الكتاب: بداية الوصول في شرح كفاية الأصول
المؤلف: الشيخ محمد طاهر آل الشيخ راضي
الجزء: ٨
الوفاة: ١٤٠٠
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق: أشرف على طبعه وتصحيحه : محمد عبد الحكيم الموسوي البكاء
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٥ - ٢٠٠٤م
المطبعة: ستاره
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
ردمك:
ملاحظات:

بداية الوصول
في شرح كفاية الأصول
تأليف
آية الله العظمى
الشيخ محمد طاهر آل الشيخ راضي
(قدس سره)
أشرف على طبعة وتصحيحه
محمد عبد الحكيم الموسوي البكاء
الجزء الثامن
مقدمة 1

الكتاب: بداية الوصول / الجزء الثامن
مؤلف: الشيخ محمد طاهر آل الشيخ راضي (قدس سره)
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
الطبعة: الأولى 1425 ه‍. ق / 2004 م
المطبعة: مطبعة ستاره
عدد النسخ: (1000) نسخه
جميع حقوق الطبع محفوظة ومسجلة للناشر
مقدمة 2

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة 3

ومنها: صحيحة أخرى لزرارة قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من المني، فعلمت أثره إلى أن أصيب له الماء، فحضرت الصلاة، ونسيت أن بثوبي شيئا وصليت، ثم إني ذكرت بعد ذلك، قال: تعيد الصلاة وتغسله، قلت: فإن لم أكن رأيت موضعه، وعلمت أنه قد أصابه، فطلبته ولم أقدر عليه، فلما صليت وجدته، قال عليه السلام: تغسله وتعيد، قلت: فإن ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك، فنظرت فلم أر شيئا فصليت، فرأيت فيه، قال: تغسله ولا تعيد الصلاة، قلت: لم ذلك؟ قال: لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا، قلت: فإني قد علمت أنه قد أصابه، ولم أدر أين هو، فأغسله؟ قال: تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه قد أصابها، حتى تكون على يقين من طهارتك، قلت: فهل علي إن شككت في أنه أصابه شيء أن أنظر فيه؟ قال: لا ولكنك إنما تريد أن تذهب الشك الذي وقع في نفسك، قلت: إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة، قال: تنقض الصلاة وتعيد، إذا شككت في موضع منه ثم رأيته، وإن لم تشك ثم رأيته رطبا، قطعت الصلاة وغسلته، ثم بنيت على الصلاة، لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك (1).
1



(1) تهذيب الأحكام ج 1، ص 421 (ط - النجف الأشرف).
2

وقد ظهر مما ذكرنا في الصحيحة الأولى تقريب الاستدلال بقوله فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك في كلا الموردين، ولا نعيد (1).
نعم دلالته في المورد الأول على الاستصحاب مبني على أن يكون المراد من اليقين في قوله عليه السلام: لأنك كنت على يقين من طهارتك اليقين بالطهارة قبل ظن الإصابة كما هو الظاهر، فإنه لو كان المراد منه اليقين
6

الحاصل بالنظر والفحص بعده الزائل بالرؤية بعد الصلاة، كان مفاد قاعدة اليقين، كما لا يخفى (1).
7

ثم إنه أشكل على الرواية، بأن الإعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة ليست نقضا لليقين بالطهارة بالشك فيها، بل باليقين بارتفاعها، فكيف يصح أن يعلل عدم الإعادة بأنها نقض اليقين بالشك؟ نعم إنما يصح أن يعلل به جواز الدخول في الصلاة، كما لا يخفى (1)، ولا يكاد يمكن
9

التفصي عن هذا الاشكال إلا بأن يقال: إن الشرط في الصلاة فعلا حين الالتفات إلى الطهارة هو إحرازها، ولو بأصل أو قاعدة لا نفسها، فيكون قضية استصحاب
الطهارة حال الصلاة عدم إعادتها ولو انكشف وقوعها في النجاسة بعدها، كما أن إعادتها بعد الكشف تكشف عن جواز النقض وعدم حجية الاستصحاب حالها، كما لا يخفى، فتأمل جيدا (1).
12

لا يقال: لا مجال حينئذ لاستصحاب الطهارة فإنه إذا لم يكن شرطا لم يكن موضوعا لحكم مع أنه ليس بحكم، ولا محيص في الاستصحاب عن كون المستصحب حكما أو موضوعا لحكم (1).
فإنه يقال: إن الطهارة وإن لم تكن شرطا فعلا، إلا أنها غير منعزلة عن الشرطية رأسا، بل هي شرط واقعي اقتضائي، كما هو قضية
15

التوفيق بين بعض الاطلاقات ومثل هذا الخطاب، هذا مع كفاية كونها من قيود الشرط، حيث أنه كان إحرازها بخصوصها لا غيرها شرطا (1).
16

لا يقال: سلمنا ذلك، لكن قضية أن يكون علة عدم الإعادة حينئذ، بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة، هو إحراز الطهارة حالها باستصحابها، لا الطهارة المحرزة بالاستصحاب، مع أن قضية التعليل أن تكون العلة له هي نفسها لا إحرازها، ضرورة أن نتيجة قوله: لأنك كنت على يقين.. إلى آخره، أنه على الطهارة لا أنه مستصحبها، كما لا يخفى (1).
17

فإنه يقال: نعم، ولكن التعليل إنما هو بلحاظ حال قبل انكشاف الحال، لنكتة التنبيه على حجية الاستصحاب، وأنه كان هناك استصحاب مع وضوح استلزام ذلك لأن يكون المجدي بعد الانكشاف، هو ذاك الاستصحاب لا الطهارة، وإلا لما كانت الإعادة نقضا، كما عرفت في الاشكال (1).
19

ثم إنه لا يكاد يصح التعليل، لو قيل باقتضاء الأمر الظاهري للأجزاء، كما قيل، ضرورة أن العلة عليه إنما هو اقتضاء ذاك الخطاب الظاهري حال الصلاة للأجزاء وعدم إعادتها، لا لزوم النقض من الإعادة كما لا يخفى (1)،
22

اللهم إلا أن يقال: إن التعليل به إنما هو بملاحظة ضميمة اقتضاء الأمر الظاهري للأجزاء، بتقريب أن الإعادة لو قيل بوجوبها كانت موجبة لنقض اليقين بالشك في الطهارة قبل الانكشاف وعدم حرمته شرعا، وإلا للزم عدم اقتضاء ذاك الأمر له، كما لا يخفى، مع اقتضائه شرعا أو عقلا (1)،
23

فتأمل (1).

(1) كفاية الأصول، بحاشية المحقق المشكيني (قدس سره) ج 2 ص 293 (حجري).
25

ولعل ذلك مراد من قال بدلالة الرواية على إجزاء الامر الظاهري. هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه التعليل، مع أنه لا يكاد يوجب الاشكال فيه - والعجز عن التفصي عنه - إشكالا في دلالة الرواية على الاستصحاب، فإنه لازم على كل حال، كان مفاده قاعدته أو قاعدة اليقين، مع بداهة عدم خروجه منهما، فتأمل جيدا (1).
26

ومنها: صحيحة ثالثة لزرارة وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع، وقد أحرز الثلاث، قام فأضاف إليها أخرى ولا شيء عليه، ولا ينقض اليقين بالشك، ولا يدخل الشك في اليقين، ولا يخلط أحدهما بالآخر، ولكنه ينقض الشك باليقين، ويتم على اليقين فيبنى عليه، ولا يعتد بالشك في حال من الحالات (1).
والاستدلال بها على الاستصحاب مبني على إرادة اليقين بعدم الاتيان بالركعة الرابعة سابقا والشك في إتيانها (2).

(1) الكافي ج 3، ص 351، حديث 3.
28

وقد أشكل بعدم إمكان إرادة ذلك على مذهب الخاصة، ضرورة أن قضيته إضافة ركعة أخرى موصولة، والمذهب قد استقر على إضافة ركعة بعد التسليم مفصولة (1)، وعلى هذا يكون المراد باليقين اليقين
29

بالفراغ، بما علمه الامام عليه السلام من الاحتياط بالبناء على الأكثر، والاتيان بالمشكوك بعد التسليم مفصولة (1).
30

ويمكن الذب عنه بأن الاحتياط كذلك لا يأبى عن إرادة اليقين بعدم الركعة المشكوكة، بل كان أصل الاتيان بها باقتضائه، غاية الأمر إتيانها مفصولة ينافي إطلاق النقض، وقد قام الدليل على التقييد في الشك في الرابعة وغيره، وأن المشكوكة لابد أن يؤتى بها مفصولة (1)،
31

فافهم (1).
وربما أشكل أيضا، بأنه لو سلم دلالتها على الاستصحاب كانت من الأخبار الخاصة الدالة عليه في خصوص المورد، لا العامة لغير مورد، ضرورة ظهور الفقرات في كونها مبنية للفاعل، ومرجع الضمير فيها هو
33

المصلي الشاك، وإلغاء خصوصية المورد ليس بذاك الوضوح (1)، وإن كان يؤيده تطبيق قضية لا تنقض اليقين وما يقاربها على غير مورد.
34

بل دعوى أن الظاهر من نفس القضية هو أن مناط حرمة النقض إنما يكون لأجل ما في اليقين والشك، لا لما في المورد من الخصوصية، وإن مثل اليقين لا ينقض بمثل الشك، غير بعيدة. (1)
35

ومنها قوله: من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه، فإن الشك لا ينقض اليقين أو بأن اليقين لا يدفع بالشك وهو وإن كان يحتمل قاعدة اليقين لظهوره في اختلاف زمان الوصفين، وإنما يكون ذلك في

(1) اي الأمر الثاني.
36

القاعدة دون الاستصحاب ضرورة إمكان اتحاد زمانهما (1)، إلا أن المتداول في التعبير عن مورده هو مثل هذه العبارة، ولعله بملاحظة

(1) الخصال، باب الواحد إلى المائة، حديث: 10، ص 619 (ط. مكتبة الصدوق).
(2) بحار الأنوار ج 2، ص 272، نقلا عن الارشاد.
37

اختلاف زمان الموصوفين وسرايته إلى الوصفين، لما بين اليقين والمتيقن من نحو من الاتحاد، فافهم. هذا مع وضوح أن قوله: فإن الشك لا ينقض.. إلى آخره. هي القضية المرتكزة الواردة مورد الاستصحاب في غير واحد من أخبار الباب (1).
39

ومنها: خبر الصفار، عن علي بن محمد القاساني، قال: كتبت إليه - وأنا بالمدينة - عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان، هل يصام أم لا؟ فكتب: اليقين لا يدخل فيه الشك، صم للرؤية وافطر للرؤية حيث دل على أن اليقين بشعبان لا يكون مدخولا بالشك في بقائه وزواله بدخول شهر رمضان، ويتفرع عليه عدم وجوب الصوم إلا بدخول شهر رمضان (1).
41

