الاتكال على وجوده فيهم وحصوله لهم وأما فيما يمكن تطرق الفقدان إليه كالقوة والضعف والغنى والفقر والعلم والجهل وأشباه ذلك مما يقبل الزوال والفناء فمن إطلاق الحكم يعرف لا محالة عدم دخله في حقهم إذ لو كان دخيلا في حقهم لكان على المولى تقييد الحكم به ولم يصح منه الاتكال على تحققه فيهم وحصوله لهم بعد كونه في معرض الزوال والفناء كما لا يخفى.
(قوله ودليل الاشتراك إنما يجدى في عدم اختصاص التكاليف بأشخاص المشافهين... إلخ) لا يبعد أن يكون ذلك دفعا لما قد يتوهم من أنه لا حاجة في المقام إلى التمسك بالإطلاق للمشافهين كي يرتفع به دخل ما شك في دخله ويثبت به اتحاد المعدومين معهم في الصنف فيلحقهم الحكم بدليل الاشتراك بل يكفى في تسرية الحكم من المشافهين إلى المعدومين نفس دليل
308

الاشتراك فقط (فيقول المصنف) في دفعه إن دليل الاشتراك إنما يجدى في عدم اختصاص الحكم بالمشافهين وفي تسريته إلى غيرهم إذا لم يكونوا واجدين لخصوصية نحتمل دخلها في الحكم فلو لا الإطلاق وإثبات عدم دخل تلك الخصوصية وثبوت اتحاد غير المشافهين معهم في الصنف بوسيلة الإطلاق لم يجد دليل الاشتراك في التسرية منهم إلى غيرهم ومع الإطلاق وثبوت الاتحاد في الصنف بوسيلته يعم الحكم بدليل الاشتراك لغير المشافهين مطلقا من الغائبين والمعدومين جميعا وإن لم يكونوا مخاطبين بالخطابات الشفاهية أصلا فتأمل جيدا.
(قوله وقد حقق عدم الاختصاص به في غير المقام... إلخ) أي وقد حقق عدم اختصاص حجية الظواهر بمن قصد افهامه في بحث حجية الظواهر
(قوله وأشير إلى منع كونهم غير مقصودين به في خطاباته تبارك وتعالى في المقام... إلخ) حيث قال قدس سره ولو سلم فاختصاص المشافهين بكونهم مقصودين بذلك ممنوع بل الظاهر أن الناس كلهم إلى يوم القيامة يكونون كذلك وان لم يعمهم الخطاب... إلخ.
في تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده
(قوله فصل هل تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده يوجب تخصيصه به أولا... إلخ) وقد اشتهر التمثيل لذلك بقوله تعالى في أواسط البقرة والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك (الآية) أي وبعولتهن أحق بردهن في ذلك الأجل الذي قدر لهن وهو أيام العدة (فالضمير) في بعولتهن راجع إلى خصوص الرجعيات من
309

المطلقات فإنهن اللاتي بعولتهن أحق بردهن لا إلى المطلقات مطلقا ولو كانت بائنات وهي الصغيرة وغير المدخول بها واليائسة والمختلعة والمباراة والمطلقة ثلاثا (فهل عود) الضمير إلى بعض أفراد المطلقات مما يوجب تخصيصها به ويكون المراد منها لبا هو خصوص الرجعيات ويختص التربص بهن فقط بحيث نحتاج في إثبات العدة لبعض البائنات كالمختلعة والمباراة والمطلقة ثلاثا إلى دليل آخر (أم لا يوجب) ذلك بل المراد من المطلقات مطلق المطلقات ويثبت التربص لجميعهن بحيث نحتاج في عدم العدة على الصغيرة وغير المدخول بها واليائسة إلى دليل آخر (فيه خلاف) بين الأعلام (قال في الفصول) ذهب إلى كل فريق وتوقف قوم (ونسب في المعالم) الأول إلى العلامة في النهاية وإلى جمع من الناس والثاني إلى العلامة في التهذيب والمرتضى وجماعة من العامة وذكر أن المحقق قد حكاه عن الشيخ ونسب التوقف إلى المحقق (إلى أن قال) وهذا هو الأقرب يعنى التوقف.
(قوله وليكن محل الخلاف... إلخ) وحاصل كلام المصنف أنه يجب أن يكون محل الخلاف فيما إذا وقع العام والضمير العائد إلى بعض أفراده في كلامين أو في كلام واحد مع استقلال العام بحكم يختص به كما في الآية الشريفة فان المطلقات حكمها التربص والضمير العائد إلى بعض أفرادها في بعولتهن حكمه أحقية الزوج بردهن وأما إذا كانا في كلام واحد وكانا محكومين بحكم واحد كما لو قيل والمطلقات أزواجهن أحق بردهن فلا ينبغي الريب في تخصيص العام به.
(أقول) ومأخذ هذا الكلام هو صاحب الفصول رحمه الله (قال ما هذا لفظه) ثم الظاهر أن النزاع فيما إذا كان العام والضمير في كلامين مستقلين كما يساعد عليه التمثيل بالآية أو فيه وفيما إذا كانا في كلام واحد واستغنى
310

عن عود الضمير إليه نحو أكرم العلماء وخدامهم إذا علم اختصاص الحكم بخدام العدول منهم وأما إذا كانا في كلام واحد واستدعى العام عود الضمير إليه كما لو قيل والمطلقات أزواجهن أحق بردهن فلا إشكال في تخصيص العام بتخصيص الضمير بالبعض (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه وهو عين ما أفاده المصنف غير أنه عبر عن استقلال العام بحكم يختص به باستغناء العام عن عود الضمير إليه كما أنه عبر عن اشتراكهما في حكم واحد باستدعاء العام عود الضمير إليه.
(نعم) يظهر من قول المصنف أو في كلام واحد مع استقلال العام بما حكم عليه في الكلام كما في قوله تبارك وتعالى والمطلقات يتربصن... إلخ أن الآية الشريفة هي من قبيل ما إذا وقع العام والضمير في كلام واحد ويظهر من قول الفصول المتقدم ثم الظاهر أن النزاع فيما إذا كان العام والضمير في كلامين مستقلين كما يساعد عليه التمثيل بالآية... إلخ أن الآية هي من قبيل ما إذا وقع العام والضمير في كلامين لا في كلام واحد وهو اختلاف يسير ليس بمهم (ثم إنه يظهر من التقريرات) في تعيين محل الخلاف ما مرجعه إلى ما أفاده المصنف أيضا فجعل المعيار في محل الكلام أن يكون حكم الضمير مغايرا لحكم العام سواء كان الحكمان من سنخ واحد وفي كلام واحد كما في أكرم العلماء وأكرم خدامهم إذا فرض عود الضمير لعدو لهم أو كان الحكمان من سنخين وفي كلامين كما في الآية المباركة لما فيها من وجوب التربص وأحقية الزوج بردهن وأما إذا كان حكم العام والضمير واحدا كما في قوله تعالى في صدر الآية والمطلقات يتربصن فلا نزاع في تخصيص العام به فان ضمير الجمع فيها عائد إلى ما سوى الصغيرة واليائسة وغير المدخول بها لأنهن لا يتربصن وليس عليهن عدة.
311

(قوله والتحقيق أن يقال إنه حيث دار الأمر بين التصرف في العام... إلخ) وحاصل تحقيق المصنف أنه لا بد في المقام من ارتكاب خلاف الظهور بأحد وجوه ثلاثة (إما بالتصرف) في العام بالتزام التخصيص فيه فيكون المراد من المطلقات الرجعيات (وإما بالتصرف) في الضمير بنحو الاستخدام بإرجاعه إلى بعض ما أريد من المرجع فان الاستخدام على ما حقق في البديع عبارة عن عود الضمير إلى اللفظ بغير المعنى الذي أريد منه من غير فرق بين أن يكون الغير مباينا مع المعنى رأسا أو كان الغير بعضه (وإما بالتصرف) في الضمير بنحو التجوز في الإسناد فيسند أحقية الزوج بردهن إلى جميع المطلقات تجوزا مع كون المسند إليه الحقيقي هو خصوص الرجعيات فقط دون غيرهن (والترجيح) لأصالة الظهور في طرف العام لا لأصالة الظهور في طرف الضمير والسر فيه أن المتيقن من بناء العقلاء الذي هو مدرك أصالة الظهور هو اتباعها في تعيين المراد لا في تعيين كيفية الاستعمال والمراد في طرف العام غير معلوم إذ لم يعلم أنه قد أريد منه العموم أو أريد منه الخصوص فيكون أصالة الظهور حجة فيه بخلاف المراد في جانب الضمير فإنه معلوم على كل حال لأن أحقية الزوج بردهن هي للرجعيات لا محالة ولكن لم يعلم أن العام قد أريد منه
الخصوص ليكون استعمال الضمير على نحو الحقيقة أو أريد منه العموم وأن الضمير قد رجع إلى بعض ما أريد من المرجع أما بنحو الاستخدام أو بنحو التجوز في الإسناد فلا تكون أصالة الظهور حجة فيه (وفيه) أن المتيقن من بناء العقلاء وان كان هو اتباع الظهور في تعيين المراد والمراد في جانب العام غير معلوم بخلافه في جانب الضمير لكن هذا كله إذا كان الظهور منعقدا للعام وفي المقام انعقاده له مع عود الضمير إلى بعض أفراده الصالح للقرينية على التخصيص غير معلوم ولو كانا في كلامين إذا المراد
312

من وقوعهما في كلامين هو وقوعهما في كلام واحد طويل والا لم يصح عود الضمير إليه ولعل إلى هذا قد أشار بقوله فافهم (هذا مضافا) إلى أن التصرف في الضمير بنحو التجوز في الإسناد مما لا وجه له فان الإسناد إلى غير ما هو له كالاستعمال في غير ما وضع له هو مما يحتاج إلى استحسان الطبع له ولا يستحسن الطبع اسناد الحكم إلى عموم المطلقات بلحاظ قسم خاص منها وهو الرجعيات (وعليه) فارتكاب خلاف الظهور في المقام يكون بأحد وجهين لا بأحد وجوه ثلاثة فتأمل جيدا.
(قوله سالمة عنها في جانب الضمير... إلخ) يعنى سالمة عن أصالة الظهور في جانب الضمير أي عن معارضتها.
(قوله فافهم... إلخ) قد أشرنا إلى وجه قوله فافهم فلا تغفل.
(قوله لكنه إذا عقد للكلام ظهور في العموم... إلخ) استدراك عن قوله كانت أصالة الظهور في طرف العام سالمة عنها في جانب الضمير (وحاصله) أن العام إذا كان عند العرف من الكلام المكتنف بالضمير العائد إلى بعض أفراده لم ينعقد له ظهور أصلا بل يحكم عليه بالإجمال ففي مورد الشك نرجع إلى الأصول العملية الا إذا قيل باعتبار أصالة الحقيقة تعبدا ولو لم يكن اللفظ ظاهرا في معناه الحقيقي الا انك قد عرفت غير مرة ان الأصول اللفظية مدركها بناء العقلاء وهم لا يبنون تعبدا على أحد طرفي الاحتمال ما لم يكن هناك ظهور عرفا (وعليه) فإذا قال مثلا أكرم العلماء وصل خلفهم واحتملنا تخصيص العام بقرينة عود الضمير إلى عدو لهم وان الإكرام مختص بالعدول فقط كجواز الاقتداء بهم واحتملنا أيضا بقاء العام على عمومه وان الإكرام شامل لجميع العلماء حتى الفاسق منهم وان الضمير عائد إلى عدو لهم بنحو الاستخدام ففي العالم الفاسق نرجع لا محالة إلى أصل البراءة.
313

(أقول) انك قد عرف منا أن العام الذي يعود الضمير إلى بعض أفراده هو دائما من هذا القبيل وأنه مما لا ظهور له في العموم أصلا ولو كانا في كلامين إذ المراد من وقوعهما كذلك هو وقوعهما في كلام واحد طويل كالآية الشريفة والا لم يصح عود الضمير إليه كما لا يخفى.
(قوله كما عن بعض الفحول... إلخ) يحتمل أن يكون هو صاحب الفصول فإنه بعد ما رجح الاستخدام على تخصيص العام (قال ما هذا لفظه) فلا أقل من الشك في تحقق التكافؤ وهو لا يكفى في صرف ما ثبت عمومه عن العموم بل لا بد من ثبوت الصارف (وحاصله) أن مع احتمال التكافؤ بين التصرفين وعدم إحراز ظهور العام في العموم نأخذ بعمومه إلى أن يثبت الصارف عنه وهو عين العمل بأصالة الحقيقة تعبدا وان لم يكن هناك ظهور عرفا ولكنه تنظر فيه أخيرا بقوله وفي هذا نظر وهو في محله.
هل يخصص العام بالمفهوم المخالف
(قوله فصل قد اختلفوا في جواز التخصيص بالمفهوم المخالف مع الاتفاق على الجواز بالمفهوم الموافق... إلخ) قد عرفت في صدر المفهوم والمنطوق أن المفهوم الغير المطابق للمنطوق في الإيجاب والسلب يسمى بالمفهوم المخالف ويعبر عنه بدليل الخطاب والمفهوم المطابق للمنطوق في الإيجاب والسلب يسمى بالمفهوم الموافق ويعبر عنه بلحن الخطاب أو فحوى الخطاب كما أنه قد يعبر عن الجميع بلازم الخطاب (وعلى كل حال) إذا قال مثلا ولا تقل لأبويك أف وان فسقا واستفدنا منه حرمة إهانتهما وان فسقا بالفحوى جاز أن يكون هذا المفهوم الموافق مخصصا لعموم قوله أهن الفساق بلا كلام (وأما
314

إذا قال) ان عدل زيد العالم فأكرمه ونحن قلنا بمفهوم الشرط واستفدنا منه عدم وجوب إكرامه ان لم يعدل فهل جاز أن يكون هذا المفهوم المخالف مخصصا لعموم قوله أكرم العلماء أم لا (فيه خلاف) بين الأعلام (قال في المعالم) والأكثرون على جوازه وهو الأقوى (ثم استدل عليه) بقوله لنا أنه دليل شرعي عارض مثله وفي العمل به جمع بين الدليلين فيجب (ثم ذكر) بعد ذلك حجة الخصم (فقال) احتج المخالف بان الخاص انما يقدم على العام لكون دلالته على ما تحته أقوى من دلالة العام على خصوص ذلك الخاص وأرجحية الأقوى ظاهرة وليس الأمر هاهنا كذلك فان المنطوق أقوى دلالة من المفهوم وان كان المفهوم خاصا فلا يصلح لمعارضته وحينئذ فلا يجب حمله عليه (انتهى).
(أقول) وفي كل من دليلي الجواز والمنع ما لا يخفى (أما دليل الجواز) فلان مجرد الجمع بين الدليلين مما لا دليل على وجوبه ما لم يكن أحدهما أقوى دلالة وأشد ظهورا بحيث يوفق بينهما عرفا بحمل الظاهر على الأظهر أو على النص (وقريب منه) ما أورده الفصول عليه من أن الجمع كما يمكن بإلغاء العموم كذلك يمكن بإلغاء المفهوم فيستدعي ترجيح الأول من مرجح ومجرد كونه طريق جمع لا يكفى فان الثاني أيضا طريق جمع (انتهى) وهو جيد (وأما دليل المنع) فلان المفهوم وان كان بمقتضى طبعه أضعف من المنطوق ولكن ما لم يعرضه جهة تجعله أقوى دلالة وأشد ظهورا وهي أخصية المدلول وأضيقيته بالنسبة إلى مدلول العام والا فهو أدل وأظهر فقول الخصم في حجته المتقدمة ان المنطوق أقوى دلالة من المفهوم وان كان المفهوم خاصا هو ممنوع أشد المنع ومردود عليه أشد الرد (ولعل من هنا) قال المصنف وقد استدل لكل منهما بما لا يخلو عن قصور (انتهى).
315

(قوله وتحقيق المقام أنه إذا ورد العام... إلخ) وحاصل هذا التحقيق ان ماله العموم وماله المفهوم إذا وردا في كلام واحد أو في كلامين ولكن كان كل منهما قرينة متصلة للآخر لعدم فصل طويل بينهما ودار الأمر بين تخصيص العموم أو رفع اليد عن المفهوم (فان كان) كل من العموم والمفهوم بمقدمات الحكمة كما في المفرد
المعرف باللام إذا انعقد له العموم بالمقدمات وفي الجملة الشرطية إذا لم نقل بوضعها للمفهوم وانعقد لها ذلك بمقدمات الحكمة أحيانا كما تقدم تفصيله في محله أو كان كل من العموم والمفهوم بالوضع كما في صيغة كل وما أشبهها وفي الجملة الشرطية أو الوصفية إذا قلنا فيهما بالمفهوم مستندا إلى الوضع فلا عموم حينئذ ولا مفهوم لعدم تمامية المقدمات بالنسبة إلى شيء منهما في الأول ولمزاحمة ظهور كل منهما مع الآخر في الثاني فلا بد حينئذ من الرجوع إلى الأصل العملي في محل الشك فإذا قال مثلا أكرم العلماء وقال أيضا ان عدل العلماء فأكرمهم ودار الأمر في العالم الفاسق بين تخصيص العموم بالمفهوم كي لا يجب إكرامه وبين رفع اليد عن المفهوم ليجب إكرامه فلا محيص حينئذ عن أصل البراءة الا إذا فرض أحدهما أظهر فيؤخذ به هذا كله ان كان ماله العموم وماله المفهوم في كلام واحد أو في كلامين ليس بينهما فصل طويل كما أشرنا (وأما إذا كانا) في كلامين بينهما فصل طويل وكان كل منهما بمقدمات الحكمة أو بالوضع فالظهور لا محالة وان كان ينعقد لكل منهما ولكن لا بد حينئذ من أن يعامل معهما معاملة المجمل لتكافئهما في الظهور ان لم يكن أحدهما أظهر والا فيكون هو القرينة على التصرف في الآخر (هذا كله تحقيق المصنف) وهو مع نقصانه وعدم استيعابه تمام الصور لعدم تعرضه في كلا الفرضين صورة كون أحدهما بالوضع والآخر بمقدمات الحكمة وان لم يبعد أن يكون حكمها في نظره تقديم جانب الوضع
316

(هو تطويل) بلا طائل فان المفهوم للجملة الشرطية إنما ينعقد أحيانا بمقدمات الحكمة إذا أحرز كون المتكلم في مقام بيان تمام ما هو العلة للحكم ولم يذكر سوى الشرط المذكور في المنطوق ومع الإحراز كذلك يعرف لا محالة انحصار العلة به والانتفاء عند الانتفاء فيقدم المفهوم قهرا لأخصية مدلوله وأضيقية معناه على العموم وإن كان العموم بالوضع.
(وبالجملة) الحق في المقام أن يقال إن المفهوم بعد القول به في الجملة الشرطية أو الوصفية أو غيرهما سواء كان بالوضع أو بغيره من الانصراف أو بمقدمات الحكمة هو مما يقدم على عموم العام لا محالة نظرا إلى أخصيته وأضيقيته فيكون المفهوم المخالف مخصصا للمنطوق كما صح أن يكون المنطوق مخصصا للمنطوق وإن كان مخصصية الثاني أجلى وأظهر.
(قوله وإلا كان مانعا عن انعقاد الظهور أو استقراره في الآخر... إلخ) أي وإلا بان كان أحدهما أظهر انعقاد الظهور أو استقراره في الآخر..... إلخ أي وإلا بان كان أحدهما أظهر كان ذلك مانعا عن انعقاد الظهور للآخر إذا كانا في كلام واحد أو عن استقراره له إذا كانا في كلامين على نحو كان كل منهما قرينة متصلة للآخر.
الاستثناء المتعقب لجمل متعددة
(قوله فصل الاستثناء المتعقب لجمل متعددة... إلخ) بمعنى أن الاستثناء إذا تعقب جملا متعددة وقد أمكن رجوعه إلى الكل كما في قوله أكرم العلماء وأطعم الفقراء وارحم الضعفاء إلا الفساق لا ما إذا لم يصح رجوعه إلا إلى الجملة الأخيرة كما في أكرم العدول وجالس الفحول الا الفساق (فهل هو) ظاهر في الرجوع إلى الكل (أو إلى) خصوص الأخيرة (أو لا
317

ظهور له) أصلا بل لا بد في التعيين من قرينة أقوال (قيل) بظهوره في الرجوع إلى الكل وهو المنسوب إلى الشيخ والشافعية (وقيل) بظهوره في الرجوع إلى خصوص الأخيرة وهو المنسوب إلى أبي حنيفة وأتباعه (وقيل) مشترك بينهما لفظا وهو المنسوب إلى السيد رحمه الله (وقيل) بالوقف بمعنى لا ندري أنه حقيقة في أي الأمرين وهو المنسوب إلى الغزالي ولا يخفى أن عد ذلك من الأقوال غريب جدا (وقيل) بالاشتراك المعنوي بينهما وهو الذي اختاره صاحب المعالم وان لم يصرح بلفظ الاشتراك المعنوي.
(قوله ولا إشكال في رجوعه إلى الأخيرة على أي حال ضرورة ان رجوعه إلى غيرها بلا قرينة خارج عن طريقة أهل المحاورة... إلخ) مضافا إلى أنه لا قائل بالعود إلى غير الأخيرة خاصة كما يظهر بمراجعة كلماتهم.
(قوله وكذا في صحة رجوعه إلى الكل... إلخ) (وفيه) ان صحة رجوعه إلى الكل على كل من القول الأول والاشتراك اللفظي والمعنوي وان صح ولكن على القول برجوعه إلى خصوص الأخيرة مما لا يصح بل يظهر من بعض الوجوه التي استند إليها القائل بهذا القول أنه يستحيل عقلا (قال في المعالم) الرابع أي من الوجوه التي احتج بها القائل بهذا القول أنه لو رجع الاستثناء إلى الجميع فان أضمر مع كل جملة استثناء لزم مخالفة الأصل وان لم يضمر كان العامل فيما بعد الاستثناء أكثر من واحد ولا يجوز تعدد العامل على معمول واحد في إعراب واحد لنص سيبويه عليه وقوله حجة ولئلا يجتمع المؤثر ان المستقلان على الأثر الواحد (انتهى) (اللهم) الا إذا كان مقصود المصنف من صحة رجوعه إلى الكل صحة رجوعه إليه في نظره كما يظهر من تعليله الآتي أعني قوله وذلك ضرورة أن تعدد المستثنى منه كتعدد المستثنى لا يوجب تفاوتا... إلخ.
318

(قوله وان كان المتراءى من كلام صاحب المعالم رحمه الله حيث مهد مقدمة لصحة رجوعه إليه أنه محل الإشكال والتأمل... إلخ) إذ لو لم يكن صحة الرجوع إلى الكل عنده محل إشكال وتأمل لم يمهد لها مقدمة طويلة خارجة عن وضع الكتاب جدا (قال أعلى الله مقامه) ولنقدم على توجيه المختار مقدمة يسهل بتدبرها كشف الحجاب عن وجه المرام وتزداد بتذكرها بصيرة في تحقيق المقام وهي ان الواضع لا بد له من تصور المعنى في الوضع (ثم ساق كلاما طويلا) في إثبات أقسام ثلاثة للوضع من الوضع الخاص والموضوع له الخاص كما في الأعلام والوضع العام والموضوع له العام كما في أسامي الأجناس والوضع العام والموضوع له الخاص وادعى أنه في أسامي الإشارة وساير المبهمات والحروف ومقصوده من هذا كله إثبات ان أدوات الاستثناء التي هي من جملة الحروف وضعها عام وان كان الموضوع له
فيها خاصا فإذا كان الوضع فيها عاما صح إرجاعها إلى الكل كما صح إرجاعها إلى الأخيرة فقط وان احتجنا في التعيين إلى القرينة (قال) فيما أفاده بعد تمهيد المقدمة الطويلة (ما لفظه) وعلى هذا فأي الأمرين أريد من الاستثناء كان استعماله فيه حقيقة واحتيج في فهم المراد منه إلى القرينة كما في نظائره فان إفادة المعنى المراد من الموضوع بالوضع العام انما هي بالقرينة وليس ذلك من الاشتراك في شيء يعنى اللفظي لاتحاد الوضع فيه وتعدده في المشترك لكنه في حكمه باعتبار الاحتياج إلى القرينة (انتهى موضع الحاجة) من كلامه رفع مقامه.
(قوله وذلك ضرورة أن تعدد المستثنى منه كتعدد المستثنى لا يوجب تفاوتا أصلا في ناحية الأداة... إلخ) علة كما أشير آنفا لقوله وكذا في صحة رجوعه إلى الكل (ومنه يظهر) ان مختار المصنف هو عين ما اختاره صاحب المعالم من الاشتراك المعنوي بين الإخراج عن الجميع والإخراج عن الأخيرة
319

