الكتاب: أجود التقريرات
المؤلف: تقرير بحث النائيني ، للسيد الخوئي
الجزء: ١
الوفاة: ١٤١١
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٣٦٨ ش
المطبعة: الغدير - قم
الناشر: منشورات مصطفوي - قم
ردمك:
ملاحظات: تقريرات آية الله النائيني

كتاب
أجود التقريرات
المجلد الأول
في
علم الأصول
1

" بسم الله الرحمن الرحيم "
وبه نستعين
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد
وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
وبعد فيقول المفتقر إلى رحمة ربه الغنى أبو القاسم بن علي أكبر الموسوي
الخوئي غفر الله تعالى لهما انى كررت النظر فيما كتبته سابقا من تقريرات بحث شيخنا الأستاذ
علم التحقيق ومنبع الفضيلة والتدقيق من إليه ألقت الرياسة العلمية زمامها وبفضل
أبحاثه القيمة تم للعلوم الدينية نظامها حضرة المولى الميرزا محمد حسين النائيني قدس
الله تعالى اسراره فغيرت بعض عباراته توضيحا للمراد مع التحفظ على عدم الاضلال
بالمفاد وأضفت إليها بعض المطالب التي خطرت ببالي القاصر بمقدار لا يخرج عن عنوان
التعليقة على نحو الاختصار مستمدا من الله ومتوكلا عليه في جميع أموري وهو ولى الامر
(وقد رتبت) كتابي هذا على مقدمة ومقاصد وخاتمة فأقول ومنه التوفيق (اما المقدمة)
ففيها فصلان.
الفصل الأول
في تعريف العلم وموضوعه وفائدته ورتبته. (قدم) المحققون قبل الشروع
في المقصود أمورا سموها بالمبادئ ونشير تبعا لهم إلى ما هو أهمها وهى الأربعة التي
تقدم ذكرها
أما من حيث المرتبة فلا اشكال في تأخره عن علم المنطق فإنه مبدء لكل علم
نظري إذ فيه يعرف كيفية الاستنتاج والطرق الصحيحة من الفاسدة وكذا في تأخره
عن العلوم الأدبية حيث أن المهم في هذا العلم هو استنباط الاحكام
2

الشرعية (1) وتوقفه على تلك العلوم لا يحتاج إلى بيان وكذا توقفه
على مهمات علم الرجال فعلم الأصول متوسط بين علم الفقه وتلك العلوم وجزء
أخير للعلة التامة للاستنباط فتكون نسبته إلى تلك العلوم بالتأخر والى الفقه بالتقدم
واما تعريفه فقد علم مما سبق اجمالا وتفصيله هو العلم بالقواعد التي إذا انضمت إليها
صغرياتها أنتجت نتيجة فقهية وهو الحكم الكلى الشرعي الثابت لموضوعه المقدر وجوده على
ما هو الشأن في القضايا الحقيقية وهذا التعريف أسد من تعريف المشهور بأنه هو العلم
بالقواعد الممهدة لاستنباط الحكم الشرعي فإنه لا يرد عليه ما اورد على تعريف المشهور
بأنه ان أريد من التمهيدان ينحصر فائدة البحث عن تلك القواعد باستنباط الأحكام الشرعية
فقط فقل أن تكون مسألة أصولية كذلك وان أريد منه أن يكون لتلك
القواعد دخل في الاستنباط في الجملة فالعلوم الأدبية أيضا كذلك (وجه عدم الورود)
ان العلوم الأدبية أو غيرها من مبادى الفقه إذا انضمت صغرياتها إليها لا تنتج مسألة فقهية
بلا واسطة بخلاف القواعد الأصولية وكذا سميت بأصول الفقه ثم لا يخفى انه إذا أريد
من الحكم المأخوذ في التعريف ما هو الأعم من الواقعي والظاهري فمباحث الأصول
العلمية تدخل في المسائل التي يستنبط منها الحكم الشرعي واما إذ أخصصناه بالواقعي
فلا مناص في ادخالها في المباحث الأصولية من إضافة قيد آخر إلى التعريف
وهو قولنا أو التي ينتهى إليها في مقام العمل واما فائدته فقد ظهرت مما تقدم وهو استنباط
الأحكام الشرعية الكلية التي تكون قابلة للالقاء على المكلفين فيكون تطبيق موضوعاتها
على مصاديقها الجزئية الخارجية مشتركا فيه بين المجتهد وغيره
واما موضوعه فمعرفته يتوقف على تمهيد مقدمتين اما المقدمة الأولى فتشتمل
على تعريف كلي موضوع العلم وتمييز العوارض الذاتية من الغريبة فنقول (2) موضوع كل علم ما يبحث

1 - لا يخفى ان مقتضى ذلك تأخر علم الفقه عن العلوم الأدبية وعن علم الرجال لا تأخر
علم الأصول عنها الذي هو محل الكلام في المقام
2 - هذا هو المشهور بينهم وقد التزموا بلزوم وجود الموضوع في كل علم وبلزوم كون
البحث عن عوارضه الذاتية والتحقيق ان علمية العلم لا يتوقف على وجود جامع بين موضوعات
مسائله بل هو أمر قد يكون وقد لا يكون وما قيل في وجه لزومه من أن الغرض من العلم
الواحد حيث إنه واحد وهو مترتب على مجموع المسائل فلابد من وجود جامع بينها و
الا لزم صدور الواحد من الكثير يرد عليه أولا ان الاقتدار على الاستنباط مثلا الذي هو
الغرض في علم الأصول وإن كان واحدا الا ان وحدته نوعية لا شخصية ضرورة ان القدرة
المترتبة على مسألة حجية خبر الواحد مثلا غير القدرة المترتبة على مسألة دلالة الامر على
الوجوب والبرهان المزبور على تقدير تماميته فإنما يتم في الواحد الشخصي دون النوعي
و (ثانيا) ان الغرض على تقدير كونه شخصا واحدا أيضا فإنما هو مترتب على مجموع
المسائل لا على كل واحدة منها فلا حاجة إلى تصوير الجامع و (ثالثا) ان الغرض مترتب
على العلم بثبوت المحمولات لموضوعاتها لا على نفس المسائل فلا بد من غرض الجامع بين
العلوم وعلى تقدير التنزل فلا بد من تصوير الجامع بين النسب الخاصة الموجودة في المسائل
وأين ذلك من تصوير الجامع بين خصوص الموضوعات ورابعا ان موضوع المسألة في علم
الفقه مثلا قد يكون أمرا وجوديا وقد يكون أمرا عدميا كالترك كما أنه قد يكون من
مقولة الكيف مثلا كالتكلم وقد يكون من مقولة أخرى وقد تحقق في محله امتناع تصوير
الجامع الماهوي بين مقولتين فضلا عن الوجود والعدم فكيف يمكن الالتزام في مثله بوجود
جامع حقيقي يكون مؤثرا في الغرض الواحد وسيجيئ البحث عن لزوم كون العوارض ذاتية
للموضوع على تقدير وجوده فيما بعد انشاء الله تعالى
3

فيه عن عوارضه الذاتية (بيان ذلك) ان العارض تارة يعرض بلا وساطة شئ أصلا
كادراك الكليات العارض للنفس الناطقة ونحوه من عوارض البسائط فلا اشكال في كونه
من العوارض الذاتية فان المعروض فيها هي نفس الحقيقة من دون دخل لشيئ آخر
غير نفسها لغرض بساطتها الحقيقية (وأخرى) بواسطة أمر آخر وذلك الامر (تارة)
يكون داخليا كالجنس والفصل واخرى خارجيا اما الداخلي فإن كان فصلا فلا اشكال
في كون عوارضه من العوارض الذاتية أيضا فان فعلية النوع وتحصله بفصله و
إن كان جنسا فقد وقع فيه الخلاف والاشكال (من جهة) عدم كونه ما به فعلية النوع فلا
يكون عارضه ذاتيا للنوع (ومن جهة) تقوم النوع به ولو كان جزوه بالقوة فيكون عارضه
ذاتيا للنوع كما في عوارض الفصل ومن ثم يبحث في بعض العلوم عن عوارض جنس الموضوع
أيضا والحق هو الثاني
والاشكال عليه (1) بأن عوارض الجنس لو كانت ذاتية لزم تداخل جملة من العلوم في تمام مسائلها

1 - لا يخفى ان الخلاف انما هو في كون ما يعرض للجنس ذاتيا للنوع أو غير ذاتي لافى
كون عارض نوع ذاتيا للنوع الاخر وان فرض كون عوارض النوع ذاتية للجنس أيضا
فالاعتراض على القول بكون عوارض الجنس ذاتية للنوع باستلزامه التداخل في جملة
من العلوم مندفع من أصله من غير حاجة إلى تقييد الموضوعات بالحيثيات
4

فان الموضوع في علم النحو مثلا هي الكلمة والكلام وموضوع مسائله الفاعل والمفعول
وغير ذلك (فلو فرضنا) أن جميع ما يعرض للجنس من العوارض الذاتية (فلابد)
أن يبحث في علم النحو من جميع ما يعرض لهما فيلزم ادخال جميع المسائل الأدبية
في علم النحو وهذا ما ذكرناه من اللازم.
مدفوع بأن الموضوع حيث قيد بحيثية الاعراب أو البناء فكل عارض له دخل
بالحيثية المذكورة يبحث عنه في علم النحو لا كل عارض ذاتي فالغرض من التقييد بالذاتي
اخراج العوارض الغريبة لا ان كل عارض ذاتي يبحث عنه في العلوم وان لم يكن له دخل
بالحيثيات المذكورة واما الخارجي فاما أن يكون مباينا أو أعم أو أخص أو مساويا (لا كلام)
في كون عوارض الأولين من العوارض الغريبة
وأما عوارض الأخص أو المساوى فيحتاج تحقيق الحال فيهما إلى بسط في المقال
فنقول اما عوارض الأخص فالجمهور على انها من العوارض الغريبة (وبذلك)
يشكل على كون محمولات العلوم عوارض ذاتية لموضوعاتها (بدعوى) ان المحمولات
انما تعرض لموضوعات المسائل أولا وبالذات وبوساطتها تعرض لموضوعات العلوم فلا
ينطبق التعريف المذكور لموضوع العلم على موضوع علم من العلوم.
وجوابه انا حيث قيدنا الموضوع بالحيثية المذكورة (1) فينطبق موضوع العلم

1 - الحيثيات المأخوذة في تعاريف جملة من العلوم حيثيات راجعة إلى البحث بمعنى ان البحث في علم الفقه مثلا لا يقع عن جميع عوارض فعل المكلف بل يبحث فيه من حيث
الاقتضاء والتخيير فالقيد راجع إلى البحث لا إلى الموضوع ضرورة ان الصلاة بما هي صلاة
تكون واجبة لا من حيث اقتضائها للوجوب مع أنه على تقدير تسليم تقييد الموضوعات بالحيثيات
فاما أن يكون موضوع العلم الذي هو عنوان جامع لموضوعات المسائل مأخوذا بنحو المعرفية
وبه يشار إلى موضوعات المسائل أو يلحظ هو بنفسه بما انه جامع لها والأول يستلزم انكار
وجود الموضوع للعلم حتى يقع البحث عن عوارضه الذاتية والثاني يستلزم عدم كون عوارض
موضوعات المسائل ذاتية لموضوع العلم فان انطباق العنوان الانتزاعي على منشأ انتزاعه
على حد دون حد انطباق العناوين الذاتية على مصاديقها فإذا فرضنا ان عوارض النوع
غريبة بالقياس إلى الجنس مع أنه ينطبق عليه بالذات فعوارض ما يكون منشأ لانتزاع
عنوان أولي بالغرابة بالقياس إلى نفس العنوان الانتزاعي وكون ما به الامتياز في العناوين
الانتزاعية عين ما به الاشتراك لا ينافي التغاير بين موضوعات المسائل فان موضوع كل
مسألة بنفسه مغاير لموضوع مسألة أخرى هذا مع أن كون ما به الاشتراك من الأمور
الانتزاعية عين ما به الامتياز لا يستلزم كون المقيد بالامر الانتزاعي كذلك ما هو ظاهر
والتحقيق في حل الاشكال ان يقال إن الالتزام بكون العوارض المبحوث عنها في العلوم ذاتية
بالمعنى الذي ذهب إليه الجمهور بلا ملزم ضرورة انه إذا تعلق الغرض بالبحث عن عدة
مسائل يجمع موضوعاتها جامع واحد صح تدوين علم يبحث فيه عن تلك العوارض
سواء سميت تلك العوارض بكونها ذاتية لموضوع العلم أو بكونها غريبة بالقياس إليه
والذي يمكن ان يقال باعتباره هو ان لا يكون اسناد تلك العوارض إلى موضوع العلم
مجازيا واما كونها عارضة له بلا واسطه مطلقا فلا ضرورة تقتضيه بل الصحيح هو ان
ترتب الغرض لو توقف على البحث عن العوارض الغريبة التي يكون اسنادها إلى موضوع العلم أو
إلى موضوع المسألة مجازيا يصح عقد ذلك المبحث من مباحث العلم فلا موجب للالتزام
بكون العوارض ذاتية لموضوع العلم أصلا وان أبيت عن ذلك فلا مناص عن الالتزام
بكون عوارض الأخص كالنوع مثلا بالقياس إلى الأعم كالجنس من العوارض الذاتية
ومما ذكرناه يظهر اندفاع الشبهة الناشئة من قبل أعمية بعض موضوعات المسائل
من موضوع العلم أيضا.
5

عليها بنحو العينية بحيث يحمل عليها بالحمل الشايع الصناعي
وبعبارة واضحة المبحوث عنه في علم النحو مثلا ليس عوارض الفاعل بما هو
فاعل ككونه متقدما على المفعول بحسب الرتبة بل عوارضه بما هو معرب فيكون
عوارضه عوارض ذاتية لموضوع العلم أيضا فان هذه الحيثية حيثية مضيقة للموضوع فإنها تقييدية
(وحيث) ان موضوعات العلوم بسائط لأنها مفاهيم متقيدة بالحيثيات الاعتبارية فيكون
ما به الاشتراك فيها عين ما به الامتياز كما في الاعراض ونتيجته الغاء خصوصية الفاعلية
والمفعولية وغير ذلك والبحث عنها بما هي معربة ولا نعنى بتلك الحيثية الحيثية اللاحقة
الاعرابية حتى يقال إن الكلمة المعربة يستحيل عروض الاعراب عليها بل الحيثية السابقة
التي بها يستحق الاعراب الفعلي.
ثم لا يخفى أن التقييد بالحيثية المذكورة كما اندفعت به الشبهة الناشئة من أخصية
موضوعات المسائل كذلك تندفع به الشبهة الناشئة من أعمية موضوعات المسائل عن
موضوع العلم كمباحث الألفاظ بالقياس إلى الأدلة الأربعة بناء على أن عوارض الجنس من
6

العوارض الغريبة فان الموضوعات في المسائل وإن كانت أعم بحسب الظاهر الا أن البحث
عنها مقيد بحيثية خاصه وهو حيث ورودها في الكتاب والسنة وان لم يكن عروض المحمولات
بتلك الحيثية فلا يلزم أعمية الموضوعات من تلك الجهة المبحوث عنها وإن كانت أعم
من الجهة الأخرى (كما أن الاشكال المعروف) بان تمايز العلوم (1) لو كان بتمايز الموضوعات

1 - إن كان المراد من التمايز هو تمييز كل علم عن الاخر بالإضافة إلى الجاهل حتى
يتمكن بمعرفة المميز من تشخيص أي مسألة ترد عليه وانها هل هي داخلة في علم الفقه
مثلا أو في علم النحو فلا ريب ان التمييز في هذا المقام كما يمكن أن يكون بالغرض
يمكن أن يكون بالموضوع أو بالمحمول أو بذكر فهرست مسائل العلم
اجمالا. وإن كان المراد من التمايز هو التمييز في مقام التدوين وبيان ما هو السبب
لاختيار المدون جملة من المسائل وجعلها علما برأسه دون المسائل الاخر فلا مناص
في هذا المقام من كون التمييز بالعرض الداعي إلى التدوين إن كان هناك غرض
خارجي يترتب على العلم والمعرفة كما هو الغالب وهو ظاهر واما فيما كان
الغرض من التدوين هو نفس العلم والمعرفة فلا بد من كون الامتياز بالموضوع أو بالمحمول
مثلا إذا كان غرض المدون هو معرفة أحوال الانسان من تمام جهاته فلا مانع من تدوين
علم يبحث فيه عن عوارضه النفسانية والجسمانية وعن خصوصيات أقسام اصنافه فيكون
تمييز هذا العلم عن غيره بالموضوع كما هو الحال في الفلسفة العالية كما أنه إذا كان
غرض المدون هو معرفة ما يعرضه الحركة والسكون فلا ضير في تدوين علم يبحث
عن كل ما يمكن ان يعرضه الحركة أو السكون ولو كان المعروض من مقولة نارة و
ومن مقولة غير المقولة الأولى أخرى فالتمييز يكون حينئذ بالمحمول ومما ذكرناه يظهر
ان اطلاق القول بان التمايز بالموضوعات أو بان التمايز بالاغراض ليس في محله ومما
ذكرناه يظهر ما في كلام شيخنا الأستاذ قدس سره من انكاره كون التمايز بالاغراض
فإنها ربما لا تترتب على العلوم المدونة فتدبر
7

لزم اتحاد العلوم الأدبية (يندفع) بقيد الحيثية أيضا كما هو ظاهر واما الجواب عنه بان تمايز العلوم
بتمايز الأغراض لا بالموضوعات فغير صحيح فان العلوم المدونة ربما لا يترتب عليها الأغراض
المذكورة فلا يمكن أن يكون التمايز بها
(وأما عوارض) الأمر الخارجي المساوى المنتهى إلى الذات ولو بوسائط كعروض
ادراك الكليات الذي هو لازم الفصل على الانسان المستتبع لعروض التعجب المستتبع
لعروض الضحك فقد وقع فيها الخلاف والاشكال.
وتحقيقه يحتاج إلى بيان ضابط الوساطة في الثبوت والعروض (فنقول) اما العارض
الأول فلا واسطة له حتى يقال إنها واسطة في الثبوت أو العروض (واما الثاني) وهو التعجب
فله واسطة لكن وساطة ثبوتية لان الواسطة عارضة بلا واسطة واما العارض الثالث وهو
الضحك فله واسطة في العروض فان واسطة عروضه تحتاج إلى واسطة أخرى في الثبوت
أيضا فالميزان (1) ان العارض ان احتاج إلى واسطة غير محتاجة إلى واسطة أخرى
فالواسطة في الثبوت والا ففي العروض.
إذا عرفت ذلك فيمكن ان يقال إن هذا العارض مع الواسطة في العروض أيضا
من الاعراض الذاتية لانتهائه إلى الذات بالآخرة (ويمكن ان يقال) انه من العوارض
الغريبة باعتبار انه لم يعرض لا لنفس الذات ولا بواسطة في الثبوت فيكون من الغريبة
لكن الحق هو الأول وعلى تقدير التنزل فيندفع اشكال البحث عنه بقيد الحيثية المذكورة
فان العوارض وإن كانت مترتبة في حد أنفسها الا انه لا ترتب بينها من تلك الحيثية فيكون
جميعها في عرض واحد.
واما المقدمة الثانية فهي ان ما يذكر في العلوم ينقسم إلى مباد ومسائل (اما المسائل)
فقد علم تعريفها مما سبق (واما المبادى) فتنقسم إلى تصورية وتصديقية (اما التصورية)
فهي التي توجب معرفة الموضوعات أو المحمولات (وأما التصديقية) فهي الأدلة التي توجب
التصديق بثبوت المحمولات لموضوعاتها
ثم إن لعلم الأصول مبادى خاصة وتسمى بالمبادئ الاحكامية وهى التي يبحث
فيها عن حال الاحكام بما هي من كونها مجعولة استقلالية أو انتزاعية ومن حيث

1 - الميزان في الواسطة في الثبوت هو أن يكون الواسطة علة لثبوت العارض لمعروضه
سواء كانت الوسائط متعددة أم غير متعدده والتفصيل بين احتياج الواسطة إلى واسطة أخرى
وعدمه بلا وجه
8

اشتراطها بشروط عقلية وغير ذلك ومن هذا القبيل مباحث مقدمة الواجب والنهى
عن الضد واجتماع الامر والنهى بناء على عدم كونها من المسائل الأصولية على ما يأتي الكلام
فيه في محالها انشاء الله تعالى
ثم إن المسائل المبحوث عنها في علم الأصول اما مسائل يبحث فيها عن دلالة
الألفاظ بما هي أو عن حال الاحكام ولو لم تكن مدلولا عليها بشئ من الألفاظ أو عن دليلية
الدليل كمباحث حجية الخبر الواحد والكتاب وغيرهما من مباحث الحجية
إذا تمهد ذلك (فنقول) لو كان موضوع علم الأصول هي الأدلة الأربعة بعد الفراغ
عن دليليتها كما عليه المحقق القمي (قده) فتخرج مباحث الحجج بالكلية عن مباحث
علم الأصول لان البحث فيها عن نفس الدليلية لاعن عوارضها وتدخل في المبادى وكذلك
المسائل التي يبحث فيها عن حال الاحكام ولو لم تكن مدلولا عليها بدليل لعدم كون
البحث فيها عن الأدلة وتدخل في المبادى الاحكامية فينحصر علم الأصول في مباحث
الألفاظ بناء على ما ذكرنا من كون عوارض الجنس من العوارض الذاتية اما مطلقا أو مع
اخذ قيد الحيثية والا فتلك مباحث استطرادية فلا يبقى لعلم الأصول مسألة أصلا (واما
لو بنينا) على أن الموضوع هو ذوات الأدلة فيدخل فيها مباحث الألفاظ بالتقريب
المتقدم ومباحث حجية الكتاب والعقل واما بقية المباحث فهي خارجة لا محالة اما
خروج المباحث التي يتكلم فيها عن حال الاحكام بما هي فواضح واما خروج مباحث حجية
الخبر الواحد والشهرة والاستصحاب ونحوها فلعدم البحث فيها عن ذوات الأدلة الأربعة أيضا
كما هو ظاهر
واما ارجاع البحث عن حجية الخبر إلى البحث عن ثبوت السنة بالخبر (بتقريب)
ان السنة باعتبار الحكاية تنقسم إلى قسمين المتواتر والآحاد (اما) المتواتر فلا (اشكال)
في ثبوت السنة به (واما الآحاد فهي محل الخلاف والاشكال) فيرجع حاصل النزاع
إلى أن السنة المحكية هل هي سنة أم لا
(فغير مفيد) فإنه على فرض تماميته في مبحث حجية الخبر فلا يكاد يتم في غيره
كمباحث حجية الشهرة والاستصحاب وغيرهما مما تقدم خروجها عن المسائل الأصولية
على تقدير كون الموضوع هي الأدلة الأربعة مع أنه (غير تام) في نفسه لان عنوان كون
9

السنة محكية (1) تعرض له بواسطة الخبر الذي هو مباين لها فيكون من العوارض
الغريبة فضلا عن الحجية العارضة بوساطته مضافا إلى ما ذكره المحقق صاحب الكفاية
(قده) من أن البحث عن الثبوت الذي هو مفاد كان التامة بحث عن المبادى (فالتحقيق
ان الالتزام) بكون الموضوع هي الأدلة (بلا ملزم) بل هو أمر وسيع أخذ موضوعا للعلم
مقيدا بحيثية الاستنباط (2) فيكون جميع المباحث المذكورة داخلة في المسائل لأجل
دخلها في الاستنباط.
الفصل الثاني
في جملة من المباحث اللغوية
اختلف العلماء في أن دلالة الألفاظ هل هي ذاتية محضة أم جعلية صرفة أو بهما معا (3)

1 - اتصاف السنة بكونها محكية وإن كان بوساطة الخبر الذي هو مباين لها في الوجود الا
انه من قبيل الواسطة في الثبوت لا في العروض كما هو ظاهر نعم الحجية التي هي المحمول
في المسألة ليست من عوارض السنة ذاتية أو غريبة بل هي من عوارض الخبر ونحوه واما البحث
عن ثبوت السنة بالخبر بنحو مفاد كان التامة فهو وان لم يكن صحيحا في نفسه ضرورة عدم
علية الخبر للسنة خارجا الا انه على تقدير صحته لا يكون داخلا في المبادى بل يكون البحث
بحثا عن العوارض فان المبحوث عنه حينئذ ليس هو نفس الوجود والثبوت بل الثبوت بالخبر
الذي هو عبارة أخرى عن معلولية السنة للخبر ولا ريب ان البحث عن المعلولية بحث
عن العوارض
2 - قد عرفت فيما تقدم ان اتصاف جملة من المسائل بكونها مسائل علم واحد لا يتوقف
على وجود موضوع جامع لموضوعات مسائلها فالالتزام بوجود موضوع وسيع أو ضيق لعلم
الأصول بلا موجب بل الظاهر أن كل مسألة يترتب عليها الاستنباط بضم صغرى تلك المسألة
إليها فهي من مسائل علم الأصول والا فلا وتمييز مسائل علم الأصول عن غيرها انما هو
بالغرض لا بغيره
3 - لا ينبغي الريب في عدم كون الارتباط المتحقق بين طبيعي اللفظ والمعنى من قبيل
الأمور الواقعية باقسامها اما عدم كونه من قبيل الجواهر والاعراض بعد فرض قيامه بطبيعي
اللفظ والمعنى فظاهر واما عدم كونه من قبيل الملازمات المتحققة في نفس الامر مع قطع النظر
عن اعتبار أي معتبر وفرض أي فارض فلان دعوى الملازمة بين تصور اللفظ والانتقال منه
إلى المعنى بطلانها ظاهر والا لما أمكن الجهل باللغات أصلا ووقوع الجهل بها من
أوضح الواضحات واما ثبوت المناسبة الذاتية بين الألفاظ ومعانيها فهو وإن كان ممكنا
في الجملة الا انه لا دليل عليه ودعوى انه لولاه لكان تخصيص لفظ خاص بمعنى مخصوص
بلا مرجح وهو محال يدفعها أولا انه لا يلزم أن يكون المرجح هي المناسبة الذاتية بل يجوزان
يكون المرجح أمرا خارجيا كما هو الواقع كثيرا في الاعلام الشخصية وثانيا ان المستحيل
انما هو المرجح من دون ترجيح واما الترجيح بلا مرجح فلا استحالة فيه بل ولا قبح فيه
أيضا إذا كان هناك مرجح لاختيار طبيعي الفعل مع عدم وجود المرجح في شئ من افراده
وحينئذ فالمصلحة الموجودة في طبيعي الوضع كافية في اختيار لفظ خاص وتخصيصه لمعنى مخصوص
ولو من دون ربط ومناسبة بينهما أصلا ومن هنا يظهران دعوى كون الوضع وسطا بين
الأمور التكوينية الواقعية والجعلية لا يمكن المساعدة عليها ضرورة انه لا واسطة بين الأمور
الواقعية والجعلية والتخصيص وإن كان بالهام إلاهي كما في جملة من أفعال العباد أيضا الا ان
حقيقته لا تخلو من أن تكون من الواقعيات أو الاعتباريات الجعليات ومن ثم ذهب جمع إلى أن
الارتباط المزبور أمر اعتباري ووجوده انما هو باعتبار المعتبر وقد أفيد في بيان ذلك وجهان
الأول ان الوضع الحقيقي كما في وضع العلم على رأس الفرسخ وان لم يكن موجودا في
وضع الألفاظ الا انه موجود فيه بنحو الاعتبار فكان اللفظ وضع على معناه للدلالة عليه كما
في وضع العلم على رأس الفرسخ وفيه أولا ان هذا المعنى على تقدير صحته في نفسه فهو يعبد
عن أذهان الواضعين خصوصا القاصرين منهم كالأطفال وأمثالهم مع انا نرى صدور الوضع
منهم كثيرا فكيف يمكن أن يكون حقيقته أمرا يغفل عنه الخواص فضلا عن غيرهم وثانيا
ان لازم هذا البيان كون المعنى موضوعا عليه لا موضوعا له وكم فرق بينهما فان الموضوع عليه
في الوضع الحقيقي انما كان هو المكان المخصوص للدلالة على كونه رأس الفرسخ فكونه رأس
الفرسخ هو الذي وضع له العلامة وعليه فما هو الموضوع له في المقام إذا كان المعنى هو الموضوع
عليه الوجه الثاني ان اللفظ اعتبر وجودا تنزيليا للمعنى فكان وجود اللفظ هو وجود المعنى في
عالم الاعتبار والتنزيل ويرد عليه مضافا إلى عدم مناسبة اطلاق لفظ الوضع على مثل هذا
الاعتبار ما أوردناه على الوجه الأول أولا من أن أمثال هذه التدقيقات بعيده عن أذهان
الواضعين هذا مع أن تنزيل وجود منزلة وجود آخر لا بد في صحته من جود ما يكون
التنزيل بلحاظه كما في التنزيلات الشرعية أو العرفية ومن الواضح انه لا يترتب شئ من احكام
المعنى وآثاره على وجود اللفظ فما معنى كونه وجودا تنزيليا له فالتحقيق ان ارتباط اللفظ
بالمعنى ليس من الأمور الواقعية ولا من الأمور الاعتبارية وليس هو من حقيقة الوضع في شئ بل
هو من شؤون الوضع وتوابعه ومن الأمور المنتزعة منه بيان ذلك ان حقيقة الوضع على ما
يساعده الوجدان عبارة عن الالتزام النفسي بابراز المعنى الذي تعلق قصد المتكلم بتفهيمه
بلفظ مخصوص فمتعلق الالتزام والتعهد أمر اختياري وهو والتكلم بلفظ مخصوص عند تعلق
القصد بتفهيم معنى خاص والارتباط بينهما انما ينتزع من هذا الالتزام وهذا المعنى هو الموافق
لمعنى الوضع لغة فإنه فيها بمعنى الجعل والاقرار ومنه وضع القانون بمعنى جعله واقراره
ومن هنا يظهران اطلاق الواضع على الجاعل الأول انما هو لأسبقيته والا فكل شخص
من افراد أهل لغة واضع حقيقة ثم إن التعهد المزبور ربما يكون ابتدائيا فيكون الوضع تعيينيا
وقد يكون ناشئا من كثرة الاستعمال فيكون تعينيا وحقيقة الوضع في كلا القسمين على نحو
واحد كما هو ظاهر
10

(والحق) هو (الثالث) فانا نقطع بحسب التواريخ التي بأيدينا انه ليس هناك شخص
أو جماعة وضعوا الألفاظ المتكثرة في لغة واحدة لمعانيها التي تدل عليها فضلا عن سائر
اللغات كما انا نرى وجدانا عدم الدلالة الذاتية بحيث يفهم كل شخص من كل لفظ معناه
المختص به بل الله تبارك وتعالى هو الواضع الحكيم جعل لكل معنى لفظا مخصوصا
باعتبار مناسبة بينهما مجهولة عندنا وجعله تبارك وتعالى هذا واسطة بين جعل الأحكام الشرعية
المحتاج ايصالها إلى ارسال رسل وانزال كتب وجعل الأمور التكوينية التي جبل
11

الانسان على ادراكها كحدوث العطش عند احتياج المعدة إلى الماء ونحو ذلك فالوضع
جعل متوسط بينهما لا تكويني محض حتى لا يحتاج إلى أمر آخر ولا تشريعي صرف حتى
يحتاج إلى تبليغ نبي أو وصى بل يلهم الله تبارك وتعالى عباده على اختلافهم كل طائفة بالتكلم
بلفظ مخصوص عند إرادة معنى خاص.
ومما يؤكد المطلب انا لو فرضنا جماعة أرادوا احداث ألفاظ جديدة بقدر ألفاظ أي
لغة لما قدروا عليه فما ظنك بشخص واحد (مضافا) إلى كثرة المعاني التي يتعذر تصورها
من شخص أو أشخاص متعددة (ومنه) ظهر أن حقيقة الوضع هو التخصيص والجعل
الإلهي والتعبير عنه بالتعهد والالتزام مما لا محصل له.
12

(فائدة استطرادية) الفرق بين المعنى والمفهوم والمدلول (هو) أن المعنى (1)
يطلق على نفس المعاني المجردة في العقل التي جرد عنها جميع ما يلازمها من المادة
ولوازمها فزيد الخارجي الذي يجرد عنه جميع ما يلازمه يعبر عنه بالمعنى سواء وضع
له لفظ أم لا استعمل فيه اللفظ أم لا وعند الاستعمال يتنزل هذا المعنى المجرد إلى عالم
الوجود الخارجي أيضا بتوسط اللفظ فكأن المتكلم يلقى المعنى في الخارج (ولذا قيل)
بأن للشئ انحاء من الوجود وعد منها الوجود اللفظي فزيد له قوس صعودي من الخارج
إلى الحس المشترك ومنه إلى الخيال ومنه إلى عالم العقل قبل الاستعمال وله قوس
نزولي حين الاستعمال (وأما المفهوم أو المدلول فيطلقان) عليه باعتبار انفهامه من
اللفظ أو دلالة اللفظ عليه " ثم " ان المعنى المتصور في مقام الوضع اما أن يكون
عاما أو خاصا (وعلى الأول) اما ان يوضع اللفظ له أو لمصاديقه (وعلى
الثاني) فلا سبيل الا لوضع اللفظ له بخصوصه دون العام (بداهة) ان الخاص بما
هو لا يكون حاكيا لا عن العام ولاعن الافراد الاخر (نعم) قد يكون تصور الخاص موجبا
وعلة لتصور العام بنفسه وهذا غير كون الفرد مرآتا وحاكيا عنه كما في عكسه فالأقسام
المعقولة ثلثة فقط
تبصرة
ينقسم الوضع العام والموضوع له الخاص إلى قسمين فان الخصوصية المأخوذة
في الموضوع له (تارة) لا توجد من قبل اللفظ بل هي خصوصية خارجية كما
إذا وضع لفظ على مثلا لكل من يتولد ليلة الجمعة فان الخصوصية المأخوذة
في المعنى لم تنشأ من قبل اللفظ الموضوع له (واخرى) توجد من قبله كوضع
أسماء الإشارة فإنها موضوعة للمعنى المشار إليه بنفس ألفاظ الإشارة (2) فعند

1 - الظاهر أن اطلاق لفظ المعنى على شئ انما هو باعتبار كونه مقصودا والا فالمدركات المجردة
في العقل مع قطع النظر عن استعمال الألفاظ فيها لا تتصف بكونها معاني كما لا تتصف
بأنها مفاهيم أو مداليل. 2 - إشارة اللفظ إلى المعنى إن كان باعتبار دلالته عليه فلا يختص ذلك بأسماء الإشارة وإن كان
بغير هذا الاعتبار فما هو الغير المأخوذ في الموضع له فالظاهر أن أسماء الإشارة انما
وضعت للمعاني الواقعة موقع الإشارة الخارجية أو انها موضوعة بإزاء الإشارة الخارجية فهي
موجدة لها بالجعل والمواضعة وتحقيق الحال موكول إلى محله
13

الاستعمال يوجد فرد من افراد الإشارة وكذلك الخطاب والنداء وهذه الخصوصيات
كلها ناشئة من قبل نفس تلك الألفاظ لا من الخارج فتدبره لعلك تنتفع به فيما بعد
إن شاء الله تعالى.
ثم إنه لا اشكال في وقوع الوضع الخاص والموضوع له الخاص كالاعلام الشخصية
وكذا الوضع العام والموضوع له كذلك كوضع أسماء الأجناس (انما الخلاف)
في وقوع الوضع العام والموضوع له الخاص فاختار بعض ان وضع الحروف وتوابعها
من الأسماء من هذا القبيل وانكره آخرون وقبل الخوض في ذلك لابد من بيان ما به
يمتاز الحرف عن الاسم فهنا مقامان.
المقام الأول في بيان ما به يمتاز الحرف عن الاسم (والمقام الثاني) في بيان ان
الموضوع له خاص أو عام
اما المقام الأول فتحقيق الحال فيه يتوقف على بيان الأقوال أولا ثم بيان المختار
منها (فاعلم) ان الأقوال في المسألة ثلاثة (الأول) انه لا فرق بين المفهوم الحرفي
والأسمى في عالم المفهومية وان الاستقلالية وعدمها خارجتان عن حريم المعنى
فالمعنى في حد ذاته لا يتصف بالاستقلال ولا بعدمه وانما نشئا من اشتراط الواضع
وهذا القول الذي هو في حد الافراط منسوب إلى المحقق (الرضى قده) واختاره
المحقق صاحب الكفاية (قده) (والقول الثاني) الذي هو في حد التفريط (ان
الحروف) لم توضع لمعنى أصلا بل وضعت لان تكون قرينة على كيفية إرادة مدخولها
نظير الاعراب مثلا معنى كلمة الدار يلاحظ بنحوين (أحدهما) بما انه موجود عيني خارجي
فيقال دار زيد كذا (واخرى) بما انه موجود أيني أي ظرف مكان لشئ آخر فكلمة
في في قولك ضربت في الدار تدل على أن الدار لوحطت بنحو الأينية لا العينية وهذا القول
منسوب إلى المحقق الرضى أيضا (والقول الثالث) هوان الحروف لها معان في قبال
المعاني الاسمية وهى في حد كونها معاني أي في عالم التجرد العقلاني معان غير مستقلة
بخلاف المعاني الاسمية فإنها معان استقلالية فكما ان الجوهر لا يحتاج في وجوده
إلى موضوع بخلاف الاعراض فإنها في وجودها لا في حد ذاتها وكونها معاني
14

تحتاج إلى موضوع فكذلك المفاهيم الاسمية في عالم التجرد العقلاني بجواهرها
واعراضها معان مستقله عكس المعاني الحرفية (والصواب) هو القول الثالث وقبل
الشروع في توضيحه لابد من ابطال القولين الأولين (فنقول) اما (القول الأول) فيرد
عليه ان لازمه جواز استعمال الحروف في موضع الأسماء وبالعكس مع أنه من أفحش
الأغلاط (واما حديث) اشتراط الواضع (فمما لا محصل) له فان الاشتراط المذكور
هل هو اشتراط في ضمن الوضع أو في خارجه وما الدليل عليه أو على لزوم اتباعه
في اشتراطه ما لم يرجع إلى الجهات الراجعة إلى الموضوع أو الموضوع له ثم على تقدير
لزوم الاتباع فليكن كأحد الأحكام الشرعية التي توجد مخالفته استحقاق العقاب فلم
لا يصح الاستعمال بحيث يعد من الأغلاط (وغاية) ما أفيد في تقريبه ما ذكره المحقق
صاحب الكفاية (قده) من ارجاع القيد يعنى الاشتراط إلى ناحية الاستعمال
بان يكون ذات الموضوع له فيهما واحدة والاختلاف في كيفية الوضع فان الاسم
وضع ليستعمل مستقلا بخلاف الحرف فإنه وضع لان يستعمل آلة ومرآتا فالاستقلال
وعدمه خارجان عن الموضوع له مأخوذ ان في مقام الاستعمال (ويرد عليه) ان
المعنى يستحيل أن يكون في حد ذاته لا مستقلا ولا غير مستقل وليس هذا الا ارتفاع
النقيضين (مضافا) إلى أن تقييد الاستعمال في مقام الوضع لا يزيد على تقييد الموضوع
له فكما انه يصح الاستعمال في غير الموضوع له مجازا فليكن استعمال الاسم في موضع
استعمال الحرف وبالعكس كذلك
ثم إن الاستقلال وعدمه (1) هل هما من الفصول أو المنوعة من قبيل الاعراض

1 - إذا كان المراد من الاستقلال وعدمه هو الاستقلال في اللحاظ قبال اللحاظ الالى كما هو
مراد صاحب الكفاية قدس سره فالمعنى قبل تعلق اللحاظ به لا يتصف باستقلال ولا بعدمه
وليس هو من ارتفاع النقيضين في شئ كما أن الاستقلال وعدمه على ذلك ليسا من الفصول المنوعة
ولا من اعراض المعنى حتى يرد عليه ما في المتن بل هما من كيفيات اللحاظ اللاحق على المعنى
في مقام الاستعمال فلا يرد عليه الا ما اورد عليه أولا من أن لازم وحدة المعاني الاسمية
والحرفية ذاتا صحة استعمال الاسم في موضع الحرف وبالعكس مع أنه من أفحش الأغلاط
مضافا إلى أن لحاظ المعنى آلة لو كان موجبا لكونه معنى مشرفيا لزم منه كون كل معنى اسمى
يؤخذ معرفا لغيره في الكلام وآلة للحاظه كالعناوين الكلية المأخوذة في القضايا معرفات
للموضوعات الواقعية معنى حرفيا كما أن لحاظ المعنى حالة لغيره لو كان موجبا لكونه معنى
حرفيا لزم منه كون جميع المصادر معاني حرفية فإنها تمتاز عن أسماء المصادر بكونها مأخوذات
بما انها أوصاف لمعروضاتها بخلاف أسماء المصادر الملحوظ فيها الحدث بما انه شئ في نفسه
مع قطع انظر عن كونه وصفا لغيره وبالجملة لا مناص عن مغايرة المعنى الأسمى للمعنى
الحرفي في ذاته كما سيتضح ذلك انشاء الله تعالى
15

وعلى الأول يلزم تركب المعاني وقد بينا تجردها وبساطتها (مع أنه) لا معنى لاخذ
الجنس في مقام الوضع والفضل في مقام الاستعمال وعلى الثاني فما السبب في وجود
هذا العرض (وعلى كل تقدير) فلا معنى لاشتراط الواضع ما لم يكن سنخ المعاني
مختلفة كما سنبين انشاء الله تعالى (واما القول الثاني) فيرد عليه ان الظرفية أو غيرها
اما ان تؤخذ في مفهوم الدار بحسب الوضع أو يدل عليها كلمة في مثلا والأول باطل
على الفرض فيثبت الثاني ومنه يظهر الحال في المقيس عليه وهو الاعراب فانا نلتزم فيه
بما نلتزمه في الحروف من دلالتها على معان قائمة بمدخولها
واما توضيح المختار فيحتاج إلى بيان مقدمات (الأولى) ان المعاني تنقسم إلى
اخطارية وغير اخطارية فان الأسماء بجواهرها واعراضها عند التكلم بها يخطر معانيها في
الذهن سواء كانت في ضمن تركيب كلامي أم لم تكن بخلاف الحروف فإنها بنفسها
لا توجب خطور معانيها في نفس سامعها ما لم تكن في ضمن كلام تركيبي (الثانية) ان
المعاني غير الاخطارية تنقسم إلى قسمين ايجادية ونسبية (اما الأولى) فكحروف
التشبيه والنداء والتمني وغيرها فان الحروف الموضوعة لها في مقام الاستعمال يوجد
فردا منها في الخارج بحيث يصدق على الموجود خارجا انه فرد من التشبيه أو النداء أو
التمني أو غير ذلك (واما الثانية) فكالنسب الخاصة التي بين الاعراض ومعروضاتها
فان الاعراض حيث إن وجودها في نفسها عين وجودها لموضوعاتها والا لم يكن وجودها
لموضوعاتها وجودا رابطيا بل استقلاليا يحتاج إلى رابط آخر وحينئذ فبينها وبين
موضوعاتها نسب خاصة على اختلافها والحكيم كما لا بدله من وضع الألفاظ للمفاهيم
الاستقلالية كذلك لابد له من وضع الألفاظ لإفادة هذه المعاني أيضا (1) (الثالثة) ان

1 - سيتضح لك فيما بعد انشاء الله تعالى ان النسب الخارجية لم توضع لها شئ أصلا فان وضع
اللفظ مطلقا لابد وأن يكون بإزاء مفهوم مستقل أو غير مستقل والموجود الخارجي بما هو
كذلك لا معنى لوضع اللفظ له نعم النسب الخارجية مصاديق لمفهوم النسبة الذي هو
معنى اسمى
16

الموضوع للنسب تارة يكون في مقام لفظه مستقلا كلفظة من واخرى غير مستقل حتى
في هذا المقام أيضا كما في وضع الهيئات الخاصة (1) فيكون الموضوع كالموضوع له في
حد ذاته أمرا غير مستقل وقوام ذاته بأمر آخر
ثم إن الهيئات (تارة) تكون في الجملة الاسمية واخرى في الجملة الفعلية اما
الجملة الاسمية فالحمل فيها قد يكون ذاتيا كزيد انسان وقد يكون غير ذاتي كزيد
قائم (اما القسم الثاني) فوجود النسبة فيه (واضح) (واما القسم الأول) فالنسبة فيه
تنزيلية بمعنى انه يلحظ الموضوع عاريا عن ذاته لا بمعنى بشرط لابل بمعنى عدم لحاظ
ذاته معه في مقام الفرض ويحمل نفس الذات عليه واما الجملة الفعلية (فهي) تنقسم
إلى قسمين (فمنها ما) يدل على النسبة الأولية أي النسبة التي لا تزيد على قيام العرض
بمعروضه كما في الفعل المبنى للفاعل (ومنها ما) يدل على النسبة التي بين الفعل
وملابساته كالفعل المبنى للمفعول (ومنه) يظهر ان الأصل في المرفوعات هو الفاعل
فان الجملة الاسمية كزيد قائم منتزعة من نسبة القيام إلى فاعله المستتبعة لعنوان
اشتقاقي محمول على الذات والدال على تلك النسبة الأولية اللازمة لوجود العرض جملة
فعلية مشتملة على فعل وفاعل (الرابعة) قد عرفت ان الهيئات منها ما هي مختصة بالنسبة
الأولية وما هي مختصة بالنسبة الثانوية (واما) الكلمات الاستقلالية (فمنها) ما هو
مشترك بينهما كلفظة في فإنها تستعمل (تارة) لإفادة قيام العرض أعني مقولة الأين أو
متى بموضوعه كزيد في الدار أو في زمان كذا ويسمى بالظرف المستقر فإنها لا تدل
على أزيد من النسبة الأولية وهو قيام العرض بموضوعه ومنها ما هي مختصة لإفادة النسبة
الثانوية كما في قولك ضربت في الدار فإنها تدل على نسبة الضرب إلى الدار زيادة على
نسبته إلى موضوعه ويسمى بالظرف اللغو والوجه في التسمية في كلتيهما ظاهر (ومنها)

1 - سيجيئ الكلام في مداليل الهيئات في الجمل الاسمية والفعلية في مقام الفرق
بين الفعل وغيره انشاء الله تعالى
17

ما هو مختص بالقسم الثاني فقط كبقية الحروف ولم نجد فيها ما يختص بالقسم الأول
كما كان في الهيئات (الخامسة) ان الحروف بأجمعها معانيها ايجادية نسبية كانت أو غيرها
فإنها لم توضع الا لأجل الربط (1) بين مفهومين لاربط بينهما كلفظ زيد والدار
فكلمة في هي الرابطة بينهما في الكلام في مقام الاستعمال فالموج للربط الكلامي هو
الحرف ولا منافاة بين كون للنسبة الحقيقية واقعية وخارجية قد تطابق النسبة
الكلامية وقد تخالفها فان المطابقة بينهما ليس كمطابقة الكلى مع فرده بل
كمطابقة فرد مع فرد آخر بحيث يكون النسبة بينهما كنسبة الظل مع ذي الظل فالمفهوم
الحرفي هو النسبة الظلية الكلامية التي تطابق النسبة الخارجية (تارة) وتخالفها (أخرى
فما في كلام المحقق) صاحب الحاشية (قده) من اختصاص الايجادية ببعض الحروف
" انما نشأ " من لحاظ النسب الخارجية والغفلة عن انها لم توضع لها الحروف بل
الموضوع له فيها هي النسب الكلامية وهى ايجادية مطلقا فظهر ان المعاني الحرفية

1 - لا اشكال في تحقق الربط في الكلام بواسطة الحروف وانه لولاها لما كانت
الجملات مربوطة الا ان الربط المزبور انما هو من جهة دلالتها على معانيها التي وضعت
لها والكلام فعلا انما هو في تعيين تلك المفاهيم التي بوجود الدال عليها يكون الكلام بعضه
مربوطا ببعض فالقول بان الحروف موضوعة لإيجاد الربط الكلامي لا يرجع إلى محصل
والتحقيق ان يقال إن الحروف بأجمعها وضعت لتضييقات المعاني الاسمية وتقييداتها بقيود
خارجة عن حقايقها ومع ذلك لأنظر. لها إلى النسب الخارجية بل التضييق انما هو في عالم
المفهومية وفى نفس المعنى كان له وجود في الخارج أو لم يكن فمفاهيمها في حد ذاتها متعلقات
بغيرها ومتدليات بها قبال مفاهيم الأسماء التي هي مستقلات في أنفسها توضيح ذلك ان كل
مفهوم اسمى له سعة واطلاق بالإضافة إلى الحصص التي تحته سواء كان الاطلاق بالقياس
إلى الخصوصيات المنوعة أو المصنفة أو المشخصة أو بالقياس إلى حالات شخص واحد ومن
الضروري ان غرض المتكلم كما يتعلق بإفادة المفهوم على اطلاقه وسعته كذلك قد يتعلق
بإفادة حصة خاصة منه كما في قولك الصلاة في المسجد حكمها كذا وحيث إن حصص المعنى
الواحد فضلا عن المعاني الكثيرة غير متناهية فلابد للواضع الحكيم من وضع ما يوجب
تخصص المعنى وتفيده وليس ذلك الا الحروف والهيئات الدالة على النسب الناقصة
كهيئات المشتقات وهيئة الإضافة أو التوصيف فكلمة في في قولنا الصلاة في المسجد لا
تدل الا على أن المراد من الصلاة ليس هي الطبيعة السارية إلى كل فرد بل خصوص حصة منها
سواء كانت تلك الحصة موجودة في الخارج أم معدومة ممكنة كانت أو ممتنعة ومن هنا يكون
استعمال الحروف في الممكن والواجب والممتنع على نسق واحد وبلا عناية في شئ منها
فنقول ثبوت القيام لزيد ممكن وثبوت العلم لله تعالى ضروري وثبوت الجهل له تعالى مستحيل
فكلمة اللام في جميع ذلك يوجب تخصص مدخوله فيحكم عليه بالامكان مرة وبالضرورة
أخرى وبالاستحالة ثالثة فما يستعمل فيه الحرف ليس الا تضييق المعنى الأسمى من دون
لحاظ نسبة خارجية حتى في الموارد الممكنة فضلا عما يستحيل فيه تحقق نسبته كما في
الممتنعات وفى أوصاف الواجب تعالى ونحوهما وبذلك يظهران ايجاد الحروف لمعانيها
انما هو باعتبار حدوث الضيق في مرحلة الاثبات والدلالة والا لكان المفهوم متصفا بالاطلاق
والسعة لو كان المتكلم في مقام البيان واما باعتبار مقام الثبوت فالكاشف عن تعلق القصد
بإفادة المعنى الضيق انما هو الحرف وما يحذو حذوه لكن المعنى مع ذلك غير اخطاري
لعدم استقلاله ثم لا يخفى ان المعاني الحرفية كثيرا ما يكون اللحاظ الاستقلالي والقصد
الأولى متعلقين بافادتها ويكون ذكر الاسم مقدمة لإفادة تلك الخصوصية والتحصص فنقول
في جواب عن سئلت عن كيفية ركوب زيد مع العلم بأصل تحققه انه ركب على الدابة
أو مع الأمير ونحو ذلك نما هو المشهور من أن المعاني الحرفية ملحوظات آليات لا أصل
له نعم نفس المفهوم الحرفي غير مستقل في ذاته كما عرفت هذا ملخص ما اخترناه في المعنى
الحرفي وتوضيحا يحتاج إلى بسط في الكلام لا يسعه هذا المختصر
18

والمفاهيم الأدوية معان غير مستقلة في أنفسها ومتدليه في حد ذواتها بالمفاهيم
الاسمية الاستقلالية لا انها أشياء لها الربط (ولقد أجاد) أهل العربية حيث عبروا
في مقام التعبير عن مفاهيمها بان في للظرفية ولم يقولوا بان في هو الظرفية كما هو
ديدنهم في مقام التعبير عن المعاني الاسمية وان تسامحوا من جهة عدم التصريح بالنسبة
بان يقولوا في للنسبة الظرفية.
ثم إن الفرق بين المفهوم من لفظ النسبة والربط وغيرهما من المفاهيم الاسمية
والمفهوم من الحروف (هو الفرق) بين المفهوم والحقيقة (فكما) ان الانسان قد
يحتاج إلى حقيقة الماء مثلا فلا يفيده تصور المفهوم (كذلك) قد يحتاج إلى مفهوم
الماء فلا يفيده الحقيقة كما إذا سئل عن الماء الخارجي بما هو فإنه لا يفيد السائل
19

اتيان ماء اخر في الخارج (بل لابد) من الجواب بأنه ماء فالمفهوم لا يغنى عن الحقيقة
(وكذلك) العكس وفيما نحن فيه أيضا قد نحتاج إلى حقيقة الربط بين كلمتين فلا
يفيد قولنا زيد الربط الدار وكذلك قد نحتاج إلى مفهوم الربط كقولنا الربط متقوم
بطرفين فلا يفيد قولنا من متقومة بطرفين ولأجل غاية البينونة بينهما لا يصح استعمال
أحدهما في موضع الاخر ويكون المستعمل خارجا عن طريق المحاورة
وحاصل الفرق بين المعاني الاسمية والحرفية مبتن على أركان أربعة.
(الركن الأول)
ان المعاني الحرفية بأجمعها ايجادية (1) والا لكانت اخطارية فتكون هناك
معان متعددة اخطارية كمفهوم زيد ودار ومفهوم النسبة الظرفية لا حقيقتها فما الرابط
لهذه المفاهيم غير المربوط بعضها ببعض ولا فرق في هذا المعنى بين الهيئات الاخبارية
والانشائية فان الربط الكلامي في كليهما وجد بالهيئة (غاية الأمر) ان المادة في الانشاء
(مع كونها) اخطارية بحيث لا يفرق بين انحاء استعمالاته (لها) نحو ايجاد (أيضا)
كما يظهر لك في الركن الثالث إن شاء الله تعالى
(الركن الثاني)
ان لازم كون المعاني الحرفية ايجادية ان لا واقع لها بما هي معان حرفية
في غير التراكيب الكلامية (2) بخلاف المفاهيم الاسمية فإنها مفاهيم متقررة في عالم
مفهوميتها سواء استعمل اللفظ فيه أم لا (نعم) المفاهيم الامتناعية لها تقرر في مرحلة انتزاع
العقل لافى مرحلة المفهومية فإنه كما يمتنع حقيقة اجتماع النقيضين كذلك يمتنع
حضور مفهومه في الذهن أيضا (بداهة) عدم امكان تصور الوجود والعدم في أن
واحد بل ينتزع العقل مفهوم الاجتماع من اجتماع زيد وعمر ومثلا ثم يتصور كلا من
الوجود والعدم ويضيف مفهوم الاجتماع إليهما (وكذلك) الكلام في مفهوم شريك
الباري كما عن الشيخ الرئيس من أنه كما يمتنع الممتنعات بحسب الوجود الخارجي
كذلك بحسب الوجود الذهني أيضا.

1 - لا مقابلة بين الايجادية والاخطارية حتى يكون نفى الثانية مستلزما لاثبات الأولى
2 - قد ظهر ما فيه ما بيناه في تحقيق المعنى الحرفي
20

(الركن الثالث)
قد عرفت عدم الفرق بين الهيئات في الاخبار والانشاء في أن معانيها ايجادية
(فمنه ظهر) ان الفرق بينها ليس بحسب الوضع (1) (بداهة) عدم وضع لفظ بالخصوص
لإفادتها بل هما من المدلولات السياقية التي يدل عليها سياق كلام المتكلم (واما)
من حيث المادة فهي في كليهما مفهوم اخطاري بمعنى ان لفظ البيع مثلا متى اطلق يفهم
منه ذاك المعنى المجرد العقلاني الصادق على كثيرين (غاية الأمر) ان في الانشاء
يكون دخول الهيئة عليها موجدا لها في ضمن فرده لان الكلى عين الفرد (والفرق)
بين هذا النحو من الايجاد والايجاد في الحروف (هو ان) الحروف موجدة لمعان
غير استقلالية ربطية بين مفهومين في مقام الاستعمال ولا واقع لبا غير هذا المقام
(كما عرفت) بخلاف البيع فان ايجاده بمعونة الهيئة ليس في عالم الاستعمال بل بتوسط
الاستعمال يوجد المعنى في نفس الامر في الأفق المناسب لوجوده وهو عالم الاعتبار
فكم فرق بين ايجاد معنى ربطي في الكلام بما هو كلام وبين ايجاد معنى استقلالي
في موطنه المناسب له.
(الركن الرابع)
ان المعنى الحرفي حاله حال الألفاظ حين استعمالاتها فكما ان المستعمل حين
الاستعمال لا يرى الا المعنى وغير ملتفت إلى الألفاظ نظير القطع للقاطع فإنها هي المرأة
دون المرئي فالملتفت إليه هو الواقع دونها (كذلك) المعنى الحرفي غير متلفت إليه حال
الاستعمال (2) بل الملتفت إليه هي المعاني الاسمية الاستقلالية.
توضيح ذلك انك (تارة) تخبر عن نفس السير الخاص فتقول سرت من البصرة
فالنسبة الابتدائية في هذا المقام مغفول عنها (وأخرى) عن نفس النسبة فتقول النسبة
الابتدائية كذا فهي الملتفت إليها (وهذا) الركن هو الركن الوطيد وبانهدامه ينهدم
الأركان كلها فان المعاني الحرفية لو كان ملتفتا إليها لكانت اخطارية ولكان لها واقعية
سوى التراكيب الكلامية (وبهذا) يفرق بين المعاني النسبية ومواد العقود فإنها
ملتفت إليها وإن كانت النسبة انشائية كسائر النسب الكلامية لا مغفولا عنها (ومنه)

(1) - بل الفرق بينهما من ناحية الوضع كما سيجئ بيانه إن شاء الله تعالى
(2) - قد ظهر ما في ذلك فلا نعيد
21

ظهر وجه التشبيه في كلمات القوم لكل أمر غير ملتفت إليه بالمعاني الحرفية والا فمن
حيث الألفاظ فالجميع كذلك.
تنبيه
لا يخفى ان التعاريف المذكورة في كلمات القوم لم نجد فيها ما يشتمل على الأركان
الأربعة التي ذكرناها الا التعريف المذكور في الرواية التي نسبت إلى مولى الكونين
أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام وهو ان الحرف ما أوجد معنى في غيره فإنه
من حيث اشتماله على الايجاد وعلى ان الموجد معنى قائم في غيره لافى نفسه قد
جمع الأركان كلها واما تبديل بعضهم لكلمة أوجد بكلمة دل فهو خطأ نشأ من توهم
كون المعاني الحرفية اخطارية.
ثم إن الرواية نقلت بوجهين (أحدهما) ما ذكرنا (والثاني) ان الحرف
ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل ولا يبعد أن يكون هذا التعريف اشتباها من الراوي
فان أصل الرواية ليست من طرقنا بل من العامة وانما اخذها الخاصة منهم (مضافا)
إلى أن علو المضمون من جملة المرجحات المذكورة في بابها ولا ريب في علو مضمون
الرواية الأولى ودقته بحيث لم يلتفت إليه الا المحققون من المتأخرين.
تذييل وكشف قناع
الروية مشتملة على اجزاء ثلاثة تعريف الاسم والفعل والحرف (اما تعريف
الاسم) وهو قوله عليه السلام الاسم ما أنبأ عن المسمى فقد (ظهر) من مطاوي
ما ذكرنا من أن المعاني الاسمية بجواهرها واعراضها معان اخطارية فالاسم هو الذي
يوجب خطور معناه في ذهن السامع (واما تعريف الحرف) (فقد بيناه) انفا (انما
الاشكال) في الفعل من جهتين (الأولى) في أصل جعل الفعل من أقسام الكلمة
مع أنه ليس الامر كبا من الاسم وهو جزئه المادي والحرف وهو جزئه الصوري كما أن
جملة من الأسماء مشتملة على المعاني الحرفية كأسماء الإشارة والموصولات وأسماء
الافعال والفرق بوحدة الوضع وتعدده بحسب المادة والهيئة غير مجد في الجهة
المذكورة مع أن الوضع متعدد في المشتقات الاسمية أيضا فما هو الفارق بينها
22

وبين الافعال (الثانية) في اخذ الحركة في التعريف وانها بأي معنى أخذت فإنها
ظاهرة في المعنى المقابل للسكون (وعليه) يخرج غالب الافعال عن التعريف.
اما الكلام من الجهة الأولى فتحقيقه ان الحروف وضعت بإزاء نسب خاصة
كلامية ولذا لا تقع محكوما عليها ولا محكوما بها بخلاف الأسماء فإنها من جهة استقلالها
بالمفهومية قابلة لكليهما والفعل واسطة بينهما بشهادة انه لا يقع مسندا إليه بل يقع مسندا
دائما فهو متوسط حقيقة بين الاسم والحرف لا محالة.
وتوضيح ذلك يتوقف على بيان (مقدمة) وهى ان مادة المشتقات ليست
بمصادر ولا أسمائها (بداهة) ان كلا منهما أخذت فيه خصوصية خاصة وهى ملاحظة
العرض بما هو عرض في المصادر وبما هو شئ من الأشياء في أسمائها وكل من
الخصوصيتين بالإضافة إلى الأخرى والى بقية الخصوصيات المأخوذة في باقي المشتقات
مباينة فلا يعقل أن يكون بعضها مادة لبعض آخر بل المواد هي المأخوذة لا بشرط
من جميع الخصوصيات كما في الهيولي المبهمة بالإضافة إلى صورها فالمادة في حد
ذاتها غير متحصلة بتحصل بل يعرضها التحصل من إضافة الهيئات إليها (فتارة) تلحظ
عند عروض الهيئة لها بما هي شئ فتسمى باسم المصدر ويخبر عنه وبه فيكون
مفهوما استقلاليا (واخرى) مع خصوصية كونها عرضا فيكون مصدرا (وثالثة) بما هي
متحدة مع الذات فيكون مشتقا اسميا بأنحاء الاشتقاق وفى كل ذلك قابل لان يكون طرفا
للنسبة بالحكم عليه أو به (ورابعة) بما هي متحصلة من جهة الاسناد فقط وبهذه الملاحظة
تكون مادة الافعال فهي بالدقة تكون في التحصل واسطة بين الحروف والأسماء فان
المعاني الحرفية من جهة عدم استقلالها غير قابلة للتحصل في نفسها والأسماء قابلة له
مطلقا واما الافعال فهي قابلة له من جهة الاسناد فقط فالحروف لا تقبل التحصل أصلا والأسماء قابلة
(مطلقا) والافعال من جهة الاسناد فقط.
وأما الكلام من الجهة الثانية فتحقيقه (1) ان المراد من الحركة هو الخروج من

1 - ما ذكره قدس الله سره في تحقيق خروج مادة الافعال من قابلية الاستقلال إلى الفعلية
بعروض الهيئة عليها وإن كان معنى دقيقا الا انه لا يمكن أن يكون هو المراد من الرواية
فان مدلول الرواية هو ان الفعل ينبئ عن حركة المسمى ومن الواضح ان الحركة بالمعنى
المزبور هو ما به قوام الفعل وتحققه لا انها مدلوله ولا بدلنا في هذا المقام من توضيح مفاد
الهيئات على الاطلاق حتى يتضح مداليل الافعال خبرية وانشائية فنقول قد عرفت ان الحروف
انما وضعت لإفادة التضييق في المعاني الاسمية من دون أن يكون شئ منها دالا على
النسبة الخارجية ومن هذا القبيل هيئات المشتقات والإضافة والتوصيف وما يلحق به فإنه
لا يستفاد منها الا التضييق في عالم المفاهيم مع قطع النظر عن الامكان وعدمه فضلا عن
الوقوع الخارجي واما هيئة الجملة الاسمية فهي غير موضوعة للنسبة الخارجية كما هو
المعروف لعدم وجود النسبة في كثير من الجمل الاسمية كما في قولنا الانسان ممكن أو موجود
وشريك الباري ممتنع ونحو ذلك ودعوى اعمال العناية في جميع ذلك خلاف الوجدان
هذا مع أن فائدة الوضع هو الانتقال من اللفظ إلى المعنى ومن الواضح ان الجملة الخبرية
بما هي كذلك لا كاشفية لها عن تحقق النسبة في الخارج ولو ظنا فما معنى كون الهيئة
موضوعا لها نعم ان الجملة الاسمية توجب الانتقال إلى ثبوت المحمول للموضوع بنحو
التصور لكنه لا يستفاد من الهيئة فان الجملة تصديقية لا تصورية ودعوى ان الهيئات موضوعة
للنسب الكلامية كالحروف قد عرفت ما فيها فالصحيح ان مدلول الهيئة في الجمل الاسمية
انما هو ابراز قصد الحكاية عن ثبوت المحمول للموضوع أو نفيه عنه فهو مصداق للمبرز
خارجا بالجعل والمواضعة بيان ذلك ان اللفظ بما انه فعل اختياري صادر من المتكلم فلا
بدوان يكون صدوره عنه بداع من الدواعي ووضع اللفظ للمعنى الذي هو عبارة عن التعهد
والالتزام بأنه متى قصد تفيهم معنى يجعل مبرزه لفظا مخصوصا يوجب دلالة اللفظ على
كون الداعي إلى ايجاده هو قصد الحكاية عن ثبوت المحمول للموضوع مثلا فتكون
الجملة بنفسها مصداقا للحكاية كما إذا قصد الاخبار عن قيام زيد بتحريك الرأس
ونحوه والكلام بما انه دال على معناه لا يتصف بالصدق والكذب فان دلالته على قصد
الحكاية لا ننفك عنه ابدا إذا لم تكن قرينة على خلافه حتى أن المتكلم لو لم يكن قاصدا للحكاية في الواقع
لكان تكلمه بلا قرينة على خلاف تعهده والتزامه والدلالة موجودة لا محالة اما قطعا واما من جهة
الظهور النوعي بل الاتصاف بالصدق والكذب انما هو من ناحية المدلول فان الحكاية والاخبار
عن الثبوت أو النفي ان طابق الواقع ونفس الامر فهي صادقة والا فكاذبة واتصاف الكلام
بهما انما هو بتبع المدلول وعلى كل من تقديري الصدق والكذب يكون دلالة اللفظ على
معناه وهو كون الداعي إلى ايجاده هو قصد الحكاية على نسق واحد فهيئة الجملة الاسمية
موجودة للحكاية حقيقة فان الفعل الصادر بداعي الحكاية يكون مصداقا لها لا محالة كما أنه
لو وقع بداع آخر من الارشاد والسخرية وغيرهما لكان مصداقا له واما الافعال فهيئة الفعل
الماضي تدل على قصد الحكاية عن تحقق المبدء سابقا على التكلم كما أن هيئة الفعل المضارع
تدل على تلبس الذات بالمبدء في حال التكلم أو بعده ولذا لو استند الفعل الماضي أو المضارع إلى
الزمانيات لدل على تحقق الفعل في الزمان الماضي أو في خصوص الحال أو للاستقبال والا
فالهينة بما هي كذلك لا تدل على الزمان أصلا على ما سنبين ذلك في محله انشاء الله تعالى و
اما الانشائيات فالتحقيق فيها ان حقيقة الانشاء ليست عبارة عن ايجاد معنى كالطلب وغيره
باللفظ كما هو المعروف فان الوجودات الحقيقية للمعاني لا يمكن ايجادها الا بأسبابها
الخارجية واللفظ ليس منها بالضرروة واما الوجودات الاعتبارية فاعتبار نفس
المتكلم قائم بنفسه ولا دخل لوجود اللفظ في تحققه أصلا وهو ظاهر
واما الاعتبارات العقلائية فالانشاءات وإن كانت موضوعات لتلك الاعتبارات الا ان تلك
الاعتبارات مترتبة على قصد المعاني بها والكلام فعلا في بيان ذلك وانه كيف يوجد
باللفظ بل (الصحيح) ان الانشاء حقيقة هو ابراز أمر نفساني باللفظ غير قصد الحكاية
فالمتكلم بمقتضى تعهده والتزامه يكون اللفظ الصادر منه مبرزا لاعتبار من الاعتبارات
القائمة بنفسه وانه هو الداعي لايجاده فكما ان في الجملة الخبرية كان اللفظ دالا
بالدلالة الوضعية على قصد الحكاية وكان مبرزا له عن الخارج فكذلك الجملة الانشائية
تكون دالة على اعتبار خاص ويكون مبرزا فهيئة افعل بمقتضى التعهد المزبور تكون
مبرزة لاعتبار الوجوب وكون المادة على عهدة المخاطب فالاخبار والانشاء يشتركان في
تحقق الابراز بهما والفرق بينهما هو ان المبرز في الاخبار حيث إنه عبارة عن قصد
الحكاية وهو متصف بالصدق أو الكذب فالجملة تتصف بأحدهما أيضا لا محالة بالتبع
وهذا بخلاف المبرز في الانشاء فإنه اعتبار خاص لا تعلق له بوقوع شئ ولا بعدمه فلا
معنى للاتصاف بالكذب والصدق من ناحية المدلول وقد عرفت ان الدلالة بما هي
كذلك لا تتصف بشئ منهما مطلقا كانت الجملة خبرية أو انشائية ويترتب على ما ذكرناه
في بيان الفرق بين الانشاء والاخبار ان الاختلاف بينهما من ناحية الوضع فما هو
المعروف من كون المستعمل فيه فيهما واحدا وانما يفترقان من ناحية الدواعي
للاستعمال لا يمكن المساعدة عليه مع أنه لو كان الامر كذلك لصح استعمال الجملة الاسمية
في مقام الطلب كالجملة الفعلية مع أنه لا يصح قطعا فيكشف ذلك عن خصوصية
خاصة في الافعال دون غيرها إذا عرفت ذلك فنقول ان مادة الافعال في حد ذاتها بما انها
لا بشرط ولم يؤخذ فيها التحقق ولا عدمه ولا كونه متعلقا لاعتبار من الاعتبارات
ولا عدمه لكنها في نفسها قابلة لفروض شئ منها عليها والمنبئ عن خروج هذه القابلية
إلى الفعلية وكون المادة متعلقة للحكاية عن تحققها في الخارج أو عن عدم تحققها فيه
أو متعلقة لاعتبار من الاعتبارات هي هيئات الافعال فهيئة الفعل الماضي مثلا تدل على أن
مادة الفعل قد تعلق بها قصد الحكاية عن تحققها في الخارج فهي منبئة عن حركة
المسمى لا محاله وهذا المعنى وإن كان مشتركا فيه بين الافعال والجمل الاسمية الا ان الجمل
الاسمية خارجة عن المقسم في الرواية فإنها مركبة من كلمتين فصاعدا والكلام انما هو
في تقسيم الكلمة وعليك بالتدبر في أطراف ما ذكرناه لعلك تنتفع به انشاء الله تعالى
23

العدم إلى الفعلية (وبيانه) ان الأسماء كما أن معانيها معان اخطارية (كذلك) هي
بنفسها ألفاظ استقلالية (والحروف) وان لم تكن معانيها مستقلة في حد ذاتها ولا قابلة
لعروض الاستقلال لها (الا انها) في غير الهيئات كلمات استقلالية والافعال هي ذاتها من
جملة الحروف كما بينا واما بحسب المادة فهي كما عرفت لا تحصل له في حد ذاته لا لفظا
ولا معنى الا انها قابلة للتحصل بعروض الهيئة عليها فهي من جهة كونها في حد ذاتها غير
مستقلة تشبه بالحرف بل هي أردء من الحرف لان الحرف مستقل من جهة اللفظ دونها
واما من جهة كونها قابلة للتحصل ولو بعروض الهيئة النسبية عليها بالاسم (غاية الأمر)
ان الأسماء مستقلات في حد أنفسها سواء كانت في ضمن التراكيب الكلامية أم لا
24

والافعال لا تكون مستقلة الا بعروض الهيئة النسبية الموضوعة بوضع على حدة (وبهذا)
تفترق عن المشتقات فان هيئاتها وإن كانت موضوعة بوضع آخر الا ان تلك الهيئات تفيد
معاني اسمية غير نسبية فالهيئة مع المادة لا تفيد الا معنى واحدا بسيطا مجردا في عالم
العقل فيصح ان يقال إن الافعال تخطر معاني مستقلة بلحاظ حركتها وخروجها عن قابلية
الاستقلال إلى الفعلية من جهة عروض الهيئة عليها بخلاف الأسماء التي اشرب فيها
معاني الحروف كأسماء الإشارة وأسماء الافعال لأنها غير مشتملة على مادة وهيئة موضوعتين
بوضعين حتى تخرج المادة إلى الفعلية بعروض الهيئة عليها (واما) المشتقات (فقد
عرفت) حالها (وهذا) الذي ذكرناه هو الصحيح (لا ما يقال) من أن الحركة وإن كانت بمعنى
الخروج من القوة الا ان المراد منها فيما نحن فيه هو الخروج من قوة الوجود إلى الفعلية
(فالافعال) تنبئ عن خروج المادة من العدم إلى الوجود فان لازمه أن يكون المراد من
25

المسمى في تعريف الاسم هو المعنى الاخطاري وفى تعريف الفعل هو المعنى الحدثى القابل
للخروج من العدم إلى الوجود والسياق ينافي ذلك (ولكن) ما ذكرنا من التحقيق أيضا
(مبنى) على أن يكون ذلك المعنى للحركة معنى عرفيا كما هو ليس ببعيد بل
يمكن أن يكون اطلاق الحركة على ما يقابل السكون من جهة كونها
أحد مصاديق المفهوم العام ولذا يطلق على الأمور غير القابلة للحركة الأينية أيضا
كالغضب وأمثاله
واما المقام الثاني فقد اختلف فيه كلمات القوم على وجوه ثلاثة (الأول) كون
كل من الوضع والموضوع له والمستعمل فيه عاما (الثاني) كون الوضع عاما مع كون
كل من الموضوع له والمستعمل فيه خاصا (الثالث) كون المستعمل فيه فقط خاصا
(اما القول الأول) فقد اختاره المحقق صاحب الحاشية تبعا للمحقق الرضى قدس سرهما
ووجدناه في بعض تقريرات أستاذ الأساتيذ الأنصاري (قده) ولم يعرف المقرر بشخصه
(واما القول الثاني) للمحقق الشريف وتبعه صاحب الفصول وجماعة (واما القول الثالث)
فقد رفضه المحققون فان وقع اللفظ لمعنى يستحيل استعمال اللفظ فيه ولا بد من استعماله
26

ابدا في معنى آخر غير معقول وحديث اشتراط الواضع قد عرفت ما فيه (فالمهم في
المقام (بيان) الوجهين الأولين فنقول ليس المراد من الكلية والجزئية في المقام ما هو
المتبادر منها في المفاهيم الاسمية من قابلية الصدق على الكثيرين وعدمها كما توهمه
المحقق صاحب الكفاية (قده) فاورد على القائلين بكون الموضوع له خاصا بأن ما يستعمل
فيه الحروف غالبا لا يكون خاصا كما في مثل سر من البصرة إلى الكوفة فان ما يستعمل
فيه الحروف كما عرفت في المقام الأول ليس الا النسب الرابطة في الكلام بحيث إذا أعيد
الكلام مرة ثانية تكون النسبة مغايرة للأولى وهذه النسبة يستحيل صدقها على الخارج
حتى تتصف بالكلية والجزئية باعتبار الصدق وعدمه.
وبعبارة واضحة المفهوم الأسمى والحرفي متعاكسان فان المفهوم الأسمى له خارج
يطابقه ولو فرضا فاما أن يكون الوضع لنفس المفهوم أو لمصاديقه بخلاف المفهوم الحرفي
فإنه متقوم بطرفي الكلام ويستحيل صدقه على موطن آخر غير موطنه الكلامي بل هو
من جملة ما ينطبق عليه المفهوم الأسمى كمفهوم النسبة الصادق على النسبة الخارجية
والكلامية فالمفاهيم الاسمية مفاهيم منطبقة والمفاهيم الحرفية مما ينطبق غيرها عليها لا
27

هي على غيرها بل المراد من الكلية والجزئية في المعاني الحرفية هو ان ما يتقوم به النسبة
الكلامية وهى أطراف الكلام كما انها خارجة عن حريم المعنى الحرفي فهل التقيدات
أيضا خارجة حتى يكون الموضوع له واحدا وكليا أم هي داخلة في الموضوع له حتى
يكون المعنى متعددا والموضوع له خاصا (وبعبارة أخرى) المفاهيم الحرفية كما عرفت
لا محالة معان غير استقلالية بل ايجادية فلا بد في مقام الوضع لها من تصور مفاهيم اسمية
عامة كمفهوم النسبة الابتدائية فيكون الوضع لا محالة عاما (ثم إن) الموضوع له (اما
ان) يكون تلك المفاهيم الربطية الكلامية بخصوصياتها فيكون الموضوع له خاصا (أولا
فيكون عاما وهذا معنى كلام الفصول حيث قال ويحتمل خروج القيد والتقيد (ثم إن)
اطلاق الجزئي الإضافي على المفاهيم الحرفية بلحاظ انها بالإضافة إلى المفهوم الأسمى
جزئية واما بالإضافة إلى موارد استعمالاتها فلا محالة تكون كلية (ولكنه) مع ذلك
أيضا مما لا محصل له فان المعنى الحرفي كما عرفت ليس بصدقي بل يوجد في مورد الاستعمال
بنفس الاستعمال وإن كان التقيد خارجا أيضا
إذا عرفت ذلك (فالحق) ان الموضوع له فيها كالوضع عام (1) فكما ان المفاهيم
العرضية لا تحتاج في مقام ماهياتها إلى موضوع بل في مقام وجودها (فكذلك) المفاهيم
الحرفية لا تحتاج في مقام مفهوميتها إلى خصوصية الطرفين بل في مقام استعمالاتها فالموضوع
له فيها هو المعنى الواحد بالهوية المشتركة بين جميع موارد الاستعمالات والخصوصية
انما نشأت من ناحيتها.
وتوضيح ذلك ان المفاهيم الحرفية كما عرفت قائمة بالمفاهيم الاسمية نظير قيام
الاعراض بموضوعاتها (فكما) ان الخارجيات لها جواهر واعراض (فكذلك) المفاهيم
فالمفاهيم الاسمية بأنواعها معان استقلالية جوهرية والمعان الحرفية معان عرضية قائمة

1 - معاني الحروف على ما عرفت ليست الا تقييدات للمعاني الاسمية وتضييقات في ناحيتها
وخصوصيات الأطراف وإن كانت خارجة عن مداليلها وبهذه الملاحظة يكون الموضوع
له كالوضع عاما الا ان واقع التضيق الذي هو المعنى الحرفي حيث إنه في كل مورد
مغاير للتضيق في مورد آخر فلا مناص في مقام الوضع من تصور مفهوم اسمى كمفهوم
التضيق بلحاظ ظرف الشئ مثلا فيوضع اللفظ بإزاء واقعه ومن هذه الجهة لابد من
كون الموضوع له خاصا وهو ظاهر
28

(بها فكما) ان الاعراض في مقام تحصلها وقوامها لا تحتاج إلى موضوع وان ما به الاشتراك
فيها عين ما به الامتياز لبساطتها فهي في كل مرتبة بسيطة (فكذلك) المفاهيم الحرفية
أيضا بسائط في مقام مفهوميتها ويحتاج في مقام وجوده في عالم الاستعمال إلى مفاهيم
اسمية حتى تتحقق بها ففرق بين التحصل والتحقق (فما يقال) في أن المفاهيم الحرفية
حيث إنها معان عرضية والعرض لا يتقوم الا بموضوع فلا بد وأن تكون الخصوصيات
داخلة في حقيقته (قد ظهر جوابه من أن قوام العرض بموضوعه في الوجود لا في التحصل
وفى مقام الماهية (واما الاستدلال) على جزئية المعاني الحرفية بأنها ايجادية والشيئ
ما لم يتشخص لم يوجد (1) (فهو مبتن) على عدم وجود الكلى الطبيعي في الخارج أصلا
وان الموجود في الخارج هي الاشخاص أو على أن الكلى وإن كان موجودا الا انه لابد
وان يتشخص في رتبة سابقة على الوجود حتى يوجد في الخارج فان بناء عليهما حيث إن
المعاني الحرفية ايجادية والايجاد يستحيل تعلقه بالكلى فيستحيل أن يكون الكلى
موضوعا له (واما إذا) قلنا بان الكلى موجود في الخارج والتشخص مساوق الوجود
في مرتبته كما هو التحقيق لان متعلق الوجود والتشخص شئ واحد فعليه يكون
الموضوع له نفس الكلى وإن كان عين وجوده متشخصا بخصوصيات الطرفين الا ان تلك
الخصوصيات في لوازم الوجود لا الماهية (ومن الغريب) ان المحقق الرشتي (قده)
بنى في مسألة وجود الكلى الطبيعي على ما بنينا عليه ومع ذلك غفل في مسألة الحروف
عن ذلك وقال إن ايجادية المعاني الحرفية تستدعى جزئية معانيها فان الشيئ ما لم يتشخص
لم يوجد.
بقى هناك أمور (الأول) في بيان ان استعمال الألفاظ في المعاني المجازية تابع
للوضع النوعي أم لا (فنقول) حقيقة الوضع كما عرفت سابقا ليس الا جعل اللفظ
بالجعل المتوسط بين التكويني والتشريعي وجودا بالقوة للمعنى (ثم) انه (كما) ينقسم
باعتبار الموضوع له إلى كلي وشخصي (فكذلك) ينقسم باعتبار اللفظ إلى كلي وشخصي

1 - قد عرفت معنى الايجادية في المعاني الحرفية وانه لا تنافي بينه وبين أنباء الحروف
عن تضييق المفاهيم الاسمية في عالم مفهوميتها وعليه فلا وجه لدعوى جزئية المعاني
الحرفية ببرهان ان الشئ ما لم يتشخص لم يوجد ولا للجواب عنها بان التشخص من ناحية
الوجود والا فنفس الكلى الطبيعي موجود في الخارج
29

فان الموضوع تارة يكون لفظا مستقلا بنفسه فيكون الوضع شخصيا (واخرى) لا يكون
كذلك بل أمرا لا تحصل له في حد ذاته كمواد المشتقات وهيئاتها على ما عرفت مفصلا
فيكون الوضع نوعيا فالمشتقات وضعها عام من جهة الموضوع والموضوع له في المادة
والهيئة (ثم) ان الاستعمال ليس الا ايجاد المعنى البسيط العقلاني في الخارج كما أشرنا
إليه سابقا فكأنه القاء للمعنى في الخارج واللفظ غير ملتفت إليه الا تبعا نظير الوجوب
المقدمي فهذا الالقاء (تارة) يستند إلى الجعل والمواضعة كما في الاستعمالات الحقيقية
(واخرى) إلى حسنه بالطبع لأجل غاية المناسبة بين المستعمل فيه والمعنى الحقيقي
بحيث يوجب صحة تنزيل أحدهما منزلة الاخر في استعمال اللفظ فيه أو جعله فردا ادعائيا
له كما ادعاه السكاكي وعلى كل تقدير فبعد وجود المناسبة المذكورة لا يحتاج إلى
ترخيص من أحد أصلا فالقول بان الاستعمالات المجازية تابعة للترخيص النوعي مما لا
محصل له (ثم) ان استعمال اللفظ في نوعه أو صنفه أو مثله من هذا القبيل أيضا (1) بمعنى
ان حسنه بالطبع والوجدان وحقيقة الاستعمال في الجميع على نحو واحد فان المتكلم
يلتفت إلى طبيعة لفظ زيد أولا ثم حين الاستعمال يكون اللفظ الذي هو من افرادها
حقيقة مغفولا عنه بحيث لا يرى الأنفس الطبيعة ولا يلقى في الخارج الا إياها كالاستعمال
في المعاني عينا (غاية) الامر ان المفنى فيه في الاستعمال الحقيقي أو المجازى أمور متغايرة
لطبيعة الألفاظ وفيما نحن فيه من سنخها وحقيقة الاستعمال في الجميع واحدة والفرق
ان مصحح الفناء في الاستعمال الحقيقي جعل الواضع وفى الاستعمال المجازى شدة مناسبة
المعنى المجازى مع الحقيقي وفيما نحن فيه كون اللفظ الملقى بنفسه متحدا مع المفنى

1 - قد عرفت سابقا ان الحروف وضعت لتضييق المفاهيم الاسمية فإن كان المفهوم لا يمكن
احضاره في ذهن المخاطب الا باللفظ فيكون احضار ذات المعنى بالاسم وإفادة تضييقه بحرف
من الحروف واما إذا أمكن احضاره بنفسه من دون دال آخر فلا يحتاج إلى الاستعمال
أصلا غاية الأمر انه في فرض تعلق القصد بإفادة المعنى المضيق يكون الدال على التضييق هو
الحرف أيضا فإذا قلت زيد في ضرب زيد فاعل فقد أوجدت طبيعي لفظ زيد في الخارج
بناء على وجود الكلى الطبيعي بوجود فرده وأحضرته في ذهن المخاطب بنفسه غاية الأمر
ان قصد المتكلم تعلق بإفادة حصة خاصه من ذلك الطبيعي وقد جعل الدال عليه هو
الحرف وعليه لا يبقى لدعوى استعمال اللفظ في النوع أو المثل أو الصنف مبطل أصلا
30

فيه خارجا والارتباط بينهما أشد من الارتباط الجعلي (ومما ذكرنا) تعرف امتناع
الاستعمال في شخص نفسه فإنه لا اثنينية (ح) حتى يمكن فناء شئ في شئ (واما ما
ذكره صاحب الفصول) في مقام الامتناع من اتحاد الدال والمدلول من دون تأويل في
البين أو تركب القضية من جزئين (فلا وجه له) فان التأويل أو اتحاد الدال والمدلول
فرع امكان الاستعمال وهو منتف فيما نحن فيه رأسا (ومع قطع النظر عما ذكرنا)
نمنع تركب القضية من جزئين بل هي مركبة من اجزاء ثلثة غاية الأمر ان موضوع
القضية هو نفس الموضوع الواقعي (وبالجملة) صحة الاستعمال في مواردها تارة
تكون معلولة (للاتحاد الجعلي) الناشئ من الوضع أو من المناسبة بين المستعمل
فيه والموضوع له (أو للاتحاد الذاتي) والأخير أقوى من الأولين ووجهه واضح فلا
يحتاج إلى جعل وتعيين (مضافا) إلى أن صحة الاستعمال كذلك موجودة في المهملات
أيضا وكونها مجعولة وموضوعة ينافي كونها مهملة.
الأمر الثاني في أن الدلالة تابعة للإرادة أم لا (1) (ولبيان موضع النزاع (لابد)
من أن يقال إن الدلالة اما تصورية واما تصديقية (اما الأولى) فهي عبارة عن نفس
خطور المعنى في الذهن عند تصور اللفظ وهذه مما لا شبهة في عدم كونها تابعة للإرادة بل الإرادة
تابعة للدلالة أي كون اللفظ بحيث إذا سمع ينتقل منه إلى المعنى (واما الثانية فهي
عبارة عن الدلالة على كون معاني الألفاظ مما تعلقت بها الإرادة الجدية (وكلام العلمين
(قدس سرهما) في التبعية (ناظر) إلى المقام الثاني فيخرج بذلك الاستعمال الكنائي من الدلالات

1 - مقتضى ما اخترناه في معنى الوضع هو أن يكون طرف الالتزام هو قصد تفهيم المعنى
باللفظ إذ لا معنى للالتزام بكون اللفظ دالا على معناه ولو صدر من لافظ من غير شعور
واختيار فإنه غير اختياري فلا يعقل أن يكون طرفا للالتزام والتعهد وعليه فلا مناص من
الالتزام بكون الدلالة الوضعية مختصة بصورة قصد التفهيم وإرادة المعنى من اللفظ سواه
كانت الإرادة جدية أم استعمالية واما يرى من الانتقال إلى المعنى عند سماع اللفظ ولو كان
اللافظ بلا شعور واختيار فهو من جهة الانس الحاصل من الاستعمال كثيرا لا من جهة
العلقة الوضعية ومن ثم يتحقق هذا الانتقال حتى مع تصريح الواضع باختصاص العلقة الوضعية
بما ذكرناه هذا مع أن فائدة الوضع هو التفهيم فلا موجب لجعل العلقة الوضعية على الاطلاق
وكلام العلمين في بحث الدلالات الثلث صريح فيما ذكرناه فراجع
31

الوضعية فإنها تابعة لان تكون المعاني مرادة جدية وليس الامر في الكناية كذلك (و
اما لو قلنا) بعدم التبعية (فلا فرق) بين الاستعمال الكنائي وغيره في كون الدلالة
اللفظية على المعاني وضعية (غاية الأمران) الإرادة الجدية أي الغرض من استعمال
اللفظ في المعنى (في أحدهما) متعلقة بالمعاني الموضوع لها الألفاظ (وفى الاخر) متعلقة
بلوازمها (فتدبر) حتى لا تتوهم ان مرادهما تبعية الدلالة التصورية للإرادة التي لا يتفوه بها عاقل
فضلا عن مثلهما الأمر الثالث في أن للمركبات وضعا أم لا (والمراد من وضع المركبات (هو)
وضع الهيئات التركيبية الاسمية في الكلام العربي (1) كزيد قائم فإنه وقع النزاع في أن
الموضوع للربط الكلامي (هل هو الاعراب) كما ذهب إليه بعض وأورد عليه بان
الاعراب مشترك بين هذا النحو من التركيب وبقية التراكيب أو انه هو الضمير المقدر) أي
لفظة هو كما اختاره جماعة من أهل الميزان (وأورد عليه) بأنه موضوع لمفهوم استقلالي
اسمى فلا يكون مفيدا للمعنى الحرفي أو انه الهيئة التركيبية كما هو المختار للمحققين
" واما الجمل الاخر " كضرب زيد أو كان زيد قائما " فالمفيد " للربط فيها هي هيئة الفعل بأنواعها وقد
يكون الدال على الربط أحد الافعال الناقصة كلفظ كان مثلا ولو كان للهيئة التركيبية في
الجمل الفعلية وضع على حدة " لزم " إفادة المعنى الواحد مرتين وهو غير معقول (واما
ما يتوهم) من أن المراد من وضع المركبات وضع المركب بما هو مركب (فغير صحيح
ولا يمكن ان ينسب إلى أحد من العقلاء فضلا عن العلماء (ومنه ظهر) انه لا معنى
لكون المجاز في المركب بما هو مركب إذا المجازية فرع وجود الموضوع له وهو في
المركب غير موجود (نعم) يجوز التشبيه فيه (اما) من حيث تشبيه المجموع بالمجموع
أو من حيث تشبيه كل من اجزاء أحدهما بما يقابله من اجزاء الاخر كما في قوله تعالى
(مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) إلى (آخر الآية) (واما توهم) ان الآية المباركة وما
ماثلها من الآيات من قبيل المجاز في المركب (كتوهم) ذلك في قولهم أراك تقدم رجلا

1 - لا يختص وضع الهيئة التركيبية بخصوص هيئة الجملة الاسمية بل الخصوصيات المستفادة
من الكلام الزائدة على ما يستفاد من هيئة الفعل كصدور الفعل من عيسى في قولك أعان
عيسى موسى أو الحصر المستفاد من قوله تعالى إياك نعبد إلى غير ذلك كلها يستفاد من
هيئات الجمل فما افاده قدس الله سره في معنى ثبوت الوضع للمركب وإن كان وجيها
الا ان تخصيصه ذلك بخصوص الجملة الاسمية لاوجه له
32

وتؤخر أخرى (فغير صحيح) لما عرفت من أنه غير معقول (بل التحقيق) ان المستعمل
فيه في جميع ما ذكر هي المعاني الحقيقية اما على سبيل التشبيه أو الكناية ويمكن أن يكون
المثل المتقدم جاريا على نهج كل منهما وعلى كل حال فليس الاستعمال في مثل
هذه التراكيب بنحو المجاز
الأمر الرابع في الحقيقة الشرعية (لا يخفى) ان البحث في هذه المسألة لا يترتب
عليه ثمرة أصلا فإنه (وان) ذكر بعض ثمرة له وهو حمل الألفاظ المستعملة
بلا قرينة على المعنى اللغوي بناء على عدمها وعلى المعنى الشرعي بناء على ثبوتها (الا)
ان التحقيق انه ليس لنا مورد نشك فيه في المراد الاستعمالي أصلا (ثم إن) الكلام
تارة يقع في الوضع التعييني واخرى في التعيني (اما الأول) فهو مقطوع بعدمه إذ لو كان الشارع
المقدس قد وضع هذه الألفاظ لمعانيها الشرعية بنحو التعيين لبينه لأصحابه ولو بينه لهم لنقل إلينا
لتوفر الدواعي إلى نقله وعدم المانع منه فلا يقاس ذلك بالنص على الخلافة الذي اخفوه
مع التصريح به وذلك لثبوت الداعي إلى الكتمان هناك دون المقام (وتوهم) امكان
الوضع بنفس الاستعمال (1) كما افاده المحقق صاحب الكفاية (قده) (مدفوع) بان
حقيقة الاستعمال كما بيناه القاء المعنى في الخارج بحيث يكون الا لفظ مغفولا عنها
فالاستعمال يستدعى كون الألفاظ مغفولا عنها وتوجه النظر إليه بتبع المعنى بخلاف الوضع

1 - قد عرفت فيما تقدم ان حقيقة الوضع ليست الا عبارة عن الالتزام والتعهد بابه متى
ما تعلق إرادة المتكلم بإفادة معنى خاص ان يبرز ذلك بلفظ مخصوص كما هو المختار أو انه
اعتبار نفساني قائم بها نظير بقية الاعتبارات القائمة بمعتبرها وعلى كل حال فالوضع سابق
على الاستعمال لا محالة وعليه فلا يكون الوضع بنفس الاستعمال حتى يرد عليه استحالة
الجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي في آن واحد بل يكون الاستعمال كاشفا عن الوضع فيما إذا
كان هناك قرينة على ذلك ومن هنا يظهران ما افاده المحقق صاحب الكفاية قدس سره من عدم
كون هذا الاستعمال بحقيقة ولا مجاز لا وجه له والظاهر أن دعوى القطع بثبوت الوضع التعييني
بهذا النحو قريبة جدا ومع قطع النظر عن ذلك أيضا فلا ينبغي الريب في ثبوت الموضع التعيني
في الألفاظ التي كثر استعمالها في المعاني الشرعية حتى في زمان النبي صلى الله عليه وآله فان منشأ الوضع التعيني
لا يختص بخصوص كثرة الاستعمال في لسانه صلى الله عليه وآله بل يكفي في ثبوته كثرة الاستعمال في لسانه
ولسان تابعيه بحيث يكون دلالة اللفظ على المعنى الشرعي غير محتاجة إلى القرينة
33

فإنه يستدعى كون اللفظ منظورا إليه باستقلاله ومن الواضح انه
لا يمكن الجمع بينهما في آن واحد (واما الوضع التعيني فهو بالنسبة إلى زمان
الصادقين (عليهما السلام) (مقطوع به) الا انه لا طريق لنا إلى اثباته في زمان النبي
صلى الله عليه وآله حتى تثبت الحقيقة الشرعية وعليه تكون الألفاظ المستعملة في
زمانه صلى الله عليه وآله مجملات (واماما يقال) كما عن صاحب الكفاية " قده " ان ثبوت
الحقيقة الشرعية فرع كون هذه المعاني مستحدثة وهو خلاف التحقيق على ما يظهر من
جملة من الآيات " فيرده " ان جملة من المعاني وإن كانت ثابتة في الشرايع السابقة أيضا
كالحج فإنه كان في عصر الخليل عليه السلام الا انها لم تكن يعبر عنها بهذه الألفاظ بل بألفاظ
آخر قطعا " واما لفظ الصلاة " فإنه وإن كان مذكورا في إنجيل برنابا الا
ان المستعمل فيه في غير عصر نبينا صلى الله عليه وآله كان هو المعنى اللغوي
فان صلاة المسيح لم تكن الامر كبة من أدعية مخصوصة فالألفاظ المستعملة في
الشرائع السابقة لم يكن المراد منها هذه المعاني الشرعية والمعاني الموجودة في الشرايع
السابقة لم يكن يعبر عنها بهذه الألفاظ وعليه فلا يكون ثبوتها في الشرايع السابقة
مانعا عن ثبوت الحقيقة الشرعية
(الأمر الخامس في أن ألفاظ العبادات (هل هي) اسام للصحيح (أو الأعم)
ولنقدم لتحقيق الحال فيها مقدمات (الأولى) ان النزاع المذكور كما أنه يجرى
على القول بثبوت الحقيقة الشرعية كذلك يجرى على القول بعدمها (اما) على الأول
فواضح (واما) على الثاني (فإنه) يقع الكلام في أن المعاني الشرعية التي استعمل فيها
الألفاظ مجازا ولو حظ العلاقة بينها وبين المعاني اللغوية (هل هي) المعاني الصحيحة
(أو) الأعم منها وبعبارة أخرى لا اشكال في ثبوت الحقيقة في لسان المتشرعة في زماننا
هذا تبعا للاستعمالات الشرعية بنحو الحقيقة أو المجاز فيقع الكلام في أن المعاني التي
يستعمل الألفاظ فيها في عرفنا (هل هي) الصحيحة (أو) الأعم (الثانية) ان الصحة (وان)
فسرت بموافقة الشريعة تارة وباسقاط الإعادة والقضاء أخرى (الا انهما) من باب التفسير
باللوازم والا فمعنى الصحة واحد وهى التمامية التي يعبر عنها بالفارسية بدرستى
(الثالثة) ان التمامية المبحوثة عنها (تارة) تلاحظ بالإضافة إلى الاجزاء وحدها (واخرى)
34

بإضافة الشرائط المأخوذة في المأمور به إلى اجزاء العبادة (وثالثة) بإضافة عدم المزاحم
الموجب لانتفاء الامر فيكون الصحيح هو المركب الجامع للاجزاء والشرايط مع عدم
كونه مزاحما بواجب آخر (ورابعة) بإضافة عدم النهى إلى ما ذكر (وخامسة) من
جهة إضافة قصد التقرب بالعبادة إلى جميع ما تقدم اعتباره في التسمية (والتحقيق) ان
يقال إنه لا وجه لاختصاص النزاع بالاجزاء قطعا بل يجرى النزاع في دخول الشرايط
في المسمى وعدمه أيضا (واما) عدم المزاحم الموجب لعدم الامر (أو عدم) النهى (فكلاهما)
خارجان عن محل النزاع (بداهة) انهما فرع المسمى حتى ينهى عنه أو يوجد له مزاحم
فينتفى امره (واما) قصد التقرب (فهو) متأخر عن المسمى بمرتبتين فإنه متأخر عن الامر
المتأخر عن المسمى فلا يعقل اخذه في المسمى (الرابعة) قد عرفت ان الاستعمال هو
ايجاد المعنى العقلاني البسيط المجرد الذي هو بإزاء الحقايق باللفظ المستعمل فيه
فلابد من أن يوضع اللفظ بإزاء الحقيقة ولو كانت الحقيقة من الممتنعات فالقول بان لفظ
الصلاة موضوع لمفهوم الصحيح أو فريضة الوقت أو المطلوب غير معقول (1) فان المفهوم
لا بد وأن يكون بإزاء الحقيقة لا بإزاء مفهوم آخر (مضافا) إلى أن عنوان المطلب منتزع
من تعلق الطلب بشئ والطلب متأخر عن المسمى كما عرفت فلا يعقل كون المسمى هو
نفس عنوان المطلوب ففيه محذور آخر غير عدم تعقل جعل المفهوم بإزاء المفهوم
(الخامسة) انه لابد على كلا القولين من وجود حقيقة واحدة يشترك فيها جميع الافراد
حتى يكون هو القدر المشترك الذي وضع اللفظ بازائه أو استعمل فيه مجازا في لسان
الشارع وعلى نحو الحقيقة في لساننا (وتوهم) عدم لزومه بناء على كون الموضوع
له خاصا (مدفوع) بان الموضوع له وإن كان خاصا الا انه لا بد من قدر جامع به يشار إلى
الموضوع له (فالقدر) المشترك (لازم) على كل خال (مضافا) إلى أن كون الموضوع له
خاصا مع عموم الوضع فرع الوضع التعييني وقد أبطلناه فيما مر إذا عرفت ذلك فنقول
(الكلام) (تارة) يقع في العبادات واخرى في المعاملات (اما الأولى) فتصوير الجامع

1 - لا ينبغي الريب في امكان وضع لفظ الصلاة مثلا لمفهوم الصحيح حتى يكون
اللفظان مترادفين ولا استحالة في ذلك أصلا غاية الأمر عدم وقوع ذلك خارجا وأين
ذلك من الاستحالة وعدم الامكان
35

فيها في (غاية الاشكال) على الصحيح فضلا عن الأعم فان مراتب الصحة مراتب متعددة
كالصلاة مثلا فان أقل مراتبها صلاة الغرقى وأعلى مراتبها صلاة الحاضر المختار وبينهما
وسائط كثيرة فتصوير جامع حقيقي يكون متعلق الأمر ويجمع تمام تلك المراتب صعب
جدا (واما) على الأعم (فاشكل) فان كل صلاة فرضت إذا بدل بعض اجزائه إلى اجزاء آخر
فالصدق على حاله (ويمكن) دفع الاشكال عن كلا القولين بالتزام ان الموضوع له
أولا هي المرتبة العليا الواجدة لتمام الاجزاء والشرائط (1) والاستعمال في غيرها
من المراتب الصحيحة على قول الصحيحي أو الأعم منها على الأعم من باب الادعاء والتنزيل
(والموضوع له) على كلا القولين (هي) المرتبة العليا وبقية المراتب الصحيحة أو الأعم
يستعمل فيها الألفاظ ادعاء ومن باب تنزيل الفاقد منزلة الواجد مسامحة كما في جملة
من الاستعمالات أو من باب اكتفاء الشارع به كما في صلاة الغرقى فإنه لا يمكن فيه الالتزام
بالتنزيل المذكور كما هو واضح (ثم) ان الاستعمال في فاسد صلاة الغرقى أيضا
بتنزيل الفاقد منزلة الواجد المنزل منزلة تام الاجزاء والشرائط من
باب الاجزاء والاكتفاء فبعد البناء على كون الصحيح فردا للطبيعة من جهة الاجزاء
يصح تنزيل الفاقد منزلته أيضا ولا يلزم سبك مجاز عن مجاز (واما القصر
والاتمام) فهما وان كانتا في عرض واحد بالقياس إلى المرتبة العليا الا انه يمكن
تصوير الجامع بينهما فقط وعلى ما ذكرناه فيبطل نزاع الأعمى والصحيحي رأسا
(فان ثمرة النزاع) كما سيجيئ إن شاء الله تعالى (هو التمسك) بالاطلاق على تقدير تمامية
مقدمات الحكمة على الأعمى (واجمال الخطاب) على الصحيحي (وهذا) لا يصح على
ما ذكرناه لأنه لو بنينا على أن الصلاة لخصوص المرتبة العليا واطلاقها على
غيرها من باب المسامحة والتنزيل فعلى تقديري وجود المطلق في العبادات أيضا فحيث ان

1 - الالتزام بذلك مع أنه على خلاف الوجدان لا يغنى عن تصوير الجامع فان اجزاء
المراتب العالية تختلف قلة وكثرة حسب اختلاف أقسام الصلاة فان الصلاة ذات ركعتين
فاسدة ممن هو مأمور بأزيد منها وبالعكس فما هو الموضوع له لو لم يكن هناك جامع
يجمع الأقسام وستعرف ما هو الصحيح في تصوير الجامع فيما سيأتي انشاء الله تعالى
36

اللفظ لم يوضع للجهة الجامعة المشتركة حتى تكون الاجزاء والشرائط المأخوذة في
المأمور به من قبيل القيود فلا يمكن التمسك بالاطلاق بل اللفظ يكون مجملا لعدم
العلم بالتنزيل والمسامحة في مقام استعمال اللفظ حتى يتمسك باطلاقه (ثم) ان هذا
الاحتمال الذي ذكرناه (غير بعيد) في حد ذاته ويساعده الوجدان العرفي وليس في
مقام فهم المفاهيم أمر آخر أوضح منه (وعلى تقدير) الإغماض والاحتياج إلى تصوير
الجامع (فيقع الكلام) (تارة) في الجامع بين الافراد الصحيحة فقط (واخرى) في الجامع
بين افراد الأعم (اما الأول) فالتحقيق ان الجامع بحيث يوضع اللفظ له غير معقول إذ
تصويره بأحد وجوه ثلاثة كلها باطلة (الأول) أن يكون الجامع هو الذي يسقط الإعادة
أو ما يوجب ارتفاع اشتغال الذمة إلى غير ذلك مما يترتب على اتيان المأمور به ولم يكن
غرضا منه وهذا الامر المترتب واحد وجهة جامعة بين تمام ما يترتب عليه وإن كانت
كثيرة (وفيه أولا) ان هذه المفاهيم كلها مترتبة على اتيان المأمور به في الخارج بقصد
الامر المتأخر عن المسمى فكيف يعقل اخذها في المسمى (ولو سلمنا) ترتب هذه الأمور
على نفس الفعل الخارجي ولو بلا داعى الامر (الا انه) من أين يستكشف ترتب المعلول
الواحد على جميع المراتب فلم لا يكون هناك أوامر متعددة متعلقة بأمور متعددة الأمر الأول
متعلق بحقيقة الصلاة ولكل من المراتب النازلة أمر آخر اكتفى الشارع بامتثاله
عن امتثال الأمر الأول كما لا يبعد أن يكون الامر كذلك بل لا مناص عنه فيما كان الصحة
ثابتة بمثل لا تعاد وأمثالها (ولو سلمنا) اشتراك الجميع في معلول واحد لأجل تسليم
كون الغرض من الجميع واحدا (فغاية ما هناك) انا نستكشف وجود جامع بين جميع
المراتب في عالم من العوالم كما في موارد التخيير الشرعي والا فما وقع في حيز الخطاب
ليس ذاك الجامع كما في موارد التخيير العقلي والمدعى تصور جامع يكون متعلقا
للخطاب الشرعي ومسمى بلفظ الصلاة مثلا لا تصور جامع كيفما كان (وبعبارة أخرى)
الكلام في تصور جامع قريب عرفي يقع تحت الخطاب كما في التخيير العقلي لافى الجامع
العقلي الملاكي (وثانيا) ان من المسلم في محله ان اجزاء البراءة فرع أن يكون
المأمور به هو نفس الاجزاء والشرائط لا مقيدا بأمر آخر يشك في حصوله والا لكان
مقتضى القاعدة هو الاشتغال فيلزم على القائلين بوضع الألفاظ للصحيح ان لا يقولوا بالبراءة
37

عند الشك في الاجزاء والشرائط لأجل تقيد المأمور به بمعلوله فيكون الشك شكا في
المحصل لا محالة ومقتضى القاعدة فيه هو الاشتغال مع أن جلهم قائلون بالبراءة وعلى
فرض عدم التقيد فلا يكون جامع في مقام الموضوعية للخطاب وإن كان هناك جامع
بلحاظ مقام ترتب الأثر (الثاني) أن يكون الجامع هو الذي يترتب عليه النهى عن الفحشاء
الذي هو علة التشريع وغرض من المأمور به فان وحدة الغرض تكشف عن وحدة المؤثر (1)
وهذا الوجه (أردء) من سابقه وبيانه يتوقف على تمهيد مقدمة شريفة يبتنى عليها
مطالب مهمة (وهى) ان الفرق بين الأسباب التوليدية والعلل المعدة (هو) ان الأسباب
التوليدية ما يترتب عليها مسبباتها بلا توسط أمر آخر بينهما و (هي) على قسمين (فتارة)
لا تكون محتاجة في ترتبها عليها إلى أمور أخر أصلا كالعلة البسيطة واخرى تكون
محتاجة إليها كما في العلل المركبة (نظير) رمى السهم فان الجزء الأخير من الفعل
الاختياري وان لم يتوسط بينه وبين معلوله شئ آخر (الا انه) محتاج إلى سبق أمور أخر
أيضا كوجود القوة الدافعة في القوس مثلا (وعلى كل حال) فحيث لم يفرض التوسط
بين المعلول والفعل الاختياري فيمكن تعلق الإرادة التكوينية بكل منهما فيمكن تعلق
الإرادة التشريعية بهما أيضا لامكان الانبعاث من المكلف (و ح) فلا فرق في لسان الدليل
بين تعلق الامر بالمسبب أو السبب فان المسبب يكون عنوانا لسببه في الفرض المزبور
(فامر) المولى بالاحراق (عبارة) أخرى عن امره بالقاء المترتب عليه الاحراق
فالالقاء هو الاحراق عنوانا وهذا هو ملاك الفعل التوليدي وهو الذي بنى صاحب المعالم
(قده) على عدم الجدوى في البحث عن وجوبه المقدمي لاتحادهما خارجا والسبب

1 - التحقيق انه لا يعقل وجود الجامع الحقيقي المقولي بين افراد الصلاة حتى
يكون الأثر الواحد مترتبا عليه لأنه مضافا إلى أن الصلاة مركبة من مقولات متباينة
وقد ثبت في محله انها أجناس عالية ولا يمكن الجامع الحقيقي بين فردين منهالا ينبغي
الريب في أن الصحة في صلاة الصبح مثلا متوقفة على ايقاع التسليمة في الركعة الثانية
وفى صلاة المغرب متوقفة على ايقاعها في الثالثة وعدم ايقاعها في الثانية فكيف يمكن
تصوير الجامع بين المشروط بشئ والمشروط بعدمه وانما يمكن الالتزام بترتب
الأثر على الجامع فيما إذا لم يكن للخصوصيات دخل في ترتبه واما ترتب النهى عن الفحشاء
على الصلاة فبيان كيفيته يحتاج إلى بسط لا يسعه المجال
38

المبحوث عن وجوبه بمعنى المقتضى لا السبب التوليدي (واما العلل المعدة) (فهي) ما
يتوسط بينها وبين المعلول أمر اخر سواء كان ذاك الامر اختياريا كصعود الدرج المترتبة
أو غير اختياري كما في الزرع والسقى ونحوهما فإنهما من العلل المعدة لكون البذر حنطة
أو ثمرا (فان) ترتبهما على الزرع والسقى يحتاج إلى أمور عديدة غير مقدورة للزراع
والساقي (والفرق) بين القسمين هو ان الواسطة إذا كانت اختيارية فحالها حال الأسباب
التوليدية في صحة تعلق التكليف بالمعلولات واما إذا كانت غير اختيارية فيستحيل تعلق
الإرادة التكوينية بها الا إرادة سفهائية فيستحيل تعلق الإرادة التشريعية بها أيضا (والسرفية)
(هو) ان الإرادة التشريعية بعث إلى ما يتعلق به الإرادة التكوينية فلو لم يمكن الثانية يستحيل
الأولى أيضا فالتكاليف في هذا القسم لا محالة تتعلق بنفس العلل المعدة لا بما يترتب عليها
من الأمور غير الاختيارية (وما يقال) من أن المقدور بالواسطة مقدور (انما يتم) فيما
كان الواسطة أمرا اختياريا لاغير اختياري كما هو واضح (ولذا) افتى الفقهاء بأنه لو
شرط في ضمن العقد جعل البسر رطبا كان المشروط كشرطه باطلا لعدم كونه تحت
القدرة (ثم) ان هذا كله في مقام الثبوت واما في مقام الاثبات (فتارة)
تكون المسببات من الأمور العرفية التي يعلم كونها من الافعال التوليدية (فلا فرق)
(ح) بين تعلق التكليف بالمسببات أو الأسباب كالطهارات الخبثية إذ لافرق بين أمر المولى
بالطهارة بقوله وثيابك فطهر (وبين) امره بالغسل بقوله اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل
لحمه وعلى كلا التقديرين فيكون كل منهما مقيدا بالآخر (واخرى) لا يكون كذلك
بل من الأمور التي لا يكون للعرف طريق إلى معرفة حقيقتها (و ح) فيستكشف ذلك
بطريق الان من تعلق الامر (فان) تعلق الامر بالمسبب (فنعلم) انه من قبيل الافعال
التوليدية كما قيل ذلك في الطهارة الحدثية من جهة قوله تعالى (وان كنتم جنبا فاطهروا)
(والا فلا) (إذا عرفت ذلك فنقول) ان العبادات كلها من قبيل العلل المعدة فان
المأمور به فيها هي أنفسها لاما يترتب عليها من الأغراض فيعلم ان نسبة العبادات إليها نسبة
العلل المعدة إلى معاليلها لا نسبة الأسباب التوليدية إلى مسبباتها ويحتاج ترتب الأغراض
عليها إلى توسط أمور الهية غير اختيارية للمكلف والا لكان تعلق الامر بنفس الغرض مع
عدم كونه أمرا عرفيا معلوما نظير الطهارة الخبثية أولي من تعلقه بنفس الاجزاء والشرائط
39

فلا يعقل أن يكون هناك جامع يكون عنوانا للمصاديق في مقام التسمية وتعلق الخطاب
والغرض تصوير الجامع في هذا المقام (ولو تنزلنا وسلمنا) انها من قبيل الأسباب التوليدية
(فلازمه) ان لا يمكن التمسك بالبراءة عند الشك في الاجزاء والشرائط لرجوع الشك
إلى الشك في المحصل كما في الوجه السابق الوجه الثالث هو أن يكون الجامع هي المادة
الصلاتية الحافظة للصورة الناهية عن الفحشاء والمنكر (والفرق) بين هذا الوجه وسابقه
هو انه في الوجه السابق اعتبر النهى عن الفحشاء علة غائية وتصور الجامع من ناحية
العلة وفى هذا الوجه اعتبر صورة نوعية حافظة للمادة الصلاتية (ويرد عليه) ان التقيد
بهذا العنوان (ان) لم يعتبر (فما) هو الجامع في مقام تعلق الخطاب والمسمى (وان) كان
معتبرا (فمرجع) الامر إلى الشك في المحصل الذي لازمه القول بالاشتغال (1)
الوجه الرابع ان يفرض الجامع في خصوص الصلاة التي استكشفنا من أدلة القواطع وجود
هيئة إتصالية معتبرة فيها كما افاده العلامة الأنصاري (قده) فيكون لفظ الصلاة موضوعا
لتلك المادة الحافظة لهذه الوحدة الاتصالية (والجواب) عنه (أولا) ان غاية ما نستفيد
من أدلة القواطع ابطالها للصلاة ولو بنحو المانعية بأن يكون عدم هذه الأمور من
شرايط الصلاة (واما) اعتبار صفة وجودية (فلا) وعلى تقدير الاعتبار فمرجع الامر
عند الشك هو الاشتغال لكونه شكا في المحصل " 2 " (فالتحقيق) عدم امكان
تصوير الجامع أصلا على الصحيح (واما) على الأعم فقيل بتصوير الجامع
من وجوه (الأول) أن يكون الموضوع له هي الأركان " 3 " كما ذهب إليها المحقق القمي

1 - مضافا إلى أن الانتهاء عن الفحشاء على تقدير كونه أمرا واحدا مترتبا على -
الصلاة فهو من قبيل الآثار ولا معنى لكونه صورة نوعية لما هو المركب من مقولات
متباينة.
2 - هذا مع أن الكلام انما هو في تصوير الجامع بين الاجزاء التي اعتبر الهيئة
الاتصالية بينها مع فرض اختلافها قلة وكثرة بل بحسب الحقيقة والماهية أيضا
3 - التحقيق في هذا المقام ان يقال إن معرفة الموضوع له في كل مركب اعتباري لابد
وأن تكون من قبل المخترع لذلك المركب سواء كان المخترع هو الشارع أو غيره وعليه
فالمستفاد من الروايات الكثيرة ان التكبيرة والتسليمة معتبر تأن في الصلاة وان التكبيرة
ابتدائها وافتتاحها كما أن التسليمة انتهائها واختتماها كما أن الركوع والسجود والطهارة -
40

(قده) وتكون بقية الأجزاء دخيلة في المأمور به لافى المسمى فيرجع حاصل دعواه إلى
دعويين (الأولى) كون الأركان هو الموضوع له (والثانية) خروج بقية الأجزاء عن المسمى
والحق فساد كلتا الدعويين (اما الأولى) فلان المراد من الأركان أي مرتبة منها مع اختلافها
بحسب الموارد من القادر والعاجز والغريق وأمثال ذلك (فلابد) من تصور جامع آخر
بين تلك المراتب (فيعود) الاشكال (والقول) بأن الموضوع له هو الأركان بحسب
الجعل الأولى والبقية ابدال لها (فاسد) إذ الإلتزم بالبدلية انما يمكن في مقام الاجزاء.

- معتبرة فيها وان كلا منها ثلث الصلاة واما غير ذلك من الاجزاء والشرايط فهي خارجة
عن حقيقتها ودخيلة في المأمور به على اختلاف الاشخاص والحالات ومن هنا لو كبر
المصلى لصلاة الوتر ونسى جميع الأجزاء غير الركوع والسجود حتى سلم لصح صلوته
فيعلم من ذلك أنه لا يتقوم الصلاة الا بما ذكرناه والمراد من الطهارة المقومة للصلاة
أعم من المائية والترابية كما أن المراد من الركوع والسجود أعم مما هو وظيفة المختار
أر المضطر ولا بأس بكون مقوم المركب الاعتباري أحد الأمور على سبيل البدل كما
في لفظ الحلوى مثلا فإنه موضوع للمركب المطبوخ من شكر وغيره سواء كان ذلك الغير
حنطة أو أرزا أو غير ذلك فلا يرد على ذلك ما في المتن من لابدية تصور جامع آخر بين
تلك المراتب نعم بناء ما ذكرناه لا يكون صلاة الغرقى بصلاة حقيقة ولا ضير في الالتزام
بذلك بل هي كذلك كما يظهر بالوجدان والرجوع إلى المتفاهم العرفي ثم إنه لا استحالة
في دخول شئ في مركب اعتباري عند وجوده وخروجه عنه عند عدمه إذا كان ما اخذ
مقوما للمركب مأخوذا فيه لا بشرط كما في لفظ الدار مثلا فإنه موضوع لما اشتمل على
ساحة وحيطان وغرفة فإن كان هناك غير ذلك من سرداب وبئر وحوض وغير ذلك فهي
من اجزاء الدار والا فلا واعتبار اللا بشرطية كما يمكن أن يكون على نحو لا يضر بالصدق
كذلك يمكن أن يكون على نحو يدخل الزائد في المركب ثم إن دخول شئ في المهيأ
تارة وخروجه عنها أخرى يستحيل في المهيات الحقيقية لكنها أجنبية عما هو محل الكلام في
المقام ومن هنا يظهر انه لا يبتنى ما ذكرناه على كون التشكيك في الوجود أو المهية بل
هو أمر على طبق الارتكاز العرفي في كثير من المركبات الاعتبارية واما ما في المتن
من عدم تصوير التشكيك في الوجود ولزوم كونه في الوجود ففساده غير خفى على أهله
وكيف كان فالصحيح في تصوير الجامع هو ما عرفت والتوضيح لا يسمه المجال
41

كما على الصحيح لافى المسمى بلا جهة عناية أصلا (واما) الدعوى (الثانية) فان التزم
(قده) بان بقية الأجزاء خارجة دائما (فهو) ينافي الوضع للأعم فان المفروض صدقها
على الصحيحة أيضا (وان) أراد خروج بقية الأجزاء عند عدمها (فيلزم) دخول شئ
في الماهية عند وجوده وخروجه عنها عند عدمه وهو محال (فان قلت) ألستم تقولون
بالتشكيك في الوجود وفى بعض الماهيات كالبياض والسواد وان المعنى الواحد يصدق
على الواجد والفاقد فالوجود يصدق على وجود الواجد ووجود الممكن على اختلاف
مراتبه (وكذا) السواد يصدق على القوى والضعيف وليكن الصلاة أيضا صادقة على
التام من جميع الجهات وعلى الناقص أيضا (قلت اما) التشكيك في الوجود (فلا نفهم)
ما معناه وهو أمر فوق ادراك العقل وقد صرح أهله بأنه لا يعلم الا بالكشف والمجاهدة
(واما) التشكيك في الماهيات فهو أمر معقول لكن لافى كل ماهية بل في الماهيات
البسيطة التي يكون ما به الاشتراك فيها عين ما به الافتراق ولا تكون مركبة من جنس
وفصل ولا مادة وصورة نظير البياض والسواد فان المرتبة القوية من السواد لا يزيد
على السواد بشئ والمرتبة الضعيفة لا تنقص عن حقيقة السواد بشئ بل الكل مشترك
في حقيقة بسيطة واحدة (وهذا) بخلاف الصلاة (فإنها) على الفرض (مركبة) من أركان
واجزاء فكونها بحيث تدخل بقية الأجزاء التي لها وجود مستقل في الخارج (مرة) و
تخرج (أخرى) مما لا يعقل (ومنه) علم أن قياسها بالوجود على تقدير تعقل التشكيك
فيه وامكان ادراكه أفسد من قياسه بالماهيات التشكيكية فان الوجود أشد بساطة
من الماهيات البسيطة كما حقق في محله (واما) ما ربما يقال من أخذ الأركان لا بشرط
(فكلام) لا معنى له فان اللا بشرطية توجب عدم اضرار بقية الأجزاء بالصدق لا انها
توجب دخولها في الماهية.
الثاني أن يكون الجامع هو معظم الاجزاء ونسبه شيخ الأساطين العلامة
الأنصاري (قده) إلى المشهور (ويرد عليه) بعد وضوح انه ليس المراد هو الوضع بإزاء
مفهوم معظم الاجزاء يقينا والا لترادف اللفظان وصح استعمال كل واحد منهما في موضع
الاخر ولا بإزاء مفهوم آخر يحكى عن مفهوم معظم الاجزاء لما بينا مرارا ان الوضع لابد
وأن يكون بإزاء مفهوم حاك عن الحقيقة ان الحقيقة متبدلة غاية التبدل فإنه يمكننا
42

تصوير حقيقة المعظم على الف وجه فيلزم التردد والتبدل في اجزاء الماهية وهو
مستحيل ولا يمكن التصحيح بكون الموضوع له خاصا والوضع عاما لما ذكرنا
من أن كون الموضوع له خاصا يبتنى على الوضع التعييني وهو باطل
(مضافا) إلى أنه يرجع بالآخرة إلى عدم الجامع في مقام تعلق الخطاب (ولكن التحقيق)
امكان تصور الجامع من هذا الوجه بأن يكون الجامع هو الكلى في المعين نظير
البيع الواقع على صاع من الأصواع المعينة فان المبيع كلي يمكن انطباقه على كل واحد
من الأصواع على البدع فالمبيع واحد وانما الاختلاف في التشخص (فالموضوع)
له (هو) الكلى المنطبق على أقل مراتب معظم الاجزاء فصاعدا ولم يؤخذ الجامع
لا بشرط حتى يورد علينا باستلزام ذلك لدخول بقية الأجزاء في المسمى عند وجودها
وخروجها عنه عند عدمها فيكون مبتنيا على جواز التشكيك في الماهيات المركبة
التي أوضحنا فساده آنفا (بل) المأخوذ في الموضوع له (هو) عدة من الاجزاء
فصاعدا المبهمة من حيث التشخص فيكون كليا منطبقا على الفليل والكثير نظير لفظ
الكلام فإنه وضع بحسب اللغة لما يتركب من حرفين من الحروف الهجائية فصاعدا
فيصدق على كلمة أب واحمد وغير ذلك من الكلمات المركبة من ثمانية وعشرين
حرفا (فلفظ) الصلاة أيضا يكون موضوعا لعدة من الاجزاء بنحو الابهام فصاعدا فلا نحتاج
إلى التشكيك أصلا (وهذا) بخلاف الأركان (فان) الموضوع له على تقدير الوضع لها
(شخصي) فيلزم دخول بقية الأجزاء عند الوجود وخروجها عند العدم (وهذا هو)
محذور التشكيك (لكن الانصاف) ان تصوير الجامع بهذا النحو خلاف الوجدان لما ذكرناه
من أن الموضوع له هو خصوص المرتبة العليا (واطلاقها) على غيرها (بنحو) من العناية
(وعليه فينبغي) ان يحرر النزاع بعد الفراغ عن الوضع لخصوص المرتبة العالية في أن العناية
المصححة للتنزيل والاستعمال (هل هو) خصوص اجتزاء الشارع واكتفائه في مقام الامتثال حتى
تثبت نتيجة الوضع للصحيح (أو هو) مع المشابهة في الصورة أيضا تنزيلا للفاقد منزلة
الواجد حتى يثبت نتيجة الوضع للأعم
(الوجه الثالث) أن يكون الجامع هو المعنى الذي يدور مداره التسمية عرفا (فمن
صدق اللفظ عرفا (يستكشف) وجود المعنى (ومن) عدمه (عدمه وهذا) الوجه بظاهره
43

" ظاهر الفساد " فان الصدق العرفي تابع لوجود المسمى ووضع اللفظ له فكيف يعقل
أن يكون تصوير الجامع والوضع له من توابع الصدق العرفي " الا انه " يمكن ارجاع
هذا الوجه إلى الوجه الثاني على النحو الذي صححناه ويكون التعبير بالصدق العرفي
من باب المسامحة في التعبير
" وينبغي " التنبيه على أمور
" الأول " إن كان ما يستدل به من الطرفين لكل من القولين باطل لا يمكن الركون
إليه ولا يسع المجال للتعرض لها بخصوصياتها وابطالها فلا بد من الإشارة إليها والى
ما يرد عليها اجمالا " فنقول اما " الاستدلال على الصحيح بمثل لا صلاة الا بفاتحة الكتاب
وأمثاله " فغير تام " لأن هذه التراكيب كلها في مقام بيان اجزاء المأمور به وشرائطه
لافى مقام التسمية " وكذا " الاستدلال بمثل الصلاة معراج المؤمن أو تنهى عن الفحشاء والمنكر
(فان) جميع هذه التراكيب (في مقام) بيان آثار المأمور به ترغيبا وتحريصا إلى
امتثال امره لافى مقام بيان آثار المسمى بما هو (واما) الاستدلال على الأعم (بالاستعمال)
في الفاسد في كثير من الموارد كقوله عليه السلام دعى الصلاة أيام أقرائك وكقولهم
عليهم السلام يعيد الصلاة أو بطلت صلاته إلى غير ذلك من الموارد (ففاسد أيضا) فان
الاستعمال في الفاسد أعم من أن يكون على نحو الحقيقة والمجاز وكون الأصل في
الاستعمال هي الحقيقة انما هو في مورد الشك في المراد لافى مورد الشك في كيفية
الإرادة بعد معلومية المراد (هذا) مع امكان منع الاستعمال في الفاسد (بدعوى) ان المستعمل
فيه دائما هو الصحيح ولو باعتقاد المصلى أو بتنزيل الفاقد منزلة الواجد مسامحة
(الثاني) ربما يذكر للنزاع المذكور ثمرات (الأولى) ما ذكر في القوانين وفى
بعض عبارات الرياض أيضا من أن الصحيحي يتمسك بالاشتغال والأعمى بالبرائة واشكل
عليه جملة من المحققين ومنهم أستاذ الأساطين العلامة الأنصاري (قده) بان اجزاء البراءة
والاشتغال فرع انحلال العلم الاجمالي وعدمه سواء قلنا بالصحيح أو بالأعم ولذا
ذهب المشهور القائلون بالصحيح إلى البراءة (وفيه) ان الوضع للصحيح كما عرفت
لا يمكن الا بتقييد المسمى (اما) من ناحية المعلولات (أو) من ناحية العلل (وحيث)
انه يؤخذ أمر آخر خارج عن المأتى به في المأمور به (فلابد) من القول بالاشتغال
44

(وأما ذهاب المشهور القائلين بالصحيح إلى البراءة (فاما) ان يحمل منهم على
الغفلة عن مبناهم " أو " على تخيلهم امكان تصوير الجامع بلا تقيد بأمر آخر (نعم)
جريان البراءة على الأعم مبتن على الانحلال الذي هو مقتضى التحقيق في محله (فالتحقيق)
ان النزاع في مسألة الانحلال وعدمه مبتن على الوضع للأعم حتى يكون المأمور به أمرا
خارجيا مركبا غير مقيد بأمر بسيط آخر (فان) قلنا بالانحلال كما هو التحقيق (فنقول)
بالبراءة " والا فبالاشتغال " وهذا بخلاف الوضع للصحيح لما عرفت من أنه لا يمكن
تصوير الجامع الا بتصور عنوان بسيط خارج عن نفس الاجزاء والشرائط سواء كان ذلك
متعلق الأمر أو قيده فلا محالة يكون الشك في الاجزاء والشرائط شكا في حصوله فيرجع
إلى الشك في المحصل ولا اشكال حينئذ في الاشتغال على كل تقدير " الثانية " التمسك
بالاطلاق على القول بالوضع للأعم للقطع بصدق اللفظ على الفاقد فيكون الشك في اعتبار
أمر زائد عليه شكا في التقييد فيرجع إلى أصالة الاطلاق بخلاف الوضع للصحيح فإنه يشك
في صدق اللفظ عند الشك في اعتبار أمر شرطا أو شطرا " ومن " المعلوم " ان " التمسك
بالاطلاق فرع صدق اللفظ والشك في التقييد بأمر زائد على المسمى
وقد اورد عليه بوجهين
" الأول " ان عدم التمسك بالاطلاقات الواردة في الكتاب والسنة لعدم كونها في
مقام البيان إذ ليس فيها ما يكون في هذا المقام قطعا بل كلها في مقام التشريع فقط فكما
ان الصحيحي لا يمكنه التمسك بالاطلاق فكذلك الأعمى والا فلو فرضنا ان هناك دليلا
واردا في مقام البيان كصحيحة حمادا الواردة في مقام بيان الاجزاء والشرائط فالصحيحي
أيضا يتمسك بعدم جزئية المشكوك للسكوت عنبا في مقام البيان " وفيه " ان مطلقات
الكتاب والسنة وان لم يكن فيها ما يكون في مقام البيان فالأعمى كالصحيحي في عدم
جواز التمسك بها في مقام الشك " الا انه " يكفي في الثمرة فرض وجود مطلق في مقام
البيان " فان " ثمرة المسألة الأصولية هو ان يمكن وقوع نتيجتها في طريق الاستنباط ولا
يلزم أن يكون ذلك فعليا " وأماتوهم " امكان تمسك الصحيحي أيضا بالاطلاق إذا
كان واردا في مقام البيان كصحيحة حماد " ففيه " ان الكلام متمحض في جواز التمسك
بالاطلاق في مقام البيان لافى جواز التمسك بقاعدة عدم الدليل دليل العدم " فان " التمسك
45

بصحيحة حماد في نفى الاجزاء والشرائط المشكوكة " ليس " من جهة التمسك
بالاطلاق " بل " من جهة ان الإمام عليه السلام العالم بأجزاء المأمور به وشرائطه لو كان
بصدد بيانها وان المؤثر في النهى عن الفحشاء والمنكر ما هو ومع ذلك لم يذكر غير
ما ذكره من الاجزاء والشرايط فيستكشف منه عدم دخله (لأن عدم الدليل) على دخل
ما احتمل دخله دليل العدم إذا كان المتكلم في مقام البيان والا لكان مخلا بغرضه
فالتمسك بالصحيحة خارج عما هو محل الكلام وهو التمسك بالاطلاق لا بأمر آخر " و
لكن الانصاف " عدم استقامة ذلك بل التمسك بها من قبيل التمسك بالاطلاق أيضا " غاية الأمر
" ان الاطلاق " قد " يكون في المعاني البسيطة الافرادية " واخرى " في الجمل التركيبة
كاطلاق القضية الشرطية المستتبع للمفهوم فاطلاق الصحيحة وان لم يكن من القسم
الأول الا انه من قبيل الثاني فالتمسك بها تمسك بالاطلاق " فالتحقيق " ان الصحيحي
يتمسك بالاطلاق كالأعمى في المطلقات التركيبية " نعم " تظهر الثمرة في المطلقات الافرادية
على تقدير وجودها
(ايقاظ) لا يخفى انه لا يجوز التمسك بالصحيحة في اثبات وجوب الاجزاء المذكورة
فيها إذا شك في وجوب بعضها فانا نعلم اجمالا باشتمالها على اجزاء مستحبة أيضا فيسقط
ظهور الصحيحة في بيان الأجزاء الواجبة (ومن) ذلك يظهر عدم صحة التمسك بقوله
صلى الله عليه وآله (صلوا كما رأيتموني اصلى) فانا نقطع بعدم اكتفاء النبي صلى الله عليه وآله بالاجزاء
الواجبة من الصلاة بل لا محالة كان يأتي باجزاء مستحبة فيكون الامر مستعملا في مطلق
الطلب جزم فلا يفيد في مقام اثبات الجزئية.
(الوجه الثاني) ان الصحيحي (وان) لم يمكن له التمسك بالاطلاقات لما ذكر (الا)
ان الأعمى لا يمكنه ذلك أيضا فان المأمور به هو الصحيح قطعا فثبت تقييد المسمى
بقيد يشك في تحققه عند الشك في الجزئية والشرطية " فلا " فرق في الشك في الصدق
المانع من التمسك بالاطلاق (بين) أن يكون منشأ دخل شئ في المسمى
(أو دخله) في المأمور به قطعا مثلا إذا أمر الشارع بعتق رقبة ثم ثبت من
الخارج تقييده بالمؤمنة وشككنا في رقبة خاصة انها مؤمنة أو كافرة فلا يكمن
التمسك بالاطلاق قطعا (وفيه) ان المأمور به أو قيده البسيط على الصحيح مشكوك
46

الصدق على الفاقد كما عرفت (فلا يمكن معه) التمسك بالاطلاق " بخلافه " على الأعم
" فان " المأمور به على هذا " ليس " الا نفس الاجزاء والشرائط والصحة ليست الا
أمرا منتزعا من كون الشيئ موافقا للمأمور به فالصحة متأخرة عن تعلق الامر ويستحيل
اخذها في المأمور به فصدق المأمور به على الماتى به في الخارج " معلوم وجزئية " الجزء المشكوك
(تدفع) بالاطلاق " فيثبت " ان المأتى به " هو " الصحيح وموافق للمأمور به وليس
غرض القائل بالأعم ان الفاسد مأمور به " بل " غرضه ان الاطلاق يكشف عن أن الصحيح
هو الأعم من فاقدة السورة وواجدتها مثلا لان الامر لم يتعلق الا بهذا المقدار ولا نعنى
بالصحيح الا ما كان موافقا للمأمور، به وهو المسقط للإعادة والقضاء " فهذه " المغالطة
(واضحة) الفساد وإن كان شيخ الأساطين العلامة الأنصاري " قده " أطال الكلام في هذا
المقام واتعب نفسه المقدسة واعتنى بالجواب عن هذه المغالطة فوق ما تستحق ولعله
لأجل عدم وضوحه في ذلك الوقت فأراد " قده " بيانه على وجه أوفى وأتم
" ثم " انك قد عرفت فيما مر " انه " على ما ذكرناه من كون الموضوع له هو
خصوص المرتبة العالية التامة من حيث الاجزاء والشرائط وان بقية المراتب كلها
افراد تنزيلية " لا يمكن " التمسك بالاطلاق أيضا لعدم العلم بالتنزيل حين الاستعمال
" نعم " تجرى البراءة لكون الشك في اجزاء نفس المأمور به أو شرائطه غير متقيد
بأمر آخر فيكون القول المختار واسطة بين الصحيحي والأعمى فان الصحيحي لا يمكنه
اجراء البراءة على ما حققناه كما لا يمكنه ان يتمسك بالاطلاق والأعمى بخلافه فيهما و
نحن نوافق الأعمى في الأول والصحيحي في الثاني
" تذييل " ربما يقال بأن الشرائط حيث إنها في مرتبة متأخرة عن الاجزاء فإنها
في مرتبة المقتضى دون الشرائط فلا محالة لا تكون في عرضها فالألفاظ موضوعة
للتامة من حيث الاجزاء فقط والشرائط دخيلة في مقام فعلية التأثير كما في تقريرات
العلامة الأنصاري " قده " ولكنه لا يخفى ان التأخر بحسب مقام لا يوجب التأخر
في كل مقام فالتأخر في مقام العلية لا يوجب التأخر في مقام التسمية كما لا تأخر في
مقام الامر أيضا
47

* (المقام الثاني في المعاملات) *
لا يخفى ان جريان النزاع المذكور في المعاملات يتوقف على كون ألفاظها أسامي
للأسباب إذ لو كانت أسامي للمسببات فلا تتصف الا بالوجود والعدم دون الصحة والفساد
والمتصف بهما هي الأسباب فقط
" ثم " ان الشهيد " قده " ذكر ان الماهيات الجعلية كالصلاة والصوم وسائر
العقود " حقيقة " في الصحيح " مجاز " في الفاسد الا الحج لوجوب المضي فيه فلو
نذران لا يصلى فصلى صحيحا ثم أفسدها يحنث ويحتمل عدم الحنث بخلاف ما إذا اتى
بها من الأول فاسدة فإنه لا يحنث قطعا (وأورد) عليه بأنه كيف يمكن أن تكون العقود أسامي
للصحيح مع أنه (قده) كغيره يتمسك باطلاقات المعاملات والصحيحي لا يمكنه التمسك
بالاطلاقات لاجمال المعاني ما عرفت سابقا
(وتحقيق الجواب) يحتاج إلى بسط في المقال " فنقول " ان المعاملات حيث إنها
أمور عرفية عقلائية فهي ليست بمجعولة للشارع قطعا وانما الشارع قد أمضاها وعليه
" فتارة " يكون امضاؤه للأسباب التي يتسبب بها الا ما ينشأ بها " واخرى " لمسبباتها
فإذا كان الاطلاق الوارد في مقام البيان مسوقا لامضاء الأسباب العرفية ومع ذلك
لم يزد شيئا على ما هو سبب عندهم " فلا محالة " يتمسك باطلاق كلامه في الغاء كل ما
يحتمل دخله كما يتمسك باطلاق أوفوا بالعقود في مقام الشك في اعتبار شئ زائد
على الأسباب العرفية " بخلاف " ما إذا كان امضاؤه للمسببات أي للمعاملات التي هي
رائجة عند العرف كالزوجية والمبادلة مع قطع النظر عن الأسباب التي يتوسل بها
إليها كما في قوله تعالى (أحل الله البيع وحرم الربا) فإنه في مقام ان المعاملة الربوية
من دون نظر إلى الأسباب غير ممضاة في الشريعة بخلاف المعاملة البيعية فالاطلاق لو
كان واردا في هذا المقام فلا يدل على امضاء الأسباب العرفية أصلا إذا عرفت ذلك
فنقول المطلقات الواردة في الكتاب والسنة كلها واردة في مقام امضاء المسببات
دون الأسباب الا قوله تعالى (أوفوا بالعقود) فإنه يحتمل أن يكون واردا في مقام
امضاء الأسباب العرفية (ولكن) التأمل فيه يقتضى أن يكون هو أيضا في مقام امضاء
المسببات (فان) لفظ العقود (وإن كان) ظاهرا في الأسباب (الا انها) بقرينة تعلق
48

وجوب الوفاء بها تكون ظاهرة في المسببات فان الأسباب آنية الحصول وغير قابلة للبقاء
حتى تكون متعلقة لوجوب الوفاء (بل) القابل هي المسببات التي لها نحو بقاء بعد
انعدام أسبابها (فعليه) لا يمكن التمسك بمطلقات المعاملات أصلا (واما) ما في كلام
صاحب التقريرات من أن العرف حيث يرى حصول المسبب بسبب معين عندهم فامضاء
المسبب يستلزم امضاء السبب (فغير تام) فان المتبع هو انظار العرف في تعيين المفاهيم
لافى التطبيق فهم وان رأوا حصول المسبب عند وجود أمر خاص الا ان امضاء المسبب
لا دليل على كونه امضاء لنظره في التطبيق أيضا بل المتبع هو نظر الشارع فان ثبت
والا فيتمسك بأصالة عدم حصول المسببات فإنها تحدث عند وجود أسبابها فإذا
شك في حدوثها من جهة الشك في شرطية شئ أو مانعيته لأسبابها فالأصل عدمها كما أنه
عند الشك في الاجزاء والشرائط في العبادات على الصحيح نتمسك بأصالة الاشتغال
للشك في الفراغ (والحاصل) ان المسبب حيث إنه موجود آخر في قبال السبب فلا
دليل على أن يكون امضاؤه امضاء له فيما إذا كان له سبب متيقن (نعم) إذا لم يكن
له سبب متيقن أصلا فلا بدو أن يكون امضاؤه امضاء لأسبابه أيضا والا لكان الامضاء لغوا محضا
فان قلت ما الفارق بين ما نحن فيه وما إذا علق عكم على موضوع من الموضوعات
فان المعيار في التطبيق هو نظر العرف في الثاني دون الأول
قلت الفارق هو ان الموضوعات ليست الا أمورا خارجية غير قابلة للجعل وليس
للامضاء وعدمه فيها مجال أصلا فيكون المتبع هو نظر العرف فقط بخلاف الأسباب فإنها
جعلية امضائية فنحتاج إلى دليل الامضاء في اثبات سببيتها ولا يكفي فيه امضاء المسبب فقط
والتحقيق (1) في حل الاشكال ان يقال إن نسبة صيغ العقود إلى المعاملات ليست

1 - بل التحقيق ان يقال إن المراد من المسبب في المعاملة ليس هو الامضاء الشرعي
أو امضاء العقلاء ضرورة ان البيع ونحوه اسم لفعل البايع وهو يصدر منه لا من غيره بل -
المراد منه هو الاعتبار الصادر من البايع المظهر باللفظ أو بغيره والاعتبار أمر قائم بالمعتبر
بالمباشرة بلا احتياج إلى سبب أو آلة وقد عرفت سابقا انه لا أساس لما هو المعروف من
كون الانشاء عبارة عن ايجاد المعنى باللفظ وعلى ما ذكرناه فإذا كان دليل الامضاء واردا
في مقام امضاء الاعتبارات الصادرة من المتعاملين فمقتضى اطلاقه وعدم التقييد بمظهر خاص
يثبت عموم الامضاء لكل ما يمكن أن يكون مظهرا له وبذلك يستغنى عن جميع ما أفيد في
المقام في وجه التمسك بالاطلاقات في المعاملات مع عدم تماميتها في أنفسها فافهم واغتنم
49

نسبة الأسباب إلى مسبباتها حتى يكونا موجودين خارجيين يترتب أحدهما على الاخر
ترتبا قهريا والإرادة تكون متعلقة بالمسبب بتبع تعلقها بالسبب حيث إن اختياريته
باختياريته كما هو الحال في جميع الأفعال التوليدية بل نسبتها إليها نسبة الآلة إلى ديها
والإرادة متعلقة بنفس المعاملة ابتداء كما في سائر الانشائات (بداهة) ان قول بعت أو
اضرب ليس بنفسه موجدا للملكية أو الطلب في الخارج نظير الالقاء الموجد للاحراق
(بل) الموجد هو الإرادة المتعلقة بايجاده انشاء (فإذا) لم يكن من قبيل الأسباب
والمسببات (فليس) هناك موجودان خارجيان حتى لا يكون امضاء أحدهما امضاء للاخر
بل الموجود واحد (غاية الأمر) انه باختلاف الاله ينقسم إلى أقسام عديده (فالبيع) المنشأ
باللفظ العربي (قسم) وبغير العربي (قسم آخر) فإذا كان المتكلم في مقام البيان ولم
يقيده بنوع دون نوع فيستكشف منه عمومه لجميع الأنواع والأصناف كما في سائر المطلقات
طبق النعل بالنعل
فان قلت حيث إن ألفاظ المعاملات موضوعة لمعاني أسماء المصادر التي لم تلحظ
فيها نسبة أصلا وهي بهذا الاعتبار تباين معاني المصادر الملحوظة فيها النسبة الناقصة
فالجهتان متباينتان وإن كانت ذات المعنى فيهما واحدة (فإذا) كان الامضاء امضاء المعاملة
التي بمعنى اسم المصدر فلا ملازمة بينه وبين الامضاء للمعنى المصدري فلا يمكن التمسك
بالاطلاق لاثبات امضاء سبب المعاملة
قلنا نعم وإن كانت الجهتان متباينتين (الا ان) دليل الامضاء حيث إنه مثل قوله
تعالى (أوفوا بالعقود) أو (أحل الله البيع) وأمثالهما (فهو) ظاهر في أن الممضاة هي
الجهة الصدورية فان ظاهره ان المعاملات الصادرة في الخارج منكم يجب الوفاء بها أو
أحلها الله تبارك وتعالى في محلها لا نفس المعاملات بما هي (بل يمكن) ان يقال إن
معاني أسماء المصادر (حيث) انها متحدة وجودا مع المعاني المصدرية
(فيكون) امضاؤها ملازما لا مضائها عرفا (فتدبر) (فظهر) انه لا منافاة
بين القول بوضع ألفاظ المعاملات للصحيحة والتمسك بالاطلاق أصلا وإن كان
50

المطلقات في مقام امضاء نفس المعاملات أيضا (ويمكن) توجيه عبارة الشهيد (قده) بوجه
آخر أيضا (وهو) انه (قده) ليس في مقام بيان المفاهيم التي وضع لها أسماء المعاملات
وانها هي الصحيحة (حتى) يورد عليه بعدم صحة التمسك بالاطلاق (ح) بل في مقام
بيان المصاديق التي يتعلق بها قصد الناذر وان الناذر انما يقصد ان لا يصلى صلاة صحيحة
وان لا ينقل ماله من آخر بقرينة التفريع الذي ذكره (وحاصله) انه بعد تبين تعلق النذر
بالصحيح لا بمجرد مسمى الصلاة أو التلفظ بلفظ الصيغة (ان اتى) بالصلاة فاسدة من أول الأمر
(فلا اشكال) في عدم الحنث (وان اتى) بها صحيحة إلى آخرها (فلا اشكال)
في الحنث (وانما) الاشكال فيما لو اتى بها صحيحة من أول الأمر وافسدها في الأثناء فإنه
يشك (ح) في أن هذا المقدار من الصحة يحصل به الحنث أم لا
" الأمر السادس "
لا اشكال في امكان الاشتراك والترادف ووقوعهما في لغة العرب وغيرها ولا
يعتنى ببعض التسويلات والمغالطات التي فسادها غنى عن البيان (انما الاشكال)
في منشأهما (فالمعروف) انه الوضع تعيينا (لكنه) يظهر من بعض المؤرخين
انهما حدثا من خلط بعض اللغات ببعض مثلا كان يعبر عن معنى في لغة الحجاز بلفظ
ويعبر عن ذلك المعنى في لغة العراق بلفظ آخر وبذلك اللفظ عن معنى آخر ومن
جمعهما أخيرا وجعل الكل لغة واحدة حدث الاشتراك والترادف ولا فائدة مهمة في
تحقيق ذلك
" الأمر السابع "
الحق امتناع استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد على نحو الاستقلال بحيث
يكون الاطلاق الواحد استعمالين حكما بل حقيقة وإن كان ذات المستعمل واحدة
فان الاستعمال كما عرفت سابقا ليس الا ايجاد المعنى في الخارج والقائه في العين
والملحوظ أولا وبالذات هو المعنى واللفظ ملحوظ بتبعه فلازم الاستعمال في المعنيين
تعلق اللحاظ الاستعمالي في آن واحد بمعنيين ولازمه الجمع بين اللحاظين في آن
واحد وهو ممتنع (1) عقلا (ولافرق) فيما ذكرنا (بين) الاستعمال في المعنيين الحقيقيين

1 - لا استحالة في الجمع بين اللحاظين بل هو واقع كثيرا نعم يستحيل الجمع بين اللحاظين
على ملحوظ واحد لكن استعمال اللفظ الواحد في معنيين لا يستلزمه بعدما عرفت من أن
حقيقة الوضع هو التعهد والالتزام بأنه متى ما أراد المتكلم تفهيم معنى يجعل مبرزه لفظا مخصوصا
وعليه فليس شأن اللفظ الا انه علامة للمعنى ولا مانع من جعل علامة واحدة لشيئين كما هو ظاهر
نعم ان الاستعمال في أكثر من معنى واحد خلاف الظهور العرفي فلا يحمل اللفظ عليه الا مع القرينة ثم إنه
إذا قام قرينة على ذلك فان علم كيفية الاستعمال فهو وان دار الامر بين ان يراد من اللفظ
مجموع المعنيين على سبيل المجاز أو كل واحد من المعنيين بنحو التعدد في الاستعمال
فان قلنا بان الاستعمال في أكثر من معنى حقيقة فلابد من الحمل عليه تقديما لأصالة الحقيقة
على المجاز وان قلنا بمجازيته فلا محالة يكون اللفظ من المجملات فينتهى الامر إلى
الأصول العملية
51

أو المجازيين أو معنى مجازى وحقيقي (ولا بين) المفرد وغيره (ولابين) النفي والاثبات
لان الملاك في المنع هو لزوم المحال وهو في الجميع موجود (نعم) إذا كان المستعمل
فيه مجموع المعنيين أو الجامع بينهما لكان جائزا وإن كان الاستعمال مجازيا
" الأمر الثامن "
- في المشتق وقبل الخوض في المقصود ينبغي تقديم مقدمات
(المقدمة الأولى) لا خلاف بينهم في صحة استعمال المشتق في المتلبس بالمبدء
فعلا والمنقضى عنه وما لم يتلبس به بعد ولكنه يتلبس به في الاستقبال (وكذا)
لا خلاف في كونه مجازا في الأخير (كما أنه لا خلاف أيضا في عدم صحة استعمال
الجوامد كالانسان والحجر وغير ذلك الا في خصوص المتلبس وان استعماله في غيره
يعد من الأغلاط ولو كان مما انقضى عنه المبدء كما سيظهر وجهه إن شاء الله تعالى (انما)
الخلاف في كونه حقيقة في خصوص المتلبس أو الأعم منه ومن المنقضى عنه
(المقدمة الثانية) المراد بالمشتق في محل الكلام ليس خصوص اسم الفاعل
والمفعول والصفة المشبهة أو هي مع إضافة بقية المشتقات المصطلحة كأسماء الأمكنة
والأزمنة والآلات بل كل مفهوم جار على الذات ولم يكن ذاتيا أو منتزعا عن مقام الذات
سواء كان مبدئه من المصادر الحقيقية المتصرفة أو من المصادر الجعيلة غير المتصرفة
كالزوجية والرقية وأمثالهما
(بيان ذلك) ان المحمولات على أقسام (منها) ما يكون مبدء الاشتقاق فيه نفس
الذات أو مقوما للذات كالانسان والحيوان والناطق فان مباديها وهى
52

الانسانية والحيوانية والناطقية داخلة في مقام الذات (ومنها) ما يكون المبدء
فيه منتزعا من مقام الذات ولا يحاذيه شئ في الخارج فيكون خارجا محمولا كعنوان
العلة والمعلول والممكن وما يقابلانه فان مباديها لا يحاذيها شئ في الخارج وتكون
العناوين المشتقة منها من قبيل الخارج المحمول (ومنها) ما يكون المبدء فيه أحد
الاعراض التسعة ويكون العنوان المشتق من قبيل المحمولات بالضميمة سواء كان
المبدء من الاعراض المتأصلة كالكم والكيف والفعل والانفعال أو من الاعراض النسبية
غير المتأصلة كبقية الاعراض الخمسة (ومنها) ما يكون المبدء عنوانا انتزاعيا من قيام
عرض من الاعراض التسعة بموضوعاتها كالسابقية والمسبوقية أو الأشدية والأضعفية
فإنها منتزعة من قيام أحد الاعراض التسعة بموضوعاتها مثلا بياض الجسم من الاعراض
التي لها وجود خارجي لكن اشتديته بالإضافة إلى بياض آخر ليست الا أمرا انتزاعيا
لا يحاذيها شئ في الخارج فيكون من الخارج المحمول المنتزع من غير مقام الذات
(لا اشكال) في خروج القسم الأول عن محل النزاع فان شيئية الشيئ بصورته لا بمادته
فإذا فرضنا تبدل الانسان بالتراب فما هو ملاك الانسانية هي الصورة النوعية وقد زالت
(واما) المادة المشتركة الباقية التي هو القوة الصرفة لإفاضة الصور فهي غير متصفة بالإنسانية
في حال من الأحوال (وبالجملة) فالمتصف زائل والباقي غير متصف و (هذا) بخلاف
المشتقات العرضية كضارب مثلا فإنه محمول على نفس الذات وهو المتصف بالضرب فإذا
انتفى عنه الضرب فقد بقى ذات المتصف حقيقتا وان زال الاتصاف (فيقع) النزاع
في أن الصدق حقيقة أو مجاز (وكذا) " 1 " القسم الثاني فان المحمولات فيه تتبع نفس العناوين
الذاتية وقد عرفت خروجها عن محل الكلام و (اما القسم الثالث) فلا اشكال في دخوله
في محل الكلام لما بينا آنفا من بقاء ذات المتصف حين زوال الاتصاف " ومنه "

1 - النزاع في المشتق انما هو في خصوص وضع الهيئات وحيث إن الهيئة في مثل لفظ
الممكن والمعلول وأمثالها لم توضع بوضع على حدة فلا معنى لخروجها عن محل البحث
غاية الأمران خصوص المادة في الا مثلة المذكورة غير قابلة للزوال مع بقاء الذات و
ذلك لا ينافي وضع الهيئة في نفسها للأعم من المقتضى عنه المبدء إذ لأنظر في وضعها إلى
خصوص مادة دون مادة كما هو ظاهر فالتحقيق دخول جميع العناوين المحمولة على الذات
غير ما ينتزع منها عن مقام الذات سواء كانت من المشتقات الاصطلاحية أو لم تكن
53

يعلم دخول القسم الرابع أيضا في محل الكلام لعدم الفرق أصلا بين المبادى الجعلية
غير المتصرفة والحقيقية المتصرفة في ملاك الاشكال والخلاف " إذا عرفت ذلك " تعرف
ان ما افاده المحقق صاحب الكفاية (قده) من تعميم محل النزاع للعرض والعرضي
لا يستقيم بظاهره " فان " محل الكلام " هي " المشتقات العرضية فقط ولعله أراد من العرضي
نفس المبادى التي لا يحاذيها شئ في الخارج ويكون ما يشتق منها من قبيل الخارج
المحمول وهو مع كونه خلاف الاصطلاح لا ينطبق على الأمثلة المذكورة فيها فان الظاهر أن
الزوجية " 1 " وأمثالها من مقولة الإضافة المعدودة من الاعراض التسعة فتكون العناوين
المنتزعة منها من قبيل المحمولات بالضميمة لا الخارج المحمول
ومما يدل على ما ذكرناه من دخول العناوين المنتزعة من المبادى الجعلية في محل
النزاع ما ذكره جملة من الاعلام في جملة من المباحث الفقهية " منها " ما ذكره فخر
المحققين " قده " في مسألة الرضاع في احكما المصاهرة من ابتناء تحريم المرضعة الثانية
على القول بكون المشتق حقيقة في الأعم فإنه " قده " ذكر فيمن كان له زوجتان
أرضعتا زوجته الصغيرة مع الدخول باحديهما انه لا اشكال في تحريم المرضعة الأولى
والصغيرة واما المرضعة الثانية ففي تحريمها اشكال واختار والدي المصنف
(قده) تحريمها فإنه يصدق عليها انها أم زوجته لعدم اشتراط بقاء المبدء في صدق المشتق انتهى
وتوضيح ما ذكره (انه تارة) لا يفرض هناك دخول أصلا (واخرى) يفرض
الدخول بالمرضعة الأولى (وثالثة) بالثانية (اما في) الفرض الأول (فبمجرد) تحقق الرضاع
تتحقق الأمية والبنتية بينهما فتبطل زوجيتهما معا لعدم (2) امكان الجمع بين الام والبنت
في الزوجية في زمان واحد ولو بقاء فلا محالة ترتفعان معا لعدم المرجح في البين
(واما المرضعة) الثانية (فبطلان) زوجيتها يبتنى على النزاع في المشتق وعلى فرض

1 - بل إن الزوجية وأمثالها من الاعتبارات الشرعية أو العقلائية ولا يحاذيها في الخارج
شئ كما هو ظاهر ومراد المحقق صاحب الكفاية قدس سره من العرضي هو ذلك كما صرح
به في بحث الاستصحاب عند تعرضه لمجعولية الأحكام الوضعية
2 - هذا يبتنى على عدم امكان الجمع بين الام والبنت في الزوجية ولو مع قطع النظر
عن حرمة أم الزوجة مؤبدا والا ففي بطلان زوجية البنت نظر واضح ومن ذلك يظهر
الحال في بعض الفروض الآتية أيضا فتدبر
54

البطلان تحرم مؤبدا كالمرضعة الأولى لصدق أم الزوجة عليها (واما) البنت (فلا تحرم)
لاشتراط تحريم الربيبة بالدخول بأمها والمفروض في المقام عدم التحريم من غير
جهة المصاهرة لفرض ان اللبن من غيره
(فان قلت) أي دليل على حرمة أم الزوجة الرضاعية مع أن الدليل نزل الرضاع
منزلة النسب لا منزلة المصاهرة فلا وجه لتسرية احكام المصاهرة إلى الرضاع كما ذكره
المحقق المير داماد (قده)
" قلت " نعم لكن بأدلة تنزيل الرضاع منزلة النسب يتحقق موضوع احكام
المصاهرة فيترتب أحكامه قهرا مثلا ورد في الدليل حرمة أم الزوجة ودليل الرضاع
يثبت كون المرأة أم الزوجة فتحرم بذلك الدليل لا أن دليل التنزيل يجرى في المصاهرة
بلا واسطة (واما) في الفرض الثاني فلا اشكال في تحريم الرضيعة وأمها وبطلان زوجيتهما
لكون الرضيعة بنت الزوجة المدخول بها (1) وكون الام أم الزوجة وتحريم المرضعة
لثانية مبتن على النزاع في المشتق (واما) في الفرض الثالث فالرضاع الأول يحرم
الام لكونها أم الزوجة (واما) البنت (فلا) تحرم وان بطلت زوجيتها (نعم)
بالرضاع التأني نحرم البنت أيضا (واما) الام (فيبتنى) بطلان زوجيتها وحرمتها
مؤبدا على كون المشتق حقيقة في الأعم (ثم) أن فخر الدين (قده) استدل على تحريم
المرضعة الثانية بوجهين (وحاصل) أحدهما انه يكفي في الحرمة صدق المشتق و
تحقق الزوجية في زمان ما فيدخل في عموم قوله تعالى (وأمهات نسائكم) وهذا الوجه
يمكن ان بريد به اختيار كون المشتق حقيقة في الأعم (ويمكن) أن يكون
مراده (قده) ان صدق الزوجة على البنت في زمان ما كاف في تحريم أمها ابدا إذ لم تقيد
حرمة أم الزوجة في الآية بكونها أم الزوجة الفعلية فيكفي في الحرمة كونها أم
الزوجة السابقة فيكون نظير قوله تعالى (لا ينال عهدي الظالمين) حيث إن الظالم في
زمان ما لا يناله العهد دائما فتحقق الزوجية في زمان موجب لتحريم أمها ولو كانت الأمية

1 - إذا فرض بطلان زوجية الام والبنت في آن واحد فليس هناك زمان خارجي تتصف
الام فيه بأنها أم الزوجة أو تتصف البنت فيه بأنها بنت الزوجة نعم ان بطلان الزوجتين
في طول حصول الأمية والبنتية رتبة الا ان الأحكام الشرعية مترتبة على الموجودات
الزمانية دون الرتبتية كما هو ظاهر
55