وربما يقال: إن مراجعة الأخبار الواردة في يوم الشك يشرف القطع بأن المراد باليقين هو اليقين بدخول شهر رمضان، وأنه لابد في وجوب الصوم ووجوب الافطار من اليقين بدخول شهر رمضان وخروجه، وأين هذا من الاستصحاب (1)؟ فراجع ما عقد في الوسائل لذلك من الباب تجده شاهدا عليه.
42



(1) وسائل الشيعة: ج 4، باب 11 من أبواب احكام شهر رمضان حديث 10.
(2) وسائل الشيعة: ج 4، باب 11 من أبواب احكام شهر رمضان حديث 11.
43

ومنها: قوله عليه السلام: كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر، وقوله عليه السلام: الماء كله طاهر حتى تعلم أنه نجس، وقوله عليه السلام: كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام (1).
وتقريب دلالة مثل هذه الأخبار على الاستصحاب (2) أن يقال: إن الغاية فيها إنما هي لبيان استمرار ما حكم على الموضوع واقعا من

(1) وسائل الشيعة: ج 2، باب 37، من أبواب النجاسات حديث 4.
(2) الكافي: ج 3، ص 1.
(3) وكذا في وسائل الشيعة: ج 13، باب 4، من أبواب ما يكتسب به حديث 4.
44

الطهارة والحلية ظاهرا، ما لم يعلم بطروء ضده أو نقيضه، لا لتحديد الموضوع، كي يكون الحكم بهما قاعدة مضروبة لما شك في طهارته أو حليته، وذلك لظهور المغيى فيها في بيان الحكم للأشياء بعناوينها، لا بما هي مشكوكة الحكم، كما لا يخفى. فهو وإن لم يكن له بنفسه مساس بذيل القاعدة ولا الاستصحاب إلا أنه بغايته دل على الاستصحاب، حيث إنها ظاهرة في استمرار ذاك الحكم الواقعي ظاهرا ما لم يعلم بطروء ضده أو نقيضه (1)، كما أنه لو صار مغيى لغاية، مثل الملاقاة
48

بالنجاسة أو ما يوجب الحرمة، لدل على استمرار ذاك الحكم واقعا، ولم يكن له حينئذ بنفسه ولا بغايته دلالة على الاستصحاب (1).
51

ولا يخفى أنه لا يلزم على ذلك استعمال اللفظ في معنيين أصلا، وإنما يلزم لو جعلت الغاية مع كونها من حدود الموضوع وقيوده غاية لاستمرار حكمه، ليدل على القاعدة والاستصحاب من غير تعرض لبيان الحكم الواقعي للأشياء أصلا (1)، مع وضوح ظهور مثل كل شيء
52

حلال، أو طاهر في أنه لبيان حكم الأشياء بعناوينها الأولية، وهكذا الماء كله طاهر، وظهور الغاية في كونها حدا للحكم لا لموضوعه، كما لا يخفى، فتأمل جدا (1).
53

ولا يذهب عليك انه بضميمة عدم القول بالفصل قطعا بين الحلية والطهارة وبين سائر الأحكام، لعم الدليل وتم (1).
54

ثم لا يخفى أن ذيل موثقة عمار فإذا علمت فقد قذر، وما لم تعلم فليس عليك يؤيد ما استظهرنا منها، من كون الحكم المغيى واقعيا ثابتا للشيء بعنوانه، لا ظاهريا ثابتا له بما هو مشتبه، لظهوره في أنه متفرع على الغاية وحدها، وأنه بيان لها وحدها، منطوقها ومفهومها، لا لها مع المغيى، كما لا يخفى على المتأمل (1).
55

ثم إنك إذا حققت ما تلونا عليك مما هو مفاد الاخبار، فلا حاجة في إطالة الكلام في بيان سائر الأقوال، والنقض والابرام فيما ذكر لها من الاستدلال. ولا بأس بصرفه إلى تحقيق حال الوضع (1)، وأنه حكم
56

مستقل بالجعل كالتكليف، أو منتزع عنه وتابع له في الجعل، أو فيه تفصيل، حتى يظهر حال ما ذكر ها هنا بين التكليف والوضع من التفصيل (1).
57

فنقول وبالله الاستعانة: لا خلاف كما لا إشكال في اختلاف التكليف والوضع مفهوما، واختلافهما في الجملة موردا، لبداهة ما بين مفهوم السببية أو الشرطية ومفهوم مثل الايجاب أو الاستحباب من المخالفة والمباينة (1).
كما لا ينبغي النزاع في صحة تقسيم الحكم الشرعي إلى التكليفي والوضعي، بداهة أن الحكم وإن لم يصح تقسيمه إليهما ببعض معانيه ولم يكد يصح إطلاقه على الوضع، إلا أن صحة تقسيمه بالبعض الاخر
58

إليهما (1) وصحة إطلاقه عليه بهذا المعنى، مما لا يكاد ينكر، كما لا يخفى، ويشهد به كثرة إطلاق الحكم عليه في كلماتهم، والالتزام بالتجوز فيه،
59

كما ترى (1).
وكذا لا وقع للنزاع في أنه محصور في أمور مخصوصة، كالشرطية والسببية والمانعية - كما هو المحكي عن العلامة - أو مع زيادة العلية والعلامية، أو مع زيادة الصحة والبطلان، والعزيمة والرخصة، أو زيادة غير ذلك - كما هو المحكي عن غيره - أوليس بمحصور، بل كلما ليس بتكليف مما له دخل فيه أو في متعلقه وموضوعه، أو لم يكن له دخل مما أطلق عليه الحكم في كلماتهم (2)، ضرورة أنه لاوجه للتخصيص
60

بها بعد كثرة إطلاق الحكم في الكلمات على غيرها، مع أنه لا تكاد تظهر ثمرة مهمة علمية أو عملية للنزاع في ذلك (1)، وإنما المهم في النزاع (2) هو أن
62

الوضع كالتكليف في أنه مجعول تشريعا بحيث يصح انتزاعه بمجرد إنشائه، أو غير مجعول كذلك، بل إنما هو منتزع عن التكليف ومجعول بتبعه وبجعله (1).
63

والتحقيق أن ما عد من الوضع على أنحاء:
منها: ما لا يكاد يتطرق إليه الجعل تشريعا أصلا، لا استقلالا ولا تبعا، وإن كان مجعولا تكوينا عرضا بعين جعل موضوعه كذلك.
ومنها: ما لا يكاد يتطرق إليه الجعل التشريعي إلا تبعا للتكليف.
ومنها: ما يمكن فيه الجعل استقلالا بإنشائه، وتبعا للتكليف بكونه منشأ لانتزاعه، وإن كان الصحيح انتزاعه من إنشائه وجعله، وكون التكليف من آثاره وأحكامه (1)، على ما يأتي الإشارة إليه.
66

أما النحو الأول: فهو كالسببية والشرطية والمانعية والرافعية لما هو سبب التكليف وشرطه ومانعه ورافعه (1)، حيث أنه لا يكاد يعقل انتزاع

(1) آل عمران: الآية 97.
68



(1) بحار الأنوار ج 84، ص 199 (الطبعة الثانية المصححة 1403).
69

هذه العناوين لها من التكليف المتأخر عنها ذاتا، حدوثا أو ارتفاعا (1)، كما أن اتصافها بها ليس إلا لأجل ما عليها من الخصوصية المستدعية
70



(1) الاسراء: الآية 78.
71

لذلك تكوينا، للزوم أن يكون في العلة بأجزائها من ربط خاص، به كانت مؤثرة في معلولها، لا في غيره، ولا غيرها فيه، وإلا لزم أن يكون كل شيء مؤثرا في كل شي ء، وتلك الخصوصية لا تكاد توجد فيها بمجرد إنشاء مفاهيم العناوين، ومثل قول: دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة إنشاءا لا إخبارا، ضرورة بقاء الدلوك على ما هو عليه قبل إنشاء السببية له، من كونه واجدا لخصوصية مقتضية لوجوبها أو فاقدا لها، وإن الصلاة لا تكاد تكون واجبة عند الدلوك ما لم يكن هناك ما يدعو إلى وجوبها، ومعه تكون واجبة لا محالة وإن لم ينشأ السببية للدلوك أصلا.
ومنه انقدح أيضا، عدم صحة انتزاع السببية له حقيقة من إيجاب الصلاة عنده، لعدم اتصافه بها بذلك ضرورة (1).
73

نعم لا بأس باتصافه بها عناية، واطلاق السبب عليه مجازا، كما لا بأس بأن يعبر عن إنشاء وجوب الصلاة عند الدلوك - مثلا - بأنه سبب لوجوبها فكني به عن الوجوب عنده (1).
77

فظهر بذلك أنه لا منشأ لانتزاع السببية وسائر ما لاجزاء العلة للتكليف، إلا عما هي عليها من الخصوصية الموجبة لدخل كل فيه على نحو غير دخل الآخر، فتدبر جيدا (1).
وأما النحو الثاني: فهو كالجزئية والشرطية والمانعية والقاطعية، لما هو جزء المكلف به وشرطه ومانعه وقاطعه، حيث أن اتصاف شيء بجزئية المأمور به أو شرطيته أو غيرهما لا يكاد يكون إلا بالامر بجملة أمور مقيدة بأمر وجودي أو عدمي، ولا يكاد يتصف شيء بذلك - أي كونه جزءا أو شرطا للمأمور به - إلا بتبع ملاحظة الامر بما يشتمل عليه مقيدا
78

بأمر آخر، وما لم يتعلق بها الامر كذلك لما كاد اتصف بالجزئية أو الشرطية، وإن أنشأ الشارع له الجزئية أو الشرطية، وجعل الماهية واجزائها ليس إلا تصوير ما فيه المصلحة المهمة الموجبة للأمر بها، فتصورها بأجزائها وقيودها لا يوجب اتصاف شيء منها بجزئية المأمور به أو شرطه قبل الامر بها بالجزئية للمأمور به أو الشرطية له إنما ينتزع لجزئه أو شرطه بملاحظة الامر به، بلا حاجة إلى جعلها له، وبدون الامر به لا اتصاف بها أصلا، وإن اتصف بالجزئية أو الشرطية للمتصور
أو لذي المصلحة، كما لا يخفى (1).
79

وأما النحو الثالث: فهو كالحجية والقضاوة والولاية والنيابة والحرية والرقية والزوجية والملكية إلى غير ذلك، حيث أنها وإن كان من الممكن انتزاعها من الأحكام التكليفية التي تكون في مواردها - كما قيل - ومن جعلها بإنشاء أنفسها، إلا أنه لا يكاد يشك في صحة انتزاعها من مجرد جعله تعالى، أو من بيده الامر من قبله - جل وعلا - لها بإنشائها، بحيث يترتب عليها آثارها، كما تشهد به ضرورة صحة انتزاع الملكية والزوجية والطلاق والعتاق بمجرد العقد أو الايقاع ممن بيده الاختيار بلا ملاحظة التكاليف والآثار، ولو كانت منتزعة عنها لما كاد يصح اعتبارها إلا بملاحظتها (1)، وللزم
85