خاصة غير أنه يثبته بطريق آخر وهو أن تعدد المستثنى منه كتعدد المستثنى كما في قولك أكرم العلماء الا الفساق والشعراء والحكماء مما لا يوجب تفاوتا في ناحية الأداة سواء قلنا بكون كل من الوضع والموضوع له في الحروف عاما كما تقدم في صدر الكتاب أو قلنا بكون الوضع عاما والموضوع له فيها خاصا كما أفاده صاحب المعالم وفاقا لغير واحد من أهل العربية (كما أن منه يظهر) ان الاستثناء المتعقب لجمل متعددة لا يكون ظاهرا في الرجوع إلى الجميع ولا في الرجوع إلى خصوص الأخيرة بعد صلوحه لكل منهما وان كان الرجوع إلى الأخيرة متيقنا معلوما فإذا لم يكن ظاهرا في شيء منهما لم يكن ما سوى الأخيرة ظاهرا في العموم لاكتنافه بما يصلح للرجوع إليه فلا بد في محل الشك من الرجوع إلى الأصل العملي ففي العالم الفاسق والفقير الفاسق في المثال المتقدم في صدر المسألة نرجع إلى أصل البراءة.
(قوله وكان المستعمل فيه الأداة... إلخ) راجع إلى قوله المتقدم لا يوجب تفاوتا... إلخ أي ضرورة أن تعدد المستثنى منه كتعدد المستثنى لا يوجب تفاوتا أصلا في ناحية الأداة وكان المستعمل فيه الأداة فيما كان المستثنى منه متعددا عين المستعمل فيه فيما كان واحدا.
(قوله كما هو الحال في المستثنى بلا ريب ولا إشكال... إلخ) أي فيكون المستعمل فيه الأداة فيما كان المستثنى متعددا عين المستعمل فيه فيما كان متعددا.
(قوله اللهم الا أن يقال بحجية أصالة الحقيقة تعبدا لا من باب الظهور... إلخ) فحينئذ يؤخذ بعموم ما سوى الجملة الأخيرة وان لم يكن ظاهرا في العموم من جهة اكتنافه بما يصلح للرجوع إليه ولكن قد عرفت غير مرة ان أصالة الحقيقة تعبدا مما لا أصل له فإنه أصل عقلائي ولا تعبد
320

فعل العقلاء بما هم عقلاء فلا يبنون على إرادة المعنى الحقيقي جزافا ما لم يكن هناك ظهور يكشف عن المراد الجدي وهذا واضح.
(قوله فيكون المرجع عليه أصالة العموم إذا كان وضعيا لا ما إذا كان بالإطلاق ومقدمات الحكمة... إلخ) فان العمل بأصالة العموم تعبدا مع اكتناف العام بما يصلح للرجوع إليه هو مما يمكن القول به إذا كان العموم وضعيا وان لم نقل به نحن لكونه خلاف التحقيق ولكن إذا كان العموم إطلاقيا ينعقد بمقدمات الحكمة كما في أحل الله البيع ونحوه فلا يكاد يمكن القول به إذ لا تتم المقدمات حينئذ كما لا يخفى.
(قوله فتأمل... إلخ) وجه التأمل كما يظهر من تعليقته على الكتاب هو ما قد يقال إن مجرد صلوح الاستثناء للرجوع إلى الجميع بدون قرينة عليه ولا ظهور فيه كما هو المفروض مما لا يصلح أن يعتمد عليه المتكلم في مقام البيان (وعليه) فينعقد العموم حينئذ بوسيلة مقدمات الحكمة لما سوى الجملة الأخيرة (وفيه ما لا يخفى) فان العام المستند عمومه إلى الوضع إذا لم يكن ظاهرا في العموم من جهة الإكتناف بما يصلح الرجوع إليه فكيف بما كان عمومه بمقدمات الحكمة وهل يعقل انعقاد العموم له حينئذ بحيث كان اللفظ ظاهرا فيه كلا ولعله إليه أشار أخيرا في التعليقة بقوله فافهم.
في تخصيص الكتاب بخبر الواحد
(قوله فصل الحق جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد المعتبر بالخصوص... إلخ) (قال في المعالم) فالأقرب جوازه مطلقا وبه قال العلامة وجمع من العامة وحكى المحقق عن الشيخ وجماعة منهم إنكاره مطلقا وهو
321

مذهب السيد (إلى أن قال) ومن الناس من فصل فأجازه ان كان العام قد خص من قبل بدليل قطعي متصلا كان أو منفصلا وقيل إن كان العام قد خص بدليل منفصل سواء كان قطعيا أم ظنيا وتوقف بعض وإليه يميل المحقق لكنه بناء على منع كون الخبر الواحد دليلا على الإطلاق لأن الدلالة على العمل به الإجماع على استعماله فيما لا يوجد عليه دلالة فإذا وجدت الدلالة القرآنية سقط وجوب العمل به انتهى.
(أقول) وما أبعد بين من لم يجوز تخصيص الكتاب بخبر الواحد المعتبر مطلقا تحفظا على ظهور الكتاب وبين من لم يجوز العمل بظواهر الكتاب كجماعة من الأخباريين على ما سيأتي في الظواهر ما لم يرد على طبقها خبر معتبر من الأئمة عليهم السلام وكيف كان الأمر ان المتبع هو الدليل القاطع وستعرف مقتضاه كما حقه.
(قوله لما هو الواضح من سيرة الأصحاب على العمل باخبار الآحاد... إلخ) شروع في إثبات جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد وقد استدل له بأمرين.
(أحدهما) ما تمسك به صاحب التقريرات (قال) وكيف كان فيمكن الاستدلال على الجواز بالإجماع من الأصحاب على العمل باخبار الآحاد في قبال العام الكتابي وهذه سيرة مستمرة إلى زمن الأئمة عليهم السلام بل وذلك مما يقطع به في زمن الصحابة والتابعين فإنهم كثيرا ما يتمسكون بالأخبار في قبال العمومات الكتابية ولم ينكر ذلك عليهم ودعوى أن ذلك لعله بواسطة احتفاف الخبر بقرينة قطعية مدفوعة بما أفاده الشيخ عند احتجاجه بعمل الصحابة على حجية الأخبار بأنه تعويل على ما يعلم ضرورة خلافه ولا يحسن مكالمة مدعيه انتهى.
322

(ثانيهما) ما استدل به بعض الأفاضل على ما في التقريرات (قال) واستدل بعض الأفاضل على المطلب بأنه لولاه لزم إلغاء الخبر بالمرة إذ ما من خبر إلا وهو مخالف لعموم الكتاب (وقد أشار إليه المصنف) بقوله مع أنه لولاه لزم إلغاء الخبر... إلخ.
(أقول) وسيأتي في جواب الوجه الأول من وجهي المنع ما هو أقوى من هذين الدليلين وأسد فانتظر.
(قوله بواسطة القرينة... إلخ) أي بواسطة القرينة القطعية.
(قوله وكون العام الكتابي قطعيا صدورا وخبر الواحد ظنيا سندا... إلخ) إشارة إلى الوجه الأول من وجهي المنع (قال في المعالم) احتجوا للمنع بوجهين.
(أحدهما) ان الكتاب قطعي وخبر الواحد ظني والظني لا يعارض القطعي لعدم مقاومته له فيلغى بالمرة (وحاصل الجواب) بعد النقض بجواز تخصيص الخبر المتواتر بخبر الواحد مع أن المتواتر قطعي كالكتاب وخبر الواحد ظني لا قطعي أن الكتاب وإن كان قطعيا صدورا ولكن ذلك لا يمنع عن التصرف في دلالته الغير القطعية فان الأمر يدور بين أصالة العموم في الكتاب وبين دليل سند الخبر والخبر بدلالته وسنده صالح للقرينية والتصرف في أصالة العموم في الكتاب أما بدلالته فلأنه أظهر وأقوى إذ المفروض أنه خاص وذاك عام وأما بسنده فلأنه معتبر حجة بلا كلام إذ المفروض ثبوت اعتباره بدليل خاص قطعي بخلاف أصالة العموم في الكتاب فإنها غير صالحة لرفع اليد عن دليل اعتباره.
(أقول) وأصل هذا الجواب من التقريرات غير أن المصنف تصرف فيه فجعل الأمر دائرا بين أصالة العموم في الكتاب وبين دليل سند الخبر كما
323

هو صريح قوله فإنها غير صالحة لرفع اليد عن دليل اعتباره (وهو كما ترى) إذ لو أخذنا بعموم الكتاب لم نرفع اليد عن دليل سند الخبر رأسا بل عن خصوص الخبر المخالف لعموم الكتاب والخبر المخالف صالح دلالة وسندا للتصرف في عموم الكتاب كما عرفت (والحق) ما أفاده التقريرات في مقام الجواب (فقال ما لفظه) وبعبارة واضحة الكتاب قطعي سندا وخبر الواحد ظني سندا ولا تعارض بينهما من هذه الجهة أي من جهة ما هو القطعي وانما التعارض بينهما من جهة الدلالة الراجعة في العام إلى أصالة الحقيقة التي يجب تقديم ما هو صالح للقرينية عليها لارتفاع موضوع الأصل بوجود الدليل حقيقة إذا كان علميا أو حكما إذا كان ظنيا ولو مع ملاحظة العلم باعتباره والمفروض أن خبر الواحد صالح لذلك أما دلالة فظاهر وأما سندا فلان كلامنا في قبال هذا المانع انما هو بعد الفراغ عن حجية الخبر انتهى (وحاصله) هو ما بيناه آنفا من أن الأمر دائر بين أصالة العموم في الكتاب وبين نفس الخبر المعتبر والخبر المعتبر صالح بدلالته وسنده للتصرف في عموم الكتاب (نعم يمكن تقرير الجواب) بنحو آخر يدور الأمر فيه بين عموم الكتاب وبين عموم دليل اعتبار الخبر بان يقال ان الأمر دائر بين العمومين فإن أخذنا بعموم الكتاب طرحنا عموم دليل الخبر بمعنى أنه أخرجنا الخبر المخالف لعموم الكتاب عن تحته بلا مخصص له وان أخذنا بعموم دليل الخبر فقد خصصنا عموم الكتاب بمخصص له وهو الخبر المعتبر المخالف لعمومه ومهما دار الأمر بين تخصيصين كذلك أي أحدهما بلا مخصص والآخر بمخصص قدم الثاني على الأول.
(قوله ولا ينحصر الدليل على الخبر بالإجماع... إلخ) رد على الكلام المتقدم في صدر المسألة عن المحقق المائل إلى التوقف من أن الدلالة على العمل
324

بالخبر الإجماع على استعماله فيما لا يوجد عليه دلالة فإذا وجدت الدلالة القرآنية سقط وجوب العمل به وقد ذكره التقريرات في عداد أدلة المنع وجعله وجها ثالثا لهم (وعلى كل حال) حاصل الجواب أن دليل اعتبار حجية الخبر مما لا ينحصر بالإجماع فقط كي يقال انه قائم في خصوص ما لا يوجد على خلافه دلالة ومع وجود الدلالة القرآنية سقط وجوب العمل به بل يستفاد اعتبار الخبر من الآيات القرآنية ولو نوقش في دلالتها فمن الأخبار المتواترة إجمالا وإطلاقها مما يشمل كلا من الخبر المخالف لعموم الكتاب وغيره جميعا (هذا مضافا) إلى ما عرفت من السيرة المستمرة على العمل بالخبر في قبال العمومات الكتابية وأنه مما يقطع به في زمن الصحابة والتابعين ولم ينكر ذلك عليهم.
(قوله والأخبار الدالة على أن الأخبار المخالفة للقرآن يجب طرحها أو ضربها على الجدار أو انها زخرف أو انها مما لم يقل به الإمام... إلخ) إشارة إلى وجه آخر للمانعين قد جعله التقريرات وجها رابعا لهم وهو عمدة الوجوه (قال) وأخرى بطائفة كثيرة من الأخبار الدالة على أن الأخبار المخالفة للقرآن يجب طرحها وضربها على الجدار وانها زخرف وانها مما لم يخبر بها الإمام عليه السلام وهي كثيرة جدا (انتهى) بل ويظهر من شيخنا الأنصاري أن هذا الوجه هو لشيخ الطائفة في العدة (قال) في الرسائل في أوائل خبر الواحد بعد أن ذكر الأخبار الكثيرة الدالة على المنع عن العمل بالخبر الغير المعلوم الصدور وجعلها طائفتين الأولى ما دل على طرح الخبر الذي يخالف الكتاب الثانية ما دل على طرح الخبر الذي لا يوافق الكتاب وخاض في الجواب عن الطائفة الأولى (ما هذا لفظه) ومن هنا يظهر ضعف التأمل في تخصيص الكتاب بخبر الواحد لتلك الأخبار بل منعه لأجلها كما عن الشيخ في العدة انتهى (وعلى كل حال) سيأتي تفصيل هذه الأخبار في صدر
325

مسألة خبر الواحد إن شاء الله تعالى واحدا بعد واحد وهي بمضامين شتى ولكن ليس فيها تصريح بلفظ الطرح أو الضرب على الجدار وإن كان فيه تعبير بالزخرف أو الباطل أو لم نقله وغير ذلك (وكيف كان) قد أجاب المصنف عن هذه الاخبار بوجوه.
(الأول) ما حاصله أن مخالفة الخاص مع العام ليست بمخالفة عرفا بل يعد الخاص بيانا للعام وشرحا له ومن هنا لا يعد الخبران المتنافيان على وجه العموم والخصوص المطلق أو على وجه الإطلاق والتقييد بمتعارضين ولا نرجع فيهما إلى المرجحات السندية أو نتخير بينهما على الخلاف الآتي في باب التعادل والتراجيح بل نأخذ بخاصهما أو بمقيدهما ولو كان الآخر أقوى سندا (وقد أشار) إلى هذا الوجه بقوله ان لم نقل بأنها ليست من المخالفة عرفا (الثاني) ما حاصله أن المراد من المخالفة في الاخبار الآمرة برد المخالف للكتاب هو غير مخالفة العموم والخصوص المطلق وذلك بشهادة صدور كثير من الأخبار المخالفة للكتاب بهذا النحو من المخالفة أي المخصصة لعموماتها أو المقيدة لمطلقاتها على نحو لو أنكرها أحد لعد ذلك من المكابرة واللجاج والاخبار الآمرة برد المخالف وإن كانت آبية عن التخصيص الأفرادي بان يقال مثلا كل حديث خالف كتاب الله فهو زخرف إلا الخبر الفلاني ولكنها غير آبية عن التخصيص الأنواعي بان يقال مثلا كل خبر خالف الكتاب فهو زخرف الا المخالف له بنحو العموم والخصوص المطلق فإنه شارح لمدلوله ومفسر لمعناه والفرق بين هذا والجواب السابق أن مخالفة الخاص مع العام على الوجه السابق ليست بمخالفة
أصلا وعلى هذا الوجه مخالفة غير انها ليست بمراده من الاخبار الآمرة برد المخالف بشهادة صدور كثير من الاخبار المخالفة للكتاب بهذا النحو من المخالفة (وقد أشار المصنف) إلى هذا الوجه الثاني
326

بقوله إلا أنه لا محيص عن أن يكون المراد من المخالفة... إلخ وقد قدمه في الذكر ولا ضير فيه.
(الثالث) ما حاصله أنه من المحتمل قويا أن يكون المراد من هذه الاخبار انهم لا يقولون خلاف القرآن ثبوتا وواقعا وأما خلافه إثباتا وظاهرا ولو بنحو التباين الكلي فضلا عن العموم والخصوص المطلق أو من وجه شرحا لمرامه تعالى وبيانا لمراده جل وعلا فكثيرا ما يقولون به (وقد أشار المصنف) إلى ذلك بقوله مع قوة احتمال أن يكون المراد أنهم لا يقولون بغير ما هو قول الله تبارك وتعالى واقعا... إلخ (وفيه) أن هذا الاحتمال وإن كان قويا في حد ذاته بل مما لا ريب فيه ولكن ليس منه في الاخبار المذكورة عين ولا أثر كما لا يخفى على من راجعها وأمعن النظر ولعله إليه أشار أخيرا بقوله فافهم ولكن سيأتي منا في صدر خبر الواحد ما يدل قويا على هذا الوجه وهو صدور كثير من الاخبار الصحيحة الواردة في تفسير القرآن المخالفة لظواهره بنحو التباين الكلي فضلا عن العموم والخصوص المطلق أو من وجه نظير ما ورد من أن الصلاة في قوله تعالى ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى هو المسجد أو أن البحرين في قوله تعالى مرج البحرين يلتقيان هو على وفاطمة عليهما السلام وان البرزخ هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم وان اللؤلؤ والمرجان هما الحسن والحسين عليهما السلام إلى غير ذلك مما لا مجال لإنكاره والفرق بين هذا الوجه وبين الأول والثاني أن بناء عليهما يؤخذ بخصوص المخالف للكتاب الذي مخالفته بنحو العموم والخصوص المطلق وبناء على هذا الوجه يؤخذ بمطلق ما خالف ظاهر الكتاب إذا كان نصا أو أظهر سواء كان مخالفته بنحو التباين الكلي أو بنحو العموم والخصوص المطلق أو من وجه ويبقى تحت الاخبار الآمرة بطرح المخالف للكتاب
327

خصوص الخبر المخالف لنصه وصريحه فتأمل جيدا وسيأتي لذلك مزيد توضيح إن شاء الله تعالى في خبر الواحد فانتظر.
(قوله كيف وصدور الاخبار المخالفة للكتاب بهذه المخالفة عنهم عليهم السلام كثيرة جدا... إلخ) هذا راجع إلى قوله لا محيص عن أن يكون المراد من المخالفة في هذه الاخبار غير مخالفة العموم لا إلى قوله أن لم نقل بأنها ليست من المخالفة عرفا فلا تشتبه.
(قوله فافهم... إلخ) قد أشرنا إلى وجه قوله فافهم فلا تغفل.
(قوله والملازمة بين جواز التخصيص وجواز النسخ به ممنوعة... إلخ) إشارة إلى الوجه الثاني من وجهي المنع (قال في المعالم) بعد ما ذكر الوجه الأول المتقدم للمانعين (ما هذا لفظه) الثاني أنه لو جاز التخصيص به لجاز النسخ أيضا والتالي باطل اتفاقا فالمقدم مثله بيان الملازمة أن النسخ نوع من التخصيص فإنه تخصيص في الأزمان والتخصيص المطلق أعم منه فلو جاز التخصيص بخبر الواحد لكانت العلة أولوية تخصيص العام على إلغاء الخاص وهو قائم في النسخ (انتهى) (وقد أجاب عنه المصنف) بعد ما اتخذ أصل الجواب من التقريرات بتغيير في العبارة بما حاصله أن مقتضى القاعدة هو جواز كل من النسخ والتخصيص جميعا بخبر الواحد غير أن بينهما فرق من جهتين أوجبتا منع الملازمة.
(الأولى) اختصاص النسخ بالإجماع على المنع فلولاه لقلنا أيضا بجواز النسخ بخبر الواحد (وفيه) أن الإجماع في المسألة غير معلوم ومن هنا قال في المعالم في الأصل الثاني من مبحث النسخ ولا يجوز نسخ الكتاب والسنة المتواترة بالآحاد عند أكثر العلماء ولم يقل عند كافة العلماء انتهى (ولو سلم الإجماع هنا فحصول القطع منه برأي المعصوم في أمثال المسألة مما يحتمل
328

الاستناد فيه إلى الرأي والنظر ممنوع جدا.
(الثانية) أن النسخ مما يتوفر الداعي بضبطه ولذا قل الخلاف في موارده فلا نحتاج في تعيين موارده إلى العمل بخبر الواحد بخلاف التخصيص فنحتاج فيه (وفيه) أن مجرد ذلك مما لا يوجب اعتبار خبر الواحد في تعيين موارد التخصيص ما لم يرجع إلى دعوى الانسداد فيها فيخرج بذلك عن الظن المعتبر بالخصوص (هذا) والحق في الجواب عن الوجه الثاني للمانعين هو الالتزام بجواز النسخ أيضا بخبر الواحد المعتبر بالخصوص كالتخصيص بعينه ولا محذور فيه أصلا.
في اختلاف حال الخاص ناسخا ومخصصا ومنسوخا
(قوله فصل لا يخفى أن الخاص والعام المتخالفين يختلف حالهما ناسخا ومخصصا ومنسوخا... إلخ) لا إشكال فيما إذا كان الخاص مقارنا مع العام فإنه مخصص له بلا خلاف يعبأ به كما في المعالم الا عن بعض الحنفية كما صرح به المحقق القمي وأما إذا كان غير مقارن له منفصلا عنه.
(فتارة) يكون الخاص بعد العام قبل حضور وقت العمل به.
(وأخرى) يكون بعد العام وبعد حضور وقت العمل به.
(وثالثة) يكون العام بعد الخاص قبل حضور وقت العمل به.
(ورابعة) يكون العام بعد الخاص وبعد حضور وقت العمل به فهذه صور أربع.
329

(أما الصورة الأولى) وهي أن يكون الخاص بعد العام قبل حضور وقت العمل به التي قد أشار إليها المصنف بقوله أو واردا بعده قبل حضور وقت العمل به... إلخ (فقد يقال) فيها بعدم جواز التخصيص نظرا إلى لزوم تأخير البيان عن وقت الخطاب ويظهر من المعالم والمحقق القمي وغيرهما وجود القائل بهذا القول (وقد يقال) فيها بعدم جواز النسخ نظرا إلى اشتراط جواز النسخ بحضور وقت العمل بالمنسوخ كما يظهر ذلك من المعالم والمحقق القمي بل صرحا بالاشتراط في مبحث النسخ ونسبه الأول إلى جمهور أصحابنا وجمع من العامة والثاني إلى أكثر أصحابنا والمعتزلة (والحق) أن كلا من التخصيص والنسخ فيها جائز غير أن التخصيص أظهر
فيبنى عليه.
(أما جواز التخصيص) فلأن تأخير البيان عن وقت العمل والحاجة جائز عقلا إذا كان لحكمة مقتضية له فكيف بتأخيره عن وقت الخطاب.
(أما جواز النسخ) فلما ستعرف من أن النسخ بمعناه الحقيقي الواقعي في الأحكام الإلهية غير معقول لاستلزامه الجهل في حقه تعالى وهو منزه عنه جل وعلا فان الحكم لو كان مشتملا على مصلحة موجبة له إلى الأبد فلما ذا ينسخ وان لم يكن مشتملا كذلك فلما ذا يشرع بنحو التأبيد كي ينسخ فلا بد أن يكون النسخ في الشرعيات بمعنى بيان أمد الحكم وغايته ومن المعلوم أن النسخ بهذا المعنى مما لا يتفاوت فيه الحال بين أن يكون قبل حضور وقت العمل بالمنسوخ أو بعده غايته أنه ان كان بعد حضور وقت العمل بالمنسوخ فالأمر الأول كان جديا عن مصلحة في المتعلق والا بان كان قبل حضور وقت العمل بالمنسوخ فالأمر الأول كان صوريا عن مصلحة في نفس الأمر وسيأتي اعتراف المصنف بصحة النسخ قبل حضور وقت العمل بالمنسوخ بقوله وحيث عرفت أن النسخ بحسب الحقيقة يكون دفعا وان كان
330