في زمان متأخر عن الزوجية (وحاصل) الدليل الآخر انه (لو فرضنا) زوال الزوجية
في مقام ثم تزوجت المرأة من رجل آخر فولدت منه بنتا (فلا اشكال) في حرمة البنت
على الزوج الأول مع دخوله بأمها فكذا إذ أحدثت البنتية بالرضاع فان ما يحرم بالنسب
يحرم من الرضاع (فإذا كان) هذا حال حدوث البنتية بعد زوال الزوجية (فكذلك)
حال حدوث الأمية فهي أيضا توجب الحرمة وإن كانت بعد زوال البنت (وبالجملة)
فلا اشكال في عموم النزاع ولا وجه لاختصاصه ببعض المشتقات كما في كلام جماعة من
المحققين بعد عموم الاملاك وهو بقاء الذات مع زوال الاتصاف
(المقدمة الثالثة) ربما يتوهم خروج اسم الزمان عن حريم النزاع (بداهة)
ان الذات فيه وهو الزمان بنفسه ينقضى ويتصرم وليس له بقاء بعد انقضاء عارضه (وقد
عرفت) ان بقاء الذات معتبر في محل النزاع ولذا بنينا على خروج المشتقات المنتزعة
عن مقام الذات عن محل الكلام (ولكن) هذا التوهم (انما يتم) إذا كان المعروض
هو الشخص دون الكلى والا فبقاء الذات فيه أوضح من أن يخفى.
" بيان " ذلك أنه لا اشكال في أن لفظ السبت وأول الشهر وغيرهما من أسماء
الأزمنة موضوعة لمعان كلية لها افراد تدريجية ولا يمكن اجتماع فردين منها في الوجود
(فإن كان) أسماء الأزمنة المصطلحة كالمقتل والمضرب وغيرهما موضوعة لزمان كلي
متصف بالقتل والضرب ككلى يوم العاشر من المحرم مثلا (فلا اشكال) في بقاء الذات
ولو مع انقضاء العارض (واما) إذا كان الزمان المأخوذ فيها شخص ذاك اليوم بعينه
لاكليه (فللتوهم) المذكور (محال) لكن كون المأخوذ فيها هو الشخص في حيز المنع.
(بل الظاهر) انه الكلى (1) كما في بقية أسماء الأزمنة غير المصطلحة كأسماء
الأيام والشهور والسنين (ولا يخفى) ان هذا الذي اخترناه أولي مما اخترناه في الدورة
السابقة من أن المعروض هو الشخص ولكنه يجرد عن الخصوصية فيكون باقيا

1 - لا ينبغي الريب في أن الموضوع له في أسماء الأزمنة معنى كلي الا ان مصداقه في الخارج
والمتصف بالمبدء، انما هو الشخص فمع زوال الوصف وانعدام ذلك الشخص لا معنى لبقاء
الذات في ضمن شخص آخر والتحقيق في الجواب ان يقال إن الشبهة المذكورة مبتنية على
كون هيئات أسماء الأزمنة موضوعة مستقلة في قبال وضع هيئات أسماء الأمكنة واما إذا
كان الوضع فيها واحدا وبمعنى جامع يطلق على الزمان مرة وعلى المكان أخرى كما هو
الظاهر فلا اشكال أصلا فهيئة مفعل مثلا وضعت لظرف الفعل أعم من كونه زمانا أو مكانا
وعليه فيمكن وضع هذه الهيئة لخصوص المتلبس أو للأعم منه ومن المنقضى عنه المبدء
غاية الأمر انه في خصوص الاطلاق على الزمان لا يمكن فيه الانقضاء وهذا الا ضير فيه أصلا
بعد عدم كون الوضع مختصا به وقد تقدم نظير ذلك في مثل لفظ الممكن والمعلول وأمثالهما
56

بعد زوال الوصف (وكذا) مما اختاره المحقق صاحب الكفاية (قده) من أن
أنصار الكلى في فرد وامتناع فرد آخر لا يوجب الوضع لخصومه كما في لفظ الواجب
تعالى فتدبر جيدا.
(المقدمة الرابعة) قد ذكرنا في المقدمة الأولى انه لا اشكال في كون المشتق
حقيقة في المتلبس في الحال (وانما) الكلام في أنه موضوع لخصوصه أو للأعم منه و
من المقتضى عنه وحينئذ فيقع الكلام في أنه ما المراد من الحال فهل هو زمان النطق أو
معنى آخر (فنقول) لفظ الحال يطلق (تارة) ويراد منه الزمان الحاضر في قبال الماضي
والمستقبل ولا اشكال في وجوده (ولا يصغى) إلى ما قيل من انحصار الزمان في الماضي
والمستقبل وانكار الزمان الحاضر بتوهم ان الزمان حيث إنه بنفسه ينقضى ويتصرم
فالجزء المتحقق ماض وغير المتحقق مستقبل فأين الزمان الحاضر (بداهة)
انه مغالطة محضة ومساوق لانكار أصل وجود الزمان واستصحابه وسيجئ في باب
الاستصحاب إن شاء الله تعالى ان الزمان وإن كان بنفسه مما يتصرم الا ان له حافظ وحدة
جامعة لتمام الانات المتكثرة التي توجد وتنعدم فكل جزء حين وجوده زمان حاضر
وبعده ماض وقبله مستقبل (ويطلق أخرى) ويراد منه حال التلبس وليس المراد
منه زمان التلبس كما في عبارة كثير من الاعلام ومنهم المحقق صاحب الكفاية (قده) (بداهة)
ان لازمه اخذ الزمان في مدلول المشتقات ولا نلتزم بأخذ الزمان في مداليل الافعال كما
سيجئ إن شاء الله تعالى فضلا عن الأسماء مضافا إلى أنه مستلزم لاخذ النسبة الناقصة في
مدلولها المستلزم لاخذ الذات فيه على ما سيجئ وهو خلاف مذهب التحقيق حتى
عنده (قده بل) المراد منه هي فعلية التلبس الملازمة لاحد الأزمنة الثلاثة (وعليه)
فلا يدخل الحال بالمعنى الثاني الذي هو زماني ملازم للزمان مع المعنى الأول تحت
جامع واحد (بل) هما متباينان مفهوما فلاوجه لدعوى العموم من وجه بينهما بتوهم
57

ان المراد منه هو زمان التلبس والعموم من وجه بين الزمانين ظاهر (إذا عرفت ذلك)
فنقول المراد من الحال في كلام القوم هو المعنى الثاني لازمان النطق (بداهة) ان قولنا
زيد كان ضاربا أو سيكون ضاربا حقيقة عند الكل مع أنه لم يصرح أحد بخصوص إرادة
زمان النطق في محل الكلام (مضافا) إلى استبعاد الوضع لما هو قليل الفائدة إلى الغاية
هذا (وربما) يشكل على ما ذكرنا من أن المراد بحال التلبس هو فعلية التلبس والزمان
خارج عن مدلول المشتق بوجهين (الأول) انه ينافي ما ذكره علماء النحو من اشتراط
عمل اسم الفاعل والمفعول بما إذا كانا بمعنى الحال أو الاستقبال فان ظاهره دلالة المشتقات
على الزمان (الثاني) انه ينافي النزاع المعروف بين الشيخ والفار أبى في أن اللازم في
اتصاف ذات الموضوع بوصفه هل هو كونه بالامكان أو بالفعل وفسر الفعلية في كلام البعض
بأحد الأزمنة الثلاثة (وجه) المنافاة المتوهمة انه (إذا كان) شرط اطلاق المشتق هو
فعلية التلبس وخروج الزمان عند مدلوله كما ذكرنا فيكون النزاع المعروف مما لا يترتب
عليه ثمرة أصلا إذ بعد الفراغ عما ذكرناه فأي وقع لما اختاره الفارابي من كفاية الاتصاف
بالامكان ولابد من الالتزام بمقالة الشيخ بعد ارجاع تفسير كلام الشيخ بأحد الأزمنة
إلى ما ذكرنا بان يكون تفسيرا باللازم فان فعلية التلبس ملازمة للوقوع في أحد الأزمنة
قهرا (بل إن) مختار الفارابي ينافي ما ذكرناه سابقا من خروج الأوصاف الذاتية عن
حريم النزاع والاتفاق على اعتبار الفعلية فيها فان ما اختاره الفارابي لا يختص بالمشتقات
العرضية ويشمل العناوين الذاتية المشتقة من المبادى الجعلية (ولكن المتأمل) لا يخفى
عليه فساد كلا الاشكالين (اما الأول) فلان الاشتراط المذكور ليس من جهة دلالة نفس
اللفظ على الزمان كيف والمسلم عندهم عدم دلالة الاسم على الزمان بل من جهة القرينة
الخارجية من لفظ أمس أو غد وأمثال (كما أن) الدلالة على الزمان الحاضر من
جهة الانسباق من سياق الجملة (أجنبية) عما نحن بصدده من تعيين المفاهيم الافرادية
(واما الثاني) فلان محل كلامنا هو المفاهيم الافرادية (والنزاع) المعروف (انما)
هو في القضايا التركيبية بمعنى ان المحمولات فيها (هل) هي ثابتة على الافراد الفعلية
(أو على) الافراد الممكنة ولا تنافى بين الالتزام باعتبار فعلية التلبس مع الالتزام بمقالة
الفارابي وان معنى قولنا كل انسان كاتب ان كلما يمكن ان يتصف بالإنسانية وان
58

لم يتصف بها في أحد الأزمنة فهو متصف بالكتابة حين اتصافها بالإنسانية (وبالجملة) اعتبار
فعلية التلبس في المفهوم الافرادي أجنبي عن تعيين موضوعات الاحكام في القضايا التركيبية
(نعم) اعتبار فعلية التلبس بالمعنى الاخر وهو كون الاتصاف في الزمان الحاضر ينافي كون
الموضوع هو الافراد الممكنة غير المتصفة بالوصف العنواني في الزمان الحاضر
(المقدمة الخامسة) ان النزاع في هذا المبحث كما ذكرنا انما هو في سعة المفهوم
وضيقه بمعنى ان الموضوع له هل هو خصوص المتلبس بالمبدء أو الأعم منه ومن المنقضى
عنه (وتخيل) بعض ان النزاع ليس في ناحية المفهوم بل في الصدق (وحاصله) ان
مفهوم المشتقات مما لم يقع الاشكال لاحد فيه (وانما) النزاع في أن صدقه على المنقضى
عنه المبدء (هل) هو باعتبار انه من الافراد التنزيلية (أو من) الافراد الحقيقية (وأورد)
على القوم بأنهم لم يميزوا محل الكلام ومورد النقض والابرام (وكلامه) هذا مأخوذ
من السكاكي المنكر للمجاز في الكملة القائل برجوعه إلى المجاز في الاسناد وان
المصاديق المجازية أفراد ادعائية للمعنى الحقيقي والتصرف في أمر عقلي (ولا بدلنا)
أولا من ابطال كلام السكاكي حتى يظهر بطلان كلام التابع له أيضا (فنقول) ان مختاره
على تقدير تماميته فإنما يتم في القضايا الخارجية الصدقية سواء كان الصدق فيها ملحوظ
استقلالا كقولنا زيد أسد أو ضمنا كقولنا رأيت أسدا يرمى (وأما) في القضايا التي
لم يلحظ فيها الصدق على موضوع خاص أصلا (بل) هي من القضايا الكلية الحقيقية التي
لم يلحظ فيها صدق الموضوع على شخص منقض عنه المبدء حتى يتكلم أن هذا من الافراد
الحقيقية أو الادعائية كما في قولنا تحرم أم الزوجة فمثل هذه القضايا خارجة عن موضوع
كلامه بالكلية وعمدة ما يكون محل الكلام ومورد النقض والابرام هي هذه القضايا
التي لم يلحظ فيها صدق الموضوع على شخص (فإنه) إذا كان الصدق مفروضا (فلا
اشكال) في شمول الحكم له (غاية الأمر) يكون النزاع علميا في أنه هل هو من الافراد
الادعائية أو الحقيقية (واما) القضايا الصدقية (فهي) على ثلاثة أقسام فان صدق المعنى
(تارة) يكون على فرده بلا خفاء ولا عناية كصدق الماء على ماء الفرات مثلا (والحرى)
على فرد مع الخفاء لكنه أيضا من افراد المعنى الحقيقي كصدق الماء على ماء الزاج
والكبريت فإنهما من افراد الماء بحسب المعنى الموضوع له وإن كان صدقه عليهما
59

يحتاج إلى تأمل و (ثالثة) يكون صدقه على فرد باعتبار التوسعة في المعنى واستعمال
اللفظ في المعنى المجازى كما إذا استعمل لفظ الأسد في مطلق الحيوان الشجاع فيصدق
على زيد أيضا وإذا لم يكن أحد هذه الوجوه فلا يمكن الحمل قطعا ويكون دعوى
الصدق والانطباق من الدعاوى الكاذبة الجزافية (وبعبارة أخرى) حيث أن زيدا ليس
من أفراد الحيوان المفترس قطعا فلابد من الادعاء والتنزيل فهو (اما) في الموضوع
(اوفى) المحمول (اوفى) النسبة (لا اشكال) في عدم الادعاء والتنزيل في الموضوع وهو
زيد (فاما) أن يكون في المحمول بتوسعة في المفهوم (فهو) المطلوب وما اختاره المشهور
في المجازات (واما) أن يكون في النسبة فيكون من الدعاوى الكاذبة الجزافية (ومنه)
يعلم عدم الفرق بين ما إذا كان الصدق ملحوظا ابتداء أو ضمنا في أنه لو لم يكن توسعة
في ناحية المعنى لكان الدعوى كاذبة لا محالة (وإذ ظهر لك) بطلان ما ذهب إليه السكاكي
(فيظهر لك) بطلان كلام التابع له أيضا (وجه الظهور) أن مفهوم المشتق (إن كان) أعم
من المنقضى عنه والمتلبس سواء كان هذا المعنى حقيقيا أو مجازيا (فلا اشكال) في الصدق
(والا) فيستحيل صدقه على المنقضى عنه ويكون دعوى الفردية من الدعاوى الكاذبة
" ثم " ان النزاع العلمي لابد وأن يكون في ناحية المعنى والا فالصدق من الأمور التكوينية
الخارجية ولا معنى للنزاع فيه بعد وضوح المفهوم وعدم الجهل بخصوصيات الفرد الخارجي
فكيف يجعل الامر التكويني الخارجي محلا للنزاع بين الاعلام بل لابد وأن يكون
نزاعهم في أمر علمي نظري وهو ليس الا أعمية المعنى وأخصيته
" المقدمة السادسة " في تعيين مبدء المشتقات ومفاد هيئاتها " اما الأول " فالمعروف
بين المتقدمين انه المصدر " وربما " يورد عليه بأنه مشتمل على مادة وصورة من حيث
لفظه وحدث ونسبة من حيث المعنى ويستحيل أن يكون مثله مبدء لبقية المشتقات
إذ لابد وأن يكون المشتق مشتملا على المبدء والمصدر مباين مع بقية المشتقات لفظا
ومعنى ولذلك عدل المتأخرون عنه وجعلوا المبدء اسم المصدر " ولا يخفى " انه كالمصدر
في استحالة كونه مبدء لسائر المشتقات فإنه مباين معها أيضا كما ستعرف فيستحيل كونه
مبدء لها " والتحقيق " ان المبدء للجميع هي المادة الهيولاوية غير المشتملة على خصوصية
من خصوصيات المشتقات من هيئاتها ونسبها الخاصة فاللفظ والمعنى الملحوظان بنحو
60

اللا بشرطية هما المبدئان لألفاظ المشتقات ومفاهيمها المشتملتين على خصوصية بها يمتاز
بعضها عن بعض كما أشرنا إليه في مبحث المعاني الحرفية (نعم) لا بأس بالتعبير عن
المبدء بالمصدر لكن مع الغاء الهيئة المصدرية لعدم امكان التعبير عنه الا في ضمن
هيئة من الهيئات والتخصيص بالمصدرية لتقدم رتبته على سائر المشتقات كما ستعرف آنفا
(واما الثاني) فتوضيحه (1) ان تلك المادة الهيولاوية التي عرفت انها المبدء للمشتقات
بالحقيقة (تارة) لا تلاحظ فيها الأنفس نسبتها إلى محلها التي هي ذاتية لها من جهة كونها
عرضا له فتكون مدلولة للمصدر الدال على النسبة الناقصة بإضافته إلى فاعله كثيرا والى
مفعوله أحيانا (واخرى) تلاحظ بدون النسبة بما انها شئ من الأشياء (وبعبارة أخرى)
نتيجة المصدر والحاصل عنه فيسمى الدال عليها باسم المصدر ورتبته بالقياس إلى المصدر
كأنها رتبة الانفعال من الفعل فيكون متأخرا عنه لا محالة وحيث انه لم تلاحظ فيه النسبة
بل لو حظ مدلوله بما هو شئ من الأشياء فلا يعمل عمل المصدر ولا يبعد أن يكون
المفعول المطلق مأخوذا بمعنى اسم المصدر ولا ينافي ذلك اشتراط وقوعه مصدر لاشتراكه
معه في الهيئة غالبا (وثالثة) تلاحظ بما هي مخبر بها تحققا فتكون النسبة التقييدية
المصدرية تحت الحكاية من حيث التحقق كما في الفعل الماضي فإنه متكفل لحكاية تحقق
نسبة المبدء إلى موضوعه وبهذه الملاحظة يدل على الزمان الماضي بالملازمة فان تحقق

1 - التحقيق ان كل خصوصية من خصوصيات المعنى التي يدل عليها خصوص هيئته انما هي
مباينة مع خصوصية أخرى ولانظر في احديها إلى الأخرى فلا موجب لتقدم بعضها على بعض
أصلا والظاهر أن هيئة اسم المصدر موضوعة للدلالة على قصد المعنى بما هو من دون لحاظه
منتسبا إلى غيره من ناحية استعمال اللفظ فيه كما أن هيئة المصدر موضوعه للدلالة على؟ قصد
المعنى بما انه منتسب إلى فاعل ما أو إلى مفعول ما واما هيئة الفعل الماضي فهي موضوعة للدلالة
على قصد الحكاية عن تحقق المبدء سابقا على التكلم ولو آنا ما وهيئة الفعل المضارع موضوعة
للدلالة على قصد الحكاية عن تحقق المبدء حال التكلم أو بعده بزمان والمشتقات الاسمية
موضوعة للدلالة على قصد إفادة تقييد الذوات بقيام المبادى بها نحو قيام وجميع هذه الخصوصيات
تطرء على معنى واحد من دون أن يكون هناك ما يوجب بقدم بعضها على بعض وقد مر ما ينفع
في المقام من الكلام في بحث الخبر والانشاء وفى بحث المعاني الحرفية
61

نسبة شئ إلى محله لا يعقل الا سابقا على التكلم ولو بان ما والا فالزمان الماضي الذي
هو معنى اسمى يستحيل لان يوضع له الهيئة قطعا فظهر) ان رتبة الفعل الماضي متأخرة
عن رتبة المصدر أيضا (فان قلت) أليس من المسلم في محله أن الأوصاف التي هي النسب
التقييدية قبل العلم بها ولو فرضا اخباركما ان الاخبار التي هي النسب التامة بعد العلم
بها كذلك أوصاف فلا محالة تكون النسب التقييدية رتبتها متأخرة عن النسب التامة الخبرية
ولازم ذلك أن يكون المصدر متأخرا رتبة عن الفعل الماضي كما ذهب إليه جماعة من النحويين
(قلت) تأخر النسبة التقييدية في الوصاف عن النسبة التامة الخبرية لا يستلزم تأخر كل
نسبة تقييدية عن كل نسبة تامة بل التقدم والتأخر لا بدوان يكونا بملاك وهو في الأوصاف يقتضى
التأخر وفيما نحن فيه يقتضى التقدم كما عرفت وجهه (وبالجملة) حيث إن الفعل
الماضي لوحظ فيه المادة منتسبة إلى الفاعل بالنسبة التامة التحقيقية فلا محالة يكون
متأخرا عما لم يلاحظ فيه التحقق قطعا (ورابعة) تلاحظ المادة بما ان موضوعها منشأ
لها كما في الفعل المضارع فإنه يحكى عن منشأية الموضوع للحدث فهو وان شارك الفعل
الماضي في أن المبدء لوحظ فيه عرضا غير محمول كما في المصدر واسم المصدر الا ان
الملحوظ في الماضي الحكاية عن تحقق هذا الحديث المنتسب وفى المضارع الحكاية عن
مبدئية الذات للحدث (ومن) يعلم فساد ما عليه المشهور من دلالة الفعل المضارع
على الحال أو الاستقبال (لما عرفت) من أنه لا يدل الا على خصوص مبدئية الذات للحدث
فعلا فلا بد في دلالته على الاستقبال من الحاق كلمة سين أو سوف وبلحاظ دلالته
على مبدئية الذات يكون مضارعا لاسم الفاعل فهو وسط بين الماضي واسم الفاعل (و
خامسة) تلاحظ المادة بما هي عرضي محمول على الذات بخلاف المشتقات السابقة كما
في اسم الفاعل وما يلحقه من الصفات ورتبة هذا القسم من المشتقات متأخرة عن جميع
ما تقدم فما أحسن تعبير هم بضرب يضرب فهو ضارب حيث إنه للإشارة إلى أن مرتبة الفعل
الماضي متقدمة على المضارع وهو متقدم على اسم الفاعل (ولذا) ذكرنا سابقا ان
الأصل في المرفوعات هو الفاعل الذي هو في مرتبة الفعل الماضي دون المبتدء الذي هو
في مرتبة اسم الفاعل
ثم لا يخفى ان ما ذكرناه ما ان المصدر يدل على النسبة الناقصة دون اسم المصدر
62

ليس الغرض منه ان النسبة الناقصة مدلولة للهيئة والا لوجب أن تكون المصادر مبينة (1) لتضمنها
للمعنى الحرفي بل الغرض ان المصادر لوحظ فيها المادة بحيث تكون قابلة لو رود
النسبة إليها فيضاف إلى الفاعل كثيرا وإلى المفعول نادرا بخلاف اسم المصدر فإنه لم
يلحظ فيه النسبة أصلا ولا يمكن اضافته إلى شئ فان الإضافة ملازمة للنسبة وقد بينا
كونه معرى عنها (2) وملحوظا بما هي شئ من الأشياء (والحاصل) ان المصدر موضوع
للحدث حال قيامه بالموضوع فيمكن اضافته إلى موضوعه بخلاف اسم المصدر فإنه
موضوع بإزاء الحدث بشرط عدم هذه الملاحظة
ثم لا يخفى ان اسم الفاعل متقدم رتبة على سائر المشتقات التي لوحظ المبدء
فيها عرضيا محمولا كاسم المفعول واسمى الزمان والمكان وغير ذلك فإنه ينتزع من قيام
العرض ونسبته الأولية إلى موضوعه بخلاف بقية المشتقات فإنها تنتزع من النسبة الثانوية
إلى المفعول أو الزمان أو المكان أو غيرهما.
بقى الكلام في أن المفاهيم الاشتقاقية هل هي بسيطة لم تؤخذ فيها الذات والنسبة
أولا (فتقول) وقع الخلاف بين الاعلام في أنها بسيطة أو مركبة وربما يفصل بين الذات
والنسبة بالاعتراف بأخذ الثانية دون الأولى (ولا يخفى) على المتأمل غرابته
فان اخذ كل منهما يلازم أخذ الاخر (اما الذات) فلانها لو أخذت في مفهومها
والمبدء مأخوذ فيه لا محالة فلا بد من اخذ النسبة أيضا أدلا معنى لدلالة المشتق
على الذات والمبدء بحيث يكون كل منها أجنبيا عن الاخر (وأما النسبة) فحيث
انها متقومة بالطرفين فيلزم من أخذها فيه أخذ الذات أيضا والا كانت قائمة بطرف
واحد وهو محال (3)

1 - دلالة هيئة المصدر التي هي موضوعة بوضع غير وضع المادة على النسبة الناقصة لا
توجب كون المصادر مبنية وانما الموجب له تضمن نفس الاسم الموضوع للمعنى الاستقلالي
لمعنى حرفي كأسماء الإشارة ونحوها وكم فرق بين الامرين كما هو ظاهر
2 - كون اسم المصدر بنفسه معرى عن النسبة لا ينافي اضافته إلى شئ ولحاظ النسبة فيه
من جهة الإضافة كما في الجوامد ولازم ما ذكر في المتن استحالة الإضافة في الجوامد وهى
واضحة البطلان
3 - سيأتي ان الذات المأخوذة في مفاهيم المشتقات أو الجوامد انما هو أمر مبهم من
جميع الجهات الا من جهة قيام المبدء بها وعليه فلا يلزم من اخذ الذات في الجوامد
اخذ كل من الجنس والفصل والنوع في غيره كما سيتضح ذلك انشاء الله تعالى
63

وكيف كان فقبل الخوض في الاستدلال لابدلنا من تحرير محل النزاع (وبيانه)
أنه لا اشكال في أن في الخارج أمورا ثلاثة ذاتا ونسبة ومبدء متحدا معها نحوا
من الاتحاد فوقع الكلام في أن الموضوع له (هل هو) المعنى البسيط أعنى خصوص
المبدء الملحوظ متحدا مع الذات (أو) المركب منه ومن الذات المنتسب إليها المبدء
والغرض من البساطة والتركب هي البساطة والتركب بحسب التحليل العقلي وألا فلا ريب
في أن مفهوم المشتق ليس مركبا من مفاهيم تفصيلية وهى مفهوم ذات ثبت له المبدء
والقائل بالتركب يسلم وحدة المفهوم (غاية الأمر) يدعى انحلاله إلى أمور متعددة
في العقل (بداهة) أن لازم التركب المفهومي (1) هو انقلاب الادراك التصوري اللازم
في المحمول إلى ادراك تصديقي ولا يلتزم به أحد من القائلين بالتركب.
ثم إنه يظهر من تقريرات أستاذ الأساطين العلامة الأنصاري (قده) دخول
الجوامد أيضا في محل الكلام حيث أنه استدل بعدم اخذ الذات في مفاهيم الجوامد
على عدم الاخذ في مفاهيم المشتقات (واشكل عليه) بأن الجامد كالانسان مثلا
موضوع لنفس الذات فلا معنى لاخذها فيه (ويرد عليه) أن مفهوم الانسان مثلا وان لم
يكن ذاتا يقوم بها مبدء الانسانية الا أنه لا اشكال في تقدم مراتب سابقة عليه هي
مواد للصورة الانسانية كالجوهرية والجسمية ولذا أشرنا سابقا إلى أن الموضوع
في زيد انسان هو زيد المنخلع عنه الانسانية الملحوظ فيه الجسمية فقط حتى لا يلزم
حمل الشيئ على نفسه فمرتبة الجسمية هي مرتبة الموضوع للصورة الانسانية فيقع الكلام
في أن لفظ الانسان موضوع لما ينحل إلى جسم له الانسانية أو لخصوص الصورة الانسانية
التي هو الفصل الأخير (وبالجملة) الذات تختلف في الجوامد والمشتقات (فهي
في المشتقات) عبارة عن المعروض لكن لا بخصوصيته الخاصة كزيدية زيد وعمروية
عمرو (وفى الجوامد) هي المواد السابقة على الصورة النوعية التي بها يكون شيئية

1 - كون النسبة في مقام تحقيقها وتعقلها متقومة بالطرفين أجنبي عن كون الطرفين
مدلولين لما يدل عليها والا كانت المداليل الاسمية داخلة في معنى الحروف الدالة على
النسب الخاصة وهو واضح البطلان
64

الأشياء (وتوضيح ذلك) أن ملاك الحمل في العناوين الذاتية كالجنس والفصل أوفى
العناوين العرضية كالمشتقات الاصطلاحية هو اخذ المحمول لا بشرط بالإضافة إلى
ما يحمل عليه كما سيتضح ذلك في المقدمة السابعة إن شاء الله تعالى (وحينئذ)
فالذات التي أخذ المحمول الاشتقاقي بالإضافة إليها لا بشرط هو المعروض والذات التي
اخذ المحمول الذاتي بالإضافة إليها كذلك هو الفضل (تارة) والجنس (أخرى) والنوع (ثالثة)
على اختلاف القضايا باختلاف موضوعاتها (فلازم) تركب مفاهيم الجوامد (هو) اخذ الجنس
والفصل والنوع كل منها في الاخر (1) لان كلا منها قائم بالآخر بحسب تركب القضية
موضوعا ومحمولا فلقد أحاد (قده) في التسوية بينهما إذ الملاك في الحمل هو اعتبار
اللا بشرطية المشترك بين المقامين (ان قلت) ان المشتقات لها وضعان من حيث المادة
والهيئة فلا يلزم من بساطة المفاهيم غير الاشتقاقية التي ليس لها الا وضع واحد شخصي
بساطة المفاهيم الاشتقاقية (قلت) محل الكلام في المشتقات ليس هو وضع موادهمها السارية
في جميعها اسمية كانت أو فعلية بل خصوص وضع هيئاتها التي بها تكون محمولات
في القضايا وهى (وان) كانت تفارق الجوامد في أن وضعها نوعي بخلافها فان وضعها شخصي
(الا انه) ليس بفارق في محل الكلام وهو البساطة والتركب فان اللا بشرطية المصححة
لاخذ شئ محمولا إن كانت مستلزمة لاخذ الذات فيشترك فيه الجميع والا فكذلك وكون
الوضع شخصيا أو نوعيا أجنبي عن المقام.
(إذا عرفت) ذلك (فاعلم) أن التحقيق (2) وفاقا لأهله بساطة مفاهيم المشتقات
وخروج الذات والنسبة عن مداليلها بالكلية فلا تدل الا على المبدء الملحوظ اتحاده
مع الذات فقط والبرهان عليه من وجهين (الأول) من طريق الان فإنه لو كان المشتق
دالا على النسبة التي هي معنى حرفي فلا محالة يكون متضمنا للمعنى الحرفي فيلزم أن

يتعلق بصفحة 64 - 1 - تركب المفاهيم في مداليل المشتقات مع قطع النظر عن التحليل العقلي وإن كان
على خلاف الوجدان العرفي الا ان لازمه هو انقلاب الادراك التصوري إلى ادراك
تصديقي بعد كون المبدء مأخوذا بنحو التقييد كما هو المفروض
2 - بل التحقيق هو تركب المفاهيم الاشتقاقية والبرهان عليه مضافا إلى ضرورة الوجدان -
العرفي وان المفهوم من لفظ القائم مثلا ليس الا ما قام به المبدء وهو القيام دون نفس
المبدء هو ان وجود العرض في الخارج في نفسه وإن كان عين وجوده لموضوعه الا انه
مغاير مع وجود الموضوع الذي هو موجود لنفسه ومعها كيف يمكن الاتحاد بينهما في
الوجود الذي هو الملاك في صحة الحمل الشايع وهل اعتبار اللا بشرطية يوجب اتحاد
المتغايرين في الوجود وإذا كان هذا حال العرض مع موضوعه في الخارج فكيف حال
المبادى الاعتبارية التي لا وجود لها في الخارج فكيف يمكن حملها على الذوات الخارجية
مع أن صحة الحمل تتوقف على اتحاد في الوجود هذا مع أنك قد عرفت فيما مر ان
كل هيئة من هيئات المشتقات موضوعة بوضع علي حده في قبال وضع المواد فلا محالة يكون
ما استعمل فيه الهيئة مغايرا لما يستعمل فيه المادة فلا بد من دلالتها على النسبة أو عليها
مع الذات وحيث إن المشتق بنفسه من دون أن يكون معتمدا على الموصوف يمكن أن يكون
موضوعا في القضية الحملية أو مسندا إليه في غيرها فلا مناص عن دلالته على الذات
أيضا والا كانت النسبة الكلامية قائمة بطرف واحد وهو غير معقول ثم لا يخفى ان الذات
المأخوذة في مفهوم المشتق حسب التحليل العقلي ليست عبارة عن الذوات الخاصة حسب
اختلاف الموارد حتى يكون المشتق من قبيل متكثر المعنى فان ذلك باطل بالضرورة بل
هي عبارة عن معنى مبهم من جميع الجهات غير جهة قيام المبدء به كما هو مدلول الأسماء
الموصولة ونحوها من المبهمات فيصدق ذلك المعنى تارة على الواجب واخرى على
الممكن كما أنه تارة يصدق على العرض واخرى على الجوهر وثالثة على مهية من المهيات
أو مفهوم من المفاهيم مع قطع النظر عن الوجود الخارجي وبذلك يندفع جملة من
الاشكالات التي اورد على تركب المفاهيم الاشتقاقية على ما يظهر ذلك انشاء الله تعالى
65

يكون مبنيا (1) فيستكشف من كونه معربا عدم أخذ النسبة فيه وبالملازمة يستكشف
عدم أخذ الذات فيه أيضا (الثاني) أن المشتق كما عرفت سابقا ليس الا ما لوحظ المبدأ
فيه بحيث يتحد مع الذات وينطبق عليه (2) والمفروض ان المحمول ليس الأنفس المشتق
فليس هناك ما يكون منشأ لدعوى اخذ الذات في مفهومه فان مادته موضوعة للمادة
الهيولاوية المشتركة بين جميع المشتقات وهيئة موضوعة لإفادة اتحاد المبدء مع موضوعه

1 - قد مر ان دلالة الهيئة على النسبة أجنبية عن كون الاسم بنفسه متضمنا للمعنى الحرفي
كما في أسماء الإشارة وغيرها
2 - قد عرفت ان المبدء يستحيل اتحاده مع ما يقوم به في الخارج في الاعراض فضلا
عن غيرها فلا مناص من اخذ الذات في المفهوم تصحيحا للحمل
66

فلم يبق هناك ما يدل على النسبة والذات أصلا (وعدم) امكان وجود المبدء في الخارج
الا بالذات (لا يقتضى) اخذها في المفهوم والا لكانت مأخوذة في المصادر أيضا (مع أنه)
لا اشكال في عدم اخذها فيها (ثم) الغرض من هذا البرهان اثبات عدم اخذ الذات فيه
واقعا وإن كان لا يفي باثبات ما هو الصحيح من استحالة ذلك الا انه يمكن الاستدلال عليه
بان المراد بالذات كما مر هي التي أخذت في مرتبة سابقة على المبدء الحقيقي كما في
المشتقات أو الجعلي كما في الجوامد والهيئة لم توضع الا لقلب المبدء عن البشرط لائية
العاصية عن الحمل إلى اللا بشرطية لما ذكرنا أن كل محمول جامدا أو مشتقا لا بد وان يؤخذ
لا بشرط حتى يكون قابلا للحمل فأخذ الذات فيه خلف لأنه ملازم لاخذه بشرط شئ وهو
ينافي المحمولية الصرفة (1) (مع أنه يلزم) من اخذ الذات فيه محاذير أخر (منها)
ان الواضع الحكيم لابد وان يلاحظ في أوضاعه فائدة مترتبة عليها ولا يترتب فائدة على
اخذ الذات أصلا (ومنها) انه يلزم منه أخذ المعروض في العرض وكل من الجنس
والفصل في الاخر وهو خلف (بل يلزم) انقلاب كل منهما إلى النوع فان النوع ليس
الا مركبا من الجنس والفصل وقد أخذ في كل منهما الاخر فيكون كل منهما نوعا (ومنها)
أنه يلزم منه التكرار في القضية فلا بد من التجريد وهو خلاف الوجدان (ومنها) أنه
يلزم من اخذ الذات فيه أخذ النسبة فيه أيضا فيلزم (اشتمال) الكلام الواحد
على نسبتين في عرض واحد (وفرض) النسبة التقييدية مقدمة على التامة الخبرية (انقلاب
الادراك التصوري إلى التصديقي إذ لابد من لحاظ النسبة تقييدية أولا (ثم) تامة خبرية
في المحمول (ثانيا) ثم تامة خبرية في تمام القضية (ثالثا) وكل هذه الأمور مما لا يمكن
الالتزام به أصلا (هذا كله) إذا كان المراد بالذات (الذات) الكلية (وأما إذا) أريد
منها الذوات الخاصة (فأخذها) فيه أفحش (إذ) يرد عليه (مضافا) إلى ما ذكرنا
(أن) لازمه كون المشتقات من قبيل متكثر المعنى مع وضوح كون معانيها أمرا واحدا

1 - قد عرفت ان الذات المأخوذة في المفهوم معنى مبهم من تمام الجهات غير جهة قيام
المبدء بها فلا يلزم من اخذ الذات فيه اخذ المحمول بشرط شئ كما هو ظاهر وبما ذكرناه
يظهر اندفاع جميع ما ذكر في المتن لابطال اخذ الذات في مفهوم المشتق فلا حاجة إلى
إطالة الكلام في هذا المقام
67

صادقا على كثيرين (هذا حاصل) ما أفاده السيد المحقق العلامة الشيرازي (قده) (وأورد
عليه) بعض من يغوص في بحار الغرور بأن هيئة المشتق موضوعة للربط بين المبدء و
الذوات الخاصة وهو من قبيل المتحد المعنى (وتخيل) أن ما ذكره السيد " قده " ناش
من عدم تعقل المعنى الحرفي " وهو " مع رعده وبرقه وجسارته " لم يأت " بمطلب
معقول " إذ مضافا " إلى ما عرفت من أن لام أخذ النسبة في المشتق أن يكون الكلام
الواحد مشتملا على نسبتين وأن يكون النسبة التقييدية متقدمة على التامة الخبرية
" يتوجه عليه " سؤال أن العنوان المحمول على هذا ما هو فان المبدء بنفسه غير قابل
للحمل وكذلك النسبة التي هي معنى حرفي (فكلام) السيد العلامة " قده " " مبتن "
على أن لا يكون الهيئة موضوعة للنسبة بل كانت موضوعة لقلب المبدء المأخوذ بشرط
لا إلى اللا بشرطية فقط
(واما البرهان) الذي اقامه السيد الشريف على استحالة تركب المشتق (فتوضيحه)
ان جماعة عرفوا الفكر بأنه ترتيب أمور معلومة لتحصيل أمر مجهول (وأشكل عليه)
بأنه لا يتم في التعريف بالخاصة أو الفصل فإنه ليس هناك ترتيب أمور متعددة (وأجاب عنه)
شارح المطالع (قده) بأنه ليس فيه كثير اشكال فان الخاصة أو الفصل وإن كان واحدا
بحسب النظر البدوي الا انهما ينحلان بالدقة إلى شئ له النطق أو الضحك فيكون
في الحقيقة ترتيب أمور معلومة (واشكل عليه) المحقق الشريف (قده) في الهامش
بأن الشيئ لا يعقل أن يؤخذ في المفاهيم الاشتقاقية فان المراد به إن كان مفهوم الشيئ
فيلزم دخول العرض العام في الفصل وإن كان المراد به ما صدق عليه الشيئ فينقلب
مادة الامكان الخاص ضرورة (بداهة) ان ما صدق عليه الشيئ هو الانسان وثبوت الشيئ
لنفسه ضروري
(وأجيب) عن الشق الأول بوجهين (الأول) ان الناطق انما اعتبر فصلا مقوما
للانسان مع التجريد عن معناه اللغوي فلا منافاة بين اخذ مفهوم الشيئ فيه بحسب اللغة
وتجريده عنه بحسب الاصطلاح (وفيه) ان المقطوع به عدم التصرف في معنى اللفظ
بل جعل الناطق بماله من المعنى فصلا للانسان (الثاني) ان الناطق ليس فصلا حقيقيا
للانسان بل هو لازم الفصل وجعل مكانه لتعذر معرفته غالبا فلا يلزم من اخذ مفهوم
68

الشيئ فيه الا اخذ العرض العام في الخاصة لا في الفصل (وفيه) ان الناطق بمعنى التكلم
أو ادراك الكليات وإن كان من عوارض الانسان الا انه بمعنى صاحب النفس الناطقة يكون
فصلا حقيقيا (1) فيلزم من اخذ مفهوم الشئ فيه اخذ العرض العام في الفصل " والتحقيق (2) "
ان الشيئ ليس من العرض العام في شئ فان العرض العام ما كان خاصة للجنس القريب أو
البعيد كالماشي التحيز مثلا " والشيئية " تعرض لكل ماهية من الماهيات وهى جهة
مشتركة بين جميعها وليس ورائبا أمر آخر يكون هي الجهة المشتركة وجنس الأجناس
حتى يكون الشيئية عارضة وخاصة له " ان قلت أليست الشيئية مساوقة للوجود و
من الواضح ان الوجود ليس بجنس للماهيات فكذلك الشيئية " قلت " نعم الا ان معنى المساوقة
ليس هو الاتحاد بحسب المفهوم بل الملازمة بحسب الصدق فكل ما لم يتحقق فيه الشيئية فلا يتحقق
الوجود لاستحالة وجود اللاشئ فالشيئ هو الموجود لا محالة (واما) وحدتهما مفهوما
(فمستحيلة) فان الشيئية من سنخ الماهيات المعروضة للوجود (بداهة) أن شيئية الشيئ
بماهيته لا بوجوده (ان قلت) أليست الشيئية من المفاهيم الانتزاعية ومعه كيف لا يكون
من الاعراض العامة (قلت) قد ذكرنا سابقا ان المفاهيم الانتزاعية التي لا وجود لها
في الخارج الا بتبع منشأ انتزاعها لا حكم لها في حد أنفسها بل تتبع حال منشأ الانتزاع
فإن كان عرضيا فلا محالة تكون هي عرضية أيضا كالسبق واللحوق المنتزعين من
قيام العرض بمحله وإن كان ذاتيا تكون المفاهيم الانتزاعية أيضا ذاتية كالعلية والمعلولية

1 - لا يخفى ان صاحب النفس الناطقة هو الانسان وهو نوع لا فصل فلا مناص عن كون
الناطق فصلا مشهوريا قد جعل مكان الفصل الحقيقي لتعذر العلم به غالبا كما صرح به المحقق
السبزواري في حاشيته على شرح منظومته وعليه فلا يلزم من اخذ مفهوم الشيئ في مفهوم الناطق
الا دخول العرض العام في الخاصة دون الفصل
2 - بل التحقيق ان مفهوم الشيئ من المفاهيم العامة المبهمة الصادقة على الوجود الواجبي
والامكاني وعلى الماهيات وعلى المفاهيم الانتزاعية بل على المستحيلات أيضا باعتبار وجود
ها بتصورها في عالم الذهن كما تقول هذا شئ مستحيل فمفهوم الشيئ مساوق لمفهوم الامر
ولما يستفاد من ألفاظ الموصولات كلفظة ما مثلا ومع ذلك كيف يمكن ان يقال إنه جنس
عال لتمام الماهيات ثم إن المراد من كون مفهوم الشيئ عرضا عاما انه ليس من الذاتيات و
مما يتقوم به الماهية في حد ذاتها بل هو مما يلحقها ويكون خارجا عن ذاتها ويصدق عليها
وعلى غيرها ومن هنا يظهر بطلان جميع ما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره في المقام فلا تغفل
69

فبعض أقسام الخارج المحمول ملحق بالمحمولات الذاتية وبعضها الاخر بالعرضية (و
(لهذا) قلنا إن انسانية الانسان ذاتية للانسان وفيما نحن فيه حيث إن منشأ انتزاع
الشيئية ليس من الأمور العرضية فلا تكون هي عرضية أيضا (ان قلت) هب ان ما ذكرتم
يتم على أصالة الماهية (واما) على أصالة الوجود واعتبارية الماهيات فلا محالة يكون
مفهوم الشئ من المفاهيم العرضية (قلت) اعتبارية الماهية لا تستلزم عرضية مفهوم
الشئ والا لكان تمام المفاهيم حتى مفهوم الجوهر من المفاهيم العرضية لان كل ممكن
ومنها الجواهر لها ماهية ووجود (والمراد) منها ومن أصالة الوجود هو ان الأصل
في التأثير والمفاض الأصلي والمجعول الأولى هو الوجود والماهية مجعولة بالتبع و
ولذا قيل ما جعل الله المشمشة مشمشة بل أوجدها وهذا لا ينافي تقرر الماهية بنحو
من التقرر في الوعاء المناسب له الذي هو مغاير للوجود الذهني والخارجي فان كلا
من الوجودين لاحق لها بعد تقررها (ان قلت) أليس من المسلم عند أهله ان المقولات
العشر من الجوهر والاعراض التسعة أجناس عالية لتمام الممكنات ولا جنس فوقها فكيف
يكون الشئ جنسا عاليا لتمام الموجودات (قلت) المشهور وإن كان ذلك الا انه
ممنوع جدا (لما عرفت) ان الشئ جهة مشتركة بين تمام الموجودات فلا محالة يكون
جنسا عاليا لها (ان قلت على ذلك يلزم تركب مفاهيم الاعراض من الجنس والفصل مع أنه
لا اشكال في بساطة مفاهيمها (قلت) ما هو المتسالم عليه في باب الاعراض بساطتها
بمعنى ان ما به الاشتراك فيها عين ما به الامتياز لا انه ليس لها ما به الاشتراك أصلا
حتى لا تكون هي داخلة تحت جنس واحد (فاتضح) من جميع ما
ذكرناه أن اللازم على تقدير أخذ مفهوم الشيئ في المشتق هو دخول
الجنس في الفصل لا دخول العرض العام فيه (ولم يظهر) لنا بعد وجه تعبير المحقق
الشريف عنه بالعرض العام وان ارتضاه كل من تأخر عنه (الا ان يقال) أن عروض
مفهوم الشيئي للماهيات ليس الا باعتبار تقررها في وعاء من الأوعية ومن الواضح أن
التقرر عارض للماهيات بما هي هي وليس ذاتيا لها فيكون مفهوم الشيئي أيضا عارضا
للماهية وحيث أن المهية جنس لتمام الماهيات فيكون مفهوم الشيئي خاصة للجنس وبهذا
الاعتبار يكون عرضا عاما لتمام الموجودات (وكيف كان) فلا اشكال في تمامية
70

مدعى المحقق الشريف وهو خروج مفهوم الشيئ عن مفاهيم المشتقات سواء كان
محذور دخوله فيها هو اخذ العرض العام في الفصل أو الجنس فيه و (مما ذكرنا) ظهر
بطلان أخذ مفهوم الذات فيها أيضا وان محذوره ذاك المحذور بعينه (غاية الأمر)
أن محذور اخذ مفهوم الشيئ فيها هو اخذ الجنس البعيد في الفصل ومحذور أخذ
مفهوم الذات هو اخذ الجنس القريب فيه ولافرق في الاستحالة بين الامرين أصلا
(وأجيب) عن الشق الثاني بان ثبوت مصداق الذات وهو الانسان لنفسه
وإن كان ضروريا (الا أنه) إذا اخذ مطلقا (وأما) إذا أخذ مقيدا بالضحك (فلا
يكون) ثبوته له ضروريا لجواز أن لا يكون القيد ضروريا (وفيه أن) المحمول على هذا
يكون منحلا إلى شيئين (أحدهما) ذات الانسان (والثاني) كونه له الضحك وثبوت الجزء
الأول للموضوع حيث أنه نفسه ضروري فيلزم الانقلاب ولو باعتبار ثبوت المحمول
الأول له وان لم يكن ثبوت المحمول الثاني له ضروريا (وبيانه) أن كلا من
الموضوع والمحمول (قد يعتبر) مطلقا وغير مقيد بشئ كالانسان كاتب على البساطة
(واخرى يعتبر) الموضوع مقيدا (وحينئذ) فاما أن يكون مقيدا بغير المحمول
فحكمه حكم المطلق كالانسان الكاتب شاعر أو يكون مقيدا بالمحمول فلا محالة
ينقلب القضية إلى الضرورية كالانسان الكاتب كاتب وثالثة يعتبر المحمول مقيدا
(اما) بأمر خارج عن الموضوع فحكمه حكم البساطة كالانسان كاتب ماهر
(واما) بالموضوع فلا محالة تنقلب القضية إلى الضرورية (توضيح) ذلك أن المقيد بقيد
في غير هما نحن فيه كالمبيع مثلا إن كان كليا فلا محالة يكون التقييد موجبا
لتضييق دائرة المبيع بحيث لو أدى في الخارج غير المقيد لما كان منطبقا على المبيع
(وإن كان) شخصيا فلا يعقل فيه تضييق الدائرة " نعم " عند التخلف يكون موجبا
للخيار لأجل تخلف الوصف (واما فيما نحن فيه " فالمأخوذ في المشتق وإن كان كليا
كالانسان " الا انه " في حكم الشخص في عدم التضيق لكونه عين الموضوع والشيئ
لا يتضيق بالقياس إلى نفسه فلا محالة يكون التقييد في حكم محمول آخر أجنبي
عن المحمول الأول والمحمول الأول هو نفسه فيلزم الانقلاب المذكور " والحاصل
كما أن اعتبار المحمول في الموضوع موجب للانقلاب فكذلك اعتبار الموضوع
71

في المحمول (واما) ما ذكره المجيب " قده " في وجه الانقلاب من أن المحمول وإن كان
مقيدا بوصف امكاني الا أن الموضوع إن كان مقيدا به واقعا فيصدق الايجاب
بالضرورة والا صدق السلب بالضرورة " فغير مفيد " فان الثبوت وعدمه في الواقع
مناط الصدق والكذب لا الانقلاب إلى ضرورية النسبة سلبا أو ايجابا الا أن يريد
به الضرورة بشرط المحمول فيخرج عن محل الكلام بالكلية " ومما ذكرنا "
ظهر أن (ما) أفاده ثانيا من كفاية برهان الانقلاب في ابطال أخذ مفهوم
الذات أو الشئ " غير صحيح أيضا " فأن مفهوم الذات وإن كان ضروري الثبوت
باطلاقه لكنه غير ضروري إذا اخذ مقيدا بغير ضروري وقد ذكرنا أن المفاهيم الكلية
تتضيق بالتقييد وأن الانقلاب لا يكون الا عند اخذ المحمول في الموضوع أو
بالعكس " ثم " ان البرهان المذكور وإن كان صحيحا في حد ذاته " الا أنه " مختص
بالقضايا الحملية " وحينئذ " فيمكن أن يلتزم بتجريد المحمول عن مفهوم الذات و
مصداقة عند الحمل وإن كان مأخوذا فيه بحسب الوضع فلا يلزم الانقلاب عند الحمل
أصلا " كما " أن ما أفاده بعض المحققين من لزوم اخذ النوع في الفصل أو الخاصة في مقام
الحمل " يندفع بذلك " أيضا (فالأولى) تقرير البرهان على الامتناع في المفاهيم الافرادية
بان يقال لو كان) الذات مفهوما أو مصداقا مأخوذا في المشتقات " لزم " اخذ الجنس
في الفصل والفصل في الجنس والنوع في الفصل أو الخاصة وغير ذلك من المحاذير
التي لا يمكن الالتزام بواحد منها " فثبت " من جميع ما ذكرنا بداهة بساطة المعاني
الاشتقاقية وعدم تعقل التركب فيها أصلا
المقدمة السابعة قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه أن مفهوم المشتق مأخوذ لا بشرط
بخلاف المصدر واسم المصدر فإنهما مأخوذان بشرط لأوان افترقا من وجه آخر تقدم
الكلام فيه (وتوضيح الحال) في ذلك ان اللا بشرطية والبشرط لائية قد تلاحظان
بالإضافة إلى الطوارى والعوارض المنوعة أو المصنفة أو المشخصة ويقع البحث عن
ذلك في مبحث المطلق والمقيد وليس المراد منها في المقام هو ذلك وإن كان ظاهر
كلام صاحب الفصول قده) انه فهم هذا المعنى من كلام القوم فأورد عليهم بعدم استقامة
الفرق بذلك (وأخرى) يكون المراد من البشرط لائية هو أخذ الماهية بشرط التعرية
72

عن جميع ما سواها أي بشرط ان لا يكون معها شئ آخر وبشرط لا بهذا المعنى لا
يوجد الا في عالم العقل (بداهة) أن كل ما فرض في الخارج من الاعراض فهو لا محالة
يكون مقارنا لوجود موضوعه (وثالثة) يراد منها عدم اتحادها مع غيرها (وتوضيحه)
أن وجودات الاعراض كما ثبت في محله في حد أنفسها عين وجوداتها لموضوعاتها بمعنى
أن العرض غير موجود بوجودين بل وجوده النفسي عين وجوده الرابطي فوجودها
في الخارج هو الرابط بين ماهياتها وموضوعاتها والا فالموضوعات في حد ذواتها أجنبية
عن ماهيات اعراضها ولا رابط بينهما الا الوجودات العرضية (وحينئذ) (فقد) يلاحظ
العرض على واقعه بلا مؤنة أخرى (فحيث) ان وجوده في نفسه عين وجوده لموضوعه
(فلا محالة) يكون مرآتا ومعرفا لموضوعه ونعتا له وفانيا فيه حيث أنه من أطواره
وشؤونه وبهذا الاعتبار يكون عرضيا ومشتقا (1) (واخرى) يلاحظ لا كذلك بل
باسقاط حيثية كونه لموضوعه ويلاحظ بما هو شئ من الأشياء فيكون عرضا مباينا
غير محمول حيث أنه بهذه الملاحظة غير موضوعه فكيف يكون عينه ويعبر عنه بالمصدر
أو اسم المصدر مع ما ذكرنا من الفرق بينهما (ومما ذكرنا) علم عدم امكان البشرط
شيئية في هذا المقام فإنها انما تلحظ بالإضافة إلى الخارجيات (وأما) في غيرها كما فيها
نحن فيه (فيكفي) في الاتحاد لحاظ الشيئ على واقعه ولا بشرط (كما أنه ظهر)
أن المبدء للمشتقات ليس المصدر ولا اسم المصدر فإنهما مأخوذان بشرط لا (وما كان)

1 - لا يخفى عليك ما في هذه الدعوى من وجوه الأول انها على تقدير تماميتها فإنما تختص
بخصوص المبادى التي هي من سنخ الاعراض حتى تكون وجودانها في أنفسها وجودات
لموضوعاتها واما في غيرها من المبادى الاعتبارية كالامكان والوجوب والامتناع والوجوب و
الحرمة ونحوها فلا مجال فيها لدعوى ان اعتبار اللا بشرطية يوجب اتحادها مع موضوعاتها فان
المفروض ان المبادى فيها لا وجود لها في أنفسها حتى تكون وجوداتها وجودات لموضوعاتها
الثاني ان لحاظ العرض على ما هو عليه وان سلمنا انه يصحح كونه نعتا لموضوعه الا انه لا
يصحح كونه نعتا لجميع ملابساته من الزمان والمكان والآلة والمفعول وغيرها فلا يبقى مجال
لدعوى اللا بشرطية فيها أصلا كما هو ظاهر الثالث ان وجود العرض في نفسه وإن كان وجوده
لموضوعه الا انه مغاير مع وجود موضوعه لا محاله ومعه كيف يمكن دعوى الاتحاد بينهما خارجا
وهل المغايرة الحقيقية ترتفع بلحاظ اللا بشرطية وعليه فلا مناص في مقام الحمل من اخذ مفهوم
الذات في المشتق كما عرفت
73

كذلك (يستحيل) أن يكون مبدء لما أخذ لا بشرط بل المبدء شئ يعرضه
الاعتبار ان كلاهما وهو المبهم حتى من حيث اللا بشرطية والبشرط لائية ولا فرق فيما
ذكرنا بين أنحاء الاعراض فان الجهة المذكورة وهى كون وجوداتها في حد أنفسها
وجوداتها لموضوعاتها مشتركة بين الجميع سواء كان قيامها بنحو الصدور أو الحلول
كما أنه لا فرق في ذلك بين أقسام المشتقات من اسمى الفاعل والمفعول وأسماء الآلة و
الأزمنة والأمكنة فان العرض منتسب إلى الذات وقائم بها في الجميع وان اختلفت النسبة
فيها كما أوضحناه في المقدمة السادسة
ثم إنه يظهر مما ذكرنا حال الجنس والفصل والمادة والصورة فان الفرق بينهما
أيضا باللا بشرطية والبشرط لائية وإن كان بينهما وبين العرض والعرضي فرق من
جهة أخرى (حيث) ان العرض قائم بالموضوع وغير محصل له بخلاف الصورة فإنها
فعلية المادة ومحصلة لها وحالة فيها (والمادة) بالقياس إليها قوة واستعداد لكنهما
مشتركان مع العرض والعرضي من تلك الحيثية فان اخذ ذات الصورة والمادة بشرط
لا ولو حظ كل منهما على حياله من القوة والفعلية فلا اتحاد لأحدهما مع الاخر ولا
يصح الحمل بينهما ويعبر عنهما بالصورة والمادة كالنفس والبدن للانسان وان اخذتا لا
بشرط وبما هما عليه من الاتحاد حيث إن المادة مقومة للصورة والصورة محصلة لها فيصح
الحمل بينهما ويتحد كل منهما مع الاخر
إذا تمهدت هذه المقدمات (فنقول) الأقوال في المسألة وان كثرت الا أنها حدثت
بين المتأخرين والأصل في المسألة قولان الوضع مطلقا لخصوص المتلبس أو (للأعم) منه ومن
* المنقضى عنه (ويشبه) أن يكون النزاع مبتنيا على البساطة والتركب في مفهوم المشتق (فان
قلنا) بالتركب فحيث ان مفهوم المشتق اخذ فيه انتساب المبدء إلى الذات ويكفى في
الانتساب التلبس في الجملة (فلا محالة) يكون موضوعا للأعم بخلاف ما إذا قلنا بالبساطة
فإنه عليها ليس المشتق الأنفس المبدء المأخوذ لا بشرط فهو ملازم لصدق نفس المبدء
ومع انتفائه ينتفى العنوان الاشتقاقي أيضا ويكون حاله (حينئذ) حال الجوامد بعينها
في أن مدار صدق العنوان هو فعلية المبدء وإن كان بينهما فرق من جهة (وهى) ان
شيئية الشيئ حيث إنها بصورته والمادة غير متصفة بالعنوان أصلا فلا يصح الاستعمال
74

في المنقضى عنه وما لم يتلبس بعد أصلا بخلاف المشتقات (فان) المتصف بالعناوين
الاشتقاقية (هي) الذوات وهى باقية بعد زوال التلبس فيصح الاستعمال مجازا (وعليه)
فبعدما عرفت بمالا مزيد عليه بساطة العناوين الاشتقاقية (يظهر لك) الحق من القولين
وهو الوضع لخصوص المتلبس بالمبادئ على اختلافها ولا فرق في ذلك بين انحاء المشتقات
أصلا (واما) الأقوال الأخر (فهي) انما نشأت من اختلاف المبادى تارة من جهة
انقسامها إلى الاعراض كما هو الغالب أو الجواهر (والاعراض) تنقسم إلى مقولة الكيف
كما هو الغالب وإلى غيرها (والكيف) إلى جسماني ونفساني (والنفساني) إلى حال
وملكة باعتبار سرعة الزوال وعدمها (والجسماني) إلى ما كان من قبيل الافعال العرفية
أي ما كان نسبتها إلى موضوعاتها نسبة صدورية كالضرب والقتل وأمثالهما أو من قبيل
الصفات التي نسبتها إلى موضوعاتها نسبة الحلول كالسواد والبياض وأمثالهما (والجواهر)
تنقسم إلى ما كان النسبة بينها وبين الذات نسبة المبدئية كالحائض فان نسبة المرأة إلى
الدم نسبة المبدئية أو غيرها كالمشمس واللابن وغيرهما (واخرى) من جهة الفعلية و
الملكة والصناعة فاختلط ما كان مبدئه ملكة بما كان فعليا (ولذا استدل) على الأعم بصدق
المجتهد والبزاز على من لا يشتغل بالبزازية والاستنباط فعلا مع الغفلة عن أن المبدء
فيهما ملكة وصناعة فالتلبس بهما فعلى وانقضاء كل شئ بحسبه (أو من) جهة اختلاف
المشتقات بحسب هيئاتها ففصل بين أسماء الفاعلين وما يتبعها وبين أسماء الأمكنة
والآلات ونحوهما (وقد ظهر مما ذكرنا) عدم الفرق أصلا فيما يهمنا باختلاف المبادى
أو باختلاف النسب والإضافات (فنسبة العرض) إلى فاعله (وان) كانت أولية والى غيره
ثانوية وفضلة (الا) انها لا تتفاوت فيما نحن فيه (واما التفصيل) بين ما إذا كان المشتق
محكوما عليه أو به (أو بين) ما إذا كان الذات متصفة بضد المبدء وعدمه (فيظهر)
بطلانهما) مما ذكرناه أيضا (فالذي) يليق لان يكون محل الكلام بين الاعلام هو الوضع
مطلقا لخصوص المتلبس (أو للأعم وقد عرفت) ان المسألة مبتنية على مسألة البساطة والتركب
وتوضيح ذلك أنه ان قلنا بالوضع للمركب فلا محالة يكون الركن الوطيد
هو الذات وانتساب المبدء إليها كأنه جهة تعليلية لصدق المشتق عليها ومن المعلوم ان
النسبة الناقصة التقييدية لم يؤخذ فيها زمان دون زمان (كيف) وقد بينا عدم دلالة الافعال
75

على الزمان فالمشتقات لا تدل عليه بالأولوية (واما) من لم يتلبس به بعد فلا يصدق
عليه المشتق الا بالعناية ولحاظ علاقة الأول أو المشارفة لعدم تحقق الانتساب فلا ملازمة
بين عدم دلالتها على الزمان وصدقها على من لم يتلبس بعد على نحو الحقيقة (لما عرفت)
من أنها على تقدير التركب تدل على فعلية التلبس المفقودة فيمن لم يتلبس بعد بخلاف
المنقضى عنه (فحيث) ان التلبس والانتساب صار فيه فعليا والذات التي هي الركن في
صدق المشتق باقية (فلا محالة) يصدق المشتق عليه بحسب اقتضاء طبع المعنى في نفسه
" ولابد " في عدم الصدق " من " لحاظ عناية أخرى توجب التخصيص بأحد الفردين
" ولذا " كان المشهور بين القدماء القائلين بالتركب " هو " الوضع للأعم " وهذا " بخلاف
الوضع لمعنى بسيط فان الركن في صدق المشتق بناء على البساطة " هو " نفس المبدء
" غاية الأمر " انه ملحوظ بنحو يصح معه الحمل ولا يكون مبائنا للذات بحسب الوجود
فتقوم الصدق بالمبدء " فإذا " انعدم وانقضى " فلا محالة " لا يصدق العنوان الاشتقاقي الا
بالعناية " بل أقول " ان العناوين الاشتقاقية من هذه الجهة أسوء حالا من العناوين
الذاتية " بيان ذلك " ان العناوين الذاتية " وإن كانت " فعليتها بفعلية صورها والمادة غير
متصفة بالعنوان ابدا (الا ان) المادة قبل الاتصاف وبعد موجودة (ولذا) قلنا إن
الاستعمال فيها قبل الاتصاف وبعد انقضائه غلط وان العلائق المذكورة في علم البيان
من الأول أو المشارفة أو علاقة ما كان كلها مختصة بخصوص المشتقات (وهذا) بخلاف
العناوين الاشتقاقية فإنها عين مباديها وهى بسيطة فإذا انعدمت المبادى تنعدم العناوين
بالكلية ولا يبقى شئ أصلا (فان قلت) فعلى ما ذكرت لابد وأن لا يصح الاستعمال
في المنقضى عنه أو من لم يتلبس بعد في العناوين الاشتقاقية بطريق أولى فأنها كما
ذكرت أسوء حالا من العناوين الذاتية (قلنا) نعم (الا ان) المتصف بالعناوين
الاشتقاقية حين الاتصاف (هي) الذات (وحيث) أنها موجودة قبل الاتصاف وبعده
(فيصح) الاستعمال بخلاف العناوين الذاتية (فإنها) كما عرفت (عناوين) لنفس الصورة
والمادة غير متصفة بها في حال من الحالات ابدا (وبالجملة) بقاء الموصوف في العناوين
الاشتقاقية (هو المصحح) للاستعمال وان لم يكن مأخوذا في المعنى (وحاصل)
ما ذكرنا ان البراهين الدالة على بساطة المعنى تدل على الوضع لخصوص المتلبس وفاقا
76

لمتأخري الأصحاب والأشاعرة (ويدل عليها) زيادة على البراهين السابقة التبادر
(فإنه لا اشكال) ولا ريب في أن أهل كل لغة يتبادر إلى أذهانهم من الهيئات الاشتقاقية
ركنية المبدء ويلزمها بساطة المعنى وخروج الذات عن المفهوم (ويتفرع) عليه كون
المعنى) هو خصوص المتلبس (فكما أن) البراهين العقلية تدلنا على بساطة المعنى
(فكذلك) يدل عليها الفهم العرفي والتبادر في الأوضاع النوعية مما يسهل تحصيله
في كل لغة لكثرة دوران ما كان موضوعا بهذا الوضع على الا لسنة بحيث لا يخفى
معناه على من التفت إليه وان صعب تحصيله في الأوضاع الشخصية غاية الصعوبة
(وبالجملة) فلو شككنا في كل تبادر فلا نشك في انفهام ركنية المبدء من المشتقات (1)
ويلزمها الوضع لخصوص المتلبس ويتفرع على ذلك صحة السلب عما انقضى عنه المبدء
(ودعوى) منافاة صحة السلب مع صحة الحمل مع أنها مفروضة فيما نحن فيه
فكيف يعقل أن تكون علامة المجاز (مدفوعة) بأن صحة الحمل بالعناية لا تنافي
صحة السلب بلا عناية كما هو واضح (وأما) ما اورد عليها بما حاصله (بأنه ان أردتم)
صحة السلب المطلق (فهي) ممنوعة (وان) أردتم صحته مقيدا بكون المبدء فعليا
في الحال فهي لا تدل على المجازية فان سلب المقيد أعم من سلب المطلق كما هو
ظاهر (فمدفوع) بأنه بناء على البساطة كما أثبتناها لا يعقل هناك معنى جامع بين المتلبس
والمنقضى عنه فإن لم يصح السلب عن المنقضى عنه (2) والحاصل انه بعد اثبات بساطة
المعنى لا يعقل عدم صحة السلب عن المنقضى عنه بعد الفراغ عن عدم الاشتراك وعن
عدم الوضع له بخصوصه فلا حاجة إلى ما أجاب به الشيخ الأنصاري (قده) عن هذا
الاشكال بان صحة السلب باعتبار المعنى الوجداني الارتكازي من ألفاظ المشتقات
وان لم يمكن الزام الخصم بها بدعوى الوجدان كما في كل مقام (فلو ادعى) أحد ان
صحة سلب الأسد عن الرجل الشجاع (إن كان) باعتبار المعنى الجامع (فممنوعة)
والا فغير مفيدة (فلا يمكن جوابه) الا بما أجاب به الشيخ الأنصاري (قده) وان
لم يلزم به الخصم (بخلاف) ما نحن فيه فان الجامع بناء على البساطة غير معقول (حتى
يقال) بأن صحة السلب باعتباره ممنوعة والا فغير مفيدة (بل أقول) أنه لا يمكن ان

1 - لا يخفى ان استفادة ركنية المبدء من المشتقات وإن كانت ظاهرة الا انه لا ملازمة بينها
وبين بساطة المفاهيم الاشتقاقية نعم لازمها هو الوضع لخصوص المتلبس كما هو ظاهر
77

يتصور الجامع حتى بناء على التركيب (وبيانه) أن مفهوم المشتقات بناء على
التركيب (ليس) مركبا من مفهوم المبدء ونسبة ناقصة تقييدية حتى يكون المفهوم
مركبا من مفهوم اسمى وحرفي (إذ عليه) لا يمكن الحمل على الذات ابدا (ولا يمكن)
استعمالاتها (لما ذكرنا) سابقا من أن الحروف لا يصح استعمالها الا في طي الكلام
حتى تكون رابطة بين المفاهيم الاستقلالية (مع أنه) لا اشكال في حمل المشتقات
على الذوات وجواز استعمالها منفردة وافادتها لمعانيها وان لم تكن في ضمن تركب
كلامي (وتخصيص) الشيخ الأنصاري (قده) محل الكلام (والنزاع) بخصوص المفاهيم
الافرادية انما هو (للإشارة) إلى ذلك (ولئلا يدعى) الخصم بأن دلالتها على خصوص
المتلبس أو الأعم من جهة وقوعها في ضمن التراكيب الكلامية (بل) القائل بالتركب
انما يدعى التركب من الذات والمبدء (غاية الأمر) ان المفهوم متضمن لمعنى حرفي
كأسماء الإشارة والموصولات وغير ذلك (ولذا قلنا إنه) بناء على التركب فالذات هي
الركن لكنها لم تؤخذ مطلقة بحيث يكون المفهوم مركبا من المبدء والذات على اطلاقها
بل بما هي متضمنة لمعنى حرفي وحينئذ فحيث ان فردية الفردين أي المنقضى عنه والمتلبس
بلحاظ الزمان (فلابد) وأن يكون هناك زمان جامع بينهما (ومن المعلوم) ان مفاهيم
المشتقات عارية عن الزمان (فماذا) يكون جامعا بينهما مع قطع النظر عن الزمان
(وبماذا) يكون الفردان فردين مع قطع النظر عنه (فلابد) مع عدم اعتبار الزمان
في المفهوم وعدم تعقل جامع آخر بين المتلبس والمنقضى عنه أن يكون المشتق
موضوعا لخصوص المتلبس وأن يكون سلبه عن المنقضى عنه صحيحا (بداهة)
أن عدم صحة السلب (اما) باعتبار المعنى الجامع (أو من) جهة وضعه
لخصوص المنقضى عنه (أوله) بوضع آخر بنحو الاشتراك (والأول) غير معقول
" والأخيران " لا يلتزم بهما القائل بالأعم " والحاصل " ان الشبهة المذكورة في صحة
السلب " وان لم يمكن " دفعها فيما أمكن تصور الجامع العرفي بين المعنيين الا
بدعوى الوجدان غير المفيد في الزام الخصم الا أنه يمكن دفعها في خصوص ما لا يمكن فيه
تصور الجامع أبدا " بل التحقيق " انه لو تنزلنا عن عدم اخذ النسبة في مفاهيم المشتقات
" وقلنا " بوضع الهيئات للنسبة الناقصة التقييدية التي هي من المعاني الحرفية (لما)
78

أمكن تصور الجامع أيضا (فأن) حال النسبة التقييدية في المقام لا تزيد على ساير
النسب التقييدية كغلام زيد أو التامة كزيد انسان فكما لا يتوهم صدق النسبتين المذكورتين
في غير المتلبس (كذلك) في المقام بل النسبة الناقصة التقييدية كما عرفت نتيجة
النسبة التامة الخبرية فلو لم تكن التامة أعم من المنقضى عنه والمتلبس (فلابد) وأن
تكون الناقصة (أيضا) كذلك (فظهر) من جميع ما ذكرناه ان ما بنينا عليه من ملازمة
القول بالتركيب للوضع للأعم غير صحيحة (بل الحق) هو الوضع لخصوص المتلبس
مطلقا (وربما) يستدل على المطلوب بتضاد المبادى بعضها مع بعض كالقيام
والقعود فلا بد وأن يكون مشتقاتها أيضا متضادة وهو يدل على الوضع للمتلبس
والا لم يكن بينهما مضادة بل مخالفة لصدقهما فيما إذا كان التلبس بأحدهما منقضيا
وبالاخر فعليا فيجتمعان في الصدق فلا يكون بينهما مصادة (هذا) خلاف (وأورد) عليه بما
حاصله بتوضيح منا ان المبادى وإن كانت مضادة الا أنه لا يمتنع أن يحصل من ناحية الهيئات
فيها خصوصية يرتفع التضاد بها فتضاد المبادى لا يلازم تضاد المشتقات أصلا و (فيه) أن
هيئات المشتقات بناء على كون مفادها بسيطا لا تفيد الا اخراج المبدء عن البشرط لائية إلى
اللا بشرطية فهي هي بعينها والاختلاف باعتبار (فلا محالة) يكون التضاد باقيا على
حاله كما في مباديها (واما) بناء على التركيب فحيث انك عرفت عدم تعقل جامع بين المنقضى
عنه والمتلبس (فلا محالة) يكون موضوعا لخصوص المتلبس فيبقى التضاد على حاله (فأن
قلت) أن ما ذكرته من مضادة المعاني الاشتقاقية ينافي ما ذهب إليه علماء الميزان من أن
نقيض المطلقة العامة الدائمة المطلقة وان لا تنافى بين قضيتي زيد قائم وزيد قاعد الا إذا
قيد أحدهما بالدوام فينا في صدق الاخر ولو في أحد الأزمنة بالضرورة (قلت) ان نظر
المنطقي إلى البراهين المفيدة للقطع فلا محالة يكون نقيض زيد قائم زيد لبس بقائم
دائما (واما) لو لم يقيد بالدوام (فيمكن) أن يكون مراد المتكلم من الاثبات
الاثبات في زمان ومن النفي النفي في زمان آخر وإن كان على خلاف الظاهر إذ ليس نظره
إلى الظواهر أصلا بل إلى البراهين القطعية (وهذا) بخلاف الأصولي فان نظره إلى
الظواهر وما يفهم من اللفظ بحسب الانفهام العرفي فإذا فرضنا ان المشتق ظاهر في خصوص
المتلبس دون الأعم لوضعه له بخصوصه فلا محالة يكون بين الاثبات والنفي تناف بحسب
79

ظاهر الكلام والمتبع للأصولي ليس الا الظواهر (وبالجملة) المضادة بحسب الفهم
العرفي لا تنافي عدمها بحسب الفهم الفلسفي (ونظير) ما نحن فيه (ما توهمه)
بعض من أن مفهوم أدلة عدم انفعال الكر انفعال الماء القليل بشئ
في الجملة فان نقيض السالبة الكلية الموجبة الجزئية لا الكلية مع الغفلة
عن (أن) المنافاة القطعية بينهما (وعدم) امكان اجتماعها عقلا كما عليه نظر المنطقي
(لا تنافى) أن يكون ظهور القضية في الموجبة الكلية كما عليه نظر الأصولي (فان)
قولهم عليهم السلام إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه شئ) ينحل بنظر العرف إلى قضايا
متعددة كقولنا (لا) ينجسه بول (ولا) دم (ولا) و (لا) فيكون مفهومه بنظرهم إذا
لم يكن الماء قدر كر ينجسه كذا وكذا وكذا والمدار في الاستنباط على الظهور
العرفي (1) لا على الدقة الفلسفية فتدبر
واستدل القائل بالأعم بوجوه الأول كثرة الاستعمال في موارد الانقضاء (فلو)
كان حقيقة في خصوص المتلبس (لزم) كثرة الاستعمالات المجازية وهى منافية
لحكمة الوضع (وفيه) أن الاستعمال في موارد الانقضاء وإن كان كثيرا (الا) أنه لم
يعلم أن الاستعمال بلحاظ حال الانقضاء حتى يكون مجازا بل الظاهر أنه بلحاظ حال
التلبس والاشكال في كونه على هذا حقيقة وتوهم أن الاستعمال لو كان بلحاظ حال
التلبس حتى يكون حقيقة فلا يكون فرق في هذا اللحاظ بين المشتقات والجوامد مع
أن الاستعمال في الجوامد في حال الانقضاء ولو بلحاظ حال التلبس في غاية الندرة
(مدفوع) بما ذكرناه سابقا من أن المتلبس بالأوصاف الذاتية هي الصور النوعية
لا الهيولي المبهمة حتى في حال وجود الصور أيضا " فإذا " زالت الأوصاف الذاتية انعدمت
موضوعاتها أيضا (وما) هو باق (ليس) الا الهيولي المبهمة غير المتصفة بالوصف
العنواني أصلا بخلاف العناوين الاشتقاقية " فأن " الموصوف فيها " وهى " الذات باقية
بعد انقضاء الوصف فيصح الاستعمال فيها بلحاظ حال التلبس بلا عناية " فاتضح مما

1 - قد بينا في محله ان المفهوم من تعليق الحكم على الشرط انما هو ارتفاع الحكم المذكور عند
ارتفاع الشرط فإذا كانت القضية سالبة كلية فرفع الحكم المذكور فيها ولو عرفا ليس الا نقيض
الحكم ولو بنحو الموجبة الجزئية واما اثبات الموجبة الكلية فهو يحتاج إلى دليل آخر
غير المفهوم
80

ذكرنا أنه لا ملازمة بين كثرة الاستعمال في موارد الانقضاء وبين كثرة المجاز بل الملازمة
بينها وبين كثرة الاستعمال بلحاظ حال الانقضاء وكثرة الاستعمال بلحاظ هذا الحال
" ممنوعة جدا " بل لم يعلم مورد لا يمكن الاستعمال فيه بلحاظ حال التلبس فضلا
عن كثرته " فان قلت " أن آية السرقة والزنا من هذا القبيل فان الظاهر بل المتعين
أن الاستعمال فيهما بلحاظ حال الانقضاء " قلت " كلا بل يمتنع أن لا يكون بلحاظ
حال التلبس فان صدور السرقة هي العلة للحكم والسارق هو تمام الموضوع ويمتنع
انفكاك الحكم عن موضوعه كانفكاك المعلول عن علته التامة فالسارق حين صدور
السرقة منه محكوم بوجوب جلده " غاية الأمر " أن الحكم المذكور لا يسقط مع
عدم امتثاله وأين هذا من استعمال المشتق في المنقضى عنه بلحاظ حال الانقضاء بل إن
كون الاستعمال في الآية المباركة في حال الانقضاء ممنوع فضلا عن كونه بلحاظ الانقضاء
(بل) هي من قبيل القضايا الحقيقية التي فعلية الحكم فيها بفعلية موضوعه فيدور فعلية
الحكم مدار فعلية السرقة ويمتنع تخلفها عنها والا فما فرضناه موضوعا تاما للحكم يلزم
أن لا يكون كذلك وهو خلف (وبالجملة) الحكم على قسمين " قسم " يدور مدار
موضوعه وجودا وعدما فلا يبقى الحكم بعد انقضاء الوصف المأخوذ في الموضوع
كحرمة شرب الخمر فإنها تدور مدار الخمرية وجودا وعدما (وقسم آخر) يدور مدار
وجود موضوعه في الخارج ولا يحتاج إلى بقاء الموضوع في بقائه فتكون العلة المحدثة
علة مبقية أيضا ولا يسقط هذا الحكم الا بالامتثال كحكم السارق والزاني وفى كلا
القسمين حدوث الحكم فرع التلبس بالوصف فلابد وأن يكون المشتق مستعملا في المتلبس
والا يلزم تخلف الحكم عن موضوعه
(ومما ذكرناه ظهر فساد الاستدلال للأعم باستدلال الإمام عليه السلام على عدم
لياقة من كان عابدا للوثن للخلافة بآية (لا ينال عهدي الظالمين) بأنه لو كان المشتق
موضوعا للمتلبس لما صح الاستدلال بالآية قطعا لعدم اتصافهم بهذا الوصف ظاهرا حين
التصدي للخلافة (وجه الفساد) أن هذه القضية من القضايا الحقيقية التي عرفت أن
فعلية الحكم فيها بفعلية موضوعه فمن اتصف بالظلم في زمان ما يشمله الحكم قطعا وهو
ان عهد الله لا يناله ابدا " غاية الأمر " أن استدلال الإمام عليه السلام بالآية مبتن على
81

أن يكون حدوث الظلم ولو آنا ما علة لعدم نيل الخلافة حدوثا وبقاء وأين هذا من
استعمال المشتق في الأعم
(تبصرة) لا يخفى أنه ليس لأحد ان يمنع عن كون الظلم وهو عبادة الأوثان في
مورد الآية علة لامتناع نيل عهد الله ولو بعد زواله وانعدامه فانا " وان " لم نشترط
العصمة بالمعنى المعتبر في الإمام عليه السلام حين إمامته قبل اتصافه بالإمامة " الا "
أنه لابد من اعتبار كونه خاليا عن الرذائل والأوصاف الذميمة حتى لا يكون مطعونا فيه
بعد إمامته بما علم منه سابقا فمنصب الخلافة لعظم قدرها لابد وأن يكون المتلبس بها
غير متلبس بما ينافي من الظلم لو في آن ما
(فمن الغريب) ان الفخر الرازي لما تعرض لتفسير هذه الآية المباركة ذكر ما حاصله
أن الشيعة استدلوا بهذه الآية على عدم لياقة الخلفاء الثلاثة للخلافة الإلهية لانهم كانوا عابدين
للوثن مدة مديدة و (أجاب) عنه بأن استدلالهم انما يتم بناء على كون المشتق حقيقة
في الأعم من المنقضى عنه والمتلبس وهو (ممنوع) بل الحق انه موضوع لخصوص المتلبس
(ثم) اورد على نفسه بأنهم فيما كانوا متلبسين بالظلم شملهم قوله تعالى لا ينال عهدي
الظالمين (فدلت) الآية المباركة على عدم لياقتهم للخلافة ابدا ولقد أجاد فيما أفاد
وانصف (والحق ينطق منصفا وعنيدا) و (حاصل) ما ذكره يرجع إلى ما ذكرناه من كون
القضية قضية حقيقية وأن الظلم ولو آنا ما علة لعدم نيل الخلافة حدوثا وبقاء
وينبغي التنبيه على أمور
(الأول) ان المراد من الحال ظهر من مطاوي ما ذكرناه هو حال التلبس
لا حال النطق لبداهة ان قضية كان زيد ضاربا أو يكون ضاربا حقيقة وإن كان الضرب
منقضيا في الأول ومما لم يتلبس به زيد في الثاني فاطلاق المشتق بلحاظ حال التلبس حقيقة
وإن كان الذات غير متصف بالمبدء حين الاستعمال (ثم إن) المشتق (اما) أن يؤخذ في
ناحية الموضوع (أو) في ناحية المحمول وعلى تقدير اخذه في الموضوع فاما أن يكون
تمام الموضوع أو جزئه كما أنه على تقدير اخذه في المحمول اما أن يكون تمام المحمول
(أو) جزئه (وما) اخذ في الموضوع (اما) أن يكون معرفا (أو) مما له دخل في الحكم
(اما) ما كان من قبيل المعرف كالحكم بعدم جواز استصحاب اجزاء غير مأكول اللحم
82

في الصلاة فان العنوان فيه معرف لما جعل موضوع الحكم حقيقة من الماهيات الخارجية
كالأسد والأرنب وغير ذلك (فهو) ليس قسما برأسه فان المعرف لا محالة يكون مرآة
للموضوع الحقيقي والكلام في أقسامه (واما) ما كان بنفسه موضوعا حقيقة فهو على
قسميه من كونه تمام الموضوع أو جزئه (اما) أن يكون علة للحكم حدوثا وبقاء أو يكون
علة للحكم حدوثا فقط فبقائه ببقائه وارتفاعه بارتفاعه (وعلى كل تقدير) فلا محالة
لا ينفك الحكم عن وجوده فلابد وأن يكون مستعملا في خصوص المتلبس والا فيلزم
ما ذكرناه سابقا من تخلف الحكم عن موضوعه وهو محال (واما) ما اخذ في المحمول
بقسميه ولم يكن في القضية رابطة زمانية (فان) استعمل في المتلبس (فلا اشكال) في أنه
بلا عناية ولا تكلف (واما) إذا استعمل في المنقضى عنه (فحيث) ان المحمول انما
حمل في ظرف الانقضاء وعدم التلبس (والحمل) يقتضى بظاهره التلبس الفعلي (فيقع)
التنافي بينهما لا محالة فلابد من تكلف وعناية (اما) بأن يفرض المنقضى عنه متلبسا
تنزيلا أو بأن يلحظ الحمل باعتبار تلبسه السابق حتى يكون مفاد القضية أن زيدا هو
الذي تلبس بالضرب سابقا (وكلاهما) بعيدان عن الافهام العرفية (فظهر) ان المشتقات
إذا كانت مأخوذة في عقد الوضع يستحيل استعمالها في المنقضى عنه (وان) كانت مأخوذة
في عقد الحمل فيبعد ذلك (ويترتب) عليه ان الاستعمال في المنقضى مجازا في غاية
الندرة بل ملحق بالمعدوم (ودعوى) الكثرة نشأت من خلط موارد الاستعمال في
الانقضاء بالاستعمال بلحاظ حال الانقضاء فتدبر جيدا
الأمر الثاني أن العنوان المذكور في محل النزاع " وان " كان يعم جميع المشتقات
" الا " انه لابد من تخصيصه (1) بغير اسم المفعول واسم الآلة فان الأول موضوع

1 - لا يخفى ان اسم المفعول انما وضع لمن يكون نسبة المبدء إليه نسبة الوقوع سواء
كانت هذه النسبة متحققة في الخارج أو لم تكن فلفظ المضروب مثلا في قولنا زيد مضروب
قد استعمل في عين ما استعمل فيه قولنا عمر وليس بمضروب ومن هنا يكون اطلاقه بلحاظ
ظرف التلبس حقيقة مطلقا ولو في مورد لم يتحقق فيه التلبس بالمبدء بالفعل كما في قولنا زيد
يكون مضروبا غدا وعليه فلا مجال لدعوى خروج اسم المفعول عن حريم النزاع بل يكون
حاله حال بقية المشتقات بلا فرق بينه وبينها أصلا واما اسم الآلة ففرض الانقضاء فيه انما
يكون بانقضاء التهيأ والاستعداد كما إذا اخرج المفتاح مثلا عن قابلية الفتح به فهو أيضا
بهذا اللحاظ داخلا في محل النزاع فلا موجب لاخراج شئ من المشتقات عن حريم النزاع أصلا
83

لمن وقع عليه الفعل " وهذا " المعنى ممالا يعقل فيه الانقضاء ابدا " بداهة " ان الشيئ
بعد وقوعه لا ينقلب عما هو عليه " فصدق " المشتق حال تلبسه وانقضائه على نحو واحد
" واما " اسم الآلة فان الهيئة فيه موضوعه لاسناد المبدء إلى ما يقوم به بالتهئ والاستعداد
بمعنى انها موضوعة لإفادة صلاحية الموضوع لقيام المبدء به فلا يشترط فيها التلبس بالمبدء
أصلا (بداهة) صدق المفتاح مع عدم التلبس بالفتح في زمان من الأزمنة
(الأمر الثالث) انه قد ظهر مما ذكرنا سابقا ان المبادى مأخوذة (1) بشرط لا والمشتقات
لا بشرط وهذا انما يتم فيما إذا كان المبدء غير الذات كما في صفات الممكن واما ما كان
المبدء فيه عين الذات كما في صفات الواجب فيشكل الامر فيها فلابد من الإلتزم بما ذهب
إليه صاحب الفصول (قده) من نقل الصفات فيه تبارك وتعالى عن المعاني اللغوية وهو
أيضا مما لا يمكن أن يلتزم به لاستلزامه تعطيل العقول عن فهم الأوراد والاذكار بالكلية
والتحقيق في الجواب أن يقال إن صفات الله تبارك وتعالى التي مرجعها إلى العلم والقدرة
على ما هو المعروف وإن كانت عين ذاته وبعضها عين الاخر الا انها بحسب الخارج واما
بحسب اللحاظ فقد تؤخذ لا بشرط ويصح حمل بعضها على بعض واخرى بشرط لا فلا
يكون قابلة للحمل ونمثل لذلك مثالا عرفيا تقريبا للأذهان (فنقول) ان النفس الناطقة الانسانية
نسبتها إلى معلوماتها وتصوراتها نسبة الخلق والايجاد فقد تلاحظ التصورات بما انها
تحت حيطتها بحيث تفنى بغفلة النفس عنها ولو آنا ما فيعبر عنها بالقدرة والإحاطة والاستيلاء

1 - قد بينا فيما سبق بطلان التفرقة بين المشتقات ومباديها باعتبار اللا بشرطية والبشرط
لائية وذكرنا انه لا مناص من اخذ الذات المبهمة من جميع الجهات غير جهة ثبوت المبدء لها
في المفهوم الاشتقاقي وعليه فكما يكمن أن يكون المبدء مغايرا في الموجود مع الذات
كذلك يمكن أن يكون متحدا معها في الوجود بل في المفهوم أيضا كما في قولنا
الضوء مضئ والوجود موجود وقد ذكرنا ان النسبة المأخوذة في المفهوم الاشتقاقي
ليست نسبة خارجية حتى لا يعقل تحققها بين الشيئ ونفسه بل هي عبارة عن تضييق
المفهوم مع قطع النظر عن الوجود والعدم كما مر توضيح ذلك في بيان معاني الحروف
وعليه فلا موجب للالتزام بالنقل أو التجوز في حمل مثل العالم والقادر عليه تعالى ولكنه
لا يخفى انه بناء على النقل أو التجوز فلا يراد من العالم الأنفس العلم والحضور كما لا يراد
من القادر الأنفس القدرة والإحاطة فلا بكون ذلك مستلزما لتعطيل العقول عن فهم
الأوراد والاذكار أصلا
84

(وأخرى) بما انها حاضرة للنفس بنفس ذواتها بحضور ذاتي فيعبر عنها بالعلم إذ لا
معنى للعلم الا الحضور والانكشاف فقدرة النفس إذا أخذت بشرط لا أي بشرط
ان لا يلحظ جهة الحضور والانكشاف فلا يمكن حمل العلم عليها ولا
حملها على العلم وإذا أخذت لا بشرط فيصح حمل أحدهما على الاخر (هذا) حال
النفس التي هي مثال وظل له تبارك وتعالى ويعلم منها كيفية حمل صفاته تعالى بعضها
على بعض (ومنه) ظهر وجه حمل صفاته على الذات أيضا (فان) العلم مثلا إذا اخذ بشرط
لا (فكما) لا يصح حمله على القدرة (كذلك) لا يصح حمله على الذات المتحدة معها أيضا
(واما البحث عن كيفية) اتحاد ذاته تعالى مع صفاته فهو خارج عن محل كلامنا ومن أدق المسائل
الكلامية فلا وجه للخوص فيه أصلا (بل الكلام) متمحض في جهة اللا بشرطية والبشرط لائية
(فان قلت) ان المفاهيم الاشتقاقية يتبادر منها مغايرة مباديها لما تحمل عليه فلا
بد في حملها عليه تعالى من الالتزام بالتجوز أو النقل لفرض اتحاد مباديها مع الذات
(قلت) لا شبهة ان المغايرة المذكورة لم تؤخذ في مفاهيم المشتقات (غاية) الامر
ان المتعارف في صدق المشتقات (كذلك وعدم) فهم العرف صدقه على المتحد لخفائه
(لاربط له) بتعدد المفهوم أصلا فالمفهوم واحد غاية الأمر ان التشكيك في صدقه والمتبع
هو نظر العرف في فهم المعاني لافى كيفية الصدق على ما في الخارج
(بقى هناك) تنبيهان آخر ان أشار إليهما صاحب الكفاية (قده) أحدهما انه
توهم بعضهم انه لا يشترط في صدق المشتق على شئ المبدء به ومثل له بصدق
الضارب والمؤلم مع قيام الضرب والألم بالمضروب والمؤلم (وليت شعري) ما أراد
هذا المتوهم فهل يعقل صدق المشتق الذي بينا انه عبارة عن نفس المبدء المأخوذ لا بشرط
مع عدم قيام المبدء بالذات وكيف يعقل حمله عليها أو وصفها به (غاية الأمر) انه يختلف
كيفية التلبس فتارة يكون القيام حلوليا (واخرى) صدوريا كما في المثالين (وثالثة)
غير ذلك (الأمر الثاني) انه توهم بعض ان استعمال المشتق في معناه حقيقة أي في
المتلبس يشترط فيه أن يكون الاسناد حقيقيا كما في الماء الجاري لا مجازيا كما في
الميزاب الجاري (والذي يمكن) ان يقال إنه لو بنينا على تركب المشتق (فحيث)
انه مشتمل على النسبة الناقصة التقييدية وقد بينا سابقا انها نتيجة النسبة التامة الخبرية
85

فإن كانت نسبة حقيقية (كانت) الناقصة أيضا كذلك وان (كانت) مجازية كانت الناقصة مثلها (واما)
إذا قلنا ببساطته فحيث انه عار من النسبة فيكون حاله حال المبدء بل هو هو (غاية الأمر)
ان الاختلاف بينهما باللا بشرطية والبشرط لائية فكما يكون استعمال لفظ الجريان
في معناه في قولنا جرى الميزاب حقيقيا كذلك يكون في قولنا الميزاب جار ولا ملازمة
بين مجازية الاسناد ومجازية الكلمة أصلا (والتحقيق) ان الامر كذلك ولو بنينا على التركب
فان المفهوم كما ذكرناه بسيط في مقام الادراك لا محالة (غاية الأمر) انه عند التحليل ينحل
إلى ذات ومبدء ملحوظين بنحو خاص أي بما أن أحدهما قائم بالآخر فالنسبة بما هي
نسبة غير ملحوظة في مفهومه أصلا فلا تكون ملازمة بين مجازية الاسناد في النسبة التامة
بل الناقصة كما في الميزاب الجاري وبين مجازية الكلمة فيكون توهم ملازمة
مجازية الاسناد لمجازية الكلمة في المفاهيم الاشتقاقية باطلا على كلا القولين.
* (المقصد الأول في الأوامر وفيه فصول) *
الفصل الأول
فيما يتعلق بمادة الامر وقد ذكر لها بحسب اللغة معان متعددة (منها) الشيئ
والطلب والحادثة والغرض وغير ذلك (والتحقيق) أنه لا اشكال في كون الطلب المنشأ
بأحدى الصيغ الموضوعة له معنى له وأن استعماله فيه بلا عناية وأما بقية المعاني فالظاهر
أن كلها راجعة إلى معنى واحد وهى (1) الواقعة التي لها أهمية في الجملة وهذا المعنى
قد ينطبق على الحادثة وقد ينطبق على الغرض وقد يكون غير ذلك (نعم) لابد
وأن يكون المستعمل فيه من قبيل الافعال والصفات فلا يطلق على الجوامد (بل يمكن)
أن يقال إن الامر بمعنى الطلب أيضا من مصاديق هذا المعنى الواحد (2) فإنه أيضا من
الأمور التي لها أهمية فلا يكون للفظ الامر الا معنى واحد تندرج فيه كل المعاني

1 - الظاهر أنه لاوجه لاخذ الأهمية قيدا في مفهوم الامر فإنه يصح توصيف الامر
بأنه لا أهمية له فلو كان التقيد بالأهمية مأخوذا فيه لزم التناقض من توصيفه بذلك
2 - الظاهر أن اطلاق الامر على الطلب وعلى غيره من قبيل الاشتراك اللفظي فإنه
يجمع الامر بمعنى الطلب على أوامر وبالمعنى الاخر على أمور واختلاف الجمع شاهد
على اختلاف المعنى
86

المذكورة وتصور الجامع القريب بين الجميع وإن كان صعبا الا أنا نرى وجدانا
أن الاستعمال في جميع الموارد بمعنى واحد ومعه ينتفي الاشتراك اللفظي.
ثم إن صيغة افعل حيث أنها من مصاديق الامر ونسبتها إليه نسبة المصداق
إلى المفهوم فيكون (1) الامر في الدلالة على الوجوب كالصيغة في الدلالة عليه واما
التفكيك بينهما في ذلك فهو وإن كان بالنظر البدوي أمرا ممكنا بأن يقال بدلالة الصيغة
على الوجوب دون الامر أو بالعكس الا انه خلاف التحقيق لما ستعرف من أن دلالة
الصيغة على الوجوب انما هو بوجه يشبه الانصراف وان لم يكن انصرافا حقيقة فلا
محالة تدل مادة الامر على الوجوب أيضا بتلك الدلالة وان لم يكن الاستعمال في غيره
مجازا لعدم أخذ الوجوب في الموضوع له فلا يكون الاستعمال في خلاف الموضوع
له الذي هو ملاك المجازية (ثم لا) يخفى أن الصيغة مطلقا ليست من مصاديق الامر
بل خصوص ما صدر من العالي بعنوان المولوية وجوبيا أو استحبابيا دون ما أذا كان
بعنوان الشفاعة أو الارشاد والا كان من مصاديق الارشاد والشفاعة دون الامر
وأما إذا كانت صادرة عن المساوى أو السافل فتكون مصداقا للإلتماس أو الدعاء ولا تكون
مصداقا للامر وبالجملة يشترط في صدق الامر على الصيغة كونها صادرة من العالي
بعنوان المولوية.
الثاني فيما يتعلق بصيغة الامر ويقع الكلام في مقامين (الأول) من جهة شرح
اللفظ (والثاني) من الجهة الأصولية (أما المقام الأول) فتوضيح الحال فيه أن هيئات
الافعال مطلقا كما مر في بحث المشتق موضوعة (2) لنسب خاصة والنسبة تارة تكون
اخبارية وأخرى انشائية مثلا هيئة الفعل الماضي موضوعة لإفادة تحقق المادة والنسبة
المأخوذة فيه نسبة تحققية ولذا قلنا بدلالته على الزمان التزاما فيما إذا كان أخبارا وأما
إذا كان انشاء فقد يكون لانشاء تحقق المادة بنفس اللفظ كما في لفظ بعت الموجدة لنفس
البيع في عالم الاعتبار وقد يكون لانشاء تحقق المادة في عالم التشريع فيفيد مطلوبية

1 - دلالة لفظ الامر المستعمل في الطلب على الوجوب لعين الوجه الذي يقتضى دلالة
الصيغة على الوجوب وإن كان صحيحا الا انه ليس لما افاده قدس سره من أنه من مقتضيات
كون الصيغة من مصاديق الامر ودلالة الصيغة على الوجوب كما هو ظاهر
2 - قد مر الكلام في تحقيق مفاهيم هيئات الافعال وما هو المستفاد من هيئة الامر فراجع
87

المادة من المكلف وهذا وإن كان نادر الاستعمال في غير القضايا الشرطية بل لم نجد مورد
يكون كذلك الا أنه كثير الاستعمال فيها وبالجملة فمفاد الفعل الماضي في الجميع تحقق
المادة سواء كان في الخارج أوفى عالم الاعتبار أو في عالم التشريع (وأما) هيئة الفعل
المضارع فهي موضوعة للنسبة التلبسية بمعنى أنه يفيد تلبس الفاعل بالمادة فعلا واما
ما ذكره النحويون من كونه مشتركا بين الحال والاستقبال فقد عرفت بطلانه سابقا وان
الدلالة على الاستقبال لابد وأن تكون بمعونة كلمة سين أو سوف والنسبة
التلبسية تارة تكون اخبارا وأخرى انشاء لإفادة تلبس الفاعل بالمادة في عالم
الاعتبار بناء على صحته كما هو قول بعض أول إفادة تلبس الفاعل بها في عالم التشريع
كما في الاستعمالات الشايعة المتعارفة فالمستعمل فيه على كل تقدير هي النسبة
التلبسية والانشاء والاخبار في الافعال خارجان عن المداليل اللفظة بل هما
من المداليل السياقية كما سبق في مباحث الحروف (وأما) صيغة الامر فهي دالة على النسبة
الانشائية الايقاعية فقط فما لم تصدر الصيغة لا يتصف المكلف بأنه وقع عليه المادة في عالم
التشريع ويكون ايقاعها عليه وجعله في كلفتها بنفس الانشاء فهي موضوعة للنسبة
الانشائية الايقاعية ولا تستعمل في غير ذلك ابدا فإذا ظهران ما وضعت له الهيئة ليس
الا النسبة الايقاعية الإنشائية ظهر لك ان القول بكون الموضوع له هو الطلب الانشائي
لا معنى له نعم قد بينا في مبحث الحروف انها بعد استعمالها في معانيها تكون من مصاديق
المعنى الأسمى كحروف النداء مثلا فإنها إذا استعملت في معانيها النسبية تكون من
مصاديق النداء الذي هو معنى اسمى وكذلك الهيئة إذا استعملت في معناها يكون من
مصاديق الطلب وهذا غير الوضع لمفهوم الطلب كما هو واضح

بقى الكلام في اتحاد الطلب والإرادة وعدمه والكلام فيه يقع في موضعين (الأول)
في اتحاد مفهومهما وعدمه (والثاني) في أن الموجود في النفس المترتب عليه حركة
العضلات هل هو أمور ثلثة التصور والتصديق بالفائدة والشوق المؤكد المعبر عنه
غالبا بالإرادة كما هو المعروف أو هناك أمر آخر متوسط بين الإرادة والحركة ونسبته
إلى النفس نسبة الفعل إلى فاعله لا نسبة الكيف إلى موضوعه كما ذهب إليه جماعة من
محققي المتأخرين وقبل الخوض في ذلك لابد من التنبيه على أمر وهو ان القائلين
88

بوحدة الطلب والإرادة على اجمال المراد منها لم يقيموا برهانا أصلا وانما
أحالوها إلى الوجدان وانه لا نرى غير الإرادة أمرا آخر يسمى بالطلب وسيتضح لك
إن شاء الله تعالى ان الامر على خلاف ما يدعونه إذا عرفت ذلك (فنقول) اما الكلام
في الموضع الأول فحاصله ان المدعى للوحدة وجدانا ان أراد أن المفهوم من أحدهما
هو عين المفهوم من الاخر بأن يكون لفظا الطلب والإرادة مترادفين فالانصاف ان الوجدان
على خلاف ما ادعوه فان الإرادة باتفاق الجميع عبارة عن الكيف النفساني القائم بالنفس
واما الطلب فهو عبارة عن التصدي لتحصيل شئ في الخارج فلا يقال طالب الضالة
الا لمن تصدى لتحصيلها في الخارج دون من يشتاق إلى تحصيلها فقط وان لم يتصد لتحصيلها
في الخارج واطلاقه على الفعل النفساني بناء على ثبوت مرتبة أخرى غير الإرادة
فإنما هو من باب اخذ الغايات وترك المبادى فإنه أيضا يوجد باعمال النفس وان لم يكن
محتاجا إلى تعب ومشقة كما في اطلاق الاكل على مجرد البلع من دون مضغ فإنه أيضا
من هذا القبيل والحاصل ان الطلب في التشريعيات عبارة عن نفس ايجاد الصيغة فإنه
بها يتصدى الامر لتحصيل مطلوبه في الخارج وفى التكوينيات ليس هناك تصد أصلا بل
بمجرد تحريك النفس للعضلات يوجد المطلوب قهرا فليس هناك مطلوب منه حتى
يتوقف وجود المطلوب على إرداته وعليه فيكون اطلاق الطلب على تحريك النفس
من باب الاخذ بالغاية وترك المبادى (وان أراد) انهما مفهومان متغايران غاية الأمر انهما
يصدقان على أمر واحد باعتبارين كما يصدق النية والعزم والقصد على شئ واحد باعتبار
كونه مضمرا في النفس وباعتبار رفع التردد وباعتبار الاستقامة فهو وإن كان وجيها
بالنسبة إلى الدعوى الأولى الا انه أيضا فاسد في حد ذاته فان الإرادة كما عرفت من مقولة
الكيف والطلب من مقولة الفعل (1) ويستحيل صدق المقولتين على أمر واحد باعتبارين
لتباينهما (فظهر) ان الحق في هذا المقام مع القائلين بالتغاير وفاقا للأشاعرة
واما الموضع الثاني فالحق فيه (2) أيضا ان هناك مرتبة أخرى بعد الإرادة تسمى

1 - مفهوم الطلب على ما عرفت عبارة عن التصدي لحصول المراد وهو وان لم يكن
من مقولة الفعل الاصطلاحية الا انه لا ريب في كونه من الافعال العرفية الصادرة عن إرادة
واختيار فلا يمكن ان يتحد مع مفهوم الإرادة مصداقا
2 - ما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره في تصوير الامر بين الامرين وكشف الغطاء عما دلت
عليه الروايات الواردة عن المعصومين عيلهم السلام هو محض الحق الذي لا ريب فيه
بداهة ان الفعل الاختياري بعد تعلق الشوق به لا يخرج عن كونه تحت اختيار المكلف
وسلطانه بل هو على ما كان عليه من أنه إذا شاء فعله وإذا لم يشأ لم يفعله ولكنه مع ذلك
لا مانع من استناده إلى الله تعالى بوجه من جهة عدم استقلال العبد في ايجاده فان وجود
الفعل يتوقف على أن يفيض الله تعالى الوجود والقدرة وغيرهما من مبادى الفعل على
العبد آنا فانا على ما هو الصحيح من أن الممكن لا يستغنى في بقائه عن المؤثر ولتوضيح
ذلك نمثل مثالا عرفيا يفترق به كل من مذهبي الجبر والتفويض عن المذهب الحق فنقول
إذا فرضنا ان المولى اعطى لعبده سيفا مع علمه بأنه يقتل به نفسا فالقتل إذا صدر منه
باختياره لا يكون مستندا إلى المولى بوجه فإنه حين صدوره يكون أجنبيا عنه بالكلية غاية الأمر
انه هيأ باعطائه السيف مقدمة اعدادية من مقدمات القتل وبعد ذلك قد خرج أمر
القتل عن اختياره بحيث لو شاء ان لا يقع في الخارج لما تمكن منه وهذا هو واقع التفويض
وحقيقته كما أنه إذا شد آلة الجرح بيد العبد مع فرض ارتعاش اليد بغير اختيار العبد فأصابت
الآلة من جهة الارتعاش نفسا فجرحته فالجرح لا يكون صادرا من العبد بإرادته واختياره
بل هو مقهور عليه في صدوره منه لا محالة وهذا هو واقع الجبر وحقيقته وإذا فرضنا
ان يد العبد مشلولة لا يتمكن من تحريكها الا مع ايصال الحرارة إليها بالقوة الكهربائية
أو بغيرها فاوصل المولى القوة إليها بوساطة سلك يكون أحد طرفيه بيد المولى فذهب
العبد باختياره إلى قتل نفس والمولى يعلم بذلك فالفعل بما انه صادر من العبد باختياره
فهو اختياري له وليس هو بمقهور عليه وبما ان السلك بيد المولى وهو الذي يعطى القوة
للعبد آنا فانا فالفعل مستند إليه وكل من الاسنادين حقيقي من دون أن يكون هناك تكلف
أو عناية وهذا هو واقع الامر بين الامرين فالافعال الصادرة من المخلوقين بما انها تصدر منهم
بالإرادة والاختيار فهم مختارون في أفعالهم من دون أن يكون هناك شائبة القهر والاجبار
وبما ان فيض الوجود والقدرة والشعور وغيرها من مبادى الفعل يجرى عليهم من قبل الله تعالى
آنا فآنا بحيث لو انقطع عنهم الفيض آنا واحدا لما تمكن العبد فيه من فعل ابدا فالافعال الاختيارية
بين الجبر والتفويض ومنتسبه إلى المخلوقين من جهة والى الخالق من جهة أخرى فإنهم ذلك
واغتنمه
89

بالطلب وهو نفس الاختيار وتأثير النفس في حركة العضلات وفاقا لجماعة من محققي المتأخرين
ومنهم المحقق صاحب الحاشية (قده) والبرهان عليه أن الصفات القائمة بالنفس من الإرادة
90

والتصور والتصديق كلها غير اختيارية فإن كانت حركة العضلات مترتبة عليها من غير تأثير
النفس فيها وبلا اختيارها فيلزم أن لا تكون العضلات منقادة للنفس في حركاتها وهو باطل
وجدانا فان النفس تامة التأثير في العضلات من دون أن يكون لها مزاحم في سلطانها و
ملكها وللزم أن تصدق شبهة امام المشككين في عدم جوار العقاب بان الفعل معلول للإرادة
والإرادة غير اختيارية وان لا يمكن الجواب عنها ولو تظاهر الثقلان كما ادعاه واما
الجواب عنها بان استحقاق العقاب مترتب على الفعل الاختياري أي الفعل الصادر عن
الإرادة وإن كانت الإرادة غير اختيارية فهو لا يسمن ولا يغنى من جوع بداهة أن المعلول
لأمر غير اختياري غير اختياري وتسميته إراديا من جهة سبقه بالإرادة من غير اختيار لا يوجب
عدم كون العقاب ظلما وتعديا في حق العبد المسكين العاجز المقهور في إرادته التي لا تنفك
عن الفعل بل يلزم أن يكون الباري جل وعلا مقهورا في أفعاله فان الإرادة التي هي علة
تامة لوجود المعلولات عن ذاته ومن البديهي أن ذاته تعالى وتقدس غير اختيارية له
تبارك وتعالى (والحاصل) أن علية الإرادة للفعل هادم لأساس الاختيار ومؤسس لمذهب
الجبر بخلاف ماذا أنكرنا علية الصفات النفسانية من الإرادة وغيرها للفعل وقلنا بأن
النفس مؤثرة بنفسها في حركات العضلات من غير محرك خارجي وتأثيرها المسمى بالطلب
انما هو من ذاتها فلا يلزم محذور أصلا ويثبت الامر بين الامرين كما هو المذهب الوسط
وبهذه النظرية الدقيقة المثبتة للامر بين الامرين كما صرحت به روايات أهل البيت عليهم
السلام يستدل على الحق فيهم ومعهم فإنه مما أعيى ادراكه عقول الفلاسفة وذوي الأفكار
(فان قلت) ان الأمر الرابع الذي بنيت عليه ثبوت الامر بين الامرين ونفى الجبر وجعلته
متوسطا بين الإرادة وحركة العضلات هل هو ممكن أو واجب لا سبيل إلى الثاني وعلى
الأول فهل علته التامة اختيارية أو غير اختيارية وعلى الأول يلزم التسلسل وعلى الثاني يتم
مذهب الجبر (قلنا) لا اشكال في كونه حادثا وممكنا الا انه نفس الاختيار الذي هو فعل
النفس وهى بذاتها تؤثر في وجوده فلا يحتاج إلى علة موجبة لا ينفك عنها اثرها
إذا العلية بنحو الايجاب انما هي في غير الأفعال الاختيارية نعم لابد في
وجوده من فاعل وهو النفس ومرجح وهى الصفات النفسانية والاحتياج إلى المرجح
91

انما هو من جهة خروج الفعل عن العبثية والا فيمكن للانسان ايجاد ما هو منافر لطبعه
فضلا عن ايجاد مالا يشتاقه لعدم فائدة فيه الا انه لا يفعل ذلك للزوم العبث وهو لا يصدر
من الحكيم الملتفت (ثم) ان المرجح المخرج للفعل عن العبثية هي الفائدة الموجودة
في نوعه دون شخصه بداهة أن الهارب والجائع يختار أحد الطريقين واحد القرصين مع
عدم وجود مرجح في واحد بالخصوص وانكار ذلك مكابرة واضحة
ثم إن الفخر الرازي استدل لما ذكرناه بما حاصله ان الاجرام السماوية
أجرام بسيطة متساوية النسبة من حيث الاجزاء عند الحكماء والمصلحة
الإلهية اقتضت وجود الحركة فيها لكن الترجيح بلا مرجح في الشخص لو كان قبيحا
فلنا ان نسأل عن ترجيح حركة الشمس والمعدل مثلا في المشرق إلى المغرب دون
العكس مع عدم وجود المرجح قطعا على المذهب المذكور وقد ذكر صدر المتألهين
(قده) هذا الاستدلال في شرح أصول الكافي الا انه لم يأت في الجواب الا بالشتم واللعن
وانه رئيس المشككين اتى بشئ لا يمكن الجواب عنه (ولكن) الانصاف ان الحق مع
الفخر فإنه لا يجوز على الحكيم تفويت المصلحة النوعية مع عدم وجود مرجح في الشخص
قطعا وهذا ظاهر لا سترة عليه.
ثم لا يخفى انه لا يفرق في ما ذكرنا من أن الطلب (1) هو التحريك نحو المطلوب
وتأثير النفس في الحركة بين أن يكون الحركات مباشرية كما في الإرادة التكوينية أو
منزلة منزلة المباشرية كما في التشريعية فان عضلات العبد وحركاتها منزلة منزلة
عضلات المولى وحركاتها ولافرق بينهما من وجه أصلا فافهم وتأمل في المقام لئلا تقع
فيما وقع فيه غير واحد من الزلل والأوهام والله الهادي إلى سواء السبيل
ثم إن هذا الذي ذكرناه من الالتزام بالامر الرابع المسمى بالطلب مرة وبالاختيار
أخرى هو الأساس لنفى الجبر الذي التزام به الأشاعرة وأرادوا بذلك اثبات السلطنة للباري

1 - قد عرفت فيما مران الطلب عبارة عن التصدي لحصول المراد ومصداق ذلك في موارد
تعلق الإرادة بفعل الغير انما هو نفس الانشاء المظهر لاعتبار كون الفعل على ذمة المكلف
فلا حاجة إلى ما أفيد في المتن من تنزيل عضلات العبد وحركاتها منزلة عضلات المولى و
حركاته مع أنه مجرد فرض لا دليل عليه بل هو غير واقع قطعا في موارد الا وامر الإلهية
بل في غير ها أيضا
92

تعالى فوقعوا في محذور آخر وهو نفى العدل عنه جل وعلا (واما) الأساس لنفى
التفويض الذي التزم به المعتزلة وأرادوا به اثبات العدل فوقعوا في محذور سلب السلطنة
فحاصله ان التفويض يتوقف على أن تكون العلة المحدثة مبقية أيضا حتى يكون البقاء
مستغنيا عن المؤثر إذ عليه لا يحتاج العبد بعد إفاضة الوجود والقدرة والمشية له
إلى شئ أصلا واما بناء على ما هو التحقيق من أن الممكن حيث إن الافتقار والاحتياج
من لوازم ذاته فهو مفتقر إلى الواجب دائما ومحتاج إلى إفاضة الوجود والقدرة
والمشيئة في في كل آن بحيث لو انقطع عنه الفيض لا نعدم بنفسه ولا يحتاج إلى تسبب
لاعدامه فالفعل حيث أنه يصدر عن اختيار العبد فهو منتسب إليه وبما أن فيض الوجود و
القدرة وغيرهما من مبادى الفعل يستمر من قبله تبارك وتعالى فالفعل منتسب إليه
تعالى ففيه جهتان واقعيتان بكل جهة ينتسب إلى فاعل فيثبت الامر بين الامرين وما
هو الحق في البين فلم يلزم نفى العدل ولا السلطنة عنه تبارك وتعالى (وهذا) الذي
ذكرناه هو مذهب الإمامية ومن اسرار العلوم آلاء لهية رزقنا الله تعالى الوصول إليها
وان وقع في خلافه جم غفير لأجل شبهة عرضت لهم فهم قائلون بالجبر واقعا وان
لم يعترفوا به لسانا
بقى الكلام في دفع الشبهة التي ربما تورد على ما ورد في الحديث القدسي من
قوله تبارك وتعالى (يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء فأنت أولى بسيئاتك
منى وأنا أولي بحسناتك منك) وحاصل الشبهة أن نسبة الفعل الاختياري إلى العبد
والباري جل وعلا في الطاعة والمعصية نسبة واحدة فان الفعل طاعة كان أو معصية
من جهة ينتسب إلى العبد ومن جهة إلى الله تعالى فما وجه الأولوية في كل من الطرفين
(والجواب) عن الشبهة هو أن الله تبارك وتعالى لما جعل في قبال المرجحات
والقوى النفسانية التي هي جنود الجهل والشيطان وهى الغضب والشهوة والطمع و
غير ذلك مرجحات رحمانية وهى جنود العقل والرحمان لئلا يكون العبد مجبولا على
إطاعة النفس وليتمكن من المجاهدة وتقديم المرجحات الا لهية فهو ان قدم المرجح
النفساني فهو أولى بالفعل لمغلوبية الجهة الإلاهية وان قدم المرجح الإلهي فهو تبارك
وتعالى أولى بالفعل فكون الفعل أمرا بين الامرين مطلقا لا ينافي الأولوية من جهة
93

أخرى (ويمكن أن يقال) (1) ان الأولوية المذكورة في الحديث ناظرة إلى ما ورد في الروايات
الكثيرة من أن العبد ربما يكون موفقا بالحسنات والخيرات بواسطة التزامه ببعض
الخيرات والحسنات فبعضها يكون معدا للاخر ويعطى القابلية لان يوفقه الله تبارك و
تعالى لمرضاته كما أنه ربما يكون مخذولا ومحروما من عناية تبارك وتعالى بسبب
ارتكابه بعض المعاصي بل بعض المكروهات فان أحسن فالله أولي بحسناته فإنه الموفق
له وان أساء فالعبد أولي بسيئاته لأنه اتبع فيها هوى نفسه وشهواته على أي حال فالمهم
في المقام اثبات الامر بين الامرين وقد أثبتناه بحمد الله تبارك وتعالى بأحسن وجه و
بيان فافهم واغتنم
ومن جميع ما ذكرنا ظهر أن ما ذهب إليه صاحب الكفاية (قده) من الالتزام
بعينية الطلب والإرادة والالتزام بالإرادة الانشائية وارجاع النزاع بين الأشاعرة
والمعتزلة إلى النزاع اللفظي غير صحيح لما عرفت من أن الطلب غير الإرادة مفهوما
ومصداقا ولا معنى لكون الإرادة انشائية وأظن أن الالتزام بالترادف بينهما من
مختصاته ومن قال بالاتحاد أراد اتحادهما صدقا لا مفهوما وإن كان ذلك فاسدا أيضا كما
عرفته وأيضا قد ظهر لك ان النزاع معنوي وفى ثبوت أمر آخر بعد الإرادة وعدمه
فكيف يمكن أن يكون النزاع لفظيا
واما المقام الثاني ففيه مباحث (الأول) في دلالة الصيغة على الوجوب وعدمها
فاعلم أن الأقوال في المسألة وان كثرت الا أن المهم منها قولان أحدهما كونها
حقيقة في خصوص الوجوب أو ظاهرة فيه بالانصراف لكونه أكمل الافراد الثاني كونها
حقيقة في القدر المشترك بينه وبين الاستحباب
وقبل الخوض في بيان ما هو الحق في المقام ينبغي تقديم مقدمة وهى أن المتقدمين
من الأصحاب ذهبوا إلى تركب الوجوب والاستحباب من جنس وهو طلب الفعل وفصل

1 - الظاهر أن منشأ الأولوية هو ان الله تعالى انما اعطى عبده نعمة الوجود والقدرة و
الشعور وغيرها ليشكره ويصرف كل ما أنعم الله به عليه في محله فان فعل ذلك فقد عسل بوظيفته
وشكر منعمه ومع ذلك فالله هو ولى الاحسان الذي من عليه بتمكينه من ذلك وان لم يفعل
ذلك بل صرف النعمة في غير محلها ذلك فقد فعل بسوء اختياره كما قال تعالى شانه وما ظلمهم الله
ولكن أنفسهم يظلمون
94

وهو المنع من الترك أو الاذن فيه وهذا القول رفضة المحققون من المتأخرين وذهبوا إلى
انهما مرتبتان بسيطتان من الطلب والمنع من الترك وعدمه من لوازم شدة الطلب وضعفه
لا انهما مقومان لحقيقة الوجوب والاستحباب بداهة عدم خطور المعنى المركب عند
استعمال الصيغة في الوجوب أو الاستحباب وفهم الحقيقة والمجاز في الأوضاع
النوعية من الأمور الظاهرة لكل متكلم في كل لسان كما بيناه في مباحث المشتق
والحق عدم صحة هذا القول أيضا فان ما يستعمل فيه الصيغة في موارد الوجوب
والاستحباب ليس الا النسبة الايقاعية ولا شدة ولاضعف فيها واما الطلب القائم بالنفس في
الافعال التكوينية فهو أيضا كذلك لأنه كما عرفت عين الاختيار وتحريك النفس المعضلات
وهو في جميع الأفعال على حد سواء واما الإرادة فهي وإن كانت قابلة للشدة والضعف
في حد نفسها الا أنها ما لم تشتد بحيث يترتب عليها تحريك النفس للعضلات لا تكون
إرادة سواء كان المراد فعلا من الافعال الضرورية أو غيرها (فتحصل) أن الوجوب
والاستحباب ليسا من كيفيات المستعمل فيه حتى يكون الصيغة حقيقة في خصوص الوجوب
أو منصرفة إليه بال المستعمل فيه واحد بالحقيقة في كلا الموردين والاختلاف بينهما
انما هو في المبادى حيث أن ايقاع المادة على المخاطب تارة ينشأ عن مصلحة لزومية
واخرى عن مصلحة غير لزومية.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الصيغة متى صدرت من المولى فالعقل يحكم
بلزوم امتثاله باقتضاء العبودية والمولوية ولا يصح الاعتذار عن الترك بمجرد
احتمال كون المصلحة غير لزومية الا إذا كانت هناك قرينة متصلة أو منفصلة على كونها
غير لزومية.
وتوضيح ذلك أن الوجوب لغة بمعنى الثبوت وهو تارة يكون في التكوين واخرى
في التشريع فكما أن في التكوينيات يكون ثبوت شئ تارة بنفسه وأخرى بغيره وما كان
بالغير لابد وان ينتهى إلى ما بالذات فكذلك الثبوت في عالم التشريع فما هو ثابت بنفسه
نفس إطاعة المولى فإنها واجبة بنفسها وغيرها يكون واجبا باعتبار انطباق عنوان الطاعة
عليه فإذا صدر بعث من المولى ولم تقم قرينة على كون المصلحة غير لزومية فلا محالة
ينطبق عليه إطاعة المولى فيجب بحكم العقل قضاء لحق المولوية والعبودية فالوجوب
95

انما هو بحكم العقل ومن لوازم الصيغة من المولى لا من المداليل اللفظية ولقد
أجاد المحقق القمي (قده) في جعل الوجوب من لوازم صدور الصيغة من المولى الا
انه أرجعه بالآخرة إلى المدلول اللفظي ومنه يعلم أن الاشكال المعروف في استعمال الصيغة
في موارد الوجوب والاستحباب معا كما في قوله (عليه السلام) اغتسل للجنابة والجمعة (الخ)
وهو أن الصيغة الواحدة في استعمال واحد كيف يمكن أن تستعمل في مطلق الطلب من
دون أن يتفصل بفصل أو كيف يمكن أن يوجد طلب في الخارج غير محدود بحد الشدة
والضعف غير وارد على ما اخترناه رأسا وغير محتاج إلى تكلف جواب أصلا فان المستعمل
فيه كما ذكرنا واحد (1) وهو ايقاع المادة على المخاطب والتفاوت انما هو في المبادى
الباعثة على الامر بالمادة فقوله (عليه السلام) (اغتسل) استعمل في معنى واحد غاية الأمر أن
مصلحة غسل الجنابة لزومية ومصلحة غسل الجمعة غير لزومية وقد ذكرنا في المقام
الأول صحة استعمال الفعل الماضي والمضارع في مقام الانشاء وطلب شئ من المكلف
وأن المستعمل فيه في الجميع شئ واحد وهو النسبة التحققية والتلبسية وأن الانشاء
والاخبار من المداليل السياقية ومنه يظهر أن دلالتهما على الوجوب أيضا بحكم العقل
ومن لوازم صدور الكلام من المولى ولاربط له بالمداليل اللفظية أصلا
(المبحث الثاني في التعبدية والتوصلية)
والكلام فيه يقع تارة من جهة الأصل اللفظي وهو أصالة الاطلاق وبيان أن مقتضى
الاطلاق هل هو التعبدية أو التوصلية أو انه لا يدل على شئ منهما أصلا واخرى من جهة
الأصل العملي بعد الفراغ عن عدم وجود الاطلاق اما لاستحالته أو لعدم تمامية مقدمات
الحكمة في خصوص مقام وتحقيق المقام انما يتم برسم أمور
(الأمر الأول) أن الوظائف العملية في شرعنا أوفى ساير الشرايع تارة يكون
تشريعها لأجل التعبد والتقرب بها المعبر عنه في اللغة الفارسية بپرستش وأخرى لأجل

1 - قد عرفت فيما مران ما استعمل فيه صيغة الامر ليس هو ايقاع المادة على المخاطب بل الصيغة
انما تستعمل في ابراز اعتبار كون المادة على عهدة المكلف وذمته ولكنه مع ذلك يكون
الوجوب والاستحباب خارجين عن حريم المستعمل فيه كما هو ظاهر ومنه يظهر الحال في
الجمل الخبرية المستعملة في مقام الطلب أيضا
96

مطلق وجودها في الخارج وان أمكن التقرب بها أيضا فالأول يسمى بالتعبدي والثاني
بالتوصلي وقد يطلق التوصلي على معنى يعم بعض التعبديات أيضا وهو ما يسقط امره
بمطلق وجوده في الخارج ولو كان بفعل الغير أو من دون إرادة واختيار أو بفعل محرم
من المحرمات والتوصلي بالمعنى الأول يجتمع مع المعنى الثاني غالبا كوجوب إزالة
النجاسات وغيرها وقد يفترق عنه كما في وجوب رد السلام فإنه واجب توصلي بالمعنى
الأول ولا يسقط بفعل الغير أو من دون إرادة واختيار والتوصلي بالمعنى الثاني قد يفترق
عن الأول كما في الصلاة الواجبة على ولى الميت فإنها تسقط بفعل الغير مع كونها تعبدية
شرعت لقصد التقرب بها والتوصلي بالمعنى الأول هو الذي وقع فيه النزاع من الاعلام
ولعل المشهور على جواز التمسك بالاطلاق في اثباته وأما بالمعنى الثاني فلم يدع أحد
جواز التمسك بالاطلاق لاثباته وبيان ذلك يحتاج إلى بسط الكلام في خصوص كل
واحد من الأقسام وهو السقوط بفعل الغير أو من دون إرادة واختيار أو بفعل المحرم
فنقول القسم الأول وهو السقوط بفعل الغير بنقسم (1) إلى السقوط بفعل الغير مع
الاستنابة وبدونها (أما) السقوط بالاستنابة فمقتضى الاطلاق عدمه فان تشريع الاستنابة
ليس عبارة عن ايجاب العمل على المكلف أعم من المباشرة والتسبيب بداهة أن عمل
الغير ليس عملا تسبيبيا للمستنيب فيما إذا كانت إرادة النائب إرادة مستقلة ولم تكن
تحت ارادته نعم فيما إذا كانت كذلك كإرادة البهائم أو الصبيان يصح ذلك ويستند
العمل إلى الغير واما فيما نحن فيه فليس هناك الا اجارة واستنابة والعمل حقيقة للنائب
ولا تقتضي الاستنابة أن يكون عمل النائب عمل المستنيب والمستأجر كما أن تشريعها

1 - لا وقع لهذا التقسيم فيما هو المقصود في محل الكلام فان أصالة عدم السقوط بفعل الغير
من جهة الاطلاق أو من جهة الأصل العملي انما هي في كلا القسمين بملاك واحد وهو ظهور
الكلام في مطلوبية المادة الصادرة من المخاطب مثلا فكما ان قولنا صام ريد له ظهور في
صدور الصوم من نفس زيد فكذلك قولنا فليصم زيد له ظهور في مطلوبية الصوم الصادر
منه وعليه فإذا كان المولى في مقام البيان ولم ينصب قرينة على اشتراط الوجوب بعدم صوم
غيره فيتمسك باطلاق كلامه في دفع احتمال الاشتراط المزبور وإذا لم يكن هناك اطلاق
فالمرجع هو استصحاب بقاء التكليف ما لم يقم دليل على حصول الغرض بفعل الغير
97

ليس عبارة عن ايجاب العمل على المكلف أعم من كونه ببدنه الحقيقي أو التنزيلي بان
يكون النائب منزلا بدنه منزلة بدن المنوب عنه فان التنزيل ممالا يخطر ببال النائب
والمنوب عنه أصلا بل حقيقة تشريعها يرجع إلى ايجاب عملين على المكلف على نحو
التخيير كما هو الشأن في كل عملين يكون أحدهما مسقطا للاخر من دون
أن يكون بينهما جامع عرفي وإن كان هناك جامع ملاكي وعليه فيكون
الشك في السقوط مع الاستنابة راجعا إلى الشك في أن وجوب العمل على المكلف
هل هو على نحو التعيين أو التخيير ومن المعلوم أن الاطلاق في المقام يعين التعيينيه
فان مقتضى الاطلاق ان العمل واجب سواء استناب أحدا أم لا وسيجئ إن شاء الله أن
مقتضى الاطلاق قد يكون هو التوسعة وقد يكون هو التضييق ولكن التحقيق عدم صحة
رجوع الاستنابة إلى الوجوب التخييري أيضا لبداهة عدم فراغ ذمة الولي بمجرد
الاستنابة قطعا فلا تكون طرفا للوجوب التخييري شرعا ولجواز التبرع في كل ما تدخله
النيابة اجماعا ولا معنى لكون فعل الغير من أطراف الوجوب التخييري فالحق ان
حقيقة النيابة عبارة عن تنزيل العمل منزلة عمل المنوب عنه وفرض ان الفعل فعله
فيكون العمل الواجب على الولي فيه ثلث جهات (الأولى) الوجوب التعييني من جهة
المادة وهو نفس الصلاة مثلا مع قطع النظر عن مصدرها بمعنى أن المولى يريد أصل
وجود الصلاة في الخارج ولا تسقط بمجرد الاستنابة (الثانية) التخيير من جهة المصدر
بمعنى أن الولي مخير بين اصدارها بالمباشرة واصدارها بالاستنابة (الثالثة) الوجوب
المشروط بعدم فعل الغير كما سنبينه في القسم الثاني إن شاء الله تعالى فإذا شك في واجب
انه يسقط بفعل الغير مع الاستنابة أم لا فمرجعه إلى الشك في الوجوب التخييري من
جهة المصدر ومع الواضح أن نفس توجه الخطاب إلى المكلف من دون تقييد يرفع
الشك من هذه الجهة ويجعله ظاهرا في الوجوب التعييني وهذا الظهور أقوى من ظهور
الصيغة في التعيين من جهة المادة كما هو واضح (واما) السقوط بفعل الغير من دون
الاستنابة فينفيه اطلاق الصيغة أيضا فان مرجعه إلى كون فعل الغير رافعا للموضوع
أو لملاكه مثلا ايجاب القضاء على ولى الميت أو ايجاب أداء الدين على المكلف مشروط
عقلا ببقاء موضوعه وهو اشتغال ذمة الميت أو المديون فإذا فرضنا سقوط اشتغال الذمة
98

بالصلاة أو الدين بصلاة المتبرع أو أدائه فلا موضوع لايجاب القضاء أو أداء الدين أصلا فلا محالة
يكون التكليف بالقضاء أو الأداء مشروطا بعدم فعل الغير فإذا شككنا في السقوط بفعل الغير
فمرجع الشك إلى الشك في اشتراط الخطاب وعدمه واطلاق الخطاب ينفى الاشتراط ويثبت
كونه مطلقا (فان قلت) على ما ذكرت فالشك في السقوط بفعل الغير يرجع إلى
الشك في بقاء الموضوع وعدمه ومن الواضح أنه لا اطلاق للخطاب بالإضافة إلى
وجود موضوعه وعدمه بل هو مشروط به عقلا فلا يمكن دفعه بالاطلاق (قلت نعم)
ولكن بقاء الموضوع وعدمه يستكشف من السقوط بفعل الغير وعدمه وبقاء الموضوع
وعدمه فيما نحن فيه تابع لجعل الشارع وسيجئ إن شاء الله أن كل موضوع شرط
وكل شرط موضوع فإذا أثبتنا باطلاق الخطاب أن التكليف غير مشروط بعدم فعل
الغير فيستكشف من هذا بقاء الموضوع قهرا وغرضنا من التمسك بالاطلاق
هو التمسك به من جهة عدم الاشتراط بعدم فعل الغير الملازم لبقاء الموضوع عقلا
لا التمسك به من جهة بقاء الموضوع وعدمه بهذا العنوان (فتحصل) من جميع
ما ذكرنا أن مقتضى الأصل اللفظي فيما إذا شك في سقوط واجب بفعل الغير
بالاستنابة أو بدونها هو عدم السقوط لاطلاق الصيغة في التعيينية من جهة المصدر
وعدم اشتراطه بعدم فعل الغير له (وأما) مقتضى الأصل العملي ان لم يكن هناك
اطلاق فيختلف بالإضافة إلى السقوط بالاستنابة أو بدونها أما إذا كان الشك في
السقوط بفعل الغير معها فلا محالة يكون مرجع الشك إلى أن التكليف المتعلق
بخصوص الصلاة من الولي هل له عدل آخر وهو التكليف بالاستنابة حتى يسقط الخطاب
الأول بامتثال الثاني أولا فالشك يرجع إلى الشك في الامتثال بعد القطع بالاشتغال
ومن الواضح أن الحكم فيه هو الاحتياط وأن قلنا بالبراءة فيما إذا كان الجامع واجبا
قطعا وكان الشك في وجوب إحدى الخصوصيتين على التعيين وعدمه حتى يكون
مرجع الشك إلى الشك في وجوب التخيير العقلي وعدمه لكون التكليف بالجامع
متيقنا وان الشك في وجود الخصوصية يدفع بالأصل بخلاف المقام فان المفروض فيه
عدم وجوب الجامع قطعا لكون التخيير على فرضه شرعيا فالتكليف متعلق بالصلاة
مع الخصوصية على الفرض وانما الشك في اسقاط شئ آخر لهذا الواجب لاحتمال
كونه عدلا للتخيير فمقتضى القاعدة ح هو الاشتغال لا البراءة وأما إذا كان الشك في
99

السقوط بفعل الغير تبرعا فحيث ان مرجع الشك إلى الشك في الاشتراط وعدمه فلا
محالة يكون تعلق التكليف في فرض فعل الغير تبرعا مشكوكا فمقتضى القاعدة هو البراءة
(الا) أن التحقيق ان الشك في الاشتراط والاطلاق إن كان من أول الأمر فالامر
كذلك الا أن المقام ليس من هذا القبيل بل الشك فيه بقاء لا حدوثا (بيان ذلك)
أن التكليف بالقضاء تعلق بالولي حين الموت قطعا وفى ذلك الزمان لم يكن تبرع من
أحد على الفرض فكان التكليف في زمان فعليا فإذا شككنا في البقاء وعدمه بعد فعل
الغير من جهة الشك في الاشتراط وعدمه فلا محالة يجرى الاستصحاب موضوعا فيما
إذا كان الشك من جهة الشك في بقاء الموضوع كمسألة الدين أو حكما فيما إذا
لم يكن كذلك كما إذا شككنا في أن الحج الواجب على المريض غير المتمكن من
المباشرة هل يسقط بفعل الغير تبرعا أولا فمقتضى الاستصحاب بقاء الوجوب بعد
فعل الغير أيضا ونظير ما نحن فيه حكم الشك في الأقل والأكثر فإنه إذا كان الشك
في وجوب الجزء الزائد على المتيقن من أول الأمر كما إذا شككنا في وجوب السورة
في الصلاة فمقتضى القاعدة هو البراءة لا الاستصحاب لان القدر المتيقن من الخطاب
قد فرع ذمة المكلف عنه يقينا والزائد المشكوك منفى بأصل البراءة من أول الأمر
وأما إذا كان الشك في عدم وجوبها لعارض بقاء فمقتضى القاعدة هو استصحاب وجوب
الصلاة مع السورة وإن كان الشك دائرا بين الأقل والأكثر (فتحصل) أن مقتضى القاعدة
هو الاشتغال في الشق الأول والاستصحاب في الشق الثاني
وأما القسم الثاني وهو السقوط من دون إرادة واختيار فالتحقيق ان يقال إنه
قد يدعى ان مادة الافعال منصرفة إلى خصوص ما إذا صدرت عن إرادة واختيار كما
قد يقال بأن هيأتها منصرفة إلى ذلك (والحق) في المقام عدم صحة كلتا الدعويين (أما
الأولى) فلان المادة ان لم تكن بنفسها قصدية كالتعظيم وأمثاله فلاوجه لانصرافها
إلى خصوص ما إذا صدرت بالاختيار بعد صدقها على تمام افرادها بالتواطئ (وأما الثانية)
فقد بينا سابقا أن هيئات الافعال موضوعة (1) لإفادة قيام المبادى وانتسابها إلى فاعلها

1 - قد عرفت ان هيئة الفعل الماضي أو المضارع موضوعه للحكاية بها من تحقق المادة
في الخارج ونفس الامر وهذا أمر يشترك فيه جميع المواد على اختلافها وليس هناك
ما يوجب الانصراف إلى كونها صادرة بالاختيار ولو بمعناه المقابل للقهر والاجبار
100

وبعبارة أخرى لإفادة قيام العرض بموضوعه هذا أمر يشترك فيه جميع المواد سواء
كانت من قبيل الافعال أو الأوصاف وما كان من قبيل الافعال أعم من أن يكون اختياريا
أو غير اختياري فدعوى الانصراف في الهيئة المشتركة بين الجميع خالية عن الدليل ولذا
ترى أن الفقهاء أفتوا بضمان المتلف اختيارا أو غفلة أو في حال النوم أو ما أشبه ذلك
تمسكا بعموم من أتلف مال الغير فهو له ضامن وبالجملة المدعى هو الانصراف في
خصوص ما إذا كانت المادة اختيارية في حد نفسها مع أن الهيئة لم توضع في خصوص
هذه المواد حتى يدعى انصرافها إلى خصوص ما إذا صدرت عن الاختيار بل وضعت
لمعنى مشترك بين جميع المواد (واما) دعوى انصرافها إلى ما إذا كانت قائمة بالفاعل
من دون قهر واجبار من الغير فليست بذلك البعيد كما ادعى ذلك الشيخ الأنصاري
(قده) في قوله (عليه السلام) (البيعان بالخيار ما لم يفترقا) وأن الخيار لا يسقط بتفريق الغير
للمتبايعين قهرا نعم تمتاز صيغة افعل عن سائر الأفعال في الدلالة على الاختيارية من
وجهين (الأول) ان المطلوب على المذهب الحق لابد وأن يكون حسنا بالحسن
الفاعلي (1) وهو لا يتحقق الا في خصوص الفعل الارادي نعم الحسن الفعلي لا يتخلف

1 - لا يخفى انه لا موجب لاعتبار الحسن الفاعلي في اتصاف الفعل الخارجي بكونه مصداقا
للواجب بعد ما كان الوجوب ناشئا عن الملاك القائم بالفعل ومن حسنه في نفسه على أن لازم
ذلك ان لا يتصف الفعل الخارجي إذا لم يؤت به بداعي التقرب بكونه مصداق الواجب
ولو كان الوجوب توصليا ضرورة ان مجرد صدور الفعل عن الاختيار لا يكفي في اتصافه
بالحسن الفاعل مع أنه واضح البطلان نعم يعتبر في الاتصاف المزبور ان لا يتصف الفعل
بالقبح الفاعلي لكنه أجنبي عما نحن بصدده واما حديث دعوى اختصاص الطلب بالحصة
المرادة من جهة عدم امكان تعلقه بغير المقدور كما أفيد في الوجه الثاني فيرد عليه أولا
انه لا ينافي سقوط التكليف فيما إذا اتى بالفعل لاعن إرادة بعد إن كان مقتضى اطلاق المادة
قيام الملاك بمطلق وجود الفعل المأمور به فيما إذا كانت القدرة من الشرايط العقلية على
ما اعترف به (قده) في مبحث الضد وثانيا ان الدعوى المزبورة انما تتم على مذهب من
يرى أن المنشأ بالصيغة انما هو مفهوم الطلب أو البعث أو النسبة الايقاعية أو ما يقاربها من المفاهيم
واما على ما حققناه من أنه ليس الا اظهار اعتبار كون المادة على ذمة المكلف فلا موجب
لاشتراط التكلف بالقدرة أصلا غاية الأمر ان العقل يعتبرها في موضوع حكمه في مرحلة
الا لزام بالامتثال فتكون القدرة من شرايط التنجيز لا محالة (فان قلت) ما هي الفائدة في الاطلاق
المزبور وايجاب الجامع بين المقدور وغيره مع أن المكلف لا يمكنه ان ينبعث الا
نحو المقدور قلت فائدته اجتزاء المكلف بما صدر منه بغير اختياره بعد حصول الغرض القائم
بمطلق الوجود المنكشف بالاطلاق بعد فرض امكان تعلق التكليف بالجامع كما عرفت
فتحصل انه لا مانع من اثبات عدم اعتبار تقيد المأمور به بالقدرة شرعا باطلاق الدليل إن كان
والا فالمرجع هي أصالة البراءة الشك في اعتبار أمر زائد على المقدار المعلوم توجه
التكليف به فافهم ذلك واغتنمه
101

عن الفعل سواء صدر بالاختيار أم لا الا انه ليس مصححا للتكليف بل المصحح له هو الحسن
الفاعلي المختص بحال الإرادة والاختيار (الثاني) ان الطلب التشريعي كما ذكرناه
هو تحريك عضلات العبد نحو المطلوب بإرادته واختياره وجعل الداعي له لان يفعل
ومن البديهي أنه انما يمكن جعل الداعي في خصوص الفعل الارادي لا الأعم منه
ومن غيره وعليه فالمطلوب دائما هو الفعل الارادي فإذا شك في سقوطه بغير
الارادي فحيث انه لا يمكن التخيير بينهما عقلا فيرجع الشك إلى الشك في اشتراط
الخطاب وعدمه فيكون حاله حال الشك في السقوط بفعل الغير وقد عرفت أن مقتضى
الاطلاق فيه هو عدم الاشتراط إن كان هناك اطلاق والا فالمرجع هو الاستصحاب
دون البراءة
وأما القسم الثالث وهو السقوط بفعل المحرم فحاصل الكلام فيه أن نسبة
دليل التحريم إلى دليل الواجب تكون تارة نسبة الأخص إلى الأعم كما في باب النهى
عن العبادة واخرى نسبة العموم من وجه كما في باب اجتماع الامر والنهى فإن كان
من قبيل الأول فلا اشكال في أنه يضيق دائرة الواجب ويخصصه بغير الفرد المحرم
كما إذا قال اغسل ثوبك ولا تغسل بالماء المغصوب وإن كان من قبيل الثاني فحيث ان المأتى به
في ضمن الفرد المحرم لا يكون متصفا بالحسن الفاعلي (1) لفرض وقوعه مبغوضا عليه فلا محالة
لا يكون مأمورا به وان قلنا بجواز اجتماع الامر والنهى لتعدد متعلق الأمر والنهى الا
أن المأتى به في ضمن افراد المحرم حيث أنه فاقد للحسن الفاعلي وهو من شرائط

1 - قد عرفت آنفا لا موجب لاعتبار الحسن الفاعلي في اتصاف الفعل الخارجي بكونه مصداقا
للواجب وعليه فمقتضى القاعدة هو سقوط الامر باتيان المأمور به في ضمن الفرد المحرم فيما كان
المورد من موارد اجتماع الامر والنهى بناء على الجواز نعم بناء على الامتناع وتقديم جانب النهى
لا مناص عن القول بعدم السقوط لتعلق النهى حينئذ بنفس العبادة الموجب لتضييق المأمور به لا محالة
وسيجئ توضيح ذلك في مبحث اجتماع الامر والنهى انشاء الله تعالى
102

كون الشيئ مأمورا به فلا محالة لا يكون مأمورا به فإذا قام الدليل على سقوط
التكليف به فهو يكشف عن تحقق المصلحة أو عن ارتفاع الموضوع فلا محالة يكون
التكليف مشروطا بعدمه كما في إزالة النجاسة بالماء المغصوب حيث إنه لا نجاسة بعد
الغسل به حتى يؤمر بغسلها فإذا شككنا في الاشتراط وعدمه فالمرجع هو أصالة
الاطلاق إن كان والا فالاستصحاب (فتحصل) أن مقتضى الأصل اللفظي والعملي في تمام
الأقسام هو عدم التوصلية
الأمر الثاني قد عرفت أن محل الكلام انما هو التوصلي في قبال التعبدي وهو
العمل الذي شرع لأجل التعبد به وحيث أن التعبد أمر قصدي فلا محالة يكون
بأحد الدواعي القربية (منها) قصد الامر و (منها) قصد المصلحة و (منها) قصد
كون المولى أهلا لذلك إلى غير ذلك والكلام فعلا متمحض في خصوص
قصد الامر وأنه مما يمكن اخذه في متعلق الأمر أولا وحيث أن الاطلاق كما سيجئ انشاء الله
تعالى يقابل التقييد تقابل العدم والملكة فما لم يكن المورد قابلا للتقليد لم يكن قابلا
للاطلاق أيضا (1)

1 - التحقيق في المقام ان يقال إن من اشتاق إلى وجود فعل مع التفاته إلى امكان
وقوعه في الخارج على وجوه فاما ان يتعلق شوقه بخصوص حصة خاصة منه مقيدة بقيد
وجودي أو عدمي أو يتعلق بمطلق وجوده القابل للانطباق على كل واحد من الوجودات
الخاصة فلا يكون لخصوصية من الخصوصيات دخل في غرض المولى وفى متعلق شوقه
وجودا أو عدما بلا فرق في ذلك بين التقسيمات الأولية والثانوية ضرورة ان متعلق الشوق
لابد وأن يكون متعينا في ظرف تعلقه به ولو بعنوانه الاجمالي ويستحيل فرض الاهمال
في الواقع وتعلق الشوق بمالا تعين له في مرحلة تعلقه به فكما ان الملتفت إلى انقسام
الماء إلى حار وبارد إذا اشتاق إلى شربه فلا مناص له من تعلق شوقه اما به لمطلق أو
بالمقيد فكذلك الملتفت إلى انقسام الصلاة مثلا إلى قسمين باعتبار انها يؤتى بها في الخارج
تارة بقصد الامر واخرى لا بقصده إذا اشتاق إلى وجودها فلا مناص له من تعلق شوقه اما
بالمطلق أو بالقيد فاستحالة اهمال المشتاق إليه في مرحلة تعلق الشوق به أمر مشترك
فيه بين التقسيمات الأولية والثانوية وعليه فإذا فرضنا استحالة تقيد متعلق الحكم أو موضوعه
بقيد خاص فلازمه كون الاطلاق أو التقييد بخلاف ذلك القيد ضروريا وإذا فرض استحالة
التقييد بالخلاف أيضا فالاطلاق يكون ضروريا لا محالة وعلى ذلك فلا يبقى مجال لدعوى
استلزام استحالة التقييد لاستحالة الاطلاق واما ما أفيد في المتن من أن لازم كون التقابل
بين الاطلاق والتقييد من تقابل العدم والملكة هو ذلك ضرورة اعتبار قابلية المحل
للوجود في التقابل المزبور فما لم يكن المحل قابلا للتقييد لا يكون قابلا للاطلاق فيرد
عليه ان القابلية المعتبرة فيه لا يلزم أن تكون شخصية دائما بل يجوز أن تكون صنفية
أو نوعية أو جنسية الا ترى انه يصدق على الانسان انه جاهل بحقيقة ذات الواجب و
صفاته مع أنه يستحيل أن يكون عالما بها فلو كان استحالة أحد المتقابلين تقابل العدم و
الملكة مستلزمة لاستحالة الاخر لزم استحالة الجهل في مفروض المثال مع أنه ضروري
وجدانا ثم إن لافرق في ما ذكرناه بين أن يكون التقييد مستحيلا في مقام الثبوت و
الواقع وأن يكون مستحيلا في مقام الاثبات فان كلا منهما لا يقتضى استحالة الاطلاق بل
فلا مناص عنه أو عن التقييد بالخلاف (نعم) إذا فرض استحالة التقييد في مقام الاثبات و
عدم تمكن المولى من البيان على تقدير دخل فيد فيما يفي بغرضه وما هو متعلق شوقه
فلا يمكن التمسك باطلاق كلامه لاثبات عدم دخله فيما هو متعلق امره في الواقع ونفس
الامر الا ان ذلك أجنبي عما نحن فيه وهى دعوى استلزام استحالة التقييد لاستحالة
الاطلاق كما هو ظاهر
103

وتوضيح المقام أن يقال أن العناوين المأخوذة في متعلقات التكاليف كالصلاة
والغسل وغيرهما اوفى موضوعاتها وهى كل ماله دخل في فعلية الحكم ويسمى
بالشرائط كالوقت والبلوغ مثلا في الأول وهما مع وجود الماء في الثاني لها انقسامات
أولية وثانوية ونعني بالانقسامات الأولية كل انقسام لها باعتبار نفسها مع قطع النظر
عن وجود التكليف ككون الصلاة مع الطهارة وعدمها وكون الماء حلوا أو مرا إلى
غير ذلك ونعني بالانقسامات الثانوية كل انقسام لها باعتبار تعلق التكليف بحيث لا معنى
للانقسام مع قطع النظر عنه ككون المكلف وهو موضوع الحكم عالما به أو جاهلا
وككون الصلاة مع قصد القربة أو بدونه (أما الانقسامات الأولية) فلا بدوان
يكون التكليف بالإضافة إليها مطلقا أو مقيدا والالزم عدم محدودية متعلق التكليف
أو موضوعه وهذا يستحيل على الحكيم المطلق وكذا على غيره الملتفت مثلا إذا
التفت الإنسان إلى انقسام الماء إلى قسمين فاما أن يكون طلبه مقيدا بخصوصية أحد
القسمين أو لا يكون مقيدا وعى كلا التقديرين لا يمكن الاهمال في مقام الثبوت والواقع
104

نعم يمكن ذلك في مقام الاثبات والدلالة بأن لا يكون المولى في مقام بيان تمام مراده
اوفى مقام الثبوت من الجاهل غير الملتفت إلى الانقسام كما لو فرضنا الامر باكرام جيرانه غير
ملتفت إلى انقسامهم إلى صديق وعدو فإنه حينئذ لا يكون اطلاق أو تقييد حتى بلحاظ
مقام الثبوت أيضا " واما الانقسامات الثانوية " سواء كانت لموضوعات التكاليف أو
لمتعلقاتها فلا يعقل فيها التقيد فلا يتصور فيها الاطلاق أيضا (أما) عدم تعقل تقييد الموضوع
بحال العلم بالحكم فللزوم الدور وبيانه أن فعلية كل حكم تتوقف على وجود موضوعه
بقيوده ومشخصاته بداهة أنها بالإضافة إليه من قبيل الشروط بالإضافة إلى
المشروط كما سيجيئ في الواجب المشروط انشاء الله تعالى ان كل شرط
موضوع وكل موضوع شرط وحيث أنه يتوقف العلم بشخص الحكم على وجود الحكم
خارجا وفرضه موجودا والا لا يعقل العلم به فيلزم الدور المصرح وهو توقف
الشيئ على ما توقف عليه وكون الشيئ معلولا لمعلولة بلا واسطة غاية الأمر أن
التوقف من أحد الطرفين عقلي وهو توقف العلم على وجود المعلوم ومن الطرف الآخر
جعلي وهو توقف فعلية الحكم على وجود العلم لاخذه في الموضوع شرعا
هذا بحسب مقام الفعلية (واما) بحسب مقام الانشاء فقد يقال بعدم استحالة اخذ
العلم في الموضوع في ذاك المقام لعدم توقف الانشاء على وجود الموضوع قطعا (الا ان)
التحقيق استحالته أيضا من وجهين (الأول) ان المجعول في مقام الانشاء كما سيجيئ
انشاء الله تعالى ليس الا الأحكام الفعلية لموضوعاتها الخارجية وبعبارة أخرى الأحكام الفعلية
هي الاحكام الموجودة بنفس الانشاء لموضوعاتها المقدر وجودها غاية الأمر
انها قبل وجود موضوعاتها فرضية وبعده خارجية فإذا فرضنا امتناع المجعول لاستلزامه
الدور فيلزم امتناع الجعل أيضا إذا استحالة الوجود يستلزم استحالة الايجاد قطعا
(الثاني) ان الدور وان لم يلزم في مقام الانشاء الا ان محذوره وهو لزوم توقف الشيئ
على نفسه المستلزم لتقدم الشيئ على نفسه وفرضه قبل وجوده لازم لا محالة (وبيانه)
ان العلم بشخص الحكم (تارة) يؤخذ في الموضوع على نحو القضايا الوهمية غير
المعقولة كأنياب الأغوال التي لا تنطبق على الخارج أصلا وحينئذ فلا كلام لنا عليه واخرى
يؤخذ في الموضوع على نحو القضايا الحقيقية المستعملة في تمام العلوم التي منها القضايا
105

المتكفلة للأحكام الشرعية وحينئذ فلابد من فرض الموضوع في مقام الانشاء والحكم
على المفروض كما في قضية الخمر حرام فان الحاكم في مقام حكمه بالحرمة يفرض
وجود الخمر خارجا ويحكم عليه بالحرمة فإذا فرضنا اخذ العلم بالحكم في مقام
الانشاء بنحو يكون مرآة لما في الخارج وينطبق عليه فلابد من أن يفرض وجود العلم بالحكم
في ذاك المقام ومن الواضح ان فرض وجود العلم بالحكم فرض وجود الحكم فلابد وأن يكون
الحكم مفروض الوجود قبل وجوده ولو بالقبلية الرتبية وهو ما ذكرناه من محذور الدور
بعينه وان لم يكن دورا اصطلاحا وما وقع في كلام جماعة من الأساطين من التعبير
بالدور فهو من باب المسامحة في التعبير (واما) تقييد متعلق التكليف بقصد امتثال
الامر فقد يقال بامكانه من ناحية الامر وعدم لزوم محذور الدور لامكان تصور قصد الامر
قبل وجوده الا ان المانع عنه عدم قدرة المكلف حينئذ على الامتثال فان المفروض ان
المأمور به هي الصلاة المقيدة مثلا فذات الصلاة وحدها لا أمر بها فلا يمكن ايجادها
بداعي امرها حتى يؤمر بها وكونها مأمورا بها في ضمن تعلق الامر بالمجموع لا يصحح
كونها مأمورا بها إذا اتى بها وحدها بداعي الامر بالمجموع كما لا يخفى (لكن
التحقيق) ان عدم القدرة في محل الكلام ليس ناشئا من عدم تمكن المكلف من أسباب
الفعل مع امكان الفعل في حد ذاته كالطيران إلى الهواء بل من استحالة التقييد في حد
ذاته في مقام الانشاء والفعلية والامتثال (اما) في مقام الانشاء فلما عرفت (1)

1 - لا يخفى ان لزوم اخذ قيد مفروض الوجود في مقام الانشاء المستلزم لكونه شرطا
لفعلية الحكم اما أن يكون من جهة الظهور العرفي كما في قوله تعالى أوفوا بالعقود فان
المستفاد منه هو لزوم الوفاء بالعقد على تقدير تحققه في الخارج واما أن يكون من جهة
استلزام عدم اخذه مفروض الوجود للمحال وهو التكليف بما لا يطاق كما إذا أمر المولى
بايقاع الصلاة في الوقت فان دخول الوقت من جهة خروجه عن تحت اختيار المكلف
وقدرته لا مناص عن اخذه مفروض الوجود في الخطاب والالزم التكليف بمالا يطاق
واما في غير ذلك فلا ملزم لاخذ القيد مفروض الوجود ومن ثم التزمنا بفعلية الخطابات
التحريمية قبل وجود موضوعاتها أيضا وذلك لتمكن المكلف من امتثالها ولو بعدم ايجاد
موضوعاتها وعلى ذلك فالقيد في مفروض البحث بما انه نفس الامر المتحقق في ظرف
الانشاء لا ملزم لاخذه مفروض الوجود من ظهور عرفي أو غيره ومنه يظهر الجواب عما
أفيد في المتن من أن اخذ قصد الامر في متعلقه يستلزم توقف فعلية الحكم على نفسها
وهو محال وذلك فان الاستلزام المزبور مبنى على لزوم اخذ الامر مفروض الوجود في مرحلة
الانشاء وقد عرفت فساده فان قلت اخذ قصد الامر في المتعلق بعد وضوح قبح الامر بالتشريع يتوقف
على كون ذات الفعل في نفسه مأمورا به حتى يتمكن المكلف من الاتيان به بقصد امره
ففرض عدم تعلق الامر الفعلي بذات الفعل واختصاصه بالفعل المقيد بان يؤتى به بقصد
الامر يستلزم عدم تمكن المكلف من الامتثال في الخارج قلت بما ان قصد الامر وجعله
داعيا إلى الفعل الخارجي من أفعال النفس فالامر بالصلاة مثلا المفيدة بقصد الامر يكون
أمرا بالمجموع المركب من الفعل الخارجي والنفساني ومن الواضح ان الامر بالمركب
ينحل إلى الامر بكل من الجزئين فيكون ذات الفعل متعلقا لحصنه من الامر الفعلي لا
محالة كما أن جعل هذه الحصة من الامر داعيا إلى الفعل متعلق للحصة الثانية من الامر
فإذا اتى بالفعل بداعي الامر المتعلق به في ضمن الامر بالمركب فقد تحقق تمام المركب
في الخارج وبذلك يظهر الفرق بين المقام وما إذا كان الجزء الآخر غير قصد الامر
فان قصد الامر الضمني في المقام محقق لتمامية المركب بخلاف ما إذا كان الجزء الآخر
غير قصد الامر فإنه لا يمكن فيه الاتيان بجزء بقصد امره الا مع قصد الاتيان بالمركب
بداعي امتثال امره وبما ذكرناه من الانحلال يندفع ما اورد على اخذ قصد الامر في
المتعلق من أنه يستلزم أن يكون شخص الامر داعيا إلى داعوية نفسه وهو على حذو كون
الشئ علة لعلية نفسه وذلك فإنه بناء على الانحلال المزبور يكون أحد الامرين الضمنيين
داعيا إلى داعوية الامر الضمني الاخر وأين ذلك من دعوة الامر إلى داعوية نفسه كما أنه
يندفع به ما أفيد في المتن من أن الاخذ المزبور يستلزم توقف قصد الامتثال على نفسه
ضرورة لزوم تأخره طبعا عن جميع الأجزاء والشرايط فلو كان هو بنفسه من الاجزاء أيضا
لزم التوقف المزبور وجه الاندفاع هوان المأخوذ في المتعلق إذا كان قصد الامر
ضمني ودعوته فأين تقدم الشيئ وتوقفه على نفسه فظهر مما بيناه ان اخذ قصد الامر في المتعلق
وكونه جزءا من اجزاء المأمور به لا مانع منه أصلا وعليه فإذا شك في اعتبار قصد الامر
في المتعلق في الواقع مع عدم اخذه فيه في مقام الاثبات فيؤخذ بالاطلاق ويثبت به كون
الواجب توصليا.
106

من أن الموضوع في القضايا الحقيقية دون الفرضية غير المعقولة لابد وأن يكون
مفروض الوجود في الخارج في مقام اخذه موضوعا من دون أن يكون تحت التكليف
أصلا ولافرق فيه بين ان لا يكون الموضوع تحت اختيار المكلف وقدرته كما في (صل
في الوقت) فان الوقت غير مقدور للمكلف أو يكون تحت اختياره وقدرته كما في (أوفوا
107