أن لا يقع ما قصد، ووقع ما لم يقصد (1).
89

كما لا ينبغي أن يشك في عدم صحة انتزاعها عن مجرد التكليف في موردها، فلا ينتزع الملكية عن إباحة التصرفات، ولا الزوجية من جواز الوطء (1)، وهكذا سائر الاعتبارات في أبواب العقود والإيقاعات (2).
90

فانقدح بذلك أن مثل هذه الاعتبارات إنما تكون مجعولة بنفسها، يصح انتزاعها بمجرد إنشائها كالتكليف، لا مجعولة بتبعه ومنتزعة عنه (1).
- وهم ودفع: أما الوهم: فهو أن الملكية كيف جعلت من الاعتبارات الحاصلة بمجرد الجعل والانشاء التي تكون من خارج المحمول، حيث ليس بحذائها في الخارج شيء، وهي إحدى المقولات المحمولات بالضميمة التي لا تكاد تكون بهذا السبب، بل بأسباب أخر كالتعمم
91

والتقمص والتنعل، فالحالة الحاصلة منها للانسان هو الملك، وأين هذه من الاعتبار الحاصل بمجرد إنشائه (1)؟
92

وأما الدفع: فهو أن الملك يقال بالاشتراك على ذلك، ويسمى بالجدة أيضا، واختصاص شيء بشيء خاص، وهو ناشئ إما من جهة إسناد وجوده إليه، ككون العالم ملكا للباري جل ذكره، أو من جهة
93

الاستعمال والتصرف فيه، ككون الفرس لزيد بركوبه له وسائر تصرفاته فيه، أو من جهة إنشائه والعقد مع من اختياره بيده، كملك الأراضي والعقار البعيدة للمشتري بمجرد عقد البيع شرعا وعرفا. فالملك الذي يسمى بالجدة أيضا، غير الملك الذي هو اختصاص خاص ناشئ من سبب اختياري كالعقد، أو غير اختياري كالإرث، ونحوهما من الأسباب الاختيارية وغيرها، فالتوهم إنما نشأ من إطلاق الملك على مقولة الجدة أيضا، والغفلة عن أنه بالاشتراك بينه وبين الاختصاص الخاص والإضافة الخاصة الاشراقية كملكه تعالى للعالم، أو المقولية كملك غيره لشيء بسبب من تصرف واستعمال أو إرث أو عقد أو غيرها من الاعمال (1)، فيكون شيء ملكا لاحد بمعنى، ولآخر بالمعنى الآخر،
94

فتدبر (1).
96

إذا عرفت اختلاف الوضع في الجعل، فقد عرفت أنه لا مجال لاستصحاب دخل ماله الدخل في التكليف إذا شك في بقائه على ما كان عليه من الدخل، لعدم كونه حكما شرعيا، ولا يترتب عليه أثر شرعي، والتكليف وإن كان مترتبا عليه إلا أنه ليس بترتب شرعي (1)،
97

فافهم (1).
وإنه لا إشكال في جريان الاستصحاب في الوضع المستقل بالجعل، حيث أنه كالتكليف (2)، وكذا ما كان مجعولا بالتبع، فإن
98

أمر وضعه ورفعه بيد الشارع ولو بتبع منشأ انتزاعه (1)، وعدم تسميته حكما شرعيا لو سلم غير ضائر بعد كونه مما تناله يد التصرف شرعا (2)،
99

نعم لا مجال لاستصحابه، لاستصحاب سببه ومنشأ انتزاعه (1)،
100

فافهم (1).
ثم إن ها هنا تنبيهات: الأول: إنه يعتبر في الاستصحاب فعلية الشك واليقين، فلا استصحاب مع الغفلة، لعدم الشك فعلا ولو فرض أنه يشك لو التفت، ضرورة أن الاستصحاب وظيفة الشاك، ولا شك مع الغفلة أصلا (2)،
101

فيحكم بصحة صلاة من أحدث ثم غفل وصلى ثم شك في أنه تطهر قبل الصلاة (1)، لقاعدة الفراغ (2)، بخلاف من ألتفت قبلها وشك ثم غفل وصلى،
103

فيحكم بفساد صلاته فيما إذا قطع بعدم تطهيره بعد الشك، لكونه محدثا قبلها بحكم الاستصحاب، مع القطع بعدم رفع حدثه الاستصحابي (1).
105

لا يقال: نعم، ولكن استصحاب الحدث في حال الصلاة بعد ما التفت بعدها يقتضي أيضا فسادها (1).
107

فإنه يقال: نعم، لولا قاعدة الفراغ المقتضية لصحتها المقدمة على أصالة فسادها (1).
108

الثاني: إنه هل يكفي في صحة الاستصحاب الشك في بقاء شيء على تقدير ثبوته، وإن لم يحرز ثبوته فيما رتب عليه أثر شرعا أو عقلا؟ إشكال من عدم إحراز الثبوت فلا يقين، ولابد منه، بل ولا شك،
109

فإنه على تقدير لم يثبت (1)، ومن أن اعتبار اليقين إنما هو لأجل أن التعبد والتنزيل شرعا إنما هو في البقاء لا في الحدوث، فيكفي الشك فيه على
110

تقدير الثبوت، فيتعبد به على هذا التقدير، فيترتب عليه الأثر فعلا فيما كان هناك أثر، وهذا هو الأظهر، وبه يمكن أن يذب عما في استصحاب الاحكام التي قامت الامارات المعتبرة على مجرد ثبوتها، وقد شك في بقائها على تقدير ثبوتها، من الاشكال بأنه لا يقين بالحكم الواقعي، ولا يكون هناك حكم آخر فعلي، بناءا على ما هو التحقيق، من أن قضية حجية الامارة ليست إلا تنجز التكاليف مع الإصابة والعذر مع المخالفة، كما هو قضية الحجة المعتبرة عقلا، كالقطع والظن في حال الانسداد على
112

الحكومة، لا إنشاء أحكام فعلية شرعية ظاهرية، كما هو ظاهر الأصحاب.
ووجه الذب بذلك، إن الحكم الواقعي الذي هو مؤدى الطريق حينئذ محكوم بالبقاء، فتكون الحجة على ثبوته حجة على بقائه تعبدا، للملازمة بينه وبين ثبوته واقعا (1).
113

إن قلت: كيف؟ وقد أخذ اليقين بالشيء في التعبد ببقائه في الاخبار، ولا يقين في فرض تقدير الثبوت (1).
116

قلت: نعم، ولكن الظاهر أنه أخذ كشفا عنه ومرآة لثبوته ليكون التعبد في بقائه، والتعبد مع فرض ثبوته إنما يكون في بقائه (1)، فافهم (2).
117

الثالث: إنه لا فرق في المتيقن السابق بين أن يكون خصوص أحد الاحكام، أو ما يشترك بين الاثنين منها، أو الأزيد من أمر عام (1) فإن كان الشك في بقاء ذاك العام من جهة الشك في بقاء الخاص الذي كان في ضمنه وارتفاعه، كان استصحابه كاستصحابه بلا كلام (2)، وإن كان
118

الشك فيه من جهة تردد الخاص الذي في ضمنه، بين ما هو باق أو مرتفع قطعا (1)، فكذا لا إشكال في استصحابه، فيترتب عليه كافة ما يترتب عليه عقلا أو شرعا من أحكامه ولوازمه (2)، وتردد ذاك الخاص - الذي يكون الكلي موجودا في ضمنه ويكون وجوده بعين وجوده - بين متيقن الارتفاع ومشكوك الحدوث المحكوم بعدم حدوثه، غير ضائر
121

باستصحاب الكلي المتحقق في ضمنه، مع عدم إخلاله باليقين والشك في حدوثه وبقائه (1)، وإنما كان التردد بين الفردين
122

ضائرا باستصحاب أحد الخاصين اللذين كان أمره مرددا بينهما، لإخلاله باليقين الذي هو أحد ركني الاستصحاب، كما لا يخفى.
123

نعم، يجب رعاية التكاليف المعلومة إجمالا المترتبة على الخاصين، فيما علم تكليف في البين (1). وتوهم كون الشك في بقاء الكلي الذي في
124

ضمن ذاك المردد مسببا عن الشك في حدوث الخاص المشكوك حدوثه المحكوم بعدم الحدوث بأصالة عدمه فاسد قطعا (1)، لعدم كون بقائه
126

وارتفاعه من لوازم حدوثه وعدم حدوثه، بل من لوازم كون الحادث المتيقن ذاك المتيقن الارتفاع أو البقاء (1)، مع أن بقاء القدر المشترك إنما هو
127

بعين بقاء الخاص الذي في ضمنه لا أنه من لوازمه (1)، على أنه لو سلم أنه من لوازم حدوث المشكوك فلا شبهة في كون اللزوم عقليا، ولا يكاد
128

يترتب بأصالة عدم الحدوث إلا ما هو من لوازمه وأحكامه شرعا (1).
وأما إذا كان الشك في بقائه، من جهة الشك في قيام خاص آخر في مقام ذاك الخاص الذي كان في ضمنه بعد القطع بارتفاعه (2)، ففي
129

استصحابه إشكال، أظهره عدم جريانه، فإن وجود الطبيعي وإن كان بوجود فرده، إلا أن وجوده في ضمن المتعدد من أفراده ليس من نحو وجود واحد له، بل متعدد حسب تعددها، فلو قطع بارتفاع ما علم وجوده منها، لقطع بارتفاع وجوده، وإن شك في وجود فرد آخر (1)
130

مقارن لوجود ذاك الفرد، أو لارتفاعه (1) بنفسه أو بملاكه، كما إذا شك في الاستحباب بعد القطع بارتفاع الايجاب بملاك مقارن أو حادث (2).
132

لا يقال: الامر وإن كان كما ذكر، إلا أنه حيث كان التفاوت بين الايجاب والاستحباب وهكذا بين الكراهة والحرمة، ليس إلا بشدة الطلب بينهما وضعفه، كان تبدل
أحدهما بالآخر مع عدم تخلل العدم غير موجب لتعدد وجود الطبيعي بينهما، لمساوقة الاتصال مع الوحدة،
134

فالشك في التبدل حقيقة شك في بقاء الطلب وارتفاعه، لا في حدوث وجود آخر (1).
135

فإنه يقال: الامر وإن كان كذلك، إلا أن العرف حيث يرى الايجاب والاستحباب المتبادلين فردين متباينين، لا واحد مختلف الوصف في زمانين، لم يكن مجال للاستصحاب، لما مرت الإشارة إليه وتأتي، من أن قضية إطلاق أخبار الباب، أن العبرة فيه بما يكون رفع اليد عنه مع الشك بنظر العرف نقضا، وإن لم يكن بنقض بحسب الدقة، ولذا لو انعكس الامر ولم يكن نقض عرفا، لم يكن الاستصحاب جاريا وإن كان هناك نقض عقلا (1).
138