الظاهر رفعا فلا بأس به مطلقا ولو كان قبل حضور وقت العمل... إلخ.
(وأما أظهرية التخصيص) فلشيوعه وندرة النسخ جدا وبه يكون ظهور العام في العموم الأزماني وان كان بالإطلاق ومقدمات الحكمة أقوى من ظهوره في العموم الأفرادي وان كان بالوضع وتنصيص أهل اللغة فيخصص الثاني دون الأول وسيأتي أيضا اعتراف المصنف بذلك قريبا فانتظر.
(وأما الصورة الثانية) وهي أن يكون الخاص بعد العام وبعد حضور وقت العمل به التي قد أشار إليها المصنف بقوله وان كان بعد حضوره كان ناسخا لا مخصصا... إلخ فمختار المصنف فيها تبعا للتقريرات أن العام ان كان واردا لبيان الحكم الواقعي فلا محالة يكون الخاص ناسخا لا مخصصا لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة والا كان مخصصا.
(أقول) وهذا جيد غير أن التعليل بلزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة ليس كما ينبغي بعد ما عرفت أنه مما لا محذور فيه إذا كان لحكمة مقتضية له وسيأتي أيضا اعتراف المصنف بذلك في التعادل والتراجيح عند الإشارة إلى جملة من المرجحات النوعية لا حد الظاهرين فانتظر.
(وبالجملة) الأولى أن يقال ان العام إذا أحرز أنه قد ورد لبيان الحكم الواقعي فالخاص الوارد بعد حضور وقت العمل به يكون ناسخا لا محالة لا مخصصا والا لزم الخلف لكن هذا إذا أحرز ورود العام لبيان الحكم الواقعي بالعلم واليقين وأما إذا أحرز ذلك بالأصل العقلائي كما هو الغالب فيكون الخاص مخصصا لا ناسخا فان النسخ حينئذ وان كان أمرا ممكنا ثبوتا ولكن ندرة النسخ وشيوع التخصيص جدا كما أشرنا هو مما يوجب تقوية ظهور العام في العموم الأزماني وتضعيف ظهوره في العموم الأفرادي فيقدم الأول على الثاني ويلتزم بتأخير البيان عن وقت الحاجة وأنه كان لحكمة مقتضية لذلك.
331

(وأما الصورة الثالثة) وهي أن يكون العام بعد الخاص قبل حضور وقت العمل به التي لم يؤشر إليها المصنف هاهنا وانما يؤشر إليها بعدا بقوله أو ورد العام قبل حضور وقت العمل به... إلخ فالكلام فيها عين الكلام في الصورة الأولى من حيث جواز كل من التخصيص والنسخ جميعا غير أن التخصيص أظهر فيبنى عليه.
(نعم) احتمال التخصيص والنسخ هناك كان في الخاص المتأخر وهاهنا يحتمل التخصيص في الخاص المتقدم والنسخ في العام المتأخر (مضافا) إلى أن التخصيص هناك كان مستلزما لتأخير البيان عن وقت الخطاب وقد يقال بعدم جوازه وان عرفت فساده لجواز تأخير البيان عن وقت الحاجة إذا كان لحكمة مقتضية لذلك فكيف بتأخيره عن وقت الخطاب وهاهنا لا يستلزم التخصيص تأخير البيان عن وقت الخطاب أصلا.
(وأما الصورة الرابعة) وهي أن يكون العام بعد الخاص وبعد حضور وقت العمل به التي قد أشار إليها المصنف بقوله وان كان العام واردا بعد حضور وقت العمل بالخاص... إلخ فلا إشكال في جواز كل من التخصيص والنسخ فيها عند الكل.
(أما جواز التخصيص) فلعدم استلزامه تأخير البيان عن وقت الخطاب أو الحاجة أصلا.
(وأما جواز النسخ) فلكونه بعد حضور وقت العمل بالخاص غير أن التخصيص هو أظهر من النسخ لما أشير إليه من شيوع الأول وندرة الثاني فيوجب ذلك قهرا أقوائية ظهور الخاص في الدوام والاستمرار وان كان بالإطلاق ومقدمات الحكمة من ظهور العام في العموم الأفرادي وان كان بالوضع لا بالإطلاق فيتعين التخصيص دون النسخ (ثم ان هذا كله) إذا علم
332

اقتران الخاص بالعام أو انفصاله عنه وأما إذا جهل وتردد بين اتصاله به وانفصاله عنه فالحكم فيه هو التخصيص أيضا فإنه لا يخلو ثبوتا عن إحدى الصور الخمس وهي صورة الاقتران والصور الأربع للانفصال وقد عرفت أن الخاص في الكل مخصص لا ناسخ الا إذا أحرز كون العام المتقدم وواردا لبيان الحكم الواقعي بالعلم واليقين ثم ورد الخاص بعد حضور وقت العمل به فإنه حينئذ ناسخ لا مخصص.
(قوله أو واردا بعده قبل حضور وقت العمل فلا محيص عن كونه مخصصا وبيانا له... إلخ) قد أشار بهذه العبارة إلى الصورة الأولى من الصور الأربع كما تقدم.
(قوله وان كان بعد حضوره كان ناسخا لا مخصصا... إلخ) قد أشار بهذه العبارة إلى الصورة الثانية من الصور الأربع كما تقدم أيضا.
(قوله وان كان العام واردا بعد حضور وقت العمل بالخاص... إلخ) قد أشار بهذه العبارة إلى الصورة الرابعة من الصور الأربع كما أشرنا وسيأتي منه الإشارة إلى الصورة الثالثة فانتظر.
(قوله هذا فيما علم تاريخهما وأما لو جهل وتردد بين أن يكون الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام وقبل حضوره فالوجه هو الرجوع إلى الأصول العملية... إلخ) وهذا راجع إلى الصورتين الأوليين كما يظهر من قوله بعد حضور وقت العمل بالعام وقبل حضوره (ثم انه) قد يتخيل أنه لا ثمرة عملا بين كون الخاص بعد حضور
وقت العمل بالعام كي يكون ناسخا على الشرط المتقدم أو قبل حضوره كي يكون مخصصا ولكن يمكن فرض الثمرة فيما إذا قال مثلا أكرم العلماء ولم يكرم فساقهم عصيانا ثم ورد لا تكرم فساق العلماء ولم يعلم أنه كان قبل حضور وقت العمل بالعام كي يكون مخصصا ولا شيء عليه
333

سوى التجري أو كان بعد حضور وقت العمل به كي يكون ناسخا ويستحق العقاب على المعصية ويكون عليه القضاء لو كان الإكرام مما شرع فيه القضاء (ثم إن المصنف) لم يتعرض صورة تردد العام بين أن يكون بعد حضور وقت العمل بالخاص أو قبله كما تعرض صورة تردد الخاص بين كونه بعد حضور وقت العمل بالعام أو قبله وذلك لوضوح انتفاء الثمرة فإنه على كل حال يبنى على كون الخاص المتقدم مخصصا كما تقدم لا ناسخا.
(قوله وأنه واجد لشرطه... إلخ) أي وارد قبل حضور وقت العمل بالعام لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة.
(قوله وإنما يوجبان الحمل عليه... إلخ) أي وإنما يوجبان كثرة التخصيص وندرة النسخ الحمل على التخصيص في خصوص الصورة الرابعة وهي ما إذا ورد العام بعد حضور وقت العمل بالخاص بل وفي غير ذلك من الصور أيضا كما عرفت منا تحقيقه من جهة كونهما موجبين لأقوائية الظهور في الدوام والاستمرار من الظهور في العموم الأفرادي وهذا بخلاف ما إذا أوجبا الظن بالتخصيص وكون الخاص واردا قبل حضور وقت العمل بالعام كما في تردد الخاص بين كونه بعد حضور وقت العمل بالعام أو قبله فان الظن مما لا عبرة به فيرجع إلى الأصل العملي كما تقدم.
(قوله أو ورد العام قبل حضور وقت العمل به... إلخ) أي قبل حضور وقت العمل بالخاص وقد أشار بهذه العبارة إلى الصورة الثالثة من الصور الأربع كما أشرنا قبلا.
(قوله إنما يكون مبنيا على عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل... إلخ) وقد عرفت منا جوازه وسيأتي له مزيد بيان بل وتصريح من المصنف به كما أشرنا فيما تقدم.
334

(قوله ولو فيما كان ظهور العام في عموم الأفراد أقوى من ظهور الخاص في الخصوص... إلخ) فيه من سوء التعبير ما لا يخفى إذ المقصود من قوله أقوى هو الوضع ولو قال هكذا ولو فيما كان ظهور العام في عموم الأفراد بالوضع وكان ظهور الخاص في الدوام بالإطلاق كما تقدم منه آنفا في ذيل الكلام في الصورة الرابعة كان أولى (ثم ان هذا إشارة) إلى صورة واحدة من الصورتين اللتين قد أشار إليهما بقوله ثم ان تعين الخاص إلى قوله أو ورد العام قبل حضور وقت العمل به... إلخ وهي ما إذا ورد العام قبل حضور وقت العمل بالخاص ففيها يدور الأمر بين ظهور العام في العموم الأفرادي وبين ظهور الخاص في الدوام والاستمرار وبقي الصورة الأخرى وهي ما إذا ورد الخاص قبل حضور وقت العمل بالعام ففيها يدور الأمر بين ظهور العام في العموم الأفرادي وبين ظهوره في العموم الأزماني (والصحيح) في التعبير على نحو يشمل كلتا الصورتين جميعا أن يقال ولو كان الظهور في عموم الأفراد بالوضع وكان الظهور في عموم الأزمان بالإطلاق فتأمل جيدا كي لا يشتبه عليك الأمر فان المقام كله لا يخلو عن دقة.
القول في النسخ
(قوله ولا بأس بصرف الكلام إلى ما هو نخبة القول في النسخ... إلخ) النسخ هو البداء في التشريعيات أي في الأحكام بأن يأمر مثلا بشيء أو ينهى عنه ثم ينسخه في قبال البداء في التكوينيات أي في الأفعال بأن يخبر مثلا أنه سيقع العذاب على قوم فلان ثم يبدو له فلا يقع العذاب عليهم فالنسخ أخص والبداء أعم وإن كان الثاني أيضا ينصرف إلى التكوينيات (وعلى كل
335

حال) لا ريب في أن كلا من النسخ والبداء بمعناه الحقيقي مما يستحيل في حقه تعالى (أما النسخ) فلان معناه الحقيقي هو رفع الحكم الثابت ولازمه الجهل كما أشرنا قبلا فان الحكم ان كان مشتملا على مصلحة موجبة لتشريعه إلى الأبد فلما ذا ينسخ وإن لم يكن مشتملا على مصلحة كذلك فلما ذا يشرع بنحو التأبيد (وأما البداء) فلان معناه الحقيقي هو ظهور ما خفي عليه (قال) في المجمع بدا له في الأمر إذا ظهر له استصواب شيء غير الأول وهو أيضا يستلزم الجهل وهو منزه عنه جل وعلا (ومن هنا ذهب المصنف) إلى أن النسخ في الأحكام الإلهية لا يكون بمعنى رفع الحكم كي يستلزم الجهل بل بمعنى دفع الحكم أي المنع عن السراية كما في التخصيص غايته أنه في التخصيص يمنع عن سراية الحكم إلى جميع الافراد وفي النسخ يمنع عن سرايته إلى جميع الأزمان وانما اقتضت الحكمة إظهار دوام الحكم واستمراره مع أنه بحسب الواقع لا دوام له ولا استمرار.
(أقول) والتعبير عن النسخ بدفع الحكم مما لا يخلو عن مسامحة فان النسخ وان كان بمنزلة التخصيص غايته أنه في الأزمان لا في الافراد ولكنه ليس بمنزلة التخصيص المتصل كي صح أن يقال انه دفع للحكم بل هو بمنزلة التخصيص المنفصل وهو ليس بدفع والأحسن في التعبير عنه أن يقال ان النسخ بيان أجل الحكم وانتهاء أمده كما في الفصول (قال في الفصل الثاني) من مبحث النسخ اختلفوا في أن النسخ هل هو رفع للحكم الشرعي أو بيان لانتهاء أمده (انتهى) بل سيأتي من المصنف أيضا التعبير عنه بتعيين أمد الحكم وغايته (كما أن التعبير) باقتضاء الحكمة إظهار دوام الحكم واستمراره مع أنه بحسب الواقع لا دوام له ولا استمرار مما لا يخلو أيضا عن حزازة فان الإظهار كذلك أشبه شيء بالكذب غايته أنه عن حكمة ومصلحة والكذب كذلك
336

وإن لم يكن قبيحا على الحكيم ولكنه مع ذلك مما لا يناسبه جل وعلا (مضافا) إلى أنه تعالى لم يظهر دوام الحكم وإنما هو شيء قد استفيد من ظاهر الأمر بطبعه الأصلي نعم هو قد أخفى أمد الحكم ولم يبينه وهذا غير إظهار دوام الحكم واستمراره (والصحيح) في التعبير على نحو لا يرد عليه شيء مما ذكر أن يقال وانما اقتضت الحكمة إخفاء أمد الحكم في بدو الأمر مع أنه بحسب الواقع له أمد وغاية ومن المعلوم أن إخفاء أمد الحكم ليس بكذب ولا شبه كذب هذا محصل الكلام في النسخ (وأما البداء
في التكوينيات) فمجمل الكلام فيه كما سيأتي من المصنف أنه ليس بمعنى ظهور ما خفي عليه بل بمعنى إبداء ما أخفاه في بدو الأمر فهو تعالى يخبر عن وقوع أمر معلق على أمر غير واقع أو على عدم أمر واقع ويخفى التعليق عليه حين الإخبار وان المعلق عليه مما لا يحصل فلا يحصل المعلق وذلك لحكمة مقتضية لذلك ثم يبدي ما أخفاه أو لا فالبداء فيه تعالى إبداء حقيقة لا بداء كما إذا أخبر عن موت شخص معلق موته على عدم التصدق وقد أخفى التعليق عليه حين الإخبار ولم يبين أنه يتصدق ولا يموت وذلك لحكمة مقتضية للإخبار كذلك كالتنبيه على خواص الصدقة وشدة تأثيرها في دفع البلاء ونحو ذلك من المصالح وقد نسب إلى أمير المؤمنين عليه السلام في يوم صفين أنه أخبر عن قتل معاوية وقال لأقتلن اليوم معاوية وأخفى قوله إن شاء الله تعالى قاصدا بذلك تشجيع العسكر وتقوية عزمهم على القتال مع الفئة الباغية والله العالم.
(قوله وإنما اقتضت الحكمة إظهار دوام الحكم واستمراره أو أصل إنشائه وإقراره... إلخ) فالأول للنسخ بعد العمل والثاني للنسخ قبل العمل وقد أشرنا إلى جواز الثاني وإمكانه وسيأتي لذلك مزيد توضيح وبيان فانتظر
(قوله ومن هذا القبيل لعله يكون أمر إبراهيم بذبح إسماعيل... إلخ)
337

أي ومن قبيل عدم اطلاعه على أنه ينسخ في الاستقبال لعدم إحاطته بتمام ما جرى في علمه تبارك وتعالى لعله كان أمر إبراهيم بذبح إسماعيل عليهما السلام
(قوله وحيث عرفت أن النسخ بحسب الحقيقة يكون دفعا وإن كان بحسب الظاهر رفعا فلا بأس به مطلقا ولو كان قبل حضور وقت العمل... إلخ) قد أشرنا فيما تقدم أن النسخ بعد أن كان بمعنى بيان أمد الحكم لا يتفاوت الحال فيه بين أن كان قبل حضور وقت العمل أو بعد حضور وقت العمل غايته أنه إن كان بعد العمل فالأمر الأول كان جديا قد انتهى أمده وإن كان قبل العمل فالأمر الأول كان صوريا قد حصل غايته وقد أشرنا أيضا ان المعالم قد نسب اشتراط حضور وقت العمل في النسخ إلى جمهور أصحابنا وجمع من العامة لا إلى جميع أصحابنا وأن المحقق القمي نسبه إلى أكثر أصحابنا صريحا دون جميعهم ونزيدك في المقام انه (قال في المعالم) وحكى المحقق عن المفيد رحمه الله القول بجوازه قبل حضور وقت العمل وهو مذهب أكثر أهل الخلاف إلى أن ذكر احتجاج المخالف أي المجوز بوجوه عديدة:
(الأول) قوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت فإنه يتناول بعمومه موضع النزاع.
(الثاني) أنه تعالى أمر إبراهيم بذبح ابنه ثم نسخه عنه قبل وقت الفعل (الثالث) ما روى ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر ليلة المعراج بخمسين صلاة ثم راجع إلى أن عادت إلى خمس وذلك نسخ قبل وقت الفعل.
(الرابع) ان المصلحة قد يتعلق بنفس الأمر أو النهي فجاز الاقتصار عليهما من دون إرادة الفعل.
(أقول) والتمسك بهذا الوجوه كلها مما لا بأس به سيما أمر إبراهيم بذبح ابنه (وجواب المعالم) عنه من أنه لم يؤمر بالذبح الذي هو فري الأوداج بل
338

بالمقدمات بدلالة قوله تعالى قد صدقت الرؤيا (مما لا وجه له) فان ظاهر الآية بل صريحها هو الأمر بنفس الذبح وحيث أنه عليه السلام صار بصدد الامتثال وشرع في المقدمات حصل التصديق الرؤيا ولا يكاد يحتاج التصديق إلى حصول ذي المقدمة بنفسه خارجا كي نضطر إلى هذا الجواب (نعم التمسك) بعموم قوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت مما لا يخلو عن مناقشة نظرا إلى أن المسألة عقلية فما لم يثبت الجواز عقلا لم يجز التمسك بالإطلاق خارجا إذ للخصم أن يدعى أنه ممتنع عقلا فلا يشمله الإطلاق وتختص الآية بمقتضى حكم العقل بالنسخ بعد العمل الا أن في بقية الوجوه غنى وكفاية.
(قوله لعدم لزوم البداء المحال في حقه تبارك وتعالى بالمعنى المستلزم لتغير إرادته تعالى مع اتحاد الفعل ذاتا وجهة... إلخ) علة لقوله فلا بأس به مطلقا ولو كان قبل حضور وقت العمل (ثم ان) البداء المحال في حقه تعالى ليس الا بالمعنى الذي قد ذكرناه من ظهور ما خفي عليه فإنه بهذا المعنى مما يستلزم تغير إرادته تعالى مع عدم انقلاب في الفعل عما كان عليه فإنه مع تغير عنوانه وتبدل جهته كالاضطرار أو الإكراه أو الخطاء أو النسيان وما أشبه ذلك مما لا كلام فيه ومن المعلوم أن تغير إرادته مع عدم انقلاب في الفعل عما كان عليه مستلزم للجهل في حقه تعالى وهو منزه عنه جل وعلا.
(قوله والا لزم امتناع النسخ... إلخ) أي وان لزم البداء المحال في حقه تبارك وتعالى لزم امتناع النسخ
(قوله وذلك لأن الفعل أو دوامه لم يكن متعلقا لإرادته... إلخ) علة لعدم لزوم البداء المحال في حقه تبارك وتعالى ثم إن الترديد في قوله لأن الفعل أو دوامه إشارة إلى النسخ قبل العمل وبعده ففي النسخ قبل العمل لم يكن الفعل متعلقا لإرادته ولم يكن الأمر به من جهة اشتماله على المصلحة وانما كان
339

في نفس الأمر به حكمة ومصلحة وفي النسخ بعد الفعل لم يكن دوام الفعل متعلقا لإرادته وانما كان إظهار دوامه لحكمة ومصلحة.
(أقول) قد عرفت منا ان إظهار دوام الحكم مع أنه بحسب الواقع مما لا دوام له ولا استمرار مما لا يخلو عن حزازة وان فرض كونه عن حكمة ومصلحة فإنه أشبه شيء بالكذب كما أشرنا (مضافا) إلى أنه تعالى لم يظهر الدوام وانما هو شيء قد استفيد من ظاهر الأمر بطبعه الأصلي نعم ان الله تعالى قد أخفى غاية الحكم وأمده ولم يظهره في بدو الأمر وهذا ليس بكذب ولا شبه كذب.
(قوله وأما البداء في التكوينيات بغير ذلك المعنى فهو مما دل عليه الروايات المتواترات... إلخ) أقول (أما البداء) في التكوينيات بغير ذاك المعنى المحال في حقه تبارك وتعالى المستلزم للجهل (فقد رواه) في الوافي في باب البداء مسندا عن عمرو بن عثمان الجهني عن أبي عبد الله عليه السلام قال ان الله لم يبدله من جهل (وروى أيضا) في الباب المذكور مسندا عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال ما بدا لله في شيء الا كان في علمه قبل أن يبدو له (وأما أصل وقوع البداء) فلروايات متواترات ذكرها في الباب المذكور أيضا (مثل قوله عليه السلام) ما عبد الله بشيء مثل البداء (أو) ما عظم الله بمثل البداء (أو) ما بعث الله نبيا قط حتى
يقر له بالبداء (أو) ما تنبأ نبي قط حتى يقر لله بخمس بالبداء والمشية والسجود والعبودية والطاعة (أو) ما بعث الله نبيا قط إلا بتحريم الخمر وأن يقر لله بالبداء (أو) لو علم الناس ما في القول في البداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه (أو) إن لله علمين علم مكنون مخزون لا يعلمه إلا هو من ذلك يكون البداء وعلم علمه ملائكته ورسله وأنبيائه فنحن نعلمه (أو) إن الله تعالى عالم بما غاب عن
340

فيما يقدر من شيء ويقضيه في علمه قبل أن يخلقه وقبل أن يقضيه إلى الملائكة فذلك يا حمران علم موقوف إليه فيه المشية فيقضيه إذا أراد ويبدو له فيه فلا يمضيه فاما العلم الذي يقدره الله تعالى ويقضيه ويمضيه فهو العلم الذي انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم إلينا إلى غير ذلك من الأخبار.
(قوله مع علمه بأنه يمحوه أو مع عدم علمه به... إلخ) أي مع علم النبي أو الولي بأنه يمحوه أو مع عدم علمه به.
(قوله وإنما يخبر به لأنه حال الوحي أو الإلهام لارتقاء نفسه الزكية... إلخ) أي وإنما يخبر به النبي أو الولي لأنه حال الوحي أو الإلهام لأجل ارتقاء نفسه الزكية واتصاله بعالم لوح المحو والإثبات اطلع على ثبوته.
(قوله قال الله تبارك وتعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت... إلخ) وعنده أم الكتاب قد ذكر الطبرسي أعلى الله مقامه في تفسير الآية في أواخر الرعد أقوالا عديدة.
(أحدها) أن ذلك في الأحكام من الناسخ والمنسوخ.
(الثاني) أنه يمحو من كتاب الحفظة المباحات وما لا جزاء فيه ويثبت ما فيه الجزاء من الطاعات والمعاصي.
(الثالث) أنه يمحو ما يشاء من ذنوب المؤمنين فضلا فيسقط عقابها ويثبت ذنوب من يريد عقابه عدلا.
(الرابع) أنه عام في كل شيء فيمحو من الرزق ويزيد فيه ومن الأجل ويمحو السعادة والشقاوة ويثبتهما.
(الخامس) أنه في مثل تقتير الأرزاق والمحن والمصائب يثبته في أم الكتاب ثم يزيله بالدعاء والصدقة وفيه حث على الانقطاع إليه سبحانه.
(السادس) أنه يمحو بالتوبة جميع الذنوب ويثبت بدل الذنوب حسنات
341

يبينه قوله الا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات (السابع) أنه يمحو ما يشاء من القرون ويثبت ما يشاء منها كقوله ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين وقوله كم أهلكنا قبلهم من القرون.
(الثامن) أنه يمحو ما يشاء يعنى القمر ويثبت يعنى الشمس وبيانه فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة.
(قوله ربما يوحى إليه حكم من الأحكام تارة بما يكون ظاهرا في الاستمرار والدوام... إلخ) هذا في نسخ الأحكام بعد العمل.
(قوله وأخرى بما يكون ظاهرا في الجد مع أنه لا يكون واقعا بجد بل لمجرد الابتلاء والاختيار... إلخ) هذا في نسخ الأحكام قبل العمل وقد أشرنا إلى ذلك فيما تقدم وان الحكم حينئذ يكون اختباريا صوريا لا جديا واقعيا
(قوله كما أنه يؤمر وحيا أو إلها ما بالأخبار بوقوع عذاب أو غيره مما لا يقع... إلخ) هذا في البداء في التكوينيات أي في الأفعال في قبال النسخ في الأحكام بقسميه من بعد العمل وقبله.
(قوله ويبدي ما خفي ثانيا... إلخ) قوله ثانيا حال لقوله يبدي لا لقوله ما خفي.
(قوله ثم لا يخفى ثبوت الثمرة بين التخصيص والنسخ... إلخ) كان الأنسب ذكر هذه الثمرة قبل صرف الكلام إلى ما هو نخبة القول في النسخ أي بعد الفراغ عن الصور الأربع المتقدمة للخاص والعام المتخالفين (وعلى كل حال) إذا دار الأمر بين النسخ والتخصيص في شيء واحد كما في الخاص المتأخر عن العام المردد حاله بين كونه مخصصا للعام أو ناسخا لعمومه فالثمرة بينهما كما أشرنا لدى التعليق على قوله هذا فيما علم تاريخهما... إلخ أنه على التخصيص يبنى على خروج الخاص عن تحت العام من الأول فلو قال مثلا أكرم العلماء
342

