الكتاب: بداية الوصول في شرح كفاية الأصول
المؤلف: الشيخ محمد طاهر آل الشيخ راضي
الجزء: ٤
الوفاة: ١٤٠٠
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق: أشرف على طبعه وتصحيحه : محمد عبد الحكيم الموسوي البكاء
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٥ - ٢٠٠٤م
المطبعة: ستاره
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
ردمك:
ملاحظات:

بداية الوصول
في شرح كفاية الأصول
تأليف
آية الله العظمى
الشيخ محمد طاهر آل الشيخ راضي
(قدس سره)
أشرف على طبعة وتصحيحه
محمد عبد الحكيم الموسوي البكاء
الجزء الرابع
مقدمة 1

الكتاب: بداية الوصول / الجزء الرابع
مؤلف: الشيخ محمد طاهر آل الشيخ راضي (قدس سره)
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
الطبعة: الأولى 1425 ه‍. ق / 2004 م
المطبعة: مطبعة ستاره
عدد النسخ: (1000) نسخه
جميع حقوق الطبع محفوظة ومسجلة للناشر
مقدمة 2

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة 3

ولعل العرف يساعد على الوجه الثاني، كما أن العقل ربما يعين هذا الوجه، بملاحظة أن الأمور المتعددة بما هي مختلفة، لا يمكن أن يكون كل منها مؤثرا في واحد، فإنه لابد من الربط الخاص بين العلة والمعلول، ولا يكاد يكون الواحد بما هو واحد مرتبطا بالاثنين بما هما اثنان، ولذلك أيضا لا يصدر من الواحد إلا الواحد، فلابد من المصير إلى أن الشرط في الحقيقة واحد، وهو المشترك بين الشرطين (1) بعد البناء على
1

رفع اليد عن المفهوم، وبقاء إطلاق الشرط في كل منهما على حاله (1)، وإن كان بناء العرف والأذهان العامية على تعدد الشرط وتأثير كل شرط
2

بعنوانه الخاص (1)، فافهم (2).
واما رفع اليد عن المفهوم وفي خصوص أحد الشرطين وبقاء الآخر على مفهومه فلا وجه لان يصار اليه الا بدليل آخر. إلا أن يكون ما أبقي على المفهوم أظهر (3)، فتدبر جيدا.
3

الأمر الثالث: إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء، فلا إشكال على الوجه الثالث، وأما على سائر الوجوه، فهل اللازم لزوم الاتيان بالجزاء متعددا، حسب تعدد الشروط؟ أو يتداخل، ويكتفى بإتيانه دفعة واحدة (1)؟ فيه أقوال
4

: والمشهور عدم التداخل، وعن جماعة منهم - المحقق الخوانساري - التداخل، وعن الحلي التفصيل بين اتحاد جنس الشروط وتعدده (1).
6

والتحقيق: إنه لما كان ظاهر الجملة الشرطية، حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بسببه، أو بكشفه عن سببه، وكان قضيته تعدد الجزاء
7

عند تعدد الشرط، كان الاخذ بظاهرها إذا تعدد الشرط حقيقة أو وجودا محالا، ضرورة أن لازمه أن يكون الحقيقة الواحدة - مثل الوضوء - بما هي واحدة، في مثل إذا بلت فتوضأ، وإذا نمت فتوضأ، أو فيما إذا بال مكررا، أو نام كذلك، محكوما بحكمين متماثلين، وهو واضح الاستحالة كالمتضادين (1). فلابد على القول بالتداخل من التصرف فيه:
8

إما بالالتزام بعدم دلالتها في هذا الحال على الحدوث عند الحدوث، بل على مجرد الثبوت (1)، أو الالتزام بكون متعلق الجزاء وإن كان واحدا
9

صورة، إلا أنه حقائق متعددة حسب تعدد الشرط، متصادقة على واحد، فالذمة وإن اشتغلت بتكاليف متعددة، حسب تعدد الشروط، إلا أن الاجتزاء بواحد لكونه مجمعا لها، كما في أكرم هاشميا وأضف عالما، فأكرم العالم الهاشمي بالضيافة، ضرورة أنه بضيافته بداعي الامرين، يصدق أنه امتثلهما، ولا محالة يسقط الامر بامتثاله وموافقته، وإن كان له امتثال كل منهما على حدة، كما إذا أكرم الهاشمي بغير
10

الضيافة، وأضاف العالم غير الهاشمي (1).
11

إن قلت: كيف يمكن ذلك - أي الامتثال بما تصادق عليه العنوانان - مع استلزامه محذور اجتماع الحكمين المتماثلين فيه (1)؟
12

قلت: انطباق عنوانين واجبين على واحد لا يستلزم اتصافه بوجوبين، بل غايته أن انطباقهما عليه يكون منشأ لاتصافه بالوجوب وانتزاع صفته له (1)، مع أنه - على القول بجواز الاجتماع - لا محذور في اتصافه بهما (2)، بخلاف ما إذا كان بعنوان واحد (3)،
13

فافهم (1).
14

أو الالتزام بحدوث الأثر عند وجود كل شرط، إلا أنه وجوب الوضوء في المثال عند الشرط الأول، وتأكد وجوبه عند الآخر (1).
15

ولا يخفى أنه لا وجه لان يصار إلى واحد منها، فإنه رفع اليد عن الظاهر بلا وجه، مع ما في الأخيرين من الاحتياج إلى إثبات أن متعلق الجزاء متعدد متصادق على واحد، وإن كان صورة واحدا مسمى باسم واحد، كالغسل، وإلى إثبات أن الحادث بغير الشرط الأول تأكد ما حدث بالأول، ومجرد الاحتمال لا يجدي، ما لم يكن في البين ما يثبته (1).
16

إن قلت: وجه ذلك هو لزوم التصرف في ظهور الجملة الشرطية، لعدم امكان الاخذ بظهورها، حيث أن قضيته اجتماع الحكمين في الوضوء في المثال، كما مرت الإشارة إليه (1).
قلت: نعم، إذا لم يكن المراد بالجملة فيما إذا تعدد الشرط كما في المثال هو وجوب وضوء مثلا بكل شرط غير ما وجب بالآخر، ولا ضير في كون فرد محكوما بحكم فرد آخر أصلا، كما لا يخفى (2).
18

إن قلت: نعم، لو لم يكن تقدير تعدد الفرد على خلاف الاطلاق (1).
19

قلت: نعم، لو لم يكن ظهور الجملة الشرطية في كون الشرط سببا أو كاشفا عن السبب، مقتضيا لذلك أي لتعدد الفرد وإلا كان وبيانا لما هو المراد من الاطلاق.
وبالجملة: لا دوران بين ظهور الجملة في حدوث الجزاء وظهور الاطلاق ضرورة أن ظهور الاطلاق يكون معلقا على عدم البيان، وظهورها في ذلك صالح لان يكون بيانا، فلا ظهور له مع ظهورها، فلا يلزم على القول بعدم التداخل تصرف أصلا، بخلاف القول بالتداخل (1)
20

كما لا يخفى (1).

(1) كفاية الأصول بحاشية المحقق المشكيني (ج 1، ص 318 (حجري).
22

فتلخص بذلك، أن قضية ظاهر الجملة الشرطية، هو القول بعدم التداخل عند تعدد الشرط (1).
وقد انقدح مما ذكرناه، أن المجدي للقول بالتداخل هو أحد الوجوه التي ذكرناها، لا مجرد كون الأسباب الشرعية معرفات لا مؤثرات (2)، فلا وجه لما عن الفخر وغيره، من ابتناء المسألة على أنها معرفات أو مؤثرات (3) مع أن الأسباب الشرعية حالها حال غيرها، في كونها
23

معرفات تارة ومؤثرات أخرى، ضرورة أن الشرط للحكم الشرعي في الجملة الشرطية، ربما يكون مما له دخل في ترتب الحكم، بحيث لولاه لما وجدت له علة، كما أنه في الحكم غير الشرعي، قد يكون أمارة على حدوثه بسببه، وإن كان ظاهر التعليق أن له الدخل فيهما، كما لا يخفى (1).
24

نعم، لو كان المراد بالمعرفية في الأسباب الشرعية أنها ليست بدواعي الاحكام التي هي في الحقيقة علل لها، وإن كان لها دخل في تحقق موضوعاتها، بخلاف الأسباب غير الشرعية (1)، فهو وإن كان له
26

وجه، إلا أنه مما لا يكاد يتوهم أنه يجدي فيما هم وأراد (1).
ثم إنه لا وجه للتفصيل بين اختلاف الشروط بحسب الأجناس وعدمه، واختيار عدم التداخل في الأول، والتداخل في الثاني، إلا توهم عدم صحة التعلق بعموم اللفظ في
الثاني، لأنه من أسماء الأجناس،
27

فمع تعدد أفراد شرط واحد لم يوجد إلا السبب الواحد، بخلاف الأول، لكون كل منها سببا، فلاوجه لتداخلها (1)، وهو فاسد.
28

فإن قضية اطلاق الشرط في مثل إذا بلت فتوضأ هو حدوث الوجوب عند كل مرة لو بال مرات، وإلا فالأجناس المختلفة لابد من رجوعها إلى واحد، فيما جعلت شروطا وأسبابا لواحد، لما مرت إليه الإشارة، من أن الأشياء المختلفة بما هي مختلفة لا تكون أسبابا لواحد (1)، هذا كله
29

فيما إذا كان موضوع الحكم في الجزاء قابلا للتعدد. وأما ما لا يكون قابلا
30

للتعدد. وأما ما لا يكون قابلا لذلك، فلابد من تداخل الأسباب فيه، فيما لا يتأكد المسبب، ومن التداخل فيه فيما يتأكد (1).
فصل
الظاهر أنه لا مفهوم للوصف وما بحكمه مطلقا، لعدم ثبوت الوضع، وعدم لزوم اللغوية بدونه، لعدم انحصار الفائدة به، وعدم قرينة أخرى
31

ملازمة له (1)، وعليته فيما إذا استفيدت غير مقتضية له، كما لا يخفى، ومع كونها بنحو الانحصار وإن كانت مقتضية له، إلا أنه لم يكن من
32

مفهوم الوصف، ضرورة أنه قضية العلية الكذائية المستفادة من القرينة عليها في خصوص مقام، وهو مما لا إشكال فيه ولا كلام، فلاوجه لجعله تفصيلا في محل النزاع، وموردا للنقض والابرام (1).
35

ولا ينافي ذلك ما قيل من أن الأصل في القيد أن يكون احترازيا، لان الاحترازية لا توجب إلا تضييق دائرة موضوع الحكم في القضية، مثل ما إذا كان بهذا الضيق بلفظ واحد، فلا فرق أن يقال: جئني بإنسان أو بحيوان ناطق (1)، كما أنه لا يلزم في حمل المطلق على المقيد، فيما وجد شرائطه إلا ذلك، من دون حاجة فيه إلى دلالته على المفهوم، فإنه من المعلوم أن قضية الحمل ليس إلا أن المراد بالمطلق هو المقيد، وكأنه لا يكون في البين غيره (2)، بل ربما قيل إنه لا وجه للحمل لو كان بلحاظ
37

المفهوم، فإن ظهوره فيه ليس بأقوى من ظهور المطلق في الاطلاق، كي يحمل عليه، لو لم نقل بأنه الأقوى، لكونه بالمنطوق، كما لا يخفى (1).
وأما الاستدلال على ذلك أي عدم الدلالة على المفهوم - بآية (وربائبكم اللاتي في حجوركم (ففيه أن الاستعمال في غيره أحيانا مع القرينة مما لا يكاد ينكر، كما في الآية قطعا، مع أنه يعتبر في دلالته عليه عند القائل بالدلالة، أن لا يكون واردا مورد الغالب كما في الآية (2)،