ومما ذكرنا في المقام، يظهر - أيضا - حال الاستصحاب في متعلقات الاحكام في الشبهات الحكمية والموضوعية، فلا تغفل (1).
140

الرابع: إنه لا فرق في المتيقن بين أن يكون من الأمور القارة أو التدريجية غير القارة، فإن الأمور غير القارة وإن كان وجودها ينصرم ولا يتحقق منه جزء إلا بعد ما انصرم منه جزء وانعدم، إلا أنه ما لم يتخلل في البين العدم، بل وإن تخلل بما لم يخل بالاتصال عرفا وإن انفصل حقيقة، كانت باقية مطلقا أو عرفا، ويكون رفع اليد عنها - مع الشك في استمرارها وانقطاعها - نقضا.
ولا يعتبر في الاستصحاب - بحسب تعريفه وأخبار الباب وغيرها من أدلته - غير صدق النقض والبقاء كذلك قطعا (1)، هذا مع أن الانصرام
141

والتدرج في الوجود في الحركة - في الأين وغيره - إنما هو في الحركة القطعية، وهي كون الشيء في كل آن في حد أو مكان، لا التوسطية وهي كونه بين المبدأ والمنتهى، فإنه بهذا المعنى يكون قارا مستمرا (1).
144

فانقدح بذلك أنه لا مجال للاشكال في استصحاب مثل الليل والنهار وترتيب ما لهما من الآثار، وكذا كلما إذا كان الشك في الامر التدريجي من جهة الشك في انتهاء حركته ووصوله إلى المنتهى، أو أنه بعد في البين (1)، وأما إذا كان من جهة الشك في كميته ومقداره، كما في نبع الماء وجريانه، وخروج الدم وسيلانه، فيما كان سبب الشك في الجريان والسيلان الشك في أنه بقي في المنبع والرحم فعلا شيء من الماء والدم غير ما سال وجرى منهما، فربما يشكل في استصحابهما حينئذ، فإن الشك ليس في بقاء جريان شخص ما كان جاريا، بل في حدوث جريان جزء آخر شك في جريانه من جهة الشك في حدوثه (2)، ولكنه يتخيل بأنه
146

لا يختل به ما هو الملاك في الاستصحاب، بحسب تعريفه ودليله حسبما عرفت (1).
148

ثم إنه لا يخفى أن استصحاب بقاء الامر التدريجي، إما يكون من قبيل استصحاب الشخص، أو من قبيل استصحاب الكلي بأقسامه، فإذا شك في أن السورة المعلومة التي شرع فيها تمت أو بقي شيء منها، صح فيه استصحاب الشخص والكلي، وإذا شك فيه من جهة ترددها بين القصيرة والطويلة، كان من القسم الثاني، وإذا شك في أنه شرع في أخرى مع القطع بأنه قد تمت الأولى كان من القسم الثالث، كما لا يخفى... هذا في الزمان ونحوه من سائر التدريجيات (1).
149

وأما الفعل المقيد بالزمان، فتارة يكون الشك في حكمه من جهة الشك في بقاء قيده، وطورا مع القطع بانقطاعه وانتفائه من جهة أخرى، كما إذا احتمل أن يكون التعبد به إنما هو بلحاظ تمام المطلوب لا أصله (1)،
151

فإن كان من جهة الشك في بقاء القيد، فلا بأس باستصحاب قيده من الزمان، كالنهار الذي قيد به الصوم مثلا، فيترتب عليه وجوب الامساك وعدم جواز الافطار ما لم يقطع بزواله (1)، كما لا بأس باستصحاب
152

نفس المقيد، فيقال: إن الامساك كان قبل هذا الان في النهار، والآن كما كان فيجب (1)، فتأمل (2).
153

وإن كان من الجهة الأخرى، فلا مجال إلا لاستصحاب الحكم في خصوص ما لم يؤخذ الزمان فيه إلا ظرفا لثبوته لا قيدا مقوما لموضوعه، وإلا فلا مجال لا لاستصحاب عدمه فيما بعد ذاك الزمان، فإنه غير ما علم ثبوته له، فيكون الشك في ثبوته له - أيضا - شكا في أصل ثبوته بعد القطع بعدمه، لا في بقائه (1).
154

لا يقال: إن الزمان لا محالة يكون من قيود الموضوع وإن أخذ ظرفا لثبوت الحكم في دليله، ضرورة دخل مثل الزمان فيما هو المناط لثبوته، فلا مجال إلا لاستصحاب عدمه (1).
156

فإنه يقال: نعم، لو كانت العبرة في تعيين الموضوع بالدقة ونظر العقل، وأما إذا كانت العبرة بنظر العرف فلا شبهة في أن الفعل بهذا النظر موضوع واحد في الزمانين، قطع بثبوت الحكم له في الزمان الأول، وشك في بقاء هذا الحكم له وارتفاعه في الزمان الثاني، فلا يكون مجال إلا لاستصحاب ثبوته (1).
157

لا يقال: فاستصحاب كل واحد من الثبوت والعدم يجري لثبوت كلا النظرين، ويقع التعارض بين الاستصحابين، كما قيل (1).
158

فإنه يقال: إنما يكون ذلك لو كان في الدليل ما بمفهومه يعم النظرين، وإلا فلا يكاد يصح إلا إذا سبق بأحدهما، لعدم إمكان الجمع بينهما لكمال المنافاة بينهما، ولا يكون في أخبار الباب ما بمفهومه يعمهما، فلا يكون هناك إلا استصحاب واحد، وهو استصحاب الثبوت فيما إذا أخذ الزمان ظرفا، واستصحاب العدم فيما إذا أخذ قيدا، لما عرفت من أن العبرة في هذا الباب بالنظر العرفي، ولا شبهة في أن الفعل فيما بعد ذاك الوقت معه قبله متحد في الأول ومتعدد في الثاني بحسبه، ضرورة أن الفعل المقيد بزمان خاص غير الفعل في زمان آخر (1)،
159

ولو بالنظر المسامحي العرفي (1).
نعم، لا يبعد أن يكون بحسبه - أيضا - متحدا فيما إذا كان الشك في بقاء حكمه، من جهة الشك في أنه بنحو التعدد المطلوبي، وأن حكمه بتلك المرتبة التي كان مع ذاك الوقت وإن لم يكن باقيا بعده قطعا، إلا أنه يحتمل بقاؤه بما دون تلك المرتبة من مراتبه فيستصحب (2)،
161

فتأمل جيدا (1).
162

إزاحة وهم: لا يخفى أن الطهارة الحدثية والخبثية وما يقابلها يكون مما إذا وجدت بأسبابها، لا يكاد يشك في بقائها إلا من قبل الشك في الرافع لها، لامن قبل الشك في مقدار تأثير أسبابها، ضرورة أنها إذا وجدت بها كانت تبقى ما لم يحدث رافع لها، كانت من الأمور الخارجية أو الأمور الاعتبارية التي كانت لها آثار شرعية، فلا أصل لأصالة عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد المذي، أو أصالة عدم جعل الملاقاة سببا للنجاسة بعد الغسل مرة (1)، كما حكي عن بعض الأفاضل، ولا يكون
163

ها هنا أصل إلا أصالة الطهارة أو النجاسة (1).
الخامس: إنه كما لا إشكال فيما إذا كان المتيقن حكما فعليا مطلقا، لا ينبغي الاشكال فيما إذا كان مشروطا معلقا، فلو شك في مورد لأجل طروء بعض الحالات عليه في بقاء أحكامه، ففيما صح استصحاب أحكامه المطلقة صح استصحاب أحكامه المعلقة، لعدم الاختلال بذلك فيما اعتبر في قوام الاستصحاب من اليقين ثبوتا والشك بقاءا (2).
165

وتوهم أنه لا وجود للمعلق قبل وجود ما علق عليه فاختل أحد ركنيه (1) فاسد، فإن المعلق قبله إنما لا يكون موجودا فعلا، لا أنه لا يكون
166

موجودا أصلا، ولو بنحو التعليق، كيف؟ والمفروض أنه مورد فعلا للخطاب بالتحريم - مثلا - أو الايجاب، فكان على يقين منه قبل طروء الحالة فيشك فيه بعده، ولا يعتبر في الاستصحاب إلا الشك في بقاء شيء كان على يقين من ثبوته، واختلاف نحو ثبوته لا يكاد يوجب تفاوتا في ذلك.
وبالجملة: يكون الاستصحاب متمما لدلالة الدليل على الحكم فيما أهمل أو أجمل، كان الحكم مطلقا أو معلقا، فببركته يعم الحكم للحالة الطارئة اللاحقة كالحالة السابقة، فيحكم - مثلا - بأن العصير الزبيبي يكون على ما كان عليه سابقا في حال عنبيته، من أحكامه المطلقة
167

والمعلقة لو شك فيها، فكما يحكم ببقاء ملكيته يحكم بحرمته على تقدير غليانه (1).
168

إن قلت: نعم، ولكنه لا مجال لاستصحاب المعلق لمعارضته باستصحاب ضده المطلق، فيعارض استصحاب الحرمة المعلقة للعصير باستصحاب حليته المطلقة (1).

(1) فرائد الأصول: ج 2، ص 654 (تحقيق عبد الله النوراني).
171

قلت: لا يكاد يضر استصحابه على نحو كان قبل عروض الحالة التي شك في بقاء حكم المعلق بعده، ضرورة أنه كان مغيى بعدم ما علق عليه المعلق، وما كان كذلك لا يكاد يضر ثبوته بعده بالقطع فضلا عن الاستصحاب، لعدم المضادة بينهما، فيكونان بعد عروضها بالاستصحاب كما كانا معا بالقطع قبل بلا منافاة أصلا، وقضية ذلك انتفاء حكم المطلق بمجرد ثبوت ما علق عليه المعلق، فالغليان في المثال كما كان شرطا للحرمة كان غاية للحلية (1)، فإذا شك في حرمته المعلقة بعد عروض حالة عليه، شك في
172

حليته المغياة لا محالة أيضا، فيكون الشك في حليته أو حرمته فعلا بعد عروضها متحدا خارجا مع الشك في بقائه على ما كان عليه من الحلية والحرمة بنحو كانتا عليه، فقضية استصحاب حرمته المعلقة بعد عروضها الملازم لاستصحاب حليته المغياة حرمته فعلا بعد غليانه وانتفاء حليته، فإنه قضية نحو ثبوتهما كان بدليلهما أو بدليل الاستصحاب، كما لا يخفى بأدنى التفات على ذوي الألباب، فالتفت ولا تغفل (1).
175