بالعقود) فان معناه انه إذا فرض عقد في الخارج يجب الوفاء به لا انه يجب على المكلف
ايجاد عقد في الخارج والوفاء به وحينئذ فلو اخذ قصد امتثال الامر قيدا للمأمور
به فلا محالة يكون الامر موضوعا للتكليف ومفروض الوجود في مقام الانشاء (وهذا)
ما ذكرناه من لوازم تقدم الشيئ على نفسه وبعبارة واضحة كل أمر اختياري أو غير
اختياري اخذ متعلقا لمتعلق التكليف فوجود التكليف مشروط بفرض وجوده بفرض
مطابق للواقع وحيث إن متعلق المتعلق فيما نحن فيه هو نفس الامر فيكون وجوده
مشروطا بفرض وجود نفسه فرضا مطابقا للخارج فيلزم كونه مفروض الوجود قبل
وجوده وهو بعينه محذور الدور (واما في) مقام الفعلية الحكم يتوقف
على فعلية موضوعه أعني متعلقات متعلق التكليف وحيث إن المفروض ان نفسه هو
الموضوع لنفسه ومتعلق متعلقه فيتوقف على فعليته نفسه ولازمه تقدم فعلية
على فعليته (واما) في مقام الامتثال فلان قصد الامتثال متأخر عن اتيان تمام اجزاء
المأمور به وقيوده طبعا فان قصد الامتثال انما يكون بها وحيث انا فرضنا من جملة
الاجزاء والقيود نفس قصد الامتثال الذي هو عبارة عن دعوة شخص ذاك الامر فلابد
وأن يكون المكلف في مقام امتثاله قاصدا للامتثال قبل قصد امتثاله فيلزم تقدم الشيئ
على نفسه (وبالجملة) محذور الدور هو تقدم الشيئ على نفسه وفرضه موجودا
قبل وجوده موجود في تمام المراتب الثلاث وان يلزم هو بنفسه وكأن تعبير بعض
الأساطين بالدور من باب المسامحة (هذا كله) بناء على ما ذهب إليه صاحب الجواهر
(قده) من أن القربة وكون الفعل عبادة لا تتحققان الا بقصد الامر فقط وبقية الدواعي
انما هي في طول ذاك الداعي (لافى) عرضه (واما) بناء على ما ذهب إليه أستاذ
الأساطين الشيخ الأنصاري (قده) من كون قصد الجهة وهى المصلحة موجبا للتقرب
في عرض قصد الامر فيلزم من اخذه في المأمور به ذاك المحذور عينا (1) فان قصد

1 - لا يخفى غاية ما يقتضيه البرهان المذكور هو أن يكون الفعل قابلا لترتب المصلحة عليه في
نفسه حتى يمكن تعلق القصد به بداعي المصلحة المترتبة عليه لكن ذلك لا ينافي توقف
فعلية الترتب على القصد المزبور كما هو كذلك في قصد العظيم ضرورة ان الفعل الخارجي
اما لم يكن قابلا لان يظهر به عظمة الغير لا يمكن قصد التعظيم به حقيقة ولكنه مع ذلك لا يكون
عنوان التعظيم فعليا ومنطبقا على الفعل الخارجي الا مع القصد المزبور
108

جهة الصلاة مثلا يتوقف على كون الصلاة ذات جهة وكون الجهة مترتبة على نفسها
والمفروض ان الجهة انما تترتب على قصد الجهة لفرض كونه جزء المأمور به فبدونه لا جهة
حتى تقصد فالجهة فرع قصدها وقصدها فرع تحققها فيلزم توقف الشيئ على ما يتوقف
عليه بلا واسطة وهو الدور المصرح المستلزم لتقدم الشيئ على نفسه بمرتبتين
فإن الشيئ متأخر عن علته بمرتبة والمفروض انه متقدم على علته بمرتبة لكونه علة
لعلته فيتقدم على نفسه بمرتبتين (واما) على المختار من كون جميع الدواعي القربية
في عرض واحد وان الجامع بين الجميع كون العمل لله كما يستفاد من قوله (عليه السلام)
(وكان عمله بنية صالحة يقصد بها ربه) فوجه امتناع اخذ الجامع المنطبق على جميع
الدواعي القربية في المأمور به هو ان الداعي أيا ما فرض فهو في مرتبة سابقة على
الإرادة المحركة للعمل فيستحيل كونه في عرض العمل الصادر عن الإرادة التكوينية
فان المفروض سبقه على الإرادة وتأخر العمل عنها فإذا لم يمكن وقوع الداعي في حيز الإرادة
التكوينية (1) فلا يمكن وقوعه في حين الإرادة التشريعية أيضا بداهة ان متعلق الإرادة التشريعية

1 - لا يخفى ان ذلك لو تم فلا يمكن تعلق الطلب والإرادة التشريعية بقصد الامر أو بغيره
من الدواعي القربية مطلقا ولو كان ذلك بجعل المتمم وبالأمر الثاني المغاير للامر الأول
المتعلق بذات الفعل وهذا ينافي ما ذهب إليه قدس سره من تصحيح كون الواجب عبادة كذلك
والتحقيق ان المستحيل انما هو تعلق شخص الاختيار الناشئ عن داع بذلك الداعي بعينه واما
تعلق اختيار آخر به غير الاختيار الناشئ منه فهو بمكان من الامكان وحيث إن المفروض ان
هناك فعلين أحدهما خارجي والاخر نفساني فلا محالة يكون الاختيار المتعلق بالفعل الخارجي
الناشئ من الفعل النفساني مغايرا للاختيار المتعلق بالفعل النفساني ولكنه بما ان المفروض
ترتب الغرض الواحد على الفعلين معا فلا مناص عن كون الشوق أو الامر المتعلق بهما واحدا أيضا
ثم إنه بعد ما تحقق امكان اخذ جامع قصد القربة في المأمور به فيمكن التمسك بالاطلاق في
ظرف الشك لاثبات كون الواجب توصليا وعدم دخل قصد القربة في المأمور به واقعا وفى
مرحلة الثبوت فلا يترتب اثر مهم على اثبات استحالة اخذ خصوص قصد الامر في المتعلق مع أنك
قد عرفت انفا امكان اخذ خصوص قصد الامر في المتعلق أيضا
واما ما عن المحقق صاحب الكفاية قدس سره من أن صحة العبادة إذا اتى بها بداعي الامر
تكشف عن عدم اخذ غير قصد الامر من الدواعي القربية في المأمور به قطعا
فيرد عليه انها تكشف عن عدم اخذ خصوص غير قصد الامر في المأمور به واما عدم
اخذ الجامع فيه فلا كاشف عنه أصلا نعم لا مناص عن الالتزام بتعلق الامر بذات الفعل ليكون
المكلف متمكنا من الاتيان به بقصد الامر الا انك قد عرفت ان الامر بالمركب يستلزم تعلق
حصة منه بذات الفعل لا محالة
فان قلت إذا فرض استحالة اخذ خصوص قصد الامر في المتعلق فالامر بالجامع لا يمكن ان
يعمه بل لابد وان يختص بغيره من الدواعي القربية فإذا لم يكن غيره مأخوذا فيه أيضا
كما هو المفروض فيقطع بعدم اخذ الجامع فيه لا محالة
قلت إذا كان منشأ استحالة اخذ قصد الامر في المتعلق هو لزوم اخذ القيد وهو الامر مفروض
الوجود فهي تدور مدار لحاظ القيد وجعله دخيلا في فعلية الحكم فإذا فرضنا ان المأخوذ
في المأمور به هو جامع قصد القربة مع قطع النظر عن خصوصيات افراده على ما ستعرف
ان الاطلاق عبارة عن رفض القيود وعدم دخل شئ من الخصوصيات في حكم المطلق فلا موجب
لاختصاص الامر بالجامع بغير قصد الامر وعدم سرايته إليه ضرورة ان المحذور على تقدير
تسليمه انما يترتب على لحاظ القيد مفروض الوجود لاعلى رفضه وعدم لحاظ ثم إنه لو تنزلنا
عن ذلك وبنينا على استحالة اخذ جامع قصد القربة في المأمور به أيضا فلا يستلزم ذلك عدم
جواز التمسك بالاطلاق لاثبات كون الواجب توصليا فإنه إذا كان غرض المولى مترتبا على
اتيان المأمور به بقصد القربة وفرض استحالة تقييد المأمور به بذلك فيمكنه ان يقيد المأمور
به بقيد يلازم قصد القربة خارجا بان يأمر بالفعل المقيد بان لا يؤتى به بأحد الدواعي النفسانية
فمن اطلاق وعدم التقييد في مقام الاثبات يستكشف عدم دخل قصد القربة في غرض المولى
في مقام الثبوت ولعل ذلك هو المراد من الوجه الآتي المحكى عن بعض تقريرات
العلامة الشيرازي قدس سره وعليه فلا يرد على الوجه المزبور ما اورد عليه في المتن كما سيظهر
نعم ربما يورد عليه بان القدرة على اتيان المأمور به على هذا الفرض متوقفة على تعلق الامر به مع أنها
من شرايط التكليف عقلا وجوابه ان ما هو شرط فعلية التكليف أو تنجزه انما هي
القدرة على اتيان المأمور به في ظرف الامتثال ولامانع من كونها ناشئة عن الامر نفسه فتلخص
من جميع ما ذكرناه انه لا مانع من التمسك بالاطلاق لاثبات كون الواجب توصليا ما لم يكن
هناك دليل على كونه تعبديا
109

هو بعينه ما يوجده العبد في الخارج وتتعلق به ارادته فلو لم يمكن تعلق الإرادة التكوينية بشئ
لا يمكن تعلق الإرادة التشريعية به أيضا (إذا عرفت) عدم امكان اخذ داعى القربة في متعلق الأمر
فلابد من بيان ما به يمتاز التعبدي عن التوصلي فما قيل أو يمكن ان يقال في
110

تصويره وجوه
الأول ما حكى بعض تقريرات العلامة الشيرازي (قده) وحاصله ان نفس
الداعي القربى وأن لم يمكن اخذه في المتعلق بوجه من الوجوه الا انه يمكن اخذ
عنوان في المأمور به يكون ملازما لاحد الدواعي القربية وجودا وعدما فالفرق
بالآخرة انما يكون باختلاف المتعلق والدواعي ملازمة لذلك العنوان المقيد به متعلق الأمر
(وفيه) ان هذا الوجه وإن كان لطيفا في نفسه الا انه يرد عليه انه لو فرضنا (1)
ولو محالا انفكاك ذاك العنوان عن أحد الدواعي وبالعكس فلا بدوان تكون العبادة
صحيحة على الأول دون الثاني (مع) انه لا يلتزم به ففيه قطعا لبداهة صحة العمل
مع الداعي القربى قطعا وان لم يوجد هناك عنوان أصلا وفساده مع عدمه وان وجد
ذلك العنوان
الثاني ان الفرق بينهما من ناحية الامر وان حقيقة الامر التعبدي مع حقيقة الامر
التوصلي متباينان فالأول يقتضى بنفسه أن يكون باعثا فعليا دون الثاني فإنه
لا يقتضى الأنفس وجود المأمور به في الخارج من دون ان يقتضى كونه داعيا بالفعل
وإن كان فيه صلاحية ذلك ويرد على هذا الوجه (أولا) ان هذا مبتن على
ما ذهب إليه صاحب الجواهر (قده) من لزوم كون الامر داعيا وان بقية الدواعي
في طوله لا في عرضه واما على المختار (فلا اشكال) في كفاية بقية الدواعي فلا
تكون دعوة الامر التعبدي فعلا من لوازم ذاته قطعا (وثانيا) (2) ان دعوة
الامر في مرتبة متأخرة عنه لا محالة فلا يمكن كونها في عرضه وموجودة بوجوده
بحيث يكون المولى موجدا لنفس الامر ودعوته والا لتقدم الشيئ على نفسه وبعبارة
واضحة دعوة شئ فرع ثبوت ذاك الشيئ فإنه موضوعه فيستحيل أن تكون
موجودة في عرضه

1 - لا يخفى ان فرض المحال مع استلزام القيد المزبور لا حد الدواعي القربية خارجا لا اثر
له فيما نحن فيه ضرورة انه مع علم المولى بالملازمة المزبورة تمكنه من الوصول إلى
غرضه بأخذ القيد المزبور لا يترتب اثر على فرض المحال أصلا
2 - الصحيح في الجواب ان يقال إن الامر لا يكون داعيا الا إلى متعلقه لا يحرك الا
نحوه فلا يعقل كونه داعيا لدعوة نفسه ما لم يؤخذ ذلك في المتعلق
واما ما أفيد في المتن من كون دعوة الامر متأخرة عن نفس الامر رتبة فيستحيل أن تكون
موجودة في عرضه
فيرد عليه ان اللوازم الذاتية لابد وأن تكون موجودة بايجاد ملزوماتها والتأخر الطبعي لا
ينافي التقارن الزماني كما هو ظاهر
111

الثالث (1) كون الفرق بينهما بحسب الغرض وان الغرض لا يحصل من الامر التعبدي
الا بقصد القربة واما الامر التوصلي فيترتب الغرض منه على مطلق وجود المأمور به
قصد به التقرب أم لا (وفيه) انه ان أريد من الغرض المصلحة الكائنة في المأمور به
فيرد عليه ان الافعال بالإضافة إلى المصالح كما ذكرناه في مبحث الصحيح والأعم من
قبيل العلل المعدة لا من قبيل الأسباب بالإضافة إلى مسبباتها فيستحيل ان تقع تحت
التكليف والالزام فحصولها وعدمها أجنبي عن المكلف فلا معنى لكونه بصدد تحصيلها
بل هو مكلف بايجاد المأمور به خارجا والمصالح علل الجعل والتشريع لا مما يجب ايجاده
خارجا (وان أريد) منه الغرض القائم بالامر فبما ان الامر فعل من أفعال المولى ولابد
أن يكون فيه غرض فالغرض من الامر التوصلي نفس وجود المأمور به خارجا وان
لم يكن بدعوة الامر ومن التعبدي دعوة الامر لوجود المأمور به (فيرد عليه) ما ورد
على الوجه الثاني عينا من ابتنائه على مذهب صاحب الجواهر (قده) أولا واستحالة
كون دعوة الامر غرضا منه وموجودا بوجوده ثانيا وعدم دليل على لزوم الحركة
على طبق الغرض من الامر ثالثا (هذا) وسيجيئ ما هو المختار عندنا من الفرق
بين التوصلي والتعبدي.
الأمر الثالث اختلفت كلمات الأصحاب في مقتضى الأصل اللفظي في المقام فاختار
جماعة ومنهم المحقق الأنصاري (قده) أصالة التوصلية واختار صاحب الإشارات
(قده) وجماعة ممن تبعه أصالة التعبدية (والحق) في المقام وفاقا لجملة من المحققين
هو الاهمال وعدم الاطلاق مطلقا (واستدل) العلامة الأنصاري (قده) على مختاره

1 - قد عرفت فيما مران الفرق بينهما انما هو بأخذ قصد القربة في متعلق الأوامر التعبدية دون
التوصلية وبما ان الاخذ المزبور نشأ من دخل قصد القربة في الغرض يصح ان يقال إن
الفرق بينهما من ناحية الغرض وعليه فلا يرد على هذا الوجه ما أفيد في المتن كما لا يخفى
112

بعدم امكان التقييد فيثبت الاطلاق وبمثل هذا استدل على شمول الخطاب للجاهلين
وعدم اختصاصه بالعالمين وعلى عموم وجوب المقدمة لغير الموصلة والجامع في جميع
المقامات عدم امكان التقيد للزوم المحذور فيه (ولا يخفى (1)) عدم صحة الاستدلال
المذكور في شئ من المقامات المذكورة فإنه يبتنى على أن يكون الاطلاق مقابلا للتقييد
تقابل الايجاب والسلب بأن يكون معنى الاطلاق هو مطلق عدم التقييد ولو بالعدم
الأزلي وهذا المعنى فاسد حتى عنده (قده) فان الاطلاق كما سيجئ في محله انشاء الله
تعالى وإن كان عدميا الا انه موقوف على ورود الحكم على المقسم وتمامية
مقدمات الحكمة فالتقابل بينهما لا محالة يكون تقابل العدم والملكة فإذا فرضنا في مورد
عدم ورود الحكم على المقسم فلا معنى للتمسك بالاطلاق قطعا وما نحن فيه من هذا
القبيل فان انقسام المتعلق بما إذا اتى به بقصد الامر وعدمه يتوقف على ورود الامر فإنه
كما عرفت من الانقسامات الثانوية فليس قبل تعلق الامر وفى مرتبة سابقة عليه مقسم
أصلا فالحكم لم يرد على المقسم بل صحة التقسيم نشأت من قبل الحكم فلا معنى للتمسك
بالاطلاق فكل مورد لم يكن قابلا للتقييد يمتنع الاطلاق فيه أيضا (وأما) لو بنينا على
ما هو المشهور قبل سلطان العلماء (قده) من كون الاطلاق أمرا وجوديا وانه بمنزلة
التصريح بالعموم (فعدم) صحة التمسك بالاطلاق أوضح فإنه في قوة ان يقال صل سواء
كان بقصد الامر أولا فان التصريح المذكور انما يصح فيما إذا كان الانقسام قبل الامر لا
بعده والا كان اخذ المقسم بما هو مقسم في متعلق الأمر مع أن كونه مقسما انما نشأ من
قبله مستلزما لتقدم الشيئ على نفسه " واستدل " الكلباسي " قده " في الإشارات على أصالة
التعبدية بوجوه نذكر المهم منها
الأول ان المولى انما يأمر عبده بشئ ويطلبه منه ليجعل امره محركا إياه نحو
العمل وباعثا له نحو المراد فالامر هو بنفسه جعل للداعي والمحرك مطلقا (فإذا)
قام هناك قرينة على التوصلية فذاك والا كان مقتضى نفس الامر هو التعبدية (وفيه) 2

1 - قد عرفت فيما تقدم امكان اخذ قصد القربة في متعلق الأمر وان كون التقابل بينهما
من تقابل العدم والملكة لا يقتضى استلزام استحالة أحدهما لاستحالة الاخر فلا موقع لما
افاده العلامة الأنصاري قدس سره في المقام ولا لما اورد عليه في المتن فافهم وتدبر
2 - الصحيح في الجواب ان يقال إن الغرض من الامر مضافا إلى أنه لا يجب تحصليه
وانما هو طريق محض إلى ما هو الغرض من المأمور به ان محركية الامر نحو المأمور به
وجعله داعيا إلى ايجاده لا يعقل أن تكون غرضا من الامر ضرورة ان ما هو غرض منه
لابد وأن يكون مترتبا عليه خارجا دائما ومن الواضح ان وجود المأمور به في الخارج
فضلا عن كون الامر داعيا إليه ربما يكون في الخارج وربما لا يكون فكيف يمكن ان
يقال إن الغرض من الامر انما هو جعله داعيا إلى المأمور به وعليه فلا مناص من كون
الغرض من الامر هو امكان كونه داعيا إلى ايجاد المأمور به على تقدير وصوله إلى
المكلف وهذا أمر يشترك فيه التعبديات والتوصليات فلا يبقى مجال للاستدلال على أصالة
التعبدية من ناحية الغرض
113

انه ان أريد من جعل المولى امره محركا الزام المولى عبده بالعمل وجعله في عهدته
بحيث يكون داعيا نحو العمل لو لم يكن له داع من قبل نفسه فإنه قبل الامر
بالعمل لم يكن ملزما بالفعل بل كان له اختيار من نفسه في الفعل وتركه وبعد الامر
لا بد له من العمل ليحصل له الفراغ منه فهو مسلم الا انه أجنبي عن التعبدية بالمعنى
المقصود لاشتراك هذا المعنى بين جميع الواجبات تعبدياتها وتوصلياتها وان أريد
منه ان الفعل لا بد وأن يصدر في الخارج بداعي امتثال أمر المولى لابداع آخر حتى
يكون الامر متكفلا لمحركية نفسه وللزوم صدور العمل من قبله فقد عرفت انه مبنى
على مذهب صاحب الجواهر (قده) المخالف لما اخترناه أولا وانه مستلزم للمحال
ثانيا وببيان آخر الامر انما يدعو نحو العمل وإرادة المكلف ملحوظة بنحو المعنى الحرفي
غير الاستقلالي والملحوظ بالاستقلال هو نفس الفعل فلو كانت إرادة العبد ولزوم
صدورها عن داعى الامر ملحوظين حين الامر لزم انقلاب الملحوظ الالى إلى الاستقلالي
هو خلف محال.
الوجه الثاني قوله تعالى " وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " الآية حيث
استدل بها على عبادية جميع أوامر الله تبارك وتعالى خرج ما خرج فيبقى الباقي تحت العموم
(وفيه أولا) ان هذا المعنى مستلزم لتخصيص الأكثر فان الواجبات الشرعية الا قليلا (منها
توصليات فيكشف لزوم تخصيص الأكثر عن عدم إرادة هذا المعنى من الآية
اجمالا (وثانيا) ان مفاد الآية بقرينة سابقتها وهو قوله عز وجل " لم يكن الذين
114

كفروا والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة الخ " هو (1) ان المؤمنين في مقام العبادة
لم يؤمروا الا بعبادة الله دون غيره لا ان كل أمر ورد في الشرع فهو عبادي فالآية في
مقام بيان تعيين المعبود وقصر العبادة عليه لا في مقام بيان حال الأوامر وانها عبادية فالآية
أجنبية عن هذا المقام قطعا
الوجه الثالث قوله صلى الله عليه وآله " الأعمال بالنيات " فدل على أن العمل
بلا نية كلا عمل فما لم تقم قرينة على صحة العمل بلا نية فلا يعتد به ويكون لغوا في مقام
الامتثال " وفيه ان " المستفاد من التفاسير الواردة في كلمات الأئمة سلام الله عليهم أجمعين
لهذه الكلمة الجامعة ان المراد منها هو " ان لكل امرى ما نوى " فإن كان العمل لله فيجعله
الله لنفسه والا فلما عمله من اجله كما ورد عنهم عليهم السلام ان المجاهدان جاهد لله فالعمل
له تعالى وان جاهد لطلب المال والدنيا فله ما نوى فحاصل الرواية الشريفة ان عنوان
الفعل في الخارج يتبع نية الفاعل وقصده فان فعله لله يقع له والا فلا فليست الرواية
في مقام بيان ان الأوامر الشرعية عبادية أصلا " فتحصل " انه ليس هناك اطلاق العين
التوصلية أو التعبدية بل المأمور به بالإضافة إلى الانقسامات الثانوية مطلقا لا مناص
من كونه مهملا (واما) دعوى الظهور في التوصلية مع فرض عدم الاطلاق فلاوجه لها
بداهة انه ليس فيما نحن فيه ما يقتضى الظهور غير الاطلاق وهو مفروض العدم
الأمر الرابع ربما يتمسك لاثبات التوصلية في مورد الشك فيها بحكم العقل بالاجزاء
وان الاتيان بالمأمور به يجزى عقلا والمفروض ان المأمور به غير مقيد بقصد القربة
قطعا وهذا الوجه هو المحتمل من عبارة صاحب التقريرات وبيان دفعه يحتاج إلى تقديم
" مقدمة " وهى ان جعل المولى (تارة) يكون تاما وكل ما وقع تحت امره وخطابه
يكون وافيا بتمام غرضه فلا محالة يكون الاتيان بما يفئ بغرضه مجزيا عقلا (واخرى)
لا يكون كذلك بل المولى يحتاج إلى متمم لجعله كما في الغسل قبل الفجر فيما إذا
أوجب صوم الغد فإنه بناء على امتناع الواجب المعلق كما سيجيئ في محله لابد وان

1 - الظاهر أن الضمير في قوله تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله الآية يرجع إلى أهل الكتاب
المذكورين قبل هذه الآية فحاصل المراد ان أهل الكتاب لم يكونوا مأمورين الا
بعبادة الله والتفرق الموجود بينهم انما نشأ من قبل أنفسهم من بعد ما جائتهم البينة فالآية
أجنبية عن محل الكلام بالكلية
115

يكون الامر بالصوم بعد الفجر لاشتراطه به ويستحيل تقدمه عليه كما أن الامر بالغسل
لابد وأن يكون قبل الفجر لاشتراط الصوم في الجزء الأول من النهار بالطهارة وحينئذ فحيث
ان غرض المولى مترتب على الصوم المقيد بالطهارة ويستحيل ان يأمر بهما بأمر واحد
جامع بين ما قبل الفجر وما بعده فلا بد وان يستوفى غرضه بأمرين أحدهما قبل الفجر
بالغسل والاخر بعد الفجر بالصوم وحينئذ فحيث ان الامرين نشئا عن ملاك واحد فهما في حكم
أمر واحد واطاعتهما ومعصيتهما واحدة ولا يكون الاتيان بالمأمور به من أحدهما مجزيا ومسقطا
من دون الاتيان بالمأمور به من الاخر وما نحن فيه من هذا القبيل أيضا فإذا إذا فرضنا
ان غرض المولى مترتب على الصلاة بداعي القربة فإذا أراد المولى استيفاء غرضه فحيث
انه لا يمكن له ذلك الا بأمرين فلابد له من أمر متعلق بذات الصلاة وامر آخر متعلق
باتيانها بقصد القربة (وتوهم) الاكتفاء بأمر واحد بالصلاة وايكال الجزء الآخر وهو قصد
القربة إلى حكم العقل لا معنى له فان شأن العقل انما هو الادراك وان هذا الشيئ مما
اراده الشارع أم لا وليس الامر والتشريع من شؤنه حتى يكون هو شارعا في قبال الشارع
فكما ان ذات الصلاة تعلق بها إرادة الشارع لكونها مما له دخل في غرضه كذلك لابد
وأن يكون داعى القربة متعلقا لإرادته غاية الأمر انه لا يعقل ذلك بالامر الأول فلابد
من الأمر الثاني المتمم للجعل الأول حتى يكون الامر ان في حكم أمر واحد (فظهر)
ان توهم سقوط الأمر الأول مع عصيان الأمر الثاني لا معنى له فان ذلك انما يصح
فيما إذا كان الامر ان مستقلين وناشئين عن ملاكين كما إذا فرضنا تعلق النذر بفعل
صلاة الفريضة في المسجد فإنه إذا صلاها في الخارج يسقط الامر الصلاتي وإن كان عاصيا
بالقياس إلى الامر النذري ويجب عليه الكفارة لافى مثل ما نحن فيه الذي نشأ الامر ان فيه
عن ملاك وغرض واحد فيستحيل سقوط أحدهما دون الاخر كما ظهر ان عدم السقوط ولزوم
الاتيان بداعي الامر من قبل الأمر الثاني لا من قبل حكم العقل والزامه لما عرفت ان شأنه الادراك
لا الالزام (فتحصل) مما ذكرناه انه في كل مورد احتمل العقل عدم تمامية الجعل و
الاحتياج إلى أمر آخر لا يعقل استقلاله بالاجزاء قطعا وما نحن فيه من هذا القبيل
(ثم لا يخفى) ان تمامية الجعل وعدمها انما تعلم من الخارج فتارة يدل الدليل على
وجود الأمر الثاني وان غرض المولى مترتب على فعل المأمور به مع قصد القربة
116

فيفيد الأمر الثاني نتيجة التقييد وان الأمر الأول لا يسقط بمجرد الفعل كيفما اتفق و
أخرى يدل الدليل على عدم وجود الأمر الثاني وان الجعل لا يحتاج إلى متمم فيكون
النتيجة نتيجة الاطلاق (هذا) بالإضافة إلى متعلق الأمر (واما) بالإضافة إلى موضوع
التكليف فتارة يدل الدليل على أن غرض المولى مترتب على الفعل من كل مكلف عالم
أو جاهل فيكون النتيجة نتيجة الاطلاق كما دلت أدلة اشتراك المكلفين في التكليف
على ذلك واخرى يدل الدليل على أن الغرض مترتب على فعل العالم دون الجاهل
كما في القصر والاتمام أو الجهر والاخفات فيكون النتيجة نتيجة التقييد وعلى هذا فإذا كان
المولى في مقام بيان اظهار تمام جعله ومع ذلك لم يأمر بقصد القربة فيستكشف من
هذا الاطلاق المسمى بالاطلاق المقامي تمامية الجعل الأول وعدم احتياجه إلى جعل
المتمم ثانيا فتكون النتيجة كما في الاطلاق الكلامي ونظير ذلك قد مر في بحث الصحيح
والأعم، من أن الصحيحي وان لم يمكن له التمسك بالاطلاق الكلامي لاجمال اللفظ
الا انه يمكنه التمسك بالاطلاق المقامي إذا كان كما في صحيحة حماد المتكفلة لبيان
اجزاء الصلاة فكلما لم تتعرض له مما يحتمل جزئيته فنتمسك باطلاقها لدفع
الاحتمال المذكور
(وبالجملة) فالفرق بين المتوصليات والتعبديات انما هو (1) بالامر الثاني وعدمه
والتفرقة بينهما بالغرض قد عرفت فسادها وحينئذ فإذا كان المولى في مقام البيان و
لم ينصب قرينة على الجعل الثاني المتمم للجعل الأول فمقتضى الاطلاق هو التوصلية
وعدم الجعل الاخر وهذا الاطلاق نظير الاطلاق في متعلق التكليف الثابت
بمقدمات الحكمة
هذا كله فيما إذا تمت هناك مقدمات الحكمة والا فتصل النوبة إلى الأصول
العملية (والحق ان) مقتضى القاعدة في المقام هي البراءة لما عرفت (2) من أن

1 - ما افاده قدس الله سره في توجيه كون الواجب عبارة من الالتزام بالامر الثاني
المتمم للجعل الأول وإن كان صحيحا لا مناص عنه على تقدير عدم امكان اخذ قصد الامر
في متعلق الأمر الأول الا انك قد عرفت انه أمر ممكن فلا تصل النوبة إلى الالتزام المزبور
2 - وكذلك الحال على ما حققناه من امكان اخذ قصد القربة في متعلق الأمر الأول
فإنه على التقديرين يكون الشك في اعتبار قصد القربة في واجب من موارد دوران الامر
بين الأقل والأكثر والمختار فيه هي البراءة على ما ستعرف
117

داعى القربة على تقدير دخله فلا محالة يكون بجعل ثان فالشك في دخله شك في
الجعل الثاني فيكون حاله حال بقية الأجزاء في جريان البراءة عند الشك في دخلها
في المأمور به (هذا) على ما هو المختار من كون دخل قصد القربة شرعيا (واما) إذا
كان عقليا فربما يقال بان مقتضى القاعدة في المقام هو الاشتغال وان قلنا بالبرائة في
مسألة الأقل والأكثر فان العقل بعد ما حكم بلزوم تحصيل غرض المولى فلا مناص
من القول بالاشتغال عند الشك في حصوله فإذا اتى بالمأمور به بلا داعى القربة مع
احتمال كون الواجب لا يسقط الغرض منه الا بقصد القربة فمقتضى القاعدة عدم جواز الاجتزاء
به ولا يخفى (1) ان هذا الفرق مبنى على التفرقة بين المحصلات الشرعية والأسباب

1 - الظاهر أن التفرقة المزبورة مبنية على التفرقة في بحث الأقل والأكثر بين البراءة
الشرعية والعقلية والالتزام بعد جريان الأولى من جهة الشك في حصول الغرض باتيان
الأقل وبجريان الثانية نظرا إلى انها وان لم تثبت الاطلاق الواقعي وعدم تقيد المأمور
به بما احتمل جزئيته وشرطيته واقعا الا انها تثبت الاطلاق الظاهري وجواز اكتفاء
المكلف في مرحلة الظاهر بما هو المتيقن تعلق التكليف به فإنه بناء على ذلك لابد من
القول بالاشتغال في المقام لعدم جريان البراءة الشرعية فيه فان المفروض عدم تعلق التكليف
شرعا بقصد القربة فالشك متمحض في كونه دخيلا في غرض المولى ومعه يحكم العقل بلزوم
تحصيل الغرض باتيان المأمور به مع قصد القربة (ولكن) التحقيق عدم صحة التفرقة
المزبورة فانا إذا بنينا على عدم جريان البراءة العقلية في مسألة الأقل والأكثر من جهة
حكم العقل بلزوم تحصيل الغرض فلا يبقى مجال للرجوع إلى البراءة الشرعية فيها بعد
فرض انه لا يثبت بها ترتب الغرض على الأفل كما أنه إذا بنينا على جريان البراءة
العقلية في تلك المسألة كما هو الصحيح من جهة انه لا يلزم من تحصيل الغرض بحكم
العقل الا المقدار الواصل إلى المكلف وما تصدى المولى لبيانه فالعقاب على ترك ما
يحتمل دخله في غرض المولى واقعا مع عدم قيام الحجة عليه لا يكون محتملا من جهة
استقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان فلا بد من القول بالبرائة في المقام أيضا فان قلت
المفروض في المقام عدم تمكن المولى من البيان فلا يمكن الرجوع فيه إلى البراءة العقلية
لاعتبار التمكن من البيان في موارد الرجوع إليها لا محالة قلت ما هو المفروض في المقام
انما هو عدم امكان اخذ قصد القربة في متعلق الأمر واما بيان دخل قصد القربة في الغرض
ولو كان البيان بالجملة الخبرية ونحوها فهو مقدور للمولى لا محالة فلا مانع من الرجوع
إلى البراءة العقلية فتلخص انه لا فرق بين المقام ومسألة الأقل والأكثر في حكم العقل
بالبرائة أو الاشتغال ولتوضيح بيان عدم جواز التفرقة في مسألة الأقل والأكثر بين البراءة
الشرعية والبرائة مقام آخر سيأتي انشاء الله تعالى
118

العادية فإذا شك في دخل شئ في الأسباب العادية فمقتضى القاعدة هو الاشتغال كما
إذا شككنا في دخل شئ حصول الاحراق الواجب شرعا واما إذا كان شك في
دخل شئ في حصول الطهارة التي هي أمر شرعي فمقتضى القاعدة هي البراءة لشمول
حديث الرفع لرفع شرطية الشيئ المشكوك أو جزئيته والحاصل ان المسبب إن كان
أمرا شرعيا وشك في دخل شئ في محصله شرطا وجزءا فمقتضى القاعدة هي البراءة
واما إذا كان أمرا غير شرعي فلا موجب لتوهم شمول حديث الرفع أصلا ومقتضى القاعدة
هو الاشتغال واما فيما نحن فيه فحيث ان دخل قصد القربة في الغرض واقعي وليس
بشرعي فلا يعقل شمول حديث الرفع لعدم دخله عند الشك فيكون مقتضى القاعدة
تحصيلا للغرض هو الاشتغال واما الاجزاء والشرائط فحيث ان دخلها جعلي شرعي فلا
بأس بشمول حديث الرفع لنفى الجزئية أو الشرطية عند تعلق الشك بهما (ولكن)
هذا القول فاسد من حيث البناء والمبنى ولابد قبل بيان فساده من تقديم مقدمة وهى
ان شمول حديث الرفع لمورد يتوقف على أمور ثلاثة (الأول) كون الشيئ مجهولا
(الثاني) كون قابلا للوضع والرفع (الثالث) كون رفعه امتنانا بداهة ان الرواية
انما وردت في مقام المنة وبانتفاء واحدة من المقدمات يبطل التمسك به لا محالة وحينئذ
(فنقول) اما فساد المبنى فلان المسبب إن كان أمرا شرعيا نظير الوجوب والطهارة
والملكية فاما ان نقول بان المجعول الشرعي هو المسبب عند وجود أسبابه كما هو
التحقيق أو نقول إن المجعول الشرعي هي السببية وعلى الأول فوجود المسبب عند
وجود تمام الاجزاء والشرائط حتى الأمور المشكوك دخلها في السبب مقطوع به
يستحيل شمول حديث الرفع له ووجوده عند الاجزاء والشرائط المعلومة فقط وإن كان
مشكوكا الا انه لا وجه لتوهم شمول حديث الرفع له لمنافاته للامتنان فان
الحكم بعدم ترتب الطهارة على الغسل مرة أو على الغسل بدون العصر مناف للامتنان
قطعا فلا يكون لحديث الرفع مجال أصلا وبالجملة باب الأسباب والمسببات عند دوران
119

الامر بين الأقل والأكثر على عكس باب التكاليف كليا فان التكليف بالأقل معلوم
دون الأكثر بخلاف باب الأسباب فان ترتب المسبب على الأكثر معلوم دون الأقل
ولو بنينا محالا على جعل السببية فالامر كذلك فان سببية الأكثر معلومة لا يرفعها حديث
الرفع وسببية الأقل وإن كانت مشكوكة لكن لا امتنان في رفعها نعم لو بنينا على محال آخر أيضا
وهو ان السببية كما هي مجعولة كذلك جزئية الاجزاء للسبب أيضا مجعولة وأغمضنا عما
سيجيئ في محله من أن الجزئية والشرطية والمانعية مطلقا حتى بالنسبة إلى متعلقات
التكاليف ليست الا أمور انتزاعية وليست بقابلة للجعل أصلا أمكن التفرقة بين المحصلات
الشرعية وغيرها ويرفع بحديث الرفع جزئية شئ أو شرطيته للمحصل الشرعي ولكنه
مبتن على محال في محال (لا يقال) لو بنينا على مجعولية جزئية شئ للسبب فيكفي
ذلك في شمول حديث الرفع سواء كان المجعول هي السببية أم المسبب (فانا نقول)
ليس الامر كذلك.
فانا إذا بنينا على مجعولية المسبب فيما انه ليس من أوصاف السبب فلا يكون
له تعلق باجزائه حتى يكون لازم جعله جعل الجزئية وهذا بخلاف السببية فإنها مما
تتعلق بالسبب فيمكن ان يقال إن جعلها جعل الجزئية وإن كان التحقيق ما عرفت من أنها
من الأمور الانتزاعية فيكون حالها حينئذ حال الجزئية للمأمور به في كونها منتزعة
عن تعلق المجعول الشرعي بمركب سواء كان المجعول هو التكليف أو السببية واما
فساد البناء فلان باب الملاكات والاغراض كما أشرنا إليه سابقا وأوضحناه في بحث الصحيح
والأعم أجنبي (1) عن باب المسببات بالكلية ونسبة الافعال إليها نسبة المعدات إلى
معلولاتها لا نسبة الافعال التوليدية إلى ما تتولد منه وعلى تقدير التسليم فترتبها على
الافعال تكويني خارجي لا جعلي شرعي بداهة ان الشارع يأمر بفعل ذي مصلحة لا انه
يجعل فيه المصلحة فالمصلحة غير مجعولة والمجعول هو الامر فقط فلا تكون
ملازمة بين جريان البراءة في المحصلات الشرعية وبين جريانها في اجزاء المأمور به
إذا فرض كونه من قبيل الأسباب إلى مسبباتها فلابد من القول بالاشتغال عند الشك
في الأقل والأكثر وان قلنا بالبراءة في المحصلات الشرعية (فان قلت) ان الاشتغال

1 - قد مر الكلام في ذلك في بحث الصحيح والأعم فراجع
120

انما يكون فيما إذا تعلق الامر بالمسبب فلا محالة إذا شك في اجزاء السبب أو شرائطه
فلا يكون هناك مجرى للبراءة لان المأمور به وهو المسبب لا تعلق للشك به وما تعلق
به الشك وهو السبب ليس بمأمور به وأما إذا كان المأمور به وهو السبب فإن كان
المشكوك دخله مما لا يمكن تعلق الامر به كقصد القربة فلابد من الاشتغال أيضا للزوم
تحصيل غرض المولى وإن كان مما يمكن تعلق الامر به فلا بأس بشمول حديث الرفع
له واخراجه عن ما تعلق به الامر فعلا (قلنا) ان هذا مبتن على لزوم تحصيل الغرض
وكونه تحت التكليف وقد بينا بطلانه وان الملاكات ليست تحت اختيار العبد وما هو
تحت اختياره نفس الفعل الذي هو معد لحصول الملاك ولو سلمنا كونه تحت الاختيار
وانه المسبب للفعل الخارجي فقد بينا في بحث الصحيح والأعم انه كلما كان هناك مسبب
توليدي يكون تحت الاختيار فلا محالة يكون هو المأمور به حقيقة ولو فرض كون السبب
في لسان الشارع مأمورا به فلا محالة يتقيد المأمور به بالمسبب قهرا ضرورة انه لافرق
بين أمر المولى بالاحراق وأمره بالالقاء مثلا فان الامر بالاحراق أمر بالالقاء كما أن الامر
بالالقاء أمر بالاحراق لا محالة فإذا شك في دخل شئ في السبب فلا محالة لا تجرى
البراءة (1) ويكون مقتضى القاعدة هو الاشتغال (فان قلت) سلمنا تقيد السبب
بالمسبب غايته أن يكون هذا القيد أيضا أحد قيود المأمور به هو السبب
فيكون المأمور به هو الصلاة المقيدة بالنهي عن الفحشاء مثلا ومع ذلك
فلا يلزمه القول بالاشتغال مطلقا حتى في الاجزاء والشرائط التي يمكن تعلق التكليف بها
فان فيها جهتين إحديهما جهة كونها متعلقة للتكليف وثانيتهما جهة دخلها في الملاك والجهة
الأولى شرعية والثانية عقلية فمن الجهة الأولى تجرى البراءة الشرعية ويثبت عدم تعلق
الامر الفعلي بالجزء المشكوك ويترتب عليه اكتفاء الشارع في مقام الامتثال ببقية الأجزاء
المعلومة وسيجيئ في محله انشاء الله تعالى عدم الفرق في مجارى الأصول بين مقام الجعل

1 - نسبة الواجبات إلى الأغراض وإن كانت نسبة الأسباب إلى مسبباتها على الأصح ان
ذلك لا يمنع من الرجوع إلى البراءة في ظرف الشك فان تطبيق ما يفي بغرض المولى على
ما أمر به انما هو وظيفته ولا يجب على العبد بحكم العقل الا الاتيان بما أمر المولى به واما الزائد
على ذلك مما يحتمل دخله في غرض المولى فاحتمال العقاب على تركه يدفع بحكم العقل بقبح
العقاب بلا بيان وانتظر لذلك مزيد بيان في محله انشاء الله تعالى
121

والامتثال وهذا بخلاف قصد القربة فإنه متمحض في الجهة العقلية فلا يكون الشك في
دخله في الغرض موردا للبرائة الشرعية قطعا ويكون هذا هو الفارق بين ما نحن فيه
ومسألة الأقل والأكثر الارتباطيين فلا يلزم من القول بالاشتغال في المقام القول بالاشتغال
هناك (قلنا) ان ما ذكرته من تقيد السبب بالمسبب بحيث يكون هذا التقيد قيدا آخر
للمأمور به لا معنى له أصلا فان المأمور به في الحقيقة هو هذا العنوان كعنوان الناهي
عن الفحشاء مثلا وبعد فرض السببية والمسببية في المقام وكون المسبب تحت الاختيار
لا يكون السبب الا مقدمة لحصوله واجزاء السبب مقدمة للمقدمة فلا تجرى البراءة في
في مقدمة المقدمة إذا المفروض تعلق التكليف بذى المقدمة مع كونه فعليا فلابد من القول
بالاشتغال حتى يحصل اليقين بوجود المأمور به في الخارج واما ما ذكر من كون اجزاء
المأمور به وشرايطه ذا جهتين فلا ينفع في جريان البراءة بعد فرض تعلق التكليف الفعلي
بأمر آخر يشك في وجوده مضافا إلى أن شمول البراءة من جهة لا ينافي جريان الاشتغال
من جهة أخرى فيكون جريان البراءة من باب الحكم الطبعي الاقتضائي
وبعبارة أخرى ان الشك في دخل شئ في المأمور به وإن كان لا يقتضى الاشتغال الا انه
من جهة الشك في دخله في الغرض يقتضى الاشتغال فعند اجتماع الجهتين لا مناص عن القول
بالاشتغال لعدم التعارض بين مالا اقتضاء فيه مع ما فيه الاقتضاء كما هو واضح واما ترتب اجتراء
الشارع بفاقد المشكوك في مقام الامتثال على جريان البراءة بعد فرض تعلق التكليف
بالعنوان المشكوك وجوده فليس الا من باب الملازمة وسيجيئ في محله انشاء الله تعالى
ان حديث الرفع كغيره من الأصول لا يترتب عليه الا اللوازم الشرعية دون اللوازم غير الشرعية
ودون الملازمات ولو كانت شرعية وما نحن فيه من قبيل الملازمات فان اكتفاء الشارع
بالاجزاء المعلومة وشمول حديث الرفع للجزاء المشكوك من باب المتلازمين وليس الاكتفاء
من اللوازم الشرعية لعدم الجزئية للمأمور به قطعا بل لو قلنا بحجية الأصول المثبتة
بمعنى ترتب آثار اللوازم العقلية أو العادية فلا نقول بترتيب لوازم نفس الجعل كما فيما نحن فيه (1)

1 - لا يخفى ان عدم كون ما يشك في جزئيته للمأمور به جزء له واقعا يستلزم انحصار المأمور به
بغيره عقلا فإذا فرضنا حجية الأصول المثبتة فلا محالة يترتب على رفع الجزئية المجهولة
انحصار المأمور به بما فرض وجوده في الخارج وهو الأقل المتيقن وجوبه ولا ريب انه يجزى
عن امره قطعا فلاوجه لما أفيد في المتن من أن اكتفاء الشارع بالفاقد في مقام الامتثال من
لوازم نفس الجعل دون المجعول
122

فان اكتفاء الشارع من لوازم حكمه برفع الجزئية ظاهرا لا من آثار نفس
عدم الجزئية واقعا فجعل الشارع لعدم الجزئية يتوقف على جعل آخر وهو الاكتفاء
ومن المفروض انه لا دليل على الأنفس هذا الجعل نعم لو دل دليل بالخصوص ولو
بلسان الأصل على عدم جزئية السورة مثلا وفرضنا عدم اثر آخر لنفى الجزئية فلابد
من القول باكتفاء الشارع بفاقدها صونا لكلام الحكيم عن اللغوية وأين ذلك مما إذا
كان الدليل عاما وشاملا لموارد لا تحصى وبالجملة المدعى هو قصور الدليل عن
اثبات الملازمات لعدم امكان التعبد بالملازمات كما سيجيئ توضيح ذلك في باب الاستصحاب
انشاء الله تعالى
بقى الكلام فيما إذا كان الفارق بين التوصلية والتعبدية هو الغرض الامر لا الجعل
الثاني كما هو المختار والا الغرض بمعنى المصلحة في المأمور به وقد ذكرنا سابقا عدم
صحة المبنى في نفسه صغرى وكبرى اما بحسب الصغرى فلما ذكرناه من أنه
يتم على مذهب صاحب الجواهر (قده) من لزوم قصد الامر بالخصوص واما
على ما هو التحقيق من جواز الاكتفاء بكل داع قربى فليس هناك أمر يكون الغرض منه
دعوة نفسه بالفعل قطعا واما بحسب الكبرى فقد استشكلنا فيه سابقا بأنه على فرض
تسليم أن يكون غرض المولى من امره دعوة نفس الامر لا ملزم بجرى العبد على طبق
هذا الغرض عقلا بعد اتيان المأمور به خارجا الا ان (التحقيق) صحة الكبرى بعد فرض
صحة الصغرى لما عرفت سابقا من أن تمام الواجبات الجعلية تنتهى بالآخرة إلى واجب
واحد منجعل في نفسه وهو لزوم إطاعة المولى واسقاط امره فإذا لم يكن الغرض (1)
من الامر الأنفس حصول المأمور به فالعقل يلزم بايجاد المأمور به فقط واما إذا فرضنا
ان الغرض من الامر هو التعبد وجعله داعيا فهذا الامر لا يسقط ولا يمكن اطاعته اللازمة بحكم
العقل الا باتيان المأمور به عباديا ومنه يظهران ما ذكرناه سابقا من استلزام كون

1 - قد مران الغرض من الامر لا بد وأن يكون شيئا يترتب على نفس الامر دائما وليس ذلك
الا امكان كونه داعيا إلى المأمور به في الخارج على تقدير وصوله إليه ففرض ان الغرض من
الامر تارة يكون مجرد وجود المأمور به في الخارج واخرى يكون التعبدية وجعله داعيا إلى
العمل فرض غير مطابق للواقع وقد تقدم ما هو مقتضى التحقيق من بيان الفرق بين الواجب التعبدي
والتوصلي
123

دعوة الامر غرضا من نفسه لانقلاب المعنى الحرفي اسميا غير صحيح أيضا فانا إذا فرضنا
ان طبع الامر التعبدي وذاته يقتضى عدم سقوطه الا بقصد التقرب وفرضنا ان المصلحة
الداعية للامر لا تترتب على نفس الفعل بل على اتيانه بقصد التقرب فلا يحتاج المولى
إلى جعل آخر بل يكتفى بهذا السنخ من الامر الذي هو بمقتضى طبعه لا يسقط الا بقصد
التقرب ولا يلزم الانقلاب المذكور أصلا نعم قد عرفت ان الصغرى ممنوعة لكنه على
تقدير تسليمها لا مناص عن الالتزام بلزوم قصد التقرب في مقام الامتثال عند احراز كون
الامر كذلك وأما إذا شك في ذلك فالظاهر من عبارة العلامة الأنصاري (قده) في الرسائل
والمنسوب إلى مجلس بحثه هو جريان الاشتغال دون البراءة للشك في حصول الغرض
من الامر بعد فرض لزوم اسقاطه وقد حكى انه اورد عليه (قده) في مجلس البحث
بان الفرض على تقدير وجوده وإن كان لازم التحصيل لكن الشك في أصل وجوده
فيدفع بالأصل فأجاب (قده) بأنه لا اشكال في وجود الغرض في الامر الا ان الشك في كونه
بحيث يسقط من دون التعبد أولا فيكون المقام من قبيل دوران الامر بين المتباينين فلابد
من الاحتياط
والتحقيق ان هذا الجواب على تقدير صدوره منه (قده) فهو في غير محله فان
الغرض من الامر على كل تقدير هو وجود المأمور به قطعا وقصد التقرب به قيد زائد
على وجود المأمور به إذا كان عبادة فإذا شككنا في الزائد وان الغرض بحيث يزيد
على وجود المأمور به فالمرجع هي البراءة لرجوع الشك فيه إلى الشك بين الأقل
والأكثر نعم (1) لو علمنا بزيادة الغرض على وجود المأمور به ولزوم التعبد بالامر وشككنا
في كيفية التعبد من لزوم قصد الوجه والتمييز وغيره ذلك ولم يكن لنا دليل على عدم

1 - بل التحقيق انه إذا شككنا في اعتبار قصد الوجه أو التمييز أو غير هما بعد العلم بكون
المأمور به عبادة لا يسقط امرها الا بقصد القربة فالمرجع هي البراءة اما على ما حققناه من امكان
اخذ قصد القربة وما يحذو حذوه في المأمور به شرعا فالامر واضح واما بناء على أن الفرق
بين التعبدي والتوصلي انما نشأ من اختلاف الأغراض من دون أن يكون قصد القربة مأمورا
به شرعا فلان القدر المتيقن كونه غرضا من الامر انما هو نفس وجود المأمور به مع قصد التقرب
به واما الزائد على ذلك فدخله في الغرض مشكوك فيه فيرجع معه إلى البراءة كما كان الحال
كذلك عند الشك في كون الواجب توصليا أو تعبديا
124

اللزوم فلابد من القول بالاشتغال للشك في سقوط الغرض بعد العلم بوجوده ففرق واضح
بين الشك في أصل الغرض الزايد على وجود المأمور به وبين الشك في سقوط بعد وجوده
المبحث الثالث في تقسيم الواجب إلى المطلق والمشروط وتحقيق المقام انما
يتم ببيان أمور (الأول) ان القضية سواء كانت متضمنة لحكم شرعي أو لغيره تنقسم إلى
خارجية وحقيقية والمهم في المقام هو البحث عن الثانية الا انه يلزم التعرض لبيان احكام
الأولى ليرتفع به الخلط الواقع بينهما في كثير من المباحث والمراد من القضية الخارجية
هي كل قضية يكون موضوعها أمرا خارجيا خاصا كان أو عاما فالأول في التكليفيات كقول
المولى لعبده اسقني هذا الماء وفى غيرها مات زيد والثاني في التكليفات كقول المولى أكرم
كل من في داري إذا أراد به الاشخاص الموجودة في الدار فعلا وفى غيرها قتل من في العسكر
ثم إن القضية المتضمنة لحكم شرعي انما يمكن أن تكون خارجية بلحاظ زمان الحضور
واما في زمان الغيبة فهي لا محالة تكون حقيقية كما ستعرف انشاء الله تعالى
ثم إن الحكم في القضايا الخارجية وضعيا كان أو تكليفيا شرعيا كان أو غير شرعي
قد يكون مطلقا وغير معلق على شئ أصلا لعلم الامر بوجود شرائطه كما في أمر المولى
عبده بسقي الماء حيث يعلم بوجود الماء وقدرة العبد عليه وقد يكون مشروطا بشئ
لعدم علمه بوجوده كما في قول المولى اسقنى الماء ان كنت قادرا عليه (اما) القسم
الأول فالمناط فيه علم المولى بوجود الشرائط فان علم به أمر وإن كان علمه غير مطابق
للواقع والا فيستحيل منه الامر المطلق وإن كانت الشرائط موجودة في الواقع فالمدار
على العلم بوجودها لاعلى نفس وجودها واقعا ومنه يظهر ان تقسيم الشرط إلى
المقارن والمتقدم والمتأخر وارجاع جميع ذلك إلى شرطية اللحاظ انما هو بلحاظ هذا
القسم الذي يدور حكم المولى فيه مدار علمه بوجود الشرايط سواء كان متعلق العلم
متقدما أو متأخرا أو مقارنا وتسريته إلى القضايا الحقيقية من باب الخلط بين القسمين
وعدم التمييز بينهما والا فالحكم في القضية الحقيقية غير مشروط بالعلم أصلا كما أن
بحث جواز أمر الا مر مع علمه بانتفاء الشرط نشأ من هذا الخلط أيضا فإنه انما يتم في القضايا
الخارجية (1) (واما) القضايا الحقيقية فليس الموضوع فيها شخصا خاصا حتى يفرض

1 - سيجيئ ان النزاع المزبور لا يختص القضايا الخارجية بل يعم القضايا الحقيقية أيضا
125

فيه علم الامر بانتفاء الشرط أو عدمه كما أن النزاع في أن الخطاب يشمل الغائبين أو
المعدومين أو لأناش من الخلط المذكور فإنه انما يصح فيما إذا كان الموضوع اشخاصا
معينة فيما إذا كان بنحو القضايا الحقيقية فإنه لا يشترط فيها وجود موضوع أصلا فيصح
الخطاب مع عدم وجود المشافه أيضا قطعا كما يظهر انشاء الله تعالى (وبالجملة) خلط
أحد القسمين بالآخر هو الذي أوجب الاشتباه في كثير من المسائل الأصولية بل وقع في
هذا الخلط بعض أهل المعقول في مقام توهم دورية الشكل الأول ببيان ان العلم بالنتيجة
موقوف على العلم بالمقدمتين والعلم بالكبرى الكلية يتوقف على العلم بثبوت هذا الحكم لجميع
الافراد ومنها موضوع النتيجة فيتوقف العلم بالنتيجة على نفسه وجوابه أن الكبرى الكلية إن كانت
من قبيل القضايا الخارجية كما في قضية كل من في العسكر قتل فالحق كما ذكره
المتوهم من أن العلم بالنتيجة لو كان حاصلا من العلم بالمقدمتين لزم الدور لبداهة
أن العلم بالكبرى يتوقف على فحص حال تمام الافراد والعلم بثبوت الحكم لها ومن
جملتها موضوع النتيجة لكن القضايا الخارجية لا تكون كبرى أصلا ولا تقع في طريق
الاستنتاج ابدا وان تشكل منها صورة برهان أيضا (واما) إذا كانت من قبيل القضايا
الحقيقية فالعلم بالنتيجة وإن كان متوقفا على العلم بالمقدمتين الا ان العلم بالكبرى
لا يتوقف على وجود موضوع في الخارج وثبوت هذا الحكم له أصلا بل هو تابع لمدركه
سواء كان شرعيا كالآية المباركة الدالة على وجوب الحج على المستطيع أو عقليا
كحكم العقل بأم من لوازم الجسم كونه متحيزا فتوهم توقف العلم بالكبرى على العلم
بالنتيجة ناش من خلط القضية الحقيقية بالخارجية (وأما) القسم الثاني فهو يشترك مع
القضية الحقيقية من جهة شرطه لا من جهة وجود موضوعه إذا عرفت ذلك فاعلم أن
القضايا المتكفلة لبيان الأحكام الشرعية الكلية التي لا تختص بشخص دون شخص إذا كان
مفادها راجعا إلى كونه اخبارا عن انشاءات متعددة بتعدد الاشخاص والأزمنة بحيث
يكون في حق كل شخص في أول وقت الصلاة مثلا انشاء مخصوص يخصه فيرجع ذلك
إلى القضية الخارجية ويكون حالها حالها في أن المدار فيها على العلم (لكن) من الضروري
عدم كونها كذلك بل هي من قبيل القضايا الحقيقية على طبق الأحكام المجعولة في
سائر القوانين الصادرة من أولياء الأمور فإنه لا يصدر منهم في قوانينهم انشاءات غير محصورة
126

بالإضافة إلى اشخاص غير محصورة وتوضيح الحال في القضايا الحقيقية هو ان موضوع
الحكم في القضية الحقيقية لابد وأن يكون عنوانا عاما يشاربه إلى الموضوعات الخارجية
ومأخوذا في القضية على نحو الفرض والتقدير حتى يحكم بمعرفيته على ذات المفروض
مثلا إذا قلنا الخمر مسكر فموضوع القضية وإن كان هو عنوان الخمر وما هو خمر
بالحمل الأولى الا انه اخذ في الموضوع للإشارة إلى كل ما هو مصداق له في الخارج
فمعناه انه إذا فرض شئ في الخارج وصدق عليه انه خمر فهو مسكر وهذا معنى قولهم إن
كل قضية حملية تنحل إلى قضية شرطية مقدمها وجود الموضوع وتاليها ثبوت
المحمول له وكذلك الحال في الانشاءات فان الحاكم بوجوب الحج على المستطيع مثلا
لابد وان يفرض وجود المستطيع ويحكم على هذا الموضوع المفروض وجوده بأنه
يجب عليه الحج فما لم يوجد في الخارج هذا الموضوع وكل قيد اخذ مفروض الوجود
معه يستحيل فعلية الحكم بل هو باق بمرتبته الانشائية وإذا وجد في الخارج فيخرج
المفروض عن حد الفرض والتقدير إلى مرتبة الفعلية والتحقيق ويثبت له الحكم بنفس
ذاك الانشاء لا بانشاء آخر إذا المفروض ان الحكم كان ثابتا للموضوع على تقدير
وجوده فبعد وجوده يكون هو بنفسه موضوع الحكم لا شئ آخر إذا المنشأ هو الحكم
لهذا الموضوع لا لأمر آخر غيره فالقول بأن الحكم أنشأ بمفهومه لا بواقعه وان
الحكم بعد وجود موضوعه يمكن أن يكون فعليا ويمكن ان لا يكون كذلك مما
لا يعقل إذ ليس حال الأحكام الشرعية الثابتة للموضوعات الا كحال ساير الأحكام
الثابتة للموضوعات المقدر وجوداتها ويستحيل تخلفها عن
وجود موضوعها.
ثم إن القضية الخارجية المطلقة التي أحرز الآمر تمام شروطها وليس
لاحراز المأمور لتلك الشروط دخل في تلك القضية أصلا تمتاز عن القضية
الحقيقية بوجوه.
الأول ان فعلية الحكم في القضية الخارجية مساوقة لانشائه وجودا ولا تتأخر
الفعلية عن الانشاء الا رتبة بخلاف القضية الحقيقية فان الفعلية فيها تدور مدار فعلية
127

الموضوع خارجا وتتأخر الفعلية عن الانشاء زمانا (1) (وتوهم) ان الايجاب يكون
فعليا بنفس الانشاء وإن كانت فعلية الوجوب متوقفة على وجود موضوعه (مدفوع)
بأنه يستلزم تأخر الوجود عن الايجاد وهو مما لا يعقل (ونظير) ما نحن فيه الملكية
في باب الوصية والهبة فإنها في الأول تتأخر عن الانشاء وتوجد في زمان الموت فإنها أنشأت
على تقدير الموت لا مطلقا فتكون تابعة له ولا يعقل تقدمها عليه بخلاف الثاني فأنها
أنشأت مطلقة فتكون فعلية بلا احتياج إلى شئ آخر
(الوجه الثاني) قد عرفت ان المؤثر في القضية الخارجية من حيث الموضوع و
الملاك ليس الأعلم الآمر أصاب أو أخطأ مثلا إذا علم الآمر ان في سقى الماء مصلحة و
ان العبد قادر عليه فلا محالة يحكم ويلزم عبده بالسقي سواء كان في علمه مصيبا أو
مخطئا ولا فرق فيما له دخل في الحكم بين ما كان مقارنا أو متأخرا أو متقدما لان
المؤثر في الحكم هو العلم لا الوجود الخارجي فتأخر القيد أو تقدمه أجنبي عما هو المؤثر
في الحكم وهو علم الامر الذي هو مقارن للحكم دائما (واما) المؤثر في الحكم في القضية
الحقيقة من جهة الملاك فهو علم الآمر أيضا فإنه إذا علم أن حج المستطيع ذو مصلحة
ملزمة فلا محالة يوجب الحج على المستطيع أصاب أو أخطأ وأما من جهة الموضوع
فالمتبع هو وجود الموضوع خارجا علم به الآمر أولم يعلم لأن المفروض ان الحكم انما
أنشئ على تقدير وجود الموضوع فيدور مدار وجوده ولا دخل فيه لعلم الآمر أصلا
الوجه الثالث ان النزاع المعروف في مجعولية المسببات أو السببية انما يجرى
في القضايا الحقيقية فان المؤثر في الاحكام فيها هو الموجود الخارجي فيقع النزاع في
تعلق الجعل بالمسبب أو بالسببية (واما) في القضية الخارجية فقد عرفت ان المؤثر
فيها هو علم الآمر فقط والوجود الخارجي للموضوع أجنبي عن الحكم ولا دخل له فيه
ابدا فلا معنى للنزاع المذكور أصلا لعدم وجود سببية ومسبب حتى يتنازع في تعلق
الجعل بأي منهما فالنزاع في القضايا الخارجية منتف بانتفاء موضوعه

1 - لا يعتبر تأخر فعلية الحكم عن الانشاء زمانا في كون القضية حقيقية بل هو أمر قد يكون و
قد لا يكون ضرورة انه إذا فرض وجود الموضوع خارجا حين انشاء الحكم في القضية الحقيقية
فلا بد من مقارنتهما زمانا وانما الفارق بين كون القضية حقيقية وكونها خارجية هو ما تقدم
من لزوم اخذ الموضوع في القضية الحقيقية مفروض الوجود دون الخارجية
128

ثم أن ما ذكرناه من أن الحكم في القضية الحقيقية لا يكون فعليا الا عند وجود
موضوعه في الخارج لا يفرق فيه بين القضايا الشرطية والحملية لكون الحكم في القضية
الحملية أيضا مشروطا بوجود الموضوع غاية الأمر أن الاشتراط في إحديهما مدلول
مطابقي وفى الأخرى ضمني تبعي
الأمر الثاني في رجوع القيد في القضية الشرطية بحسب القواعد العربية إلى الهية
أو المادة أو الجملة المركبة منهما (والتحقيق) (1) أن يقال أن كلا منها وإن كان يرجع

1 - التحقيق ان يقال إنه بعد ما ظهر من أن حقيقة الانشاء انما هو ابراز أمر نفساني الذي هو في
موارد الجمل الطلبية عبارة عن اعتبار كون الفعل على ذمة المكلف وليس في موارد الانشاء من
ايجاد المعنى باللفظ عين ولا اثر وبعد وضوح ان في موارد الجمل الشرطية لا معنى لرجوع القيد
إلى نفس المادة ضرورة ان استعمال قضية إذا توضأت فصل في مقام طلب الصلاة المقيدة بالطهارة
بعد من الأغلاط وبعد ما ستعرف من أن ارجاع القيد إلى المادة المنتسبة لا محصل له لا مناص
من رجوع القيد في القضايا الشرطية إلى ما هو المستفاد من الهيئة وهو اعتبار كون الفعل على
ذمة المكلف (بيان ذلك) ان الاعتبار النفساني قد يتعلق بكون شئ على ذمة المكلف
على الاطلاق وقد يتعلق به على تقدير دون تقدير والمبرز لاطلاقه وتقييده في مقام الثبوت
هو اطلاق الخطاب وتقييده في مقام الاثبات وعلى ذلك فالفرق بين الواجب المشروط
والمطلق هو الفرق بين بابى الوصية والإجارة فان الانشاء في كليهما وإن كان فعليا الا
ان المعتبر في باب الوصية هي الملكية على تقدير الموت بخلاف باب الإجارة فان المعتبر فيه
هي الملكية المطلقة غير المعلقة على شئ ولو كانت المنفعة متأخرة أيضا وعمدة ما اورد
على هذا الفرق وجوه لابد لنا من التعرض لها وبيان فسادها (الأول) ان مفاد الهيئة بما
انه معنى حرفي والمعاني الحرفية جزئية فهو غير قابل للاطلاق والتقييد (ويرده) ان عدم
كون الجزئي قابلا للتقييد بمعنى التضييق لا يستلزم عدم قبوله للقييد السابق للتعليق على
شئ والمدعى في المقام هو الثاني دون الأول مضافا إلى ما عرفت في محله من
بطلان دعوى كون المعاني الحرفية جزئيات حقيقية (الثاني) ما أفيد في المتن من أن مفاد الهيئة
بما انه حرفي وملحوظ آلى فهو غير قابل للاطلاق والتقييد فإنهما من شؤون المفاهيم الاستقلالية
(ويرده) أولا ان كون المعنى الحرفي ملحوظا آليا انما يمنع عن تقييده حال لحاظه كذلك
واما لحاظ المعنى في نفسه أولا مقيدا بقيد ثم لحاظ المقيد آليا في مقام الاستعمال فلا مانع عنه
أصلا وثانيا ان المعنى الحرفي كما عرفت في محله انما يمتاز عن المعنى الأسمى بنفس ذاته
والا فهو يشترك مع المعنى الأسمى في تعلق اللحاظ الاستقلالي به (الثالث) ان ايجاب
المولى المساوق لايجاده الوجوب انما يتحقق بنفس الانشاء ضرورة انه لا يوجد بعد ذلك
ايجاب آخر منه وعليه فان وجد الوجوب أيضا حال الايجاب فلا مناص عن ارجاع القيد إلى
المادة وان لم يوجد حينه وتوقف وجوده على فعلية القيد ووجوده فقد تخلف الايجاد
عن الوجود وهو محال ضرورة انهما واحد بالحقيقة ومختلفان بالاعتبار فالموجود في أي
وعاء مناسب له وجود باعتبار وإيجاد باعتبار آخر (ويرده) ان الايجاب ان أريد به ابراز
المولى لاعتباره النفساني فالابراز والبروز والمبرز كلها فعلية من دون أن يكون شئ
منها متوقفا على حصول أمر في الخارج وان أريد به الاعتبار النفساني فبما انه من الصفات
ذات الإضافة كالعلم والشوق ونحوهما فلا مانع من تعلقه بأمر متأخر فكما انه يمكن
اعتبار الملكية أو الوجوب الفعليين يمكن اعتبار الملكية أو الوجوب على تقدير وأين هذا
من تخلف الايجاد عن الوجود وغير خفى ان أساس هذه الاشكال مبنى على تخيل ان الجمل
الانشائية موجدة لمعانيها في نفس الامر مع الغفلة عما حققناه من أنه لا يوجد بها شئ أصلا وانما هي
مبرزات للأمور القائمة بالنفس الممكن تعلقها بأمر متأخر ولاجله ذكرنا في محله ان بطلان التعليق
في العقود والايقاعات انما هو من جهة الاجماع ولو قطع النظر عنه لما كان مانع عن التعليق
أصلا فتحصل انه لا مانع في مقام الاثبات عن رجوع القيد في القضية الشرطية إلى نفس مفاد
الهيئة كما هو ظاهرها بل صريحها واما ما توهم كونه مانعا عنه في مقام الثبوت فسيجيئ
الكلام فيه انشاء الله تعالى
129

إلى الآخر بحسب النتيجة الا أن الحق هو رجوع القيد إلى المادة دون الهيئة بيان
ذلك أن المراد من تقييد المادة ليس ما هو ظاهر تقريرات شيخنا الأنصاري (قده) من
كون القيد من قيود الواجب وكون الواجب مطلقا فعليا حتى يرجع إلى الواجب
المعلق باصطلاح صاحب الفصول (قده) فان ذلك باطل لا يمكن المصير إليه بعد فرض
كون القضية حقيقية التي يمتنع فيها فعلية الحكم من دون فعلية موضوعه وقد نقل
الأستاذ دام ظله عن السيد العلامة الشيرازي عدم صحة هذه النسبة إلى العلامة الأنصاري
قدس سرهما بل المراد منه هو تقييد المادة المنتسبة (1) فان الشيئ قد يكون متعلقا

1 - لا يخفى ان تقييد المادة المنتسبة الذي هو بمعنى تقييد اتصاف المادة بالوجوب عبارة
أخرى عن تقييد مفاد الهيئة ولا مغايرة بينهما الا لفظا فالعدول عن ارجاع القيد إلى مفاد الهيئة
إلى ارجاعه إلى المادة المنتسبة كما افيد في المتن بلا وجه هذا مضافا إلى ان مفاد الهيئة
إذا لم يكن قابلا لرجوع القيد إليه لكونه ملحوظا آليا فاتصاف المادة بالوجوب الذى هو
مفهوم الجملة يكون كذلك ايضا والمحذور والمتوهم منعه عن رجوع القيد إلى مفاد الهيئة بعينه
موجود في رجوعه إلى المادة المنتسبة ايضا
130

للنسبة الطلبية مطلقا من غير تقييد وقد يكون متعلقا لها حين اتصافه بقيد في الخارج
مثلا الحج المطلق لا يتصف بالوجوب بال المتصف هو الحج المقيد بالاستطاعة الخارجية
فما لم يوجد هذا القيد يستحيل تعلق الطلب الفعلي به وكونه طرفا للنسبة الطلبية
فالقيد راجع إلى المادة بما هي منتسبة إلى الفاعل (وأما) تقييد النسبة فان أريد منه
تقييد الانشاء فهو غير معقول لان الانشاء أمر آني يتصف بالوجود والعدم لا بالاطلاق
والاشتراط كما هو واضح وان أريد منه تقييد المنشأ وهى النسبة الطلبية كما هو الظاهر
من كلام بعض أهل الأدب فهو على تقدير صحته يرجع إلى الوجه السابق الذي اخترناه
فان النسبة الطلبية لا تكون فعلية الا عند وجود الشرط ويستحيل تقدمها عليه والألم تكن
مشروطة به وهو خلف (الا أن) التحقيق عدم صحة ذلك فان النسبة حيث إنها مدلولة
للهيئة فهي ملحوظة آلة ومعنى حرفيا والاطلاق والتقييد من شؤون المفاهيم الاسمية
الاستقلالية واما ما أجيب به عن ذلك من أن المعاني الحرفية معان كلية لا جزئية فهي
قابلة للتقييد والاطلاق فهو غير صحيح لان المانع عن الاطلاق والتقييد ليس الجزئية
كما توهمه المجيب (قده) بل المانع هو كون المعنى ملحوظا آليا وهذا لا يرتفع بكون
المعنى كليا (واما تقييد) الجملة أي المعنى المتحصل من الهيئة والمادة وهو وجوب
الحج مثل فمرجعه إلى الوجه الذي اخترناه من أن اتصاف المادة بالوجوب لا يكون
الا مع فعلية القيد في الخارج فمرجع جميع الوجوه إلى وجه واحد فلا فائدة مهمة في
تحقيق ذلك (وملخص) ما ذكرناه هو ان أداة الشرط بما انها وضعت لجعل مدخولها
واقعا موقع الفرض والتقدير فهي لابد وأن تكون رابطة بين الجملتين فلا يعقل أن
يكون مدخولها قيدا للمادة قبل النسبة ولا في رتبتها لأنها مفهوم افرادي وأداة الشرط
موضوعه لربط الجملتين وبما أن النسبة مفهوم حرفي وملحوظ تبعي فلا يمكن أن يكون
131

القيد قيدا لها لان الاطلاق والتقييد من شؤون المفاهيم الاسمية فلابد وان يرجع
القيد إلى المادة المنتسبة وهى في الاخبارات نتيجة الحمل فان نتيجة قضية (النهار
موجود) هو وجود النهار وهو معلق على طلوع الشمس وفى الانشائات نتيجة الجملة
الإنشائية وهى اتصاف الاكرام بالوجوب مثلا فالمعلق في الحقيقة هي المادة بعد الانتساب
لا بمعنى البعدية الزمانية حتى يكون ملازما للنسخ بل بمعنى البعدية الرتبية فان اتصاف
المادة بالوجوب فرع وقوع النسبة الطلبية عليها وتقييد الجملة الإنشائية بأداة الشرط
انما هو بلحاظ هذا الاتصاف فقط (ثم أن) من قال أن التقييد قد يكون
قبل النسبة وقد يكون بعد ها فليس مراده من البعدية انه بعد اتصاف
المتعلق بالوجوب خارجا يتقيد النسبية الطلبية فإنه عبارة أخرى عن النسخ
ولاربط له بالتقيد الاصطلاحي بل المراد من ذلك ان الكلام تدريجي
فقد يوقع المتكلم النسبة أولا ثم يقيدها فيتأخر التقييد عن النسبة في الكلام كما في
قضية أكرم زيدا ان جاءك وقد يوقعها ثانيا بعد التقييد كما في قضية ان جاءك زيد
فأكرمه وفى كل منهما لا يتحقق نتيجة النسبة الطلبية وهى الوجوب ولا تكون فعلية الا
بعد وجود القيد خارجا فهي متأخرة عنه طبعا (ومن جميع) ما ذكرنا علم تعريف
الوجوب المشروط فان الوجوب المستفاد من الهيئة الدالة على النسبة الطلبية إذا لو حظ مع
كل قيد اما ان يتوقف فعليته عليه فهو مشروط به والا فلا فائدة مهمة في إطالة الكلام وبيان النقض
والابرام في التعريفات المذكورة في الكتب الأصولية
الأمر الثالث لا ريب في أن وجود الموضوع وصفاته الخارجة عن دائرة الاختيار
كالقدرة والبلوغ وأمثالهما وكذلك سائر الملابسات الخارجة عن القدرة التي قيد بها
الفعل مثل كونه حين كذا اوفى مكان كذا لابد وأن تكون مفروضة الوجود في القضايا
الطلبية ولا يمكن أن تكون تحت البعث والتكليف واما الملابسات أو الصفات المقدورة
فهي تارة تؤخذ مفروضة الوجود فلا يجب على المكلف تحصليها كقوله (عليه السلام) (اقض ما فات
كما فات) فإنه لا يجب على المكلف ايجاد الفوت حتى يتمكن من قضائه بل رتب وجوب
القضاء عليه بعد الفراغ عن وجوده كما هو شأن القضايا الحقيقية واخرى تؤخذ قيدا
للواجب فيجب على المكلف ايجادها كما في قوله (عليه السلام) (صل عن طهارة) فان وجوب
الصلاة لا يتوقف على وجود الطهارة خارجا ولا يختص بمن أوجد الطهارة في الخارج
132

بل الطهارة أيضا واقعة تحت التكليف ومبعوث إليها من قبل الشارع (وبالجملة) كل
ما فرض في الخارج من ملابسات الفعل اما أن لا يكون له دخل في نفس الواجب ولا
في وجوبه واما أن يكون له دخل في أحدهما لا كلام لنا على الأول واما على الثاني
فلا يخلو الحال من أن يكون ما فرض دخله اختياريا أو يكون خارجا عن تحت قدرة
المكلف واختياره اما الصورة الثانية فلا ينبغي الريب فيها في أن القيد المزبور لابد
من أن يؤخذ مفروض الوجود في مرحلة الجعل والانشاء ليطالب المكلف بغيره من
الاجزاء والشرايط لاستحالة تعلق التكليف بالمقيد بأمر غير اختياري لبداهة أن المقيد
بأمر غير اختياري لا يكون اختياريا (1) فلا محالة يكون الطلب متأخرا عن وجود القيد

1 - التحقيق في هذا المقام ان يقال إن الفعل المقيد بقيد اختياري أو غير اختياري على نحو
يكون القيد خارجا والتقيد داخلا لا تكون القدرة عليه متوقفة على أن يكون قيده أيضا مقدورا
فالتوجه إلى القبلة مثلا بما انه حصة خاصة من كلي التوجه ربما يكون مقدورا مع أن قيده وهو
نفس وجود القبلة خارج عن الاختيار ودعوى كون القبلة فيما أمر بالتوجه إليها شرطا للتكليف
من دون تقيد متعلق التكليف بها تستلزم جواز التوجه إلى غير القبلة في مقام الامتثال وهو
واضح البطلان فلا مناص عن اخذ التقيد بها في المأمور به وتعلق الوجوب بالحصة الخاصة
المقدورة للمكلف ولو لم يكن نفس القيد مقدورا فالميزان في جواز التكليف بالمقيد هو
كون المقيد بما هو مقيد مقدورا سواء كان القيد مقدورا أو لم يكن ومن ذلك يظهران اخذ
القيد الخارج عن الاختيار أو الداخل تحته مفروض الوجود وإن كان يلازم اشتراط التكليف
به الا انه لا ينافي تعلق التكليف بالمقيد بما هو مقيد نعم تعلق التكليف بنفس القيد ينافي كونه مفروض
الوجود في ذلك التكليف لكنك عرفت ان التكليف بالمقيد لا يستلزم التكليف بنفس القيد
أصلا بل إن كون شئ شرطا وقيدا للمأمور به ينافي تعلق التكليف النفسي به في ضمن تعلقه
بالمقيد والا لانقلب الشرط جزء وهو خلف وقد مر سابقا ان الشرط يغاير الجزء في أن الجزء
هو ما يتعلق الامر النفسي به في ضمن الامر بالمركب بخلاف الشرط فإنه بنفسه خارج عن المأمور به
وانما الداخل فيه تقيد ذات المأمور به فتحصل ان كل قيد خارج عن اختيار المكلف
فتحققه في الخارج وإن كان شرطا في فعلية التكليف الوجوبي لا محالة الا انه لا يستلزم عدم
تعلق الوجوب بالمقيد بما هو كذلك بعد فرض كونه مقدورا في ظرف حصول قيده وعلى
ذلك يتفرع انه إذا بنينا على جواز كون القدرة المقارنة للعمل المتأخر شرطا للوجوب الفعلي
كما هو الصحيح على ما سيظهر لك انشاء الله تعالى فلا مانع في تعلق الوجوب الفعلي بالامر
المتأخر المقيد بقيد غير مقدور على تقدير كون العمل مقدورا في ظرف حصول قيده وذلك
فان اشتراط الوجوب بذلك القيد ولزوم كونه مفروض الوجود انما هو بملاك اشتراطه
بالقدرة فامكان اشتراطه بالقدرة المتأخرة يستلزم امكان اشتراطه بذلك القيد المتأخر أيضا ومما
ذكرناه يظهر مواقع النظر فيما أفيد في المتن فلا تغفل
133

ومتعلقا ببقية الأجزاء والشرايط (والقول) بأن عدم كون القيد اختياريا انما يمنع عن
طلب المقيد فيما إذا لم يفرض وجود القيد في ظرفه واما إذا فرض ذلك فلا مانع من
طلب المقيد فهو ليس بسديد فإنه مضافا إلى أن فرض الوجود لا يصحح تعلق التكليف
بأمر غير اختياري ان تقييد المكلف به بما فرض وجوده يستلزم التناقض فان كون شئ
مفروض الوجود عبارة أخرى عن فرض تحققه بعلته في حد نفسه وكونه قيد المكلف
به معناه طلب ايجاده من المكلف والتناقض بين المعنيين واضح لا يخفى واما الصورة
الأولى وهى ما إذا كان القيد اختياريا فالقيد فيها يمكن ان يؤخذ مفروض الوجود في
مرحلة الجعل فلا بد من أن يتأخر الطلب عنه ويكون مشروطا به ويستحيل كونه قيدا
للمكلف به وكونه مطلوبا من المكلف لما عرفت من أن فرض الوجود يناقض كونه
مطلوبا بالضرورة كما أنه يمكن ان لا يؤخذ مفروض الوجود فلا محالة يتعلق التكليف
به أيضا فلابد للمكلف من ايجاده (فيكون التكليف بالإضافة إليه مطلقا لا منوطا بوجوده
(وإذا) أمكن كل من القسمين فالمعين اما لسان الدليل وظاهره أو قرينة خارجية
(فظهر) ان محل الشك في كون القيد مقدمة وجودية أو وجوبية انما هو القيد
الاختياري الذي هو قابل لكلا النحوين واما القيد الذي لا يكون اختياريا فقد عرفت انه
لابد من أن يكون من قبيل مقدمة الوجوب ويستحيل كونه من قبيل مقدمة الوجود
لما عرفت من أن المقيد بقيد غير اختياري يستحيل تعلق التكليف به عقلا
ثم إنه قد ظهر مما ذكرناه ان الاشتراط يكون على نحوين (فتارة) يؤخذ القيد
مفروض الوجود لأجل ان المصلحة لا تصل إلى حد يؤثر في بعث المولى الا على
هذا التقرير كالحج فإنه لا تتم مصلحته ولا يلزم استيفائها الا بعد الاستطاعة والا
فلو كانت مصلحته تامة ولازمة الاستيفاء من أول الأمر للزم على المولى
الامر بتحصيل الاستطاعة أيضا فإنها تحت القدرة والاختيار فعدم لزومها
134

يكشف عن عدم تمامية مصلحته وعن عدم لزوم استيفائها الا بعدها فلا محالة تؤخذ
مفروضة الوجود عند الامر بالحج (واخرى) يؤخذ القيد مفروض الوجود لا لأجل
دخله في تمامية المصلحة ولزوم استيفائها بال المصلحة تامة (1) وجد القيد أولم يوجد
الا ان المكلف حيث إنه غير قادر على ايجاده وهو دخيل في وجود المصلحة خارجا
أي في تحققها واستيفائها لا في تماميتها ولزوم استيفائها لا محالة يؤخذ مفروض الوجود
أيضا وهذا كطلوع الصبح بالإضافة إلى الصوم فإنه يظهر من الاخبار ان المصلحة في
صوم الغد انما تتم ويكون لازمة الاستيفاء بمجرد دخول الليل الا ان الصوم في الغد
حيث إنه لا يمكن في الليل بل يتوقف على وجود النهار فلابد وأن يكون وجوبه على
تقدير النهار وبعد فرض وجوده (2) ولو كان جر الزمان وإيجاد النهار في الليل ممكنا
لو وقع تحت التكليف لان مصلحة الفعل تامة واستيقائها بجر الزمان ممكن على الفرض
فلا يعقل أن يكون التكليف مشروطا وهذا بخلاف مصلحة الحج فان تماميتها ولزومها
تتوقف على الاستطاعة فلا يمكن أن يكون الاستطاعة تحت التكليف وإن كانت تحت
الاختيار ففرق واضح بين دخل الشيئ في تمامية مصلحة الواجب فلا يعقل وقوعه في حيز
التكليف وإن كان اختياريا وبين دخله في وجودها بعد تماميتها فلابد وأن يقع في حيزه
الا إذا كان خارجا عن دائرة القدرة والاختيار والاستطاعة من القسم الأول ودخول الفجر
من القسم الثاني.

1 - إذا فرض كون المصلحة تامة ولازمة الاستيفاء على كل من تقديري وجود القيد وعدمه فلا
مناص عن تعلق الامر الفعلي بذلك الفعل المترتب عليه المصلحة في ظرفه مشروطا بكونه مقدورا
في ذلك الظرف فان تعلق التكليف به على نحو الاطلاق وإن كان مستحيلا الا ان تعلقه به
مشروطا؟ لقدرة عليه في ظرفه بمكان من الا مكان وقد عرفت آنفا ان تعلق الطلب بالمقيد
لا يستلزم تعلقه بنفس القيد أصلا نعم لابد في هذه الموارد من اشتراط الوجوب بالقدرة المتأخرة
وستعرف انه لا مناص عن الالتزام به في مطلق موارد تعلق الوجوب بالامر المتأخر سواء
في ذلك تقيده بقيد غير مقدور وعدمه
2 - قد ظهر مما مران توقف وجود الصوم على تحقق الفجر وإن كان يقتضى اشتراط
وجوبه بوجوده الا انه لا يقتضى كونه شرطا مقارنا له وبما ان المفروض ان المقتضى لإيجابه
وهى تمامية الملاك موجود قبل تحقق الفجر فلابد من تحققه قبله المقتضى وعدم المانع
135

ثم إن صاحب الفصول (قده) خالف ما هو المشهور من انحصار الواجب في المطلق
والمشروط والتزم بقسم ثالث (1) سماه بالواجب المعلق وهو ما يكون الوجوب فيه
أمرا استقباليا مقيدا بالزمان ويكون الوجوب فعليا
مطلقا حاليا وفساده يظهر مما ذكرناه من أن كل قيد غير اختياري لابد وأن يكون مما
يتوقف عليه فعلية الوجوب ويستحيل اخذه في الواجب بلا توقف فعلية الوجوب عليه
(فان قلت) لا شبهة في صحة أمر الآمر بشئ يكون له مقدمة تستوفى من الزمان
مقدار ساعة مثلا فكما انه لا يشك عاقل في صحة هذا الامر ووجوب مقدمته فكذلك
يصح امره بذاك الشيئ مقيدا بما بعد ساعته أيضا فيجب ايجاد مقدمته لفعلية وجوب ذيها
وبالجملة تعلق الوجوب بأمر متأخر مشترك فيه بين المقامين ولا فرق بينهما الا بحسب
ظاهر اللفظ وهو كون متعلق الأمر في أحدهما مطلقا وفى الآخر مقيدا بالزمان
وهو غير مؤثر في الاستحالة والامكان قطعا بل الامر كذلك في الإرادة التكوينية
فإنه كما لا اشكال في تعلق الإرادة التكوينية بأمر متأخر يحتاج إلى مقدمة تستوفى
مقدارا من الزمان ولا محالة يكون الفعل صادرا بعدها بزمان فكذلك لا اشكال في تعلقها
بالفعل المقيد بذاك الزمان أيضا ونتيجة كليهما تعلق الإرادة بأمر متأخر وإذا كان هذا
حال الإرادة التكوينية فيكون حال التشريعية مثلها لما ذكرناه سابقا من أن امكان
الإرادة التشريعية واستحالتها يتبع امكان التكوينية واستحالتها (قلت) ان الفعل
الذي لم يقيد بأمر غير مقدور كالزمان مثلا إذا التفت العاقل إليه ورأى فيه مصلحة
ملزمة فلابد وان يتعلق به ارادته فعلا (2) المحركة له نحوه إذ لا شبهة في كونه مقدورا

1 - التحقيق ان الواجب المعلق ليس قسيما للواجب المشروط بل هو قسم منه فان الوجوب
المشروط بشرط متأخر قد يكون متعلقه أمرا حاليا مقارنا له وقد يكون أمرا استقباليا
والقسم الثاني هو الذي سماه صاحب الفصول (قده) بالوجوب التعليقي فهو وان أخطأ في
جعل المعلق قسيما للواجب المشروط الا انه أصاب في القول بجواز تعلق التكليف بالامر
المتأخر المقيد بقيد غير مقدور وقد مر بيان ذلك وسيجيئ ما به يزيد المطلوب اتضاحا
انشاء الله تعالى
2 - التحقيق في المقام ان يقال إن تعلق الإرادة بمعنى الشوق بأمر متأخر سواء كان مقيدا
بقيد غير مقدور أولم يكن مقيدا به أمر ممكن ووقوعه بالوجدان يغنى عن الاستدلال
لاثبات امكانه واما الإرادة بمعنى الاختيار أعني به اعمال النفس قدرتها في الفعل أو الترك
فيستحيل تعلقها بالامر المتأخر مطلقا سواء كان مقيدا بقيد غير مقدور أو لم يكن فان اعمال
القدرة انما يمكن في ظرف امكان صدور الفعل ومن البديهي ان الامر المتأخر ولو كان له
مقدمات مقدورة يستحيل صدوره بالفعل فلا معنى لأعمال النفس قدرتها في وجوده أو عدمه
وقد ذكرنا في محله ان حركة العضلات انما تتبع الاختياري الذي هو من أفعال النفس ولا تترتب على
مجرد الشوق النفساني بلغ ما بلغ من الشدة والقوة وعليه فما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره
من امكان تعلق الإرادة بأمر متأخر مقدور بالقدرة على مقدمته واستحالة تعلقها بالمقيد
بقيد غير مقدور في غير محله هذا في الإرادة التكوينية واما الإرادة التشريعية فان أريد منها
شوق المولى المتعلق بفعل الغير فامكان تعلقها بأمر متأخر وإن كان واضحا الا انها بهذا المعنى
خارجة عن محل البحث وليست من الأحكام المجعولة وان أريد منها اعمال المولى قدرته
في الفعل والترك فمن لضروري انها بهذا المعنى يستحيل تعلقها بفعل الغير سواء في ذلك المتأخر
وغيره فان صدور الفعل أو تركه انما هو باختيار المكلف وخارج عن تحت قدرة المولى
غالبا ولو فرض كونه تحت اختيار المولى كما في المولى الحقيقي وفرض مع ذلك تعلق اختياره
به وجودا أو عدما لما كان الفعل معه قابلا لتعلق التكليف به كما هو ظاهر نعم الإرادة بهذا
المعنى قابلة لان تتعلق بنفس التشريع الذي هو فعل من أفعال المولى ولا بأس بتسميتها إرادة
تشريعية الا انه اصطلاح محض والإرادة المتعلقة بالتشريع تكوينية لا محالة وان أريد
منها ايجاب المولى الذي هو فعل من أفعاله فتسميته بالإرادة التشريعية وإن كانت لا تخلو
عن وجه الا ان دعوى انها بمنزلة الإرادة التكوينية وتسرية احكامها إليه بلا موجب بل اللازم
ان ينظر إلى نفس الايجاب بما هو ويبحث ان اعتبار شئ وعدمه وبما انك عرفت فيما
مر ان المجعول للمولى في موارد بعثه إلى شئ انما هو اعتباره كون الفعل على ذمة المكلف
وابرازه في الخارج بمبرز تعرف ان تعلقه بما هو مقدور للمكلف في ظرفه بمكان من
الامكان من دون فرق في ذلك بين المقيد بقيد غير اختياري وغيره ضرورة ان العقل لا يعتبر في
صحة الاعتبار المزبور الا امكان صدور الفعل منه في ظرف مطلوبيته ولا فرق في ذلك
بين كونه مقدورا في ظرف الايجاب وعدمه ودعوى ان تعلق الوجوب بالمقيد يقتضى تعلقه
بنفس القيد أيضا قد عرفت بطلانها فاتضح مما ذكرناه صحة القول بالواجب المعلق وان
تعلق الطلب بالامر المتأخر سواء كان مقيدا بقيد مقدور أو لم يكن يستلزم اشتراط
الوجوب بالقدرة المتأخرة عنه المقارنة للعمل في ظرفه
136

لو بواسطة القدرة على مقدمته فمن اشتاق إلى الصلاة في المسجد مثلا فحيث انها
مقدورة فلا محالة يتحرك نحوها ويوجد مقدمتها بنفس التفاته إلى المقدمية ولا يحتاج
إلى شئ آخر غير الالتفات إلى المقدمية والمحرك الحقيقي هو إرادة الصلاة والا فلا
غرض له من ايجاد المقدمة وكون ذي المقدمة أمرا متأخر لا يوجب عدم امكان تعلق
الإرادة به بعد امكان التحرك نحوه بايجاد مقدمته وإذا كان تعلق الإرادة التكوينية به
ممكنا فيمكن تعلق التشريعية به أيضا للملازمة كما ذكر واما إذا كان مقيدا بقيد
غير اختياري فلا شبهة في تعلق الإرادة التكوينية به أيضا لكن لا بوصف الفعلية
137

والتحريك بل بوصف التقديرية والإناطة (1) نظير القضايا الحقيقة والوجدان
أقوى شاهد بأن إرادة شرب الماء على تقدير العطش موجودة لكل ملتفت إلى
مصلحة الشرب ولو في حال عدم العطش لكن تلك الإرادة التقديرية انما تكون فعلية

1 - لا يخفى ان الإرادة سواء أريد منها الشوق النفساني أو اختيار النفس للفعل أو الترك
بما انها من الأمور التكوينية الخارجية لا تتصف بالتقديرية تارة وبالفعلية أخرى وانما
تتصف بالوجود أو بالعدم فان ما تكون الإرادة منوطة به إن كان موجودا فالإرادة فعلية
والا فهي معدومة نعم الاتصاف بالوجود التقديري انما يعقل في الأمور الاعتبارية فيصح ان
يقال إن وجوب الحج مثلا ثابت في الشريعة على تقدير حصول الاستطاعة خارجا وهذا النحو
من الوجود الاعتباري يكون ثبوته بنفس الاعتبار ولو لم يكن في الخارج مستطيع بالفعل كما أن
رفعه انما يكون بالنسخ لا بزوال الاستطاعة من المكلف مثلا ومن هنا يتمسك باستصحاب
بقاء الحكم في الشريعة ما لم يثبت نسخه وهذا الحكم الثابت لا يتصف بالفعلية الابعد تحقق
موضوعه بتمام قيوده في الخارج فعند ذلك يكون الحكم فعليا وقابلا للدعوة إلى متعلقه
وقد مر ما به يتضح الفرق بين الوجودين ويأتي له مزيد بيان في مبحث الاستصحاب التعليقي
انشاء الله وقد تحصل مما ذكرناه استحالة اتصاف الإرادة بالوجود التقديري وان ما هو الموجود
عند الالتفات إلى مصلحة شرب الماء على تقدير حصول العطش مثلا انما هو الشوق إلى الشرب
المقيد بحال العطش وهو فعلى لا تقديري واما اختيار الشرب المعبر عنه بالإرادة أحيانا
فهو غير موجود بالفعل أصلا نعم علم الملتفت إلى تحقق الشرب حال العطش موجود بالفعل
الا انه فعلى لا تقديري
138

ومحركة إلى شرب الماء عند فعلية العطش فهي قبل وجود العطش ليست بفعلية وبعده
تكون فعلية (وهذا) (1) هو المراد من البرهان الذي اقامه الشيخ الأنصاري (قده)
على كون القيد قيد للمادة رادا به على من توهم أن الاحكام تحتاج إلى انشاء آت
متعددة بتعدد المكلفين والأزمان وحاصل مرامه (قده) من هذا الرد هو ان العاقل إذا
التفت إلى شئ مقيد بقيد غير مقدور ورأى فيه مصلحة فالإرادة التقديرية موجودة
من الأول بنحو القضايا الحقيقية وان لم تكن متصفة بوصف الفعلية والتحريك فليس

1 - الغرض من هذا البرهان على ما في تقريرات شيخنا العلامة الأنصاري قدس سره هو
اثبات لزوم رجوع القيد إلى المادة دون مفاد الهيئة بتقريب ان الانسان إذا توجه إلى شئ
فاما ان يطلبه أو لا يطلبه لا كلام لنا على الثاني على الأول فاما ان يتعلق طلبه به من غير أن يكون
مقيدا بقيد خاص أو يتعلق طلبه به مقيدا بذلك وعلى الثاني فاما أن يكون القيد اختياريا
أو غير اختياري وعلى تقدير كونه اختياريا فاما ان يتعلق طلبه بالقيد أيضا أولا وعلى
جميع التقادير يكون الطلب فعليا والتقييد راجعا إلى المادة والجواب عن ذلك أنه ان أراد
من الطلب اشتياق النفس إلى الفعل فهو وإن كان موجودا في جميع الصور المذكورة الا
انك قد عرفت انه لا ملازمة بين فعليتة وفعلية الحكم المجعول أصلا وان أراد منه الاختيار
واعمال النفس قدرتها في الفعل والترك فقد عرفت استحالة تعلقه بفعل الغير مطلقا واستحالة
تعلقه بالمتأخر ولو كان ذلك فعل نفس الشخص وان أراد منه جعل الحكم الذي هو عبارة عن
اعتبار كون الفعل على ذمة المكلف فهو وإن كان فعليا دائما الا انه لا يقتضى أن يكون
المعتبر أيضا كذلك لما عرفت من امكان تعلق الاعتبار بأمر متأخر وضعيا كان أو تكليفيا
وان أراد منه الحكم المجعول أعني به نفس الوجوب المعتبر للمولى ففي لزوم كونه موجودا
حال وجود الاعتبار وعدمه تفصيل فان القيد المزبور سواء كان اختياريا أو غير اختياري إذا
كان دخيلا في تمامية مصلحة الواجب ولزوم استيفائها فلا موجب لإيجابه قبل حصوله ولو كان
متعلق الايجاب الفعل المقيد بما هو مقيد بناء على ما هو الصحيح من تبعية الاحكام للملاكات الثابتة
لمتعلقاتها بل ربما يكون ذلك منافيا لغرض المولى وهو عدم تكليف العبد بتحصيل المقدمات
قبل حصول القيد في الخارج واما إذا كان القيد دخيلا في حصول المصلحة في الخارج
بعد فرض تماميتها ولزوم استيفائها فلا مناص فيه عن الالتزام بفعلية الطلب وإن كان المطلوب
أمرا متأخرا كما عرفت
139

هناك انشاءات عديدة بل انشاء واحد (1) وإرادة واحدة غاية الأمر انها تقديرية لافعلية
(وبالجملة) فانا وان سلمنا وجود الإرادة التقديرية من أول الأمر الا ان فعليتها و
محركيتها غير معقولة فان المقيد بأمر غير اختياري بما هو مقيد لا يكون اختياريا
وذات المقيد وإن كانت مقدورة الا انها ليست مما يترتب عليه الغرض بل المترتب
عليه هو المقيد وحينئذ فإن لم تكن له مقدمة مقدورة أصلا كما في الصلاة المقيدة بأول
الفجر بالإضافة إلى من هو واجد لتمام الشرائط قبل الفجر فإنه حيث يستحيل فعلية
الإرادة قبل الفجر لكون المقيد غير مقدور وليست له مقدمة اختيارية فلا بدوان
ينتظر الصبح حتى تكون الإرادة فعلية واما إذا كانت له مقدمة مقدورة كالمثال المذكور
بالإضافة إلى فاقد الطهارة فيستحيل تحريك إرادة الصلاة نحو المقدمة بمجرد الالتفات
إلى المقدمية لما عرفت انها غير فعلية ولا محركة بل لابدان يكون المحرك نحو المقدمة
هو التفات المكلف إلى أنه لو لم يأت بالمقدمة فعلا لفاته الغرض المترتب على الفعل
المقيد فاستلزام ترك المقدمة لفوت الغرض هو الذي يوجب تعلق إرادة فعليه بايجاد
المقدمة فالحركة نحو المقدمة انما نشأت من قبل استلزام تركها لفوات الغرض لامن ناحية
المقدمية واستلزام إرادة الصلاة لإرادة مقدماتها (هذا) حال الإرادة التكوينية حسب ما يقتضيه
الوجدان الصادق وتتبعها الإرادة التشريعية (2) حذو القذة بالقذة وعليه فيمكن تعلق الإرادة الفعلية

1 - لا يخفى ان جعل الحكم على نحو القضايا الحقيقية يغنى عن الانشائات العديدة و
فرض وجود الإرادة التقديرية وعدمه أجنبي عن ذلك بالكلية وقد مران الإرادة بمعنى
الاختيار يستحيل تعلقه بالامر المتأخر مطلقا وعلى ذلك يترتب ان إرادة المقدمة يستحيل
أن تكون ناشئة من إرادة ذي المقدمة ابدا سواء في ذلك المقيد بقيد غير اختياري و
غير المقيد به بل هي ناشئة عن علم المشتاق إلى ذي المقدمة بأنه لو لم يأت بالمقدمة
لفاته الغرض في ظرفه فلاوجه لما أفيد في المتن من إرادة المقدمة قد تنشأ عن إرادة
ما يتوقف عليها وقد تنشأ من العلم بفوت الغرض على تقدير عدم الاتيان بالمقدمة قبل مجيئ
ظرف الاتيان بالواجب وبالجملة إذا امتنع تعلق الاختيار بالامر المتأخر فإرادة المقدمة
انما تنشأ من الشوق أي ذي المقدمة والعلم بترتب فوت المشتاق إليه على ترك المقدمة
من دون فرق بين كون المشتاق إليه مقيدا بقيد غير مقدور وعدمه فافهم ذلك لعلك
تشفع به فيما بعد انشاء الله تعالى
2 - قد مر ان الحكم المجعول المعبر عنه بالإرادة التشريعية أحيانا لا يتبع الإرادة التكوينية
في احكامها ولوازمها وان الملاك في جواز تعلق الوجوب بأمر متأخر مشترك فيه بين
صورتي التقييد بأمر غير مقدور وعدمه وعليه فالتفكيك بين المقدمات والالتزام في بعضها
بالوجوب المقدمي وفى بعضها الأخرى بالوجوب النفسي لمصلحة التهيأ بلا موجب
140

التشريعية بفعل متأخر مقدور بالقدرة على مقدمته فتكون محركة نحو مقدمته قهرا ولا
يمكن تعلقها بالفعل المقيد بقيد غير مقدور لعدم امكان تعلق التكوينية به نعم إذا كان
في هذا الفرض مقدمة يستلزم تركها فلا فوت الغرض في ظرف الواجب كالغسل
قبل الفجر فلابد من تعلق إرادة تشريعية مستقلة بها لمصلحة التهيأ لئلا يلزم الفوت
كما هو الحال في الإرادة التكوينية (والحاصل) ان الشبهة انما نشأت من تخيل ان
انكار الواجب المعلق مبنى على دعوى استحالة تأخر الواجب عن وقت الوجوب مع الغفلة
عن أن منشأه هي استحالة تعلق التكليف بغير المقدور فيختص الانكار بما إذا تقيد الواجب
بقيد غير اختياري فافهم ذلك واغتنم (ثم لا يخفى) ان هذه الشبهة موردها هو خصوص
القضايا الخارجية واما في القضايا الحقيقية فلا مجال لتوهم جريانها فيها أصلا فاصل
النزاع في تعقل الواجب المعلق مختص بالقضايا الخارجية وتعديته إلى القضايا الحقيقية
من باب الخلط بينهما
(بيان ذلك) ان الانشاء في القضايا الحقيقية لا محالة يكون سابقا على وجود الموضوع
وبقية القيود المعتبرة فيه وهو لا يكون مقيدا بشئ أصلا الا انه لما كان فعلا زمانيا
فلا بد وأن يقع في زمان بلا تقيد به أصلا واما فعلية الحكم فيستحيل أن تكون
مساوقة لانشائه بل لا محالة تتوقف على فعلية كل ما اخذ مفروض الوجود في الخطاب و
حينئذ فإذا فرضنا ان الواجب من الموقتات فاما ان تتوقف فعلية الحكم على فعلية
الزمان كما تتوقف على فعلية بقية القيود المأخوذة في الخطاب مفروضة الوجود فهذا
عين انكار الواجب المعلق والالتزام بالاشتراط (1) واما ان يفرق بين الزمان وغيره من

1 - اخذ الزمان مفروض الوجود في الخطاب وإن كان يستلزم اشتراط التكليف به
لا محالة الا انه لا يستلزم تأخر التكليف عنه خارجا لما عرفت من جواز كونه شرطا متأخرا
كما كان الامر كذلك في اشتراط التكليف بالقدرة وقد مران الواجب المعلق قسم من
الواجب المشروط بالشرط المتأخر نعم لابد في القول به من قيام الدليل عليه ومجرد امكان
الشيئ لا يكفي في الحكم بوقوعه ولافرق في ذلك أيضا بين الزمان وغيره من القيود
الخارجة عن الاختيار فما أفيد في المتن من عدم تعقل الواجب المعلق في القضايا الحقيقية
ومن أن تقييد الواجب بالزمان يستلزم تعلق التكليف بأمر غير مقدور مبنى على ما افاده
سابقا من أن تقييد الواجب بشئ ينافي اخذه مفروض الوجود وقد تقدم ما يرد عليه فراجع
141

القيود فلا يلتزم بتوقف فعلية الحكم على تحقق الزمان خارجا على خلاف القيود
الخارجية عن الاختيار وعليه فيسأل عن الملزم بالقول بتوقف فعلية الحكم على فعلية
بقية القيود من وجود الموضوع وغيره فهل هو اخذها مفروضة الوجود أو شئ آخر
لا سبيل إلى الثاني بالضرورة فيتعين الأول والمفروض انه مشترك فيه بين الرمان
وغيره واما توهم أن الزمان لم يؤخذ مفروض الوجود في الخطاب وانما هو من
قيود الواجب فيدفعه ما عرفت من أن تقيد الواجب بالزمان يستلزم تعلق التكليف به
أيضا وهو محال لعدم القدرة عليه (نعم) يمكن ان يفرق (1) بين الزمان وغيره من
القيود بوجه آخر وهو ان الزمان ربما يكون دخيلا في الخطاب فقط دون الملاك
لكون مصلحة الفعل تامة قبله الا ان الفعل لكونه غير مقدور قبله فلا مناص من اخذه
مفروض الوجود بخلاف بقية القيود فإنها دخيلة خطابا وملاكا كما أوضحناه سابقا
وبالجملة كل ما فرض وجوده في الخطاب فلا محالة يتأخر التكليف عنه رتبة ويتوقف
فعليته على فعليته ويستحيل التكليف به والالزام بايجاده ولو كان أمرا اختياريا كالاستطاعة
مثلا فالوجوب لا محالة يكون مشروطا بوجوده وكل ما لم يكن كذلك المكلف مأخوذا
في الواجب فلا بدوان يكون الوجوب بالإضافة إليه مطلقا ويكون المكلف مأمورا
بايجاده فامر التكليف دائر بين الاطلاق والاشتراط لا محالة ولعل القول بامكان المعلق
انما نشأ من عدم حقيقة الاشتراط والاطلاق
تنبيه قد عرفت ان فعلية التكليف وإن كانت تتوقف على فعلية جميع قيوده الا انه
يختلف حال القيود بالإضافة إليه فوجود أول قيد له كوجود المكلف وجود للمعد الأول و

1 - قد تقدم انه لافرق بين الزمان وغير في هذه الجهة أصلا وان الميزان الكلي هو ان القيد
المتأخر الخارج عن تحت القدرة إذا كان دخيلا في تمامية الملاك الداعي إلى الايجاب فلابد
من تأخر الوجوب عن تحققه خارجا واما إذا كان دخيلا في تحققه الخارجي مع كون الملاك
تاما قبله فلابد فيه من جعل الوجوب قبل حصول القيد مشروطا بحصوله في ظرفه ومتعلقا
بالفعل المقيد به
142

الثاني كعقله وجود للمعد الثاني وهكذا إلى أن ينتهى إلى القيد الأخير فيكون وجوده
كوجود الجزء الأخير من العلة التامة فيستحيل تخلف الحكم عنه ولذلك ربما يطلق السبب
والمسبب على القيد والحكم والا فالسببية والمسببية فيما نحن فيه غير معقولة كما هو ظاهر
ثم إنه قد أشرنا سابقا إلى أن حال الاحكام في القضايا الحقيقية حال الملكية في
باب الوصية فكما ان انشاء الملكية في باب الوصية وإن كان في حال الحياة الا ان
فعليتها تتوقف على فعلية قيدها الذي اخذ مفروض الوجود وهو الموت فبمجرد الموت
تكون الملكية المنشأة على هذا التقدير فعلية ولذلك تقدم الوصية على الإرث لا
محالة فان موضوع الإرث ما تركه الميت على حاله والوصية تخرج الموصى
به عن ما ترك وتدخله فيما لم يترك فلا تشمله أدلة الإرث ولو لم يكن هناك أدلة
خاصة على تقديم الوصية على الإرث لكان التقديم على القاعدة فكذلك انشاء الاحكام في
القضايا الحقيقية وإن كان موجودا قبل وجود موضوعاتها الا ان فعليتها تتوقف على فعلية
موضوعاتها لا محالة واما قياس القضايا الحقيقية بباب الإجارة فغير صحيح فان فعلية
الملكية في باب الإجارة مساوقة لانشائها والمتأخر انما هي ذات المنفعة فالمنشأ وهى
الملكية فعلى والمنفعة التي هي متأخرة غير قابلة للانشاء
(فان قيل) ان فعلية الملكية والحكم في الوصية وفى القضايا الحقيقة إذا كانت
متأخرة عن الانشاء فيلزم انفكاك الانشاء عن المنشأ وهو غير معقول (قلنا) المنشأ
إذا كان هي الملكية على تقدير الموت أو الحكم على موضوع خاص فلا بد وان
لا يكون هناك ملكية قبل الموت وحكم قبل الموضوع والا فيلزم أن يتخلف الانشاء
عن المنشأ ويكون المنشأ هي الملكية لا على تقدير الموت أو الحكم لاعلى ذاك
الموضوع وهو خلف محال وعليه يترتب استحالة الشرط المتأخر مثلا إذا فرضنا الإجازة
قيدا مفروض الوجود في الحكم بالملكية في البيع الفضولي فلابد وان تتأخر الملكية
عن الإجازة تأخر الحكم عن موضوعه فلو فرض تقدمه عليها لزم ان لا يكون حكما
لذلك الموضوع بل لموضوع آخر وهو خلف واضح وبالجملة لابد وأن يقع المنشأ
في الخارج على طبق الانشاء فكما ان وجود الموضوع التام يستحيل ان يتخلف عن
143

عن حكمه فكذلك وجود الحكم يستحيل ان يتخلف عن موضوعه فمحذور الشرط المتأخر
ليس لزوم تأثير المعدوم في الموجود إذا الشرط لا يكون مؤثرا في الحكم أصلا بل المحذور
هو لزوم الخلف من تقدم الحكم على موضوعه (فان قلت) أليس الانشاء هو الايجاد فكيف
يتقدم على وجود المنشأ مع أن تخلف الايجاد عن الوجود غير معقول والحاصل انه لا يمكن
الايجاد الفعلي لأمر متأخر وجودا نعم على تقدير امكانه لابد وأن لا يتقدم والالزم التخلف
المذكور (قلت) تخلف الايجاد عن الوجود في التكوينيات غير (1) معقول وأما في

1 - لا يخفى ان البرهان المقتضى للزوم وحدة الايجاد والوجود خارجا وكون التغاير
بينهما اعتباريا لا يختص بالموجودات التكوينية بل يشترك في كل موجود في الوعاء المناسب
له تشريعيا كان أو تكوينيا وما أفيد في المتن من كون اجزاء الزمان موجودة في عالم
التشريع في عرض واحد بلا تقدم وتأخر بينها فهو وإن كان صحيحا ضرورة انه يمكن
فرض الأمور التدريجية وتصورها في عالم التشريع فيوجد جميعها في ذلك العالم معا الا
انه لا يترتب عليه دفع الاشكال المتقدم لان فعلية الحكم المجعول تابعة لتحقق الزمان خارجا
لا لوجوده الفرضي والالزم فعلية الاحكام حال جعلها ولو قبل وجود المكلف فضلا عن تحقق
شرايطه وهو مع فساده في نفسه خلاف فرض كون الوجوب مشروطا وعليه فالاشكال
المتقدم باق على حاله والتحقيق في الجواب عن ذلك هو ما تقدم في بحث رجوع القيد
إلى الواجب أو الوجوب من أن أساس هذه الشبهة مبنى على تخيل ان جعل الحكم مساوق
لايجاده في الخارج بنحو وجود يعبر عنه بالوجود الانشائي مع الغفلة عن أن جعله عبارة عن
اعتباره النفساني المبرز في الخارج بمبرز له ولا مانع من تعلق الاعتبار بأمر متأخر أصلا فان
قلت إذا كان جعل الملكية في باب الوصية مثلا عبارة عن تعلق الاعتبار الفعلي بالملكية
المتأخرة المقارنة للموت فكيف يمكن تحققها بعد موت المعتبر وانعدام اعتباره مع أن
الأمر الاعتباري يستحيل بقائه مع انعدام الاعتبار المتعلق به بالضرورة
قلت تحقق الملكية بعد الموت انما هو من جهة اعتبار العقلاء أو الشارع لها امضاء لاعتبار
الموصى المالك للوصية فان حدوث الاعتبار من المالك وعدم رجوعه عنه موضوع لاعتبار
الشارع أو العقلاء على طبق اعتباره ولولا الدليل على جواز الرجوع في الوصية لكان الحال كذلك
حتى بعد رجوعه فالمدار انما هو على اعتبار الشارع أو العقلاء لا على بقاء اعتبار المعتبر الأول
فافهم ذلك فإنه دقيق
144

التشريعيات فحيث ان التشريع بتمام انحائه بيد الشارع فكما يمكنه ايجاد الوجوب
فعلا يمكنه ايجاد الوجوب على موضوع فيما بعد أيضا وبعبارة أخرى ان الزمان وإن كان
بنفسه تدريجيا والجزء اللاحق غير موجود في عرض الجزء السابق الا أن تمام
اجزائه بالإضافة إلى الشارع موجودة في عالم التشريع فيمكنه ايجاد الحكم وجعله على
الجزء الأول أو الوسط أو الأخير وتمام ذلك في عالم التشريع على نحو واحد بلا قصور
في تشريعه وكذا لك باب الوصية فان مالك العين الذي بيده الامر له أن يجعل ملكيتها
الفعلية أو ملكيتها بعد موته أو ملكيتها بعد حين لمن يريد جعلها له فان جميعها بالإضافة
إليه في عالم انشائه وجعله على حد سواء وقيام الاجماع على بطلان تعليق المنشأ على
غير الموت في الوصية بل على بطلان مطلق التعليق في غيرها وعدم تأثيره أجنبي عما
نحن بصدده من امكان التعليق في المنشأ ممن بيده الامر والاختيار نعم التعليق في الانشاء
لكونه فعلا اختياريا آني الحصول غير معقول والكلام انما هو في تعليق المنشأ لا في
تعليق الانشاء وبالجملة انفكاك المنشأ عن الانشاء بالكيفية التي أنشأه عليها من
بيده الامر والاختيار غير معقول ولا يلتزم به وعليه يترتب بطلان الشرط المتأخر واما
انفكاكه عنه زمانا وتأخره إلى زمان وجود موضوعه فهو مما لا بد منه ولا استحالة فيه أصلا
بل المستحيل خلافه بل ربما لا يكون عند وجود موضوعه فعليا أيضا كما إذا كان الانشاء
من غير من بيده الامر والاختيار (فان قلت) كيف أنكرتم الواجب المعلق والوجوب
المشروط بالشرط المتأخر مع أنه لا اشكال في أن الصوم عمل واحد له وجوب واحد و
لازم ذلك هو الالتزام بالشرط المتأخر والواجب المعلق (بيان ذلك) ان وجوب
الامساك في أول الفجر مشروط ببقاء شرائط التكليف إلى آخر الوقت لا محالة وبانتفاء شرط
التكليف في جزء من الزمان ولو كان هو الجزء الأخير يستكشف عدم التكليف بالامساك
بما انه صوم من أول الوقت فالتكليف بالامساك في أول الوقت مشروط بشرط متأخر
وهو بقاء شرائط التكليف إلى الغروب كما أن الجزء الأخير من الامساك مطلوب من
أول الوقت لفرض وحدة الطلب والمطلوب وهذا عين الالتزام بالواجب التعليقي وكون
الوجوب فعليا والواجب استقباليا ومنه يظهر حال الصلاة أول وقتها وجوبها أول
الوقت أيضا مشروط بشرط متأخر وهو بقاء شروطها إلى مقدار أربع ركعات بعد الوقت
145

والجزء الأخير منها مطلوب من أول الوقت فتلخص ان الالتزام بالشرط المتأخر والواجب
التعلقي مما لا محيص عنه في التدريجيات المؤقتة (قلت) اما لزوم (1) الالتزام بالشرط
المتأخر في التكليف بالتدريجيات فسيجيئ في محله انشاء الله تعالى انه لا بدلنا بعد بيان
استحالة الشرط المتأخر من الالتزام بكون العنوان المنتزع المقارن كعنوان التعقب
شرطا فيما دل الدليل على ذلك وساعده الاعتبار لا في أمثال الإجازة التي دل الدليل
على شرطية نفسها وأظهر الموارد التي يمكن القول فيها بشرطية عنوان التعقب هي
الواجبات التدريجية فإنه إذا كان استمرار شئ كالحياة مثلا شرطا للتكليف فمعناه أن
الشرط بالإضافة إلى كل جزء من الامساك مثلا هي الحياة المقارنة معه المسبوقة والملحوقة بمثلها
إلى الغروب فليس الشرط هي نفس الحياة المتأخرة حتى يلزم تأخره بل الشرط هو
عنوان التعقب المقارن مع الوجوب (واما) لزوم الالتزام بالواجب المعلق فممنوع أيضا
لان الواجب وشرطه إذا كانا تدريجيين فلا محالة يكون الوجوب أيضا كذلك لما ذكرناه
من أن فعلية الحكم تساوق فعلية موضوعه ويستحيل التقدم والتأخر فإذا كان
الشرط وهى الحياة تدريجيا فكل جزء يكون فيه الشرط فعليا يكون الوجوب فيه فعليا
أيضا واما بالإضافة إلى الجزء الآخر فحيث ان الشرط ليس بفعلي فيكون وجوبه
أيضا كذلك وبالجملة فعلية الوجوب تتبع فعلية موضوعه وشرط ولا ينافي
التدريج في الفعلية لتدريجية الشرط وجدة الوجوب والشرط كما هو واضح
فالشرط هي الحياة المستمرة والوجوب أيضا مستمر باستمرارها فتوهم لزوم الالتزام
بالواجب التعليقي انما نشأ من توهم فعلية الوجوب المتعلق بالجزء الأخير مع الغفلة
عن أن فعلية الوجوب بالإضافة إليه انما تكون عند فعلية شرطه ويستحيل تقدمها عليها
(ثم لا يخفى) ان الزمان المفروض قيدا قد يكون قيدا للواجب بمعنى ان ما يترتب
عليه المصلحة هو الفعل المقيد من أول الفجر إلى الغروب وعليه فالفعلية وإن كانت
تدريجية الا أن وجوب الامساك في مقدار من النهار مع العلم بعدم بقاء الشرائط إلى
الغروب وكذلك ترتب الكفارة على عصيانه يكون على خلاف القاعدة وقد يكون
قيد الوجوب بمعنى ان الامساك متعلق للوجوب الواحد المستمر إلى الغروب على

1 - قد تقدم تحقيق الحال في مطلق الواجبات المقيدة بالزمان وغير المقيدة به فراجع
146

تقدير بقاء الشرائط فوجوب الامساك في مقدار من الزمان الموجود فيه الشرائط يكون
على القاعدة وكذلك ترتب الكفارة على عصيانه والفعلية التدريجية بناء على كون
الزمان قيد الوجوب أوضح منها بناء على كونه قيدا للواجب وإن كان الامر فيه كذلك
أيضا (ثم لا يتوهم) لزوم الالتزام بالشرط المتأخر والواجب التعليقي في مطلق الواجبات
التدريجية وان لم يكن الوجوب ولا الواجب مقيدا بالزمان ومحدودا به (ببيان) ان
الجزء الأخير لا يمكن الاتيان به قبل الجزء الأول فلا محالة يتأخر الاتيان بالواجب عن
فعلية الوجوب ومن البديهي ان وجوب الجزء الأول مشروط ببقاء الحياة إلى آخر العمل
فيكون مشروطا بشرط متأخر (فانا) قد ذكرنا سابقا ان الفعل ما لم يقيد بقيد غير
مقدور كالزمان فلا محالة يكون مقدورا (1) ولو بالواسطة فلا مانع من وجود الجزء
الأخير الا توقفه على الأمور المقدورة المتقدمة عليه مثلا في كل جزء من الزمان بعد
مضى مقدار أربع ركعات يمكن الاتيان بكل جزء من العمل على تقدير وقوع الأجزاء السابقة
عليه فالمانع ليس تقيد الفعل بأمر غير مقدور كما في مثال الصوم والصلاة أول
الوقت بل عدم تحقق الأجزاء السابقة والمفروض انها تحت القدرة فلا مانع من تعلق
التكليف بجميعها مرة واحدة لكونها تحت الاختيار بعضها مع الواسطة وبعضها بدونها
وبالجملة فالاشكال في المقيد بالزمان أصعب منه في غيره وإن كان قد عرفت الجواب عنه
أيضا بحمد الله تبارك وتعالى
(تنبيه) ظهر مما ذكرناه من أن المنشأ للمولى ليس الا الحكم على تقدير وجود
موضوعه أن وجود الموضوع مساوق لفعلية حكمه وإن كان يشترط في تنجزه على
المكلف واستحقاق العقاب على مخالفته أن يكون واصلا إليه وفى ظرف عدم الوصول
وجدانا أو تعبدا لا يمكن أن يكون منجزا وإن كان فعليا بوجود موضوعه (فالقول)
بأن الحكم بعد وجود موضوعه قد يكون انشائيا محضا لا يجب امتثاله ولا يحرم مخالفته
وقد يكون فعليا من بعض الجهات ويتوقف فعليته على العلم أو على قيام طريق آخر
وقد يكون فعليا من تمام الجهات (فاسد) قطعا إذ يستحيل أن يكون موضوع الحكم

1 - لا يخفى ان الاتيان بالجزء المتأخر كما يتوقف على تحقق الجزء السابق عليه كذلك
يتوقف على بقاء الحياة وغيرها من الأمور ألد خيلة في القدرة على الفعل فكون الجزء المتأخر
مقدورا بالفعل من جهة القدرة القدرة على بعض مباديه لا ينافي عدم القدرة عليه فعلا من جهة بعضها
الاخر وعليه فحال الواجبات المقيدة بقيد غير مقدور كحال الواجبات غير المقيدة بعينها فلا تغفل
147

موجودا ومع ذلك لا يكون الحكم فعليا بعد فرض كونه حكما لهذا الموضوع أو
تكون فعليته متوقفة على وجود شئ آخر لم يؤخذ في الموضوع وهذا واضح لا يعتريه
ريب ولا اشكال (ثم لا يخفى) ان الحكم في القضية الحقيقية لا محالة ينحل بتعدد
المكلفين واما بالقياس إلى غير المكلف فقد يكون الدليل ظاهرا في الانحلال اما
بالوضع أو بمناسبة الحكم والموضوع (كما في أكرم العلماء) (أو اقض ما فات)
حيث إنه يتعدد الحكم بتعدد العالم والفائتة وقد يكون ظاهرا في عدم الانحلال كما
في (صل في المسجد) فان المستفاد منها بحسب فهم العرف ليس وجوب الصلاة في كل
مسجد وقد لا يكون له ظهور في شئ منهما فيرجع إلى الأصول العملية
(تتميم)
لا اشكال في أن وجوب المقدمة الوجودية يتبع في الاطلاق والاشتراط وجوب
ذيها ان مطلقا فمطلق والا فلا كما أنه لا اشكال في أن المقدمة الوجوبية حيث إنها
أخذت مفروضة الوجود كما هو شأن القضايا الحقيقية يستحيل ان يتعلق بها الوجوب
من ناحية وجوب ذي المقدمة الا انه وقع في الشريعة موارد توهم خلاف ذلك (منها)
ان الفقهاء افتوا بوجوب ابقاء الماء قبل وقت الصلاة لواجده إذا علم بعدم تمكنه منه
بعد الوقت مع عدم فعلية وجوب الصلاة قبله بل افتى جماعة بوجوب تحصيل الماء قبل
الوقت أيضا في الفرض المزبور (ومنها) فتواهم بوجب الغسل ليلة الصيام قبل الفجر
(ومنها) فتواهم بوجوب ابقاء الاستطاعة بعد أشهر الحج مع كونها مقدمة وجوبية
وبوجوب تحصيل المقدمات الوجودية قبل وقت الحج بل افتى بعضهم بوجوب ابقاء
الاستطاعة قبل أشهر الحج أيضا (ومنها) فتواهم بوجوب تعلم الاحكام قبل مجيئ وقت
الواجب أو حصول شرط الوجوب إذا ترتب على تركه فوت الواجب في ظرفه بل افتى
جماعة بوجوب التعلم قبل البلوغ أيضا في الفرض المزبور كما أنه يجب تحصيل المعارف
قبله ليكون مؤمنا في أول آن البلوغ (وأجيب) عن الاشكال تارة بالالتزام بالواجب
المعلق واخرى بالالتزام بالشرط المتأخر وأنت بعد ما عرفت استحالة الواجب المعلق
والشرط المتأخر تعرف عدم صحة الجواب بهما مع أنهما لا ينفعان (1) في ايجاب التعلم

1 - لا يخفى انه يندفع الاشكال في كثير من الموارد المذكورة وغيرها بالالتزام بالوجوب
التعليقي والاشكال انما يبقى فيما إذا علم عدم فعلية وجوب الواجب النفسي ومع ذلك كان
بعض مقدماته واجبا بالفعل كما في وجب التعلم قبل تحقق وجوب نفس الواجب وفى
وجوب حفظ القدرة أو تحصيلها في بعض الموارد والجواب عنه اما هو بما أفيد في المتن
148

قبل البلوغ وقبل الاستطاعة لعدم التكليف بذى المقدمة قبلهما قطعا مضافا إلى أن لازم
القول بهما ايجاب تمام المقدمات لا خصوص التعلم مع بداهة ان المسير إلى الحج قبل
الاستطاعة لا يقول بوجوبه أحد ولو علم بوجود الاستطاعة فيما بعد فأي فرق بين التعلم
وبين بقية المقدمات الوجودية (كما أنه) لا اشكال عندهم ظاهرا في جواز اجناب المكلف
نفسه قبل الوقت مع العلم بعدم التمكن من الغسل بعده فما هو الفارق بينه وبين
إراقة الماء بعد الالتزام بفعلية وجوب ذي المقدمة قبل الوقت ومن هنا يظهران ما ذكرنا
سابقا من أن مصلحة الواجب قد تتم قبل فعلية وجوبه فيجب تحصيل مقدماته بوجوب
متمم للجعل الأول واخرى لا تتم الا عند وجود ما هو دخيل في فعلية الوجوب فلا تجب
المقدمات قبله فمن وجوب المقدمة شرعا قبل وقت الواجب يستكشف تمامية مصلحة
الواحب كما في الغسل قبل الفجر فإنه يستكشف من وجوبه تمامية مصلحة الصوم قبل
الفجر وان لم يمكن التكليف به حينئذ لعدم القدرة عليه لا لعدم تمامية ملاكه وإن كان
يصلح لدفع الاشكال في الجملة (1) الا انه لا يتم في تمام الموارد قطعا بداهة ان الالتزام
بتمامية المصلحة قبل البلوغ أو قبل الاستطاعة مما لا يمكن فكيف يجب التعلم قبلهما
إذا ترتب على تركه فوت الواجب في ظرفه مضافا إلى أنه لا يفي بالتفرقة بين المقدمات
في الوجوب وعدمه فالتعلم قبل الاستطاعة يجب على من يعلم أو يطمئن بوجود ها فيما

1 - قاعدة ان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار تستعمل في مقامين أحدهما ما أفيد في المتن والمراد
من الامتناع فيه هو الامتناع الوقوعي وثانيهما مقام دفع شبهة الأشاعرة القائلين بالجبر وعدم
الاختيار للعبد حيث إنهم استدلوا على ذلك بان الفعل الصادر من العبد ممكن بالضرورة فان
وجدت علته فهو ضروري الوجود لاستحالة تخلف العلة عن معلولها والا فهو ضروري
العدم لاستحالة وجود الممكن بلا علة فأجاب أهل الحق عن استدلالهم بان اختيار العبد بما
انه هو جزء أخير من علة وجود الفعل فوجوبه وامتناعه الناشئان عن اختيار العبد للفعل
أو الترك لا ينافي كون الفعل اختياريا بل يؤكده والمراد من الامتناع في هذا المقام هو الامتناع
بالغير كما هو ظاهر - لا يخفى التعليقة (1) متعلقة بالسطر الخامس من صحيفة 150
149

بعد أو بتحققها عادة وهذا بخلاف المسير والمقدمات الاخر (فالتحقيق) في الجواب ان
يتمسك بذيل قاعدة أخرى مسلمة في محلها وهى قاعدة ان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار
عقابا وان نافاه خطابا وتوضيح الاستدلال بها بحيث يترتب عليها التفرقة بين المقدمات أيضا انما
يكون ببيان أمرين
الأول ان هذه القاعدة انما هي في مورد يكون الفعل أو الترك فيه ممتنعا بالا
إرادة والاختيار كالسقوط إلى الأرض لمن القى نفسه من شاهق فان ترك ذلك وإن كان
ممتنعا بعد الالقاء الا ان هذا الامتناع منته إلى إرادة الالقاء والمخالف هنا أبو هاشم
الذي تخيل عدم المنافاة خطابا أيضا وجماعة أخرى تخيلوا منافاته للعقاب أيضا (واما)
فيما إذا كان الفعل ممتنعا لعدم تعلق الإرادة به فان الفعل الاختياري بما انه يحتاج في
وجوده إلى تعلق الإرادة به فلا محالة يستحيل وجوده في الخارج عند عدم تعلق الإرادة
به (فليس) ذلك موردا للقاعدة كما توهمه بعض المحققين فان الامتناع بعدم الإرادة
لا ينافي الخطاب عند تمام العقلاء فكيف يختص القائل به بابى هاشم الذي لم يوافقه أحد
في ذلك والحاصل ان كون الفعل ممتنعا في حد ذاته وإن كان امتناعه منتهيا إلى
الاختيار لاربط له بالامتناع بالغير وهو عدم الإرادة ومحل الكلام انما هو الأول واما الثاني
فعدم منافاته للخطاب قد تسالم عليه جميع العقلاء
الثاني ان القدرة قد تكون شرطا عقليا للتكليف وغير دخيلة في ملاك الفعل
أصلا فيكون اعتبارها في فعلية التكليف من جهة حكم العقل بقبح خطاب العاجز
وقد تكون شرطا شرعيا ودخيلة في ملاكه (وعلى الثاني) فاما أن يكون الشرط هي القدرة
المطلقة أو القدرة الخاصة (وعلى الثاني) فاما أن تكون الخصوصية المأخوذة فيها هو حصولها
بعد حصول مقدمة بخصوصها من مقدمات الوجوب كالاستطاعة بالنسبة إلى وجوب الحج فلا
اثر للقدرة قبلها أو تكون الخصوصية هو حصول القدرة في زمان الواجب فقط فهذا
شقوق أربعة
(اما الشق الأول) وهو ما كان القدرة شرطا عقليا فقط فالحق فيه وجوب تحصيل
المقدمات من أول أزمنة الامكان لتحصيل القدرة على الواحب ووجوب حفظها
لواجدها لئلا يفوت الواجب والملاك في ظرفه إذا المفروض ان الملاك في ظرفه تام
150

لا قصور فيه فتفويته ولو بتفويت أول مقدماته ولو كان ذلك قبل البلوغ تفويت له بالاختيار و
هولا ينافي العقاب وإن كان ينافي الخطاب في ظرفه فبهذه المقدمة العقلية يستكشف (1)
وجوب المقدمة شرعا حفظا للغرض فيكون متمما للجعل الأول وان أردت توضيح
ذلك فارجع إلى نفسك في إرادتك التكوينية وقس عليها الإرادة التشريعية فإنك
لا تشك في أن من يعلم بابتلائه في السفر بالعطش أو يطمئن به أو هو في معرض الابتلاء
به عادة لو ترك تحصيل المقدمات من الأول ولم يحصل الماء قبل ابتلائه يكون
مذموما عند العقلاء لانتهاء الامتناع إلى الاختيار فلا محالة تتعلق إرادة تكوينية بايجاد
القدرة أو حفظها قبل بلوغه إلى وقت العطش وكون شرب الماء ذا مصحلة ملزمة
فإذا كان هذا حال الإرادة التكوينية يعرف منه حال الإرادة التشريعية أيضا للملازمة
بينهما كما عرفت سابقا (2) (فان قلت) أليس البلوغ من الشرائط العامة فكيف يمكن
القول بوجوب تحصيل القدرة أو ابقائها قبله حتى يكون متمما للجعل الأول حفظا للغرض
(قلت) البلوغ انما يكون شرطا للتكاليف الشرعية التي لم تستكشف بقاعدة يستقل

1 - ما أفاد قدس الله تعالى اسراره في المقام وإن كان صحيحا لا ينبغي الريب فيه ضرورة
ان العقل لا يفرق في حكمه بقبح مخالفة المولى بين مخالفة تكليفه ومخالفة غرضه الملزم
الذي هو ملاك الحكم وما به قوامه فإذا علم العبد بوقوع ابن المولى في البحر وهو قادر
على انقاذه فلا ريب في استحقاقه العقاب على تركه ولو كان المولى غافلا عنه أو عن حضور العبد
عنده الا انه لا مجال معه لاستكشاف حكم شرعي مولوي متمم للجعل الأول أصلا فان
حكم العل باستحقاق العقاب على تقدير المخالفة يكفي في لزوم حركة العبد وانبعاثه كما هو
الحال في مطلق موارد حكمه بقبح المعصية وحسن الإطاعة وانما يمكن استكشاف الحكم
الشرعي من الحكم العقلي فيما إذا كان العقل مدركا لملاك الحكم من المصلحة أو المفسدة
وأين ذلك من ادراكه استحقاق العقاب كما في المقام وبالجملة حكم العقل بقبح تفويت
الغرض الملزم واستحقاق العقاب عليه وإن كان ثابتا الا انه لا يلازم حكم الشارع بوجوب
المقدمة شرعا بل يكون ذلك من اللغو الواضح نعم يحكم الشارع به ارشادا إلى حكم
العقل لكنه خارج عما هو محل الكلام
2 - قد تقدم بطلان قياس الحكم المجعول بالإرادة التكوينية ودعوى اشتراكه معها في
احكامها ولوازمها
151

العقل بها واما التكاليف الشرعية التي استكشفت من استقلال العقل بحكم فلا موجب
لكون البلوغ شرطا لها بل هي ثابتة في حق كل من يكون قابلا لتوجه التكليف إليه و
ان لم يكن بالغابل يستحيل اشتراط تلك التكاليف بالبلوغ وعدم تحققها قبله لمنافاته
للحكم المستقل به العقل كما في وجوب المعرفة في الأصول الاعتقادية قبل البلوغ
فان العقل يستقل به لان يكون المكلف مؤمنا في أول زمان بلوغه
(واما الشق الثاني) وهو ما كان القدرة المطلقة شرطا شرعيا ودخيلا في الملاك
فحاله حال الشق الأول طبق النعل بالنعل غاية الأمر ان القدرة في الشق الأول غير
دخيلة في الملاك أصلا بخلافه في الشق الثاني الا ان هذا ليس بفارق فيما نحن بصدده
فان المفروض ان الشرط وهى القدرة المطلقة ولو باعداد أول مقدماته حاصل بالفعل
(واما الشق الثالث) وهو ما كان الشرط الشرعي المفروض دخله في الملاك
هي القدرة بعد حصول شرط خاص من شرايط الوجوب فيفرق فيه بين حالتي حصول
الشرط وعدمه فالمقدمات التي يستلزم تركها ترك ذي المقدمة في ظرفه لا تكون واجبة
بحكم العقل قبل حصول شرط الوجوب لعدم تمامية الملاك حينئذ على الفرض وهذا
بخلاف ما لو حصل شرط الوجوب فان العقل يستقل حينئذ بوجوب كل ما يتوقف عليه
الواجب في ظرفه فان المورد يكون في هذا الفرض داخلا في قاعدة الامتناع
بالاختيار بعد تمامية الملاك فيصح العقاب على ترك الواجب ولو كان ذلك بترك مقدمته
قبل وجوبه
(واما الشق الرابع) وهو ما كان القدرة في زمان الواجب شرطا شرعيا ودخيلا
في الملاك فلا يجب فيه الاتيان بالمقدمة قبل مجيئ زمان الواجب المتوقف عليها لعدم
جريان هذه القاعدة فيه إذا المفروض ان الفعل لا يكون ذا ملاك ملزم الابعد القدرة
عليه في زمانه واما القدرة عليه ما قبله فوجودها كعدمها إذ لا يجب على المكلف جعل
الفعل ذا ملاك في ظرفه بل يجب عليه أن لا يفوت ما هو ذو ملاك ملزم في حد نفسه
(وهذا) بخلاف الأقسام الأول فان القدرة في القسم الأول لم تكن دخيلة في الملاك
أصلا وفي القسم الثاني وإن كانت دخيلة الا انها كانت أعم من القدرة في زمان الواجب
ومن القدرة قبله واما القسم الثالث فقد عرفت ان القدرة الدخيلة في الملاك فيه انما
كانت هي القدرة على الواجب بعد حصول بعض شرايط الوجوب فترك المقدمات بعده
152

تفويت اختياري لفعل ذي ملاك في ظرفه فيندرج تحت قاعدة ان الامتناع بالاختيار
لا ينافي الاختيار
ثم إن التفرقة بين الأقسام المذكورة انما هي فيما إذا كان التوقف على مقدمة
قبل زمان الواجب اتفاقيا وفي مورد خاص كتوقف الصلاة على الوضوء قبل الوقت بالنسبة
إلى مكلف مخصوص واما إذا كان التوقف دائميا أو غالبيا كالحج بالإضافة إلى المسير
فلو فرض ان ظاهر الدليل هي شرطية القدرة على الفعل في زمانه فلابد من صرفه عن ظاهره
وجعل القدرة المطلقة أو القدرة بعد شرط الوجوب شرطا للتكليف وذلك من جهة
حكم العقل بقبح تخصيص العام بما يوجب اختصاص الحكم بالفرد النادر ومن الواضح
انه لو كان الشرط هي القدرة على الواجب في زمانه لاختص الوجوب بأشخاص نادرة
وهو قبيح فبهذه القرينة العقلية يستكشف ان الشرط في المثال انما هي القدرة بعد
زمان الاستطاعة فبعد حصولها تجب المقدمات قهرا لتمامية الملاك في الواجب (نعم)
إذا كان هناك دليل يدل صريحا على اختصاص الملاك (1) بصورة القدرة على الواجب
في زمانه فلا يستحق تارك المقدمة قبل زمان الواجب العقاب على التفويت ولو كان
التوقف غالبيا.
ثم لا يخفى انه يختلف حال القيود بالإضافة إلى واجب واحد فربما يكون
الشرط في بعضها هي القدرة في زمان الواجب فلا يجب قبل الوقت وان ترتب على تركه
تفويت ذي المقدمة في ظرفه كالوضوء بالإضافة إلى الصلاة فإنه يستفاد من الأخبار الكثيرة
ومن الآية المباركة المعلق فيها وجوبه على القيام إلى الصلاة الذي هو كناية عن دخول
الوقت ان دخول الوقت له دخل في مصلحة اللزومية فيكون الشرط هي القدرة عليه

1 - إذا فرض ان اختصاص الحكم بالافراد النادرة قبيح عقلا فكيف يمكن الالتزام به و
لو مع دلالة الدليل عليه صريحا وان لم يكن في الالتزام به محذور عقلا فما المانع منه فيما
إذا كان الدليل ظاهرا فيه فالتفرقه بين صورتي صراحة الدليل وظهوره كما أفيد في المتن
لاوجه لها والتحقيق انه لا مانع من جعل الحكم على نحو القضية الحقيقية ولو كان تحقق
موضوعه في الخارج نادرا ولاقبح في جعل مثل هذا الحكم وايصاله إلى المكلف ولو كان
ذلك بتخصيص عموم أو تقييد اطلاق وعليه فلا موجب للتصرف في ظهور الدليل الدال على
اشتراط الوجوب بالقدرة على الواجب في ظرفه ولو كان التوقف غالبيا أو دائميا
153

بعد الوقت فلا يجب تحصيله ولا ابقاؤه قبل الوقت وان علم بعدم تمكنه بعد الوقت و
هذا بخلاف بعضها الاخر المشروط بمطلق القدرة كوجود الماء الذي هو مقدمة اعدادية
فإنه يستكشف من الرواية الصحيحة (1) الدالة على وجوب ابقائه قبل الوقت ان
الشرط للوجوب انما هي القدرة المطلقة ولو قبل الوقت ولا ضمير في اختلاف القيود
باختلاف ملاكاتها
هذا كله غير المعرفة من سائر المقدمات واما المعرفة أعني بها تعلم الأحكام الشرعية
ومتعلقاتها فلاوجه للاستدلال على لزومها بقاعدة (2) عدم منافاة الامتناع

1 - لا يخفى ان تمسك شيخنا الأستاذ قدس سره في هذا المقام بوجود الرواية الصحيحة
انما كان من باب الغفلة والاشتباه والا فلم يرد في هذا الموضوع رواية صحيحة أو غير صحيحة
ولقد اعترف هو قدس سره بذلك حين ما طالبناه بها والعصمة انما هي لأهلها وعلى
ذلك فحكم إراقة الماء قبل دخول الوقت مع العلم بعدم التمكن منه بعده هو حكم ابطال
الوضوء قبله مع العلم بعدم التمكن منه بعده
2 - التحقيق في هذا المقام هو ان تارك التعلم قبل الوقت قد يكون متمكنا من الامتثال
واحرازه بعد الوقت وفى ظرف الواجب ولو كان ذلك بالاحتياط وقد يكون متمكنا من نفس
الامتثال والاتيان بالواجب الا انه لا يكون متمكنا من احرازه وقد لا يكون متمكنا من الامتثال أيضا
اما الشق الأول فلا يجب فيه التعلم قبل الوقت لفرض تمكن المكلف من الاتيان بالواجب و
احرازه في ظرفه ولو بالاحتياط
واما الشق الثاني فيجب فيه التعلم قبل مجيئ ظرف الواجب لكنه لا بملاك عدم منافاة الامتناع
بالاختيار للاختيار إذ المفروض عدم امتناع الواجب بترك تعلم حكمه بل بملاك حكم العقل
بوجوب دفع الضرر المحتمل ضرورة انه مع احتمال ترك الواجب الفعلي المنجز
على تقدير وجوده على ترك التعلم يحتمل العقاب فيستقل العقل بوجوب دفعه ولا يفرق في
ذلك بين موارد دخل القدرة في ملاك التكليف باقسامه وعدم دخلها فيه كما هو ظاهر
واما الشق الثالث وهو ما إذا كان ترك التعلم موجبا لامتناع الواجب في ظرفه اما لغفلة
المكلف عنه أو لتوقف القدرة عليه على التعلم كما في الصلاة ونحوها مما يمتنع صدورها
من غير من يتعلمها ولا سيما إذا لم يكن عارفا باللغة العربية فيجرى فيه ما يجرى في غيره
من المقدمات التي يترتب على تركها فوت الواجب في ظرفه فيكون وجوبه بملاك قاعدة
عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار ولازم ذلك ان لا يجب التعلم قبل الوقت في هذا الشق
فيما إذا كانت القدرة في ظرف الواجب شرطا للوجوب ودخيلة في ملاكه وعليه فلا مناص
في اثبات وجوبه في هذا الفرض من الالتزام بوجوبه النفسي كما التزم به المحقق الأردبيلي قدس
سره والا فلا مقتضى لوجوبه أصلا
154

بالاختيار للعقاب بداهة ان الواجب لا يكون غير مقدور بعدم تعلم حكمه ومن هنا
اتفق الأصحاب على اشتراك التكاليف بين العالمين والجاهلين بها وما لم يخرج الواجب
بترك تعلم حكمه عن تحت القدرة في ظرفه لا معنى للتمسك بذيل القاعدة في صحة
العقاب على مخالفته وعلى ذلك فالتكليف يكون فعليا في ظرفه فيترتب العقاب على
مخالفته بلا اشكال حتى في ما إذا كان الشرط هي القدرة عليه في زمانه لوجود الشرط
في ظرفه على الفرض نعم الجهل عذر عقلي فلا يتنجز معه التكليف فيقبح العقاب لكونه
بلا بيان فالعقاب عليه نظير العقاب على غير المقدور في كونه قبيحا لكن العقل انما
يستقل بالقبح فيما إذا لم يكن هناك بيان أصلا بان لم يتمكن المكلف من الوصول إليه
ابدا واما إذا تمكن منه في زمان فلا يستقل العقل بقبح العقاب على مخالفة التكليف
وان لم يتمكن منه بعد ذلك الا إذا فرض دليل شرعي مخصص للحكم العقلي يدل على
معذورية الجاهل ولو كان متمكنا من رفع جهلة في زمان فيختص التنجيز بمن حصل
له البيان في ظرف الواجب اتفاقا وما لم يكن دليل كذلك يكون الحال فيه نظير
ما إذا كانت القدرة شرطا عقلا فان العقل كما يستقل بقبح العقاب على غير المقدور من
رأس لاعلى ما كان مقدور أولو باعداد أول مقدماته كذلك يستقل بقبح العقاب فيما إذا
لم يتمكن المكلف من تحصيل البيان أصلا
(وبالجملة) ان تفويت الواجب في ظرفه بعدم تحصيل مقدماته قبل وقته يترتب
عليه استحقاق العقاب في الشقين الأولين مطلقا وفي الشق الثالث إذا كان بعد حصول شرط
الوجوب واما الشق الأخير فلا يكون التفويت فيه موجبا لاستحقاق العقاب مطلقا وقد
عرفت ان التوقف إذا كان دائميا أو غالبيا فقد يكون ذلك قرينة عقلية على صرف الدليل
عن ظهوره في كون الشرط هي القدرة على الواجب في زمانه (هذا) في غير التعلم واما
هو فيحرم تركه في تمام الشقوق مطلقا ولو كان ذلك قبل البلوغ إذا ترتب عليه فوت
155

الواجب في ظرفه لكونه مخالفة للتكليف الفعلي ولا يستقل العقل بعدم تنجزه بعد تمكن
المكلف من تحصيل البيان ولو آنا ما (فتخلص) مما ذكرناه ان كل معد كل دخيلا في
القدرة على الواجب في ظرفه ولو من جهة توقف العنوان والتقيد المأخوذ فيه عليه
سواء كان دخله لتوقف حدوث القدرة عليه كالمسير إلى الحج والتحفظ على وجود الماء
أو كان لتوقف بقاء القدرة عليه كعدم حمل الثقيل الموجب لزوال القدرة على القيام
في وقت الصلاة (لابد) في مورده من حكم الشارع بوجوب تحصيل القدرة أو ابقائها
قبل زمان الواجب اما مطلقا فيما إذا كانت القدرة شرطا للتكليف عقلا أو كانت القدرة
على اطلاقها شرطا له شرعا ودخيلة في ملاك الواجب واما بعد حصول شرط من
شرايط الوجوب فيما إذا كانت القدرة بعده دخيلة في الملاك وشرطا للوجوب شرعا
(وذلك) فان الملاك الملزم إذا فرض كونه تاما في ظرفه ولم يمكن استيفائه
بخطاب واحد إذا المفروض عدم التمكن من امتثاله في ظرفه
على تقدير عدم الاتيان بالمقدمة قبله فلابد للمولى من استيفائه
بخطاب نفسي آخر يتعلق بالمقدمة حتى يكون متمما للجعل الأول وبما ان الجعل
الثاني نشأ من شخص الملاك الناشئ منه الجعل الأول فيكون هو والجعل الأول في
حكم خطاب واحد ويكون عصيانه موجبا لاستحقاق العقاب على ترك ما وجب بالجعل
الأول في ظرفه فان الامتناع بالاختيار لا ينافي صحة العقاب كما عرفت فعدم كون الواجب مقدورا
في ظرفه لا ينافي العقاب على تركه المنتهى إلى الاختيار مع فرض (1) خطاب آخر
نفسي ناش من نفس ذاك الملاك بحيث يكون عصيانه عصيانا لذلك الخطاب من الان
نعم لو فرضنا ان الملاك بحسب ظاهرا الخطاب يكون تابعا للقدرة الخاصة وهى القدرة
في زمان الواجب فلا يمكن استكشاف خطاب آخر الا إذا كان التوقف دائميا أو غالبيا
إذ حينئذ يكون نفس كون التوقف دائميا أو غالبيا مع كون الخطاب عاما قرينة على كون
القدرة المطلقة أو المقيدة بما بعد حصول شرط الوجوب دخيلة في الملاك ويصرف بها
ظاهر الخطاب لا محالة (هذا) في غير التعلم من المقدمات التي لها دخل في القدرة على
الواجب ذاتا وقيدا أو عنوانا واما هو فحاله حال جميع الطرق في أن وجوبه طريقي

1 - قد عرفت ان مثل هذا الحكم العقلي لا يستتبع الحكم الشرعي فضلا عن أن تستند صحة
العقاب إلى وجوده
156

لتنجيز الواقع عند الإصابة ومخالفته لا توجب استحقاق العقاب الا إذا لزم منها مخالفة
الواقع ان لم نلتزم بعقاب المتجرى والا فيترتب على مخالفته استحقاق العقاب صادف
الواقع أم لم يصادف وقد عرفت ان التعلم غير دخيل في القدرة على الواجب أصلا و
الفعل على ما هو عليه من كونه مقدورا في ظرفه والعقل حيثما احتمل تحقق العصيان
في ظرفه بتركه التعلم مع احتماله البيان فهو لا محالة يحتمل العقاب فيستقل بوجوب
دفعه اما بالتعلم أو بالاحتياط فوجوب التعلم ليس بملاك وجوب المقدمات المعدة
التي يستلزم تركها عدم القدرة على الواجب في ظرفه بل هو بملاك آخر لا يبتنى على
قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للعقاب أصلا وهو لزوم دفع الضرر المحتمل حيث إن
المفروض مقدورية الواجب مثلا في ظرفه لعدم دخل معرفة الحكم في القدرة على
فعله بالبداهة فيكون تركه عصيانا للتكليف الفعلي مع وجود البيان ولا اشكال في
استتباعه للعقاب فاحتمال تكليف تمت الحجة عليه يوجب احتمال الضرر وجدانا فيجب
دفعه عقلا (فالفرق) بين التعلم والمقدمات التي يستلزم تركها فوت الواجب في ظرفه
بأمرين (الأول) أن وجوب المقدمات من باب تتميم الجعل مقدمة لتحصيل القدرة
أو ابقائها لا يكون الا فيما كان الابتلاء بالواجب المتوقف عليها معلوما اوفى حكمه أو
كان مما يبتلى به عادة هذا بخلاف التعلم فان وجوبه المتمم للجعل الأول على تقديره
انما هو في مورد (1) احتمال التكليف احتمالا عقلائيا مطلقا ولا يتوقف على شئ مما
ذكركما سيظهر (الثاني) ان استحقاق العقاب في المقدمات يتحقق عند ترك
المقدمات (2) لا محالة لخروج الواجب بعده عن القدرة بخلاف ترك التعلم فان

1 - قد عرفت ان ترك التعلم قبل الوقت إذا كان موجبا لعجز المكلف عن الامتثال في
ظرفه فحكمه حكم غيره من المقدمات التي يترتب على تركها فوت الغرض في ظرفه و
عليه فيبتنى الحكم بوجوبه في هذا الفرض بمجرد احتمال وجود التكليف على القول
بوجوبه النفسي الطريقي كما هو ظاهر أدلته ولا يبقى معه مجال للتمسك باستصحاب عدم الابتلاء
كما هو ظاهر
2 - ترك المقدمة قبل مجيئ وقت الواجب ووجوبه ولو فرض كونه موجبا لسلب القدرة عليه
الا ان استحقاق العقاب انما يترتب على فوت الغرض في ظرفه فإذا فرضنا سقوط التكليف
في ذلك الظرف بسبب آخر غير عدم القدرة على امتثاله فلا موجب للعقاب على ترك
مقدمته الاعلى القول باستحقاق المتجرى له فلا فرق بين التعلم وغيره من هذه الجهة أصلا
157

الاستحقاق يتبع عصيان الواجب في ظرفه فلو لم يكن هناك عصيان اتفاقا فلا يترتب عليه
استحقاق العقاب أيضا الاعلى القول باستحقاق المتجرى له فلا وجه لادراج التعلم في
ضمن غيره مما يتوقف عليه القدرة على الواجب في ظرفه بعد اختلافها في ملاك
الحكم بوجوبهما
ثم إن وجوب التعلم وجوبا طريقيا كما عرفت فيما إذا علم المكلف أو اطمئن
بالابتلاء بالواقع في غاية الوضوح وكذا فيما كان الابتلاء به نوعيا كمسائل الشكوك و
النسيان (واما) فيما كان الابتلاء به نادرا فربما يقال بجريان استصحاب عدم الابتلاء
فيما بعد فلا يجب التعلم (والاستصحاب) كما يجرى في الأمور الحالية يجرى في الأمور
المستقبلة أيضا لعموم أدلته ولكنه لا يخفى ان جريان الاستصحاب في الأمور المستقبلة
وإن كان هو الصحيح خلافا لصاحب الجواهر (قده) الا انه يتوقف على كون الواقع
المشكوك فيه اثرا أو ذا اثر شرعي حتى يتعبد به في ظرف الشك واما إذا لم يكن
هناك اثر شرعي أو كان الأثر مترتبا على نفس الشك المحرز وجدانا فلا معنى للتعبد
في مورده وما نحن فيه من هذا القبيل فان وجوب دفع الضرر المحتمل مترتب على
نفس احتمال الابتلاء المحرز وجدانا وليس لواقع الابتلاء بالواقع اثر شرعي حتى يدفع
احتماله بالأصل فلا يبقى مجال لجريان استصحاب عدم الابتلاء بالواقع (وبالجملة)
حكم العقل بوجوب التعلم بملاك دفع العقاب المحتمل يستوى فيه موارد الابتلاء عادة
والقطع أو ما في حكمه بالابتلاء والاحتمال العقلائي فحكم العقل في الجميع واحد
طريقي كما أنه ربما يكون له في تمام الموارد حكم واحد واقعي نظير استقلاله بقبح
التشريع والكذب حيث إنه لا يفرق فيه بين العلم بالمخالفة والشك في ذلك والحكم
في الجميع بملاك واحد (نعم) قد يكون له في بعض الموارد حكمان واقعي وطريقي
نظير استقلاله بقبح التصرف في أموال الغير واقعا وبقبح التصرف في المشكوك طريقا
لئلا يقع في محذور المخالفة وما نحن فيه ليس من هذه القبيل بل حكمه طريقي في
تمام الموارد ناش من ملاك واحد وهو دفع العقاب المحتمل كما عرفت
ثم إن الشيخ الأنصاري (قده) على ما في رسالته العملية حكم بفسق تارك تعلم
مسائل الشك والسهو فيما يبتلى به عامة المكلفين وهو (اما) مبتن على اختياره لمذهب
158

المحقق الأردبيلي (قده) من كون وجوب التعلم نفسيا موجبا للعقاب على تركه (أو)
على كون التجري موجبا للفسق وان لم يكن موجبا للعقاب (أو) على التفكيك بين
مسائل الشك والسهو وبين غيرها من جهة قضاء العادة باستلزام ترك التعلم فيما يكثر
الابتلاء به كما هو المفروض في المقام لمخالفه الواقع (اما الأول) فهو (قده) غير
ملتزم به بل ذهب إلى كون وجوب التعلم طريقيا كما هو الظاهر من صدر الرواية الدالة
على وجوب التعلم وعلى ان العقاب على الواقع (واما الثاني) فالالتزام به بعيد (1)
في نفسه والظاهر أنه (قده) غير ملتزم به أيضا (واما الثالث) فالالتزام به أبعد لفرض
كون الوجوب طريقيا فالأولى ان تحمل العبارة على اشتباه جامع فتاواه في الرسالة
(خاتمة)
ذكر بعضهم ان ما كان شرطا للوجوب فهو لا محالة يكون شرطا للواجب أيضا
وليس المراد منه ان شرط الوجوب من قيود المأمور به بداهة ان شرط الوجوب
لا يمكن تعلق التكليف به بخلاف قيد المأمور به (2) فإنه لابد وان يقع تحت التكليف
كما مر فكيف يمكن أن يكون شرط أحدهما شرطا للاخر مع كمال المنافاة بينهما
كما أنه ليس المراد منه ان ما كان شرطا للوجوب لابد وان يقع المأمور به حينه
بداهة انه يمكن أن يكون شرط وجوب اكرام زيد يوم الجمعة مجيئه قبل يوم الجمعة
بمدة (بل) المراد (3) منه ان ما كان شرط الوجوب واخذ مفروض الوجود حين
الخطاب لابد وان يتأخر الواجب عنه أيضا مثلا إذا كانت الاستطاعة شرطا لوجوب

1 - لابعد في ذلك بعد كشف التجري عن عدم ملكة العدالة ضرورة ان مصادفة الواقع
وعدمها أجنبية عما في نفس المتجرى من عدم وجود الملكة فيها هذا وقد عرفت انه لابد
من القول بوجوب التعلم نفسيا طريقيا فيكون مخالفته مخالفة للواجب النفسي فلا اشكال
2 - قد عرفت فيما تقدم قيود المأمور به لا تكون متعلقة الوجوب النفسي المتعلق بالمقيد
ابدا سواء في ذلك القيد الاختياري وغيره وان الفرق بين كون القيد قيدا للواجب وكونه
قيدا للوجوب هو ان قيد الواجب ما اخذ التقيد به في حين الطلب كما أن قيد الوجوب
هو ما يتوقف فعلية الوجوب عليه ولو كان ذلك شرطا متأخرا وهما قد يجتمعان وقد يفترقان
3 - هذا لا يتم في الشروط المتأخرة فان الوجوب في مواردها فعلى قبل تحقق الشرط
على الغرض فلا بعد في أن يكون مراد ذلك البعض هو أو وجوب الواجب إذا كان مشروطا
بشئ فوقوع الواجب في الخارج على صفة المطلوبية يتوقف على تحققه في ظرفه لا
محالة وعلى ذلك يترتب ان تقييد الوجوب بشئ يستلزم تقييد الواجب به بهذا المعنى
بالضرورة فان استحالة الاطلاق تستلزم ضرورة التقييد كما عرفت نظيره فيما تقدم نعم تقييد
الواجب بالمعنى المقصود وهو كون التقيد به داخلا في المأمور به أجنبي عن تقييد الوجوب
به وعدمه ودوران الامر بين رجوع القيد إلى مفاد الهيئة ورجوعه إلى المادة بهذا المعنى
لا يقتضى الا رفع اليد عن أحد الاطلاقين من دون أن يكون أحد التقييدين مستلزما
للتقييد الاخر
159

الحج فلا يعقل أن يكون الحج المطلق الأعم من وجود الاستطاعة وعدمها واجبا لفرض تقيد
وجوبه بوجودها ومنه علم أن تقييد للوجوب لا يستلزم تقييد الواجب لأنه غير قابل للاطلاق
من هذه الجهة عقلا وقد عرفت ان الاطلاق والتقييد متقابلان بتقابل العدم و
الملكة فإذا لم يمكن أحدهما لا يمكن الاخر وعليه فتقييد الوجوب يستلزم بطلان اطلاق
الواجب ويوجب خروجه عن قابلية الاطلاق والتقييد ومنه يعلم أيضا ان ما أقاده بعض
المحققين (قده) عند الشك في رجوع القيد إلى الوجوب أو الواجب من دوران
الامر بين التقييدين أو التقييد الواحد في غير محله (واما) ما افاده العلامة الأنصاري
(قده) من الوجهين لمتعين القيد إلى الواجب دون الواجب فمحط كلامه قده
ليس هي موارد وجود القرينة المتصلة قطعا كما توهمه الحقق صاحب الكفاية (قده)
بداهة (1) ان الكلام لو كان مكتنفا بما يحتمل كونه قرينة لسقط عن الظهور رأسا و
غرض الشيخ (قده) انما هو بيان المعارضة بين الظهورين وتقديم أحدهما على الاخر
لمرجح فالكلام متمحض في القرينة المنفصلة
وتوضيح المقام انما هو بذكر ما افاده (قده) ونقضه وإبرامه (فنقول) حاصل
ما افاده في الوجه الأول هو ان اطلاق الهيئة شمولي بداهة ان مفاده هو ثبوت الوجوب
على كل تقدير يمكن أن يكون تقدير إليه بخلاف اطلاق المادة فإنه بدلي ومعناه طلب
فرد ما من افراد الطبيعة أي فرد كان لاكل فرد وإذا دار الامر بينهما فالاطلاق البدلي