ولم يكرم المكلف فساقهم عصيانا ثم ورد لا تكرم فساق العلماء وبنينا على كونه مخصصا فلا شيء على المكلف سوى التجري بخلاف ما إذا بنينا على كونه ناسخا فيستحق العقاب على المعصية مع وجوب القضاء عليه فعلا إذا كان الواجب مما شرع فيه القضاء (وإذا دار الأمر) بين النسخ والتخصيص في مجموع الخاص والعام كما في الخاص المتقدم بأن قال مثلا لا تكرم فساق العلماء ثم ورد أكرم العلماء حيث يحتمل أن يكون الأول مخصصا للثاني ويحتمل أن يكون الثاني ناسخا للأول فالثمرة بينهما أنه على التخصيص لا يكون فساق العلماء محكوما بحكم العام أصلا وعلى النسخ يكون محكوما بحكم العام من حين صدور دليل العام فيجب إكرام فساقهم كما يجب إكرام عدو لهم.
في المطلق والمقيد وبيان تعريف المطلق
(قوله المقصد الخامس في المطلق والمقيد والمجمل والمبين فصل عرف المطلق بأنه ما دل على شايع في جنسه... إلخ) هذا التعريف على ما يظهر من المحقق القمي هو لأكثر الأصوليين (وعرفه هو) بأنه حصة محتملة الصدق على حصص كثيرة مندرجة تحت جنس ذلك الحصة (وعرفه المعالم) بأنه حصة محتملة لحصص كثيرة مما يندرج تحت أمر مشترك (ويظهر من الفصول) أن أصل التعريف بالحصة من العضدي (وعلى كل حال) يرد عليه أن التعبير بالحصة مما يلائم النكرة لا جميع المطلقات كاسم الجنس وما بحكمه من علم الجنس والمعرف بلام الجنس كالتمر الصادق على القليل والكثير والواحد وأكثر (ثم ان) ها هنا تعريفا آخر للمطلق (قال في التقريرات) وعرفه جماعة منهم الشهيد بأنه اللفظ الدال على الماهية من حيث هي هي (وقال المحقق
343

القمي) ويظهر من جماعة منهم أنه ما يراد به الماهية منهم الشهيد الثاني في تمهيد القواعد حيث قال في مقام الفرق بين المطلق والعام أن المطلق هو الماهية لا بشرط شيء والعام هو الماهية بشرط الكثرة المستغرقة.
(أقول) قد تقدم منا في صدر بحث العام والخاص عند ذكر أقسام العموم أن كلا من العام والمطلق عبارة عما استغرق جميع مصاديقه غير أن العام يستغرق بنحو العطف (بواو) فأكرم كل عالم أي أكرم هذا العالم وذلك العالم وذاك العالم وهكذا والمطلق يستغرق بنحو العطف (بأو) فأعتق رقبة أي أعتق هذه الرقبة أو تلك الرقبة وهكذا في كل التمر واشرب الماء ونحو ذلك (وعليه) فلا نحتاج في المقام إلى ذكر تعريف آخر للمطلق على حده غير ما تقدم هناك وعرفت.
(قوله وقد أشكل عليه بعض الاعلام بعدم الاطراد أو الانعكاس... إلخ) المستشكل هو صاحب الفصول (قال قدس سره) فصل المطلق ما دل على معنى شايع في جنسه شيوعا حكميا (ثم ساق الكلام) إلى أن قال ويخرج بقولنا شيوعا حكميا ألفاظ العموم البدلي كمن في الاستفهام فإنه وان دل على معنى شايع في أفراد جنسه أعني جنس العاقل مثلا الا ان شيوعه وضعي لا حكمي والقوم قد أهملوا هذا القيد فيرد ذلك على طردهم (إلى ان قال) لكن يخرج عن الحد مثل المفرد المعرف والمنكر حيث يؤخذان باعتبار العموم الشمولي بقرينة حكمة أو مقام لعدم دلالتهما على حصة شائعة بل جميع الحصص.
(أقول) قد عرفت منا في صدر العام والخاص عند ذكر أقسام العموم ان المدار في العموم والإطلاق ليس على الاستناد إلى الوضع وعدمه بحيث إذا كان الاستغراق مستندا إلى الوضع فهو عموم والا فهو إطلاق بل المدار
344

كما أشير آنفا على كيفية الاستغراق فان كان بنحو العطف بواو فهو عموم ولو كان بالحكمة كما في أحل الله البيع والا فهو إطلاق ولو كان بالوضع كما في من وما وأي الشرطية أو الاستفهامية أو الموصولة (وعليه) فلا وجه للإشكال في طرد التعريف بألفاظ العموم البدلي ولا للإشكال في عكس التعريف بعموم المفرد المعرف المستفاد من الحكمة أو عموم المنكر المستفاد من مقام الامتنان كما في قوله تعالى وأنزلنا من السماء ماء طهورا على ما مثل به الفصول بعد الفراغ عن حدود العام وتعاريفه فان دخول العموم البدلي في التعريف وخروج المفرد المعرف والمنكر عنه هو في محله فان الأول إطلاق والثاني عموم (هذا مضافا) إلى ما أورده المصنف عليه بقوله وقد نبهنا في غير مقام على أن مثله شرح الاسم وهو مما يجوز أن لا يكون بمطرد ولا بمنعكس.
(قوله وقد نبهنا في غير مقام على أن مثله شرح الاسم... إلخ) قد نبه على ذلك في المطلق والمشروط وفي صدر العام والخاص وفي غيرهما وقد أوضحنا الفرق بين التعريف الحقيقي واللفظي المسمى بشرح الاسم كما هو حقه سيما في الموضع الثاني وان اللفظي هو لحصول المير في الجملة فلا ينبغي النقض والإبرام فيه بعدم الطرد تارة وبعدم العكس أخرى فراجع.
(قوله وهو مما يجوز أن لا يكون بمطرد ولا منعكس... إلخ) فتعريف السعدانة بأنه نبت لا طرد له لكونه أعم يشمل غيرها وتعريف الإنسان بأنه عاقل لا عكس له لكونه أخص لا يشمل المجنون.
(قوله أو من غيرها مما يناسب المقام... إلخ) أي من غير الألفاظ التي يطلق عليها المطلق كالمفرد المعرف بلام الاستغراق أو لام العهد بأقسامه أو النكرة بالمعنى الأول الذي ستعرفه مثل قوله وجاء رجل من أقصى المدينة وسيأتي تفصيل معنييها جميعا.
345

(نعم) اسم الجنس وعلم الجنس والمعرف بلام الجنس إذا لم يكن للعموم بوسيلة مقدمات الحكمة كما في أحل الله البيع والنكرة بالمعنى الثاني كما في جئني برجل يكون من المطلق ويصح إطلاق المطلق على الجميع كما سيأتي التصريح به من المصنف بعد الفراغ عن النكرة فانتظر.
في اسم الجنس
(قوله فمنها اسم الجنس كإنسان ورجل وفرس وحيوان وسواد وبياض... إلخ) وقد يفرق بين الجنس واسم الجنس فيقال إن الجنس هو الطبيعة واسم الجنس هو اللفظ الدال عليها (قال المحقق القمي) في القانون الثالث من العام والخاص (ما لفظه) فاعلم أن المراد من الجنس هو الطبيعة الكلية المقررة في نفس الأمر مع قطع النظر عن وضع لفظ له فمفهوم الرجل بمعنى ذات ثبت له الرجولية الذي هو مقابل مفهوم المرأة هو الجنس ولا يعتبر في تحقق مفهومه وحدة ولا كثرة بل ويتحقق مع الواحد وما فوقه والقليل والكثير ولفظ رجل اسم يدل على ذلك الجنس (انتهى) وهو جيد (وقال في الفصول) في الفصل الثاني من العام والخاص (ما لفظه) الرابع يفترق اسم الجنس عن الجنس على ما اخترناه افتراق الاسم عن المسمى (انتهى) ومرجعه إلى ما أفاده المحقق القمي رحمه الله.
(قوله بل العرضيات... إلخ) مراد المصنف من العرضيات هي الأمور الانتزاعية التي ليس بحذائها شيء في الخارج سوى منشأ انتزاعها وتكون هي من خارج المحمول كالفوقية والتحتية والزوجية والرقية ونحو ذلك في قبال الأعراض وهي الأمور المتأصلة القائمة بالموضوع كالسواد والبياض والعلم
346

والجهل والقوة والضعف ونحو ذلك وهذا على خلاف الاصطلاح فان العرضي عند أهل المعقول هو المشتق في قبال العرض أي المبدأ وقد تقدم تفصيل ذلك في أوائل المشتق عند التعليق على قوله ثم إنه لا يبعد أن يراد بالمشتق... إلخ فراجع.
(قوله ولا ريب انها موضوعة لمفاهيمها بما هي هي مبهمة مهملة... إلخ) وتوضيحه أن الماهية كالإنسان والرجل والمرأة ونحو ذلك من الماهيات (تارة) تلحظ بما هي هي مبهمة مهملة من دون أن يلحظ معها شيء حتى لحاظ انها لا بشرط وهذا يسمى باللا بشرط المقسمي.
(وأخرى) تلحظ بما هي هي مبهمة مهملة لكن مع لحاظ انها لا بشرط وهذا يسمى باللا بشرط القسمي فالفرق بين المقسمي والقسمي بعد كون كل منهما لا بشرط أن في الأول ليس مع الماهية لحاظ اللا بشرطية وفي الثاني قد لوحظت اللا بشرطية مع الماهية (وقد أشار في التقريرات) إلى الفرق المذكور بقوله وملخصه أن القسم يمايز
المقسم بالالتفات إلى أنه في تلك الحالة كذلك وهو غير ملتفت به في المقسم (انتهى).
(وثالثة) تلحظ مقيدة بوجود خصوصية معها من العلم أو العدالة أو الإيمان أو الطول أو القصر ونحو ذلك وهذا يسمى بالماهية البشرط شيء.
(ورابعة) تلحظ مقيدة بعدم خصوصية معها وهذا يسمى بالماهية البشرط لا (ثم إن من تمام) ما ذكر إلى هنا يظهر أن المراد من اللا بشرطية وبشرطية اللا في المقام ليس هو اللا بشرطية وبشرطية اللا بمعنى عدم الإباء عن الحمل والإباء عنه كما تقدم في الفرق بين المشتق ومبدئه بل بين الجنس والفصل وبين المادة والصورة فالمشتق لا بشرط أي بمفهومه غير آب عن الحمل والمبدأ بشرط لا أي بمفهومه آب عنه وهكذا الأمر في الجنس والفصل والمادة
347

والصورة فكل من الجنس والفصل لا بشرط أي بمفهومه قابل للحمل وكل من المادة والصورة بشرط لا أي بمفهومه غير قابل للحمل بل المراد من اللا بشرطية وبشرطية اللا في المقام هو بلحاظ الطواري والعوارض الخارجية مع حفظ مفهوم واحد على ما تقدم تفصيل الكل في أواخر المشتق فراجع (ثم ان) حاصل مقصود المصنف هنا أن أسماء الكليات أي أسامي الأجناس بجواهرها وأعراضها بل وعرضياتها موضوعة للماهيات بما هي هي مبهمة مهملة التي هي لا بشرط مقسمي لا لها بشرط الشياع والسريان التي هي بشرط شيء ولا لها مع لحاظ انها لا بشرط التي هي لا بشرط فسمي بحيث كان اللحاظ جزء الموضوع له وذلك لوضوح صدق أسامي الأجناس على مصاديقها كما في قولك زيد إنسان أو عمرو حيوان ونحو ذلك من القضايا من دون عناية التجريد عما هو قضية الاشتراط بالإرسال أو التقييد باللحاظ فلو كانت موضوعة لها بشرط الشياع والإرسال أو لها بقيد لحاظ كونها لا بشرط لما صح حملها إلا مع التجريد لبداهة عدم صدق الماهية بشرط الشياع على فرد من الأفراد وهكذا الماهية مع لحاظ كونها لا بشرط إذ المقيد باللحاظ لا موطن له الا في الذهن فكيف يتحد مع الخارجيات ويصدق عليها.
(أقول) هذا مضافا إلى ما ستعرفه في علم الجنس من أن الوضع لمعنى مقيد يحتاج إلى التجريد عند الحمل لغو لا يصدر عن جاهل فضلا عن الحكيم ومضافا إلى أن الوضع لمعنى مركب من اللحاظ مما يوجب تعدد اللحاظ عند الاستعمال أحدهما يكون جزء الموضوع له والآخر متعلقا بالمجموع بداهة أن تصور المستعمل فيه مما لا بد منه في استعمال الألفاظ كما تقدم ذلك في الحروف مفصلا وهو كما ترى (ثم ان) في وضع أسامي الأجناس أقوال ثلاثة.
(أحدها) ما عرفته من المصنف وهو خيرة المحققين (قال في الفصول)
348

في الفصل الثاني من العام والخاص (ما لفظه) الحق أن اسم الجنس كرجل مجردا عن اللواحق موضوع للماهية من حيث هي وعليه المحققون (انتهى) ومقصوده من اللواحق هو اللام والتنوين والألف والنون أي علامة التثنية ونحو ذلك (ثانيها) ما نسب إلى المشهور من وضع اسم الجنس الذي هو أم المطلقات لما قيد بالشياع والسريان بحيث كان الشياع والسريان جزء المدلول ولكن سيأتي ذيل النكرة تصريح المصنف بان الكلام في صدق النسبة وأنه لم يعلم ذلك منهم.
(ثالثها) أن يكون اسم الجنس موضوعا للفرد المنتشر بحيث لا يبقى فرق بينه وما سيأتي من النكرة بالمعنى الثاني وهي الطبيعة المقيدة بالوحدة (قال في الفصول) بعد عبارته المتقدمة (ما لفظه) وقيل بل موضوع للفرد المنتشر وهو مردود بشهادة التبادر على خلافه (انتهى) هذا ملخص الأقوال في اسم الجنس وقد عرفت أن الحق فيه هو الأول تبعا للمصنف وعامة المحققين
(قوله الذي هو المعنى بشرط بشيء... إلخ) صفة للملحوظ معه شيء فلا تغفل.
(قوله ولا الملحوظ معه عدم لحاظ شيء معه الذي هو الماهية اللا بشرط القسمي... إلخ) فيه من سوء التعبير ما لا يخفى والصحيح أن يقال هكذا ولا الملحوظ معه اللا بشرطية بحيث كان أحد جزئي الموضوع له ذات المعنى والجزء الآخر لحاظه لا بشرط.
(قوله وذلك لوضوح صدقها بما لها من المعنى بلا عناية التجريد... إلخ) دليل لقوله وبالجملة الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى وصرف المفهوم الغير الملحوظ معه شيء أصلا... إلخ وقد عرفت شرح الدليل آنفا فلا نعيد.
349

(قوله مع بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم على فرد من الأفراد... إلخ) هذا من متممات قوله المتقدم وذلك لوضوح صدقها... إلخ وليس هو دليلا مستقلا برأسه والمعنى هكذا أي وذلك لوضوح صدقها بما لها من المعنى بلا عناية التجريد فلو كانت موضوعة للمعنى بشرط الإرسال والعموم البدلي أو مع قيد لحاظ اللا بشرطية لم يصح صدقها بلا عناية التجريد لبداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم على فرد من الافراد وكذا المفهوم المقيد بلحاظ اللا بشرطية فان المقيد باللحاظ لا موطن له الا في الذهن.
(قوله وان كان يعم كل واحد منها بدلا أو استيعابا... إلخ) فان المفهوم بشرط العموم وإن لم يصدق على فرد من الافراد ولكنه يعم كل واحد منها بدلا كما في أعتق رقبة أو استيعابا كما في أحل الله البيع.
(قوله وكذا المفهوم اللا بشرط القسمي... إلخ) عطف على قوله المفهوم بشرط العموم أي مع بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم وكذا المفهوم اللا بشرط القسمي.
(قوله فإنه كلي عقلي لا موطن له الا في الذهن... إلخ) وفيه ما لا يخفى فان المفهوم بمجرد تقيده باللحاظ لا يكاد يكون كليا عقليا وان كان حاله حال الكلي العقلي في عدم الصدق على الخارجيات وفي كونه مما لا موطن له الا في الذهن فان الكلي العقلي هو الكلي الطبيعي المقيد بالكلي المنطقي كالإنسان المقيد بالكلية أي بالصدق على كثيرين وليس هو المقيد باللحاظ وقد تقدم من المصنف نظير ذلك في المعاني الحرفية فزعم أن المعنى الحرفي بمجرد تقيده باللحاظ الذهني يكون كليا عقليا وقد عرفت تفصيل الكلام هناك فراجع.
350

في علم الجنس
(قوله ومنها علم الجنس كأسامة والمشهور بين أهل العربية أنه موضوع للطبيعة لا بما هي هي بل بما هي متعينة بالتعين الذهني... إلخ) (قال المحقق القمي) في القانون الثالث في العام والخاص (ما هذا لفظه) وأما الفرق بين علم الجنس واسم الجنس فهو أن علم الجنس قد وضع للماهية المتحدة مع ملاحظة تعينها وحضورها في الذهن كأسامة فقد تراهم يعاملون معها معاملة المعارف بخلاف اسم الجنس فان التعيين والتعريف انما يحصل فيه بالآلة مثل الألف واللام فالعلم يدل عليه بجوهره واسم الجنس بالآلة انتهى (وقال في الفصول) في جملة ما أفاده في الفصل الثاني من العام والخاص (ما هذا لفظه) وعلى قياسه علم الجنس كأسامة فإنها موضوعة للماهية المعينة باعتبار تعينها الجنسي أو الذهني ولهذا تعد معرفة ويعامل معها معاملتها وبه يفرق بينه وبين اسم الجنس الموضوع للماهية المعينة لا باعتبار تعينها كأسد ولا فرق بين علم الجنس والمعرف بلام الجنس إلا أن التعريف في الأول ذاتي وملحوظ في وضع الكلمة وفي الثاني عارضي وطار على الكلمة بضميمة أمر خارج وأن الثاني يتضمن الإشارة إلى الماهية بخلاف الأول هذا على ما نراه من أن المعتبر في المعرف بلام الجنس وعلمه هو التعين الجنسي لكن المتداول في كتب القوم وغيرهم أن المعتبر فيها التعين الذهني حيث صرحوا بان أسدا أي بدون اللام يدل على الماهية الحاضرة في الذهن لكن لا باعتبار حضورها وتميزها فيه ولفظ الأسد أي مع اللام وأسامة يدلان عليها باعتبار حضورها وتميزها فيه وهذا أيضا لا يخلو من وجه الا أن الأول أسد وأقرب إلى الاعتبار (انتهى)
351

(أقول) ومحصل الكل أن الفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس عند أهل العربية أن اسم الجنس موضوع لنفس الطبيعة بما هي هي ولكن علم الجنس موضوع للطبيعة بما هي متعينة متميزة في الذهن من بين ساير الأجناس بحيث ما لم يلحظ المعنى كذلك لم يكن مفاد علم الجنس.
(قوله لكن التحقيق أنه موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شيء معه أصلا... إلخ) (وحاصل تحقيق المصنف) أن حال علم الجنس كحال اسم الجنس عينا موضوع لنفس المعنى بما هو هو بلا لحاظ تعينه وتميزه في الذهن من بين ساير المعاني أصلا ليكون معرفة بسببه وأما التعريف فيه فلفظي أي يعامل معه معاملة المعرفة من جواز الابتداء به ونحوه لا حقيقي معنوي وهذا نظير التأنيث اللفظي فيعامل معه معاملة المؤنث من حيث إرجاع الضمير والتوصيف وأشباه ذلك من دون أن يكون مؤنثا حقيقيا والا بان كان علم الجنس موضوعا للمعنى مع لحاظ تعينه وتميزه في الذهن من بين ساير المعاني كما هو المشهور بين أهل العربية لما صح حمله على الأفراد بلا تصرف وتجريد فان المركب من اللحاظ أو المقيد به لا موطن له الا في الذهن فكيف يجوز حمله على الخارجيات ويتحد معها ما لم يجرد عن اللحاظ ومن المعلوم أن التصرف بالتجريد هو لا يخلو عن تعسف وتكلف (وقد أشار) إلى هذا الإيراد الأول بقوله والا لما صح حمله على الأفراد بلا تصرف وتأويل... إلخ (هذا مضافا) إلى أن الوضع لمعنى مركب أو مقيد يحتاج إلى التجريد عن الجزء أو القيد عند الاستعمال لا يكاد يصدر عن جاهل فضلا عن الواضع الحكيم (وقد أشار) إلى هذا الإيراد الثاني بقوله مع أن وضعه لخصوص معنى يحتاج إلى تجريده... إلخ (ثم ان صاحب الفصول رحمه الله) قد أشار إلى الإيراد الأول وتفصى عنه بما مرجعه إلى التجريد مع الاعتراف بما فيه
352

من التعسف (قال) بعد كلامه المتقدم بيسير (ما هذا لفظه) فان قلت إذا كان كل من علم الجنس والمعرف بلامه عبارة عن الماهية والحاضرة في الذهن باعتبار حضورها وتميزها فيه كما يقولون لكان معنى أكرم الرجل أكرم الماهية الحاضرة في الذهن باعتبار حضورها وتميزها ولكان معنى رأيت أسامة رأيت الماهية الحاضرة في الذهن باعتبار حضورها فيه وظاهر أن الماهية باعتبار حضورها في الذهن مما لا يصلح لتعلق الإكرام والرؤية به وعلى قياسه ساير الموارد قلت يمكن التفصي عنه بان ملاحظة الماهية باعتبار في إطلاق اللفظ عليه لا يوجب أن يكون الحكم عليها بذلك الاعتبار فيجوز أن يلاحظ الماهية باعتبار حضورها في الذهن ويحكم عليها باعتبار آخر وفيه تعسف (انتهى) (أقول) من الممكن أن يقال إن اسم الجنس وعلم الجنس هما موضوعان لمعنى واحد ولكن اللحاظ مما لا بد منه في حال الاستعمال بلا كلام فان لوحظ المعنى بما هو هو فوضع اسم الجنس ليستعمل فيه وان لوحظ بما هو متميز ومتعين من بين ساير المعاني والأجناس فوضع علم الجنس ليستعمل فيه فاللحاظ في كل منهما خارج عن متن المعنى ويكون من مسوغات الاستعمال كما قال بذلك المصنف عينا في الفرق بين الاسم والحرف (وعليه) فيمتاز علم الجنس عن اسم الجنس من دون أن يرد عليه شيء من إيرادي المصنف أصلا ولعل مراد المشهور من أهل العربية في الفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس هو ذلك غير أن هذا كله أمر جائز ثبوتا ولا دليل عليه إثباتا الا إذا ادعى في علم الجنس انسباق التميز والتعين من بين ساير الأجناس كما ليس ببعيد فيحمل على ما ذكرنا ولا شيء عليهم فتأمل جيدا.
(قوله والا لما صح حمله على الأفراد... إلخ) إشارة إلى الإيراد الأول على مقالة المشهور من أهل العربية كما أشير آنفا.
353

(قوله لأنه على المشهور كلي عقلي... إلخ) وفيه ما عرفته آنفا قبيل الشروع في علم الجنس من أن المعنى بمجرد كونه مما لا موطن له الا في الذهن لا يكون كليا عقليا وان كان حاله كحاله في عدم الصدق على الخارجيات.
(قوله ضرورة أن التصرف في المحمول بإرادة نفس المعنى بدون قيده تعسف... إلخ) هذا من متممات الإيراد الأول والمعنى هكذا لكن التحقيق أن علم الجنس موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شيء معه والا لما صح حمله على الأفراد بلا تصرف وتأويل ومن الضروري أن التصرف في المحمول بإرادة نفس المعنى بدون قيده تعسف لا يمكن الالتزام به.
(قوله مع أن وضعه لخصوص معنى... إلخ) إشارة إلى الإيراد الثاني على مقالة المشهور من أهل العربية كما أشير آنفا أيضا.
في المفرد المعرف باللام
(قوله ومنها المفرد المعرف باللام... إلخ) أي بلام الجنس فالمعرف بلام الاستغراق أو العهد بأقسامه بل المعرف بلام الجنس أيضا إذا أفاد العموم بمقدمات الحكمة
كما في أحل الله البيع ليس من المطلق كما تقدمت الإشارة إليه ويأتي أيضا.
(قوله والمشهور أنه على أقسام... إلخ) قد عرفت أقسام اللام في صدر العام والخاص وانها على أنحاء (زائدة) وهي الداخلة على بعض الأعلام كالحسن والحسين (وموصولة) وهي الداخلة على أسماء الفاعلين والمفعولين (وحرف تعريف) وإشارة وهي الداخلة على الجمع المنكر والمفرد المنكر وان التي للتعريف والإشارة هي على نوعين (عهدية) بأقسامها الثلاثة فتكون
354