(1) النساء: الآية: 23
39

ووجه الاعتبار واضح، لعدم دلالته معه على الاختصاص، وبدونها لا يكاد يتوهم دلالته على المفهوم (1)، فافهم (2).
41

تذنيب: لا يخفى أنه لا شبهة في جريان النزاع، فيما إذا كان الوصف أخص من موصوفه ولو من وجه، في مورد الافتراق من جانب الموصوف، وأما في غيره، ففي جريانه إشكال أظهره عدم جريانه، وإن كان يظهر مما عن بعض الشافعية، حيث قال: قولنا في الغنم السائمة زكاة، يدل على عدم الزكاة في معلوفة الإبل جريانه فيه (1)، ولعل وجهه
42

استفادة العلية المنحصرة منه. وعليه فيجري فيما كان الوصف مساويا أو أعم مطلقا أيضا، فيدل على انتفاء سنخ الحكم عند انتفائه (1)،
44

فلا وجه للتفصيل بينهما وبين ما إذا كان أخص من وجه، فيما إذا كان الافتراق من جانب الوصف، بأنه لا وجه للنزاع فيهما، معللا بعدم الموضوع، واستظهار جريانه من بعض الشافعية فيه، كما لا يخفى، فتأمل جيدا (1).
45

فصل
هل الغاية في القضية تدل على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية، بناءا على دخول الغاية في المغيى، أو عنها وبعدها، بناءا على خروجها
46

أولا (1)؟ فيه خلاف، وقد نسب إلى المشهور الدلالة على الارتفاع، وإلى جماعة منهم السيد والشيخ، عدم الدلالة عليه.
والتحقيق: إنه إذا كانت الغاية بحسب القواعد العربية قيدا للحكم، كما في قوله: كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام، وكل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر، كانت دالة على ارتفاعه عند حصولها، لانسباق ذلك منها، كما لا يخفى، وكونه قضية تقييده بها، وإلا لما كان ما جعل غاية له بغاية، وهو واضح إلى النهاية (2).
47

وأما إذا كانت بحسبها قيدا للموضوع، مثل سر من البصرة إلى الكوفة، فحالها حال الوصف في عدم الدلالة، وإن كان تحديده بها بملاحظة حكمه وتعلق الطلب به،
وقضيته ليس إلا عدم الحكم فيها إلا
49

بالمغيى، من دون دلالة لها أصلا على انتفاء سنخه عن غيره (1)، لعدم ثبوت وضع لذلك، وعدم قرينة ملازمة لها ولو غالبا، دلت على
50

اختصاص الحكم به، وفائدة التحديد بها كسائر أنحاء التقييد، غير منحصرة بإفادته كما مر في الوصف (1).
51

ثم إنه في الغاية خلاف آخر، كما أشرنا إليه، وهو أنها هل هي داخلة في المغيى بحسب الحكم؟ أو خارجة عنه؟ والأظهر خروجها، لكونها من حدوده، فلا تكون محكومة بحكمه، ودخولها فيه في بعض الموارد إنما يكون بالقرينة، وعليه تكون كما بعدها بالنسبة إلى الخلاف الأول، كما أنه على القول الآخر تكون محكومة بالحكم منطوقا (1).
53

ثم لا يخفى أن هذا الخلاف لا يكاد يعقل جريانه فيما إذا كان قيدا للحكم، فلا تغفل (1).
فصل
لا شبهة في دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم - سلبا أو إيجابا - بالمستثنى منه ولا يعم المستثنى، ولذلك يكون الاستثناء من النفي إثباتا، ومن الاثبات نفيا، وذلك للانسباق عند الاطلاق قطعا (2)، فلا يعبأ بما
54

عن أبي حنيفة من عدم الإفادة، محتجا بمثل لا صلاة إلا بطهور ضرورة ضعف احتجاجه أولا: بكون المراد من مثله أنه لا تكون الصلاة التي كانت واجدة لاجزائها وشرائطها المعتبرة فيها صلاة، إلا إذا كانت واجدة للطهارة، وبدونها لا تكون صلاة على وجه، وصلاة تامة مأمورا بها على آخر.
وثانيا: بأن الاستعمال مع القرينة، كما في مثل التركيب، مما علم فيه الحال لا دلالة له على مدعاه أصلا، كما لا يخفى (1).
55

ومنه قد انقدح أنه لا موقع للاستدلال على المدعى، بقبول رسول الله صلى الله عليه وآله إسلام من قال كلمة التوحيد، لامكان دعوى أن دلالتها على التوحيد كان بقرينة الحال أو المقال (1).

(1) كفاية الأصول بحاشية المحقق المشكيني (قدس سره): ج 1، ص 326 (حجري).
57

والاشكال في دلالتها عليه بأن خبر لا اما يقدر ممكن أو موجود وعلى كل تقدير لا دلالة لها عليه، أما على الأول: فإنه حينئذ لا دلالة لها إلا على إثبات إمكان وجوده تبارك وتعالى، لا وجوده، وأما على الثاني: فلأنها وإن دلت على وجوده تعالى، إلا أنه لا دلالة لها على عدم إمكان إله آخر (1) مندفع، بأن المراد من الإله هو واجب الوجود،
59

ونفي ثبوته ووجوده في الخارج، وإثبات فرد منه فيه - وهو الله - يدل بالملازمة البينة على امتناع تحققه في ضمن غيره تبارك وتعالى، ضرورة أنه لو لم يكن ممتنعا لوجد، لكونه من أفراد الواجب (1).
61

ثم إن الظاهر أن دلالة الاستثناء على الحكم في طرف المستثنى بالمفهوم (1)، وأنه لازم خصوصية الحكم في جانب المستثنى منه التي دلت
63

عليها الجملة الاستثنائية، نعم لو كانت الدلالة في طرفه بنفس الاستثناء لا بتلك الجملة، كانت بالمنطوق، كما هو ليس ببعيد، وإن كان تعيين ذلك لا يكاد يفيد.
64

ومما يدل على الحصر والاختصاص (إنما) وذلك لتصريح أهل اللغة بذلك، وتبادره منها قطعا عند أهل العرف والمحاورة (1).
ودعوى - أن الانصاف أنه لا سبيل لنا إلى ذلك، فإن موارد استعمال هذه اللفظة مختلفة، ولا يعلم بما هو مرادف لها في عرفنا، حتى يستكشف منها ما هو المتبادر منها - غير مسموعة، فإن السبيل إلى التبادر لا ينحصر بالانسباق إلى أذهاننا، فإن الانسباق إلى أذهان أهل العرف أيضا سبيل (2).
65

وربما يعد مما دل على الحصر، كلمة (بل) الاضرابية، والتحقيق أن الاضراب على أنحاء:
منها: ما كان لأجل أن المضرب عنه، إنما أتى به غفلة أو سبقه به لسانه، فيضرب بها عنه إلى ما قصد بيانه، فلا دلالة له على الحصر أصلا، فكأنه أتى بالمضرب إليه ابتداء، كما لا يخفى.
ومنها: ما كان لأجل التأكيد، فيكون ذكر المضرب عنه كالتوطئة والتمهيد لذكر المضرب إليه، فلا دلالة له عليه أيضا.
ومنها: ما كان في مقام الردع، وإبطال ما أثبت أولا، فيدل عليه وهو واضح (1).
67



(1) كفاية الأصول بحاشية المحقق المشكيني (قدس سره): ج 1 ص 329 (حجري).
69

ومما يفيد الحصر - على ما قيل - تعريف المسند إليه باللام، والتحقيق أنه لا يفيده إلا فيما اقتضاه المقام، لان الأصل في اللام أن تكون لتعريف الجنس، كما أن الأصل
في الحمل في القضايا المتعارفة، هو الحمل المتعارف الذي ملاكه مجرد الاتحاد في الوجود، فإنه الشائع فيها، لا الحمل الذاتي الذي ملاكه الاتحاد بحسب المفهوم، كما لا يخفى، وحمل شيء على جنس وماهية كذلك، لا يقتضي اختصاص تلك الماهية به وحصرها عليه، نعم، لو قامت قرينة على أن اللام للاستغراق، أو أن مدخوله أخذ بنحو الارسال والاطلاق، أو على أن الحمل عليه كان ذاتيا لأفيد حصر مدخوله على محموله واختصاصه به.
وقد انقدح بذلك الخلل في كثير من كلمات الاعلام في المقام، وما وقع منهم من النقض والابرام، ولا نطيل بذكرها فإنه بلا طائل، كما يظهر للمتأمل، فتأمل جيدا (1).
70

فصل
لا دلالة للقب ولا للعدد على المفهوم، وانتفاء سنخ الحكم عن غير موردهما أصلا، وقد عرفت أن انتفاء شخصه ليس بمفهوم (1)، كما أن قضية التقييد بالعدد منطوقا عدم جواز الاقتصار على ما دونه، لأنه ليس بذاك الخاص والمقيد، وأما الزيادة فكالنقيصة إذا كان التقييد به للتحديد بالإضافة إلى كلا طرفيه، نعم لو كان لمجرد التحديد بالنظر إلى طرفه
74

الأقل لما كان في الزيادة ضير أصلا، بل ربما كان فيها فضيلة وزيادة، كما لا يخفى، وكيف كان، فليس عدم الاجتزاء بغيره من جهة دلالته على المفهوم، بل إنما يكون لأجل عدم الموافقة مع ما أخذ في المنطوق، كما هو معلوم (1).

(1) التوبة: الآية: 80
75

المقصد الرابع
في العام والخاص
79

المقصد الرابع
في العام والخاص
فصل
قد عرف العام بتعاريف، وقد وقع من الاعلام فيها النقض بعدم الاطراد تارة والانعكاس أخرى بما لا يليق بالمقام، فإنها تعاريف لفظية، تقع في جواب السؤال عنه ب‍ (ما) الشارحة، لا واقعة في جواب السؤال عنه ب‍ (ما) الحقيقية (1)، كيف وكان المعنى المركوز منه في الأذهان أوضح
81

مما عرف به مفهوما ومصداقا، ولذا يجعل صدق ذاك المعنى على فرد وعدم صدقه، المقياس في الاشكال عليها بعدم الاطراد أو الانعكاس بلا ريب فيه ولا شبهة تعتريه من أحد، والتعريف لابد أن يكون بالأجلى، كما هو أوضح من أن يخفى.
فالظاهر أن الغرض من تعريفه، إنما هو بيان ما يكون بمفهومه جامعا بين ما لا شبهة في أنها أفراد العام، ليشار به إليه في مقام إثبات ما له من الاحكام، لا بيان ما هو حقيقته وماهيته، لعدم تعلق غرض به بعد وضوح ما هو محل الكلام بحسب الاحكام من أفراده ومصاديقه، حيث لا يكون بمفهومه العام محلا لحكم من الاحكام (1).