1 - سيجئ منه قدس سره تسرية الحكم إلى موارد القرينة المتصلة أيضا وان محل
الكلام خراج عن موارد احتفاف الكلام بما يحتمل كونه قرينة فلا تغفل
160

أولي برفع اليد عنه وابقاء الاطلاق الشمولي على حاله لكونه أظهر وعليه بنى (قده)
تقديم الاطلاق الشمولي في مثل لا تكرم فاسقا على الاطلاق البدلي في مثل أكرم
عالما في باب التعارض (وأورد) عليه المحقق صاحب الكفاية (قده) في كلا المقامين
بأن الاطلاق إذا كان بمقدمات الحكمة فلا يمكن تقديم أحدهما على الآخر بمجرد
كونه شموليا والآخر بدليا نعم لو كان أحدهما بالوضع والآخر بمقدمات الحكمة
لقدم ما كان بالوضع بلا كلام لكونه صالحا لان يكون قرينة على الآخر دون العكس
(والتحقيق) (1) ان ما ذهب إليه المحقق الأنصاري (قده) من تقديم الاطلاق الشمولي
على الاطلاق البدلي هو الأقوى فان تقديم الاطلاق البدلي يقتضى رفع اليد عن
الاطلاق الشمولي في بعض مدلوله وهى حرمة أكرم العالم الفاسق في مفروض المثال بخلاف
تقديم الاطلاق الشمولي فإنه لا يقتضى رفع اليد عن مدلول الاطلاق البدلي أصلا فان
المفروض انه الواحد على البدل وهو محفوظ لا محالة غاية الأمر ان دائرة كانت وسيعة

1 - التحقيق ان مجرد كون الاطلاق شموليا لا يوجب تقدمه على الاطلاق البدلي في مقام
المعارضة فان ما أفيد من الوجوه الثلاثة لتقدم الشمولي كلها غير صحيحة اما الوجه
الأول فيرد عليه ان الحكم الالزامي في مورد الاطلاق البدلي وإن كان واحدا متعلقا بالواحد
على البدل الا ان لازم اطلاقه هو ترخيص تطبيق المأمور به على كل فرد من افراد
الطبيعة المأمور بها وهذه الدلالة الالتزامية تستتبع احكاما ترخيصية شمولية ومقتضى
تقديم الاطلاق الشمولي هو رفع اليد عن بعض مدلول الاطلاق البدلي لا محالة واما الوجه
الثاني فيرد عليه ان التخيير في موارد الاطلاق البدلي ليس عقليا بل هو شرعي مستفاد
من عدم تقييد المولى متعلق امره بقيد خاص ولذا لو شك في تعين بعض الافراد لاحتمال
اقوائية الملاك فيه لكان المتعين فيه هو الرجوع إلى الاطلاق مع أن تساوى الافراد في الوفاء
بالغرض غير محرز وجدانا بل الاطلاق بنفسه يوجب احراز التساوي المزبور على ذلك
فالاطلاق البدلي المقتضى لتخيير المكلف في الاتيان بأي فرد من افراد الطبيعة شاء يعارض
الاطلاق الشمولي المانع عن ايجاد مورد الاجتماع فلاوجه لتقدم الشمولي على البدلي
ومن ذلك يظهر الجواب عن الوجه الثالث وعلى ما ذكره يترتب عدم جواز التمسك
بشئ من الاطلاقين في المقام فيما إذا كان دليل التقييد منفصلا وعدم انعقاد الظهور لشيئ
منهما فيما إذا كان متصلا
161

فصارت ضيقة وببيان آخر يحتاج الاطلاق البدلي زائدا على كون المولى في مقام
البيان وعدم نصب القرينة على الخلاف إلى احراز تساوى الافراد في الوفاء بالغرض
حتى يحكم العقل بالتخيير بخلاف الاطلاق الشمولي فإنه لا يحتاج إلى أزيد من ورود
النهى على الطبيعة غير المقيدة فيسرى الحكم إلى الافراد قهرا فمع وجود الاطلاق
الشمولي لا يحرز العقل تساوى الافراد من حيث الوفاء بالغرض فيكون الاطلاق
الشمولي الشمولي حاكما على الاطلاق البدلي من حيث دليليته وحجيته وإن كان ظهوره منعقدا
في حد نفسه لفرض كون القرينة منفصلة وبالجملة تتوقف حجية الاطلاق
البدلي على عدم المانع في بعض الأطراف عن التخيير العقلي والاطلاق الشمولي صالح
للمانعية فلو توقف عدم صلاحيته للمانعية على وجود الاطلاق البدلي لدار (هذا) في
القرينة المنفصلة (واما) في المتصلة فيكون الاطلاق الشمولي رافعا للظهور في البدلي
ويكون واردا عليه ولأجل ما ذكرنا يقدم العام الوضعي (1) على الاطلاق الشمولي مع

1 - العموم الوضعي وإن كان يتقدم على الاطلاق الشمولي الا ان سبب ذلك هو ما حققناه
في محله من أن سراية الحكم إلى جميع الافراد في موارد العموم الوضعي لا تحتاج إلى
جريان مقدمات الحكمة فإنه على ذلك يكون العام بنفسه صالحا لان يكون قرينة على التقييد
فيمنع من انعقاد الظهور في الاطلاق إذا كان متصلا ويتقدم عليه فيما إذا كان منفصلا و
اما بناء على مختار شيخنا الأستاذ قدس سره من احتياجها إلى جريان مقدمات الحكمة
فلا موجب المتقدم أصلا وما أفيد في المتن من توقف قابلية سريان المطلق إلى جميع
افراده على جريان مقدمات الحكمة فهو من باب كبوة الجواد ضرورة ان القابلية المزبورة
من اللوازم الذاتية للطبيعة والمتوقف على جريان المقدمات انما هي فعلية السريان لا قابليته
فإذا فرض احتياج السراية في طرف العام إلى جريان المقدمات أيضا فلا يبقى وجه المتقدم
أصلا وان شئت قلت إن لازم لحاظ الطبيعة غير مقيدة بقيد هو سريان الحكم الثابت لها
إلى جميع افرادها عقلا كما أن لازم العموم المستفاد من اللفظ هو ذلك أيضا وبما انه
لا يمكن أن يكون العموم قرينة على التخصيص في هذا الحكم العقلي ولاوجه لرفع اليد عن
الظهور اللفظي بلا موجب فلابد من التصرف اما في مدخول أداة العموم وتقييده مع ابقاء
العموم على حاله اوفى المطلق بتقييده وتضييق دائرة موضوع الحكم العقلي فإذا فرضنا
ان الاطلاق في كل منهما يحتاج إلى جريان مقدمات الحكمة فلا وجه لتقديم أحدهما على
الاخر بلا موجب فينحصر وجه التقديم بما ذكرناه من أن أداة العموم هي بنفسها تكشف عن
ملاحظة مدخولها مطلقا وغير مقيد بلا احتياج إلى جريان مقدمات الحكمة فإنه عليه
يتقدم العام على المطلق المحتاج في اثبات لحاظه كذلك إلى جريان المقدمات ولعل ما ذكرناه
هو مراد شيخنا العلامة الأنصاري قدس سره حيث عبر عن دلالة العام بأنها تنجيزية وعن
دلالة المطلق بأنها تعليقية
162

ان العام من جهة تعيين مدخوله وانه ليس الا نفس الماهية من دون اخذ قيد فيه
يحتاج إلى مقدمات الحكمة بداهة ان ألفاظ العموم لم توضع الا لتعميم مدخوله من
حيث هو فهي غير متكفلة لبيان حال مدخوله (والسر) في التقديم مع أن كلا منهما
يحتاج إلى مقدمات الحكمة هو أن مقدمات الحكمة في طرف الاطلاق بعد جريانها تعطى
قابلية السريان للمطلق إلى جميع افراده وهذه القابلية المتوقفة على جريان المقدمات
في طرف المطلق فعلية في طرف العام من جهة الوضع فالعام بنفسه يصلح بيانا للمطلق
دون العكس والا لدار وبعبارة أخرى ان شمول المطلق لجميع افراده انما هو بجريان
مقدمات الحكمة بخلافه في طرف العام فإنه بعد فرض ان الطبيعة المدخولة لأداة
العموم في أكرم كل عالم غير مقيدة بقيد بل هي نفس الطبيعة المهملة (1) يكون
السريان إلى جميع الافراد بنفس أداة العموم ولا يتوقف على شئ آخر كما كان متوقفا
عليه في طرف المطلق (هذا) ولكن لا يخفى ان ذلك وإن كان صحيحا في نفسه الا
انه لاربط له بالمقام بداهة انه لا تعارض في المقام بين الاطلاقين يفي حد أنفسهما حتى
يقال بكون أحدهما أقوى من الآخر لحكومته عليه بل التعارض لأمر خارجي وهو
العلم الاجمالي بعروض التقييد على أحدهما ولا يكون اقوائية أحدهما موجبة
لارجاع القيد إلى الاخر بل لو فرضنا حصول العلم الاجمالي بعروض تقييد لعام وضعي
أو مطلق بدلي لما كان هناك مجال للقول برجوع القيد إلى المطلق البدلي لضعفه

1 - الطبيعة المهملة هي الجهة الجامعة بين المطلقة والمقيدة فلا بد في اثبات عدم لحاظ
القيد في المدخول اما من جريان مقدمات الحكمة فالمعارضة باقية بحالها كما عرفت واما من
دعوى ان نفس أداة العموم تكشف عن ذلك فلا حاجة إلى جريان مقدمات الحكمة والجمع
بين القول بتقدم العام على المطلق والقول باحتياج اثبات الاطلاق في مدخول أداة العموم
إلى جريان المقدمات لا يمكن أصلا
163

والحاصل ان الاقوائية انما تفيد في مقام معارضة ألد ليلين في حد ذاتيهما لافى مقام
العلم الاجمالي بطر والتقييد على أحدهما تساوى نسبة العلم الاجمالي بالإضافة
إلى كليهما فالمسألة المبحوث عنها في باب التعادل والتراجيح من دوران الامر بين تقييد
المطلق الشمولي أو البدلي أجنبية عما نحن فيه بالكلية
واما الوجه الثاني الذي افاده (قده) فحاصله (1) ان تقييد الهيئة وان لم يكن
ملازما لتقييد المادة كما افاده المحقق صاحب الحاشية (قده) الا انه موجب لبطلان
محل الاطلاق فيها ولافرق في مخالفة الأصل بين تقييد المطلق وعمل يشترك مع تقييده
في النتيجة وهو بطلان العمل بالاطلاق وهذا الوجه لا نعقل له معنى صحيحا إذا اللازم
عند العقلاء هو العمل على طبق المطلق بعد تمامية اطلاقه لاجعل الشيئ مطلقا وعدم
ارتكاب عمل يلزم منه عدم تمامية الاطلاق (والتحقيق ان يقال) ان الكلام وإن كان
في التقييد المنفصل كما عرفت والمفروض انعقاد الظهور للهيئة والمادة في الاطلاق
الا ان القدر المتيقن الذي نعلمه من التقييد هو ان المادة مع عدم القيد لا اثر لها اما لعدم
وجوبها أو لفقدان قيدها واما تقييد المادة بمعنى لزوم تحصيل قيدها أيضا فهو ليس
بمتيقن بل طرف الاحتمال فان الامر يدور بين أن يكون القيد لها فيجب
تحصيله وأن يكون قيدا للهيئة فلا يجب تحصيله وليس في البين من هذه
الجهة قدر متيقن أصلا والاطلاق في كل منهما معارض بمثله في الآخر بعد العلم الاجمالي
بتقييد أحدهما فيرجع الامر إلى الأصل العملي وهى البراءة في المقام بداهة انه قبل حصول
القيد يشك في وجوب العمل وتحصيل قيده ومقتضى البراءة هو عدم الوجوب واما
بعد حصول القيد كالاستطاعة فلا اشكال في الوجوب على كل تقدير كان القيد قيدا للهيئة
أو المادة (هذا) ولكن الانصاف ان ما ذهب إليه المحقق صاحب الحاشية (قده)
في محله وإن كان تعبيره بدوران الامر بين تقييد وتقييدين في غير محله (بيان ذلك)

1 - قد ظهر مما مران تقييد الهيئة كما أنه لا يستلزم تقييد المادة كذلك لا يستلزم بطلان
محل الاطلاق فيما وان تقييد المادة لا يستلزم تعلق الامر المتعلق بالمقيد بقيده سواء
كان القيد اختياريا أو غير اختياري وعليه فلاوجه لما افاده العلامة الأنصاري ولا لما اورده
عليه شيخنا الأستاذ قدس سره هما في المقام
164

ان الشك في رجوع القيد إلى مفاد الهيئة أو المادة اما ان يفرض في موارد التقييد
بالمتصل واما ان يفرض في موارد التقييد بالمنفصل (اما الشك في موارد التقييد
بالمتصل) فاللازم فيه ارجاع القيد إلى نفس المادة لوجهين (الأول) ان رجوع القيد
إلى المادة ولو كان ذلك في ضمن رجوعه إلى المادة بما انها منتسبة ومعروضة للنسبة الطلبية
متيقن (1) على كل حال وانما الشك في رجوعه إليها بعد الانتساب وبما انه يحتاج إلى بيان
أكثر من ذكر نفس القيد فالشك فيه يدفع بالاطلاق ومن هنا يعلم أن ما نحن فيه
ليس من قبيل احتفاف الكلام بما يحتمل كونه قرينة الموجب لعدم انعقاد الظهور بداهة
انه انما يكون كذلك فيما إذا لم يكن التقييد محتاجا إلى مؤنة أخرى مدفوعة بالاطلاق
كما في اجمال القيد مفهوما وكما في تعقب الجمل المتعددة بالاستثناء وغير ذلك من
الموارد التي لو اتكل المتكلم فيها على ما ذكره في مقام البيان لكفاه واما فيما نحن
فيه فحيث ان القدر المتيقن موجود في البين والمفروض ان احتمال رجوع القيد إلى
المادة المنتسبة يدفعه الاطلاق فلا يمكن للمولى ان يكتفى بما ذكره من القيد لو كان
مراده تقييد المادة المنتسبة (الوجه الثاني) ان القيد إذا كان راجعا إلى المادة بعد
الانتساب فلابد وان يؤخذ مفروض الوجود (2) كما هو شأن كل واجب مشروط

1 - يرد عليه مضافا إلى ما عرفت من أنه لا معنى لرجوع القيد إلى للمادة المنتسبة ان
المتيقن في المقام انما هو رجوع القيد إلى ذات المادة الجامعة بين رجوعه إليها بعد الانتساب
ورجوعه إليها قبله واما رجوعه إليها قبل الانتساب فهو كرجوعه إليها بعد الانتساب مشكوك فيه و
ليس شئ منهما متيقنا أصلا ضرورة ان ارجاع القيد إلى المادة في موارد كون الوجوب مشروطا
يباين نحو رجوعه إليها في موارد كونه مطلقا فكيف يمكن ان يقال إن في فرض دوران
الامر بينهما يكون أحدهما متيقنا والاخر مشكوكا فيه وعلى ذلك يترتب ان الشك المزبور
إذا كان ناشئا عن وجود القرينة المتصلة فلا ينعقد للكلام ظهور في الاطلاق أصلا واما إذا
كان ناشئا عن وجود القرينة المنفصلة فالكلام وان انعقد له الظهور في الاطلاق من الجهتين
الا انه يسقط كلاهما عن الحجية لعدم وجود الترجيح في البين
2 - اخذ القيد مفروض الوجود وإن كان لابد منه فيما إذا رجع القيد إلى مفاد الهيئة أو إلى
المادة المنتسبة الا ان رجوعه إلى المادة يقتضى تعلق الوجوب بتقييد المادة به كما عرفت
وهذه أيضا عناية زائدة تحتاج إلى بيان أكثر من ذكر القيد وبالجملة تباين لحاظ القيد حال كونه قيدا
للوجوب مع لحاظه حال كونه قيدا للوجوب يمنع من كون أحدهما قدرا متيقنا في البين كما هو ظاهر
165

بالإضافة إلى شرطه وبما ان اخذ القيد مفروض الوجود في مقام الخطاب يحتاج إلى بيان
أكثر من ذكر القيد والمفروض عدمه فيدفع احتمال ذلك باطلاق القيد في أنه
لم يلحظ كذلك والفرق بين الوجهين انه يدفع احتمال رجوع القيد إلى مفاد الهيئة في
الأول باطلاق المادة المنتسبة وفى الثاني باطلاق نفس القيد هذا ولا يخفى انه لا
مورد للشك في رجوع القيد إلى المادة بنفسها أو بعد الانتساب بداهة ان الملابسات
كلها ظاهرة في كونها قيودا للمادة بنفسها حتى الحال لظهور انه مع عدم القرينة الخاصة
فظاهره أيضا رجوعه إلى نفس المادة كما في صل متطهر أو عليه فيسقط النزاع في
القرينة المتصلة رأسا (واما الثاني) وهوما إذا كان الشك في موارد التقييد بالمنفصل
فالحال فيه لا تخلو من أن تكون القرينة المنفصلة المفروضة لفظية أو لبية اما إذا كانت
لفظية فحالها حال المتصلة (1) بل الامر فيها أوضح لعدم جريان شبهة احتفاف الكلام
بما يمكن أن يكون قرينة لأن المفروض انعقاد الظهور واما إذا كانت لبية من
اجماع ونحوه فيجرى فيه الوجهان المذكوران لدفع الشك في رجوع القيد إلى المادة
المنتسبة باطلاق المادة أو باطلاق القيد نعم ما ذكرناه أخيرا من استظهار رجوع
القيد إلى نفس المادة في جميع الملابسات لا يجرى في القرينة اللبية كما هو ظاهر
(فتخلص) مما ذكرناه انه إذا شك في رجوع القيد إلى الواجب أو الوجوب فالاطلاق
يقتضى رجوعه إلى الواجب إذا كان المولى في مقام البيان وقد تمت مقدمات الحكمة
والا فمقتضى القاعدة هي البراءة عن وجوب تحصيل القيد فيكون النتيجة هو تقييد
الوجوب لا الواجب
المبحث الرابع
في تقسيم الواجب إلى النفسي والغيري
الواجب ينقسم إلى نفسي وغيري والمشهور في تعريفهما ان الواجب النفسي هو
الواجب لا لأجل واجب آخر والواجب الغيري ما وجب لواجب آخر (وأورد عليه)
بان لازمه أن يكون جل الواجبات غيرية بداهة انها انما وجبت لما يترتب عليها من المصالح اللازم تحصيلها ولولاه لم تكن واجبة ومن ثم عدل المحقق صاحب الكفاية

1 - قد ظهر الحال في القرينة المتصلة والمنفصلة مما تقدم
166

(قده) عن هذا التعريف وذهب إلى أن ايجاب الفعل إذا كان منشأه حسن الفعل في
حد ذاته فالواجب نفسي ولو فرض كونه مقدمة لما يلزم تحصيله أيضا واما إذا كان منشأه
مقدمية الفعل لواجب آخر فالواجب غيري ولو فرض كونه مع ذلك مشتملا على الحسن
الذاتي كما هو الحال في الطهارات الثلاث (والتحقيق) عدم صحة الاشكال في نفسه و
عدم صحة ما اختاره المحقق صاحب الكفاية (قده) (اما الأول) فلما ذكرنا سابقا من أن
الافعال بالإضافة إلى ما يترتب عليها المصالح من قبيل المعدات (1) التي يتوسط
بينها وبين المعلول أمور غير اختيارية فلا يمكن الإرادة التكوينية بها فكذلك
التشريعية لما بينا من الملازمة بينهما امكانا وامتناعا فهي من قبيل الدواعي لتعلق الإرادة
بالافعال لا انها بأنفسها تحت التكلف حتى يكون الامر المتعلق بالافعال مترشحا من الامر المتعلق
بها وما قيل من أنها مقدورة بالواسطة ولافرق في القدرة بين أن تكون بلا واسطة
وأن تكون بالواسطة قد عرفت ما فيه من أنه انما يتم في الافعال التوليدية لافى العلل
المعدة (واما الثاني) فلان حسن الافعال المقتضى لايجابها إن كان ناشئا من كونها
مقدمة لما يترتب عليها من المصالح فاشكال لزوم كون جل الواجبات واجبات غيرية قد

1 - لا يخفى ان فعل الواجب بالقياس إلى الغرض الأقصى المترتب عليه وإن كان من
قبيل العلل المعدة الغرض خارجا عن تحت اختيار المكلف وقدرته الا انه بالقياس
إلى ما يترتب عليه بلا تخلف وهى جهة الاعداد لحصول ذلك الغرض من قبيل الأسباب
إلى مسبباتها مثلا الغرض الأقصى الداعي إلى الامر بزرع الحب وهو تحصيل النتاج وإن كان
خارجا عن اختيار المكلف الا ان الغرض المترتب على الزرع من غير تخلف وهو
اعداد المحل للانتاج مقدور للمكلف بالقدرة على سببه لا محالة وبما ان المفروض في تعريف
الواجب الغيري قد بقي على حاله والتحقيق في الجواب ان يقال إنه إذا بنينا على خروج
الأسباب عن حريم النزاع في بحث مقدمة الواجب بدعوى ان الوجوب النفسي المتعلق
بالمسبب يتعلق بعينه بالسبب فالاشكال مرتفع من أصله فإنه بناء عليه يكون فعل الواجب
متعلقا للوجوب النفسي لا محالة واما بناء على عدم تعلق الوجوب النفسي الثابت للمسبب
بسببه فالوجه في عدم كون وجوب الواجبات بأجمعها غيريا هو امن الأغراض المترتبة على
الواجبات وإن كانت لزومية ومقدورة للمكلف بالقدرة على أسبابها الا انها غير قابلة لتعلق
التكليف بها لما عرفت من أن متعلق التكليف لابد وأن يكون أمرا عرفيا قابلا لأن يقع
في حيز الخطاب حسب انظار عرف العامة ومن الواضح ان الأغراض المترتبة على الواجبات
ليست كذلك فلا مناص عن تعلق الوجوب النفسي بنفس الافعال دون الأغراض المترتبة
عليها فيصدق انها واجبة لا لوجوب أمر آخر فلا اشكال
167

بقى على حاله وإن كان الحسن ثابتا لها في حد ذواتها مع قطع النظر عن ما يترتب عليها
من المصالح فلازمه (1) ان لا يكون الوجوب المتعلق بها متمحضا في النفسية ولا في
الغيرية لثبوت ملاكهما حينئذ كما في أفعال الحج فان المتقدم منها واجب لنفسه ومقدمة
للمتأخر فلا يكون وقع للتقسيم حينئذ أصلا (نعم) يرد على تعريف المشهور النقض
بوجوب المقدمات التي يترتب على تركها فوت الواجب في ظرفه فإنه داخل في تعريف
الوجوب الغيري على تعريف المشهور مع أنه من أقسام الوجوب النفسي (فالأولى) ان
يقال إن الوجوب النفسي ما كان وجوبه غير مترشح من وجوب آخر بخلاف الوجوب
الغيري فإنه هو الوجوب الذي يترشح من وجوب آخر فلا اشكال (ثم إنه) إذا شك
في واجب أنه نفسي أو غيري فقد أفاد صاحب التقريرات (قده) عدم امكان التمسك
بالاطلاق لاثبات كون الواجب نفسيا لان مفاد الهيئة جزئي غير قابل للتقييد حتى يمكن
التمسك باطلاقه (واشكل عليه) المحقق صاحب الكفاية (قده) بأن مفاد الهيئة
ليس الا مفهوم الطلب وهو المنشأ ومن البديهي امكان تقييده واما الطلب الحقيقي فهو
وإن كان جزئيا الا انه غير قابل للانشاء حتى يمكن اطلاقه أو تقييده فتسرية احكام
الحقيقة إلى المفهوم من باب اشتباه المفهوم بالمصداق (وأنت) خبير بفساد أصل
الاستدلال والاشكال عليه (اما فساد الاشكال) فلما ذكرنا سابقا من أن المفهوم الأسمى
القابل لا يكون محمولا ومحمولا عليه غير قابل للانشاء (2) وأن المنشأ ليس الا النسبة
الايقاعية (نعم) انشاء النسبة مصداق للطلب فإنه عبارة عن التصدي نحو المراد
والانشاء أيضا نحو من التصدي فالانشاء بنفسه مصداق للطلب لان المنشأ هو مفهومه فالخلط

1 - مضافا إلى كون جميع الواجبات الشرعية حسنة في ذواتها مع قطع النظر عما
يترتب عليها من المصالح ليكون وجوبها ناشئا من حسنها الذاتي مما يقطع بعدمه فلا مجال
لما اختاره صاحب الكفاية قدس سره أصلا
2 - تقدم الكلام في تحقيق معنى الانشاء وفى ان المعاني الحرفية قابلة لورد الاطلاق
والتقييد عليها فراجع
168

بين المفهوم والمصداق منه (قده) (واما فساد) أصل الاستدلال فلان مفاد الهيئة وان
لم يكن قابلا للاطلاق والتقييد حتى على القول بعموم الموضوع له والمستعمل فيه لأنه
معنى حرفي وملحوظ آلى والاطلاق والتقييد من شؤون المفاهيم الاستقلالية كما أوضحناه
في مبحث المشروط والمطلق الا أنه لا اشكال في وجود الواجب الغيري في الأحكام الشرعية
وغيرها ولم ينسب أحد إلى الشيخ (قده) انكاره وان نسب إليه (قده) انكار
المشروط على خلاف الواقع وعليه فيمكن استكشاف كون الواجب غيريا من أحد
وجهين (أحدهما) تقييد الواجب النفسي بقيد في مقام الطلب كما في قولنا صل عن
طهارة فيستكشف منه مطلوبية الطهارة بالطلب الغيري (وثانيهما) تقييد وجوبه بوجوب
ذي المقدمة كما في الآية المباركة (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا - الآية) فإنه يستكشف
منها ان الغسل مطلوب مقدمة للصلاة ومطلوبية مقيدة بمطلوبية الصلاة والتقييد حيث
لا يمكن ان يرجع إلى مفاد الهيئة فلابد وان يرجع إلى نتيجة الجملة وهو وجوب
الغسل أو إلى المادة المنتسبة كما في كل واجب مشروط والفرق بين الوجهين ان
التقييد في الوجه الأول كان راجعا إلى المعنى الافرادي وفى الوجه الثاني
كان راجعا إلى المعنى التركيبي المتحصل من الجملة وعلى كل تقدير فإذا
شك في التقييد فيرجع إلى الاطلاق اما إلى اطلاق المعنى الافرادي أو إلى اطلاق
المعنى التركيبي فيستكشف عدم تقييد الصلاة بالطهارة وعدم تقييد وجوب الطهارة
بوجوب الصلاة كما في كل مورد شك فيه في اطلاق الوجوب واشتراطه (ثم إنه) لو
كان لاحد الدليلين اطلاق دون الاخر فيتمسك به لنفى كلا التقييدين أحدهما بالمطابقة
والآخر بالملازمة وأصالة الاطلاق لكونها من الأصول اللفظية لا يفرق فيها بين المثبت
وغيره (هذا) فيما إذا كان هناك اطلاق وقد تمت معه مقدمات الحكمة واما فيما إذا
لم يكن ذلك فالمرجع فيه هو الأصل العملي وهو يختلف باختلاف الموارد (توضيح
ذلك) ان الشك في كون الواجب نفسيا أو غيريا يمكن ان يقع على وجهين (الأول)
ان يعلم معه بتعلق الوجوب النفسي بما يشك في تقييده بما علم وجوبه مرددا بين كونه
نفسيا وغيريا (الثاني) ان لا يعلم الا وجوب ما يحتمل كونه نفسيا أو غيريا مع احتمال
أن يكون في الواقع واجب آخر مقيد بما علم وجوبه في الجملة ثم إن الوجه الأول قد
169

يعلم فيه تماثل الوجوبين المفروضين من جهة الاطلاق والاشتراط بشئ كما إذا علم
اشتراط كل من وجوبي الطهارة والصلاة بدخول الوقت أو علم اطلاق كل منهما بالقياس
إليه وقد لا يعلم ذلك وانما يعلم اشتراط وجوب الواجب المفروض كونه نفسيا
بشئ واما الواجب الآخر المجهول حاله فيحتمل فيه كل من الاطلاق والاشتراط من
جهة الشك في كون وجوبه نفسيا أو غيريا وهذا كما إذا احتملنا في المثال المتقدم أن يكون
وجوب الطهارة مطلقا بالقياس إلى دخول الوقت المشروط به وجوب الصلاة
قطعا فهناك صور (اما الصورة الأولى) وهى ما علم فيه تماثل الوجوبين فالشك فيها
متمحض في خصوص تقييد متعلق ما علم كونه نفسيا بالواجب الآخر فتجرى البراءة (1)
عن التقييد ويثبت بذلك نتيجة الاطلاق ففي مفروض المثال يكون المكلف مخيرا
بين الاتيان بالصلاة قبل الطهارة والاتيان بها بعدها (واما الصورة الثانية) وهى ما
علم فيه اشتراط خصوص الوجوب المعلوم كونه نفسيا فالشك فيها من جهة تقيد ما علم
كونه نفسيا بالآخر يكون مجرى للبرائة كما أن الشك فيها من جهة الشك في الوجوب
النفسي قبل حصول ما هو شرط للوجوب الآخر مجرى للبرائة (2) أيضا فتكون النتيجة

1 - لا يخفى ان اجراء البراءة عن تقييد الصلاة بالوضوء في مفروض المثال معارض
بجريان البراءة عن الوجوب النفسي المحتمل ثبوته للوضوء فان القدر المعلوم ثبوته انما
هو أصل تعلق الوجوب بالوضوء واما خصوص كونه نفسيا أو غيريا فهو مجهول لكن
العلم الاجمالي بثبوت إحدى الخصوصيتين يمنع من جريان أصالة البراءة في كل منهما
فاللازم هو الاحتياط والاتيان بالصلاة مع الطهارة في مفروض المثال فيكون النتيجة نتيجة
الوجوب الغيري لا النفي
2 - إذا كان الوجوب النفسي المحتمل ثبوته للوضوء في مفروض المثال مقيدا بايقاعه قبل الوقت
ليدور الامر بين لزوم الاتيان به قبل الوقت ولزوم الاتيان به بعد الوقت من جهة دوران
الامر بين الوجوب النفسي والغيري فلا ينبغي الريب في عدم جواز الرجوع إلى البراءة
في شئ منهما على ما هو المختار من كون العلم الاجمالي منجزا للتكليف في التدريجيات
أيضا واما إذا كان الوجوب النفسي على تقدير ثبوته متعلقا به غير مقيد بايقاعه قبل الوقت
فلا معنى للرجوع إلى أصالة البراءة عن وجوبه قبل الوقت أصلا وحينئذ إذا لم يتوضأ
المكلف حتى دخل وقت الصلاة فلابد له ان يتوضأ ويوقع الصلاة بعده لأنه مقتضى العلم
الاجمالي الموجب للاحتياط كما عرفت واما إذا توضأ قبله فلا يجب عليه إعادة الوضوء
بعد دخوله لان تقييد الوضوء موقوعه فيما بعد الوقت ولو على تقدير كون وجوبه غيريا
مجهول فيرجع معه إلى البراءة ومما ذكرناه يظهر الخلل فيما افاده شيخنا الأستاذ قدس
سره في المقام فلا تغفل
170

من هذه الجهة نتيجة الغيرية فيختص وجوب الطهارة في مفروض المثال بما بعد الوقت
الذي هو شرط لوجوب الصلاة (نعم) هناك جهة أخرى للشك والنتيجة معها للنفسية
وهى جهة الشك في أن الوضوء مثلا إذا اتى به قبل الوقت يسقط به الوضوء فيما بعد
الوقت أولا وبعبارة أخرى يكون الشك في أن وجوب الوضوء بعد الوقت مطلق أو مختص
بمن لم يتوضأ قبله ومقتضى البراءة هو عدم الوجوب بالإضافة إلى المتوضى قبله
فيكون النتيجة مع الوجوب النفسي (وبالجملة) أصالة البراءة بالإضافة إلى تقيد الصلاة
بالوضوء وبالإضافة إلى وجوبه قبل الوقت ووجوبه بعد الوقت توضأ قبل الوقت
بلا معارض فان أصل وجوبه لمن لم يتوضأ قبل الوقت وإن كان معلوما بعد دخوله الا
انه أعم من أن تكون الصلاة متقيدة به حتى لا يجوز الاتيان به بعدها (واما الصورة الثالثة)
وهى مالا يعلم فيه الا وجوب ما يدور امره بين كونه واجبا نفسيا أو غيريا لاحتمال أن يكون
في الواقع واجب آخر فعلى يتوقف حصوله على ما علم وجوبه اجمالا فالحق
فيها انه يلزم الاتيان بما علم وجبه فإنه يعلم حينئذ باستحقاق العقاب على تركه اما
لنفسه أو لكونه مقدمة لواجب فعلى فأن ترك ما يحتمل وجوبه النفسي المستند إلى
ترك معلوم الوجوب مما يوجب العقاب واما تركه من غير ناحيته فالمكلف لجهله في سعة
منه وتشمله أدلة البراءة واما ما في الكفاية (1) من التمسك بالبراءة في المقام فغير
سديد بعد الباء على صحة التفكيك في التنجز في مبحث الأقل والأكثر وما نحن فيه
أيضا من هذا القبل فان استحقاق العقاب على ترك معلوم الوجوب اما لنفسه أو لتوقف

1 - لا يخفى ان ما افاده في الكفاية من الرجوع إلى البراءة انما هو في غير هذه الصورة
فان مورد كلامه هو ما إذا علم وجوب شئ في الشريعة اجمالا لكن تردد امره بين أن يكون
واجبا نفسيا وأن يكون مقدمة لواجب غير فعلى كما إذا علمت الحائض غير المكلفة
بالصلاة بوجوب الوضوء المردد بين أن يكون نفسيا وأن يكون غيريا ولا ريب ان المرجع
في هذه الصورة هي أصالة البراءة للشك في الوجوب الفعلي
171

واجب فعلى عليه معلوم تفصيلا فيكون منجزا وان لم يكن ذاك الوجوب المحتمل
ثبوته في الواقع منجزا من جهات أخر فان عدم تنجزه من جهة لا ينافي تنجزه من جهة وأصالة
البراءة لا تنافي فعليته واقعا وتنجزه بمقدار العلم فتدبر جيدا
بقي هناك أمران
الأول ان الثواب كما يترتب على امتثال الواجب النفسي فهل يترتب على امتثال
الواجب الغيري أيضا أولا وقبل الخوض في ذلك لا بأس ببيان ان الثواب المترتب على
امتثال الواجبات النفسية هل هو بالاستحقاق أو بالتفصيل (المعروف) بين الأصحاب
هو الأول وخالف في ذلك شيخنا المفيد (قده) وتبعه جماعة من المحققين فذهبوا إلى
الثاني وهو الأقوى فان إطاعة المولى والعمل على وفق العبودية لازم بحكم العقل و
امتثال العبد لأوامر مولاه جرى منه على وظيفته لئلا يكون ظالما له وليس هو في عمله
أجيرا للمولى حتى يستحق عليه شيئا (ومنه) يظهر حال التوبة فان كون التائب
كمن لا ذنب له انما هو من باب التفضل فقط لان توبته من جملة الواجبات عليه فيكون
ظالما على تقدير تركها وتركه الظلم لنفسه فعلا بالتوبة عما صدر منه لا يوجب سقوط ما
استحقه من العقاب قبلا وبعبارة أخرى لا بدوان يكون العبد في جميع حالاته منقادا
للمولى وتحت سلطانه فرجوعه إلى الطاعة بعد الإباق له بحكم العقل وهو غير
موجب لسقوط عقاب إباقه السابق
إذا عرفت ذلك (فاعلم) انه بعد الاتفاق على ترتب الثواب على امتثال الواجبات
النفسية سواء كان بالاستحقاق أو بالتفضل وقع الخلاف في أن امتثال الواجبات الغيرية
هل يترتب عليه الثواب كما يترتب على امتثال الواجبات النفسية أولا على أقوال ثالثها
التفصيل بين كون الواجب الغيري أصليا مدلولا لخطاب مستقلا وكونه تبعيا غير مدلول
لخطاب مستقل كما عن المحقق القمي (قده) والحق في المقام ان يقال إن الواجب
الغيري ان اتى به بداعي التوصل به إلى الواجب النفسي فيترتب عليه الثواب والا فلا
(توضيح ذلك أنه) لا اشكال في أن الثواب يفترق عن العقاب في أن الثاني مترتب على
نفس المخالفة العمدية بخلاف الأول فإنه غير مترتب على الموافقة فقط بل على الموافقة
172

المضافة إلى المولى فهو مترتب على الإطاعة بالمعنى الأخص اما على القول بالاستحقاق
فواضح واما على القول بالتفضل فلعدم الدليل على التفضل بدون قصد الإطاعة (وكذا)
لا اشكال في أن الامر الغيري بما هو أمر غيري لا حقيقة له الا كونه واقعا في طريق
التوصل إلى الواجب النفسي فلا إطاعة له الا مع قصد الامر النفسي و ح فالآتي بالواجب الغيري ان
قصد به التوصل إلى الواجب النفسي فهو شارع في امتثال الامر النفسي فيثاب على اطاعته والا فلا و
لا يفرق في ذلك بين القول بعدم وجوب المقدمة والقول بوجوبها تبعيا كان الوجوب أو أصليا اما
على القول بعدم وجوبها أو القول بوجوبها مع كونه تبعيا فما ذكرناه ظاهر واما على القول
بالوجوب وفرض كونه أصليا فلان الأوامر الشرعية المتعلقة بالاجزاء (1) والشرائط اما
أن تكون أوامر ارشادية لبيان الشرطية أو الجزئية واما أن تكون أوامر نفسية مفصلة
للامر الواحد المتعلق بالمركب أو بالمقيد فكأنها قطعات لذلك الامر الواحد النفسي
وعلى كل حال فالامتثال والثواب انما هو للواجب النفسي كما هو الحال في المقدمات
العقلية والعادية التي لا يتفاوت فيها وجود الأوامر الغيرية وعدمها إذا لملاك في ترتب
الثواب هو قصد امتثال الامر النفسي المتعلق بذى المقدمة هذا في غير المقدمات السببية واما
فيها فقد عرفت سابقا ان الامر المتعلق بالمسبب يكون بنفسه (2) متعلقا بالسبب
وكذلك الامر المتعلق بالسبب انما يتعلق به بما انه معنون بعنوان المسبب

1 - الأوامر المتعلقة بالاجزاء وإن كان امرها دائرا بين أن تكون أوامر ارشادية وأن تكون
أوامر نفسية مفصلة للامر الواحد المتعلق بالمركب وذلك لما تقدم من استحالة اتصافها
بالوجوب الغيري الا ان الأوامر المتعلقة بالشرايط ليست كذلك فإنها قابلة لان تكون
أوامر غيرية وبما ان المفروض تعلق الامر الغيري بالشرايط أصليا فدعوى كونه ارشاديا أو
قطعة من الامر النفسي بالمقيد خلاف المفروض بل قد عرفت فيما مر ان الامر المتعلق بالمقيد
يستحيل ان يتعلق بقيده ابدا لكن الصحيح مع ذلك هو ما أفيد في المتن من أن استحقاق
الثواب يتوقف على قصد امتثال الامر النفسي فان امتثال الامر الغيري بما هو كذلك ولو
فرض كونه أصليا لا يتحقق في الخارج الا مع قصد التوصل إلى الواجب النفسي وبدونه
لا يكون الاتيان بالمقدمة امتثالا له كما هو ظاهر
2 - إذا كان ما يسمى بالمسبب من قبيل العناوين التوليدية التي يكون وجودها في الخارج
بعين وجود منشأ انتزاعها كالتعظيم المنتزع عن القيام الخارجي فالحق فيه ان الوجوب المتعلق
بالمسبب يتعلق بسببه الذي هو المنشأ لانتزاعه واما إذا كان من قبيل المعاليل المترتبة على
عللها المغايرة لها في الوجود كالقاء النار المترتب عليه الاحراق مع تغايرهما في الخارج لمغايرة
مبدئيهما فبه فلا مجال فيه لد عوى خروجه عن محل البحث في وجوب مقدمة الواجب وانصافه بالوجوب
النفسي المتعلق بمسببه فان ملاك البحث المزبور مشترك فيه بينه وبين سائر المقدمات كما هو ظاهر
173

ولذا كان النزاع في وجوب المقدمة السببية قليل الجدوى كما افاده السيد
المرتضى (قده)
ثم إن الظاهر أن الثواب المترتب على اتيان الواجب الغيري بقصد التوصل
متحد (1) مع الثواب المترتب على نفس الواجب النفسي غاية الأمر ان الثواب يزيد
عند اتيان المقدمة بقصد التوصل وتكون الإطاعة من حين الشروع بالمقدمة (وتوهم)
تعدد الثواب من جهة المقدمة وذيها تمسكا بالآية المباركة الدالة على ترتب الثواب
على المسافرة مع النبي صلى الله عليه وآله مقدمة للجهاد في وقعة تبوك مع أنه لم يترتب
الجهاد على المسافرة في تلك الوقعة (فاسد) فان اظهار جلالته صلى الله عليه وآله بالمسافرة معه
من أعظم العبادات في حد نفسه ولا د خل لكون المسافرة مقدمة للجهاد في ذلك أصلا
فالثواب عليها من قبيل الثواب على العبادة النفسية لا الغيرية
الأمر الثاني ربما يشكل الامر في الطهارات الثلاث من وجهين (الأول) انه لا
اشكال في ترتب الثواب على الطهارات الثلاث وفى كونها عبادة مع أن الامر الغيري
المتعلق بالمقدمة لا يكون الا توصليا ولا يترتب ثواب على امتثاله (وفيه) ما عرفت من أن
المقدمة إذا اتى بها بداعي التوصل إلى ذي المقدمة وامتثالا لامره فلا محالة يكون
عبادة ويترتب عليه الثواب (الثاني) انه لا اشكال في أن الطهارات الثلاث بما انها عبادة
أخذت مقدمة للصلاة مثلا وليس حالها حال بقية المقدمات في كون مطلق وجودها في

1 - الظاهر أن الاتيان بالمقدمة بداعي التوصل إلى الواجب نفسي يوجب استحقاق
الثواب عليه غير الثواب المترتب على اتيان الواجب النفسي وذلك لان الاتيان المزبور
بنفسه ومع قطع النظر عن رتب الواجب النفسي عليه مصداق لتعظيم المولى وجرى
من العبد على طبق عبودية نعم ترك المقدمة لا يزيد على الهتك المتحقق بترك الواجب
النفسي فلا يترتب العقاب على ترك المقدمات زائدا على العقاب المترتب على ترك الواجب
المتوقف عليها ولافرق فيما ذكرناه بين القول بوجوب المقدمة والقول بعدمه
174

الخارج مقدمة سواء اتى بها عبادة أم لا فلا اشكال في توقف الامر الغيري على عباديتها
وحينئذ فحيث ان العبادية تحتاج إلى وجود الامر فاما أن يكون الموجب لها تعلق الامر
الغيري بها فيلزم الدور أو يكون الموجب لها تعلق الامر النفسي بأنفسها في حد ذواتها
وهو أيضا باطل لأنه لا يتم في خصوص التيمم الذي لم يدل (1) دليل على كونه مطلوبا
في حد ذاته " أولا " مع أن الامر النفسي الاستحبابي ينعدم بعروض الوجوب " ثانيا "
مع أنه يصح الاتيان بجميع الطهارات بقصد الامر النفسي المتعلق بذيلها من دون التفاوت
إلى الامر النفسي المتعلق بها " ثالثا " فليس حالها حال صلاة الظهر والصوم بالإضافة إلى
صلاة العصر والاعتكاف المتوفقين على تحققهما في الخارج مع أنهما أمر بهما لأنفسهما
ولذا لا اشكال في فساد هما لو لم يقصد امرهما بل قصد الامر النفسي المتعلق بما يتوقف
عليهما أعني صلاة العصر والاعتكاف وهذا بخلاف الطهارات الثلاث فإنه لا اشكال في
صحتها فيما لو اتى بها بقصد الامر النفسي المتعلق بما يتوقف عليها ولو كان ذلك مع
عدم الالتفات إلى محبوبيتها ومطلوبيتها في حد ذواتها ومنه ظهران ما أجاب به صاحب الكفاية
(قده) عن الاكتفاء بالامر الغيري في الصحة من أن الامر الغيري لا يدعو الا إلى ما هو
المقدمة فيتحقق قصد الامر النفسي أيضا ضمنا فاسد فان قصد الامر النفسي على الفرض
مقوم للمقدمة فكيف يصح قصد الامر الغيري بدونه والا فلا بد من الالتزام بصحة صلاة
الظهر والصوم في فرض قصد أمر العصر والاعتكاف مثلا وهو واضح البطلان (والتحقيق)
في الجواب عن الاشكال ان يقال إنه لا وجه لحصر منشأ عبادية الطهارات الثلاث في
الامر الغيري وفى الامر النفسي المتعلق بذواتها بل هناك أمر ثالث وهو الموجب لكونها عبادة
(بيان ذلك) ان الامر النفسي المتعلق بالصلاة مثلا كما أن له تعلقا باجزائها وهو موجب
لكونها عبادة لا يسقط امرها الا بقصد التقرب فكذلك (2) له تعلق بالشرائط المأخوذة
فيها فلها أيضا حصة من الامر النفسي وهو الموجب لعباديتها فالموجب للعبادية في الاجزاء
والشرائط على نحو واحد

1 - لا يبعد استفادة استحباب التيمم في نفسه لفاقد الماء من قوله ع التيمم أحد الطهورين
بضميمة الاطلاقات الدالة على استحباب الطهر في نفسه
2 - قد عرفت فيما تقدم ان الامر المتعلق بالمقيد لا يكون له تعلق بنفس القيد أصلا
والا لم يبق فرق بين الاجزاء والشرايط ولزم استحالة اتصاف الشرايط بالوجوب الغيري
كاستحالة اتصاف الاجزاء به فالتحقيق في الجواب ان يقال إن الواجب المشروط بالطهارات
الثلاث بما انه يتوقف عليها بما هي عبادة فالامر الغيري المتعلق بها وإن كان يتوقف على
كونها عبادة الا ان كونها عبادة لا يتوقف على تعلق الامر الغيري بها بل هو متوقف على أحد أمرين على
سبيل منع الخلو أحدهما قصد الامر النفسي المتعلق بها مع قطع النظر عن مقدميتها
للواجب وهذا يتوقف على وجود الامر النفسي هو ثابت في الغسل بلا اشكال وفى الوضوء
أيضا على المختار بل لا يبعد ثبوته في التيمم أيضا كما مرو ثانيهما قصد التوصل بها إلى
الواجب فإنه أيضا كما عرفت موجب لوقوع المقدمة عبادة ولو لم نقل بوجوبها شرعا
قال اتى بالطهارات بقصد التوصل بها إلى الواجب قد أوجد المقدمة في الخارج وان
لم يكن ملتفتا إلى الامر النفسي المتعلق بها وقاصدا لامتثال كما أن الآتي بها بقصد امرها
النفسي موجد للمقدمة أيضا ولم يلتفت إلى المقدمية فان الامر الاستحبابي ولو فرض
تبدله بالامر الوجوبي لزوال حد الاستحباب بعروض الوجوب الغيري الا ان ذات الطلب
الاستحبابي موجود في ضمن الطلب الفعلي لا محالة كما هو الحال في جميع موارد
الاشتداد وتبدل الضعيف بالقوى فتحصل ان لزوم الاتيان بالطهارات الثلاث عبادة لم ينشأ من
ناحية امرها الغيري بل من جهة كون المقدمة عبادة ولو لم نقل بوجوبها الغيري أصلا و
ان شئت قلت إن الواجب المشروط بالطهارة يتوقف حصوله في الخارج على تحقق الافعال
الخارجية وقصد التقرب بها من المولى فالمقدمة منحلة إلى ذات الفعل وقصد التقرب بها
فإذا اتى بالافعال في الخارج ولم يقصد به التقرب بها من المولى فلم توجد المقدمة في
الخارج فلا تصح العبادة المشروطة بها واما إذا قصد بها التقرب سواء كان ذلك من جهة
قصد امتثال الامر النفسي المتعلق بها أو من جهة تقصد التوصل بها إلى العبادة المشروطة
بها فالمقدمة قد وجدت في الخارج وتصح معه العبادة المشروطة بها ولا يفرق في ذلك
بين القول بوجوب المقدمة والقول بعدمه
175

فان قلت ما الفرق بين الطهارات الثلاث وبقية الشروط في أن الامر النفسي
أوجب عباديتها دون غيرها مع أن تعلق الامر النفسي بجميعها على نحو واحد (قلت)
الفارق هو ان الغرض في خصوص الطهارات الثلاث أعني به رفع الحدث لا يكاد يحصل
الا إذا اتى بها عبادة دون بقية الشرائط ولامانع من اختلاف الشرائط في هذه الجهة
بل لا مانع من اختلاف الاجزاء أيضا بالعبادية وعد مها في مرحلة الثبوت وان
لم يتفق ذلك في مرحلة الاثبات (فتحصل) ان توقف الامر الغير في الطهارات الثلاث
176

على عباديتها مسلم الا أن توقف عباديتها على الامر الغيري أو على الامر النفسي
الاستحبابي المتعلق بأنفسها ممنوع بل العبادية متوقفة على الامر النفسي المتعلق بالمشروط
بها فلا اشكال ولعمري دفع الاشكال بما ذكرنا واضح ومن العجب ان العلامة الأنصاري
(قده) اعتنى بالاشكال غاية الاعتناء ولم يأت بجواب صحيح كما يظهر لمن راجع كتاب
الطهارة والتقريرات
(تنبيه)
لا اشكال في صحة الوضوء والغسل بداعي محبوبيتهما وامتثال الامر النفسي
المتعلق بأنفسهما قبل دخول وقت الواجب المشروط بهما كما أنه لا اشكال في صحة
الاتيان بهما قبل الوقت بداعي امتثال الامر النفسي الاستحبابي المتعلق بالمشروط بهما
صحة أو كمالا واما بعد دخول وقت الواجب النفسي المشروط بالطهارة فان اتى بهما
بداعي الامر النفسي المتعلق بذلك الواجب النفسي المشروط بالطهارة فلا اشكال في
الصحة أيضا كما عرفت
وان اتى بهما لا بداع التوصل إلى ذلك الواجب
بل بداع آخر ولم يكن له داع إليه فعلا فالحق صحتهما أيضا لان الامر النفسي الاستحبابي
المتعلق بهما وإن كان مندكا (1) في ضمن الامر النفسي المتعلق بهما في ضمن الامر بالمقيد
بالطهارة الا ان المعدوم هي المرتبة الاستحبابية واما ذات الطلب فهي باقية عند
الاشتداد والتبد ل إلى مرتبة أكيدة أيضا فيصح الاتيان بهما بداعي ذات الطلب الموجود
في تلك المرتبة الاستحبابية وإن كانت تلك المرتبة زائلة ومتبدلة إلى مرتبة أخرى
أكيدة (هذا) حال الامر الاستحبابي مع الامر الوجوبي النفسي الضمني واما مع الامر

1 - اندكاك الامر الاستحبابي في الامر الوجوبي عند عروض الوجوب على ما كان مستحبا
في نفسه مبنى على أن يكون التمايز بينهما في الاختلاف في المرتبة بعد اشتراكهما
في جامع الطلب واما بناء على ما تقدم من كون التمايز ناشئا من الاختلاف في الملاك
المستلزم للترخيص في الترك تارة ولعدم الترخيص فيه أخرى من دون أن يكون الطلب في
أحدهما أضعف من الاخر فلا تبدل في المرتبة أيضا ليندك أحدهما في الاخر نعم عنه عند عروض
الوجوب لحدوث الملاك الملزم بعد ما لم يكن يتبدل الترخيص في الترك بعدم الترخيص
فيه لكنه أجنبي عن التبدل في نفس الحكم واندكاك الاستحباب في ضمن الوجوب
177

الوجوبي الغيري فلا تبدل أصلا بل كلاهما موجودان بالفعل ولا تنافي بينهما (توضيح
ذلك) ان في الوضوء والغسل بعد فعلية وجوب ما يتوقف عليهما ثلاث جهات (الأولى)
كونهما مطلوبين بالطلب الاستحبابي النفسي (الثانية) كونهما (1) مطلوبين بالطلب
النفسي الوجوبي الضمني (الثالثة) كونهما مطلوبين بالطلب الغيري الوجوبي وعند اجتماع
الجهات تندك الجهة الأولى في الثانية دون الثالثة (والضابط) ان الامر الوجوبي إن كان
متعلقا بعين ما تعلق به الامر الاستحبابي فلابد وان يندك أحدهما في الاخر فيتحصل منهما طلب
واحد أكيد لامتناع اجتماع المثلين في موضوع واحد (واما) إذا كان أحدهما في
طول الاخر ومتعلقا بالفعل المأتى به بداعي الأمر الأول بان يكون المأمور به في الأمر الثاني
هو الفعل المقيد بكون الداعي له هو الأمر الأول فيتعدد الموضوع فلا اشكال
(مثال الأول) تعلق النذر بفعل مستحب في حد ذاته كصلاة الليل مثلا فان الصلاة
لرجحانها ذاتا وتعلق النذر بها تكون واجبة لا محالة ويندك الامر الاستحبابي في الوجوب
ويكتسب الامر الاستحبابي ما كان فاقده وهو تأكد الطلب كما أن الامر الوجوبي الناشئ
من قبل النذر يكتسب من الامر الاستحبابي ما هو فاقده وهى تعبدية الامر فتكون
نتيجة امتزاج أحد الامرين بالآخر وجوبا واحدا نفسيا تعبديا (ومثال الثاني) الإجارة
على صلاة الليل عن ميت أو عن حي بناء على الجواز فان الامر الاستحبابي متعلق باتيان
العمل عن الغير بدلا عنه وبداعي امتثال الامر المتعلق به (2) فهو متعلق بذات العمل

1 - قد عرفت ان الامر بالمشروط لا يتعلق بنفس الشرط ليتكلم في أن الامر الاستحبابي
المتعلق بالشرط كالطهارات في محل الكلام هل يندك في ضمن الامر الوجوبي المتعلق
بالواجب المشروط بها أولا
2 - لا يخفى ان الامر المتعلق بكل مكلف انما يمكن امتثاله في الخارج من ذلك المكلف
ولا معنى لامتثال غير المكلف التكليف المتوجه إلى شخص آخر خصوصا فيما إذا فرض
سقوط ذلك التكليف بموت أو بغيره فلا وجه لدعوى ان النائب لابد له ان يقصد امتثال
الامر المتعلق بالمنوب عنه بل اللازم على النائب ان يقصد في عمله امتثال الامر المتوجه
إليه المتعلق باتيان العمل عن الغير سواء كان ذلك الامر وجوبيا أو كان استحبابيا ثم إن
الامر الاستحبابي المتعلق بالنيابة في العبادات بما انه عبادي فهو متعلق بذات العمل الصادر
نيابة عن الغير وبصدوره عن داع قربى وبما ان المفروض تعلق الامر الناشئ من قبل
الإجارة بذلك أيضا فمتعلق أحدهما عين متعلق الاخر فيكون الحال في موارد الاستيجار
كالحال في موارد تعلق النذر بعبادة مستحبة في نفسها ويترتب على ذلك صحة العبادة الاستيجارية
إذا اتى بها بداعي امتثال الناشئ من قبل الإجارة أيضا ولو كان الآتي بها غافلا عن
تعلق الامر الاستحبابي بالنيابة في نفسها ومما ذكرناه يظهر الحال في المقام وفى ما إذا
كان واجب نفسي مقدمة الواجب نفسي آخر
178

بخلاف الامر الوجوبي الناشئ من الإجارة فإنه متعلق باتيان الصلاة بداعي امتثال امرها
الأول فقد اخذ الأمر الأول في موضوع الأمر الثاني فلا يعقل تبدل أحدهما بالآخر
لكونه في طوله كما هو الحال في الامر الوجوبي المقدمي الناشئ من قبل الامر بصلاة
العصر المتعلق باتيان الظهر بداعي امرها ولذا لا اشكال في فساد صلاة الظهر
لو اتى بها بداعي امتثال الامر بالعصر في فساد العبادة الاستيجارية إذا اتى بها بداعي
امتثال الامر الناشئ من قبل الإجارة ففيما فيه حيث إن الامر النفسي الضمني
متعلق بنفس ما تعلق به الامر الاستحبابي فلا مناص عن اتحادهما بخلاف الامر
الغيري المترشح من الامر بذى المقدمة فإنه في طوله متعلقه هو العمل المأتى به
بداعي الأمر الأول هو توصلي محض فلا اتحاد له مع الامر النفسي الاستحبابي العبادي
أصلا والعجب من العلامة الأنصاري (قده) انه خلط الوجوب الغيري بالوجوب الضمني
فحكم في المقام باتحاد الامر النفسي الاستحبابي مع الامر الغيري المترشح واندكاكه
فيه مع أنهما طوليان فتدبر في أطراف ما ذكرناه فإنه دقيق وبه حقيق (فتحصل) من
جميع ما ذكرناه امران (الأول) ان الأوامر الغيرية المتعلقة بالطهارات الثلاث لا توجب
عباديتها وترتب الثواب عليها الا إذا كان الاتيان بها بقصد التوصل إلى غاياتها فان
الامر الغيري حيث إنه في هوية ذاته متقوم بالغير فلا محركية له بنفسه بل محركيته
بعين محركية الامر النفسي المتعلق بالغاية ففي فرض عدم قصد التوصل لا يكون الامر
النفسي محركا فلا يكون الغيري محركا أيضا ولعل ما ذكرناه ارتكازي في نفوس العقلاء
بداهة ان المولى إذا أمر عبده بتحصيل الدراهم لاشتراء اللحم فحصلها لاشتراء شئ
آخر فلا يعد هذا العبد ممتثلا لأمر وعاصيا لاخر واما الاستدلال بذلك لأصل المطلب كما
عن العلامة الأنصاري (قده) ففي غير محله (1) فان فهم العرف انما يكون حجة في

1 - الاستدلال المزبور انما هو من جهة الحكم العقل وادراكه الارتكازي الذي لا يختص
بمقام دون مقام وليس مبنيا على الفهم العرفي المختص حجيته بمباحث الألفاظ ليورد عليه
بما أفيد في المتن
179

مباحث الألفاظ والمسألة المبحوث عنها في المقام عقلية نعم يكون فهم العرف مؤيدا
للبرهان وكاشفا عن إرتكازيته كما ذكرنا (الثاني) انه يكفي في عبادية الطهارات
الثلاث قصد المحبوبية الذاتية والمطلوبية الاستحبابية ولو كان ذلك بعد اتصافها بالوجوب
المقدمي بد خول وقت الواجب النفسي وذلك لما مر من أن ذات الطلب الاستحبابي
لا ينعدم بعروض الوجوب النفسي غاية الأمران حد المرتبة الاستحبابية يزول
بعروض الوجوب في مورده وما ذكرناه جار في مقام مراتب الاشتداد وغير مختص بمقام
مخصوص واما ما افاده المحقق السيد الطباطبائي (قده) في العروة من أنه لا مانع من
بقاء الاستحباب بعد عروض الوجوب لامكان اجتماع الحكمين من جهتين على ما قواه
(قده) من جواز اجتماع الامر والنهى فغير سديد فان محل الكلام في مبحث اجتماع
الامر النهى هو ما إذا كانت تقييدية لا تعليلية والمقام من قبيل الثاني (والضابط
الفارق) بينهما ان الجهات إذا كانت بحث يمكن تعلق الإرادة التكوينية بكل منها
مستقلا كما في الصلاة والغصب فالجهات تقييدية والا فهي تعليلية وجهات الحسن والقبح
التي تترتب على الافعال الخارجية وتكون داعية إلى جعل الحكم على طبقها من القسم
الثاني فإذا فرضنا ان في الفعل الواحد مصلحة من جهة ومفسدة من جهة أخرى فلا
اشكال في عدم جواز اجتماع الامر والنهى فيه بالجهتين لا وله إلى اجتماع الضدين
بالبداهة (بالجملة) المراد من الجهات في بحث اجتماع الامر والنهى هي التي بها
تتعدد المتعلقات ويكون متعلق كل حكم أمرا مغاير المتعلق الآخر واما تعدد الجهات
التي هي من قبيل الدواعي مع وحدة المتعلق فهو أجنبي عن ما هو محل البحث في
تلك المسألة بالكلية فالوضوء مثلا بما أنه فعل واحد لا يمكن اتصافه بحكمين ولو
بداعيين هذا مع أن الجهة التعليلية في المقام أيضا واحدة (1) ضرورة ان الداعي
إلى طلبه هو رفع الحدث واحد لا تعدد فيه فما نحن فيه أجنبي عن باب تعدد الدواعي
أيضا (بقى في المقام شئ) هو ان المكلف إذا اتى بالطهارات الثلاث بداعي التوصل

1 - ارتفاع الحدث المترتب على الوضوء وإن كان أمرا واحدا الا ان الداعي إلى طلبه
امران أحدهما كونه محبوبا في ذاته الثاني توقف الواجب الفعلي عليه فلا وجه لما
أفيد في المتن من كون الجهة التعليلة واحدة
180

بها إلى غاياتها ولكنه بدا له بعد ايجادها عن الاتيان بغاياتها فهل عدم الاتيان بها
خارجا يمنع عن حصول الإطاعة بها وامتثال أو امرها أولا اما على القول بالمقدمة الموصلة
فلا اشكال في أن عدم الايصال الخارجي يكشف (1) عن عدم تعلق الوجوب بها من
أول الأمر تعلق الامر بها تخيلا من الفاعل واما بناء على عدم اعتبار الايصال في
الاتصاف بالوجوب كما هو الأقوى فيظهر من بعض اعتباره في العبادية وترتب الثواب على
المقدمة ولكنه خلاف التحقيق لما عرفت من أن المحرك في فرض قصد التوصل هو
الامر النفسي وبما ان الاتيان بها في هذا الفرض انما كان بتحريك الامر النفسي وبداعي
اطاعته ولا يعتبر في العبادة أزيد من كونها بداعي الامر وبتحريكه فلا مناص
عن الحكم بالصحة في مفروض الكلام فان الشيئ لا ينقلب عما وقع عليه والبداء بعد
العمل لا يغير ما وقع عبادة عما هو عليه
المبحث الخامس
" في تقسيم الواجب إلى تعييني وتخييري "
فالأول ما لابد له فلا يسقط امره باتيان غيره بخلاف الثاني فإنه يسقط امره
باتيان بدله ولا اشكال في وقوعه في الشرعيات والعرفيات انما الاشكال في تعقل كنهه وشرح
حقيقته من جهة ان الإرادة التي هي من الصفات النفسانية لابد وأن يكون متعلقها أمرا
معينا غير مبهم فلا يعقل تعلقها بماله بدل وما هو مردد بين الامرين (والوجوه) التي
يتفصى بها عن الاشكال أمور
(الأول) ان امتناع الابهام وعدم التردد في متعلق الإرادة يختص بالإرادة التكوينية
ولا يعم التشريعية
(الثاني) ان الغرض من الواجبين حيث إنه واحد فلا محالة يكون

1 - عدم ترتب الواجب النفسي على الطهارات وإن كان يكشف عن عدم انطباق الواجب
الغيري عليها بناء على ما هو الصحيح من اختصاص الوجوب الغيري بالمقدمة الموصلة الا انه
لا يكشف عن فسادها بعد فرض كونها محبوبة من غير جهة توقف الواجب النفسي عليها
أيضا وحصول التقرب بها خارجا
181

المؤثر فيه أيضا واحدا وهو الجامع بين الفعلين فيكون التخيير بينهما في الحقيقة
تخييرا عقليا
(الثالث) ان الواجب هو الجامع العنواني الانتزاعي وهو مفهوم أحدهما الصادق
على كل منهما وهذا الوجه في طول الثاني ومترتب على عدمه والا فلو أمكن وجود جامع
حقيقي يتعلق به التكليف فلا تصل النوبة إلى الجامع الانتزاعي ابدا
(الرابع) ان كل واحد من الواجبين واجب تعيينا الا ان أحدهما يسقط بفعل
الآخر وهذا الوجه بظاهره لا يمكن التفوه به الا ان الظاهر أن مراد القائل به هو
ان هناك غرضين متزاحمين لا يمكن جمعهما في الوجود الخارجي ولاجله تقع المزاحمة
بين الامرين فيكون كل منهما مشروطا بعدم الاتيان بمتعلق الآخر والتزاحم في المقام
وإن كان يغاير التزاحم في مقام الامتثال في أن التزاحم في المقام انما نشأ من عدم امكان
اجتماع الملا كين وجودا والا فالمكلف قادر على ايجاد كلا الفعلين في الخارج واما
التزاحم في مقام الامتثال فهو انما ينشأ عن عجز المكلف عن امتثال التكليفين من دون
أن يكون هناك تزاحم في الملاك أصلا (الا ان نتيجة التزاحم في كلا المقامين) هو
اشتراط خطاب كل منهما بعدم وجود متعلق الآخر
(الخامس) (1) أن يكون الواجب هو الواحد المعين من الفعلين أو الافعال وهو
الذي يعلم الله تبارك وتعالى ان العبد هو لظهور (2) فساده غير قابل للتصدي
لجوابه والأقوى من هذه الوجوه هو الوجه الأول (توضيحه) ان كل ما فرض اعتباره

1 - وهناك وجه سادس هو أن يكون الواجب كل منهما تعيينا ويكون الاتيان بواحد
منهما في الخارج موجبا لسقوط الاخر أيضا بحكم المولى ارفاقا وتسهيلا على المكلفين
ويرد عليه أو لا انه خلاف الوجدان في موارد الواجبات التخييرية وثانيا انه يستلزم تعدد
العقاب عند عصيان الوجوب التخييري وعدم الاتيان بشئ من الفعلين وهو خلاف المفروض
2 - إذ يرد عليه أولا ان التكليف بالمعين خلاف ظواهر الأدلة الدالة على الوجوب
التخييري وثانيا انه ينافي الاشتراك في التكليف المقطوع به من الأدلة وثالثا انه إذا
فرض عصيان المكلف وعدم اتيانه بشئ من الفعلين فما ذا يكون متعلق التكليف التخييري
وبما انه لا تعين له في هذا الفرض لا يكون له تعيين في فرض الامتثال أيضا ضرورة ان
الامتثال والعصيان انما يتعلقان بشئ واحد
182

في الإرادة التكوينية فإن كانت معتبرا فيها لا لخصوصية كونها تكوينية بل لكونها
إرادة (1) فهو معتبر في التشريعية أيضا لا محالة بخلاف ما إذا كان اعتباره فيها لأجل
خصوصية كونها تكوينية فلا يعم التشريعية قطعا ولا بأس في افتراقهما في بعض الأمور
مثلا تنقسم الإرادة التشريعية إلى تعبدية وتوصلية باعتبار انها ان سقطت بفعل المأمور
به وان لم يقصد به التقرب فهي توصلية والا فتعبدية وهذا الانقسام من خواص الإرادة
التشريعية التي تتعلق بفعل الغير ولا يعم التكوينية بالضرورة وكذا يمكن تعلق الإرادة
التشريعية بالكلى الملغى عنه الخصوصيات الفردية والصنفية بل هي كذلك دائما غاية الأمر
انه يختلف دائرة الكلى المتعلق به الإرادة سعة وضيقا وهذا بخلاف الإرادة
التكوينية فإنها لكونها علة الايجاد السراد لا تتعلق الا بالشخص لامتناع ايجاد الكلى في
الخارج إلا في ضمن فرده (والذي) يترجح في النظر أن يكون امتناع تعلق الإرادة
التكوينية بالمردد وماله بدل من لوازمها خاصة ولا يعم التشريعية فان الغرض المترتب
على كل من الفعلين إذا كان أمرا واحدا كما هو ظاهر العطف بكلمة (أو) ولو كان
عطف جملة على جملة كما هو الغالب أو عطف مفرد على مفرد فإنه بحسب مقام الاثبات
الموافق لمقام الثبوت يدل على أن هناك غرضا واحدا يترتب على واحد من الفعلين

1 - قد عرفت فيما تقدم انه لا موجب لتسرية احكام إرادة التكوينية إلى الحكم المجعول
أصلا واما امكان تعلق الطلب بأحد الفعلين أو الافعال على البدل كما أفيد فهو الصحيح
الذي لا ينبغي الريب فيه ضرورة انه لا يعتبر في متعلق الوجوب الذي قد عرفت انه أمر
اعتباري أن يكون من الكليات المتأصلة بل يجوز أن يكون من الكليات الانتزاعية
فإذا فرض ترتب غرض واحد على أحد الفعلين أو الافعال على البدل فلابد وأن يكون
متعلق الايجاب أيضا كذلك هذا مع أنه يمكن تعلق الصفة الحقيقية بأحد الامرين أو الأمور
أيضا فإذا علمنا اجمالا بعدالة أحد الرجلين مع احتمال عدالة الاخر أيضا وفرضنا في
الواقع عدالة كل منهما فبما ان المعلوم بالاجمال لا تعين له في الواقع بالضرورة لان نسبة
العلم الاجمالي إلى كل منهما على حد سواء وليست كلتا العدالتين المتحققتين في الواقع
معلومتين على الفرض وليست العدالة الكلية الجامعة متعلقة للعلم إذا المفروض كون إحدى
الخصوصيتين معلومة على الاجمال فلا مناص من الالتزام بكون متعلق العلم إحدى العدالتين
على نحو الا بهام والتردد فإذا أمكن ذلك في الصفات الحقيقية ففي الاعتبارية بطريق أولي
183

على البدل فلابد وان يتعلق طلب المولى بأحدهما على البدل أيضا لعدم الترجيح بينهما
وليس هنا ما يتوهم كونه مانعا عن تعلق الطلب بشيئين كذلك لا ثبوتا ولا اثباتا الا ما تقدم
من دعوى امتناع تعلقه بالمبهم والمردد وقد عرفت انه يختص بالتكوينية التي
لا ينفك المراد عنها ويوجد بها فلابد وأن يكون متعلقا أمرا معينا شخصيا فيوجد
بها في الخارج
واما الوجه الثاني ففيه ان وحدة الغرض وإن كانت كاشفة عن وحدة المؤثر
لا محالة (1) لامتناع صدور الواحد عن الكثير الا انها لا توجب كون التخيير عقليا و
تعلق الطلب بالجامع الملاكي المستكشف تحققه بالبرهان لا يكفي في جواز تعلق
التكليف به بل لابد فيه من أن يكون الجامع جامعا عرفيا يمكن ان يقع فيه حيز الخطاب
حتى يخير العقل بين افراده فالتخيير العقلي يحتاج إلى مقدمة ثالثة وهى وجود الجامع العرفي
والمفروض انه غير محقق في المقام
واما الوجه الثالث فهو في نفسه وإن كان لا مانع من الالتزام به ضرورة ان
مفهوم أحد الشيئين وان لم يكن من العناوين الانتزاعية التي يكون منشأ انتزاعها
موجودا فعلا كمفهوم المتقدم والمتأخر لكنه ليس من العناوين الانتزاعية الفرضية غير
القابلة لتعلق التكليف بها أيضا بل هو من العناوين التي يمكن فرض منشأ انتزاعها
ليكون التكليف المتعلق بها متعلقا بمنشأ انتزاعها وعليه فيمكن فرض منشأ انتزاع له
بفرض شيئين أو أشياء توجيه التكليف إليه الا انك بعد ما عرفت امكان تعلق التكليف (2)
بواقع أحدهما تعرف ان توسيط العنوان الانتزاعي في تعلق الخطاب يكون لغوا وغير

1 - قد عرفت فيما تقدم ان امتناع صدور الواحد من الكثير انما يختص بصدور الواحد
الشخصي من الكثير واما الواحد النوعي فلا مانع من صدور فرد منه من شئ وصدور
فرد آخر منه من شئ آخر من دون أن يكون بينهما جامع حقيقي أصلا
2 - لا يخفى ان ما ذكرناه من امكان تعلق الطلب بأحد الفعلين أو الافعال على البدل
متحد مع هذا الوجه بعينه واما ما أفيد في المتن من امكان تعلقه بواقع أحد الفعلين أو الافعال
فان أريد منه الواقع المعين الذي يختاره المكلف خارجا فالالتزام بتعلق التكليف به متحد
مع الالتزام بالوجه الخامس الواضح بطلانه وان أريد منه غيره فلا واقع لعنوان أحدهما
ليلتزم بجواز تعلق التكليف به دون نفس العنوان
184

محتاج إليه
واما الوجه الرابع ففيه ان الاشتراط في الخطاب لأجل التزاحم في مقام الامتثال
وإن كان أمرا ممكنا كما التزمناه في التزاحم الخطابي الا ان فرض التزاحم بين الملا كين
وامتناع وجود الغرضين في الخارج مع قدرة المكلف على ايجاد كلا الفعلين في الخارج
من باب فرض أنياب الأغوال وظاهر الدليل يدفعه (1) لعدم تعليق كل من الخطابين على
عدم الاتيان بمتعلق الآخر بإحدى أدواة الشرط بل ظاهر العطف بكلمة (أو) وحدة
الغرض كما عرفت مضافا إلى أن القول بالاشتراط حتى في التزاحم الخطابي مبنى على
امكان الترتب كما هو الأقوى ولا يمكن الالتزام به ممن يرى استحالة الترتب كالمحقق
صاحب الكفاية " قده " بل إن القول بالاشتراط في التزاحم الخطابي لا يستلزم القول به في
المقام أصلا فان الملاكين فيما نحن فيه على الفرض متزاحمان (2) في الملاكية ومن

1 - يرد على هذا الوجه مضافا إلى ما أفيد في المتن أولا ان التضاد بين الغرضين إن كان
بمعنى انه مع وجود أحدهما في الخارج لا يبقى مجال لاستيفاء الاخر بعده واما استيفاء
الغرضين معا فهو بمكان من الامكان فلازمه ان يأمر المولى بايجاد الفعلين معا المترتب على
كل منهما غرض الزامي على الفرض وهذا ينافي كون الوجوب تخييريا حتى فيما أمكن
المكلف ان يجمع بين الفعلين وإن كان بمعنى استحالة تحقق الغرضين واستيفائهما في الخارج
حتى في فرض مقارنة أحد الفعلين للاخر فهو يستلزم عدم تحقق الامتثال فيما إذا اتى المكلف
بالفعلين معا لاستحالة وجود الغرضين معا لتضاد هما ووجود أحدهما دون الاخر لامتناع
الترجح بلا مرجح وهو واضح البطلان وثانيا ان لازم الالتزام بوجود الغرضين الالزاميين
في موارد الوجوب التخييري هو الالتزام بتعدد العقاب عند عدم الاتيان بشئ من الواجبين
معا بناء على ما هو الصحيح كما ستعرف من لزوم الالتزام به في موارد تزاحم الخطابين
مع أنه ظاهر الفساد في المقام
2 - لا يخفى ان التزاحم بين الملاكين انما يكون فيما إذا كان أحدهما مقتضيا لجعل حكم
على خلاف ما يقتضيه الاخر واما في المقام فلا تزاحم بين الملاكين في دعوة كل منهما
إلى جعل الحكم على طبق ما يقتضيه إذا المفروض انه لا مانع من جعل الحكمين الا امتناع
استيفاء كلا الملاكين في الخارج وسيجيئ ان لازم ذلك هو وجود خطابين مشروطين
لا خطاب واحد متعلق بأحد الفعلين مثلا على البدل
185

الواضح ان الملاك المزاحم بملاك آخر لا يصلح لان يكون داعيا إلى التكليف فلا
مناص من كون أحد الملاكين على البدل ملاكا فعليا وقابلا للدعوة فينتج خطابا واحدا
بأحد الشيئين على البدل لا خطابين مشروطين وهذا بخلاف التزاحم الخطابي فان كلا
من الملاكين فيه قابل للدعوة في حد نفسه وانما الممتنع وجود هما معا في الخادج لعدم
القدرة على ايجاد الفعلين الذين يترتب عليهما الملاك فلا محالة يكون التزاحم موجبا
لان يكون مشروطا بعدم الاتيان بمتعلق الاخر فالفرق بين التزاحم في المقامين في غاية
الوضوح فتدبر جيدا
(تتميم)
لا اشكال في امكان التخيير بين الأقل والأكثر إذا اخذ الأقل بشرط لا (1)
بمعنى انه يؤخذ بحيث يخرج عن قابلية لحوق الزائد عليه مثل الدخول في الركوع
في الاقتصار على التسبيحة الواحدة في الركعة الثالثة أو الرابعة أو رفع الرأس من
الركوع أو السجود في أذكار الركوع والسجود فأنه ما لم يخرج عن القابلية المذكورة
بالانتقال إلى غير محله لا يتصف بكونه بشرط لابل هو لا بشرط من جهة قابليته لا لحاق
الأكثر به فيكون جزءا للأكثر والكلام انما هو في وقوعه (والتحقيق) ان الذي يساعده
الدليل منحصر بالقصر والاتمام واما اذكار الركوع والسجود أو التسبيحة في الأخيرتين
فالظاهر من الأدلة ان الواجب منها هو الأقل فقط والزائد مطلوب استحبابا وليس من
باب التخيير بين الأقل والأكثر

1 - لا يخفى ان التخيير فيما إذا كان طرف التخيير هو الأقل المأخوذ بشرط لا وفيما
إذا كان الامر متعلقا بصرف وجود الطبيعة الصادق على الأقل تارة وعلى الأكثر أخرى
كما إذا أمر برسم الخط المستقيم الصادق على القصير والطويل وإن كان أمرا ممكنا
وواقعا في الشرعيات والعرفيات الا ان مرجع ذلك إلى التخيير بين المتباينين كما هو
ظاهر واما فيما إذا اخذ الأقل لا بشرط وكان وجوده في الخارج منحازا عما يلحقه
من الاجزاء الاخر فإذا فرض تحققه في الخارج فيحصل الغرض ويسقط الامر بحصوله ومعه
لا يبقى مجال لتخيير بنى الأقل والأكثر فامر الوجوب التخييري دائر بين أن يكون
متعلقا بالمتباينين وأن يكون مستحيلا
186

المبحث السادس
في الوجوب الكفائي
وتوضيح الحال فيه يحتاج إلى بيان مقدمة وهى ان الغرض من المأمور به
تارة يترتب على صرف وجود الطبيعة واخرى على مطلق وجودها الساري والأول منهما
يستتبع حكما واحدا متعلقا بصرف وجود الطبيعة فيكتفى في امتثاله بالاتيان بفرد واحد
وهذا بخلاف الثاني فان الحكم في مورده ينحل ويتعدد بتعدد افراد تلك الطبيعة ولا
يجتزى في مقام الامتثال بايجاد فرد منها مثلا إذا كان غرض المولى مترتبا على اكرام
صرف وجود العلم فالحكم المجعول في مورده يكون واحدا أيضا ولازمه جواز
الاكتفاء باكرام واحد من العلماء إذ لا معنى لبقاء وجوبه بعد حصول الغرض الداعي إلى
جعله واما إذا كان الغرض مترتبا على اكرام كل من يصدق عليه انه عالم فالحكم المجعول
في مورده يتعدد افراده فيتوقف امتثال حكم كل فرد على الاتيان
بخصوص متعلقه
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الغرض من المأمور به كما أنه يختلف باعتبار ترتبه على
صرف الوجود أو على مطلق الوجود كذلك يختلف بالإضافة إلى المكلف فتارة يترتب
الغرض على صدور الفعل من صرف وجود المكلف واخرى يترتب على صدوره من
مطلق وجوده وعلى الثاني فالوجوب يكون عينيا لا يسقط بفعل أحدهم عن الباقين
بخلاف الأول إذ المفروض فيه ان موضوع التكليف هو صرف وجود المكلف فبامتثال
أحد المكلفين يتحقق الفعل من صرف وجود الطبيعة فيسقط الغرض فلا يبقى مجال
لامتثال الباقين ومنه ظهر انه لو حصل الفعل من الجميع في عرض واحد لاستحق كل
واحد منهم ثوبا امتثال ذلك الامر كما لو كان منفردا لصدق صرف الوجود عليه كما أنه
عند مخالفة الجميع يستحق كما واحد منهم العقاب لتحقق مناطه فيه وهذا الوجه
الذي ذكرنا هو التحقيق في تصوير الوجوب الكفائي (واما ما قيل) من أن الخطاب
متعلق بكل واحد منهم عينا غاية الأمر انه مشروط بعدم فعل الاخر ففي الحقيقة هناك
خطابات متعددة بعدد اشخاص المكلفين كل منها مشروط بعدم صدور الفعل من الاخر
187

فهو وإن كان ممكنا (1) في حد ذاته ويترتب عليه النتيجة التي رمناها وهى استحقاق
كل منهم الثواب عند اشتراكهم في العمل الواحد في عرض واحد واستحقاقهم العقاب
على تقدير ترك الجميع وسقوط التكليف عن الباقين بامتثال بعضهم الا ان الغرض حيث إنه
واحد ومترتب على صرف الوجود فلابد وأن يكون الخطاب أيضا كذلك لأنه
يتبعه ويستحيل تخلفه عنه والا لكان بلا داع وغرض وهو محال ففرض قيام غرض واحد
بصرف الوجود مستلزم لفرض تعلق خطاب واحد به أيضا نعم إذا كان هناك ملاكات
متعددة ولم يمكن استيفاء جميعها وقع التزاحم في مقام الفعلية فيكون خطاب كل منهم
مشروطا بعدم فعل الاخر نظير ما إذا وقع التزاحم في المأمور به كانقاذ الغريقين فكما
ان نتيجة وقوع التزاحم في فرض عدم قدرة المكلف على ايجاد الواجبين معا هو
اشتراط كل من الخطابين بعدم تحقق الواجب الآخر ضرورة ان كلا منهما إذا كان واجدا
لملاك الالزام به بلا قصور فيه غاية الأمر ان المكلف لا يقدر على اسيتفاء الملاكين
معا فلا محالة يكون التكليف بكل منهما مشروطا بعدم تحقق الفعل الاخر كذلك تكون
نتيجة التزاحم في المقام وجود الخطابين على نحو الاشترط فإنه إذا كان هناك غرضان
يترتب أحدهما على فعل مكلف والاخر على فعل مكلف آخر ولم يمكن استيفائهما معا
فلا محالة يكون التكليف المتوجه إلى كل منهما مشروطا بعدم تحقق الفعل الاخر وساقطا
بامتثال أحد المكلفين عن الآخرين فإذا فرضنا شخصين فاقدي الماء وجدا في وقت
الصلاة ماء لا يكفي الا لوضوء أحدهما فبما ان ملاك وجوب الحيازة في كل منهما تام بلا نقصان
والمفروض انه لا يمكن استيفاء الملاكين معا لفرض عدم وفاء الماء الا بوضوء واحد
فلا محالة يكون الزام كل منهما بالحيازة مشروطا بعدم سبق الاخر فان سبق أحدهما

1 - إذا كان الواجب الكفائي مما يمكن صدوره عن كل واحد من المكلفين كالصلاة
على الميت فإن كان الترك المفروض كونه شرطا في تعلق وجوبه بكل واحد منهم هو
مطلق الترك ولو كان ذلك في برهة من الزمان قابلة للاتيان به فيها فاللازم عند تحقق
ذلك ان يجب على كل مكلف ان يأتي به ولو مع فرض اتيان غيره به وهو خلاف ما
فرض من سقوطه بفعل واحد منهم وإن كان الشرط هو الترك المطلق أعني به الترك في
جميع الأزمنة القابلة لتحقق الواجب فيها فاللازم عند صدور الفعل من الجميع في عرض
واحد ان لا يتحقق الامتثال منهم أصلا إذا لمفروض عدم تحقق الشرط على هذا التقدير
188

سقط التكليف عن الاخر كما أنه إذا تركاها معا استحق كل منهم العقاب (فرع) إذا كان
كل من واجدى الماء في الفرض المزبور متيمما فهل يبطل تيمم كل منهما أولا يبطل شئ
منهما أو يبطل واحد منهما على البدل الأقوى هو الأول (1) (وبيانه) ان في المقام
أمورا ثلاثة (الأول) الامر الوضوء (الثاني) الامر الحيازة (الثالث) القدرة على
الحيازة " لا اشكال " في أن الامر بالوضوء مترتب على الحيازة الخارجية وكون الماء
في تصرف المكلف واما الامر بالحيازة فقد عرفت انه مشروط بعدم سبق الاخر وحيازته
واما القدرة على الحيازة فهي بالقياس إلى كلا الشخصين المفروضين فعلية إذا المفروض
تمكن كل منهما على حيازة الماء في نفسه وعدم كفاية الماء المفروض الا لوضوء واحد
انما يكون منشأ لتحقق التزاحم في مقام فعلية الحيازة منهما خارجا واما فعلية قدرة
كان منهما على الحيازة فلا تزاحم فيها أصلا وبما ان بطلان التيمم لم يترتب في لسان
الدليل على الامر بالوضوء بل هو مترتب على وجدان الماء المتحقق في ظرف القدرة
على الحيازة فيبطل التيممان معا ومن الضروري ان تزاحم الخطابين في ناحية الوضوء
لا يستلزم التزاحم في ناحية الحكم ببطلان التيممين وبالجملة الحكم ببطلان كلا
التيممين إذا لم يترتب عليه محذور عقلي فلا مناص من الالتزام به لاطلاق ما دل على بطلان
التيمم بوجدان الماء المفروض تحققه في مفروض الكلام كما عرفت
المبحث السابع
في الموسع والمضيق
ينقسم الواجب باعتبار تحديد الامر له بزمان مخصوص وعدم تحدده له إلى

1 - بل الأقوى هو التفصيل بين صورتي سبق أحدهما إلى الحيازة وعدمه ففي الأولى
يبطل تيمم السابق فقط ويستكشف به عدم قدرة الاخر على الوضوء وبقائه على ما كان
عليه من عدم وجدانه الماء واما في الصورة الثانية فبما ان كلا من الشخصين المفروضين
قادر على حيازة الماء واستعماله من دون مزاحم فيبطل كل من التيممين والوجه فيما
ذكرناه هوان الامر بالوضوء وبطلان التيمم مترتبان في لسان الدليل على وجدان
الماء فإذا تحقق يترتب عليه كل من الاثرين كما أنه إذا لم يتحقق فلا يتحقق شئ منهما
فالتفصيل بين بطلان التيمم وعدم الامر بالوضوء كما أفيد في المتن لاوجه له
189

موقت وغير موقت (وينقسم غير الموقت) باعتبار لزوم الاتيان به فورا وعدمه إلى فورى
وغير فورى (وينقسم الموقت) باعتبار زيادة الوقت المحدد له على ما يفي من الزمان
باتيان الواجب فيه وعدم زيادته عليه إلى موسع ومضيق
وربما يستشكل في وجود الموسع تارة وفي المضيق أخرى (اما في الأول)
فبانه يستلزم جواز ترك الواجب في أول الوقت وهو ينافي وجوبه (وجوابه) ان
الغرض إذا كان مترتبا على صرف وجود الطبيعة من دون أي خصوصية فيهما فكما
انه لا يفرق بين افرادها العرضية في جواز الاتيان ببعض الافراد وترك الاخر كذلك
لا يفرق بين افرادها الطولية والملاك في كلا المقامين واحد وهو قيام الغرض بالطبيعة
من دون خصوصية في بعض الافراد (واما في الثاني) فبأن الانبعاث بما انه لابد وان
يتأخر عن البعث ولو آنا ما فلابد من فرض زمان يسع البعث والانبعاث أعني بهما الوجوب
وفعل الواجب ولازم ذلك زيادة زمان الوجوب على زمان الوجوب فإذا فرض تحقق وجوب
الصوم مثلا قبل الفجر مع فرض انه مشروط به فيلزم تقدم المشروط على شرطه المستلزم لتقدم
المعلول على علته وإذا فرض تحققه حين الفجر فلابد وان يتأخر الانبعاث عنه وآنا ما وهو خلاف
المطلوب إذ لازمه خلو بعض الزمان من الواجب فيه فلا بد وان يلتزم بتحقق الوجوب قبل الفجر
آنا ما ليكون الانبعاث أول وقت الواجب وبعدم اشتراط الوجوب بدخوله لئلا يلزم تقدم
المعلول على علته وذلك يستلزم عدم وجود المضيق (وجوابه) ان لزوم تقدم البعث
على الانبعاث وإن كان بديهيا الا ان تقدمه عليه ليس بالزمان بل بالرتبة بداهة انه لا يزيد
على تقدم العلل التكوينية على معلولاتها فإنه أيضا بالرتبة لا بالزمان فلا مانع من كون أول آن
الفجر زمان الوجوب والانبعاث كليهما نعم لابد (1) من أن بكون علم المكلف بحدوث الوجوب
عند الفجر متقدما على الفجر زمانا ليتمكن من الانبعاث حينه ولعل المستشكل خلط بين

1 - لا يخفى ان العلم بحدوث الحكم عند تحقق موضوعه كالعلم بوجوب الصوم عند
تحقق الفجر في المثال وإن كان متقدما زمانا على تحقق الموضوع وحكمه غالبا الا انه
ليس مما لابد منه من جهة توقف الانبعاث عند تحقق الموضوع على تقدم العلم بالبعث
عقلا ضرورة ان الترتب بين العلم بالحكم والعلم بترتب على مخالفته واختيار
الفعل خارجا فرارا عن العقاب طبعي لا زماني فجال العلم بالحكم حال العلم بالموضوع
في عدم اعتبار على تقدمه معلوله زمانا
190

تقدم العلم على الانبعاث وتقدم البعث عليه وقد عرفت ان اللازم هو الأول دون الثاني
هذا في العلم بالحكم واما العلم بالموضوع وهو العلم بالفجر في المثال فلا يعتبر تقدمه على
الموضوع زمانا كما هو ظاهر
ثم إن مقتضى القاعدة هل هو وجوب الاتيان بالموقت في خارج وقته إذا فات
في الوقت اختيارا أو لعذر أو انه يسقط بخروج الوقت فيه أقوال ثالثها التفصيل بين كون
القرينة متصلة أو منفصلة فيلتزم بالسقوط في الأول دون الثاني (1) (والحق هو) السقوط
مطلقا اما في القرينة المتصلة فظاهر واما في المنفصلة فلان القائل بعدم سقوط بدعوى
ان التقييد بالمنفصل لا يفيد الا كون المقيد مطلوبا على نحو التعدد في المطلوب فإذا
سقط أحدهما بقى الآخر على حاله ان ادعى ان ذلك هو مقتضى القاعدة في تمام
التقييدات سواء كان القيد زمانا أم زمانيا فهو سد لباب حمل المطلق على المقيد ولا يمكن
الالتزام به وان ادعى اختصاص ذلك بخصوص الزمان دون الزماني فهي دعوى بلا بينة
وبرهان مع وحدة الملاك في كلا المقامين وهو ظهور القيد في الركنية وتضييق دائرة
المطلوب الأول نعم إذا قام على وجوب القضاء في خارج الوقت (فيقع الكلام)
في أن ذلك الدليل هل يكون كاشفا عن بقاء الأمر الأول لكونه من باب التعدد في
المطلوب أو لكون القيد ركنا في حال الاختيار فقط أولا يكون الدليل كاشفا عن شئ
من الامرين بل يكون الامر بالقضاء أمرا جديدا حادثا بفوت الواجب الأول " والفرق "
بين الوجهين الأولين ان الملاك في تعدد المطلوب هو كون ذات الفعل مطلوبا في عرض
طلب القيد بطلب مستقل بحيث يكون هناك طلبان في عرض واحد بخلاف كون

1 - وهناك تفصيل آخر ذكره صاحب الكفاية قدس سره هو متين وحاصله ان
التقيد إذا كان لأجل القرينة المتصلة أو لأجل القرينة المنفصلة فيما كان لها اطلاق لحالتي
الاختيار والاضطرار فلا محالة يسقط الامر بخروج الوقت إذ لا معنى للامر بالمقيد بعده
مع عدم التمكن من امتثاله واما إذا لم يكن لها اطلاق وكان القدر المتيقن هو التقيد
بالوقت مع التمكن وفى حال الاختيار وكان لدليل الواجب اطلاق بالقياس إلى الاتيان
به في الوقت وفى خارجة فبعد خروج الوقت يؤخذ باطلاق دليل الواجب لفرض عدم المعارض
له في هذا الحال ويثبت الوجوب في خارج الوقت أيضا وهذا التفصيل يجرى في مطلق موارد
ثبوت التقييد بالقرينة المنفصلة من دون فرق بين كون القيد زمانا وكونه زمانيا
191

القيد ركنا في حال الاختيار فان الطلب فيه واحد غاية الأمر انه متعلق بالمقيد عند
التمكن وبالفاقد عند عدمه (والتحقيق) هو الوجه الثالث فان كلا من الوجهين الأولين
وإن كان ممكنا في مقام الثبوت الا انه خلاف الظاهر في مقام الاثبات فان ظاهر لفظ القضاء
هو تدارك ما فات في وقته ولا معنى للتدارك على كل من الوجهين فان بناء عليهما
يكون الفعل في خارج الوقت مأمورا به بنفس الأمر الأول ويؤيد ما ذكرناه ثبوت القضاء
في الحج والصوم المنذورين مع أن الوجوب في النذر تابع لقصد الناذر وعلى الفرض
لم يتعلق الا بالفعل المقيد بزمان خص فيستحيل بقاء الامر التابع لقصده بعد فوات
الوقت المقصود ويؤيده أيضا ان الامر بالفاقد في كل من الوجهين لا بد وان يتصل بالامر
الأول زمانا كما هو واضح مع أن زمان الامر بالقضاء ينفصل عن زمان الامر بالأداء
غالبا مثلا إذا فرضنا فوات الصوم المنذور فبناء على أن الامر بقضاء الصوم لا يتوجه الا
مقارنا للفجر فيكون الليل فاصلا بين زماني الامر بالأداء والامر بالقضاء واما الامر بقضاء
الصلاة فبما انه يتوجه بعد خروج الوقت ففي زمان التمكن من ادراك أقل من ركعة
في الوقت يسقط الامر بالأداء لكونه مشروطا بالتمكن من تمام الركعة في الوقت
ولا يتوجه الامر بالقضاء لكونه مشروطا بخروج الوقت فيكون هذا الزمان فاصلا بين
الامرين لا محالة (ثم إنه فيما ثبت فيه وجوب القضاء) كالصلاة والصوم إذا خرج الوقت
وشك المكلف في الاتيان بالفعل في وقته وقطع النظر عن قاعدة ان الشك بعد الوقت
لا اعتبار به أو فرض الكلام في غير مورد القاعدة فهل يجرى استصحاب عدم الاتيان
بالفعل في الوقت لاثبات وجوب القضاء أولا ومنشأ الاشكال هو ان الفوت الذي علق
عليه وجوب القضاء في الأدلة هل هو عنوان وجودي يعبر عنه بخلو الوقت عن الفعل
ويلازم عدم الاتيان به في الوقت أو هو عين عدم الاتيان بالواجب في الوقت فعلى الثاني
لا اشكال في وجوب القضاء لان موضوعه وهو عدم الاتيان به في الوقت يحرز بالأصل
المزبور بخلاف الأول فان وجوب القضاء بناء عليه ليس من آثار نفس المستصحب بل هو
من آثار ما هو لازم له عقلا فيكون اجراء الأصل المزبور لاثبات اثر اللازم مبنيا على
القول بحجية الأصول المثبتة ولا نقول بها (ثم) انه لو شك في ذلك ولم يعلم أن عنوان
الفوت أمر وجودي يلازم عدم الفعل في الوقت أو انه نفس عدم الفعل لما أمكن
192

اجراء الاستصحاب أيضا لأنه متوقف على احراز كون المستصحب ذا اثر شرعي فالشك
فيه فيكون شكا في صحة جريان الاستصحاب وان المورد هل هو قابل للتعبد أولا
فلا يمكن الحكم بشمول أدلته لكون الشبهة مصداقية فيكون الفعل بعد سقوط الاستصحاب
مجرى للبراءة
المبحث الثامن في المرة والتكرار
قد أشرنا سابقا إلى أن الواجبات الشرعية قد تكون انحلالية فيتعدد الحكم
بانحلال موضوعاتها كما يتعدد بتعدد المكلفين نظير وجوب الصوم والصلاة في كل سنة
ويوم وقد لا تكون انحلالية كوجوب الحج بالإضافة إلى الاستطاعة فمن نظر إلى القسم
الأول حكم باستفادة من التكرار من الامر ومن نظر إلى القسم الثاني حكم باستفادة المرة
(والتحقيق) بطلان هذا النزاع رأسا فان تعدد الحكم بتعدد موضوعه ووحدته بوحدته
أجنبي عن دلالة الامر على التكرار والمرة بالكلية
المبحث التاسع
في الفور التراخي
ومعنى كون الواجب فوريا هو تضيقه ولزوم البدار إلى امتثاله كما أن معنى
جواز التراخي هو توسعته ومن الواضح عدم دلالة الامر على السعة والضيق أصلا
لا لفظا ولا عقلا فيكون النزاع في الفور والتراخي كالنراع في المسألة السابقة
في البطلان
الفصل الثالث
في أن الاتيان بالمأمور به على وجهه هل يقتضى الاجزاء أم لا
وقبل الخوص في المقصود ينبغي تقديم أمور (الأول) أن الاقتضاء المبحوث عنه
في المقام هو بمعنى العلية والسببية ولذا نسبه المتأخرون من المحققين إلى الاتيان دون
الامر خلافا للمتقدمين حيث نسبوه إلى نفس الامر (الثاني) ان المراد من لفظ على
وجه المأخوذ قيدا في عنوان البحث هو اتيان المأمور به جامعا لجميع ما اعتبر فيه
193

عقلا وشرعا لا خصوص قصد الوجه فإنه غير معتبر عند أكثر الفقهاء ولم يعتبره من اعتبره
الا في خصوص العبادات في فرض امكان قصد الوجه فلا وجه لاخذه في العنوان الأعم
من التوصليات والتعبديات ومما يمكن فيه قصد الوجه وما لا يمكن فيه ذلك (الثالث)
ان الفرق بين مسئلتنا ومسألة المرة والتكرار هو ان النزاع في تلك المسألة انما هو
في تشخيص المأمور به وانه هل هو العمل المكرر أو الواحد واما النزاع في هذه
المسألة فهو في اجزاء الاتيان بالمأمور به عن الإعادة والقضاء وعدمه فالمسألة الأولى
متكفلة لتشخيص المأمور به وهذه المسألة متكفلة لاجزاء الاتيان بالمأمور به وعدمه
بعد الفراغ عن تعينه وبعبارة أخرى إذا بنينا على التكرار ولو ما دام العمر فلا اشكال
في أن الامر ينحل باعتبار تعدد متعلقه في الخارج فيقع النزاع في أن الفعل الأول
المتعلق للامر الأول هل يجزى عن التعبد به ثانيا أولا
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا اشكال في أن الاتيان بكل مأمور به واقعي أولي أو
ثانوي أو ظاهري يجزى عن امره والمخالف على تقدير وجوده شاذ لا يعبأ به ضرورة
ان الاتيان بكل مأمور به يفي بالغرض الداعي إلى الامر به فيكون بقاء الامر بعد حصول
الغرض بلا موجب وهو محال نعم يمكن تبديل الامتثال بامتثال آخر في مقام الثبوت (1)
الا انه يحتاج إلى دليل في مقام الاثبات كما ثبت في تبديل الصلاة الفرادى بالصلاة
جماعة أو تبديل صلاة المأموم أو الامام بالصلاة إماما ولم يثبت في غير ذلك واما الامر
بإعادة صلاة الآيات ما دامت الآيات باقية فليست من باب تبديل الامتثال بالامتثال
بل من باب استحباب الإعادة في نفسها ما دامت الآية باقية بعد سقوط الامر
الوجوبي بامتثاله والحاصل ان رفع اليد عما وقع وجعل غيره مكانه وإن كان ممكنا
في حد نفسه الا انه ما لم يكن هناك دليل دال عليه لا يمكن الالتزام به وانما
الاشكال في أن الاتيان بالمأمور به الاضطراري أعني به المأمور به بالامر الواقعي الثانوي
أو الاتيان بالمأمور به بالامر الظاهري هل يجزى عن الامر الواقعي أولا اما اجزاء

1 - قد عرفت فيما تقدم ان الاتيان بالمأمور به في الخارج لا ينفك عن ترتب الغرض عليه
الداعي إلى طلبه وايجابه وعليه فلا يبقى مجال للامتثال ثانيا وما دل على جواز إعادة الصلاة
جماعة أو إماما محمول على استحباب الإعادة في نفسها والامر بجعلها فريضة في بعض الروايات
محمول على قصد القضاء بها كما صرح به في بعضها الاخر
194

الاتيان بالمأمور به الاضطراري عن الواقعي فلا كلام فيه أيضا بحسب الفتاوى الفقهية
وانما وقع الكلام فيه علميا في المسألة الأصولية وكيف كان فالكلام تارة في اجزاء
المأمور به بالامر الاضطراري عن القضاء واخرى عن الإعادة كما أن الكلام يقع تارة
في اجزاء المأمور به الظاهري عن الواقعي إذا انكشف الخلاف يقينا واخرى في اجزائه
عنه إذا انكشف الخلاف بحجة معتبرة فهنا أربع مسائل
اما المسألة الأولى وهى ان الاتيان بالمأمور به الاضطراري هل يجزى عن قضاء
المأمور به الواقعي الأولى فيما إذا ارتفع العذر بعد خروج الوقت أولا فالحق فيها
الاجزاء لان القضاء تابع لفوت الفريضة في الوقت بملاكها حتى تكون مشمولة لأدلة
وجوب القضاء وحينئذ فالقيد المتعذر في تمام الوقت اما أن يكون دخيلا في ملاك الواجب
ولو حين التعذر كالطهور على الاطلاق فلا يمكن الامر بفاقده في الوقت واما ان لا يكون
له دخل في ذلك حين تعذره كالطهارة المائية كما هو المفروض فلا تكون الفريضة فائتة
بملاكها حتى يجب قضاؤها وبالجملة صدق الفوت بعد فرض الاتيان بالفاقد في الوقت
يستلزم دخل القيد المتعذر في الملاك وهو يستلزم عدم الامر بفاقده في الوقت فالامر
بالفاقد في الوقت وايجاب قضاء الواجد في خارج الوقت متناقضان (1) ولا فرق فيما

1 - لا يخفى انه يمكن أن تكون الصلاة مع الطهارة المائية مشتملة على مصلحتين
ملزمتين أو على مصلحة واحدة ملزمة باعتبار ذاتها وباعتبار مرتبتها أيضا وأن تكون الصلاة
مع الطهارة الترابية حال فقدان الماء مشتملة على إحدى المصلحتين أو على ذات تلك
المصحلة الواحدة لاعلى مرتبتها مع امكان استيفاء الباقي من المصلحتين أو مرتبتها وعليه
فالفاقد للماء في الوقت يؤمر بالصلاة لئلا تفوت المصلحة الالزامية من جهة الوقت ومع
ذلك يؤمر بالقضاء في خارج الوقت لفرض امكان تدارك الفائت من المصلحة الالزامية
فلا مناقضة بين الامر بالفاقد في الوقت والامر بالقضاء للواجد في خارج الوقت ثبوتا
نعم ثبوت القضاء في خارج الوقت خلاف ظواهر الأدلة الدالة على قيام الطهارة الترابية مقام
الطهارة المائية وعلى تقدير عدم الدليل في مورد فوجوب القضاء لابد في ثبوته
من قيام الدليل عليه ومجرد الاحتمال لا يكفي في ثبوته بعد كونه خلاف الأصل
هذا كله بناء على دوران وجوب القضاء مدار فوت الملاك واما بناء على أن
موضوعه هو فوت الفريضة الفعلية ولو كانت غير واصلة إلى المكلف في وقتها فلا يحتمل
وجوب القضاء في مفروض الكلام أصلا إذا لمفروض ان الوجوب لم يكن متعلقا الا بالفعل
الاضطراري ظاهرا أو واقعا فلم تفت الفريضة كي يجب قضائها
195

ذكرنا بين أن تكون هناك مصلحة لزومية أخرى قائمة بنفس القيد بما هو قيد أو تكون
المصلحة اللزومية منحصرة في مصحلة نفس الفريضة التي للقيد دخل فيها على تقدير
التمكن منه ضرورة ان مصلحة القيد اللزومية على تقدير ثبوتها انما تترتب عليه حال كونه
قيدا للفريضة فإذا فرض سقوط الامر بالفريضة لقيام مصلحتها بالفاقد فلا يمكن استيفاء
مصحلة القيد أصلا ولو كانت لزومية واما ايجاب الفعل في خارج الوقت بعنوان آخر
غير القضاء فهو وإن كان ممكنا الا انه أجنبي عما نحن فيه وهو البحث عن الوجوب بعنوان
القضاء التابع لفوت الفريضة في الوقت
واما المسألة الثانية وهى ان الاتيان بالمأمور به الاضطراري هل يجزى عن
الإعادة فيما إذا ارتفع العذر قبل خروج الوقت أولا فالحق فيها الاجزاء أيضا (وبيانه) ان المكلف
اما أن يكون متمكنا من الطهارة المائية في تمام الوقت أولا يكون متمكنا منها كذلك أو يكون
متمكنا في بعضه دون الاخر لا اشكال في التخيير العقلي بين الافراد الطولية في الشقين
الأولين وأما الأخير فبما ان ملاك التخيير هو تساوى الافراد في الملاك فلا يحكم
العقل فيه بالتخيير ولا يجوز الاتيان بالفرد الفاقد قطعا فإذا ثبت جواز البدار مع اليأس
أو الظن أو القطع مع فرض ارتفاع العذر بعد الامتثال فاما أن يكون جواز البدار
حكما ظاهريا طريقيا أو واقعيا وعلى الأول فيبتنى القول بالاجزاء بعد ارتفاع العذر
على القول به في مسألة انكشاف الخلاف بعد الاتيان بالمأمور به الظاهري ولا يكون
له مساس بما نحن فيه وعلى الثاني فلا ريب في أن وجود الامر الواقعي بعد قيام الضرورة
والاجماع على عدم وجوب صلوتين على المكلف في يوم واحد يكشف عن أن الفعل
الفاقد في حال الاضطرار ولو مع عدم استدامة العذر يكون وافيا (1) بتمام الملاك و

1 - جواز البدار واقعا بعد قيام الاجماع على عدم وجوب صلوتين في يوم واحد وإن كان
يكشف عن وفاء العمل الاضطراري بتمام ما هو الملزم من ملاك الفعل الاختياري
الا انه يختص بموارد قيام الاجماع ولا يعم غيرها من موارد الاتيان بالمأمور به الاضطراري
فلا بد فيها من إقامة دليل آخر على الاجزاء وبما انه لم يحرز في تلك الموارد وفائه
بتمام الملاك فلا يكون الاجزاء قطعيا فإن كان لدليل الامر بالفعل الاضطراري اطلاق
يقتضى جواز الاكتفاء به في مقام الامتثال ولو كان الاضطرار مرتفعا بعده فهو المرجع و
الا فأصالة البراءة تقتضي عدم وجوب الإعادة فمقتضى القاعدة هو الاجزاء في موارد الامر
الاضطراري مطلقا
196

يكون في هذ الحال في عرض الافراد الواجدة واقعا فلا محالة يترتب عليه الاجزاء
وتكون الإعادة بعد استيفاء الملاك بتمامه من باب الامتثال بعد الامتثال فقياس ما نحن
فيه على دفع بدل الحيلولة الواجب في ظرف عدم التمكن من أداء أصل المال الذي
لا ينافي وجوب أداء أصله عند التمكن غريب فان تعذر خصوصية مال المالك وكونها
متعلقة للغرض أوجب تكليفا آخر بدفع بدله حتى لا يكون المالك ممنوعا عن ماله بالكلية
بخلاف ما نحن فيه فان تعذر القيد أوجب الغاء قيديته وكون الفاقد نفس المأمور به
إذ لو لم تلغ القيدية حال الاضطرار لما أمكن الامر بالفاقد في تلك الحال أصلا فمقامنا
ومقام بدل الحيلولة متعاكسان
واما المسألة الثالثة وهى ان الاتيان بالمأمور به الظاهري هل يجزى عن التعبد
بالامر الواقعي إعادة وقضاء إذا انكشف الخلاف بعد ذلك يقينا فقد ادعى جماعة فيها الاجماع
على عدم الاجزاء وجعلوا الاجزاء وعدمه من فروع مسألة التصويب والتخطئة هو الحق فان الحكم
الواقعي بناء على القول بالتخطئة كما هو الصواب لم يتغير عما كان عليه بقيام الطريق على خلافه غاية الأمر
ان الشارع جعل الطريق حجة شرعا وقطعا تنزيلا فبما انه في فرض مخالفة القطع
للواقع لا يمكن الحكم بالاجزاء كما سنشير إليه لبقاء الواقع وملاكه على ما كانا عليه
كان الامر كذلك في فرض مخالفة القطع الجعلي للواقع نعم إذا فرض استيعاب الجهل
لتمام الوقت لا يكون تارك الواجب الواقعي مستحقا للعقاب لاستناده إلى حجة شرعية
معذرة في فرض الخطأ ولا فرق فيما ذكرنا بين الموضوعات والاحكام فان الواقع كما
عرفت في كلا الفرضين باق على حاله ولم يؤت بما يتدارك به ملاكه ولابين القول
بالطريقية والقول بالسببية فان السببية بالمعنى الذي يقول به المعتزلة وهو أن يكون
قيام الامارة موجبا لحدوث المصلحة في مؤداها وإن كانت مستلزمة للاجزاء الا ان لازم
القول بها هو القول بالتصويب المجمع على بطلانه واما السببية بالمعنى الاخر وهو
الوجه الثالث الذي افاده العلامة الأنصاري (قده) فهي على فرض الالتزام بها غير مستلزمة
للاجزاء أصلا كما يظهر وجهه في المسألة الرابعة فتوهم ان القول بالسببية مطلقا
ملازم للقول بالاجزاء ناش من خلط السببية على رأى المعتزلة بالسببية التي ذهب إليها
بعض الامامية (هذا) بالنسبة إلى الامارات المؤدية إلى خلاف الحكم الواقعي وأما
197

الامارات المؤدية إلى خلاف الموضوعات الواقعية فالالتزام فيها بالسببية على رأى المعتزلة
وان لم يكن فيه محذور التصويب المجمع على بطلانه لأنه مختص بالأحكام ولا يعم
الموضوعات الخارجية الا ان ظاهر أدلة حجيتها هي الطريقية كما هو المفروض في
الامارات المتعلقة بالأحكام فان أدلة كلتا الطائفتين بلسان واحد فيكون عدم الاجزاء فيها
أيضا على طبق القاعدة كما عرفت
بقى الكلام في حال الأصول العملية كأصالة الإباحة والطهارة بل واستصحابيهما
وان مقتضى القاعدة في فرض المخالفة فيها هل هو الاجزاء أو عدمه (ربما يقال) ان
لسان أدلتها هو تنزيل المشكوك منزلة المتيقن وترتيب آثاره عليه فتكون لا محالة
حاكمة على الأدلة الدالة على اشتراط الصلاة بالطهارة مثلا ودالة على أن الشرط أعم
من الطهارة الواقعية والظاهرية فانكشاف الخلاف لا يكشف عن عدم وجود الشرط
حين العمل حتى لا يحكم بالاجزاء وذلك لفرض ان الشرط أعم من الواقعية والظاهرية
وان العمل واجد للطهارة الظاهرية ويرد عليه (أولا) ان الحكومة عند هذا القائل لابد
وأن تكون بمثل كلمة أعني وأردت وأشباه ذلك ولاجله لم يلتزم بحكومة أدلة نفى
الضرر على أدلة الأحكام الواقعية ولا بحكومة الأدلة الاجتهادية على الأصول العملية و
من الواضح عدم تحقق الحكومة بهذا المعنى في المقام (وثانيا) ان وجود الحكم
الظاهري لا بد وأن يكون مفروغا عنه (1) حين الحكم بعموم الشرط الواقعي للطهارة
الواقعية والظاهرية أو بعمومه للإباحة كذلك ومن الواضح ان المتكفل لاثبات الحكم
الظاهري ليس الأنفس دليل قاعدة الطهارة أو أصالة الإباحة فكيف يمكن أن يكون
هو المتكفل لبيان كون الشرط أعم من الواقعية والظاهرية منهما (وثالثا) ان الحكومة
في المقام وإن كانت مسلمة الا انها لا تستلزم تعميم الشرط واقعا فان الحكومة على قسمين

1 - الحكم بكون الشرط أعم من الواقع والظاهر وإن كان يستلزم كون وجود الحكم
الظاهري مفروضا عنه حين الحكم بعموم الشرط الا ان المدعى في المقام هوان جعل
الطهارة الظاهرية يستلزم ترتب أحكام الطهارة الواقعية التي من جملتها شرطيتها للصلاة
مثلا على الطهارة الظاهرية فالمحكوم به انما هي الطهارة الظاهرية لا كون الشرط أعم
من الواقع والظاهر واما عموم الشرط فهو من لوازم جعل الطهارة ظاهرا فلا محذور
من هذه الجهة في دعوى كون الشرط أعم من الواقع والظاهر فتدبر جيدا
198

(قسم) يكون الدليل الحاكم في مرتبة الدليل المحكوم ولا يكون الشك في المحكوم
مأخوذا في الدليل الحاكم كقوله (عليه السلام) لاشك لكثير الشك الحاكم على أدلة الشكوك
في الصلاة فلا محالة يكون الدليل الحاكم موجبا لعموم الدليل المحكوم أو مخصصا له
بلسان الحكومة ويسمى هذا القسم حكومة واقعية (وقسم آخر) يكون الشك في
المحكوم مأخوذا في الدليل الحاكم فلا محالة يكون الدليل الحاكم متأخرا عن
المحكوم لاخذ الشك فيه موضوعا في الدليل الحاكم فيستحيل كونه معمما أو مخصصا له
في الواقع فتكون حكومته ظاهرية لا محالة ويترتب على ذلك جواز ترتيب آثار الواقع
ما لم ينكشف الخلاف فإذا انكشف الخلاف ينكشف عدم وجدان العمل لشرطه ويكون
مقتضى القاعدة هو عدم الاجزاء كما في الامارات وإذا انقسمت الحكومة إلى قسمين
مختلفين في الأثر فاثبات الاجزاء يتوقف على اثبات كون الحكومة في المقام واقعية
مع أنها مستحيلة ضرورة انه اخذ الشك في موضوع أدلة الأصول ومعه تكون الحكومة
ظاهرية وغير مستلزمة للاجزاء قطعا (ورابعا) ان الحكومة المدعاة في المقام ليست
الا من باب جعل الحكم الظاهري (1) وتنزيل المكلف منزلة المحرز للواقع في ترتيب
آثاره وهذا مشترك فيه بين جميع الأحكام الظاهرية سواء ثبتت بالامارة أم بالأصل
محرزا كان أم غير محرز بل الامارة أولي بذلك من الأصل فان المجعول في الامارات
انما هو نفس صفة الاحراز وكون الامارة علما تعبدا واما الأصول فليس المجعول فيها
الا التعبد بالجري العملي وترتيب آثار احراز الواقع في ظرف الشك كما يظهر
ذلك في محله انشاء الله تعالى (وخامسا) ان الحكومة لو كانت واقعية فلابد من ترتيب

1 - الحكومة المد عاة في موارد جعل الطهارة أو الإباحة الظاهرية المترتب عليها عموم
الشرط انما هي من جهة ان المجعول في تلك الموارد بنفسه حكم شرعي وهذا المعنى مفقود
في موارد الامارات إذا المجعول في تلك الموارد ليس الا جعل لطريقية والحكم بثبوت
الواقع عند قيام الامارة عليه فإذا قامت الامارة على وجود الشرط واقعا ثم انكشف خلافها
بعد ذلك فالعمل المأتى به على طبق تلك الامارة ينكشف كونه فاقدا لشرطه فلا يبقى مجال
للقول باجزائه عن الواقع وعليه فلاوجه لما أفيد في المتن من كون ملاك القول
بعموم الشرط مشتركا فيه بين موارد الأصول وموارد الامارات فضلا عن كون موارد
الامارات أولي بذلك
199

جميع آثار الواقع (1) لا خصوص الشرطية فلا بدوان لا يحكم بنجاسة الملاقى لما هو
محكوم بالطهارة ظاهرا ولو انكشف نجاسته بعد ذلك ولا أظن أن يلتزم به أحد
واما المسألة الرابعة وهى ان الاتيان بالمأمور به الظاهري هل يجزى عن
التعبد بالامر الواقعي إعادة أو قضاء إذا انكشف الخلاف بعد ذلك بحجة معتبرة أولا
فلا يبعد عدم الخلاف في عدم الاجزاء فيها بالإضافة إلى الموضوعات الخارجية كما إذا
قامت بينة على حصول الطهارة لماء كان متيقن النجاسة وبعد الوضوء به قامت بينة
أخرى على جرح شهود الطهارة وعليه فعلى القائل بالاجزاء في خصوص الاحكام ابداء
الفرق بين الموضوعات والاحكام واما بالنسبة إلى الاحكام فهناك نزاع مهم بين العلماء
ومن موارده عدول المجتهد عن رأيه السابق الناشئ من خطائه في الاستفادة أو من
اعتماده على أصل لفظي أو عملي لم يظفر برافعه اما لعدم الظفر بذاته أو لعدم تمامية
حجيته عنده في الزمان السابق أو من اعتماده على دليل لم يظفر بمعارضه على الوجهين
المذكورين في الرافع (والحق) في المقام هو القول بعدم الاجزاء بعد وضوح خروج
القسم الأول عن موضوع الكلام ودخوله في تبدل الحكم العقلي وذلك فإنه لم يقم
دليل على حجية الاستفادة بما هي حتى يكون من باب تبدل الحكم الظاهري الشرعي
بل الدليل انما دل على حجية الظاهر مثلا وبعد انكشاف الخلاف يعلم أنه لم يكن
هناك ظاهر أصلا بل كان تخيل الظهور فهو من باب تبدل الحكم العقلي الذي لم يلتزم
أحد فيه بالاجزاء (وتوضيح المقام) ان القائل بالاجزاء انما ذهب إليه بتوهم ان الحكم
الشرعي يتبدل بتبدل لرأى نظير الملكية المتبدلة بالبيع والشراء فالمجتهد في زمان اجتهاده
الأول لم يكن مكلفا الا بالعمل على طبق اجتهاده كما أنه في الزمان الثاني لا يكلف

1 - ولازم ذلك هو الالتزام بطهارة المغسول بماء محكوم بالطهارة ظاهرا وبصحة الوضوء
أو الغسل به ولو انكشف نجاسة ذلك الماء بعد ذلك واقعا وكذلك لازمه الالتزام بملكية الثمن واقعا للبايع
المالك المثمن بحكم الاستصحاب ولا يظن بفقيه ان يلتزم بشئ من ذلك وبالجملة إذا كان
جعل الطهارة الظاهرية موجبا لأعمية الشرط واقعا بدعوى ان الحكم بالطهارة ظاهرا
يستلزم ثبوت أحكام الطهارة الواقعية للطهارة الظاهرية فلا وجه لتخصيص ذلك بشرطية
الطهارة للصلاة بل لابد من الالتزام به بالقياس إلى جميع الآثار الثابتة للطهارة الواقعية
وكذلك الالتزام بترتيب احكام الملكية الواقعية على الملكية المستصحبة وأمثال ذلك و
كل ذلك واضح البطلان
200

الا بالعمل على طبق اجتهاده الثاني (ويرد عليه) ان التبدل اما ان يدعى في الحكم
الواقعي اوفى حجية مدرك الفتوى الأولى اوفى احراز الحجة أما التبدل في الحكم
الواقعي فلا اشكال في بطلانه لأنه يستلزم التصويب المجمع على بطلانه وكذلك التبدل
في الحجية فان تقديم الحجة الفعلية ورفعها لحجية المدرك السابق اما أن يكون بالحكومة
أو بالورود وعلى كل تقدير فالمدرك السابق لم يكن حجة شرعية في نفس الامر والواقع
مع وجود الحاكم أو الوارد بل الحجة في الواقع انما كانت ذاك الحاكم أو الوارد
غاية الأمر ان حجية داك الحاكم أو الوارد لم تكن محرزة سابقا وصارت محرزة لاحقا
فالتبدل انما هو في الاحراز ومن الواضح ان الاحراز ليس الا طريقا محضا إلى الواقع
فإذا انكشف الخلاف وخطأ الاجتهاد الأول كان حاله حال انكشاف الخلاف في الامر
العقلي في عدم الاجزاء ومنه ظهران ما ذكره بعض القائلين بالاجزاء من أن الاجتهاد
الأول كالاجتهاد الثاني فلا وجه لرفع اليد عن الأول بالثاني وإعادة الأعمال الواقعة
على طبق الاجتهاد الأول في غاية الفساد فان المفروض ظهور بطلان الاجتهاد الأول
بالثاني وكشفه عن عدم حجية المدرك الأول واقعا وبقاء الحكم الواقعي
على ما هو عليه فلا محيص عن القول بعدم الاجزاء وبالجملة ليس حال انكشاف
الخلاف في الدليل الظني الا كحال انكشاف الخلاف في ألد ليل القطعي فكما انه لا
معنى للقول بان القطع الأول كالقطع الثاني فلا وجه لرفع اليد عن الأول بالثاني كذلك
الحال فيما نحن فيه ولكن الذي يقتضيه (النظر الدقيق) هو التبدل في المرتبة الثانية
أعني بها مرتبة الحجية الا انه مع ذلك لابد من القول بعدم الاجزاء أيضا (وتوضيحه)
ان حقيقة الحكم الظاهري ليس عبارة عن جعل حكم آخر في
قبال الواقع والالزم التصويب وعدم وجود حكم واقعي مشترك بين الجاهل والعالم بل
حقيقته هو حكم الشارع وجعله ما لم يكن محرزا للواقع وجدانا محرزا له تعبدا كما في
الامارات أو جعله التعبد بترتيب آثار الاحراز مع الشك في موارد الأصول فجميع
الاحكام الظاهرية ترجع إلى التصرف في مرتبة الاحراز ولذا ذكرنا سابقا ان أصالة الطهارة
حاكمة على الأدلة الواقعية بالحكومة الظاهرية لا الواقعية فصفة المحرزية
المجعولة لموضوعاتها وإن كانت ثابتة في مقام الجعل واقعا الا انها لا تتحقق خارجا
201

ولا تتصف الموضوعات بها في مقام الفعلية الا بعد احراز المكلف لهذا الجعل وموضوعه
فحال الجعل في المقام في ترتب الأثر عليه حال العقود فكما ان نتيجتها كالملكية مثلا
وإن كانت منشأة بفعل أحد المتعاقدين كالبايع مثلا الا انها لا تتحقق في الخارج الا بقبول
المشترى كذلك الحجية أي جعل الشارع صفة المحرزية لشيئ لا تتحقق في الخارج
الا بوصول هذا الجعل وموضوعه إلى المكلف وليس حالها حال الأحكام الواقعية التي
تتحقق في الخارج بنفس الانشاء سوء علم به المكلف أم لم يعلم به ولا يتوقف وجودها
على أزيد من الانشاء كما في الايقاعات ولا يتفاوت الحال فيما ذكرنا وهو ان الحجية
لا تتحقق الا بالوصول بين ان نقول بتعلق الجعل الحجية كما هو الحق وان نقول
بكونها منتزعة من الأحكام التكليفية فان النزاع في متعلق الجعل لاربط له بما ذكرناه
من توقف تحقق الحجية في الخارج على الوصول إلى المكلف فإذا ثبت توقف تحقق
الحجية على الوصول فالدليل الذي كان سندا للمجتهد في الزمان الأول لعدم العثور
على ما كان مقد ما عليه كان متصفا بالحجية حقيقة مثلا إذا ورد عام ولم يثبت مخصصه
فبما ان صفة الحجية ليست متحققة في الخاص قبل وصوله فالعام متصف بالحجية في
ظرف عدم وصول التخصيص وبعد وصوله يتبدل الحجة فيكون الخاص حجة دون
العام لكن صحة هذا المبنى لا تستلزم القول بالاجزاء فان المفروض عدم التبدل في
الحكم الواقعي غاية الأمران سند الاجتهاد السابق كان حجة في الزمان الأول قبل
وصول رافعها ومتصفا بصفة المحرزية ومن المعلوم انه لا يزيد المحرز الجعلي على المحرز
الوجداني في أنه إذا انكشف خطأه وبقاء الواقع على حاله فلابد من الاتيان به إعادة
أو قضاء لأن المفروض عدم الاتيان لا بالواقع ولا بما يكون مسقطا له وبدلا عنه ولافرق
فيما ذكرناه بين القول بالطريقية والقول بالسببية والموضوعية إذ لو بنينا على السببية
فإنما نلتزم بها على الوجه الثالث الذي أفاده العلامة الأنصاري (قده) في تصوير السببية
وحاصله أن يكون قيام الامارة موجبا لتدارك المقدار الفائت من مصلحة الواقع بسبب
العمل بتلك الامارة مثلا إذا قامت الامارة على وجوب صلاة الجمعة فتارة ينكشف خلافها و
وجوب صلاة الظهر واقعا بعد مضى وقت الفضيلة للصلاة فالمقدار الفائت هي مصلحة
أول الوقت فقط فالمتدارك بالامارة لا بد وأن يكون هي تلك المصلحة المذكورة واما
202

مصلحة أصل الصلاة وكونها في الوقت فلم تفت فلابد من الإعادة وأخرى ينكشف
الخلاف بعد مضى الوقت بتمامه فالمقدار الفائت والمتدارك هي المصلحة الوقتية لكن
مصلحة نفس صلاة الظهر التي لادخل للوقت فيها قابلة للاستيفاء بعد خروج الوقت حال
انكشاف الخلاف وسقوط الامارة عن الحجية فلا موجب للالتزام بتداركها بالعمل
بتلك الامارة فلابد من التدارك بالقضاء وثالثة لا ينكشف الخلاف إلى الا بد فيكون
الفائت والمتدارك تمام المصلحة وبالجملة ان أمكننا دفع شبهة ابن قبة في جعل الامارات
على الطريقية فنلتزم بهذا والا فبالسببية بهذا المعنى لا بالمعنى الذي التزم به المعتزلة
وهو الوجه الثاني الذي ذكره العلامة الأنصاري (قده) في معنى السببية وحاصله أن يكون
قيام الامارة موجبا لحدوث مصلحة في مؤديها غالبة على مصلحة الواقع فان
السببية بهذا المعنى وإن كانت مستلزمة للاجزاء الا انها مستلزمة للتصويب واختصاص
الحكم الواقعي بغير من قامت عنده الامارة على خلافه (والحاصل) انه بناء على أصول
الامامية إذا فرضنا استنباط حكم من مقدمات كلها كانت حجة شرعية (ومع) ذلك
ظهر بعد ذلك خلاف الاستنباط الأول من دليل أقوى (فلا) محيص عن القول بعدم
الاجزاء في مورده لان ما كان حجة حدوثا من قبل الشارع فهو انما ينفع في ترتب الآثار
عليه بقاء في ما إذا كان باقيا على الحجية أيضا بعدم انكشاف خلافه مثلا إذا
سئل المصلى جمعة في يوم الجمعة عن سبب اجتزائه بها عن صلاة الظهر فلا
محالة يجيب بقيام الحجة عنده على وجوب صلاة الجمعة (وكذلك) لو سئل عن
سبب اجتزائه بها عن قضاء صلاة الظهر بعد خروج الوقت فله التمسك بقيام الحجة
على وجوب صلاة الجمعة واما إذا انكشف الخلاف وسقط مدرك فتواه السابقة عن
الحجية فلا ينفعه الجواب بقيام الحجة عنده في زمان ما كما في القطع الوجداني بعينه
" هذا " مع أن الفرض المزبور ممنوع كلية فإنه لابد في استنباط أي حكم كان من
اعمال الظنون الاجتهادية الثابتة حجيتها من طريق العقل فيكون انكشاف الخلاف حينئذ في
الحكم العقلي ولا ريب حينئذ في عدم الاجزاء ولو بنينا على الاجزاء في الاحكام الا ظاهرية
الشرعية.
واستدل القائلون بالاجزاء بوجوه (الأول) ان عدم الاجزاء في موارد الأوامر
203

الشرعية الظاهرية مستلزم للحرج نوعا فيكون منفيا شرعا (وفيه ان) الاستدلال بنفي
الحرج في أمثال المقام ناش من خلط موضوع الحكم بداعي جعله (وتوضيحه) ان
الحرج أو الضرر قد يكون داعيا للشارع إلى جعل حكم من الاحكام كالحكم بطهارة
الحديد وخيار الشفعة الناشئين عن لزوم الحرج والضرر في فرض عدمهما ولو كان ذلك
بحسب غالب الاشخاص فالحكم يكون ثابتا على وجه الاطلاق وغير مقيد بالحرج أو
الضرر الشخصيين ولا بأس بكون شئ داعيا وحكمة لجعل حكم لا يدور ذلك الحكم
مدار لكن ذلك ليس الا شأن الشارع لا المجتهد والفقيه فإنه ليس بجاعل الاحكام حتى
يفتى في موضوع بحكم كلي لأجل الضرر أو الحرج النوعي بل شأنه الافتاء على طبق
استنباطه الاحكام من المدارك الشرعية وقد يكون الحرج أو الضرر موضوعا للحكم
كما في قوله تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج) فإنه بعد حكومته على سائر
الأدلة في قوة أن يقول إن الأحكام المجعولة الشرعية ترتفع في مورد الحرج وبما ان
القضايا المتكلفة لبيان الأحكام الشرعية من قبيل القضايا الحقيقية فالاحكام تتعدد بتعدد
موضوعاتها فأي موضوع كان الحكم فيه حرجيا يرتفع حكمه والا فلا فالنزاع في هذا
المقام في أن الحرج أو الضرر المنفيين نوعيان أو شخصيان مما لا معنى له (1) لعل هذا
الاشتباه انما نشأ من استعمال كلمة لا ضرر في اخبار الشفعة مع الغفلة عن أن كونه في
مقام داعيا وحكمة لاربط له بما إذا كان موضوعا للحكم إذ معه لا يعقل الا كون الضرر
شخصيا لما ذكرناه من لزوم تعدد الاحكام بتعدد موضوعاتها هذا مضافا إلى أن الضرر
في مقام الحكومة لو كان نوعيا للزم القول بعدم وجوب القضاء مطلقا لافى خصوص
انكشاف مخالفة الاحكام الظاهرية كما هو واضح واما توهم ان خيار الغبن الذي افتى

1 - لا يخفى ان ما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره من التفرقة بين كون الضرر أو الحرج داعيا
إلى جعل الحكم على موضوعه وكونه بنفسه موضوعا للحكم المجعول وإن كان متينا جدا الا انه
لا ينافي امكان اخذ الضرر أو الحرج النوعي موضوعا لحكم من الاحكام ومع ذلك لا تخرج القضية
عن كونها حقيقية نعم ان أدلة نفى الضرر والحرج ظاهرة في نفى الضرر والحرج الشخصيين
فالاشكال انما هو في مقام الاثبات دون مقام الثبوت فلا وجه لما أفيد في المتن من عدم تعقل
اخذ الضرر أو الحرج النوعي موضوعا للحكم الشرعي
204

به الأصحاب حكم كلي مدركه أدلة نفى الضرر مع أن ترتب الضرر على لزوم العقد
نوعي لا شخصي فمدفوع بأن الدليل على خيار الغبن انما هو بناء المتعاقدين في غير
المعاملات المحاباتية على حفظ مالية ماليهما من تبدل شخص المال وهو الذي عليه يدور
نظام العالم فكون مالية مال كل منهما بمقدار مالية مال الآخر شرط ضمني في العقد
وتخلفه يوجب الخيار والاستدلال عليه بحديث لا ضرر انما هو من باب تكثير الأدلة لامن
جهة كونه هو المدرك للفتوى ومع قطع النظر عن بناء المتعاقدين لا يمكن التمسك
لاثبات الخيار المزبور بحديث لا ضرر كما هو الحال في المعاملات المحاباتية هذا مع أن
الضرر في تمام المعاملات الغبنية شخصي فلا ربط له بأمثال ما نحن فيه أصلا (الثاني) ما
أشرنا إليه من أن الاجتهاد الثاني كالاجتهاد الأول فلا وجه لرفع اليد عنه به وقد ظهر
جوابه مما ذكرناه فلا نعيد " الثالث " ما عن صاحب الفصول " قده " من أن القضية الواحدة
لا تتحمل اجتهادين " وفيه " انه لم يظهر معنى معقول لهذا الاستدلال أصلا فان مؤدى
الاجتهاد بعد فرض كونه حكما كليا غير مختص بزمان خاص ان أراد انه لا يتحمل اجتهادين
من شخص واحد في زمان واحد فهو مسلم لكنه أجنبي عن المقام وان أراد انه لا يتحمل
اجتهادين في زمانين فهو بديهي البطلان (الرابع) ان تبدل الاجتهاد وقيام حجة أخرى
على خلاف الحجة السابقة ليس الا نظير النسخ فإنه بوصول الحجة الثانية ينقضى زمان
الحجة الأولى فهي إلى زمان الحجة الثانية كانت حجة واقعية لما ذكرناه من أن
الحجية ليس لها مرتبتان واقعية وظاهرية بل حقيقتها متقومة بالوصول ومن الواضح انه لا
معنى للحجية الا الاكتفاء عن الواقع بالعمل بما هو حجة في مقام الامتثال وحيث أن المفروض
ثبوت الحجية لها في الزمان الأول والعمل على طبقها فلابد من الاكتفاء بموافقتها
وان ارتفعت حجيتها بعد انكشاف الخلاف (وفيه) ما عرفت من أنه بناء على أصول
المخطئة وعدم تغير الحكم الواقعي بقيام الحجة على خلافه لا يكون حال الحجة الشرعية
المتصفة بصفة الحجية سابقا الا كحال الاحراز الوجداني فكما انه لا معنى لتوهم الاجزاء فيه
بعد انكشاف الخلاف وبقاء الواقع كذلك لا معنى لتوهم الاجزاء بموافقة الحجة الشرعية
التي جعلت محرزة للواقع تعبدا بعد انكشاف خلافها بقيام حجة أقوى عليه (هذا) كله
فيما يقتضيه الأصل الأولى في المقام والا فربما يدعى الاجماع على الاجزاء إعادة وقضاء
205

عند تبدل الحكم الظاهري اجتهادا أو تقليدا
والتحقيق ان هناك ثلاثة مقامات (المقام الأول) الاجزاء في العبادات الواقعة
على طبق الاجتهاد الأول عن الإعادة والقضاء (الثاني) الاجزاء في الأحكام الوضعية فيما
لم يبق هناك موضوع يكون محلا للابتلاء كما إذا بنى على صحة العقد الفارسي اجتهادا
أو تقليدا فعامل معاملة فارسية ولكن المال الذي انتقل إليه بتلك المعاملة أتلفه أو
تلف عنده (الثالث) الاجزاء في الأحكام الوضعية مع بقاء الموضوع الذي يكون
محلا للابتلاء كبقاء المال بعينه في الفرض السابق وكما إذا عقد على امرأة بالعقد الفارسي
وكانت محل الابتلاء له بعد انكشاف الخلاف
اما المقام الأول فلا اشكال في أنه القدر المتيقن من مورد الاجماع (1)
واما المقام الثالث فلا اشكال في خروجه عن مورده وفتوى جماعة فيه
بالاجزاء انما هو لا لأجل ذهابهم إلى كون الاجزاء هو مقتضى القاعدة الأولية لأجل
الاجماع على ذلك
واما المقام الثاني ففي شمول الاجماع له اشكال بل منع وإن كان لا يبعد انعقاد
الاجماع على عدم التبعة في الافعال الصادرة على طبق الاجتهاد الأول سواء كانت التبعة
هي الإعادة والقضاء أو الضمان فيشمل المقام الثاني أيضا لكنه مجرد نفى العبد (وشمول)
معقد الاجماع له في غاية الاشكال ان لم نقل بأنه ممنوع فلا بد من التأمل و
التتبع التام

1 - الظاهر أنه ليس في شئ من المقامات الثلاثة اجماع تعبدي والقائل بالاجزاء انما ذهب
إليه لدلالة الدليل عليه باعتقاده وعليه فلا مقتضى لرفع اليد عن ما تقتضيه القاعدة الأولية من لزوم
الإعادة والقضاء في العبادات بعد انكشاف الخلاف ولزوم ترتيب جميع آثار انكشاف
الخلاف في المعاملات ولابد في القول بالاجزاء من دلالة دليل عليه وقد عرفت انه لا دليل
عليه نعم بناء على ما هو التحقيق عندنا من شمول حديث (لا؟ عاد) لموارد الجهل عن قصور
لا يجب إعادة الصلاة عند انكشاف مخالفة المأتى به للواقع في غير الخمس المذكورة في
الحديث وفى غير ما ثبت فيه عدم الاجزاء بدليل خاص فالأصل الأولى وإن كان يقتضى عدم
الاجزاء الا ان الأصل الثانوي يقتضى الاجزاء ما لم يثبت عدمه بدليل خاص
206

بقي هناك أمور
الأول ما أشرنا إليه من أن مقتضى القاعدة الأولية هو عدم الاجزاء في الموضوعات
كالاحكام وأن الالتزام بالاجزاء مطلقا يستلزم القول بالتصويب والتصويب في
الموضوعات وان لم يقم اجماع على بطلانه الا انه خلاف ظواهر الأدلة المثبتة
للأحكام لموضوعاتها الواقعية كما أنه خلاف ظواهر أدلة الطريق المجعولة فإنها ظاهرة
في الطريقية المحضة وعلى تقدير ضيق الخناق ولزوم الالتزام بالسببية فلا ملزم
للالتزام بأزيد من وجود المصلحة السلوكية التي لا تستلزم الاجزاء كما عرفت نعم لو قام دليل
بالخصوص على الاجزاء فلابد من رفع اليد عن مقتضى القاعدة الأولية كما
دل الدليل عليه عند انكشاف الخلاف بعد حكم الحاكم في باب القضاء في الجملة
الثاني انه لافرق في كون عدم الاجزاء هو مقتضى القاعدة الأولية بين المجتهد
والمقلد فإذا كان مقتضى التقليد الثاني هو بطلان الأعمال الواقعة على طبق التقليد
الأول فلابد من ترتيب الأثر فعلا على طبق الحجة الفعلية (وتوهم) ان حجية فتوى
المجتهد في حق المقلد من باب السببية والموضوعية لا الطريقية ولذا يجب الرجوع
إلى الأعلم الحي ولو فرضنا مخالفة فتواه للمشهور بين المتقدمين والمتأخرين مع أن
طريقيتها للواقع أضعف من فتوى المشهور بالضرورة
(مدفوع) بأن عدم ايجاب الطريق للظن بالواقعة أحيانا مع اشتماله على خصوصية
موجبة لتعينه لا ينافي طريقيته كما في حجية الظواهر فان حجيتها غير مقيدة بالظن بالوفاق
ولا بعدم الظن بالخلاف مع أنها من باب الطريقية قطعا (هذا) مع أنك قد عرفت انه
لو ضاق بنا الخناق فلا نلتزم بأزيد من المصلحة السلوكية التي لا تستلزم الاجزاء وبالجملة
المدار في الاجزاء وعدمه على موافقة حكم الله الواقعي وعدمها بناء على أصول المخطئة ولا
فرق بين أن يكون الطريق المعمول به ناظرا إلى الواقع ابتداء كما في الطرق التي يستعملها
المجتهد وأن يكون ناظرا إلى طريق الواقع فيكون طريقا للطريق كما في فتوى المجتهد
بالإضافة إلى المقلد
الثالث ان الاجزاء لو قيل به في الاحكام الظاهرية الشرعية لبعض الوجوه
207

المذكورة فلا يتوهم القول به في الحكم العقلي أصلا سواء كان منشأه القطع بالحكم
الشرعي أو أحد الظنون الاجتهادية أو اجراء البراءة العقلية والسر في ذلك ان القائل
بالاجزاء في الاحكام الظاهرية الشرعية انما قال به لذهابه إلى السببية على رأى المعتزلة
فان بعض الامامية قد اختار مذهبهم فيها وهذا في الأحكام العقلية مفقود قطعا وانما
الثابت فيها هي المعذورية وعدم استحقاق العقاب على مخالفة الواقع على تقدير عدم
التقصير في المقدمات والا فلا يرتفع استحقاق العقاب أيضا ولذا لا شبهة في استحقاق
الكفار للعقاب مع أن أكثر هم قاطعون بمذهبهم الا ان قطعهم بذلك انما نشأ
من التقصير في المقدمات الموجبة لقطعهم فلا يكون عذرا لهم في عدم استحقاق العقاب.
الرابع انه لافرق فيما ذكرناه من كون عدم الاجزاء هو مقتضى القاعدة الأولية
بين اختلاف الحجة بالنسبة إلى شخص أو شخصين كما إذا فرضنا اختلاف المجتهدين في الفتوى
فلا يجرى فتوى أحدهما بالنسبة إلى الآخر أو لمقلديه ولا فرق في ذلك بين المعاملات وأبواب
الطهارات والنجاسات وأبواب العبادات إذا كان أحدهما محلا لابتلاء الآخر مثلا
إذا كان أحد الشخصين يرى جواز العقد بالفارسي وطهارة العصير العنبي وعدم جزئية
السورة للصلاة فلا يمكن لمن لا يرى تلك الأمور أن يكون أحد طرفي العقد معه أوان
يعامله معاملة الطاهر في فرض العلم بملاقاته للعصير أو يقتدى به في الصلاة أو يستأجره
لها مع فرض تركه للسورة فالمسألة في جميع ذلك محل اشكال لعدم تمامية الاجماع
على الاجزاء مع كون عدمه مقتضى القاعدة واشكل الجميع هو باب الطهارة والنجاسة
الا ان يقال بكون الغيبة من المطهرات ولو مع اعتقاد الغائب لنجاسته كما افتى به
صاحب الجواهر (قده) ومال إليه سيد أساتيذنا المحقق الشيرازي (قده) وقد نقل الأستاذ
دام ظله انه كان يفتى به شفاها
الفصل الرابع
إذا نسخ الوجوب فلا دلالة لدليل الناسخ ولا لدليل المنسوخ على الجواز أصلا
لكون الا حكام كلها بسائط يضاد بعضها بعضها الآخر فارتفاع بعضها لا يكون فيه دلالة على
208

ثبوت واحد معين وحديث امكان بقاء الجنس بعد ارتفاع الفصل أجنبي عن المقام
بعد فرض بساطة الاحكام كما بيناه سابقا
الفصل الخامس
إذا كان الامر الذي تعلق به الامر مأخوذا على نحو الموضوعية لتعلق غرض الامر
به بنفسه فلا اشكال في أن الامر المتعلق بذلك الامر ليس أمرا بالفعل الذي هو متعلق
الأمر الثاني (واما) إذا كان مأخوذا على نحو الطريقية وكان الغرض متعلقا بنفس الفعل
فلا اشكال في كون الامر بالامر أمرا بالفعل حقيقة (والظاهر) من نفس الامر بالامر
من دون أن يكون قرينة في البين على الموضوعية أو الطريقية هو الطريقية لانسباقها إلى
الذهن في العرف فيكون مقتضى الأصل هي الطريقية ما لم يكن هناك قرينة صارفة
عن ذلك.
الفصل السادس
قد عرفت في مبحث الواجب المشروط ان فعلية الحكم في القضايا الحقيقية مشروطة
بوجود موضوعه خارجا ويستحيل تخلفها عنه وعلم الآمر بوجوده أو بعدمه أجنبي
عن ذلك (1) فلا معنى للبحث عن جواز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه كما قد عرفت
ان الحكم في القضايا الخارجية يدور مدار علم الحاكم ووجود شروط الحكم واما
نفس وجودها في الخارج أو عدمها فيه فهو أجنبي عن الحكم فلا معنى للبحث عن الجواز
المزبور فيها أيضا (فالتحقيق) ان هذه المسألة باطلة من أصلها وليس فيها معنى معقول
يبحث عنه (واما) الثمرة التي رتبوها عليها من وجوب الكفارة على من أفطر في شهر

1 - فعلية الحكم في القضايا الحقيقية وإن كانت تدور مدار وجود الموضوع خارجا الا ان جعل
الحكم على الموضوع المقدر وجوده مع العلم بعدم تحققه خارجا لغو لا يمكن صدوره من
الحكيم نعم إذا كان نفس جعل الحكم موجبا لعدم تحقق الموضوع وكان غرض الجاعل في
جعله الحكم هو ذلك كما إذا فرض ان جعل القصاص أوجب عدم تحقق القتل الاختياري في
الخارج فلا مانع من جعله فالحق في المقام هو التفصيل ومن ذلك يظهر الحال في القضايا
الخارجية أيضا
209

رمضان ولو لم يتم له شرائط الوجوب إلى الليل فهي مترتبة على بحث فقهي وهو ان
وجوب الصوم هل ينحل إلى تكاليف متعددة بتعدد الانات أو هو تكليف واحد مشروط
بشرط متأخر وهو بقاء شرائط الوجوب إلى المغرب وعلى الثاني فهل لنا تكليف آخر
بامساك بعض اليوم في خصوص ما إذا ارتفع شرط الوجوب بالاختيار أو مطلقا أولا والبحث
عن ذلك موكول إلى محله
الفصل السابع
اختلفوا في أن الامر وامر هل هي متعلقة بالطبائع أو الافراد ولابد لنا من
تحرير محل النزاع في المقام أولا ثم بيان ما هو الحق فيه ثانيا
فنقول لا ريب في أن مراد القائل بتعلقها بالافراد ليس هو تعلق الامر بما فرض
وجود في الخارج فإنه مسقط له فلا يعقل أن يكون معروضا له مع أنه من طلب الحاصل
واما ما ذهب إليه بعض الأساطين من تفسير تعلق الامر بالافراد بانكار التخيير العقلي بين
الافراد الطولية والعرضية وان التخيير بين الافراد يكون شرعيا دائما بخلاف تعلقه
بالطبيعة التي هي الجهة الجامعة ونفس القدر المشترك بين الافراد فإنه يستلزم كون
التخيير بينها عقليا لا محالة فهو وإن كان ممكنا عقلا الا انه بعيد جدا لاستبعاد احتياج
تعلق الطلب بشئ إلى تقدير كلمة أو بمقدار افراده العرضية والطولية مع عدم تناهيها
غالبا مضافا إلى أن وجود التخيير العقلي في الجملة مما تسالم عليه الجميع ظاهرا
(فالتحقيق) ان النزاع في المقام مبتن على النزاع في مسألة فلسفية وهى ان ان الكلى الطبيعي
هل هو موجود في الخارج أولا (وتوضيح ذلك) يتوقف على بيان المراد من وجود
الكلى الطبيعي وعدمه (فنقول) قد عبر بعض القائلين بانكار وجود الطبيعي في الخارج
ان الكلى الطبيعي من المفاهيم الانتزاعية ولا يخفى ان مراده بذلك ليس هو الانتزاع
المصطلح عليه في ما هو من قبيل الخارج المحمول المنتزع من خصوصيات ذاتية كالعلية
والمعلولية أو من خصوصيات قيام العرض بمعروضه كالسبق واللحوق والمقارنة كيف وقد
اتفقوا على تقسيم المحمولات إلى ذاتية وهى المحمولات المقومة للذات والى غير ذاتية
وعلى تقسيم مالا يكون ذاتيا إلى محمولات بالضميمة وهى المحمولات بواسطة قيام أحد
210

الأغراض التسعة بمعروضاتها والى محمولات انتزاعية المعبر عنها بالخارج المحمول كما أنه
ليس مراد القائل بوجوده في الخارج هو القول بتحققه في الخارج من دون تشخص
وخصوصية كيف وقد اتفقوا على أن الشئ ما لم يتشخص لو يوجد " بل " المراد من
هذا النزاع على نحو يكون نزاعا معقولا هو ان الإرادة الفاعلية الموجدة للشيئ في الخارج
هل تتعلق بنفس الشيئ مع قطع النظر عن مشخصاته وهى انما توجد معه قهر الاستحالة
وجود الشيئ بدون التشخص أو ان المشخصات تكون مقومة للمراد بما هو مراد و
يستحيل تعلق الإرادة بنفس الطبيعي من دون مشخصاته وبعبارة أخرى هل التشخصات
في مرتبة سابقة على الوجود (1) ليكون معروض الوجود هي الماهية المتشخصة أو هي
في مرتبته حتى يكون معروض الوجود كالتشخصات نفس الماهية ونحن إذا راجعنا
وجداننا في إراداتنا نرى ان متعلق الإرادة في أفق النفس كلي دائما وا ن كان مقيدا بألف قيد
حسب اختلاف الأغراض وانما يكون التشخص بالوجود فقط فإذا كان هذا حال الافعال
الإرادية فيكون حال غيرها من الموجودات الخارجية المعلولة لغير الإرادة أيضا كذلك

1 - لا يخفى ان حقيقة الوجود بما انها فعلية محضة يكون تشخصها بنفس ذاتها فكل وجود
في نفسه مغاير لوجود آخر ومتشخص بنفسه واما تشخص الماهية فهو انما يكون بالوجود
وهذا معنى قولهم إن الشيئ ما لم يوجد لم يتشخص واما قولهم الشيئ ما لم يتشخص لم يوجد فالمراد من
التشخص فيه هو التشخص في مرتبة علة الشيئ الموجدة له لا نشخصه المتقوم بالوجود الخارجي المحقق
أو المفروض هذا حال الشخص الحقيقي الذي يكون بالوجود ويعرض الماهية بتبع عروض
الوجود لها واما الأمور التي لا تنفك عن الوجود خارجا كالاعراض الملازمة مع الوجود
الجوهري فهي لا تكون مشخصة له ابدا بل هي موجودات أخرى في قبال ذلك الوجود
المتشخص بنفسه ووجود كل منها متشخص بنفسه أيضا واطلاق المشخص عليها أحيانا
مبنى على ضرب من المسامحة والعناية وعليه فلا مجال لتوهم ان الامر بشئ يكون أمرا
بمشخصاته المسامحية نعم لو بنينا على لزوم كون المتلازمين في الوجود متفقين في الحكم
لكان اللازم هو اتصاف المشخص بحكم المتشخص أيضا لكنه بمراحل عن الواقع على ما سيتبين
في محله انشاء الله تعالى فتلخص ان القول بتعلق الامر بالمشخصات يبتنى على القول بسراية
حكم الشيئ إلى ملازمه ولا د خل له بكون المشخصات في مرتبة سابقة على الوجود اوفى
مرتبة لاحقة له ومن ذلك يظهر ما في كلام شيخنا الأستاذ قدس سره في هذا المقام فلا تغفل
211

فيكون نفس الطبيعي معروض الوجود والتشخص دائما (إذا تبين ذلك) فبضميمة ان
ما هو متعلق الإرادة التكوينية من العبد لابد وأن يكون بعينه متعلقا للإرادة التشريعية
من المولى فان نسبة الإرادة التشريعية إلى التكوينية وان لم يكن نسبة العلة إلى معلولها
حقيقة الا انها في حكم العلة لها ومحركة للعبد إلى إرادة ما تعلقت به يتضح لك ان
متعلق الأوامر هي نفس الطبائع وتكون المشخصات كلها خارجة عن المأمور به (واما)
ثمرة البحث فتظهر في مبحث اجتماع الامر والنهى فإنه بعد اثبات تعلق الأوامر بالطبائع
وان المشخصات خارجة عن متعلق التكليف واثبات ان نسبة كل من الكليين في مورد
الاجتماع من قبيل المشخص للكلي الآخر لا محيص عن القول بجواز الاجتماع وسيأتى
تفصيل ذلك في محله انشاء الله تعالى
الفصل الثامن
في مقدمة الواجب وينبغي لتنقيح البحث تقديم مقدمات
الأولى اختلفوا في أن مسألة وجوب المقدمة هل هي من المسائل الكلامية
أو من المسائل الفقهية أو من المبادى الاحكامية أو من المسائل الأصولية وعلى تقدير
كونها من المسائل الأصولية فهل هي من مباحث الألفاظ أو من المسائل العقلية
(والحق) هو الأخير أما كونها أصولية فلما ذكرنا في أول الكتاب من أن الميزان
في كون المسألة أصولية هو استنباط الحكم الشرعي الكلى عند انضمام نتيجتها إلى
صغرياتها ومن الواضح ان هذه المسألة كذلك واما كونها عقلية فلان المباحث العقلية
تنقسم إلى قسمين " الأول " ما يستنبط الحكم الشرعي منه مستقلا بلا احتياج إلى مقدمة
شرعية كباب التحسين والتقبيح العقليين " والثاني " ما يستنبط منه الحكم الشرعي عند
انضمام مقدمة شرعية إليه كمباحث المفاهيم فان الحاكم بالمفهوم هو العقل لكن استنباط
الحكم متوقف على صدور منطوقه من الشارع ومسألة مقدمة الواجب من هذا القبيل
فان الحاكم بوجوب المقدمة من باب الملازمة هو العقل لكن وجوب المقدمة بالفعل
لا يترتب على حكم العقل بالملازمة الا بعد ثبوت وجوب ذي المقدمة في الخارج و
عدم التمييز بين القسمين مع توهم حصر المسائل العقلية في القسم الأول أوجب جعلها
من مباحث الألفاظ والا فلا ربط لهذه المسألة بالألفاظ أصلا غاية الأمران الوجوب قد
212

يستفاد من اللفظ كما أنه قد يستفاد من غيره واما جعلها من المبادى الاحكامية التي
قد عرفت الحال فيها في أول الكتاب أو من المسائل الكلامية فغير صحيح بعد فرض
صحة عقدها أصولية نعم لو لم يكن فيها جهة أصولية لصح عقدها من المبادى مرة و
كلامية أخرى واما جعلها من المسائل الفقهية ففي غاية البعد فان علم الفقه متكفل
لبيان أحوال موضوعات خاصة كالصلاة والصوم وغيرها والبحث عن وجوب كلي المقدمة
التي لا ينحصر صدقها بموضوع خاص لا يتكفله علم الفقه (1) أصلا
الثانية ان الوجوب المتنازع فيه في المقام ليس هو الوجوب العقلي بمعنى
اللابدية فإنه عبارة أخرى عن المقدمية وانكاره مساوق لانكار المقدمية وهو خلاف المفروض
ولا الوجوب العرضي بمعنى اسناد الوجوب النفسي المتعلق بذى المقدمة أولا وبالذات
إلى المقدمة ثانيا وبالعرض بداهة ان هذا المعنى مما لا يقبل الانكار من أحد فيدور
الامر بين معنيين آخرين (أحدهما) ما جعله المحقق القمي (قده) محلا للنزاع واختار
فيه عدم الوجوب وهو الوجوب الاستقلالي الناشئ عن وجوب ذي المقدمة والظاهر أن
هذا المعنى ليس محلا للكلام أيضا فان الوجوب المترشح الاستقلالي انما يكون
عند الالتفات إلى المقدمية هو قد يكون وقد لا يكون فلا يلازم وجوب ذي المقدمة
دائما بداهة ان ايجاب ذي المقدمة لا يستلزم وجوب مقدمته وجوبا استقلاليا الا مع
التصديق بالمقدمية فلو قطع الامر بعدم المقدمية أو غفل عن ذلك فلا يتأتى منه هذا

1 - لا يختص المباحث الفقهية بما يبحث فيه عن حكم موضوع من الموضوعات الخاصة
لان جملة من المباحث الفقهية كمباحث وجوب الوفاء بالنذر وأخويه ووجوب إطاعة
الوالدين ووجوب الوفاء بالشرط ونحوها يبحث فيها عن احكام العناوين العامة القابلة
للصدق على الافعال المختلفة في الماهية والعنوان بل الوجه في خروج هذه المسألة عن
المباحث الفقهية هو ان البحث في المقام انما هو عن ثبوت الملازمة بين طلب شئ وطلب
مقدمته سواء كان الطلب وجوبيا أم كان استحبابيا واما تخصيص الموضوع في كلام كثير
منهم بالوجوب فإنما هو لأجل الاهتمام بشأنه لا من جهة اختصاص النزاع به وعليه فلاوجه
لتوهم دخول المبحث في المباحث الفقهية بل هو بحث أصولي تقع نتيجة في طريق استنباط
الحكم الشرعي وذلك لأنه بعد ثبوت الملازمة ووجوب شئ في الخارج نقول لو كان
هذا الشيئ واجبا لوجبت مقدمته لكنه واجب فمقدمته واجبة
213

النحو من الايجاب قطعا وإن كانت المقدمة متصفة بنحو آخر من الوجوب بناء على ثبوت
الملازمة كما ستعرف (وثانيهما) ما يظهر من كلام متأخري المحققين كونه محلا للنزاع
وهو الوجوب الترشحي \ التبعي الذي لا يدور مدار الالتفات وعدمه فالقائل بالوجوب
لأجل الملازمة العقلية يرى أن من أوجب شيئا فهو يوجب مقدمته قهرا بوجوب آخر تبعي وان
لم يلتفت إلى مقدميتها أو قطع بدمها (ولا يخفى) ان هذا النحو من الوجوب وإن كان
ثابتا للمقدمة كما ستعرف الا انه لا يترتب على البحث عنه ثمرة أصلا لعدم كونه
مدار استحقاق الثواب والعقاب ولا التقرب من المولى والبعد عنه كما عرفت واما
توهم وجود الثمرة مبحث الضد فهو (1) متوقف على اثبات مقدمية ترك أحد الصدين