للإشارة إلى المذكور في الكلام أو الحاضر في مجلس الخطاب أو المعهود في ذهن المخاطب (وجنسية) بقسميها فتكون للاستغراق والإشارة إلى الأفراد الخارجية أو للإشارة إلى الجنس والطبيعة والماهية فراجع.
(قوله والظاهر أن الخصوصية في كل واحد من الأقسام... إلخ) وحاصله أن خصوصية الجنس أو الاستغراق أو العهد بأقسامه انما هي مستفادة من اللام كما هو المشهور عند أهل العربية أو من قرائن المقام كما سيأتي من المصنف بنحو تعدد الدال والمدلول فمدخول اللام يدل على ما وضع له اللفظ واللام أو قرائن المقام تدل على الجنس أو الاستغراق أو العهد بأقسامه لا بإرادتها من المدخول منضما إلى معناه الموضوع له كي يلزم التجوز أو الاشتراك اللفظي.
(قوله والمعروف أن اللام تكون موضوعة للتعريف ومفيدة للتعيين... إلخ) فإنها إذا أشير بها إلى الجنس والماهية أو إلى الأفراد بنحو الاستغراق والاستيعاب أو إلى الفرد المذكور أو الحاضر أو المعهود فقد أفادت التعيين وهو معنى كونها موضوعة للتعريف (وقد أورد عليه المصنف) بعد ما جعل محط كلامه خصوص لام الجنس بما حاصله أنه لا معنى لكون اللام لتعريف الجنس الا كونها إشارة إلى المعنى المتميز في الذهن من بين ساير المعاني ولازم ذلك أن لا يصح حمل المعرف باللام على الفرد كما في قوله تعالى ان شانئك هو الأبتر فان المقيد بالتميز في الذهن لا موطن له الا في الذهن ولا يكاد يتحد مع الخارجيات ويحمل عليها الا بالتجريد وهو تعسف كما تقدم في علم الجنس (وقد أشار) إلى هذا الإيراد بقوله ولازمه أن لا يصح حمل المعرف باللام إلى قوله الا بالتجريد... إلخ (هذا مضافا) إلى أن الوضع لمعنى مقيد يحتاج عند الحمل إلى التجريد عن القيد لغو عبث لا يكاد يصدر عن جاهل فضلا عن
355

الواضع الحكيم كما تقدم في علم الجنس أيضا (وقد أشار) إلى هذا الإيراد بقوله هذا مضافا إلى أن الوضع لما لا حاجة إليه إلى قوله كان لغوا كما أشرنا إليه... إلخ (أقول) ويمكن التفصي عن ذلك بان اللام موضوعة للإشارة إلى نفس المعنى بما هو لا إلى المعنى المتميز في الذهن من بين ساير المعاني فان المفروض أن اسم الجنس موضوع لنفس المعنى بما هو هو واللام موضوعة عندهم للإشارة فيكون مفاد المجموع أي المعرف بلام الجنس هو الإشارة إلى نفس المعنى بما هو هو فمن أين جاء قيد التميز الذهني المانع عن صحة الحمل الا بالتجريد (نعم) الإشارة إلى المعنى مما يستدعى حضوره في الذهن وتميزه فيه من بين ساير المعاني فتوجب التعيين والتعريف وهذا بعينه موجود في أسماء الإشارة والضمائر أيضا من غير فرق بينهما وبين اللام أصلا تقول زيد هذا أو عمرو هو فتكون لفظة هذا أو هو إشارة إلى نفس المعنى بما هو هو والإشارة إليه مما تستدعى حضوره في الذهن وتميزه فيه من بين ساير المعاني من دون أن تكون هي إشارة إلى المعنى المتميز في الذهن بهذا القيد كي يمتنع حملها على الخارجيات (وعلى هذا كله) فلا محذور عقلا في كون اللام ثبوتا للتعريف والإشارة ويبقى في المقام وجود ما دل عليه إثباتا وستأتي الإشارة إليه فانتظر
(قوله في غير العهد الذهني... إلخ) بل وحتى في العهد الذهني غايته انها مفيدة للتعريف والتعيين للمخاطب خاصة من جهة معهودية المعنى في ذهنه لا في ذهن غيره.
(قوله ولازمه أن لا يصح حمل المعرف باللام... إلخ) إشارة إلى الإيراد الأول على مقالة المشهور كما أشير آنفا.
(قوله ومعه لا فائدة في التقييد... إلخ) بل يكون لغوا جدا كما سيأتي التصريح به في الإيراد الثاني الذي يشير إليه بقوله هذا مضافا إلى أن
356

الوضع لما لا حاجة إليه إلى قوله كان لغوا ومن هنا يعرف أن ذكر هذه العبارة في وسط هذا الإيراد الأول مما لا يناسب.
(قوله مع أن التأويل والتصرف في القضايا المتداولة في العرف غير خال عن التعسف... إلخ) قد يتخيل أن هذا إيراد مستقل وليس كذلك بل هو من متممات الإيراد الأول الذي قد أشار إليه بقوله ولازمه أن لا يصح حمل المعرف باللام... إلخ أي ولازمه أن لا يصح حمل المعرف باللام على الأفراد إلا بالتجريد والتجريد في القضايا المتداولة في العرف مما لا يخلو عن التعسف.
(قوله هذا مضافا إلى أن الوضع لما لا حاجة إليه... إلخ) إشارة إلى الإيراد الثاني على مقالة المشهور كما أشير آنفا أيضا.
(قوله فالظاهر أن اللام مطلقا تكون للتزيين كما في الحسن والحسين... إلخ) تفريع على ما أورده المصنف على مقالة المشهور من كون اللام موضوعة للتعريف ومفيدة للتعيين فان اللام إذا لم تكن للتعريف لما فيه من المحذورين المتقدمين كانت هي لمجرد التزيين قهرا كما في الداخلة على بعض الأعلام كالحسن والحسين والعباس والقاسم ونحو ذلك واستفادة الخصوصيات من الجنس والاستغراق والعهد بأقسامه تكون بالقرائن (وفيه) بعد ما عرفت من عدم المحذور فيه ثبوتا أن تبادر الإشارة منها إما إلى الأفراد الخارجية كما في جمع الأمير الصاغة أو إلى الجنس والماهية كما في الرجل خير من المرأة أو إلى الفرد الحاضر أو المذكور أو المعهود كما في جاء الرجل مما يقضى إثباتا بعدم كونها لمجرد التزيين.
(قوله ولو قيل بإفادة اللام للإشارة إلى المعنى... إلخ) كلمة ولو وصلية أي واستفادة تلك الخصوصيات إنما تكون بالقرائن ولو قيل بإفادة
357

اللام للإشارة إلى المعنى فان اللام على هذا القول تكون مشتركة بين تلك الخصوصيات من الجنس والاستغراق والعهد بأقسامه ومع الاشتراك لا بد من قرائن تتعين بها تلك الخصوصيات ومن المعلوم أن مع وجود تلك القرائن لا حاجة إلى الالتزام بكون اللام للإشارة لو لم تكن مخلة وقد عرفت إخلالها لما يلزم منها من المحذورين
المتقدمين.
(قوله وأما دلالة الجمع المعرف باللام على العموم... إلخ) رد على الفصول وتفصيله انه (قال) رحمه الله في العام والخاص (ما هذا لفظه) فصل الجمع المعرف يقتضى العموم حيث لا عهد وعليه محققو مخالفينا ولا خلاف فيه بين أصحابنا على ما حكاه بعضهم (إلى أن قال) ثم هنا مباحث لا بد من التنبيه عليها الأول أن إفادة الجمع المعرف للعموم ليست لكون اللام فيه موضوعة للعموم كما سبق إلى أوهام كثير من القاصرين ولا لكون المركب من الجمع والأدوات موضوعا بوضع نوعي لذلك كما توهمه بعض المعاصرين بل لعدم تعين شيء من مراتب الجمع عند الإطلاق بحيث يصلح لأن يشار إليه لدى السامع سوى الجميع فيتعين للإرادة انتهى (فيقول المصنف) إن دلالة الجمع المعرف باللام على العموم بعد وضوح عدم دلالة المدخول على شيء من تلك الخصوصيات أي الجنس والاستغراق والعهد بأقسامه ليست هي لدلالة اللام على الإشارة إلى المرتبة المستغرقة للجميع كما ادعى في الفصول بتخيل عدم تعين شيء من مراتب الجمع عند الإطلاق سوى الجميع فيتعين للإرادة وذلك لتعين المرتبة الأخرى منها وهي أقل مراتب الجمع بل دلالته على العموم هي لوضع الجمع المعرف باللام من حيث المجموع للعموم وإن لم يكن اللام وحدها ولا الجمع وحده للعموم (وقد أخذ المصنف) هذا المعنى من المحقق القمي أعلى الله مقامه فإنه الذي التزم في الجمع المحلى باللام في العام
358

والخاص بوضع مستقل من حيث المجموع للعموم الأفرادي ومن هنا يظهر أن مراد الفصول من بعض المعاصرين هو المحقق القمي.
(أقول) ولعمري أن الالتزام بوضع الجمع المحلى باللام من حيث المجموع للعموم ليس إلا من ضيق الخناق والحق أن إفادته العموم هي لأجل كون اللام للإشارة كما هو المعروف المشهور لكن لا لعدم تعين شيء من مراتب الجمع عند الإطلاق فيتعين الجميع كما أفاد صاحب الفصول بل لكون اللام بنفسها للإشارة إلى جميع الأفراد ويسمى هذا القسم بلام الاستغراق حتى قيل في تعريفها وهي التي تخلفها لفظة كل حقيقة كما أن منها للإشارة إلى أفراد مخصوصة ويسمى بلام العهد بأقسامه من الذكرى والحضوري والذهني ومنها للإشارة إلى مجرد الجنس والماهية من دون الذكرى والحضوري والذهني ومنها للإشارة إلى مجرد الجنس والماهية من دون نظر إلى الأفراد الخارجية ويسمى بلام الجنس على ما تقدم تفصيل الكل في بحث العام والخاص فراجع
(قوله وإن أبيت الا عن استناد الدلالة عليه إليه... إلخ) وحاصله ان دلالة الجمع المعرف باللام على العموم مستندة إلى وضعه من حيث المجموع للعموم وإن أبيت الا عن استناد الدلالة عليه إلى اللام فلا محيص عن دلالة اللام على الاستغراق بلا توسيط الدلالة على الإشارة ليكون بسببها التعيين والتعريف الحقيقي بل ليس التعريف فيه الا لفظيا كما تقدم في علم الجنس يعامل معه معاملة المعرفة من جواز الابتداء به ونحوه.
(أقول) ان معنى وضع اللام للاستغراق بلا توسيط الإشارة هو أن تكون اللام موضوعة لما يرادف لفظة كل وهو كما ترى ضعيف فان التي للاستغراق وان صح أن يخلفها لفظة كل حقيقة كما أشير آنفا ولكن ليس معناه أن مفهومها عين مفهوم لفظة كل بل مفهومها بمقتضى التبادر هو الإشارة إلى الأفراد الخارجية بأجمعها فتؤدي ما تؤديه لفظة كل فتأمل جيدا.
359

في النكرة
(قوله ومنها النكرة مثل رجل في وجاء رجل من أقصى المدينة أو في جئني برجل... إلخ) قد عرفت أن اسم الجنس موضوع للماهية بما هي هي مبهمة مهملة المسماة باللا بشرط المقسمي ليس فيه قلة ولا كثرة ولا وحدة ولا تعدد (وأما النكرة) فهي عين اسم الجنس إذا دخل عليه تنوين التنكير وأفاد الوحدة فإذا كان اسم الجنس غير منصرف كصفراء وحمراء أو كان منصرفا ودخل عليه اللام كالإنسان والحيوان أو كان مبنيا لا معربا كقبل وبعد أو كان معربا ولكن قرأ بالسكون ولم يدخل عليه التنوين أو دخل عليه التنوين ولم يفد الوحدة كتنوين التمكن الذي به يتم الاسم ويكون لمحض الدلالة على أن الاسم معرب لا مبنى ولا غير منصرف كما في قولك هذا رجل لا امرأة على ما مثل به المحقق القمي رحمه الله أو غلام لا جارية ففي جميع ذلك كله لا يكون اسم الجنس نكرة (وأما إذا دخل) عليه تنوين التنكير وأفاد الوحدة كما في قولك جاءني رجل لا رجلان فهو النكرة في الاصطلاح (وقد يطلق النكرة) على جميع ذلك كله سوى المعرف باللام في قبال المعارف كالضمائر والأعلام ونحوهما فالأول نكرة بالمعنى الأخص والثاني نكرة بالمعنى الأعم ويستفاد ذلك من كلام الفصول أيضا (قال في الفصل الثاني) من العام والخاص (ما هذا لفظه) وتوضيح المرام أن لاسم الجنس في صحيح الاستعمال حالات إحداها أن يتجرد عن جميع اللواحق كما إذا كان غير منصرف (إلى أن قال) الثانية أن يلحقه تنوين التمكن وهو يفيد تمامية الاسم فقط (إلى أن قال) الثالثة أن يلحقه تنوين التنكير ويسمى حينئذ نكرة وقد يطلق النكرة على
360

يتناول الأقسام الثلاثة (انتهى) (وعلى كل حال) إن النكرة في الاصطلاح هي اسم الجنس إذا دخل عليه التنوين وأفاد الوحدة ولها معنيان وإن شئت قلت لها قسمان:
(الأول) الفرد المعين في الواقع المجهول في الظاهر سواء كان معينا عند المتكلم مجهولا عند المخاطب كما في الآية الشريفة وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى أو بالعكس بان كان مجهولا عند المتكلم معينا عند المخاطب كما في قولك أي رجل جاءك.
(الثاني) الطبيعة المقيدة بالوحدة لا تعين لها لا في الواقع ولا في الظاهر لا عند المتكلم ولا عند المخاطب وهي الواقعة في تلو الأمر كما في قولك جئني برجل أو جئني بإنسان في قبال الطبيعة المطلقة الغير المقيدة بالوحدة الصادقة على الواحد وأكثر فإذا وقعت المقيدة بالوحدة تحت الأمر وأتى بفردين فقد أتى بواجب وزائد وإذا وقعت المطلقة تحت الأمر كما في قوله جئني بالتمر وأتى بفردين أو أكثر فقد اتصف الجميع بالوجوب ولم يأت بزائد وإن كان له الاكتفاء بواحد أيضا (وبالجملة) ان ما بالحمل الشائع نكرة (إما فرد معين) في الواقع فيكون جزئيات حقيقيا (وإما طبيعة مقيدة بالوحدة) يعبر عنها بالحصة فيكون كليا حقيقيا قابلا للانطباق على كثيرين بمعنى أنه بأي فرد قد أتى في الخارج صح وكفى والجامع بين المعنيين هي الوحدة وعدم التعين في الجملة ففي الأول يكون الفرد مقيدا بالوحدة وفي الثاني تكون الطبيعة مقيدة
بالوحدة وفي الأول يكون عدم التعين في الظاهر إما عند المخاطب وإما عند المتكلم وفي الثاني يكون عدم التعين بحسب الواقع والظاهر جميعا (ثم إن للفصول رحمه الله) كلام في المقام يظهر منه دعويان إحداهما أن النكرة فرد مردد لا معين وأخراهما أن مدلول النكرة جزئي لا كلي (قال في الفصل الثاني) من بحث العام والخاص ما هذا
361

لفظه ومدلولها أي النكرة فرد من الجنس لا بعينه (إلى أن قال) ومنه يظهر أن مدلول النكرة جزئي وليس بكلى كما سبق إلى كثير من الأوهام (انتهى) وأنت خبير بما في كلام الأمرين جميعا.
(أما الأول) فلما عرفت من أن النكرة إما فرد معين في الواقع أو طبيعة مقيدة بالوحدة والفرد المردد مما لا معنى له وقد أبطله المصنف بقوله ولا يكاد يكون واحد منها هذا أو غيره كما هو قضية الفرد المردد لو كان هو المراد منها أي من النكرة ضرورة أن كل واحد هو هو لا هو أو غيره انتهى (وأما الثاني) فلأن مدلول النكرة بالمعنى الأول وإن كان جزئيات ليس بكلى ولكنه بالمعنى الثاني كلي صادق على كثيرين وقد علله المصنف بقوله وذلك لبداهة كون لفظ رجل في جئني برجل نكرة مع أنه يصدق على كل من جيء به من الأفراد انتهى (ولعل قول المصنف) وبالجملة النكرة أي ما بالحمل الشائع يكون نكرة عندهم إلى قوله لا هو أو غيره رد على الفصول ناظر إلى تضعيف دعوييه جميعا والله العالم.
(قوله ولو بنحو تعدد الدال والمدلول... إلخ) دفع لما قد يتوهم من لزوم التجوز إذا أريد من النكرة الوحدة (وحاصل) الدفع أن الوحدة مستفادة من التنوين وأما الفرد أو الطبيعة فمستفاد من اسم الجنس الداخل عليه التنوين بنحو تعدد الدال والمدلول فلا تجوز نعم لو أريدت الوحدة من نفس اسم الجنس الموضوع للطبيعة بما هي هي وكان التنوين علامة لها وقرينة عليها كان استعمال النكرة مجازا قهرا ولكنه خلاف الظاهر.
(أقول) هذا وقد يتوهم التجوز في النكرة من ناحية أخرى وهو أهم من الأول (وحاصله) أن النكرة كما تقدم هي اسم الجنس إذا دخل عليه التنوين وأفاد الوحدة واسم الجنس موضوع للطبيعة بما هي هي ففي مثل جاء
362

رجل إذا استعمل وأريد منه الفرد المعين كان ذلك مجازا قهرا وان لم يكن استعماله في مثل جئني برجل كذلك لكونه كليا قابلا للصدق على كثيرين (وحاصل الجواب) أن الكلي وان كان قد يستعمل في الفرد ولكن ليس استعماله فيه بما هو فرد على أن تكون الخصوصية جزء المستعمل فيه ليكون مجازا قهرا بل بما هو عين الطبيعة وجودا وخارجا فيكون حقيقة فيه وقد تقدم منا هذا الجواب في المعنى الحرفي فتذكر ويستفاد ذلك من الفصول أيضا من كلام له في الفصل الثاني من العام والخاص فراجع.
(قوله المجهول عند المخاطب... إلخ) أو عند المتكلم كما في قولك أي رجل جاءك وقد تقدم التمثيل بذلك منا وذكرنا أن الفرد المعين كما أنه قد يكون مجهولا عند المخاطب فكذلك قد يكون مجهولا عند المتكلم.
(قوله المحتمل الانطباق... إلخ) أي عند المخاطب أو المتكلم الجاهل به لا بحسب الواقع إذ المفروض أنه فرد معين واقعا وهو غير الكلي القابل للانطباق على كثيرين كما في الطبيعة المقيدة بالوحدة التي لا تعين لها بحسب الواقع
(قوله وبالجملة النكرة أي ما بالحمل الشائع يكون نكرة عندهم... إلخ) قد أشرنا آنفا انه من المحتمل أن تكون هذه العبارة إلى قوله لا هو أو غيره ردا على الفصول لما فيها من إبطال الفرد المردد وإثبات كون النكرة بالمعنى الثاني كليا لا جزئيا وقد ادعى صاحب الفصول أن النكرة هي الفرد المردد وانها جزئي لا كلي ولم يفصل فيها.
(قوله فالظاهر صحة إطلاق المطلق عندهم حقيقة على اسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني كما يصح لغة... إلخ) والظاهر أن وجه تخصيصه اسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني بالذكر دون غيرهما أن علم الجنس على ما حققه المصنف لا فرق بينه وبين اسم الجنس بحسب المعنى وأما المعرف بلام الجنس فاللام
363

فيه على ما حققه أيضا ليس هو الا للتزيين فإذا لا فرق أيضا بين المعرف بلا الجنس وبين اسم الجنس وأما النكرة بالمعنى الأول فهو فرد معين في الواقع لا شياع له في جنسه وان كان لدى المخاطب أو المتكلم الجاهل به محتمل الانطباق على كثيرين فيبقى من المطلق اسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني وقد ذكرهما المصنف (أقول) أما علم الجنس فهب أنه لا فرق بينه وبين اسم الجنس بحسب المعنى ولكن اعترف المصنف بامتيازه عنه بالتعريف اللفظي وهو يكفى في اثنينيته وتغايره معه فكان ينبغي منه ذكره والتعرض له وأما المعرف بلام الجنس فقد عرفت أن اللام فيه ليس للتزيين بل للتعريف كما عليه أهل العربية فإذا هو غير اسم الجنس وان لم يقل به المصنف نعم ان النكرة بالمعنى الأول ليس مما يصح إطلاق المطلق عليه فعدم ذكره لها هو في محله (وعلى كل حال) يطلق المطلق عندنا على كل من اسم الجنس وعلم الجنس والمعرف بلام الجنس كالتمر والماء ما لم يفد العموم بمقدمات الحكمة كما في أحل الله البيع وهكذا يطلق على النكرة بالمعنى الثاني بلا كلام (ثم ان) المطلق في اصطلاح الأصوليين كما تقدم تعريفهم له هو ما كان شايعا في جنسه وساريا فيه ونحن قد عبرنا عن المطلق بما استغرق جميع مصاديقه بنحو العطف (بأو) وفي اللغة عبارة عن المرسل الذي لم يقيد سواء كان لفظا أو غير لفظ (وعليه) فيصح إطلاق المطلق على كل من تلك الأمور المذكورة بكل من معناه الاصطلاحي واللغوي جميعا
(قوله وغير بعيد أن يكون جريهم في هذا الإطلاق على وفق اللغة من دون أن يكون لهم فيه اصطلاح على خلافها... إلخ) بل بعيد جدا بعد ما عرفت أن لهم اصطلاح جديد فيه على خلاف اللغة فان الإطلاق في الاصطلاح هو الشياع والسريان غير أنه يقع الكلام في أنه هل هو جزء مدلول أسامي الأجناس أم ينعقد لها ذلك بمقدمات الحكمة وليس هو قطعا
364

مجرد الإرسال وعدم التقييد ولذا قد يفكك بينهما كما فيما لم تتم فيه المقدمات حيث لا إطلاق له بحسب الاصطلاح وان كان هو مطلقا لغة.
(وبالجملة) إن الإطلاق في الاصطلاح هو غير الإطلاق في اللغة والأول أخص والثاني أعم فكلما كان مطلقا اصطلاحا كان مطلقا لغة ولا عكس ومعه لا وجه لدعوى أن إطلاق المطلق عندهم على اسم الجنس وتوابعه يكون جريا على وفق اللغة من دون أن يكون لهم فيه اصطلاح جديد على خلافها.
(قوله نعم لو صح ما نسب إلى المشهور من كون المطلق عندهم موضوعا لما قيد بالإرسال والشمول البدلي لما كان ما أريد منه الجنس أو الحصة عندهم بمطلق... إلخ) استدراك عن قوله السابق فالظاهر صحة إطلاق المطلق عندهم حقيقة على اسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني... إلخ فيقول نعم لو صح ما نسب إلى المشهور من كون المطلق عندهم موضوعا لما قيد بالإرسال والشمول نسب إلى المشهور من كون المطلق عندهم موضوعا لما قيد بالإرسال والشمول البدلي لم يصح إطلاق المطلق عندهم حقيقة على ما أريد منه الجنس أو الحصة يعنى بها النكرة بالمعنى الثاني (وفيه) أن ما أريد منه الجنس أي الطبيعة بما هي هي أو ما أريد منه الحصة أي الطبيعة المقيدة بالوحدة كما لا يكون مطلقا عند المشهور القائلين بوضع المطلق لما قيد بالشيوع والسريان ان صحت النسبة إليهم فكذلك لا يكون مطلقا عند غيرهم ما لم ينعقد له الإطلاق أي الشيوع والسريان بمقدمات الحكمة وذلك لما عرفت من أن المطلق في اصطلاح الأصوليين هو ما كان شايعا في جنسه سواء قبل بكون الشيوع جزء مدلوله أو بكونه حاصلا له بالمقدمات.
(قوله ولا يخفى أن المطلق بهذا المعنى لطرو القيد غير قابل... إلخ) أي أن المطلق بالمعنى المنسوب إلى المشهور من الوضع لما قيد بالإرسال والشمول البدلي غير قابل لطرو القيد الا مجازا (ثم ان) هذا شروع من
365