(1) منظومة السبزواري، قسم المنطق: ص 32 (حجري).
82

ثم الظاهر أن ما ذكر له من الاقسام: من الاستغراقي والمجموعي والبدلي إنما هو باختلاف كيفية تعلق الاحكام به، وإلا فالعموم في الجميع بمعنى واحد، وهو شمول المفهوم لجميع ما يصلح أن ينطبق عليه، غاية الأمر أن تعلق الحكم به تارة بنحو يكون كل فرد موضوعا على حدة للحكم، وأخرى بنحو يكون الجميع موضوعا واحدا، بحيث لو أخل بإكرام واحد في أكرم كل فقيه مثلا، لما امتثل أصلا، بخلاف الصورة الأولى، فإنه أطاع وعصى، وثالثة بنحو يكون كل واحد موضوعا على البدل، بحيث لو أكرم واحدا منهم، لقد أطاع وامتثل، كما يظهر لمن أمعن النظر وتأمل (1).
84

وقد انقدح أن مثل شمول عشرة وغيرها لآحادها المندرجة تحتها ليس من العموم، لعدم صلاحيتها بمفهومها للانطباق على كل واحد منها (1)،
86

فافهم (1).
فصل
لا شبهة في أن للعموم صيغة تخصه - لغة وشرعا - كالخصوص كما يكون ما يشترك بينهما ويعمهما، ضرورة أن مثل لفظ (كل) وما يرادفه
88

في أي لغة كان يخصه، ولا يخص الخصوص ولا يعمه (1)، ولا ينافي اختصاصه به استعماله في الخصوص عناية، بادعاء أنه العموم، أو
89

بعلاقة العموم والخصوص (1). ومعه لا يصغى إلى أن إرادة الخصوص متيقنة، ولو في ضمنه بخلافه، وجعل اللفظ حقيقة في المتيقن أولى، ولا
90

إلى أن التخصيص قد اشتهر وشاع، حتى قيل ما من عام إلا وقد خص، والظاهر يقتضي كونه حقيقة، لما هو الغالب تقليلا للمجاز (1)، مع أن
91

تيقن إرادته لا يوجب اختصاص الوضع به مع كون العموم كثيرا ما يراد (1)، واشتهار التخصيص لا يوجب كثرة المجاز، لعدم الملازمة بين التخصيص والمجازية، كما يأتي توضيحه، ولو سلم فلا محذور فيه أصلا إذا كان بالقرينة، كما لا يخفى (2).
فصل
ربما عد من الالفاظ الدالة على العموم، النكرة في سياق النفي أو النهي، ودلالتها عليه لا ينبغي أن تنكر عقلا، لضرورة أنه لا يكاد يكون طبيعة معدومة، إلا إذا لم يكن فرد منها بموجود، وإلا كانت
93

موجودة (1)، لكن لا يخفى أنها تفيده إذا أخذت مرسلة لا مبهمة قابلة للتقييد، وإلا فسلبها لا يقتضي إلا استيعاب السلب، لما أريد منها يقينا،
94

لا استيعاب ما يصلح انطباقها عليه من أفرادها (1)، وهذا لا ينافي كون دلالتها عليه عقلية، فإنها بالإضافة إلى أفراد ما يراد منها، لا الافراد
95

التي يصلح لانطباقها عليها (1)، كما لا ينافي دلالة مثل لفظ (كل) على العموم وضعا كون عمومه بحسب ما يراد من مدخوله، ولذا لا ينافيه تقييد المدخول بقيود كثيرة (2).
97

نعم لا يبعد أن يكون ظاهرا عند إطلاقها في استيعاب جميع أفرادها (1)، وهذا هو الحال في المحلى باللام جمعا كان أو مفردا - بناءا على إفادته للعموم - ولذا لا ينافيه تقييد المدخول بالوصف وغيره (2)، وإطلاق التخصيص على تقييده، ليس إلا من قبيل ضيق فم الركية (3)،
98

لكن دلالته على العموم وضعا محل منع، بل إنما يفيده فيما إذا اقتضته الحكمة أو قرينة أخرى، وذلك لعدم اقتضائه وضع اللام ولا مدخوله ولا وضع آخر للمركب منهما، كما لا يخفى، وربما يأتي في المطلق والمقيد بعض الكلام مما يناسب المقام (1).
100

فصل
لا شبهة في أن العام المخصص بالمتصل أو المنفصل حجة فيما بقي فيما علم عدم دخوله في المخصص مطلقا ولو كان متصلا، وما احتمل دخوله فيه أيضا إذا كان منفصلا، كما هو المشهور بين الأصحاب، بل لا ينسب الخلاف إلا إلى بعض أهل الخلاف.
وربما فصل بين المخصص المتصل فقيل بحجيته فيه، وبين المنفصل فقيل بعدم حجيته (1)، واحتج النافي بالاجمال، لتعدد المجازات حسب
101

مراتب الخصوصيات، وتعيين الباقي من بينها بلا معين ترجيح بلا مرجح (1).
103

والتحقيق في الجواب أن يقال: إنه لا يلزم من التخصيص كون العام مجازا، أما في التخصيص بالمتصل، فلما عرفت من أنه لا تخصيص أصلا، وإن أدوات العموم قد استعملت فيه، وإن كان دائرته سعة وضيقا تختلف باختلاف ذوي الأدوات، فلفظة (كل) في مثل (كل رجل) و (كل رجل عالم) قد استعملت في العموم، وإن كان إفراد أحدهما بالإضافة إلى الآخر بل في نفسها في غاية القلة.
واما في المنفصل، فلان إرادة الخصوص واقعا لا تستلزم استعماله فيه وكون الخاص قرينة عليه، بل من الممكن قطعا استعماله معه في العموم قاعدة، وكون الخاص مانعا عن حجية ظهوره تحكيما للنص، أو الأظهر على الظاهر، لا مصادما لأصل ظهوره، ومعه لا مجال للمصير إلى أنه قد استعمل فيه مجازا، كي يلزم الاجمال (1).
104

لا يقال: هذا مجرد احتمال، ولا يرتفع به الاجمال، لاحتمال الاستعمال في خصوص مرتبة من مراتبه (1).
107

فإنه يقال: مجرد احتمال استعماله فيه لا يوجب إجماله بعد استقرار ظهوره في العموم، والثابت من مزاحمته بالخاص أنما هو بحسب الحجية تحكيما لما هو الأقوى، كما أشرنا إليه آنفا (1).
108

وبالجملة: الفرق بين المتصل والمنفصل، وإن كان بعدم انعقاد الظهور في الأول إلا في الخصوص، وفي الثاني إلا في العموم، إلا أنه لا وجه لتوهم استعماله مجازا في واحد منهما أصلا (1)، وإنما اللازم
109

الالتزام بحجية الظهور في الخصوص في الأول، وعدم حجية ظهوره في خصوص ما كان الخاص حجة فيه في الثاني، فتفطن (1).
وقد أجيب عن الاحتجاج، بأن الباقي أقرب المجازات. وفيه: لا اعتبار في الأقربية بحسب المقدار، وإنما المدار على الأقربية بحسب زيادة الانس الناشئة من كثرة الاستعمال (2)، وفي تقريرات بحث شيخنا
110

الأستاذ (قدس سره) في مقام الجواب عن الاحتجاج، ما هذا لفظه: والأولى أن يجاب بعد تسليم مجازية الباقي، بأن دلالة العام على كل فرد من أفراده غير منوطة بدلالته على فرد آخر من أفراده، ولو كانت دلالة مجازية، إذ هي بواسطة عدم شموله للافراد المخصوصة، لا بواسطة دخول غيرها في مدلوله، فالمقتضي للحمل على الباقي موجود والمانع مفقود، لان المانع في مثل المقام إنما هو ما يوجب صرف اللفظ عن مدلوله، والمفروض انتفاؤه بالنسبة إلى الباقي لاختصاص المخصص بغيره، فلو شك فالأصل عدمه، انتهى موضع الحاجة (1).
111

قلت: لا يخفى أن دلالته على كل فرد إنما كانت لأجل دلالته على العموم والشمول، فإذا لم يستعمل فيه واستعمل في الخصوص - كما هو المفروض - مجازا، وكان إرادة كل واحد من مراتب الخصوصيات مما جاز انتهاء التخصيص إليه، واستعمال العام فيه مجازا ممكنا، كان تعيين بعضها بلا معين ترجيحا بلا مرجح، ولا مقتضي لظهوره فيه، ضرورة أن الظهور إما بالوضع وإما بالقرينة، والمفروض أنه ليس بموضوع له، ولم يكن هناك قرينة، وليس له موجب آخر، ودلالته على كل فرد على حدة حيث كانت في ضمن دلالته على العموم، لا توجب ظهوره في تمام الباقي بعد عدم استعماله في العموم، إذا لم تكن هناك قرينة على تعيينه، فالمانع عنه وإن كان مدفوعا بالأصل، إلا أنه لا مقتضي له بعد رفع اليد عن الوضع، نعم إنما يجدي إذا لم يكن مستعملا إلا في العموم، كما فيما حققناه في الجواب (1)، فتأمل جيدا.
114

فصل
إذا كان الخاص بحسب المفهوم مجملا، بأن كان دائرا بين الأقل والأكثر وكان منفصلا، فلا يسري إجماله إلى العام، لا حقيقة ولا حكما، بل كان العام متبعا فيما لا يتبع فيه الخاص، لوضوح أنه حجة فيه بلا مزاحم أصلا، ضرورة أن الخاص إنما يزاحمه فيما هو حجة على خلافه، تحكيما للنص أو الأظهر على الظاهر، لا فيما لا يكون كذلك، كما لا يخفى (1).
116

وإن لم يكن كذلك (1) بأن كان دائرا بين المتباينين مطلقا، أو بين الأقل والأكثر فيما كان متصلا، فيسري إجماله إليه حكما في المنفصل المردد بين المتباينين، وحقيقة في غيره:
119

أما الأول: فلان العام - على ما حققناه - كان ظاهرا في عمومه، إلا أنه لا يتبع ظهوره في واحد من المتباينين اللذين علم تخصيصه بأحدهما.
وأما الثاني: فلعدم انعقاد ظهور من رأس للعام، لاحتفاف الكلام بما يوجب احتماله لكل واحد من الأقل والأكثر، أو لكل واحد من المتباينين، لكنه حجة في الأقل، لأنه المتيقن في البين.
فانقدح بذلك الفرق بين المتصل والمنفصل، وكذا في المجمل بين المتباينين والأكثر والأقل، فلا تغفل.
وأما إذا كان مجملا بحسب المصداق، بأن اشتبه فرد وتردد بين أن يكون فردا له أو باقيا تحت العام، فلا كلام في عدم جواز التمسك بالعام لو كان متصلا به، ضرورة عدم انعقاد ظهور للكلام إلا في الخصوص، كما عرفت.
وأما إذا كان منفصلا عنه، ففي جواز التمسك به خلاف، والتحقيق عدم جوازه، إذ غاية ما يمكن أن يقال في وجه جوازه، أن الخاص إنما يزاحم العام فيما كان فعلا حجة، ولا يكون حجة فيما اشتبه أنه من أفراده، فخطاب (لا تكرم فساق العلماء) لا يكون دليلا على حرمة إكرام من شك في فسقه من العلماء، فلا يزاحم مثل أكرم العلماء ولا يعارضه، فإنه يكون من قبيل مزاحمة الحجة بغير الحجة (1)، وهو في
122

غاية الفساد، فإن الخاص وإن لم يكن دليلا في الفرد المشتبه فعلا، إلا أنه يوجب اختصاص حجية العام في غير عنوانه من الافراد، فيكون (أكرم العلماء) دليلا وحجة في العالم غير الفاسق، فالمصداق المشتبه وإن كان مصداقا للعام بلا كلام، إلا أنه لم يعلم أنه من مصاديقه بما هو حجة، لاختصاص حجيته بغير الفاسق (1).
126