1 - سيجيئ في محله ان القول بكون ترك أحد الضدين مقدمة للضد الاخر مع القول
بوجوب المقدمة وعدم صحة الترتب لا يستلزم القول بفساد العبارة عند كونها مزاحمة بواجب
أهم وذلك لان العبادة حينئذ وإن كانت منهيا عنها الا انه لا يوجب فسادها لاختصاص اقتضاء
الفساد بالنهي النفسي الناشئ من وجوب المفسدة في متعلقة ولا يعم النهى الغيري الناشئ
من مقدمية تركه لواجب فعلى فلا ثمرة للبحث من هذه الجهة أصلا والتحقيق في بيان
الثمرة ان يقال إنها تظهر فيما إذا كان الحرام مقدمة لواجب فعلى كما إذا توقف
انقاذ الغريق على التصرف في ارض مغصوبة لأنه إذا بنينا على عدم وجوب المقدمة شرعا
فغاية ما هناك وقوع المزاحمة بين حرمة المقدمة ووجوب ذي المقدمة وبما ان المفروض
كون الوجوب أهم فلا بد من رفع اليد عن حرمة المقدمة بمقدار يقتضيه الضرورة فيجوز
التصرف الواقع في طريق التوصل إلى الواجب واما غيره من التصرفات كالدخول للتنزه
مثلا مع فرض عدم ترتب الانقاذ عليه فلا موجب لارتفاع حرمتها واما إذا بنينا على وجوب
المقدمة فان قلنا بمقالة صاحب الفصول قدس سره من اختصاص الوجوب المقدمي بالمقدمة
الموصلة فالحال فيه هو الحال بعينه فيما إذا لم نقل بوجوب المقدمة أصلا واما إذا قلنا بمقالة العلامة
الأنصاري قدس سره على ما نسب إليه من اختصاص الوجوب المقدمي بالمقدمة التي يقصد
بها التوصل إلى الواجب فيخلف حكم الدخول في الفرض المزبور جوارا ومنعا باختلاف
قصد الداخل فيها فإن كان قصده التوصل به إلى الواجب فهو جائز واقعا سواء ترتب عليه الواجب
في الخارج أم لم يترتب عليه كما أنه إذا لم يكن قصده التوصل به إلى الواجب فهو حرام واقعا
من دون فرق بين ترتب الواجب عليه وعدم ترتبه عليه كما أنه إذا قلنا بمقالة المشهور من
كون المقدمة واجبة بالوجوب الغيري مطلقا سواء قصد بها التوصل إلى الواجب النفسي أم
لم يقصد بها ذلك وسواء ترتب عليها الواجب في الخارج أم لم يترتب عليها فالدخول في مفروض
المثال يقع مصداقا للواجب مطلقا ومعه لا يعقل ان يقع مبغوضا من المكلف ومتصفا بالحرمة
فلا يستحق فاعله العقاب وإن كان يستحق الثواب أيضا لعدم قصد التوصل به إلى الواجب
على الفرض وهذه ثمرة مهمة جدا نترتب على البحث عن ثبوت الملازمة وعدمها بين وجوب شئ ووجوب
مطلق مقدمته أو خصوص مقدمة من مقدماته
214

للاخر وعدم صحة الترتب وكلتا المقدمتين ممنوعتان كما سيظهر في محله انشاء الله تعالى
وعليه فلا يكون النزاع الا علميا محضا
الثالثة تنقسم المقدمة إلى داخلية وخارجية والداخلية تنقسم إلى داخلية بالمعنى
الأخص وداخلية بالمعنى الأعم (اما) الداخلية بالمعنى الأخص فهي الاجزاء التي
يتقوم المأمور به منها فيكون التقيد كذات القيد داخلا في المأمور به واما الشروط و
عدم الموانع فكلها خارجية بهذا المعنى لعدم دخول ذواتها في المأمور به وإن كان
التقيد بها داخلا فيه (واما) الداخلية بالمعنى الأعم فهي كلما يتوقف امتثال المأمور به
عليه شرها فيستحيل الامتثال بدونه وعليه فتدخل الشروط وعدم الموانع في المقدمة
الداخلية أيضا والحاصل ان الشرط وعدم المانع باعتبار دخول التقيد بهما يعد ان
من المقدمة الداخلية وباعتبار خروج نفسهما عن المأمور به يعدان من الخارجية و
تقابل الداخلية بالمعنى الأعم الخارجية بالمعنى الأخص وهى المقدمات العقلية التي
يتوقف وجود المأمور به عليها عقلا من دون ان يتوقف الامتثال عليها شرعا لعدم كون
التقيد ولا ذات القيد الداخلين في ما هو المأمور به شرعا وهى تنقسم إلى علة ومعد (و
مجمل الفرق) (1) بينهما ان ماله دخل في وجود الشيئ (اما) أن يكون له تأثير
فيه و (اما) ان لا يكون له تأثير فيه أصلا الا أنه يكون مقربا له من علته (اما الأول)
فاما أن يكون علة بسيطة أو يكون جزء علة لا كلام لنا على تقدير البساطة واما على
تقدير التركب فاما أن تكون العلة المركبة تدريجية الوجود أولا فإذا كانت العلة تدريجية

1 - ما أفيد في المتن في بيان التفرقة بين المعد والعلة اصطلاح من شيخنا الأستاذ قدس سره
والصحيح ان المعد قسم من الشرط به الشرط المتقدم المعدوم عند وجود مشروطه وعليه
فصعود الدرجة الأولى بالقياس إلى الكون في السطح يكون معدا كما أن قوة القوس بالإضافة
إلى حركة السهم يكون شرطا
215

الوجود فلا محالة يستند المعلول إلى الجزء الأخير من العلة التامة وإذا لم تكن
تدريجية الوجود فالمعلول يستند إلى المقتضى منها فقط كذات النار بالإضافة إلى
الاحراق سواء كان حدوث وجوده قبل حدوث وجود بقية اجزاء العلة كالمحاذاة ويبوسة
المحل ونحوهما أو بعدها فإنه لابد في وجود الاحراق من اجتماع تمام اجزاء العلة
في الوجود في عرض واحد فلا يفرق بين سبق أحدهما على الاخر في الوجود وعدمه
(واما الثاني) وهو ما يقرب المعلول من علته المعبر عنه بالمعد فالفرق بينه وبين غير
الجزء الأخير من العلة التامة هو ان كل جزء من أجزاء العلة كما أن له دخلا في وجود
المعلول له دخل في وجود الجزء اللاحق له من اجزائها وهذا كصعود الدرج فأن
صعود الدرجة الأولى كما يتوقف عليه الكون في السطح كذلك يتوقف عليه صعود
الدرجة الثانية وهكذا بخلاف المعد فإنه لا يتوقف عليه الأنفس المعلول دون الاجزاء
اللاحقة نظيره قوة القوس التي لها دخل اعدادي في حركة السهم ولادخل لها في
حركة يدي الرامي التي هي الجزء الأخير من العلة ولو سمى غير الجزء الأخير من العلة التامة بالمعد بالمعنى الأعم لم يكن به بأس أيضا
(إذا عرفت ذلك) فاعلم أن المحقق صاحب الحاشية (قده) اخرج المقدمات
الداخلية بالمعنى الأخص عن حريم النزاع وقد استدل عليه بما يقرب من استدلال
القائلين بخروج العلة عن محل الكلام وحاصله ان المقدمات الداخلية بما ان التقيد و
القيد فيها داخلان في المأمور به فهي نفس متعلق الأمر النفسي وليس فيها جهة أخرى
توجب تعلق الوجوب الغيري بها مع أنه يستحيل كون شئ واحد متعلقا للامر النفسي
والغيري المترشح من قبل نفسه لاحتياج الامر الغيري إلى اتصاف متعلقة بالمقدمية
المستلزمة للمغايرة في الوجود بين المقدمة وذيها وعمدة الاشكال هو ذلك لا لزوم
اجتماع الحكمين المتماثلين فإنه يمكن الجواب عنه بالاندكاك والتأكد كما إذا كان
عبادة وإن كان تقيد الواجب بها داخلا في المأمور به الا ان ذواتها خارجة على الفرض فلا
مانع من تعلق الوجوب الغيري على القول بالملازمة (وأورد عليه) في التقريرات

1 - تقدم منه قدس سره انكار التأكد في أمثال ذلك بدعوى ان الوجوب الغيري انما هو في
طول الوجوب النفسي لا في عرضه وقد مر بيان ما هو الحق عندنا هناك
216

بما حاصله ان الاجزاء فيها جهتان (جهة) اخذها بشرط لا وبهذه الملاحظة تكون
اجزاء ومقدمة على الكل (وجهة) اخذها لا بشرط وبها تكون متحدة مع المركب
وعينه كما ذكر ونظير ذلك الهيولي والصورة فإنهما قد يؤخذان بشرط لا وقد يؤخذان لا بشرط
وإذا ثبت فيها جهتان متغايرتان فيمكن ان يتعلق بها الوجوب النفسي بملا حظة
الجهة الثانية والوجوب الغيري بملا حظة الجهة الأولى
(ويرد عليه) ان اخذ الجزء لا بشرط مرة وبشرط لا أخرى منحصر بالاجزاء
الطولية التي يكون أحد الجزئين قوة ومادة والجزء الآخر فعلية وصورة فلا محالة
يكون بينهما الاتحاد في الوجود فيكون لحاظ كل منهما لا بشرط أعني به لحاظ كل من
الجزئين على ما هو عليه من اندكاك أحدهما في الآخر واتحاده معه في الوجود مصححا
لحمل أحدهما على الآخر وحمل كل منهما على المركب كما في الجنس والفصل و
لحاظ كل منهما بشرط لا أعني به قصر النظر على حد القوة بما هي أو الفعلية بما هي موجبا
لعدم صحة الحمل كما في الهيولي والصورة وقد ظهر بما ذكرناه ان معنى اخذ الاجزاء
الطولية بشرط لا هو لحاظ منهما على حياله وقصر النظر على حد وجوده قوة أو فعلية
المعبر عنه بكلمة (بشرط لاعن ما يتحد معه) واما لحاط كل جزء بشرط لاعن ما يكون معه
بمعنى لحاظه مستقلا في الوجود بدون الآخر فهو يستلزم كون الملحوظ من الكليات
العقلية التي لا موطن لها الا الذهن لامتناع وجود أحدهما منفكا عن الآخر في الخارج
(واما) الاجزاء والمركبات الاعتبارية التي لا اتحاد بين اجزائها في الوجود أصلا ويمتنع
حمل كل منها على الآخر وعلى المركب فاعتبارها بشرط لا لا معنى له أصلا بل لابد
اما من اعتبار كل جزء ذاته وعلى حياله فهو معنى لحاظه لا بشرط وبه تكون الاجزاء
اجزاء واما من اعتباره بشرط الانضمام الذي هو معنى لحاظه بشرط شئ وبه يكون
المركب مركبا فملاك الجزئية في المركبات الاعتبارية اخذ الاجزاء لا بشرط وملاك
التركيب اخذها منضمة وبشرط شئ (إذا عرفت ذلك) فاعلم أنه يمكن ان يقال باتصاف
الاجزاء بالوجوب الغيري بتقريب اخذ الشيئ لا بشرط يكون على نحوين (أحدهما)
اخذ الشيئ لا بشرط بلحاظ الطوارى والعوارض بحيث لا ينافيه اقترانه بشئ منها كاخذ
الرقبة في قولنا أعتق رقبة لا بشرط بالقياس إلى العدالة والفسق وغيرهما من الطوارى
217

ولازمه تخيير المكلف عقلا في عتق أي رقبة شاء (وثانيهما) اخذه لا بشرط بمعنى قصر
النظر على ذاته لا يلحظ معه الطوارى أصلا حتى بنحو اللا بشرطية الأولى و
من المعلوم ان مقوم الجزئية انما هو اعتبار الاجزاء لا بشرط بالمعنى الثاني فان حيثية
الانضمام انما تعرض لتلك الأجزاء في مقام الحكم والامتثال ولذا لو اتى المكلف بتمام
اجزاء المأمور به لا بقصد الانضمام ولكن اتفق الانضمام في الخارج لما اجزاء متقدما
في الرتبة على ما اخذ بشرط شئ أعني به المركب فلا يسرى الامر النفسي المتعلق
بالمركب إلى ما هو في مرتبة سابقة وعليه هي الاجزاء فلا مانع حينئذ من اتصافها بالوجوب
الغيري فتلخص ان حيثية الانضمام الطارية على ذوات الاجزاء أو جبت كونها أمرا آخر
في قبال نفس ذواتها التي هي مقدمة لهذا الامر الواحد اعتبارا في مقام التشريع
والامتثال وبذلك يندفع اشكال ترشح الامر الغيري بشئ من الامر النفسي المتعلق بذاك
الشيئ بعينه نعم حيث إن ذوات الاجزاء موجودة في ضمن المركب لا بوجود آخر فيبقى
اشكال اجتماع المثلين بحاله وقد عرفت انه ليس فيه كثير اشكال للزوم مثله في العبادات
الواجبة التي هي مقدمة لواجب آخر وانه يمكن الجواب عنه بالالتزام بالاندكاك والتأكد
هذا ولكن (الاتصاف) ان ما ذكرناه من التقدم والتأخر وإن كان صحيحا بالنظر إلى
لحاظ الجزء والمركب في نفسيهما الا انه لا يصحح اتصاف الاجزاء بالوجوب الغيري الذي
ملاكه توقف أحد الوجدين على الآخر وبما انه ليس في مفروض الكلام مغايرة
بين الوجودين فلا يعقل ترشح الوجوب الغيري المتعلق بالاجزاء من الوجوب النفسي
المتعلق بالمركب الذي هو نفس الاجزاء في الخارج على الفرض
واما المقدمات الخارجية فقد اختلف فيها انظار العلماء (فمنهم) من ذهب إلى
وجوب المقدمة السببية وانكره في غيرها ونسب هذا القول إلى السيد (قده) ولكن
النسبة غير صحيحة فإنه (قده) فرق بين المقدمة السببية وغيرها بان وجوب الواجب
لا يمكن أن يكون مشروطا بسببه للزوم طلب الحاصل بخلاف غيره من المقدمات فإنه
لا مانع من اشتراط الوجوب بوجودها فمطلبه أجنبي عما نحن فيه رأسا (ومنهم) من
ذهب إلى أن محل النزاع انما هو غير المقدمة السببية واما السببية فهي واجبة بالوجوب
218

النفسي المتعلق بالمسبب فان المقدور هو السبب وانما المسبب من لوازم وجوده قهرا
وليس هو بنفسه تحت اختيار العبد فلا يمكن ان يتعلق به الوجوب لما قد بيا سابقا ان
مالا يمكن تعلق الإرادة التكوينية الفاعلية به لا يمكن تعلق الإرادة التشريعية الآمرية به
أيضا فلابد من صرف الوجوب الثابت للمسبب في ظاهر الدليل إلى سببه (والتحقيق)
في هذا المقام أن يقال أن ما يسمى علة ومعلولا اما يكون وجودا أحدهما مغاير الوجود
الآخر في الخارج أو يكونا عنوانين لموجود واحد وإن كان انطباق أحدهما عليه في
طول انطباق الآخر لافى عرضه (اما) ما كان من قبيل الأول كشرب الماء ورفع العطش
فلا اشكال في أن الإرادة الفاعلية تتعلق بالمعلول أولا لقيام المصلحة به ثم تتعلق بعلته
لتوقفه عليها فيكون حال الإرادة التشريعية الآمرية أيضا كذلك وهذا معنى ما يقال
من أن المقدور بالواسطة مقدور فلا معنى لصرف الامر المتعلق بالمسبب إلى سببه بعد
كون المسبب مقدورا ولو بالواسطة وكونه هو الوافي بالغرض الأصلي (واما) ما كان
من قبيل الثاني كالقاء النار والاحراق المتصف بهما فعل واحد في الخارج (1) وإن كان
صدق عنوان الالقاء متقدما على صدق عنوان الاحراق رتبة وكذلك عنوان الغسل
والتطهير فقد بينا سابقا أن كلا من العنوانين قابل لتعلق التكليف به كما في قوله (عليه السلام)
(اغسل ثوبك من أبوال مالا يؤكل لحمه) وقوله تعالى (وثيابك فطهر) فإذا تعلق بالمسبب
في ظاهر الخطاب فهو متعلق بذات السبب في نفس الامر لا محالة كما أنه إذا تعلق بالسبب
فهو يتعلق به بما انه معنون بمسببه وهذا القسم هو مراد العلامة الأنصاري (قده) من
المحصل في ما ذهب إليه من أن البراءة لا تجرى عند الشك في المحصل كما أشرنا إليه

1 - ما افاده قدس سره من خروج القسم الثاني مما يسمى بالعلة والمعلول ولو بالعناية عن
محل البحث في المقام وإن كان متينا جدا كما أشرنا إليه سابقا الا ان تمثيله لذلك بعنواني
الالقاء والاحراق وبعنواني الغسل والتطهير في غير محله لان موجود الملاقاة في الخارج
مغاير لوجود الحرارة بالضرورة فيكون الالقاء غير الاحراق أيضا إذا لإيجاد والوجود متحدان
بالذات وإن كان مخلفين بالاعتبار وكذلك الطهارة بمعنى النظافة العرفية موجودة في الخارج
بوجود مغاير لوجود الغسل ومترتبة عليه بالوجودان واما الطهارة الشرعية فهي حكم شرعي
مترتب على وجود موضوعه خارجا وهو الغسل فكيف يعقل أن يكون عنوان الطهارة منطبقا
على ما ينطبق عليه عنوان الغسل
219

سابقا فإذا كان الامر بكل منهما أمرا بالآخر فلا معنى للاتصاف بالوجوب الغيري
فيكون هذا القسم خارجا عن محل النزاع وعليه فلا وجه للتعبير بصرف الخطاب فإنه
فرع التعدد والمفروض فيما نحن فيه هو الوحدة والاتحاد
ثم أن المهم هو تقسيم المقدمة على النحو الذي ذكرناه (واما) بقية التقسيمات
كتقسيمها إلى المقدمة العقلية والعادية والشرعية وكتقسيمها إلى مقدمة الصحة والوجود
والعلم والوجوب فكلها ترجع إلى ما ذكرناه فان المقدمات الشرعية هي المقدمات
الداخلية بالمعنى الأعم والمقدمات العقلية هي المقدمات الخارجية بالمعنى الأخص
(واما) المقدمات العادية فهي راجعة إلى العقلية بعد فرض امتناع الوصول إلى ذي المقدمة
بدونها ممن لا يمكنه خرق العادة كما أن مقدمات الوجود راجعة إلى المقدمات الخارجية
ومقدمات الصحة راجعة إلى المقدمات الداخلية (واما) مقدمة الوجوب فهي
أجنبية عن محل الكلام لان محل البحث هي مقدمة الواجب لا الوجوب (واما) مقدمة
العلم فهي مقدمة لامتثال الواجب عقلا فتكون أجنبية عن محل الكلام أيضا وعلى فرض
وجوبه شرعا وتعلق خطاب به فهي ترجع إلى المقدمات الخارجية
بقي الكلام
في تقسيم المقدمة إلى سابقة ولا حقة مقارنة وبيان ما هو الحق في المقام من
امتناع الشرط المتأخر أو جوازه وقبل الخوض في ذلك ينبغي تقديم أمور
الأول انه لا اشكال في خروج المقدمات العقلية عن محل الكلام وعدم جواز
تأخرها عن المعلول لامتناع وجود المعلول قبل وجود علته التامة بتمام اجزائها من
المعد والشرط والمقتضى وما يقال من أن المتأخر بوصف تأخره يكون شرطا لا ذاته
فالشرط لم يتأخر وانما المتأخر هو الشرط كلام لا معنى له فإنه في قوة أن يقال أن
المعدوم بوصف كونه معدوما شرط ومؤثر في المعلول والالتزام به مما لا ينبغي صدوره
عن العاقل
الأمر الثاني انه لا اشكال في خروج العناوين الانتزاعية عن محل النزاع أيضا
لأنها انما تنتزع عما تقوم به وليس للطرف الآخر دخل في انتزاعها عن منشأ انتزاعها
أصلا مثلا الأبوة والبنوة ينتزع كل منهما عن شخص باعتبار حيثية قائمة به لاعنه وعن
220

الاخر (فتوهم) ان العنوان السبق انما ينتزع عن السابق باعتبار دخل الامر اللاحق فيه
فإذا كان شرطا لوضع أو تكليف فمرجعه إلى دخل الامر المتأخر فيهما (مدفوع) بأن
السبق انما ينتزع عن نفس السابق بالقياس إلى ما يوجد بعد ذلك وكذا اللحوق ينتزع
عن نفس اللاحق بالقياس إلى ما وجد قبله ولا دخل للسابق في انتزاع اللحوق عن
اللاحق ولا للاحق في انتزاع السبق عن السابق حتى يلزم دخل المعدوم في الموجود
وعليه يتفرع انه لو قام دليل على ثبوت الملكية مثلا بالمعاملة الفضولية حينها على
فرض تعقبها بالإجازة لكشف ذلك عن اشتراطها بنفس عنوان التعقب الثابت للبيع والمنتزع
عنه بلحاظ تحقق الإجازة في ظرفها فما فرض شرطا فهو مقارن للشرط لا محالة بلا دخل
للامر المتأخر فيه أصلا
الأمر الثالث ان التحقيق هو خروج شرائط المأمور به عن حريم النزاع أيضا
بداهة ان شرطية شئ للمأمور به ليست الا بمعنى اخذه قيدا في المأمور به فكما
يجوز تقيده بأمر سابق أو مقارن يجوز تقيده بأمر لاحق أيضا كتقيد صوم المستحاضة
بالاغتسال في الليلة اللاحقة
وتوضيح الحال في المقام انه لا اشكال في أن المستحاضة إذا عملت بما
هو تكليفها من الأغسال فهي في حكم الطاهرة فتصح عباداتها الا انه وقع لا اشكال في أن
غسلها هل يؤثر في رفع الحدث السابق أو اللاحق مثلا إذا اغتسلت بعد الليل فهل
هذا الغسل يؤثر في رفع الحدث إلى طلوع الفجر وكذلك الغسل بعد الفجر يؤثر
في رفع الحدث إلى الزوال وكذا الغسل بعد الزوال يؤثر في رفعه إلى الغروب أو
ان كل غسل يؤثر في رفع الحدث السابق عليه فالغسل في الليل يرفع الحدث من
الزوال إلى الليل والأول هو مختار المشهور ولذا افتوا بأنها لو تركت الاغتسال في الليل
بطل صومها في الغد لطلوع الفجر عليها وهى غير طاهرة وذهب بعضهم إلى الثاني ومن
هذه الجهة لا ينبغي الاشكال في جواز تأخر الغسل اللاحق في رفع الحديث السابق ومع قطع النظر عن
هذه الجهة لا ينبغي الاشكال في جواز تأخر شرط المأمور به عن مشروطه إذ لا يزيد الشرط بالمعنى
المزبور على الجزء ألد خيل في المأمور به تقيدا وقيدا فكما انه لا اشكال في امكان
تأخر الاجزاء بعضها عن بعض كذلك لا ينبغي الاشكال في جواز تأخر الشروط عن
المشروط بها أيضا
221

(فان قلت) بين الاجزاء والشرايط فرق لان كون الجزء دخيلا في المأمور به
تقيدا وقيدا يوجب انبساط الامر على تمام الاجزاء لا محالة وإن كانت الاجزاء تدريجية
الوجود وهذا بخلاف الشروط فان القيود على ما تقدم خارجة عن المأمور به وانما
الداخل فيه هي التقيدات التي تحصل من إضافة المشروط إلى شرائطه وحينئذ فيسأل
عن أن هذه الإضافات عند تأخر الشرائط هل توجد قبل تحقق الشرائط أو توجد عند
تحققها وعلى الأول يلزم وجود الامر الانتزاعي قبل وجود منشأ انتزاعه وعلى الثاني
يلزم تحقق الإضافة مع عدم أحد طرفيها هو المشروط (قلت) قد بينا في مبحث الواجب
المشروط ان العناوين الانتزاعية بما انها لا تحقق لها خارجا يستحيل تعلق الامر بها
بأنفسها فالامر المتعلق بها لابد من تعلقه بمنشأ انتزاعها وعليه فالشرط المتأخر المأخوذ
قيدا في الواجب يمتنع أن يكون أمرا غير اختياري متيقن الحصول كدخول المغرب
مثلا أو مشكوك الحصول كنزول المطر ضرورة ان اخذه قيدا لغو على الأول ومستحيل
على الثاني لامتناع توقف الامتثال على أمر غير اختياري تابع في وجوده لعلته الخارجة
عن تحت قدرة المكلف فلا مناص عن كون الشرط المتأخر المعتبر قيدا في الواجب أمرا
يجوز تعلق التكليف به فالامر بالمقيد بنفسه (1) يتعلق بالقيد كما أن الامر بالمركب
يتعلق بكل واحد من اجزائه وعليه يتفرع ان امتثال الامر المقيد بقيد متأخر انما
يكون باتيان الشرط المتأخر في ظرفه كما أن امتثال الامر بالمركب انما يتحقق باتيان

1 - قد عرفت فيما تقدم ان الامر بالمقيد لا يكون أمرا بقيده ابدا والا لبطل الفرق بين الجزء
والشرط ولزم خروج الشرايط عن محل النزاع في بحث وجوب المقدمة أيضا لان ما تعلق
به شخص الوجوب النفسي لا يمكن ان يتعلق به الوجوب الغيري المترشح منه كما مر واما
لزوم كون الامر المتعلق بالامر الانتزاعي متعلقا بمنشأ انتزاعه فهو وإن كان صحيحا الا انه
أجنبي عن المقام فان التقيد المأخوذ في المأمور به لا ينتزع عن قيده ولذلك ذكرنا فيما
تقدم ان القيد المأخوذ في المأمور به لا يلزم أن يكون اختياريا إذا المعتبر في صحة الامر
بالمقيد هو كون المقيد بما هو مقيد تحت قدرة المكلف واختياره سواء كان قيده أمرا اختياريا
أم لم يكن وعليه فلا مناص عن الالتزام بحصول الامتثال قبل تحقق ما هو شرط متأخر للواجب
فيكون حال شرايط الواجب حال شرايط التكليف والوضع امكانا وامتناعا وستعرف ما
يقتضيه التحقيق في ذلك انشاء الله تعالى
222

الجزء الأخير غاية الأمر ان تعلق الامر بالجزء انما هو من جهة دخله قيدا وتقيدا و
بالشرط من جهة دخل تقيده فقط وهذا لا يكون فارقا بعد تعلقه بكل منهما ودخل كل
منهما في امتثاله (ان قلت) كيف يعقل تعلق الامر بالشرط المتأخر وهو غير مقدور حين
الامر بالمشروط مع أن القدرة على المأمور به لابد منها في توجه التكليف
(قلت) نعم الا انه مقدور في ظرفه والقدرة التي هي شرط التكليف انما هي القدرة في ظرف
العمل المفروض تحققها فيما نحن فيه كما في الاجزاء التدريجية بلا فرق بينهما أصلا غاية
الأمران الامتثال في كلا الموردين يتحقق عند الاتيان بالجزء الأخير أو الشرط المتأخر
بل لا اشكال في جواز تأخر شرائط الوضع والتكليف أيضا إذا كان الوضع أو التكليف مقارنا (1)
لتحقق الشرط كما إذا بنينا على النقل وحصول الملكية عند تحقق الإجازة المتأخرة عن البيع
مثلا نعم لو قلنا بتحقق الامتثال قبل الاتيان بالشرط ومع ذلك كان شرطا فالاشكال هو بعينه اشكال
تأثير الامر المتأخر في الوضع فظهر مما ذكرنا ان الاشكال في تأخر شرط المأمور به انما
هو من جهة الالتزام بتأثير الشرط المتأخر في الحكم الوضعي المتقدم كما في تأثير غسل
الحايض ليلا في رفع حدثها السابق أو من جهة الالتزام بتحقق الامتثال قبل حصول الشرط
واما مع عدم الالتزام بشئ منهما فجواز تأخر الشرط مما لا ينبغي التأمل فيه
الأمر الرابع لا ينبغي الريب في أن العلة الغائية والملاكات المترتبة على متعلقات الاحكام
التي هي علل تشريعها لا تكون بوجودها الخارجي مؤثرة في تشريع الحكم وجعله بداهة
انها متأخرة في الوجود الخارجي عن متعلقات الاحكام فضلا عن نفسها فكيف يعقل أن تكون
مؤثرة في جعل الحكم وتشريعه بل المؤثر فيه دائما انما هو علم الجاعل بترتب
الملاك على متعلق حكمه سواء أصاب علمه أم أخطأ ومن الواضع ان العلم بالترتب
مقارن مع الجعل والتشريع دائما وانما المتأخر هو ذات المعلوم ومن ذلك يظهران
شرايط الجعل خارجة عن محل النزاع رأسا فالنزاع منحصر بشرايط الحكم المجعول (توضيح
ذلك) ان القضايا كما عرفت تنقسم إلى قسمين خارجية وحقيقية (اما القضايا) الخارجية
فلا يتوقف الحكم فيها على غير دواعي الحكم المؤثرة فيه بوجودها العلمي طابق الواقع

1 - إذا فرض تحقق التكليف أو الوضع مقارنا لحصول شرطه فلا موضوع للبحث عن الجواز
والامتناع كما هو ظاهر
223

أم لم يطابق وهذا القسم من القضايا خارج عن محل الكلام بالكلية فان الحكم فيها
يدور مدار علم الحاكم فقط سواء كان المعلوم مقارنا أم متقدما أم متأخر (واما القضايا)
الحقيقية التي حكم فيها بثبوت الحكم على الموضوعات المقدر وجودها فيحتاج الحكم
فيها إلى أمرين أحدهما ما يكون داعيا إلى جعل الحكم على موضوعه المقدر وجوده
وثانيهما ما يكون موضوعا له واخذ مفروض الوجود في المقام الحكم ويدخل في ذلك
الشرائط المأخوذة فيه لما عرفت في بحث الواجب المشروط من رجوع شرايط الحكم
إلى قيود الموضوع وهذا القسم من القضايا من الجهة الأولى خارجة عن محل الكلام
أيضا لان المؤثر في جعل الحكم فيها كما عرفت انما هو علم الحاكم سواء أصاب أم
أخطأ وسواء كان المعلوم متقدما أم مقارنا أم متأخر فالنزاع منحصر في القضايا الحقيقية
من الجهة الثانية والنفي والاثبات واردان على جواز تأخر شرط الحكم الذي
اخذ مفروض الوجود في مقام انشاء الحكم وجعله عن فعليته وتحققه خارجا فما ذهب
إليه المحقق صاحب الكفاية (قده) من جواز تأخر الشرط نظرا إلى لزوم كون الشرط
للفعل الاختياري هو الوجود اللحاظي دون الخارجي انما نشأ من خلط القضايا الخارجية
بالقضايا الحقيقية ومن عدم التفرقة بين دواعي الجعل والشرايط المأخوذة مقدرة الوجود
الراجعة إلى قيود الموضوع كما عرفت (تنبيه) ومما يتفرع على تقسيم القضية إلى قسمين
حقيقية وخارجية واختلاف احكامهما اختلاف الحكم في الفرع المشهور وهو ما لو اذن
المالك لدخول أصدقائه في داره فهل يجوز الدخول لمن يعتقد المالك صداقته مع كونه
عدوا له في الواقع أولا وبعبارة أخرى هل يكفي في جواز الدخول رضاء المالك واذنه
ولو كانا ناشئين عن اعتقاد الصداقة خطأ أو ان كراهته دخول عدوه الواقعي موجبة لحرمة
دخول عدوه وان اذن له اشتباها (والتحقيق) فيه ان يقال إن الاذن (تارة) يكون
لاشخاص مخصوصين على نحو القضايا الخارجية فيكون علم المالك بكونهم أصدقائه
ولو كان خطأ داعيا إلى الاذن المزبور وبما ان المؤثر في الاذن حينئذ هو العلم دون
الواقع فيجوز الدخول لمن اذن له ولو كان عدوا واقعا إذا المفروض ان الاذن فعلى
ومحقق ومعه لا تضر الكراهة لو اطلع المالك على عداوته و (أخرى) يكون الاذن
على نحو القضايا الحقيقية فيكون عنوان الصديق هو الموضوع لجواز الدخول وبما ان
224

المفروض حينئذ تعلق الجواز الصديق من دون دخل العلم المالك بتحقق الموضوع
في ترتب الحكم عليه فلا يجوز الدخول للعد والذي يعتقد المالك صداقته لعدم تحقق
الموضوع واقعا وان اعتقد المالك تحققه ويلحق بهذا القسم ما لو اخذ الصداقة قيدا
في الموضوع كما لو اذن في الدخول لاشخاص مخصوصين بشرط كونهم أصدقاء فان التقييد
يرجع بالآخرة إلى اخذ القيد عنوانا للموضوع كما عرفت (ثم إن النزاع) انما هو في جواز
تأخر الشرط عن مشروطه واما جواز تقدمه عليه فليس فيه اشكال أصلا بداهة ان كل شرط
حينما وجد يؤثر اثره الاعدادي ليكون التأثير والتمامية بالجزء الأخير من العلة كما هو
الحال في الشرائط العقلية أيضا فما عن المحقق صاحب الكفاية أيضا من تعميم النزاع
للشرط المتقدم بدعوى سراية ملاك النزاع إليه فهو في غير محله
إذا عرفت هذه الأمور فالحق (1) هو امتناع تأخر شرائط الوضع أو التكليف عنهما
لأوله إلى الخلف والمناقضة كما في تأخر الشرائط العقلية (وتوضيح ذلك) أن المجعول
الشرعي في القضايا الحقيقية لو قلنا بأنه هي السببية دون المسببات عند وجود أسبابها
لكان تأخر الشرط عن المشروط به من تأخر العلة عن معلولها حقيقة وهو واضح الاستحالة
(مثلا) لو قلنا بأن المجعول للشارع هو كون الدلوك سببا بالوجوب الصلاة لا نفس وجوبها
عند الدلوك لكان الدلوك من اجزاء علة الوجوب حقيقة ويرجع تأخره عن الحكم إلى
تقدم المعلول على علته (وبطلانه) لا يحتاج إلى برهان وبيان واما إذا قلنا بان المجعول
الشرعي هو نفس المسبب وانما تنتزع السببية من جعل المسببات عند أمور خاصة (كما
هو) الحق بداهة ان الأحكام الشرعية أفعال اختيارية للشارع وتصدر عن ارادته فلا معنى
لكونها مسببة ومترشحة عما اصطلحوا على تسميتها بالأسباب مضافا) إلى أن السببية من

1 - بل التحقيق هو جواز تأخر الشرط مطلقا سواء كان الشرط شرطا للمأمور به أم كان شرطا
للحكم التكليفي أو الوضعي اما في الأول وهو ما إذا كان المتأخر شرطا للمأمور به فلان شرطية
شئ للمأمور به ليست الا بمعنى دخل ذلك الشيئ في المأمور به وكون الامر متعلقا بالمقيد به
الذي هو عبارة عن حصة خاصة من الطبيعي وكما يمكن تقيد المأمور به بأمر مقارن أو متقدم
يمكن تقيده بأمر متأخر بالضرورة فإذا فرضنا ان ملاك طلب المولى قائم بحصة خاصة من
الطبيعي وهى المقيدة بقيد متأخر بان يكون المؤثر في الملاك نفس تلك الحصة من دون
أن يكون للامر المتأخر تأثير فيه كما هو الحال في القيود المقارنة أو المتقدمة فلا مناص عن
التزام كون الطلب متعلقا بتلك الحصة أيضا بعد فرض كونها مقدورة للمكلف بما هي كذلك
فوجود القيد المتأخر لا شأن الا انه يكشف عن وجود تلك الحصة في ظرف كونها مطلوبة
ومن الواضح انه لا محذور في كشف الامر المتأخر عن تحقق شئ قبله أصلا وبالجملة
اختلاف الطبيعة الواحدة باختلاف حصصها في الخارج في الاشتمال على ملاك تعلق الطلب بها
وعدمه مما لا ريب فيه وكما تتحصص الطبيعة باعتبار تقيدها بأمور متقدمة أو مقارنة كذلك تتحصص
باعتبار تقيدها بالأمور المتأخرة أيضا فاشكال تأخر الشرط الناشئ من توهم تأثير الامر المتأخر في المتقدم
مندفع من أصله واما في الثاني وهو ما إذا كان المتأخر شرطا للحكم التكليفي أو الوضعي
فلان شرط الحكم وإن كان لا بد من اخذه مفروض الوجود في مقام الجعل والانشاء الا
ان ظرف وجوده المفروض يختلف باختلاف كيفية الجعل فربما يجعل الحكم على موضوع
مقيد بقيد اخذ مفروض الوجود مقارنا له أو متقد ما عليه وربما يجعل الحكم على موضوع
المقيد بقيد اخذ مفروض الوجود بعد وجوده والقيد في جميع ذلك وإن كان مفروض الوجود
الا انه يختلف باختلاف ظرف وجوده المأخوذ قيدا في الحكم وقد ذكرنا فيما تقدم انه
لا مناص في موارد الواجبات التدريجية من الالتزام بالشرط المتأخر لان فعلية الوجوب في الان
الأول متوقفة على بقاء شرايط التكليف من الحياة والقدرة وغيرهما إلى زمان الاتيان
بالجزء الأخير لا محالة وفيما ذكرناه في بحث الواجب المشروط ما ينفعك في المقام فراجع
هذا بحسب الامكان واما بحسب الوقوع فالمتبع هي د لالة الليل وهى تختلف باختلاف الموارد
225

الأمور الواقعية الناشئة عن خصوصية وربط بين السبب والمسبب ولا معنى لتعلق الجعل
التشريعي بها فقد عرفت انه لا بد من أن يكون نسبة الشرائط إلى الاحكام نسبة الموضوعات
إليها فكما يمتنع وجود المعلول قبل وجود علته للزوم الخلف والمناقضة (كذلك)
يمتنع وجود الحكم قبل وجود المقدر وجوده في مقام الجعل وبالجملة إذا
فرضنا دخل وجود الامر المتأخر في فعلية الحكم سواء كان دخله على نحو العلية أو
الموضوعية ففرض وجود الحكم قبل تحقق ذلك الامر يستلزم الخلف والمناقضة (وفيما
ذكرناه) في مبحث الواجب المشروط ما ينفع في المقام فراجع (فظهر) أن مقتضى
القاعدة بعد امتناع الشرط المتأخر (هو) الالتزام بالنقل في باب البيع الفضولي دون
الكشف (1) (واما) ما نقله فخر المحققين (قده) عن بعض من أن مقتضى القاعدة هو الكشف

1 - قد ذكرنا في محله ان الكشف الحقيقي وكون الإجازة المتأخرة كاشفة عن تحقق
الملكية في زمان العقد وإن كان أمرا معقولا الا انه خلاف ظواهرا لأدلة لان استناد العقد
إلى المالك وكونه عقده انما يتحقق في زمان الإجازة لا قبله الا انه لابد من الالتزام
بالكشف الحقيقي بمعنى آخر بان يقال إن الإجازة بما انها تتعلق بالملكية أو الزوجية السابقة
والمفروض امضاء الشارع لها يكون متعلق حكم الشارع هي الملكية أو الزوجية السابقة
أيضا فالمال مثلا قبل الإجازة كان محكوما بكونه مملوكا لمالكه الأول وبعد الإجازة يحكم
بكونه ملكا للمجيز من حال صدور العقد وبعبارة أخرى اعتبار الملكية مثلا وإن كان مقارنا
مع الإجازة الا ان متعلقه أمر سابق عليها ولا مضادة بين الحكم بملكية شئ لا حذفي
زمان والحكم بعده بملكية ذلك الشيئ في ذلك الزمان لشخص آخر فوحدة زمان الملكيتين
مع تغاير زمان الاعتبارين لا محذور فيها أصلا وتمام الكلام في محله وسيجيئ ما في
كلام شيخنا الأستاذ قدس سره من الجواب عن ذلك بعيد هذا انشاء الله تعالى
226

مد عيا بأن المملك هو العقد فلو تأخرت الملكية عنه لزم تأثير المعدوم في الموجود
لكون العقد معدوما حال الإجازة (فيرده) مضافا إلى النقض ببيع الصرف
والسلم لتبعية الملك فيهما للقبض دون العقد (أن) الملكية الشرعية الثابتة حين الإجازة
لا ربط لها بالملكية المنشأة بالعقد (فلا مانع) من توقف أحدهما على الإجازة (1)
لكونها دخيلة في موضوعها دون الأخرى (على أنا) قد بينا سابقا ان الأمور المتأخرة
عن الانشاء بحسب الوجود لا مانع من كونها منشأة فعلا كما في باب الوصية
ونحوها (2). واما ما استدل به على جواز الشرط المتأخر فأمور (منها) أن
الممتنع هو تأخر المقتضى الذي يترشح منه المعلول عن مقتضاه واما الشرائط التي ليس من
شأنها ترشح المعلول منها (فلا مانع) من تأخرها عقلا (وفيه) ان الشرط بعد فرض د خله
في المعلول ولو لم يكن بنحوا لتأثير والرشح يستلزم تأخره عن المشروط الخلف
والمناقضة كما في تأخر المقتضى عن مقتضاه بلا فرق بينهما أصلا (ومنها) ان المشروط
لو كان من الأمور التكوينية الواقعية فتأخر شرطه عنه وإن كان مستحيلا الا انه إذا كان

1 - إذا فرضنا تعلق الإجازة بالملكية المنشأة قبل الإجازة وامضاء الشارع لها على ما هي
عليه فكيف يمكن أن تكون الملكية مقارنة مع الإجازة وبذلك يظهر الفرق بين بابى
الإجازة وغيرها من الشرايط كالقبض في بيع الصرف والسلم
2 - انشاء الامر المتأخر وإن كان ممكنا في نفسه وواقعا في جملة من الموارد الا ان
الملكية المنشأة في باب البيع ليست كذلك كما هو ظاهر
227

من الأمور الجعلية الاعتبارية فبما ان الاعتبار خفيف المؤنة (فلا محذور) في تأخر
شرائطه عنه عقلا (وفيه أن) الامر المتأخر ان لم يكن له د خل في هذا الاعتبار لا بنحو
العلية ولا بنحو الموضوعية فما هو معنى كونه شرطا وأن كان له دخل فيه فكيف يعقل
تأخره ومجرد كون المشروط من الأمور الاعتبارية (لا يجدى) فيه دفع الاستحالة
بعد فرض دخل الامر المتأخر فيه بنحو من الدخالة (ومنها) ان الشرط لو كان هو الامر
المتأخر لاستحال تقدم المشروط عليه وأما لو كان نظير عنوان التعقب بحيث يكون
نفس هذا العنوان هو الشرط حقيقة فلا محذور فيه لعدم استلزامه تقدم الحكم على
موضوعه ولا تقدم المعلول على علته (وهذا الوجه) وإن كان أحسن ما يمكن ان يوجه
به جواز تأخر الشرط الا انه انما يتم فيما إذا دل دليل على وجود الحكم قبل الامر
المتأخر وكان العقل والعرف (1) مساعدين على شرطية نفس هذا العنوان كما في مثال

1 - إذا فرض امكان اخذ التقيد بالامر المتأخر في موضوع حكم من الاحكام وقيام الدليل
عليه فلا وجه لاعتبار أمر آخر في صحة الالتزام به وهو مساعدة العقل والعرف وهل
يكون العقل أو العرف مشرعا في قبال الشارع كلا فإذا دل الدليل
على ترتب احكام الملكية من زمان العقد فلا مانع من الالتزام بالكشف الحقيقي بالمعنى
الذي عرفته وهو لا ينافي اعتبار نفس الإجازة والرضا في موضوع حكم الشارع بنفوذ العقد
فان استناد العقد إلى المجيز وحكم الشارع بنفوذه وان كانا مقارنين للإجازة خارجا الا ان متعلق
الإجازة لكونه أمرا سابقا عليه لابد من الحكم بتحققه في ظرفه واما ما أفيد في المتن من أن
الانشاء وإن كان واقعا في زمان سابق على زمان الإجازة الا ان المنشأ غير مقيد به
فالإجازة في مثال البيع الفضولي لم تتعلق الا بنفس الملكية لا بالملكية السابقة فيرد
عليه أولا انا نفرض الكلام في موارد الإجارة الفضولية ونحوها مما كان العقد واقعا على
تمليك المنفعة المقيدة بالزمان فيما إذا أجاز المالك بعد مضى مقدار من ذلك الزمان فبما
ان الإجازة تعلقت بملكية المنافع السابقة والمفروض امضاء الشارع لها لا مناص عن الحكم
فعلا بمالكية المستأجر للمنافع السابقة من زمان العقد وثانيا ان المنشأ وان لم يكن مقيدا
بزمان الانشاء الا انه غير مقيد بغيره من الأزمنة أيضا والاهمال غير معقول فهو مطلق
لا محالة فإذا كان المنشأ هي الملكية المطلقة الشاملة حال الانشاء وتعلقت الإجازة بها و
قد أمضاها الشارع فلابد من الحكم بتحقق الملكية من زمان العقد فتقارن الإجازة وامضاء
الشارع زمانا لا يستلزم مقارنة الإجازة الملكية كما عرفت ومما ذكرناه يتضح الفرق
بين الإجازة المتعلقة بالعقد السابق والقبول المتعلق بالايجاب فان القبول لكونه مقوما للعقد
ومن اجزائه لابد من عدم تقدم اثره عليه وهذا بخلاف الإجازة فإنها توجب استناد العقد
المتحقق إلى المجيز واعتبارها انما هو من جهة كشفها عن الرضا بالعقد ليس الا والأثر
انما هو اثر العقد فلا مانع من الحكم بترتب الأثر قبلها وبذلك يظهر الفرق بين تمليك
المالك ماله من زمان سابق على التمليك ابتداء واجازته للتمليك السابق فلا تغفل
228

الصوم المشروط وجوبه ببقاء القدرة إلى آخر النهار على ما أوضحنا ذلك في مبحث
الواجب المشروط واما في مثال البيع فقد دل الدليل على شرطية نفس الإجازة و
الرضا دون عنوان التعقب ولو فرضنا قيام الدليل على ترتب آثار الملكية من حين البيع
فبما ان العقل والعرف لا يساعدان على شرطية نفس العنوان لابد مع ذلك من الالتزام
بالنقل والكشف الحكمي دون الحقيقي
فان قلت لا نحتاج في الحكم بالكشف الحكمي إلى قيام دليل على ترتيب آثار الملكية
من حين البيع بل يكفي فيه نفس الدليل الدال على صحة العقد الفضولي فان الإجازة وان
فرضنا دخلها في تحقق الملكية الا أن حالها ليست كحال سائر القيود الدخيلة فيها غير
الناظرة إلى العقد كالقبض في بيع الصرف والسلم حتى تتحقق الملكية حين تحققها
فإنها انما تتعلق بالعقد الواقع من الفضولي وتكون امضاء له فيكون العقد الواقع في ظرفه
منتسبا إلى المجيز المالك لأمر العقد ولازم أن يكون القول بالكشف على
طبق القاعدة
قلت الإجازة وإن كانت حقيقتها امضاء العقد السابق الا أن الملكية المنشأة به
ليست مقيدة بذلك الزمان وإن كان الانشاء واقعا فيه بداهة انها لو كانت متحققة في ذلك
الظرف لما كان للإجازة دخل فيها أصلا والمالك انما يمضى نفس الملكية المنشأة
بالعقد لا الملكية المقيدة بالزمان السابق فكما ان المالك ليس له تمليك ماله من زمان
سابق ابتداء كذلك ليس له امضاء الملكية السابقة أيضا وما هو تحت قدرته امضاء نفس
الملكية غير المقيدة بزمان ونظير ذلك أن الملكية المنشأة من البايع لا تتحقق الابعد
القبول فظرف الانشاء وإن كان قبل القبول الا ان ظرف تحقق الملكية هو بعد القبول و
الا كان البيع من الايقاعات لا العقود وبالجملة المنشأ في كلا المقامين نفس الملكية
المعراة عن الزمان وتخلف زمان تحققها عن زمان الانشاء مما لا محيص عنه في كل ما يتوقف
229

تحققه على تحقق أمر آخر فلو لم يكن دليل على الكشف الحكمي تعبدا لما كان للمصير
إليه وجه عقلا (هذا) غاية ما يمكن ان يقال في تصحيح الشرط المتأخر وقد عرفت عدم
صحة الوجهين الأولين وعدم تمامية الوجه الثالث في تمام الموارد واما ما نسب إلى أستاذ
أساتيذنا العلامة الشيرازي (قده) من تجويز ذلك بالالتزام بشرطية الامر المتأخر بوجوده
الدهري ولا تقدم ولا تأخر بحسب ذلك الوجود فقد نقل الأستاذ دام ظله انه (قده) كان
يتبرى عن هذه النسبة شفاها ويتأذى منها غايته وانما ذكر هذا الوجه في ضمن بحثه
احتمالا موهوما
إذا عرفت هذه المقدمات فالكلام في وجوب المقدمة يقع في مقامين الأول فيما
يقتضيه الأصل في المقام (والثاني) فيما يقتضيه البرهان
اما المقام الأول فالحق انه لا تجزى الأصول فيه سواء في ذلك المسألة الأصولية
والفقهية اما المسألة الأصولية فعدم جريان الأصل فيها واضح فان الملازمة بين وجوب
ذي المقدمة ووجوب مقدمته وجودا وعدما من الأمور الواقعية التي لا حالة سابقة لها فإن كانت
الملازمة ثابتة فهي أزلا وابدا والا فكذلك واما المسألة الفقهية فعدم جريان
الأصل فيها لعدم ترتب الأثر عليه بعد فرض لزوم الاتيان بالمقدمة عقلا وما لم يكن لنفى
الوجوب أو لاثباته اثر عملا لا معنى لجريان الأصل العملي في مورده نفيا واثباتا فما
عن المحقق صاحب الكفاية (قده) من جريان الأصل في المسألة الفقهية نظرا إلى الشك
في حدوث الوجوب للمقدمة بعد حدوث وجوب ذي المقدمة غير سديد لما عرفت من أنه
لا موقع لجريان الأصل مثبتا ونافيا عقليا أو شرعيا إذا لم يكن هناك اثر عملي مترتب على جريانه
واما المقام الثاني فالحق فيه هو القول بوجوب المقدمة الخارجية بالوجوب الترشحي
القهري الملازم لوجوب ذي المقدمة واما المقدمات الداخلية والعناوين التوليدية فقد
عرفت انها خارجة عن محل البحث وواجبة بنفس الوجوب النفسي والبرهان على ذلك
هو ما ذكرناه مرارا (1) انه لا فرق بين الإرادة التكوينية والتشريعية في جميع

1 - قد مر غير مرة انه لا وجه لقياس الحكم الشرعي المجعول المتعلق بفعل الغير بالإرادة
التكوينية التي هي من صفات المريد وغير قابلة لتعلق الجعل بها واما اشتراك الإرادة
التشريعية مع الإرادة التكوينية في الاحكام فهو لو سلم فإنما يسلم في الإرادة التشريعية
بمعنى الشوق المتعلق بفعل الغير لا في الإرادة بمعنى اعتبار كون الفعل على ذمة الغير المعبر
عنه بالوجوب الشرعي إذ لا برهان يقتضى اشتراكه مع الإرادة التكوينية في الاحكام
بل البرهان قائم على خلافه على أنه لا موجب للزوم الاشتراك في الإرادة التشريعية بمعنى
الشوق إلى فعل الغير أيضا وذلك لان تعلق الشوق إلى فعل نفس المشتاق مع فرض
علمه بتوقف الفعل المشتاق إليه على فعل آخر يقتضى تعلق الشوق بما يتوقف عليه المشتاق
إليه لا محالة وهذا بخلاف الشوق على فعل الغير إذا المفروض انه تحت اختيار الغير و
صدوره انما يكون باختياره فلا موجب لتعلق الشوق بمقدماته أصلا هذا مع أن اعتبار كون
المقدمة على ذمة من اعتبر الفعل المتوقف عليها على ذمته مع فرض لزوم صدور المقدمة خارجا
لتوقف الواجب النفسي عليها لغو محض ولا يصح صدوره من الحكيم واما دعوى ان
تعلق الوجوب بها قهري وخارج عن اختيار المولى ومعه لا مجال لدعوى اللغوية كما
أفيد في المتن فهي على تقدير تسليمها تختص بالإرادة التشريعية واما الوجوب الشرعي
الذي هو من أفعال المولى وتحت اختياره فلا معنى لدعوى كونه قهريا وصادرا بغير
الاختيار وعلى ما ذكرناه فالصحيح ان المقدمة لا تتصف بالوجوب المولوي أصلا واما
ما ورد من الأوامر المتعلقة بالمقدمات فهي محمولة على الارشاد إلى الشرطية والمقدمية
أو على التأكيد كما أن الامر كذلك في الأوامر المتعلقة باجزاء الواجب النفسي بعد ما عرفت
سابقا من استحالة اتصافها بالوجوب الغيري
230

لوازمهما غيران التكوينية تتعلق بفعل المريد نفس المريد والتشريعية تتعلق بفعل غيره ومن الضروري أن
تعلق الإرادة التكوينية بشئ يستلزم تعلقها بجميع مقدماته قهرا نعم لا تكون هذه الإرادة القهرية
فعلية فيما إذا كانت المقدمية مغفولا عنها الا ان ملاك تعلق الإرادة بها وهى المقدمية على حاله فإذا
كان هذا حال الإرادة التكوينية فكون الإرادة التشريعية مثلها (واما) ما ربما
يقال من أن تعلق إرادة أخرى بالمقدمة لغو بعد كون الاتيان بها ضروريا مما لا بد منه
في وجود ذي المقدمة فيد فعه ان المدعى هو تعلق الإرادة بها قهرا عند إرادة ذي المقدمة
فلا يتمكن المريد لذي المقدمة من عدم ارادتها ليتوقف تحققها على فائدة وغاية نعم
لو كان الوجوب المبحوث عنه في المقام هو الوجوب استقلالي كما يظهر من المحقق
القمي (قده) لكان انكاره للزوم اللغوية في محله لكنك قد عرفت ان محل الكلام
هو الوجوب القهري وان لم يترتب على وجوده ثمرة أصلا واما بقية الوجوه التي استدل
بها في المقام على وجوب المقدمة أو على عدمه فكلها مخدوشة لا يهمنا التعرض لها
231

وينبغي التنبيه علي أمور
الأول ان وجوب المقدمة بما انه يترشح من وجوب ذيها فهو في الاطلاق
والاشتراط يكون تابعا له ويستحيل تخلفه عنه بعد فرض كونه من لوازمه قهرا واما المقدمات
التي يجب الاتيان بها قبل وجوب ذيها فقد عرفت (1) سابقا ان وجوبها ليس من باب
حكم العقل بقبح التفويت (هذا) في غير المقدمات الشرعية واما فيها فقد عرفت (2)
انها واجبة بنفس الوجوب المتعلق بما هو مقيد بها من دون حاجة إلى حكم العقل
بقبح التفويت
الثاني لا ريب في أن مقدمة الواجب الفعلي إذا كانت محرمة التوصل إلى
الواجب بها فهي لا تبقى على حرمتها بل تتصف حينئذ بالوجوب والمحبوبية للمولى لكن
الوجدان أصدق شاهد على انها لا تتصف بذلك على الاطلاق ولو مع عدم قصد التوصل بها
إلى الواجب ولم يترتب عليها الواجب في الخارج بل الامر كذلك في المقدمة المباحة
أيضا ضرورة ان خروج المستطيع من داره لبعض اغراضه الشخصية غير قاصد به التوصل
إلى الحج مع عدم ترتب الحج عليه في الخارج لا يقع في الخارج على صفة الوجوب لمجرد
كونه مقدمة للحج في نفسه (ومن ثم) ذهب صاحب المعالم (قده) إلى اشتراط وجوب
المقدمة بإرادة ذي المقدمة فلا تكون المقدمة واجبة على تقدير عدم ارادته واختار
العلامة الأنصاري (قده) على ما نسب إليه اختصاص الوجوب الغيري بالمقدمة التي قصد
بها التوصل إلى الواجب فالمقدمة التي لم يقصد بها التوصل إلى الواجب النفسي لا تقع
في الخارج على صفة الوجوب وذهب صاحب الفصول (قده) إلى اختصاص الوجوب الغيري
بالمقدمة التي يترتب عليها الواجب النفسي في الخارج فلا تقع غيرها على صفة الوجوب
(اما ذهب إليه) صاحب المعالم (قده) فيرد عليه أولا ان وجوب المقدمة كما عرفت

1 - قد مر تحقيق الحال في ذلك في محله فراجع
2 - قد عرفت فيما مران تقييد متعلق الأمر بقيد لا يستلزم تعلق الامر بذات القيد والا
لزم انقلاب الشرط جزء وتفصيل الكلام في محله
232

تابع لوجوب ذيها اطلاقا واشتراطا فان اختار ان وجوب نفس الواجب أيضا مشروطا
بإرادته فهو محال وان اختار انه مطلق الا ان وجوب المقدمة مشروطا بها فالتفكيك
غير معقول كما عرفت وثانيا ان مرتبة الإرادة (1) هي مرتبة الإطاعة والامتثال لا مرتبة
البعث والايجاب فكيف يعقل أن يكون وجوب المقدمة مشروطا بها واما توجيه (2)

1 - الظاهران مراد صاحب المعالم من إرادة ذي المقدمة المشروط بها وجوب المقدمة هو
القصد والعزم على اتيان ذي المقدمة بعد الاتيان بمقدمته فلا مانع من اشتراط وجوبها
بإرادته مع قطع النظر عن الاشكال الأول الوارد عليه كما أفيد في المتن
2 - قد أفاد بعض المحققين من مشايخنا العظام قدس الله اسرارهم في توجيه كون الواجب
عنوان المقدمة ما حاصله ان المقدمة إذا كانت واجبة بحكم العقل فمتعلق الوجوب الغيري
انما يكون هو عنوان المقدمة لا ذاتها لان الجهات التعليلية في الأحكام العقلية جهات تقييدية ضرورة
ان حكم العقل باستحالة شئ لاستلزامه الدور مثلا حكم باستحالة الدور حقيقة كما أن حكمه بحسن ضرب
اليتيم للتأديب حكم بحسن التأديب في نفس الامر وعلى ذلك فحكم العقل بوجوب شئ
لكونه مقدمة للواجب حكم بوجوب عنوان المقدمة قهرا وبما ان متعلق الوجوب لابد من أن يكون
أمرا اختياريا لاستحالة جعل الداعي إلى غير المقدور سواء في ذلك كون الواجب
توصليا وكونه تعبديا لابد من أن يكون عنوان المقدمة مقصودا في وقوع المقدمة في الخارج
على صفة الوجوب فما لم يقصد عنوان المقدمة لا تقع المقدمة في الخارج على صفة الوجوب
ومن الواضح ان قصد عنوان المقدمة هو بنفسه قصد الواجب النفسي والعزم على اتيانه و
حينئذ لا يرد على ذلك ما أفيد في المتن من عدم اندفاع اشكال امتناع التفكيك بين وجوب
ذي المقدمة ووجوب مقدمتها في الاطلاق والاشتراط بذلك إذا المفروض حينئذ ان القيد
أعني به قصد التوصل إلى الواجب النفسي قيد للواجب لا للوجوب والتحقيق في المقام هو
ان ما أفيد وإن كان صحيحا في الأحكام العقلية الا ان الوجوب المبحوث عنه في المقام شرعي
لا عقلي نعم الحاكم بالملازمة بين الوجوب النفسي والغيري هو العقل فالعقل بعد استقلاله
بالملازمة المزبورة يستكشف وجوبا شرعيا متعلقا بالمقدمة حين تعلق الوجوب النفسي بما
يتوقف عليها فعنوان المقدمية متمحضة في كونها جهة تعليلية فالمغالطة انما نشأت من خلط
الحكم الشرعي المستكشف من حكم عقلي بالحكم العقلي الثابت لشيئ لجهة تعليلية
ومن الواضح ان كون الجهات التعليلية في الأحكام العقلية جهات تقييدية أجنبي عن كون
الجهات التعليلية في الأحكام الشرعية ولو كانت مستكشفة من طريق العقل جهات تقييدية وما نحن
فيه انما هو من قبيل الثاني دون الأول
233

مرامه بأن مراده من الاشتراط بالإرادة هو الاشتراط بكون العبد في طريق الامتثال
والاطاعة ليكون الواجب هو عنوان المقدمة لا ذاتها فيرد عليه مضافا
إلى أن عنوان المقدمية من الجهات التعليلية لوجوب المقدمة لامن الجهات التقييدية
انه لا يندفع به اشكال امتناع التفكيك بين الوجوبين في الاطلاق والاشتراط
واما ما نسب إلى المحقق العلامة الأنصاري (قده) فهو وان اشتهر عنه الا ان عبارات مقرر
بحثه (قده) في هذا المقام مشوشة غاية التشويش فان ظاهر بعضها هو اعتبار قصد التوصل في تحقق
امتثال الوجوب المقدمي وظاهر بعضها الاخر هو اعتبار قصد التوصل قيدا في متعلق
الوجوب المقدمي وظاهر بعضها هو اعتباره قيدا في خصوص حال المزاحمة كما إذا
كانت المقدمة محرمة وسيجيئ الكلام على كل واحد من هذه المحتملات بعيد هذا
انشاء الله تعالى (ثم إن) المقرر (قده) رتب على اعتبار الامتثال فروعا يبعد كونها من
المحقق العلامة الأنصاري (قده) (منها) عدم صحة صلاة من كان مكلفا بالصلاة إلى
الجهات الأربع إذا لم يكن من قصده الصلاة إلى جميعها ولا يخفى عدم ارتباطه بما
نحن فيه أصلا فان محل الكلام في المقام انما هو اعتبار قصد التوصل وعدمه في
المقدمة الوجودية للواجب واما المقدمة العلمية فاعتبار قصد الاتيان بتمام اطرافها في
صحة العبادة أو عدمه أجنبي عن القول بوجوب المقدمة فضلا عن اعتبار قصد التوصل
فيها (ومنها) عدم جواز الاتيان بالغايات المشروطة بالطهارة إذا لم يكن
المتوضى قاصدا به لتلك الغايات بل اتى به لغاية أخرى لكنه (قده) أشكل على ذلك بأن
الوضوء ليس له الا ماهية واحدة فلو اتى به بأي غاية مشروعة لترتب عليه الطهارة
ويصح الاتيان بكل ما هو مشروط بالطهارة فلا يكون لاعتبار قصد التوصل ثمرة في هذا
المقام أصلا نعم يتم ذلك في باب الأغسال فإنها ماهيات متعددة وان اشتركت جميعها
في اسم واحد (أقول) ان ما افاده في باب الوضوء من كفاية قصد غاية واحدة في
صحة الاتيان بغيرها من الغايات متين جدا لكن عدم تعدية ذلك إلى الأغسال من
الغرائب فان الخلاف في أن الأغسال هل هي متعددة ماهية أو متحدة انما هو باعتبار
أسبابها كالجنابة والحيض ونحوهما لا باعتبار غاياتها المترتبة عليها إذ لم يحتمل
أحد فضلا عن القول به أن تكون الأغسال متعددة ماهية باعتبار غاياتها
234

فهي من جهة الغايات لا فرق بينها وبين الوضوء والكلام فيها هو الكلام فيه
فلا تغفل
وكيف كان فالمهم في المقام هو البحث عن جميع الاحتمالات المتقدمة في
اعتبار قصد التوصل (فنقول) إن كان نظر شيخنا العلامة الأنصاري (قده) إلى اعتبار
قصد التوصل بالمقدمة في حصول الامتثال والتقرب بها كما يظهر ذلك من جملة من
عبارات التقرير فهو حق وقد تقدم الكلام فيه في تقسيم الواجب إلى النفسي والغيري
(وإن كان نظره قده) إلى اعتبار قصد التوصل في معروض الوجوب فيرده أن قصد
التوصل لا د خل له في مقدمية المقدمة أصلا وبدونه يستحيل أن يكون قيدا للواجب بداهة
ان ما ليس له دخل فيما هو ملاك الوجوب يستحيل أن يكون قيدا مأخوذا في
الواجب (واما) ما افاده في التقرير بما حاصله ان المقدمة انما تجب بالوجوب
المقدمي بما انها مقدمة فلابد من قصد عنوانها في انطباق الواجب عليها نظير قصد
التأديب والتعظيم (ففيه) ان العنوان إن كان من العناوين التوليدية التي بها يتعلق
الوجوب وعليها يرتب غرض المولى دون نفس المعنونات فلا بد من اعتبار قصده
في وقوع معنونه على صفة الوجوب لكن عنوان المقدمة ليس كذلك بل هو من
قبيل علل التشريع والمقدمية جهة تعليلية (1) والواجب هي ذات المقدمة لا جهة
تقييدية ليكون الواجب نفس العنوان بداهة ان المقدمة بالحمل الشايع هي ذات
المقدمة لا عنوانها فلا بدوان يكون متعلق الوجوب هي ذاتها أيضا (وإن كان نظره قده)
إلى اعتبار قصد التوصل في مقام المزاحمة كما تساعد عليه جملة من عبارات التقرير
يؤيده ما نقله الأستاذ دام ظله عن أستاذه المحقق السيد العلامة الأصفهاني " قده " من أنه
كان ينسب ذلك إلى الشيخ " قده " وإن كان دام ظله تردد في أن النسبة
المزبورة كانت مستندة إلى استظهار نفسه أم إلى سماعه ذلك من المحقق سيد أساتيذنا
العلامة الشيرازي " قده " عن أستاذه المحقق العلامة الأنصاري " قده " (فهو
وإن كان) يمكن تقريبه بان المقدمة إذا كانت محرمة وتوقف عليها
واجب فعلى فغاية ما يقتضيه التوقف المزبور في مقام المزاحمة هو ارتفاع الحرمة

1 - قد مر الكلام آنفا في كون العنوان المقدمة جهة تقييدية وعد مه فلا نعيد
235

عن المقدمة فيما إذا اتى بها بقصد التوصل " واما " مع عدم قصده فلا
مقتضى لارتفاع حرمتها (ولا يرد) عليه حينئذ ما يقال من أن وجوب ذي المقدمة ان لم يقتض
وجوبها في غير حال قصد التوصل بها فلا بد وأن يكون كذلك في المقدمات المباحة أيضا
المقدمة المباحة التي لم يقصد بها التوصل إلى ذيها لا تتصف بالوجوب المقدمي
وعليه فما هو الوجه في تخصيص اعتبار قصد التوصل بالمقدمات المحرمة (وذلك لان)
الإباحة لما كانت ناشئة من عدم المقتضى للبعث أو الزجر فلا تزاحم الوجوب حتى يختص
الواجب بما قصد به التوصل وهذا بخلاف الحرمة فإنها مقتضية للترك فلا محالة يقع
التزاحم بينها وبين الوجوب فلا بد من الالتزام باعتبار قصد التوصل بالمقدمة المحرمة
في ارتفاع حرمتها (الا انه يرد عليه) ان المزاحمة انما هي بين حرمة المقدمة ووجوب
ما يتوقف عليها ولو لم نقل بوجوب المقدمة أصلا فالتزاحم انما هو بين وجوب الانقاذ و
حرمة التصرف في الأرض المغصوبة مثلا فلا مناص عن الالتزام بارتفاع الحرمة لفرض كون الواجب
أهم سواء في ذلك القول بوجوب المقدمة والقول بعد مه فاعتبار قصد التوصل في متعلق
الوجوب المقدمي أجنبي عما به يرتفع التزاحم المذكور بالكلية (هذا) وقد ذكرنا في
محله ان التزاحم بين الخطابين انما يوجب سقوط اطلاق الخطاب بالمهم دون أصله وعليه
يترتب ان حرمة المقدمة في مفروض الكلام انما ترتفع بامتثال (1) الامر بذى المقدمة لا بنفسه

1 - لا يخفى ان ترتب أحد الخطابين على عصيان الاخر وإن كان في نفسه مما لا مناص
عن الالتزام بامكانه ووقوعه على ما سيجيئ بيانه في محله الا انه لا يمكن الالتزام به في
محل الكلام وهو توقف الواجب الفعلي على مقدمة محرمة في نفسها وذلك لان لازم
الالتزام بالترتب في المقام هو الالتزام بكون العصيان المتأخر أعني به عصيان الواجب في
ظرفه وبعد الاتيان بمقدمته شرطا لحرمتها في ظرف الاتيان بها ومن الواضح استحالة ذلك
سواء قلنا باستحالة تأخر الشرط مطلقا كما عليه شيخنا الأستاذ قده أم قلنا بجوازه في غير
المقام كما هو المختار عندنا وجه وضوح الاستحالة ان حرمة المقدمة إذا كانت مشروطة بعصيان
الواجب المتوقف عليها فجوازها يتوقف على الاتيان به لا محالة ولا زم ذلك توقف وجوب
ذي المقدمة على الاتيان به لان وجوبه يتوقف على القدرة عليه المتوقفة على جواز مقدمته المتوقف
على الاتيان به على الفرض وهذا طلب الحاصل وهو مستحيل وأيضا ان اشتراط حرمة
المقدمة بعصيان الواجب المتوقف عليها يستلزم جواز ترك الواجب النفسي من غير عذر -
236

فلا مانع من فعلية الخطابين على أحدهما على عصيان الاخر وانتظر لذلك مزيد بيان
سيأتي انشاء الله تعالى
واما ما ذهب إليه صاحب الفصول (قده) من اعتبار الايصال خارجا في وقوع المقدمة
على صفة الوجوب لا في تعلق الوجوب بها ليكون الوجوب مشروطا به ويورد عليه بان
الايصال انما يتحقق بالاتيان بالواجب النفسي فكيف يعقل ان تتصف المقدمة بالوجوب
بعده فيرد عليه ان الايصال وعدمه لو كانا من الصفات التي بها تتنوع المقدمة وتنقسم إلى
قسمين في الخارج كما هو الحال فيما إذا كان المراد من المقدمة الموصلة هي المقدمة السببية فإنها
تفارق سائر المقدمات في لزوم ترتب الواجب عليها في الخارج بخلاف غيرها من المقدمات
لكان هذا الاعتبار معقولا وقابلا لان يكون محل البحث بين الاعلام لكنه (قده) لا يقول
بذلك فإنه صرح بوجوب تمام أقسام المقدمة عند ايصالها إلى ذي المقدمة من دون تخصيص
بالمقدمة السببية واما إذا كانا وصفين منتزعين من الاتيان بذى المقدمة وعدمه بعد الاتيان
بالمقدمة فلا جرم يرجع اعتبار مثل هذا القيد في متعلق الوجوب المقدمي إلى اعتبار كون
الواجب النفسي قيدا للواجب الغيري فيلزم يكون الواجب النفسي (1) مقدمة للمقدمة و

- لأن المفروض كون المقدمة محرمة في فرض ترك الواجب النفسي فلا يكون الواجب مقدورا
حينئذ فلا يقع تركه محرما ومبغوضا من المكلف وسيأتى عندما يتعرض شيخنا الأستاذ
قدس سره لامكان الترتب في محل الكلام ما يتضح به ذلك انشاء الله تعالى (والتحقيق)
ان يقال إنه إذا وقعت المزاحمة بين وجوب الواجب الفعلي وحرمة مقدمته فغاية ما يقتضيه
التزاحم هو سقوط الحرمة عن المقدمة الموصلة واتصافها بالجواز فعلا على القول بعدم وجوب
المقدمة واتصافها بالوجوب الغيري على القول بوجوبها واما المقدمة غير الموصلة فلا موجب
لرفع اليد عن حرمتها أصلا فجواز المقدمة بالفعل أو وجوبه الغيري لا يتوقف على الاتيان
بالواجب في ظرفه ليلزم ما ذكر من المحذورين بل هو مطلق غير مشروط وانما الجائز
مقدمة خاصة وهى الموصلة وهى مقدورة للمكلف على الفرض وسيجيئ بعيد هذا انه
لا مناص عن الالتزام باختصاص الوجوب الغيري بالمقدمة الموصلة على القول بوجوب المقدمة شرعا
1 - لا يخفى ان اعتبار الايصال قيدا في متعلق الوجوب الغيري لا يستلزم كون الواجب
النفسي مقدمة للمقدمة وانما يستلزم كونه مقدمة للواجب الغيري ما هو كذلك فان المفروض
كون الايصال قيدا لمتعلق الوجوب الغيري لا مقوما لذات ما هو مقدمة في الخارج نعم لازم
ذلك الاتصاف الواجب النفسي بالوجوب الغيري المتعلق بالمقدمة المقيدة بالايصال لكنه ليس
فيه محذور الا توهم اجتماع المثلين أعني به اجتماع الوجوب الغيري والنفسي وقد مر فيما
تقدم انه لابد من الالتزام بتأكد الحكم في أمثال ذلك واما ما أفيد في المتن من أن اتصاف
ذي المقدمة بوجوب ناشئي من وجوب مقدمته يستلزم الدور فيرد عليه ان وجوب المقدمة
انما نشأ من الوجوب النفسي المتعلق بذى المقدمة ومن الواضح ان اخذ قيد الايصال في
متعلق الوجوب الغيري لا يستلزم ترشح ذلك الوجوب من وجوب المقدمة وانما المترشح
منه وجوب آخر غيري متعلق بما هو متعلق الوجوب النفسي فلا دور (والتحقيق) ان القول
باختصاص الوجوب الغيري بالمقدمة الموصلة لا يقتضى اعتبار الواجب النفسي قيدا للواجب
الغيري أصلا فان الغرض من التقييد بالا يصال ليس الا الإشارة إلى ذات المقدمة التي تقع
في سلسلة علة وجود الواجب النفسي فالقائل باختصاص الوجوب الغيري بالمقدمة الموصلة انما
يدعى الملازمة بين وجوب الشيئ ووجوب مقدماته الملازمة له في الوجود واما المقدمات
المفارقة له في الوجود فلا مقتضى لايجابها أصلا وستعرف انه بناء على ثبوت الملازمة لا مناص
عن اختيار هذا القول ومن هذا البيان يظهر الجواب عما أفيد في المتن أيضا من استلزام
القول بالاختصاص المزبور التسلسل فإنك قد عرفت ان الايصال لم يعتبر قيدا زائدا في
متعلق الوجوب الغيري لتكون ذات المقدمة مقدمة لتحقق الواجب الغيري في الخارج بل الغرض
من التقييد انما هو الإشارة إلى ذات ما هو متصف بالوجوب الغيري فلا اشكال
237

واجبا بوجوب ناشئي من وجوبها وهو يستلزم الدور فان وجوب المقدمة انما نشأ من
وجوب ذي المقدمة فلو ترشح وجوب ذي المقدمة من وجوبها لزم الدور مضافا إلى أن
الواجب لو كان هو خصوص المقدمة الموصلة فبما ان ذات المقدمة مقومة لها فتكون
مقدمة لتحققها في الخارج فان اختار (قده) وجوبها مع عدم اعتبار قيد الايصال إلى جزئها
الاخر فقد اعترف بما أنكره وكر على ما فر منه وان اعتبر قيد الايصال في اتصافها بالوجوب
فقد لزمه التسلسل كما لا يخفى واما (ما استدل) به على ما ذكره من أن للمولى ان
يمنع من غير المقدمات الموصلة مع أنه ليس له ان يمنع من المقدمة على اطلاقها أو
يمنع من خصوص الموصلة منها وذلك آية عدم اتصاف غير المقدمة الموصلة بالوجوب
(فيرد عليه) ان جواز المنع عن بعض المقدمات لا يوجب اختصاص ملاك الوجوب
الغيري في نفسه بغيرها من المقدمات وذلك فان توقف الواجب على شئ ان لم يكن
مقتضيا لإيجابه فلا وجه لاتصاف المقدمة بالوجوب الغيري أصلا سواء في ذلك الموصلة
وغيرها واما إذا كان التوقف مقتضيا له فاما أن يكون ملاكه مطلق التوقف والمقدمية
238

فلاوجه لتخصيص الوجوب ببعض المقدمات مع اشتراك جميعها في ملاكه واما أن يكون
ملاكه خصوص التوقف على ما يستحيل انفكاكه عن الواجب في الخارج فلا بد من أن
يختص الوجوب الغيري بالمقدمة السببية وعلى كل حال (1) لاوجه للتفكيك وتخصيص
الوجوب بالموصلة من المقدمات واما دعوى تعلق الوجوب النفسي بالمقدمة مقيدة
بايصالها (2) إلى ما يتوقف عليها فمرجعها إلى اشتراط الوجوب النفسي بأمر متأخر وهو

1 - لا يخفى ان الحصر المذكور غير حاصر لامكان أن يكون ملاك الوجوب الغيري هو
خصوص التوقف على ما يكون توأما وملازما لوجودي ذي المقدمة في الخارج من جهة وقوعه
في سلسلة مبادى وجوده بالفعل فيختص الوجوب الغيري حينئذ بالموصلة ولا يعم غيرها بل
التحقيق انه لا مناص عن الالتزام بذلك بناء على ثبوت الملازمة بين الوجوبين فان صريح
الوجدان شاهد بان من يطلب شيئا لا غرض له في ايجاب بين المقدمات المفارقة لذلك الشيئي
في الوجود فلا موجب لتعلق شوقه وطلبه به أصلا واما دعوى ان الغرض من ايجاب المقدمة
هو التمكن من وجود ذي المقدمة وهو مترتب على وجد مطلق المقدمة لاعلى خصوص
الموصلة منها فيردها ان التمكن من ذي المقدمة انما هو من لوازم التمكن من المقدمة وليس
مما يترتب على وجودها خارجا فتوقف وجود الواجب على وجود لا يقتضى طلب ذلك
الوجود المفارق لوجود الواجب في الخارج فالطلب الغيري بناء على ثبوت الملازمة يتعلق
بخصوص ما يقع في سلسلة مبادى المطلوب النفسي بالفعل ومن تأمل في مرتكزاته الوجدانية
يجد صدق ما ادعيناه بلا حاجة إلى إقامة برهان ومزيد بيان
2 - أراد قدس سره بذلك الزام صاحب الفصول (قده) بجعل القيد أعني به الايصال قيدا
لوجوب المقدمة بتقريب ان الايصال لا يمكن أن يكون قيدا للواجب لما افاده من المحاذير
المترتبة عليه فعلى تقدير اعتباره لابد من أن يكون قيد أو شرطا للوجوب وهو يستلزم
شرطية المتأخر للمتقدم التي مر الكلام فيها مفصلا وأنت بعد ما عرفت امكان اختصاص
الوجوب الغيري بالمقدمة الموصلة تعرف انه لا موجب لكون الايصال شرطا لوجوب
المقدمة ليلزم من الالتزام باعتبار الايصال في اتصاف المقدمة بالوجوب الالتزام بالشرط
المتأخر بل قد عرفت فيما تقدم استحالة كون الايصال المتأخر شرطا لوجوب المقدمة و
ان قلنا بجواز تأخر الشرط في نفسه كما هو المختار عندنا لان لازم ذلك أن يكون
وجوب الواجب النفسي الفعلي المتوقف على مقدمة محرمة في نفسها مشروطا بالاتيان به وان
يجوز تركه من غير عذر وكلاهما مستحيل
239

الايصال وقد تقدم الكلام في جوازه وامتناعه مفصلا (وقد أجاب) المحقق صاحب الكفاية
عن الاستدلال المذكور بعدم جواز المنع المولى من غير المقدمة الموصلة لان ذلك يستلزم
ان لا يكون ترك الواجب النفسي مخالفة وعصيانا وهو باطل بالضرورة بيان
الملازمة ان وجوب الواجب النفسي مشروط بالقدرة عليه المتوقفة على
التمكن من مقدمته عقلا وشرعا وبما ان جواز المقدمة في الفرض المزبور
لا يكون الا عند الاتيان بالواجب النفسي فمع عدمه تكون المقدمة محرمة
فلا يكون الواجب النفسي مقدورا شرعا فلا يعاقب على مخالفته وتركه (ويدفعه) ان
جواز المقدمة غير مشروط بالايصال ليتوقف تحققه على تحقق الايصال خارجا بل المتوقف
عليه انما هو تحقق ما هو جائز شرعا إذا المفروض ان الايصال قيد للواجب لا للوجوب
فجواز المقدمة ثابت قبل تحقق الايصال في الخارج وبما ان المقدمة الخاصة وهى
الموصلة مقدورة للمكلف لفرض القدرة على ايجاد قيدها وهو الايصال فيكون التكليف
بالواجب النفسي المقدور بالواسطة فعليا لا محالة فيكون تركه مخالفة وعصيانا وبالجملة
لو قطعنا النظر عن المحاذير المتقدمة المترتبة على كون الواجب النفسي قيدا للواجب
الغيري فلا محذور في الالتزام بما افاده صاحب الفصول (قده)
بقى الكلام فيما افاده المحقق صاحب الحاشية في المقام من أن المقدمة انما
وجبت من حيث الايصال لا مقيدة بكونها موصلة قد أصر على ذلك في مواضع من
كلامه وأنكر وجوب المقدمة الموصلة (وهذا) الكلام وإن كان مجملا في بدو النظر الا
ان الظاهر أنه أراد به ان الداعي إلى ايجاب المقدمة هو كونها مما يتوصل به إلى الواجب
النفسي المتوقف عليها والا فلا غرض يترتب على ايجابها الغيري أصلا فكل واحدة من
المقدمات انما تقع في الخارج على صفة المطلوبية فيما إذا وقعت في سلسلة العلة التامة لوجود
ذي المقدمة (واما) إذا كانت منفكة عن ذلك ووقعت مجردة عن بقية أجزاء العلة فبما
أنها لم يترتب عليها الغرض الداعي إلى ايجابها فلا تقع في الخارج على صفة الوجوب كما
هو الحال في اجزاء الواجب النفسي فان كل واحد منها انما يقع على صفة الوجوب
النفسي في ضمن تعلقه بالمركب إذا وقع في الخارج منضما إلى بقية اجزائه لا إذا وقع
منفكا عنها فحال المقدمة في انطباق الواجب الغيري عليها كحال الاجزاء في انطباق الواجب
240

النفسي عليها بعينها ولكنه مع ذلك لم يؤخذ الايصال قيدا في اتصاف المقدمة بالوجوب
لا بنحو يكون شرطا للوجوب ولا بنحو يكون قيدا للواجب فتقيد المقدمة بتحقق الواجب
النفسي بعدها كنفس تحققه في الخارج لا يكون شرطا للوجوب الغيري ولا متعلقا له
فيكون القيد والتقيد كلاهما خارجين نظير ما ذكرناه في بحث المعنى الحرفي من خروج
الأطراف وتقيد النسبة بها عن حريم المعاني الحرفية والسر في ذلك ان الوجوب الغيري
لا يعقل ان يتعلق بالمقدمة المقيدة بترتب الواجب النسفي عليها لما ذكرناه من المحاذير
المترتبة على التقيد بذلك كما أنه لابد أن يكون في الاطلاق والاشتراط تابعا لوجوب
ذي المقدمة وحيث إن وجب ذي المقدمة لا يعقل أن يكون مشروطا بوجوده لا يعقل
أن يكون وجوب المقدمة مشروطا به أيضا فتقيد الوجوب أو الواجب الغيري بالواجب
النفسي غير معقول (هذا ولا يخفى) ان امتناع تقيد الواجب الغيري أو وجوبه بالايصال
إلى الواجب النفسي لا يستلزم أن يكون الواجب والوجوب مطلقين من هذه الجهة كما
ذهب إليه المحقق العلامة الأنصاري (قده) وذلك لما ذكرناه في مبحث التوصلي و
التعبدي من أن الاطلاق والتقيد انما يتقابلان بتقابل العدم والملكة ثبوتا واثباتا
فامتناع التقييد يستلزم امتناع الاطلاق أيضا (نعم) لو كان تقابلهما تقابل السلب والايجاب
لصح ما ذهب إليه (قده) لامتناع ارتفاع القيضين لكنه ليس كذلك وهو (قده)
أيضا لا يقول به فالامر دائر بين أن يكون التقابل بينهما هو تقابل التضاد كما
نسب إلى المشهور وأن يكون تقابل العدم والملكة وبما ان الاطلاق خارج عن حريم
المعنى على ما ثبت في محله والالفاط لم توضع الا \ نفس المعاني الجامعة بين المطلق والمقيد
المعبر عنها باللا بشرط المقسمي (1) فالتقابل بين الاطلاق والتقييد يكون في من تقابل العدم
والملكة قطعا وعليه فلا وجه لما افاده (قده) من ثبوت الاطلاق في المقام بسبب امتناع
التقييد وقد استدل (قده) بمثل ذلك لاثبات الاطلاق وعدم تقيد المأمور به بقصد القربة

1 - سيجيئ في محله ان اعتبار المهية مطلقة أو مقيدة وإن كان خارجا عن حريم المعنى
الا ان الجامع بين اعتبار المهية مطلقة أو مخلوطة أو مجردة المعبر عنه باللابشرط المقسمي
ليس بموضوع له أيضا بل الموضوع له الألفاظ هي المهية المبهمة عن جميع الاعتبارات
اللاحقة لها وانتظر لذلك مزيد بيان في بحث المطلق والمقيد انشاء الله تعالى
241

ولاثبات الاطلاق وعدم اشتراط التكاليف بالعلم بها والجواب عنه هو الجواب المذكور
بعينه وعلى ما ذكرناه فلا مناص عن الاهمال (1) وأن يكون الواجب الغيري كوجوبه
غير مقيد بالايصال ولا مطلقا من هذه الجهة كما هو الحال في الوجوب النفسي المتعلق بذى
المقدمة فإنه يستحيل أن يكون مقيدا بوجوده أو مطلقا بالقياس إليه وهذا هو الفرق
(بين) ما ذهب إليه المحقق صاحب الحاشية من كون المقدمة واجبة من حيث الايصال
وما ذهب إليه صاحب الفصول (قده) من تقييد الواجب بالايصال فان لازم كلام المحقق
المذكور (عدم) امكان الاطلاق والتقييد في المقام أصلا إذا عرفت ذلك فاعلم أن المقدمة
المحرمة إذا لم تقع في الخارج على صفة الايصال فهي تقع على صفة الحرمة بناء على
ما ذهب إليه صاحب الفصول (قده) من اختصاص الوجوب الغيري بالمقدمة الموصلة
بلا احتياج إلى الالتزام بالترتب (فان) المقدمة على ذلك تنقسم إلى قسمين (قسم) منها
يكون واجبا والقسم الاخر يبقى على حكمها السابق (واما) بناء على ما ذهب إليه المحقق
المذكور فبما ان التقييد الموجب لانقسام المقدمة إلى قسمين كان محالا فالحكم بحرمة
المقدمة المحرمة في ظرف عدم ايصالها إلى الواجب يكون على نحو الترتب بيان ذلك
أنه (قده) التزم في مبحث الضد بان ترك أحد الضدين مقدمة للاخر فإذا كان ترك الصلاة
مثلا مقدمة لواجب أهم كالإزالة فيكون الترك واجبا من حيث الايصال فإذا فرضنا
ان المولى لم يصل إلى غرضه من الايجاب المذكور فلا محالة يوجب الصلاة في هذه
المرتبة لعدم المزاحمة فيكون ايجابها مشروطا بعصيان خطاب الامر بتركها ومنه يتضح
حال المقدمة المحرمة بل المباحة في المقام فان تحريمها أو اباحتها انما يكون في مرتبة
عصيان الامر بها وعدم ترتب غرض المولى على ايجابها واما الامر بها فهو غير مقيد ولا

1 - قد ذكرنا غير مرة ان الاهمال في الواقعيات غير معقول وان استحالة التقييد بشئ تستلزم
كون الاطلاق أو التقييد بخلاف ذلك القيد ضروريا وبما ان تخصيص الوجوب بغير المقدمة
الموصلة ستحيل لا مناص في المقام عن اختصاص الوجوب الموصلة كما هو المختار
عندنا على تقدير القول بوجوب المقدمة أو كون المطلق المقدمة واجبة كما ذهب إليه المحقق
الأنصاري (قده) وعلى كل تقدير فلا وجه لما افاده المحقق صاحب الحاشية وارتضاه شيخنا
الأستاذ قدس سرهما أصلا
242

ولا مطلق فيكون النتيجة هو تعلق خطابين بموضوع واحد لكن مترتبا (ونحن) وان صححنا
الترتب في محله الا انا قد اشترطنا في ذلك كون أحد الخطابين مترتبا على عصيان الخطاب
الاخر المتعلق بموضوع آخر لافى مرتبة عصيان خطاب آخر متعلق بهذا الموضوع
بعينه (وعليه) فتكون الحرمة أو الإباحة في المقدمة مترتبة على عصيان (1) الامر بذى
المقدمة كما أن الامر بالصلاة في مبحث الضد يكون مترتبا على عصيان الامر بالإزالة
لاعلى عصيان الامر بترك الصلاة كما ذكره المحقق المزبور (قده)
التنبيه الثالث
في بيان انه لا تترتب ثمرة مهمة على البحث عن وجوب مقدمة الواجب (ولا بأس)
بالإشارة إلى ما ذكروه ثمرة في المقام
منها فساد العبادة إذا كان تركها مقدمة لواجب أهم كترك الصلاة الذي هو مقدمة
للإزالة فإنه إذا كان الترك واجبا كان الفعل منهيا عنه لان وجوب أحد النقيضين يستلزم
النهى عن النقيض الآخر (ولذا) لا خلاف في اقتضاء الامر بالشيئ للنهي عن ضده العام
بمعنى الترك (وأورد) على ذلك (تارة) بعدم مقد مية ترك أحد الضدين لوجود الآخر
(واخرى) بأن فساد العبادة في الفرض المزبور انما هو من جهة عدم الامر بها لامن
جهة الامر بتركها لكونه مقدمة للواجب (ولذا) لابد من القول بالفساد ولو لم نقل بوجوب
مقدمة الواجب ولا بمقدمية الترك للفعل وسيجيئ الكلام في الجهتين في مبحث الضد
انشاء الله تعالى
ثم إن صاحب الفصول (قده) جعل هذه الثمرة مبتنية على القول بوجوب مقدمة
الواجب مطلقا (واما) على ما ذهب إليه من اختصاص الوجوب الغيري بالمقدمة الموصلة

1 - ما اورده شيخنا الأستاذ على صاحب الحاشية قدس سرهما في المقام من استحالة
تعلق خطابين بشئ واحد على نحو الترتب وإن كان في غاية المتانة كما سيتضح الحال في
ذلك في بحث الترتب انشاء الله تعالى الا ان ما افاده من اشتراط حرمة المقدمة بعصيان
الواجب المتوقف عليها لا يمكن تعقله أيضا لما عرفت من أن لازم ذلك اشتراط وجوب الواجب
بالاتيان به وجواز ترك الواجب من غير عذر فلا مناص عن الالتزام بارتفاع الحرمة عن
المقدمة الموصلة وبقاء غيرها على حرمته سواء في ذلك القول بوجوب المقدمة والقول بعدمه
243

فلم يلتزم بفساد العبادة المضادة للواجب الفعلي فان تركها وإن كان مقدمة للواجب الفعلي
الا انه لا يجب منه الا ما ترتب عليه ذلك الواجب المتوقف عليه ومن الواضح ان ايجابه
وإن كان يستلزم النهى عن نقيضه الا ان نقيضه ليس هو الفعل ليكون محرما بل النقيض
له هو عدم الترك الخاص هو قد يكون مقارنا مع الفعل وقد لا يكون ولا يسرى حرمة
النقيض إلى لازمه فضلا عن مقارنة فلا موجب لفساد العبادة من هذه الجهة أصلا (وأورد
عليه) في التقريرات بان الفعل وان لم يكن نقيضا للترك الخاص الا انه من افراده فان نقيض
الأخص هو الأعم فترك الترك الخاص قد ينطبق على الفعل وقد ينطبق على الترك المجرد
فإذا كان وجوب الترك المطلق موجبا لحرمة ما ينطبق عليه نقيضه وهو الفعل فوجوب
الترك الخاص يوجب حرمة جميع افراد نقيضه التي منها الفعل فيقع فاسدا (ورده)
المحقق صاحب الكفاية (قده) مع توضيح منا بان الفعل بنفسه رافع للعدم المطلق و
نقيض له وان عبر عن النقيض بعدم العدم فهو باعتبار انطباقه على الوجود خارجا وإن كان
مغايرا معه مفهوما فترك الترك عنوان ومرآة للوجود الخارجي الذي هو النقيض
بالحقيقة ويستحيل اجتماعه مع العدم وارتفاعهما معا فإذا كان أحدهما مطلوبا فالآخر
يكون منهيا عنه (واما) الترك الخاص فنقيضه عدم الترك الخاص ولو لعدم الخصوصية
لا وجود الفعل بداهة ان العدم يستحيل أن يكون له فردان أحدهما الوجود والآخر
العدم المحض لعدم تعقل الجامع بينهما فلا محالة يكون الفعل من مقارنات
النقيض لا من افراده نظير مقارنة ترك الصوم للصلاة ضرورة ان كون
الصلاة من افراد ترك الصوم مما لا يتوهمه أحد أصلا ومن المعلوم عدم
اقتضاء النهى عن شئ للنهي عن مقارنة ولقد أجاد (قده) في التفرقة بين
المقامين فالحق صحة ما ذهب إليه صاحب الفصول (قده) من انكار الثمرة بناء
على مختاره من اختصاص الوجوب بالمقدمة الموصلة والتحقيق انه لا ثمرة حتى على
القول بوجوب المقدمة مطلقا وذلك لما سيجيئ (1) انشاء الله تعالى من امتناع كون

1 - وستعرف في محله انشاء الله تعالى انه لا ثمرة حتى القول بكون ترك أحد الضدين
مقدمة لوجود الاخر أيضا فجعل فساد العبادة المضادة للواجب الفعلي ثمرة للقول بوجوب
المقدمة فاسد من أصله
244

ترك أحد الضدين مقدمة لفعل الاخر
ومنها توقف وقوع المقدمة عبادة على وجوبها فإنها لو لم تكن مطلوبة للمولى
لما أمكن التقرب بها إليه (وفيه) ان وقوعها عبادة انما يدور مدار قصد الامر
النفس المتعلق يتوقف عليه سواء قلنا بوجوب المقدمة أم لم نقل به وقد سبق الكلام
في ذلك مفصلا فلا نعيد
ومنها بر النذر بفعل المقدمة على القول بوجوبها إذا تعلق النذر بفعل واجب
" وفيه " ان مثل هذه الثمرة لا توجب كون البحث عن وجوب المقدمة أصوليا
فان المسألة الأصولية هي ما تقع نتيجتها في طريق استنباط الحكم الكلى كالقواعد
التي يستنبط منها وجوب الوفاء بالنذر والمفروض ان مسئلتنا ليست كذلك
فان المترتب عليها انما هو انطباق المعلوم وجوبه بدليله على الاتيان بالمقدمة لاستنباط
الحكم من أدلته فلا تكون المسألة بذلك أصولية (مضافا) إلى أن النذر يتبع قصد
الناذر فلو كان قصده من لفظ الواجب ما يلزم الاتيان به شرعا أو عقلا فيحصل الوفاء
بفعل المقدمة ولو لم نقل بوجوبها الشرعي وإن كان قصده خصوص الواجب النفسي
فلا يحصل الوفاء به ولو قلنا بوجوب المقدمة شرعا نعم لو كان قصده من لفظ الواجب
مطلق ما تعلق به الوجوب الشرعي ولو لم يكن له انصراف إلى خصوص الواجب النفسي
لكان حصول الوفاء باتيان المقدمة مبتنيا على القول بوجوب المقدمة لكنك قد عرفت
ان مثل هذه الثمرة لا تكون ثمرة أصولية
ومنها حصول الفسق بترك الواجب مع مقدماته الكثيرة إذا قلنا بوجوبها (وفيه)
ان ترك الواجب إن كان معصية كبيرة فهو بنفسه يوجب الفسق وان لم نقل بوجوب
مقدمته والا فلا يكون تركه بمقدماته موجبا لحصول الفسق وان قلنا بوجوب
المقدمة أيضا (وتوهم) حصول الفسق بسبب الاصرار عند تركه بمقدماته (مدفوع)
بما ذكرناه سابقا من أن الإطاعة (1) والمعصية انما تدوران مدار الامر النفسي فليس
مخالفة الامر الغيري بما هو معصية بما هو معصية حتى يحصل الاصرار على المعصية بمخالفته
ومنها عدم جواز اخذ الأجرة على المقدمة على القول بوجوبها (وفيه) ان وجوب الشيئ

1 - تقدم في محله ان الإطاعة لا تدور مدار الامر النفسي نعم المعصية انما تدور مداره و
يكفي ذلك في بطلان الثمرة المزبورة
245

لا ينافي جواز الأجرة عليه فان الواجب إذا كان هو المعنى (1) المصدري كبيع الطعام
عند ضرورة الناس إليه وكالصناعات التي يتوقف عليها نظام العالم مع بقاء المال والعمل
على المملوكية فلا يمنع وجوبه عن اخذ الأجرة على العمل أو اخذ الثمن بإزاء المال
أصلا واما إذا كان الواجب هو المعنى المعبر عنه باسم المصدر الموجب لكون العمل
مملوكا لله تبارك وتعالى فإن كان عينيا كالصلاة ونحوها فلا يجوز اخذ الأجرة عليه وإن كان
كفائيا وكان مما يدخله النيابة بحيث يكون الثواب والاطاعة للمستنيب لا للنائب كما في
استنابة مريد الحج غيره في الجهاد الواجب عليه كفاية على القول بجوازها فيجوز اخذ
الأجرة عليه أيضا والا فلا (هذا) حال الواجب النفسي في جواز الأجرة عليه وعدمه
واما المقدمة فتتبع (2) في جميع ذلك الواجب النفسي المتوقف عليها سواء قلنا بوجوبها
أم لا فلا يكون من جهة وجوبها مانع عن اخذ الأجرة عليها
ومنها ان المقدمة إذا كانت محرمة فعلى القول بوجوبها يتحقق في موردها أمر
ونهى فيبتنى اتصافها بالوجوب على جواز الاجتماع وعدمه واما على القول بعدمه فلا
تكون المقدمة الا محرمة (وفيه) ان المقدمة إذا كانت سببية فقد عرفت انها خارجة عن

1 - لا يخفى ان المعنى المعبر عنه بالمصدر تارة وباسم المصدر أخرى معنى واحد ذاتا
ووجودا والفرق بين المصدر واسم المصدر انما هو بمجرد الاعتبار فلا معنى لتعلق الوجوب
تارة بالمعنى المصدري واخرى بمفاد اسم المصدر بل المطلوب في جميع الواجبات
وجود الفعل الخاص الصادر من المكلف لكن تعلق الالزام به لا يوجب سلب المالية عن العمل
أو المال الخارجي فان قام دليل من اجماع وغيره على عدم جوازه اخذ الأجرة على واجب
بالخصوص ولزوم الاتيان به مجانا فهو والا فمقتضى القاعدة هو جواز اخذ الأجرة على
جميع الواجبات سواء كان الواجب عينيا أم كان كفائيا وسواء كان مما تدخله النيابة أم لم يكن
كذلك واما توهم منافاة كون الواجب عبادة لجواز اخذ الأجرة عليه فهو على تقدير تسليمه يختص بالواجبات
العبادية ويعم المستحبات أيضا ولا يكون له مساس بالجهة التي نتكلم فيها في المقام
وقد تعرضنا لدفعه في محله مفصلا
2 - قيام الدليل على عدم جواز اخذ الأجرة على واجب نفسي والغاء الشارع ماليته لا
يلازم عدم جواز اخذ الأجرة على مقدمته أيضا فلابد في اثبات عدم جوازه أيضا من التماس
دليل آخر غير ما دل على عدم جواز اخذ الأجرة على ما يتوقف عليها فلا لما افاده شيخنا
الأستاذ قدس سره من كون المقدمة تابعة للواجب النفسي المتوقف عليها في جميع ذلك
246

محل الكلام رأسا وواجبة بعين الوجوب النفسي المتعلق بالمسبب واما إذا لم تكن
سببية فإن كانت المقدمة منحصرة في الحرمة فلا محالة يقع التزاحم بين حرمة المقدمة
ووجوب ذي المقدمة فلابد من رفع اليد عن أحدهما هو أجنبي عما هو محل الكلام في
بحث جواز الاجتماع وعدمه واما إذا لم تكن منحصرة فإن كانت المقدمة توصلية فلا
محالة يسقط الغرض باتيانها سواء قلنا بوجوب المقدمة أم لا وإن كانت تعبدية فان بنينا على كفاية
قصد الجهة في صحة العبادة وان لم تكن مأمورا بها بل ولو كانت محرمة فتصح المقدمة
المفروض كونها عبادة ولو قلنا بالامتناع (1) نعم إذا بنينا على عدم كفاية قصد الجهة فان قلنا بجواز
الاجتماع صحت العبادة وحصلت المقدمة والا فلا فالثمرة تظهر في خصوص هذا الفرض (ولكن
التحقيق) انه لا ثمرة للقول بوجوب المقدمة حتى في هذا الفرض فان المقدمة إذا كان لها فردان محرم
وغير محرم فلا محالة يترشح الامر الغيري من الواجب إلى خصوص غير المحرم (2) فلا يقع المحرم

1 - لا يخفى ان قصد الجهة انما يكفي في صحة العبادة فيما إذا لم يكن في المأتى به جهة
مفسدة غالبة على جهة مصحلة ضرورة انه لا يعقل أن يكون المبغوض بالفعل مقربا كذلك فما
أفيد في المتن من احتمال كفاية قصد الجهة في صحة العبادة ولو كانت محرمة ليس على
ما ينبغي فالصحيح انه بناء على الامتناع لا مناص عن الالتزام بفساد العبادة المأتى بها مقدمة
لواجب آخر من دون فرق بين القول بوجوب المقدمة وعدمه وبين القول بكفاية قصد
الجهة في صحة العبادة وعدمه
2 - لا يذهب عليك انه بناء على ثبوت الملازمة بين وجوب الشيئ ووجوب مقدمته
لا وجه لدعوى اختصاص الوجوب الغيري بالمقدمة المباحة غير المجتمعة مع عنوان
محرم بعد مشاركة غيرها إياها في ملاك الوجوب الغيري ووفائه بالغرض الداعي إلى الايجاب
فكما ان اجتماع الواجب النفسي مع عنوان محرم لا ينافي وقوعه على صفة المطلوبية بناء
على جواز اجتماع الامر والنهى وعدم سراية النهى إلى متعلق الأمر كذلك اجتماع الواجب
الغيري كالمسير إلى الحج مثلا مع عنوان مثلا مع عنوان محرم كالغصب لا ينافي وقوعه على صفة المطلوبية
والفرق بين الواجب النفسي والغيري من هذه الجهة تحكم صرف وفرق بلا فارق ولكن
التحقيق انه مع ذلك لا تصح الثمرة المزبورة فان العبادات التي تكون مقدمة لواجب
آخرل ا مناص عن الالزام فيها بتعلق الامر النفسي بها في حد أنفسها كما عرفت تفصيل
ذلك في محله وحينئذ فان بنينا على جواز الاجتماع الامر والنهى صحت تلك العبادات سواء
في ذلك القول بوجوب المقدمة والقول بعد مه واما إذا بنينا على الامتناع وتقديم جانب
الحرمة فلا مناص عن القول بفسادها سواء قلنا بوجوب المقدمة أم لم نقل به فلا ثمرة للقول
بوجوب المقدمة من هذه الجهة أصلا
247

عبادة فلا تحصل المقدمة سواء قلنا بوجوب المقدمة أم لا (وبالجملة) المقدمة المحرمة
على القول بوجوب المقدمة لا تتصف بالوجوب حتى يمكن الحكم بصحتها بناء على جواز
اجتماع الامر والنهى فلا يترتب على القول بوجوب المقدمة ثمرة أصلا وقد اورد على
هذه الثمرة في الكفاية بان المقدمة إذا كانت محرمه فالنهي عنها يكون من قبيل النهى
عن العبادة لان عنوان المقدمة لا يقع في حيز الطلب بل المطلوب الغيري انما هو ما يكون
مقدمة بالحمل الشايع فلا يكون هناك عنوانان منطبقان على واحد يكون بأحد العنوانين
واجبا وبالآخر حراما ليكون المورد من موارد اجتماع الامر والنهى (وفيه) ان
كون المقدمة المحرمة من موارد اجتماع الامر والنهى لا يتوقف على تعلق الطلب الغيري
بعنوان المقدمة فان الحج مثلا إذا كان واجبا فالمسير لا محالة يكون واجبا بالوجوب
الغيري بناء على وجوب المقدمة فإذا فرض ان المكلف سار في المكان المغصوب فينطبق عليه
عنوانان عنوان السير الواجب مقدمة وعنوان الغصب فيكون من باب الاجتماع فليس الغرض
من اجتماع العنوانين اجتماع عنوان المقدمة بالحمل الأولى مع عنوان الغصب مثلا
بل الغرض اجتماع عنوان ما هو مقدمة بالحمل الشايع مع عنوان آخر محرم كما في كل
مورد اجتمع فيه الامر والنهى نعم لو كان النهى متعلقا بذات المقدمة الخارجية لا
بالعنوان الكلى لكان المورد داخلا في مسألة النهى عن العبادة والمعاملة الا انه لا يتحقق
في القضايا الحقيقية وانما يمكن تحققه في القضايا الخارجية فقط
تذييل
لا يخفى ان ما ذكرنا من الوجوه والاقول في مقدمة الواجب يجرى في مقدمة
المستحب أيضا وبناء على ثبوت الملازمة تكون مقدمة المستحب مستحبة واما مقدمة
الحرام فجمل القول فيها ان الآتي بها قد يكون له صارف عن ارتكاب المحرم نفسه وقد لا يكون
له صارف عنه وعلى الأول فلا ريب في عدم حرمة المقدمة الا ذا علم من حاله انه لو أتى
بها يكون مقهورا في إرادة الحرام فتحرم المقدمة التي يترتب عليها ذلك (1) وعلى الثاني

1 - لا يخفى ان المقدمة التي يضطر مع ارتكابها المرتكب إلى الوقوع في الحرام وإن كان
الاتيان بها اختيارا مع العلم بترتب الحرام عليها موجبا لصحة العقاب على مخالفة الحرام
في ظرفه لما عرفت من أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا وان نافاه خطابا
الا انه لا موجب لحرمة نفس المقدمة نفسية وكونها مبغوضة ولو بنفس المبغوضية الثابتة
للحرام المترتب عليها نعم بناء على ثبوت الملازمة بين وجوب الشيئ ووجوب مقدمته لا مناص
عن القول بالملازمة بين مبغوضية الشيئ ومبغوضية ما يتوقف الانزجار عنه على تركه أيضا لكن
المبغوضية حينئذ مبغوضية غيرية لا يترتب عليها استحقاق العقاب أصلا
248

فاما أن يكون عنوان الحرام ما هو مقدمة له منطبقين على شئ واحد كما في
الافعال التوليدية نظير (1) اجراء الماء على اجزاء البدن للوضوء المنصب على ارض
مغصوبه بلا وساطة جريانه على ارض أخرى مباحة واما أن يكون عنوان الحرام
منطبقا على غير ما ينطبق عليه عنوان ما هو مقدمة له وعلى الأول فالحكم المتعلق بالفعل
التوليدي يكون بنفسه متعلقا بما يتولد منه كما عرفت فتكون الحرمة المتعلقة
بالغصب متعلقة باجراء الماء على البدن فيدخل بذلك في باب اجتماع الامر والنهى وعلى
الثاني فاما أن تكون المقدمة علة تامة للحرام بحيث لا يتمكن المكلف من امتثال تكليف
الحرمة بعد الاتيان بها أولا تكون كذلك اما على الأول فلا اشكال في حرمتها (2) فإنها هي
التي تتعلق بها القدرة والإرادة أولا وبالذات والمعلول انما يكون مقدورا بتبعها فتسرى
إليها الحرمة المتعلقة به مثال ذلك اجراء الماء في الوضوء على الأرض المباحة المشتملة
على ميزاب يجرى منه الماء على الأرض المغصوبة بحيث لا يتمكن المكلف بعد جريان
الماء على الأرض المباحة من منع انصابه على الأرض المغصوبة نعم لو فرضنا عدم صدق
التصرف عرفا على ما يترتب على المقدمة وإن كان يصدق عليه عقلا كوقوع قطرات يسيرة
على الأرض المغصوبة لما كان المعلول محرما شرعا حتى يترشح منه الحرمة على

1 - ما أفيد في المتن من كون الحكم الثابت للفعل التوليدي ثابتا لما يتولد منه وإن كان
متينا جدا الا ان المثال المذكور فيه خارج عن هذا الباب وداخل فيما لا يتمكن المكلف
فيه من ترك ذي المقدمة بعد الاتيان بمقدمته ضرورة ان جريان الماء على اجزاء البدن
خارجا مغاير وجودا لجريانه على الأرض المغصوبة وعليه فحرمة اجراء الماء على اجزاء
البدن في المثال بناء على ثبوت الملازمة حرمة غيرية لا نفسية
2 - إذا كانت العلة المغيرة لمعلولها وجود فالقدرة على المعلول وإن كان بتبع القدرة على
علته الا انه لا يوجب كون الحكم المتعلق به متعلقا بها وقد تقدم من شيخنا الأستاذ قدس
سره الاعتراف بذلك فيما تقدم
249

علته وعلى الثاني فيقع الكلام في أن حرمة المقدمة (1) هل هي من باب التجري والعزم
على المعصية أو من باب ترشح الحرمة من ذي المقدمة إليها كما لو كان المتوضئ متمكنا
من سد الميزاب ومنع جريانه على الأرض المغصوبة في الفرض المزبور ولم يكن عازما
على منع ترتب الحرام على ذلك (والحق) في هذا القسم عدم حرمة المقدمة من باب السراية
فان امتثال الحرام لا يتوقف على تركها على الفرض لتمكن المكلف من ذلك بعد الاتيان
بها أيضا فعصيانه بعد ذلك بالاختيار لا يوجب حرمة المقدمة التي لا يتوقف امتثال
الحرام على تركها أصلا نعم على تقدير تركها يترك الحرام أيضا الا ان امتثاله لا يتوقف
على تركها لأن المفروض ان المكلف قادر على الامتثال بعد الاتيان بها أيضا فلا موجب
لحرمتها من قبل حرمة ذي المقدمة (واما) مقدمات المكروه فحالها حال مقدمات
الحرام طبق النعل بالنعل
الفصل التاسع
في اقتضاء الامر بالشيئ للنهي عن ضده وقبل الخوض في بيان ما هو الحق
في المقام لا بد من تقديم مقدمات
الأولى ان المسألة المبحوث عنها في المقام أصولية تقع نتيجتها في طريق استنباط
الحكم الشرعي وقد عرفت ان الميزان في كون المسألة أصولية هو كون نتيجتها بحيث
لو انضمت إليها صغرياتها لانتجت نتيجة فقهية وعليه فلا وجه لجعل المسألة من المبادى
الاحكامية كما لا يخفى (ثم) ان المسألة عقلية والبحث انما هو عن اقتضاء وجوب الشيئ
لحرمة ضده عقلا والتعبير باقتضاء الامر في عنوان البحث وإن كان يوهم كونها من المباحث

1 - يظهر منه قدس سره التسالم على حرمة المقدمة في هذا الفرض وانما الكلام في منشأ
الحكم بالحرمة وانه التجري والعزم على المعصية أو الملازمة بين حرمة الشيئ وحرمة
مقدمته مع أن لمنع حرمتها بناء على عدم حرمة قصد المعصية كما هو الظاهر مجالا واسعا
فتحصل من جميع ما ذكرناه ان الحرمة الغيرية بناء على ثبوت الملازمة تختص بالمقدمة التي
لا يتمكن المكلف من ترك الحرام بعدها واما غيرها من المقدمات فلا موجب لحرمتها الغيرية أصلا
250

اللفظية الا انه لأجل كون الوجوب مدلولا للامر غالبا والا فكونه مستفادا من اللفظ
أجنبي عما هو المهم في المقام
الثانية ان الاقتضاء المبحوث عنه في المقام أعم من أن يكون بنحو العينية والجزئية
واللزوم البين الأخص أو الأعم
الثالثة ان المراد بالضد في المقام مطلق المعاند والمنافي سواء كان أمرا عدميا
وهو الترك المعبر عنه في لسانهم بالضد العام أو أمرا وجوديا سواء أريد به كل
واحد من الأضداد الوجودية الخاصة أو الجامع بينها الذي قد يعبر عنه بالضد العام أيضا
إذا عرفت ذلك فالكلام يقع في مقامين (الأول) في الضد العام بمعنى الترك
(الثاني) في الضد الخاص (اما المقام الأول) فربما يد على فيه ان الامر بالشيئ عين النهى (1)
عن ضده بتقريب ان عدم العدم وإن كان مغاير للوجود مفهوما الا انه عينه خارجا
لما عرفت سابقا من أن نقيض العدم هو الوجود وعدم العدم عنوان ومرآة له لا انه أمر يلازمه
فكما ان الإرادة التكوينية لا تتعلق الا بنفس الوجود وهو بنفسه ناقض للعدم كذلك
الإرادة التشريعية انما تتعلق به فطلب ترك الترك عن طلب الفعل والفرق بينهما انما هو بحسب
المفهوم فقط (وفيه) ان محل الكلام هو انه إذا تعلق الامر بشئ فهل هو بعينه نهى عن

1 - لا يخفى ان النهى عن الترك ان أريد به طلب تركه المنطبق على الفعل فلا معنى للقول
بان الامر بالشيئ يقتضى النهى عن تركه أصلا إذا هو في قوة القول بان الامر بالشيئ يقتضى
نفسه وهو قول لا محصل له وان أريد بالنهي عن الترك الزجر عنه الناشئ من مبغوضيته
فلا معنى للقول بان بغض الترك عن حب الفعل أو جزئه فينحصر النزاع المعقول في اقتضاء
الامر بالشيئ لكراهة ضده من جهد ثبوت الملازمة بينهما وعدم اقتضائه لها والحق عدم
اقتضائه له لان الحكم الواحد وهو الوجوب في محل الكلام لا ينحل إلى حكمين ليكون
تارك الواجب تاركا له ومرتكبا للمحرم ضرورة ان الوجوب انما ينشأ من مصلحة لزومية
في متعلقه فتركه ترك ما فيه المصلحة لا انه فعل ما فيه المفسدة نعم يصح اطلاق المبغوض
على ترك الواجب بنحو من العناية والمسامحة لكنه أجنبي عما هو محل الكلام كما هو ظاهر
وبذلك يظهر لك فساد ما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره من تسليم دلا له الامر بالشيئ
على النهى عن تركه بألد لالة الالتزامية باللزوم البين بالمعنى الأعم بل بمعناه الأخص أيضا
هذا مع أن نفيه البعد عن اللزوم البين بالمعنى الأخص يناقض ما افاده أولا من دعوى بداهة
امكان غفلة الامر بشئ عن ترك تركه فضلا عن أن يتعلق به طلبه كما هو ظاهر
251

الترك أولا لا انه إذا كان هناك أمر بالفعل ونهى عن الترك فهل هما متحدان أولا والدليل
انما يثبت الاتحاد في المقام الثاني لا الأول بداهة ان الآمر بالشيئ ربما يغفل عن ترك
تركه فضلا عن أن يأمر به فلا يبقى لدعوى الاتحاد فيما هو محل الكلام مجال أصلا (وذهب)
بعض إلى الاقتضاء بنحو التضمن بتوهم ان الامر بشئ مركب من طلبه والمنع من تركه
فالمنع من الترك مأخوذ في مفهومه فيكون الامر دالا عليه بالتضمن (وفيه) ما عرفت
سابقا من أن الوجوب أمر بسيط يلزمه المنع من الترك وليس هو مركبا منه ومن طلب
الفعل ليكون دالا عليه بالتضمن (واما) دعوى ألد لالة عليه بالالتزام بنحو اللزوم البين
بالمعنى الأخص بان يكون نفس تصور الوجوب كافيا في تصور المنع عن الترك فليست
ببعيدة وعلى تقدير التنزل عنها فالدلالة الالتزامية باللزوم البين بالمعنى الأعم مما لا اشكال
فيها ولا كلام
واما المقام الثاني فقد استدل فيه لاقتضاء الامر بشئ للنهي عن ضده سواء أريد
منه كل واحد ومن الأضداد الخاصة أو الجامع بينها بوجهين
الأول ان وجود كل شئ ملازم لترك ضده والمتلازمان لا يمكن اختلافهما في
الحكم فإذا كان أحد الضدين واجبا فلا بد وأن يكون ترك الآخر أيضا واجبا والالزام
اختلافهما في الحكم وهو محال (وفيه) أولا انه لا دليل على لزوم اتحاد المتلازمين في
الحكم وانما اللازم عدم اختلافهما فيه بحيث لا يمكن امتثالهما في الخارج كأن يكون
أحدهما واجبا والآخر حراما (ولذا) قال شيخنا البهائي (قده) ان الامر بالشيئ وان
يقتض النهى عن ضده الا انه لم يقتضى عدم الامر به لا محالة لا امتناع الامر بالضدين لملازمة
وجود كل منهما لعدم الآخر وثانيا لو سلم لزوم اتحاد المتلازمين في الحكم فان التلازم
بين وجود أحد الضدين وعدم الآخر اما هو في الضدين اللذين لا ثالث لهما لا في مطلق
الضدين اللذين يمكن تركهما معا الا ان يقال إن كل واحد من الأضداد وان لم يكن تركه
ملازما لخصوص ضد من أضداده الا ان ترك الجامع بين الأضداد ملازم له لا محالة فإذا كان
واجبا فلا بدوان يكون ترك الجامع بين أضداده واجبا أيضا وكيف كان فاتحاد المتلازمين
في الحكم لم يقم عليه دليل أصلا وتوهم ان الامر بأحد الضدين الذين لا ثالث لهما عين
النهى عن الضد الآخر كما تقدم ان الامر كذلك في النقيضين لاشتراك الجميع في الملاك
252

وهو امتناع اجتماعهما في الخارج وارتفاعهما فيه مدفوع بما عرفت من بطلان دعوى
العينية في المقيس عليه فيكف بالمقيس نعم قد عرفت البعد في دعوى الملازمة
البينة بالمعنى الأخص في الضد العام بمعنى الترك فيكون دعوى الملازمة البينة فيما
نحن فيه أيضا غير بعيدة (1) الا انها ليست بالمعنى الأخص قطعا لعدم كفاية تصور نفس
الملزوم في تصور لازمه بل الثابت هي الملازمة البينة بالمعنى الأعم
فان قلت إذا سلمت الملازمة البينة في الضدين الذين لا ثالث لهما فلابد لك من تسليمها
في مطلق الضدين ولو كان لهما ثالث فان الجامع بين الأضداد الوجودية مضاد للواجب ولا
ثالث لهما فإذا كان حراما فيكون كل فرد وجد منه في الخارج متصفا بالحرمة لا محالة
قلت الجامع بين الأضداد الوجودية ليس الا عبارة عن عنوان انتزاعي يشاربه إلى
نفس الأضداد الخارجية فكل فرد منه مضاد بنفسه وبخصوصيته للواجب لا باعتبار انطباق
الجامع عليه ومن المعلوم ان مضادة كل واحد منها بخصوصيته تنفى انحصار التضاد في
الاثنين وعليه فلا يسرى حكم الضدين الذين لا ثالث لهما إلى ما إذا كان لهما ثالث باعتبار
الجامع الانتزاعي فلا تصح فيه دعوى اللزوم البين لهما بمعناه الأخص أو الأعم هذا مضافا إلى أن
الجامع وان فرض كونه من الماهيات المتأصلة الا انه لا يوجد في الخارج
إلا في ضمن افراده ومن المعلوم ان الملاك في دعوى اللزوم البين في الضدين اللذين
لا ثالث لهما هو ملازمة وجود أحدهما لترك الآخر خارجا وبالعكس فكل منهما وان
لم يكن بنفسه رافعا للاخر كالنقيضين الا انه لازم لما هو نقيضه و
رافعه فيسرى إليهما حكم النقيضين وهو استلزم الامر بأحد هما للنهي عن الآخر وهذا
الملاك مفقود في الضدين اللذين لهما ثالث قطعا لان الموجود في الخارج ليس هو نفس

1 - قد عرفت الحال في الضد العام ومنه يعرف حال الضد الخاص أيضا ثم لا يخفى انه على
تقدير تسليم الدلالة الالتزامية في الضد الخاص فيما إذا لم يكن للضدين ثالث لا بد من
تسليم الدلالة فيما إذا كان للضدين ثالث أيضا ضرورة ان ملاك الدلالة على النهى انما هو
استلزام وجود الشيئ لعدم ضده وهو أمر يشترك فيه جميع الأضداد واما استلزام عدم
الشيئ لوجود ضده المختص بما إذا لم يكن للضدين ثالث فهو أجنبي عن الملاك المزبور
بالكلية فما أفيد في المتن من تسليم الدلالة في الضدين ليس لهما ثالث وانكارها
في الضدين اللذين لهما ثالث لا يمكن المساعدة عليه أصلا
253

الجامع بل فرده ومصداقه ولا ملازمة بين تركه ووجود الضد الاخر على الفرض و
بالجملة ما هو واجد لملاك دعوى اللزوم البين هو الجامع لا يوجد في الخارج بنفسه
وما يوجد في الخارج هو الفرد غير واجد لملاكها (فتلخص) مما ذكرناه أن الامر
بأحد النقيضين يستلزم النهى عن الاخر باللزوم البين بالمعنى الأخص والامر بأحد الضدين
فيما لا ثالث لهما كالحركة والسكون والاجتماع والافتراق يسلتزم النهى عن الاخر
باللزوم البين بالمعنى الأعم وفيما لها ثالث لا استلزام أصلا واما الامر بأحد المتقابلين
بتقابل العدم والملكة كالتكلم والسكوت بناء على كون السكوت أمرا عدميا فالظاهر أنه
يستلزم النهى عن الاخر باللزوم البين بالمعنى الأخص كما في النقيضين فان أحدهما
بنفسه رافع للاخر لا انه ملازم للرافع ومجرد امكان ارتفاعهما في موضوع غير قابل أجنبي
عما هو الملاك في دعوى اللزوم البين بالمعنى الأخص
الوجه الثاني ان ترك الضدين مقدمة لوجود الاخر فيكون واجبا بسبب
وجوبه وذلك لان كل واحد من الضدين مانع من وجود الضد الاخر والا لم يكن
بينهما مضادة وكون عدم المانع من مقدمات وجود الشيئ ممالا يحتاج إلى مزيد بيان
وإقامة برهان (وفيه) ان هذا الوجه وإن كان أحسن ما استدل به على الاقتضاء إلا أنه
يتوقف على اثبات كون عدم أحد الضدين مقدمة لوجود الاخر كما ذكره في الاستدلال
والحق ان المعاندة بين الوجدين لا تقتضي التوقف المزبور بيان ذلك ان الأقوال
في توقف وجود أحد الضدين على عدم الاخر وعكسه نفيا واثبات وان كثرت فمنهم
من أنكر التوقف رأسا وذهب إلى اتحاد وجود أحد الضدين وعدم الاخر في الرتبة
بلا تقدم وتأخر بينهما ومنهم من ذهب إلى التوقف من الطرفين فجعل كلا من وجود الشيئ
وعدم ضده مقدمة للاخر ومتوقفا عليه كما عن ظاهر العضدي والحاجبي حيث إنهما أجابا عن
الاستدلال المذكور في المقام وعن استدلال الكعبي على انتفاء المباح وهوان ترك الحرام واجب
ولا يتم الا باتيان أحد أضداده الوجودية بمنع وجوب المقدمة لا بانكار التوقف والمقدمية فيظهر
منهما تسليم التوقف والمقدمية في المقامين ومنهم من أنكر كون وجود الشيئ مقدمة لعدم ضده
وذهب إلى كون عدم الضد من مقدمات وجود الشيئ اما مطلقا كصاحب الحاشية (قده) اوفى خصوص
الضد الموجود كالمحقق الخوانساري (قده) وقد نسب إلى بعض انكار توقف وجود الشيئ على
254

عدم ضده وتسليم توقف عدم الشيئ على وجود ضده الا ان التحقيق هو القول الأول و
هو انكار التوقف والمقدمية رأسا وفاقا لسلطان العلماء وجملة من المحققين قدس الله
اسرارهم (والوجه في ذلك) ان المعلول وإن كان مترتبا على مجموع اجزاء علته الا ان
دخل كل جزء منها يغاير دخل غيره من اجزائها فان المقتضى هو ما يترشح منه المعلول
ويكون منه الأثر كالنار مثلا فان الاحراق انما يترشح منها لا من مثل المحاذاة وبقية
الشرائط (واما) الشرط فهو ما يكون دخيلا في فعلية تأثير المقتضى اثره كالمماسة و
نحوها فان تأثير النار في الاحراق انما يكون معها وإذا لم تكن موجودة فالمقتضى
وإن كان موجودا الا انه لا يتحقق تأثيره في الخارج فالشرط انما يكون دخيلا في فعلية
التأثير لا انه مؤثر في المعلول (واما) عدم المانع فدخله باعتبار ان المانع يزاحم المقتضى
في تأثيره ويمنعه عن ذلك كالرطوبة المانعة من تأثير النار في الاحراق فدخله انما هو
لأجل مانعية وجوده والا فلا معنى لتأثير العدم في الوجود وكونه من اجزاء علته انما تتحقق في
استحالة تأثير الاعدام في شئ أو تأثرها منه ومن الواضح ان المانعية انما تتحقق في
فرض وجود المقتضى مع بقية الشرائط ليستند عدم المعلول إلى وجود المانع فلو
فرض عدم المقتضى أو عدم الشرائط فاستناد عدم المعلول إلى وجود المانع مما لا يتوهمه
أحد مثلا إذا فرضنا عدم وجود النار في العالم أصلا أو كانت ولم تكن مماسة للجسم
القابل للاحتراق فلو ادعى أحد أن عدم احتراق الجسم في هذا الفرض مستند إلى
وجود المانع عن الاحتراق لكانت الدعوى مما يضحك الثكلى فالمانع انما يتصف
بالمانعية عند وجود المقتضى مع بقية الشرائط والا فلا يتصف بالمانعية ليكون عدمه
من مقدمات وجود المعلول ويترتب على ذلك أنه يستحيل أن يكون
وجود أحد الضدين مانعا من وجود الاخر بداهة (1) انه عند وجود أحد الضدين يستحيل

1 - لا يذهب عليك ان ما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره من توقف استناد عدم شئ
إلى وجود المانع على تحقق ما يقتضى وجوده مع ساير الشرايط وإن كان في غاية الجودة و
المتانة الا ان ما افاده من دعوى استحالة وجود المقتضى لكل من الضدين في آن واحد غير
صحيح لان كلا من المقتضين انما يقتضى اثره في نفسه ومع قطع النظر عن الاخر فمقتضى
البياض مثلا انما يقتضيه في نفسه كما أن مقتضى السواد مثلا انما يقتضيه كذلك وهذا أمر
ممكن لا استحالة فيه أصلا وانما المستحيل هو اقتضاء شئ للبياض المقارن للسواد مثلا و
أين ذلك من فرض وجود المقتضى من الضدين في نفسه لا يقيد اجتماعه مع الاخر ولولا ما
ذكرناه لاستحال استناد عدم الشيئ إلى وجود مانعه ابدا لان الأثر المترتب على وجود
المانع ان لم يكن مضاد للممنوع فلا موجب لكونه مانعا منه وإن كان مضادا له فكيف يعقل وجود
المقتضى لما فرض ممنوعا ليستند عدمه إلى وجود المانع
255

وجود المقتضى للضد الاخر فعدمه مستند إلى عدم مقتضيه لا إلى وجود ضده وهذا بالنسبة
إلى إرادة شخص واحد في غاية الوضوح لاستحالة تحقق إرادة كل من الضدين في آن
واحد واما بالنسبة إلى إرادة شخص للضدين فلان إحدى الإرادتين تكون مغلوبة
للإرادة الأخرى فلا تكون متصفة الاقتضاء فيكون وجودها كعدمها لعدم القدرة
على متعلقها (وبالجملة) تضاد المعلولين يستلزم تضاد مقتضيهما فلا يمكن اجتماعهما
في الخارج ليكون أحد المعلولين مانعا من تأثير مقتضى الاخر ومزاحما له بداهة
ان وجود أحد الضدين في عرض وجود الاخر محال يمتنع تحققه في الخارج وما كان كذلك
يستحيل وجود المقتضى له فان اقتضاء المحال محال فإذا فرض وجود المقتضى لاحد
الضدين فلا محالة يكون المقتضى للاخر محالا فاتضح ان المانع المتوقف على عدمه
وجود المعلول هو ما كان مزاحما لتأثير المقتضى اثره عند اجتماع شرايطه وهذا المعنى
مفقود في الضدين كما عرفت فلا وجه لدعوى توقف أحدهما على عدم الاخر الا توهم ان
المعاندة والمنافاة بين الوجودين تقتضي التوقف المزبور وهو توهم فاسد (1) إذا لو تم ذلك
لكان تحقق كل من النقيضين متوقفا على عدم الاخر أيضا لوجود الملاك فيه وبطلانه غنى
عن البيان وإقامة البرهان وعلى ما ذكرناه من أن مرتبة المانعية انما هي بعد وجود
المقتضى مع الشرايط يترتب امتناع كون أحد الضدين شرطا لشيئ والاخر مانعا منه
لأن المفروض ان مانعية المانع انما هي في ظرف وجود المقتضى مع بقية الشرائط فلابد من
امكان اجتماع المانع والشرط وجود أو الضدان بما انه لا يمكن اجتماعهما يستحيل كون

1 - هذا التوهم وإن كان فاسدا في نفسه على ما سيجئ بيانه الا انه لا يرد عليه ما أفيد في
المتن من استلزامه توقف أحد النقيضين على عدم الاخر مع أنه واضح بطلان (وجه عدم
الورود) هوان توقف شئ على شئ يتوقف على مغايرتهما خارجا ومن الواضح ان عدم
الشيئ هو بنفسه نقيض وجوده فلا معنى لتوقفه على عدم نقيضه كما أن عدم العدم عنوان ومرآة
للوجود فلا معنى لتوقف الوجود عليه
256

أحدهما شرطا لشيئ والآخر مانعا عنه
ثم إنه اورد على القائلين بكون ترك أحد الضدين مقدمة لوجود الآخر بأنه
مستلزم للدور فان وجود أحدهما لو توقف على عدم الآخر توقف وجود الشيئ
على عدم مانعه لتوقف عدم الآخر على وجود ضده توقف عدم الشيئ على وجود مانعه
لان التمانع من الطرفين واستناد عدم الشيئ إلى وجود المانع هو الموجب لتوقف
المعلول على عدم المانع (وأجاب عنه) المحقق الخوانساري (قده) بأن توقف وجود
أحد الضدين على عدم الاخر فعلى بخلاف توقف عدم الاخر على وجوده فان شانى
لان وجود أحد الضدين انما يكون مانعا عن الضد الاخر فيما إذا كان المقتضى له
مع جميع شرايطه موجودا وهذا محال لامتناع وجود المقتضى لكل من الضدين في
عرض واحد
والتحقيق ان ما افاده (قده) من كون المانعية المانع متوقفة على وجود
المقتضى مع جميع الشرائط وإن كان متينا لا مناص الالتزام به كما عرفت الا ان
لازمه انكار التوقف والمقدمية في المقام لا انكار لزوم الدور مع الالتزام بالتوقف
فان كون عدم المانع مقدمة انما هو باعتبار مانعة وجوده فإذا كانت مانعية أحد الضدين
للاخر مستحيلة لتوقفها على وجود المقتضى مع الشرائط المفروض استحالته فيستحيل
كون عدم أحدهما مقدمة لوجود الاخر (ثم إنه) كان من الواجب على المحقق
الخوانساري (قده) ان يمنع استناد عدم أحد الضدين إلى وجود الاخر ولو فرض
امكان وجود مقتضيهما فان المقتضيين وان فرضنا هما موجودين في عرض واحد الا
ان عدم شئ من الضدين لا يستند حينئذ إلى وجود الاخر بل إلى وجود مقتضى الاخر
المساوى لمقتضيه في القوة أو الأقوى منه فإذا فرض المقتضيان متساويين في القوة فلا
يوجد شئ منهما فيعلم من ذلك المانع من وجوده مع فرض تمامية مقتضيه انما
هو وجود مقتضى الضد الاخر لا نفسه فان المفروض انه معدوم فكيف يعقل أن يكون
مانعا من الاخر نعم المقتضى الضعيف لا يمكن أن يكون مانعا من القوى فإذا كان مقتضى
كل من الضدين موجودا أو كان أحدهما أقوى من الاخر فهو يؤثر في مقتضاه ويكون مانعا
عن الاخر وعلى كل فلا يستند عدم الشيئ إلى وجود ضده ليلزم الدور لكنك
257

عرفت ان مرجع استحالة استناد عدم أحد الضدين إلى وجود الاخر إلى استحالة
مانعية كل منهما من الاخر ونتيجة ذلك عدم توقف وجود أحدهما على عدم الاخر
إذ لا موجب للتوقف المزبور الا كون أحد الوجودين مانعا من الاخر المفروض
استحالته لوجهين
الأول ان مانعية الضد تتوقف على وجود المقتضى للضد الاخر مع سائر شرائطه و
قد فرضنا استحالته
الثاني (1) ان عدم الضد لو فرض محالا وجود مقتضيه أيضا انما يستند إلى
وجود المقتضى الاخر المزاحم لمقتضيه في التأثير المساوى معه في القوة أو الأقوى منه
وعليه فلا يستند عدم أحد الضدين إلى وجود الاخر ابدا فيستحيل كون أحد الوجودين
مانعا من الاخر فإذا كانت المانعية مبتنية على محالين كانت مستحيلة لا محالة فيكون
توقف وجود الشيئ على عدم ضده محالا أيضا ومما يدلك (2) على عدم كون ترك أحد

1 - هذا الوجه هو الصحيح في انكار كون أحد الضدين مانعا من الاخر واما الوجه الأول فقد
عرفت عدم صحته آنفا
2 - التحقيق في المقام هو ان التقدم والتأخر بين شيئين إذا كانا بالزمان فكل ما هو متحد
مع المتقدم في الزمان متقدم على المتأخر لا محالة كما أن مقارن المتأخر متأخر عن المتقدم
بالضرورة واما إذا كان التقدم والتأخر بلحاظ الرتبة والزمان فلا استحالة في كون شئ
متقدما على شئ ولا يكون متقدما على ما هو متحد مع المتأخر في الرتبة كما لا استحالة
في تأخر شئ عن شئ وعدم تأخره عما هو متحد مع المتقدم في الرتبة والوجه في ذلك ان
التقدم في الرتبة لا بد وأن يكون ناشئا من ملاك موجب له ولتأخر المتأخر فكل ما
لا يكون فيه الملاك لا يعقل فيه التقدم والتأخر فالا تحاد في الرتبة ملاكه عدم تحقق موجب
التقدم والتأخر لا انه ناشئ من ملاك وجودي كما كان هو الشأن في الاتحاد في الزمان و
عليه فنقول إذا كان شئ كالعلة متقد ما على شئ كالمعلول فترشح المعلول من العلة وتوقف
وجوده على وجود علته هو الملاك لتقدم العلة على المعلول وتأخره عنها رتبة لكن عدم المعلول
الذي هو في مرتبة وجوده غير متأخر في الرتبة عن وجود العلة لعدم تحقق ملاك التأخر فيه
كما أن عدم العلة لا تقدم له على وجود المعلول لذلك أيضا فعدم المعلول متحد في الرتبة مع
وجود المعلول ومع وجود علته كما أن عدم العلة متحد رتبة مع وجود العلة ووجود معلولها و
على ذلك فعدم أحد الضدين وإن كان في رتبة وجود المتحد مع وجود الاخر في المترتبة الا
انه لا ينافي كونه في رتبة سابقة على وجود الاخر لتحقق ملاك التقدم والتأخر فيهما وعدم -
258

الضدين مقدمة للآخر لا شبهة في أن عدم كل شئ يناقض وجوده في مرتبة واحدة إذ نقيض
كل وجود هو العدم البديل له لا كل عدم فعدم كل شئ اما هو في مرتبة وجود ذلك الشيئ
وكذلك كل من الضدين متحد في الرتبة مع الضد الآخر لان ملاك استحالة الضدين هو ملاك
استحالة النقيضين بعنيه فإذا كان ضد في مرتبة وجود الضد الآخر فلا محالة يكون عدم
هذا الضد في مرتبة وجود الضد الآخر أيضا لان العدم والوجود في مرتبة واحدة فاتحاد
مرتبة وجود أحدهما مع مرتبة وجود الآخر يستدعى اتحاد مرتبة عدمه مع مرتبة
وجود الآخر أيضا والا لم يكن العدم والوجود في مرتبة واحدة هذا خلف
ثم إن المحقق الخوانساري (قده) فصل بين الضد المعدوم والموجود فذهب
إلى توقف وجود أحد الضدين على عدم الضد الآخر إذا كان موجودا لا مطلقا وبعبارة
أخرى فصل بين الدفع والرفع فبنى على توقف أحد الضدين على رفع الآخر لاعلى
دفعه ونسب ذلك إلى المحقق الدواني أيضا ولكن ظاهر كلام الدواني انما هو في
مقام اثبات توقف مانعية المانع على وجود المقتضى فعلا مع سائر
الشرايط فهو أجنبي عما اختاره المحقق الخوانساري (قده) حمله على مختاره وربما
ينسب الميل إلى هذا القول إلى العلامة المحقق الأنصاري (قده) وكيف كان فغاية
ما يمكن ان يقال في تقريبه هو ان المحل إذا كان مشغولا بأحد الضدين لا يكون
قابلا لعروض الضد الاخر الا بعد انعدامه فلا محالة يكون وجوده متوقفا على عدم الضد
الموجود وهذا بخلاف ما إذا لم يكن شئ منهما موجود وكان المحل خاليا عن
كل منهما فان قابليته لعروض كل واحد منهما حينئذ فعلية ولا تتوقف على شئ فإذا
وجد المقتضى لأحدهما فلا محالة يكون موجودا من دون أن يكون لعدم الاخر في وجوده
(ويرد عليه) انا لو بنينا على أن الحادث لا يحتاج في بقائه إلى المؤثر وأنه مستغن عنه
لتم ما ذهب إليه (قده) فان البياض مثلا إذا وجد فلا يحتاج في بقائه إلى مؤثر يؤثر فيه
فلا محالة يكون وجود السواد موقوفا على انعدامه واما إذا بنينا على استحالة ذلك
فان ملاك الاحتياج إلى المؤثر انما هو الامكان الذي يشترك فيه الحدوث والبقاء فالمحل

- تحقق ملاكهما في عدم لك منهما بالإضافة إلى وجود ولا في وجود كل منهما بالإضافة إلى
وجود الاخر
259

كما أنه قابل لبقاء الموجود في الان الثاني قابل لعروض الضد الاخر أيضا و
كل منهما يحتاج إلى المقتضى في الان الثاني ومع وجود المقتضى لاحد هما يستحيل (1)
وجود المقتضى للاخر فيستند عدمه إلى عدم مقتضيه فيكون البقاء بعد فرض احتياجه
إلى المؤثر كالحدوث والبرهان المقتضى لعدم المقدمية في الحدوث مقتض له في البقاء
أيضا (ومن الغريب) ان المحقق الخوانساري (قده) ذهب إلى استحالة استغناء البقاء عن
المؤثر كما أن العلامة المحقق الأنصاري (قده) شدد النكير على من قال بالاستغناء و
مع ذلك فقد ذهب الأول إلى مقدمية رفع أحد الضدين لوجود الاخر ومال الثاني إليه
على ما في تقريرات بعض أفاضل تلامذته وقد عرفت ان القول بالمقدمية مبتن على ما
انكراه من استغناء الباقي عن المؤثر
فان قلت أليس من المشاهد بالوجدان انه إذا وضع جسم على الأرض يكون باقيا فيه
ما لم يرفع برافع فبقاؤه لا يدور مدار بقاء علته ونظير ذلك من الأمثلة كثير فما معنى
استحالة استغناء البقاء عن المؤثر (ولعل) المحقق الخوانساري (قده) قد نظر إلى ذلك
في التفصيل المزبور
قلت أولا ان البقاء في المثال المذكور غير مستغن عن المؤثر غاية الأمر ان العلة
المحدثة في المثال هي علة مبقية أيضا فان الثفل الطبيعي في الأجسام وميلها إلى
المركز أو جاذبية الأرض لها هي العلة في استقرار الأجسام عليها فما دامت هذه العلة
موجودة يكون المعلول موجودا بوجودها وباقيا ببقائها وهذا أجنبي عن استغناء البقاء
عن المؤثر كما هو واضح وثانيا لو سلمنا استغناء البقاء عن المؤثر في الموجودات
التكوينية الخارجية لكنه بديهي البطلان في الافعال الإرادية التي هي محل الخلاف

1 - ما افاده قدس سره من منع استناد عدم الشيئ إلى وجود ضده وإن كان متينا سواء في ذلك
الدفع والرفع بناء على ما هو الصحيح من احتياج بقاء الممكن إلى المؤثر كحدوثه الا ان
تعليل ذلك باستحالة وجود المقتضى لكل من الضدين غير صحيح كما عرفت بل سند المنع
هو ان عدم الشيئ يستند دائما إلى عدم مقتضيه أو إلى عدم شرطه أو إلى وجود المانع
أعني به المقتضى لما يكون مضادا لذلك الشيئ وعلى كل تقدير لا يستند عدم الشيئ إلى
وجود ضده وذلك ظاهر بأدنى تأمل
260

بيننا وبين من يقول بالمقدمية فان الفعل الارادي يستحيل بقاؤه بعد انعدام الإرادة
بالضرورة فغاية الأمران نفصل بين الأفعال الاختيارية وغيرها في مسألة استغناء البقاء
عن المؤثر واما مسألة توقف أحد الضدين على عدم الاخر فلا وجه فيها للتفصيل بين
الدفع والرفع بعد فرض احتياج الفعل الاختياري إلى المؤثر حدوثا وبقاء فعدم أحد
الضدين سواء كان مما يتوقف عليه وجود الضد الاخر أو لم يكن كذلك لا يفرق فيه بين
العدم بعد الوجود والعدم قبله فالتفصيل المذكور لا وجه له أصلا
بقى الكلام فيما ذهب إليه الكعبي من القول بانتفاء المباح وهذا القول مبتن
على مقدمتين (الأولى) توقف ترك الحرام على فعل من الافعال الوجودية بدعوى
استحالة خلو المكلف عن فعل من الأفعال الاختيارية (الثانية) احتياج الحادث في بقائه
إلى المؤثر فيترتب عليهما ان ترك الحرام يتوقف حدوثا وبقاء على ايجاد فعل من
الأفعال الاختيارية فيكون واجبا بالوجوب المقدمي فلا يمكن فرض مباح في الخارج
(ويرد عليه) ان المقدمة الأولى ممنوعة بداهة ان الحرام بما انه من الأفعال الاختيارية
يكفي في عدمه وجود الصارف وعدم الإرادة فلا يكون موقوفا على
ايجاد فعل اخر وانما يكون ملازما له في الخارج بل يمكن فرض خلو المكلف عن
تمام الافعال الإرادية لعدم تعلق ارادته بها واما اتصافه في هذا الحال بالسكون
لا محالة فإنما هو من باب الاتفاق لا من جهة صدوره منه بالإرادة والاختيار نعم لو فرضنا
توقف (1) بقاء الصارف على فعل من الافعال الوجودية أحيانا بحيث لو لم يشتغل به
لاضمحل الصارف ويقع في الحرام يقينا لأمكن ان يلتزم فيه بوجوب ايجاده مقدمة للواجب و
لا ضير فيه إذ لا يلزم منه انكار المباح رأسا الا ان الصحيح هو عدم وجوبه شرعا لعدم كون
وجوب الصارف المتوقف عليه شرعيا وانما هو واجب عقلي لتوقف الامتثال الواجب عقلا
عليه وذلك لان الأحكام الشرعية انما تتعلق بالافعال الخارجية لا بالدواعي المتوقف

1 - لا يخفى ان الصارف عن الفعل عبارة أخرى عن عدم الداعي إليه ولا معنى لتوقفه
حدوثا أو بقاء على الاشتغال بفعل من الافعال الوجودية ليجب الاشتغال به عقلا أو شرعا
نعم يمكن علم المكلف بأنه لو لم يشتغل به لوقع في الحرام بإرادته واختياره لكنه أجنبي
عن توقف الصارف عليه كما هو ظاهر
261

عليها الامتثال الواجب عقلا فإذا لم يكن الصارف واجبا شرعا فلا يكون ما هو مقدمة وجوده
واجبا شرعيا ليلزم منه انتفاء المباح بل انما يجب الاتيان به عقلا لتوقف واجب عقلي
عليه نظير لزوم الاتيان عقلا بتمام أطراف العلم الاجمالي بالتكليف الوجوبي لتوقف
الامتثال الواجب عقلا عليه ومن الواضح ان كون شئ واجبا عقلا لا يلزم منه نفى المباح
والحكم عليه بالوجوب شرعا (وأما) ثمرة البحث فقد يقال إنها تظهر فيما إذا وقعت
المزاحمة بين الواجب الموسع والمضيق وفيما إذا وقعت بن مضيقين أحدهما أهم
من الآخر فعلى القول باقتضاء الامر بالشيئ للنهي عن ضده يكون الواجب الموسع أو
غير الأهم منهيا عنه فيقع فاسدا إذا كان عبادة بخلاف ما إذا قلنا بعدم الاقتضاء فإنه لا موجب
حينئذ لفساده (وأورد عليه) بأنه اما ان يعتبر في صحة العبادة تعلق الامر بها فعلا واما
ان يكتفى فيها باشتمالها على ملاك الامر ومحبوبيتها الذاتية وان لم يؤمر بها فعلا لأجل المزاحمة
اما على الأول فتفسد العبادة عند المزاحمة بالمضيق أو الا هم سواء قلنا باقتضاء الامر بالشيئ
للنهي عن ضده أم لا إذ لو لم يقتض الامر بالشيئ للنهي عن ضده فلا محالة يقتضى
عدم الامر به لاستحالة الامر بالضدين فإذا كان الضد العبادي غير مأمور به بالفعل فيقع
فاسدا لفرض اشتراط صحة العبادة بكونها مأمورا بها فتنتفى بانتفائه واما على الثاني
فتصح مطلقا اما بناء على عدم القول باقتضاء الامر بالشيئ للنهي عن ضده فواضح واما
بناء على الاقتضاء فلان العبادة حينئذ وإن كانت منهيا عنها الا ان هذا النهى غيري نشأ من
مقدمية تركها أو ملازمته للمأمور به ولم ينشأ من مفسدة في متعلقه ليكون موجبا
لاضمحلال ما فيه من الملاك الصالح للتقرب بما اشتمل عليه وبالجملة صحة العبادة و
عدمها في فرض المزاحمة انما تدوران مدار كفاية وجود الملاك في وقوع الفعل عبادة و
عدم كفايته في سواء في ذلك القول باقتضاء الامر بالشيئ للنهي عن ضده والقول بعدمه (و
اورد المحقق الثاني) (قده) على انكار الثمرة في صورة مزاحمة الموسع بالمضيق ما قد
أوضحه جماعة من المحققين ممن تأخره عنه بما حاصله ان الامر بالشيئ إذا كان مقتضيا
للنهي عن ضده فلا محالة يكون الفرد المزاحم من الواجب الموسع منهيا عنه فيقيد به
اطلاق الامر به كما هو الحال في غير المقام من بقية موارد النهى عن العبادة واجتماع
الامر والنهى بناء على تقديم جانب النهى فلا محالة يقع فاسد بناء على عدم كفاية الاشتمال
262

على الملاك في الصحة واما إذا بنينا على عدم الاقتضاء فغاية ما يقتضيه الامر بالمضيق هو عدم
الامر بهذا الفرد المزاحم لعدم القدرة على الاتيان به شرعا وهو في حكم عدم
القدرة عليه عقلا وذلك لا يقتضى الفساد بداهة أن الوجوب انما تعلق بصرف وجود الطبيعة
لا بخصوصية افرادها ليرجع التخيير بينها إلى التخيير الشرعي فملاك الامتثال انما هو انطباق
المأمور به على الفرد الخارجي لا كون الفرد بشخصه مأمورا به وحينئذ فبما ان الواجب
الموسع له افراد غير مزاحمة وصرف وجود الطبيعة مقدور للمكلف يصح تعلق الامر
به من المولى إذ لا مزاحمة بينه وبين الواجب المضيق وانما المزاحمة بين المضيق
والفرد المزاحم من الموسع وإذا كان صرف وجو الطبيعة مطلوبا للمولى
وكان انطباقه على الفرد المزاحم قهريا فيتحقق به الامتثال قهرا ويكون مجزيا
عقلا " وبالجملة " حال الفرد المزاحم حال غيره من الافراد فكما ان ملاك الامتثال فيها هو
انطباق المأمور به عليها لا كون أنفسها مأمورا بها كذلك يكون الملاك في الفرد المزاحم
هو الانطباق المذكور أيضا (وفيه) ان ما ذكره (قده) انما يتم على أن يكون منشأ اعتبار
القدرة شرطا للتكليف هو قبح تكليف العاجز إذ عليه يمكن (1) ان يقال إن الواجب

1 - لا يخفى انه بناء على اعتبار وجود الامر في صحة العبادة والاغماض عما سيجيئ من
صحة تعلق الامر بالضدين على نحو الترتب لا مناص عن القول بفساد العبادة الموسعة المزاحمة
بالواجب المضيق بناء على ما اختاره شيخنا الأستاذ قدس سره من استحالة تعلق الطلب
بأمر متأخر مقدور في ظرفه لأنه على ذلك لا يعقل تعلق الطلب بغير المضيق لعدم كون
فرد من افراده مقدورا بالفعل فلا يعقل طلب صرف وجود الطبيعة حينئذ ليكون انطباقه
على ما اتى به في الخارج قهريا بالفعل فلا يعقل طلب صرف وجود الطبيعة حينئذ ليكون انطباقه
على ما اتى به في الخارج قهريا واجزائه عن الاتيان بالمأمور به ثانيا عقليا ولا يفرق في ذلك
بين القول بان منشأ اعتبار القدرة في متعلق التكليف هو حكم العقل بقبح خطاب العاجز و
القول بان منشأه هو اقتضاء نفس التكليف ذلك نعم إذا كان الواجب ذا افراد عرضية و
كان بعض افراده مزاحما بواجب أهم لا جميعها أو قلنا بصحة تعلق الوجوب بأمر متأخر في
ظرفه كما هو المختار عندنا لصح الاتيان بالفرد المزاحم بداعي امتثال الامر بالطبيعة
المقدورة بالقدرة على فرد منها بناء على أن منشأ اعتبار القدرة هو الحكم العقلي المزبور لكن
الفرض الأول خارج عما هو محل الكلام في المقام والثاني خلاف ما هو مختار شيخنا الأستاذ قدس
سره فلا وجه لما في المتن من التفصيل وتسليم ما افاده المحقق الثاني (قده) على تقدير و
انكاره على تقدير آخر
263

الموسع بما انه مقدور في الفرض المزبور ولو بالقدرة على فرد منه لا يكون التكليف
به قبيحا وبما أن انطباقه على الفرد المزاحم قهري يكون اجزاؤء عقليا (واما) إدا بنينا
على أن اعتبار القدرة انما هو لاقتضاء نفس التكليف ذلك لا لحكم العقل بقبح تكليف
العاجز ضرورة ان الاستناد إلى أمر ذاتي سابق على الاستناد إلى أمر عرضي فلا يمكن
تصحيح الفرد المزاحم بذلك أصلا
توضيح ذلك ان الآمر انما يأمر بشئ ليحرك (1) عضلات العبد نحو الفعل بالإرادة و
الاختيار بجعل الداعي له إلى ترجيع أحد طرفي في الممكن وهذا المعنى بنفسه يستلزم
كون متعلقة مقدورا لامتناع جعل الداعي نحو الممتنع عقلا أو شرعا وعليه فالبعث
لا يكون الا نحو المقدور فتخرج الافراد غير المقدورة عن حيز الطلب فالفرد المزاحم
وإن كان من افراد نفس الطبيعة الا انه ليس من افرادها بما هي مأمور بها ومتعلقة
للطلب ليكون انطباق المأمور به عليه قهريا فيكون مجزيا (وبالجملة) انطباق الطبيعة
المأمور بها على الفرد المزاحم يتوقف على عدم تقييدها بقيد القدرة وأما إذا كانت مقيدة
بها لاقتضاء نفس الطلب ذلك امتنع انطباقها على ذلك الفرد ليتحقق به امتثال الامر
المتعلق بصرف وجودها فلو بنينا على اشتراط صحة العبادة بتعلق الامر بها فلا بد من الالتزام
بفساد الفرد المزاحم لخروجه عن حيز الطبيعة المأمور بها اما للنهي واما لتقيدها بالقدرة
المانع من انطباقها على الفرد المزاحم نعم إذا بنينا على كفاية الاشتمال على الملاك في
الصحة فلابد من الالتزام بصحة الفرد المزاحم في الصورتين لما عرفت من أنه تام الملاك
حتى بناء على كونه منهيا عنه أيضا لما ستعرف في بحث النهى عن العبادة انشاء الله تعالى

1 - تحرك المكلف نحو الفعل وانبعاثه عن بعث المولى انما يتحقق في ظرفه وصول
التكليف إليه وحصول الداعي له إلى الامتثال من جهة حكم العقل بلزومه واما التكليف
في نفسه فهو كما عرفت سابقا ليس الا عبارة عن اعتبار كون الفعل على ذمة المكلف كما أن
الانشاء على ما ذكرناه لا شأن له الا انه ابراز لذلك الاعتبار القائم بالنفس فلا مقتضى
لاختصاص متعلق الحكم بالصحة الإرادية والاختيارية بل الفعل على اطلاقه متعلق الحكم
سواء في ذلك المقدور وغيره نعم القدرة دخيلة في حكم العقل بلزوم الامتثال ومن الواضح
ان ذلك لا يقتضى اعتبارها في متعلق التكليف بوجه أصلا وقد مر تفصيل ذلك في بحث
التعبدي والتوصلي فراجع
264

من أن النهى المانع عن التقرب بالعبادة انما هو النهى النفسي لا الغيري لان النهى الغيري
لا ينشأ من مفسدة في متعلقة ليكشف عن عدم تمامية ملاك الامر وبما انك عرفت في
مبحث التعبدي والتوصلي كفاية قصد الملاك في صحة العبادة وعدم اشتراطها بقصد
الامر إذ لم يدل دليل شرعي على اعتبار أزيد من قصد التقرب بالعمل في وقوعه عبادة
واما تطبيقه على قصد الامر وغيره من الدواعي القربية فإنما هو بحكم العقل وقصد الملاك
ان لم يكن أقوى في حصول التقرب بنظر العقل من قصد الامر فلا أقل من كونه مثله
تعرف ان الأقوى في محل الكلام صحة الفرد المزاحم ولو بنينا على كونه منهيا عنه بالنهي
الغيري فضلا عما إذا لم يكن كذلك
فان قلت تصحيح العبادة في حال المزاحمة بالملاك يتوقف على احراز كونها
واجدة لم في هذا الحال وهو لا يجتمع مع القول باقتضاء نفس الطلب لاعتبار القدرة في
متعلقة إذ عليه يكون اعتبار القدرة فيه شرعيا القدرة ودخيلة في ملاكه فيرتفع الملاك بارتفاع
القدرة (بيان ذلك) انا لو بنينا على أن اعتبار القدرة على متعلق الأمر انما هو بحكم العقل
لقبح تكليف العاجز (فيمكن ان يقال) حينئذ أن اطلاق متعلقه شرعا يكشف عن كونه
ذا ملاك مطلقا في حال القدرة وعدمها نظير اشتراط التكليف بكون متعلقه محل الابتلاء
فإنه لا يكشف عن عدم كونه ذا ملاك حال خروجه عن الابتلاء غاية الأمر انه لا يحسن تعلق التكليف
به في غير حال الابتلاء هو لا يستلزم عدم كونه واجدا للملاك في هذا الحال فاطلاق المتعلق
في كلا المقامين يكون كاشفا عن تمامية الملاك في المتعلق مطلقا وإن كان تعلق التكليف
به مشروطا عقلا بكونه مقدورا أو محلا للابتلاء واما إذا بنيتا على أن نفس تعلق الطلب
بشئ يقتضى اعتبار القدرة عليه فيكون تعلق الطلب به مقيدا لاطلاق متعلقه ومضيقا
لدائرته فكأنه قيد المتعلق بحال القدرة لفظا فيكون هذا التقييد كاشفا عن اعتبار القدرة
فيه شرعا ودخلها في الملاك واقعا نظير دلالة الدليل على تقييد وجوب الحج بالاستطاعة مطابقة
ودلالته على تقييد وجوب الوضوء بالتمكن من استعمال الماء التزاما لان تقييد وجوب التيمم في
الآية المباركة بعدم وجدان الماء المفسر بعدم التمكن من استعماله مع أن التفصيل بين الوجدان
وعدمه قاطع للشركة كما افاده المحقق الثاني (قده) يستلزم كون التكليف بالوضوء
متوجها إلى غير هو مكلف بالتيمم فكما ان التقييد فيهما يكشف عن اعتبار القدرة
265

في متعلقها شرعا وعن دخلها في الملاك واقعا كذلك الحال في المقام ولو سلم فيما
نحن فيه عدم القطع بالتقييد شرعا الكاشف عن دخل القدرة في الملاك فلا محالة
يحتمل ذلك بحيث لو كانت دخيلة في الملاك لصح للمتكلم ان يكتفى في بيانه
بنفس ايقاع الطلب على ما تعلق به فيكون المقام من قبيل احتقاف الكلام بما يصلح
لكونه قرينة ومعه لا يمكن التمسك بالاطلاق ولو سلم عدم صلوحه لكونه بيانا لكن
الاطلاق وعدم تقييد المتعلق بكونه مقدورا لا يكشف عن عدم دخل القدرة في الملاك
واقعا فان كشف الاطلاق عن عدم التقييد واقعا انما يكون فيما إذا لزم نقض الغرض
من عدم التقييد اثباتا مع دخل القيد فيه ثبوتا كما إذا كان غرض المولى مترتبا على
عتق خصوص الرقبة المؤمنة ولم يبين القيد مع كونه في مقام البيان واما في أمثال
المقام فبما ان ما يحتمل دخله في الملاك هي القدرة ولا يمكن المكلف ايجاد غير
المقدور في الخارج ليترتب عليه نقض غرض المولى على تقدير دخل القدرة في الملاك
واقعا لا يمكن التمسك بالاطلاق لدفع الاحتمال المزبور فيكون مجرد احتمال عدم كون
العبادة واجدة للملاك في حال المزاحمة كافيا في عدم صحة التقرب بها
قلت إذا كان متعلق الطلب مقيدا بالقدرة كما في آيتي الحج والوضوء فالتقييد
يكشف عن دخل القدرة في الملاك واقعا بداهة انه لا معنى لاخذ قيد في متعلق الطلب
اثباتا إذا لم يكن دخيلا في الملاك ثبوتا وعلى ذلك يترتب انه لا يمكن تصحيح
الوضوء بالملاك أو بالترتب في موارد الامر بالتيمم لان الوضوء في تلك الموارد ليس
واجدا للملاك ليحكم بصحته من جهة الاكتفاء في صحة العبادة بالملاك أو من جهة الالتزام
بصحة الترتب وبوجود الامر أبا لمهم عند عصيان الامر بالأهم وتوهم صحته في تلك
الموارد انما نشأ من تخيل كونه واجد للملاك فيها مع الغفلة عن أن وجدان الماء شرط
شرعي لوجوب الوضوء وله دخل في ملاكه وعليه لا يكون الوضوء في تلك الموارد
واجدا للملاك ليحكم بصحته بأحد الوجهين وبالجملة لا يجتمع صحة الوضوء المتوقفة
على وجدان الماء لاشتراط ملاكه به سواء به للصلاة أم لغيرها مع الامر بالتيمم
المشروط بعدم وجدانه نعم إذا كان الموجب للتيمم هو ضيق الوقت فلو توضأ لغاية أخرى
266