السادس: لا فرق أيضا بين أن يكون المتيقن من أحكام هذه الشريعة أو الشريعة السابقة، إذا شك في بقائه وارتفاعه بنسخه في هذه الشريعة، لعموم أدلة الاستصحاب (
1)، وفساد توهم اختلال أركانه فيما كان المتيقن من أحكام الشريعة السابقة لا محالة، إما لعدم اليقين بثبوتها في حقهم، وإن علم بثبوتها سابقا في حق آخرين، فلا شك في بقائها أيضا، بل في ثبوت مثلها، كما لا يخفى، وإما لليقين بارتفاعها بنسخ الشريعة السابقة
177

بهذه الشريعة، فلا شك في بقائها حينئذ، ولو سلم اليقين بثبوتها في حقهم (1)، وذلك لان
178

الحكم الثابت في الشريعة السابقة حيث كان ثابتا لافراد المكلف، كانت محققة وجودا أو مقدرة، كما هو قضية القضايا المتعارفة المتداولة، وهي قضايا حقيقية، لا خصوص الافراد الخارجية،
181

كما هو قضية القضايا الخارجية، وإلا لما صح الاستصحاب في الأحكام الثابتة في هذه الشريعة، ولا النسخ بالنسبة إلى غير الموجود في زمان ثبوتها، كان الحكم في الشريعة السابقة ثابتا لعامة أفراد المكلف ممن وجد أو يوجد، وكان الشك فيه كالشك في بقاء الحكم الثابت في هذه الشريعة لغير من وجد في زمان ثبوته (1)، والشريعة
182

السابقة وإن كانت منسوخة بهذه الشريعة يقينا، إلا أنه لا يوجب اليقين بارتفاع أحكامها بتمامها، ضرورة أن قضية نسخ الشريعة (1) ليس ارتفاعها كذلك، بل عدم بقائها
184

بتمامها (1)، والعلم إجمالا بارتفاع بعضها إنما يمنع عن استصحاب ما شك في بقائه منها، فيما إذا كان من أطراف ما علم ارتفاعه إجمالا، لا فيما إذا لم يكن من أطرافه، كما إذا علم بمقداره تفصيلا، أو في موارد ليس المشكوك منها، وقد علم بارتفاع ما في موارد الأحكام الثابتة في هذه الشريعة (2).
185

ثم لا يخفى أنه يمكن إرجاع ما أفاده شيخنا العلامة - أعلى الله في الجنان مقامه - في الذب عن إشكال تغاير الموضوع في هذا الاستصحاب من الوجه الثاني إلى ما ذكرنا، لا ما يوهمه ظاهر كلامه، من أن الحكم ثابت للكلي، كما أن الملكية له في مثل باب الزكاة والوقف العام، حيث لا مدخل للأشخاص فيها، ضرورة أن التكليف والبعث أو الزجر لا يكاد يتعلق به كذلك، بل لابد من تعلقه بالاشخاص، وكذلك الثواب أو العقاب المترتب على الطاعة أو المعصية (1)، وكان غرضه من
187



(1) فرائد الأصول: ج 2، ص 655 (تحقيق عبد الله النوراني).
188

عدم دخل الاشخاص عدم أشخاص خاصة (1)، فافهم (2).
190

وأما ما أفاده من الوجه الأول، فهو وإن كان وجيها بالنسبة إلى جريان الاستصحاب في حق خصوص المدرك للشريعتين، إلا أنه غير مجد في حق غيره من المعدومين، ولا يكاد يتم الحكم فيهم، بضرورة اشتراك أهل الشريعة الواحدة أيضا، ضرورة أن قضية الاشتراك ليس إلا أن الاستصحاب حكم كل من كان على يقين فشك، لا أنه حكم الكل ولو من لم يكن كذلك بلا شك، وهذا واضح (1).
191

السابع (1): لا شبهة في أن قضية أخبار الباب هو إنشاء حكم مماثل للمستصحب في استصحاب الاحكام، ولأحكامه في استصحاب
193

الموضوعات، كما لا شبهة في ترتيب ما للحكم المنشأ بالاستصحاب من
194

الآثار الشرعية والعقلية، وإنما الاشكال في ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على المستصحب بواسطة غير شرعية عادية كانت أو عقلية (1)، ومنشأه
195

أن مفاد الاخبار (1): هل هو تنزيل المستصحب والتعبد به وحده؟ بلحاظ خصوص ما له من الأثر بلا واسطة (2)، أو تنزيله بلوازمه العقلية أو
198

العادية؟ كما هو الحال في تنزيل مؤديات الطرق والامارات (1)، أو بلحاظ مطلق ما له من الأثر ولو بالواسطة؟ بناءا على صحة التنزيل
200

بلحاظ أثر الواسطة أيضا لأجل أن أثر الأثر أثر (1). وذلك لأن مفادها لو كان هو تنزيل الشيء وحده بلحاظ أثر نفسه، لم يترتب عليه ما كان مترتبا عليها، لعدم إحرازها حقيقة ولا تعبدا، ولا يكون تنزيله بلحاظه، بخلاف ما لو كان تنزيله بلوازمه، أو بلحاظ ما يعم آثارها، فإنه يترتب باستصحابه ما كان بوساطتها (2).
201

والتحقيق أن الاخبار إنما تدل على التعبد بما كان على يقين منه فشك، بلحاظ ما لنفسه من آثاره وأحكامه، ولا دلالة لها بوجه على
202

تنزيله بلوازمه التي لا تكون كذلك، كما هي محل ثمرة الخلاف، ولا على تنزيله بلحاظ ما له مطلقا ولو بالواسطة، فإن المتيقن إنما هو لحاظ آثار نفسه، وأما آثار لوازمه فلا دلالة هناك على لحاظها أصلا، وما لم يثبت لحاظها بوجه أيضا لما كان وجه لترتيبها عليه باستصحابه، كما لا يخفى (1).
203

نعم لا يبعد ترتيب خصوص ما كان منها محسوبا بنظر العرف من آثار نفسه لخفاء ما بوساطته، بدعوى أن مفاد الاخبار عرفا ما يعمه أيضا حقيقة (1)،
204

فافهم (1).
205

كما لا يبعد ترتيب ما كان بوساطة ما لا يمكن التفكيك عرفا بينه وبين المستصحب تنزيلا، كما لا تفكيك بينهما واقعا،
206

أو بوساطة ما لأجل وضوح لزومه له، أو ملازمته معه بمثابة عد اثره اثرا لهما، فإن عدم ترتيب مثل هذا الأثر عليه يكون نقضا ليقينه بالشك أيضا، بحسب ما يفهم من النهي عن نقضه عرفا (1)،
207

فافهم (1).
208

ثم لا يخفى وضوح الفرق بين الاستصحاب وسائر الأصول التعبدية وبين الطرق والامارات، فإن الطريق والامارة حيث أنه كما يحكي عن المؤدى ويشير إليه، كذا يحكي عن أطرافه من ملزومه ولوازمه وملازماته ويشير إليها، كان مقتضى إطلاق دليل اعتبارها لزوم تصديقها في حكايتها، وقضيته حجية المثبت منها كما لا يخفى، بخلاف مثل دليل الاستصحاب، فإنه لابد من الاقتصار مما فيه من الدلالة على التعبد بثبوته، ولا دلالة له إلا على التعبد بثبوت المشكوك بلحاظ أثره، حسبما عرفت فلا دلالة له على اعتبار المثبت منه، كسائر الأصول التعبدية، إلا فيما عد أثر الواسطة أثرا له لخفائها، أو لشدة وضوحها وجلائها، حسبما حققناه (1).
209

الثامن: إنه لا تفاوت في الأثر المترتب على المستصحب، بين أن يكون مترتبا عليه بلا وساطة شيء، أو بوساطة عنوان كلي ينطبق ويحمل عليه بالحمل الشائع ويتحد معه وجودا، كان منتزعا عن مرتبة ذاته (1)،
212

أو بملاحظة بعض عوارضه مما هو خارج المحمول لا بالضميمة، فإن الأثر في الصورتين إنما يكون له حقيقة، حيث لا يكون بحذاء ذلك الكلي في الخارج سواه لا لغيره مما كان مباينا معه، أو من أعراضه مما كان محمولا عليه بالضميمة كسواده مثلا أو بياضه، وذلك لان الطبيعي إنما يوجد بعين وجود فرده، كما أن العرضي كالملكية والغصبية ونحوهما
213

لا وجود له إلا بمعنى وجود منشأ انتزاعه، فالفرد أو منشأ الانتزاع في الخارج هو عين ما رتب عليه الأثر، لا شيء آخر، فاستصحابه لترتيبه لا يكون بمثبت كما توهم (1)، وكذا لا تفاوت في الأثر المستصحب أو المترتب عليه، بين أن
214

يكون مجعولا شرعا بنفسه كالتكليف وبعض أنحاء الوضع، أو بمنشأ انتزاعه كبعض أنحائه كالجزئية والشرطية والمانعية، فإنه أيضا مما تناله يد الجعل شرعا ويكون أمره بيد الشارع وضعا ورفعا ولو بوضع منشأ انتزاعه ورفعه.
ولا وجه لاعتبار أن يكون المترتب أو المستصحب مجعولا مستقلا كما لا يخفى، فليس استصحاب الشرط أو المانع لترتيب الشرطية أو المانعية بمثبت، كما ربما توهم بتخيل أن الشرطية أو المانعية ليست من الآثار الشرعية، بل من الأمور الانتزاعية (1)،
217

فافهم (1).
وكذا لا تفاوت في المستصحب أو المترتب بين أن يكون ثبوت الامر ووجوده، أو نفيه وعدمه، ضرورة أن أمر نفيه بيد الشارع كثبوته، وعدم إطلاق الحكم على عدمه غير ضائر، إذ ليس هناك ما دل على اعتباره بعد صدق نقض اليقين بالشك برفع اليد عنه كصدقه برفعها من طرف ثبوته كما هو واضح، فلا وجه للاشكال في الاستدلال على البراءة باستصحاب البراءة من التكليف، وعدم المنع عن الفعل بما في الرسالة، من أن عدم استحقاق العقاب في الآخرة ليس من اللوازم المجعولة الشرعية، فإن عدم استحقاق العقوبة وإن كان غير مجعول، إلا أنه لا حاجة إلى ترتيب أثر مجعول في استصحاب عدم المنع، وترتب عدم الاستحقاق مع كونه عقليا على استصحابه، إنما هو لكونه لازم مطلق عدم المنع ولو في الظاهر (2)،
221

فتأمل (1).
226

التاسع: إنه لا يذهب عليك أن عدم ترتب الأثر غير الشرعي ولا الشرعي بوساطة غيره من العادي أو العقلي بالاستصحاب، إنما هو بالنسبة إلى ما للمستصحب واقعا، فلا يكاد يثبت به من آثاره إلا أثره الشرعي الذي كان له بلا واسطة، أو بوساطة أثر شرعي آخر، حسبما عرفت فيما مر، لا بالنسبة إلى ما كان للأثر الشرعي مطلقا، كان بخطاب الاستصحاب أو بغيره من أنحاء الخطاب، فإن آثاره شرعية كانت أو غيرها يترتب عليه إذا ثبت ولو بأن يستصحب، أو كان من آثار المستصحب، وذلك لتحقق موضوعها حينئذ حقيقة، فما للوجوب عقلا يترتب على الوجوب الثابت شرعا باستصحابه أو استصحاب موضوعه، من وجوب الموافقة وحرمة المخالفة واستحقاق العقوبة إلى غير ذلك، كما يترتب على الثابت بغير الاستصحاب، بلا شبهة ولا ارتياب، فلا تغفل (1).
227