وبالجملة العام المخصص بالمنفصل، وإن كان ظهوره في العموم، كما إذا لم يكن مخصصا، بخلاف المخصص بالمتصل كما عرفت، إلا أنه في عدم الحجية إلا في
غير عنوان الخاص مثله، فحينئذ يكون الفرد المشتبه غير معلوم الاندراج تحت إحدى الحجتين، فلابد من الرجوع إلى ما هو الأصل في البين (1)، هذا إذا كان المخصص لفظيا.
127

وأما إذا كان لبيا، فإن كان مما يصح أن يتكل عليه المتكلم، إذا كان بصدد البيان في مقام التخاطب، فهو كالمتصل، حيث لا يكاد ينعقد معه ظهور للعام إلا في الخصوص، وإن لم يكن كذلك، فالظاهر بقاء العام في المصداق المشتبه على حجيته كظهوره فيه (1).
128

والسر في ذلك، أن الكلام الملقى من السيد حجة، ليس إلا ما اشتمل على العام الكاشف بظهوره عن إرادته للعموم، فلابد من اتباعه
129

ما لم يقطع بخلافه، مثلا إذا قال المولى: (أكرم جيراني) وقطع بأنه لا يريد إكرام من كان عدوا له منهم، كان أصالة العموم باقية على الحجية بالنسبة إلى من لم يعلم بخروجه عن عموم الكلام، للعلم بعداوته، لعدم حجة أخرى بدون ذلك على خلافه، بخلاف ما إذا كان المخصص لفظيا، فإن قضية تقديمه عليه، هو كون الملقى إليه كأنه كان من رأس لا يعم الخاص، كما كان كذلك حقيقة فيما كان الخاص متصلا، والقطع بعدم إرادة العدو لا يوجب انقطاع حجيته، إلا فيما قطع أنه عدوه، لا فيما شك فيه (1)، كما يظهر صدق هذا من صحة
130

مؤاخذة المولى لو لم يكرم واحدا من جيرانه لاحتمال عداوته له، وحسن عقوبته على مخالفته، وعدم صحة الاعتذار عنه بمجرد احتمال العداوة، كما لا يخفى على من راجع الطريقة المعروفة، والسيرة المستمرة المألوفة بين العقلاء التي هي ملاك حجية أصالة الظهور.
وبالجملة كان بناء العقلاء على حجيتها بالنسبة إلى المشتبه هاهنا بخلاف هناك، ولعله لما أشرنا إليه من التفاوت بينهما، بإلقاء حجتين هناك، وتكون قضيتهما بعد تحكيم الخاص وتقديمه على العام، كأنه لم يعمه حكما من رأس، وكأنه لم يكن بعام، بخلاف هاهنا، فإن الحجة الملقاة ليست إلا واحدة، والقطع بعدم إرادة إكرام العدو في (أكرم جيراني) مثلا، لا يوجب رفع اليد عن عمومه إلا فيما قطع
133

بخروجه من تحته، فإنه على الحكيم إلقاء كلامه على وفق غرضه ومرامه، فلابد من اتباعه ما لم تقم حجة أقوى على خلافه (1).
134

بل يمكن أن يقال: إن قضية عمومه للمشكوك، أنه ليس فردا لما علم بخروجه من حكمه بمفهومه، فيقال في مثل لعن الله بني أمية قاطبة إن فلانا وإن شك في إيمانه يجوز لعنه لمكان العموم، وكل من جاز لعنه لا يكون مؤمنا، فينتج أنه ليس بمؤمن، فتأمل جيدا (1).
135

إيقاظ: لا يخفى أن الباقي تحت العام بعد تخصيصه بالمنفصل أو كالاستثناء من المتصل، لما كان غير معنون بعنوان خاص، بل بكل عنوان لم يكن ذاك بعنوان الخاص، كان إحراز المشتبه منه بالأصل الموضوعي في غالب الموارد - إلا ما شذ - ممكنا، فبذلك يحكم عليه بحكم العام وإن لم يجز التمسك به بلا كلام، ضرورة أنه قلما لم يوجد عنوان يجري فيه أصل ينقح به أنه مما بقي تحته، مثلا إذا شك أن امرأة تكون قرشية أو غيرها، فهي وإن كانت إذا وجدت اما قرشية أو غير قرشية، فلا أصل يحرز أنها قرشية أو غيرها، إلا أن أصالة عدم تحقق الانتساب بينها وبين قريش تجدي في تنقيح أنها ممن لا تحيض إلا إلى خمسين، لأن المرأة التي لا يكون بينها وبين قريش انتساب أيضا باقية تحت ما دل على
136

أن المرأة إنما ترى الحمرة إلى خمسين، والخارج عن تحته هي القرشية، فتأمل تعرف (1).
137

وهم وإزاحة: ربما يظهر عن بعضهم التمسك بالعمومات فيما إذا شك في فرد، لا من جهة احتمال التخصيص، بل من جهة أخرى، كما إذا شك في صحة الوضوء أو الغسل بمائع مضاف، فيستكشف صحته بعموم مثل أوفوا بالنذور فيما إذا وقع متعلقا للنذر (1)، بأن يقال:
143

وجب الاتيان بهذا الوضوء وفاء للنذر للعموم، وكل ما يجب الوفاء به لا محالة يكون صحيحا، للقطع بأنه لولا صحته لما وجب الوفاء به (1)،
145

وربما يؤيد ذلك بما ورد من صحة الاحرام والصيام قبل الميقات وفي السفر إذا تعلق بهما النذر كذلك (1).
146

والتحقيق أن يقال: إنه لا مجال لتوهم الاستدلال بالعمومات المتكفلة لاحكام العناوين الثانوية فيما شك من غير جهة تخصيصها، إذا أخذ في موضوعاتها أحد الاحكام المتعلقة بالافعال بعناوينها الأولية، كما هو الحال في وجوب إطاعة الوالد، والوفاء بالنذر وشبهه في الأمور المباحة أو الراجحة، ضرورة أنه معه لا يكاد يتوهم عاقل أنه إذا شك في رجحان شيء أو حليته جواز التمسك بعموم دليل وجوب الإطاعة أو الوفاء في رجحانه أو حليته (1).
147



(1) الحج: الآية: 29.
148

نعم لا بأس بالتمسك به في جوازه بعد إحراز التمكن منه والقدرة عليه، فيما لم يؤخذ في موضوعاتها حكم أصلا (1).

(1) تنبيه! هذان القوسان [] إشارة إلى أن ما بداخلهما يمثل التصحيح الذي أجريته للمخطوط الشريف وذلك للتلف الذي حصل للمخطوط بسبب الرطوبة، وقد تتبعنا أشباح الحروف قدر المستطاع، واما الذي تلف كليا فقد أثبتنا مقامه ما يناسب سياق الكلام. وقد ساعدنا في ذلك فضيلة العلامة الشيخ محمد جواد المهدوي جزاه الله خيرا.
150

فإذا شك في جوازه صح التمسك بعموم دليلها في الحكم بجوازها، وإذا كانت محكومة بعناوينها الأولية بغير حكمها بعناوينها الثانوية، وقع المزاحمة بين المقتضيين، ويؤثر الأقوى منهما لو كان في البين، وإلا لم يؤثر أحدهما، وإلا لزم الترجيح بلا مرجح، فليحكم عليه حينئذ بحكم آخر، كالإباحة إذا كان أحدهما مقتضيا للوجوب والآخر للحرمة مثلا (1).
151

وأما صحة الصوم في السفر بنذره فيه - بناءا على عدم صحته فيه بدونه - وكذا الاحرام قبل الميقات، فإنما هو لدليل خاص، كاشف عن رجحانهما ذاتا في السفر وقبل الميقات، وإنما لم يأمر بهما استحبابا أو وجوبا لمانع يرتفع مع النذر، وإما لصيرورتهما راجحين بتعلق النذر بهما بعد ما لم يكونا كذلك، كما ربما يدل عليه ما في الخبر من كون الاحرام قبل الميقات كالصلاة قبل الوقت (1).
154

لا يقال: لا يجدي صيرورتهما راجحين بذلك في عباديتهما، ضرورة كون وجوب الوفاء توصليا لا يعتبر في سقوطه إلا الاتيان بالمنذور بأي داع كان (1).
156

فإنه يقال: عباديتهما إنما تكون لأجل كشف دليل صحتهما عن عروض عنوان راجح عليهما، ملازم لتعلق النذر بهما (1)، هذا لو لم
157

نقل بتخصيص عموم دليل اعتبار الرجحان في متعلق النذر بهذا الدليل (1)، وإلا أمكن أن يقال بكفاية الرجحان الطارئ عليهما من قبل النذر في عباديتهما، بعد تعلق النذر بإتيانهما عباديا ومتقربا بهما منه تعالى، فإنه وإن لم يتمكن من إتيانهما كذلك قبله، إلا أنه يتمكن منه
158

بعده، ولا يعتبر في صحة النذر إلا التمكن من الوفاء ولو بسببه (1)،
فتأمل جيدا (2).
159

بقي شي ء، وهو أنه هل يجوز التمسك بأصالة عدم التخصيص في إحراز عدم كون ما شك في أنه من مصاديق العام، مع العلم بعدم كونه محكوما بحكمه، مصداقا له مثل ما إذا علم أن زيدا يحرم إكرامه، وشك في أنه عالم، فيحكم عليه بأصالة عدم تخصيص أكرم العلماء أنه ليس بعالم، بحيث يحكم عليه بسائر ما لغير العالم من الاحكام. فيه إشكال لاحتمال اختصاص حجيتها بما إذا شك في كون فرد العام محكوما بحكمه، كما هو قضية عمومه، والمثبت من الأصول اللفظية وإن كان حجة، إلا أنه لابد من الاقتصار على ما يساعد عليه الدليل، ولا دليل هاهنا إلا السيرة وبناء العقلاء، ولم يعلم استقرار بنائهم على ذلك، فلا تغفل (1).
160

فصل
هل يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص فيه خلاف، وربما نفي الخلاف عن عدم جوازه، بل ادعي الاجماع عليه (1)، والذي ينبغي أن يكون محل الكلام في المقام، أنه هل يكون أصالة العموم متبعة مطلقا أو بعد الفحص عن المخصص واليأس عن الظفر به بعد الفراغ عن اعتبارها بالخصوص في الجملة، من باب الظن النوعي للمشافه وغيره، ما لم يعلم بتخصيصه تفصيلا، ولم يكن من أطراف ما علم تخصيصه إجمالا (2)، وعليه فلا مجال لغير واحد مما استدل به على عدم
165

جواز العمل به قبل الفحص واليأس (1).
166

فالتحقيق عدم جواز التمسك به قبل الفحص، فيما إذا كان في معرض التخصيص كما هو الحال في عمومات الكتاب والسنة، وذلك لأجل أنه لولا القطع باستقرار سيرة العقلاء على عدم العمل به قبله، فلا أقل من الشك، كيف وقد ادعي الاجماع على عدم جوازه، فضلا عن نفي الخلاف عنه، وهو كاف في عدم الجواز، كما لا يخفى.
وأما إذا لم يكن العام كذلك، كما هو الحال في غالب العمومات الواقعة في السنة أهل المحاورات، فلا شبهة في أن السيرة على العمل به بلا فحص عن مخصص (1)، وقد ظهر لك بذلك أن مقدار الفحص
168

اللازم ما به يخرج عن المعرضية له (1)، كما أن مقداره اللازم منه بحسب سائر الوجوه العقلية التي استدل بها من العلم الاجمالي به أو حصول
169

الظن بما هو التكليف، أو غير ذلك رعايتها، فتختلف مقداره بحسبها، كما لا يخفى (1).
170

ثم إن الظاهر عدم لزوم الفحص عن المخصص المتصل، باحتمال أنه كان ولم يصل، بل حاله حال احتمال قرينة المجاز، وقد اتفقت كلماتهم على عدم الاعتناء به مطلقا، ولو قبل الفحص عنها، كما لا يخفى (1).
171

إيقاظ: لا يذهب عليك الفرق بين الفحص هاهنا، وبينه في الأصول العملية، حيث أنه ها هنا عما يزاحم الحجية، بخلافه هناك، فإنه بدونه لا حجة، ضرورة أن العقل
بدونه يستقل باستحقاق المؤاخذة على المخالفة، فلا يكون العقاب بدونه بلا بيان والمؤاخذة عليها من غير برهان، والنقل وإن دل على البراءة أو الاستصحاب في موردهما مطلقا، إلا أن الاجماع بقسميه على تقييده به (1)،
172

فافهم (1).
174

فصل
هل الخطابات الشفاهية مثل (يا أيها المؤمنون) تختص بالحاضر مجلس التخاطب، أو تعم غيره من الغائبين، بل المعدومين فيه خلاف، ولابد قبل الخوض في تحقيق المقام، من بيان ما يمكن أن يكون محلا للنقض والابرام بين الاعلام (1).