غير الصلاة فلا يبعد الحكم بصحته والفرق موكول إلى محله واما إذا لم يكن متعلق
الطلب مقيدا بالقدرة في مرتبة سابقة على تعلق الطلب به بل كان اعتبار القدرة فيه
لتعلق الطلب به سواء كان التقييد ناشئا من حكم العقل بقبح خطاب العاجز أو من اقتضاء
نفس تعلق الطلب به ذلك فمعروض الطلب في مرتبة سابقة على عروضه وهى مرتبة
اقتضاء المتعلق لعروض الطلب عليه التي هي عبارة أخرى عن مرتبة وجدانه للملاك
يكون مطلقا لا محالة والتقييد في مرتبة لاحقة وهى مرتبة عروض الطلب لا يعقل أن يكون
تقييدا في مرتبة سابقة عليه وبالجملة المادة التي يعرض عليها الطلب وإن كانت
مقيدة بالقدرة عليها حال عروضه الا ان اطلاقها في مرتبة سابقة عليه يكشف عن عدم دخل
القدرة في الملاك وعن كون ذات العمل الذي هو معروض الطلب واجدا للملاك التام
والا لكان على المولى تقييده في تلك المرتبة فمن الاطلاق في مقام الاثبات يستكشف عدم
التقييد في مقام الثبوت (فظهر) ان اقتضاء الطلب لاعتبار القدرة في متعلقة يستحيل أن يكون
بيانا ومقيدا للاطلاق في مرتبة سابقة عليه فلا معنى لدعوى الاجمال وان
المقام من قبيل احتفاف الكلام بما يصلح لكونه قرينة فضلا عن دعوى كونه بيانا ومقيدا
لاطلاقها (واما) ما ذكر أخيرا من أن عدم التقييد في المقام لا يكشف عن عدم دخل القدرة
في الملاك واقعا لعدم لزوم نقض الغرض من عدم البيان على تقدير دخلها
فيه واقعا فمجرد احتمال دخلها فيه يكفي في عدم صحة العبادة (ففيه) أولا ان هذا لو تم
فإنما هو فيما إذا كان الشك في اعتبار القدرة التكوينية في الملاك لاستحالة صدور غير
المقدور فلا يلزم من عدم البيان نقض الغرض أصلا واما إذا كان الشك في كون القدرة
ولو كانت شرعية دخيلة في الملاك كما هو المفروض في المقام فيلزم نقض الغرض من
عدم التقييد لا محالة فان المكلف يمكنه ان يأتي بفرد الواجب الموسع عند مزاحمته
للواجب المضيق تمسكا بالاطلاق فيلزم نقض الغرض على تقدير عدم كونه واجدا للملاك
واقعا وثانيا ان لزوم نقض الغرض ليس من مقدمات التمسك بالاطلاق بل من مقدماته
تبعية مقام الاثبات لمقام الثبوت فكون المتكلم في مقام بيان تمام ماله دخل في غرضه
يستلزم بيان جميع القيود المعتبرة في متعلق حكمه والا لزم الخلف وعدم كونه
في مقام البيان فمن الاطلاق وعدم التقييد يستكشف عدم دخله في مقام الثبوت
267

بلا حاجة ضم مقدمة لزوم نقض الغرض أصلا
فان قلت أن ما ذكرته من التمسك باطلاق المادة في المرتبة السابقة على تعلق
الطلب بها لاثبات عدم دخل القدرة في الملاك يتوقف على كون المولى في مقام بيان
ما يقوم به ملاك طلبه أيضا ومن الواضح انه يقطع عادة بعدم كون الآمر في مقام البيان
من هذه الجهة ومعه كيف يمكن التمسك بالاطلاق مع أن كون المولى في مقام البيان من جملة
مقدماته وبالجملة ما فرض كون المولى في مقام بيانه وهو ما تعلق به طلبه مقيد بالقدرة على
الفرض وما يشك في تقيده بها وهو الملاك الداعي إلى طلب الفعل فالمولى ليس في مقام
بيانه فلا يجدى الاطلاق في مقام الاثبات لدفع احتمال التقيد في مقام الثبوت
(قلت) التمسك (1) بالاطلاق إن كان لاكتشاف ما اراده المتكلم من كلامه فهو

1 - لا يخفى ان التمسك باطلاق المتعلق لاحراز اشتراط الملاك بالقدرة إن كان
من جهة استكشاف مراد المتكلم من ظاهر كلامه فهو يتوقف على كون المولى في مقام
بيان ما يقوم به ملاك طلبه ومن الواضح انه ليس كذلك غالبا به غاية ما هناك كون المولى
في مقام بيان ما تعلق به طلبه فقط بل الغالب في الموالى العرفية غفلتهم عن ذلك فضلا عن
كونهم في مقام بيانه ثم إنه على تقدير كون المولى في مقام بيان ما يقوم به ملاك طلبه
أيضا لا يمكن التمسك باطلاق كلامه بعد حكم العقل باعتبار القدرة في متعلق الطلب
أو اقتضاء نفس تعلق الطلب به ذلك واحتمال اعتماد المتكلم في التقييد على ذلك لان الكلام
يحتف حينئذ بما يحتمل كونه قرينة فلا ينعقد له ظهور في الاطلاق كما هو ظاهر واما
إذا كان التمسك بالاطلاق لأجل كشف المعلول عن علته سواء كان المولى في مقام البيان من
الجهة المشكوك فيها أم لم يكن كما هو مختار شيخنا الأستاذ قدس سره فيرد عليه ان
تعلق الطلب بشئ وإن كان يكشف عن وجود الملاك فيه بناء على تبعية الاحكام لما في
متعلقاتها في الملاكات الواقعية كما هو الصحيح الا ان غاية ما يقتضيه ذلك هو احراز الملاك
في خصوص الحصة الملازمة لتعلق الطلب بها دون غيرها ضرورة ان عدم طلب غير المقدور
كما يمكن أن يكون لأجل المانع يمكن أن يكون لعدم ما يقتضيه فلا موجب لاحراز
الملاك فيه أصلا واما ما ربما يقال من أن تعلق الطلب بفعل غير مقيد بالقدرة في مقام
الاثبات يكشف عن وجوبه بالمطابقة وعن كونه ذا ملاك ملزم بالالتزام وحكم العقل باعتبار
القدرة في متعلق التكليف انما يصلح للتقييد بالإضافة إلى ألد لالة المطابقية دون الالتزامية
فيبقى اطلاق الكلام بالإضافة إلى ألد لالة الالتزامية على حاله فجوابه ان الدلالة الالتزامية
كما انها تابعة للدلالة المطابقية أيضا وذلك لأجل ان الحكاية عن اللازم انما كانت حجة ولو مع
عدم التفات المتكلم إلى الملازمة وعدم قصده الحكاية عنه لان ثبوت الملزوم والتعبد به
يقتضى التعبد بلازمه لبناء العقلاء على ذلك في باب الظهورات على ما يأتي تفصيل ذلك
في محله انشاء الله تعالى فإذا لم يثبت الملزوم لم يثبت لازمه أيضا فإذا قامت البينة مثلا على
ملاقاة الثوب للبول الدالة على نجاسة الثوب بالالتزام وعلم من الخارج عدم ملاقاته
له مع احتمال كونه نجسا من جهة أخرى فهل يحكم بنجاسة الثوب حينئذ اخذ بألد لالة
الالتزامية مع فرض سقوط الدلالة المطابقية عن الحجية كلا فالتحقيق انه لا طريق لنا إلى
احراز اشتمال غير المقدور من افراد الطبيعة المأمور بها على الملاك بناء على اعتبار القدرة
في متعلق الأمر على أحد الوجهين المتقدمين نعم بناء على ما اخترناه من عدم اعتبار القدرة
إلا في مرحلة حكم العقل بوجوب الامتثال صح التمسك بالاطلاق لاثبات كون الفرد المزاحم
لما هو أهم منه واجدا للملاك إذا لمفروض ان متعلق الأمر هو نفس الطبيعة غير المقيدة بالقدرة
الصادقة على الفرد المزاحم أيضا فكل فرد اتى به في الخارج فهو فرد للمأمور به وواجد
لملاكه لا محالة
268

يتوقف على احراز كونه في مقام البيان ضرورة انه مع عدم كون المتكلم في مقام
البيان لا يكون اطلاق كلامه اثباتا كاشفا عن تعلق ارادته بالمطلق ثبوتا واما إذا كان التمسك
به لكشف أمر واقعي بنحو الان ومن باب كشف المعلول عن علته فهو لا يتوقف على كون
المولى ملتفتا إليه فضلا عن كونه في مقام بيانه وما نحن فيه من هذا القبيل فانا إذا
فرضنا ان ما تعلق به طلب المولى في ظاهر كلامه هو الفعل المطلق قبل تعلق الطلب
به دون المقيد والمفروض ان تعلق الطلب بفعل يكشف عن كونه ذا ملاك ومصلحة داعية
إلى طلبه على مذهب العدلية فيكشف ذلك عن أن الواجد للملاك هو مطلق الفعل دون المقدور
منه وهذا الكشف عقلي لا يدور مدار كون المولى في مقام بيانه وعدم والاشكال المزبور
انما نشأ من خلط التمسك بالاطلاق في هذا المقام بالتمسك به في المقام الأول فتدبر
حتى لا يختلط الامر عليك فاتضح مما ذكرناه صحة استكشاف كون الملاك فيما لم يقيد متعلق
الطلب بالقدرة في ظاهر الخطاب ولو بنينا على اقتضاء نفس تعلق الطلب لاعتبار القدرة
في متعلقه واما إذا كانت القدرة معتبرة في ظاهر الخطاب فإن كانت هناك قرينة على أن
اعتبار القدرة انما هو من باب التأكيد العقل فيكون كما إذا لم تعتبر القدرة في ظاهر
الخطاب والا فظاهر الدليل يقضى بان ذات ما تعلق به الطلب هو الفعل المقيد بالقدرة
فتكون القدرة دخيلة في الملاك أيضا
269

ثم إنه ربما يورد على ما ذكرناه من تصحيح العبادة بالملاك بأن الامر بالصلاة مع الامر
بالإزالة مثلا بعد امتناع اجتماعهما متعارضان فلابد من الرجوع إلى المرجحات وبما ان
المفروض ان المرجح في طرف الامر بالإزالة يسقط دليل وجوب الصلاة عن الحجية لا
محالة إذا فرض اعمال دليل وجوب الإزالة فرض اسقاط دليل وجوب الصلاة فلا يستكشف
كون الصلاة حينئذ مشتملة على الملاك حتى يمكن تصحيحها به (ولا يخفى) ان هذا
الايراد انما نشأ من تخيل ان المقام من باب المتعارضين وهو ناشئ من خلط باب
التعارض بباب التزاحم غفلة عن أن الملاك في كل من البابين يخالف ما هو الملاك في
الآخر كما أن القول بأن الأصل عند الشك هو التعارض أو التزاحم ناشئ عن ذلك
أيضا وهو يشبه القول بأن الأصل في الأشياء هل هي الطهارة أو البطلان في البيع
الفضولي فان الفرق بين البابين كبعد المشرقين فكيف يصح امكان تصادقهما على مورد
واحد ليكون أحدهما هو الأصل دون الاخر (وتحقيق ذلك) ان باب التعارض يفترق
عن باب التزاحم في مورد التصادم وفى الحاكم بالترجيح أو التخيير وفى جهة التقديم
وفى كيفية (اما الأول) فتوضيحه ان الحكم المدلول عليه بدليل إذا لو حظ بالقياس إلى
الحكم المستفاد من دليل آخر فإن لم يكن بينهما تناف وتعاند أصلا فهما خارجان
عن بابى المزاحمة والمعارضة وإن كان بينهما التنافي فهو اما أن يكون في مقام جعلهما
وانشائهما على موضوعهما المقدور وجوده على نحو القضايا الحقيقية واما أن يكون في مقام
الفعلية وتحقق كل ما هو مأخوذ في موضوع الحكم شرعا أو عقلا وعلى الأول فالدليلان
متعارضان نظير الدليل الدال على وجوب السورة في الصلاة بالقياس إلى ما
دل على عدم وجوبها فان جعل الوجوب لشيئ ينافي عدم جعله له بالضرورة فيعامل
معهما معاملة المتعارضين وعلى الثاني فالحكمان متزاحمان نظير وجوب انقاذ كل من
الغريقين مع عدم قدرة المكلف على الجمع بين امتثاليهما فان جعل الوجوب لكل منهما
270

مشروطا بالقدرة على امتثاله لا ينافي جعل الآخر كذلك فلا معارضة في مقام الجعل و
الانشاء بل المنافاة نشأت من عدم قدرة المكلف على الجمع بين الامتثالين فان اعمال
القدرة في أحدهما يستلزم العجز عن الآخر الموجب لعدم فعلية التكليف ناحية
فالتنافي بينهما انما هو في مقام الفعلية ومنه يظهر ان تصادم المتزاحمين انما هو في
القدرة غالبا وإن كان قد يتحقق (1) في غيرها نادرا كما سيأتي ذلك انشاء الله تعالى و
اما تصادم المتعارضين فهو من جهة المتعلق دائما نظير تصادم الأضداد الخارجية في
العروض على موضوع خارجي (واما الثاني) أعني به افتراق باب التعارض عن باب
التزاحم بالحاكم بالترجيح أو التخيير فهو من جهة ان الحاكم بالترجيح والاخذ بذى
المزية أو التخيير عند عدمها في باب التزاحم هو العقل وفى باب التعارض هو الشرع
بناء على المختار من حجية الامارات من أبا الطريقية إذ مقتضى القاعدة حينئذ هو
التساقط وعدم الاعتبار بمزية أحد الدليلين على الاخر فيكون الحاكم بالترجيح أو التخيير
من جهة التعبد الشرعي نعم لو قلنا بحجيتها من باب السببية (2) والموضوعية لكانت
الامارتان المتعارضتان متزاحمتين في وجوب العمل على طبق كل منهما والحاكم بالترجيح
أو التخيير حينئذ هو العقل (واما الثالث) أعني به افتراق البابين في جهة التقديم فبيانه
ان أول المرجحات في باب التزاحم هو كون أحد الواجبين مما ليس له وبدل والآخر مما
له بدل وهذا يتحقق في أحد موردين (أحدهما) ما إذا كان لاحد الواجبين بدل في عرضه
كما إذا كان واجبا تخييريا عقليا أو شرعيا مع كون الواجب الآخر تعيينيا فيقدم الواجب
التعييني على التخييري فيما إذا زاحم بعض افراد الواجب التخييري الواجب التعييني ووجه

1 - سيأتي ان وقوع التزاحم بين حكمين يختص بموارد عدم القدرة على الجمع بين امتثالهما
وانه يستحيل تحققه في غيرها
2 - المراد من السببية والموضوعية في المقام هي السببية على رأى الأشاعرة أو المعتزلة
واما السببية على رأى بعض العدلية أعني بها الالتزام بالمصلحة السلوكية من دون أن يكون
في مؤدى الامارة بما هو كذلك ما يقتضى الامر به فحالها حال الطريقية بعينها في أن مقتضى
القاعدة حينئذ هو تساقط الدليلين المتنافيين في مدلولهما وانما الحاكم بالترجيح أو التخيير
هو الشرع وانتظر لذلك مزيد بيان في محله انشاء الله تعالى
271

التقديم فيه واضح فان وجوب الواجب التخييري لا يقتضى لزوم الاتيان بخصوص فرده
المزاحم بخلاف الوجوب التعييني فإنه يقتضى لزوم الاتيان بخصوص الفرد المزاحم
لفرض تعينه ومن الواضح ان مالا اقتضاء فيه لا يمكن ان يزاحم ما فيه الاقتضاء (وثانيهما)
ما إذا كان لاحد الواجبين بدل في طوله دون الاخر كما إذا وقع التزاحم بين الامر
بالوضوء والامر بتطهير البدن للصلاة فبما ان الوضوء له بدل وهو التيمم فلا يمكن مزاحمة
امره مع أمر التطهير فيقدم رفع الخبث ويكتفى في الصلاة بالطهارة الترابية ولأجل
ذلك يقدم ادراك تمام الركعات في الوقت مع الطهارة الترابية على ادراك ركعة واحدة
مع الطهارة المائية إذا دار الامر بينهما وتوهم ان ادراك ركعة واحدة في الوقت بدل
عن تمام الصلاة فيه فيكون الدوران بين واجبين لكل منهما بدل مدفوع بان بدلية ادراك
الركعة الواحدة عن تمام الصلاة في الوقت انما هي على تقدير العجز عن ادراك
تمام الصلاة فيه وقد فرضنا قدرة المكلف على ادراك تمامها فيه فلا فيجب الاتيان بتمام الصلاة
في وقتها مع الطهارة الترابية التي هي بدل عن الطهارة المائية واما ما عن بعضهم من
نسبتة تقديم ادراك الركعة الواحدة مع الطهارة المائية على ادراك تمام الصلاة في الوقت
مع الطهارة الترابية إلى السيد العلامة المحقق الشيرازي (قده) فلا يظن بصدقه واما
إذا كان كل من الواجبين تعيينيا لا بدل له فاما أن يكون اعتبار القدرة في أحدهما شرعيا
وفى الآخر عقليا أو يكون في كل منهما شرعيا أو عقليا فهذه أقسام ثلاثة (اما) القسم
الأول وهو ما كانت القدرة في أحدهما شرطا شرعيا دون الاخر فيقدم فيه الواجب
المشروط بالقدرة عقلا على الواجب المشروط بها شرعا لان ملاك الواجب الذي لا تكون
القدرة شرطا لوجوبه شرعا تام لا قصور فيه ولا مانع من ايجابه بالفعل فيكون وجوبه
فعليا لا محالة وموجبا لعجز المكلف عن الاتيان بالواجب الآخر ومانعا عن تحقق
ملا كمه المتوقف على القدرة عليه على الفرض وهذا بخلاف الواجب المشروط بالقدرة
شرعا فان وجوبه يتوقف على تمامية ملاكه المتوقفة على عدم فعلية الواجب الآخر فلو
استند عدم فعلية الوجوب المشروط بالقدرة شرعا لزم الدور ولا فرق فيما ذكرناه
بين أن يكون الوجوب المشروط بالقدرة شرعا متأخرا عن الآخر زمانا وأن يكون
272

مقارنا معه أو متقدما عليه والملاك في تقدم الواجب الذي لا يكون مشروطا بالقدرة
شرعا على الواجب المشروط بها شرعا واحد (واما القسم الثاني) وهو ما إذا كان كل
من الواجبين مشروطا بالقدرة شرعا فيقدم فيه ما كان بحسب الزمان مقدما على الاخر
في الفعلية وتحقق موضوعه إذ حينئذ يكون المتقدم مستقرا في محله ورافعا لموضوع
التكليف عن الآخر فلا يبقى محلا ومجالا له وهذا فيما إذا لم تكن هناك جهة أخرى
توجب تقدم أحد الواجبين على الآخر ولو كان متأخرا عنه زمانا كما إذا وقعت المزاحمة بين
وجوب الحج (1) ووجوب الوفاء بالنذر وأشباهه فان وجوب الوفاء في تلك الموارد مع اشتراطه
بالقدرة شرعا مشروط بعدم كون متعلقه محللا للحرام أيضا فيقدم وجوب الحج عليه ولو كان
النذر بحسب الزمان سابقا على أشهر الحج كمن نذر في شهر رمضان المبيت ليلة عرفة في
مشهد الحسين (عليه السلام) وبعد ذلك عرض له الاستطاعة فان الوفاء بالنذر في هذا الفرض
بما انه يستلزم ترك الواجب في نفسه ومع قطع النظر ان تعلق النذر به لا تشمله

1 - التحقيق ان تزاحم وجوب الوفاء بالنذر ووجوب الحج خارج عن موضوع هذا القسم
لاعن حكمه وذلك لان النذر وان فرض تقدمه على حصول الاستطاعة زمانا الا ان تقدم
أحد الواجبين على الاخر في هذا القسم انما يدور مدار تقدمه عليه زمانا ولا عبرة فيه بتقدم
سبب أحد الوجوبين على سبب الاخر في الزمان أصلا وعلى ذلك فالنذر وان فرض تقدمه
على حصول الاستطاعة زمانا الا ان وجوب الوفاء به متأخر لا محالة عن وجوب الخروج
مع الرفقة في ظرف تحقق الاستطاعة فيقدم عليه وجوب الخروج لكونه فعليا بفعلية موضوعه
بلا مزاحم له في ذلك الظرف أصلا وهذا بناء على استحالة الواجب التعليقي ولزوم اشتراط
وجوب الوفاء بالنذر بتحقق ليلة عرفة في غاية الوضوح واما بناء على امكانه وصحته
كما هو الصحيح فوجوب الوفاء بالنذر وإن كان في نفسه فعليا قبل مجيئ وقت الواجب
الا ان وجوب الحج أيضا كذلك فالوجوبان عرضيان وكل منهما قابل لرفع موضوع الاخر
ولا عبرة بحدوث وجوب الوفاء بالنذر قبل حصول الاستطاعة بعد كونه مزاحما بوجوب
الحج بقاء وعلى ذلك لا يبقى مجال لتوهم تقدم وجوب الوفاء بالنذر على وجوب الحج
بملاك تقدم الواجب السابق في الزمان على الواجب الآخر المتأخر فيه بل لابد من تقدم
وجوب الحج عليه للوجه المذكور في المتن ولان وجوب الوفاء بالنذر لو كان مانعا عن
تحقق الاستطاعة وسقوط وجوب الحج عن المكلف للزم امكان التخلص عن وجوب الحج بكل
نذر يضاد متعلقه للاتيان بمناسك الحج في ظرفها مع أن ذلك مما يقطع ببطلانه
273

أدلة وجوب الوفاء بالنذر فينحل النذر بذلك ويكون وجوب الحج فعليا ورافعا لملاك
متعلق النذر
فان قلت إن وجوب الوفاء بالنذر غير مشروط بالقدرة شرعا فكيف
يقدم عليه وجوب الحج المشروط بها في لسان الدليل وعلى فرض كونه مشروطا بها
شرعا أيضا فكل منهما قابل لان يكون رافعا لملاك الآخر في حد نفسه لكن النذر من
جهة تقدمه زمانا يكون رافعا للاستطاعة كما ذهب إليه صاحب الجواهر (قده)
قلت اما حديث عدم اشتراط وجوب الوفاء بالقدرة شرعا فيد فعه ان وجوب الوفاء
تابع لما تعلق به النذر وبما ان النذر تعلق (1) بالفعل المقدور فاعتبار القدرة على
الفعل هو مقتضى نفس تعلق الالتزام به نظير اقتضاء نفس الطلب لاعتبار القدرة في متعلقه
فلا محالة يكون متعلق النذر هو الفعل المقدور فتكون القدرة مأخوذة في موضوع
وجوب الوفاء قبل تعلقه به (وهذا) عن اعتبار القدرة في متعلق الوجوب شرعا الكاشف
عن اختصاص الملاك بالفعل المقدور (واما دعوى كون) وجوب الوفاء بالنذر قابلا لنفى
الاستطاعة المقومة لملاكك الحج (فيبطلها) أولا ان انعقاد النذر مشروط بكون متعلقه
راجحا في نفسه في ظرف العمل ومن المفروض ان متعلقه في الفرض المزبور وليس
براجح في ظرف العمل وثانيا انه لو بنينا على عدم اعتبار الرجحان في ظرف العمل في
انعقاد النذر واكتفينا برجحان متعلقه حين النذر فالنذر في مفروض الكلام بما ان
متعلقه في نفسه محلل للحرام لاستلزامه ترك الحج لا يكون منعقدا لاشتراط انعقاده
بعدم كون متعلقه كذلك فيقدم وجوب الحج على وجوب الحج على الوفاء بالنذر وبالجملة وجوب

1 - لا يخفى ان تعلق النذر بشئ ليس الا عبارة عن جعل الناذر ذلك الشيئ على ذمته
لله والزام نفسه به باختياره وقد عرفت غير مرة ان اعتبار شئ على الذمة لا يقتضى
اشتراطه بالقدرة عليه لا عقلا ولا من جهة اقتضاء نفس تعلق الايجاب به ذلك ولأجل ذلك
يتحقق عنوان الفوت بترك المنذور في ظرفه ولو كان ذلك من جهة عدم القدرة عليه فيجب
قضائه فيما دل الدليل عليه فلو كان الواجب هي الحصة المقدورة فقط لاختصاص ما يشتمل
على الملاك بها لما تحقق الفوت في فرض عدم القدرة عليه ليجب قضائه فالصحيح في الجواب
عن الاشكال المزبور هو ما أفيد في المتن بعد ذلك من أن انعقاد النذر ووجوب الوفاء
به مشروط شرعا يرجحان متعلقه وعدم كونه محللا لحرام
274

الحج لا مانع منه على الفرض غير وجوب الوفاء بالنذر وبما انه مشروط بعدم كون
متعلقه محللا للحرام لا يكون فعليا في الفرض المزبور ليكون متعلق وجوب الوفاء بالنذر
واما وجوب الوفاء بالنذر فلا يعقل أن يكون رافعا لملاك الحج فإنه تتوقف فعلية على
عدم التكليف بالحج لئلا يلزم منه تحليل الحرام فلو كان عدم التكليف بالحج من
جهة فعلية وجوب الوفاء بالنذر لزم الدور (وهذا) الذي ذكرناه (مطرد) في كل ما
اشترط وجوبه بعدم كونه محللا للحرام فعند مزاحمة المشروط به لما هو غير مشروط
به يقدم غير المشروط به ولو فرض كونه أيضا مشروطا بالقدرة شرعا واما ما عن
السيد الفقيه الطباطبائي (قده) من أن اللازم في متعلق النذران يكون راجحا في ظرف
العمل ولو بلحاظ تعلق النذر به وبذلك صحح نذر التطوع في وقت الفريضة و
عليه نزل الأخبار الدالة على حواز نذر الاحرام قبل الميقات والصوم في السفر
فيظهر ضعفه مما ذكرناه من أن اللازم هو كون متعلق النذر راجحا وغير محلل للحرام
في نفسه لا بلحاظ حكمه المشروط بذلك والالزم (1) أن يكون جميع المحرمات محللة
بالنذر وهو واضح البطلان واما جواز النذر في الموارد المذكورة فهو في المثالين
الأخيرين من باب التخصيص في أدلة حرمة الاحرام قبل الميقات والصوم في السفر و

1 - لا يخفى ان ما افاده السيد (قده) في عروته من عدم لزوم كون متعلق النذر راجحا
في نفسه ومع قطع النظر عن تعلق النذر به والاكتفاء في انعقاده برجحانه في ظرفه
ولو بلحاظ تعلق النذر به لا يستلزم أن يكون جميع المحرمات محللة بالنذر كما أفيد في
المتن لأن اطلاق دليل الحرمة يكفي لاثبات عدم كون المحرم راجحا بتعلق النذر به فلا
ينعقد النذر لعدم تحقق شرطه فلابد في اثبات الرجحان بلحاظ تعلق النذر بشئ من قيام
دليل عليه كما ورد في نذر الصوم في السفر والاحرام قبل الميقات والا فدليل وجوب الوفاء
بالنذر بعد اشتراطه برجحان متعلقه لا يفي باثبات ذلك وقد صرح السيد بنفسه بما ذكرناه
في كتاب الحج فراجع وبالجملة لا فرق بين القول باشتراط انعقاد النذر برجحان متعلقه في
نفسه والقول بكفاية الرجحان الناشئ من تعلق النذر به في انعقاده إلا في أن قيام الدليل
على انعقاد النذر في موارد عدم كون المتعلق راجحا في نفسه يوجب تخصيص دليل اشتراطه بذلك
على الأول دون الثاني فلا نتيجة عملية في البحث عن ذلك أصلا
275

ذلك لما دل من الروايات على صحة ذلك واما جواز نذر التطوع في وقت الفريضة
فهو من جهة ان الصلاة في نفسها عبادة راجحة يجوز تعلق النذر بها فتكون بعده واجبة
وتخرج بذلك عن موضوع التطوع في وقت الفريضة فلا تشملها الأدلة المانعة عن
التطوع وقت الفريضة إذا المفروض ان فعل الصلاة المنذورة قبل الفريضة فعل الواجب
لافعل المندوب (وبالجملة) ما ذهب إليه صاحب الجواهر (قده) يبتنى على عدم اعتبار الرجحان
في متعلق النذر حين العمل وكفاية الرجحان حين النذر وينافى ما دل على اشتراط
صحة النذر بعدم كون متعلقة محللا للحرام لان الاشتراط المزبور يستلزم انحلال النذر
عند استلزام الاتيان بمتعلقه لترك الحج، ثم إنه إذا لم يكن شئ من التكليفين المشروطين
بالقدرة شرعا سابقا على الآخر زمانا فربما يقال بتقديم ما كان ملاكه أهم من الملاك
الآخر لكنك ستعرف في القسم الثالث انشاء الله تعالى ان الأهمية انما توجب التقديم
فيما إذا كان كل من الملاكين تاما وفعليا واما في مثل المقام المفروض فيه اشتراط
الخطاب في كل من الطرفين بالقدرة الشرعية وانه لا قدرة للمكلف على امتثال
كلا الخطابين فلا محالة يكون أحد الخطابين واجد الملاك دون الآخر
والأهمية على تقدير وجود الملاك في طرف لا تكشف (1) عن وجوده في

1 - لا يذهب عليك ان ما أفيه في المتن من أن كون الملاك أهم من غيره على تقدير وجوده
لا يكون موجبا للترجيح في موارد الشك في وجوده وإن كان صحيحا في باب المعارضة فلا
يقدم أحد الدليلين على الاخر بمجرد كون ملاك الحكم في مورده أهم من ملاك الحكم
الاخر مع فرض التساوي بينهما من بقية الجهات الموجبة لترجيح أحد الدليلين على الاخر
الا انه لا يتم في باب التزاحم إذ لا مناص فيه من تقديم ما يكون الملاك فيه أهم من ملاك
الاخر ولو كانت القدرة معتبرة في كل منهما شرطا شرعا وذلك لان شرط فعلية ملاك الواجب
المفروض كونه أهم من غيره وهى القدرة عليه متحقق وجدانا إذ المفروض كونه مقدورا
عقلا وعدم المنع من صرف القدرة فيه شرعا فلا وجه لتفويت المولى الملاك الأهم بعدم
الامر به وهذا بخلاف الواجب الآخر فإنه وإن كان مقدورا عقلا الا ان الزام المولى بصرف
القدرة في غيره يوجب عجز المكلف عن ايجاده وسالبا لملاكه فما أفيد في المتن من الحكم
بالتخيير بين الواجبين في هذا الفرض انما يصح في فرض احراز تساوى الملاك بينهما أو احتمال
كون كل منهما أهم من الاخر فتدبر ذلك جيدا
276

وجوده في ذلك الطرف دون الطرف الآخر فلعل الملاك عند المزاحمة فيه لا في الطرف
الذي لو فرض تحقق الملاك فيه لكان أهم من غيره (وبالجملة) بما ان كلا من الخطابين
مشروط بالقدرة شرعا ولها دخل فيه وفي ملاكه يمكن أن يكون كل منهما رافعا لملاك
الطرف الآخر من دون فرق بين تساوى الملاكين وكون أحدهما أهم من الآخر
على فرض تحققه وكون أهمية الملاك على تقدير وجوده كاشفة عن وجوده وفعليته
دون ملاك الطرف الآخر دون اتيانه خرط القناد (فالتحقيق) هو التخيير مطلقا (ثم) ان
التخيير الثابت في هذا القسم شرعي (1) كشف عنه العقل فان كلا من الواجبين إذا
كان واجدا لملاك الزامي في ظرف القدرة عليه كما هو المفروض ففي فرض التزاحم
يكون أحدهما لا بعينه ذا ملاك الزامي لا محالة فلابد للمولى من ايجابه ضرورة انه
لا يجوز للحكيم ان يرفع يده عن تكليفه بالواحد لا بعينه مع فرض وجدانه للملاك
الالزامي بمجرد عجز المكلف عن الاتيان بكلا الفعلين وعليه فلا مناص للمولى الحكيم في المقام
من ايجاب أحد الفعلين لا بعينه (واما القسم الثالث) وهو ما إذا كانت القدرة في كل من
الواجبين شرطا عقليا فأما أن يكون فيه أحد الواجبين أهم من الآخر أولا اما الأول
فيقدم فيه الأهم على غيره والسر فيه ان الأهم بما هو كذلك يصلح أن يكون معجزا
مولويا للمكلف عن الطرف الآخر دون العكس فيكون نسبة الأهم إلى غيره كنسبة
الواجب إلى المستحب أو المباح فكما لا يمكن أن يكون المباح أو المستحب مزاحما
للواجب كذلك لا يمكن أن يكون المهم مزاحما للأهم ولا يفرق في ذلك بين كون
المتزاحمين عرضيين وكونهما طوليين كما لا فرق بين كون خطاب كل من الطوليين
فعليا وكون أحدهما فعليا دون الاخر مع كون ملا ه تاما فلا مثال الأول ما إذا وقع
التزاحم بين حفظ نفس المؤمن وحفظ ماله لعدم قدرة المكلف عليهما معا فإنه يقدم
حينئذ وجوب حفظ النفس ويكون معجزا مولويا عن حفظ ماله ومثال الثاني ما إذا

1 - إذا كان المفروض في المقام قدرة المكلف على كل من الواجبين في نفسه وفي ظرف ترك
الاخر وان الشارع لم يلزمه بأحد هما المعين لأنه بلا مرجح فلا بد من أن يكون كل منهما
واجدا للملاك في ظرف ترك الاخر ولازم ذلك تعلق الامر بكل منهما مشروطا بعدم الاتيان
بالآخر فالتخيير يكون عقليا لا شرعيا وسيجيئ نتيجة البحث عن كون التخيير شرعيا أو عقليا
277

وقع التزاحم بين وجوب القيام في (1) جزئين طوليين من الصلاة لعدم قدرة المكلف
عليه فيهما فإذا كان أحدهما أهم من الاخر كما إذا كان ركنا يقدم خطابه لا محالة وإن كان
ظرف اتيانه متأخرا ومثال الثالث ما إذا وقع التزاحم بين القيام في صلاة الكسوف
قبل الظهر والقيام في صلاة الظهر على القول بأن ملاك الصلوات اليومية يتم بدخول
اليوم وإن كان خطابها مشروطا بدخول أوقاتها فيقدم الأهم وإن كان خطابها غير
فعلى لعدم تحقق شرطه والسر فيه هو انه بعد فرض كون الملاك تاما لا مناص عن ايجاب
حفظ القدرة أو تحصيلها بوجوب نفسي ناشئ من حكم العقل بقبح تفويت ملاك تام
في ظرفه كما مر بيان ذلك مفصلا وعليه فيقع التزاحم بين وجوب حفظ القدرة و
وجوب الواجب الآخر وبما ان المفروض كون الملاك الموجب لايجاب حفظ القدرة
أو تحصيلها أهم من ملاك الواجب الآخر يقدم الوجوب الناشئ من الملاك الأهم
فيكون معجزا مولويا عن الاخر كما كان الحال ذلك في الوجوبين العرضيين فعلى القول
بتمامية ملاك الصلوات اليومية بدخول اليوم يجب حفظ القدرة على القيام فيها في
ظرفها ولو كان ذلك بترك القيام في صلاة الآيات فعلا نعم إذا كان الواجب المتأخر غير
تام الملاك فعلا وجاز تفويت القدرة عليه لم يعقل ان يزاحم به الواجب الفعلي كما

1 - التمثيل لتزاحم الواجبين الطوليين المشروطين بالقدرة عقلا بما إذا لم يقدر المكلف على
القيام في جزئين من الصلاة ينافي ما سيجيئ منه (قده) من الاعتراف يكون اشتراط اجزاء
الصلاة بالقدرة شرعيا وعلى ذلك فلا مناص من تقديم ما هو أسبق زمانا على غيره لكون
ملاكه تاما بالقدرة عليه بالفعل فيجب الاتيان به ومع الاتيان به يكون الواجب المتأخر
غير مقدور عليه وفاقدا للملاك على الفرض وبالجملة الالزام بحفظ القدرة للواجب المتأخر
يتوقف على كون ملاكه تاما في ظرفه وهو يتوقف على كونه مقدورا في ظرفه بعدم الاتيان
بالواجب المتقدم فلا يعقل أن يكون عدم الاتيان به مستندا إلى الالزام بحفظ القدرة
للمتأخر والالزم توقف الشئ على نفسه هذا بناء على ما اخترناه من كون أحد الواجبين
أهم من الاخر موجبا لترجيحه على غيره ولو كان ذلك في موارد اشتراط التكليف بالقدرة
شرعا واما بناء على ما تقدم من شيخنا الأستاذ قدس سره من انكاره لذلك فلزوم الترجيح
في المقام بكون أحد الواجبين أسبق زمانا على غيره في غاية الوضوح وكيف كان فلا وجه لما
أفيد في المتن من الترجيح بالأهمية في أمثال المقام فتدبر جيدا
278

هو ظاهر ثم إن تشخيص كون أحد الواجبين أهم من الاخر وإن كان ظاهرا فيما
إذا كان طرف المزاحمة حفظ بيضة الاسلام ونحوه الا انه في غير ذلك لا يخلو من
خفاء إذ ليس هناك ميزان كلي يميز به الأهم من غيره فلابد حينئذ من ملا حظة خصوصيات
الموارد (واما الثاني) وهو ما إذا لم يكن أحد الواجبين أهم من الاخر فلا اشكال
في أن الحكم فيه هو التخيير بينهما وانما الاشكال في أن التخيير شرعي أو عقلي (فذهب)
جماعة منهم المحقق صاحب الحاشية والمحقق الرشتي قدس سرهما إلى أن التخيير
بينهما شرعي نظرا إلى استحالة اجتماع الخطابين التعيينيين حال المزاحمة وان ترجيح
أحدهما على الاخر بلا مرجح فلا محالة يسقطان معا وبما ان الملاك في كل من الفعلين
تام فعلى يستكشف العقل خطابا شرعيا تخييريا متعلقا بهما لأجل استلزام عد مه تفويت
الملاك الملزم وهو قبيح على الحكيم (ويرد) عليه ان المستحيل انما هو اطلاق
الخطابين حال المزاحمة لا أصل وجودهما فسقوطهما بالمزاحمة غير معقول وانما
الساقط هو اطلاق كل منهما بحكم العقل وبعد سقوط الا طلاقين تكون النتيجة
اشتراط كل من الخطابين التعيينيين بعدم الاتيان بمتعلق الاخر فاشتغال المكلف بامتثال
كل منهما يجعل الطرف الآخر غير مقدور عليه فيسقط طلبه بانتفاء شرطه فلا محالة
يكون التخيير بينهما عقليا (والثمرة) بين المذهبين تظهر في موارد (منها) انه على
القول بالتخيير الشرعي لا يستحق تاركهما الا عقابا واحدا واما على ما اخترناه من
سقوط الا طلاقين فهو يستحق عقابين كما في ترك الضدين على الترتب (ودعوى)
ان الجمع بينهما محال فكيف يعقل العقاب على ترك كل منهما (مدفوعة) بأن العقاب
ليس على ترك الجمع بل هو على الجمع في الترك وهو مقدور وسيجيئ توضيح
ذلك في بحث الترتب انشاء الله تعالى (ومنها) انه إذا احتمل كون أحد الواجبين
بعينه أهم من الاخر فبناء على التخيير الشرعي في المتساويين يكون مورد الشك
داخلا في مسألة دوران الامر بين التخيير والتعيين الشرعيين فيبتنى الحكم فيه على
الحكم في تلك المسألة من البراءة أو الاشتغال في تلك المسألة وإن كان المختار عندنا
فيها هو (1) الثاني واما بناء على ما اخترناه من سقوط الا طلاقين فلابد من القول

1 - سيأتي في محله ان الحق في مسألة دوران الامر بين التخيير والتعيين وإن كان هو الرجوع
إلى البراءة الا أنه يختص بغير موارد الشك في التعيين والتخيير من جهة التزاحم وما إذا دار
أمر الحجة بين كونها حجة تعيينية وكونها حجة تخييرية وانتظر لذلك مزيد بيان في محله
انشاء الله تعالى
279

بالاشتغال وان قلنا بالبرائة في تلك المسألة إذ وجود الحكم في الطرف المحتمل أهميته
وكون امتثاله مبرء للذمة معلوم ضرورة ان التكليف الفعلي على تقدير كون المحتمل
أهميته أهم في الواقع ونفس الامر منحصر به وعلى تقدير مساواته مع الاخر فيما ان
الا طلاقين لابد من سقوطهما ففي ظرف عدم الاتيان بالآخر يكون الخطاب المتعلق به
فعليا لا محالة فعلى كلا التقديرين يكون المأتى به مصداقا للواجب الفعلي ومبرء للذمة
قطعا وهذا بخلاف الطرف الآخر فان الاتيان به المستلزم لفوت الغرض الملزم فيما يحتمل
أهميته لا يوجب الا من من عقابه ولا الجزم بسقوط خطابه فيتعين بحكم العقل لزوم الاتيان بما
يحتمل أهميته معه لأنه لا يحتمل معه العقاب كما عرفت (ومنها) انه إذا وقع التزاحم بين واجبين
طوليين متساويين ملاكا كما في دوران الامر بين القيام في الركعة الأولى من الصلاة
والقيام في الركعة الثانية مثلا أو بين ترك واجب متوقف على محرم مساو معه في الملاك
وارتكاب المقدمة المحرمة فبناء على التخيير الشرعي يثبت التخيير فيهما أيضا (واما)
على المختار فالتكليف بالمتقدم هو الذي يكون فعليا دون المتأخر لان سقوط كل من
التكليفين المتزاحمين بناء عليه لا يكون الا بامتثال الاخر وبما ان امتثال التكليف
بالمتأخر متأخر خارجا لتأخر متعلقه على الفرض فلا يكون للتكليف بالمتقدم مسقط في
عرضه فيتعين امتثاله على المكلف بحكم العقل فيجب القيام في الركعة الأولى ويلزم
اجتناب المقدمة المحرمة نعم إذا كان ملاك الواجب المتأخر أقوى من ملاك الواجب
الفعلي فوجوب حفظ القدرة فعلا يكون مسقطا لوجوب الواجب المتقدم كما مر نظيره
فيما تقدم هذا كله حال المرجحات في باب التزاحم (وقد ظهر لك) ان الترجيح بالأهمية
يختص (1) بالقسم الثالث وفي غيره لا تصل النوبة إلى الترجيح بها أصلا (واما) المرجحات
في باب التعارض فهي اقوائية ألد لالة أو السند كما يجيئ تفصيلها في محله انشاء الله
تعالى (فكل) من مرجحات أحد البابين (أجنبي) عن مرجحات الباب الاخر بالكلية

1 - قد عرفت صحة الترجيح بكون أحد الواجبين أهم من الاخر في القسم الثاني أيضا
280

نعم قد يكون المرجح الأول الذي ذكرناه وهو أن يكون لاحد الواجبين بدل دون الاخر
مرجحا في باب التعارض (أيضا) كما إذا كان أحد الدليلين مفيدا للعموم الشمولي والاخر
للعموم البدلي فإنه يتقدم (1) ماله الشمول على الاخر لكنه لا بملاك التقدم في باب
المزاحمة بل بملاك الاقوائية في ألد لا له كما تقدم بيان ذلك في بحث الواجب المشروط
(واما الرابع) أعني به افتراق باب التزاحم عن باب التعارض في كيفية التقديم فلان
التقديم في باب التعارض انما يكون مع حفظ الموضوع كما في تعارض دليل وجوب
اكرام العلماء مع دليل حرمة اكرام الفساق فان تقديم دليل الحرمة مثلا لا يوجب خروج
العالم الفاسق عن كو أنه عالما بل يحكم عليه مع كونه كذلك بحرمة اكرامه وهذا بخلاف
باب التزاحم فان تقديم أحد المتزاحمين فيه يوجب ارتفاع موضوع الاخر بجعله غير
مقدور عليه شرعا إذ المفروض عدم قدرة المكلف على امتثال التكلفين معا فالزام الشارع
بصرف القدرة في أحدهما يستلزم عجز المكلف عن امتثال الاخر ضرورة ان الممنوع
شرعا كالممتنع عقلا (والحاصل) ان التقديم في باب التعارض انما يوجب رفع الحكم
عن موضوعه وفي باب التزاحم انما يوجب ارتفاعه بارتفاع موضوعه (ومن جميع) ما ذكرناه
يظهر وضوح كون الامر بالشيئ مع الامر بضده من باب التزاحم لا التعارض فلا يبقى للايراد
المذكور وقع أصلا
فائدة استطرادية
قد ذكرنا في بعض المباحث السابقة ان القاعدة الأولية تقتضي كون القيد ركنا
وكونه مطلقا بالقياس إلى حالتي التمكن وعد مه ويترتب عليه سقوط التكليف عند
تعذر بعض قيود متعلقه (الا انه) قام الدليل بالخصوص على أن الصلاة لا تسقط بحال (ومن
ثم) وقع الكلام في ترجيح بعض قيودها على بعض فيما إذا دار الامر بين سقوط بعضها
وسقوط بعضها الاخر

1 - قد عرفت في البحث المزبور ان كون العموم شموليا لا يكون مرجحا في باب
المعارضة فلا بد من الرجوع إلى بقية المرجحات فيما إذا وقع التعارض بين العام الشمولي والعام
البدلي نعم لو كان الشمولي مستفادا من نفس اللفظ وكان البدلي مستفادا من مقدمات الحكمة
لكان ماله الشمول مقدما على الاخر بلا اشكال الا أنه خارج عن موضوع البحث وتمام الكلام في محله
281

ومجمل الكلام في هذا المقام انه كلما دار الامر بين سقوط الطهور وسقوط أي
قيد من قيود الصلاة يسقط ذاك القيد وإن كان وقتا وكل ما دار الامر بين سقوط خصوص
الطهارة المائية وسقوط قيد غيرها تسقط الطهارة المائية (والسر فيه) أن أجزاء الصلاة
وشرايطها وإن كانت مشروطة بالقدرة شرعا لما دل على أن الصلاة لا تسقط بحال إلا أن
خصوص الطهارة المائية ممتازة عن بقية الأجزاء والشرايط بجعل البدل لها شرعا فتتأخر
رتبتها عن الجميع (وكلما) دار الامر بين سقوط ادراك ركعة من الوقت وسقوط أي قيد
غير الطهور يسقط ذاك القيد لكون ادراك الوقت أهم (وكلما) دار الامر بين سقوط
ادراك تمام الركعات في الوقت وسقوط قيد آخر يسقط ادراك تمام الركعات الا في
السورة فإنها تسقط عند الدوران المزبور لقيام ألد ليل على سقوطها الاستعجال (وكلما)
دار الامر بين سقوط الاجزاء وسقوط الشرائط تسقط الشرائط (1) لتأخر رتبتها عن
الاجزاء فإنها اعتبرت قيودا فيها فتسقط حال التعذر (وكلما) دار الامر بين سقوط أصل
الشرط وسقوط قيده كدوران الامر بين سقوط أصل الساتر وسقوط كونه طاهرا يسقط
قيده (2) لتأخر رتبته وأفتى بعضهم في المسألة بلزوم الصلاة عاريا والمسألة محررة
في الفقه (وكلما) دار الامر بين سقوط قيد اعتبر في الركن وسقوط قيد اعتبر في غيره كما

1 - قد عرفت فيما تقدم ان اشتراط المأمور به بشئ انما هو بأخذه قيدا في المأمور به فيكون
تقيد ذات الواجب به متعلقا للوجوب أيضا وعليه فلا وجه لما أفيد من تعين الشرايط للسقوط
عند دوران الامر بين سقوط شئ منها وسقوط بعض اجزاء الواجب بل لا بد من رعاية الأهم
والحكم بسقوط غيره وعلى تقدير عدم كون أحدهما أهم من الاخر يحكم بالتخيير بينهما
2 - إذا كان قيد الشرط مقوما له كما هو الغالب في قيود شرايط الصلاة فبانتفاء القيد ينتفى الشرط
أيضا فلا وجه لكون الساقط هو قيد الشرط دون نفسه كما أفيد هذا فيما إذا لم يكن فاقد
القيد مانعا من صحة المأمور به من جهة أخرى واما إذا كان كذلك كما إذا دار الامر بين الصلاة
عاريا والصلاة في غير المأكول فيدور الامر بين فقدان الشرط أعني به الستر والاقتران
بالمانع أعني به اقتران الصلاة بوقوعها في غير المأكول ولا ضابط لترجيح بعض القيود على
بعضها الاخر في هذه الموارد والمتبع هو نظر الفقيه في كل مورد بخصوصه واما ذهاب
المشهور إلى تقدم الصلاة عاريا على الصلاة في النجس فهو من جهة النص الوارد في ذلك
والمسألة محررة في الفقه
282

إذا دار الامر بين ترك الطمأنينة في الركن وتركها في غيره من الذكر أو القراءة سقط
قيد غير الركن (وكلما) دار الامر بين سقوط القيام المتصل بالركوع وسقوط القيام حال
القراءة سقط القيام فيها لكون القيام قبل الركوع بنفسه ركنا ومقوما للركوع فيتقدم
على القيام فيها ومن ثم يقدم القيام قبل الركوع على القيام حال التكبيرة أيضا فإنه فيها
شرط (1) وفي الركوع مقوم (وكلما) دار الامر بين سقوط أحد الواجبين الطوليين سقط
المتأخر ان لم يكن الملاك فيه أهم ومن ثم يقدم القيام في التكبير على القيام في القراءة
مضافا إلى أن كونه شرطا في الركن يوجب تقدمه على القيام في القراءة كما تقدم (واما)
غير ذلك من موارد التزاحم في القيود فليس فيه ضابط مخصوص بل المتبع فيه هو نظر
الفقيه في كل مورد بخصوصه
تبصرة
لا يخفى أن وقوع التزاحم في الملاك وإن كان مما لا ينكر كما إذ كان في اكرام
العالم الفاسق جهة توجب وجوبه وجهة أخرى توجب حرمته إلا أنه يرجع إلى تزاحم
الملاكين في اختيار الآمر الحكم على طبق أحدهما ولا دخل لعلم المكلف وجهله في
شئ من ذلك وهذا القسم من التزاحم خارج عما هو محل الكلام في المقام فإنه كما
عرفت انما يكون في فرض امكان جعل كل من الحكمين على موضوعه المقدر وجوده
فالتزاحم انما هو في مقام الامتثال وأين ذلك من التزاحم في مقام جعل الحكم على طبق
الملاك المقتضى له وبعبارة أخرى التزاحم المبحوث عنه في المقام إنما هو التزاحم الراجع
إلى المكلف في مرحلة الامتثال واما التزاحم في الملاك فهو راجع إلى ناحية المولى
في اختياره أحد الحكمين فالفرق بينهما في غاية الوضوح ومع ذلك فقد وقع الاشتباه

1 - القيام قبل الركوع وإن كان مقوما للركن أعني به نفس الركوع إلا أنه اعتبر في
التكبيرة على وجه الركنية أيضا لان الصلاة تبطل بنقصانه عمدا وسهوا فلا موجب لتقدم القيام
قبل الركوع عليه فيما إذا دار الامر بين تركه وترك القيام قبل الركوع لعدم قدرة المكلف
على الجمع بينهما بل الظاهر في هذا الفرض تقدم القيام حال التكبيرة على القيام قبل الركوع
لتأخر زمان الثاني عن زمان الأول فيجب الاتيان بالمتقدم للتمكن منه في ظرفه ويجب الاتيان
بالركوع جالسا لعدم التمكن من الاتيان به في ظرفه قائما على الفرض
283

بينهما في بعض الموارد لاشتراكهما في الاسم وسيجيئ في بحث اجتماع الامر والنهى
ما يوضح ذلك انشاء الله تعالى (ثم إنه) قد أشرنا سابقا إلى أن التزاحم في مقام الامتثال
قد يكون لعدم قدرة المكلف على الجمع في الامتثال وهو الغالب وقد يكون من جهة غيره
(أما) التزاحم لعدم القدرة فهو في خمسة مواضع (الأول) ما إذا كان عدم القدرة اتفاقيا
كما في تزاحم وجوب انقاذ كل من الغريقين فيما إذا لم يتمكن المكلف من انقاذ هما معا
(الثاني) ما إذا وقع التضاد بين الواجبين اتفاقا (1) واما إذا كان دائميا فيقع التعارض
بين دليلي حكمهما لان التصادم حينئذ إنما يكون في مقام الجعل والانشاء لا في مقام
الإطاعة والامتثال ضرورة انه لا معنى لجعل حكمين لفعلين متضادين دائما والوجه فيه
ظاهر (الثالث) (2) موارد اجتماع الأمر والنهي فيما إذا كان هناك ماهيتان اتحدتا في
الخارج نحو اتحاد كالصلاة والغصب بناء على ما هو الصحيح من عدم سراية الحكم من
الطبيعة إلى مشخصاتها واما إذا كان هناك ماهية واحدة كاكرام العالم الفاسق المنطبق
عليه اكرام العالم المحكوم بالوجوب واكرام الفاسق المحكوم بالحرمة فمورد
الاجتماع يد خل في باب التعارض وكذا لك الحال فيما إذا تعددت الماهيتان بناء على

1 - لا يخفى انه لا يمكن وقوع التضاد بين أمرين من باب الاتفاق الا من جهة عدم قدرة
المكلف على الاتيان بهما فلا وجه لجعل ذلك قسما ثانيا من التزاحم قبال القسم الأول ثم إن
التضاد بين الواجبين إذا كان دائميا فإن لم يكن لهما ثالث فلا محالة يقع التعارض بين
دليليهما فلا بد من الاخذ بأحدهما تعيينا أو تخييرا وطرح الاخر واما إذا كان لهما ثالث
فالمعارضة في الحقيقة انما هي بين اطلاق كل منهما واصل وجود الاخر فاللازم حينئذ هو رفع
اليد عن اطلاق كل منهما وتقييده بعدم الاتيان بمتعلق الاخر ونتيجة ذلك هو ثبوت حكمين كل
منهما مشروط بعدم الاتيان بمتعلق الاخر نعم إذا علم من الخارج كذب أحد الدليلين تحقق
المعارضة بين نفس الدليلين لكنه خارج عن محل الكلام كما هو ظاهر
2 - سيأتي في بحث اجتماع الأمر والنهي ان وقوع التزاحم بين الامر والنهى بعد
فرض عدم سراية شئ منهما إلى متعلق الاخر يتوقف على عدم وجود المندوحة وانحصار
الطبيعة المأمور بها بالمجمع واما إذا كان هناك مندوحة وتمكن المكلف من امتثال كلا
التكليفين فلا تزاحم بينهما أصلا وعليه فيدخل هذا القسم في القسم الخامس ولا يكون قسما
آخر في قباله فاقسام التزاحم الناشئ من عدم قدرة المكلف على الامتثال ثلثة
284

سراية الحكم من أحدهما إلى الاخر وسيجيئ توضيح ذلك في مبحث اجتماع الامر
والنهى انشاء الله تعالى (الرابع) ما إذا كان الحرام مقدمة لواجب فيما إذا لم يكن التوقف
دائميا والا فيقع التعارض بين الدليلين لا محالة (الخامس) موارد التلازم الاتفاقي فيما
إذا كان أحدهما محكوما بالوجوب والاخر محكوما بالحرمة كاستقبال القبلة واستدبار
الجدي فإنه لا تلازم بينهما في أنفسهما بل التلازم انما يتفق لمن سكن العراق وما سامته
من النقاط واما إذا كان التلازم دائميا فلا محالة يقع التعارض بين الدليلين (واما) التزاحم
لا من جهة عدم القدرة فهو كما إذا صار المكلف واجدا للنصاب الخامس من الإبل الذي
يجب فيه خمس أشياء ثم بعد انقضاء ستة أشهر مثلا ملك ناقة أخرى فحصل النصاب السادس
الذي يجب فيه بنت مخاض فان المكلف وإن كان قادرا على دفع خمس شياه بعد انقضاء سنة من
ملكه للنصاب الخامس وعلى دفع بنت مخاض بعد مضى ثمانية عشر شهرا من التاريخ المزبور
الا ان قيام الدليل (1) على أن المال الواحد لا يزكى في عام واحد مرتين أوجب التزاحم
بين الحكمين (إذا عرفت) ذلك فاعلم أن محل الكلام في المقام انما هو التزاحم الناشئ
من تضاد الواجبين اتفاقا وبعد الفراغ عن التكلم فيه يقع الكلام في بقية أقسام التزاحم
انشاء الله تعالى (فنقول) قد عرفت انه إذا وقع التزاحم بين الواجبين غير المشروطين
بالقدرة شرعا فان كانا متساويين في الملاك تخير المكلف بينهما عقلا والأقدم الأهم على
غيره (لكنه) وقع الكلام في أن رافع التكليف بالمهم هل هو نفس وجود الامر بالأهم
أو اطاعته وامتثاله وعلى الأول فيسقط الامر بالمهم مطلقا واما على الثاني فالساقط هو
اطلاقه ولا موجب لسقوطه عند عصيان الامر بالأهم وعدم تحقق امتثاله وبالجملة بعد
امتناع بقاء كل من الواجبين المتزاحمين على حاله ولزوم بقاء اطلاق الامر بالأهم على

1 - لا يخفى ان قيام الدليل على أن المال الواحد لا يزكى في عام واحد مرتين يوجب العلم
بتقييد ما دل على وجوب خمس شياه على من ملك النصاب الخامس ومضى عليه
الحول أو ما دل على وجوب بنت مخاض على من ملك النصاب السادس ومضى عليه الحول
فيقع التعارض بين اطلاقي الدليلين لا محالة فلا بد حينئذ من الرجوع إلى مرجحات باب
المعارضة فلا مساس لا مثال المقام بباب المزاحمة أصلا وان مقام شيخنا الأستاذ قدس سره أجل
وارفع من أن يخفى عليه ذلك ولكن العصمة لأهلها
285

ما كان عليه وقع الكلام في أن الساقط عند المزاحمة هل هو أصل الامر بالمهم أو اطلاقه
(ذهب) المحقق الثاني (قده) وجملة ممن تأخر عنه ومنهم سيد أساتيذنا المحقق العلامة
الشيرازي قدس الله اسرارهم إلى الثاني ولاجله التزموا ببقاء الامر بالمهم أيضا حال
المزاحمة مشروطا بعصيان الامر بالأهم ومترتبا عليه (وذهب) بعضهم ومنهم العلامة
الأنصاري والمحقق صاحب الكفاية قدس سرهما إلى الأول والحق ما ذ هب إليه المحقق
الثاني (قده) ولا بد لتحقيق ذلك من تقديم مقد مات الأولى في بيان أمرين (الأول) أن
الفعلين المتضادين إذا كان التكليف بكل منهما أو بخصوص أحدهما مشروطا بعدم
الاتيان بمتعلق الاخر فلا محالة يكون التكليفان المتعلقان بهما طوليين لا عرضيين وبعبارة
واضحة لا يلزم من الطلبين كذ لك طلب الجمع بين الضدين لأنه إذا فرضنا امكان الجمع بين
متعلقي الطلبين كذلك في حد ذاتهما كدخول المسجد وقرائة القرآن ومع ذلك كان
الطلبان بنحو الترتب بأن يكون طلب أحدهما مشروطا بعدم الاتيان بمتعلق الاخر
امتنع وقوعهما في الخارج على صفة المطلوبية ولذا لو اتى المكلف بهما بعنوان المطلوبية
لكان ذلك تشريعا فيستكشف من ذلك أن نفس ترتب الخطابين يمنع تحقق طلب الجمع
بين متعلقهما وبالجملة اجتماع الطلبين في زمان واحد انما يستلزم طلب الجمع بين
المتعلقين فيما إذا كان كل منهما في عرض الاخر بأن يكون مطلقا بالإضافة إلى الاتيان
بمتعلق الاخر وعدمه واما إذا فرضنا اشتراط أحدهما بعدم الاتيان بمتعلق الاخر لم يعقل
أن تكون نتيجة الطلبين طلب الجمع بين المتعلقين وسيجيئ لذلك مزيد توضيح انشاء الله
تعالى (الثاني) انه في فرض عدم قدرة المكلف على امتثال التكليفين الموجب لوقوع
التزاحم بينهما وإن كان لابد من رفع اليد عما به يرتفع التزاحم لاستحالة التكليف بغير
المقدور عقلا الا أنه لا مناص حينئذ من الاقتصار على ما يرتفع به التزاحم المزبور واما
الزائد عليه فيستحيل سقوطه فإنه بلا موجب (ومن ثم) وقع الكلام في أن الموجب
للتزاحم هل هو اطلاق الخطابين ليكون الساقط هو اطلاق خطاب المهم فقط دون أصل
خطابه مشروطا بعدم الاتيان بالأهم ومترتبا عليه لان سقوطه بلا موجب كما عرفت أوان
الموجب له نفس فعلية الخطابين ليسقط خطاب المهم من أصله ويترتب على ذلك ما
ذكرناه سابقا من أن التزاحم إذا كان ناشئا من فعلية الخطابين فلا بد من سقوطهما
286

معا إذا لم يكن أحدهما أهم من الاخر غاية الأمران العقل يستكشف خطابا تخييريا
شرعيا لاستلزام عدمه تفويت الملاك الملزم وهو قبيح على الحكيم كما مر وهذا بخلاف
ما إذا كان التزاحم ناشئا عن اطلاق الخطابين فإنه بناء عليه يكون الساقط اطلاق
الخطابين دون أنفسهما فيكون كل من الخطابين مشروطا ومترتبا على عدم الاتيان بمتعلق
الاخر ويكون التخيير حينئذ عقليا لا شرعيا (ومن الغريب) أن العلامة الأنصاري (قده)
مع انكاره الترتب وبنائه على سقوط أصل خطاب المهم دون اطلاقه ذهب في تعارض
الخبرين بناء على السببية إلى سقوط اطلاق وجوب العمل على طبق كل من الخبرين
ببيان أن محذور التزاحم يرتفع عند سقوط الا طلاقين فيكون وجوب العمل بكل منهما
مشروطا بعدم العمل على طبق الاخر وهذا التقييد والاشتراط انما نشأ من اعتبار القدرة
في فعلية التكليف وحاصل ما ذكره (قده) يرجع إلى الالتزام بخطابين مترتب كل
منهما على عدم امتثال الاخر (فليت شعري) لو امتنع ترتب أحد الخطابين على
عدم امتثال الاخر كما فيما نحن فيه لاستلزامه طلب الجمع ين الضدين كما توهم فهل ضم
ترتب إلى مثله يوجب ارتفاع المحذور الا أن الاشتباه من الأساطين قدس الله اسرارهم غير عزيز
المقدمة الثانية قد ذكرنا في بحث الواجب المشروط ان شرايط التكليف كلها
ترجع إلى قيود الموضوع ولا بد من اخذها مفروضة الوجود في مقام الجعل والانشاء
وان فعلية التكليف تتوقف على فعليتها وتحققها في الخارج فحالها حال الموضوع
بعينه إذ كل موضوع شرط وكل شرط موضوع ومن الواضح ان الموضوع
بعد وجوده خارجا لا ينسلخ عن الموضوعية ويكون الحكم بلا موضوع فلا وجه لما
ذكره بعضهم من أن الواجب المشروط بعد تحقق شرطه ينقلب مطلقا إذ هو مساوق
للقول بان الموضوع بعد وجوده خارجا ينسلخ عن موضوعيته ولا يبعدان يكون ذلك
من جهة خلط موضوع الحكم بداعي الجعل وعلة التشريع بتوهم ان شرط التكليف
خارج عن موضوعه بل هو من قبيل الداعي لجعل الحكم على موضوعه فبعد وجوده
يتعلق الحكم بموضوعه ولا يبقى للاشتراط مجال أصلا وقد بينا في ذلك المبحث ان
كون شرط الحكم من قبيل دواعي الجعل يبتنى على أن تكون القضايا المتكلفة
لبيان الأحكام الشرعية من قبيل الاخبار عن انشاء تكاليف عديدة يتعلق كل واحد منهما
287

بمكلف خاص عند تحقق شرطه وأبطلنا ذلك المبنى في المبحث المزبور وذكرنا ان
هذا الخلط وقع في جملة من المباحث (منها) ما نحن فيه فإنه توهم فيه انه بعد عصيان
الامر بالأهم يكون الامر بالمهم أيضا مطلقا فلا محالة يقع التزاحم بين الخطابين في هذه
المرتبة (ومنها) ارجاع شرايط الأحكام الشرعية التكليفية والوضعية إلى شرطية العلم
واللحاظ سواء كان المعلوم متقدما أم متأخرا أم مقارنا (ومنها) القول بان سببية شئ
للحكم الشرعي انما هي من الأمور التكوينية لا من الأمور الجعلية ولا من
الأمور الانتزاعية بتوهم ان تأثير دواعي الجعل فيه من الأمور الواقعية التي
لا تنالها يد الجعل تشريعا سواء في ذلك جعلها بنفسها وجعلها بمنشأ انتزاعها مع الغفلة
عن أن الكلام انما هو في سببية العقد للملكية مثلا ونسبته إليها نسبة الموضوع إلى
حكمه لا نسبة الداعي والعلة إلى المعلول فكون تأثير الدواعي في ما يترتب عليها من
الأمور الواقعية أجنبي عن محل الكلام بالكلية وعليه فتعبير الفقهاء عن العقود والايقاعات
بالأسباب وعن قيود الموضوع في باب التكاليف بالشرايط انما هو اصطلاح صرف والا
فكل من السبب والشرط قيد من قيود الموضوع لا محالة (وبالجملة) بعد وضوع رجوع
شرط الحكم إلى كونه موضوعا له وعدم كونه من قبيل العلة لثبوت الحكم لموضوعه
يتضح فساد القول بانقلاب الواجب المشروط مطلقا بعد حصول شرطه في الخارج و
يترتب على ما ذكرناه فساد توهم ان الالتزام بالترتب لا يدفع محذور التزاحم بين
الخطابين يتوهم ان الامر بالمهم بعد حصول عصيان الامر بالأهم المفروض كونه شرطا
له يكون في عرض الامر بالأهم فيقع بينهما التزاحم والتمانع لا محالة وذلك فإنك
قد عرفت ان حصول شرط الحكم في الخارج لا يخرجه عن كونه شرطا له فالحكم
المشروط به حدوثا مشروط به بقاء فليس هناك اطلاقان ليقع بينهما التزاحم والمطاردة
المقدمة الثالثة قد ذكرنا في بحث تقسيم الوجوب إلى الموقت وغيره ان فعلية
الخطاب في المضيقات تكون مسارقة لوجود آخر جزء من موضوعه وشرطه ولا يكون
بينهما تقدم وتأخر زمانا وكذلك ذكرنا هناك ان تأخر الامتثال عن الخطاب أيضا رتبي
لا زماني بيان ذلك ان ما فرض جزء أخيرا لموضوع الحكم اما أن يكون حكمه وخطابه
فعليا عند تحققه بلا فصل زماني فهو المطلوب واما أن تكون فعليته متوقفة على مضى
288

آن ما فيلزم ان لا يكون ما فرضناه جزءا أخيرا للموضوع جزءا أخيرا له وهو خلف نعم
ربما يكون لمضى آن ما دخل في الموضوع أيضا فيكون هو الجزء الأخير له فتكون
فعلية الحكم متوقفة على تحقق الشيئ ومضيه كما لا يبعد دعوى ذلك في حق القصاص
فإنه مترتب على تحقق القتل خارجا ومضى زمانه ولو آنا ما فتحقق القتل في زمان
الحال المقابل للمضي والاستقبال ليس جزءا أخيرا من الموضوع بل الجزء الأخير هو
مضى القتل ولو آنا ما بعد تحققه وعلى كل حال فنسبة الحكم إلى موضوعه وان لم تكن
نسبة المعلول إلى علته التكوينية الا أنها نظيرها فتخلف الحكم عنه يرجع إلى الخلف
والمناقضة وقد مر توضيح ذلك في بحث الواجب المشروط وعليه فرعنا (1) بطلان
الشرط المتأخر ومن ذلك يعلم أن تأخر الامتثال عن الخطاب أيضا رتبي لا زماني فان
نسبة الامتثال إلى الخطاب كنسبة المعلول إلى العلة أيضا وأول زمان الخطاب
هو أول زمان الامتثال نعم في الموسعات لا يلزم مقارنة زمان الخطاب لزمان
الامتثال بل يجوز تأخره عنه كما تجوز مقارنته له بحيث يكون أول زمان الامتثال هو
أول زمان الخطاب وإن كان متأخرا عنه رتبة (وتوهم) لزوم تقدم الخطاب على
الامتثال زمانا بتقريب ان وجوب الامساك مثلا لو لم يكن متقدما على الامساك في أول
الجفر آنا ما فاما أن يكون المكلف حين توجه الخطاب إليه أول الفجر متلبسا بالامساك
أو غير متلبس به وعلى كلا التقديرين يستحيل توجه الخطاب إليه لان طلب الامساك
ممن فرض تحققه منه طلب الحاصل كما أن طلبه ممن فرض عدم تلبسه به طلب الجمع
بين النقيضين وكلاهما مستحيل فلا بد من تقدم الخطاب ولو بآن ما على زمان الانبعاث
ليكون الانبعاث عن ذلك الخطاب المتقدم عليه (مدفوع) بأنه لو صح ذلك لصح في
نظيره أعني به العلة والمعلول التكوينيين بتقريب ان المعلول لو كان موجودا حين علته
لزم عليته للحاصل والا لزم كونها علة للمستحيل وكلاهما مستحيل فلقول بلزوم تقدم
الخطاب على الامتثال زمانا يستلزم القول بلزوم تقدم العلة التكوينية على معلولها زمانا
أيضا وهو واضح البطلان (والحل) في المقامين ان المعلول أو الامتثال إذا كان مفروض

1 - تقدم في ذلك البحث تفصيل الكلام في أن اخذ الموضوع مفروض الوجود لا ينافي تأخر
الشرط فراجع
289

الوجود في نفسه حين وجود العلة أو الخطاب فيلزم ما ذكر من المحذور واما إذا كان
فرض وجوده لا مع قطع النظر عنهما بل لفرض وجود علته أو لتحريك الخطاب إليه فلا
يلزم منه المقارنة الزمانية محذور أصلا (وبالجملة) الامتثال بالإضافة إلى الخطاب
كالمعلول بالإضافة إلى علته فلا مانع (1) من مقارنته إياه زمانا فلا موجب لفرض وجود
الخطاب قبله بآن ما هذا مضافا إلى أن المكلف إن كان عالما قبل الفجر مثلا بتوجه
وجوب الصوم إليه عند الفجر كفى ذلك في امكان تحقق الامتثال حين الفجر فوجوده
قبله لغو محض إذا لمحرك له (حينئذ) هو الخطاب المقارن لصدور متعلقه لا الخطاب
المفروض وجوده قبله إذ لا يترتب عليه اثر في تحقق الامتثال أصلا واما إذا لم يكن المكلف
عالما به قبل الفجر فوجود الخطاب في نفس الامر لا اثر له في تحقق الامتثال في ظرف
العمل فيكون وجوده لغوا أيضا ولأجل ما ذكرناه من عدم كفاية وجود التكليف واقعا
في تحقق الامتثال من المكلف في ظرفه بل لا بد فيه من وصول التكليف إليه ذهبنا إلى
وجوب تعلم الاحكام قبل حصول شرايطها الدخيلة في فعليتها فالقائل بلزوم تقدم الخطاب
على الامتثال قد التبس عليه لزوم تقدم العلم على الامتثال بلزوم تقدم الخطاب عليه (هذا)
مع أن تقدم الخطاب على الامتثال ولو آنا ما يستلزم فعلية الخطاب قبل وجود شرطه
فلا بد من الالتزام بالواجب المعلق وكون الفعل المقيد بالزمان المتأخر متعلقا للخطاب
المتقدم وقد عرفت استحالته في محله (هذا كله) مع أنه لا اشكال في صحة العبادات
الموسعة كالصلاة مثل إذا وقعت أول وقتها تحقيقا والقول بلزوم تقدم الخطاب على
زمان الامتثال آنا ما في المضيقات يستلزم القول بلزوم تقد مه عليه في الموسعات أيضا
إذ لا فرق في لزوم ذلك بين وجوب مقارنة الامتثال لأول الوقت كما في المضيقات وجوازها
كما في الموسعات مع أنهم لا يقولون بلزوم التقدم فيها فيكشف ذلك عن بطلان
الالتزام به في المضيقات أيضا والغرض من هذه المقدمة وابطال القول بلزوم التقدم
المزبور هو اثبات ان زمان شرط الامر بالأهم وزمان فعلية خطابه وزمان امتثاله أو
عصيانه الذي هو شرط للامر بالمهم كلها متحدة كما أن الشأن هو ذلك بالقياس إلى

1 - ما افاده قدس الله تعالى سره من امكان مقارنة الخطاب للامتثال زمانا وإن كان
متينا الا انه لا مانع من تقدمه عليه زمانا بناء على ما هو الصحيح من جواز الواجب المعلق
وقد ذكرنا في ما تقدم ضابط لزوم تقدم الخطاب على زمان الامتثال وعدم لزومه فراجع
290

الامر بالمهم وشرط فعليته وامتثاله أو عصيانه ولا تقدم ولا تأخر في جميع ما تقدم بالزمان
بل التقدم والتأخر بينها في الرتبة وعليه يتفرغ دفع جملة من الاشكالات التي أوردها
بعض من ذهب إلى لزوم التقدم المزبور على جواز الخطاب الترتبي (منها) أن عصيان
الامر بالأهم متحد مع زمان امتثال خطاب المهم فلا بد من فرض تقدم خطاب المهم على
زمان امتثاله وهو يستلزم الالتزام بالشرط المتأخر والواجب المعلق وكلا هما باطل
(وفيه) أولا أن هذا الاشكال مبنى على القول بلزوم تقدم الخطاب على الامتثال آنا ما وقد
عرفت فساده وان زمان الخطاب والامتثال هو بعينه زمان فعلية الشرط وهو العصيان بلا
تقدم زماني في البين ليلزم المحذور (وثانيا) ان الالتزام بلزوم تقدم الخطاب لا يختص
بالخطاب الترتبي بل هو على فرض صحته يعم جميع الواجبات الموسعة والمضيقة فما
به يندفع محذور الالتزام بالشرط المتأخر والواجب المعلق في غير المقام يندفع به المحذور
فيه أيضا بلا فارق في البين أصلا (ومنها) ان الشرط للامر بالمهم اما أن يكون نفس العصيان
أو كون المكلف ممن يعصى فيما بعد أعني به وصف التعقب بالعصيان والأول وان لم يكن
مستلزما لطلب الجمع فان الامر بالمهم على الفرض مرتب على تحقق العصيان في
الخارج ومضى زمان امتثال الامر بالأهم الا ان حدوث الامر بالمهم بعد سقوط الامر
بالأهم خلاف مفروض الخطاب الترتبي وخارج عن محل الكلام بداهة ان طلب أحد
الضدين بعد سقوط طلب الاخر مما لا اشكال في جوازه وصحته نظير الامر بالطهارة الترابية
بعد سقوط الامر بالطهارة المائية وما هو محل الكلام هو تقارن الامرين زمانا وكون
أحدهما متقدما على الاخر في الرتبة ففرض حدوث خطاب المهم بعد سقوط خطاب الأهم
خارج عن محل الكلام بالكلية (واما الثاني) فهو يستلزم وجود طلب المهم قبل زمان
عصيان خطاب الأهم الذي هو زمان امتثال خطاب المهم وذلك يستلزم طلب الجمع بين
الضدين إذ المفروض ان خطاب الأهم مطلق وفعلي وقد تحقق معه خطاب المهم بتحقق
شرطه فيكون كلا الضدين مأمورا به في آن واحد ويدفعه انا نختار الشق الأول وهو كون
نفس عصيان الامر بالأهم شرطا للامر بالمهم وتوهم استلزامه تأخر طلب المهم عن عصيان
الامر بالأهم زمانا انما يتم على القول بلزوم تأخر الخطاب عن شرطه وأما على ما حققناه
من مقارنة الخطاب لوجود شرطه فلا بد من فعلية خطاب المهم في زمان عصيان خطاب
291

الأهم بلا تقدم وتأخر بينهما خارجا وبما ان زمان العصيان هو بعينه زمان الامر بالأهم
فيكون زمان واحد ظرفا للامرين معا وبذلك يتضح ان كون العصيان بنفسه شرطا للامر
بالمهم لا يوجب خروج المورد عن محل الكلام كما توهم ومن الغريب ان العلامة الأنصاري
(قده) التزم في خصوص المقام بلزوم تأخر خطاب المهم عن العصيان زمانا بناء على كون
نفسه شرطا له مع أنه لا يلتزم بتأخر الحكم عن شرطه زمانا في غير محل الكلام ولا يعقل
التفاوت بين العصيان وغيره من الشروط في ذلك أصلا مثلا إذا فرضنا ان المسافر حرم
عليه قصد الإقامة في سفره في شهر رمضان فلو انه عصى وقصد الإقامة فلا محالة يكون وجوب
الصوم عليه مشروطا بأمرين الأول طلوع الفجر والثاني عصيانه لحرمة قصد الإقامة
فكما انه لا يتأخر خطاب الصوم عن طلوع الفجر زمانا كذلك لا يتأخر عن العصيان زمانا
من دون فرق بينهما أصلا نعم لا مناص عن تأخر خطاب المهم عن عصيان خطاب الأهم في
الرتبة لكنه لا يختص به بل لا بد منه في كل حكم بالقياس إلى مطلق شرايطه ولا دخل له فيما هو
محل الكلام في المقام أصلا.
فان قلت سلمنا ان زمان خطاب المهم هو زمان فعلية العصيان الا ان هذا الزمان هو
زمان سقوط خطاب الأهم فلا يجتمع الأمران في زمان واحد - قلت إن ذلك يبتنى
على القول بلزوم تقدم الخطاب على الامتثال زمانا فإنه عليه لا بد من تقدمه على العصيان
أيضا فان العصيان والامتثال يتواردان على موضوع واحد وزمان أحدهما هو بعينه الزمان
الذي يمكن ان يقع فيه الآخر فإذا كان الخطاب متقدما على الامتثال فلا بد من تقدمه
على العصيان أيضا ولكنك قد عرفت بطلان هذا المبنى وان زمان الامتثال أو العصيان
متحد مع زمان الخطاب إذ لا معنى لامتثال الخطاب المعدوم أو عصيانه فيكون زمان
فعلية العصيان هو زمان الامر بالأهم فيجتمع الأمران في زمان واحد نعم عصيان الخطاب
في ظرفه المنقضى يوجب سقوطه لخروج زمانه لكنه خارج عن محل الكلام إذ
المفروض فيه ان شرط فعلية خطاب المهم هو العصيان المقارن لا المتقدم المنصرم
بانصرام ظرفه كما عرفت فظهر مما ذكرناه ان زمان فعلية العصيان هو زمان الامر بالأهم
وزمان الامر بالمهم وزمان امتثاله أو عصيانه (ثم إنه) أو تنزلنا عما اخترناه والتزمنا
بكون وصف التعقب بالعصيان شرطا لفعلية خطاب المهم المتقدم على زمان امتثاله
292

لما استلزم ذلك طلب الجمع بين الضدين كما توهم بداهية ان عنوان التعقب بالمعصية
انما ينتزع من المكلف بلحاظ تحقق عصيانه في ظرفه المتأخر فإذا فرض وجود المعصية
في ظرفها وكون التعقب بها شرطا لخطاب المهم فيكون الحال فيه بعينه الحال في فرض كون
نفس العصيان شرطا لطلب المهم بلا تفاوت بينهما أصلا وعليه فلا يكون اجتماع الطلبين
كذلك في زمان واحد مستلزما لطلب الجمع بين المتعلقين كما توهم وبالجملة فرض
تحقق امتثال طلب الأهم في ظرفه هادم لشرط خطاب المهم فكيف يمكن أن يكون
المهم مطلوبا في فرض وجود الأهم ليرجع الامر إلى طلب الجمع بين الضدين ثم إن
ما ذكرناه من أن زمان خطاب المهم وامتثاله متحد مع زمان عصيان خطاب الأهم انما
هو فيما إذا كان التزاحم بين واجبين مضيقين كما إذا دار الامر بين انقاذ غريقين كان أحدهما
أهم من الآخر واما إذا كان خطاب المهم موسعا فبناء على امتناع الخطاب الترتبي
يخرج الفرد المزاحم عن اطلاق الواجب الموسع مطلقا واما بناء على امكانه فيكون
خروجه وعدم شمول الاطلاق له مشروطا بامتثال خطاب الأهم فعلى تقدير عصيانه يكون
هذا الفرد مشمولا للاطلاق أيضا وعلى كل حال فالشرط مقارن لمشروطه زمانا غاية الأمر
ان المهم إذا كان مضيقا كان المشروط بعصيان خطاب الأهم هو أصل خطاب المهم و
إذا كان موسعا كان المشروط به اطلاقه للفرد المزاحم دون أصله
المقدمة الرابعة وهي أهم المقدمات ان انحفاظ الخطاب في تقدير ما انما يكون بأحد وجوه ثلاثة
(الأول) أن يكون مشروطا بوجود ذلك التقدير أو يكون مطلقا بالإضافة إليه وهذا انما يكون
في موارد الانقسامات السابقة على الخطاب مثلا خطاب الحج يكون محفوظا
في ظرف الاستطاعة لكونه مشروطا بها كما أن خطاب الصلاة يكون محفوظا في ذلك
التقدير لكونه مطلقا بالإضافة إليها وقد ذكرنا في بحث التعبدي والتوصلي ان كل خطاب
من الملتفت إلى الانقسامات السابقة على الخطاب لابد من أن يكون بالإضافة إليها اما
مطلقا أو مقيدا فالاطلاق كالتقييد حينئذ يكون لحاظيا (الثاني) أن يكون الخطاب بالإضافة
إلى ذلك التقدير مطلقا بنتيجة الاطلاق أو يكون مقيدا به بنتيجة التقييد وهذا إنما
يكون في الانقسامات المتأخرة عن الخطاب اللاحقة له والموجب لهذا النحو من التقييد
أو الاطلاق هو تقيد الغرض القائم بالمأمور به بوجود ذلك التقدير أو اطلاقه بالإضافة
293

إليه والكاشف عن كل من الاطلاق والتقييد في هذا المقام انما هو الدليل الخارجي
فقد يدل على الاطلاق كما دل على ثبوت الأحكام الشرعية في كلتا حالتي العلم والجهل
بها في غير الجهر والاخفات والقصر والتمام وقد يدل على تقيد الغرض بحال دون
حال كما دل الدليل على اختصاص ملاك وجوب القصر ووجوب الجهر أو الاخفات بالعالم
بوجوبها فالخطاب غير ثابت في ظرف الجهل ويسمى هذا القسم من الاطلاق بالاطلاق الذاتي
والملاكي لاستحالة الاطلاق اللحاظي في موارده كما مر توضيحه (1) في البحث المذكور
(الثالث) أن يكون الخطاب بنفسه مقتضيا لوضع ذلك التقدير أو لرفعه فيكون
محفوظا في الصورتين لا محالة وهذا القسم مختص بباب الطاعة والمعصية فان الاطلاق
والتقييد بقسميهما أعني بهما الذاتي واللحاظي مستحيلان في هذا الباب اما استحالة
التقييد فلان وجوب فعل لو كان مشروطا بوجوده لا ختص طلبه بتقدير وجوده خارجا
وهو طلب الحاصل ولو كان مشروطا بعدمه لاختص طلبه بتقدير تركه وهو طلب الجمع
بين النقيضين وعلى كل من التقديرين يكون طلبه محالا فإذا كان التقييد بكل من
التقديرين محالا كان الاطلاق بالإضافة إليهما أيضا محالا إذ لاطلاق في قوة التصريح
بكلا التقديرين فيكون فيه (2) محذور طلب الحاصل والمحال معا وقد أشرنا في

1 - وقد مر في البحث المزبور انه لا مناص في جميع موارد الانقسامات الأولية و
الثانوية من الاطلاق أو التقييد وانه لا يعقل الاهمال في الواقع ومقام الثبوت مطلقا و
ان استحالة كل من الاطلاق والتقييد تلازم كون الاخر ضروريا وعلى ذلك فلا يبقى موضوع
للاطلاق الذاتي أصلا
2 - لا يخفى ان الاطلاق وإن كان في قوة التصريح بثبوت الحكم على كل تقدير
إلا أنه لا يترتب عليه المحذور المترتب على التقييد وذلك لما عرفت ان تقييد الحكم بقيد
واشتراطه به يستدعي تأخره عنه وتوقف فعليته على فرض وجوده فيستحيل تقييد الحكم
بوجود متعلقه لأنه من طلب الحاصل كما أنه يستحيل تقييده بعدم متعلقه لأنه من طلب
المحال وهذا بخلاف اطلاق الحكم بالإضافة إلى كل من تقديري وجود متعلقه وعدمه
فإنه وإن كان مستلزما لثبوت الحكم في كل من التقديرين إلا أنه لأجل عدم اعتبار وجود
المتعلق وعدمه في فعلية الحكم لا من جهة اعتبار كل منهما فيها ومن الواضح ان المستحيل
هو دخل وجود متعلق الطلب أو عدمه في فعليته وأما عدم دخلهما فيها فهو ضروري
لا مستحيل وقد أشرنا آنفا إلى أنه لا ملا زمة بين استحالة التقييد واستحالة الاطلاق أصلا
وعلى ذلك فانحفاظ الخطاب في تقدير مالا مناص عن استناده إلى التقييد أو الاطلاق
اللحاظيين بالإضافة إلى ذلك التقدير وليس للقسم الثاني والثالث من انحفاظ الخطاب
في تقدير ما موضوع أصلا (ثم لا يخفى) انه لا دخل لهذه المقدمة في اثبات صحة الترتب
بل قوامه انما هو بما سيجيئ من أن الخطابين وان كانا فعليين في زمان واحدا لا أنه لا تدافع
بينهما بوجه أصلا لان خطاب الأهم لا يقتضى الا وجود الأهم من دون تعرض له إلى وجود
شئ آخر وعدمه على تقدير عصيانه وتحقق ترك الأهم في الخارج كما أن خطاب المهم
لا يقتضى ترك الأهم لأنه موضوعه وشرطه وانما يقتضى وجود المهم على تقدير ترك
الأهم في نفسه ومع قطع النظر عن طلب المهم فكل من الخطابين يقتضى شيئا أجنبيا عما
يقتضيه الاخر فلا تنافى بين فعليتهما أصلا وسيجيئ لذلك مزيد توضيح انشاء الله تعالى.
294

البحث المذكور إلى أن تقابل الاطلاق والتقييد انما هو تقابل العدم والملكة وان
امتناع التقييد يساوق امتناع الاطلاق وتوهم ان انقسام المكلف إلى المطيع والعاصي
انما هو من الانقسامات اللاحقة للخطاب المتأخرة عنه فيكون انحفاظ الخطاب في كلا
التقديرين من باب نتيجة الاطلاق مدفوع بان الانقسام المذكور وإن كان من الانقسامات
اللاحقة الا ان محل الكلام هو الاطلاق بالإضافة إلى منشأ انتزاع هذين العنوانين
أعني به الفعل والترك ومن الواضح ان الانقسام بالإضافة إلى حالتي الفعل والترك ليس
من الانقسامات اللا حقة غير القابلة للحاظ الحاكم بداهة انه لا بد له من أن يلاحظ حال
الخطاب حالتي الفعل والترك ليكون خطا به بعثا إلى أحد التقديرين وزجرا عن
الآخر فظهر مما ذكرناه ان حال الخطاب بالإضافة إلى حالتي كون المكلف فاعلا وتاركا
كحال (1) حمل الوجود أو العدم على المهية فكما لا يعقل أن تكون المهية المقيدة بالوجود أو

1 - لا يخفى ان حمل الوجود أو العدم على الماهية عبارة عن الاخبار عن اتصاف المهية
في الخارج بالوجود أو بالعدم فكما ان معروض الوجود أو العدم انما هو نفس
الماهية التي هي في ذاتها ليست إلا هي والوجود والعدم خارجان عن ذاتها
وذاتياتها كذلك موضوع القضية التي حمل فيها الوجود أو العدم على المهية هي نفسها أيضا
فان الحكاية انما هي على طبق الواقع والمحكى عنه وهذا بخلاف طلب الشيئ الملحوظ
تقيده بشئ أو عدم تقيده به ولو كان ذلك الشيئ وجود متعلق الطلب أو عدمه نعم الطلب
انما يتعلق بنفس الطبيعة التي هي في نفسها لا مطلوبة ولا غير مطلوبة فتكون بتعلق الطلب
بها مطلوبة كما هو الحال في عروض الوجود على المهية وبالجملة قياس عدم تقيد الماهية
المحمول عليها الوجود أو العدم بالوجود أو العدم وعدم اطلاقها بالإضافة إليهما بعدم تقيد
الطلب بوجود متعلقه أو بعدمه وعدم اطلاقه بالإضافة إليهما كما أفيد في المتن قياس مع الفارق
295

العدم أو المطلقة بالإضافة إليهما موضوعا في مقام حمل الوجود أو العدم عليها بل لابد
من أن يكون الموضوع في هذا المقام نفس الماهية المعراة عن لحاظ الاطلاق والتقييد
كذلك لا يعقل أن يكون موضوع الخطاب هو المكلف المقيد بكونه فاعلا أو المقيد بكونه
تاركا أو المطلق بالإضافة إليهما والفرق بين انحفاظ الخطاب في هذا القسم وانحفاظه
في القسمين السابقين انما هو من جهة ان انحفاظ الخطاب في هذا القسم لأجل انه من
لوازم ذاته حيث إن تعلق الخطاب بشئ بذاته يقتضى وضع تقدير وهدم تقدير آخر
سواء كان الخطاب وجوبيا أو تحريميا فان الأول يقتضى وضع تقدير الوجود وهدم تقدير
العدم كما أن الثاني يقتضى وضع تقدير العدم وهدم تقدير الوجود وهذا بخلاف انحفاظ
الخطاب في القسمين السابقين فإنه من جهة التقييد بذلك التقدير أو الاطلاق بالإضافة
إليه والا فذات الخطاب بالحج أو الصلاة مثلا لا يقتضى انحفاظه في تقدير الاستطاعة بنفسه
ويترتب على الفرق من هذه الجهة امران (الأول) ان نسبة التقدير المحفوظ فيه الخطاب
بالإضافة إليه في القسمين الأولين نسبة العلة إلى معلولها اما في موارد التقييد فهو واضح
لما ذكرناه من أن مرجع كل تقدير كان الخطاب مشروطا به إلى كونه مأخوذا في موضوعه
وقد عرفت ان رتبة الموضوع من حكمه نظير رتبة العلة من معلولها واما في موارد
الاطلاق فلما ذكرناه (1) من اتحاد مرتبة الاطلاق والتقييد إذ الاطلاق عبارة عن عدم
التقييد في مورد قابل له فإذا كانت مرتبة التقييد سابقة على مرتبة الحكم المقيد به كانت
مرتبة الاطلاق أيضا كذلك واما في هذا القسم فنسبة التقدير المحفوظ فيه الخطاب
بالإضافة إليه نسبة المعلول إلى العلة وذلك لما مر مرارا من أن الخطاب له نحو علية

1 - لا يخفى ان تقييد الحكم بشئ وإن كان يقتضى تأخر فعلية الحكم عن تحقق ذلك الشيئ
طبعا الا ان اطلاق الحكم بالإضافة إلى شئ لا يقتضى التأخر المزبور وذلك لما عرفت
سابقا من أن الاطلاق عبارة عن عدم دخل قيد ما في فعلية الحكم من الضروري ان تأخر حكم
عماله دخل في فعليته لا يستلزم تأخره عما ليس له دخل فيها وكون نفس الاطلاق والتقييد
في مرتبة واحدة وإن كان صحيحا الا انه أجنبي عما نحن فيه وهو اثبات تأخر ذات الحكم
عما يكون الحكم مطلقا بالإضافة إليه كما أنه كان متأخرا عنه لو كان مقيدا به هذا مضافا إلى
ما تقدم سابقا من أن تقدم شئ على شئ لا يقتضى تقدم ما يكون متحدا مع المتقدم في الرتبة
على ما هو متأخر عن ذلك المتقدم فان التقدم والتأخر لا بد من أن يكونا بملاك يقتضيهما
وقد ذكرنا ان وجود العلة متقدم على معلولها واما عدم العلة فهو وإن كان في مرتبة وجودها
الا أنه لا موجب لتقد مه على وجود المعلول أصلا
296

بالإضافة إلى الامتثال لان الخطاب هو الذي يقتضى وضع أحد التقديرين وهدم الآخر
فتكون نسبته إلى التقدير المحفوظ فيه نسبة العلية لا محالة فإذا كان نسبة الحكم
إلى الامتثال نسبة العلة إلى معلولها كان الحال ذلك بالإضافة إلى (1) العصيان أيضا لأن مرتبة
العصيان هي بعينها مرتبة الامتثال (الثاني) ان نسبة التقدير المحفوظ فيه الخطاب في
القسمين الأولين بما انها نسبة الموضوع إلى حكمه كما عرفت فلا محالة لا يكون الخطاب
متعرضا لحاله أصلا وضعا ورفعا مثلا خطاب الحج لا يكون متعرضا لحال الاستطاعة
بان يكون مقتضيا لوجودها أو عد مها وانما هو يتعرض حال الحج باقتضاء وجوده على
تقدير وجود الاستطاعة بأسبابها المقتضية لها فلا نظر له إلى ايجادها وعدم ايجادها وهذا
بخلاف التقدير المحفوظ فيه الخطاب في هذا القسم فإنه بنفسه متعرض لحال ذلك
التقدير وضعا ورفعا إذا المفروض انه هو المقتضى لوضع أحد التقديرين ورفع الآخر
(فتحصل) ان انحفاظ الخطاب في هذا القسم وفي القسمين الأولين من الجهتين المذكورتين
على طرفي النقيض ومن ذلك يظهر ان انحفاظ (2) خطاب الأهم في ظرف العصيان انما

1 - تأخر عصيان الخطاب عن نفس الخطاب وإن كان صحيحا لأنه متوقف ومتفرع
عليه الا ان ملاك تأخره عنه هو ذاك كما هو الملاك في تأخر الامتثال عن الخطاب أيضا
واما ما أفيد في المتن من كون ملاكه هو اتحاد رتبة العصيان مع رتبة الامتثال المتأخرة عن
الخطاب فقد ظهر ما فيه مما ذكرناه آنفا هذا فيما إذا لوحظت النسبة بين الخطاب وعنواني
الامتثال والعصيان واما إذا لوحظت النسبة بين الخطاب وما هو المنشأ لانتزاع هذين
العنوانين أعني به نفس الفعل والترك فلو سلم تأخر الفعل عن الخطاب بوجه لكونه كالمعلول
بالقياس إليه فلا يسلم تأخر عدمه عن الخطاب لأجل اتحاد العدم والوجود في الرتبة على
ما عرفت وجه ذلك آنفا
2 - هذا البيان هو الذي يدور عليه جواز الترتب ولا يتوقف صحته على شئ مما ذكر في هذه
المقدمة كما أشرنا إليه وسيأتي له مزيد توضيح انشاء الله تعالى
297

هو من جهة اقتضائه لرفع هذا التقدير وهد مه من دون أن يكون له نظر إلى شئ آخر على
هذا التقدير بخلاف خطاب المهم فإنه لا نظر له إلى وضع هذا التقدير ورفعه لأنه شرطه
وموضوعه وقد عرفت انه يستحيل ان يقتضى الحكم وجود موضوعه أو عد مه وانما هو
يقتضى وجود متعلقه على تقدير عصيان خطاب الأهم فلا الخطاب بالمهم يعقل ان يترقى
ويصعد إلى مرتبة الأهم ويكون فيه اقتضاء لموضوعه ولا الخطاب بالأهم يعقل ان
يتنزل ويقتضي شيئا آخر غير رفع موضوع خطاب المهم فكلا الخطابين وان كانا محفوظين في
ظرف العصيان ومتحدين زمانا إلا انهما في مرتبتين طوليتين ونظير ذلك في التكوينيات
هو أن يكون هناك مقتضيان أحدهما يقتضى تحريك جسم عن مكان والاخر يقتضى تسويده
على تقدير حصوله في ذلك المكان من دون أن يكون فيه اقتضاء لحصوله فيه فكما لا تعقل
المزاحمة بين المقتضيين التكوينيين في هذا المثال ونحوه كذلك لا تعقل المزاحمة
في المقتضيين التشريعيين في محل الكلام وليس الموجب لعدم المزاحمة الا أن أحد
المقتضيين ليس في مرتبة الاخر أد المقتضى الأول يقتضى هدم تقدير نسبته إلى المقتضى
الاخر نسبة الموضوع إلى حكمه لأن المفروض ان اقتضاءه للتسويد انما هو في فرض حصول
الجسم في ذلك المكان فالمقتضى الرافع له هادم لموضوع اقتضاء التسويد لا انه مزاحم له
في مرتبة اقتضائه فطلب الأهم يقتضى هدم موضوع طلب المهم من دون ان يقتضى شيئا
آخر على تقدير عدم تحقق مقتضاه في الخارج واما طلب المهم فهو لا يقتضى وجود موضوعه
ووضعه وانما يقتضى وجود المهم على تقدير تحقق موضوعه فليس الطلبان في عرض واحد
لتقع المزاحمة بينهما من جهة امتناع الجمع بين متعلقيهما في زمان واحد
المقدمة الخامسة في تشخيص محل الكلام في بحث الترتب واثبات ان القول
بالترتب لا يترتب عليه محذور طلب الجمع بين الضدين كما توهم فإنه انما يترتب على اطلاق
الخطابين دون فعليتهما (فنقول) ان الشرط الذي يترتب عليه الخطاب اما ان لا يكون
قابلا للتصرف الشرعي لكونه خارجا عن اختيار المكلف بالكلية نظير كسوف الشمس و
زوالها ونحوهما واما أن يكون قابلا لذلك (اما القسم الأول) فكل خطاب فرض مقارنا
في الزمان للخطاب المترتب على ذلك الشرط لا بد من أن يكون في عرضه من هذه الجهة
ويستحيل أن يكون متعرضا لحال موضوعه رفعا أو وضعا لكونه غير مقدور كما هو
298

المفروض وحينئذ فإن كان كل من الخطابين مشروطا بعدم الاتيان بمتعلق الاخر أو كان
أحدهما مشروطا بذلك فيستحيل وقوع متعلقيهما في الخارج على صفة المطلوبية وتعلق
الطلب بالجمع بينهما ولو كان ممكنا في نفسه فلو اتى المكلف بهما بداعي المطلوبية لكان
مشرعا لا محالة واما إذا كانا مطلقين من هذه الجهة فاجتماع الطلبين في الزمان يستلزم
طلب الجمع بين متعلقيهما فإن كان ممكنا فلا اشكال ولا فتقع المزاحمة بينهما قهرا
فيحكم العقل بالتخيير بينهما كما مر (فتحصل) ان طلب الجمع في هذا الفرض انما هو
نتيجة اطلاق الخطابين دون فعليتهما (واما القسم الثاني) فاما أن لا يكون أحد
الخطابين المجتمعين في الزمان ناظرا إلى
ذلك وعلى الأول فحكمه حكم القسم الأول بعينه فان موضوع الخطاب وإن كان
قابلا للتصرف الشرعي لكونه تحت الاختيار الا أن الخطاب الاخر لما لم يكن ناظرا إلى
رفعه بل هو أجنبي عنه كان الخطابان عرضيين من هذه الجهة لا محالة فيجرى فيه ما ذكرناه
في القسم الأول وان طلب الجمع انما هو من لوازم اطلاق الخطابين فيكونان متزاحمين
عند عدم امكان الجمع بين المتعلقين فيحكم العقل بالتخيير بينهما (وتوهم) انه لا محذور
في طلب الجمع في هذا الفرض وإن كان الجمع غير مقدور عليه للمكلف نظرا إلى
تمكنه من عدم ايجاد شرط أحد الخطابين وهو طلب المهم في محل الكلام فيمكنه ان لا
يقع في محذور المخالفة (مدفوع) بأن القدرة التي هي شرط التكليف انما هي القدرة
على متعلق التكليف في فرض وجود موضوعه لا القدرة على الموضوع فان التكليف كما
ذكرناه مرارا انما هو لتحريك المكلف نحو الفعل الخارجي فيستحيل التكليف عند
عدم القدرة على متعلقه ولو كان موضوع التكليف مقدورا له فالمولى الحكيم لا يمكنه
الامر بالطيران إلى الهواء ولو كان ذلك مشروطا بأمر اختياري كصعود المكلف إلى السطح
فان الصعود إلى السطح وإن كان مقدورا له الا ان الطيران إلى الهواء بما انه يستحيل
صدوره منه يستحيل تحريكه إليه وتوهم عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار كما
نسب إلى أبي هاشم مضافا إلى أنه ممنوع في نفسه كما تقدم وانما المسلم من عدم المنافاة
عدمها بالإضافة إلى العقاب دون الخطاب أجنبي عن المقام رأسا فان التوهم المزبور
انما هو فيما إذا كان الفعل المأمور به مقدورا في حد ذاته وامتنع بالاختيار لا فيما إذا
299

كان ممتنعا في نفسه وكان شرط الخطاب المتعلق به مقدورا للمكلف فان أبا هاشم أيضا
لا يلتزم بصحة الخطاب في هذا الفرض (ومنه يظهر) ان اسناد صحة الخطاب الترتبي إلى
السيد المحقق العلامة الشيرازي (قده) بتقريب انه وإن كان يستلزم طلب الجمع إلا أنه
لا محذور فيه لتمكن المكلف من التخلص عنه بتركه العصيان ليس مطابقا للواقع
بل يستحيل صدور ذلك منه (قده) ولعله (قده) قد تعرض في ضمن بحث الترتب لكون
العصيان أمرا اختياريا لمناسبة مقتضيه له فتوهم المتوهم انه (قده) أراد بذلك تصحيح
الخطاب الترتبي وبالجملة القائل بالترتب انما يقول به لأنه يرى أنه لا يستلزم طلب الجمع
لا أنه يقول بجواز طلب الجمع بين الضدين فيما إذا كان موضوع أحد الطلبين تحت اختيار
المكلف وقدرته فعصيان خطاب الأهم وإن كان اختياريا إلا أنه لا يصحح التكليف بأمر
غير مقدور لان استحالة طلب المحال ولو كان مشروطا بأمر اختياري كادت أن تكون
من البديهيات (فتحصل) ان حال هذا القسم هي حال القسم الأول بعينها وان طلب الجمع
انما هو من لوازم اطلاق الخطابين دون فعليتهما (وعلى الثاني) أعني به ما إذا كان أحد
الخطابين فيه ناظرا إلى رفع موضوع الاخر فاما أن يكون أحد الخطابين فيه ناظرا
إلى اعدام موضوع الاخر دفعا فقط أو دفعا ورفعا اما مطلقا أو في برهة من الزمان و
الأول انما يتصور فيما إذا كان الموضوع القابل للتصرف بصرف حدوثه شرطا للتكليف
كالسفر والحضر المشروط بهما وجوب القصر والاتمام بناء على أن الملاك في وجوبهما
واستقرارهما في الذمة هو حال التكليف لا حال الأداء (والثاني) انما يتصور فيما إذا كان
الموضوع المذكور شرطا حدوثا وبقاء وهذا كالمثالين المذكورين بناء على أن الملاك
فيهما هو حال الأداء (والثالث) انما يتصور فيما إذا كان الموضوع القابل للتصرف شرطا
حدوثا وبقاء في الجملة وهذا كالاستطاعة المشروط بها استقرار وجوب الحج وكالحضر
المشروط به وجوب الصوم فان استقرار وجوب الحج مشروط ببقاء الاستطاعة برهة من
الزمان على الخلاف في تحديد مقدارها والمسألة محررة في الفقه كما أن وجوب الصوم
مشروط ببقاء الحضر إلى الزوال وفي تمام هذه الأقسام اما أن يكون أحد الخطابين رافعا
لموضوع الخطاب الاخر بنفس وجوده أو بامتثاله اما الأول فهو خارج عن محل البحث
بالكلية ويستحيل اجتماع خطابين كذلك في زمان واحد فان المفروض ان أحد الخطابين
300

رافع لموضوع الاخر بنفسه فكيف يمكن فرض اجتماعه معه مضافا إلى أن فرض
الاجتماع يستلزم فرض الشيئ قبل وجود موضوعه وفي مرتبة رافعه وهو يستلزم تقدم
الشيئ على نفسه بمرتبتين لأن المفروض (1) ان مرتبة موضوعه متأخرة عن الخطاب
الرافع له بمرتبة وهو متأخر عن موضوعه بمرتبة واحدة أيضا ففرضه في عرض الخطاب
الرافع لموضوعه يستلزم تقدمه على نفسه بمرتبتين ومثال ذلك ما إذا تعلق خطاب باخراج
ناقة واحدة مثلا زكاة قبل تمام سنة التجارة فان تعلق الخطاب باخراج نفس العين
يخرجها عن عنوان فاضل المؤنة الذي هو موضوع وجوب الخمس كما أن سنة التجارة
لو فرض كمالها قبل تمامية حول الزكاة يكون وجوب اخراج الخمس من النصاب مخرجا
له عن كونه طلقا بمشاركة الفقير إياه في ذلك المال فيخرج بذلك عن موضوع وجوب
الزكاة هذا بالنسبة إلى الخطاب المتعلق باخراج نفس العين وصرفها في مصرفها واما
الخطاب المتعلق بتفريغ الذمة عما اشتغلت به لأجل دين صرف في مؤنة سنة التجارة فهو أيضا
يخرج المال عن عنوان فاضل المؤنة واما إذا كان لأجل دين سابق صرف في غير مؤنة سنة التجارة
فنفس الخطاب فيه لا يخرج المال الموجود عن عنوان فاضل المؤنة نعم أداء الدين السابق
في سنة التجارة وامتثال طلبه يحسب من المؤن ويخرج به المال عن العنوان المذكور قطعا
فهذا القسم يدخل في القسم الآتي الذي يكون فيه ارتفاع موضوع أحد الخطابين بامتثال الخطاب
الاخر دون نفسه واما الضمانات التي تحدث في سنة التجارة من اتلاف مال الغير ونحو ذلك
ففي كون الخطابات الناشئة منها رافعة لموضوع وجوب الخمس بنفسها وبامتثالها قولان
أقواهما الثاني فتكون داخلة في القسم الآتي أيضا هذا ما يتعلق بباب الخمس واما ما يتعلق
بباب الحج فكل خطاب مالي تعلق بالعين أو بالذمة يكون بنفسه مانعا عن تحقق الاستطاعة
ورافعا لها تشريعا ولو فرضنا كون ما في الذمة مؤجلا ولم يحل اجله بناء على ما هو الأقوى

1 - لا يخفى ان ما هو المفروض انما هو تأخر ارتفاع موضوع أحد الخطابين عن نفس الاخر
وقد عرفت فيما تقدم ان تأخر شئ عن شئ لا يقتضى تأخر نقيض الشيئ المتأخر عن الشيئ
المتقدم وعليه فلا وجه لما أفيد في المتن من استلزام اجتماع الخطابين المفروض كون أحدهما
بنفسه رافعا لموضوع الآخر لتقدم الشيئ على نفسه بمرتبتين نعم ما أفيد أولا في وجه
استحالة ذلك وحاصله ان فعلية الحكم بما انها تتوقف على وجود موضوعه لا محالة تكون
مستحيلة في فرض وجود الرافع لموضوعه في غاية الجودة والمتانة
301

عندنا من اشتراط الرجوع إلى الكفاية واما على القول الآخر فلا يكون الدين المؤجل
مانعا عن الاستطاعة فعلا وبالجملة كل مورد فرض فيه كون الخطاب بنفسه رافعا لموضوع
الخطاب الاخر يستحيل تحققه معه ولو فرض عصيانه فلا يجب الحج على من لا يفي ماله
بأداء دينه ومصارف طريقه وإن كان عاصيا لخطاب أداء ديونه ويكون حال هذا القسم حال
الامارات بالنسبة إلى الاحكام الظاهرية فكما انه مع ورود الامارة لا يبقى مجال لجريان
الأصل لانتفاء موضوعه بورودها كذلك لا يبقى مع تحقق أحد الحكمين مجال الحكم الاخر لانتفاء
موضوعه بذلك على الفرض واما القسم الثاني وهو الذي يكون فيه أحد الخطابين رافعا لموضوع
الاخر بامتثاله لا بخطابه ويكون المطلوب فيه في الحقيقة هو هدم موضوع الخطاب الاخر
فهو الذي وقع الكلام فيه جوازا وامتناعا باعتبار ان توجه خطابين كذلك إلى مكلف
واحد في زمان واحد يستلزم طلب الجمع بين المتعلقين أو لا يستلزم ذلك وعليه (فنقول)
لا اشكال في وقوع خطابين كذلك في جملة من المسائل الفقهية وانكار ذلك يساوق
انكار الضروريات الفقهية (منها) ما إذا حرمت الإقامة على المسافر في مكان مخصوص
فإنه مع كونه مكلفا فعلا بترك الإقامة وهدم موضوع وجوب الصوم مكلف بالصوم قطعا
على تقدير عصيانه لهذا الخطاب وقصده الإقامة ولا يمكن لاحد الالتزام بعدم وجوب الصوم
عليه على تقدير قصده الإقامة عصيانا فالخطاب بترك الاقامه خطاب بهدم موضوع وجوب
الصوم دفعا ورفعا إلى الزوال ولكنه على تقدير تحقق عصيان هذا الخطاب يكون المكلف
محكوما عليه بالصوم لا محالة هذا بناء على كون قصد الإقامة قاطعا لحكم السفر واما
بناء على قطعه لموضوعه فيكون وجوب الصوم مترتبا على عنوان الحضر المترتب على
عصيان حرمة قصد الإقامة ولا فرق في امكان الخطاب الترتبي وامتناعه بين أن يكون
أحد الخطابين مترتبا على نفس عصيان الخطاب الآخر أو على معلوله وما يترتب عليه
هذا بالنسبة إلى ما قبل الزوال وأما بالنسبة إلى ما بعده فلا تكون حرمة قصد الإقامة
خطابا بهدم موضوع وجوب الصوم لاستقرار الوجوب عليه حينئذ وان سافر نعم يكون
الخطاب بترك قصد الإقامة خطابا بهدم موضوع وجوب اتمام الصلاة فإنه إذا عصى هذا
الخطاب بقصده الإقامة كان مكلفا بوجوب اتمام الصلاة قطعا فامتثال التكليف بترك
قصد الإقامة هو الذي يكون دافعا لموضوع وجوب الاتمام واما كونه رافعا له فيبتنى
302

على القول بكون وجوب الاتمام والقصر دائرا مدار حال الأداء كما هو الأقوى واما على
القول بكونهما تابعين لحال المكلف أول وجوب الصلاة فيتمحض امتثال الخطاب المزبور
في كونه دافعا وبالجملة الالتزام بالخطاب الترتبي في أمثال ذلك من الفروع الفقهية
مما لا مناص عنه وتوهم ان اجتماع الخطابين كذلك يستلزم طلب الجمع بين الضدين
انما نشأ من عدم تعقل حقيقة الخطاب الترتبي والا فامكانه وعدم استلزامه لطلب الجمع
بعد تعقل موضوعه لعله من الواضحات (وبيانه) ان طلب الجمع اما أن يكون بمعنى تعلق
طلب واحد بالجمع بين فعلين في الخارج ومن الواضح ان القول بالترتب لا يستلزم
القول بذلك واما أن يكون بمعنى تعلق طلبين بفعلين على نحو يكون كل منهما مطلوبا
في ظرف طلب الآخر ليرجع الامر إلى طلب واقع الجمع وحقيقته وان لم يتعلق طلب
به بعنوانه وهذا هو الذي توهم لزومه لترتب أحد الخطابين على عصيان الآخر ولكن
الصحيح ان القول بصحة الترتب لا يستلزم ذلك ضرورة ان طلب الجمع كذلك انما يتحقق
بأحد أمور ثلثة ليس شئ منها بمتحقق في المقام (الأول) أن يكون متعلق كل من الخطابين
مقيدا بحال امتثال الخطاب الاخر كما إذا فرضنا ان الصوم المقارن لامتثال خطاب الصلاة
هو المتعلق للوجوب وكذلك العكس فيكون المأمور به بحسب النتيجة هو الاتيان
بكل منهما مع الاخر (الثاني) أن يكون متعلق أحد الخطابين مقيدا بذلك دون الاخر
كتقييد القراءة بكونها حال القيام دون العكس فيكون امتثال خطابها مقيدا بامتثال
خطابه فيتحقق هناك أيضا طلب الجمع لا محالة (الثالث) أن يكون كل من الخطابين
مطلقا بالإضافة إلى الاتيان بمتعلق الاخر كما في الصوم والصلاة فان وجوب كل منهما
مطلق بالإضافة إلى امتثال الاخر وعدمه فعند تحقق امتثال أحد الخطابين يكون
الاتيان بمتعلق الخطاب الاخر مطلوبا أيضا فتكون النتيجة هو طلب الجمع بينهما واما
إذا فرضنا ان أحد الخطابين مشروط بعدم الاتيان بمتعلق الاخر كما في المقام فيستحيل
أن تكون نتيجة فعلية الخطابين طلب الجمع لان فعلية الخطاب المشروط اما أن تكون
على نحو انشائه فتكون مطلوبية متعلقة في ظرف ترك متعلق الاخر وهذا نقيض طلب
الجمع ومعانده فعليه يستحيل وقوع الفعلين معا على صفة المطلوبية وإن كان المكلف
متمكنا من الجمع بينهما في الخارج واما ان لا تكون كذلك بان يتخلف مقام الفعلية
303

عن مقام الانشاء فالخطاب في مرحلة الانشاء وان فرض كونه مشروطا بعدم الاتيان بمتعلق
الاخر الا انه في مقام الفعلية يتخلف عما كان عليه ويكون مشروطا بالاتيان بمتعلق الاخر أو مطلقا
بالإضافة إليه وعلى كلا التقديرين ففعلية الخطابين وإن كانت تستلزم طلب الجمع إلا أنه
يستحيل تخلق مقام الفعلية عن مقام الانشاء لما قد عرفت من أنه يستحيل خروج الواجب
المشروط بعد حصول شرطه إلى الاطلاق فضلا عن كونه في مقام الفعلية مشروطا بنقيض
ما كان مشروطا به في مقام الانشاء وعلى ذلك فالخطاب بالمهم بما انه فرض اشتراطه
بترك الأهم فيستحيل أن يكون بعثا إليه في فرض وجود الأهم ليكون لازم
فعلية الخطابين عند تحقق عصيان خطاب الأهم هو طلب الجمع بينهما (وبالجملة) فرض
اشتراط طلب المهم بترك الأهم وفرض كونه مطلوبا معه لا يجتمعان بل إن لازم اجتماع
الفرضين هو استلزام الشيئ لنقيضه واجتماع الشيئ مع علة عدمه وكلاهما مستحيل
(توضيح) ذلك (1) ان طلب المهم إذا كان مشروطا بترك الأهم كان ظرف مطلوبية المهم
هو ظرف عدم الأهم لا محالة ففرض كونه مطلوبا في ظرف وجوده ليكون لازم اجتماع الطلبين
هو طلب الجمع يستلزم استلزام الشيئ أعني به ترك الأهم لنقيضه أعني به وجوده وهذا
محال وأيضا لازم اشتراط طلب المهم بعدم الأهم أن يكون وجود الأهم وامتثال
خطابه في الخارج علة لارتفاع موضوع خطاب المهم وحينئذ ففي ظرف امتثال
الأهم اما أن يترتب عليه معلوله وهو ارتفاع موضوع طلب المهم ومع ذلك يكون المهم
مطلوبا فيلزم اجتماع الشيئ أعني به طلب المهم مع علة عدمه أعني به امتثال
خطاب الأهم واما ان لا ترتب عليه عليه ذلك وعدم الترتب اما أن يكون لأجل قصور في ناحية العلة
أو المعلول واما أن يكون بلا قصور في ناحيتهما وكل ذلك خلف محال فتوهم استلزام فعلية

1 - الأولى في تقريب هذا الوجه أن يقال إنه إذا فرض اشتراط طلب المهم بعصيان طلب الأهم
وتركه فلو كان المهم مطلوبا في ظرف وجود الأهم للزم اجتماع النقيضين أو الخلف
وكلا هما مستحيل بيان ذلك ان طلب المهم تتوقف فعليته على فعلية موضوعه وشرطه أعني
به ترك الأهم فلو فرض كون الأهم متروكا في ظرف وجوده للزم اجتماع النقيضين كما أنه
لو فرض فعلية طلب المهم في ظرف عدم تحقق شرط للزم الخلف وعلى كلا التقديرين يستحيل
فعلية طلب المهم في ظرف وجود الأهم وتحقق امتثال طلبه فيستحيل استلزام فعلية الطلبين
المترتب أحدهما عصيان الاخر لطلب الجمع بين متعلقيهما
304

الطلبين على نحو الترتب لطلب الجمع يستلزم محاذير عديدة لا يمكن الالتزام بواحد منها
فان قلت إن ما ذكرته من عدم لزوم طلب الجمع من الخطابين على نحو الترتب
انما هو شبهة في مقابل البداهة ضرورة ان الخطاب بالأهم لا يسقط حين الاشتغال بالمهم
الذي هو ظرف عصيان الأهم لان سقوط الخطاب لا يكون إلا بالامتثال أو بانقضاء ظرف
امتثاله ولو كان ذلك بالعصيان فالامر بالأهم يبقى على فعليته حين الاشتغال بالمهم ربما ان
المفروض هو فعلية الامر بالمهم أيضا يجتمع الأمران الفعليان في زمان واحد لا محالة و
لازم فعليتهما في زمان واحد هو طلب الجمع بين متعلقيهما في ذلك الزمان بالضرورة وهذا هو
محذور القول بتعلق الطلب بالضدين على نحو الترتب
قلت يندفع ما ذكرته بالحل والنقض اما النقض فلان الامر بالأهم كما أنه لا يقتضى
سقوط الإباحة عن أضداده الوجودية بناء على عدم كون ترك أحد الضدين مقدمة لوجود
الآخر كما مر كذلك لا يقتضى سقوط وجوب المهم المضاد له وليس حال المهم عند فعلية
الامر بالأهم الا كحال المباحات في جواز تركه والاشتغال بالأهم فكما ان الامر بالأهم
يجتمع مع إباحة ضده على تقدير عصيانه كذلك يجتمع مع وجوب ضده على
هذا التقدير ولازم انكار الترتب في المقام هو انكار إباحة اضداد الواجب من المباحات
الكثيرة وهو باطل بالضرورة واما الحل فلان طلب الجمع انما هو من لوازم انحفاظ
كل من اطلاقي الخطابين بالنسبة إلى الاتيان بمتعلق الآخر وعد مه كما ذكرناه مفصلا و
اما إذا كان أحد الطلبين مقيدا بعدم الاتيان بمتعلق الاخر فلا يستوى الحال في فعليته
بالإضافة إلى الاتيان بمتعلق الاخر وعدمه بل يستحيل ان يقع متعلقه على صفة المطلوبية
في عرض الاتيان بمتعلق الاخر إذ المقيد بعدم شئ يستحيل ان يوجد معه واماما ذكر
من انحفاظ الخطابين في ظرف عصيان الامر بالأهم فهو وإن كان حقا الا انهما ليسا في
مرتبة واحدة ليلزم من فعليتهما معا طلب الجمع بين متعلقيهما لما عرفت في المقدمة
الرابعة من أن الامر بالأهم انما يقتضى هدم عصيانه فحسب والامر بالمهم لا يقتضى وضع
هذا التقدير ليقع التنافي بينهما وانما يقتضى أمرا آخر على هذا التقدير فاشتراط أحد
الخطابين بعدم الاتيان بمتعلق الاخر ينافي طلب الجمع لا انه يقتضيه وانما المقتضى
له هو اتحاد الطلبين في الرتبة لا مجرد فعليتهما في زمان واحد وبالجملة محذور طلب
الجمع انما يترتب على اتحاد زمان المطلوبين بحيث لو وجدا في الخارج معا لاتصفا
305

بصفة المطلوبية لا على اتحاد زمان الطلبين مع اختلافهما في الرتبة وما يلزم من الخطابين
على نحو الترتب هو الثاني دون الأول وبما ذكرناه يظهر فساد توهم ان الالتزام
بالخطاب الترتبي انما يصح فيما إذا كان كل من الفعلين واجدا للملاك على البدل كما
هو الحال في الواجب التخييري فان المولى بما انه ليس له غرض الزامي في كل من الفعلين
لا داعى له في طلبهما معا وبما ان أحد الفعلين على البدل لابد من تحققه في الخارج
لوفاته بالملاك الملزم لا مناص له من الامر بهما على نحو الترتب ومن أن يرفع يده عن
أحد الخطابين عند اشتغال المكلف بامتثال الاخر ولكن هذا خلاف المفروض في المقام
إذا المفروض فيه ان خطاب الأهم مطلق بالإضافة إلى حالتي فعل المهم وعد مه فالمولى
لم يرفع يده عن الواجب الأهم باشتغال المكلف بالواجب المهم فخطاب الأهم باق على
فعليته في فرض الاشتغال بالمهم أيضا وبما ان المفروض هو فعلية خطاب المهم لحصول
شرطه أعني به عصيان الأهم فالخطابان فعليان في زمان واحد وهذا هو بعينه محذور
طلب الجمع (وجه الفساد) ان الخطابين وان كانا فعليين حال العصيان معا الا ان اختلافهما
في الرتبة أوجب عدم لزوم طلب الجمع من فعليتهما لما عرفت من أن الامر بالأهم انما
يقتضى هدم موضوع الامر بالمهم واما هو فلا يقتضى وضع موضوعه وانما يقتضى شيئا آخر
على تقدير وجوده وما لم يكن هناك اتحاد في الرتبة يستحيل ان تقتضي فعلية الخطابين
طلب الجمع بين متعلقيهما ومن هنا يظهر ان ما افاده الشيخ الكبير كاشف الغطاء قدس
سره من أن الامر بالمهم مشروط بالعزم على عصيان الامر بالأهم غير صحيح فإنه عليه لا يكون
الامر بالأهم رافعا لموضوع الامر بالمهم وهادما تشريعا فان الامر بالأهم انما يقتضى
عدم عصيانه (1) لا عدم العزم على عصيانه واما السر في تعبيرنا بكون العصيان شرطا دون نفس

1 - لا يذهب عليك ان متعلق الوجوب إذا كان هي الحصة الاختيارية من الفعل كما هو المختار
لشيخنا الأستاذ قدس سره فالامر بالأهم كما يقتضى هدم تقدير عصيانه كذلك يقتضى هدم تقدير العزم
على عصيانه فيستحيل وقوع المهم على صفة المطلوبية الا في فرض عدم وقوع الأهم عليها فملاك جواز
الترتب على تقدير اشتراط خطاب المهم بعصيان خطاب الأهم موجود بعينه على تقدير اشتراطه بالعزم
على عصيان خطاب الأهم أيضا هذا في غير العباديات واما فيها فكون اشتراط خطاب المهم
بالعزم على عصيان خطاب الأهم في حكم الاشتراط بنفس العصيان من الوضوح بمكان لا حاجة
معه إلى البيان
306

الترك فهو ان مجرد الترك حاصل عند الجهل به أيضا والكلام في باب التزاحم انما هو
في فرض العلم بخطاب الأهم وتنجزه فالتعبير بكون العصيان شرطا أولي وأنت بعد
الإحاطة بما ذكرناه تعرف ان دعوى الضرورة في امكان الخطابين على نحو الترتب غير
مجازفة (وملخص) ما ذكرناه في اثبات ذلك برهانان (الأول) هو البرهان الآني وهو
عبارة عن جملة من الفروع الفقهية المتسالم عليها عند الأصحاب بحيث لا يمكن انكارها
والالتزام بها يستلزم القول بجوانب الترتب (الثاني) هو البرهان اللمي بتقريب ان طلب
الجمع انما هو من لوازم اطلاق الخطابين دون أنفسهما وبما ان المحذور يندفع برفع
اليد عن أحد الاطلاقين يكون هو الساقط لا غيره وبما ان المفروض في المقام هو كون
أحد الواجبين أهم من الاخر يبقى خطاب الأهم على اطلاقه ويكون الساقط هو اطلاق
خطاب المهم لا محالة فتكون النتيجة هو اشتراط خطاب المهم بعصيان خطاب الأهم
(وبالجملة) بعد تقييد أحد الخطابين بعصيان الاخر لابد في فرض الاتيان بشئ من
الواجبين من وقوع أحدهما على صفة المطلوبية بنحو القضية المنفصلة الحقيقية كما
في بقية موارد التزاحم فان الامر بالأهم اما ان يمتثل في الخارج أولا وعلى الأول يستحيل
وقوع المهم على صفة المطلوبية وعلى الثاني فبما ان متعلقه لم يوجد في الخارج يستحيل
كونه مصداقا للمطلوب ومعنونا بعنوانه وبالجملة الأهم اما ان يوجد في الخارج فهو الواقع
على صفة المطلوبية ولا خطاب حينئذ بالمهم لانتفاء شرطه أعني به عصيان الأهم واما ان
لا يوجد الأهم فان وجد المهم حينئذ فهو الواقع على صفة المطلوبية واما ان لا يوجد المهم
أيضا فلم يقع شئ منهما على صفة المطلوبية من باب السالبة بانتفاء الموضوع وعلى كل حال
يستحيل وقوعهما معا في الخارج على صفة المطلوبية فيستكشف من ذلك عدم استلزام
فعلية طلبهما لطلب الجمع (فان قلت) سلمنا انه لا يلزم من الخطابين على نحو الترتب
طلب الجمع بين متعلقيهما بل ترتب الخطابين ينافي طلب الجمع كما مر لكن القائل
بالترتب لا يخلو من أحد أمرين اما الالتزام بتعدد العقاب على تقدير عصيانهما معا والاشتغال
بفعل آخر أو الالتزام بعدم استحقاق العقاب على ترك الواجب المهم اما الأول فلا سبيل
له إليه فإنه كما لا يمكن تعلق التكليف بغير المقدور كذلك لا يمكن العقاب عليه أيضا
وبما ان المفروض هو استحالة الجمع بين المتعلقين يستحيل العقاب على تركهما
307

معا واما الثاني فهو يستلزم انكار الترتب وانحصار الأمر المولوي بخطاب الأهم وكون
الامر بالمهم ارشادا محضا إلى كونه واجدا للملاك حينئذ ضرورة انه لا معنى لوجود الأمر المولوي
الالزامي وعدم ترتب استحقاق العقاب على مخالفته ومن الواضح ان المنكر
لصحة الترتب انما ينكر الخطاب المولوي لا الارشادي فله ان يحمل مالا سبيل له
إلى انكاره من الأوامر الترتبية في الشرعيات والعرفيات على ذلك فلا يكون لاثبات الخطاب
الترتبي ثمرة أصلا فان وجود الملاك الذي هو نتيجة الامر الارشادي مسلم عند من ينكر
الخطاب الترتبي أيضا (قلت) لا مناص للقائل بصحة الترتب من اختيار الشق الأول و
توهم استلزام تعدد العقاب لكون العقاب على غير المقدور يندفع أولا بالنقض بموارد
الأوامر الكفائية التي لا يمكن صدور الواجب فيها إلا من بعض المكلفين على البدل مع أن
جميع المخاطبين يستحقون العقاب على مخالفته فكما ان استحالة صدور الواجب
عن جميع المخاطبين دفعة واحدة لفرض امتناع الواجب بطبعه عن الاشتراك فيه وتدريجا
لفرض سقوط الامر بامتثال بعض المكلفين وعدم بقاء الموضوع لامتثال الباقين لا تنافى
توجه الخطاب إلى الجميع وصحة عقابهم على تقدير العصيان كذلك الحال في المقام
فلو كان تعدد العقاب عند تعدد العصيان مع عدم امكان أزيد من الإطاعة الواحدة مستلزما
لان يكون العقاب على غير المقدور لامتنع تعدد العقاب في التكاليف الكفائية أيضا و
ثانيا بالحل وهو ان العقاب ليس على ترك الجمع بين الواجبين في مقام الامتثال ليقال
انه عقاب على غير المقدور ضرورة ان الطلب لم يتعلق الا بذات كل من الواجبين فكيف
يعقل أن يعاقب على ترك الجمع بينهما الذي لم يطالب به المكلف أصلا بل العقاب انما هو على
الجمع في الترك بمعنى انه يعاقب على ترك كل منهما في حال ترك الاخر ولا ريب أن ترك كل من
الواجبين حال ترك الاخر مقدور للمكلف فيعاقب عليه فالعقاب في الحقيقة على الجمع بين العصيانين
لا على ترك الجمع بين الامتثالين والفرق بينهما في غاية الوضوح وهكذا الحال في
الواجبات الكفائية فان العقاب هناك على عصيان كل واحد منهم حال عصيان الباقين ولا ريب
في أنه مقدور للمكلف فلا مانع من العقاب عليه هذا مضافا إلى أنه لا يلزم في جواز تعدد
العقاب أن يكون الجمع بين العصيانين مقدورا للمكلف بل يكفي فيه كون كل من العصيانين
في حد نفسه ومع قطع النظر عن عصيان الخطاب الاخر مقدورا له ولا ريب في أن الخطابين
308

المتوجهين إلى مكلف واحد بنحو الترتب ليسا خطابا واحدا متعلقا بالجمع بين متعلقيهما
كي يقابل عصيان المجموع بطاعته فيكون عدم القدرة على امتثالهما معا موجبا لكون
العقاب على تركهما عقابا على غير المقدور بل إن كل واحد من الخطابين أجنبي عن
الاخر والمكلف قادر على امتثاله في ظرف تعلقه به فيوجب عصيانه استحقاق العقاب
عليه (فان قلت) سلمنا امكان الخطاب الترتبي واستحقاق عقابين على تقدير عصيانهما
لكن الامكان أعم من الوقوع وما لم يكن هناك دليل عليه لا يمكن الالتزام به (قلت)
أولا ان المطالبة بالدليل انما تحسن في باب تعارض الدليلين الحاكيين عن الواقع
ومقام الثبوت فإنك قد عرفت انه بناء على الطريقية كما هو مقتضى التحقيق لابد من
الالتزام بالتساقط وحينئذ فمجرد احتمال المطلوبية لا يكفي في مشروعية العبادة وهذا
بخلاف باب التزاحم كما في المقام فان القدر المتيقن في السقوط حينئذ في مقام الفعلية
هو اطلاق وجوب المهم لا نفسه فلا حاجة في اثبات كو أنه مأمورا به في ظرف عصيان
الامر بالأهم إلى أزيد من اطلاق دليله في مقام جعله وانشائه لحال عصيان الامر بالأهم
فإنه على الفرض مقدور في هذا الحال ولا مانع من تعلق الامر به فيشمله اطلاق الدليل
لا محالة
وثانيا ان العقل بعد ما ثبت كون ملاك المهم في ظرف المزاحمة تاما من جهة عدم اخذ
القدرة في لسان الدليل شرطا لخطابه كما أوضحناه سابقا يستقل بكونه مأمورا به في
حال عصيان الامر بالأهم إذ المفروض انه واجد للملاك التام ولا مانع من تعلق الخطاب
به فيستكشف العقل بطريق اللم كونه مأمورا به لا محالة نعم إذا كانت القدرة مأخوذة
في لسان الدليل شرطا لم يمكن استكشاف الملاك حال المزاحمة بل كان مقتضى القاعدة
حينئذ هو سقوط خطابه رأسا فيفتقر الالتزام بالخطاب الترتبي حينئذ إلى خصوص دليل
يدل عليه ويأتي لذلك مزيد توضيح انشاء الله تعالى
وينبغي التنبيه على أمور (الأول) انه قد أشرنا إلى أن الخطاب المترتب على
عصيان خطاب الأهم يتوقف على كون متعلقه حال المزاحمة واجدا للملاك وقد بينا ان
الكاشف عن ذلك هو اطلاق المتعلق فإذا كان المتعلق مقيدا بالقدرة شرعا سواء كان
التقييد مستفادا من القرينة المتصلة أم من المنفصلة لم يبق للخطاب بالمهم محل أصلا و
منه يظهر انه لا يمكن تصحيح الوضوء في موارد الامر بالتيمم بالملاك أو بالخطاب الترتبي
309

فان الامر بالوضوء مقيد شرعا بحال التمكن من استعمال الماء بقرينة تقييد وجوب
التيمم بحال عدمه ففي حال عدم التمكن لاملاك للوضوء كي يمكن القول بصحته اما من
باب الاكتفاء بالاشتمال على الملاك في الحكم بالصحة واما من باب تجويز الخطاب
الترتبي ولأجل ذلك لم يذهب العلامة المحقق الشيخ الأنصاري ولا العلامة المحقق
تلميذه أستاذ أساتيذنا قدس سرهما إلى الصحة في الفرض المزبور مع أن الأول منهما
يرى كفاية الملاك في صحة العبادة والثاني يرى جواز الخطاب الترتبي واما ذهاب السيد
المحقق الطباطبائي اليزدي (قده) إلى الصحة في مفروض الكلام فهو ناشئ من الغفلة
عن حقيقة الامر
الأمر الثاني انه ذهب كاشف الغطاء قدس سره إلى أن صحة الجهر في موضع
الاخفات جهلا وبالعكس كذلك انما هي من باب الخطاب الترتبي وبه دفع الاشكال
المعروف من أن صحة العبادة المأتى بها جهرا أو اخفاتا كيف يجتمع مع استحقاق العقاب
على ترك الاخر ونحن وان دفعنا الاشكال في محله بما لا مزيد عليه الا ان الغرض من
التعرض له في المقام هو بيان ان الالتزام بالخطاب الترتبي في أمثاله غير سديد من
وجوه (الأول) ان محل الكلام في بحث الترتب كما عرفت سابقا هو ما إذا كان
التضاد بين المتعلقين اتفاقيا لما عرفت سابقا من أن التضاديين المتعلقين انما يوجب التزاحم
بين الخطابين فيما إذا كان حاصلا من باب الاتفاق واما إذا كان دائميا كمثال الجهر (1)

1 - لا يخفى انه إذا صح الامر بالضدين على نحو الترتب فلا يفرق فيها بين صورتي كون
التضاد دائميا وكونه اتفاقيا لان المقتضى الامر بهما وهو اشتمال كل منهما على الملاك
الملزم موجود في كلتا الصورتين والمفروض انه لا مانع من فعليتهما أيضا فلا وجه لما
أفيد في المتن من اختصاص جواز الترتب بما إذا كان التضاد اتفاقيا وقد أشرنا فيما تقدم
إلى أن وجوب كل من الواجبين المتضادين دائما إذا كان منقطعا وقع التعارض بينهما فلا بد
من رفع اليد عن أحدهما تعيينا أو تخييرا فيما إذا لم يكن لهما ثالث ومن رفع اليد عن
اطلاق كل منهما فيما إذا كان لهما ثالث فإذا صح تقييد كل من الاطلاقين مع فرض كون
التضاد دائميا صح تقييد أحدهما أيضا بالضرورة وبالجملة ما يتوهم كونه مانعا من القول
بالترتب انما هو استلزامه لطلب الجمع بين الضدين فان تم ذلك فلا بد من انكار الترتب
مطلقا والا فلابد من القول بجوازه سواء في ذلك كون التضاد اتفاقيا وكونه دائميا
310

والاخفات كان دليل وجوب كل منهما معارضا لدليل وجوب الاخر فيخرجان بذلك
عن موضوع بحث الترتب لا محالة (الثاني) ان مورد الخطاب الترتبي هو ما إذا كان خطاب
المهم مترتبا على عصيان الامر بالأهم وهذا لا يكون إلا فيما إذا لم يكن المهم ضروري الوجود
عند عصيان الامر بالأهم كما هو الحال في الضدين اللذين لهما ثالث واما الضدان لا ثالث
لهما ففرض عصيان الامر بأحد هما هو فرض وجود الاخر لا محالة فيكون البعث نحوه طلبا
للحاصل وبالجملة لو كان وجود الشيئ على تقدير وجود موضوع الخطاب وشرطه ضروريا
لامتنع طلبه لأنه قبل وجوده موضوعه يستحيل كونه فعليا وبعد وجوده يكون طلبا للحاصل
فتحصل ان كل ما فرض وجوده في الخارج يستحيل طلبه في ظرف فرض وجوده سواء كان فرض
وجوده مدلولا مطابقيا للكلام كما إذا أمر بترك الشيئ على تقدير عصيان الامر المتعلق به أم
كان مدلولا التزاميا له كما في ما نحن فيه فان ترك أحد الضدين (1) خارجا ملازم لوجود
الاخر لفرض عدم الثالث فيكون الامر بأحدهما على تقدير ترك الاخر أمرا بما هو
مفروض الوجود وهو مستحيل (الثالث) ان الخطاب المترتب على عصيان خطاب آخر
انما يكون فعليا عند تنجز الخطاب المرتب عليه وعصيانه وبما ان المفروض فيما نحن
فيه توقف صحة العبادة الجهرية مثلا على الجهل بوجوب الاخفات لا يتحقق هناك (2)

1 - ما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره من اختصاص جواز القول بالترتب بما إذا كان
للواجبين المتضادين ثالث وإن كان متينا لا مناص عن الالتزام به إلا أن ما افاده من
ادراج محل الكلام في الضدين اللذين ليس لهما ثالث غير مطابق للواقع وذلك لان المأمور به
في الصلاة انما هي القراءة الجهرية أو الاخفاتية ومن الواضح انهما من قبيل الضدين
اللذين لهما ثالث فلا مانع من الامر بهما في زمان واحد مع اشتراط الامر بأحد هما بعصيان
الاخر نعم إذا فرض تحقق القراءة في الخارج فهي لا تخلو من كونهما جهرية أو اخفاتية
لكنه لا يوجب كون الواجبين المفروضين في محل الكلام من قبيل الضدين اللذين ليس لهما
ثالث كما هو ظاهر.
2 - التحقيق انه إذا كان الامر بالقرائة الجهرية مشروطا ومترتبا على عصيان الامر
بالقرائة الاخفاتية وبالعكس ومع ذلك كان صحة كل من الواجبين مشروطة بالجهل بوجوب
الاخر فالامر كما أفيد في المتن من استحالة ذلك لكن الالتزام بلزوم اشتراط خطاب المهم
بعنوان عصيان خطاب الأهم بلا ملزم لان صحة القول بجواز الترتب لا تتوقف على ذلك
أصلا وقد تقدم ان التعبير عن كون خطاب المهم مشروطا بترك الأهم باشتراطه بعصيان
الأهم انما كان لنكتة خاصة والا فالشرط في الحقيقة هو نفس الترك لا عنوان العصيان وعلى
ذلك ولا مانع من الالتزام بالترتب في محل الكلام ودفع الاشكال المتقدم به وذلك لا ينافي
امكان دفعه بوجه آخر أيضا وسيأتى له التعرض في محله انشاء الله تعالى
311

عصيان للتكليف بالاخفات ليتحقق موضوع الخطاب بالجهر لان التكليف الواقعي لا يتنجز
مع الجهل به وبدو أنه لا يتحقق العصيان الذي فرض اشتراط وجوب الجهر به أيضا (فان قلت)
المفروض في محل الاشكال هو كون الجهل ناشئا عن التقصير فلا يكون مانعا عن تنجز
الخطاب الواقعي بالاخفات وحصول عصيانه المشروط به وجوب الجهر (قلت) سيجيئ
في محله انشاء الله تعالى ان الخطاب الواقعي لا يكون منجزا وقابلا للدعوة في ظرف
الجهل سواء كان الجهل ناشئا من تقصير أم من قصور بل استحقاق العقاب انما هو على
مخالفة وجوب التعلم أو الاحتياط المستلزمة لمخالفة الواقع وان شئت فقل ان استحقاق
العقاب على مخالفة الواقع في ظرف وجوب الاحتياط أو التعلم وذلك لما سنبينه في محله
انشاء الله تعالى من أن ايجاب التعلم أو الاحتياط انما هو من باب تتميم الجعل الأول فالعقاب
على مخالفة الواقع هو بعينه العقاب على مخالفة ايجاب الاحتياط أو التعلم وبالعكس و
عليه فاستحقاق العقاب على تقدير تحقق مخالفة الحكم الواقعي لا يصحح احراز العصيان
بالفعل ما لم يصل التكليف الواقعي بنفسه بالوجدان أو بطريق معتبر من امارة أو أصل
محرز وما لم يحرز العصيان لا وجدانا ولا تعبدا لا يكون الحكم المترتب عليه محرزا
أيضا (وبالجملة) المكلف بالاخفات في الواقع إذا اجهر بالقرائة فاما أن يكون عالما
بوجوب الاخفات عليه أولا اما الأول فهو خارج عن محل الكلام إذ المفروض فيه توقف
صحة الجهر على الجهل بوجوب الاخفات واما على الثاني فعصيان وجوب الاخفات و
إن كان متحققا في الواقع الا أنه يستحيل جعله موضوعا لوجوب الجهر في ظرف الجهل
لاستحالة جعل حكم يمتنع احرازه وعليه فيستحيل تصحيح عبادة الجاهل (حينئذ) بنحو
الترتب (توضيح ذلك) ان فعلية الخطاب المترتب تتوقف على كون الخطاب المترتب
عليه فعليا منجزا وكون المكلف عاصيا له وعالما بعصيانه فالموارد التي تجرى فيها
البراءة عن التكليف المجهول تنتفى فيها الجهات الثلاث التي تدور عليها صحة الخطاب
الترتبي إذ مع جريان البراءة لا يتنجز التكليف الواقعي فلا يتحقق العصيان فضلا عن تعلق
312

علم المكلف به فلا يصح الخطاب بنحو الترتب في تلك الموارد كما أن التكليف الواقعي
إذا كان واصلا بطريقه كما في موارد الشبهة قبل الفحص والموارد المهمة التي يجب
الاحتياط فيها امتنع جعل خطاب مترتب على عصيانه فان التكليف الواقعي في تلك الموارد
وإن كان متحققا ومتنجزا إلا أنه لا يجدى في صحة الخطاب بنحو الترتب لانتفاء الجهتين
الأخيرتين أعني بهما تحقق العصيان والعلم به وذلك لما عرفت من أن العصيان حقيقة انما
هو بالنسبة إلى الخطاب الطريقي الواصل عند المصادفة دون الخطاب الواقعي المجهول
وكما أن التكليف إذا كان معلوما وواصلا بالعلم الاجمالي ففعليته وعصيانه وان كانا
متحققين واقعا على تقدير تحقق المخالفة الاحتمالية ومصادفة الاحتمال للواقع
الا أنه مع ذلك لا يمكن جعل خطاب مترتب على عصيان الواقع لان الجهة الأخيرة
المعتبرة في صحة الخطاب الترتبي أعني بها العلم بتحقق العصيان الموجب لوصول الخطاب
المترتب وتنجزه على المكلف منتفية في هذا الفرض وبالجملة ان لم يكن المكلف
محرزا للعصيان المترتب عليه خطاب آخر لم يتنجز عليه ذلك الخطاب لعدم احراز
موضوعه وشرطه وإن كان محرزا له فجعل الخطاب المترتب في مورده وإن كان
صحيحا الا انه خارج عن محل الكلام من جعل الخطاب مرتبا على العصيان الواقعي في
ظرف جهل المكلف به فتحصل ان كل خطاب يستحيل وصوله إلى المكلف يستحيل جعله
من المولى الحكيم وعلى ذلك يتفرع ما سيجيئ في محله من استحالة اخذ نسيان
شئ موضوعا لخطاب فان المكلف ان التفت إلى نسيانه خرج عن موضوع الناسي وان
لم يلتفت إليه لم يحرز التكليف المترتب عليه فلا يمكن جعل مثل هذا الحكم الذي
يستحيل وصوله إلى المكلف ابدا (واما ما ذكره) صاحب التقريرات (قده) لاثبات امكان
أمر الناسي لبعض اجزاء المركب كالصلاة بغير من اجزائه الملتفت إليها من أن ذلك
من باب الاشتباه في التطبيق وتحليل الداعي بتقريب ان المكلف الناسي لبعض اجزاء العبادة
إذا اتى بباقي اجزائها فهو انما يأتي بها بداعي الامر الواقعي غاية الأمر انه يتخيل انه
هو الامر المتوجه إلى الذاكر الملتفت فهو وإن كان مخطئا في خصوصية الامر الا أن المحرك
له هو الامر الواقعي فالمفروض ان الامر الواقعي في حقه كان هو الامر المتعلق بالناسي دون
الذاكر (فغير سديد) فان التصحيح بالتحليل المذكور انما يصح فيما إذا أمكن جعل الحكم
313

في حد نفسه وكان المكلف مخطئا في كيفيته كما إذا تخيل المكلف ان الامر المتوجه
إليه هو الامر الاستحبابي ثم انكشف انه كان وجوبيا فإنه تصح العبادة حينئذ بتحليل
الداعي وان المحرك له انما هو الامر الواقعي وان لم يلتفت المكلف إلى خصوصيته و
هذا بخلاف المقام فان الحكم المتوجه إلى عنوان الناسي يستحيل أن يكون فعليا ابدا
لأنه مع الالتفات إلى نسيانه يخرج عن موضوعه وبدونه تستحيل فعلية الحكم المقيد
به فإذا امتنعت الفعلية يمتنع الجعل أيضا لما عرفت فيما مر من أن جعل الاحكام انما
هو بنحو القضايا الحقيقة التي تكون الفعلية فيها منوطة بفعلية موضوعاتها فحل كلامنا
أجنبي عن باب تحليل الداعي بالكلية
الأمر الثالث قد أشرنا سابقا إلى أن المهم إذا كان مضيقا ولم يكن له افراد
طولية فيدور طلبه وعدم طلبه عند مزاحمته الأهم مدار الالتزام بالترتب وعدمه و
اما إذا كان موسعا له افراد كثيرة وكان المزاحم للأهم بعض افراده دون بعض فان
قلنا بان اعتبار القدرة في متعلق التكليف انما هو من جهة حكم العقل بقبح تكليف العاجز
كما ذهب إليه المحقق الثاني (قده) فبما ان بعض افراد الطبيعة مقدور في الفرض المزبور
يصح الخطاب (1) بها عقلا فيصح الاتيان بالفرد المزاحم يداعى امتثال الامر بالطبيعة من
دون لزوم الالتزام بالترتب لان انطباق الطبيعة على ذلك الفرد المزاحم قهري والاجزاء
عقلي واما إذا قلنا بان اعتبار القدرة فيه من جهة اقتضاء نفس الخطاب ذلك كما اخترناه
سابقا فلا محالة يتقيد المأمور به بذلك فيخرج غير المقدور من الافراد عن دائرة اطلاق
المأمور به ويتوقف شموله له على جواز الترتب فان جوزناه كان داخلا في الاطلاق
عند عصيان الامر بالأهم والا كان خارجا عنه مطلقا نعم يمكن الحكم مع ذلك بصحته

1 - لا يخفى ان كفاية القدرة على بعض افراد الطبيعة في صحة الامر بها لا اثر لها في
محل الكلام بناء على ما اختاره شيخنا الأستاذ قدس سره من استحالة الواجب المعلق لأن المفروض
فيه عدم قدرة المكلف على شئ من افراد الواجب المهم عند مزاحمته الأهم ليصح الامر
به من جهة القدرة على بعض افراده فينحصر ترتب الأثر على القول بالكفاية المزبورة بموارد
تزاحم الواجب الأهم مع بعض الافراد العرضية للواجب المهم دون جميعها نعم إذا بنينا على
جواز الواجب المعلق ترتب الأثر عليه في محل الكلام أيضا كما هو ظاهر
314

لاشتماله على الملاك وقد تقدم الكلام فيه مفصلا
الأمر الرابع إذا كان الواجبان المتزاحمان آنيين غير تدريجيين فلا يتوقف القول
بالترتب فيه على الالتزام بالشرط المتأخر أو الوجوب المعلق لما عرفت من أن زمان
خطاب الأهم وزمان عصيانه وزمان امتثال خطاب المهم شئ واحد واما إذا كان
الواجبان تدريجيين كما في مزاحمة وجوب الإزالة لوجوب الصلاة فربما يقال فيه ان
الالتزام بالخطاب الترتبي عند مزاحمتهما يستلزم الالتزام بالشرط المتأخر أو الوجوب
المعلق لان عصيان خطاب الإزالة في المثال حال الشروع في الصلاة لا يصحح الخطاب بها
لأنه مشروط ببقاء العصيان إلى الجزء الأخير منها وبانتفائه عند كل جزء يرتفع الامر
بالصلاة قطعا ربما انه يستحيل تأخر الشرط كما عرفت لا مناص في القول بالترتب فيه عن الالتزام
يكون عنوان التعقب شرطا وقد بينا سابقا ان الالتزام بذلك يتوقف على دلا له دليل بالخصوص
عليه والا فهو على خلاف القاعدة وعلى ذلك فالخطاب الترتبي بما انه لم يدل عليه دليل بالخصوص
كان القول به في الواجبين التدريجيين المستلزم للالتزام يكون التعقب بالعصيان شرطا لخطاب
المهم على خلاف القاعدة فينحصر الالتزام بالخطاب الترتبي بالخطابات التي لا تكون
متعلقاتها من الأمور التدريجية وبذلك تكون المسألة قليلة الجدوى جدا والجواب عن
ذلك يظهر مما بيناه في بعض المباحث السابقة من أن القدرة التي هي شرط لكل خطاب
لا بد من أن تكون شرطيتها في الأمور التدريجية على نحو الشرط المتأخر بمعنى الاشتراط
بعنوان التعقب مثلا شرط وجوب الصلاة انما هي القدرة على التكبيرة المتعقبة بالقدرة
على بقية الأجزاء التي بعدها بداهة ان القدرة على الجزء الأول في كل مركب تدريجي
لا تصحح التكليف بالمجموع قطعا فالعقل قد دل على شرطية عنوان التعقب في جميع الأفعال
التدريجية التي وقعت في حيز التكليف وعليه فنقول انما التزمنا بكون خطاب
المهم مشروطا بعصيان خطاب الأهم لعدم كون متعلقه مقدورا الا في هذا الفرض فاشتراطه بعصيان
خطاب الأهم انما هو لأجل اشتراط الخطاب بالقدرة والا فليس هناك دليل بالخصوص
على اشتراط خطاب بعصيان خطاب آخر فإذا رجع الامر إلى شرطية القدرة فلا يكون الالتزام
بشرطية عنوان التعقب على خلاف القاعدة ليحتاج إلى دليل بالخصوص على شرطية عنوان
التعقب في خصوص الخطاب الترتبي (تتميم) الخطاب بالأهم إذا كان آنيا غير قابل
315

للاستمرار فالالتزام بترتب خطاب آخر على عصيانه انما يجدى في فعلية الخطاب
المترتب في خصوص الان الأول القابل لوقوع الأهم فيه فيجتمع فيه الأمران على
نحو الترتب واما بعد مضيه وسقوط خطاب الأهم لمضى زمان امتثاله فلا يتوقف طلب
المهم على القول بجواز الترتب إذ لا مانع بعد سقوط طلب الأهم من فعلية طلب المهم على
الفرض فيصح المهم حينئذ ولو بنينا على امتناع الترتب كما هو ظاهر واما إذا كان
خطاب الأهم استمراريا فقد يكون العلم به قبل الشروع في امتثال خطاب المهم وقد
يكون بعد الشروع فيه فإن كان قبل الشروع فتدور صحة خطاب المهم ابتداء واستدامة
مدار القول بالترتب كما عرفت واما إذا كان بعد الشروع فيه وكان الواجب مما يحرم
قطعه كما إذا علم بتنجس المسجد بعد الشروع في الصلاة الفريضة فلا يتوقف بقاء خطاب
المهم على القول بالترتب فان إزالة النجاسة انما كانت أهم من الصلاة لأجل فوريتها
وسعة وقت الصلاة فإذا شرع فيها وحرم قطعها على الفرض لم يبق موجب لتقدم خطاب
الإزالة على خطابها فلا يتحقق حينئذ عصيان خطاب الصلاة ليكون الامر باتمام الصلاة
متوقفا على جواز الترتب وعليه فالامر باتمامها (1) يكون متقدما على خطاب الإزالة لا
محالة نعم إذا كان هناك واجب آخر أهم من اتمام الصلاة كحفظ النفس المحترمة توقف
الخطاب باتمام الصلاة على الالتزام بالترتب أيضا
(فرع) لا اشكال في جواز اخذ الماء من الآنية المغصوبة أو المتخذة من الذهب
أو الفضة إذا كان ذلك بعنوان التخليص والمراد به هو ما إذا كان الماء مملوكا لمن
يريد التصرف ولم يستند كونه في الآنية التي يحرم التصرف فيها إلى اختياره ورضاه فإنه
يجوز حينئذ لمالكه التصرف فيه وإن كان تصرفه فيه مستلزما للتصرف في الآنية أيضا و

1 - لا يخفى ان مدرك حرمة قطع الصلاة إذا كان هي الأخبار الدالة على أن تحليل
الصلاة هو التسليم فالامر كما أفيد في المتن لان القدر المتيقن من الاجماع على وجوب
إزالة النجاسة عن المسجد فورا انما هو في غير ما دل الدليل اللفظي باطلا قه على وجوب
المضي في الصلاة المستلزم لتأخير الإزالة إلى زمان الفراغ منها واما إذا كان مدرك حرمته
منحصرا بالاجماع عليها لعدم استفادة التكليفية من تلك الأخبار فلا موجب لتقدم
وجوب المضي في الصلاة على وجوب الإزالة وتمام الكلام في محله
316

ذلك لعموم (1) تسلط الناس على أموالهم وعليه فان امكنه اخذ الماء دفعة بقدر ما يكفي
لوضوئه فلا اشكال وان لم يمكنه الا اخذ الماء تدريجا فالظاهر جواز الوضوء به أيضا
لأن المفروض عدم حرمة التصرف فيها تخليصا لماله واما إذا لم يكن اخذه الماء بعنوان
التخليص كما إذا لم يكن الماء الموجود فيه مملوكا له أو كان كذلك ولكن كان
وجوده فيها باختياره ورضاه فيحرم التصرف فيها بأخذ الماء منها فلا يجب الوضوء على تقدير عدم
التمكن من ماء آخر لعدم كون المكلف واجدا للماء حينئذ نعم لو أخذ منها قدر ما يكفي
لتمام وضوئه لا نقلب موضوع عدم وجدان الماء إلى وجدانه فيكون مكلفا بالوضوء و
إن كان قد ارتكب الحرام في اخذه الماء بالتصرف في تلك الآنية واما إذا اخذ مقدارا
لا يكفي الا لبعض وضوئه بحيث يحتاج اتمامه إلى تصرف آخر فقد ذهب صاحب الفصول
قدس سره إلى صحة هذا الوضوء ولعله بنى ذلك على جواز الخطاب الترتبي ولكنك
عرفت في التنبيه الأول ان الالتزام بالترتب يتوقف على كون العمل واجدا للملاك فإذا
فرضنا عدم كونه تماما كما فيما نحن فيه فإنه يتوقف على كون المكلف واجدا للماء المفروض
عدمه في المقام لتوقفه على تصرف محرم فلا يمكن الالتزام بالترتب أصلا فالحق حينئذ
هو بطلان الوضوء ووجوب التيمم عليه
(تتميم) قد ذكرنا سابقا ان أقسام التزاحم ستة (2) وقد استوفينا الكلام في قسم
واحد منها وهو ما إذا كان التزاحم ناشئا من وقوع التضاد بين الواجبين اتفاقا واما
بقية الأقسام الخمسة فتحقيق الحال فيها من حيث جريان الترتب فيها وعدمه يتوقف

1 - لا يخفى ان جواز تسلط الناس على أموالهم انما يقتضى جواز تخليص الماء من الأواني
المزبورة إذا لم يكن التخليص على نحو يصدق عليه عنوان استعمال الآنية واما في غير
ذلك فلا توجب السلطنة المزبورة سقوط حرمة ما كان حراما في نفسه كما هو ظاهر
2 - قد عرفت فيما تقدم ان أقسام التزاحم منحصرة في ثلثة أقسام وان التزاحم الناشئ
من وقوع التضاد بين الواجبين من باب الاتفاق مندرج في التزاحم الناشئ من عدم قدرة
المكلف على الجمع بين الواجبين في الخارج وعليه فلا موجب للبحث عن حكم
كل واحد منهما مستقلا نعم الواجبان المفروض عدم قدرة المكلف على امتثالهما بما انهما
تارة يكونان عرضيين واخرى يكونان طوليين لابد من البحث عن حكم كل منهما على
حدة وما ذكرنا إلى الحال كان مختصا بالقسم الأول فلا بد من البحث عن حكم القسم الثاني
317

على البحث عن كل واحد واحد مستقلا فنقول اما القسم الأول منها وهو ما كان موجب
التزاحم فيه عدم قدرة المكلف على الجمع بين الواجبين من باب الاتفاق كما إذا فرضنا
عدم قدرة المكلف على القيام في الركعة الأولى والثانية من صلاة واحدة أو عدم قدرته
عليه في صلوتين كصلاة الظهر والعصر فإن لم يكن فيه الواجب المتأخر
أهم من الواجب المتقدم فقد بينا سابقا ان مقتضى القاعدة فيه لزوم
الاتيان بالواجب المتقدم ولا وجه للقول بالتخيير فيه أصلا واما إذا
كان الواجب المتأخر أهم من المتقدم وقع التزاحم بين الخطاب بالمتقدم والخطاب (1)
بحفظ القدرة للواجب المتأخر ويتقدم الخطاب بحفظ القدرة لأهمية الواجب
المتأخر على الفرض وهذا لا اشكال فيه انما الاشكال في جواز الخطاب بالواجب المتقدم
مترتبا على عصيان الخطاب المتأخر وعدمه والحق عدم جوازه لأنه يستلزم اشتراط
خطاب الواجب المتقدم بالعصيان المتأخر وهو غير معقول واما الالتزام بكون عنوان
التعقب شرطا فقد عرفت انه يدور مدار قيام الدليل عليه ولم يقم من غير جهة اشتراط التكليف
بالقدرة في الواجبات التدريجية دليل على ذلك فيكون الالتزام بالترتب في المقام على
خلاف القاعدة (2) من غير دليل يقتضى ذلك هذا مضافا إلى أن عمدة الوجه في جواز الترتب