المصنف في إثبات كون التقييد لا يوجب تجوزا وقد عقد لذلك في التقريرات هداية مستقلة (قال) فيها الحق كما عليه جماعة من أرباب التحقيق أن التقييد لا يوجب مجازا في المطلق من جهته وأول من صرح بذلك من أئمة الفن على ما اطلعت عليه هو السيد السلطان وإن كان يظهر ذلك من جماعة من المحققين في غير الفن كما لا يخفى على المتدرب وذهب بعضهم إلى أنه مجاز بل نسب إلى المشهور ولا أظن صدق النسبة وفصل ثالث بين التقييد بالمتصل فاختار ما اخترناه وبين المنفصل فذهب إلى أنه مجاز (ثم شرع رحمه الله) تمهيدا لتحقيق المقام في بيان أقسام اعتبار الماهية من اللا بشرط المقسمي والقسمي والبشرط شيء والبشرط لا وأن المطلقات موضوعة للماهيات بما هي هي بنحو اللا بشرط المقسمي إلى آخر ما أفاد ولعل ما أثبته المصنف فيما تقدم من كون اسم الجنس موضوعا للماهية بما هي هي مبهمة مهملة بنحو اللا بشرط المقسمي كان أيضا تمهيدا لهذا المعنى وأساسا لهذا المطلب (وعلى كل حال) قد تقدم منا شرح عدم كون التقييد مجازا مطلقا سواء كان المقيد متصلا أو منفصلا في الفصل الثالث من العام والخاص بمناسبة عدم كون التخصيص تجوزا في العام (ومحصله) أن كون التقييد تجوزا في المطلق مما يتوقف على أحد أمرين.
(الأول) أن يكون المطلق موضوعا لما قيد بالشيوع والسريان ليكون التقييد منافيا للموضوع له وهذا قد أبطلناه وأثبتنا وضعه الماهية بما هي هي بنحو اللا بشرط المقسمي الغير المنافية للتقييد.
(الثاني) أن يكون القيد مرادا من نفس المطلق ففي مثل أعتق رقبة مؤمنة يكون الإيمان مرادا من نفس الرقبة وقد جعل لفظ المؤمنة قرينة على إرادته منها وهذا خلاف الظاهر إذ الظاهر أن الرقبة مستعملة فيما هو معناها الحقيقي والخصوصية قد استفيدت من لفظ المؤمنة أو من قرينة حالية بنحو
366

تعدد الدال والمدلول فإذا لا تجوز في التقييد أصلا وهذا من غير تفصيل كما أشرنا بين كون التقييد بمتصل أم لا غايته أنه ان كان بمتصل فقد أدى المتكلم تمام المراد بدليل واحد وان كان بمنفصل فقد أداه بدليلين منفصلين لحكمة مقتضية لذلك.
(قوله وهذا بخلافه بالمعنيين... إلخ) يعنى بهما الجنس والحصة.
(قوله لو كان بذاك المعنى... إلخ) أي المنسوب إلى المشهور من الوضع لما قيد بالإرسال والشمول البدلي وهو الشيوع والسريان.
(قوله كان مجازا مطلقا... إلخ) أي حتى على القول بوضع المطلقات للطبائع بما هي هي لا لما قيد بالإرسال والشمول فان استعمالها في المعنى المقيد على أن يكون القيد جزء المستعمل فيه مما يوجب التجوز لا محالة ما لم يكن بنحو تعدد الدال والمدلول بأن يراد أصل المعنى من المطلق ويراد القيد من قرينة حالية أو مقالية (ثم انه) يحتمل أن يكون ما نسب إلى المشهور من كون التقييد مجازا هو لهذا الوجه أي لاستعمال المطلق في المقيد على أن يكون القيد جزء المستعمل فيه ويحتمل أيضا أن يكون لما نسب إليهم من وضع المطلقات لما قيد بالإرسال والشمول والله العالم.
(قوله كان التقييد بمتصل أو منفصل... إلخ) إشارة إلى التفصيل الذي قد ذكره التقريرات في عبارته المتقدمة بقوله وفصل ثالث بين التقييد بالمتصل فاختار ما اخترناه أي لا يكون مجازا وبين المنفصل فذهب إلى أنه مجاز (وعلى كل حال) قد عرفت ضعف التفصيل وأنه لا فرق بين اتصال القيد وانفصاله وان المطلق على كل تقدير هو مستعمل في معناه الحقيقي وأن القيد قد استفيد من دال آخر غايته أنه ان كان متصلا بالمطلق فقد بين المتكلم تمام مراده دفعة واحدة والا فقد بينه تدريجا بدليلين منفصلين لحكمة مقتضية لذلك
367

في مقدمات الحكمة
(قوله فصل قد ظهر لك أنه لا دلالة لمثل رجل الا على الماهية المبهمة وضعا... إلخ) أي قد ظهر لك فيما تقدم أن أسامي الأجناس موضوعة للماهيات بما هي هي مبهمة مهملة بنحو اللا بشرط المقسمي وأنه لا دلالة لها بحسب الوضع على الشياع والسريان أصلا إذ لم توضع لما قيد بالإرسال والشمول كما نسب إلى المشهور كي تدل عليهما بالوضع (وعليه) فلا بد في دلالتها على الشياع والسريان أي على الإطلاق من قرينة حالية أو مقالية كما إذا صرح بالإطلاق وقال أعتق رقبة سواء كانت
مؤمنة أو كافرة أو من قرينة حكمة وهي على ما ستعرف تتوقف على مقدمات.
(قوله وهي تتوقف على مقدمات... إلخ) خلافا للتقريرات فجعل الإطلاق موقوفا على مقدمتين.
(إحداهما) كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد.
(وأخراهما) انتفاء ما يوجب التقييد داخلا أو خارجا ومقصوده من داخلا أو خارجا بقرينة تصريحه في الهداية المتأخرة هو الانصراف وغير الانصراف فالأول هو الداخلي والثاني هو الخارجي (وقد أضاف) المصنف على المقدمتين مقدمة ثالثة وهي انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب وان كان هناك المتيقن بملاحظة الخارج عن مقام التخاطب (أما المتيقن في مقام التخاطب) فهو كما إذا جرى الكلام بين المتكلم والمخاطب في خصوص الرقبة المؤمنة مثلا ثم قال في أثناء كلامه أعتق رقبة فحينئذ لا ينعقد الإطلاق للفظ الرقبة على نحو يشمل الكافرة (وقد وقع) نظير ذلك في بعض أخبار التجاوز
368

قال زرارة قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل شك في الأذان وقد دخل في الإقامة قال يمضى قلت رجل شك في الأذان والإقامة وقد كبر قال يمضى قلت رجل شك في التكبير وقد قرأ قال يمضى قلت شك في القراءة وقد ركع قال يمضى قلت شك في الركوع وقد سجد قال يمضى على صلاته ثم قال يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشككت فليس بشيء (فان الكلام) الجاري بين الراوي والإمام عليه السلام حيث كان في خصوص أجزاء الصلاة من التكبير والقراءة والركوع والسجود ونحوها فتكون أجزائها هي المتيقنة في مقام التخاطب ويمنع عن انعقاد الإطلاق لفظ شيء الواقع في قوله عليه السلام إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره... إلخ على نحو يشمل أجزاء الصلاة وغيرها فإذا شك في الظهر مثلا بعد ما دخل في العصر أو شك في الطواف بعد ما دخل في السعي لم يمكن الحكم بوجوب المضي استنادا إلى إطلاق هذا الحديث (وأما المتيقن بملاحظة الخارج عن مقام التخاطب) الذي لا يضر وجوده بانعقاد الإطلاق فهو كتيقن المؤمنة من قوله أعتق رقبة أو تيقن العادل من قوله أكرم عالما أو تيقن الماء الطاهر من قوله جئني بماء وهكذا فان لكل مطلق في الخارج قدر متيقن يقطع بالامتثال لو أتى به من بين ساير الأفراد (ثم ان) وجه انعقاد الإطلاق بهذه المقدمات الثلاث على ما يظهر من قوله فإنه فيما تحققت لو لم يرد الشياع لأخل بغرضه... إلخ انه مهما تحققت هذه المقدمات الثلاث فالمتكلم إذا أراد غير الشياع فهو مخل بغرضه وهو مناف للحكمة فلا محالة يكون مريدا للشياع عند تحققها وهذا بخلاف ما إذا انتفى إحدى المقدمات الثلاث كما إذا انتفى المقدمة الأولى بأن لم يكن المتكلم في مقام البيان أو انتفى المقدمة الثانية بأن كان في البين ما يوجب التقييد والتعيين أو انتفى المقدمة الثالثة بان كان في البين القدر المتيقن في مقام التخاطب فإنه
369

في هذه الصور الثلاث كلها إذا أراد غير الشياع لم يخل بغرضه.
(أقول) نعم ولكن الظاهر أن المقدمة الأولى وهي كون المتكلم في مقام البيان مما لا دخل لها في انعقاد الإطلاق وتحقق الشياع والسريان بل اللفظ مما ينعقد له الإطلاق والظهور في الشياع والسريان بمجرد عدم احتفافه بما يوجب التعيين وبانتفاء المتيقن في مقام التخاطب من غير حاجة إلى شيء آخر ومقدمة أخرى نعم إحراز كون المتكلم في مقام البيان ولو بأصل عقلائي كما سيأتي لك شرحه هو مما له دخل في حجية الإطلاق وفي صحة العمل على طبقه لا في أصل انعقاده وتحققه بل لا يختص ذلك بباب الإطلاقات فقط فيجري حتى في باب العمومات بل في مطلق الظواهر وإن كانت مستندة إلى الوضع فضلا عن الحكمة فإذا قال مثلا أكرم كل عالم أو قال رأيت اليوم أسدا قويا ولم نحرز ولو بأصل عقلائي كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد لم يجز لنا الأخذ بظاهر كلامه لجواز أنه قد أراد بعض العلماء أو غير الحيوان المفترس وقد اتكل في بيانه على قرينة منفصلة يأتي بها بعدا عند ما شاء وأراد.
(وبالجملة) إحراز كون المتكلم في مقام البيان مما لا دخل له في أصل انعقاد الإطلاق وان كان له دخل في حجية الإطلاق واعتباره فان مجرد الإطلاق اللغوي أي عدم التقييد في لسان الدليل بشيء وانتفاء المتيقن في مقام التخاطب مما يوجب الإطلاق الأصولي أي الظهور في الشيوع والسريان بلا كلام وان لم يكن حجة معتبرة ما لم يحرز كون المولى في مقام البيان ولو بأصل عقلائي.
(قوله لا الإهمال أو الإجمال... إلخ) الظاهر أن الإهمال هو ترك التعرض للشرح والبيان والإجمال هو فوق ذلك فيتعمد المتكلم إبهام الأمر وتعمية المراد على المخاطب لحكمة مقتضية له.
370

(قوله ثانيها انتفاء ما يوجب التعيين... إلخ) أي عدم بيان ما يوجب التقييد والتعيين (ثم ان) بين الشيخ أعلى الله مقامه وبين المصنف نزاع معروف في ذلك (فالشيخ) بنائه على أن الجزء المقتضى للإطلاق هو عدم البيان إلى الأبد بحيث إذا ظفرنا بعدا على المقيد فيكشف ذلك عن اختلال المقدمة الثانية فلا إطلاق للمطلق أصلا (والمصنف) بنائه على أن الجزء المقتضى للإطلاق هو عدم البيان في مقام التخاطب لا إلى الأبد فإذا ظفرنا بعدا على المقيد لم يكشف ذلك عن اختلال المقدمة الثانية فلا يضر بانعقاد الإطلاق أصلا وقد تقدم تفصيل ذلك كله في مقدمة الواجب عند البحث عن دوران القيد بين الرجوع إلى الهيئة أو المادة وسيأتي تفصيله ثانيا في الفصل الخامس من التعادل والتراجيح إن شاء الله تعالى عند ذكر المرجحات النوعية لأحد الظهورين وان كان المناسب للمصنف أن يؤشر إليه في المقام ولو مختصرا ولم يؤشر.
(قوله فان الفرض أنه بصدد بيان تمامه وقد بينه لا بصدد بيان أنه تمامه كي أخل ببيانه... إلخ) وحاصله أن مع انتفاء المقدمة الثالثة أي مع تحقق المتيقن في مقام التخاطب لو أراد المتكلم غير الشياع لم يخل بغرضه إذ المفروض أنه بصدد بيان تمام المراد وقد بينه بوسيلة المتيقن في مقام التخاطب لا بصدد بيان أن المتيقن هو تمام المراد كي أخل ببيانه.
(قوله فافهم... إلخ) (قال في تعليقته) على الكتاب لدى التعليق على قوله فافهم (ما لفظه) إشارة إلى أنه لو كان بصدد بيان أنه يعنى المتيقن تمام المراد ما أخل ببيانه بعد عدم نصب قرينة على إرادة تمام الأفراد فإنه بملاحظته يفهم أن المتيقن تمام المراد والا كان عليه نصب القرينة على إرادة تمامها يعنى تمام الأفراد والا قد أخل بغرضه نعم لا يفهم ذلك إذا لم يكن الا
371

بصدد بيان أن المتيقن مراد ولم يكن بصدد بيان ان غيره مراد أو ليس بمراد قبالا للإجمال أو الإهمال المطلقين فافهم فإنه لا يخلو عن دقة (انتهى).
(قوله ثم لا يخفى عليك أن المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده... إلخ) إشارة إلى ما قد يقال من أنه إذا ظفرنا بعدا على مقيد للإطلاق فهو وان لم يكشف عن انتفاء المقدمة الثانية وهي انتفاء ما يوجب التعيين إذ المفروض أنه عند التخاطب لم يكن بيان على التعيين ولكن يكشف قهرا عن انتفاء المقدمة الأولى وهي كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد وهو يكفى في انتفاء الإطلاق وعدم انعقاده فان النتيجة تتبع أخس المقدمات فإذا شك في التقييد من ساير الجهات لم يمكن التمسك به (وقد أفاد المصنف) في التخلص عن هذه العويصة على ما يظهر من مجموع كلامه هنا وفي الفصل الآتي في ذيل الرد على التقريرات بقوله وأنت خبير... إلخ ما محصله أن المراد من البيان في كون المتكلم في مقام البيان ليس هو البيان الجدي كما في قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة لو قيل بها بل هو البيان القانوني أي مجرد بيان المراد وإظهاره وافهامه ولو صورة ليكون حجة فيما لم تكن حجة أقوى على خلافه (وعليه) فإذا كان المتكلم في مقام البيان كذلك وتحقق ساير المقدمات انعقد الإطلاق حقيقة وكان حجة فيما لم تكن حجة أقوى منه فإذا ظفرنا بعدا على مقيد له فهو وان كان كاشفا عن عدم كونه في مقام البيان الجدي وان الإطلاق لم يكن مرادا له واقعا ولكن لا يكشف عن عدم كونه في مقام البيان القانوني وعن عدم انعقاد الإطلاق من أصله.
(أقول) ان الالتزام بالبيان القانوني مما لا يرجع إلى محصل (ولو قال المصنف) في مقام التخلص عن العويصة ان الظفر على المقيد وإن كان يكشف عن عدم كون المتكلم في مقام البيان بالنسبة إلى الجهة التي قد ورد فيها المقيد
372

بعدا ولكن لا يكشف عن عدم كونه في مقام البيان بالنسبة إلى ساير الجهات أيضا (كان أصح) وأمتن فإذا أحرزنا مثلا أن المتكلم هو في مقام البيان من تمام الجهات ولو بأصل عقلائي ثم ورد الدليل على التقييد بالنسبة إلى جهة من الجهات كالإيمان في الرقبة فاستكشاف عدم كونه في مقام البيان من حيث الإيمان وعدمه لا ينافي كونه في مقام البيان من ساير الجهات فإذا شك بعدا في اعتبار الذكورية أو الأنوثية أو الكهولة أو الشيخوخة أو نحو ذلك من الأمور المشكوكة اعتبارها في الرقبة صح التمسك بالإطلاق لفيها جدا (هذا كله) بناء على كون المقدمة الأولى وهي كون المتكلم في مقام البيان دخيلا في أصل انعقاد الإطلاق وأنه جزء من أجزاء المقتضى (وأما على ما اخترناه) من عدم كونه دخيلا في انعقاده وتحققه وإن كان دخيلا في حجيته واعتباره فبالظفر على المقيد لا يكاد يعرف إلا عدم حجية الإطلاق بالنسبة إلى الجهة التي قد ورد فيها المقيد ويبقى على حجيته بالنسبة إلى ساير الجهات لا أنه لا إطلاق في البين أصلا بالنسبة إلى تلك الجهة الخاصة.
(وبالجملة) حال الإطلاق عندنا هو كحال العموم عينا فكما قلنا ان العام ظاهر في العموم بمقتضى وضعه له وان المخصص المنفصل لا يكاد يصادم أصل الظهور وإن كان يصادم حجيته واعتباره لكون الخاص حجة أقوى منه فكذلك نقول إن المطلق ظاهر في الإطلاق بمجرد انتفاء ما يوجب التعيين في لسان الدليل وانتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب وان المقيد المنفصل مما لا يكاد يصادم أصل الظهور وان كان يصادم حجيته واعتباره لكون المقيد حجة أقوى منه فتدبر جيدا.
(قوله فلا يكون الظفر بالمقيد ولو كان مخالفا... إلخ) فان المقيد المخالف للمطلق في النفي والإثبات كما سيأتي لك شرحه هو مما لا إشكال ولا كلام
373

في كونه مقيدا وانما الإشكال في الموافق له وأنه هل هو مقيد له أو يحمل على الاستحباب أو على غير ذلك.
(قوله وقد انقدح بما ذكرنا أن النكرة في دلالتها على الشياع والسريان أيضا تحتاج... إلخ) وحاصله أن جميع ما تقدم في صدر الفصل من قوله أنه لا دلالة لمثل رجل الا على الماهية المبهمة وضعا وأن الشياع والسريان كسائر الطواري يكون خارجا عما وضع له فلا بد في الدلالة عليه من قرينة حال أو مقال أو حكمة وهي تتوقف على مقدمات... إلخ انما كان في اسم الجنس وهو بعينه يجري في حق النكرة بالمعنى الثاني أيضا وهي الطبيعة المقيدة بالوحدة المعبر عنها بالحصة كما في جئني برجل فلا بد في دلالتها على الشياع والسريان فيما لم تكن قرينة حال أو مقال من مقدمات الحكمة.
(أقول) بل ويجري جميع ما تقدم إلى هنا في علم الجنس والمعرف بلام الجنس أيضا فدلالتهما على الشياع مما تحتاج إلى مقدمات الحكمة عينا وذلك لما عرفت من أن المطلق لا يختص باسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني وان اعتقد المصنف ذلك وجزم به وقد أشرنا نحن في الفصل المتقدم لدى التعليق على قوله فالظاهر صحة إطلاق المطلق عندهم... إلخ إلى وجه الاختصاص في نظره فتذكر
الأصل كون المتكلم في مقام البيان
(قوله بقي شيء وهو أنه لا يبعد أن يكون الأصل فيما إذا شك في كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد... إلخ) قد عرفت ان إحدى مقدمات الحكمة هو كون المتكلم في مقام البيان غايته أن المصنف قد رآه دخيلا في أصل انعقاد الإطلاق ونحن قلنا أنه دخيل في حجية الإطلاق واعتباره لا في أصل انعقاده
374

(وعلى كل حال) هو مما نحتاج إليه لا محالة فان أحرزناه بالعلم واليقين فهو والا فهل الأصل عند الشك في كون المتكلم في مقام البيان أنه في هذا المقام أم لا (فنقول) نعم الأصل كونه في هذا المقام إلى أن يعلم خلافه (وقد استدل عليه المصنف) بسيرة أهل المحاورة على التمسك بالإطلاقات من دون إحراز كون المتكلم في مقام البيان فلو لم يكن الأصل عندهم كونه في هذا المقام لم يصح لهم التمسك بالإطلاقات أصلا.
(أقول) قد أشرنا قبلا إلى لزوم إحراز كون المتكلم في مقام البيان في مطلق أبواب الظواهر من دون اختصاص بباب الإطلاقات فقط فلو لا إحراز كون المتكلم في مقام
بيان تمام مراده لم يجز لنا الأخذ بظاهر كلامه وان كان الظهور مستندا إلى الوضع فضلا عن الحكمة وذلك لجواز إرادته غير الظاهر وقد اتكل في بيانه على قرينة يأتي بها بعدا (وعليه) فالاستشهاد لأصالة كون المتكلم في مقام البيان بسيرة العقلاء على العمل بالظواهر عموما المبتني على ان الأصل عندهم كون المتكلم في مقام بيان تمام مراده أولى وأسد من الاستشهاد لها بسيرة أهل المحاورة على التمسك بخصوص الإطلاقات فقط.
الأصل انتفاء ما يوجب التعيين وانتفاء المتيقن في مقام التخاطب
(ثم ان الأصل) كما أنه عند الشك هو كون المتكلم في مقام البيان فكذلك الأصل إذا شك في وجود ما يوجب التعيين من قرينة لفظية أو غيرها وأنه قد اختفى علينا بأحد الأسباب والدواعي هو انتفاؤه بلا كلام (والظاهر)
375

ان هذا الأصل أيضا مما نحتاج إليه في عموم أبواب الظواهر من غير اختصاص بباب الإطلاقات فقط فإذا ورد كلام من التغير وكان ظاهرا في المعنى الحقيقي أو في العموم أو في الإطلاق لم يجز لنا الأخذ بظهوره ما لم ينسد باب احتمال القرينة على التجوز أو التخصيص أو التقييد بأصل عقلائي وهو البناء على العدم وعدم الاعتناء باحتمالها بمجرد الشك غايته أن عدم القرينة على الخلاف في المعنى الحقيقي أو العموم مما لا دخل له في انعقاد الظهور لأنه ثابت فيهما بمقتضى الوضع وفي المقام له دخل في أصل انعقاد الظهور فبانتفاء ما يوجب التعيين والتقييد ينعقد الإطلاق ويتحقق الشيوع والسريان وبعبارة أخرى ان عدم القرينة على الخلاف في المعنى الحقيقي والعموم من قبيل عدم المانع وفي الإطلاق من قبيل جزء المقتضى (ثم ان) هذا الأصل هو غير أصالة الحقيقة أو العموم أو الإطلاق فانا.
(تارة) نحتمل أن المتكلم قد أراد المعنى المجازي أو الخصوص أو المقيد ثبوتا مع القطع بانتفاء القرينة إثباتا فهاهنا نجري أصالة الحقيقة أو العموم أو الإطلاق.
(وأخرى) نحتمل وجود القرينة على الخلاف واختفائها علينا بأحد الأسباب والدواعي وهاهنا نجري أصالة عدم القرينة على التجوز أو التخصيص أو التقييد (ومرجع) هذه الأصول كلها إلى أصل واحد وهو أصالة الظهور بمعنى أن اللفظ بعد ان كان ظاهرا في معنى مخصوص فالعقلاء قد جرت سيرتهم على الأخذ بظاهره والعمل على طبقه من دون اعتناء باحتمال إرادة المعنى المجازي أو الخصوص أو المقيد ثبوتا أو أنه قد أقيم على ذلك قرينة إثباتا وقد احتفت علينا فالاحتمال الأول يندفع بأصالة الحقيقة أو العموم أو الإطلاق والثاني بأصالة عدم القرينة على التجوز أو التخصيص أو التقييد (ثم ان)
376