العاشر: إنه قد ظهر مما مر لزوم أن يكون المستصحب حكما شرعيا أو ذا حكم كذلك، لكنه لا يخفى أنه لابد أن يكون كذلك بقاء ولو لم يكن كذلك ثبوتا فلو لم يكن المستصحب في زمان ثبوته حكما ولاله أثر شرعا وكان في زمان استصحابه كذلك - أي حكما أو ذا حكم - يصح استصحابه كما في استصحاب عدم التكليف، فإنه وإن لم يكن بحكم مجعول في الأزل ولا ذا حكم، إلا أنه حكم مجعول فيما لا يزال، لما عرفت من أن نفيه كثبوته في الحال مجعول شرعا، وكذا استصحاب موضوع لم يكن له حكم ثبوتا، أو كان ولم يكن حكمه فعليا وله حكم كذلك بقاء، وذلك لصدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عنه والعمل، كما إذا قطع بارتفاعه يقينا، ووضوح عدم دخل أثر الحالة السابقة ثبوتا فيه وفي تنزيلها بقاءا، فتوهم اعتبار الأثر سابقا - كما ربما
230

يتوهمه الغافل من اعتبار كون المستصحب حكما أو ذا حكم - فاسد قطعا، فتدبر جيدا (1).
231

الحادي عشر: لا إشكال في الاستصحاب فيما كان الشك في أصل تحقق حكم أو موضوع (1).
وأما إذا كان الشك في تقدمه وتأخره بعد القطع بتحققه وحدوثه في زمان: فإن لوحظ بالإضافة إلى أجزاء الزمان، فكذا لا إشكال في استصحاب عدم تحققه في الزمان الأول، وترتيب آثاره لا آثار تأخره عنه، لكونه بالنسبة إليها مثبتا إلا بدعوى خفاء الواسطة، أو عدم التفكيك في التنزيل بين عدم تحققه إلى زمان وتأخره عنه عرفا، كما لا تفكيك بينهما واقعا، ولا آثار حدوثه في الزمان الثاني، فإنه نحو وجود خاص، نعم لا بأس بترتيبها بذاك الاستصحاب، بناءا على أنه عبارة
235

عن أمر مركب من الوجود في الزمان اللاحق وعدم الوجود في السابق (1).
236

وإن لوحظ بالإضافة إلى حادث آخر علم بحدوثه أيضا، وشك في تقدم ذاك عليه وتأخره عنه، كما إذا علم بعروض حكمين أو موت متوارثين، وشك في المتقدم والمتأخر منهما، فإن كانا مجهولي التاريخ: فتارة كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما بنحو خاص من التقدم أو التأخر أو التقارن، لا للآخر ولا له بنحو آخر، فاستصحاب عدمه صار بلا معارض، بخلاف ما إذا كان الأثر لوجود كل منهما كذلك، أو لكل من أنحاء وجوده، فإنه حينئذ يعارض، فلا مجال لاستصحاب العدم في واحد، للمعارضة باستصحاب العدم في آخر، لتحقق أركانه في كل منهما.
هذا إذا كان الأثر المهم مترتبا على وجوده الخاص الذي كان مفاد كان التامة (1).
240

وأما إن كان مترتبا على ما إذا كان متصفا بالتقدم، أو بأحد ضديه الذي كان مفاد كان الناقصة، فلا مورد ها هنا للاستصحاب، لعدم اليقين السابق فيه، بلا ارتياب (1).
242

وأخرى كان الأثر لعدم أحدهما في زمان الآخر، فالتحقيق أنه أيضا ليس بمورد للاستصحاب، فيما كان الأثر المهم مترتبا على ثبوته
244

للحادث، بأن يكون الأثر للحادث المتصف بالعدم في زمان حدوث الآخر لعدم اليقين بحدوثه كذلك في زمان (1).
245

وكذا فيما كان مترتبا على نفس عدمه في زمان الآخر واقعا، وإن كان على يقين منه في آن قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما، لعدم إحراز اتصال زمان شكه وهو زمان حدوث الآخر بزمان يقينه، لاحتمال انفصاله عنه باتصال حدوثه به.
وبالجملة كان بعد ذاك الآن الذي قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما زمانان: أحدهما زمان حدوثه، والآخر زمان حدوث الآخر وثبوته الذي يكون طرفا للشك في أنه فيه أو قبله، وحيث شك في أن أيهما مقدم وأيهما مؤخر لم يحرز اتصال زمان الشك بزمان اليقين، ومعه لا مجال للاستصحاب حيث لم يحرز معه كون رفع اليد عن اليقين بعدم حدوثه بهذا الشك من نقض اليقين بالشك (1).
247

لا يقال: لا شبهة في اتصال مجموع الزمانين بذاك الآن، وهو بتمامه زمان الشك في حدوثه لاحتمال تأخره عن الآخر، مثلا إذا كان على يقين من عدم حدوث واحد منهما في ساعة، وصار على يقين من حدوث أحدهما بلا تعيين في ساعة أخرى بعدها، وحدوث الآخر في ساعة ثالثة، كان زمان الشك في حدوث كل منهما تمام الساعتين لا خصوص أحدهما، كما لا يخفى (1).
254

فإنه يقال: نعم، ولكنه إذا كان بلحاظ إضافته إلى أجزاء الزمان، والمفروض إنه بلحاظ إضافته إلى الآخر، وأنه حدث في زمان حدوثه وثبوته أو قبله، ولا شبهة أن زمان شكه بهذا اللحاظ إنما هو خصوص ساعة ثبوت الآخر وحدوثه لا الساعتين.
فانقدح أنه لا مورد ها هنا للاستصحاب لاختلال أركانه لا أنه مورده، وعدم جريانه إنما هو بالمعاوضة، كي يختص بما كان الأثر لعدم كل في زمان الآخر، وإلا كان
الاستصحاب فيما له الأثر جاريا (1).
256

وأما لو علم بتاريخ أحدهما، فلا يخلو أيضا إما يكون الأثر المهم مترتبا على الوجود الخاص من المقدم أو المؤخر أو المقارن، فلا إشكال في استصحاب عدمه، لولا المعارضة باستصحاب العدم في طرف الاخر أو طرفه، كما تقدم.
وإما يكون مترتبا على ما إذا كان متصفا بكذا، فلا مورد للاستصحاب أصلا، لا في مجهول التاريخ ولا في معلومه كما لا يخفى، لعدم اليقين بالاتصاف به سابقا منهما (1).
258

وإما يكون مترتبا على عدمه الذي هو مفاد ليس التامة في زمان الآخر، فاستصحاب العدم في مجهول التاريخ منهما كان جاريا، لاتصال زمان شكه بزمان يقينه، دون معلومه لانتفاء الشك فيه في زمان، وإنما الشك فيه بإضافة زمانه إلى الآخر (1)، وقد عرفت جريانه فيهما تارة
262

وعدم جريانه كذلك أخرى (1).
فانقدح أنه لا فرق بينهما، كان الحادثان مجهولي التاريخ أو كانا مختلفين، ولا بين مجهوله ومعلومه في المختلفين، فيما اعتبر في الموضوع
265

خصوصية ناشئة من إضافة أحدهما إلى الآخر بحسب الزمان من التقدم، أو أحد ضديه وشك فيها، كما لا يخفى (1).
266

كما انقدح أنه لا مورد للاستصحاب أيضا فيما تعاقب حالتان متضادتان كالطهارة والنجاسة، وشك في ثبوتهما وانتفائهما، للشك في المقدم والمؤخر منهما، وذلك لعدم إحراز الحالة السابقة المتيقنة المتصلة بزمان الشك في ثبوتهما، وترددها بين الحالتين، وأنه ليس من تعارض الاستصحابين، فافهم وتأمل في المقام فإنه دقيق (1).
267

الثاني عشر: إنه قد عرفت أن مورد الاستصحاب لابد أن يكون حكما شرعيا أو موضوعا لحكم كذلك، فلا إشكال فيما كان المستصحب من الاحكام الفرعية، أو الموضوعات الصرفة الخارجية (1)، أو اللغوية إذا كانت ذات احكام شرعية (2).
271

وأما الأمور الاعتقادية التي كان المهم فيها شرعا (1) هو الانقياد والتسليم والاعتقاد بمعنى عقد القلب عليها من الاعمال القلبية الاختيارية (2)، فكذا لا إشكال في الاستصحاب
272



(1) النمل: الآية 14.
273

فيها حكما وكذا موضوعا (1)، فيما كان هناك يقين سابق وشك
274

لاحق (1)، لصحة التنزيل وعموم الدليل، وكونه أصلا عمليا إنما هو بمعنى أنه وظيفة الشاك تعبدا، قبالا للامارات الحاكية عن الواقعيات،
275

فيعم العمل بالجوانح كالجوارح (1)، وأما التي كان المهم فيها شرعا وعقلا هو القطع بها ومعرفتها، فلا مجال له موضوعا ويجري حكما، فلو كان
277

متيقنا بوجوب تحصيل القطع بشيء - كتفاصيل القيامة - في زمان وشك في بقاء وجوبه، يستصحب (1).
278

وأما لو شك في حياة إمام زمان مثلا فلا يستصحب، لأجل ترتيب لزوم معرفة إمام زمانه، بل يجب تحصيل اليقين بموته أو حياته مع امكانه، ولا يكاد يجدي في مثل وجوب المعرفة عقلا أو شرعا (1)، إلا إذا
279

كان حجة من باب إفادته الظن وكان المورد مما يكتفى به أيضا (1)، فالاعتقاديات كسائر الموضوعات لابد في جريانه فيها من أن يكون في
282

المورد أثر شرعي، يتمكن من موافقته مع بقاء الشك فيه، كان ذاك متعلقا بعمل الجوارح أو الجوانح (1).
283

وقد انقدح بذلك أنه لا مجال له في نفس النبوة، إذا كانت ناشئة من كمال النفس بمثابة يوحى إليها، وكانت لازمة لبعض مراتب كمالها، إما لعدم الشك فيها بعد اتصاف النفس بها، أو لعدم كونها مجعولة بل من الصفات الخارجية التكوينية، ولو فرض الشك في بقائها باحتمال انحطاط النفس عن تلك المرتبة وعدم بقائها بتلك المثابة، كما هو الشأن في سائر الصفات والملكات الحسنة الحاصلة بالرياضات والمجاهدات، وعدم أثر شرعي مهم لها يترتب عليها باستصحابها (1).
284