(1) الجمعة: الآية: 9.
(2) آل عمران: الآية: 97.
175

فاعلم أنه يمكن أن يكون النزاع في أن التكليف المتكفل له الخطاب هل يصح تعلقه بالمعدومين، كما صح تعلقه بالموجودين، أم لا؟ أو في صحة المخاطبة معهم، بل مع الغائبين عن مجلس الخطاب بالألفاظ الموضوعة للخطاب، أو بنفس توجيه الكلام إليهم، وعدم صحتها، أو في عموم الالفاظ الواقعة عقيب أداة الخطاب، للغائبين بل المعدومين، وعدم عمومها لهما، بقرينة تلك الأداة (1).
176

ولا يخفى أن النزاع على الوجهين الأولين يكون عقليا، وعلى الوجه الأخير لغويا (1).
177

إذا عرفت هذا، فلا ريب في عدم صحة تكليف المعدوم عقلا، بمعنى بعثه أو زجره فعلا، ضرورة أنه بهذا المعنى يستلزم الطلب منه حقيقة، ولا يكاد يكون الطلب كذلك إلا من الموجود ضرورة (1)، نعم هو بمعنى
178

إنشاء الطلب بلا بعث ولا زجر، لا استحالة فيه أصلا، فإن الانشاء خفيف المؤونة، فالحكيم تبارك وتعالى ينشئ على وفق الحكمة والمصلحة، طلب شيء قانونا من الموجود والمعدوم حين الخطاب، ليصير فعليا بعد ما وجد الشرائط وفقد الموانع بلا حاجة إلى إنشاء آخر، فتدبر (1).
180

ونظيره من غير الطلب إنشاء التمليك في الوقف على البطون، فإن المعدوم منهم يصير مالكا للعين الموقوفة، بعد وجوده بإنشائه، ويتلقى لها من الواقف بعقده، فيؤثر في حق الموجود منهم الملكية الفعلية، ولا يؤثر في حق المعدوم فعلا، إلا استعدادها لان تصير ملكا له بعد وجوده (1)، هذا إذا أنشئ الطلب مطلقا.
181

وأما إذا أنشئ مقيدا بوجود المكلف ووجدانه الشرائط، فإمكانه بمكان من الامكان (1).
وكذلك لا ريب في عدم صحة خطاب المعدوم بل الغائب حقيقة، وعدم إمكانه، ضرورة عدم تحقق توجيه الكلام نحو الغير حقيقة إلا إذا كان موجودا، وكان بحيث يتوجه إلى الكلام، ويلتفت إليه (2).
182

ومنه قد انقدح أن ما وضع للخطاب، مثل أدوات النداء، لو كان موضوعا للخطاب الحقيقي، لأوجب استعماله فيه تخصيص ما يقع في تلوه بالحاضرين، كما أن قضية إرادة العموم منه لغيرهم استعماله في غيره (1)، لكن الظاهر أن مثل أدوات النداء لم يكن موضوعا لذلك، بل
183

للخطاب الايقاعي الانشائي، فالمتكلم ربما يوقع الخطاب بها تحسرا وتأسفا وحزنا مثل: يا كوكبا ما كان أقصر عمره أو شوقا، ونحو ذلك، كما يوقعه مخاطبا لمن يناديه حقيقة، فلا يوجب استعماله في معناه الحقيقي - حينئذ - التخصيص بمن يصح مخاطبته، نعم لا يبعد دعوى الظهور، انصرافا في الخطاب الحقيقي، كما هو الحال في حروف الاستفهام والترجي والتمني وغيرها، على ما حققناه في بعض المباحث السابقة، من كونها موضوعة للايقاعي منها بدواع مختلفة مع ظهورها في الواقعي منها انصرافا، إذا لم يكن هناك ما يمنع عنه، كما يمكن دعوى وجوده غالبا في كلام الشارع، ضرورة وضوح عدم اختصاص الحكم في مثل (يا أيها الناس اتقوا) و (يا أيها المؤمنون) بمن حضر مجلس الخطاب، بلا شبهة ولا ارتياب. ويشهد لما ذكرنا صحة النداء بالأدوات، مع إرادة العموم من العام الواقع تلوها بلا عناية، ولا للتنزيل والعلاقة رعاية (1).
185

وتوهم كونه ارتكازيا، يدفعه عدم العلم به مع الالتفات إليه، والتفتيش عن حاله مع حصول العلم به بذلك لو كان ارتكازيا، وإلا فمن أين يعلم بثبوته كذلك كما هو واضح (1).
188

وإن أبيت إلا عن وضع الأدوات للخطاب الحقيقي، فلا مناص عن التزام اختصاص الخطابات الإلهية بأدوات الخطاب، أو بنفس توجيه الكلام بدون الأداة كغيرها بالمشافهين، فيما لم يكن هناك قرينة على التعميم (1).
189

وتوهم صحة التزام التعميم في خطاباته تعالى لغير الموجودين، فضلا عن الغائبين، لإحاطته بالموجود في الحال والموجود في الاستقبال، فاسد، ضرورة أن إحاطته لا توجب صلاحية المعدوم بل الغائب للخطاب، وعدم صحة المخاطبة معهما لقصورهما لا يوجب نقصا في ناحيته تعالى، كما لا يخفى (1)، كما أن خطابه اللفظي لكونه تدريجيا
190

ومتصرم الوجود، كان قاصرا عن أن يكون موجها نحو غير من كان بمسمع منه ضرورة (1)، هذا لو قلنا بأن الخطاب بمثل يا أيها الناس اتقوا في الكتاب حقيقة إلى غير النبي (صلى الله عليه وآله) بلسانه.
191

وأما إذا قيل بأنه المخاطب والموجه إليه الكلام حقيقة وحيا أو إلهاما، فلا محيص إلا عن كون الأداة في مثله للخطاب الايقاعي ولو مجازا، وعليه لا مجال لتوهم اختصاص الحكم المتكفل له الخطاب بالحاضرين، بل يعم المعدومين، فضلا عن الغائبين (1).
192

فصل
ربما قيل: إنه يظهر لعموم الخطابات الشفاهية للمعدومين ثمرتان:
الأولى حجية ظهور خطابات الكتاب لهم كالمشافهين.
وفيه: إنه مبني على اختصاص حجية الظواهر بالمقصودين بالإفهام، وقد حقق عدم الاختصاص بهم. ولو سلم، فاختصاص المشافهين بكونهم مقصودين بذلك ممنوع، بل الظاهر أن الناس كلهم إلى يوم القيامة يكونون كذلك، وإن لم يعمهم الخطاب، كما يومئ إليه غير واحد من الاخبار (1).
193

الثانية: صحة التمسك بإطلاقات الخطابات القرآنية بناءا على التعميم، لثبوت الاحكام لمن وجد وبلغ من المعدومين، وإن لم يكن متحدا مع المشافهين في الصنف، وعدم صحته على عدمه، لعدم كونها حينئذ متكفلة لاحكام غير المشافهين، فلابد من إثبات اتحاده معهم في الصنف، حتى يحكم بالاشتراك مع المشافهين في الاحكام، وحيث لا دليل عليه حينئذ إلا الإجماع، ولا إجماع عليه إلا فيما اتحد الصنف، كما لا يخفى (1).
196

ولا يذهب عليك أنه يمكن إثبات الاتحاد، وعدم دخل ما كان البالغ الآن فاقدا له مما كان المشافهون واجدين له، بإطلاق الخطاب إليهم من دون التقييد به (1)، وكونهم كذلك لا يوجب صحة الاطلاق، مع إرادة
199

المقيد منه فيما يمكن أن يتطرق اليه الفقدان، وإن صح فيما لا يتطرق إليه ذلك (1). وليس المراد بالاتحاد في الصنف إلا الاتحاد فيما اعتبر قيدا في
201

الاحكام، لا الاتحاد فيما كثر الاختلاف بحسبه، والتفاوت بسببه بين الأنام (1)، بل في شخص واحد بمرور الدهور والأيام، وإلا لما ثبت
202

بقاعدة الاشتراك للغائبين - فضلا عن المعدومين - حكم من الاحكام. ودليل الاشتراك إنما يجدي في عدم اختصاص التكاليف بأشخاص المشافهين، فيما لم يكونوا مختصين بخصوص عنوان، لو لم يكونوا معنونين به لشك في شمولها لهم أيضا، فلولا الاطلاق وإثبات عدم دخل ذاك العنوان في الحكم، لما أفاد دليل الاشتراك، ومعه كان الحكم يعم غير المشافهين ولو قيل باختصاص الخطابات بهم (1)، فتأمل جيدا.
203

فتلخص: أنه لا يكاد تظهر الثمرة إلا على القول باختصاص حجية الظواهر لمن قصد إفهامه، مع كون غير المشافهين غير مقصودين بالافهام، وقد حقق عدم الاختصاص به في غير المقام، وأشير إلى منع كونهم غير مقصودين به في خطاباته تبارك وتعالى في المقام (1).
205

فصل
هل تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده، يوجب تخصيصه به أو لا؟ فيه خلاف بين الاعلام (1) وليكن محل الخلاف ما إذا وقعا في

(1) البقرة: الآية: 228.
206

كلامين، أو في كلام واحد مع استقلال العام بما حكم عليه في الكلام، كما في قوله تبارك وتعالى: [والمطلقات يتربصن] إلى قوله [وبعولتهن أحق بردهن] وأما ما إذا كان مثل: والمطلقات أزواجهن أحق بردهن، فلا شبهة في تخصيصه به (1).
207

والتحقيق أن يقال: إنه حيث دار الامر بين التصرف في العام، بإرادة خصوص ما أريد من الضمير الراجع إليه، أو التصرف في ناحية الضمير: إما بإرجاعه إلى بعض ما هو المراد من مرجعه، أو إلى تمامه مع التوسع في الاسناد، بإسناد الحكم المسند إلى البعض حقيقة إلى الكل توسعا وتجوزا (1)، كانت أصالة الظهور في طرف العام سالمة عنها في جانب
209

الضمير، وذلك لان المتيقن من بناء العقلاء هو اتباع الظهور في تعيين المراد، لا في تعيين كيفية الاستعمال، وإنه على نحو الحقيقة أو المجاز في الكلمة أو الاسناد مع القطع بما يراد، كما هو الحال في ناحية الضمير.
210

وبالجملة: أصالة الظهور إنما يكون حجة فيما إذا شك فيما أريد، لا فيما إذا شك في أنه كيف أريد (1)،
211