من جميع ما ذكر إلى هنا يظهر لك حال الشك في وجود المتيقن في مقام التخاطب واحتفائه علينا بأحد الأسباب والدواعي وأن الأصل انتفاؤه وعدمه فان المطلق بعد عدم احتفافه في الظاهر بما يوجب التعيين والتقييد ولا بما يوجب التيقن في مقام التخاطب ينعقد له إطلاق وظهور في الشيوع والسريان لا محالة ولا يكاد يعتنى في قبال هذا الظهور باحتمال الخلاف بوجه من الوجوه أصلا
(قوله وبعد كونه لأجل ذهابهم إلى انها موضوعة للشياع والسريان... إلخ) دفع لما قد يتوهم من أن تمسك المشهور بالإطلاقات مع عدم إحراز كون المتكلم في مقام البيان ليس من جهة كون الأصل عندهم لدى الشك هو كون المتكلم في هذا المقام بل من جهة ذهابهم إلى أن الشياع جزء الموضوع له فلا يحتاج انعقاد الإطلاق إلى مقدمات الحكمة ومنها كون المتكلم في مقام البيان لنحتاج في إحرازه إلى الأصل العقلائي (وقد أجاب عنه المصنف) بأن ذهابهم إلى ذلك بعيد وان كان قد نسب إلى المشهور وضع المطلقات للشياع والسريان ولكن لم يعلم صدق النسبة.
(أقول) ان مجرد دعوى بعد ذهابهم إلى ذلك مما لا يكفى في الجواب عن التوهم المذكور والحق في الجواب أن يقال كما أشرنا آنفا ان أصالة كون المتكلم في مقام البيان هي مما نحتاج إليه لا محالة في عموم أبواب الظواهر جميعا ولو كان الظهور مستندا إلى الوضع دون الحكمة فلو سلم ان المطلقات موضوعة للشياع والسريان فمع ذلك نحن نحتاج في الأخذ بها إلى إحراز كون المتكلم في مقام بيان تمام مراده وذلك لجواز إرادته غير المعنى الظاهر من اللفظ بقرينة ينصبها بعدا (وعليه) فدعوى كون تمسك المشهور بالإطلاقات انما هو لأجل ذهابهم إلى وضع المطلقات للشياع والسريان فاسدة جدا لا توجب هي بطلان هذا الأصل العقلائي أبدا.
377

(قوله والغفلة عن وجهه... إلخ) وهو أن الأصل عند الشك كون المتكلم في مقام البيان.
لا إطلاق للمطلق فيما كان له الانصراف
(قوله ثم إنه قد انقدح بما عرفت من توقف حمل المطلق على الإطلاق فيما لم تكن هناك قرينة حالية أو مقالية... إلخ) أي قد انقدح مما تقدم من أن الشياع والسريان كسائر الطواري يكون خارجا عما وضع له لفظة رجل مثلا وأنه لا بد في الدلالة عليه فيما لم تكن عليه قرينة حال أو مقال من قرينة الحكمة المتوقفة على المقدمات الثلاث المتقدمة أنه لا إطلاق للمطلق فيما كان له الانصراف إلى خصوص بعض الأفراد أو الأصناف إذ من المقدمات انتفاء ما يوجب التعيين ومنها انتفاء المتيقن في مقام التخاطب والانصراف ببعض مراتبه مما يوجب التعيين كما أنه ببعض مراتبه مما يوجب التيقن في مقام التخاطب وستعرف شرح هذا كله وتفصيل مراتب الانصراف كما هو حقه فانتظر.
(أقول) بل قد انقدح مما تقدم أنه لو كان للمطلق جهات عديدة فلا بد في حمله على الإطلاق من كل جهة أن يكون واردا في مقام البيان من تلك الجهة إذ من المقدمات كون المتكلم في مقام البيان وكونه في هذا المقام من جهة لا يغنى عن كونه كذلك من ساير الجهات (ومن هنا قال في التقريرات) بعد الفراغ عن مقدمات الحكمة وقد جعلها مقدمتين كما أشرنا قبلا وهما انتفاء ما يوجب التقييد ووروده في مقام البيان (ما هذا لفظه) هداية قد عرفت أن حمل المطلق على الإطلاق موقوف على أمرين أحدهما عدمي والآخر وجودي ويتولد من كل واحد منهما شرط للحمل على الإطلاق كما أفاده بعض المحققين
378

في فوائده الأول أن لا يكون منصرفا إلى بعض الأفراد (إلى أن قال) الشرط الثاني إذا فرض لإطلاق المطلق جهات عديدة فالشرط في حمله على الإطلاق من كل جهة
أن يكون واردا في مقام بيان تلك الجهة بخصوصها فلا يجوز التعويل على الإطلاق في الجهة التي لم يرد المطلق في بيانها ووجه الاشتراط ظاهر بعد ما عرفت من أن الإطلاق انما هو موقوف على وروده في مقام البيان (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(قوله انه لا إطلاق له فيما كان له الانصراف إلى خصوص بعض الأفراد أو الأصناف لظهوره فيه أو كونه متيقنا منه ولو لم يكن ظاهرا فيه بخصوصه حسب اختلاف مراتب الانصراف... إلخ) (قال في التقريرات) بعد عبارته المتقدمة آنفا ما هذا لفظه الا أنه لا بد من توضيح موارده إلى موارد الانصراف فنقول إن له أقساما.
(أحدها) الشيوع الخطوري بمعنى خطور بعض أقسام المعنى في الذهن بواسطة استئناس حاصل به مع القطع بعدم كونه مرادا بالخصوص كانصراف الماء إلى ما هو المتعارف شربه في البلد كالفرات في العراق مثلا.
(ثانيها) ما هو أقوى من ذلك مع ارتفاعه بالتأمل وهو المسمى بالتشكيك البدوي.
(وثالثها) أن يكون الشيوع موجبا لاستقرار الشك واستمراره على وجه لا يزول بالملاحظة والتأمل نظير الشك الحاصل في المجاز المشهور عند التردد في وصل الشهرة حدا يمكن معها التصرف لا أنه في المجاز محكوم بإرادة الحقيقة نظرا إلى أصالتها وفي المقام محكوم بالإجمال نظرا إلى أن الحكم بالإطلاق مما لا قاضي به إلى أن قال.
(ورابعها) بلوغ الشيوع حد الشياع في المجاز المشهور عند تعارضه
379

مع الحقيقة المرجوحة الا أنه يحكم في المجاز بالتوقف وبالتقييد في المقام إلى أن قال.
(خامسها) بلوغ الشيوع حد الاشتراك ثم النقل (انتهى).
(أقول) وفي ما أفاده التقريرات إلى هنا مواضع للنظر.
(منها) أنه جعل كلا من القسم الأول والثاني للانصراف قسما على حده وهو كما ترى ضعيف فان التقسيم لا بد وأن يكون بلحاظ ماله من الأثر والا فيمكن تكثير الأقسام إلى حد أكثر وليس لكل من القسم الأول والثاني أثر خاص سوى أن أحدهما بدوي زائل بلا تأمل والآخر بدوي زائل مع التأمل (ومنها) أنه في المجاز المشهور عند التردد في وصول الشهرة حدا يمكن معها التصرف قد حكم بإرادة الحقيقة نظرا إلى أصالتها وهو كما ترى ضعيف أيضا الا إذا قيل بأصالة الحقيقة من باب التعبد لا من باب الظهور ولا نقول به كما تقدم غير مرة ولا أظن أن يقول به في غير المقام.
(ومنها) أنه في المجاز المشهور عند تعارضه مع الحقيقة المرجوحة قد حكم بالتوقف وهو في غير محله فإنه مع فرض غلبة المجاز على الحقيقة ورجحانه عليها يكون اللفظ ظاهرا فيه ومع ظهوره فيه لا وجه للتوقف كما لا يخفى (وعلى كل حال) حاصل كلام المصنف في الأقسام المذكورة كلها أن القسم الرابع من الانصراف وهو البالغ حد الشياع في المجاز المشهور الراجح على الحقيقة مما يوجب ظهور المطلق في المنصرف إليه (وقد أشار إليه) بقوله انه لا إطلاق له فيما كان له الانصراف إلى خصوص بعض الأفراد أو الأصناف لظهوره فيه... إلخ.
(وأما القسم الثالث) من الانصراف وهو البالغ حد الشياع في المجاز المشهور المردد وصوله حدا يمكن معه التصرف فهو مما يوجب تيقن
380

إليه من المطلق وإن لم يوجب ظهوره فيه (وقد أشار إليه) بقوله أو كونه متيقنا منه ولو لم يكن ظاهرا فيه بخصوصه... إلخ (والظاهر) أن مقصوده من المتيقن هو المتيقن في مقام التخاطب والا فالمتيقن بملاحظة الخارج عن مقام التخاطب مما لا يؤثر شيئا كما لا يخفى وهو موجود في تمام المطلقات إذ ما من مطلق إلا وله القدر المتيقن كما تقدم.
(وأما القسم الأول والثاني) من الانصراف فهما مما لا يوجبان الظهور أو التيقن أصلا (وقد أشار إليهما) بكلام يشملهما جميعا فقال كما أنه منها ما لا يوجب ذا ولا ذاك بل يكون بدويا زائلا بالتأمل... إلخ.
(وأما القسم الخامس) فهو مما يوجب الاشتراك أو النقل كما ذهب إليه التقريرات (وقد أشار إليه) بقوله كما أنه منها ما يوجب الاشتراك أو النقل... إلخ.
(قوله لا يقال كيف يكون ذلك وقد تقدم أن التقييد لا يوجب التجوز في المطلق أصلا... إلخ) هذا الإشكال مع جوابيه مأخوذ ان عن التقريرات قد تعرضهما باختلاف يسير بعد الفراغ عن ذكر أقسام الانصراف (وحاصل الإشكال) أن بلوغ الانصراف حد الاشتراك أو النقل انما يعقل على مسلك من يرى التقييد مجازا فيستعمل المطلق في المقيد مجازا ويكثر الاستعمال فيه شيئا فشيئا إلى أن يصل حد الوضع والاشتراك بل حد النقل فيصير مثل لفظ الرقبة لكثرة استعماله في الرقبة المؤمنة مشتركا لفظيا بين مطلق الرقبة وبين الرقبة المؤمنة بل منقولا إلى الرقبة المؤمنة (ولكن على المختار) من عدم كون التقييد مجازا أصلا نظرا إلى وضع المطلق الماهية اللا بشرط المقسمي وأنه مستعمل فيها دائما وأن الخصوصية تستفاد من القيد بنحو تعدد الدال والمدلول فلا يكاد يعقل ذلك إذ لا معنى لأن يكثر استعمال
381

المطلق في معناه الموضوع له وهو الماهية اللا بشرط المقسمي ويصير حقيقة في المقيد الذي لم يستعمل فيه المطلق أصلا (وقد أجاب عنه المصنف) بجوابين (الأول) ما حاصله أن المختار هو أن التقييد لا يستلزم التجوز لا أنه لا يمكن التقييد على نحو يوجب التجوز إذ من الممكن أن يستعمل المطلق في المقيد مجازا لا بنحو تعدد الدال والمدلول ويكثر ذلك شيئا فشيئا إلى أن يصل حد الاشتراك أو النقل وهذا واضح.
(الثاني) ما حاصله أن استعمال المطلق وإرادة المقيد ولو بنحو تعدد الدال والمدلول يمكن أن يكثر بحد يحصل بسببه مزية أنس بينهما كما في المجاز المشهور أو أنس أكمل قد بلغ حد الوضع والحقيقة كما في المنقول بالغلبة فإذا لا إشكال ولا شبهة.
(أقول) إن مجرد دعوى إمكان ذلك أي كثرة الاستعمال بحد يحصل بسببه مزية أنس إلى آخره مما لا يشفي العليل ولا يروى الغليل إذ لا وجه لاستعمال اللفظ في معناه الموضوع له وصيرورته بذلك حقيقة في أمر آخر لم يستعمل فيه اللفظ أصلا (ولعله) إليه أشار أخيرا بقوله فافهم (والحق في الجواب) هو أن يقال ان الذي لا يكاد يعقل وقوعه خارجا هو أن يكثر استعمال اللفظ في معنى ويصير حقيقة في معنى آخر أجنبي والمقام ليس من هذا القبيل فان المقيد عين المطلق بإضافة خصوصية زائدة إليه فإذا استعمل المطلق في المقيد ولو بنحو تعدد الدال والمدلول لا بنحو التجوز فلا عجب في أن يحصل بسببه أنس كامل بينهما بحد يحصل به الاشتراك أو النقل لغة.
(قوله فافهم... إلخ) قد أشير الآن إلى وجه قوله فافهم فلا تغفل
382

إذا كان للمطلق جهات عديدة
(قوله تنبيه وهو أنه يمكن أن يكون للمطلق جهات عديدة... إلخ) إشارة إلى ما تعرضه صاحب التقريرات (وتفصيله) كما أشير قبلا أنه بعد الفراغ عن مقدمات الحكمة وجعلها أمرين انتفاء ما يوجب التقييد ووروده في مقام البيان (قال ما هذا لفظه) هداية قد عرفت أن حمل المطلق على الإطلاق موقوف على أمرين أحدهما عدمي والآخر وجودي ويتولد من كل واحد منهما شرط للحمل على الإطلاق كما أفاده بعض المحققين في فوائده.
(الأول) أن لا يكون منصرفا إلى بعض الأفراد إلى أن قال.
(الشرط الثاني) إذا فرض لإطلاق المطلق جهات عديدة فالشرط في حمله على الإطلاق من كل جهة أن يكون واردا في مقام بيان تلك الجهة بخصوصها فلا يجوز التعويل على الإطلاق في الجهة التي لم يرد المطلق في بيانها ووجه الاشتراط ظاهر بعد ما عرفت من أن الإطلاق إنما هو موقوف على وروده في مقام البيان لأنه لو لم يحمل على العموم من تلك الجهة وحمل على الإهمال من جهتها لا يلزم قبيح على المتكلم ويظهر ذلك في الغاية بالمراجعة إلى المحاورات العرفية فلو أفتى المجتهد مقلده بجواز الصلاة في القلنسوة النجسة فهل ترى أن يؤخذ بإطلاق القلنسوة النجسة ويحكم بجواز الصلاة فيها إذا كانت مغصوبة أيضا ومن هنا نقدوا على الشيخ في استدلاله على طهارة موضع عض الكلب بإطلاق قوله تعالى وكلوا مما أمسكن مع وروده في مقام بيان الحلية ولا يرتبط بجهة الطهارة والنجاسة (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
383

(قوله وفي مقام الإهمال أو الإجمال... إلخ) قد أشرنا في صدر هذا الفصل إلى الفرق بين الإهمال والإجمال فتذكر.
(قوله إلا إذا كان بينهما ملازمة عقلا أو شرعا أو عادة... إلخ) إشارة إلى ما تعرضه صاحب التقريرات أيضا (قال) بعد عبارته المتقدمة بيسير (ما هذا لفظه) تذنيب ما ذكرنا من عدم السراية إلى الجهة التي لم يرد المطلق في بيانها إنما هو إذا لم يكن لتلك الجهة ملازمة عقلية أو عادية أو شرعية للجهة التي ورد في بيانها مثل ما ورد في صحة الصلاة في ثوب فيه عذرة ما لا يؤكل لحمه من جهة النجاسة عند عدم العلم بها فإنها تدل على صحة الصلاة في اجزاء ما لا يؤكل لحمه عند عدم العلم بها إذا كانت النجاسة من الأجزاء لعدم الانفكاك بينهما على هذا التقدير فلو حمل على نفس الجهة التي ورد في بيانها لزم إلغائه بالمرة (انتهى) موضع الحاجة من كلامه وقد ذكر أعلى الله مقامه أمثلة أخرى للمقام لا تخلو عن مناقشة والأصح من بينها ما ذكرناه فراجع.
في حمل المطلق على المقيد
(قوله فصل إذا ورد مطلق ومقيد متنافيين فإما يكونان مختلفين في النفي والإثبات وإما يكونان متوافقين... إلخ) (قد يكون) المطلق والمقيد مثبتين (وقد يكونان) منفيين (وقد يكونان) مختلفين في النفي والإثبات وقد عبر المصنف عن الأولين بقوله وإن كانا متوافقين وعن الأخير بقوله فان كانا مختلفين... إلخ (ثم لا إشكال) في أن محل الكلام كما يظهر من قوله إذا ورد مطلق ومقيد متنافيين ويظهر أيضا من قوله الآتي كما لا يتفاوتان في استظهار التنافي بينهما... إلخ هو ما إذا كان المطلق والمقيد متنافيين ليقع البحث حينئذ
384

في كيفية الجمع بينهما وأنه هل يجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد أو بنحو آخر (كما لا إشكال) أيضا على الظاهر عند الأصحاب في أن منشأ التنافي بين المطلق والمقيد هو وحدة التكليف غايته أن ظاهر غير واحد منهم أن وحدة التكليف هي مما ينحصر استكشافها من وحدة الموجب كما في قوله إن ظاهرت فأعتق رقبة وإن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة والمصنف كما سيأتي ممن لا يرى انحصار استكشافها بذلك بل يجوز استكشافها من قرينة حال أو مقال.
(أقول) ان التنافي بين المطلق والمقيد وان كان مما يعتبر جدا في محل الكلام ولكن مجرد وحدة التكليف سواء كان استكشافها من وحدة الموجب أو من قرينة حال أو مقال مما لا يكفى وحدها منشأ للتنافي بينهما ما لم نقل بمفهوم الوصف ودلالته على الانتفاء عند الانتفاء ولو في الجملة فإذا قال مثلا أعتق رقبة ثم قال أعتق رقبة مؤمنة فلو لا دلالة كلمة المؤمنة على انتفاء الحكم بانتفاء المؤمنة ولو في الجملة لم يحدث التنافي بينه وبين إطلاق أعتق رقبة الدال على كفاية كل فرد من أفرادها (وعليه) فما ذهب إليه البهائي رحمه الله على ما يظهر من التقريرات من التناقض بين عدم اعتبار مفهوم الوصف وبين تنافي المطلق والمقيد وأن التنافي بينهما ليس الا من جهة مفهوم الوصف هو شيء في محله وان لم نعترف نحن بمفهوم الوصف مطلقا واعترفنا به في الجملة وهو يكفى في احداث التنافي (وأما ما أجيب به عن البهائي) من أن الوصف لما أوجب تضييق دائرة الموضوع حصلت المعارضة بين المطلق والمقيد فالمعارضة بينهما ليست هي الا من هذه الجهة لا من جهة مفهوم الوصف (ليس في محله) وذلك لما عرفت في مفهوم الوصف من أن مجرد تضييق دائرة الموضوع في أحدهما مما لا توجب المعارضة بينهما ما لم يدل الأضيق منهما على عدم كفاية ما سواه ولو في الجملة وعلى كل حال.
385

(أما القسم الأول) من الأقسام الثلاثة المتقدمة وهو ما إذا ورد مطلق ومقيد مثبتين مثل قوله أعتق رقبة وأعتق رقبة مؤمنة (فقال) فيه صاحب المعالم يحمل المطلق على
المقيد إجماعا نقله في النهاية (انتهى) (وقال في التقريرات) فالمشهور على الحمل بل وعليه الإجماع صريحا في كلام جماعة من أصحابنا كالعلامة والعميدي والبهبهاني وغيرهم كالآمدي والحاجبي والعضدي ولعل ذلك هو الواقع أيضا (إلى أن قال) فاستدل الأكثرون بأنه جمع بين الدليلين وهو أولى (قال) وأورد عليه بإمكان الجمع على وجه آخر كحمل الأمر فيهما على التخيير أو في المقيد على الاستحباب (قال) والأول باطل لعدم معقولية التخيير بين الفرد والكلي والثاني فاسد لما عرفت من أن التقييد ليس تصرفا في معنى اللفظ وانما هو تصرف في وجه من وجوه المعنى الذي اقتضاه تجرده عن القيد مع تخيل وروده في مقام بيان تمام المراد وبعد الاطلاع على ما يصلح للتقييد نعلم وجوده على وجه الإجمال فلا إطلاق فيه حتى يستلزم تصرفا فلا يعارض ذلك بالتصرف في المقيد بحمل أمره على الاستحباب (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه (وحاصل) انتصاره لدليل المشهور أن الأمر في المطلق والمقيد دائر بين وجوه ثلاثة (فاما أن) يحمل المطلق على المقيد (واما ان) يحمل الأمر فيهما على التخيير (وأما ان) يحمل الأمر في المقيد على الاستحباب.
(أما الوجه الثاني) فباطل جدا إذ لا محصل للتخيير بين الكلي والفرد كالإنسان وزيد بعد اندراج الفرد تحت الكلي ومن هنا لم يتعرضه المصنف أصلا وان أومأ إليه بقوله مثل حمل الأمر في المقيد على الاستحباب... إلخ (وعليه) فيدور الأمر بين الوجه الأول والثالث والأول متعين لعدم كون التقييد تصرفا في المعنى وان كان تصرفا في وجه من وجوه المعنى (اما عدم كونه)
386

تصرفا في المعنى فلأن اللفظ موضوع للماهية اللا بشرط المقسمي فإذا قيد المطلق بنحو تعدد الدال والمدلول فلا تصرف في أصل المعنى (وأما كون التقييد) تصرفا في وجه من وجوه المعنى فلأن اللفظ بمقتضى وروده مجردا عن القيد مع تخيل وروده في مقام بيان تمام المراد ينعقد له الإطلاق الصوري ولكن بعد ورود ما يصلح للتقييد ينهدم الإطلاق من أصله فلا إطلاق حتى يكون التقييد تصرفا فيه ومنه يتضح أن التقييد في الحقيقة ليس تصرفا أصلا لا في المعنى ولا في وجه من وجوه المعنى وهذا كله بخلاف التصرف في المقيد بحمل أمره الظاهر في الوجوب على الاستحباب فإنه تصرف في المعنى.
(هذا) وقد ناقش المصنف في انتصار التقريرات بما أشار إليه بقوله وأنت خبير بان التقييد أيضا... إلخ (وحاصله) انك قد عرفت في ذيل مقدمات الحكمة أن الظفر بالمقيد مما لا يكشف عن عدم كون المتكلم في مقام البيان القانوني الذي يكون حجة فيما لم تكن حجة أقوى منه وإن كان مما يكشف عن عدم كونه في مقام البيان الجدي (وعليه) فالإطلاق منعقد لا ينهدم بالظفر على المقيد فيكون التقييد تصرفا في المطلق وإن لم يكن فيه تجوز كما أن حمل الأمر في المقيد على الاستحباب أيضا تصرف لكن لا تجوز فيه لأنه مستعمل في الإيجاب حقيقة فإذا قال مثلا صل ثم قال صل في المسجد فالثاني أيضا واجب غايته أنه قد اجتمع فيه ملاك الوجوب والاستحباب فصار من أفضل الأفراد فيتعادلان التصرفان (وعلى هذا) فلا بد في حمل المطلق على المقيد من ذكر دليل آخر غير ما استند إليه المشهور من كونه جمعا بين الدليلين وذلك لما عرفت مما أورد عليه من إمكان الجمع بنحو آخر مثل حمل الأمر في المقيد على الاستحباب... إلخ وان انتصار التقريرات مما لم يتم.
(أقول) أما دعوى المصنف أن التقييد أيضا تصرف في المطلق فهي
387

حق لا ننكرها لكن لا لأن المراد من البيان من كون المتكلم في مقام البيان هو البيان القانوني إلى آخره بل لما تقدم منا من كون المتكلم في مقام البيان مما لا دخل له في انعقاد الإطلاق أصلا وإن كان دخيلا في اعتباره وحجيته (وعليه) فإذا ورد مطلق ولم يكن هناك ما يوجب التعيين والتقييد ولا المتيقن في مقام التخاطب انعقد له الإطلاق قهرا فإذا ورد المقيد بعدا كان ذلك تصرفا لا محالة في المطلق وان لم يكن فيه تجوز (وأما دعواه) أن حمل الأمر في المقيد على الاستحباب مما لا يوجب تجوزا أصلا فهي أيضا حق لا ننكرها لكن لا لأنه مستعمل في الإيجاب فان قوله صل في المسجد مستعمل في الاستحباب لا محالة غير أنه ينشأ به الاستحباب التعييني وهو يجتمع مع الوجوب التخييري المنبسط على الأفراد جميعا المنشأ بقوله صل من غير تقييد فيه بالمسجد ولا محذور عقلا في اجتماع الوجوب التخييري مع الاستحباب التعييني بل لأن الصيغة لم يثبت وضعها للوجوب على ما تقدم في محله كي إذا حملت على الاستحباب لزم التجوز وإن كانت ظاهرة في الوجوب عرفا منصرفة إليه بأحد الأسباب المذكورة هناك من غلبة الاستعمال أو غلبة الوجود أو نحو ذلك بل ظهورها في الوجوب ولو كان بأحد أسباب الانصراف هو أقوى وأشد من ظهور المطلق في الإطلاق المنعقد له بمقدمات الحكمة وعلى هذا الوجه نحن نعتمد في وجوب حمل المطلق على المقيد وإليه يشير المصنف بقوله الآتي ولعل وجه التقييد كون ظهور إطلاق الصيغة في الإيجاب التعييني أقوى من ظهور المطلق في الإطلاق... إلخ.
(نعم) هذا إذا لم يتعدد الإطلاقات واعتضد بعضها ببعض والا فظهور المطلق في الإطلاق حينئذ أقوى وأشد من ظهور الصيغة في الوجوب فلا يمكن رفع اليد عن الإطلاقات العديدة الواردة كلها بظاهرها في مقام البيان
388