1 - لا يخفى ان جعل المزاحم للواجب الفعلي وجوب حفظ القدرة للواجب المتأخر انما يتم
على القول باستحالة الواجب المعلق وفي الموارد التي كان الواجب المتأخر مشروطا بما
يوجد بعد ذلك واما في غير تلك الموارد فان قلنا بامكان الواجب المعلق كما هو الصحيح
على ما تقدم بيانه في محله كان التزاحم بين وجوب الواجب الفعلي ونفس وجوب الواجب المتأخر
كما هو ظاهر.
2 - التحقيق في المقام ان يقال إن ملاك القول بالترتب في الواجبين الفعليين غير المشروطين
بالقدرة شرعا وهو امكان الامر بكل منهما على نحو الترتب واشتراط أحدهما بعدم
الاتيان بمتعلق الاخر بلا موجب لرفع اليد عن الاطلاق بالإضافة إلى هذا الحال بعد ارتفاع
محذور التزاحم برفع اليد عن اطلاق خطاب المهم بالإضافة إلى حال امتثال الأهم بعينه
موجود في الواجبين التدريجيين أيضا ضرورة إنه إذا أمكن طلب المهم مشروطا بتعقبه
يترك الواجب المتأخر الأهم فلا موجب لرفع اليد عن اطلاق دليله بالإضافة إلى هذا الحال
وانما اللازم هو رفع اليد عن اطلاقه بمقدار يرتفع به محذور التزاحم أعني به اطلاقه
بالإضافة إلى حال امتثال الواجب المتأخر في ظرفه وبتقريب آخر المفروض في المقام هو
اشتمال الواجب المهم على الملاك الملزم في نفسه وانه لا مانع من طلبه مشروطا بتعقبه
بالعصيان المتأخر فلا موجب لرفع المولى يده عن طلبه كذلك وتفويته الملاك الملزم و
عليه فلا حاجة إلى دليل بالخصوص على كون عنوان التعقب بالعصيان شرطا لوجوب الواجب
المتقدم أصلا وبالجملة إذا بنينا على امكان الترتب فلا فرق في ذلك بين كون الواجبين عرضيين
وكونهما طوليين ومن ما ذكرناه يظهر انه لا موجب للالتزام باشتراط وجوب المهم بعصيان
خطاب حفظ القدرة للواجب المتأخر ليرد عليه ما أفيد في المتن من استلزامه طلب الواجب
أو المستحيل.
318

بين خطابي الضدين وهو كون المهم مقدورا في ظرف عصيان خطاب الأهم وقابلا لتعلق
الخطاب به حينئذ من دون ان يستلزم ذلك طلب الجمع بينهما فعجز المكلف عن الاتيان
بالمهم في ظرف امتثال الامر بالأهم الموجب لاستحالة طلبه لا يوجب عدم طلبه في فرض
عصيان الأهم الذي فرض فيه قدرة المكلف على الاتيان بالمهم وهذا الوجه مفقود في
ما نحن فيه لان العصيان المتأخر لا يوجب القدرة المكلف على الوجب المتقدم مع فرض
الخطاب الفعلي بحفظ القدرة للواجب المتأخر المفروض كونه الأهم ومعجزا عن
الواجب المتقدم (وتوهم) امكان الخطاب بالمتقدم مرتبا على عصيان الخطاب بحفظ
القدرة للواجب المتأخر (مدفوع) بان شرط الخطاب بالواجب المتقدم كالقيام المفروض
في المثال اما أن يكون هو العزم والبناء على عصيان خطاب حفظ القدرة للواجب الأهم
المتأخر بصرفها في غيره أو يكون شرطه نفس العصيان المتحقق بصرف القدرة في
غير الأهم اما الأول فقد عرفت فيما تقدم انه خارج عن موضوع بحث الترتب لان شرط
الخطاب بالمهم لا بد وأن يكون هو نفس العصيان دون العزم عليه والالزم طلب الجمع
بين الضدين (3) (واما الثاني) فهو في المقام غير معقول فان المهم لكونه من افراد عصيان
خطاب حفظ القدرة للأهم يستحيل اشتراط خطابه بالعصيان المزبور بداهة ان عصيان
خطاب حفظ القدرة اما ان يتحقق بصرف القدرة في المهم أو بصرفها في فعل آخر وعلى

3 - لا فرق في لزوم طلب الجمع وعدم لزومه على القول بالترتب بين اشتراط وجوب
المهم بنفس عصيان الأهم أو بالعزم عليه وذلك من جهة ان ما يكون شرطا لوجوب
المهم لو كان بحدوثه شرطا له للزم من ذلك طلب الجمع بين الضدين لا محالة لكنك قد
عرفت ان الامر ليس كذلك واما إذا كان الامر بالمهم يدور حدوثا وبقاء مدار وجود
شرطه فلا محالة يكون طلب المهم في فرض كان فيه الأهم غير متحقق في الخارج ولو كان
ذلك بتركه الارادي ومعه كيف يمكن استلزام فعلية الطلبين معا لطلب الجمع بين الضدين
319

كلا التقديرين لا يعقل اشتراط خطاب المهم به ضرورة ان اشتراطه بالعصيان المتحقق بفعل
المهم يستلزم اشتراط طلب الشيئ بوجوده وهو طلب الحاصل كما أن اشتراطه بالعصيان
المتحقق بصرف القدرة في فعل آخر يستلزم تعلق الطلب بالمحال لأنه يستحيل الاتيان
بالمهم على تقدير صرف القدرة في غيره فكيف يعقل اشتراط طلبه به هذا مضافا إلى أنه
لا موجب لاشتراط خطاب المهم بصرف القدرة في فعل آخر مع وضوح انه لا ارتباط بين
طلب المهم وصرف القدرة فيما هو أجنبي عن الأهم والمهم وبالجملة اشتراط طلب المهم
بعصيان خطاب حفظ القدرة للأهم مع أنه بلا موجب مستحيل في نفسه لان العصيان المزبور
اما ان يتحقق بفعل المهم أو بفعل ما يستحيل معه وجود الأهم وعلى كلا التقديرين لا
يمكن طلب المهم لكونه طلب الحاصل أو المستحيل وهذا البحث مطرد في كل مورد كان
المهم فيه من مصاديق ما به يتحقق عصيان خطاب الأهم ولأجل ذلك لا يمكن (1) الخطاب
الترتبي في موارد اجتماع الامر والنهى بأن يكون الخطاب بالصلاة مثلا مشروطا بعصيان
حرمة الغصب لان عصيان حرمة الغصب اما ان يتحقق في الخارج بفعل الصلاة أو بفعل آخر
غيرها وعلى كل تقدير يستحيل طلب الصلاة عند تحقق عصيان الحرمة المزبورة لأنه
طلب الحاصل أو المستحيل وبالجملة لابد في موارد الخطاب الترتبي من عدم كون المهم
من افراد عصيان خطاب الأهم كما هو الحال مع الإزالة فان الصلاة كغيرها من
الافعال المضادة للإزالة ملازمة لعصيان خطابها لا أنها من افراده فيصح الخطاب بها مشروطا
بعصيانه كما حققناه مفصلا
(واما القسم الثاني) وهو ما إذا وقع التزاحم لأجل توقف واجب فعلى على فعل
محرم أو ترك واجب فاما أن تكون المقدمة فيه سابقة على وجود ذي المقدمة زمانا
كتوقف انقاد الغريق على التصرف في الأرض المغصوبة أو تكون مقارنة له كتوقف
أحد الضدين على ترك الاخر بناء على كونه مقدمة وعلى كل حال فلا بد في اتصاف المقدمة

1 - وستعرف تحقيق الحال بعيد هذا انشاء الله تعالى
320

بالوجوب من كون الواجب المتوقف عليها أهم من غيره المزاحم له لما تقدم من أنه لا
تسقط حرمة المقدمة إلا بكون الواجب المتوقف عليها أهم من تركها ولا وجه للقول
بالتخيير عند عدم الأهمية في البين وهذا بخلاف بقية الافعال من المباحات والمكروهات
والمستحبات فإنها لعدم تعقل مزاحمتها للواجب يزول حكمها بمجرد توقف الواجب
الفعلي عليها فتتصف بالوجوب الغيري لا محالة ثم إنه قد ذكرنا في بحث مقدمة الواجب
انه إذا فرض كون الواجب المتوقف على مقدمة محرمة أهم من تركها ومع ذلك لم
يكن الاتيان بها للتوصل بها إليه فالوجدان أصدق شاهد على انها لا تقع على صفة الوجوب
الغيري ولاجله ذهب الشيخ الأنصاري (قده) إلى اعتبار قصد التوصل في وقوع المقدمة
على صفة الوجوب (واختار) صاحب الفصول (قده) اختصاص الوجوب بالمقدمة التي توصل
بالفعل إلى الواجب المتوقف عليها وقد بينا ما يرد (1) عليهما في البحث المذكور وأشرنا
إلى أن المختار عندنا هو القول بحرمة المقدمة من باب الترتب بمعنى ان الوجوب العرضي
الثابت للمقدمة يزول عنها على تقدير عصيان الواجب المتوقف عليها فيحكم عليها بالحكم
الثابت لها في نفسها مع قطع النظر عن توقف الواجب عليها وتنقيح ذلك انما هو برسم
مقدمتين (الأولى) ان الخطاب المقدمي وإن كان خطابا آخر غير الخطاب النفسي ومترشحا منه
الا انه في مرتبته (2) من حيث اقتضائه لتحقق الواجب النفسي فان الخطاب النفسي كما أنه
يقتضى حصول متعلقه في الخارج ومتعرض لحاله بوضع تقدير الإطاعة وهدم تقدير المعصية
كذلك الحال في الخطاب المقدمي فان المقدمة انما وجبت من حيث الايصال كما افاده
المحقق صاحب الحاشية (قده) والحيثية المذكورة في كلامه (قده) ليست حيثية تقييدية
ليرجع كلامه إلى القول باختصاص الوجوب الغيري بالمقدمة الموصلة ولا حيثية تعليلية

1 - وقد تقدم انه بناء على ثبوت الملازمة بين وجوب الشيئ ووجوب مقدمته لا مناص
عن الالتزام الوجوب خصوص المقدمة الموصلة وانه يستحيل الالتزام بالترتب في موارد
توقف الواجب الفعلي على المقدمة المحرمة فراجع
2 - لا يخفى عليك ان كل خطاب لا يقتضى الا حصول متعلقه في الخارج سواء في ذلك
وجوب النفسي والوجوب الغيري ويستحيل أن يكون وجوب شئ مقتضيا لحصول غير ما
تعلق به فلا وجه لما أفيد في المتن من كون الوجوب الغيري في مرتبة الوجوب النفسي
من حيث اقتضائه لتحقق الواجب النفسي
321

ليقال انه ما هو المراد من الايصال فإن كان المراد منه فعلية الايصال لزم الوجوب
الغيري بالعلة التامة وإن كان المراد منه كون المقدمة قابلة للتوصل بها إلى ما يتوقف
عليها لزم منه القول بوجوب كل مقدمة فلا يكون لما افاده اثر في محل الكلام بل المراد
من الحيثية المتكرر ذكرها في كلامه (قده) هو بيان ان مرتبة الخطاب المقدمي هي بعينها
مرتبة الخطاب النفسي من حيث اقتضائه لتحقق الواجب النفسي فحاله حاله في اقتضاء تقدير
إطاعة الواجب النفسي وهدم تقدير معصيته من دون أن يقتضى شيئا آخر على تقدير تحقق
العصيان وفرض وجوده (الثانية) ان الخطاب المتعلق بالمقدمة لو لم يكن خطابا مقدميا
مترشحا من ناحية الخطاب بذى المقدمة لأمكن أن يكون مقيدا بصورة الاتيان بذى المقدمة
أو بصورة عدم أو يكون مطلقا بالقياس إلى الحالين لكنه بما انه خطاب تبعي قهري لا
محالة يكون تابعا لخطاب ذي المقدمة في الاطلاق والاشتراط وإذ قد عرفت في المقدمة
الرابعة من مقدمات الترتب ان الخطاب (1) لا يعقل فيه الاطلاق والتقييد بالإضافة إلى فرض
اطاعته أو معصيته لا لحاظا ولا ذاتا تعرف انه لا يعقل الاطلاق والتقييد في الخطاب المقدمي
بالإضافة إلى إطاعة الخطاب النفسي ومعصيته أيضا لأن المفروض كونه تابعا له في ذلك
فإذا لم يمكن الاطلاق والتقييد بالإضافة إلى الوجوب النفسي لم يمكن الاطلاق والتقييد
بالإضافة إلى الوجوب الغيري أيضا (إذا عرفت ذلك) فنقول ان ما يمكن أن يكون مانعا
من القول بالترتب في القسم الأول وهو ما إذا كانت المقدمة سابقة في الوجود على وجود
ذي المقدمة امران (الأول) ان القول (2) بالترتب في المقام يستلزم الالتزام بالشرط المتأخر

- وقد عرفت هناك انه لابد من أن يكون الخطاب مطلقا بالإضافة إلى حالتي العصيان
والاطاعة وانه يستحيل الاهمال في مقام الثبوت بالإضافة إلى التقسيمات الأولية أو الثانوية
بل لا بد في كل منهما من ثبوت الاطلاق أو التقييد فإذا كان التقييد مستحيلا كان الاطلاق
ضروريا لا محالة
2 - التحقيق ان يقال إن استلزام القول بالترتب في محل الكلام للالتزام باشتراط حرمة
المقدمة بالشرط المتأخر وإن كان ليس فيه محذور أصلا ولا يتوقف الالتزام به في المقام
على دلالة دليل بالخصوص عليه وذلك لما عرفت من أن القول بالترتب في فرض امكانه
مما لا مناص عنه لان اللازم عنة مزاحمة التكليفين انما هو رفع اليد عن اطلاق خطاب
المهم بقدر ما يرتفع به محذور التزاحم واما الزائد عليه فلا موجب لرفع اليد عنه الا
ان استلزامه لاجتماع الوجوب والحرمة في فعل واحد في زمان واحد يوجب امتناعه
واما ما أفيد في المتن من أن الحكمين ليسا في مرتبة واحدة فلا استحالة في اجتماعهما
فقد عرفت ما فيه وبالجملة إذا توقف واجب فعلى على مقدمة محرمة في نفسها فإن كان
وجوب المقدمة مشروطا بايصالها إلى الواجب النفسي استلزام ذلك التفكيك بين الوجوب
الغيري والوجوب النفسي في الاطلاق والاشتراط وهو محال مع أنه يرد عليه جواز
ترك الواجب النفسي من دون عذر وأن يكون وجوبه مشروطا بوجوده على ما مر بيان
ذلك في بحث المقدمة الموصلة واما إذا كان وجوب المقدمة مطلقا وغير مشروط بالايصال
المزبور استلزم ذلك اجتماع الوجوب والحرمة في المقدمة في زمان واحد فلا مناص في
هذه الموارد من الالتزام باختصاص الوجوب الغيري بالمقدمة الموصلة بناء على ثبوت الملازمة
وبارتفاع الحرمة عن خصوص المقدمة الموصلة ولو على القول بعدم ثبوتها ومن جميع ما
ذكرناه يظهر مواقع النظر فيما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره في المقام فلا تغفل
322

بأن يكون شرط حرمة المقدمة في ظرف الاتيان بها تعقبها بعصيان الخطاب النفسي في ظرفه
وقد مر ان الالتزام بشرطية عنوان التعقب لابد له من دليل يقتضيه كما هو الواقع في
موارد الامر بالمركبات التدريجية من جهة الاشتراط بالقدرة وذلك مفقود في ما نحن
فيه على الفرض (الثاني) انه إذا فرضت حرمة المقدمة في ظرفها لفرض حصول شرطها و
هو تعقب الاتيان بها يتحقق عصيان الواجب المتوقف عليها في ظرفه فبما ان المفروض اتصافها
بالوجوب المقدمي أيضا لعدم سقوط الوجوب النفسي قبل تحقق عصيا أنه في الخارج يلزم
اجتماع الوجوب والحرمة في المقدمة في زمان واحد وهو مستلزم لاجتماع الضدين
(ولكن التحقيق) عدم كون شئ منهما مانعا عن الالتزام بالترتب في المقام (اما الأول)
فلان الخطاب الترتبي في المقام وإن كان يستلزم شرطية عنوان التعقب الا انها لقضاء حكم
العقل بها كما هو الحال في موارد الامر بالمركب التدريجي (توضيح ذلك) ان المقدمة
بعد ما فرض انها محرمة في حد ذاتها ومع قطع النظر عن توقف واجب فعلى عليها وانها
سابقة على ذي المقدمة زمانا وثبت في المقدمة الأولى ان خطابها في مرتبة خطاب الواجب
المتوقف عليها لزم من ذلك اشتراط حرمتها بعصيان ذلك الواجب في ظرفه إذ سقوط
حرمتها إن كان لأجل توقف الواجب الفعلي عليها المقتضى لاتصافها بالوجوب الغيري فقد
عرفت ان الوجوب الغيري انما هو في مرتبة الوجوب النفسي فلا يقتضى الا هدم عصيان الواجب
323

النفسي ووضع طاعته فإذا فرضنا عدم وقوع المقدمة في طريق التوصل إلى الواجب المتوقف
عليها لفرض تحقق عصيان طلبه في ظرفه فلا مقتضى لسقوط حرمتها أصلا ونتيجة ذلك
هو الالتزام باشتراط حرمتها بالتعقب بالعصيان المتأخر لا محالة (واما الثاني) فلا الحكمين
المفروضين في المقام ليسا بمتضادين ليلزم من اجتماعهما اجتماع الضدين بداهة ان تحقق
التضاد بين أمرين لا يكون الا بكون اشغال كل منهما للمحل لعروضه عليه ملازما لاستحالة
عروض الاخر عليه وفيما لم يكن كذلك كما في المقام لما عرفت من أن الحكمين ليسا في
مرتبة واحدة لا يلزم من اجتماعهما محذور أصلا فاجتماع الوجوب والحرمة في المقدمة المحرمة
المتوقف عليها الواجب الفعلي وإن كان لابد منه الا أنهما ليسا بضدين لان وجوب المقدمة على ما
عرفت في مرتبة وجوب الواجب المتوقف عليها فهو لا يقتضى الا وضع تقدير الإطاعة وهدم تقدير
المعصية واما حرمتها فهي ليست في هذه المرتبة على الفرض بل هي في مرتبة المعصية
ومتفرعة عليها فاحد الحكمين هادم لتقدير اخذ موضوعا للحكم الاخر فيكون حال المقام
كحال الاجتماع خطاب الصلاة والإزالة في زمان واحد والملاك في امكان الاجتماع واحد
في المقامين هذا كله في ما إذا كانت المقدمة سابقة في الوجود على وجود ذي المقدمة
واما إذا كانت مقارنة له زمانا كما إذا بنينا على كون أحد الضدين متوقفا على عدم الاخر
فلا يلزم من الالتزام بالترتب فيه الالتزام بالشرط المتأخر فينحصر المحذور المتوهم فيه بما ذكر
في الأمر الثاني من الامرين المذكورين في القسم الأول بتقريب ان ترك الصلاة مثلا
إذا فرض كونه مقدمة للإزالة لزم وجوبه وحرمة فعلها فإذا فرضنا وجوب الفعل بالخطاب
الترتبي استلزام ذلك اتصاف الفعل والترك بالوجوب في زمان واحد وجوابه ما عرفت
من أنه لا مانع من اجتماع خطابين كذلك في زمان واحد بعد اختلافهما في الرتبة وكون
أحدهما هادما لتقدير اخذ موضوعا للخطاب الاخر (وقد اورد) بعض المحققين (قده)
على الخطاب الترتبي في هذا القسم بأنه يستلزم اجتماع الوجوب والحرمة في طرف
الأهم بتقريب ان الإزالة مثلا واجبة بالفعل لكونها أهم من الصلاة على الفرض وبما
ان تركها مقدمة للصلاة الواجبة بالخطاب الترتبي يكون واجبا بالوجوب الغيري الناشئ
من وجوب الصلاة فيلزم اتصاف فعل الأهم وتركه بالوجوب في زمان واحد وفي رتبة
واحدة وهذا معنى ما ذكرناه من اجتماع الوجوب والحرمة في فعل الأهم ولا يندفع
324

هذا المحذور بما اندفع به محذور اجتماع الحكمين في طرف المهم من الالتزام
بالترتب فيه إذ المفروض ان خطاب الأهم مطلق وغير مترتب على عصيان خطاب المهم
(ويرده) ان ترك الإزالة وإن كان مقدمة للصلاة إلا أنه من شرائط وجوبها ويستحيل
اتصاف شرط الوجوب بالوجوب المقدمي فلا يلزم المحذور المذكور وإن كان بناء
الاشكال المزبور على لزوم تقدم البعث على الانبعاث زمانا بتوهم ان زمان الصلاة مثلا
بما انه بعينه زمان ترك الإزالة لابد من تقدم وجوب الصلاة عليه وهو يستلزم وجوب
ترك الإزالة ولو فرض كونه مقدمة وجوبية أيضا فهو مردود مضافا إلى فساد المبنى المذكور
بان خطاب الصلاة ولو فرض تقد مه على ترك الإزالة زمانا الا انه لا يخرج بذلك عن
تأخره عن رتبته لكونه مشروطا به فلا يعقل ان يترشح منه وجوب على ما هو كالعلة
لفعليته وتحققه هذا مضافا إلى أن أخذ شئ شرطا للوجوب مستلزم اخذه مفروض الوجود
في مقام الجعل والخطاب على ما هو الشأن في القضايا الحقيقية فكيف يعقل ان يترشح
عليه طلب من الطلب المجعول على فرض وجوده في الخارج (وبالجملة) المانع عن
سراية الوجوب المقدمي إلى مقدمة الوجوب ثلثة أمور (الأول) تقدم رتبتها على الوجوب
المعلول لها ويستحيل أن يكون المعلول علة لوجوب علته والالزم (1) تقدم الشيئ على
نفسه (الثاني) لزوم كون مقدمة الوجوب مفروض الوجود في ظرف الخطاب وهو
ينافي تعلق الطلب به من قبل الطلب المجعول على فرض وجود (الثالث) تأخر الوجوب
عن المقدمة زمانا فيستحيل أن تكون واجبة من قبل الوجوب المتأخر عنها وهذا الوجه
وان اختص بالمقدمات الوجوبية السابقة على الوجوب زمانا أعني بها المقدمات التي
أخذت بوجوداتها المنقضية شرطا للوجوب الا أن الوجهين الأولين يطردان في جميع
مقدمات الوجوب ولعل المانع من اتصاف مقدمة الوجوب بالوجوب الغيري في نظر المحقق
المزبور كان مختصا بهذا الوجه ولاجله ذهب بناء على لزوم تقدم زمان الخطاب على زمان

1 - توضيحه ان وجوب المقدمة بما انه في مرتبة سابقة على وجودها ومعلول لوجوب ذي
المقدمة لا بد من أن يكون وجوب ذي المقدمة أيضا في مرتبة سابقة على المقدمة وبما ان
وجوب ذي المقدمة معلول للمقدمة الوجوبية يكون متأخرا عن وجودها لا محالة ففرض
كون المقدمة الوجوبية واجبة بوجوب مترشح من الوجوب المتوقف عليها يستلزم تقدم
الشيئ على نفسه
325

الامتثال إلى استلزام القول بالترتب في هذا القسم لوجوب ترك الأهم بالوجوب المقدمي
مع فرض كو أنه مقدمة للوجوب لأن المفروض هو اتحاد زمان ترك الأهم وفعل المهم
وقد فرضنا تقدم خطاب المهم على زمان وجوده فخطاب المهم يكون سابقا على زمان
ترك الأهم فترك الأهم لتوقف وجود المهم عليه يتصف بالوجوب المقدمي فيلزم من القول
بالترتب في المقام اجتماع الوجوب والحرمة في الأهم في زمان واحد (وأنت) بعد ما
ظهر لك امتناع اتصاف مقدمة الوجوب بالوجوب الغيري لما عرفت من الوجهين الأولين
المطردين في جميع الموارد يتضح لك بطلان الايراد المذكور ان توقف المحقق المذكور
(قده) عن القول بالترتب لأجله وتشنيعه على المحقق صاحب الحاشية (قده) لأجل ذهابه
إلى الترتب ليس في محله (واما القسم الثالث) وهو ما إذا كان التزاحم ناشئا من ملازمة
وجود الواجب لوجود الحرام اتفاقا كما إذا فرضنا حرمة استدبار الجدي المستلزم لوقوع
التزاحم بينها وبين وجوب استقبال القبلة بالنسبة إلى أهل العراق مثلا فإن لم يكن أحد
الحكمين أهم من الاخر سقط كلا هما والأقدم الأهم وسقط خطاب المهم رأسا ولا يمكن
الالتزام بالترتب في هذا الفرض لان عصيان خطاب الأهم كاستقبال القبلة في المثال على
تقدير كونه الأهم لا يكون الا باستدبارها فتعلق الخطاب به معلقا على عصيان وجوب
الاستقبال يستلزم طلب الحاصل وهو غير معقول (واما القسم الرابع) وهو ما إذا وقع
التزاحم لأجل اتحاد متعلق الأمر والنهي في الوجود كما في موارد اجتماع الأمر والنهي
فلا يعقل الخطاب الترتبي فيه أيضا (1) لما أشرنا إليه من أن عصيان خطاب النهى اما
أن يكون باتيان متعلق الأمر أو بضد آخر غيره وعلى الأول يلزم من الخطاب الترتبي
طلب الحاصل وعلى الثاني يلزم منه طلب أحد الضدين على تقدير وجود الضد الاخر و

1 - التحقيق في هذا المقام انا إذا قلنا بامتناع اجتماع الامر والنهى اما لدعوى سراية
كل من الامر والنهى من متعلقه إلى متعلق الاخر أو لدعوى ان التركيب بين المأمور به
والمنهى عنه في المجمع إتحادي لا انضمامي فلا معنى للقول بالترتب في موارد اجتماع الامر
والنهى كما أفيد في المتن واما إذا قلنا بالجواز لكون التركيب انضماميا وبطلان دعوى
السراية المذكورة فما به يتحقق العصيان انما هو وجود مغاير لوجود المأمور به فلا مانع
من الالتزام فيه بالترتب كما هو الحال في غير المقام من موارد التزاحم بين الواجب والحرام
وسيجيئ الكلام في ذلك فيما بعد انشاء الله تعالى
326

مرجعه إلى طلب الجمع بين الضدين وهو محال أيضا واما توهم امكان ترتب خطاب المهم
على العزم على عصيان خطاب الأهم لا على نفس العصيان فمدفوع بما مر من أنه لا يمكن تصحيح
الخطاب الترتبي باشتراط العزم على العصيان لابد في تصحيحه من كون نفس العصيان
شرطا لخطاب المهم (واما القسم الخامس) وهو التزاحم الناشئ من جهة تزاحم نفس
الملاكين لقيام الاجماع على عدم تأثير أحدهما كما تقدم بيانه لا من جهة عجز المكلف
عن الامتثال فعدم جريان الترتب فيه أوضح (1) من أن يخفى
* (المقصد الثاني في النواهي) *
(فصل) الحق ان المطلوب في النواهي هو نفس (2) ترك الفعل وعدمه دون

1 - قد تقدم عدم دخول هذا القسم في أقسام التزاحم ليقع الكلام في امكان الالتزام
بالترتب فيه وعدم امكانه.
2 - التحقيق ان متعلق النهى انما هو الفعل ومعنى النهى عنه هو الزجر عنه الناشئ من اشتماله
على المفسدة فالنزاع في كون المطلوب في النواهي هو الكف عن الفعل أو نفس تركه
باطل من أصله نعم ربما يكون الترك مطلوبا لاشتماله على المصلحة الداعية إلى طلبه لكن
ذلك يرجع إلى ايجاب الترك وهو أجنبي عن تحريم الفعل كما هو ظاهر (ثم إن المصلحة)
إذا كانت قائمة بترك طبيعة فتارة تكون المصلحة قائمة بمجموع التروك المركبة من
ترك كل واحد واحد من افراد تلك الطبيعة واخرى تكون المصلحة قائمة بكل واحد واحد
من التروك وثالثة تكون قائمة بعنوان بسيط متولد عن مجموع التروك في الخارج فعلى
الأول لابد من جعل حكم واحد متعلق بمجموع التروك فلا يحصل امتثاله الا إذا تحقق
جميع التروك في الخارج وهذا هو الحال في القسم الثالث أيضا غاية الأمران المأمور به
في القسم الأول أمر مركب من التروك الخارجية وفي القسم الثالث أمر بسيط متولد منها
واما القسم الثاني فالمجعول في مورده احكام متعددة تعلق كل واحد منها بترك فرد من
افراد تلك الطبيعة وعليه فامتثال التكليف بترك بعض الافراد لا ينافي عصيانه بفعل بعضها
الاخر ويترتب على ذلك أنه إذا شك في صدق تلك الطبيعة على فعل خارجي لشبهة
موضوعية جاز ارتكابه لرجوع الشك فيه إلى الشك في حكم مستقل والمرجع فيه هي
البراءة عقلا ونقلا واما القسم الأول فالرجوع فيه إلى البراءة وعد مه يبتنى على القول
بالرجوع إلى البراءة في موارد الشك في الأقل والأكثر الارتباطيين وعدمه لأن الشك
في هذا القسم فرد من موضوع تلك الكبرى الكلية واما القسم الثالث فلا مناص فيه عن
القول بالاشتغال لرجوع الشك فيه إلى الشك في تحقق الامتثال بعد العلم بالتكليف ومن
الواضح انه مورد الاشتغال دون البراءة ولا يفرق الحال فيما ذكرناه من الرجوع إلى
البراءة على تقدير والرجوع إلى الاشتغال على تقدير آخر بين كون طلب الترك طلبا
نفسيا وكونه طلبا غيريا
327

الكف عنه (وتوهم) ان عدم الفعل أزلي خارج عن القدرة فلا يمكن تعلق الطلب به
(مدفوع) بان عدم القدرة عليه في الأزل لا ينافي القدرة عليه في ظرف القدرة على ايجاده
بل لا مناص عن ذلك لان القدرة على الوجود تلازم القدرة على العدم لا محالة
ثم لا يخفى ان الامر والنهى يشتركان في أن كلا منهما يتعلق بالماهية التي لم
يلحظ فيها الوجود والعدم ويفترقان في أن هيئة النهى تدل على طلب اعدام المادة و
هيئة الامر تدل على طلب ايجادها فيكون متعلق الطلب في طرف الامر هو صرف وجود
الطبيعة كما أن متعلق الطلب في طرف النهى هو صرف ترك الطبيعة ولذا لا يتحقق امتثاله
الا بترك جميع (1) افراد متعلقه بخلاف الامر فان امتثاله يتحقق بايجاد أول وجود من

1 - قد عرفت آنفا ان ما تعلق به النهى هو بعينه متعلق الأمر غاية الأمر ان النهى عنه
يكون زاجرا عنه والامر به يكون باعثا إليه فلا يبقى لدعوى ان متعلق النهى هو صرف
ترك الطبيعة ولذا لا يتحقق امتثاله الا بترك جميع افرادها مجال أصلا هذا مع أن صرف
الوجود كما أنه يتحقق بأول وجود من الوجودات كذلك صرف الترك يتحقق بأول ترك
من التروك فما يكون هو الفارق بين الامر والنهى (والتحقيق) في هذا المقام ان يقال إن الامر
بما انه ينشأ من وجود مصلحة في متعلقه داعية إلى طلبه وهى غالبا تترتب على صرف
الوجود يكون الامر بالطبيعة من دون نصب قرينة كاشفا عن تعلق الطلب بصرف الوجود
المتحقق بايجاد فرد من افراد تلك الطبيعة وهذا بخلاف النهى فإنه انما ينشأ عن اشتمال
متعلقه على مفسدة داعية إلى الزجر عنه وهي غالبا تترتب على كل فرد فرد من افراده
فإذا نهى عن طبيعة كانت تلك الغلبة الارتكازية قرينة عامة على أن النهي متعلق بكل
فرد باستقلاله بحيث انه لو كان متعلقا بصرف الوجود لكان بيان ذلك محتاجا إلى نصب
قرينة خاصة وهذا هو الفرق بين الامر والنهى مع أن كلا منهما يتعلق بالفعل على ما
عرفت (وبتقريب آخر) ان جميع ما يمكن ان ينطبق عليه في الخارج عنوان فعل ما من
الافعال كالصلاة يستحيل ايجاده من المكلف بالضرورة فلا محالة يكون الطلب متعلقا ببعض افراده
دون جميعها وبما انه غير مقيد بحصة خاصة يكون مقتضى اطلاقه جواز الامتثال
بكل فرد من افراده أراد المكلف ايجاده في الخارج وهذا بخلاف النهى الزاجر عن الفعل
فان الانزجار عن بعض الافراد حاصل بالضرورة فيستحيل الزجر عنه فلا بد من تعلق الزجر
بكل واحد واحد من افراد متعلقه ليترتب عليه انزجار المكلف عن ارتكابه وبالجملة متعلق الأمر
والنهى وإن كان هو نفس الفعل الا ان جواز الاكتفاء باتيان فرد واحد من المأمور
به وعدم جواز الاكتفاء بترك فرد واحد من المنهى عنه انما هو من خصوصيات تعلق
الامر والنهى به لا من جهة اختلاف متعلقهما فتدبر ذلك فإنه دقيق وبه حقيق
328

افراد متعلقه (ثم) ان ترك الطبيعة تارة يكون (1) مطلوبا استقلالا وملحوظا بنحو
المعنى الأسمى بان يكون المطلوب خلو صحيفة الوجود عن تلك الطبيعة فيكون ترك
الافراد حينئذ ملازما للمطلوب لا نفسه واخرى يكون مرآتا وبنحو المعنى الحرفي
توصلا به إلى طلب ترك افرادها فالمطلوب في الحقيقة هو ترك نفس تلك الافراد و
يلزمه خلو صحيفة الوجود عن الطبيعة ويتفرع على الأول انه إذا عصى النهى بايجاد فرد
من تلك الطبيعة سقط النهى ولا يبقى لامتثاله بعده مجاله أصلا واما على الثاني فعصيان
النهى بايجاد بعض افراد المنهى عنه لا يوجب سقوطه عن غيره من افراد الطبيعة المنهى
عنها لان النبي إذا كان انحلاليا وكان كل فرد من افراد المنهى عنه محكوما بحكم مستقل
فسقوط النهى في بعض الافراد لا يوجب سقوطه في غيره وهذا القسم هو الغالب في موارد
النهى سواء كان له موضوع خارجي تدور فعلية الحكم مدار فعليته كما في لا تشرب الخمر أم
لم يكن له ذلك بل كان المتعلق للنهي فعل المكلف الذي لا تعلق له بموضوع خارجي كما
في لا تكذب لان الغالب ان النهى ينشأ من مفسدة في متعلقه فلا محالة يشترك جميع الافراد
في تلك المفسدة وذلك يستلزم انحلال النهى إلى نواهي متعددة بتعدد افراد
الطبيعة المنهى عنها من دون فرق في ذلك بين كون ترك الطبيعة مطلوبا نفسيا كما في
المثالين المتقدمين وكونه مطلوبا غيريا كما في النهى عن الصلاة في النجس لان النهى
في كلا المقامين ظاهر في الانحلال وان الطلب النفسي أو الغيري متعلق بترك كل فرد فرد
لا بترك نفس الطبيعة بنحو المعنى الأسمى (ثم إنه) قد ظهر مما ذكرناه ان النهى بالنسبة

1 - قد عرفت ان هناك قسما آخر وهو تعلق الطلب بمجموع التروك فيكون ترك كل
فرد في هذا القسم جزءا من المطلوب لا نفسه ولا جزء ما يلازمه
329

إلى الافراد العرضية وهي الافراد التي يمكن للمكلف ايجاد كل واحد منها فعلا انما هو
بأخذ ترك الطبيعة حال تعلق الطلب به فانيا في معنوناته التي هي عبارة عن ترك كل
واحد واحد من الافراد الخارجية واما انحلال النهى بالنسبة إلى افراد الطولية (1)
وبقائه في الان الثاني بعد امتثاله في الان الأول فهو انما يمكن بأحد وجهين (الأول)
أن يؤخذ الزمان في ناحية المتعلق بأن يكون شرب الخمر في كل زمان مثلا محكوما بالحرمة
فيكون الشرب في الان الثاني حراما وان امتثل النهى في الان الأول بترك تمام افراد الطبيعة
(الثاني) أن يؤخذ الزمان في ناحية الحكم بأن يكون الحكم المتعلق بترك الطبيعة باقيا في الأزمنة
اللاحقة وبما انه لا دليل على اخذ الزمان في ناحية المتعلق ولا معنى لتحريم شئ يسقط بامتثاله
آنا ما كان دليل الحكمة مقتضيا لبقاء الحكم في الأزمنة اللاحقة أيضا (فان قلت) ان ما ذكرته
من ثبوت الحكم وبقائه في الان الثاني كثبوته في الان الأول ينافي ما افتى به الفقهاء في باب النذر
من أنه إذا تعلق النذر بترك فعل كشرب التتن ونحوه فحرمته تسقط بمجرد تحقق العصيان
آنا ما فلا يحرم على الناذر شربه بعد ذلك نعم لو كان قصد الناذر ترك شربه في كل آن
بنحو يكون الزمان قيدا للموضوع لبقى الحكم بعد تحقق الحنث أيضا (قلت) (2) قد عرفت

1 - لا فرق بين الافراد العرضية والطولية في ذلك أصلا فان الطبيعة المنهى عنها إذا لم
تتقيد بقيد خاص ولو كان ذلك هو التقييد بزمان مخصوص كان مقتضى اطلاقها هو الزجر
عن كل فرد من افرادها بخصوصه لا بمعنى ان كل خصوصية من الخصوصيات دخيلة في ثبوت
الحرمة بل بمعنى ان كل وجود بما هو وجود الطبيعة الملغاة عنها خصوصياتها متعلق للزجر
فالافراد الطولية متعلقة للزجر بنفس ملاك تعلق الزجر بالافراد العرضية وبذلك يظهر
عدم صحة ما أفيد في المتن من انحصار استفادة شمول النهى للافراد الطولية بالوجهين
المذكورين فيه فلا تغفل.
2 - لا يخفى عليك ما في هذا الاشكال وجوابه من عدم ارتباطه بمحل الكلام أصلا لان الناذر
يلزم نفسه بنذره بايجاد فعل أو بتركه والشارع قد حكم بوجوب الوفاء عليه فالمتحقق
في مورده انما هو وجوب الفعل أو الترك وأين ذلك من التحريم المدعى فيه انحلاله بانحلال
افراد متعلقه ثم إن وجوب الوفاء بالنذر تابع لقصد ناذره فان قصد به ترك فعل ما على
نحو العموم الاستغراقي فالواجب عليه هو الوفاء بالإضافة إلى كل ترك في نفسه فيجب عليه بعد تحقق
الحنث في بعض الافراد الوفاء بنذره في غيره وان قصد بنذره ترك ذلك الفعل على نحو العموم المجموعي
لم يبق لوجوب الوفاء بعد تحقق الحنث مرة واحدة محل أصلا ولو شك الناذر بعد نذره
في كيفيته فأصالة البراءة عن الزائد على وجوب واحد تقتضي جواز ايجاد الفعل بعد تحقق
الحنث بارتكاب ذلك الفعل مرة واحدة
330

ان استمرار الحكم وبقائه انما هو بدليل الحكمة ودليل الحكمة في المقام انما يجرى قبل
تحقق الحنث واما بعده فلا مقتضى لبقاء الحكم أصلا لأن المفروض ان الحرمة لم تنشأ عن
مفسدة في شرب التتن ليشترك فيها جميع افراده العرضية والطولية بل الحرمة انما نشأت
عن مفسدة في الحنث فإذا تحقق في الخارج لم يبق مقتض لبقاء الحكم واستمراره بعده
وهذا هو الفارق بين موارد النذر وموارد النواهي الناشئة من المفاسد المتحققة في نفس متعلقاتها
* (فصل في مبحث اجتماع الأمر والنهي) *
المشهور بين الأصحاب في عنوان البحث جعل محل النزاع هو جواز اجتماع الامر
والنهى في شئ واحد ذي جهتين وامتناعه ولكن الأولى أن يجعل عنوان البحث على وجه
آخر وذلك بأن يقال إذا تعلق أمر ونهى بشيئين اتحدا في الخارج وجودا وايجادا فهل
يوجب ذلك سراية كل منهما إلى ما تعلق به الاخر ليلزم سقوط أحدهما لامتناع اجتماع
الحكمين المتضادين في مورد واحد أوان اتحاد الوجودين في الخارج لا يوجب السراية
المذكورة فلا يلزم من ثبوت الحكمين فيه اجتماع الضدين (وجه الأولوية) ان العنوان المعروف
يوهم ان القائل بالجواز لا يعترف بتضاد الحكمين فلذا يقول بجواز اجتماعهما مع أن الامر
ليس كذلك بل هو انما يدعى الجواز لا دعائه عدم لزوم اجتماع الحكمين من اتحاد المتعلقين
خارجا لا انه يدعى جوازه بعد تسليم تحقق اجتماعهما ضرورة ان استحالة اجتماع الحكمين
بعد وضوع التضاد بينهما لا تكاد تخفى على عاقل فضلا عن فاضل فالنزاع انما هو في
استلزام ثبوت الحكمين وفعليتهما لاجتماعهما في شئ واحد وعد مه لا في جواز الاجتماع وامتناعه
ثم إنه يقع الكلام في المقام في جهتين (الأولى) في سراية كل واحد من الامر والنهى
إلى متعلق الاخر وعدمه ومنشأ النزاع في هذه الجهة هو النزاع في أن الجهتين المتحققتين
في المجمع تعليليتان أو تقييديتان ويترتب على القول بالسراية المزبورة وقوع التعارض
بين دليلي الواجب والحرام وعلى القول بعدمها عدمه وذلك لان الجهتين إذا كانتا
تعليلتين تعلق الامر بما تعلق به النهى بعينه فيقع التعارض بين الدليلين لا محالة وهذا بخلاف
331

القول بعدم السراية فان تعدد متعلق الأمر والنهى لأجل كون الجهتين تقييدتين ينفى
موضوع التعارض بالضرورة (الثانية) في أن الجهتين إذا كانتا تقييديتين فهل يوجب انطباقهما
على شئ واحد وقوع التزاحم بين حكميهما أولا (1) والنزاع من هذه الجهة يبتنى على أن
اعتبار القدرة في متعلق التكليف هل هو من جهة حكم العقل بقبح خطاب العاجز أو من
جهة اقتضاء نفس الطلب ذلك فان قلنا بالأول فالفرد المأتى به وإن كان غير مقدور عليه لان
الممنوع شرعا كالممتنع عقلا الا أنه يصح الاتيان به بداعي امتثال الامر بالطبيعة لما
افاده المحقق الثاني (قده) من كفاية القدرة على بعض افراد الطبيعة في صحة الامر بها
فان انطباق الطبيعة على فردها قهري والاجزاء عقلي واما إذا قلنا بالثاني واعتبرنا في تحقق
الامتثال القدرة على الفراد بخصوصه فلا محالة يقع التزاحم بين الحكمين لما عرفت من أن
الممنوع شرعا كالممتنع عقلا فلا بد من سقوط النهى ليكون المجمع مقدورا ويقع
به الامتثال من دون عصيان أو سقوط الامر ليتمحض الاتيان بالمجمع في كونه معصية من
دون امتثال فكونه امتثالا من جهة وعصيانا من جهة أخرى مستحيل على هذا التقدير
بالضرورة (ثم إن النزاع) من هذه الجهة لابد من أن يكون مع وجود المندوحة إذ وقوع
التزاحم بين الحكمين مع عدم المندوحة وانحصار الطبيعة المأمور بها في المجمع واضح
لا يخفى ومن اعتبر قيد المندوحة في محل الكلام قد نظر إلى ذلك واما النزاع من الجهة
الأولى وهى سراية كل من الحكمين إلى متعلق الاخر وعدمها فلا يفرق فيه بين وجود المندوحة
وعد مها كما هو واضح إذا عرفت ذلك فلا بد لتحقيق المقام من تقدم مقدمات ينتفع بها
في كلتا الجهتين أو في خصوص إحديهما
المقدمة الأولى في تحقيق الحال في كون هذه المسألة أصولية أو غير أصولية
(فنقول) يمكن أن تكون المسألة كلامية باعتبار (2) انها يبحث فيها عن استحالة
اجتماع الحكمين في مورد واحد وجوازه وبما ان الامر والنهى من الأمور الواقعية
يصح البحث عن امتناع اجتماعهما وجوازه (ويمكن) أن تكون المسألة فرعية (3)

1 - سيأتي تحقيق الحال في ذلك في محله انشاء الله تعالى
2 - المسائل الكلامية وإن كانت مسائل عقلية الا أنه ليس كل مسألة عقليه يتكلم فيها
عن الاستحالة والامكان مسألة كلامية وذلك ظاهر لا يكاد يخفى.
3 - البحث عن صحة عبادة أو معاملة وإن كان من الأبحاث الفقهية الا أن البحث في المقام
ليس بحثا عن صحة العبادة وفسادها لان البحث في محل الكلام متمحض في لزوم اجتماع
الحكمين في فعل واحد وعدم لزومه واما الحكم بصحة العبادة على القول بالجواز فهو
ثمرة ثمراته لا انه بنفسه هو محل الكلام في المقام
332

باعتبار انه يبحث فيها عن صحة الاتيان بالمجمع وحصول الامتثال به وعدمها (ويمكن)
أن تكون المسألة من المبادى الاحكامية باعتبار انه يبحث فيها عن استلزام (1) حرمة
الشيئ ووجوبه لعدم الاخر وعدم استلزامه له فيكون البحث فيها نظير البحث عن استلزام
وجوب الشيئ لو جوب مقدمته أو لحرمة ضده غاية الأمر ان البحث فيها عن لازم حكم
واحد وفي ما نحن فيه عن لازم حكمين (ويمكن) أن تكون المسألة أصولية عقلية اما
كونها عقلية فلما أشرنا إليه سابقا من أن الأحكام العقلية على قسمين (فتارة) يحكم العقل
بشئ من دون توسط حكم شرعي كحكمه بحسن شئ أو قبحه وهذا القسم يسمى
بالمستقلات العقلية (واخرى) يحكم بشئ بعد صدور حكم شرعي من المولى كمباحث
الاستلزامات كلها ويسمى هذا القسم بالأحكام العقلية غير المستقلة ومسئلتنا هذه من
القسم الثاني فإنها يبحث فيها عن استلزام اجتماع متعلقي الحكمين في مورد واحد لسقوط
أحدهما وعدم استلزامه له واما كونها أصولية فباعتبار ان نتيجة البحث فيها تقع في طريق
الاستنباط فإنه إذا أتى بالمجمع ترتبت على جواز الاجتماع وعدم سقوط شئ من
الحكمين صحة العبادة كما أنه يترتب على القول بامتناعه ولزوم سقوط أحدهما فسادها
ولكن التحقيق (2) ان المسألة من المبادى التصديقية ضرورة انه لا يترتب فساد العبادة

1 - لا ينبغي الريب في أن كل حكم من الأحكام الخمسة يستلزم عدم غيره لتضاد الاحكام
بأسرها وليس ذلك محل الكلام في المقام أصلا بل الكلام متمحض في ما عرفت من لزوم اجتماع
الحكمين في فعل واحد وعدم لزومه
2 - بل التحقيق ان هذه المسألة من المسائل الأصولية لان ترتب صحة العبادة على القول
بالجواز كاف في كون المسألة أصولية لان وقوع نتيجة المسألة في طريق الاستنباط الذي
هو ملاك كون المسألة أصولية يكفي فيه كونها كذلك في الجملة ولا يعتبر فيه كون نتيجة
المسألة على جميع التقادير واقعة في طريق الاستنباط مثلا مسألة البحث عن حجية الخبر
الواحد مسألة تقع نتيجتها في طريق الاستنباط على تقدير القول بحجيته لأنه إذا لم نقل
بها لم تقع نتيجتها في طريق الاستنباط ابدا لكن المسألة مع ذلك أصولية بلا اشكال فالقول
بعدم الجواز في محل البحث وان لم يترتب عليه القول بفساد العبادة الا ان ترتب القول
بالصحة بالاتيان بالجمع على القول بالجواز كاف بنفسه في كون المسألة أصولية.
333

على القول بالامتناع بل القول به يوجب دخول دليلي الوجوب والحرمة في باب التعارض
واجراء احكامه عليهما ليستنبط من ذلك حكم فرعى وقد عرفت فيما تقدم ان الميزان
في كون المسألة أصولية هو ترتب نتيجة فرعية عليها بعد ضم صغرى نتيجة تلك المسألة
إليها وليس ذلك متحققا في ما نحن فيه قطعا وعليه فالنزاع وعليه فالنزاع في الجهة الأولى يدخل في
مبادى بحث التعارض كما أن النزاع في الجهة الثانية يدخل في مبادى بحث التزاحم
المقدمة الثانية ان المعاني التي تفهم من الألفاظ وبهذا الاعتبار تسمى بالمفاهيم
(تارة) تلاحظ بما انها مدركات عقلية (واخرى) بما أنها منطبقة على مصاديقها في الخارج
فهي باعتبار اللحاظ الأول تكون بسيطة ابدا كما أشرنا إليه فيما تقدم من مباحث الحروف
والمشتقات ومتباينة بعضها بالنسبة إلى بعضها الاخر وكليات (1) وجزئيات عقلية غير قابلة
للصدق على ما في الخارج واما باعتبار اللحاظ الثاني فهي تنقسم إلى بسائط ومركبات
خارجية باعتبار تركبها من العادة والصورة ومركبات تحليلية باعتبار تركبها من الجنس
والفصل وتعرضها إحدى النسب الأربع التي ستعرف تفصيلها وملاكها ويطلق عليها
الكليات أو الجزئيات الطبيعية ومن هذا البيان يظهر فساد ما استند إليه بعض القائلين
بجواز اجتماع الامر والنهى من أن متعلق الأمر مفهوم مباين لما تعلق به النهى فالاجتماع
انما هو في مقام الامتثال لا في مقام التكليف ليلزم منه اجتماع الضدين في موضوع واحد
وجه الظهور ان تباين المفاهيم في مقام التعقل والإدراك وإن كان صحيحا الا أنها بهذا
الاعتبار لا يعقل تعلق التكليف بها لأنها كليات عقلية يمتنع صدقها على الخارجيات فما تعلق
به التكليف لا مناص من التي أم يكونه من الكليات الطبيعية الملحوظة فانية في مصاديقها وعليه فلا
تكون النسبة بين متعلق الأمر ومتعلق النهى نسبة التباين لئلا يلزم الاجتماع في مقام
التكليف (ثم إن) الموجود اما أن يكون موجودا في عالم العين أو في عالم الاعتبار وعلى
كل منهما فاما أن يكون من الموجودات المتأصلة أو من الموجودات الانتزاعية فتكون الأقسام
أربعة (الأول) الموجود المتأصل في العين كالجواهر وجملة من الاعراض كالسواد و

1 - في التعبير عن المفاهيم المتقيدة باللحاظ بالكليات أو الجزئيات العقلية مسامحة واضحة
لا تكاد تخفى على العارف بالاصطلاح
334

البياض ونحوهما (الثاني) الموجود الانتزاعي في العين كالزوجية المنتزعة عن الأربعة
ووجود هذا القسم انما هو بوجود منشأ انتزاعه (الثالث) الموجود المتأصل في عالم
الاعتبار كالوجوب والحرمة والزوجية للزوجين والفرق بين هذا القسم وبين القسم
الثاني ان القسم الثاني لا وجود له الا بوجود منشأ انتزاعه وهذا القسم موجود بنفسه
غاية الأمران وجوده في عالم الاعتبار لا في عالم العين (الرابع) الموجود الانتزاعي في عالم
الاعتبار كسببية شئ للحكم التكليفي أو الوضعي كما في سببية الدلوك وموت المورث
لوجوب الصلاة وملك الوارث فان ما هو الموجود المتأصل في عالم الاعتبار انما هو نفس الحكم
التكليفي أو الوضعي عند تحقق موضوعه في الخارج واما عنوان السببية فهو انما ينتزع
من وجود الموضوع باعتبار تحقق الوجود الاعتباري عند تحققه فيكون حال الامر
الانتزاعي في عالم الاعتبار كحال الامر الانتزاعي الخارجي في أن وجوده انما هو بوجود
منشأ انتزاعه في الوعاء المناسب له (ثم) ان تفصيل الحاصل في النسب الأربع وبيان ملاكها انما هو
بأن يقال إن كل مفهومين اما أن يكون صدوق كل منهما على افراد متحدا مع صدق الاخر على افراده
في ملاك الصدق وجهته أو تكون جهة الصدق في أحدهما مغايرة لجهة الصدق في الاخر وعلى الأول
فلا محالة تكون النسبة بينهما هو التساوي (1) ويستحيل صدق أحدهما على شئ دون الاخر
و (توهم) ان الصدق من جهة واحدة لا يستلزم التساوي بين المفهومين كما في المفاهيم الصادقة على
ذاته المقدسة تعالى (مدفوع) بما عرفت في آخر المشتق من أن صدق المفاهيم على الذات المقدسة
يغاير نحو صدقها على الذوات الأخرى فإنها مفاهيم مقولة بالتشكيك والمرتبة العالية
من كل صفة في ذلك المقام الشامخ متحدة مع المرتبة العليا من الصفة الأخرى وذكرنا هناك
مثالا خارجيا لتصوير ذلك في صفات النفس فقياس صدق المفاهيم المتعددة على الذات
المقدسة بصدق المفاهيم الصادقة على غيرها قياس مع الفارق واما على الثاني فاما أن تكون
الجهتان متعاندتين أولا وعلى الأول فلا محالة تكون النسبة بين المفهومين هو التباين
وعلى الثاني فإن كان كل ما يصدق عليه أحد المفهومين مندرجا تحت المفهوم الاخر فتكون

1 - لا يخفى ان ملاك كون النسبة بين مفهومين هو التساوي انما هو ثبوت الملازمة بين صدقيهما
خارجا كما في صدق مفهوم الضاحك وصدق مفهوم الكاتب على الانسان واما كون جهة
الصدق في أحد المفهومين متحدة مع جهة الصدق في المفهوم الاخر فهو ملاك ثبوت
الترادف بين المفهومين لا ملاك كون النسبة بينهما التساوي كما هو ظاهر
335

النسبة بينهما هو العموم والخصوص المطلق والا فالنسبة بينهما هو العموم والخصوص من
وجه ومن ذلك يظهر ان نسبة العموم والخصوص من وجه يستحيل ان تتحقق بين
جوهرين (1) ضرورة استحالة كون الشيئ الواحد متفصلا بفصلين كل منهما عرض الآخر ليكون
صدق أحد المفهومين من جهة وصدق المفهوم الاخر من جهة أخرى بل النسبة المذكورة انما
تتحقق بين جوهر وعرضي كالحيوان والأبيض أو بين عرضيين كالأبيض والحلو
المقدمة الثالثة قد ذكرنا في مبحث المشتق ان مبادى الاشتقاق مأخوذة يشرط لا سواء
كان ذلك بالإضافة إلى معروضاتها أو بإضافة بعضها إلى بعض ولذلك لا يصح الحمل بينها أصلا
كما هو الحال في الهيولي والصورة حيث لا يحمل أحدهما على الاخر ولا على النوع فلا بد في
صحة الحمل من اخذ المحمول لا بشرط كما في العناوين (2) الاشتقاقية المحمولة على الذات
وفي الجنس والفصل مثلا العلم والعدالة لا يصح حمل أحدهما على الاخر ولا على الذات
المعروضة لهما بخلاف عنوان العالم والعادل كما أن النفس والبدن لا يصح حمل أحدهما
على الاخر ولا على الانسان المركب منهما بخلاف الحيوان أو الناطق (نعم) بين مبادى الاشتقاق
والهيولي والصورة فرق من جهة أخرى وهى ان مبادى الاشتقاق بما ان كلا منها يغاير الاخر
ذاتا ووجودا لا يصح حمل بعضها على بعض ولا على الذات المعروضة له فان اعتباره لا بشرط
لا يخرجه عن حقيقته ولا يوجب اتحاده مع غيره المفروض عدم اتحاده مع بل غاية ما يترتب
على اخذها لا بشرط حمل العناوين الاشتقاقية منها بعضها على بعض أو على الذات المعروضة
لها وهذا بخلاف الهيولي والصورة فإنهما إذا اخذ الا بشرط المعبر عنها حينئذ بالجنس والفصل
صحيح حمل أحدهما على الاخر لما تقدم من أنهما مع كون أحدهما جهة القوة والاخر جهة
الفعلية متحدان في الوجود فإذا اعتبرا بما هما عليه من حد القوة والفعلية المعبر عنها حينئذ

1 - لا يخفى انه كما يستحيل تحقق النسبة بالعموم من وجه بين جوهرين يستحيل أيضا
تحققها بين عرضين وبين جوهر وعرض والسر في جميع ذلك هو ان المقولات بأجناسها
العالية وأنواعها السافله متباينه فما يكون مصداقا للجوهر يستحيل كونه مصداقا للعرض
كما أن ما يكون مصداقا لجوهر أو عرض يستحيل كونه مصداقا لجوهر أو عرض آخر فالنسبة
بالعموم من وجه لا بد أن تكون بين مفهومين عرضيين كالا بيض والحلو أو بين مفهوم عرضي
ومفهوم ذاتي كالحيوان والأبيض
2 - تقدم تحقيق الحال في ذلك في بحث المشتق فراجع.
336

بالمادة والصورة لم يصح الحمل بينهما واما إذا الغى عنهما اعتبار الشرط لائية بالغاء الحد من
كل منهما ولو حظا بما هما عليه من الاتحاد في الوجود صح الحمل بينهما لا محالة
المقدمة الرابعة ان مبادى المشتقات اما أن تكون من سنخ الصفات الجسمانية أو النفسانية
أو تكون من سنخ الأفعال الاختيارية (وعلى الأول) فلا محالة يكون كل منها بحسب الوجود
الخارجي ممتازا عن الاخر كالبياض والحلاة أو العلم والعدالة (وعلى الثاني) فاما أن يكون
أحد المبدئين الصادرين من فاعل واحد مغايرا للاخر وجودا أو ايجادا بمعنى ان ايجاد
أحدهما لا يستلزم ايجاد الاخر كالصلاة والنظر إلى الأجنبية أو لا تكون مغايرا له بل يكونان
موجودين بتأثير واحد اما الأول فلا كلام لنا فيه في بحث اجتماع الامر والنهى واما الثاني
فهو على قسمين لان الموجودين بتأثير واحد اما ان لا تكون الإشارة الحسية إلى أحدهما إشارة
إلى الاخر كاستقبال القبلة واستد بار الجدي أو تكون الإشارة إلى أحدهما عين الإشارة إلى الاخر
اما في القسم الأول فكل واحد من الموجودين يغاير الموجود الاخر لا محالة ولا يكون بينهما
جهة تركيب أصلا غاية الأمر انهما يكونان متلازمين في الوجود واما في القسم الثاني
فلا محالة يتحقق التركيب بينهما كما في الصلاة والغصب لكن التركيب انضمامي لا إتحادي
وهذا بخلاف العنوانين الاشتقاقيين منهما فان التركيب بينهما يكون اتحاديا (والسر) في
ذلك هو ان مبدء الاشتقاق المأخوذ بشرط لا بما انه ماهية واحدة وحقيقة فاردة لا محالة يكون
محفوظا بتمام ماهيته من دون نقصان فيه أين ما سرى بداهة ان البياض الموجود
في الثلج أو الصلاة الموجودة في المكان المغصوب متحد في الماهية مع البياض الموجود
في العاج أو الصلاة الموجودة في المكان المباح كما أن الغصب المأخوذ بشرط لا أيضا ماهية
واحدة (1) سواء وجد في ضمن الصلاة أم في ضمن فعل آخر فلا محالة يكون التركيب بينهما

1 - لا يخفى ان ما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره في هذه المقدمة من لزوم كون مبدأ الاشتقاق
أعني به الفعل الصادر من الفاعل محفوظا في جميع انحاء وجوده هو الأساس لما اختاره
من جواز اجتماع الامر والنهى ولاثبات ان التركيب بين متعلقي الوجوب والحرمة
انضمامي لا إتحادي (والتحقيق) في هذا المقام ان يقال إن الفعل الصادر من المكلف إذا
كان من سنخ الماهيات المتأصلة فالامر كما افاده (قده) ضرورة انه لا تختلف ماهية الشيئ
باختلاف وجوده في الخارج واما إذا كان الفعل الصادر من سنخ المفاهيم الانتزاعية
التي لا يحاذيها شئ في الخارج كما هو الحال في الغصب فالامر ليس كما افاده (قده) ضرورة
انه لا مانع من انتزاع مفهوم واحد جامع لمصاديقه من أفعال متعددة مختلفة الماهيات فالغصب
الجامع لكل تصرف في مال الغير بغير اذنه قد ينتزع من مقولة الأين كما في التصرف في دار
الغير بالكون فيها وقد ينتزع من مقولة أخرى كما في لبس ثوب الغير أو اكل خبزه بغير
اذنه فالغصب المتحقق في ضمن التصرف في الدار مغاير بحسب ماهية منشأ انتزاعه للغصب
المتحقق في ضمن لبس ثوب الغير أو أكل خبزه بغير اذنه فمرجع النزاع في جواز اجتماع
الامر والنهى في مثل الصلاة في المكان المغصوب إلى النزاع في كون الصلاة بنفسها مصداق الغصب
وعدمه وسيجيئ تحقيق ذلك بعيد ذلك انشاء الله تعالى
337

في مورد اجتماعهما تركيبا انضماميا نظير الهيولي والصورة ويستحيل اتحادهما ليكون
التركيب اتحاديا (وهذا) بخلاف معروض المبادى فان ماهيته تختلف في الخارج ولا
تكون وحدة ماهية العرض موجبة لوحدة ماهية معروضه كما أن تعدد الاعراض
القائمة به لا يوجب تعدده مثلا الذات التي يقوم بها المبدء في مورد اجتماع الحلاوة
والبياض كالسكر ذات وفي مورد الافتراق من طرف الحلاوة كالدبس ذات أخرى و
في مورد الافتراق من طرف البياض كالعاج ذات ثالثة فماهية ذات المعروض لا تتعدد
بتعدد المبادى القائمة بها فلا محالة يكون التركيب بين العنوانين الصادقين عليها في
مورد الاجتماع كالأبيض والحلو والمصلى والغاصب اتحاديا لأن المفروض وحدة ذات
المعروض وجودا وماهية والتعدد انما هو في العرضين القائمين به وتعدد العرض
لا يقتضى تعدد معروضه
المقدمة الخامسة قد بينا في بحث المشتق أن صدق كل عنوان اشتقاقي على
ذات معلول لقيام مبدء الاشتقاق بها وعليه فلا محالة تكون جهة الصدق في صدق عنوانين
اشتقاقيين على ذات واحدة جهة تعليلية إذ المفروض انه لا تعدد في ذات المعروض لا
وجودا ولا ماهية بل التعدد انما هو في الاعراض القائمة به وعليه يكون صدق كل من
العنوانين كالمصلى والغاصب على شخص واحد معلولا لعلة غير ما هو علة لصدق الاخر و
قد عرفت آنفا ان التركيب بين العنوانين إتحادي لا انضمامي واما جهة الصدق في صدق
كل من المبادى على فرده المتحقق في مورد الاجتماع فهي جهة تقييدية لأن المفروض
ان كلتا الماهيتين المأخوذتين بشرط لا بعينهما موجودة في مورد الاجتماع وأن
التركيب بينهما انضمامي وعليه تكون الحركة الخارجية من جهة وجود ماهية الصلاة
338

فيها فردا من الصلاة ومن جهة وجود ماهية الغصب (1) فيها فردا من الغصب ومعنى
كون الجهة تقييدية في المقام هو كون الفرد الواحد مندرجا تحت ماهيتين حقيقة
لكون التركيب بينهما انضماميا وهذا بخلاف كون الجهة تقييدية في نفس العناوين
الكلية عند تقييدها بقيد فان المراد من كون الجهة تقييدية فيها هو إضافة قيد إلى المطلق
ليكون به نوعا مغايرا لما هو مقيد بقيد آخر فكون الجهة تقييدية في المقام يوجب
توسعة الفرد الواحد واندراجه تحت ماهيتين وهذا بخلاف تقييد العناوين الكلية فإنه
يوجب تضييقها المانع من صدقها على فاقد القيد فاثر التقييد في كل من الموردين على
عكس اثر التقييد في المورد الاخر (فان قلت) أليست الحركة الواحدة الخارجية
يصدق عليها انها صلاة كما يصدق عليها انها غصب وعليه فلا محالة يكون التركيب بينهما
اتحاديا ويكون كل منهما بالإضافة إلى الاخر لا بشرط للمنافاة الواضحة بين صحة الحمل
واخذ المحمول والموضوع كل منهما بالقياس إلى الاخر بشرط لا فلا فرق بين المبادى
والعناوين الاشتقاقية في أن الجهة في كلتيهما تعليلية لا تقييدية (قلت) ليس الامر كذلك
فان الصلاة من مقولة والغصب من مقولة أخرى منضمة إليها أعني بها مقولة الأين ومن
الواضح ان المقولات كلها متباينة يمتنع اتحاد اثنتين منها في الوجود وكون التركيب

1 - قد عرفت ان الغصب ليس من الماهيات المتأصلة ليستحيل اتحاده مع الصلاة
خارجا وانه من المفاهيم الانتزاعية قابلة الانطباق على ماهيات متعددة وعليه فلا مانع
من انطباقه على الصلاة ولو باعتبار بعض اجزائها فالشأن انما هو في اثبات مغايرة الغصب
للصلاة خارجا وكون وجود كل ماهية مغاير الوجود ماهية أخرى أجنبي عن ذلك بالكلية
(والتحقيق في المقام) ان يقال إن الصلاة مركبة من ماهيات متعددة ولا ينبغي الشك في
عدم صدق الغصب على بعضها كالاذكار ضرورة ان التكلم في الدار المغصوبة لا يصدق عليه
التصرف في الدار قطعا انما الشك في صحة صدق الغصب على الافعال المعتبرة في الصلاة
كالقيام والجلوس والركوع والسجود والصحيح انها من مقولة الوضع أعني بها الهيئة
الحاصلة للجسم باعتبار إضافة بعض اجزائه إلى بعضها الاخر واما الغصب فهو منتزع من
الكون في الدار الذي هو من مقولة الأين فلا يصدق الغصب على شئ منها وتوهم انها من
مقولة الفعل ناشئ من عدم التفرقة بينما يكون من قبيل الفعل العرفي الصادر بالإرادة
والاختيار ومقولة الفعل المعسودة من المقولات التسع العرضية وبيان الفرق بينهما موكول
إلى محله واما الهوى إلى الركوع والسجود أو النهوض منهما إلى القيام فيصدق عليهما الغصب
قطعا لأنهما من أظهر افراد التصرف في ملك الغير المفروض عدم رضاء مالكه به فان قلنا
بأنهما من اجزاء الصلاة كان المأمور به متحد المنهى عنه وجودا فلا مناص عن القبول
بعدم جواز الاجتماع واما إذا قلنا بأنهما من المقدمات كما هو الظاهر فالغصب بالهوى أو
النهوض يكون مقدمة لا يجاد المأمور به وبما ان حرمة المقدمة لا تنافى ايجاب ذي المقدمة
وحصول الامتثال باتيانه إذا لم تكن منحصرة لا بد من القول بجواز الاجتماع وحصول
الامتثال والعصيان بجهة أخرى (هذا) ولكن الظاهر أن السجود الواجب لا يكفي فيه مماسة
الجبهة الأرض بل لا بد فيه من اعتمادها عليها ليصح معه صدق وضع الجبهة على الأرض
ومن الواضح ان الاعتماد على الأرض المغصوبة تصرف فيها فيتحد المأمور به والمنهى عنه
وجودا وعليه فالقول بالامتناع لا يتوقف على كون الهوى والنهوض من اجزاء الصلاة بل
لا بد منه ولو بنينا على كونهما مقدمة للركوع أو السجود أو القيام فتحصل مما ذكرناه ان
ما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره في بيان ضابط كون التركيب اتحاديا وكونه انضماميا
لا أساس له وانما المتبع في كل مورد هي ملاحظة حال ذلك المورد بخصوصه فإن كان
التركيب بين المأمور به والمنهى عنه فيه انضماميا فلابد من القول بالجواز والا فلابد من
القول بالامتناع.
339

بينهما اتحاديا وما ذكر من صدقهما على حركة شخصية واحدة يستلزم تفصل الجنس
الواحد أعني به الحركة بفصلين في عرض واحد وهو غير معقول هذا مضافا إلى أن
الاعراض بسائط خارجية وما به الاشتراك في كل مقولة عين ما به الامتياز فيها بداهة
ان نسبة الحركة إلى المقولات التي تقبل الحركة نسبة الهيولي الأولى إلى الصور فكما
انها لا توجد الا في ضمن صورة كذلك لا توجد الحركة الا في ضمن مقولة وفي
أي مقولة تحققت تكون عينها فالحركة في الكيف لا تزيد على وجود الكيف كما أن الحركة
في الكم أو الأين أو الوضع لا تزيد عليها فالحركة الموجودة في الصلاة مباينة (1)

1 - لا يخفى وضوح ان الحركة الصادرة من المصلى في الدار المغصوبة حركة
واحدة واقعة في الأين وان تلك الحركة الواحدة ينطبق عليها عنوان الغصب لكونها تصرفا
في ملك الغير بغير اذنه فلو كانت الحركة من اجزاء الصلاة كما انها كذلك بناء على كون
الهوى والنهوض من اجزاء الصلاة لا من مقدماتها لما كان مناص عن القول باتحاد الصلاة
والغصب خارجا وقد عرفت آنفا ان الغصب بنفسه ليس من المقولات الحقيقية ليستلزم اتحاده
مع الصلاة اتحاد المقولات بعضها مع بعض كما ذهب إليه شيخنا الأستاذ قدس سره ومن
الغريب في المقام ما افاده (قده) من صدور حركتين من المصلى المزبور في الخارج و
كون إحديهما غصبا والاخرى صلاة لأنه مع وضوح بطلانه في نفسه لبداهة عدم صدور
حركتين من المصلى في آن واحد يرد عليه ان كلا من الحركتين بما انها واقعة في الدار
المغصوبة تكون غصبا لأنها تصرف في مال الغير بغير إذ أنه فكيف يعقل أن تكون
إحديهما غصبا والاخرى لا تكون كذلك مع أنهما مشتركتان في ملاك الغصب
ومما ذكرناه يظهر مواقع النظر في بقية ما افاده قدس سره في المقام فلا حاجة إلى
إطالة الكلام.
340

للحركة الموجودة في ضمن الغصب لفرض انهما من مقولتين متباينتين ففرض كون الحركة
الواحدة مصداقا للصلاة والغصب معا يستلزم اتحاد مقولتين متباينتين في الوجود وهو
مستحيل وتوهم ان الحركة الخارجية المحققة لعنوان الغصب معروضة للصلاة فلا
يترتب على وحدتها اتحاد المقولات مدفوع أولا بان الحركة بما انها عرض قائم بغيره
يستحيل كونها معروضة لعرض آخر لامتناع قيام العرض بمثله وثانيا ان اجتماع
الغصب والصلاة في مورد واحد لا يتوقف على فرض حركة المصلى بل يمكن فرضه
حال سكونه أيضا ومن ذلك يظهر ان محقق الغصب انما هو نفس هيئة الكون في المكان
التي هي عبارة عن مقولة الأين واما الصلاة فهي من مقولة أخرى وعليه يكون التركيب
بينهما تركيبا انضماميا نظير التركيب الانضمامي بين الهيولي والصورة نعم التركيب
الانضمامي في المقام يغاير التركيب الانضمامي بين الهيولي والصورة من جهة ان الهيولي
بالإضافة إلى الصورة جهة القوة كما أن الصورة بالإضافة إلى الهيولي جهة الفعلية وهذا
بخلاف المقام فان كلا من العرضين أجنبي عن الاخر وفعليته بنفسه فنسبة كل منهما إلى
الاخر نسبة التشخص إلى المتشخص فكما ان الصلاة قد تتشخص بوقوعها في غير الدار
الغصبية كذلك تتشخص بوقوعها فيها وهكذا الغصب قد يتشخص بغير الصلاة وقد يتشخص بها
المقدمة السادسة قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه أن محل الكلام في المقام هو
ما إذا كان ما تعلق به الامر والنهى طبيعتين متغايرتين بينهما عموم وخصوص من وجه
وصدر بأنفسهما من المكلف في الخارج بايجاد واحد ليصح النزاع في كون الجهتين
تعليليتين أو تقييديتين فيخرج عن محل الكلام ما إذا كانت النسبة بينهما عموما وخصوصا
مطلقا كما إذا أمر بالصلاة ونهى عن الصلاة في الدار المغصوبة (وجه الخروج) ان المفهوم
341

العام وإن كان يغاير المفهوم الخاص بالعموم والخصوص بلحاظ مقام التصور والإدراك إلا أنه
متحد معه في الخارج ووجود الخاص في الخارج بعينه هو وجود العام فما هو مصداق
المنهى عنه هو بنفسه مصداق المأمور به فليس هناك جهة ينطبق المأمور به على الموجود
الخارجي باعتبارها وجهة أخرى ينطبق المنهى عنه عليه باعتبارها ليصح تعلق الامر باحديهما
والنهى بالأخرى وحينئذ يدخل الدليلان في باب التعارض فلا بد من اعمال قواعده من تحكيم
دليل الخاص على دليل العام وتخصيص العام به (وكذلك) يخرج عن محل الكلام ما إذا
كانت نسبة العموم والخصوص من وجه بين موضوعي الحكمين دون نفس متعلقيهما كما
في قضيتي اكرام العالم ولا تكرم الفاسق أو أكرم العلماء ولا تكرم الفساق فان كلا من العنوانين
الاشتقاقيين بما انه مأخوذ لا بشرط والتركيب بينهما إتحادي كما عرفت تكون ذات واحدة و
هوية واحدة مجمعا للعنوانين والتعدد انما هو في نفس المبدئين اللذين لا يصح
تعلق التكليف بأنفسهما وانما هما جهتان تعليليتان لانطباق العنوانين على معنونهما
فيستحيل تعلق الوجوب والحرمة باكرام ذات الوحدة فيقع التعارض بين الدليلين لا محالة
ولابد من اعمال قواعده (ومنه يظهر) خروج مثل اشرب الماء ولا تغصب عن
محل الكلام فيما إذا كان الماء بنفسه مغصوبا فإنه حينئذ يكون كل تصرف متعلق به
غصبا فيقع الشرب (1) مصداقا للغصب فيستحيل كو أنه مأمورا به إذ المفروض انه ليس
هناك غير الجهة المنهى عنها جهة أخرى منضمة إليها قابلة لتعلق الامر بها بل الغصب و
الشرب يتحدان في الخارج والتركيب بينهما إتحادي (نعم) لو كانت حرمة الشرب

1 - ما افاده قدس الله نفسه من كون الشرب مصداقا للغصب في المثال وإن كان
متينا جدا فلا يعقل تعلق الامر به بعد كونه منهيا عنه إلا أنه يناقض ما افاده قدس سره
فيما تقدم من استحالة اتحاد المبادى بعضها مع بعض بدعوى انه يستلزم اتحاد مقولتين
متباينتين ضرورة انه لا فرق بين الصلاة والشرب من هذه الجهة أصلا فإذا امتنع اتحاد
الصلاة مع الغصب بدعوى ان لكل منهما ماهية محفوظة في مورد الافتراق والاجتماع
فيستحيل اتحاد هما امتنع اتحاد الشرب والغصب أيضا (ثم لا يخفى) عليك انه بناء على
خروج اجتماع الشرب والغصب في المثال عن محل الكلام كما هو الصحيح لابد أيضا من
خروج الوضوء بالماء المغصوب عن محل الكلام فيتقيد الامر بالوضوء بغير الماء المغصوب
واقعا وعليه يترتب انه لا بد من الالتزام بفساد الوضوء بالماء المغصوب ولو كان ذلك حال
الجهل بالغصب إذ التخصيص حينئذ واقعي والجهل بالغصب لا يوجب كون المنهى عنه في الواقع
مأمورا به بسبب الجهل بالنهي وسيأتى ان تصحيح العبادة باتيان المجمع حال الجهل يختص
بما إذا كان المورد من موارد اجتماع الامر والنهى ولا يعم موارد النهى عن العبادة وعليه
فحكم شيخنا الأستاذ قدس سره بصحة الوضوء المزبور ناشئ من الغفلة عما افاده في المقام
أو انه استند فيه إلى دعوى بعضهم الاجماع على صحته.
342

ناشئة من جهة أخرى غير ناحية التصرف فيه كما إذا وقع الشرب في الدار المغصوبة لتحققت
هناك جهتان انضماميتان إحديهما شرب الماء والاخرى كونه في الدار المغصوبة فيكون
الشرب فيها داخلا في محل الكلام أيضا (وكذلك) يخرج عن محل الكلام ما إذا كانت
نسبة العموم والخصوص من وجه بين فعلين توليديين كما في اكرام العالم والفاسق المتحقق
بفعل واحد فيما إذا كان الأول مأمورا به والثاني منهيا عنه فإذا أكرم زيدا العالم وعمرا
الفاسق بقيام واحد فذلك القيام لا يكون مصداقا للمأمور به والمنهى عنه معا وذلك لما عرفت
مرارا من أن الفعل التوليدي متحد مع ما يتولد منه في الخارج وعنوان له وكل حكم يتعلق به
يتعلق بما يتولد منه قهرا ولذا بنينا على خروج المقدمات السببية بهذا المعنى عن محل
الكلام في بحث وجوب المقدمة وقلنا إن الوجوب المتعلق بذى المقدمة يتعلق بنفسه
بالمقدمات السببية حقيقة فيكون واجبة بنفس وجو به لا بوجوب اخر غيري مترشح منه
وعليه فالقيام في مفروض المثال بما انه موجود واحد وليس له الأهوية واحدة يمتنع
اجتماع الوجوب والحرمة فيه لحيثيتين تعليليتين فيدخل الدليلان بذلك في باب التعارض
فلا بد من اعمال قواعده ورفع اليد عن أحدهما تعيينا أو تخييرا
المقدمة السابعة في بيان ان القول في الجواز في هذا البحث يتوقف على القول
يتعلق الأوامر بالطبايع كما أن القول بالامتناع يتوقف على القول بتعلقها بالافراد (توضيح
ذلك) ان النزاع في تلك المسألة إن كان مبتنيا على النزاع في أن الموجود في الخارج
هل هو نفس الطبيعي أو افراده فعلى الأول تتعلق الاحكام بالطبايع وعلى الثاني بالافراد
كان ذلك البحث أجنبيا عما نحن فيه بالكلية بداهة انه إذا بنينا على أن الحيثيتين في

1 - سيجيئ انه على القول بالجواز وتعدد متعلقي الامر والنهى وجودا في الخارج
لابد من تعدد الايجاد أيضا لاستحالة صدورا لوجودين بايجاد واحد لما تحقق من أن الوجود
والايجاد متحدان بالذات ومختلفان بالاعتبار فلا يعقل وحدة أحدهما وتعدد الاخر.
343

محل الكلام تقييديتان والتركيب بينهما انضمامي فعلى القول بتعلق الاحكام بالطبايع
يكون الكليان الموجودان في الخارج منضمين أحدهما إلى الاخر كما أنه على القول
بتعلق الاحكام بالافراد يكون الفردان الموجودان اللذان ينتزع عنهما الكليان منضمين
أحدهما إلى الاخر كما أنه إذا بنينا على أن الحيثيتين تعليليتان وان التركيب إتحادي
كان الموجود الخارجي الذي له هوية واحدة كليا واحدا معنونا بعنوانين على القول
بتعلق الاحكام بالطبايع وفردا واحدا كذلك على القول بتعلقها بالافراد فلا يكون لذلك
المبحث مساس بمبحثنا أصلا واما إذا كان النزاع هناك بمعنى الامر المتعلق بالطبيعة
هل يتعلق بمشخصاتها الخارجية أيضا أو انها من لوازم الوجود وخارجة عن حيز الامر
فالنزاع في المقام يبتنى على النزاع في تلك المسألة لا محالة (بيان ذلك) ان المدعى
لتعلق الامر بالمشخصات ان أراد تعلقه بها كتعلقه بالاجزاء والشرايط وبما انها ملحوظة
للامر استقلالا فمن الواضح بطلان هذه الدعوى ضرورة ان المشخصات بعد عدم كونها
دخيلة في عرض الآمر كما هو المفروض كيف يعقل تعلق الإرادة بها ويصح طلبها مع أنه
بلا موجب هذا مضافا إلى أن طلبها مع أنها لابد من تحققها في الخارج عند تحقق
الطبيعة المأمور بها يكون من اللغو الواضح ولا يفرق في ذلك بين تعلق الامر بكلى
التشخص ليكون التخيير بين افراده عقليا وتعلقه بأحد افراده لا بعينه ليكون التخيير
بينهما شرعيا مع أن ضم كل التشخص إلى الطبيعي المأمور به لا يجعله متشخصا ليكون
المأمور به هو الفرد فيلغو اعتباره في المأمور به من هذه الجهة أيضا وان أراد تعلق
الامر بالمشخصات بما انها ملحوظة تبعا ومتعلقة للإرادة قهرا بتبع الإرادة المتعلقة
بالطبيعي لاستحالة انفكاكه عنها في الخارج فالنزاع في ثبوت ذلك وعد مه نزاع معقول
وإن كان الصحيح كما عرفت ذلك في محله هو عدم تعلق الامر بالمشخصات ولو تبعا
وإن كانت لا بد من وجودها حين وجود الطبيعي المتشخص بها كما هو الحال في
المشخصات عند تعلق الإرادة التكوينية بصرف الطبيعة غير الملحوظ معها شئ من
مشخصاتها ولا يقاس التشخصات بالمقدمات الوجودية الواجبة من قبل وجوب الواجب
المتوقف عليها بداهة ثبوت ملاك الوجوب التبعي في المقدمات دون المشخصات فان
344

الواجب النفسي المتوقف على المقدمة لا يكون مقدورا الا بايجاد مقدمته فلا بد من
تعلق الإرادة بها (1) أيضا سواء في ذلك الإرادة التكوينية والتشريعية وهذا بخلاف
المقام فان المشخصات لا دخل لها في القدرة على الطبيعة المأمور بها وليس فيها ملاك
آخر يقتضى ارادتها وطلبها غاية الأمر ان وجود المأمور به لا ينفك عنها خارجا وكيف
كان فانا إذا بنينا على تعلق الامر بالمشخصات سواء كان الامر بها استقلاليا أم تبعيا و
كانت نسبة كل من المأمور به والمنهى عنه إلى الاخر نسبة المشخصات فلا محالة يكون
كل منهما محكوما بحكم الاخر فيلزم منه اجتماع الحكمين المتضادين في موضوع واحد
فلا بد من رفع اليد عن أحدهما باعمال قواعد التعارض في دليليهما واما إذا بنينا على
خروج المشخصات عن حيز الطلب فلا يسرى الامر إلى متعلق النهى ولا النهى إلى متعلق الأمر
فيكون القول بالجواز والامتناع مبنيا على القول بتعلق الأوامر بالطبايع أو الافراد
بالضرورة (واما توهم) ابتناء النزاع في المقام على النزاع في مسألة أصالة الوجود أو المهية
كما عن صاحب الفصول (قده) فهو في غير محله بداهة أن القائل بكون التركيب
انضماميا وكون الحيثية تقييدية يرى أن الموجود في الخارج هويتان انضمت إحديهما
إلى الأخرى سواء انطبق عليهما مفهوم الوجود بالذات والماهية بالعرض أم كان انطباق
مفهوم الوجود ونفس الماهية عليهما بعكس ذلك كما أن القائل يكون التركيب اتحاديا
وكون الحيثية تعليلية يرى أن الموجود في الخارج هوية واحدة سواء كانت تلك الهوية
مطابق مفهوم الوجود بالذات ومطابق نفس الماهية بالعرض أم كانت بعكس ذلك فلا
يكون للنزاع في أصالة الوجود والماهية اثر فيما نحن فيه أصلا
المقدمة الثامنة في بيان ان النزاع في المقام كما يجرى على القول بتبعية الاحكام
للمصالح والمفاسد يجرى على القول بعدم تبعيتها لها كما ذهب إليه الأشعري ضرورة
ان استحالة اجتماع حكمين في فعل واحد الناشئة من تضاد الاحكام لا يختلف فيها

1 - قد عرفت في محله ان القدرة على ذي المقدمة لا تتوقف على ايجاد مقدمته بل تتوقف على
القدرة على مقدمته وانه لا موجب لاتصاف المقدمة بالوجوب المقدمي أصلا نعم ما افاده قدس سره
من عدم استلزام القول بوجوب المقدمة للقول بوجوب المشخصات متين جدا ولا سيما إذا أريد من
من المشخص ما هو مقارن للواجب اتفاقا وموجود آخر منضم إليه كما هو الحال في
الغصب والصلاة.
345

انظار العقلاء والأشعري وغيره فيه شرع سواء فمن يرى أن الحيثيتين في مورد الاجتماع
تعليليتان وان التركيب إتحادي ذهب إلى امتناع الاجتماع ولو لم يلتزم بكون الاحكام
تابعة للمصالح والمفاسد كما أن من يرى أن الحيثيتين تقييديتان وان التركيب انضمامي
ذهب إلى جواز الاجتماع ولو كان ممن يلتزم بالتبعية المزبورة فالنزاع في تبعية الاحكام
للمصالح والمفاسد لا اثر له في المقام أصلا وعليه فما ذكره المحقق صاحب الكفاية (قده)
من ابتناء النزاع في المقام على كون المجمع واجدا لملاك الامر والنهى في غير محله
(ثم) ان المحقق المزبور ذكر في الأمر الثامن والتاسع من الأمور التي قدمها على بيان
مختاره في بحث اجتماع الامر والنهى ان دليلي الحكمين في مورد الاجتماع قد يد لان
على الحكم الفعلي وقد يد لان على الحكم الاقتضائي وذكر أيضا انه إذا كان مدلول
الدليلين هو الحكم الاقتضائي فلا تعارض بينهما في مورد الاجتماع إلا إذا علم من الخارج
بكذب أحدهما ولا يخفى ما في كلا الامرين المذكورين في كلامه اما الأول فلما عرفته
في بعض المباحث السابقة من أن الحكم قبل وجود موضوعه خارجا يكون
انشائيا ثابتا لموضوعه المقدر وجوده وبعد وجود موضوعه يستحيل ان لا يكون فعليا
فكون الحكم في محل الاجتماع فعليا مرة واقتضائيا مرة أخرى غير معقول واما الثاني فلما
سيجئ (1) في محله انشاء الله تعالى من أن العلم الاجمالي بكذب أحد الدليلين لا يجعلهما
من المتعارضين بل يكون العلم بذلك موجبا لاشتباه الحجة باللاحجة (وبالجملة) ما ذكره
(قده) في الأمر الثامن والتاسع من مبحث الاجتماع الامر والنهى مما لا محصل له
المقدمة التاسعة ان محل الكلام في المقام هو ما إذا كان من متعلق الأمر والنهى
من الأفعال الاختيارية وكان بينهما تركيب في الجملة وهذا انما يتحقق في ثلثة موارد (الأول)

1 - وستعرف في محله ان تعارض الدليلين الموجب لرفع اليد عن أحدهما تعيينا
أو تخييرا قد يكون بالذات وقد يكون بالعرض والعلم الاجمالي بكذب أحدهما يوجب
تحقق التعارض بينهما بالعرض ضرورة ان كلا منهما حينئذ يكون بمدلوله الالتزامي
منافيا للاخر ولا فرق في تنافى الدليلين بين تنافيهما في مدلوليهما المطابقين وتنافيهما باعتبار
المد لول الالتزامي في أحدها والمدلول المطابقي في الاخر واما اشتباه الحجة باللاحجة
فهو انما يكون فيما كان أحد الدليلين بخصوصه حجة والاخر غير حجة ثم اشتبه أحدهما
بالآخر في الخارج ومن الواضح ان محل الكلام أجنبي عن ذلك رأسا.
346

فيما إذا كان من الفعلين مقولة في قبال الآخر كما في القيام في الدار المغصوبة فان القيام
فرد من أفراد مقولة الوضع واما الهيئة الحاصلة لشخص القائم من كونه في الدار المغصوبة
فهي من مقولة الأين وهما مقولتان يغاير كل منهما الاخر في الخارج وقد ذكرنا في بحث المعاني
الحرفية ان الأين يضاف إلى جوهر فيقال زيد في الدار فيكون من المقولات الخارجية
ويكون الظرف حينئذ مستقرا واخرى يضاف إلى العرض القائم به فيقال قام زيد في الدار فيكون
متمما للمقولة ويكون الظرف لغوا (الثاني) فيما إذا كان متعلق الأمر مثلا فردا من المقولات
ومتعلق النهى متمما للمقولة ونعني بمتمم المقولة ما يمتنع عروضه الجوهر بلا وساطة عرض
من أعراضه كالشدة والضعف والابتداء والانتهاء مثلا وهذا ينقسم إلى قسمين فان متمم المقولة
تارة يكون منوعا لها ويجعلها ذات مراتب من دون أن يكون موجودا آخر في قبالها كالشدة
والضعف والسرعة والبطؤ فان الشدة في البياض والسرعة في الحركة مثلا انما تنتزعان
من مرتبة خاصة من البياض والحركة وما به الاشتراك في مراتب شئ واحد عين ما به الامتياز
فيها فلا البياض الشديد ولا الحركة السريعة يزيدان على حقيقة البياض والحركة بشئ ولا
البياض الضعيف ولا الحركة البطيئة يفقدان من حقيقة البياض أو الحركة شيئا فالشدة
والضعف أو السرعة والبطؤ موجودان بنفس وجود البياض والحركة لا بوجود آخر ومثل
هذا القسم خارج عن محل الكلام في مبحث اجتماع الامر والنهى واخرى لا يكون كذلك بل
يكون أمرا انتزاعيا من إضافة مقولة إلى شئ كالابتداء والانتهاء فان السير الخارجي الذي
هو فرد لمقولة حقيقية ينتزع منه الابتداء بالإضافة إلى البصرة مثلا فالابتداء موجود خارجي
متمم لمقولة السير باعتبار صدوره من البصرة (ومثل) هذا القسم داخل في محل الكلام نظير
ما إذا توضأ من الآنية المغصوبة أو آنية الذهب أو الفضة فان الوضوء باعتبار نفسه الذي هو
فرد من افراد المقولة مأمور به وباعتبار اضافته إلى الاناء الذي يحرم التصرف فيه منهى عنه
وليس نفس استعمال الاناء داخلا في إحدى المقولات التسع العرضية بل هو متمم لمقولة
من المقولات دائما كالاكل والشرب والوضوء وأمثال ذلك فمن يقول بجواز الاجتماع يقول
به في المقام (1) أيضا والا فلا (الثالث) فيما إذا كان المأمور به سببا توليديا وكان المنهى

1 - قد ظهر مما تقدم ان القول بجواز اجتماع الامر والنهى يتوقف على اثبات
تعدد وجود المأمور به والمنهى عنه خارجا ليكون التركيب بينهما انضماميا وعليه فبما ان
التصرف في الآنية المغصوبة أو المتخذة من الذهب أو الفضة لا وجود له الا بوجود فعل من
الافعال كالاكل والشرب والوضوء ونحوها يكون النهى عنه نهيا عن الفعل المحقق له
فالتركيب بينهما يكون اتحاديا فلا يمكن القول فيه بالجواز.
347

عنه مسببا توليديا عنه أو بالعكس أو كان أحد المسببين محكوما بالوجوب والاخر بالحرمة
وهذا فيما إذا كانت السببية المزبورة دائمية خارج عن محل الكلام قطعا واما إذا لم تكن
دائمية بل كانت بنحو الاتفاق وكانت النسبة بين المأمور به والمنهى عنه عموما وخصوصا
من وجه كما هو المفروض فلا مناص من فرض شئ آخر يضم إلى ذات السبب ليكون به
سببا تاما ضرورة انه يستحيل أن يكون السبب تاما في نفسه ومع ذلك تكون السببية
اتفاقية وحينئذ فلذلك الشيئ المتمم للسبب اما أن يكون إضافة القصد إلى الفعل أو إضافة
شئ آخر إليه فهنا قسمان (اما القسم الأول) وهو ما إذا كان تتميم السبب بإضافة القصد إلى
الفعل كما إذا أمر المكلف بالقيام ونهى عن اكرام عمرو فقام قاصدا به اكرامه وكما إذا أمر
باكرام زيد ونهى عن اكرام عمرو فقام قاصدا به اكرامهما فهو خارج عن محل النزاع في
المقام لان القصد بنفسه بما انه لم يتعلق به التكليف بل تعلق بالفعل المقصود به الاكرام مثلا كما أنه
لا يوجب انضمام حيثية أخرى إلى القيام في الخارج يكون التركيب في أمثال المورد
اتحاديا والحيثية تعليلية فلا محالة يكون القيام بنفسه في المثال محكوما بالوجوب لذاته
أو لانطباق عنوان اكرام زيد عليه ومحكوما بالحرمة لانطباق عنوان اكرام عمرو عليه
فتكون الجهتان تعليلتين فيدخل الدليلان بذلك في باب التعارض (واما القسم الثاني) أعني
به ما إذا كان تتميم السبب بإضافة شئ آخر إلى الفعل فهو داخل في محل الكلام سواء في ذلك
تعلق الامر بالسبب والنهى بالمسبب وعكسه وأن يكون هناك مسببان توليد ان من فعل واحد
بضم اضافتين وجوديتين إليه وقد تعلق الامر بأحدهما والنهى بالآخر والقائل بجواز الاجتماع
يرى أن ذات السبب محكوم بحكم والحيثية المنضمة إليه محكومة بحكم آخر أوان
إحدى الحيثيتين المنضمتين إلى ذات السبب متعلق للامر والحيثية المنضمة إليه متعلق
للنهي كما هو الحال في غير الافعال التوليدية بعينه هذا ولكن التحقيق ان هذا القسم
ير جع إلى أحد القسمين السابقين فان الخصوصية المنضمة إلى الفعل اما أن تكون بنفسها
من المقولات أو تكون متممة لمقولة فلا يكون هذا القسم قسما برأسه بل هو داخل في
348

أحد القسمين السابقين فتدبر إذا عرفت ذلك فلا بد لتحقيق المقام من ذكر أدلة القول
بالجواز والامتناع وتعقيب ذلك بما هو المختار فنقول قد استدل القائل بالجواز بأمور
الأول ما عن المحقق القمي (قده) وحاصله ان الفرد مقدمة لوجود الطبيعي وعليه
فإن لم نقل بوجوب المقدمة كما هو الحق كان معروض الحرمة وهو المقدمة مغايرا
لمعروض الوجوب وهو الواجب المتوقف عليها فلا يلزم اجتماع الوجوب والحرمة في
شئ واحد واما إذا بنينا على وجوب المقدمة فاجتماع الوجوب والحرمة في المقدمة
وإن كان متحققا إلا أنه لا بأس به لان أحدهما نفسي والاخر غيري (ويرد عليه) انه ان
أريد من كون الفرد مقدمة لوجود الطبيعي انه مقدمة له مطلقا سواء كان الطبيعي متعلقا
للامر أم كان متعلقا للنهي ففيه مضافا إلى أن المحقق المزبور (قده) لا يلتزم بذلك و
لذلك حكم بحرمة الفرد الخارجي نفسيا في محل الكلام انه لا يعقل كون الفرد مقدمة
لوجود الطبيعي مطلقا إذ الفرد متحد مع الكلى المنطبق عليه في الخارج فكيف يعقل
كونه مقدمة لوجوده وان أريد به كون الفرد مقدمة لتحقق المأمور به دون المنهى عنه
بدعوى ان التكليف في طرف النهى بما انه انحلالي يكون كل واحد من افراد الطبيعة
المنهى عنها مبغوضا ومنهيا عنه لا محالة وهذا بخلاف الامر فان متعلقه كما عرفت انما هو صرف
الوجود فلا يكون الفرد بنفسه متعلقا له وانما هو مقدمة ومحصل لوجود المأمور به
في الخارج فيرد عليه ان اعتبار الطبيعة على نحو صرف الوجود كما في طرف الامر
انما يمتاز عن اعتبارها عن نحو مطلق الوجود كما في طرف النهى بان الاعتبار الثاني
يستلزم انحلال الحكم بتعدد افراد الطبيعة في الخارج فيمكن ان يفرض لها فردان
عرضيان أو طوليان ويكون كل منهما محكوما بحكم مستقل مغاير لحكم الاخر وهذا
بخلاف الاعتبار الأول فان لازمه عدم كون الحكم انحلاليا وان لا يمكن وجود فردين له في الخارج
عرضيين أو طوليين واما كون الفرد مقدمة لوجود الطبيعي فهو مستحيل في كلا الموردين بداهة
ان أول وجود الطبيعة هو نفس صرف الوجود لا انه غيره ليكون مقدمة له هذا كله إذا أريد من
كون الفرد مقدمة للطبيعي ما هو معناها الحقيقي واما إذا أريد به ان الكلى غير موجود في الخارج
وانما هو عنوان انتزاعي لافراده فيرد عليه مضافا إلى أن الصحيح هو كون الكلى موجودا
349

في الخارج كما هو مذهب المحقق المزبور (قده) ان ذلك يستلزم اجتماع الوجوب والحرمة
في الفرد الذي هو مجمع للعنوانين فلا يترتب على كون الفرد مقدمة للطبيعي اثر في محل
الكلام أصلا (ثم إن) ما اختاره (قده) من عدم وجوب المقدمة قد عرفت ما فيه في بحث
وجوب المقدمة من أن الصحيح هو القول بوجوبها (واما) ما ذكره (قده) من جواز اجتماع
الوجوب الغيري مع الحرمة النفسية (فيرد عليه) ان امتناع اجتماع الحكمين المتضادين
لا يختص بالتكليفين النفسيين لان المعاندة والمنافرة بينهما نعم جميع أقسام الحكم نفسيها
وغيريها نعم يمكن فرض المقدمة واجبة فعلا مع كونها حراما بنحو الترتب (1) كما
مر بيان ذلك لكنه أجنبي عما نحن فيه
الثاني ان الاجتماع لو كان آمريا ومن قبل المولى لكان ذلك مستحيلا لكنه
في المقام ليس كذلك بداهة انه مأموري ومن قبل نفس المكلف بسوء اختياره فلا يكون
هناك مانع عن الاجتماع وفيه أن الاجتماع في مقام الامتثال وإن كان مأموريا ولا بد من
أن يكون كذلك إذا لجمع بين المأمور به والمنهى عنه انما يحصل بفعل المكلف لا
بفعل الامر الا ان الاجتماع في مقام الخطاب آمري لأن المفروض ان كلا من الخطابين
لاطلاق متعلقه يعم المجمع فيقع بينهما التنافي لا محالة ضرورة انه لو لم يكن مثل هذا
الاجتماع موجبا للتنافي بين الحكمين لما تحقق التعارض بين دليلي وجوب اكرام العالم
وحرمة اكرام الفاسق مثلا مع أنه لا اشكال في تعارضهما بالعموم من وجه
الثالث أن الاحكام من قبيل الاعراض الذهنية ومعروضاتها انما هي المفاهيم الذهنية
لا الموجودات الخارجية ولا اشكال في مغايرة كل من متعلقي الامر والنهى في هذا
المقام ولا ينافيها اتحادهما بحسب الخارج عن هذا المقام اتفاقا وفيه ما عرفت سابقا
من استحالة كون متعلق الاحكام هي المفاهيم الذهنية بل متعلقها ذات المفاهيم باعتبار
فنائها في معنوناتها وعليه فلا محالة يقع التنافي بين حكمين المفهومين الفانتيين في معنون
واحد ولولا ذلك لما وقع التنافي بين الدليلين فيما كانت النسبة بينهما عموما من وجه
كما في المثال المتقدم مع أنه لاشكال في تنافيهما كما عرفت (الرابع) ما استند إليه
بعض من قال بجواز الاجتماع وملخصه انه ذكر أو لا انه لا اشكال في أن الموضوع والمحمول

1 - وقد مر انه لا يمكن الالتزام بالترتب في أمثال ذلك فراجع
350

في القضايا الحمليه لا بد من أن يكون لهما جهة وحدة وجهة تغاير وهاتان الجهتان
في غير القضايا الذاتية متحققتان بلا عناية واما القضايا الذاتية كزيد انسان فلا بد فيها من أن
يفرض الموضوع منخلعا عنه المحمول بان يلاحظ في طرفه الجسمية مثلا ليحصل التغاير
بينهما من جهة ويحكم باتحاد هما بلحاظ الخارج ثم ذكر بعد ذلك ان الاحكام لو كانت
متعلقة بالطبايع باعتبار نتيجة الحمل وهي لحاظ الاتحاد في الوجود الخارجي لامتنع
اجتماع الامر والنهى في مورد واحد واما إذا كانت متعلقة بها باعتبار المغايرة الموجب
لامتياز الموضوع عن المحمول جاز اجتماعهما في مورد واحد لتغاير الطبيعتين اللتين
تعلق الامر بأحدهما والنهى بالأخرى ثم قال الظاهر أن تعلق الاحكام بالطبايع انما هو
بالاعتبار الثاني دون الأول وذلك لوجود التكليف في ظرف العصيان مع أنه لا وجود
لمتعلق التكليف في هذا الظرف خارجا ليتحد به (وأنت خبير) بعد م ارتباط القول بالجواز
أو الامتناع بصحة هذه المقدمة أو فسادها فان لحاظ التغاير والاتحاد في القضية الحملية
انما يكون بلحاظ الموضوع منخلعا عنه المحمول تارة لتحقق المغايرة بينه وبين المحمول
وبلحاظه متحدا معه في الخارج أخرى ليصح الحمل بينهما واما المحمول فلا يجرى فيه
هذان اللحاظان بل هو قبل الحمل وبعده هو الطبيعي الساري إلى افراده وبعبارة أخرى
الاتحاد بين الموضوع والمحمول في القضايا الذاتية ذاتي لكن الحمل بما انه يحتاج إلى
جهة التغاير لابد من اعمال العناية في طرف الموضوع بلحاظه مجردا عن محموله واما
المحمول فلا يحتاج إلى اعمال العناية في طرفه أصلا وإذ قد عرفت ان متعلقات الاحكام
هي الطبايع الفانية في افرادها ولا يختلف حالها باعتبار صدقها على افرادها قبل الحمل
وبعده وانما الاختلاف في الافراد الخارجية المحمولة عليها تلك الطبايع تعرف ان الترديد
المزبور في كيفية تعلق الاحكام بالطبايع وان تعلقها بها هل هو باعتبار نتيجة الحمل
أو باعتبار المغايرة باطل من أصله بل الصحيح كما عرفت ان القول بالجواز والامتناع
يبتنيان على كون التركيب بين المتعلقين انضماميا والجهة تقييدية وكون اتحاديا والجهة
تعليلية (الخامس) ان الاحكام انما تتعلق بالطبايع بلحاظ عدم تحصلها في الخارج ومن
الظاهر أنها في هذا المقام متغايرة فيجوز تعلق الامر بواحده منها والنهى بالأخرى و
لا ينافي ذلك كون النسبة بينهما عموما وخصوصا من وجه واتحادهما في الخارج أحيانا فان
351

الاتحاد في غير مقام تعلق الاحكام بالطبايع لا ينافي التغاير في مقام تعلقها بها أصلا
(وفيه) انه ان أريد من تعلق التكليف بطبيعة ما بلحاظ عدم تحصلها في الخارج تعليق التكليف
بالماهية الملحوظ فيها عدم التحصل التي لا موطن لها الا الذهن ويستحيل اتحادها مع
الموجود الخارجي فيرد عليه ان الماهية المقيدة بما لا موطن له الا الذهن يستحيل
تعلق التكليف بها خارجا وان أريد بذلك ان متعلق الأمر هي الماهية التي لم يلحظ فيها
التحصل كما أن متعلق النهى أيضا كذلك غاية الأمران تعلق الامر بها يقتضى طلب تحصلها
وتعلق النهى بها يقتضى طلب عدم تحصلها فالفرق بينهما انما هو من ناحية الهيئة والا
فالمتعلق فيها واحد فهو وإن كان صحيحا في نفسه الا أنه أجنبي عن المقام فان القول
بالجواز لا يبتنى على ذلك بل على أن الطبيعتين اللتين إحداهما متعلقة للامر والاخرى متعلقة
للنهي هل هما متحصلتان في الخارج بتحصل واحد والتركيب بينهما إتحادي ليمتنع
الاجتماع أو هما متحصلتان بتحصلين والتركيب انضمامي ليجوز الاجتماع.
واستدل المانعون بوجوه عديدة لا يهمنا التعرض الا لوجه واحد هو أحسنها وأمتنها
وهو الذي استدل به المحقق الخراساني (قده) على الامتناع وجعله مركبا من أربع
مقدمات (الأولى) في بيان تضاد الاحكام بأسرها (الثانية) في بيان ان متعلقات الاحكام
ليست هي المفاهيم بأنفسها بل بما هي فانية في معنوناتها (الثالثة) في بيان ان الموجود
الواحد يمكن ان تنطبق عليه مفاهيم متعددة متغايرة (الرابعة) في بيان ان الموجود
الواحد لا يمكن أن يكون له الا ماهية واحدة ثم رتب على جميع ذلك ان المجمع بما
انه واحد وجودا وماهية يستحيل اجتماع الامر والنهى فيه ولا يكون تعدد العنوان
والوجه موجبا لتعدده وهذا الاستدلال وإن كانت صحة أكثر مقدماته بديهية الا أن
المقدمة الثالثة منها غير صحيحة وذلك لما ذكرناه سابقا من أنه يستحيل انتزاع مفهومين
بينهما عموم من وجه من موجود واحد بجهة واحدة بل لابد من أن يكون ذلك بجهتين (1)

1 - قد ظهر مما ذكرناه ان امتناع صدق العامين من وجه على شئ واحد من
جهة واحدة ولزوم كونه من جهتين لا ينافي كون المصدوق الخارجي واحدا وجودا و
ذلك لما تبين من أن نسبة العموم من وجه لا تتحقق الا بين عنوانين عرضيين أو بين عنوان
ذاتي وعرضي ومن الضروري انه يمكن صدق عنوانين عرضيين على شئ واحد كما
يمكن صدق العنوان العرضي على ما يصدق عليه العنوان الذاتي فمجرد تعدد العنوان لا يجدى
في جواز اجتماع الامر والنهى بدعوى انه يستلزم كون التركيب انضماميا كما ذهب
إليه شيخنا الأستاذ قدس سره نعم لا يلزم أن يكون متعلق الأمر والنهي في جميع موارد
اجتماع الامر والنهى من قبيل العنوانين العرضيين المنطبقين على شئ واحد أو يكون
أحدهما من قبيل العناوين الذاتية والاخر عنوانا عرضيا منطبقا عليه فلابد من ملاحظة كل
مورد بخصوصه ثم الحكم فيه بجواز الاجتماع أو امتناعه.
352

وقد تقدم ان قياس المقام بصدق المفاهيم المتعددة على الباري جل وعلا قياس في
غير محله وعليه فالقول بالامتناع يبتنى على كون الجهتين اللتين لا بد منهما في صدق
المفهومين على المجمع تعليليتين ليكون التركيب اتحاديا فيستحيل الاجتماع كما أن
القول بالجواز يبتنى على كون الجهتين تقييديتين والتركيب انضماميا فإنه على ذلك
لا يلزم محذور اجتماع الضدين في شئ واحد فعمدة ما يترتب عليه الجواز والامتناع هو
ما ذكرناه مع أن المحقق المذكور (قده) لم يتعرض له نفيا واثباتا في كلامه أصلا
(إذا تبين ذلك) فنقول ان الأقوال في المسألة ثلاثة ثالثها التفصيل بالقول بالجواز
عقلا والامتناع عرفا وهذا القول مما لا محصل له بداهة ان العرف لا سبيل له إلى الحكم
بالجواز والامتناع وانما يرجع إليه في تشخيص مفاهيم الألفاظ ومداليلها واما توجيه
ذلك بأن العقل يرى المجمع شيئين فيحكم بالجواز بخلاف العرف المبتنى نظره على
المسامحة دون الدقة فإنه يرى المجمع شيئا واحدا ذا عنوانين فيحكم بالامتناع فهو غير
سديد لان نظر العرف لا يكون حجة في التطبيق أصلا فإذا كان مصداقا الصلاة في الخارج
مغايرا لمصداق الغصب عقلا لم يكن مناص عن الالتزام بالجواز ولو كان العرف بنظره
المسامحي يرى الصلاة مصداقا للغصب وبالعكس (والحق عندنا) هو القول بالجواز
لما عرفت من أنه لا بد من أن تكون المبادى بعضها بالإضافة إلى بعض مأخوذة بشرط
لا وان المبدأ الموجود في المجمع متحد ماهية (1) مع ما هو الموجود في محل الافتراق
فالصلاة الموجودة في المجمع لا تنقص عن حقيقة الصلاة بشئ كما أن الغصب الموجود
فيه لا ينقص من حقيقة الغصب بشئ وقد عرفت استحالة اشتمال هوية واحدة على
الصلاة والغصب مثلا باعتبار كون الحركة الواحدة جنسا لهما لما ذكرناه من استحالة

1 - قد عرفت ان المبدء إذا كان من العناوين الانتزاعية كما هو الحال في عنوان
الغصب أمكن انطباقه خارجا على ماهية ما من الماهيات المتأصلة واتحاده معها في الخارج
من دون ان يستلزم ذلك تفصل الجنس الواحد بفصلين أو اتحاد المقولتين في الخارج
أو عروض العرض لعرض آخر وعليه فإذا كان العنوان الانتزاعي متعلقا للنهي مثلا وكان
منشأ انتزاعه متعلق الأمر لم يكن مناص عن القول بامتناع اجتماع الامر والنهى في مورده
نعم إذا كان منشأ العنوان الانتزاعي المتعلق لحكم مغايرا في الوجود لما تعلق به الحكم الاخر أو كان
كل من متعلقي الامر والنهى من الماهيات المتأصلة فلا بد من القول بالجواز بناء على
ما هو الصحيح من عدم سراية الحكم من متعلقه إلى مقارناته الخارجية المعبر عنها بالمشخصات
الوجودية على ضرب من المسامحة والتجوز
353

تفصل الجنس الواحد بفصلين في عرض واحد وان الاعراض بسائط خارجية وما به الاشتراك
فيها عين ما به الامتياز فالحركة في ضمن الصلاة متحدة معها كما أن الحركة في ضمن
الغصب متحدة معه فلا يعقل اتحادهما في حركة واحدة بعد ثبوت تغايرهما أنفسهما
وكونهما من مقولتين كما عرفت استحالة كون الحركة الواحدة معروضة للصلاتية
والغصبية لما تبين من استحالة قيام العرض بعرض آخر فينتج جميع ذلك كون
التركيب في المجمع انضماميا لا اتحاديا وعليه فلا مانع من كون أحدهما مأمورا به
والاخر منهيا عنه إذ المستحيل انما هو توارد الامر والنهى على محل واحد وبعد اثبات
ان التركيب انضمامي يكون متعلق أحدهما غير متعلق الاخر لا محالة فيكون أحدهما
متصفا بالوجوب محضا والاخر متصفا بالحرمة كذلك (غاية الأمر) ان كلا من المأمور
به والمنهى عنه من مشخصات الاخر وقد تقدم ان مشخصات المطلوب لا قد خل في حيز
الطلب أصلا فلا يكون حينئذ تعارض بين دليليهما ويكشف عما ذكرناه من كون
التركيب انضماميا (1) ان نسبة المكان المغصوب إلى الفعل الواقع فيه أو الجوهر المكين
فيه نسبة واحدة إذ لا فرق بين قولنا زيد في الدار وقولنا صلى في الدار فكما ان كون
زيد فيها لا يصحح حمل الغصب عليه كذلك كون الصلاة فيها لا يصحح حمل الغصب عليها
فلا محالة يكون التركيب بين الصلاة والغصب في محل الاجتماع انضماميا والحيثية
تقييدية ولا يفرق فيما ذكرناه من كون التركيب انضماميا بين القول بان المطلوب في
الصلاة هي الهيأت الخاصة من الركوع والسجود والقيام لتكون المقدمات من الهوى و

(1) قد عرفت فيما تقدم ان مفهوم الغصب انما ينتزع من التصرف في مال الغير بغير اذنه
فلا بد من أن يكون مصداقه الخارجي فعلا من الافعال الخارجية وعليه فلا ملازمة بين
عدم صدق مفهوم الغصب على زيد عند كونه في الدار المغصوبة وعدم صد قه على الصلاة
الواقعة فيها وان شئت قلت إن المكان لا يكون ظرفا للجوهر بنفسه وانما يكون ظرفا
له باعتبار العرض القائم به المعبر عنه بمقولة الأين فقولنا زيد في الدار عبارة أخرى عن
قولنا استقر زيد في الدار فالظرف في الحقيقة ظرف لاستقراره لا لنفسه ومن ثم يسمى
هذا الظرف بالظرف المستقر وعليه فيكون مصداق الغصب في الخارج هو الاستقرار
المزبور لأنه تصرف في مال الغير بغير اذنه
354

النهوض خارجة عن حيز الطلب والقول بان المطلوب هي الافعال الخاصة اما مطلقا أو
بعضها كالركوع والسجود ليكون الهوى إليهما مقوما للمأمور به وذلك لان المأمور به
على كلا التقديرين من مقولة الوضع (1) واما الغصب فهو من مقولة الأين ويستحيل
اتحاد المقولتين في الخارج فلا مناص عن كون التركيب بينهما في محل الاجتماع انضماميا
(وقد تحصل مما ذكرناه) ان تصادق العنوانين على مورد واحد يوجب تحقق التعارض
بين دليلي الامر والنهى فيما إذا كانت الجهتان تعليليتين كما إذا أمر المولى باكرام
المصلى ونهى عن اكرام الغاصب فلابد حينئذ من الرجوع إلى قواعد التعارض واما
إذا كانت الجهتان تقييديتين والتركيب انضماميا فان قلنا بتعلق الامر بالطبايع وخروج
المشخصات عن حيز الطلب كما هو الصحيح فلا تعارض بين الدليلين أصلا واما إذا قلنا

(1) قد ظهر مما ذكرناه انه لا يختص صدق مفهوم الغصب بمقولة الابن بل يصدق ذلك
على كل ما يكون تصرفا في مال الغير بغير اذنه وعليه فلو قلنا بان مقدمات الركوع
أو السجود أو القيام من الهوى أو النهوض انما هي من أفعال الصلاة واجزائها للزم القول
بعدم جواز اجتماع الامر والنهى فيما إذا وقعت الصلاة في الدار المغصوبة لان ما يكون
مصداقا للمأمور به يكون هو بنفسه متعلقا للنهي فيتحد المأمور به والمنهى عنه في الخارج
فلابد من الالتزام بعدم الامر أو بعدم النهى بل قد عرفت فيما تقدم ان السجود المعتبر فيه الاعتماد على
الأرض بما انه بنفسه مصداق لمفهوم الغصب لا يعقل كونه مصداقا للمأمور به فلا بد من القول
بالامتناع ولو على القول بخروج المقدمات المزبورة عن حقيقة الصلاة نعم إذا قلنا بذلك
وكانت الصلاة الواقعة في الدار المغصوبة غير مشتملة على السجود اتجه القول بجواز
الاجتماع لعدم اتحاد المأمور به مع المنهى عنه حينئذ بوجه أصلا فاللازم كما عرفت هي
ملاحظة كل مورد بخصوصه ثم الحكم فيه بجواز الاجتماع أو امتناعه
355

بتعلقه بالافراد وسراية الطلب إلى المشخصات فلا بد من القول بالامتناع وبذلك تقع
المعارضة بين دليلي الحكمين لا محالة فالميزان في دخول المجمع في محل الكلام انما
هو كون الجهتين تقييديتين لا تعليليتين واما ما ذكره المحقق صاحب الكفاية (قده)
من أن الميزان في التعارض هو عدم وجود الملاك الا في متعلق أحد الحكمين مع عدم
احرازه بخصوصه كما أن الميزان في دخول المجمع في بحث جواز اجتماع الأمر والنهي
هو كون كل من المتعلقين واجدا للملاك حتى في مورد الاجتماع فقد عرفت فساده فيما تقدم
لما مر من أن البحث في المقام لا يدور مدار القول بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد
أصلا بل البحث يجرى حتى على مذهب الأشعري المنكر لتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد
مضافا إلى أن ما ذكره يستلزم عدم تحقق مورد للتعارض أصلا لان انتفاء الملاك في أحد
الحكمين لا يمكن استكشافه من نفس الدليلين لعدم تكاذبهما (1) في وجدان كل
من المتعلقين لملاك الامر والنهى وانما تكاذبهما في نفس مدلوليهما أعني الوجوب والحرمة
فلا بد من أن يكون استكشاف انتفاء الملاك في أحدهما من دليل خارجي وهو مع
ندرته على فرض وجوده لا يوجب التعارض بل يوجب اشتباه الحجة باللاحجة (2) وحكمه

(1) لا يخفى انه إذا دل دليل على وجوب شئ والاخر على حرمة ذلك الشيئ بعينه
فالدليلان وان لم يكونا متعارضين في اشتمال ذلك الشيئ على ملاك الوجوب والحرمة
الا انه يكفي في دخولهما في باب التعارض تعارضهما في نفس مدلوليهما وتنافيهما
في الكشف عن اتصاف ذلك الشيئ بالوجوب أو الحرمة واقعا فإذا قدم أحدهما على الاخر
تعيينا أو تخييرا تعين ذلك في الحجة الفعلية وفي ثبوت مدلوله بالفعل فلا يكون هناك
ما يكشف عن كون الفعل واجدا لملاك الحكم الاخر أصلا وعليه فلا وجه لاعتراض
شيخنا الأستاذ قدس سره على ما افاده صاحب الكفاية (قده) في المقام في ملاك التفرقة
بين التزاحم والتعارض بأنه يستلزم ان لا يبقى مورد للمعارضة أصلا نعم ما اورده عليه
أولا من أن النزاع في مبحث اجتماع الامر والنهى لا يدور مدار القول بتبعية الاحكام
للمصالح والمفاسد متين جدا وعليه فلا يبقى مجال لما ذكره صاحب الكفاية في المقام
(2) اشتباه الحجة باللاحجة انما يتحقق في ما إذا كان أحد الخبرين مثلا بخصوصه حجة و
الاخر غير حجة واشتبها في الخارج ولم يتميز أحدهما عن الاخر كما إذا فرض ان
راوي أحد الخبرين ثقة والاخر غير ثقة لكنه اختلط أحدهما بالآخر فلم يتميز عنه في
الخارج لموجب اقتضى ذلك واما في أمثال المقام مما كان كل من الدليلين حجة في نفسه
لولا العلم الاجمالي بكذب أحدهما فالدليلان يكونان متعارضين لا محالة لان كلا منهما
بمد لوله الالتزامي ينفى ثبوت مدلول الاخر فتقع المنافاة بين المدلول المطابقي لكل
منهما والمدلول الالتزامي للاخر ومن هذا القبيل وقوع المعارضة بين الأخبار الدالة
على وجوب صلاة الظهر يوم الجمعة والأخبار الدالة على وجوب صلاة الجمعة فإنه لولا
العلم بعدم وجوب صلوتين في يوم واحد لما وقعت المعارضة بينهما أصلا ومن هذ القبيل
أيضا ما إذا علم نجاسة أحد شيئين لا بعينه وقد قامت بينة على طهارة أحدهما وبينة
أخرى على طهارة الاخر فان التعارض بين البينتين انما نشأ من العلم بكذب أحدهما
واما مع قطع النظر عن العلم الاجمالي فلا معارضة بينهما كما هو ظاهر وسيجيئ لذلك
مزيد توضيح في بحث التعادل والترجيح انشاء الله تعالى
356

غير حكم التعارض كما يظهر ذلك في باب التعارض انشاء الله تعالى
وينبغي التنبيه على أمرين (الأول) قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه انه لو بنينا
على كون التركيب في مورد الاجتماع اتحاديا والجهة تعليلية فلا مناص عن القول
بالامتناع فيدخل الدليلان بذلك في باب التعارض فان الصلاة والغصب مثلا لو فرض انطباقهما
على هوية واحدة امتنع الامر بها والنهى عنها فعلا فيقع التعارض بين اطلاقي دليليهما لما
عرفت من أن حقيقة التعارض انما هو تنافى الدليلين في مرحلة جعل الاحكام على
موضوعاتها المقدر وجودها من دون دخل لعجز المكلف عن الامتثال في تحقق التنافي
بينهما وان حقيقة التزاحم انما هو تنافى الحكمين في مقام الامتثال الناشئ من عجز المكلف
عن امتثالهما معا ومن الواضح انه بناء على الامتناع يقع التنافي بين الوجوب والحرمة
في مورد الاجتماع في نفس مقام الجعل بلا دخل لعجز المكلف عن امتثالهما معا وعليه
فالاطلاق في طرف النهى لكونه شموليا يتقدم على الاطلاق البدلي في طرف الامر لما
عرفت في بعض المباحث السابقة وستعرف في بحث التعارض انشاء الله تعالى من أن
كون الاطلاق شموليا من جملة مرجحات الدلالة (1) فإنه مع وجود الاطلاق

(1) وقد عرفت في بحث الواجب المشروط ان مجرد كون اطلاق أحد الدليلين شموليا
لا يوجب تقدمه على ما يكون اطلاقه بدليا بل لا بد في الحكم بتقدم أحدهما على الاخر
من التماس دليل آخر فراجع
357

الشمولي لا تتم مقدمات الحكمة في طرف الاطلاق البدلي ويترتب على ذلك ان الصلاة
في الدار المغصوبة مثلا تخرج عن حيز الامر واقعا وتكون متمحضة في الحرمة فلا تقع
صحيحة ولو اتى بها مع الجهل بالغصب كما هو الحال في بقية موارد التعارض بالعموم من
وجه وتقديم أحد الدليلين على الاخر (والسر في ذلك) ما عرفته سابقا من أن الحكم
في القضايا الحقيقية تابع لوجود موضوعه واقعا وعلم المكلف وجهله كعلم الامر وجهله
به أجنبي عن ذلك فكما ان في مورد تعارض دليلي وجوب اكرام العالم وحرمة اكرام
الفاسق مع تقديم دليل الحرمة لا يكون اكرام العالم الفاسق مع الجهل بالفسق مصداقا
للمأمور به كذلك الصلاة في الدار المغصوبة لا يكون مصداقا للمأمور به مع الجهل
بالغصب مع أن المفروض خروج هذا الفرد عن دليل الوجوب واقعا واما تسالم الأصحاب
على صحة الصلاة في الدار المغصوبة مع الجهل بالغصب فلا بد من أن يكون مبنيا
على تسالمهم (1) على الجواز من الجهة الأولى من الجهتين اللتين عنونا هما في صدر

(1) ما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره من أن القول بامتناع اجتماع الامر والنهى
وتقديم جانب النهى يستلزم خروج المجمع عن حيز الامر واقعا فلا يصح الاجتزاء به و
لو كان الآتي به جاهلا بحرمته حكما أو موضوعا وإن كان متينا جدا الا أن تسالم الأصحاب
على صحة الصلاة الواقعة في الدار المغصوبة حال الجهل بالحرمة إذا كان الجهل عذرا
لا يمكن أن يكون مبنيا على اختيارهم القول بجواز اجتماع الامر والنهى من الجهة
الأولى لان كثيرا من القائلين بالامتناع ذهبوا إلى صحة الصلاة في الفرض المزبور معللين
ذلك بان تخصيص دليل الامر بغير مورد الاجتماع بما انه تخصيص عقلي ناشئ من استحالة
اجتماع الحكمين يكون مختصا بموارد فعلية الحرمة وتنجزها فإذا فرض عدم فعلية الحرمة
أو عدم تنجزها للجهل بها لم يكن مانع من شمول دليل الامر له في هذا الحال وهذا
الوجه وان لم يكن صحيحا بناء على ما حققه شيخنا الأستاذ قدس سره الا أنه هو الذي
اعتمد عليه كثير من القائلين بعدم جواز اجتماع الامر والنهى في القول بصحة الصلاة
في الفرض المتقدم كما يظهر ذلك لمن راجع كلماتهم واما اعتبارهم المندوحة في محل
البحث فإنما هو باعتبار ان القول بالجواز فعلا يستدعي اعتبار وجود المندوحة فلا يكون
ذلك كاشفا عن أن محل كلامهم في المقام هو الجواز أو الامتناع من الجهة الثانية بعد
الفراغ عن القول بالجواز من الجهة الأولى كما أفيد في المتن كيف وان كلمات جمهور
الباحثين في محل الكلام من الخاصة والعامة صريحة في أن ما هو محط الانظار بينهم
انما هو الجواز أو الامتناع من الجهة الأولى وعليه فالقول بالامتناع يستلزم القول بفساد
المجمع وعدم سقوط الامر بالاتيان به ولو كان الاتيان به حال الجهل بحرمته قصورا
فيكون ذهاب من ذهب إلى كون صحة الصلاة في الدار المغصوبة في الفرض المزبور على طبق القاعدة
ناشئا من الغفلة عما يقتضيه القول بالامتناع فتدبر جيدا
358

المبحث فيكون نزاعهم في الجواز والامتناع منحصرا بالجهة الثانية ويؤيد ذلك انهم
اعتبروا وجود المندوحة في محل البحث وقد عرفت ان اعتبارها فيه انما يلزم فيما إذا
كان النزاع في الجهة الثانية من الجهتين المزبورتين واما النزاع في الجهة الأولى فان
وجه لاعتبار وجود المندوحة في مورده أصلا ومن العجيب ان المحقق العلامة الأنصاري
(قده) مع أنه جعل البحث في المقام من مقدمات بحث التعارض بتقرير ان القول
بالامتناع يستلزم دخول مورد الاجتماع في باب التعارض قد حكم في طي البحث بدخول
مورد الاجتماع في باب التزاحم بناء على الامتناع واعمل قواعد التزاحم فيه فحكم
بصحة الصلاة في الدار المغصوبة جهلا وقد عرفت ان الفرق بين البابين ودخول مورد
الاجتماع في باب التعارض دون التزاحم على القول بالامتناع في غاية الوضوح ويترتب
عليه خروج المجمع عن حيز الامر وعدم صحته في مورد الجهل أيضا كما في تقية موارد
التعارض (واما توهم) ان المجمع من جهة اشتماله على ملاك الوجوب وملاك التحريم يكون
داخلا في صغرى التزاحم فان كلا من الملاكين يوجب جعل الحكم الاقتضائي على طبقه
فيتزاحمان بالقياس إلى الحكم الفعلي فإن كان كل من الملاكين معلوما كان تأثير أقواهما
فعليا لا محالة وبما ان المفروض في المقام ان ملاك الحرمة هو الأقوى فتكون العبادة
فاسدة لتمحضها في كونها محرمة واما إذا كان ملاك التحريم مجهولا كما هو المفروض
عند الجهل بالغصب في المثال لم يكن الحكم الناشئ من قبله فعليا فيؤثر ملاك الوجوب
قهرا لعدم مزاحم له في مقام الفعلية كما هو الحال في بقية موارد التزاحم مثال ذلك
ما إذا فرضنا توجه خطاب الإزالة وخطاب الصلاة إلى المكلف في زمان واحد فان
التكليف بالإزالة إذا كان معلوما له كان ذلك معجزا مولويا عن امتثال خطاب الصلاة
لا محالة لاشتراط خطابها بالقدرة عقلا ومن الواضح ان العجز الشرعي كالعجز العقلي
في كونه رافعا لموضوع الحكم فلا يكون التكليف بالصلاة فعليا واما إذا كان المكلف
359

جاهلا بتوجه خطاب الإزالة إليه لجهله بوجود النجاسة في المسجد فالتكليف المجهول
بما انه لا يمكن أن يكون شاغلا للمكلف بامتثاله لا يوجب عجز المكلف عن فعل آخر
غير متعلقة فيكون المكلف بالإضافة إلى متعلق الخطاب الاخر قادرا فيكون خطابه
فعليا لا محالة وبالجملة المانع من فعلية خطاب المهم انما هو فعلية خطاب الأهم
فإذا فرض الجهل به وعدم فعليته لم يكن هناك مانع من فعلية خطاب المهم أصلا
(فهو فاسد) من وجوه (اما أولا) فلان جعل الحكم الاقتضائي على طبق كل من الملاكين
لا يكون بنفسه باعثا للمكلف وزاجرا له لوضوح ان الانبعاث والانزجار انما ينشئان
من البعث والزجر الفعليين وبما ان الحكم الفعلي في محل الاجتماع يكون واحدا
لا محالة كان جعل الحكمين الاقتضائيين لغوا محضا لا يترتب عليه شئ مع أنك قد
عرفت في ما تقدم ان الامر الملتفت إلى التقسيمات الأولية كتقسيم الصلاة إلى الصلاة
الواقعة في الدار المغصوبة والواقعة في غيرها وتقسيم العالم إلى العادل والفاسق يستحيل
في حقه الاهمال بحسب مقام الثبوت فإنه حين التفاته إلى الانقسام المزبور لا بد من أن
تتعلق ارادته بتمام الأقسام أو ببعضها ولا يمكن فرض الاهمال في مقام الثبوت وانما
يمكن ذلك في مقام ألد لالة والاثبات فلا يعقل جعل حكمين اقتضائيين بحيث لا يكون
الحاكم حين حكمه بكل منهما ناظرا إلى متعلق الحكم الاخر ليكون الحكم اقتضائيا
جهتيا فلا بد من أن يكون متعلق كل من الحكمين لدى الحاكم معلوما بينا من أول الأمر
على نحو الاطلاق أو التقييد (واما ثانيا) فلان التزاحم في الملاكات باعتبار تأثيرها
في حكم الحاكم وإن كان مما لا ينكر الا انه أجنبي عن التزاحم في محل الكلام فان التزاحم
في محل الكلام انما هو في ما إذا تم كل من الحكمين في نفسه وجعل على موضوعه المقدر
وجوده لكن وقع التزاحم في مقام الامتثال لفرض عدم قدرة المكلف على امتثال كليهما و
صلوح كل منهما لان يكون شاغلا للمكلف بامتثاله عن امتثال غيره ورافعا لموضوعه أعني
به القدرة على ايجاد متعلقه فإذا فرض كون أحد الحكمين أهم من الاخر تعين ذلك في كونه
معجزا عن امتثال الاخر دون العكس لكن تعجيزه عنه انما هو على تقدير وصوله إلى المكلف
ولزوم امتثاله بحكم العقل واما في ظرف الجهل به فبما انه لا يكون شاغلا للمكلف بامتثاله
لا يكون معجزا له عن امتثال غيره فلا محالة يكون التكليف في طرف المهم بلا مزاحم وهذا
360

بخلاف التزاحم في الملاكات باعتبار تأثيرها في حكم الحاكم فان المناط فيه هو علم الامر
وجهله بها بلا دخل لعلم المكلف وجهله بها أصلا فإذا كان المولى جاهلا بمفسدة الغصب
أو جاهلا بامكان اجتماع الغصب مع الصلاة في مورد ما فلا محالة يأمر بالصلاة مطلقا ولو كانت
مفسدة الغصب في الواقع غالبة على مصلحة الصلاة فيتوقف التزاحم في مقام تأثير الملاك
في الحكم على علم الامر بوجود المصلحة مطلقا وبوجود المفسدة كذلك وبجواز اجتماع
العنوانين في بعض الموارد سواء كان المأمور عالما بالملاك أم لم يكن عالما به وعليه فإذا
كان أحد الملاكين أرجح من الاخر في نظر الامر كان التأثير له لا محالة وكان الحكم في
مورد الاجتماع على طبقه فيخرج المجمع بذلك عن حيز الحكم الاخر رأسا إذ المفروض
غلبة أرجح الملاكين على الاخر في مقام التأثير في نظر الامر فلا يوجب جهل المكلف بالملاك
الغالب مع فرضه كونه هو المؤثر في نظر الامر دخول المجمع تحت الحكم الاخر بعد خروجه
عنه واقعا وبالجملة تعدية حكم التزاحم في مقام الامتثال بعد تمامية الحكمين في حد ذاتهما
إلى التزاحم في مقام تأثير الملاكات في الاحكام ناشئة من الغفلة عن الفرق بين التزاحمين و
(اما ثالثا) فلان البيان المذكور يستلزم جواز الامتثال بالمجمع عند جهل المكلف بالملاك
الأقوى في جميع موارد التعارض بالعموم والخصوص من وجه مع أنه لا يلتزم به أحد مثال
ذلك إذا أمر المولى باكرام العالم ونهى عن اكرام الفاسق وفرضنا ان المجمع مشتمل
على ملاك الوجوب والحرمة وان الأقوى هو ملاك الحرمة فإذا جهل المكلف كون
زيد العالم فاسقا وأكرمه كان لازم البيان المذكور هو الالتزام بتحقق امتثال الواجب
باكرامه مع أنه باطل قطعا ولا يلتزم به ففيه ابدا
الثاني ان جماعة من القائلين بجواز اجتماع الامر والنهى قد استدلوا عليه بوقوعه
في الشريفة المقدسة كما في موارد العبادات المكروهة وهذا الاستدلال وان لم يكن
في محله كما سيظهر ذلك في طي البحث انشاء الله تعالى الا أنه لا بأس بتوضيح الحال
في تصوير كيفية الكراهة في العبادة لما أشكل الامر فيها على كثير من الاعلام فنقول
الكراهة في العبادة على ثلاثة أقسام فان النسبة بين المأمور به والمنهى عنه بالنهي التنزيهي
اما أن تكون على نحو العموم والخصوص من وجه أو على نحو العموم والخصوص المطلق
وعلى الثاني فاما أن تكون العبادة المكروهة مما لها بدل أو لا يكون لها بدل فهذه ثلاثة
361

أقسام (اما القسم الأول) أعني به ما إذا كانت النسبة بين المأمور به والمنهى عنه تنزيها
نسبة العموم والخصوص من وجه فلا اشكال فيه في صحة العبادة وعدم كون الدليل النهى
التنزيهي مقيدا لاطلاق المأمور به على القول بالجواز لان المأمور به يكون حينئذ مغايرا
للمنهى عنه بالهوية فلا موجب للتقييد واما على القول بالامتناع وفرض وحدة الهوية في
الخارج فربما يتوهم التنافي بين وقوع المأتى به مصداقا للمأمور واتصافه بالكراهة
فعلا لان تضاد الاحكام لا يختص بالوجوب والحرمة بل يعم الاحكام الالزامية وغيرها ففرض
كون العبادة مكروهة ينافي فرض كونها مصداقا للواجب أو المستحب فلا مناص عن
تقييد دليل الامر بغير موارد الكراهة كما كان هو الحال فيما إذا كان النهى تحريميا
(ولكن التحقيق) ان العبادة على هذا القول وإن كانت منهيا عنها لا محالة الا ان النهى
عن حصة خاصة لا يوجب تقييد المأمور به بغيرها ما لم يكن النهى تحريميا أو كان النهى
مسوقا لبيان المانعية (توضيح ذلك) ان النهى عن حصة خاصة من العبادة تارة يكون
مسوقا لبيان كون تلك الخصوصية المتخصصة بها العبادة مانعة عن صحتها من دون دلالته
على حكم تكليفي كما في النهى عن الصلاة في اجزاء ما لا يؤكل لحمه والنهى في هذا القسم
لا اشكال في كونه مقيدا لاطلاق المأمور به وكشفه عن اختصاص الامر بغير تلك الحصة
واخرى يكون النهى مسوقا لبيان حكم تكليفي وذلك الحكم اما أن يكون حكما تحريميا
أو يكون حكما تنزيهيا فإن كان الحكم تحريميا كان مقتضاه عدم وجود متعلقه في الخارج
وهو ينافي ما يستفاد من اطلاق المأمور به من الترخيص في تطبيقه على أي فرد من افراده
أراد المكلف تطبيقه عليه في مقام الامتثال فلا محالة يكون النهى عن حصة خاصة موجبا
لتضيق المأمور به وتقييد اطلاقه بغيرها مثال ذلك ما إذا أمر الشارع بالصلاة من غير تقييد
بحصة خاصة فاطلاق المتعلق يستلزم ترخيص المكلف في تطبيق المأمور به على أي فرد
أراد المكلف ايجاده من افراده فان كل فرد بخصوصه وان لم يتعلق به الامر إذ المفروض
تعلقه بصرف وجود الطبيعة القابلة للانطباق على كل فرد الا ان العقل يخير المكلف في
تطبيق تلك الطبيعة المطلقة المأمور بها على أي فرد من افرادها أراد المكلف ايجاده في
الخارج لتساوي نسبتها إلى تلك الافراد فإذا كان بعض افرادها منهيا عنه بالنهي التحريمي
كانت حرمته مانعة عن سراية رخصة التطبيق المستفادة من الاطلاق إلى ذلك الفرد
362

قطعا واما إذا كان النهى من حصة خاصة نهيا تنزيهيا فهو لا ينافي رخصة تطبيق المأمور به
على تلك الحصة بالضرورة وذلك لان النهى التنزيهي متضمن للرخصة في ايجاد متعلقه
على الفرض فلا تنافى بينه وبين اطلاق المأمور به ليكون مقيدا له بغير متعلق النهى غاية الأمر
ان تطبيق المأمور به على الفرد المنهى عنه يكون مرجوحا بالإضافة إلى تطبيقه
على غيره من الافراد وبالجملة النهى التنزيهي وإن كان مضادا للوجوب لتضاد الاحكام
بأسرها ولازم ذلك ان لا يتعلق الامر بعين ما تعلق به النهى ولو كان النهى تنزيهيا الا أن
النهى عن بعض افراد المأمور به لا يستلزم اجتماع الحكمين المتضادين في شئ واحد
لان الامر على الفرض لم يتعلق الا بصرف وجود الطبيعة مع قطع النظر عن جميع
خصوصياته الطارية عليه واما النهى التنزيهي فهو متعلق بخصوص حصة خاصة دون صرف
وجود الطبيعة فلو كان هناك تناف لكان ذلك بين النهى وترخيص تطبيق المأمور به على
أي فرد من افراده أراد المكلف تطبيقه عليه في الخارج لكن النهى إذا كان تحريميا
تحقق التنافي بين الامرين لا محالة فلا بد من رفع اليد عن اطلاق المأمور به لما تعلق به
النهى واما إذا كان النهى تنزيهيا فهو بما انه يتضمن الترخيص في ايجاده لا يقع التنافي
بينه وبين الاطلاق المزبور فلا موجب لرفع اليد عن الاطلاق بسببه فيجزى في مقام امتثال
الامر المتعلق بصرف الوجود الاتيان بالفرد المنهى عنه تنزيها وإن كان الامتثال المتحقق
به مرجوحا بالإضافة إلى غيره ولعل من فسر الكراهة في العبادة بأقلية الثواب أراد به
ما ذكرناه لا ان النهى استعمل في غير طلب الترك ارشادا إلى كون متعلقه أقل ثوابا من
غيره فعلى ذلك يكون النهى مستعملا في طلب الترك لمرجوحية الفعل لكن المرجوحية
انما هي في تطبيق المأمور به على الفرد المنهى عنه تنزيها وهو لا ينافي الرخصة في تطبيقه
عليه كما عرفت الا أنها توجب أقلية الثواب عند تحقق الامتثال بذلك الفرد لا محالة وما
ذكرناه هو السر في عدم التزام الأصحاب بتقييد المطلقات الالزامية بالامر الاستحبابي
والنهى التزيهى المتعلقين ببعض افرادها بل حملوا الأول على أفضل الافراد والثاني
على أقلية الثواب كما أنه هو السر في عدم التزامهم بالتقييد في باب المستحبات وحملهم
المقيد على كونه أفضل الافراد وسيتضح ذلك في بحث المطلق والمقيد انشاء الله تعالى
(واما القسم الثاني) أعني به ما إذا كانت نسبة المنهى عنه بالنهي التنزيهي إلى المأمور
363

به نسبة الخاص إلى العام مع فرض وجود بدل له فحال النهى فيه هو حاله في القسم
الأول بناء على الامتناع كما هو ظاهر فلا حاجة إلى إعادة الكلام فيه (واما القسم الثالث)
أعني به ما إذا كانت النسبة بين المأمور به والمنهى عنه نسبة العموم والخصوص المطلق
مع فرض عدم بدل للمنهى عنه في الخارج فلا يمكن فيه الالتزام بما التزمناه في القسمين
السابقين لان ما تعلق به النهى فيه كصوم يوم عاشوراء هو بعينه متعلق الأمر والمفروض
انه لا بدل له فلم يتعلق الامر بصرف وجود الطبيعة الجامعة بين الفرد المنهى عنه وغيره
ليكون النهى التنزيهي متعلقا بتطبيق المأمور به على خصوص فرد من أفراده وغير
مناف لاطلاق المأمور به ولأجل ذلك ذهب جماعة تبعا للعلامة المحقق الأنصاري (قده)
في هذا القسم إلى عدم كراهة المنهى عنه بل حملوا النهى عن الفعل فيه على الارشاد
إلى وجود مصلحة في الترك أرجح من مصلحة الفعل لأجل كون الترك سببا توليديا لعنوان
راجح في نفسه كمخالفة بنى أمية لعنهم الله تعالى فيرجع الامر إلى أن كلا من الفعل والترك
مستحب في نفسه لكن مصلحة الترك أرجح من مصلحة الفعل فليس معنى الكراهة هنا هو كون
الفعل مرجوحا لمفسدة فيه لينافي ذلك استحبابه وتعلق الامر به بل معناها هو رجحان الترك
لأجل كونه سببا توليديا لعنوان راجح وهو لا ينافي اشتمال الفعل على مصلحة موجبة
لرجحانه أيضا (ولكنه لا يخفى (1) ان الفعل والترك إذا كان منهما مشتملا على

(1) لا يخفى عليك ان اشتمال كل من الفعل والترك على المصلحة وإن كان لا يوجب
تعلق الامر بهما تعيينا أو تخييرا لاستحالة طلب النقيضين تعيينا أو تخييرا الا أن ذلك فيما
إذا كانت المصلحة مترتبة على مطلق وجود الفعل والترك واما فيما إذا كانت مترتبة على
حصة خاصة من الفعل كما هو الحال في موارد العبادات المكروهة في محل الكلام إذ
المصلحة فيها مترتبة على الفعل المأتى به عبادة فلا محالة يكون المورد داخلا في صغرى
تزاحم المستحبين لان المكلف حينئذ قادر على تركهما والاتيان بالفعل المجرد عن قصد
القربة وغير قادر على الجمع بينهما وعليه فإذا كانت مصلحة الترك أهم من مصلحة الفعل
لم يكن مانع من النهى عن الفعل ارشادا إلى ما في الترك من المصلحة فالكراهة في
هذه الموارد لم تنشأ من حزازة ومنقصة في الفعل لتنافي كونه عبادة بل انما نشأت من
كون الترك أرجح من الفعل كما يظهر ذلك من مداومة الأئمة سلام الله عليها على
الترك وأمرهم أصحابهم به وهذا لا ينافي صحة الفعل إذا اتى به عبادة وهذا الوجه هو
الذي افاده العلامة الأنصاري قدس سره في تصوير الكراهة في العبادة في هذا القسم
وهو الصحيح واما ما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره في تصويرها فسيظهر لك ما فيه بعيد
ذلك انشاء الله تعالى
364

مقدار من المصلحة فبما انه يستحيل تعلق الامر بكل من النقيضين في زمان واحد يكون
المؤثر في نظر الامر إحدى المصلحتين على تقدير كونها أقوى من الأخرى وتسقط
كلتاهما عن التأثير على تقدير التساوي لاستحالة تعلق الطلب التخييري بالنقيضين لأنه من
طلب الحاصل وعليه يستحيل كون كل من الفعل والترك مطلوبا بالفعل وبالجملة اشتمال
كل من الفعل والترك على المصلحة يوجب تزاحم الملاكين في تأثيرهما في جعل الحكم
على طبق كل منهما لاستحالة تأثيرهما في زمان واحد في طلب النقيضين تعيينا أو تخييرا
وعليه يتفرع وقوع التزاحم في التأثير فيما كان كل من الضدين الذين لا ثالث لهما مشتملا
على المصلحة أو المفسدة الداعية إلى جعل الحكم على طبقها وفيما إذا كان أحد
المتلازمين دائما مشتملا على مصلحة والاخر مشتملا على مفسدة فان في جميع ذلك
يستحيل جعل الحكم على طبق كل من الملاكيين تعيينا أو تخيير لرجوعه إلى طلب
النقيضين المفروض استحالته فلا بد من جعل الحكم على طبق أحد الملاكين إن كان
أحدهما أقوى من الاخر والا فلا يؤثر شئ منهما في جعل الحكم على طبقه نعم إذا
كان كل من الضدين الذين لهما ثالث مشتملا على مصلحة الزامية أو غير الزامية لم يكن
مانع من تعلق الامر بكل منهما تخييرا والفرق بينهما وبين النقيضين أو الضدين اللذين
ليس لهما ثالث ظاهر لا يكاد يخفى (والتحقيق في الجواب) عن هذا القسم يتضح برسم
مقدمة نافعة في جملة من الموارد وهى أنه لا شبهة في أن النذر إذا تعلق بعبادة مستحبة
فالامر الناشئ من النذر يتعلق بذات العبادة التي كانت متعلقة للامر الاستحبابي في نفسها
فيندك الامر الاستحبابي في الامر الوجوبي ويتحد به فيكتسب الامر الوجوبي جهة التعبد
من الامر الاستحبابي كما أن الامر الاستحبابي يكتسب جهة اللزوم من الامر الوجوبي
فيتولد من اندكاك أحد الامرين في الاخر أمر واجد وجوبي عبادي والسر في ذلك أنه
إذا كان متعلق كل من الامرين عين ما تعلق به الاخر فلا بد من اندكاك أحدهما في الآخر
والالزم اجتماع الضدين في شئ واحد واما إذا كانت العبادة المستحبة متعلقة للإجارة
في موارد النيابة عن الغير كان متعلق الأمر الاستحبابي مغايرا لما تعلق به الامر الوجوبي
365

لان الامر الاستحبابي (1) على الفرض تعلق بذات العبادة واما الامر الناشئ من الإجارة
فهو لم يتعلق بها بل تعلق باتيان العبادة بداعي الامر المتوجه إلى المنوب عنه بداهة
ان ذات العبادة من دون قصد النيابة عن المنوب عنه لم يتعلق بها غرض عقلائي من
المستأجر ولاجله تبطل الإجارة لو تعلقت بها أو بمثلها مما لم يتعلق به غرض عقلائي و
على ذلك يترتب انه يستحيل تداخل الامرين باندكاك أحدهما في الآخر في موارد الإجارة
على العبادة إذ التداخل فرع وحدة المتعلق والمفروض عدمها في تلك الموارد فلا يلزم

(1) التحقيق انه لا فرق بين موارد الإجارة على العبادة المأتى بها نيابة عن الغير و
موارد تعلق النذر بها توضيح ذلك ان الأوامر المتصورة في موارد الإجارة أربعة الأول
الامر المعلق بالمنوب عنه الساقط في بعض الموارد بموت ونحوه وهذا الامر أجنبي عن
النائب بالكلية ولا معنى لاتحاده مع الامر الناشئ من قبل الإجارة وعدم اتحاده معه
لاختلاف موضوعهما على الفرض الثاني الامر الاستحبابي المتوجه إلى النائب المتعلق
باتيان العبادة من قبل نفسه وهذا الامر لا معنى أيضا لاتحاده مع الامر الناشئ من قبل
الإجارة وعدم اتحاده معه لاختلاف متعلقهما كما هو ظاهر الثالث الامر الاستحبابي المتوجه
إلى النائب المتعلق باتيان العمل نيابة عن الغير الرابع الامر الوجوبي المتوجه إليه
المتعلق بما تعلق به الامر الاستحبابي بعينه وهذان الأمران بما انهما متعلقان بشئ
واحد لا مناص عن اندكاك أحدهما في الاخر فتكون النتيجة أمرا واحدا وجوبيا متعلقا
باتيان العمل عن الغير فلا فرق بين موارد تعلق الإجارة بالعبادة وموارد تعلق النذر بها
أصلا واما ما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره من أن الامر الاستحبابي في موارد الإجارة
متعلق بذات العبادة والامر الوجوبي متعلق باتيانها بداعي الامر المتوجه إلى المنوب
عنه فيظهر فساده مما ذكرناه وذلك لان الامر الاستحبابي المتوجه إلى النائب كما
عرفت امران أحدهما متعلق باتيان العمل من قبل نفسه وثانيتهما متعلق باتيان العمل عن
الغير ونيابة عنه وعلى كل حال فهو غير متعلق بذات العبادة نفسها واما الامر الوجوبي
الناشئ من قبل الإجارة فهو وإن كان متعلقا باتيان العمل نيابة عن الغير الا أنه غير متعلق
باتيان العمل بداعي الامر المتوجه إلى المنوب عنه ضرورة انه يستحل أن يكون الامر
المتوجه إلى شخص داعيا لشخص آخر إلى الاتيان بمتعلقه بل الداعي لكل مكلف انما
هو الامر المتوجه إلى شخصه لا محالة غاية الأمر ان متعلقه ربما يكون هو الاتيان بالفعل
من قبل نفسه وربما يكون هو الاتيان به من قبل الغير ونيابة عنه وتمام الكلام في محله
366

اجتماع الضدين في شئ واحد من تعلق الامر الاستحبابي بذات العمل وتعلق الامر
الوجوبي باتيان العبادة بداعي امتثال الامر المتوجه إلى المنوب عنه (إذا عرفت ذلك)
فنقول ان الاشكال في اتصاف العبادة بالكراهة في القسم الثالث انما نشأ من نخيل ان
متعلق الأمر والنهى هو شئ واحد مع أنه ليس كذلك لوضوح ان متعلق الأمر هو ذات
العبادة واما النهى التنزيهي فهو لم يتعلق بها لعدم مفسدة في فعلها ولا مصلحة في تركها
بل تعلق (1) بالتعبد بهذه العبادة لما فيه من المشابهة للأعداء وبما ان النهى تنزيهي وهو
متضمن للترخيص في الاتيان بمتعلقه جاز التعبد بتلك العبادة بداعي امتثال الامر المتعلق
بذاتها نعم لو كان النهى تحريميا لكان مانعا من تعلق الامر بها بخصوصها ومن شمول اطلاق
المأمور به للفرد المنهى عنه لوضوح التنافي بينه وبين حرمة التعبد به فيكون الفرد
المنهى عنه خارجا عن حيز الامر ويكون دليل النهى مقيدا لاطلاق دليل الامر فظهر
ان متعلق النهى التنزيهي في هذا القسم بما أنه مغاير لمتعلق الامر لا يكون منافيا له وبما
انه تنزيهي لا يكون مانعا من التعبد بمتعلق فارتفع اشكال اجتماع الضدين في هذا القسم
من العبادات المكروهة أيضا.
بقى الكلام في الجهة الثانية من الجهتين اللتين ذكرناهما في أول البحث وملخص
الكلام في هذا المقام هو ان يقال بعد ما ثبت كون الجهة تقييدية والتركيب انضماميا انه
هل يشترط في امتثال الامر بالطبيعة كون الفرد بنفسه مقدورا كما ذهب إليه جماعة من
المحققين أو يكفي فيه القدرة في الجملة على ايجاد الطبيعة المأمور بها وإن كان الفرد
المأتى به بشخصه غير مقدور شرعا كما ذهب إليه المحقق الثاني ومورد كلامه (قده) وإن كان
هي الافراد الطولية الا أن ملاكه متحقق في الافراد العرضية أيضا فان قلنا بالأول فلا محالة

(1) لا يخفى ان ما أفيد في المتن من دعوى تعلق الكراهة بالتعبد بالعبادة المتعلق بها
الامر الاستحبابي مع أنه خلاف ظواهر الأدلة الدالة على النهى عن نفس العبادة كصوم
يوم عاشوراء لا يدفع به اشكال اجتماع الامر والنهى في شئ واحد ضرورة ان الامر
الاستحبابي كما تعلق بذات العبادة تعلق بالتعبد بها أيضا كما عرفت ذلك في بحث التعبدي
والتوصلي غاية الأمر ان تعلقه بما انما هو بالامر الثاني الموجب لتقييد الأمر الأول
بنتيجة التقييد على ما ذهب إليه شيخنا الأستاذ قدس سره وعليه فإذا كان التعبد بعبادة
ما متعلقا للنهي التنزيهي أيضا لزم اجتماع حكمين متضادين في شئ واحد وهو مستحيل
367

يقع التزاحم بين الامر والنهى في المجمع إذ النهى يجعله غير مقدور فلا يصح الامتثال به
فلا بد اما من رفع اليد عن النهى ليكون المأتى به مقدورا أو من رفع اليد عن اطلاق الامر
وتقييده بغير المجمع لكونه غير مقدور بتعلق النهى به واما إذا قلنا بالثاني فلا تزاحم بين
الامر والنهى أصلا لأن المفروض ان القدرة في الجملة على ايجاد الطبيعة تكفى في صحة
الامتثال بالفرد وان لم يكن شخص الفرد مقدورا فان الانطباق قهري والاجزاء عقلي (ثم إن
النزاع) في صحة امتثال الامر بالطبيعة باتيان فردها وان لم يكن شخص الفرد مقدورا
وعدم صحته انما نشأ من النزاع في أن اشتراط الامر بشئ بالقدرة على متعلقه هل هو
من جهة حكم العقل بقبح الخطاب بغير المقدور أو من جهة ان نفس البعث إلى شئ
والتحريك نحوه يستلزم كون المبعوث إليه مقدورا فان التحريك نحو غير المقدور غير
معقول فمتعلق الطلب في نفسه وإن كان يعم غير المقدور الا ان نفس تعلق الطلب به يوجب
تقييده بالحصة المقدورة فغير المقدور من افراده يخرج عن حيز الامر
لا محالة فان قلنا بالأول صح امتثال الامر بالطبيعة باتيان فردها وان لم يكن شخص الفرد
مقدورا لما تقدم من أن الانطباق قهري والاجزاء عقلي واما إذا قلنا بالثاني امتنع الامتثال
بغير المقدور فان الطبيعة بما هي وإن كانت منطبقة على غير المقدور أيضا الا انها بما هي
مأمور بها لا تنطبق عليه فلا يصح الامتثال به وإذ قد عرفت في ما تقدم ان نفس تعلق الطلب
بشئ يقتضى (1) اعتبار القدرة في متعلقه تعرف ان الحق في المقام هو القول بالامتناع
من جهة الثانية فلا يصح امتثال الامر بالطبيعة بالاتيان بالمجمع في حال الالتفات والعمد

(1) قد عرفت فيما تقدم ان حقيقة الوجوب ليست الا عبارة عن اعتبار كون فعل ما على ذمة
المكلف وهذا المعنى في نفسه لا يقتضى اعتبار القدرة على ذلك الفعل وانما تكون القدرة
معتبرة بحكم العقل في مقام الامتثال دون مرحلة التكليف الا في موارد تلزم اللغوية من
الاعتبار المزبور وعليه يترتب ان الحق في المقام هو القول بالجواز من الجهة الثانية
فيصح الاتيان بالمجمع بداعي امتثال الامر بالطبيعة ولو كان ذلك حال العلم والعمد
أيضا بل التحقيق جواز ذلك حتى على القول باقتضاء طلب شئ اعتبار القدرة عليه لان حرمة
ما يكون مقارنا لفرد المأمور به لا تجعل ذلك الفرد غير مقدور عليه ليخرج بذلك عن
حيز الامر ضرورة ان عدم القدرة على شئ اما ان يتحقق بالعجز عنه تكوينا واما بالنهي عن
نفس ذلك الشيئ أو عن مقدماته المتوقفة عليه عقلا لان الممنوع شرعا كالممتنع عقلا واما -
368

(فان قلت) ان حكم الأصحاب بفساد الصلاة الواقعة في الدار المغصوبة في حال العمد
والالتفات وبصحتها في حال الجهل لا يستقيم على القول بامتناع اجتماع الامر والنهى ولا على القول
بجوازه فانا إذا قلنا بامتناع اجتماع الامر والنهى من الجهة الأولى لاستلزامه اجتماع الضدين
فقد سبق ان لازمه وقوع التعارض بين الدليلين وخروج المجمع عن تحت الامر بالكلية
على تقدير تقديم دليل الحرمة وان لازم ذلك هو فساد العبادة باتيان المجمع حتى في صورة
الجهل بالحرمة وقد مر انه خلاف المتسالم عليه بين الأصحاب واما إذا قلنا بالجواز من
تلك الجهة وتعدد متعلق الأمر والنهى فلازمه الحكم بصحة العبادة باتيان المجمع حتى في
صورة العلم بالحرمة ولو قلنا بالامتناع من الجهة الثانية وذلك أيضا ينافي تسالم الأصحاب
على البطلان في فرض العلم بالحرمة
(قلت) (1) اما استلزام القول بالامتناع من الجهة الأولى للقول بفساد العبادة بالاتيان
بالمجمع حتى في صورة الجهل بالحرمة فهو صحيح كما بيناه سابقا واما استلزام القول بالجواز
من تلك الجهة للقول بالصحة حتى في صورة العلم بالحرمة ولو بنينا على الامتناع
من الجهة الثانية فهو غير صحيح (2) لا الموجب لصحة العبادة حينئذ اما أن يكون

- في غير ذلك فلا موجب - لدعوى كون فعل ما غير مقدور عليه أصلا ومن الواضح ان الاتيان
بفرد المأمور به في ضمن المجمع بما انه مقدور عليه تكوينا وغير منهى عنه شرعا إذا لمفروض
عدم سراية النهى عن ملازمه إليه لا موجب لكونه خارجا عن حيز الامر فلا وجه لدعوى
اختصاص الطلب بغير الفرد المجتمع مع المنهى عنه خارجا وعليه فلا مانع من صحة الامتثال
باتيان المأمور به في ضمن المجمع ولو كان ذلك في حال العلم والعمد
(1) الانصاف صحة الاعتراض المزبور على الأصحاب لما عرفت مما بيناه ان الامر دائر
بين الحكم بالصحة مطلقا والحكم بالفساد كذلك ولا وجه للتفصيل بين صورتي العلم
والجهل أصلا واما ما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره في توجيه ذلك فسيظهر لك ما فيه
بعيد ذلك انشاء الله تعالى
(2) التحقيق صحة ذلك اما أولا فلما عرفت من أن الصحيح هو القول بالجواز من الجهة
الثانية فلا مانع من تحقق الامتثال بالاتيان بفرد المأمور به المجتمع مع الفرد المنهى
عنه واما ثانيا فلما عرفت من صحة القول بالترتب في موارد اجتماع الامر والنهى بناء
على القول بالجواز من الجهة الأولى كما مر بيان ذلك في بحث الترتب واما ثالثا
فلصحة التقرب بالملاك الموجود في المجمع ولو سلم عدم تعلق الامر به فعلا واما ما أفيد
في المتن من دعوى عدم صلوح الملاك المزاحم بالقبح الفاعلي المتحقق عند الاتيان
بالمجمع لان الامتزاج بين المأمور به والمنهى عنه في الخارج بحيث لا تمكن الإشارة
إلى أحدهما دون الاخر أوجب اتحادهما في الخارج في مقام الايجاد والتأثير وذلك
مانع من صحة التقرب بالاتيان بالمجمع فهو مدفوع بان القول بالجواز من الجهة الأولى
كما هو المفروض في المقام يبتنى على القول بتعدد وجود المأمور به والمنهى عنه في
الخارج كما مر بيان ذلك فيما تقدم ومن الواضح ان تعدد الوجود في الخارج يستلزم تعدد
الايجاد والتأثير لان الايجاد والوجود متحدان بالذات ومختلفان بالاعتبار فالفرد المأمور
به كما أنه مغاير للمنهى عنه وجودا مغاير له ايجادا فليس هناك قبح فعلى أو فاعلي الا
فيما هو مقارن للمأمور به في الخارج ولا يسرى منه القبح إلى فرد المأمور به بوجه أصلا
فتحصل ان القول بالجواز من الجهة الأولى يستلزم القول بصحة العبادة المجتمعة مع
المنهى عنه سواء اتى بها حال الجهل بالحرمة أم اتى بها حال العلم والعمد فالتفصيل
بالقول بالصحة حال الجهل وبالقول بالفساد حال العلم لا وجه له أصلا.
369