فافهم (1)، لكنه إذا انعقد للكلام ظهور في العموم، بأن لا يعد ما اشتمل على الضمير مما يكتنف به عرفا، وإلا فيحكم عليه بالاجمال، ويرجع
212

إلى ما يقتضيه الأصول (1)، إلا أن يقال باعتبار اصالة الحقيقة تعبدا،
213

حتى فيما إذا احتف بالكلام ما لا يكون ظاهرا معه في معناه الحقيقي (1)
214

كما عن بعض الفحول (1).
فصل
قد اختلفوا في جواز التخصيص بالمفهوم المخالف، مع الاتفاق على الجواز بالمفهوم الموافق، على قولين، وقد استدل لكل منهما بما لا يخلو
عن قصور (1).
215

وتحقيق المقام أنه إذا ورد العام وما له المفهوم في كلام أو كلامين، ولكن على نحو يصلح أن يكون كل منهما قرينة متصلة للتصرف في الآخر (1)، ودار الامر بين تخصيص العموم أو إلغاء المفهوم، فالدلالة
216

على كل منهما إن كانت بالاطلاق بمعونة مقدمات الحكمة، أو بالوضع (1)، فلا يكون هناك عموم ولا مفهوم، لعدم تمامية مقدمات الحكمة في واحد منهما لأجل المزاحمة، كما في مزاحمة ظهور أحدهما وضعا لظهور الآخر كذلك، فلابد من العمل بالأصول العملية فيما دار الامر فيه بين العموم والمفهوم (2)، إذا لم يكن مع
217

ذلك أحدهما أظهر، وإلا كان مانعا عن انعقاد الظهور، أو استقراره في الآخر (1).
218

ومنه قد انقدح الحال فيما إذا لم يكن بين ما دل على العموم وما له المفهوم، ذاك الارتباط والاتصال، وأنه لابد أن يعامل مع كل منهما معاملة المجمل، لو لم يكن في البين أظهر، وإلا فهو المعول، والقرينة على التصرف في الآخر بما لا يخالفه بحسب العمل (1).
219

فصل
الاستثناء المتعقب للجمل المتعددة، هل الظاهر هو رجوعه إلى الكل أو خصوص الأخيرة، أو لا ظهور له في واحد منهما، بل لابد في التعيين من قرينة؟ أقوال.
220

والظاهر أنه لا خلاف ولا إشكال في رجوعه إلى الأخيرة على أي حال، ضرورة أن رجوعه إلى غيرها بلا قرينة خارج عن طريقة أهل المحاورة (1)، وكذا في صحة رجوعه إلى الكل، وإن كان المتراءى من
221

كلام صاحب المعالم رحمه الله حيث مهد مقدمة لصحة رجوعه إليه، أنه محل الاشكال والتأمل (1). وذلك ضرورة أن تعدد المستثنى منه،
222

كتعدد المستثنى، لا يوجب تفاوتا أصلا في ناحية الأداة بحسب المعنى، كان الموضوع له في الحروف عاما أو خاصا، وكان المستعمل فيه الأداة فيما كان المستثنى منه متعددا هو المستعمل فيه فيما كان واحدا، كما هو الحال في المستثنى بلا ريب ولا إشكال، وتعدد المخرج أو المخرج عنه خارجا لا يوجب تعدد ما استعمل فيه أداة الاخراج مفهوما (1)، وبذلك
224

يظهر أنه لا ظهور لها في الرجوع إلى الجميع، أو خصوص الأخيرة، وإن كان الرجوع إليها متيقنا على كل تقدير (1)، نعم غير الأخيرة أيضا من الجمل لا يكون ظاهرا في العموم لاكتنافه بما لا يكون معه ظاهرا فيه، فلابد في مورد الاستثناء فيه من الرجوع إلى الأصول.
اللهم إلا أن يقال بحجية أصالة الحقيقة تعبدا، لا من باب الظهور، فيكون المرجع عليه أصالة العموم إذا كان وضعيا، لا ما إذا كان بالاطلاق ومقدمات الحكمة، فإنه لا يكاد يتم تلك المقدمات مع صلوح الاستثناء للرجوع إلى الجميع (2)،
226

فتأمل (1).

(1) كفاية الأصول بحاشية المحقق المشكيني (قدس سره) ج 1 ص 366 (حجري).
228

فصل
الحق جواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد المعتبر بالخصوص كما جاز بالكتاب، أو بالخبر المتواتر، أو المحفوف بالقرينة القطعية من الخبر الواحد، بلا ارتياب (1)، لما هو الواضح من سيرة الأصحاب على العمل
229

بأخبار الآحاد في قبال عمومات الكتاب إلى زمن الأئمة (، واحتمال أن يكون ذلك بواسطة القرينة واضح البطلان (1) مع أنه لولاه
231

لزم إلغاء الخبر بالمرة أو ما بحكمه، ضرورة ندرة خبر لم يكن على خلافه عموم الكتاب، لو سلم وجود ما لم يكن كذلك (1).
وكون العام الكتابي قطعيا صدورا، والخبر الواحد ظنيا سندا، لا يمنع عن التصرف في دلالته غير القطعية قطعا، وإلا لما جاز تخصيص المتواتر به أيضا، مع أنه جائز جزما.
والسر: أن الدوران في الحقيقة بين أصالة العموم ودليل سند الخبر، مع أن الخبر بدلالته وسنده صالح للقرينة على التصرف فيها، بخلافها، فإنها غير صالحة لرفع اليد عن دليل اعتباره (2)،
232

ولا ينحصر الدليل على الخبر بالاجماع، كي يقال بأنه فيما لا يوجد على خلافه دلالة، ومع وجود الدلالة القرآنية يسقط وجوب العمل به. كيف؟ وقد عرفت أن سيرتهم مستمرة على العمل به في قبال العمومات الكتابية (1)، والأخبار الدالة على أن الاخبار المخالفة للقرآن يجب
235

طرحها أو ضربها على الجدار، أو أنها زخرف، أو أنها مما لم يقل بها الامام (، وإن كانت كثيرة جدا، وصريحة الدلالة على طرح المخالف، إلا انه لا محيص عن أن يكون المراد من المخالفة في هذه الأخبار غير مخالفة العموم، إن لم نقل بأنها ليست من المخالفة عرفا، كيف؟ وصدور الاخبار المخالفة للكتاب بهذه المخالفة منهم (كثيرة جدا (1)،
236

مع قوة احتمال أن يكون المراد أنهم لا يقولون بغير ما هو قول الله تبارك وتعالى واقعا - وإن كان هو على خلافه ظاهرا - شرحا لمرامه تعالى وبيانا لمراده من كلامه (1)،
238

فافهم (1).
والملازمة بين جواز التخصيص وجواز النسخ به ممنوعة، وإن كان مقتضى القاعدة جوازهما، لاختصاص النسخ بالاجماع على المنع، مع وضوح الفرق بتوافر الدواعي إلى ضبطه، ولذا قل الخلاف في تعيين موارده، بخلاف التخصيص (2).
240

فصل
لا يخفى أن الخاص والعام المتخالفين (1)، يختلف حالهما ناسخا
243

ومخصصا ومنسوخا (1)، فيكون الخاص: مخصصا تارة، وناسخا مرة، ومنسوخا أخرى، وذلك لان الخاص إن كان مقارنا مع العام، أو واردا بعده قبل حضور وقت العمل به، فلا محيص عن كونه مخصصا وبيانا له (2). وإن كان بعد حضوره كان ناسخا لا مخصصا، لئلا يلزم تأخير
244

البيان عن وقت الحاجة فيما إذا كان العام واردا لبيان الحكم الواقعي، وإلا لكان الخاص أيضا مخصصا له، كما هو الحال في غالب العمومات والخصوصات في الآيات والروايات. وإن كان العام واردا بعد حضور وقت العمل بالخاص، فكما يحتمل أن يكون الخاص مخصصا للعام، يحتمل أن يكون العام ناسخا له (1)، وإن كان الأظهر أن يكون الخاص
247

مخصصا، كثرة التخصيص، حتى اشتهر ما من عام الا وقد خص مع قلة النسخ في الاحكام جدا، وبذلك يصير ظهور الخاص في الدوام - ولو كان بالاطلاق - أقوى من ظهور العام ولو كان بالوضع، كما لا يخفى (1)، هذا فيما علم تاريخهما.
251

وأما لو جهل وتردد بين أن يكون الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام وقبل حضوره، فالوجه هو الرجوع إلى الأصول العملية. وكثرة التخصيص وندرة النسخ هاهنا، وإن كانا يوجبان الظن بالتخصيص أيضا، وأنه واجد لشرطه إلحاقا له بالغالب، إلا أنه لا دليل على اعتباره، وإنما يوجبان الحمل عليه فيما إذا ورد العام بعد حضور وقت العمل بالخاص، لصيرورة الخاص بذلك في الدوام اظهر من العام، كما أشير إليه، فتدبر جيدا (1).
252

ثم إن تعين الخاص للتخصيص، إذا ورد قبل حضور وقت العمل بالعام، أو ورد العام قبل حضور وقت العمل به، إنما يكون مبنيا على عدم جواز النسخ قبل حضور
وقت العمل (1)، وإلا فلا يتعين له، بل
255

يدور بين كونه مخصصا وناسخا في الأول، ومخصصا ومنسوخا في الثاني، إلا أن الأظهر كونه مخصصا، وإن كان ظهور العام في عموم الافراد أقوى من ظهور الخاص في الخصوص، لما أشير اليه من تعارف التخصيص وشيوعه، وندرة النسخ جدا في الاحكام (1).
256

ولا بأس بصرف الكلام إلى ما هو نخبة القول في النسخ (1)، فاعلم أن النسخ وإن كان رفع الحكم الثابت إثباتا، إلا أنه في الحقيقة دفع الحكم
257

ثبوتا (1)، وإنما اقتضت الحكمة إظهار دوام الحكم واستمراره، أو أصل إنشائه وإقراره، مع أنه بحسب الواقع ليس له قرار، أوليس له دوام
258

واستمرار، وذلك لان النبي (صلى الله عليه وآله) الصادع للشرع، ربما يلهم أو يوحى إليه أن يظهر الحكم أو استمراره مع اطلاعه على حقيقة الحال، وأنه ينسخ في الاستقبال، أو مع عدم اطلاعه على ذلك، لعدم إحاطته بتمام ما جرى في علمه تبارك وتعالى، ومن هذا القبيل لعله يكون أمر إبراهيم بذبح إسماعيل (1). وحيث عرفت أن النسخ بحسب
259

الحقيقة يكون دفعا، وإن كان بحسب الظاهر رفعا، فلا بأس به مطلقا ولو كان قبل حضور وقت العمل (1)، لعدم لزوم البداء المحال في حقه
260

تبارك وتعالى، بالمعنى المستلزم لتغير إرادته تعالى مع اتحاد الفعل ذاتا وجهة (1)، وإلا لزم امتناع النسخ أو الحكم المنسوخ، فإن الفعل إن كان
261

مشتملا على مصلحة موجبة للامر به امتنع النهي عنه، وإلا امتنع الامر
262

به (1)، وذلك لان الفعل أو دوامه لم يكن متعلقا لإرادته، فلا يستلزم نسخ أمره بالنهي تغيير إرادته، ولم يكن الامر بالفعل من جهة كونه مشتملا على مصلحة، وإنما كان إنشاء الامر به أو إظهار دوامه عن حكمة ومصلحة (2).
263