وحملها جميعا على الإهمال والإجمال لأجل مقيد واحد بل يحمل القيد على الاستحباب وتبقى الإطلاقات كلها على حالها هذا تمام الكلام في القسم الأول من الأقسام الثلاثة المتقدمة للمطلق والمقيد.
(وأما القسم الثاني) منها وهو ما إذا ورد مطلق ومقيد منفيين مثل قوله لا تأكل الرمان ولا تأكل الرمان الحامض (فقد حكى) الاتفاق فيهما على عدم الحمل والتقييد والعمل بهما جميعا (ومن هنا يظهر) ما في إطلاق كلام المصنف من قوله وان كانا متوافقين فالمشهور فيهما الحمل والتقييد... إلخ فان ذلك في خصوص المثبتين فقط وأما المنفيان فالمشهور بل الاتفاق فيهما على العكس (اللهم) الا إذا كان مراده من المتوافقين خصوص المثبتين وعلى كل حال (قال في المعالم) ما لفظه الثاني أن يتحد موجبهما منفيين فيعمل بهما معا اتفاقا مثل أن يقول في كفارة الظهار لا تعتق المكاتب ولا تعتق المكاتب الكافر انتهى (وقال المحقق القمي) ما لفظه الثاني وهو ما كانا منفيين مع اتحاد الموجب حكمه وجوب العمل بهما اتفاقا ومثل له الأكثرون بقوله في كفارة الظهار لا تعتق مكاتبا ولا تعتق مكاتبا كافرا.
(أقول) لا ينبغي الارتياب في عدم العبرة بالإجماعات المحكية في المسائل الأصولية فان المحصل منها مما لا يوجب الظن برأي المعصوم فضلا من أن يوجب المحكي منها القطع به (وعليه) فيقع الكلام في هذا القسم الثاني كما في القسم الأول عينا فنقول هل يحمل المطلق فيه على المقيد ويكون المراد من الرمان في المثال المتقدم هو الرمان الحامض أو يحمل النهي في المقيد على التأكد ويبقى الإطلاق في المطلق محفوظا على حاله (الظاهر) أنه لا موجب للتفكيك بين القسم الأول والثاني من حيث وجوب حمل المطلق فيهما على المقيد ولو فتحنا باب الحمل على التأكيد في الثاني لجرى ذلك في القسم الأول أيضا
389

(وأما ما أفاده التقريرات) في وجه عدم الحمل في الثاني من أن التأكيد بابه واسع حيث قال لا حمل بلا خلاف كما من العلامة بل ادعى عليه الإجماع في الزبدة والاتفاق في المعالم على ما حكى عنه والوجه في ذلك عدم الداعي عليه لأن انتفاء الحكم عن الطبيعة الواقعة في سياق النفي لا ينافي انتفائه عن الفرد أيضا فان التأكيد بابه واسع فهو (لا يخلو عن مسامحة) لأن ذلك يجري في القسم الأول أيضا فيقال أن الحكم بالطبيعة كالأمر بعتق رقبة مما لا ينافي الأمر بالفرد أيضا كرقبة مؤمنة فيكون لتأكيد الوجوب وكونه من أفضل الأفراد فكما يقال فيه أن ظهور الصيغة في الوجوب التعييني هو أقوى من ظهور المطلق في الإطلاق فيقدم عليه فكذلك يقال في الثاني أن ظهور النهي في التأسيس دون التأكيد هو أقوى من ظهور المطلق في الإطلاق فيقدم عليه (ولعل) من هنا رجع التقريرات أخيرا عن قوله المتقدم حتى قال وبالجملة لا نجد فرقا بين المقامين في مورد الحمل انتهى (وتردد) المحقق القمي وقال فيمكن الجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد اللهم الا أن يعتمد على الإجماع في ذلك بمعنى أن يكون ذلك كاشفا عن اصطلاح عند أهل العرف متفقا عليه وهو كما ترى وان أريد الإجماع الفقهي فلا يخفى بعده (انتهى).
(وأما القسم الثالث) وهو ما إذا ورد مطلق ومقيد مختلفين مثل أعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة أو لا تعتق رقبة وأعتق رقبة مؤمنة فحكمه كما صرح به المحقق القمي هو حمل المطلق على المقيد يعنى بلا كلام فيه وقال فيه المصنف فلا إشكال في التقييد وظاهره أيضا أنه مما لا كلام فيه (وعلى كل حال) لا ينبغي الارتياب في وجوب الحمل في هذا القسم الثالث لا محالة فإنه لدى الحقيقة تخصيص لا تقييد كما يظهر لك بأدنى تأمل فتأمل جيدا.
(قوله فان كانا مختلفين... إلخ) هذا هو القسم الثالث من
390

الثلاثة للمطلق والمقيد المتنافيين وقد قدمه المصنف في الذكر ولا يهم.
(قوله وان كانا متوافقين فالمشهور فيهما الحمل والتقييد... إلخ) أي سواء كانا مثبتين أو منفيين وهما القسم الأول والثاني وقد عرفت أن المشهور في الأول هو الحمل والتقييد والمشهور بل الاتفاق في الثاني هو العكس أي العمل بكل من المطلق والمقيد ولكن قد علمت منا أن الحق هو عدم الفرق بينهما ففي كليهما يجب حمل المطلق على المقيد.
(قوله وقد أورد عليه بإمكان الجمع على وجه آخر مثل حمل الأمر في المقيد على الاستحباب... إلخ) قد أشرنا قبلا أن في قوله هذا إيماء بإمكان الجمع بين المطلق والمقيد بنحو آخر غير حمل المطلق على المقيد وغير حمل الأمر في المقيد على الاستحباب وهو حمل الأمر فيهما على التخيير كما تقدم وعرفت.
(قوله وأورد عليه بان التقييد ليس تصرفا في معنى اللفظ... إلخ) قد عرفت ان هذا الإيراد من التقريرات وهو انتصار لدليل المشهور.
(قوله وبعد الاطلاع على ما يصلح للتقييد نعلم وجوده على وجه الإجمال... إلخ) أي وبعد الاطلاع على مثل قوله أعتق رقبة مؤمنة نعلم وجود ما يصلح للتقييد على وجه الإجمال لتردده بين كونه مقيدا للإطلاق أو مستحبا من أفضل الأفراد.
(قوله وأنت خبير بان التقييد أيضا يكون تصرفا في المطلق... إلخ) شروع في المناقشة في انتصار التقريرات لدليل المشهور وقد عرفت تفصيل المناقشة وانها مما لا تخلو عن خلل.
(قوله نعم فيما إذا كان إحراز كون المطلق في مقام البيان بالأصل... إلخ) استدراك عن قوله وأنت خبير بان التقييد أيضا يكون تصرفا في المطلق
391

لما عرفت من أن الظفر بالمقيد لا يكون كاشفا عن عدم ورود المطلق في مقام البيان... إلخ فيقول نعم إذا كان إحراز كون المتكلم في مقام البيان بالأصل العقلائي المتقدم لك شرحه في الفصل السابق ثم ظفرنا على المقيد بعدا بدليل منفصل كان من التوفيق بين المطلق والمقيد حمل المطلق على أنه سيق في مقام الإهمال وأن المتكلم لم يكن في مقام البيان فلا يكون حينئذ إطلاق كي يكون التقييد تصرفا في المطلق (وفيه) أنه مهما قلنا بذلك أي إذا أحرز كون المتكلم في مقام البيان بالأصل وظفرنا بعدا بالمقيد كشف ذلك عن عدم كون المتكلم في مقام البيان وأنه لا إطلاق حينئذ أصلا فيلزمنا عند ذلك أن لا نتمسك بالإطلاق إذا شك في جهة أخرى غير الجهة التي قد ورد فيها المقيد فيشكل الأمر في أكثر المطلقات بل كلها نظرا إلى كون الإحراز فيها غالبا بالأصل العقلائي وقد ورد لها مقيدات بعدا (والظاهر) أنه إليه أشار بقوله فافهم (اللهم) الا أن يتشبث حينئذ بما أشرنا قبلا من أن عدم البيان في الجهة التي قد ورد فيها المقيد مما لا ينافي البيان من ساير الجهات (أو يلتزم) بما اخترناه نحن من أن كون المتكلم في مقام البيان مما لا دخل له في انعقاد الإطلاق أصلا وان كان له دخل في حجيته واعتباره فإذا ظفرنا بعدا على المقيد لم يكشف ذلك عن عدم تحقق الإطلاق من أصله بل هو يوجب عدم حجية الإطلاق في الجهة التي قد ورد فيها المقيد وهو حجة أقوى ويبقى الإطلاق على حجيته بالنسبة إلى ساير الجهات.
(قوله فافهم... إلخ) قد أشير آنفا إلى وجه قوله فافهم فلا تغفل
(قوله ولعل وجه التقييد كون ظهور إطلاق الصيغة في الإيجاب التعييني أقوى... إلخ) هذا هو الوجه الذي اعتمد عليه المصنف واعتمدنا عليه أيضا في حمل المطلق على المقيد وهو أقوائية ظهور صيغة الأمر في جانب
392

المقيد في الوجوب التعييني من ظهور المطلق في الإطلاق وقد عرفت تحقيق الكلام فيه فيما تقدم فلا نعيد.
في عدم التقييد في باب المستحبات
(قوله وربما يشكل بأنه يقتضى التقييد في باب المستحبات مع أن بناء المشهور على حمل الأمر بالمقيد فيها على تأكيد الاستحباب... إلخ) (ووجه الإشكال) أنه كما يقال في الواجبات أي في مثل أعتق رقبة وأعتق رقبة مؤمنة أن الأمر دائر بين ظهور المطلق في الإطلاق وبين ظهور المقيد في الإيجاب التعييني وأن الثاني أقوى من الأول فيحمل المطلق على المقيد وينحصر وجوب عنق الرقبة بالمؤمنة خاصة فكذلك يقال في المستحبات عينا ففي مثل قوله زر الحسين عليه السلام وزر الحسين عليه السلام في ليلة الجمعة الأمر دائر بين الأخذ بظهور المطلق في الإطلاق فيحمل القيد في المقيد على تأكد الاستحباب وبين الأخذ بظهور المقيد في الاستحباب التأسيسي لا التأكيدي فيحمل المطلق على المقيد فلا استحباب لزيارة الحسين عليه السلام في غير ليلة الجمعة أصلا والثاني أقوى وأشد من الأول فيتعين حمل المطلق على المقيد كما في الواجبات عينا (وقد أفاد المصنف) في حل هذا الإشكال وجهين متعددين.
(الأول) ما أشار إليه بقوله اللهم إلا أن يكون الغالب في هذا الباب هو تفاوت الأفراد بحسب مراتب المحبوبية... إلخ فزيارة الحسين عليه السلام مثلا محبوبة وفي ليلة الجمعة أحب وفيها مع الخشوع والبكاء أحب من الجميع وهكذا (وإن شئت قلت) أن الغالب في باب المستحبات أن يكون القيد لأجل التأكيد ومزيد المحبوبية لا لأجل الاحتراز والدخل في أصل المطلوبية كي يحمل المطلق
393

فيها على المقيد (وقد يقال) إن تفاوت الأفراد بحسب مراتب المحبوبية في الواجبات أيضا كثيرة فلا يتم هذا الوجه وإليه أشار بقوله فتأمل (ولكن الإنصاف) أن الإيراد غير وارد فان التفاوت المذكورة في الواجبات وإن كانت كثيرة ولكن مع ذلك حيث لا يكون الغالب فيها ذلك فالقيود فيها ظاهرة في الاحترازية فيحمل المطلق فيها على المقيد بخلاف المستحبات فان الغالب فيها حيث كان تفاوت الأفراد بحسب مراتب المحبوبية فالقيود فيها ظاهرة في التأكيد ومزيد المحبوبية لا لأجل الاحتراز والدخل في أصل المطلوبية كما هو الأصل في القيود (وعليه) فلا حمل فيها ولا تقييد.
(الثاني) ما أشار إليه بقوله أو أنه كان بملاحظة التسامح في أدلة المستحبات وكان عدم رفع اليد من دليل استحباب المطلق بعد مجيء دليل المقيد وحمله على تأكد استحبابه من التسامح فيها (ولكن الإنصاف) أن هذا الوجه ضعيف جدا فان التسامح في أدلة السنن ليس الا عبارة عن العمل في المستحبات بالخبر الضعيف لأجل أخبار من بلغه ثواب وقد عقد لها بابا في الوسائل في أبواب مقدمة العبادات سماه بباب استحباب الإتيان بكل عمل مشروع روى له ثواب منهم عليهم السلام (مثل رواية صفوان) عن أبي عبد الله عليه السلام قال من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمل به كان له أجر ذلك وإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقله إلى غير ذلك من الروايات وليس من التسامح في أدلة السنن العمل بالمطلقات بعد ورود المقيدات لها بحملها على تأكد الاستحباب.
(قوله فتأمل... إلخ) قد أشير آنفا إلى وجه قوله فتأمل فلا تغفل.
(قوله ثم إن الظاهر أنه لا يتفاوت فيما ذكرنا بين المثبتين والمنفيين... إلخ) نعم لا يتفاوت بين المثبتين والمنفيين غير أن المشهور في الأول كان هو الحمل والتقييد وفي الثاني العمل بهما جميعا وكان ظاهر قول المصنف فيما تقدم
394

وإن كانا متوافقين فالمشهور فيهما الحمل والتقييد... إلخ أن في كلا القسمين يكون المشهور ذلك وهو خلاف الواقع اللهم إلا إذا كان مراده من المتوافقين كما أشير قبلا هو خصوص المثبتين.
(قوله كما لا يتفاوتان في استظهار التنافي بينهما من استظهار اتحاد التكليف من وحدة السبب وغيره... إلخ) إشارة إلى ما أشرنا إليه في صدر البحث من أن محل الكلام في المقام هو ما إذا كان بين المطلق والمقيد تنافيا لأجل وحدة التكليف غير أن ظاهر غير واحد منهم أن وحدة التكليف ينحصر استظهارها من وحدة الموجب حيث اعتبروها في عنوان البحث والمصنف لا يرى انحصاره بها بل يجوز استظهارها من قرينة حال أو مقال (ومنه يعرف) أن قوله هذا تعريض لدى الحقيقة بمن اعتبر اتحاد الموجب في عنوان البحث كالمعالم والمحقق القمي (قال في المعالم) الأول أن يتحد موجبهما مثبتين (إلى أن قال) الثاني أن يتحد موجبهما منفيين (إلى أن قال) الثالث أن يختلف موجبهما انتهى (وقال المحقق القمي) فإما أن يتحد موجبهما أو يختلف أما الأول فإما أن يكون الحكمان مثبتين أو منفيين أو مختلفين انتهى (ووجه التعريض) أن اتحاد الموجب هو من أحد طرق العلم بوحدة التكليف ولا ينحصر الطريق إليه بما ذكر فإذا لم يذكر الموجب في لسان الدليل وقد علم وحدة التكليف بقرينة أخرى من حال أو مقال أجزأ وكفى وهذا واضح.
في حمل المطلق على المقيد في الحكم الوضعي كالتكليفي
(قوله تنبيه لا فرق فيما ذكر من الحمل في المتنافيين بين كونهما في بيان الحكم التكليفي أو في بيان الحكم الوضعي... إلخ) (وحاصله) أنه لا فرق
395

فيما ذكر من حمل المطلق على المقيد بين كونهما في بيان الحكم التكليفي كما في قوله أعتق رقبة وأعتق رقبة مؤمنة أو في بيان الحكم الوضعي كما في قوله البيع سبب للنقل والبيع من البالغين سبب للنقل (غايته) أنه في التكليفي يدور الأمر بين الأخذ بظهور المطلق في الإطلاق وبين الأخذ بظهور المقيد في الوجوب التعييني وحيث كان الثاني أقوى وأشد قدم على الأول وفي الوضعي يدور الأمر بين الأخذ بظهور المطلق في الإطلاق وبين الأخذ بظهور القيد في الاحترازية وحيث أن الثاني أقوى وأشد لندرة كون القيد غالبيا لا احترازيا قدم الثاني على الأول.
(قوله أو على وجه آخر... إلخ) مثل كون القيد لدفع توهم انتفاء الحكم عن مورد القيد كما لو قال مثلا البيع سبب للنقل والبيع من الكافر سبب للنقل فإنه ليس احترازيا ولا غالبيا بل لدفع توهم انتفاء السببية عن بيع الكافر
قضية مقدمات الحكمة تختلف
(قوله تبصرة لا تخلو من تذكرة وهي أن قضية مقدمات الحكمة في المطلقات تختلف... إلخ) (وحاصلها) أن قضية مقدمات الحكمة في المطلقات تختلف باختلاف المقامات (فقد تقتضي) العموم البدلي (وقد تقتضي) العموم الاستيعابي (وقد تقتضي) صنفا خاصا وقسما مخصوصا (ففي صيغة الأمر) تقتضي الوجوب التعييني العيني النفسي خاصة نظرا إلى أن كلا مما يقابله من التخييري والكفائي والغيري يكون فيه تقييد الوجوب وتضييق دائرته وقد تقدم تفصيل ذلك مع ما فيه من النقض والإبرام في المبحث السادس من مباحث الصيغة فراجع (وفي الأحكام الوضعية) تقتضي العموم الاستيعابي كما في أحل الله البيع أو أنزلنا من السماء ماء طهورا وقد مثل به صاحب الفصول
396

رحمه الله وتقدم ذكره في تعريف المطلق فتذكر (فإن إرادة الإهمال أو الإجمال) خلاف المفروض من تمامية المقدمات ومنها كون المتكلم بصدد بيان تمام المراد ولو بمقتضى الأصل العقلائي الذي تقدم شرحه (وإرادة العموم البدلي) مما لا يناسب الحكم الوضعي وإن ناسب الحكم التكليفي فإنه يأتي بفرد ويحصل به الطبيعة ويسقط به التكليف فيتعين العموم الاستيعابي وهو ثبوت الحكم لتمام الأفراد بنحو الاستغراق كما في أكرم العلماء أو أكرم كل عالم (وفي الأحكام التكليفية) تقتضي العموم البدلي كما في أعتق رقبة أو أكرم عالما ونحوهما فان الأمر يتعلق بالطبيعة ومقتضى انعقاد الإطلاق لها بوسيلة الحكمة هو الاجتزاء بأي فرد منها لا وجوب الإتيان بجميع أفرادها.
(قوله مهملا أو مجملا... إلخ) قد عرفت الفرق بين الإهمال والإجمال في صدر الفصل المتقدم فلا نعيد.
(قوله ولا مجال لاحتمال إرادة بيع اختاره المكلف... إلخ) لما فيه من لزوم تبعية حكم الله وهو الحلية في قوله تعالى أحل الله البيع لاختيار المكلف فما اختاره المكلف يكون حلالا نافذا وما لم يختره لا يكون كذلك وهو كما ترى (هذا مضافا) إلى ما أورده المصنف أيضا من أن ذلك مما لا يفي به الإطلاق بل لا بد من نصب قرينة عليه ولا قرينة عليه.
(قوله ولا يصح قياسه على ما إذا أخذ في متعلق الأمر... إلخ) أي ولا يصح قياس أحل الله البيع على ما إذا أخذ البيع في متعلق الأمر مثل ما إذا قال بع واشتر في هذا اليوم فان العموم الاستيعابي مما لا يمكن إرادته فيه وإرادة الإهمال أو الإجمال خلاف المفروض فيتعين العموم البدلي.
(أقول) ولو استدل للعموم البدلي في الأحكام التكليفية بما استدللنا به من أن الأمر متعلق بالطبيعة ومقتضى انعقاد الإطلاق لها بمعونة الحكمة هو
397

الاجتزاء بأي فرد منها لا وجوب الإتيان بجميع أفرادها كان أولى.
(قوله وإرادة غير العموم البدلي... إلخ) أي إرادة الإهمال والإجمال ومقصوده أن البيع إذا أخذ في متعلق الأمر لم يمكن إرادة العموم الاستيعابي منه وإرادة غير العموم البدلي من الإهمال والإجمال منافية للحكمة لما فرض من تمامية المقدمات وكون المتكلم في مقام البيان فيتعين قهرا إرادة العموم البدلي.
في المجمل والمبين
(قوله فصل في المجمل والمبين والظاهر أن المراد من المبين في موارد إطلاقه الكلام الذي له ظاهر... إلخ) كان مقتضى القاعدة أن يعقد المصنف للمجمل والمبين مقصدا مستقلا برأسه كما عقد للمطلق والمقيد وللعام والخاص وغيرهما غير أن الكلام في المجمل والمبين حيث لم يكن مبسوطا واسعا فاكتفي فيهما بعقد فصل صغير (وعلى كل حال) الظاهر أن المراد من المبين ليس خصوص ما كان صريحا في معنى بل يعم الصريح والظاهر جميعا ومعنى الظاهر هو ما لو ألقى إلى العرف عرفوا منه معنى في قبال المجمل وهو الذي لا يكون ظاهرا في معنى على نحو لو ألقى إلى العرف لم يعرفوا منه شيئا وان علم من الخارج مراد المتكلم ومقصوده.
(قوله إلا ان لهما أفراد مشتبهة وقعت محل البحث والكلام للاعلام في انها من أفراد أيهما... إلخ) ومن هنا لم يهتم المصنف بالمجمل والمبين ولم يتعرضهما إلا بنحو الإجمال فان مباحثهما ليست مباحث كبروية كمباحث العام والخاص والمطلق والمقيد وغيرهما (مثل أن العام إذا خصص) فهل هو حجة في الباقي (أو انه إذا خصص بمجمل) فهل يسرى الإجمال إلى العام (أو انه
398

إذا ورد مطلق ومقيد) فهل يجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد أو بحمل المقيد على الاستحباب أو بنحو آخر وهكذا بل كلها مباحث صغروية (مثل أن قوله تعالى) السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما (أو قوله تعالى) حرمت عليكم أمهاتكم (أو أحلت) لكم بهيمة الأنعام (أو قوله) صلى الله عليه وآله وسلم لا صلاة إلا بطهور (أو لا صلاة) إلا بفاتحة الكتاب (أو لا صيام) لمن لم يبيت الصيام من الليل ونحو ذلك من الآيات والروايات هل هو من المجمل أو من المبين ومن المعلوم أن البحث كذلك مما لا يحتاج إلى إطالة الكلام ومزيد النقض والإبرام بل يعرف حاله بمراجعة أهل العرف والوجدان فان كان الكلام مما له ظهور عرفا فهو مبين وإلا فهو مجمل.
(قوله فتأمل... إلخ) ولعل وجه التأمل أنه لو كان رفع الشبهة والترديد بين الإجمال والبيان أمرا سهلا يعرف بمراجعة الوجدان كما أفاد المصنف لما أطيل الكلام من الأعلام بمزيد النقض والإبرام في غير واحد من الآيات والروايات.
(قوله ثم لا يخفى انهما وصفان إضافيان ربما يكون مجملا عند واحد لعدم معرفته بالوضع أو لتصادم ظهوره بما حف به لديه... إلخ) بل الظاهر انهما وصفان واقعيان لا يختلفان بعدم معرفة شخص بالوضع أو بمعرفته به أو بتصادم ظهوره بما حف به لديه وعدمه (فاللفظ) إذا كان بحيث لو ألقى إلى أهل العرف عرفوا منه معناه ولم يتحيروا ولم يترددوا في المراد منه فهو من الألفاظ المبينة واقعا وان فرض ان شخصا قد جهل معناه لجهله بالوضع أو لتصادم ظهوره بما حف به لديه (كما أن اللفظ) إذا كان بحيث إذا ألقى إلى العرف لم يعرفوا منه معناه وتحيروا وترددوا في المراد منه فهو من الألفاظ المجملة واقعا وان فرض ان شخصا قد عرف معناه صدفة بقرينه حال أو مقال منفصل عنه
399

أو نحو ذلك فالمعيار كل المعيار في البيان والإجمال هو فهم العرف وعدمه فان عرفوا معناه فهو مبين واقعا وإلا فهو مجمل كذلك.
(قوله فلا يهمنا التعرض لموارد الخلاف... إلخ) هذا تفريع على قوله وهو يظهر بمراجعة الوجدان... إلخ وقد انفصل عنه بأجنبي وهو قوله ثم لا يخفى انهما وصفان إضافيان... إلخ (هذا آخر) ما أراد الله لنا إيراده في المجمل والمبين وبه تم الجزء الثاني من عناية الأصول في شرح كفاية الأصول وأسأله تعالى أن يوفقني لبقية الأجزاء كما وفقني للجزء الأول والثاني انه جواد كريم.
400