نعم لو كانت النبوة من المناصب المجعولة وكانت كالولاية، وإن كان لابد في إعطائها من أهلية وخصوصية يستحق بها لها (1)، لكانت موردا
287

للاستصحاب بنفسها، فيترتب عليها آثارها ولو كانت عقلية بعد استصحابها، لكنه يحتاج إلى دليل كان هناك غير منوط بها، وإلا لدار، كما لا يخفى (1).
288

وأما استصحابها بمعنى استصحاب بعض أحكام شريعة من اتصف بها، فلا إشكال فيها كما مر (1).
291

ثم لا يخفى أن الاستصحاب لا يكاد يلزم به الخصم، إلا إذا اعترف بأنه على يقين فشك، فيما صح هناك التعبد والتنزيل ودل عليه الدليل كما لا يصح أن يقنع به إلا مع
اليقين والشك والدليل على التنزيل (1).
292

ومنه انقدح أنه لا موقع لتشبث الكتابي باستصحاب نبوة موسى أصلا، لا إلزاما للمسلم، لعدم الشك في بقائها قائمة بنفسه المقدسة، واليقين بنسخ شريعته، وإلا لم يكن بمسلم، مع أنه لا يكاد يلزم به ما لم يعترف بأنه على يقين وشك، ولا اقناعا مع الشك، للزوم معرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنظر إلى حالاته ومعجزاته عقلا، وعدم الدليل على التعبد بشريعته لا عقلا ولا شرعا، والاتكال على قيامه في شريعتنا لا يكاد يجديه إلا على نحو محال (1)، ووجوب العمل بالاحتياط عقلا في حال
294

عدم المعرفة بمراعاة الشريعتين ما لم يلزم منه الاختلال، للعلم بثبوت إحداهما على الاجمال (1)، إلا إذا علم بلزوم البناء على الشريعة السابقة
295

ما لم يعلم الحال (1).
الثالث عشر: إنه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب في مقام مع دلالة مثل العام، لكنه ربما يقع الاشكال والكلام فيما إذا خصص
296

في زمان في أن المورد بعد هذا الزمان مورد الاستصحاب أو التمسك بالعام (1).
297

والتحقيق أن يقال: إن مفاد العام، تارة يكون - بملاحظة الزمان - ثبوت حكمه لموضوعه على نحو الاستمرار والدوام، وأخرى على نحو جعل كل يوم من الأيام - مثلا - فردا لموضوع ذاك العام. وكذلك مفاد مخصصه، تارة يكون على نحو أخذ الزمان ظرف استمرار حكمه ودوامه، وأخرى على نحو يكون مفردا ومأخوذا في موضوعه (1).
302

فإن كان مفاد كل من العام والخاص على النحو الأول، فلا محيص عن استصحاب حكم الخاص في غير مورد دلالته، لعدم دلالة للعام على حكمه، لعدم دخوله على حدة في موضوعه، وانقطاع الاستمرار بالخاص الدال على ثبوت الحكم له في الزمان السابق، من دون دلالته على ثبوته في الزمان اللاحق، فلا مجال إلا لاستصحابه (1).
303

نعم لو كان الخاص غير قاطع لحكمه، كما إذا كان مخصصا له من الأول، لما ضربه في غير مورد دلالته، فيكون أول زمان استمرار حكمه بعد زمان دلالته، فيصح التمسك بأوفوا بالعقود ولو خصص بخيار المجلس ونحوه، ولا يصح التمسك به فيما إذا خصص بخيار لا في أوله (1)،
306

فافهم (1).
وإن كان مفادهما على النحو الثاني، فلابد من التمسك بالعام بلا كلام، لكون موضوع الحكم بلحاظ هذا الزمان من أفراده، فله الدلالة على حكمه، والمفروض عدم دلالة الخاص على خلافه (2).
308

وإن كان مفاد العام على النحو الأول والخاص على النحو الثاني، فلا مورد للاستصحاب، فإنه وإن لم يكن هناك دلالة أصلا، إلا أن
309

انسحاب الحكم الخاص إلى غير مورد دلالته من إسراء حكم موضوع إلى آخر، لا استصحاب حكم الموضوع، ولا مجال أيضا للتمسك بالعام لما مر آنفا، فلابد من الرجوع إلى سائر الأصول (1).
310

وإن كان مفادهما على العكس كان المرجع هو العام، للاقتصار في تخصيصه بمقدار دلالة الخاص (1)، ولكنه لولا دلالته لكان الاستصحاب مرجعا
312

، لما عرفت من أن الحكم في طرف الخاص قد أخذ على نحو صح استصحابه (1)، فتأمل تعرف أن اطلاق كلام شيخنا العلامة أعلى الله
313

مقامه في المقام نفيا وإثباتا في غير محله (1).
314

الرابع عشر: الظاهر أن الشك في أخبار الباب وكلمات الأصحاب هو خلاف اليقين، فمع الظن بالخلاف فضلا عن الظن بالوفاق يجري الاستصحاب (1)، ويدل عليه - مضافا إلى أنه كذلك لغة كما في الصحاح،
315

وتعارف استعماله فيه في الاخبار في غير باب (1) - قوله عليه السلام في أخبار الباب ولكن تنقضه بيقين آخر حيث أن ظاهره أنه في بيان تحديد ما ينقض به اليقين وأنه ليس إلا اليقين (2)، وقوله أيضا لا حتى يستيقن أنه قد نام
317

بعد السؤال عنه عليه السلام عما إذا حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم حيث دل بإطلاقه مع ترك الاستفصال بين ما إذا أفادت هذه الامارة الظن، وما إذا لم تفد، بداهة أنها لو لم تكن مفيدة له دائما لكانت مفيدة له أحيانا، على عموم النفي لصورة الإفادة (1)، وقوله عليه السلام بعده
318

ولا تنقض اليقين بالشك أن الحكم في المغيى مطلقا هو عدم نقض اليقين بالشك، كما لا يخفى (1).
321

وقد استدل عليه أيضا بوجهين آخرين: الأول: الاجماع القطعي على اعتبار الاستصحاب مع الظن بالخلاف على تقدير اعتباره من باب الاخبار.
وفيه: إنه لا وجه لدعواه ولو سلم اتفاق الأصحاب على الاعتبار، لاحتمال أن يكون ذلك من جهة ظهور دلالة الاخبار عليه (1).
322

الثاني: إن الظن غير المعتبر، إن علم بعدم اعتباره بالدليل، فمعناه أن وجوده كعدمه عند الشارع، وأن كلما يترتب شرعا على تقدير عدمه فهو المترتب على تقدير وجوده، وإن كان مما شك في اعتباره، فمرجع رفع اليد عن اليقين بالحكم الفعلي السابق بسببه إلى نقض اليقين بالشك، فتأمل جيدا (1).
324

وفيه: إن قضية عدم اعتباره لالغائه أو لعدم الدليل على اعتباره لا تكاد تكون إلا عدم إثبات مظنونه به تعبدا، ليترتب عليه آثاره شرعا، لا ترتيب آثار الشك مع عدمه، بل لابد حينئذ في تعيين أن الوظيفة أي أصل من الأصول العملية من الدليل، فلو فرض عدم دلالة الاخبار معه
325

على اعتبار الاستصحاب فلابد من الانتهاء إلى سائر الأصول بلا شبهة ولا ارتياب، ولعله أشير إليه بالامر بالتأمل، فتأمل جيدا (1).
326

تتمة: لا يذهب عليك أنه لابد في الاستصحاب من بقاء الموضوع، وعدم أمارة معتبرة هناك ولو على وفاقه، فها هنا مقامان: المقام الأول: إنه لا إشكال في اعتبار بقاء الموضوع بمعنى اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة موضوعا، كاتحادهما حكما (1)، ضرورة أنه بدونه لا يكون الشك
330



(1) فرائد الأصول: ج 2، ص 690 (تحقيق عبد الله النوراني).
331

في البقاء بل في الحدوث، ولا رفع اليد عن اليقين في محل الشك نقض اليقين بالشك، فاعتبار البقاء بهذا المعنى لا يحتاج إلى زيادة بيان وإقامة برهان (1)، والاستدلال عليه باستحالة انتقال العرض إلى موضوع آخر
334

لتقومه بالموضوع وتشخصه به (1) غريب، بداهة أن استحالته حقيقة غير
335

مستلزم لاستحالته تعبدا، والالتزام بآثاره شرعا (1).
336

وأما بمعنى إحراز وجود الموضوع خارجا، فلا يعتبر قطعا في جريانه لتحقق أركانه بدونه (1)، نعم ربما يكون مما لابد منه في ترتيب بعض الآثار، ففي استصحاب عدالة زيد لا يحتاج إلى إحراز حياته لجواز تقليده، وإن كان محتاجا إليه في جواز الاقتداء به أو وجوب إكرامه أو الانفاق عليه (2).
338

وإنما الاشكال كله في أن هذا الاتحاد هل هو بنظر العرف؟ أو بحسب دليل الحكم؟ أو بنظر العقل؟ فلو كان مناط الاتحاد هو نظر العقل فلا مجال للاستصحاب في الاحكام، لقيام احتمال تغير الموضوع في كل مقام شك في الحكم بزوال بعض خصوصيات موضوعه، لاحتمال دخله فيه، ويختص بالموضوعات، بداهة أنه إذا شك في حياة زيد شك في نفس ما كان على يقين منه حقيقة بخلاف ما لو كان بنظر العرف أو بحسب لسان الدليل، ضرورة أن انتفاء بعض الخصوصيات وإن كان موجبا للشك في بقاء الحكم لاحتمال دخله في موضوعه، إلا أنه ربما لا يكون بنظر العرف ولا في لسان الدليل من مقوماته.
339

كما أنه ربما لا يكون موضوع الدليل بنظر العرف بخصوصه موضوعا، مثلا العنب إذا غلى يحرم كان العنب بحسب ما هو المفهوم عرفا هو خصوص العنب، ولكن العرف بحسب ما يرتكز في أذهانهم ويتخيلونه من المناسبات بين الحكم وموضوعه، يجعلون الموضوع للحرمة ما يعم الزبيب ويرون العنبية والزبيبية من حالاته المتبادلة، بحيث لو لم يكن الزبيب محكوما بما حكم به العنب، كان عندهم من ارتفاع الحكم عن موضوعه، ولو كان محكوما به كان من بقائه (1)، ولا ضير في أن يكون
340

الدليل بحسب فهمهم على خلاف ما ارتكز في أذهانهم بسبب ما تخيلوه من الجهات والمناسبات فيما إذا لم تكن بمثابة تصلح قرينة على صرفه عما هو ظاهر فيه (1).
350