وأما البداء في التكوينيات بغير ذاك المعنى، فهو مما دل عليه الروايات المتواترات، كما لا يخفى، ومجمله أن الله تبارك وتعالى إذا تعلقت مشيته
264

تعالى بإظهار ثبوت ما يمحوه، لحكمة داعية إلى إظهاره، ألهم أو أوحى إلى نبيه أو وليه أن يخبر به، مع علمه بأنه يمحوه، أو مع عدم علمه به، لما أشير إليه من عدم الإحاطة بتمام ما جرى في علمه، وإنما يخبر به لأنه حال الوحي أو الالهام لارتقاء نفسه الزكية، واتصاله بعالم لوح المحو والاثبات اطلع على ثبوته، ولم يطلع على كونه معلقا على أمر غير واقع، أو عدم الموانع، قال الله تبارك وتعالى: [يمحوا الله ما يشاء ويثبت] الآية، نعم من شملته العناية الإلهية، واتصلت نفسه الزكية بعالم اللوح المحفوظ الذي هو من أعظم العوالم الربوبية، وهو أم الكتاب، يكشف عنده الواقعيات على ما هي عليها (1)، كما ربما يتفق
265



(1) الرعد: الآية: 39. (2) الانعام: الآية: 2. (3) النمل: الآية 65.
266

لخاتم الأنبياء، ولبعض الأوصياء، وكان عارفا بالكائنات كما كانت وتكون (1).
267

نعم مع ذلك، ربما يوحى إليه حكم من الاحكام، تارة بما يكون ظاهرا في الاستمرار والدوام، معه أنه في الواقع له غاية وأمد يعينها بخطاب آخر، وأخرى بما يكون ظاهرا في الجد، مع أنه لا يكون واقعا بجد، بل لمجرد الاختبار والابتلاء، كما أنه يؤمر وحيا أو الهاما بالاخبار بوقوع عذاب أو غيره مما لا يقع، لأجل حكمة في هذا الاخبار أو ذاك الاظهار (1)، فبدا له تعالى بمعنى أنه يظهر ما أمر نبيه أو وليه بعدم إظهاره
268

أولا، ويبدي ما خفي ثانيا (1).
وإنما نسب إليه تعالى البداء، مع إنه في الحقيقة الابداء، لكمال شباهة إبدائه تعالى كذلك بالبداء في غيره، وفيما ذكرنا كفاية فيما هو المهم في
269

باب النسخ، ولا داعي إلى ذكر تمام ما ذكروه في ذاك الباب كما لا يخفى على أولي الألباب (1).
ثم لا يخفى ثبوت الثمرة بين التخصيص والنسخ، ضرورة أنه على التخصيص يبنى على خروج الخاص عن حكم العام رأسا، وعلى النسخ، على ارتفاع حكمه عنه من حينه، فيما دار الامر بينهما في المخصص، وأما إذا دار بينهما في الخاص والعام، فالخاص على التخصيص غير محكوم بحكم العام أصلا، وعلى النسخ كان محكوما به من حين صدور دليله، كما لا يخفى (2).
270

المقصد الخامس
في
المطلق والمقيد
والمجمل والمبين
273

المقصد الخامس
في المطلق والمقيد والمجمل والمبين
فصل
عرف المطلق بأنه: ما دل على شائع في جنسه، وقد أشكل عليه بعض الاعلام، بعدم الاطراد أو الانعكاس، وأطال الكلام في النقض والابرام، وقد نبهنا في غير مقام (1) على أنه مثله شرح الاسم، وهو مما
275

يجوز أن لا يكون بمطرد ولا بمنعكس، فالأولى الاعراض عن ذلك، ببيان ما وضع له بعض الالفاظ التي يطلق عليها المطلق (1)، أو غيرها مما يناسب المقام.
فمنها: اسم الجنس، كإنسان ورجل وفرس وحيوان وسواد وبياض إلى غير ذلك من أسماء الكليات من الجواهر والاعراض بل العرضيات، ولا ريب أنها موضوعة لمفاهيمها بما هي هي مبهمة مهملة، بلا شرط أصلا ملحوظا معها، حتى لحاظ أنها كذلك.
وبالجملة: الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى، وصرف المفهوم غير الملحوظ معه شيء أصلا (2) الذي هو المعنى بشرط شيء، ولو كان ذاك
276

الشيء هو الارسال والعموم البدلي (1)، ولا الملحوظ معه عدم لحاظ شيء
280

معه الذي هو الماهية اللا بشرط القسمي (1)، وذلك لوضوح صدقها بما لها من المعنى، بلا عناية التجريد عما هو قضية الاشتراط والتقييد فيها، كما لا يخفى، مع بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم على فرد من الافراد، وإن كان يعم كل واحد منها بدلا أو استيعابا، وكذا المفهوم
281

اللا بشرط القسمي (1)، فإنه كلي عقلي لا موطن له إلا الذهن لا يكاد يمكن صدقه وانطباقه عليها، بداهة أن مناطه الاتحاد بحسب الوجود
282

خارجا، فكيف يمكن أن يتحد معها ما لا وجود له إلا ذهنا (1).
283

ومنها: علم الجنس كأسامة، والمشهور بين أهل العربية أنه موضوع للطبيعة لا بما هي هي، بل بما هي متعينة بالتعين الذهني ولذا يعامل معه معاملة المعرفة بدون أداة التعريف (1).
284

لكن التحقيق أنه موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شيء معه أصلا كاسم الجنس، والتعريف فيه لفظي، كما هو الحال في التأنيث اللفظي (1)، وإلا
285

لما صح حمله على الافراد بلا تصرف وتأويل، لأنه على المشهور كلي عقلي، وقد عرفت أنه لا يكاد صدقه عليها مع صحة حمله عليها بدون ذلك، كما لا يخفى، ضرورة أن التصرف في المحمول بإرادة نفس المعنى بدون قيده تعسف، لا يكاد يكون بناء القضايا المتعارفة عليه، مع أن وضعه لخصوص معنى يحتاج إلى تجريده عن خصوصيته عند الاستعمال، لا يكاد يصدر عن جاهل، فضلا عن الواضع الحكيم (1).
286

ومنها: المفرد المعرف باللام، والمشهور أنه على أقسام: المعرف بلام الجنس، أو الاستغراق، أو العهد بأقسامه، على نحو الاشتراك بينها لفظا أو معنى، والظاهر أن الخصوصية في كل واحد من الاقسام من قبل خصوص اللام، أو من قبل قرائن المقام، من باب تعدد الدال والمدلول، لا باستعمال المدخول ليلزم فيه المجاز أو الاشتراك، فكان المدخول على كل حال مستعملا فيما يستعمل فيه غير المدخول (1).
288

والمعروف أن اللام تكون موضوعة للتعريف، ومفيدة للتعيين في غير العهد الذهني (1)، وأنت خبير بأنه لا تعين في تعريف الجنس إلا الإشارة
290

إلى المعنى المتميز بنفسه من بين المعاني ذهنا (1)، ولازمه أن لا يصح حمل المعرف باللام بما هو معرف على الافراد، لما عرفت من امتناع الاتحاد مع ما لا موطن له إلا الذهن إلا بالتجريد، ومعه لا فائدة في التقييد (2)،
291

مع أن التأويل والتصرف في القضايا المتداولة في العرف غير خال عن التعسف (1).
هذا مضافا إلى أن الوضع لما لا حاجة إليه، بل لابد من التجريد عنه وإلغائه في الاستعمالات المتعارفة المشتملة على حمل المعرف باللام أو الحمل عليه، كان لغوا، كما أشرنا إليه (2)، فالظاهر أن اللام مطلقا يكون للتزيين، كما في الحسن والحسين، واستفادة الخصوصيات إنما تكون بالقرائن (3) التي لابد منها لتعينها على كل حال، ولو قيل بإفادة
293

اللام للإشارة إلى المعنى، ومع الدلالة عليه بتلك الخصوصيات لا حاجة إلى تلك الإشارة، لو لم تكن مخلة، وقد عرفت إخلالها، فتأمل جيدا (1).
294

وأما دلالة الجمع المعرف باللام على العموم مع عدم دلالة المدخول عليه، فلا دلالة فيها على أنها تكون لأجل دلالة اللام على التعيين، حيث لا تعين إلا للمرتبة المستغرقة لجميع الافراد (1)، وذلك لتعين المرتبة
296

الأخرى، وهي أقل مراتب الجمع، كما لا يخفى. فلابد أن يكون دلالته عليه مستندة إلى وضعه كذلك لذلك، لا إلى دلالة اللام على الإشارة إلى المعين، ليكون به التعريف، وإن أبيت إلا عن استناد الدلالة عليه اليه، فلا محيص عن دلالته على الاستغراق بلا توسيط الدلالة على التعيين، فلا يكون بسببه تعريف إلا لفظا، فتأمل جيدا (1).
297

ومنها: النكرة مثل رجل في وجاء رجل من أقصى المدينة، أو في جئنى برجل ولا إشكال أن المفهوم منها في الأول، ولو بنحو تعدد الدال والمدلول، هو الفرد المعين في الواقع المجهول عند المخاطب المحتمل الانطباق على غير واحد من أفراد الرجل. كما أنه في الثاني، هي الطبيعة المأخوذة مع قيد الوحدة، فيكون حصة من الرجل، ويكون كليا ينطبق على كثيرين (1)، لا فردا مرددا بين الافراد.
299

وبالجملة: النكرة - أي ما بالحمل الشائع يكون نكرة عندهم - إما هو فرد معين في الواقع غير معين للمخاطب، أو حصة كلية، لا الفرد المردد بين الافراد، وذلك لبداهة كون لفظ رجل في جئني برجل نكرة، مع أنه يصدق على كل من جيء به من الافراد ولا يكاد يكون واحد منها هذا أو غيره، كما هو قضية الفرد المردد، لو كان هو المراد منها، ضرورة أن كل واحد هو هو، لا هو أو غيره، فلابد أن تكون النكرة الواقعة في متعلق الأمر، هو الطبيعي المقيد بمثل مفهوم الوحدة، فيكون كليا قابلا للانطباق، فتأمل جيدا (1).
300

إذا عرفت ذلك، فالظاهر صحة إطلاق المطلق عندهم حقيقة على اسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني، كما يصح لغة. وغير بعيد أن يكون جريهم في هذا الاطلاق على وفق اللغة، من دون أن يكون لهم فيه اصطلاح على خلافها، كما لا يخفى.
نعم لو صح ما نسب إلى المشهور من كون المطلق عندهم موضوعا لما قيد بالارسال والشمول البدلي، لما كان ما أريد منه الجنس أو الحصة عندهم بمطلق، إلا أن الكلام في صدق النسبة (1)، ولا يخفى أن المطلق
302

بهذا المعنى لطروء التقييد غير قابل، فإن ما له من الخصوصية ينافيه ويعانده، وهذا بخلافه بالمعنيين، فإن كلا منهما له قابل، لعدم انثلامهما بسببه أصلا، كما لا يخفى.
وعليه لا يستلزم التقييد تجوزا في المطلق، لامكان إرادة معنى لفظه منه، وإرادة قيده من قرينة حال أو مقال، وإنما استلزمه لو كان بذلك
304

المعنى (1)، نعم لو أريد من لفظه المعنى المقيد، كان مجازا مطلقا، كان
305

التقييد بمتصل أو منفصل (1).
306

فصل
قد ظهر لك أنه لا دلالة لمثل رجل إلا على الماهية المبهمة وضعا، وأن الشياع والسريان كسائر الطوارئ يكون خارجا عما وضع له، فلابد في الدلالة عليه من قرينة حال أو مقال أو حكمة (1)، وهي تتوقف على مقدمات:
308