ولا يخفى أن النقض وعدمه حقيقة يختلف بحسب الملحوظ من الموضوع، فيكون نقضا بلحاظ موضوع، ولا يكون بلحاظ موضوع آخر، فلابد في تعيين أن المناط في الاتحاد هو الموضوع العرفي أو غيره، من بيان أن خطاب (لا تنقض) قد سيق بأي لحاظ (1).
فالتحقيق أن يقال: إن قضية إطلاق خطاب (لا تنقض) هو أن يكون بلحاظ الموضوع العرفي، لأنه المنساق من الاطلاق في المحاورات العرفية ومنها الخطابات الشرعية، فما لم يكن هناك دلالة على أن النهي فيه بنظر آخر غير ما هو الملحوظ في محاوراتهم، لا محيص عن الحمل على
351

أنه بذاك اللحاظ، فيكون المناط في بقاء الموضوع هو الاتحاد بحسب نظر العرف، وإن لم يحرز بحسب العقل أو لم يساعده النقل، فيستصحب مثلا ما يثبت بالدليل للعنب إذا صار زبيبا، لبقاء الموضوع واتحاد القضيتين عرفا، ولا يستصحب فيما لا اتحاد كذلك وإن كان هناك اتحاد عقلا (1)، كما مرت الإشارة إليه في القسم الثالث من أقسام استصحاب
352

الكلي، فراجع (1).
353

المقام الثاني: إنه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب مع الامارة المعتبرة في مورده، وإنما الكلام في أنه للورود أو الحكومة أو التوفيق بين دليل اعتبارها وخطابه (1).
354

والتحقيق أنه للورود، فإن رفع اليد عن اليقين السابق بسبب أمارة معتبرة على خلافه ليس من نقض اليقين بالشك بل باليقين، وعدم رفع اليد عنه مع الامارة على وفقه ليس لأجل أن لا يلزم نقضه به، بل من جهة لزوم العمل بالحجة (1).
356

لا يقال: نعم، هذا لو أخذ بدليل الامارة في مورده، ولكنه لم لا يؤخذ بدليله ويلزم الاخذ بدليلها (1)؟
359

فإنه يقال: ذلك إنما هو لأجل أنه لا محذور في الاخذ بدليلها بخلاف الاخذ بدليله، فإنه يستلزم تخصيص دليلها بلا مخصص إلا على وجه دائر، إذ التخصيص به يتوقف على اعتباره معها، واعتباره كذلك يتوقف على التخصيص به، إذ لولاه لا مورد له معها، كما عرفت آنفا (1).
360

وأما حديث الحكومة فلا أصل له أصلا، فإنه لا نظر لدليلها إلى مدلول دليله إثباتا وبما هو مدلول الدليل، وإن كان دالا على إلغائه معها ثبوتا وواقعا، لمنافاة لزوم العمل بها مع العمل به لو كان على خلافها، كما أن قضية دليله إلغاؤها كذلك، فإن كلا من الدليلين بصدد بيان ما هو الوظيفة للجاهل، فيطرد كل منهما الآخر مع المخالفة (1)، هذا مع لزوم
364

اعتباره معها في صورة الموافقة، ولا أظن أن يلتزم به القائل بالحكومة (1)،
368

فافهم (1) فإن المقام لا يخلو من دقة.
369

وأما التوفيق، فإن كان بما ذكرنا فنعم الاتفاق، وإن كان بتخصيص دليله بدليلها فلا وجه له، لما عرفت من أنه لا يكون مع الاخذ به نقض يقين بشك، لا أنه غير منهي عنه مع كونه من نقض اليقين بالشك (1).
370

خاتمة لا بأس ببيان النسبة بين الاستصحاب وسائر الأصول العملية، وبيان التعارض بين الاستصحابين (1).
أما الأول: فالنسبة بينه وبنيها هي بعينها النسبة بين الامارة وبينه، فيقدم عليها ولا مورد معه لها، للزوم محذور التخصيص إلا بوجه دائر في العكس وعدم محذور فيه أصلا، هذا في النقلية منها (2).
373

وأما العقلية فلا يكاد يشتبه وجه تقديمه عليها، بداهة عدم الموضوع معه لها، ضرورة أنه إتمام حجة وبيان ومؤمن من العقوبة وبه الأمان، ولا شبهة في أن الترجيح به عقلا صحيح (1).
378

وأما الثاني: فالتعارض بين الاستصحابين (1)، إن كان لعدم إمكان العمل بهما بدون علم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما، كاستصحاب وجوب أمرين حدث بينهما التضاد في زمان الاستصحاب، فهو من باب تزاحم الواجبين (2) وإن كان مع العلم بانتقاض الحالة السابقة في
379



(1) كفاية الأصول بحاشية المحقق المشكيني (قدس سره): ج 2، ص 355 (ط، حجري).
380

أحدهما، فتارة يكون المستصحب في أحدهما من الآثار الشرعية للمستصحب الآخر، فيكون الشك فيه مسببا عن الشك فيه، كالشك في نجاسة الثوب المغسول بماء مشكوك الطهارة وقد كان طاهرا، وأخرى لا يكون كذلك. فإن كان أحدهما أثرا للآخر، فلا مورد إلا للاستصحاب في طرف السبب، فإن الاستصحاب في طرف المسبب موجب لتخصيص الخطاب، وجواز نقض اليقين بالشك في طرف السبب بعدم ترتيب أثره الشرعي، فإن من آثار طهارة الماء طهارة الثوب المغسول به ورفع نجاسته، فاستصحاب نجاسة الثوب نقض لليقين بطهارته، بخلاف استصحاب طهارته، إذ لا يلزم منه نقض يقين بنجاسة
381

الثوب بالشك، بل باليقين بما هو رافع لنجاسته، وهو غسله بالماء المحكوم شرعا بطهارته.
وبالجملة فكل من السبب والمسبب وإن كان موردا للاستصحاب، إلا أن الاستصحاب في الأول بلا محذور، بخلافه في الثاني ففيه محذور التخصيص بلا وجه إلا بنحو محال، فاللازم الاخذ بالاستصحاب السببي، نعم لو لم يجر هذا الاستصحاب بوجه لكان الاستصحاب المسببي جاريا، فإنه لا محذور فيه حينئذ مع وجود أركانه وعموم خطابه (1).
382

وإن لم يكن المستصحب في أحدهما من الآثار للآخر (1)، فالأظهر جريانهما فيما لم يلزم منه محذور المخالفة القطعية للتكليف الفعلي المعلوم إجمالا، لوجود المقتضي
إثباتا وفقد المانع عقلا.
387

أما وجود المقتضي، فلاطلاق الخطاب وشموله للاستصحاب في أطراف المعلوم بالاجمال (1)، فإن قوله عليه السلام في ذيل بعض أخبار الباب
388

ولكن تنقض اليقين باليقين لو سلم أنه يمنع عن شمول قوله عليه السلام في صدره لا تنقض اليقين بالشك لليقين والشك في أطرافه، للزوم المناقضة في مدلوله، ضرورة المناقضة بين السلب الكلي والايجاب الجزئي، إلا أنه لا يمنع عن عموم النهي في سائر الأخبار مما ليس فيه الذيل، وشموله لما في أطرافه، فإن إجمال ذاك الخطاب لذلك لا يكاد يسري إلى غيره مما ليس فيه ذلك.
وأما فقد المانع، فلأجل أن جريان الاستصحاب في الأطراف لا يوجب إلا المخالفة الالتزامية، وهو ليس بمحذور لا شرعا ولا عقلا (1).
390



(1) المراد من الشمول هو الشمول لأطراف العلم الاجمالي، ولازم ذلك ان يكون الناقض مختصا باليقين التفصيلي (منه قدس سره).
393

ومنه قد انقدح عدم جريانه في أطراف العلم بالتكليف فعلا أصلا ولو في بعضها، لوجوب الموافقة القطعية له عقلا، ففي جريانه لا محالة يكون محذور المخالفة القطعية أو الاحتمالية، كما لا يخفى (1).
396

تذنيب لا يخفى أن مثل قاعدة التجاوز في حال الاشتغال بالعمل، وقاعدة الفراغ بعد الفراغ عنه، وأصالة صحة عمل الغير إلى غير ذلك من القواعد المقررة في الشبهات الموضوعية إلا القرعة تكون مقدمة على استصحاباتها المقتضية لفساد ما شك فيه من الموضوعات، لتخصيص دليلها بأدلتها (1)، وكون النسبة بينه وبين بعضها عموما من وجه لا يمنع
397



(1) وسائل الشيعة ج 18، باب 25 من أبواب كيفية الحكم واحكام الدعوى حديث 2.
(2) وسائل الشيعة: ج 5، باب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث 1.
398



(1) تهذيب الأحكام: ج 2، ص 344.
399



(1) تهذيب الأحكام: ج 1، ص 101.
400

عن تخصيصه بها بعد الاجماع على عدم التفصيل بين مواردها، مع لزوم قلة المورد لها جدا لو قيل بتخصيصها بدليلها، إذ قل مورد منها لم يكن هناك استصحاب على خلافها، كما لا يخفى (1).
402

وأما القرعة فالاستصحاب في موردها يقدم عليها، لأخصية دليله من دليلها، لاعتبار سبق الحالة السابقة فيه دونها، واختصاصها بغير الاحكام إجماعا لا يوجب الخصوصية في دليلها بعد عموم لفظها لها (1)،

(1) وسائل الشيعة ج 18: 189 / 11 باب 13 من أبواب كيفية الحكم واحكام الدعوى.
404



(1) عوالي اللئالي ج 2، ص 112 (ط. الأولى).
405

هذا مضافا إلى وهن دليلها بكثرة تخصيصه، حتى صار العمل به في مورد محتاجا إلى الجبر بعمل المعظم، كما قيل، وقوة دليله بقلة تخصيصه بخصوص دليل (1).
407

لا يقال: كيف يجور تخصيص دليلها بدليله؟ وقد كان دليلها رافعا لموضوع دليله لا لحكمه، وموجبا لكون اليقين باليقين بالحجة على خلافه، كما هو الحال بينه وبين أدلة سائر الامارات، فيكون - هاهنا أيضا - من دوران الامر بين التخصيص بلا وجه غير دائر والتخصص (1).

(1) راجع وسائل الشيعة ج 18، باب 13 من أبواب كيفية الحكم حديث 4.
408

فإنه يقال: ليس الامر كذلك، فإن المشكوك مما كانت له حالة سابقة وإن كان من المشكل والمجهول والمشتبه بعنوانه الواقعي، إلا أنه ليس منها بعنوان ما طرأ عليه من نقض اليقين بالشك، والظاهر من دليل القرعة أن يكون منها بقول مطلق لا في الجملة، فدليل الاستصحاب الدال على حرمة النقض الصادق عليه حقيقة، رافع لموضوعه أيضا (1)،
409

فافهم (1). فلا بأس برفع اليد عن دليلها عند دوران الامر بينه وبين رفع اليد عن دليله، لوهن عمومها وقوة عمومه، كما أشرنا إليه آنفا، والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على محمد وآله باطنا وظاهرا.
412