إحداها: كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد، لا الاهمال أو الاجمال.
ثانيتها: انتفاء ما يوجب التعيين.
ثالثتها: انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب (1)، ولو كان المتيقن بملاحظة الخارج عن ذاك المقام في البين، فإنه غير مؤثر في رفع الاخلال
309

بالغرض، لو كان بصدد البيان، كما هو الفرض (1)، فإنه فيما تحققت
310

لو لم يرد الشياع لأخل بغرضه، حيث أنه لم ينبه مع أنه بصدده (1)،
311

وبدونها لا يكاد يكون هناك إخلال به (1)، حيث لم يكن مع انتفاء الأولى، إلا في مقام الاهمال أو الاجمال (2)، ومع انتفاء الثانية، كان البيان بالقرينة (3)، ومع
انتفاء الثالثة (4).
312

لا إخلال بالغرض لو كان المتيقن تمام مراده، فإن الفرض أنه بصدد بيان تمامه، وقد بينه، لا بصدد بيان أنه تمامه، كي أخل ببيانه (1)، فافهم (2).
313

ثم لا يخفى عليك أن المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده، مجرد بيان ذلك وإظهاره وإفهامه، ولو لم يكن عن جد، بل قاعدة وقانونا، لتكون حجة فيما لم تكن حجة أقوى على خلافه، لا البيان في قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة، فلا يكون الظفر بالمقيد - ولو كان مخالفا - كاشفا عن عدم كون المتكلم في مقام البيان، ولذا لا ينثلم به إطلاقه وصحة التمسك به أصلا (1)، فتأمل جيدا.
314

وقد انقدح بما ذكرنا أن النكرة في دلالتها على الشياع والسريان - أيضا - تحتاج فيما لا يكون هناك دلالة حال أو مقال من مقدمات الحكمة، فلا تغفل (1). بقي شيء: وهو أنه لا يبعد أن يكون الأصل فيما إذا شك في كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد، هو كونه بصدد بيانه، وذلك لما جرت عليه سيرة أهل المحاورات من التمسك بالاطلاقات فيما إذا لم يكن هناك ما يوجب صرف وجهها إلى جهة خاصة (2)، ولذا ترى
316

أن المشهور لا يزالون يتمسكون بها، مع عدم إحراز كون مطلقها بصدد البيان (1)، وبعد كونه لأجل ذهابهم إلى أنها موضوعة للشياع والسريان، وإن كان ربما نسب ذلك إليهم (2)، ولعل وجه النسبة
317

ملاحظة أنه لا وجه للتمسك بها بدون الاحراز والغفلة عن وجهه (1)، فتأمل جيدا. ثم إنه قد انقدح بما عرفت - من توقف حمل المطلق على الاطلاق، فيما لم يكن هناك قرينة حالية أو مقالية على قرينة الحكمة المتوقفة على المقدمات المذكورة - أنه لا إطلاق له فيما كان له الانصراف إلى خصوص بعض الافراد أو الأصناف، لظهوره فيه، أو كونه متيقنا منه، ولو لم يكن ظاهرا فيه بخصوصه، حسب اختلاف مراتب
318

الانصراف (1)، كما أنه منها ما لا يوجب ذا ولا ذاك، بل يكون بدويا زائلا بالتأمل، كما أنه منها ما يوجب الاشتراك أو النقل.
319

لا يقال: كيف يكون ذلك وقد تقدم أن التقييد لا يوجب التجوز في المطلق أصلا (1).
320

فإنه يقال: مضافا إلى أنه إنما قيل لعدم استلزامه له، لا عدم إمكانه، فإن استعمال المطلق في المقيد بمكان من الامكان، إن كثرة إرادة المقيد لدى إطلاق المطلق ولو بدال آخر ربما تبلغ بمثابة توجب له مزية أنس (1)،
321

كما في المجاز المشهور، أو تعيينا واختصاصا به، كما في المنقول بالغلبة (1)، فافهم (2).
322

تنبيه: وهو أنه يمكن أن يكون للمطلق جهات عديدة، كان واردا في مقام البيان من جهة منها، وفي مقام الاهمال أو الاجمال من أخرى، فلا بد في حمله على الاطلاق بالنسبة إلى جهة من كونه بصدد البيان من تلك الجهة، ولا يكفي كونه بصدده من جهة أخرى (1)، إلا إذا كان بينهما

(1) المائدة: الآية: 4
323

ملازمة عقلا أو شرعا أو عادة، كما لا يخفى (1).
324

فصل
إذا ورد مطلق ومقيد متنافيين، فإما يكونان مختلفين في الاثبات والنفي، وإما يكونان متوافقين (1)، فإن كانا مختلفين مثل أعتق رقبة، ولا تعتق رقبة كافرة فلا إشكال في التقييد، وإن كانا متوافقين،
325

فالمشهور فيهما الحمل والتقييد (1).
وقد استدل بأنه جمع بين الدليلين وهو أولى (2).
326

يستلزم تصرفا، فلا يعارض ذلك بالتصرف في المقيد، بحمل أمره على الاستحباب (1).
327

يستلزم تصرفا، فلا يعارض ذلك بالتصرف في المقيد، بحمل أمره على الاستحباب (1).
328

وأنت خبير بأن التقييد أيضا يكون تصرفا في المطلق، لما عرفت من أن الظفر بالمقيد لا يكون كاشفا عن عدم ورود المطلق في مقام البيان، بل عن عدم كون الاطلاق الذي هو ظاهره بمعونة الحكمة، بمراد جدي، غاية الأمر أن التصرف فيه بذلك لا يوجب التجوز فيه (1)، مع أن حمل
329

الامر في المقيد على الاستحباب لا يوجب تجوزا فيه، فإنه في الحقيقة مستعمل في الايجاب، فإن المقيد إذا كان فيه ملاك الاستحباب، كان من أفضل أفراد الواجب، لا
مستحبا فعلا، ضرورة أن ملاكه لا يقتضي استحبابه إذا اجتمع مع ما يقتضي وجوبه (1).
330

نعم، فيما إذا كان إحراز كون المطلق في مقام البيان بالأصل، كان من التوفيق بينهما، حمله على أنه سيق في مقام الاهمال على خلاف مقتضى الأصل (1)،
331

فافهم (1).

(1) كفاية الأصول بحاشية المحقق المشكيني (قدس سره): ج 1 ص 393 (حجري).
332

ولعل وجه التقييد كون ظهور إطلاق الصيغة في الايجاب التعييني أقوى من ظهور المطلق في الاطلاق (1).
333

وربما يشكل بأنه يقتضي التقييد في باب المستحبات، مع أن بناء المشهور على حمل الامر بالمقيد فيها على تأكد الاستحباب (1)، اللهم إلا أن يكون الغالب في هذا الباب هو تفاوت الافراد بحسب مراتب المحبوبية (2)،
334

فتأمل (1). أو أنه كان بملاحظة التسامح في أدلة المستحبات، وكان عدم رفع اليد من دليل استحباب المطلق بعد مجيء دليل المقيد، وحمله على
335

تأكد استحبابه، من التسامح فيها (1).
336

ثم إن الظاهر أنه لا يتفاوت فيما ذكرنا بين المثبتين والمنفيين بعد فرض كونهما متنافيين، كما لا يتفاوتان في استظهار التنافي بينهما من استظهار اتحاد التكليف، من وحدة السبب وغيره، من قرينة حال أو مقال حسبما يقتضيه النظر (1)،
337

فليتدبر (1).
تنبيه: لا فرق فيما ذكر من الحمل في المتنافيين، بين كونهما في بيان الحكم التكليفي، وفي بيان الحكم الوضعي، فإذا ورد مثلا: إن البيع سبب، وإن البيع الكذائي سبب، وعلم أن مراده إما البيع على إطلاقه، أو البيع الخاص، فلابد من التقييد لو كان ظهور دليله في دخل القيد أقوى من ظهور دليل الاطلاق فيه، كما هو ليس ببعيد، ضرورة تعارف ذكر المطلق وإرادة المقيد - بخلاف العكس - بالغاء القيد، وحمله على أنه غالبي، أو على وجه آخر، فإنه على خلاف المتعارف (2).
338

تبصرة لا تخلو من تذكرة، وهي: إن قضية مقدمات الحكمة في المطلقات تختلف حسب اختلاف المقامات، فإنها تارة يكون حملها على العموم البدلي، وأخرى على العموم الاستيعابي، وثالثة على نوع خاص مما ينطبق عليه حسب اقتضاء خصوص المقام، واختلاف الآثار والاحكام، كما هو الحال في سائر القرائن بلا كلام. فالحكمة في إطلاق صيغة الامر تقتضي أن يكون المراد خصوص الوجوب التعييني العيني النفسي (1)، فإن إرادة غيره تحتاج إلى مزيد بيان، ولا معنى لإرادة الشياع

(1) البقرة: الآية: 275
340

فيه، فلا محيص عن الحمل عليه فيما إذا كان بصدد البيان، كما أنها قد تقتضي العموم الاستيعابي (1)، كما في أحل الله البيع وحرم الربوا إذ إرادة البيع مهملا أو مجملا، تنافي ما هو المفروض من كونه بصدد البيان، وإرادة العموم البدلي لا يناسب المقام، ولا مجال لاحتمال إرادة بيع اختاره المكلف، أي بيع كان، مع أنها تحتاج إلى نصب دلالة عليها، لا يكاد يفهم بدونها من الاطلاق (2)، ولا يصح قياسه على ما إذا أخذ في
341

متعلق الأمر، فإن العموم الاستيعابي لا يكاد يمكن إرادته، وإرادة غير العموم البدلي، وإن كانت ممكنة، إلا أنها منافية للحكمة، وكون المطلق بصدد البيان (1).
342

فصل
في المجمل والمبين والظاهر أن المراد من المبين في موارد إطلاقه، الكلام الذي له ظاهر، ويكون بحسب متفاهم العرف قالبا لخصوص معنى، والمجمل بخلافه، فما ليس له ظهور مجمل وإن علم بقرينة خارجية ما أريد منه، كما أن ماله الظهور مبين وإن علم بالقرينة الخارجية أنه ما أريد ظهوره وأنه مؤول، ولكل منهما في الآيات والروايات، وإن كان أفراد كثيرة لا تكاد تخفى، إلا أن لهما أفرادا مشتبهة وقعت محل البحث والكلام للاعلام، في أنها من أفراد أيهما؟ (1) كآية السرقة،
343

ومثل حرمت عليكم أمهاتكم وأحلت لكم بهيمة الأنعام مما أضيف التحليل إلى الأعيان (1) ومثل لا صلاة

(1) المائدة: الآية: 38. (2) النساء: الآية: 23. (3) المائدة: الآية: 1.
344

إلا بطهور (1).
345

ولا يذهب عليك أن إثبات الاجمال أو البيان لا يكاد يكون بالبرهان، لما عرفت من أن ملاكهما أن يكون للكلام ظهور، ويكون قالبا لمعنى، وهو مما يظهر بمراجعة الوجدان (1)، فتأمل (2).
ثم لا يخفى أنهما وصفان إضافيان، ربما يكون مجملا عند واحد، لعدم معرفته بالوضع، أو لتصادم ظهوره بما حف به لديه، ومبينا لدى الآخر، لمعرفته وعدم التصادم بنظره، فلا يهمنا التعرض لموارد الخلاف والكلام والنقض والابرام في المقام (3)، وعلى الله التوكل وبه الاعتصام.
346