هو الامر المتعلق بها على نحو الترتب أو يكون هو الملاك المقتضى للامر لا سبيل إلى الأول
لما عرفت سابقا من امتناع الترتب في موارد اجتماع الامر والنهى ولا إلى الثاني لان
ملاك الامر لابد من أن يكون غير مزاحم بالقبح الفاعلي ليكون صالحا للتقرب به والملاك
المفروض وجوده في المقام ليس كذلك فان الصلاة والغصب مثلا بما انهما ممتزجان
في الخارج بحيث لا تمكن الإشارة إلى أحدهما دون الاخر كانا متحدين في مقام الايجاد
والتأثير فيكون موجدهما مرتكبا للقبيح في ايجاده ومعه يستحيل أن يكون الفعل الصادر
منه مقربا له نعم إذا كانت الحرمة مجهولة وكان المكلف معذورا في مخالفتها فيما انها لا تكون
صارفة للمكلف عن متعلقها لا تكون معجزة له عن فعل المأمور به فيقع مورد الاجتماع
صحيحا في ظرف الجهل كما هو الحال في بقية موارد التزاحم (هذا كله) فيما إذا كان هناك
مندوحة واما فيما إذا لم تكن فتقع المزاحمة بين نفس خطابي الوجوب والحرمة وذلك
يكون على قسمين (الأول) فيما إذا كان من متعلقي الوجوب والحرمة شموليا يشمل
مورد الاجتماع (الثاني) ما إذا كان كل من متعلقي الوجوب بدليا وانحصر امتثاله من باب الاتفاق
بالاتيان بالمجمع لأجل عدم وجود المندوحة (اما القسم الأول) فقد ظهر من مطاوي ما
ذكرناه ان الخطابين بالنسبة إلى مورد الاجتماع في هذا القسم يكونان
متعارضين وجعل أحد الحكمين فيه بنفسه ينافي جعل الاخر فيكون المجمع
من أول الأمر داخل في افراد المأمور به أو داخلا في افراد المنهى عنه ولا تصل النوبة حينئذ
370

إلى التزاحم (واما القسم الثاني) أعني به ما إذا كان متعلق الوجوب بدليا وانحصر امتثاله من
باب الاتفاق بالاتيان بالمجمع فهو على قسمين لان الانحصار به اما أن لا يكون بسوء اختيار
المكلف أو يكون بسوء اختياره فالكلام يقع في مقامين (اما الكلام في المقام الأول) أعني
به ما إذا كان الانحصار بغير سوء اختيار المكلف فتوضيحه بأن يقال إن اعتبار القيود العدمية
اما أن يكون مدلولا للنهي الغيري فيكون التقييد هو المستفاد من الدليل ابتداء واما أن يكون
مستفادا بالدلالة الالتزامية من النهى النفسي الدال على الحرمة كما في موارد النهى
عن العبادة أو موارد اجتماع الامر والنهى بناء على الامتناع من الجهة الأولى واما أن يكون
لأجل مزاحمة المأمور به للمنهى عنه مع فرض تقديم جهة الحرمة على الوجوب فهناك
أقسام (اما القسم الأول) أعني به ما كان اعتبار القيد العدمي في المأمور به مدلولا ابتدائيا
للنهي الغيري كما في النهى عن الصلاة في اجزاء ما لا يؤكل لحمه فمقتضى اطلاق دليل
التقييد فيه على تقدير تمامية مقدماته هو اعتبار القيد في المأمور به في جميع أحوال المكلف ولازم
ذلك هو سقوط الامر عند انحصار الامتثال بالفرد الفاقد للقيد كما في صورة الاضطرار إلى
ليس الحرير أو غير المأكول المعتبر عدمهما في الصلاة الا أن ما دل على أن الصلاة لا تسقط
بحال قد دل على الغاء الشارع كل قيد من قيودها في حال العجز عن تحصيله (واما القسم الثاني)
أعني به ما كان اعتبار القيد العدمي مستفادا من نهى نفسي فان قلنا فيه بكون التقييد تابعا
للحرمة ومتفرعا عليها كما هو المشهور (1) فمقتضى القاعدة فيه هو سقوط القيد عند الاضطرار

(1) التحقيق صحة ما ذهب إليه المشهور لا لأجل ان وجود أحد الضدين في مرتبة سابقة
على عدم الضد الاخر ليرد عليه ما تقدم من عدم توقف أحد الضدين على عدم الاخر و
بالعكس بل لأجل ان دلالة النهى على عدم وجوب متعلقه بألد لالة الالتزامية انما هي
بتبع دلالته على حرمته بالمطابقة وقد تقدم ان ألد لالة الالتزامية تابعة للدلالة المطابقية
وجودا وحجية فإذا سقطت ألد لالة المطابقية سقطت الدلالة الالتزامية أيضا وعليه فلا
مانع من التمسك باطلاق دليل الامر فيما إذا سقطت الحرمة باضطرار ونحوه كما هو
الحال فيما إذا ورد التخصيص على دليل النهى من أول الأمر (فان قلت) فرق بين ورود
التخصيص على دليل النهى وارتفاع حرمة شئ باضطرار ونحوه لان دليل التخصيص
الوارد على دليل النهى يكشف عن اختصاص الحرمة بغير مورد التخصيص من أول الأمر
فلا يبقى مانع من التمسك باطلاق دليل الوجوب بالإضافة إلى مورد التخصيص وهذا بخلاف
دليل رفع الحكم باضطرار ونحوه لان غاية ما يستفاد من ذلك الدليل انما هو ارتفاع
الحرمة الفعلية لأجل عروض ما يوجب ارتفاعها واما ارتفاع ملاك التحريم فلا يكون دليل
رفع الحكم دليلا عليه قطعا وعليه فالفعل الصادر حال الاضطرار بما انه مشتمل على ملاك
التحريم لا يكون قابلا للتقرب به ولان يؤمر به بالفعل فلا يصح التمسك باطلاق دليل
الوجوب بالإضافة إليه (قلت) الفعل المضطر إليه مثلا وان لم يرتفع ملاك حرمته الا أن
ذلك الملاك بما أنه غير مؤثر في المبغوضية الفعلية ولذلك يكون الفعل موردا للترخيص
شرعا لا يكون مانعا عن ايجاب ذلك الفعل والالزام به بعد فرض اشتماله في نفسه على
الملاك الملزم وعليه فلا مانع من التمسك باطلاق دليل الوجوب بالإضافة إليه وبذلك
يثبت جواز امتثال الامر المتعلق بالطبيعة بذلك الفرد فيكون مصداقا للواجب في الخارج
ومن هذا القبيل ما لو اضطر المكلف على التصرف في الماء المغصوب فإنه مع جواز التصرف
فيه بالاضطرار ونحوه لا مانع من جواز الوضوء أو الغسل به من دون فرق بين ما إذا كان
الماء منحصرا به وما إذا لم يكن منحصرا به
371

لسقوط علته المقتضية أعني بها الحرمة واما إذا قلنا بكون التقييد والحرمة معلولين للنهي
في مرتبة واحدة من دون سبق ولحوق بينهما فيكون حال هذا القسم حال القسم الأول
في أن القاعدة الأولية فيه تقتضي سقوط الامر عند تعذر قيده والقاعدة الثانوية تقتضي سقوط
التقييد ولزوم الاتيان بكل ما أمكن الاتيان به من اجزاء الصلاة وشرائطها (واما القسم
الثالث) أعنى به ما كان اعتبار القيد العدمي ناشئا من مزاحمة المأمور به للمنهى عنه
فالقاعدة فيه تقتضي سقوط التقييد عند الاضطرار لان التزاحم فرع وجود التكليف التحريمي
وتنجزه كي يكون معجزا للمكلف عن الاتيان بالمأمور به ومعذرا له في تركه فإذا فرض
سقوط الحرمة بالاضطرار لم يبق موضوع للتزاحم الموجب لعجز المكلف شرعا عن الاتيان
بالمأمور به فلا محالة يسقط التقييد ويبقى الامر متعلقا بغير المقيد (ثم إن جماعة) حكموا
بلزوم الاقتصار على قدر الضرورة من التصرفات التي لا بد منها عند الاضطرار إلى الغصب فلم
يجوزوا التصرف الزائد على ذلك ورتبوا عليه وجوب الايماء في الصلاة بدل الركوع
والسجود عند الاضطرار إلى التصرف في المكان المغصوب لان الركوع والسجود
تصرف زائد على قدر الضرورة فلا موجب لسقوط حرمتهما (وقد اورد على ذلك)
بان الجسم إذا كان لابد من أن يشغل مقدارا معينا من الحيز بقدر حجمه كيف ما كان وضعه
ولا يختلف مقدار حيزه باختلاف أوضاعه فلا موجب لسقوط وجوب الركوع والسجود
لينتقل التكليف إلى وجوب الايماء (وفيه) ان الاعتبار في صدق التصرف الزائد على قدر الضرورة
372

انما هو ينظر العرف (1) لا بالدقة الفلسفية ولا ريب في أن الركوع والسجود يعدان عرفا
من التصرف الزائد فلا يكون الاضطرار إلى الغصب موجبا للترخيص فيهما فلا بد من الاقتصار
على الايماء بدلا عنهما (هذا كله) فيما إذا كان المضطر إلى الغصب غير متمكن من التخلص
عنه كما إذا كان محبوسا فيه واما إذا كان متمكنا من التخلص عنه كما إذا كان المتوسط
في الأرض المغصوبة بغير اختياره قادرا على الخروج عنها فإن كان قادرا على الصلاة في
غير المكان المغصوب فلا اشكال في وجوبها عليه لعدم ما يوجب سقوط قيد من قيود الصلاة
حينئذ واما إذا لم يكن قادرا عليها في غير ذلك المكان المغصوب لضيق الوقت مثلا فالواجب
عليه حينئذ هو الصلاة حال الخروج مع الايماء بدلا عن الركوع والسجود ولا يجوز له
الركوع والسجود لما عرفت من كونهما تصرفا زائدا عرفا على قدر الضرورة.
(واما المقام الثاني) أعني به ما إذا كان الانحصار بسوء الاختيار كما إذا توسط المكلف
الأرض المغصوبة باختياره فيقع الكلام فيه في موضعين (الأول) في حكم الخروج في حد
ذاته (الثاني) في حكم الصلاة الواقعة في المكان المغصوب (اما الموضع الأول) فقد وقع فيه
الخلاف على أربعة أقوال (الأول) ان الخروج واجب وحرام فعلا وقد ذهب إلى هذا القول
أبو هاشم ويظهر اختياره من المحقق القمي (قده) وهذا القول مبنى على دخول المقام في كبرى
قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار خطابا وعقابا (الثاني) انه واجب فعلا ولكن
يجرى عليه حكم المعصية للنهي السابق الساقط بالاضطرار وذهب إليه صاحب الفصول (قده)
(الثالث) انه غير محكوم فعلا بحكم من الأحكام الشرعية الا انه واجب عقلا لكونه أقل
المحذورين واخف القبيحين ولكنه يجرى عليه حكم المعصية للنهي السابق الساقط بالاضطرار

(1) الظاهر أن المكلف إذا كان مضطرا إلى المكث في المكان المغصوب لا يفرق الحال
بين أن يكون راكعا أو ساجدا فيه وأن يكون قائما فيه فكما ان الرجوع أو السجود تصرف
فيه كذلك القيام تصرف فيه أيضا فلا وجه حينئذ للقول بلزوم الاقتصار على الايماء بدلا
عن الركوع والسجود واما دعوى انهما يعدان بنظر العرف من التصرف الزائد
فهي دعوى بلا بينة وبرهان ومن ذلك يظهر حكم الركوع والسجود في الصلاة الواقعة
حال الخروج إذا تمكن المكلف من التخلص من الغصب نعم فيما إذا استلزم الركوع أو
السجود التوقف في المكان المغصوب زائدا على ما يقتضيه الخروج في نفسه انتقل الامر
إلى الايماء والفرق بين هذه الصورة وما هو محل الكلام ظاهر لا يكاد يخفى
373

وهذا القول قد اختاره المحقق صاحب الكفاية (قده) وهذان القولان مبنيان على دخول
المقام في كبرى قاعدة ان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا لا خطابا (الرابع) انه
واجب شرعا ولا يجرى عليه حكم المعصية لدخوله في كبرى قاعدة وجوب رد المال إلى
مالكه ولا ربط له بقاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار من جهة العقاب والخطاب أو من
جهة العقاب فقط وهذا القول هو مختار المحقق العلامة الأنصاري (قده) وهو الصحيح
عندنا (1) نعم بناء على دخول المقام في ذيل كبرى قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار
للاختيار فالحق هو ما اختاره صاحب الكفاية (قده) فلنا دعويان (الأولى) ان الخروج لا يكون
محكوما بحكم شرعي فعلا ويجرى عليه حكم المعصية بناء على دخول المقام تحت كبرى
قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار (الثانية) ان المقام ليس داخلا تحت تلك
الكبرى وانما هو داخل تحت قاعدة أخرى أعني بها قاعدة وجوب رد المال إلى مالكه فلا
يكون الخروج محكوما الا بالوجوب (اما الدعوى الأولى) فيكفي في اثبات بطلان
القولين السابقين فنقول اما قول أبى هاشم فيبطله انه طلب المحال وهو مستحيل من الحكيم
الملتف إلى استحالته (واما توهم) ان الخطاب التحريمي في المقام ليس خطابا بعثيا ليستحيل
صدوره من الحكيم الملتفت وانما هو خطاب تسجيلي ليصح به عقاب العبد كما هو الحال
في الأوامر المتوجهة إلى العصاة مع علم الامر بعدم تحقق الإطاعة منهم (فيدفعه) انه لا يعقل
معنى صحيح للخطاب التسجيلي لان العبد إذا كان مستحقا للعقاب مع قطع النظر عن هذا
الخطاب فما فائدة الخطاب وان لم يكن مستحقا له في نفسه فكيف يصح خطابه بهذا الداعي
مع فرض عدم قدرة العبد على امتثاله وهل يعد ذلك الا تعديا من المولى على عبده العاجز
عن الامتثال (واما قياس المقام) بخطاب العصاة مع العلم بعدم تحقق الإطاعة منهم (فهو قياس)
في غير محله إذ الخطاب المتوجه إليهم خطاب حقيقي كالخطاب المتوجه إلى غيرهم ضرورة
انه لا يعتبر في صحة البعث أو الزجر الحقيقيين الا امكان الانبعاث أو الانزجار من المكلف
في الخارج وهذا المعنى متحقق في موارد تكليف العصاة على الفرض فان العصيان انما
هو باختيارهم وأين ذلك من الخطاب التسجيلي المفروض فيه عدم قدرة العبد على الامتثال
(واما قول صاحب الفصول) (قده) فيبطله امتناع تعلق الحكمين بفعل واحد ولو كان زمان
الايجاب مغايرا لزمان التحريم لأن الاعتبار في الاستحالة والامكان انما هو باتحاد زمان

(1) بل الصحيح هو الوجه الثالث وسيظهر وجهه بعيد ذلك انشاء الله تعالى
374

صدور الفعل وتعدده لا باتحاد زمان الايجاب والتحريم وتعدده من حيث أنفسهما وذلك
لان الاحكام كما عرفت انما تتعلق بالطبايع باعتبار صدورها من المكلف في الخارج فالاعتبار
انما هو بوحدة زمان الفعل وتعدده لا بوحدة زمان التكليفين وتعدده وعليه فإذا فرض
ان الخروج تعلق به النهى السابق ولذلك يجرى عليه حكم المعصية امتنع تعلق الوجوب به
فعلا ونظير ذلك ما صدر من المحقق صاحب الكفاية (قده) في تعليقته على المكاسب من
الالتزام بان المال الواقع عليه العقد الفضولي بعد صدور العقد وقبل حصول الإجازة
محكوم عليه واقعا بكونه ملك من انتقل عنه وبعد الإجازة بحكم عليه واقعا بكونه ملكا
في ذلك الزمان بعينه لمن انتقل إليه ولا منافاة بين الحكمين أصلا لتعدد زمانهما وان اتحد
زمان المحكوم بهما وما ذكره (قده) يشارك (1) ما ذهب إليه صاحب الفصول (قده) في
ملاك الاستحالة لما عرفت من أن الاعتبار في الاستحالة والامكان انما هو باتحاد زمان
المتعلقين وتعدده لا باتحاد زمان الحكمين بأنفسهما وتعدده (وبالجملة) الامر أو النهى
انما يصدر من المولى ليكون باعثا للمكلف إلى الفعل أو زاجرا له عنه فإذا فرض سقوط
التحريم في ظرف امكان صدور متعلقه امتنع جعله (ومن ذلك يظهر) بطلان توهم
ان القول بصحة الواجب المعلق يستلزم صحة تعلق الحكمين بفعل واحد إذا كان زمان
أحد الحكمين غير زمان الاخر وذلك لان الالتزام بالواجب المعلق على تقدير صحته في نفسه
انما يصح فيما إذا كان الحكم السابق مستمرا إلى زمان امتثاله كما إذا وجب الحج قبل

(1) لا يخفى ان ما افاده صاحب الكفاية قدس سره في تعليقته على المكاسب لا يشارك
في وجه الاستحالة ما افاده صاحب الفصول (قده) في المقام وذلك لان الحكم التكليفي
انما يكون تابعا لما في متعلقه من الملاك فالفعل الواحد الواقع في زمان واحد إذا كان
محبوبا للمولى امتنع النهى عنه كما أنه كان مبغوضا له امتنع الامر به فتعدد زمان
الامر والنهى لا يجدى في صحتهما إذا كان زمان ما تعلقا به واحدا وهذا بخلاف الحكم
الوضعي فإنه يتبع ما في نفسه من الملاك المقتضى لجعله فلا مانع من اعتبار الملكية
مثلا قبل حصول الإجازة لمن انتقل عنه المال لمصلحة مقتضية له ومن اعتبار ملكية ذلك
المال في ذلك الزمان بعينه بعد حصول الإجازة لمن انتقل إليه المال لمصلحة مقتضية
له أيضا بل قد ذكرنا في محله انه لا مناص عن الالتزام بذلك وانه هو الصحيح من
وجوه القول بالكشف وتمام الكلام في محله
375

مجيئي زمانه وبقى وجوبه إلى أوان امتثاله واما إذا فرض سقوط الحكم في زمان العمل
المتعلق له كما في المقام المفروض فيه سقوط الحرمة السابقة وعروض الوجوب على الخروج
امتنع جعل الحكم السابق بالضرورة.
(واما الدعوى الثانية) أعني بها دعوى عدم دخول المقام في كبرى قاعدة عدم منافاة
الامتناع بالاختيار للاختيار فيدل عليه أمور:
(الأول) ان ما يكون داخلا في موضوع كبرى تلك القاعدة لا بد من أن يكون
قد عرضه الامتناع بحيث يكون خارجا عن القدرة وكان ذلك مستندا إلى اختيار المكلف
كالحج يوم عرفة ممن ترك المسير إليه باختياره وكحفظ النفس ممن القى نفسه من شاهق
ومن الواضح ان الخروج من الدار المغصوبة ليس كذلك فإنه على ما هو عليه من كونه
مقدورا للمكلف بعد دخوله فيها ولم يطرأ عليه ما يوجب امتناعه (1) نعم مطلق الكون
في الدار المغصوبة الجامع بين الخروج والبقاء بأقل زمان يمكن فيه الخروج وإن كان
مما لابد منه ولا يمكن المكلف تركه بعد دخوله الا انه أجنبي عن الاضطرار إلى خصوص
الغصب بالخروج كما هو محل الكلام وسيظهر حكم الاضطرار إلى الجامع بين الخروج

(1) التحقيق ان الخروج عن الدار المغصوبة وإن كان مقدورا تكوينا للمكلف فعلا و
تركا الا أنه لا مناص له من اختياره خارجا ضرورة ان حرمة التصرف فعلا بغير الخروج
تستلزم لزوم الخروج بحكم العقل دفعا للمحذور الأهم فالانزجار عن الخروج حسب ما
كان يقتضيه النهى السابق يمتنع بالفعل على المكلف بمقتضى حكم العقل بلزوم اختياره
لكن الامتناع المزبور بما انه منته إلى الاختيار لا يكون منافيا للاختيار عقابا وإن كان
منافيا له خطابا وبالجملة موارد الاضطرار إلى ترك الواجب وموارد الاضطرار إلى فعل
الحرام وان كانتا تفترقان في أن فعل ما يفضى إلى ترك الواجب يوجب امتناع فعل الواجب
كما إذا ترك المسير إلى الحج فان الحج يمتنع وجوده في الخارج بعد ترك مقدمته ولو
كان ذلك بالاختيار بخلاف فعل ما يفضى إلى الوقوع في الحرام فإنه لا يوجب امتناع
الفعل في الخارج بل يوجب امتناع ترك الحرام والانزجار عنه الا انهما تشتركان في أن
مخالفة المولى ونقض غرضه الملزم في جميع تلك الموارد إذا كان منتهيا إلى اختيار
المكلف وارادته لا ينافي العقاب ولا فرق في ذلك بين كون الامتناع الناشئ من الاضطرار
تكوينيا أو تشريعيا ناشئا من الزام الشارع بفعل شئ أو تركه والجامع بين جميع الموارد
هو كون اضطرار المكلف إلى مخالفة المولى منتهيا إلى ارادته واختياره
376

والبقاء بعيد ذلك انشاء الله تعالى.
(الثاني) ان محل الكلام في تلك القاعدة انما هو (1) ما إذا كان ملاك الحكم مطلقا
بنحو يكون متعلق ذلك الحكم واجد للملاك سواء وجدت مقدمته الاعدادية أم لم توجد
وكان الحكم بنفسه مشروطا بمجيئ زمان متعلقه وهذا كخطاب الحج فإنه وإن كان مشروطا
بمجئ يوم عرفة على ما هو الحق من امتناع الواجب المعلق الا ان ملاكه يتم بتحقق
الاستطاعة فمن ترك المسير إلى الحج بعد الاستطاعة يستحق العقاب على تركه وان امتنع
عليه الفعل في وقته لان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار وهذا بخلاف المقام فان التصرف
بالدخول من المقدمات التي لها دخل في تحقق القدرة على الخروج وتحقق ملاك الحكم
فيه فان الداخل هو الذي يمكن توجيه الخطاب إليه بفعل الخروج أو بتركه دون غيره
وإذا كان كذلك امتنع كون الخروج داخلا في موضوع تلك القاعدة.
(الثالث) ان الملاك في دخول شئ في موضوع كبرى تلك القاعدة هو أن تكون
المقدمة موجبة للقدرة على ذي المقدمة ليكون الآتي بها قابلا لتوجيه الخطاب باتيان
ذي المقدمة إليه وهذا كالمسير إلى الحج فإنه حيث كان مقدمة اعدادية للحج وبه تحقق
القدرة عليه كان الآتي به قابلا لتوجه الخطاب بالحج إليه كما أن تاركه لامتناع
الحج عليه يستحيل طلبه منه لكن الاستحالة لكونها منتهية إلى الاختيار لا تسقط العقاب

(1) لا يخفى ان ما ذكره شيخنا الأستاذ قدس سره في هذا الوجه ملا كالدخول شئ
في كبرى قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار انما يختص بموارد التكاليف الوجوبية
واما التكاليف التحريمية فامتناع الموافقة فيها انما يتحقق بارتكاب ما به يضطر المكلف
إلى ارتكاب الحرام تكوينا أو من جهة حكم الشارع والزامه بعدم ارتكاب غيره ومن الواضح
ان الخروج في محل الكلام كذلك ضرورة انه إذا كان التصرف في الدار المغصوبة بغير
الخروج محكوما عليه بالحرمة فعلا اضطر المكلف إلى اختيار الخروج المفروض كونه
أقل محذورا من غيره وعليه فالتكليف التحريمي المتعلق بالخروج وإن كان ساقطا بالاضطرار
إليه الا انه لا ينافي العقاب عليه إذا كان الاضطرار إليه بسوء الاختيار لان الاختيار بالاختيار
لا ينافي الاختيار ومما بيناه يظهر الحال في ما افاده قدس سره في الوجه الثالث لأنه أيضا
يختص بموارد الاضطرار إلى ترك الواجب واما الاضطرار إلى ارتكاب الحرام فهو انما
يتحقق بارتكاب ما يفضى إلى امتناع الانزجار عن الحرام كما عرفت
377

لان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار واما في المقام فالدخول وإن كان مقدمة اعدادية
للخروج الا ان تحققه في الخارج يوجب سقوط النهى عن الخروج إذ بالدخول يكون ترك
الخروج غير مقدور على ما اختاروه فكيف يمكن أن يكون الخروج من صغريات تلك
القاعدة (وبالجملة) ان ما نحن فيه ومورد القاعدة متعاكسان إذ وجود المقدمة في ما نحن
فيه أعني بها الدخول يسقط الخطاب بترك الخروج ولا بد من أن تكون المقدمة في مورد
القاعدة دخيلة في فعلية الخطاب كما عرفت.
(الرابع) ان الخروج فيما نحن فيه واجب (1) في الجملة ولو كان ذلك بحكم العقل
فيكشف ذلك عن كونه مقدورا وقابلا لتعلق التكليف به وكل ما كان كذلك لا يدخل تحت
تلك القاعدة قطعا إذ موردها هو ما إذا كان الفعل غير قابل لتعلق الخطاب به لامتناعه فإذا
كان قابلا لتعلق الخطاب به ولو عقلا لم يكن هناك ما يوجب سقوط خطابه المتعلق به

(1) لا يخفى ان كون الخروج واجبا بحكم العقل وإن كان لا بد فيه من كونه مقدورا تكوينا
الا انه مع ذلك غير قابل لتعلق التكليف التحريمي به بعد تحقق الدخول ضرورة ان تحريمه
الفعلي مساوق للعجز عنه تشريعا ومن الواضح انه لا يجتمع مع كون التصرف بغير الخروج
حراما بالفعل كما هو المفروض لاستلزامه التكليف بما لا يطلق وهو غير معقول نعم لو كان الخروج
في نفسه محكوما عليه بالوجوب لما سقط حكمه بالدخول الا ان المفروض ان حكمه في نفسه
ومع قطع النظر عن الاضطرار إليه هي الحرمة فلا مناص حينئذ من الالتزام بسقوط حكمه
وان صح العقاب على ارتكابه لان الاضطرار إليه بسوء الاختيار على الفرض وعليه فلا
وجه لما أفيد في المتن من دعوى الملازمة بين الالتزام بكون الخروج واجبا عقلا والالتزام
بعدم سقوط حكمه الثابت له شرعا وبالجملة ان جميع ما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره في هذه
الوجوه الأربعة لاثبات ما اختاره من عدم دخول الخروج في محل الكلام في كبرى قاعدة عدم منافاة
الامتناع بالاختيار للاختيار ناشئ من خلط الاضطرار في موارد التكاليف التحريمية بالاضطرار
في موارد التكاليف الوجوبية وقد تحصل مما ذكرناه بطلان تلك الوجوه وصحة دخول المقام تحت
القاعدة المزبورة فالخروج بما انه تصرف في ملك الغير بدون إذ أنه ورضاه مبغوض في
نفسه وبما انه مضطر إليه يسقط حرمته لكنه يصح العقاب عليه لكون الاضطرار إليه بسوء الاختيار
كما هو الحال في غير المقام من موارد الاضطرار إلى الحرام إذا كان الاضطرار مستندا
إلى سوء الاختيار
378

شرعا فتعلق الخطاب الوجوبي به وكونه داخلا تحت تلك القاعدة متنافيان فالالتزام بوجوبه
ولو عقلا يستلزم خروجه عن موضوع تلك القاعدة ودخوله تحت قاعدة أخرى (فتبين)
من هذه الأدلة بطلان دخول المقام تحت قاعدة ان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار
فلا مناص عن الالتزام بكونه داخلا تحت قاعدة أخرى أعني بها قاعدة (1) وجوب رد
مال الغير إلى مالكه فكما يجب رد المغصوب إلى مالكه في غير المقام يجب رده إلى مالكه
في المقام أيضا والخروج بما انه تتحقق به التخلية بين المال ومالكه التي بها يتحقق الرد
في غير المنقولات يكون واجبا لا محالة (ومن ذلك يظهر) ان ترك مطلق الكون في الدار
المغصوبة بعد الدخول بقدر أقل زمان يمكن فيه الخروج وان لم يكن مقدورا للداخل
فيها الا ان فردين منه أعني بهما السكون فيها والحركة في غير سبيل الخروج لا اشكال
في حرمتهما لأنهما تصرف في ملك الغير بدون إذ أنه بلا ضرورة تقتضيه واما الخروج فهو
واجب بحكم العقل والشرع لكونه مصداقا لرد المال إلى مالكه فالاضطرار إلى كلي
التصرف في مال الغير الذي يكون بعض افراده واجبا وبعضها حراما لا يكون اضطرارا إلى
خصوص الفرد المحرم منه لترتفع به حرمته كما هو الحال في ما إذا اضطر المكلف لرفع

(1) لا يذهب عليك ان وجوب التخلية بين المال ومالكه لا يستلزم وجوب
الحركات الخروجية المتوقف عليها الكون في خارج الدار لأنها ليست معنونة بعنوان
التخلية قطعا ضرورة انها تصرف في مال الغير بدون اذنه ومصداق للغصب كما عرفت
فكيف يعقل كونها مصداقا لعنوان التخلية المقابل لعنوان الاشغال غاية الأمران العقل يرشد
إلى اختيارها حذرا من الوقوع في الغصب الدائمي ودفعا للأفسد بالفاسد واما دعوى انها و
ان لم تكن بأنفسها مصداقا لعنوان التخلية الا انها مقدمة للكون في خارج المكان المغصوب
المنطبق عليه عنوان التخلية فتكون هي واجبة بالوجوب المقدمي فلا يعقل ان تتصف
بالمبغوضية والحرمة فهي مدفوعة بان تلك الحركات وإن كانت مقدمة للكون في خارج
المكان المغصوب الا أن الكون في خارج المكان المغصوب غير متصف بالوجوب شرعا
لتجب مقدمته على القول بثبوت الملازمة لان عنوان التخلية عبارة عن ايجاد خلاء المكان
المغصوب من التصرف فيه وهذا العنوان عنوان ملازم للكون في خارج ذلك المكان لا انه
منطبق عليه كما هو ظاهر فتحصل انه لاوجه للقول بوجوب تلك الحركات التي هي مقدمة
للكون في الخارج بالوجوب النفسي أو الغيري فهو باقية على ما كانت عليه من المبغوضية
فيعاقب عليها فيما إذا كان الاضطرار إليها بسوء الاختيار وان سقطت حرمتها بالاضطرار
379

عطشه إلى شرب الماء الجامع بين النجس وغيره فإنه لا يوجب ارتفاع الحرمة عن شرب النجس
لعدم الاضطرار إليه وعلى ذلك فلا موجب لتوهم دخول المقام تحت قاعدة عدم منافاة
الامتناع بالاختيار للاختيار (ثم إنه) إذا بنينا على أن الشارع لا يرضى بالتصرف في مال
الغير بدون اذنه وإن كان ذلك بعنوان التخلية ورده إليه كالخروج من الدار المغصوبة كما
هو ليس ببعيد فغاية ذلك أن يكون حال الخروج في المثال حال شرب الخمر المتوقف
عليه حفظ النفس فان الشارع حيث لا يرضى بصدور شرب الخمر من أي شخص كان لما
فيه من المفسدة الالزامية يحكم بحرمة المقدمة التي بها يضطر المكلف إلى شربه ولكنه
بعد تحقق تلك المقدمة في الخارج لا يقع الشرب المتوقف عليه حفظ النفس الا مطلوبا عقلا
وشرعا (1) فيكون الخروج في محل الكلام كذلك فان الشارع بما انه لا يرضى بالتصرف
في مال الغير بغير اذنه يحرم المقدمة التي بها يضطر المكلف إلى الخروج أعني بها الدخول
فيقع الدخول محرما من جهة نفسه ومن جهة كونه علة للخروج واما الخروج نفسه فهو بعد
الدخول يقع محبوبا لا محالة (فتحصل) مما ذكرناه ان التصرف في مال الغير بدون اذنه لا يخلو
الامر فيه (2) من أن يكون حاله حال ترك الصلاة المختصة مبغوضيته بحال دون حال
ولذلك يجوز للمرأة ان تتوسل إليه بفعل ما يترتب عليه الحيض في الخارج أو من أن

(1) قد عرفت ان الحركات الخروجية غير متصفة بالوجوب النفسي أو الغيري واما شرب
الخمر المتوقف عليه حفظ النفس الواجب شرعا فهو وإن كان متصفا بالوجوب الغيري على
القول بثبوت الملازمة الا ان اتصافه بهذا الوجوب الناشئ من وجود مصلحة في غيره
لا ينافي مبغوضيته الذاتية فيصح العقاب عليه إذا كان الاضطرار إليه بسوء الاختيار نعم
لو كانت في نفس الشرب مصلحة داعية إلى ايجابه غالبة على ملاك مبغوضيته لما صح العقاب عليه لكنه
خلاف الواقع والمفروض
(2) بل قد عرفت ان الحركات الخروجية خارجة عن كل من البابين وانها تقع لا محالة
على ما كانت عليه من المبغوضية من دون ان يعرض لها جهة وجوب نفسي أو غيري على أنه
لو سلم عروض الوجوب الغيري لها لما كان ذلك منافيا لمبغوضيتها النفسية فيصح العقاب عليها
إذا كان الاضطرار إليها بسوء الاختيار كما كان الحال ذلك عند الاضطرار إلى شرب
الخمر المتوقف عليه حفظ النفس ومن جميع ما ذكرناه في المقام تظهر صحة ما اختاره
صاحب الكفاية (قده) في المقام
380

يكون حاله حال شرب الخمر المشتمل على ملاك الحرمة في جميع التقادير فيحرم التسبب
بفعل ما يضطر المكلف معه إليه لكنه على تقدير تحقق الاضطرار في الخارج لتوقف
واجب فعلى عليه أو لكونه بنفسه مصداق الواجب لا يقع الفعل الا محبوبا وعلى كل تقدير
لا يكون الخروج داخلا في موضوع كبرى قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار
(ومن ذلك يظهر) فساد ما ذهب إليه المحقق صاحب الكفاية (قده) من أن لزوم الخروج في المقام
انما هو بحكم العقل ارشادا إلى أخف القبيحين وأقل المحذورين (وجه الظهور) هو ان
حكم العقل بذلك انما يكون فيما إذا كان كل من الفعلين قبيحا ومعصية وكان أحدهما
أقبح من الاخر واضطر المكلف إلى ارتكاب أحدهما في الخارج فيحكم العقل في مثل
ذلك باختيار أقلهما قبحا واما في المقام فحكم العقل بلزوم الخروج فيه انما هو بملاك لزومه
على من توسط الأرض المغصوبة بغير اختياره لان الملاك في الجميع واحد (1) أعني به
ملاك وجوب رد مال الغير إلى مالكه فلا يقع الخروج حينئذ قبيحا ومعصية ليكون حكم
العقل بلزومه من باب حكمه الارشادي بلزوم اختيار أقل القبيحين.
(واما الموضع الثاني) عنى به حكم الصلاة الواقعة حال الخروج إذا كان الدخول
بسوء اختيار المكلف فمجمل القول فيه ان الصلاة الواقعة حال الخروج إذا كانت في
سعة الوقت وتمكن المكلف من ايقاعها في خارج الدار المغصوبة تامة الاجزاء والشرائط
فلا ينبغي في فسادها سواء اتى بها مع الركوع والسجود أم اتى بها مع الايماء بدلا عنهما والوجه
في ذلك ظاهر بعد الإحاطة بما تقدم واما إذا وقعت في ضيق الوقت أو ممن هو غير مكلف
الا بمثل ما يأتي به حال الخروج فان بنينا في هذا الفرض على كون الخروج واجبا و

(1) وقد عرفت ان الحركات الخروجية في محل الكلام لا تكون معنونة
بعنوان التخلية ورد المال إلى مالكه وانما هي معنونة بعنوان الغصب وإن كان
العقل يلزم باختيارها خارجا ارشادا إلى أخف القبيحين وأقل المحذورين واما حكمه
بلزومها إذا لم يكن التوسط في المكان المغصوب باختيار المكلف وبإرادته فإنما هو من جهة
عدم كون تلك الحركات مبغوضة منه حينئذ إذ المفروض اضطرار المكلف إلى التصرف في ذلك المكان
بأقل زمان يتحقق فيه الخروج وعدم كون الاضطرار بسوء الاختيار فهذا المقدار من التصرف
مما لا بد منه وغير مبغوض للمولى واما غير ذلك من التصرفات فهو باق على مبغوضيته
وحرمته - فكم فرق بين أن يكون الاضطرار بسوء الاختيار وأن يكون بغير سواء الاختيار فلا تغفل
381

محبوبا فقط فلا اشكال في صحة الصلاة حينئذ بشرط ان لا يستلزم تصرفا زائدا على
نفس الخروج كالركوع والسجود على ما تقدم بيان ذلك عند التعرض لحكم الاضطرار
بغير سوء الاختيار واما إذا بنينا على دخوله في موضوع قاعدة ان الامتناع بالاختيار لا ينافي
الاختيار وأجرينا عليه حكم المعصية فان قلنا بجواز الاجتماع الامر والنهى من الجهة الأولى
فلا اشكال في صحة الصلاة أيضا فان أنه عليه يكون متعلق الأمر مغايرا لمتعلق النهى في
مورد الاجتماع لان مقوم الصلاة حينئذ يكون هو القيام الذي هو من مقولة الوضع واما متعلق
النهى فهو من مقولة الأين وبذلك يتغاير المتعلقان ويكون كل منهما محكوما بحكمه واما
القبح الفاعلي المانع من التقرب فلا يتحقق في ما نحن فيه قطعا (1) لان ما دل على أن الصلاة
لا تسقط بحال يستفاد منه بالدلالة الالتزامية ارتفاع القبح الفاعلي عند مزاحمته لترك الصلاة
رأسا واما إذا قلنا بالامتناع من الجهة الأولى وكون التركيب بين متعلقي الامر والنهى
اتحاديا فكون الخروج مبغوضا فعلا يستلزم خروج الفرد المتحد به عن تحت الامر بالصلاة
واقعا فلا يصح الامتثال به قطعا وذلك يستلزم سقوط الامر بالصلاة حينئذ لعدم القدرة
على امتثاله (2) وهذه نتيجة مهمة تترتب على النزاع في بحث جواز اجتماع الامر
والنهى من الجهة الأولى
وهنا تم الجزء الأول يتلوه في الجزء الثاني بين دلالة النهى
على الفساد والحمد لله رب العالمين

(1) هذا انما يختص بضيق الوقت واما في غيره مما كان المكلف مأمورا باتيان مثل
ما يأتي به حال الخروج من اجزاء الصلاة وشرايطها فيجرى فيه الكلام الجاري في الصلاة
الواقعة في غير حال الخروج حرفا بحرف لكنك قد عرفت فيما تقدم انه لا أساس لدعوى
القبح الفاعلي في أمثال المقام فلا مانع من التقرب بما يأتي به حال الخروج إذا كان
المأمور به منطبقا عليه من غير نقصان
(2) لا يخفى ان ما دل على أن الصلاة لا تسقط بحال كما أنه يستفاد منه بالدلالة الالتزامية
ان القبح الفاعلي المفروض كونه مانعا من التقرب في سعة الوقت لا يكون مانعا منه في
ضيق الوقت كذلك يستفاد منه بتلك الدلالة عدم كون الخروج مبغوضا للمولى عند تضيق
وقت الصلاة فتصح الصلاة حال الخروج في ضيق الوقت ولو على القول بالامتناع فلا ثمرة
بين القول بالجواز والقول بالامتناع من هذه الجهة أصلا.
382

الجزء الثاني
من أجود التقريرات
(في بيان دلا له النهى عن العبادة أو المعاملة على فساد المنهى عنه وعدمها)
وقبل الخوض في ذلك لا بد لنا من تمهيد مقدمات (الأولى) الفرق بين هذه المسألة
ومسألة اجتماع الامر والنهى هو ان محط البحث في المسألة السابقة كما عرفت انما هو ان
متعلق الأمر والنهى في مورد الاجتماع هل هو هوية واحدة والتركيب بينهما إتحادي
ليكون الدليلان الدالان على الوجوب والحرمة متعارضين أو انهما هويتان وان أحدهما
غير الاخر وجودا ليكون التركيب انضماميا ولا يقع التعارض بين دليلي حكميهما وبعبارة
أخرى النزاع في تلك المسألة انما هو في أن العبادة المجتمعة نحو اجتماع مع المنهى عنه
هل يسرى إليها النهى المتعلق بما هو مجتمع معها بدعوى ان التركيب بينهما إتحادي أو انه
لا يسرى إليها لكون التركيب بينهما انضماميا وكون متعلق النهى مغايرا لمتعلق الامر في
الخارج واما النزاع في المقام فهو في أن النهى بعد الفراغ عن تعلقه بعبادة أو معاملة
هل يدل على فسادها أو انه لا يستلزم فساد ما تعلق به منها فالفرق بين المسئلتين في
غاية الوضوح (ثم) ان هذه المسألة من المسائل الأصولية قطعا فان نتيجة البحث كبرى
كلية إذا انضمت إليه صغراها أنتجت نتيجة فقهية بلا توسط شئ اخر وهذا بخلاف
المسألة السابقة فإنك قد عرفت (1) ان نتيجتها لا تقع في طريق الاستنباط بلا واسطة
(ولا يخفى) ان هذه المسألة من المسائل الاستلزامية العقلية ولا ربط لها بمباحث الألفاظ
أصلا لوضوح ان غاية ما يدل عليه النهى باللزوم البين بالمعنى الأعم انما هو عدم الامر
بمتعلقه لتضاد هما واما عدم تحقق الملاك فيه ليحكم العقل بفساده فليس اللفظ دالا
عليه قطعا والسر في ذكر المسألة في مباحث الألفاظ انما هو ان الأصوليين لم يعقدوا عنوانا

(1) بل عرفت ان نتيجة تلك المسألة أيضا تقع في طريق الاستنباط بلا واسطة فتكون هي
أيضا من المسائل الأصولية
385

خاصا للأحكام العقلية غير المستقلة أعني بها مباحث الاستلزامات بل ذكروا كلا منها في
مورد لأجل مناسبة ما ومن الظاهر أن المناسب للتعرض لهذه المسألة انما هي مباحث
النواهي فلذلك ذكروها فيها هذا بناء على المختار من كفاية اشتمال العبادة على الملاك
في صحتها واما بناء على ما ذهب إليه صاحب الجواهر (قده) من اشتراط الامر في الصحة
فكون المسألة من مباحث الألفاظ لا يخلو من وجه.
المقدمة الثانية: ان المراد بالنهي في المقام هو النهى التحريمي النفسي وأما النهى
التنزيهي أو التحريمي الغيري فلا يدلان على فساد العبادة قطعا (اما الأول) فلما عرفت
سابقا من أن النهى التنزيهي عن فرد لا ينافي الرخصة الضمينة المستفادة من اطلاق الامر
فلا يكون بينهما معارضة ليقيد به اطلاقه نعم إذا كان شخص المأمور به منهيا عنه كما إذا كان
اطلاق الامر شموليا فلا محالة يقع التعارض بين دليليهما فإذا قدم دليل النهى فلا موجب
لتوهم الصحة باتيان الفرد المنهى عنه لان الصحة تدور مدار وجود الامر أو الملاك والأول
مفقود في المقام على الفرض والثاني لا كاشف عنه إذ الكاشف عنه منحصر بالامر بذلك الفرد
بخصوصه إذ المفروض عدم وجود اطلاق بدلي كاشف عن وجود الملاك في متعلقه على
اطلاقه فالاتيان بالمنهى عنه يقع فاسدا لا محالة لكن هذا الفرض خارج عن محل الكلام
لان محل الكلام انما هو فيما إذا كانت دلالة النهى على الفساد هو الموجب (1) لوقوع المعارضة بين
دليلي الامر والنهى ولتقييد متعلق الأمر بغيرها تعلق به النهى ومن الواضح ان التعارض في مفروض

(1) لا يخفى انه لا يوجد مورد تكون فيه دلالة النهى على الفساد هي الموجبة لوقوع المعارضة
بين دليلي الامر والنهى ولتقييد متعلق الأمر بغير ما تعلق به النهى وذلك لان الامر والنهى
بأنفسهما متنافيان ولا يعقل أن يكون متعلق أحدهما متعلقا للاخر وكذلك الحال في بقية الاحكام
فلا يكون لدلالة النهى على الفساد مساس بوقوع المعارضة بين دليلي الامر والنهى أصلا وعليه
فلا فرق بين النهى التحريمي والنهى التنزيهي الا فيما ذكر من أن النهى التنزيهي عن فرد
ما بما انه متضمن للترخيص في فعله لا ينافي اطلاق الامر بالطبيعة بالإضافة إلى ذلك الفرد
بخلاف النهى التحريمي فإنه ينافي الاطلاق المزبور فيوجب تقييد المأمور به بغير الفرد المنهى
عنه لا محالة واما كون التعارض بين دليلي الامر والنهى متوقفا على دلالة النهى على الفساد
فلا مورد له أصلا
386

الكلام لا يتوقف على دلالة النهى على الفساد أصلا (واما الثاني) أعني به النهى الغيري
فهو على قسمين الأول ما كان نهيا شرعيا أصليا مسوقا لبيان اعتبار قيد عدمي في المأمور به
الثاني ما كان نهيا تبعيا ناشئا من توقف واجب فعلى على ترك عبادة مضادة له بناء على
توقف وجود أحد الضدين على عدم الاخر (اما القسم الأول) أعني به النهى المسوق لبيان
المانعية كما في النهى عن الصلاة في غير المأكول فلا اشكال في دلالته على الفساد بداهة
ان المأمور به إذا اخذ فيه قيد عدمي فلا محالة يقع فاسدا بعدم اقترانه به وهذا خارج عن
محل الكلام إذ حال هذه النواهي حال الأوامر المتعلقة بالاجزاء والشرائط المسوقة لبيان
الجزئية والشرطية فتكون دلالتها على الفساد عند عدم اقتران المأمور به بالقيد
العدمي كدلالة الأوامر على الفساد عند عدم اقتران المأمور به بالقيود الوجودية فكما
لا خلاف ولا اشكال في دلالة الأوامر المتعلقة بالاجزاء أو الشرائط على اعتبارها في المأمور
به جزء أو شرطا بالمطابقة وعلى فساد العمل الفاقد لشيئ منها بالالتزام لا خلاف ولا اشكال
في دلالة النهى الغيري على اعتبار فيد عدمي في المأمور به بالمطابقة وعلى فساد العمل
الفاقد له بالالتزام (واما القسم الثاني) أعني به النهى التبعي الناشئ من توقف واجب
فعلى على ترك عبادة كالنهي عن الصلاة المتوقف على تركها وجود الإزالة بناء على كون
ترك أحد الضدين مقدمة لوجود الاخر فلا موجب لتوهم دلالته على الفساد أصلا وذلك
لما عرفته في محله من أن غاية ما يترتب على النهى الغيري الناشئ من كون ترك متعلقه
مقدمة للواجب الأهم انما هو عدم الامر به فعلا ومن انه يكفي في صحة العبادة اشتمالها
على ملاك الامر وان لم يتعلق بها بالفعل أمر من الموالى ومن الواضح انه لا يمكن استكشاف
عدم الملاك من النهى الغيري المزبور فلا موجب لفساد العبادة المنهى عنها بمثل هذا
النهى وقد تقدم الكلام في الكاشف عن وجود الملاك في هذا الحال فلا حاجة إلى الإعادة نعم
لو بنينا على اعتبار الامر في صحة العبادة كما اختاره صاحب الجواهر (قده) ومنعنا صحة الترتب
لكان هذا النهى الغيري أيضا دالا على الفساد لكنك قد عرفت فيما تقدم صحة القول بالترتب
وعدم اعتبار الامر في صحة العبادة فلا يكون في النهى الغيري دلالة على الفساد أصلا.
المقدمة الثالثة: انه لا اشكال في دخول العبادة بالمعنى الأخص أعني بها الوظيفة
التي شرعت لأجل التعبد بها في محل النزاع في المقام واما العبادة بالمعنى الأعم
387

كغسل الثوب وأمثاله من مقدمات الصلاة فهي من جهة وقوعها عبادة موجبة للتقرب
بها تدخل في محل النزاع فعلى القول بدلالة النهى على الفساد لا تصح عبادة مع النهى
عنها واما من جهة اثارها الوضعية المترتبة عليها ولو لم تقع عبادة كطهارة الثوب المترتبة
على غسله بالماء فلا يدل النهى عنها على فسادها قطعا كما لا اشكال في دخول المعاملة
بالمعنى الأعم من العقود والايقاعات في محل النزاع إذ لا موجب لاختصاصه بالمعاملة
بالمعنى الأخص المتوقفة على الايجاب والقبول كما هو ظاهر واما المعاملة بالمعنى الأعم
الشاملة للتحجير والحيازة وأمثالهما فلم يتوهم أحد دلالة النهى فيها على الفساد وعليه
فالمراد من المعاملة في محل البحث هو كل أمر انشائي يتسبب به إلى أمر اعتباري شرعي
فيكون شاملا للعقود والايقاعات
المقدمة الرابعة: ان التقابل بين الصحة والفساد ليس من قبيل تقابل الايجاب
والسلب بداهة ان تقابل الايجاب والسلب يختص بالعدم والوجود المحمولين اللذين
يمتنع خلو ماهية من الماهيات من الاتصاف بأحدهما ومن الواضح ان الصحة والفساد
ليسا كذلك بل يحتاج صدقهما في الخارج إلى فرض محل قابل لهما ولكنه وقع
الكلام في أن الفساد أمر عدمي ليكون التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة أو انه أمر
وجودي كنفس الصحة ليكون التقابل بينهما من قبيل تقابل التضاد (والظاهر)
هو الأول وذلك لان اتصاف عبادة أو غيرها بالفساد لا يحتاج إلى علة مقتضية له في الخارج
بل يكفي في تحققه انتفاء شئ مما اعتبر في صحة تلك العبادة أو غيرها فلا يكون الفساد
أمرا وجوديا ثم إن الصحة قد تقابل بالفساد فيراد به اختلال الشيئ من جهة اجزائه
أو شرائطه المقومة له المستلزم لعدم ترتب الأثر عليه بالمرة وقد تقابل بالعيب فيراد
به اختلال الشيئ من جهة اجزائه أو شرائطه الكمالية غير الدخيلة في قوامه المستلزم
لعدم ترتب الأثر عليه على النحو الكامل اما ما يقابل الصحة بالمعنى الثاني فلا كلام
لنا فيه في المقام واما ما يقابلها بالمعنى الأول أعني الفساد فهو قد يكون في الأمور الخارجية
وقد يكون في الأمور الشرعية لا كلام لنا على الأول وانما الكلام في دلالة النهى على الفساد
وعدم دلالته عليه في القسم الثاني أعني به الأمور الشرعية من عبادة أو معاملة (ثم
لا يخفى) ان معروض الصحة والفساد لا يمكن أن يكون هي الأمور البسيطة من جميع
الجهات ولا الأمور المركبة التي اعتبرت موضوعا للتكليف بل هما يتصفان بالوجود أو العدم
388

ليس الا اما عدم امكان اتصاف موضوع التكليف بالصحة والفساد فلان موضوعه
كالبالغ العاقل المستطيع لا تأثير له في نفس التكليف لما عرفت في بحث الواجب
المشروط من أن الأحكام المجعولة الشرعية انما يكون تحققها باعتبار الشارع و
جعله إياها على تقدير وجود موضوعها فوجود الموضوع في الخارج وجود لما
جعل الحكم على تقدير وجوده من دون أن يكون له دخل فيه بوجه والا لزم انقلاب
المجعول التشريعي مجعولا تكوينا وهو خلف (واما عدم) امكان اتصاف الأمور البسيطة
بالصحة أو الفساد فلان الأمور البسيطة من جميع الجهات يستحيل ان تقع في الخارج
تارة بنحو تترتب عليها الآثار واخرى بنحو لا تترتب عليها لتتصف بالصحة تارة وبالفساد
أخرى (فان قلت) قد بنيت في بحث الصحيح والأعم على أن ألفاظ العقود والايقاعات
اسام للمسببات دون الأسباب ولا اشكال في أنها أمور بسيطة فلو كانت الأمور البسيطة
غير قابلة للاتصاف بالصحة والفساد لامتنع اتصاف العقود والايقاعات بالصحة تارة وبالفساد
أخرى مع أنه لا اشكال في صحة اتصافهما بهما (قلت) (1) قد ذكرنا في ذلك البحث
ان نسبة صيغ العقود بالإضافة إلى ما يترتب عليها كالملكية ونحوها ليست نسبة الأسباب
التكوينية إلى مسبباتها بل نسبتها إليها نسبة الآلة إلى ذي الآلة فليس انشاء الملكية
مثلا بصيغته مغايرا لوجود الملكية خارجا بل الفرق بينهما انما هو الفرق بين الايجاد
والوجود أعني به الفرق بين المصدر واسم المصدر فالملكية بالمعنى المعبر عنه باسم

(1) قد تقدم في بحث الصحيح والأعم انه ليس انشاء الملكية مثلا عبارة عن ايجادها خارجا
لما مر من أن الملكية الشرعية غير قابلة لتعلق الايجاد بها من غير الشارع مع أن المتبايعين
ربما لا يلتفتان إليها أصلا واما الملكية الاعتبارية القائمة بهما بالمباشرة فاعتبارها منهما لا يحتاج
إلى سبب أو آلة فكما ان نسبة العقد الصادر في الخارج إلى الملكية ليست نسبة الأسباب إلى
مسبباتها كذلك ليست نسبته إليها نسبة الآلة إلى ذي الآلة ولا نسبة الايجاد إلى الوجود هذا مع أنك
عرفت سابقا ان الايجاد والوجود متحد ان بالذات ومختلفان بالاعتبار فكيف يعقل أن يكون
وجود اللفظ ايجادا للملكية مثلا ومع ذلك تكون الملكية مترتبة على وجود اللفظ و
مغايرة في الخارج والتحقيق ان اتصاف العقود والايقاعات بالصحة أو الفساد انما هو لأجل ان
الامضاء الشرعي انما تعلق في عالم التشريع بنحو القضية الحقيقية بالاعتبار الصادر من شخص
خاص مع تحقق قيود مخصوصة ومن جملتها وجود مظهر خاص في مقام ابراز الاعتبار و
انشائه فإن كان ما وقع في الخارج مصداقا لذلك المعنى الكلى المتعلق به الامضاء الشرعي فهو
يتصف بالصحة والا فبالفساد وفيما ذكرناه في تحقيق معنى الانشاء وما به يمتاز الاخبار عن
الانشاء ما ينفعك في المقام فراجع
389

المصدر وإن كانت بسيطة ولا تتصف الا بالوجود والعدم الا انها بالمعنى المعبر عنه
بالمصدر أعني به انشاءها باللفظ المتحد معه خارجا تتصف بالصحة والفساد
(بيان ذلك) ان الشارع لما اعتبر بنحو القضية الحقيقية وجود لفظ خاص مع قيود
خاصة انشاء للملكية مثلا وآلة لوجودها في عالم التشريع فالصيغة الموجودة
في الخارج التي أنشأ بها الملكية تتصف بالصحة إذا وقعت مطابقة لما اعتبره الشارع
انشاء لها في عالم تشريعه كما انها تتصف بالفساد إذا لم تقع مطابقة له وبذلك ظهر ان
مناط اتصاف العقود بالصحة والفساد هو انطباق ما اعتبره الشارع في تشريعه انشاء
لشيئ ما على ما يوجده المنشئ خارجا وعدم انطباقه عليه وبما ذكرناه من أن نسبة صيغ
العقود إلى ما يترتب عليها ليست نسبة الأسباب إلى مسبباتها قد دفعنا في البحث المزبور
اشكال عدم جواز التمسك باطلاقات العقود والايقاعات بناء على كون ألفاظها أسامي
للمسببات دون الأسباب وقد ذكرنا ان ما افاده المحقق العلامة الأنصاري (قده) في مقام
الجواب عن الاشكال المزبور من أن امضاء المسببات يستلزم امضاء الأسباب لا يمكن الالتزام
به فراجع (فتحصل) ان المحل القابل للاتصاف بالصحة والفساد في الأمور التشريعية انما
هي الأمور المركبة من متعلقات الاحكام والمعاملات بالمعنى الأعم الشامل للعقد والإيقاع
ولمثل التذكية والتطهير ونحوهما اما اتصاف متعلقات التكليف بهما فإنما هو باعتبار
ما يترتب عليها من الأثر التكويني الاعدادي (1) فإنها إذا وقعت في الخارج على النحو الذي
تعلق بها الامر فهي تتصف بالصحة الا بالفساد واما اتصاف المعاملة بهما فهو باعتبار ما يترتب
عليها من الأثر التشريعي التوليدي لأنها أسباب توليدية في حكم الشارع أو العقلاء لاثار خاصة
فان وقعت في الخارج على النحو الذي اعتبرت به سببا في عالم الاعتبار لما يتولد منها

(1) لا يخفى انه لا يتوقف اتصاف العبادة بالصحة أو الفساد على كون الاحكام تابعة لما في
متعلقاتها من المصالح أو المفاسد ليكون مناط اتصاف العبادة بالصحة ترتب الأثر الاعدادي على
وجودها في الخارج ومناط اتصافها بالفساد عدم ترتب ذلك الأثر على وجودها فيه فالصحيح
ان المناط في اتصافها بالصحة والفساد انما هو وجدان الفرد الموجود في الخارج لتمام الاجزاء
والشرايط وفقدانه لشيئ ما منها على ما يعترف به شيخنا الأستاذ قدس سره فيما سيأتي
390

بان كانت تامة الاجزاء والشرائط فهي تتصف بالصحة والا فبالفساد (فان قلت)
ان ما ذكرته من اتصاف متعلق التكليف بالصحة والفساد باعتبار ترتب اثره الاعدادي عليه و
عدم ترتبه عليه لا يستقيم بناء على ما مر في بحث الصحيح والأعم من عدم كون الأثر المترتب
على المأمور به متعلقا للامر ولا قيدا له فإنه كيف يعقل مع ذلك كون ترتبه وعدم ترتبه
عليه مناطا للصحة والفساد (قلت) لا ملازمة بين كون الشيئ باعتبار وجوده وعد مه مناطا
للصحة والفساد وكونه مأمورا به استقلالا أو ضمنا وان ما ادعيته من الملازمة بين الامرين
ليس بينا في نفسه ولا مبنيا في سياق الدعوى هذا مضافا إلى أن الطبيعي الذي يتعلق به الامر
باعتبار ما يترتب عليه من اثره لا يتصف بالصحة والفساد في مقام تعلق الامر به وانما يتصف
بهما الموجود الخارجي باعتبار انطباق المأمور به وعدم انطباقه عليه ففي الحقيقة مناط
الاتصاف بالصحة والفساد انما هو انطباق المأمور به وعدم انطباقه على الموجود الخارجي و
اما ما ذكره من أن مناط اتصاف المأتى به بالصحة والفساد هو ترتب الأثر وعدم ترتبه
عليه فإنما هو باعتبار استلزام ترتب الأثر على الماتى به لانطباق المأمور به عليه واستلزام
عدم ترتب الأثر عليه لعدم انطباق المأمور به عليه فالتعبير بكون ملاك الصحة والفساد هو
ترتب الأثر وعدمه انما هو عبارة أخرى عن الانطباق المزبور وعدمه (ثم انك) بعد ما عرفت
ان الاتصاف بالصحة والفساد في متعلقات التكاليف وفي المعاملات انما يدور مدار الانطباق و
عدمه على ما عرفت بيا أنه تعرف ان تفسير الصحة بموافقة الشريعة كما عن المتكلمين أو باسقاط
الإعادة والقضاء كما عن الفقهاء انما هو تفسير بما يهم كل طائفة منهما من آثارها لا ان معنى
الصحة عند المتكلم يغاير معناها عند الفقيه (ثم) ان في كون الصحة والفساد أمرين انتزاعيين
كالسببية والجزئية والشرطية والمانعية أو جعليين كالملكية والزوجية والضمان ونحوها أقوالا
ثالثها التفصيل بين العبادات والمعاملات بتقريب ان الصحة والفساد كما تقدم انما ينتزعان
من ترتب الأثر وعدم ترتبه وبما ان ترتب اثار العبادة عليها أمر تكويني لا تناله يد الجعل تكون
الصحة والفساد من الأمور الانتزاعية من الامر التكويني وغير قابلين للجعل التشريعي واما
المعاملات فبما ان ترتب آثارها عليها انما هو بجعل الشارع ولو كان ذلك من جهة امضائه
لحكم العقلا تكون الصحة والفساد فيها من الأمور الجعلية ورابعها التفصيل بين الصحة
الواقعية والظاهرية بالالتزام بكون الصحة الواقعية من الأمور الانتزاعية وكون الصحة
391

الظاهرية أمرا مجعولا تشريعيا وهذا هو المختار (بيان ذلك) انه قد تحقق ان ملاك الصحة
والفساد في العبادات هو انطباق المأمور به على الماتى به خارجا وعدم انطباقه عليه و
في المعاملات هو انطباق أسبابها على الموجود الخارجي وعدمه ومن الواضح الضروري ان
انطباق الكلى الطبيعي على ما في الخارج وعدم انطباقه عليه أمر تكويني غير قابل للجعل
التشريعي سواء في ذلك الماهيات الجعلية وغيرها فانطباق المأمور به الواقعي الأولى أو
الثانوي أو المأمور به الظاهري على الموجود الخارجي وعدم انطباقه عليه كانطباق أسباب
المعاملات على الموجودات الخارجية وعدم انطباقها عليها غير قابل للجعل التشريعي كما
هو الحال في انطباق الماهيات غير الجعلية على الموجودات الخارجية وعدم انطباقها عليها
ومما ذكرناه يظهر ان جعل الملكية وغيرها من الأحكام الوضعية عند صدور أسبابها
الخاصة وإن كان بيد الشارع الا ان تلك الأسباب في مقام الجعل لا تتصف بصحة ولا فساد وانما يتصف
بهما الموجود الخارجي باعتبار انطباق تلك الأسباب وعدم انطباقها عليه في الخارج ومن الواضح
ان انطباقها وعدم انطباقها على شئ يستحيل تعلق الجعل التشريعي بهما فلا محالة تكون
الصحة والفساد في المعاملات أيضا غير قابلة للجعل بل بملاحظة ما ذكرناه في باب الاجزاء
من استحالة عدم كون المأمور به بالامر الواقعي الثانوي مجزيا عن الواقعي الأولى لاستحالة
الامر بالفاقد للقيد مع بقاء اعتبار التقييد فمن تعلق الامر بالفاقد يستكشف عدم اعتبار التقييد
في هذا الحال يظهر لك ان الصحة في موارد الأوامر الواقعية الثانوية بالنسبة إلى الأوامر
الواقعية الأولية غير قابلة للجعل أيضا (واما الصحة) والفساد في موارد الأوامر الظاهرية
بالنسبة إلى الأوامر الواقعية فالحق انهما مجعولان بأنفسهما قبل انكشاف الخلاف وبعده
اما قبل انكشاف الخلاف فلان انطباق المأمور به الواقعي على المأتى به في الخارج
وإن كان مشكوكا فيه ومقتضى القاعدة الأولية فيه هو الاشتغال والحكم بعدم
ترتب اثار الانطباق الا أن للشارع ان يحكم في هذا الحال بالانطباق بمقتضى أصل أو امارة
ويتعبد المكلف بترتيب آثار الصحة عملا كما أن له ان لا يحكم به بل يمضى حكم العقل
بالاشتغال وعدم ترتيب آثار الانطباق فإذا تعبدنا بذلك كانت الصحة التي هي عبارة عن انطباق
المأمورية على المأتى به من الأحكام المجعولة كما أنه إذا لم يتعبدنا به وامضى حكم العقل بالاشتغال
كان الفساد الذي هو عبارة عن عدم الانطباق مجعولا له امضاء واما بعد انكشاف الخلاف فبما ان
للشارع أيضا ان يكتفى بما وقع ناقصا ويفرضه مطابقا للمأمور به وله ان لا يكفي به كانت الصحة
392

والفساد في هذا الفرض أيضا مجعولين بجعل الشارع لكن حكمه بالصحة في هذا الفرض
لا يكون من الاحكام الظاهرية الصرفة بل يكون متوسطا بينها وبين الأحكام الواقعية
الثانوية فمن جهة اخذ الشك في موضوعه يكون من الاحكام الظاهرية ومن جهة كونه موجبا
لفراغ ذمة المكلف من التكليف الواقعي ولو انكشف له الخلاف بعد ذلك يكون شبيها بالأحكام
الواقعية الثانوية
المقدمة الخامسة: ان النزاع في دلالة النهى على الفساد يعم ما إذا كان هناك ما
يقتضى الصحة من اطلاق أو عموم لولا النهى وما إذا لم يكن ذلك ولو مع قطع النظر عن وجود
النهى بحيث كان متعلق النهى في نفسه مشكوك الصحة والفساد لأجل شبهة موضوعية أو
حكمية وكان لأجله محكوما بالفساد ولو لم يكن هناك نهى فالنهي عن عبادة أو معاملة بناء
على دلالته على الفساد يوجب في القسم الأول تقييد المطلق أو تخصيص العام بغير الفرد المنهى
عنه واما القسم الثاني فالحكم بالفساد فيه وإن كان ثابتا في نفسه ومع قطع النظر عن النهى
أيضا لان الأصل عدم مشروعية تلك العبادة وعدم ترتب الأثر على تلك المعاملة إلا أنه حكم
مستند إلى الأصل العملي والنهى بناء على دلالته على الفساد يكون دليلا عليه ورافعا لموضوع
الأصل العملي فلا تصل النوبة إليه وعليه فتخصيص المحقق القمي (قده) محل النزاع بما إذا كان
هناك ما يقتضى صحة العبادة أو المعاملة من اطلاق أو عموم ليخرج مثل النهى عن صوم الوصال
والقمار عن محل الكلام تخصيص في غير محله ولو لم يكن صرح هو بنفسه بالمثال لمدعاه
لا مكن حمل كلامه على أنه أراد من الاقتضاء كون الفعل في نفسه قابلا للصحة والفساد
فيوافق ما افاده (قده) حينئذ ما اخترناه من أن النزاع المذكور يختص بالمورد القابل
للاتصاف بالصحة والفساد لكن تصريحه بالمثال جعل كلامه ظاهرا فيما نسبناه إليه وقد
عرفت ان اعتباره في محل الكلام في غير محله.
المقدمة السادسة: انه لا أصل يعول عليه في المسألة الأصولية عند الشك في دلالة
النهى على الفساد وعدمها سواء كان النزاع في دلا له النهى على الفساد لفظا أم كان في دلالته
عليه عقلا لأجل دعوى الملازمة بين الحرمة والفساد وعدمها واما الأصل في المسألة الفرعية
فيختلف بالنسبة إلى العبادات والمعاملات لان الأصل في جميع موارد الشك في صحة
المعاملة يقتضى الفساد لأصالة عدم ترتب الأثر على المعاملة الخارجية وبقاء متعلقها على
393

ما كان عليه قبل تحققها من دون فرق في ذلك بين أن يكون الشك لأجل شبهة حكمية
أو موضوعية واما العبادة (1) فإن كان الشك في صحتها وفسادها لأجل شبهة موضوعية
فمقتضى قاعدة الاشتغال فيها هو الحكم بفساد الماتى به وعدم سقوط امرها واما إذا كان
لأجل شبهة حكمية فالحكم بالصحة والفساد عن الشك يبتنى على الخلاف في جريان
البراءة والاشتغال عند الشك في الجزئية أو الشرطية أو المانعية (2) هذا كله بحسب ما
تقتضيه القاعدة الأولية واما بالنظر إلى القواعد الثانوية الحاكمة على القواعد الأولية فربما
يحكم بصحة العبادة أو المعاملة عند الشك فيها بقاعدة الفراغ أو التجاوز أو الصحة أو
غير ذلك.
إذا عرفت هذه المقدمات فالكلام يقع في مقامين (الأول) في العبادات (والثاني)
في المعاملات (اما المقام الأول) فتوضيح الحال فيه بان يقال إن النهى تارة يتعلق بذات
العبادة واخرى بجزئها وثالثة بشرطها ورابعة بوصفها الملازم لها أو الخارج عنها اما
النهى عن ذات العبادة بذاتها أو بواسطة أحد هذه الأمور بحيث يكون ذلك واسطة في
ثبوت تعلق النهى بذاتها فالحق ان النهى يدل على فسادها وقبل الاستدلال على ذلك
لا بأس بدفع الشبهات التي ربما تورد في المقام (الأولى) انه كيف يعقل تعلق النهى بالعبادة
مع أن فرض كونها عبادة يستلزم فرض كونها مقربة وفرض تعلق النهى بها يستلزم فرض

1 - لا يخفى ان ما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره من التفرقة بين العبادات وغيرها ومن التفرقة بين
موارد الشبهة الموضوعية وغيرها وإن كان صحيحا في نفسه في الجملة الا انه أجنبي عما هو
محل البحث في المقام لان محل الكلام انما هو فيما إذا شك في صحة عبادة أو معاملة بعد الفراغ
عن كونها منهيا عنها ولا ينبغي الريب في أن مقتضى الأصل فيه هو الفساد فيما إذا كان المنهى
عنه عبادة لان صحة العبادة كما عرفت تتوقف على وجود الامر بها أو اشتمالها على ملاك المحبوبية
غير مزاحم بملاك المبغوضية وشئ منهما لا يكون بمتحقق في فرض كون العبادة منهيا عنها
كما هو ظاهر واما إذا كان المنهى عنه غير عبادة فإن كان هناك ما يقتضى صحته من اطلاق أو
عموم والا فالأصل يقتضى عدم ترتب الأثر عليه فيحكم عليه بالفساد
2 - هذا انما يصح فيما إذا كان الشك في صحة العبادة وفسادها ناشئا من الشك في اعتبار شئ فيها
جزء أو شرطا واما إذا كان الشك المزبور ناشئا من الشك في أصل مشروعية العبادة مع عدم
دليل على مشروعيتها فمقتضى الأصل فيه أيضا هو الفساد والوجه فيه ظاهر
394

كونها مبعدة ويستحيل كون شئ واحد في آن واحد مقربا ومبعدا معا (والجواب)
عنها هو ما أشرنا إليه سابقا من أن المراد من العبادة في المقام هو العمل الذي لو شرع
لكان تشريعه لأجل التعبد به وكان امره تعبديا أو العمل الذي كان بحسب ذاته عبادة
كالسجود والركوع وأمثالهما والشبهة المزبورة انما نشأت من تخيل ان المراد من
العبادة المنهى عنها هو ما يكون عبادة مقربة بالفعل مع أن الامر ليس كذلك لضرورة استحالة
تعلق النهى بمثل ذلك (الثانية) ان العبادة وان فرض تعلق النهى بما الا ان فسادها لا يستند
إلى النهى ابدا لان الفساد انما يترتب على عدم مشروعية العبادة ولو مع قطع النظر عن
تعلق النهى بها فلا يكون للنهي اثر في فسادها أصلا (والجواب) عنها ان فساد العبادة
في فرض عدم تعلق النهى بها انما يكون مستندا إلى الأصل العملي وهي أصالة عدم مشروعيتها
عند الشك فيها واما في فرض تعلق النهى بها فالفساد انما يكون مستندا إلى الدليل عليه
الرافع لموضوع الأصل العملي أعني به الشك فالفساد في فرض وجود النهى يستند إليه
لا محالة (الثالثة) ان النهى عن العبادة من جهة النهى عن جزئها أو شرطها أو وصفها وإن كان
أمرا معقولا الا انه يستحيل تعلق النهى بها بذاتها واما ما ذكر مثالا لذلك من صوم الوصال
أو صوم الحائض ونحوهما فهو غير صحيح لان النهى في هذه الموارد أيضا متعلق بخصوصية
من خصوصيات العبادة لا بذاتها (والجواب) عنها ان الخصوصية التي بها تتخصص العبادة
على نحوين أحدهما ما لا يكون موجبا لانقسام العبادة إلى نوعين أو صنفين بل يكون
أمرا اخر مقارنا لها وموجبا لتشخصها به كالنظر إلى الأجنبية في الصلاة ونحو ذلك
والنهى في هذا القسم لا بد (1) من أن يتعلق بتلك الخصوصية دون ذات العبادة والوجه
فيه ظاهر وثانيهما ما يكون موجبا للانقسام المزبور فإذا تعلق النهى بخصوص نوع

(1) بل الصحيح ان النهى في هذا القسم قد يتعلق بالخصوصية المقارنة للمأمور به لمفسدة في
نفس تلك الخصوصية وقد يتعلق بالفعل المقترن بتلك الخصوصية لمفسدة في نفس ذلك الفعل
فيكون اقتران الفعل بتلك الخصوصية من قبيل الواسطة في الثبوت لتعلق النهى بنفس الفعل
نعم ربما تقوم قرينة متصلة أو منفصلة على أن النهى المتعلق في ظاهر الدليل بالفعل المتخصص
دون نفس الخصوصية نهى عرضي وانه متعلق في الحقيقة بالخصوصية المقترن بها الفعل
فالخصوصية تكون من قبيل الواسطة في العروض دون الثبوت وكيف كان فكل من القسمين
ممكن في نفسه فلابد في الحكم بتعينه من دلالة دليل عليه
395

أو صنف من العبادة كان هذا النوع أو الصنف منهيا عنه بذاته لا محالة والظاهر أن
خصوصية صوم الوصال وصوم الحائض من القسم الثاني فان المكلف هو الركن
الأعظم في تشريع الحكم وجعله وباختلافه يختلف ذات العبادة حسنا وقبحا فربما
تكون عبادة محبوبة من شخص وتكون مبغوضة من شخص آخر فالصوم الصادر
من الحائض نوع مستقل في قبال الصوم الصادر من غيرها كما أن الزمان من مقومات
الصوم وباختلافه تختلف حاله حسنا وقبح فيكون محبوبا في زمان ومبغوضا في زمان
اخر فالمناقشة في أصل المثال كالمناقشة في امكان تعلق النهى بذات العبادة مناقشة
في غير محلها (واما الدليل) على المدعى أعني به دلالة النهى على الفساد فهو ان النهى إذا تعلق
بذات عبادة ولو كان ذلك بواسطة أمر اخر يكون واسطة في الثبوت فهو لا محالة يستلزم عدم
الامر بها فان اعتبرنا في صحة العبادة تعلق الامر بها كما اختاره صاحب الجواهر (قده) فد لا له
النهى عن العبادة على فسادها في غاية الوضوح وان اكتفينا في صحتها باشتمالها على
الملاك كما هو المختار فلان الملاك الذي يمكن بحكم العقل ان يتقرب بالفعل المشتمل
عليه من المولى انما هو الملاك الذي يكون في حد ذاته علة تامة للبحث ولم يكن عدم
طلب المولى على طبقه الا من جهة عدم قدرة المكلف على امتثاله لأجل وجود طلب
آخر أهم من ذلك الطلب كما هو الحال في موارد التزاحم في مرحلة الامتثال واما
الملاك المعدوم أو المغلوب لملاك النهى فكما انه يستحيل كونه داعيا للمولى إلى البعث
يستحيل أن يكون موجبا لصحة التقرب بما اشتمل عليه فإذا فرضنا ان اكرام العالم الفاسق
ليس فيه ملاك يقتضى طلبه أو فرضنا ان ملاكه مغلوب لملاك حرمته امتنع التقرب به
من المولى وبما ان المفروض في المقام حرمة العبادة وانها تكشف كشفا قطعيا عن عدم
ملاك الامر فيها أو عن كونه مغلوبا لملاك طلبه لا يصح التقرب بها قطعا هذا مضافا إلى
ما ذكرناه (1) في المبحث السابق من أن فعلية التقرب بما يصلح ان يتقرب به في نفسه

1 - دعوى اعتبار عدم القبح الفاعلي في صحة التقرب بالعبادة وإن كانت قد عرفت ما فيها الا ان الصحيح
في المقام هو عدم صحة العبادة المنهى عنها لاستحالة التقرب بالمبغوض وما يصدر قبيحا في
الخارج فالعبادة المنهى عنها بما انها بنفسها قبيحة ومبغوضة للمولى غير قابلة لان يتقرب بها
من المولى بالضرورة فتقع فاسدة لا محالة
396

مشروطة عقلا بعدم كونه مزاحما بالقبح الفاعلي وبما ان العبادة المنهى عنها تصدر
مبغوضة ومتصفة بالقبح الفاعلي يستحيل التقرب بها من المولى وإن كان فيها ملاك الوجوب
أيضا (هذا كله) في النهى المتعلق بذات العبادة واما النهى عن جزء العبادة فالتحقيق
انه يدل أيضا على فسادها (وتوضيح الحال) فيه هو ان جزء العبادة اما أن يؤخذ فيه
عدد خاص كالوحدة المعتبرة في السورة بناء على حرمة القران واما ان لا يؤخذ فيه
ذلك اما الأول أعني به جزء العبادة المعبر فيه عدد خاص فالنهي المتعلق به يقتضى
فساد العبادة لا محالة لا الآتي به في ضمن العبادة اما ان يقتصر عليه فيها أو يأتي بعده بما
هو غير منهى عنه وعلى كلا التقديرين لا ينبغي الاشكال في بطلان العبادة المشتملة عليه فان
الجزء المنهى عنه لا محالة يكون خارجا عن اطلاق دليل الجزئية أو عمومه فيكون وجوده
كعدمه فان اقتصر المكلف عليه في مقام الامتثال بطلت العبادة لفقدها جزئها وان لم يقتصر
عليه بطلت من جهة الاخلال بالوحدة المعتبرة في الجزء كما هو الفرض ومن هنا تبطل صلاة
من قرأ إحدى العزائم في الفريضة سواء اقتصر عليها أم لم يقتصر لان قرائتها تستلزم الاخلال
بالفريضة من جهة ترك السورة أو من جهة لزوم القران بل لو بنينا على جواز القران لفسدت
الصلاة في الفرض أيضا لان دليل الحرمة قد خصص دليل الجواز بغير الفرد المنهى عنه
فيحرم القرآن (1) بالإضافة إليه لا محالة هذا مضافا إلى أن تحريم الجزء يستلزم اخذ العبادة
بالإضافة إليه بشرط لا (2) سواء اتى به في محله المناسب له كقرائة العزيمة بعد الحمد

حرمة القرآن في العبادة عبارة عن اعتبار عدم اقتران جزء بمثله في صحة تلك العبادة
كما قيل باعتبار عدم اقتران سورة بمثلها في صحة الصلاة ومن الواضح انه إذا بنينا على جواز و
عدم اعتبار عدم الاقتران المزبور في صحة العبادة لم تكن حرمة الجزء في نفسها مقتضية
لبطلان العبادة ما لم يكن هناك موجب آخر للبطلان ضرورة انه غاية ما يترتب على كون
جزء العبادة محرما ومبغوضا هو بطلان نفسه وعدم جواز الاكتفاء به في مقام الامتثال واما
بطلان أصل العبادة فلا يترتب على حرمة الجزء المأتى به بوجه الا أن يكون هناك موجب
آخر للبطلان على ما يتضح الحال فيه انشاء الله تعالى
(2) لا يخفى ان حرمة جزء العبادة لو كانت موجبة لاعتبار العبادة بالإضافة إليه بشرط لا لكانت
حرمة كل شئ موجبة لذلك أيضا إذ لا فرق في هذه الجهة بين كون المنهى عنه من سنخ
اجزاء العبادة وعدم كونه من سنخها فلا بد من الالتزام ببطلان كل عبادة اتى في ضمنها بفعل
محرم خارجي كالنظر إلى الأجنبية في الصلاة مع أنه واضح البطلان فالتحقيق ان حرمة شئ
ما تكليفا لا تقتضي اعتبار أي عبادة بالإضافة إلى ذلك الشئ بشرط لا ضرورة انه لا منافاة
أصلا بين صحة العبادة وحرمة ذلك الشئ الواقع في أثنائها وعليه فحال الجزء المنهى
عنه حال غيره من المحرمات في أنه لا يوجب فساد العبادة إذا وقع في أثنائها ما لم يكن
هناك موجب آخر للبطلان
397

أم اتى به في غير محله كقرائتها بين السجدتين ويترتب على ذلك أمور كلها موجبة لبطلان
العبادة المشتملة عليه (الأول) كون العبادة مقيدة بعدم ذلك المنهى عنه فيكون وجوده مانعا
عن صحتها وذلك يستلزم بطلانها عند اقترانها بوجوده (الثاني) كونه زيادة في الفريضة (1)
فتبطل الصلاة بسبب الزيادة العمدية المعتبر عدمها في صحتها ولا يعتبر في تحقق الزيادة
قصد الجزئية إذا كان المأتى به من جنس أحد اجزاء العمل نعم يعتبر قصد الجزئية في صدقها إذا
كان المأتى به من غير جنسه (الثالث) خروجه عن أدلة جواز مطلق الذكر في الصلاة فان
دليل الحرمة لا محالة يوجب تخصيصها بغير الفرد المحرم فيندرج الفرد المحرم في عموم
أدلة بطلان الصلاة بالتكلم العمدي إذ الخارج عن عمومها انما هو الذكر غير المحرم وما
ذكرناه هو الوجه في بطلان الصلاة بالذكر المنهى عنه واما ما يتوهم من أن الوجه في ذلك

(1) لا يذهب عليك ان هذا الوجه كالوجه الثالث لو تم لاختص بالصلاة ولا يجرى في غيرها
من العبادات مع أن الكلام في المقام لا يختص بالنهي عن جزء من اجزاء خصوص الصلاة كما
هو ظاهر على أنه لا يتم شئ من الوجهين المذكورين اما الوجه الثاني فلان صدق عنوان
الزيادة على ما حقق في محله يتوقف على قصد الجزئية بما يؤتى به في الخارج من دون فرق
بين كون المأتى به من سنخ اجزاء العمل وكونه من غير سنخها نعم في خصوص السجود و
الركوع لا يتوقف صدق العنوان المزبور على القصد المذكور لورود النص بذلك في السجود
والقطع بعدم الفرق بينه وبين الركوع من هذه الجهة وعليه فالجزء المحرم ما لم يقصد به
جزئيته للصلاة لا يتحقق به عنوان الزيادة المترتب عليه بطلانها واما الوجه الثالث فلانه لا
دليل على بطلان الصلاة بالذكر المحرم وانما الدليل قد دل على بطلانها بكلام الآدميين
والذكر المحرم ليس منه على الفرض فالتحقيق انه لا تبطل الصلاة باتيان الجزء المحرم الا
فيما ورد النهى عنه في خصوص الصلاة المستفاد منه مانعيته عن صحتها وفيما اتى به بقصد
كونه جزء من الصلاة الموجب لتحقق عنوان الزيادة فيها كما عرفت
398

هو دخوله في كلام الآدميين فهو فاسد لأن المفروض انه ذكر محرم ومن الواضح انه لا يخرج
بسبب النهى عنه عن كونه ذكرا ليدخل في كلام الآدميين (واما الثاني) أعني به ما لم يؤخذ
فيه عدد خاص فقد اتضح الحال فيه مما تقدم لان جميع الوجوه المذكورة المقتضية لفساد
العبادة المشتملة على الجزء المنهى عنه جارية في هذا القسم أيضا وانما يختص القسم الأول
بالوجه الأول منها (واما النهى عن شرط العبادة) أو وصفها فان رجع إلى النهى عن نفس العبادة
كان حكمه حكمه وذلك مثل النهى عن الاجهار بالقرائة الراجع إلى النهى عن القراءة الجهرية
في الحقيقة لان القراءة الجهرية بما انها حصة خاصة من مطلق القراءة كان النهى عن الاجهار
بها نهيا عن نفس تلك الحصة الخاصة فهو يندرج في باب النهى عن جزء العبادة إذا كانت القراءة
جزئا لها وفي باب به الامر عن نفس العبادة إذا كانت القراءة بنفسها عبادة مستقلة واما في غير
ذلك فلا موجب لفساد العبادة بالنهي عن شرطها أو وصفها لعدم سراية النهى عنهما
إليها بوجه أصلا وهذا ظاهر في النهى عن الوصف واما في النهى عن الشرط فلان شرط العبادة
الذي تعلق به النهى انما هو المعنى المعبر عنه باسم المصدر واما المتعلق للنهي فهو المعنى
المعبر عنه بالمصدر (1) فما هو متعلق النهى ليس شرطا للعبادة وما هو شرط لها لم يتعلق
به النهى مثلا الصلاة مشروطة بالتستر فلو فرضنا حرمة لبس خاص فإن لم يكن النهى
عنه نهيا عن الصلاة معه فهو لا يوجب بطلانها لفرض مغايرة متعلقه لها فيكون حاله حال النظر
إلى الأجنبية في أثناء الصلاة ومنه ظهر بطلان تقسيم الشرط إلى تعبدي كالطهارات الثلاث
وغير تعبدي كالتستر ونحوه لان شرط الصلاة انما هي الطهارة المراد بها معنى اسم المصدر
المقارنة معها زمانا واما الافعال الخاصة من الوضوء والتيمم والغسل فهي بنفسها ليست
شرطا للصلاة وانما هي محصلة لما هو شرطها (2) فما هو عبادة أعني بها نفس الافعال ليس شرطا

(1) قد عرفت فيما تقدم ان المعنى المعبر عنه باسم المصدر لا يغاير المعنى المعبر عنه بالمصدر إلا
بالاعتبار وانهما أمر واحد وجودا وخارجا وعليه فلا يعقل كون أحدهما مأمورا به والاخر
منهيا عنه فلا مناص من الالتزام بكون النهى المتعلق بالشرط موجبا لكون التقيد بالشرط
المأمور به في ضمن الامر بالمقيد متقيدا بغير الفرد المحرم ضرورة ان المأمور به لابد من
أن يكون مغايرا في الوجود للمنهى عنه في الخارج فالعبادة المقترنة بالشرط المنهى عنه
لا تكون مما تنطبق عليه الطبيعة المأمور بها فتقع فاسدة لا محالة ولا يفرق في ذلك بين
كون الشرط عباديا وكونه غير عبادي كما هو ظاهر.
(2) هذا هو المعروف بين الأصحاب ولكن لا يبعدان تكون الطهارة عنوانا منطبقا على
نفس الغسل والوضوء والتيمم ويكون اشتراط الصلاة بها مثلا من قبيل اشتراط العبادة
بالشرط المتقدم وتحقيق الحال في ذلك موكول إلى محله
399

للصلاة وما هو شرط لها أعني به نفس الطهارة فهو ليس بعبادة بل حاله حال بقية الشرايط
في عدم اعتبار قصد القربة فيها ولذلك يحكم بصحة صلاة من صلى غافلا عن الطهارة فانكشف
كونها مقترنة بها فتلخص ان حال الشرايط حال بقية الأوصاف في أن النهى عنها لا يوجب فساد
المشروط أو المتصف بها ما لم يكن النهى عنها نهيا عن نفس المشروط أو المتصف بها واما فيما
إذا كان كذلك فلا اشكال في فساد العبادة كما عرفت.
تنبيه: ذكر جملة من المحققين ان كون شئ مانعا من صحة العبادة واعتبار عدمه
فيها يتصور بأحد وجوه (الأول) أن تكون المانعية مستفادة من النهى الغيري الدال عليها
نظير التقييد بالقيود الوجودية المدلول عليه بالأوامر الغيرية (الثاني) أن تكون المانعية
مستفادة من النهى النفسي الدال على حرمة العبادة كالنهي عن الصلاة في الحرير بناء على
عدم كونه نهيا غيريا والوجه في استفادة المانعية من النهى النفسي وتقييد المأمور به بعدم
تحققه في ضمن ما تعلق به النهى هو ما أشرنا إليه مرارا من أن اطلاق متعلق الوجوب لحصة
خاصة ينافي الحرمة المتعلقة بها سواء في ذلك كون الاطلاق شموليا وكونه بدليا فإذا قدم
دليل الحرمة كما هو المفروض كان موجبا لتقييد اطلاق المأمور به فلا محالة يختص الامر
بغير الحصة المنهى عنها (الثالث) أن تكون المانعية ناشئة من التزاحم وعدم قدرة المكلف
على امتثال الخطابين معا (اما القسم الأول) فلا اشكال فيه في أن مقتضى اطلاق الدليل الدال
على المانعية هي المانعية الواقعية المطلقة فلا ترتفع بالجهل أو النسيان أو الاضطرار إذ حال
القيد العدمي على هذا هو حال القيود الوجودية والأصل الأولى فيها يقتضى كون التقييد بها
واقعيا ومطلقا لجميع أحوال المكلف ولازم ذلك عدم جواز الاكتفاء بغير القميد مطلقا الا
إذا قام دليل بالخصوص على الاجزاء واما الشك في المانعية وعدمها في هذا القسم فحكمه
يبتنى على اختيار البراءة أو الاحتياط في بحث الأقل والأكثر الارتباطيين (واما القسم الثالث) فلا
اشكال في أن الموجب للتقييد فيه هو تنجز خطاب الأهم وكونه موجبا لعجز المكلف عن امتثال
خطاب المهم فما لم يتنجز خطاب الأهم لا موجب للتقييد وإن كان هناك التكليف بالأهم
ثابتا في الواقع كما في موارد الجهل والنسيان فعند الشك في وجود التكليف بالأهم
يقطع بعدم وجود المزاحم للتكليف بالمهم إذا كان الشك المزبور موردا لجريان
400

البراءة عقلا أو نقلا فجريان الأصل في هذا القسم يرفع موضوع التقييد واقعا ولا ينافي ذلك
وجود التكليف في الواقع لعدم كونه مزاحما للتكليف الفعلي ما لم يكن واصلا إلى المكلف
وشاغلا له بامتثاله عن امتثال غيره (واما القسم الثاني) فهو متوسط بين القسمين (توضيحه)
ان الموجب للتقييد فيه هي فعلية الحرمة ومضادتها لاطلاق الوجوب فإذا كانت الحرمة موجودة
في الواقع ولو مع عدم تنجزها على المكلف كما في موارد الجهل أو النسيان كان التقييد باقيا
على حاله لعدم ارتفاع موجبه بالجهل أو النسيان فيكون حال هذا القسم حال القسم الأول
من هذه الجهة واما إذا لم تكن الحرمة ثابتة في الواقع بل كانت ساقطة بعروض اضطرار و
نحوه فربما يقال فيه بسقوط اعتبار التقييد أيضا لانتفاء موجبه لأن المفروض ان الموجب
للتقييد انما هي فعلية الحرمة ومضادتها لاطلاق المأمور به فإذا سقطت بالاضطرار ونحوه كان
التقييد بلا موجب وعلى ذلك يترتب انه إذا شك في المانعية لأجل الشك في الحرمة النفسية
كان الحكم فيه هو الرجوع إلى البراءة ولو بنينا على الاشتغال في الشك في الأقل والأكثر
الارتباطيين وذلك لأن الشك في المانعية في مفروض الكلام بما انه مسبب عن الشك في
الحرمة النفسية فبجريان البراءة عنها يرتفع موضوع الشك في المانعية فلا يبقى مجال الحكم
العقل بالاشتغال ومن هنا ذهب جماعة ممن لا يجوز الصلاة فيما يشك في كونه من اجزاء مالا
يؤكل لحمه إلى جواز الصلاة في ما يشك في كونه ذهبا أو حريرا و (لكن التحقيق) يقتضى
فساد القول المزبور (1) وفساد ما رتبوه عليه اما فساد القول بسقوط اعتبار التقييد عند
سقوط الحرمة باضطرار ونحوه فلان المانعية أعني بها تقييد اطلاق المأمور به بغير الحصة
المنهى عنها لو كانت في طول الحرمة ومترتبة عليها لتم ما ذكروه من ارتفاعها بارتفاع موجبها
أعني به الحرمة لكن الامر ليس كذلك فان اطلاق المأمور به وشموله لحصة خاصة وإن كان
يضاد حرمتها فلا بد من رفع اليد عنه في فرض كونها محرمة الا انك عرفت فيما تقدم
ان وجود أحد الضدين لا يكون علة لعدم الضد الاخر وفي مرتبة سابقة عليه بل هما
متلازمان فإذا سقط أحدهما لموجب يقتضيه من اضطرار ونحوه فلا موجب لسقوط
الملازم الاخر وبالجملة إذا كان دليل النهى يقتضى حرمة متعلقه وتقييد متعلق الأمر بغير

(1) تقدم الكلام في صحة هذا القول عن قريب وبينا هناك انها لا تتوقف على كون وجود أحد
الضدين في مرتبة سابقة على عدم الاخر كما ذكرنا ان الملاك الذي لا يكون مؤثرا في مبغوضية
فعل في نظر المولى لا يمنع من التقرب بذلك الفعل إذا كان مشتملا على ملاك المحبوبية بالفعل
401

الحصة المنهى عنها في عرض واحد بلا تقدم وتأخر بينهما لم يكن سقوط أحدهما لعارض
ملازما لسقوط الاخر هذا مضافا إلى أنه لا يترتب على الاضطرار ونحوه الا سقوط نفس
التكليف واما الملاك المقتضى لجعله لو لم يكن هناك مانع منه فهو بعد على حاله فلا محالة
يقع التزاحم بينه وبين ملاك الامر وبما ان المفروض غلبة ملاك النهى وكونه أقوى من ملاك
الامر لا يمكن التقرب من المولى بما يشتمل عليه فيبقى التقييد المستفاد من النهى باقيا على
حاله كما كان الامر كذلك فيما إذا لم يكن الخطاب ساقطا اللهم الا ان يقال إن سقوط الخطاب
إن كان مستندا إلى العجز العقلي وحكم العقل باستحالة طلب غير المقدور فالامر كما ذكر
من أن سقوط الحرمة لا يكون كاشفا عن انتفاء الملاك واما إذا استند ذلك إلى الدليل الشرعي
كما في موارد الاضطرار والنسيان فلا محالة يكشف ذلك الدليل عن اختصاص الحكم
من أول الأمر بغير تلك الموارد فلا كاشف عن وجود الملاك فيها ليكون مزاحما لملاك
الامر وعليه يكون ارتفاع الحرمة ملازما لانتفاء اعتبار التقييد أيضا (واما فساد ما رتبوه
عليه) فلان الشك في المانعية بناء على تسليم كون المانعية مترتبة على الحرمة وإن كان
مسببا عن الشك فيها إلا أنه ليس كل أصل يجرى في السبب يكون حاكما على الأصل الجاري
في المسبب بل يختص ذلك بما إذا كان المشكوك بالشك المسببي من الآثار الشرعية
للمشكوك بالشك السببي وكان الأصل الجاري في السبب ناظرا إلى الغاء الشك في المسبب
كما إذا غسل ثوب متنجس بماء مسبوق بالكرية وشك في بقائها فأصالة بقاء الكرية رافعة
للشك في نجاسة كل ما غسل به وما نحن فيه ليس من هذا القبيل لان كون لبس الحرير
أو الذهب مانعا عن صحة الصلاة إذا كان مترتبا على حرمته الذاتية التي لا ينافيها عروض الحلية
لعارض كاضطرار ونحوه لم تكن أصالة البراءة الجارية لاثبات تعيين الوظيفة العملية متكفلة
لارتفاع الحرمة الذاتية لتكون حاكمة على أصالة الاشتغال الجارية عند الشك في المانعية
على الفرض وهذا نظير حرمة اكل لحم الحيوان المترتب عليها فساد الصلاة إذا وقعت في
شئ من اجزائه فان المراد من تلك الحرمة هي الحرمة الذاتية الثابتة لمعروضها بعنوانه
الأولى التي لا ينافيها عروض الحلية بالاضطرار ونحوه فإذا اضطر المكلف إلى اكل لحم الأرنب
مثلا لم تجز الصلاة في اجزائه لان المانع على الفرض انما هي الحرمة الذاتية وهي لا ترتفع
باضطرار ونحوه وانما ترتفع به الحرمة الفعلية وعلى فإذا شككنا في حلية لحم حيوان
402

وحرمته فأصالة الإباحة وإن كانت موجبة فعلا للترخيص العملي في اكله وعدم تنجز الحرمة
الواقعية على تقدير ثبوتها وترتيب جميع آثار الحلية الواقعية على ما دام الشك باقيا إلا
انها لا توجب ارتفاع الحرمة الذاتية لترتفع به المانعية المترتبة عليها نعم إذا كانت المانعية
مترتبة على الحرمة الفعلية دون الذاتية كان الأصل الرافع للحرمة رافعا للشك في المانعية
وحاكما على الأصل الجاري فيها
واما المقام الثاني أعني به النهى عن المعاملات فتوضيح الحال فيه بان يقال إن
النهى إذا تعلق بمعاملة وكان نهيا غيريا مسوقا لبيان المانعية فلا اشكال في دلالته على
الفساد سواء تعلق بسبب خاص فدل على تقييد السبب الممضى عند الشارع بعدم تلك الخصوصية
أم تعلق بالمسبب عن ذلك السبب فدل على عدم ترتبه عليه بالمطابقة وعلى تقييد السبب
الممضى عنده بعدم تلك الخصوصية بالالتزام واما إذا كان النهى نهيا تحريميا نفسيا فهو
تارة (1) يكون متعلقا بالسبب أعني به ايجاد المعاملة بما هو ايجاد لها من دون أن يكون

(1) قد عرفت فيما تقدم انه لا سببية في باب انشاء العقود والايقاعات أصلا كما عرفت انه لا
معنى لا يكون النهى متعلقا بالمعنى المعبر عنه بالمصدر تارة وبالمعنى المعبر عنه باسم
المصدر أخرى فالتحقيق في هذا المقام ان يقال إن هناك ثلثة أمور أحدها اعتبار الملكية
مثلا القائم بمن بيده الاعتبار أعني به الشارع وثانيها اعتبار الملكية القائم بالمتبايعين
مثلا مع قطع النظر عن امضاء الشارع له وعدم امضائه له وثالثها اظهار المبايعين في
مفروض المثال اعتبارهما النفساني بمظهر خارجي من لفظ أو غيره اما الاعتبار القائم بالشارع
فهو غير قابل لتعلق النهى به ليقع الكلام في دلالته على الفساد وعدم دلالته عليه ضرورة
ان الاعتبار القائم بالشارع خارج عن تحت قدرة المكلف واختياره فكيف يعقل تعلق النهى
به فإذا فرض في مورد ان الاعتبار المزبور مبغوض له لم يصح نهى المكلف عن بل الشارع
بنفسه لا يوجد مبغوضه وهذا ظاهر لا يكاد يخفى واما الاعتبار القائم بالمتبايعين مثلا فهو
وإن كان قابلا لتعلق النهى به الا انه لا يدل على عدم امضاء الشارع له لان سلب القدرة
عن المكلف في مقام التكليف لا يستلزم حجر المالك وعدم امضاء اعتباره على تقدير تحققه في
الخارج لان النهى انما يتكفل باظهار الزجر عن تحقق متعلقه في الخارج من دون تعرض
لامضائه على تقدير تحققه وعدم امضائه فإذا كان لدليل الامضاء اطلاق بالإضافة إلى الفرد
المنهى عنه لم يكن مانع من الاخذ به أصلا ومن هنا يظهر انه لا وجه لقياس شيخنا الأستاذ
قدس سره تعلق النهى بمعاملة بموارد ثبوت الحجر عنها شرعا لأجل تعلق حق الغير بالمال
الواقع عليه المعاملة أو لغير ذلك من أسباب الحجر واما النهى المتعلق بذات ما يكون به اظهار
الاعتبار من المتبايعين كالنهي عن البيع المنشأ باللفظ أثناء الاشتغال بصلاة الفريضة أو النهى
المتعلق بمظهر الاعتبار المزبور بما هو مظهر فعدم دلالتهما على عدم كون الاعتبار النفساني
القائم بالمتبايعين ممضى عند الشارع ظاهر لا سترة عليه فالصحيح ان حرمة المعاملة لا تدل
على فسادها مطلقا نعم إذا كان النهى عن معاملة ما ظاهرا في كونه في مقام الردع عنها وعدم
امضائها كان دالا على فسادها مطلقا الا ان ذلك خارج عما هو محل الكلام بين الاعلام و
بما ذكرناه في تحقيق الحال في المقام يظهر ما في كلمات الأعاظم من الخلط والاضطراب
والله هو الهادي إلى سواء السبيل
403

نفس ما يوجد في الخارج مبغوضا للمولى وهذا كالنهي عن البيع وقت النداء أو حين
الاشتغال بالصلاة واخرى يكون متعلقا بالمسبب أعني به نفس ما يوجد في الخارج ويصدر
من المكلف وهذا كالنهي عن بيع آلات اللهو والقمار ونحوهما وبعبارة أخرى النهى التحريمي
النفسي قد يتعلق بانشاء معاملة بما هو انشاء بنحو يساوق معنى المصدر وقد يتعلق بنفس
المنشأ بنحو يساوق معنى اسم المصدر والحق في المقام هو التفصيل بين النهى المتعلق
بالسبب فلا يدل على الفساد والنهى المتعلق بالمسبب فيدل عليه اما عدم دلالة تعلق النهى
بالسبب على فساد المعاملة فلان مبغوضية الانشاء في المعاملة بما هو فعل من أفعال المكلف
لا تستلزم عدم ترتب اثر المعاملة عليها بوجه ضرورة انه لا منافاة بين حرمة انشاء البيع
وقت النداء مثلا وحكم الشارع بترتب اثره عليه في الخارج فيحتاج اثبات الفساد حينئذ
إلى قيام دليل آخر عليه غير النهى وهو مفقود على الفرض واما دلالة تعلق النهى بالمسبب
على فساد المعاملة فلان صحة المعاملة تتوقف على ثلاثة أمور (الأول) كون كل من المتعاملين
مالكا للعين أو بحكمه ليكون أمر النقل بيده ولا يكون أجنبيا عنه (الثاني) ان لا يكون
محجورا عن التصرف فيها من جهة تعلق حق الغير بها أو لغير ذلك من أسباب الحجر ليكون
له السلطنة الفعلية على التصرف فيها (الثالث) أن يكون ايجاد المعاملة بسبب خاص و
آلة خاصة وعلى ذلك فإذا فرض تعلق النهى بالمسبب وبنفس الملكية المنشأة مثلا
كما في النهى عن بيع المصحف والعبد المسلم من الكافر كان النهى معجزا مولويا للمكلف
عن الفعل ورافعا لسلطنته عليه فيختل بذلك الشرط الثاني المعتبر في صحة المعاملة أعني
404

به كون المكلف مسلطا على المعاملة في حكم الشارع ويترتب على ذلك فساد المعاملة لا
محالة وعلى ما ذكرناه يترتب تسالم الفقهاء على فساد الإجارة على الواجبات المجانية (1)
فان المكلف بعد خروج العمل عن سلطانه لكونه مملوكا له تبارك وتعالى لا يمكنه تمليكه
من الغير بإجارة ونحوها وحكمهم ببطلان منذور الصدقة (2) فان المكلف بنذره يكون
محجورا عن كل ما ينافي الوفاء بنذره فلا تنفذ تصرفاته المنافية له وحكمهم بفساد معاملة
خاصة إذا اشترط في ضمن عقد خارجي عدمها كما إذا باع زيد داره واشترط على المشترى
عدم بيعها من عمرو فان الشرط المزبور لوجوب الوفاء به يجعل المشترى محجورا من البيع
المزبور فلا يكون نافذا إلى غير ذلك من الموارد المشتركة مع المقام في الملاك أعني به

(1) بطلان الإجارة في هذه الموارد مستند إلى العلم الخارجي بلزوم الاتيان بالواجب في هذه
الموارد مجانا وبلا عوض والا فكون العمل مملوكا لله تعالى نحو ملك يغاير نحو الملك الاعتباري
لا يستلزم بطلان الإجارة ولا لزم بطلانها فيما كان متعلقها متصفا بالوجوب شرعا في جميع
الموارد مع أنه واضح البطلان.
(2) لا يخفى ان بيع منذور الصدقة إذا لم يكن النذر من نذر النتيجة ليس مما تسالم الفقهاء
على بطلانه بل هو محل الخلاف بينهم نعم إذا كان النذر من نذر النتيجة مع كون النذر مطلقا
وغير مشروط بشئ أو مع فرض حصول المعلق عليه في الخارج بطل البيع لانتقال المال معه
إلى المنذور له على الفرض فيكون بيع الناذر له بيعا لغير ملكه فيلحقه حكمه والتحقيق ان
وجوب الوفاء بالنذر لا ينافي امضاء البيع وصحته إذ لا منافاة بين لزوم المال بمقتضى
التزام الناذر به بالدلالة الالتزامية وصحة البيع على تقدير تحققه في الخارج غاية الأمر انه
يترتب على البيع المزبور استحقاق العقاب ولزوم الكفارة وشيئ منهما لا يستلزم بطلان البيع
بل إن البايع إذا كان مطمئنا بانتقال المال إليه بعد بيعه وبعدم ترتب مخالفة النذر على
بيعه لم يلزم الحنث أيضا ببيعه وكيف كان فوجوب الوفاء بالنذر تكليفا لا يستلزم بطلان
البيع المزبور ابدا وعليه فلا وجه لما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره من أن الناذر بنذره يكون
محجورا عن التصرف في المال المزبور ومما ذكرناه يظهر الحال فيما إذا اشترط ترك
معاملة ما في ضمن عقد خارجي لان غاية ما يترتب على الشرط المزبور هو وجوب الوفاء بالشرط
بترك تلك المعاملة واما فسادها على تقدير تحققها فهو لا يترتب على الشرط المزبور فلا بد
في الحكم به من التماس دليل آخر والا فيحكم بصحتها ان هناك ما يقتضى صحتها من
اطلاق أو غيره
405

استلزام نهى المولى عن معاملة حجر المكلف عنها المترتب عليه فساد تلك المعاملة وعدم
ترتب الأثر عليها شرعا (فان قلت) ان ألفاظ المعاملات بما انها اسام للصحيحة لا بد
من أن يكون متعلق النهى فيها صحيحا حين وقوعه وأيضا تعلق النهى بالمسبب يستلزم
كونه مقدورا للمكلف ليتمكن من امتثاله وعصيانه وعلى ذلك فالنهي عن المسبب
يدل على صحة المعاملة ونفوذها كما ذهب إليه المحقق صاحب الكفاية (قده) (قلت)
قد عرفت فيما تقدم ان ما يتصف بالصحة والفساد انما هي الأسباب وأما المسببات فهي
لا تتصف بهما بل تتصف بالوجود أو العدم وعليه فالنهي المتعلق بالمسبب لو كان متعلقا
بما هو مسبب في نظر الشارع وفي اعتباره لتم ما ذكرت من أن النهى عنه يدل على صحة
المعاملة لا على فسادها لكن الامر ليس كذلك ضرورة ان النهى انما يتعلق بالمسبب
العرفي (1) المجتمع مع امضاء الشارع وعدم امضائه له ومع النهى عنه وعدمه غاية الأمر
ان النهى عنه يقتضى حجر المكلف عنه المستلزم لعدم امضاء الشارع له الذي هو
عبارة أخرى عن فساد المعاملة فالنهي عنه وهو المسبب العرفي مقدور للمكلف قبل
النهى وبعده على حد سواء وفرق واضح بين عدم القدرة على ايجاد الملكية العرفية وعدم
كونها ممضاة للشارع وما يكون منافيا للنهي انما هو الأول وما ادعينا استلزام النهى له
هو الثاني وبالجملة ما تعلق به النهى وإن كان لا بد من الالتزام بكونه مقدورا حين وقوعه
ليتمكن المكلف من امتثاله وعصيا أنه الا ان صحته العرفية كافية في ذلك وهي لا تنافى فساده
شرعا لاستلزام النهى له كما عرفت (ثم إن هناك روايات) ربما استدل بها على عدم دلا له
النهى على الفساد وهى الروايات الواردة في عدم نفوذ نكاح العبد من دون اذن مولاه
وان صحته موقوفة على اجازته معللة بان العبد لم يعص الله تبارك وتعالى وانما عصى سيده
فإذا أجاز جاز وتقريب الاستدلال بها على ذلك هو ان صريح الروايات هو ان عصيان العبد سيده

(1) بل الصحيح كما عرفت ان النهى المتعلق بمعاملة مالا بد من أن يتعلق بالاعتبار القائم
بالمتبايعين أو بما يكون مظهرا له في الخارج وعلى كل من التقديرين لا يكون النهى دليلا
على الصحة كما لا يكون دليلا على الفساد واما الاعتبار القائم بالعقلاء المعبر عنه بالمسبب
العرفي أعني به امضاء العقلاء الاعتبار القائم بالمتعاملين فحاله حال الاعتبار القائم بالشارع
في أنه غير قابل لتعلق النهى به وزجر المتعاملين عنه ومن ذلك يظهر ما في كلام شيخنا
الأستاذ قدس سره في المقام فتدبر جيدا
406

لا يستلزم بطلان النكاح وانما يوجب توقف صحته على اجازة مولاه وبما ان عصيان السيد يلازم
عصيانه تعالى يستفاد من تلك الروايات عدم استلزام عصيانه تعالى لبطلان النكاح واما
عصيانه تعالى المستلزم لفساده بمقتضى مفهومه قوله عليه السلام انه لم يعص الله فلا بد
من أن يراد به العصيان الوضعي بمعنى ان العبد لم يرتكب ما هو غير مشروع في نفسه
كالنكاح في العدة على ما مثل الإمام عليه السلام له بذلك لئلا يكون قابلا للصحة بعد
وقوعه بل ارتكب أمرا مشروعا في نفسه قابلا لتعلق الإجازة به من المولى فيصح عند
تعلق الإجازة به واما العصيان التكليفي الذي هو محل الكلام في المقام فهو غير مراد من
العصيان المنفى في الرواية قطعا لان عصيان السيد ملازم لعصيانه تبارك وتعالى فلا يصح
نفيه مع اثبات عصيانه لسيده (ولكن التحقيق) (1) فساد الاستدلال المذكور لان
صحته تتوقف على أن يراد من العصيان في كل من الموردين معنى يغاير ما يراد منه في الاخر
وهذا خلاف الظاهر جدا فالظاهر أن المراد من عصيان الله تعالى المستلزم للفساد بمقتضى

(1) بل التحقيق ان يقال إن المراد من لفظ العصيان الوارد في هذه الروايات هو العصيان
الوضعي في كل من الموردين بتقريب ان النكاح المزبور بما انه كان مشروعا في نفسه في الشريعة
المقدسة لا يكون مانع من صحته ونفوذه الا عدم رضاء السيد به وعدم اجازته له فإذا ارتفع
المانع بحصول الإجازة جاز النكاح والوجه في ذلك ان نكاح العبد بغير اذن سيده ليس من
التصرفات المحرمة شرعا ولذا لو عقد العبد لغير نفسه لما احتاج نفوذه إلى اجازة سيده قطعا
كما أن غير العبد لو عقد للعبد لاحتاج نفوذه إلى اجازة السيد بلا اشكال مع أنه لم يتحقق في
الفرض عصيان تكليفي من العبد ولا من غيره بالضرورة فيتعين أن يكون المراد من العصيان
في الروايات هو العصيان الوضعي فيكون المتحصل من الروايات والله العالم ان النكاح لو كان
غير مشروع في نفسه كما إذا كان واقعا في العدة ونحو ذلك لكان ذلك باطلا وغير قابل للصحة
واما إذا كان في نفسه مشروعا غاية الأمر انه اعتبر في صحته ونفوذه رضاء سيده به كان فساده
دائرا مدار عدم رضاء السيد حدوثا وبقاء ويؤيد ما ذكرناه انه لو كان العقد محرما لعارض
كما إذا قصد به اضرار مسلم ونحو ذلك لما حكم بفساد العقد قطعا مع أن حرمة هذا العقد
حرمة لا تقبل الارتفاع ابدا فيكشف ذلك عمن ان الحرمة التكليفية لا تستلزم فساد العقد
ابدا فتحصل مما ذكرناه انه كما لا تدل الروايات على دلا له النهى على الصحة كذلك لا تدل
على دلالته على الفساد فهي ساكتة من هذه الجهة وقد عرفت انه لا دليل آخر على دلالة النهى
على الفساد فالصحيح هو القول بعدم دلالته عليه في غير العبادات
407

مفهوم الرواية هو العصيان التكليفي واما ما ذكر من تحقق عصيا أنه في المقام لاستلزام
عصيان السيد له فهو وإن كان صحيحا إلا أن المنفى في الرواية ليس مطلق عصيا أنه تعالى
بل خصوص عصيا أنه المتحقق بمخالفة نهيه الراجع إلى حقه تعالى على عبيده مع قطع
النظر عن حقوق الناس بعضهم على بعض فيكون المتحصل من الرواية ان عصيان العبد
لسيده بنكاحه من دون اذنه لو كان ناشئا من مخالفة نهى متعلق بذلك النكاح من حيث هو
في نفسه لما فيه من المفسدة المقتضية لذلك لا وجب ذلك فساده كما في النهى عن
النكاح في العدة لان متعلق هذا النهى مبغوض للشارع حدوثا وبقاء لاستمرار مفسدته
المقتضية للنهي عنه واما إذا كان عصيان العبد ناشئا من مخالفة النهى عن التمرد على
سيده فهو يدور مدار تمرده عليه حدوثا وبقاء فإذا رضى سيده بما عصاه فيه ارتفع عنه
النهى بقاء فلا يكون حينئذ موجب لفساده ولا مانع من صحته فالمستفاد من الروايات هو
ان الفساد يدور مدار النهى حدوثا وبقاء فالنهي الإلهي الناشئ من تفويت حق الغير انما
يوجب فساد المعاملة فيما إذا كان النهى باقيا ببقاء موضوعه واما إذا ارتفع بإجازة من
له الحق تلك المعاملة ارتفع النهى أيضا فالقول الصحيح هو ان الروايات تدل على
دلالة النهى على الفساد وعلى ان صحة المعاملة لا تجتمع مع عصيانه تعالى نعم إذا كان العصيان
ناشئا من تفويت حق من له الحق توقفت صحة المعاملة على اجازته الموجبة لارتفاع
النهى ومن هذا البيان ظهر انه لا يختص الحكم بصحة المعاملة الفضولية الملحوقة بالإجازة
بالمعاملة الواقعة على ملك الغير بل يعم المعاملة الواقعة على متعلق حق الغير
أيضا ولو صدرت المعاملة من العاقد على ما يملكه خلافا للمحقق القمي (قده) حيث
خصه بما إذا وقعت المعاملة على ملك الغير (هذا كله) فيما إذا تعلق النهى بالسبب أو
بالمسبب واما إذا تعلق بالآثار كالنهي عن اكل الثمن ونحوه فاستكشاف الفساد عنه بنحو
الان في غاية الظهور
(تنبيه) لا يخفى ان جميع ما ذكرناه في دلا له النهى على الفساد وعدمها يختص
بالنهي الذاتي واما النهى التشريعي المتعلق بمعاملة أو عبادة فتوضيح الحال فيه بأن
يقال إن المعاملة التي لا يعلم كونها مشروعة وممضاة عند الشارع إذا اتى بها بقصد ترتب
الأثر عليها تشريعا فهي ان بقيت على ما هي عليه من الجهل بكونها مشروعة فلا اشكال
408

في فسادها إلا أنه ليس من جهة دلالة النهى على الفساد بل من جهة أصالة عدم ترتب الأثر
عليها عند الشك فيه واما إذا انكشف بعد ذلك كونها مشروعة وممضاة عند الشارع وإن كان
المكلف من جهة عدم علمه بالحال قد أوقعها على وجه التشريع والمبغوضية فلا
وجه للقول بفسادها وذلك لان المنهى عنه حينئذ انما هو عنوان التشريع وايقاع
المكلف المعاملة بهذا العنوان المنتفى بالعلم بكونها مشروعة واما نفس المعاملة بذاتها
فليس فيها جهة مبغوضية أصلا فلا يكون مثل هذا النهى موجبا للفساد كما عرفت واما العبادات
فالحق ان النهى التشريعي فيها يدل على فسادها مطلقا (وبيان ذلك) يحتاج إلى مقدمة وهى
ان الأحكام العقلية تفارق الأحكام الشرعية في أن متعلقات الأحكام الشرعية هي ذوات الافعال
مع قطع النظر عن علم المكلف وجهله بها وانما يكون علم المكلف طريقا محضا إلى الحكم
الثابت لمتعلقاتها وهذا بخلاف الأحكام العقلية فإنها لا تثبت الا للعناوين المعلومة بما هي كذلك
فالعلم مأخوذ فيها على نحو الموضوعية (والسر) في ذلك هو ان الأحكام الشرعية انما
تكون تابعة لما في متعلقاتها من المصالح والمفاسد من دون دخل في ذلك لعلم المكلف
بها واما حكم العقل بالحسن أو القبح فليس هو الا بمعنى ادراكه استحقاق الفاعل
للمدح والثواب أو الذم والعقاب ومن الواضح أنه لا بد في استحقاقهما من
صدور الفعل عن قصد والتفات فلا يكون الفعل من دون ذلك مورد الحكم
العقل قطعا (ثم إنه) قد يكون حكم العقل في موارد العلم والجهل بالحكم
الشرعي ناشئا من ملاك واحد تشترك فيه جميع تلك الموارد وقد يكون حكمه في موارد
العلم بالحكم الشرعي ناشئا من ملاك واقعي وفي موارد الجهل به ناشئا من ملاك
اخر طريقي (اما الأول) فهو كحكم العقل بقبح التشريع فان حكمه به انما هو من جهة
كون التشريع تصرفا في سلطان المولى بغير اذنه فما لم يحرز كون الحكم مشروعا يكون
اسناده إلى المولى تصرفا في سلطانه وافتراء عليه وهو قبيح ولا فرق في ذلك بين
ما إذا علم المكلف بعدم كون ذلك الحكم مشروعا وما إذا شك في ذلك لان ملاك القبح
في الصورتين أمر واحد أعني به التصرف في سلطان المولى بغير اذنه ولا يبعد أن يكون
حكم العقل بقبح الكذب من هذا القسم وعليه يكون الاخبار بشئ عند عدم احراز
مطابقته الواقع كاسناد شيئي إلى المولى مع عدم احراز كونه مشروعا محكوما بالقبح
409

عقلا سواء كان المخبر عالما بعدم المطابقة كان شاكا فيها (واما الثاني) فهو كحكم
العقل بقبح فعل ما يترتب عليه هلاك النفس قطعا أو احتمالا فان حكمه بقبح ذلك الفعل
في موارد احراز تحقق الهلكة حكم واقعي ناشئ من ملاك واقعي أعني به حفظ النفس
وفي موارد الشك فيها حكم طريقي ناشئ من الاهتمام بمراعاة الواقع وكحكمه
بقبح الاقدام على معصية المولى فان حكمه بذلك في موارد القطع بالمعصية حكم ناشئ
من ملاك واقعي أعني به التعدي على المولى وفي موارد الشك فيها كموارد الاقتحام
في الشبهة قبل الفحص أو المقرونة بالعلم الاجمالي حكم طريقي ناشئ من ملاك التحفظ
عن الوقوع في المعصية الواقعية (وتظهر الثمرة) بين القسمين في جريان الأصول العملية
وعدمه فالقسم الأول لا يجرى فيه الأصل (1) فإنه إذا شك في كون عمل مشروعا
كان حكم العقل بقبحه حكما واقعيا محرزا بالوجدان لفرض ان موضوعه أعم من العلم
بعدم كونه مشروعا ومن الجهل به فلا مجال حينئذ لجريان أصالة عدم كونه مشروعا
إذ لا يترتب على جريان الأصل العملي الا كون الحكم المترتب على مجرى الأصل محرزا
تعبدا ومع احرازه وجدانا كما هو المفروض في المقام لا يبقى مجال لجريانه إذ لا معنى
للتعبد بما هو محرز وجداني فإنه تحصيل للحاصل بل هو من أردى انحائه كما هو
واضح وعلى ذلك يتفرع عدم جريان أصالة عدم الحجية عند الشك فيها على ما سيجئ

(1) التحقيق انه لا مانع من جريان الأصل في كل مورد كان مجرى الأصل فيه قابلا للوضع
والرفع فيحرز بجريانه وجود ذلك الامر القابل للوضع والرفع أو عدمه فإذا جرت أصالة عدم
مشروعية شئ أحرز بها عدم مشروعيته شرعا فيكون حرمة التشريع حينئذ لأجل احراز عدم
المشروعية لا لأجل الشك في المشروعية ليكون ذلك من تحصيل الحاصل بل من أردء انحائه
واما دعوى لزوم اللغوية من التعبد المزبور بتوهم ان الأثر المرغوب المترتب على جريان
الأصل حاصل في الخارج ولو لم يكن هناك تعبد شرعي فيكون التعبد بعدم المشروعية
لأجل ترتب ذلك الأثر عليه لغوا فهي مدفوعة بان حصول الأثر في الخارج بسبب آخر غير
التعبد الشرعي على تقدير عدمه لا يوجب كون التعبد الموجب لارتفاع ذلك السبب في الخارج
لغوا والا كان التعبد الشرعي بالإباحة الظاهرية لغوا لان العقل يحكم في فرض عد مه بالترخيص
لقبح العقاب بلا بيان وسيجيئ لذلك مزيد توضيح عند التكلم في جريان أصالة عدم الحجية
عند الشك فيها في محله انشاء الله تعالى
410

بيا أنه في محله واما القسم الثاني فلا مانع فيه من جريان الأصل واحراز المكلف
بسببه موضوع الحكم الواقعي أو عد مه تعبدا كما في موارد استصحاب الضرر أو استصحاب
عد مه فيكون استصحاب العدم حينئذ موجبا لا من المكلف من العقاب من مخالفة الواقع
فلا يبقى معه موضوع للحكم العقلي الطريقي (إذا عرفت ذلك) فنقول ان العبادة المأتى
بها تشريعا بما انها محكومة بالقبح بحكم العقل تكون محرمة بحكم الشرع أيضا لقاعدة
الملازمة فتكون مبغوضة واقعا حين وقوعها فلا محالة تقع فاسدة وان انكشف بعد
ذلك كونها مشروعة في نفسها (فان قلت) إذا استقل العقل بقبح شئ امتنع ان
يتعلق به حكم شرعي مولوي فإذا حكم الشارع في مورده بحكم لزم حمله على الارشاد
كما هو الحال في موارد حكم العقل بوجوب الطاعة وحرمة المعصية وعليه يكون نهى
الشارع عن التشريع ارشاديا لا مولويا ليقع محرما ومبغوضا ومن الواضح انه إذا لم
تقع العبادة محرمة شرعا فلا موجب لبطلانها بعد انكشاف كونها مشروعة (قلت)
ليس الميزان في عدم كون فعل قابلا لان يتعلق به الحكم الشرعي المولوي هو استقلال
العقل بحكم ذلك الفعل حسنا أو قبحا لان موارد الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع
كموارد حكم العقل بقبح الظلم وحسن العدل من هذا القبيل بل الميزان في
ذلك هو كون حكم ذلك المورد منجعلا تكوينا وثابتا له بالذات إذ كل ما كان كذلك
لا يكون قابلا للجعل التشريعي قطعا وهذا كقبح المعصية وحسن الطاعة وحجية القطع
فانا قد بينا سابقا ان وجوب امتثال كل تكليف وحرمة عصيا أنه ينتهيان بالآخرة إلى أمر ذاتي
أعني به الحسن الثابت لنفس الإطاعة والقبح الثابت لنفس المعصية فإنهما ثابتان لهما بالذات
ضرورة انهما لو كانا منتهيين إلى وجوب اخر لدار أو تسلسل ولأجل ذلك لا تكون الطاعة
والمعصية قابليتين لتعلق الحكم المولوي الشرعي بهما وكذلك حجية كل حجة مجعولة
تنتهى بالآخرة إلى حجية العلم في ذاته ضرورة انه لولا العلم باعتبار الشارع أصلا أو
امارة حجة وكون العلم حجة في ذاته لما كان ذلك الأصل أو تلك الامارة حجة فما هو
حجة تكوينية بالذات انما هو العلم واما غيره فهو ينتهى إليه في سبيل حجته لا محالة
ولو انتهى العلم إلى غيره في حجيته لدار أو تسلسل ومما ذكرناه يظهر ان قبح التشريع
ليس على حد قبح المعصية ليكون ذاتيا له ومنجعلا تكوينا فهو حينئذ قابل لتعليق الحكم
411

المولوي الشرعي به وإذا كان كذلك فبالملازمة العقلية بين حكم العقل وحكم الشرع
تستكشف من قبحه عقلا حرمته شرعا (فان قلت) سلمنا ان التشريع محكوم بالحرمة الشرعية
الا ان ما هو قبيح بحكم العقل انما هو نفس التشريع الذي هو من سنخ الأعمال القلبية فالمحرم
حينئذ هو البناء القلبي على ثبوت حكم في الشريعة في ظرف عدم العلم به ومن الواضح
ان حرمة فعل قلبي لا تستلزم حرمة الفعل الخارجي ليترتب عليها بطلا أنه إذا كان عبادة
(قلت) ليس الامر كذلك إذ التشريع ليس عبارة عن العمل القلبي المحض لأنه بنفسه لا يكون
تصرفا في سلطان المولى وافتراء عليه بل هو داخل في باب العزم على المعصية الذي ورد
في اخبار كثيرة العفو عنه كما أنه ليس عبارة عن نفس الفعل الخارجي بما هو بالضرورة بل
هو عبارة عن الفعل الصادر عن هذا البناء القلبي بالجري على طبقه في الخارج ولو كان
ذلك بالافتاء على طبقه فحقيقة التشريع وإن كانت متقومة بالبناء القلبي إلا أنه جهة تعليلية
لصدق عنوان التشريع على ما يصدر من المكلف في الخارج من عمل أو افتاء فمصداق التشريع
انما هو الفعل الصادر من المكلف وإن كان قوام كونه تشريعا هو البناء القلبي وعليه فما هو
قبيح عقلا وحرام شرعا انما هو نفس الفعل الخارجي الصادر عن البناء القلبي (فان قلت)
سلمنا صدق التشريع على الفعل الخارجي وكون ذلك الفعل محكوما بالحرمة شرعا
ولكن مثل هذه الحرمة لا تكون مقيدة لاطلاق المأمور به بغير هذا الفعل لتكون مستلزمة
لفساد، كما كان الامر كذلك في الحرمة الذاتية والسر فيه ان حرمة الفعل في موارد التشريع
انما تثبت له في مرتبة عدم احراز حكم الفعل في نفسه فتكون هي في مرتبة متأخرة عن مرتبة
حكم الفعل في نفسه فلا تنافي الحرمة التشريعية رجحان الفعل في نفسه ليترتب على ثبوت
الحرمة تقييد متعلق الرجحان بغير متعلقها (قلت) نعم ان حرمة التشريع وان لم تكن
في مرتبة رجحان الفعل الا انك قد عرفت فيما تقدم انه لا يكفي في صحة العبادة وحصول
التقرب بها رجحانها في نفسها بل لا بد مع ذلك من كونه غير مزاحم بالقبح الفاعلي (1)

(1) قد عرفت ما في دعوى اعتبار عدم القبح الفاعلي في صحة العبادة وحصول التقرب بها و
التحقيق في الجواب ان يقال إن رجحان الفعل في نفسه ومع قطع النظر عن قبح التشريع وإن كان
ثابتا حال التشريع أيضا في مفروض الكلام إلا أنه لا يكفي في صحة العبادة وحصول التقرب بها بل
لا بد في ذلك من كون العبادة متصفة بالرجحان الفعلي حال صدوره فلو كان الفعل حال صدوره
مبغوضا للمولى ولو لأجل العوارض الخارجية لما أمكن التقرب به من المولى كما هو ظاهر
فلا فرق في استلزام حرمة عبادة لفسادها بين كون حرمتها ذاتية وكونها تشريعية ومن
ذلك يظهر ما في كلام شيخنا الأستاذ قدس سره في المقام
412

وعليه فبما ان الفعل الصادر تشريعا يصدر من المكلف قبيحا ومبغوضا لا يكون قابلا لان
يتقرب فاعله به وإن كان الفعل راجحا في حد نفسه فاتضح من جميع ما ذكرناه ان الحرمة
التشريعية كالحرمة الذاتية في دلالتها على الفساد في خصوص العبادات الا أن جهة الدلالة
فيها مختلفة.
(المقصد الثالث في المفاهيم)
وقبل الخوض في المقصود ينبغي تقديم مقدمه وهي انا قد ذكرنا في بحث المعاني
الحرفية ان لفظ المفهوم انما يطلق على شئ باعتبار كو أنه مدركا بسيطا عقلانيا سواء وضع
بازائه لفظ أم لم يوضع وسواء استعمل فيه لفظ أم لم يستعمل والمفهوم بهذا المعنى يختص
بالمفاهيم الافرادية المدلول عليها بمواد الألفاظ أو بهيئاتها واما المفهوم المقابل للمنطوق
الذي هو محل الكلام في المقام فهو يختص بالجمل التركيبية فلفظ المفهوم حينئذ يكون
مشتركا لفظيا بين المعنيين بخلاف لفظ المدلول فإنه مشترك معنوي بينهما فيطلق على
ما يستفاد من الألفاظ المفردة وعلى ما يستفاد من الجمل التركيبية بمعنى واحد ثم إن انفهام
معنى خاص من لفظ مخصوص ان استند إلى وضع ذلك اللفظ بإزاء ذلك المعنى فالدلالة
مطابقيه وان استند إلى وضعه بإزاء معنى اخر يستلزم انفهامه من اللفظ انفها مه فالدلالة
التزامية وبهذا البيان قد خل الدلالة التضمنية في الدلالة الالتزامية ولا تكون قسما آخر
في قبالها إذ اللازم في ألد لالة الالتزامية كون انفهام شئ لازما لانفهام الموضوع له كما في
مثال العمى والبصر لا كون نفس ما يفهم من اللفظ لازما لنفس الموضوع له لتخرج بذلك
ألد لالة التضمنية عن تعرف الدلالة الالتزامية (ثم إن) الدلالة الالتزامية تنقسم إلى قسمين
لفظية وعقلية لان لزوم انفهام شئ لانفهام الموضوع له إن كان بنحو اللزوم البين بالمعنى
الأخص كما في مثال الضوء والشمس أو العمى والبصر فالدلالة لفظية لعدم احتياج دلالة
اللفظ حينئذ إلى مقدمة أخرى عقلية وإن كان بنحو اللزوم البين بالمعنى الأعم بأن يكون (1)

(1) لا يذهب عليك ما في الكلام شيخنا الأستاذ قدس سره في المقام من خلط اللزوم البين بالمعنى
الأعم باللزوم غير البين فان اللزوم البين بالمعنى الأعم انما يمتاز عن اللزوم البين بالمعنى
الأخص بأنه يكفي في اللزوم البين بالمعنى الأخص تعقل نفس الملزوم في الانتقال إلى لازمه
بخلاف اللزوم البين بالمعنى الأعم فإنه لا يكفي فيه ذلك بل لابد فيه من تصور اللازم والملزوم
والنسبة بينهما واما إذا كان لزوم انفهام شئ لانفهام شئ آخر محتاجا إلى ضم مقدمة
عقلية خارجية فاللزوم لا يكون بينا أصلا وعليه فانفهام وجوب المقدمة من وجوب ذي المقدمة
بما انه يحتاج إلى حكم العقل بثبوت الملازمة يكون من قبيل اللزوم غير البين
413

الانفهام اللازم لانفهام الموضوع له محتاجا إلى مقدمة خارجية كانفهام وجوب مقدمة
من وجوب ما يتوقف عليها كانت الدلالة عقلية (ثم إن) انفهام مفهوم تركيبي من جملة
تركيبية ان استند إلى دلالة نفس الجملة في حد ذاتها على ذلك المعنى كانت ألد لالة منطوقية
وان استند إلى لزومه لانفهام منطوق الجملة بنحو اللزوم البين بالمعنى الأخص لتكون
الدلالة لفظية كانت الدلالة مفهومية وبنحو اللزوم البين بالمعنى الأعم لتكون الدلالة
عقلية كانت الدلالة سياقية كما في دلالة الاقتضاء والتنبيه والإشارة وغيرها من دون فرق
في ذلك بين دلالة جملة واحدة على المعنى التركيبي ودلا له جملتين عليه والأول كما في
قوله صلى الله عليه وآله كفر في جواب من قال هلكت وأهلكت واقعت أهلي في نهار شهر
رمضان فإنه يدل على كون الوقاع المذكور سببا لوجوب الكفارة والثاني كدلالة الآيتين
المباركتين على كون أقل الحمل ستة أشهر ومن ذلك يظهران تعريف المنطوق بأنه ما
دل عليه اللفظ في محل النطق انما هو باعتبار كون المدلول معنى مطابقيا للجملة كما أن
تعريف المفهوم بأنه ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق انما هو باعتبار كونه مدلولا التزاميا
في ما إذا كان اللزوم بينا بالمعنى الأخص لتكون الدلالة على المفهوم من أقسام الدلالة
اللفظية (ثم إنه) قد ظهر مما ذكرناه ان النزاع في حجية المفهوم وعدمها انما هو نزاع
في وجود المفهوم وعد مه لان النزاع في الحقيقة انما هو في دلالة اللفظ عليه بنحو
الالتزام وعد مها لا في حجيتها بعد تسليم تحققها (ثم إن) النزاع في كون المفهوم والمنطوق
من صفات اللفظ أو المعنى أو الدلالة لا يترتب عليه ثمرة مهمة في المقام أصلا فالمهم صرف
الكلام إلى بيان دلالة اللفظ على المفهوم وعدمها فنقول انه قد وقع النزاع في دلالة اللفظ
على المفهوم في موارد فلا بد من التعرض لكل واحد منها في فصل مستقل والتكلم في
ما يخصه نفيا واثباتا.
414

(فصل في مفهوم الشرط)
اختلفوا في دلالة الجملة الشرطية على المفهوم وعد مها ولتحقيق الحال في المقام
لابد من تقديم أمرين (الأول) قد ذكرنا في بحث الواجب المشروط ان أدوات الشرط
انما وضعت لتعليق مفاد جملة على مفاد جملة أخرى من دون فرق بين أن تكون الجملة المعلقة
انشائية وأن تكون خبرية فالمعلق على دخول الوقت في قولنا إذا دخل الوقت فصل انما
هو وجوب الصلاة المستفاد من الجملة الانشائية كما أن المعلق على طلوع الشمس في قولنا
إذا كانت الشمس طالعة فالنهار موجود انما هو وجود النهار المستفاد من الجملة الخبرية وعلى
كلا التقديرين لابد في القضية الشرطية من أخذ المقدم مفروض الوجود ليحكم بالتالي
وعليه يكون المقدم مقيدا للحكم الثابت في التالي ورافعا لاطلاقه وبالجملة
يكون المقدم في القضية الشرطية قيد النفس الحكم المذكور في التالي وبذلك يفترق هذا
القيد عن قيود الواجب فان قيد الواجب انما يكون قيدا للمادة في نفسها وقبل عروض الوجوب
عليه فيكون التقييد في مرتبة سابقة على عروض الوجوب عليها واما قيد الوجوب فهو وإن كان
قيدا للمادة أيضا (1) على ما بيناه سابقا لاستحالة تقييد مفاد الهيئة لأنه معنى حرفي
وملحوظ آلى الا ان كونه قيدا للمادة انما هو باعتبار عروض الوجوب عليها فيكون تقييدها و
عروض الحكم عليها في مرتبة واحدة وفي عرض واحد وقد ذكرنا هناك ان ما ذكره المحقق
التفتازاني من أن القضية الشرطية هي ما حكم فيها بثبوت نسبة على تقدير ثبوت نسبة
أخرى ان أراد منه ان مفاد القضية الشرطية بالآخرة يرجع إلى ذلك فلا كلام لنا فيه وان
أراد ان مفادها هو ذلك ابتداء فهو غير صحيح لان النسبة من المعاني الحرفية والمعنى الحرفي
يستحيل أن يكون أحد طرفي التعليق والا لانقلب المعنى الحرفي معنى اسميا وهو خلف
(الثاني) ان دلالة القضية الشرطية على المفهوم أعني به انتفاء التالي عند انتفاء المقدم
تتوقف على أمور (منها) كون ترتب التالي على المقدم بنحو اللزوم لا بنحو الاتفاق
(ومنها) أن يكون الترتب من باب ترتب المعلول على علته لا من باب ترتب العلة
على معلولها أو ترتب أحد المعلولين لعلة ثالثة على المعلول الاخر كما هو الحال في البرهان

(1) قد عرفت فيما تقدم ان القيد في القضية الشرطية انما يكون قيد النفس الحكم المذكور
في القضية وان الالتزام برجوع القيد إلى المادة المنتسبة لا موجب له أصلا فراجع
415

الإني لان غاية ما يقتضيه البرهان الإني هو ان يستلزم تحقق المقدم تحقق التالي ليترتب
عليه انكشاف التالي من انكشاف المقدم واما امتناع وجود التالي من دون وجود المقدم
فلا يكون في البرهان الإني دلالة على ذلك أصلا ضرورة ان وجود المعلول وإن كان
يكشف عن وجود علته التامة بجميع اجزائها وعن جميع ما يترتب عليه الا ان عدم
المعلول لا يكشف عن عدم ذات العلة لجواز استناده إلى وجود المانع مثلا وجود ممكن ما
يكشف عن وجود الواجب بالذات لاستحالة وجود الممكن بنفسه واما عدمه فلا يكشف
عن عدم الواجب ولا عن عدم ممكن اخر لجواز استناده إلى أمر يخصه ولا يعم
غيره وعلى ذلك فالقضية الشرطية التي لا يكون ترتب التالي على المقدم فيها من قبيل ترتب
المعلول على علته لا يكون فيها دلالة على المفهوم قطعا (ومنها) أن تكون العلة علة منحصرة
ضرورة انه مع عدم انحصارها يمكن وجود الحكم المذكور في التالي في القضية الشرطية
بسبب علة أخرى اما دلالة القضية الشرطية على كون العلاقة لزومية فهي ظاهرة لندرة
استعمالها في موارد الاتفاق جدا بل إن ذلك غير صحيح في نفسه ولا بد في صحة الاستعمال
في تلك الموارد من رعاية علاقة واعمال عناية ضرورة انه لا يصح تعليق كل شئ على
كل شئ واما كون اللزوم في القضية الشرطية من باب ترتب المعلول على علته فربما يدعى
انه مأخوذ في وضع أدوات الشرط ولكنه غير صحيح قطعا والالزم أن يكون الاستعمال
في غير موارد ترتب المعلول على علته من بقية موارد اللزوم مجازا ومحتاجا إلى اعمال
عناية مع أنه باطل بالضرورة نعم ظاهر القضية الشرطية هو ذلك لان ظاهر جعل شئ
مقدما وجعل شئ آخر تاليا هو ترتب التالي على المقدم فإن كان هذا الترتب موافقا
للواقع ونفس الامر بأن يكون المقدم علة للتالي هو الا لزم عدم مطابقة ظاهر الكلام
للواقع مع كون المتكلم في مقام البيان على ما هو الأصل في المخاطبات العرفية وعليه
فبظهور الجملة الشرطية في ترتب التالي على المقدم يستكشف كون المقدم علة للتالي
وان لم يكن ذلك مأخوذا في نفس الموضوع له واما كون العلية بنحو الانحصار
فربما يدعى أيضا اخذه في الموضوع له وقد ظهر بطلان هذه الدعوى من
بطلان سابقتها وعليه فلابد في اثبات ألد لالة على الانحصار من إقامة دليل
آخر (وربما يستدل) على ذلك بالتمسك بمقدمات الحكمة بتقريب ان
416

القضية الشرطية ظاهرة في استناد التالي إلى المقدم مطلقا فلو كانت هناك علة أخرى
سابقة زمانا على العلة المذكورة في القضية لاستند المعلول في وجوده إلى العلة السابقة
كما انها لو كانت في عرضها لاستند المعلول إلى كلتيهما معا فمن اطلاق استناد التالي إلى
المقدم في القضية الشرطية يستكشف انحصار العلة بالمقدم المذكور فيها (ولكن يرد)
على هذا التقريب ان غاية ما تدل عليه القضية الشرطية بألد لالة الوضعية انما هو لزوم
التالي للمقدم وانما استفيد ترتب التالي على المقدم وتفرعه عليه من ظاهر تقديم المتكلم المقدم
وتأخيره التالي في كلامه واما استناد التالي في وجوده إلى المقدم بالفعل فليس المتكلم
في مقام بيانه قطعا ليتمسك باطلاق كلامه لاثبات انحصار العلة بالمقدم (واما ما ربما
يتوهم) في هذا المقام من أن مقدمات الحكمة وان أفادت انحصار العلة بالمقدم الا أنها
انما تجرى في خصوص ما إذا كان المقدم علة للتالي دون غيره من الموارد والقضايا
الشرطية المتكفلة لبيان الأحكام الشرعية كلها من قبيل الثاني أعني به ما لا يكون
المقدم فيه علة لوجود التالي والوجه فيه هو ما ذكرناه سابقا من أن الشرط في تلك
القضايا لا يكون الا موضوعا للحكم المعلق عليه فيها ويستحيل أن يكون الحكم
المجعول لجاعله معلولا لوجود موضوعه في الخارج وعلى ذلك بنينا امتناع تعلق الجعل
التشريعي بالسببية ولزوم كون المجعول التشريعي هو نفس المسبب عند وجود سببه
فإذا لم يكن المقدم علة لوجود التالي لم يبق موضوع لاجراء مقدمات الحكمة لإفادة
انحصارها (فمدفوع) بان الحكم المجعول وان لم يكن معلولا لوجود موضوعه الا انه
مترتب عليه نحو ترتب المعلول على علته والقضية الشرطية لا تدل بالدلالة الوضعية الا على
ترتب التالي على المقدم واما كون الترتب بنحو العلية فهو لا يستفاد من القضية الشرطية
أصلا بل هو يستفاد من خصوصية بعض الموارد كموارد إفادة ترتب بعض الأمور التكوينية
على بعضها الاخر في القضايا الشرطية لان الترتب في تلك الموارد منحصر بترتب المعلول
على علته وعليه فإذا كان اطلاق ترتب التالي على المقدم واستناد وجوده إلى وجوده
كاشفا عن انحصار المرتب عليه دلت القضية الشرطية على المفهوم سواء في ذلك القضايا
الشرطية المتكفلة لبيان الأحكام الشرعية وغيرها من القضايا الا ان الشأن انما هو في
اثبات مثل هذا الاطلاق في القضية الشرطية وقد عرفت آنفا انه غير ثابت
417

(والتحقيق) في اثبات دلالة القضية الشرطية على المفهوم ان يقال إن الشرط المذكور في
القضية الشرطية اما أن يكون في حد ذاته مما يتوقف عليه عقلا وجود ما هو متعلق
الحكم في الجزاء واما ان لا يكون كذلك (وعلى الأول) فبما ان ترتب الجزاء على الشرط
وتقيده به قهري ومما لابد منه لا يكون للقضية مفهوم لا محالة وهذا كما في قولنا ان
رزقت ولدا فاختنه أو فتصدق عنه فان القضية الشرطية حينئذ تكون مسوقة لبيان تحقق
الحكم عند تحقق موضوعه فيكون حال الشرط المذكور فيه حال اللقب فلا تدل على
المفهوم ضرورة ان التعليق في مثل هذه القضايا لو دل على المفهوم لدل كل قضية ولو كانت
حملية عليه وذلك لما ذكرناه في بحث الواجب المشروط من أن كل قضية حملية
تنحل إلى قضية شرطية يكون مقدمها وجود الموضوع وتاليها ثبوت المحمول له (واما
على الثاني) فبما ان الحكم الثابت في الجزاء ليس بمتوقف على وجود الشرط في هذا
القسم عقلا فهو لا يخلو من أن يكون مطلقا بالإضافة إلى وجود الشرط المذكور في القضية
الشرطية أو من أن يكون مقيدا به وبما انه رتب في ظاهر القضية الشرطية على وجود
الشرط يمتنع الاطلاق فيكون مقيدا بوجود الشرط لا محالة ربما أن المتكلم في مقام البيان
قد اتى بقيد واحد ولم يقيده بشئ آخر سواء كان التقييد بذكر عدل له في الكلام
أم كان التقييد بمثل العطف بالواو ليكون قيد الحكم في الحقيقة مركبا من أمرين كما
في قولنا إذا جائك زيد وأكرمك فأكرمه يستكشف من ذلك انحصار القيد بخصوص ما
ذكر في القضية الشرطية وبالجملة القضية الشرطية وإن كانت بحسب الوضع لا تدل على
تقييد الجزاء بوجود الشرط لصحة استعمالها بلا عناية في موارد القضية المسوقة لبيان
الحكم عند تحقق موضوعه الا ان ظاهرها في ما إذا كان التعليق على ما لا يتوقف عليه
متعلق الحكم في الجزاء عقلا هو ذلك فإذا كان المتكلم في مقام البيان فكما ان اطلاقه
الشرط وعدم تقييده بشئ بمثل العطف بالواو مثلا يدل على عدم كون الشرط مركبا
من المذكور في القضية وغيره كذلك اطلاقه وعدم تقييده بشئ بمثل العطف بأو يدل
على انحصار الشرط بما هو مذكور في القضية وهذا نظير استفادة الوجوب التعييني من
اطلاق الصيغة فكما ان اطلاقها يقتضى عدم سقوط الواجب باتيان ما يحتمل كو أنه عدلا
له فيثبت به كون الوجوب تعيينيا كذلك مقتضى الاطلاق في المقام هو انحصار قيد الحكم
418

بما هو مذكور في القضية فيثبت به انه لا بدل له في ترتب الحكم عليه ومما ذكرناه يظهر
فساد ما اورده المحقق صاحب الكفاية (قده) على هذا التقريب بما حاصله ان الوجوب
التعييني والتخييري بما انهما متباينان سنخا كان على المولى الحكيم التنبيه على أحدهما
بخصوصه إذا لم يكن في مقام الاهمال أو الاجمال وبما ان بيان الوجوب التخييري
يحتاج إلى ذكر خصوصية في الكلام أعني بها العدل المحتمل تعلق الوجوب به تخييرا
والمفروض عدم التنبيه عليه كان مقتضى الاطلاق كون الوجوب تعيينيا وغير متعلق الا
بخصوص ما هو مذكور في الكلام وهذا بخلاف المقام فان ترتب المعلول على علته المنحصرة
ليس مغايرا في السنخ لترتبه على غير المنحصرة بل هو في كليهما على نحو واحد فلا يمكن
اثبات انحصار العلة بما هو مذكور في القضية بالاطلاق (وجه الظهور) هو ان الاطلاق
المتمسك به في المقام ليس هو اطلاق الجزاء واثبات ان ترتبه على الشرط انما
هو بنحو ترتب المعلول على علته المنحصرة ليرد عليه ما ذكر بل هو اطلاق الشرط بعدم
ذكر عدل له في القضية وذلك لما عرفت من أن ترتب الجزاء على الشرط وان لم يكن
مدلولا للقضية الشرطية وضعا الا أنه يستفاد منها في متفاهم العرف سياقا وذلك يستلزم
تقييد الجزاء بوجود الشرط في غير القضايا المسوقة لبيان تحقق الحكم بتحقق موضوعه
كما تقدم وبما ان التقييد بشئ واحد يغاير التقييد بأحد الشيئين على البدل سنخا يلزم
على المولى بيان الخصوصية إذا كان في مقام البيان وبما انه لم يبين العدل مع أنه
هو المحتاج إلى البيان تعين كون الشرط واحدا وكون القيد منحصرا به
بقى هناك أمور (الأول) ان الحكم المستفاد من التالي المعلق على وجود الشرط
إذا كان مفهوما اسميا كالوجوب المدلول عليه بكلمة يجب وأمثالها فلا اشكال واما إذا كان
مفهوما حرفيا ومستفادا من الهيئة فربما يشكل في دلا له القضية الشرطية حينئذ على المفهوم
بان مفاد الهيئة معنى جزئي وانتفائه بانتفاء شرطه عقلي فلا ربط له بالمفهوم لان المفهوم
عبارة عن ارتفاع سنخ الحكم بانتفاء الشرط المذكور في القضية واما انتفاء شخص الحكم
المذكور فيها فهو عقلي واجنبي عن باب المفهوم وعليه فبما ان المعلق في القضية الشرطية
إذا كان الحكم مستفادا من الهيئة ليس الا شخصا واحدا من الحكم قد أنشأ في الكلام
لا كليا قابلا للصدق على كثيرين لا تكون في القضية دلالة على المفهوم وعلى ارتفاع سنخ
419

الحكم بانتفاء الشرط المذكور فيها إذ المفروض ان سنخ الحكم غير معلق في الكلام
على شئ وانما المعلق على الشرط هو شخص الحكم وقد عرفت ان انتفائه بانتفاء شرطه
أجنبي عن باب المفهوم رأسا (وجوابه) (1) ان المعلق في القضية الشرطية ليس هو مفاد
الهيئة لأنه معنى حرفي وملحوظ آلى بل المعلق فيها هي نتيجة القضية المذكورة في الجزاء
وان شئت عبرت عنها بالمادة المنتسبة كما ذكرنا تفصيل ذلك في بحث الواجب المشروط
وعليه يكون المعلق في الحقيقة على الشرط المذكور في القضية الشرطية هو الحكم
العارض للمادة كوجوب الصلاة في قولنا إذا دخل الوقت فصل فينتفى هو بانتفاء شرطه
غاية الأمران المعلق على الشرط حينئذ هو حقيقة الوجوب مثلا من دون توسط مفهوم
اسمى في البين واما في القسم الأول فالمعلق على الشرط هو مفهوم الوجوب باعتبار فنائه
في حقيقته فلا اشكال.
الأمر الثاني لا اشكال في أنه كلما زاد الشرط المذكور في القضية قيدا بان كان
مركبا من أمور أو مقيدا بقيود زاد المفهوم سعة إذ انتفاء الشرط حينئذ يكون بانتفاء أحد
اجزائه أو قيوده المأخوذة في المقدم فينتفى بانتفائه الحكم الثابت في التالي (انما
الاشكال) في ما إذا كان التالي مشتملا على حكم كلي ايجابي أو سلبي نظير قوله عليه
السلام إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شئ من جهة ان مفهوم القضية الشرطية حينئذ هل
هو موجبة جزئية لان ارتفاع السلب الكلى انما يكون بالايجاب الجزئي كما هو مقرر في
علم الميزان أو انه موجبة كلية فتدل الرواية على تنجس الماء القليل بملاقات كل نجس
(ربما يقال) (2) ان المفهوم انما هو رفع الحكم المذكور في التالي ربما ان نقيض
السالبة الكلية هي الموجبة الجزئية لا تدل الرواية الاعلى تنجس الماء القليل بشئ ما

(1) والتحقيق في الجواب هو ما عرفته سابقا من أن حقيقة انشاء الوجوب عبارة عن اظهار
اعتبار كون فعل ما على ذمة المكلف فإذا كان المعتبر بالاعتبار المزبور مطلقا على وجود شئ
مثلا استلزم ذلك انتفائه بانتفائه ولا يفرق في ذلك بين أن يكون الاعتبار مستفادا من الهيئة وأن يكون
مستفادا من المادة المستعملة في المفهوم الأسمى باعتبار فنائه في معنونه
(2) الظاهر أن هذا القول هو الصحيح لان المستفاد من القضية الشرطية انما هو تعليق مدلول
التالي بمد لول المقدم وبما ان مد لول التالي في محل البحث ليس الا أمرا واحدا أعني به
الحكم المجعول على الطبيعة السارية يكون المنتفى عند انتفاء الشرط المذكور هو ذلك
الحكم أيضا فالحكم المجعول في التالي وإن كان بحسب مقام اللب ونفس الامر ينحل إلى
احكام متعددة حسب تعدد افراد موضوعه الا انه بحسب مقام الجعل أمر واحد ومستفاد من
دليل واحد ومن الواضح ان تعدد الحكم في غير مقام الاثبات لا تأثير له في كيفية
استفادة المفهوم من الكلام في مقام الاثبات والدلالة وعليه فلا تدل القضية الشرطية
في مفروض الكلام الاعلى انتفاء الحكم عن الطبيعة السارية عند انتفاء شرطه و
من الضروري انه يتحقق بانتفائه عن بعض الافراد ولا يتوقف تحققه على انتفاء الحكم عن
جميع الافراد فمفهوم قولنا إذا ليس زيد لامة حربه لم يخف أحدا هو الحكم بتحقق الخوف
في الجملة وبالإضافة إلى بعض الاشخاص عند انتفاء الشرط المذكور في القضية لا الحكم
بتحقق الخوف له بالإضافة إلى كل شخص وكذلك الحال في قولنا إذا غضب الأمير لم يحترم
أحدا وغيره من موارد استعمال القضية الشرطية في تعليق حكم عام على شرط ما وعلى
ذلك فلا يكون مفهوم قولهم عليهم السلام إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شئ الا ثبوت
نجاسة الماء القليل بملاقات بعض النجاسات في الجملة لا ثبوت النجاسة له بملاقات
كل نجس نعم ان ما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره من عدم القول بالفصل بين أنواع
النجاسات متين جدا فلا يترتب على هذا النزاع بالإضافة إلى أنواع النجاسات لا اثر أصلا واما
بالإضافة إلى المتنجسات فترتب الأثر عليه ظاهر فإنه بعد ما ثبت تنجيس المتنجس في الجملة
يحكم بانفعال الماء القليل بملاقات المتنجس بناء على استفادة العموم في ناحية المفهوم
واما بناء على كون المفهوم موجبة جزئية فلا تدل الرواية على انفعاله بها وليس هناك قول
بعدم الفصل بين المتنجس والأعيان النجسة ليتمسك به ومن هذا البيان يظهر فساد ما افاده
شيخنا الأستاذ قدس سره في المقام من أنه إذا دل دليل خارجي على تنجيس المتنجس لما
لاقاه كفى ذلك في الحكم بانفعال الماء القليل بملاقات المتنجس فلا حاجة إلى التمسك
بالمفهوم والا كان المتنجس غير داخل في المنطوق فلا يترتب على القول بكون المفهوم
موجبة كلية الحكم بانفعال الماء القليل بملاقاته وجه الظهور انه إذا دل دليل على تنجيس
المتنجس لما لاقاه في الجملة من غير أن تكون له دلالة على انفعال خصوص الماء بملاقاته
فلا يكون المتنجس داخلا في موضوع ما يكون قابلا لتنجيس ملاقيه فتدل الرواية المزبورة
على عدم انفعال الكر بملاقاته لاعتصامه بنفسه فلو قلنا يكون مفهومها موجبة كلية لدلت
الرواية على انفعال الماء القليل بملاقاته كما تدل على انفعاله بملا قات الأعيان النجسة والا كانت
الرواية ساكتة عن حكم ملاقاته المتنجس فلا بد فيه من التماس دليل آخر وهذه ثمرة مهمة
تترتب على البحث عن كون مفهوم القضية الكلية قضية كلية أو جزئية.
420

لا بكل شئ (ولكن التحقيق) ان يقال إن النظر في علم الميزان بما انه مقصور على القواعد
الكلية لتأسيس البراهين العقلية لا ينظر فيه إلى الظواهر ومن ثم جعلت الموجبة الجزئية
نقيضا للسالبة الكلية وهذا بخلاف علم الأصول فان المهم فيه هو استنباط الحكم الشرعي
من دليله ويكفى في ذلك اثبات ظهور الكلام في شئ وان لم يساعده البرهان المنطقي
فلا منافاة بين كون نقيض السالبة الكلية موجبة جزئية وظهور القضية التي علق فيها السالبة
الكلية على شئ في ثبوت الموجبة الكلية بانتفاء ذلك الشيئ فبين النظرين عموم
وخصوص من وجه وعلى ذلك فإن كان المعلق على الشرط بحسب ظاهر القضية الشرطية
هو نفس عموم الحكم وشموله كما في العام المجموعي فلا محالة كان المنتفى بانتفاء الشرط
هو عموم الحكم أيضا فلا يكون المفهوم حينئذ الا موجبة جزئية واما إذا كان المعلق على
الشرط هو الحكم العام أعني به الحكم المنحل إلى احكام عديدة بانحلال موضوعه إلى
افراده ومصاديقه كان المعلق في الحقيقة على وجود الشرط حينئذ هو كل واحد واحد
من تلك الأحكام المتعددة فيكون المنتفى عند انتفاء الشرط هو كل واحد من تلك الأحكام
أيضا وبالجملة الحكم الثابت في الجزاء ولو فرض كونه استغراقيا ومنحلا إلى احكام
421

متعددة الا ان المعلق على الشرط في القضية الشرطية تارة يكون هو مجموع الاحكام
واخرى كل واحد منها وعلى الأول فالمفهوم يكون جزئيا لا محالة بخلاف الثاني
فإنه فيه كلي كالمنطوق هذا بحسب مقام الثبوت واما بحسب مقام الاثبات فإن كان العموم
المستفاد من التالي معنى اسميا مدلولا عليه بكلمة كل وأشباهها أمكن أن يكون المعلق
على الشرط هو نفس العموم أو الحكم العام فلا بد في تعيين أحدهما من إقامة قرينة
خارجية واما إذا كان معنى حرفيا مستفادا من مثل هيئة الجمع المعرف باللام ونحوها
وغير قابل لان يكون ملحوظا بنفسه ومعلقا على الشرط أو كان مستفادا من مثل وقوع
النكرة في سياق النهى ولم يكن هو بنفسه مدلولا عليه باللفظ فلا محالة يكون المعلق
في القضية الشرطية حينئذ هو الحكم العام كما في الرواية المزبورة إذ المعلق على الكرية
فيها انما هو عدم تنجس الماء بملاقات كل واحد واحد من النجاسات لأنه مقتضى وقوع
النكرة في سياق النفي فتدل الرواية على عدم تنجس الكر من الماء بملاقاة البول أو الدم
أو غيرهما فيثبت بانتفاء الشرط أعني به كرية الماء تنجسه بملاقات كل واحد منها فلا معنى
422

حينئذ للقول بان المفهوم موجبة جزئية وانه لا يثبت بالرواية الا تنجس الماء القليل
بملاقاة نجس ما دون جميع النجاسات (هذا) مع انا لو قلنا بان المفهوم فيما لو كان التالي
سالبة كلية لا يكون الا موجبة جزئية لما ترتب عليه اثر في خصوص المثال لأنه إذا ثبت
تنجس الماء القليل ينجس ما ثبت تنجسه بكل نجس من أنواع النجاسات إذ لا قائل
بالفصل بينها فلا تترتب ثمرة على البحث عن كون مفهوم الرواية موجبة كلية أو موجبة
جزئية (واما توهم) ان ما تدل عليه الرواية على القول بكون المفهوم موجبة جزئية
انما هو تنجسه بملاقاة نجس ما غاية الأمر انه يتعدى من ذلك إلى بقية النجاسات بعدم
القول بالفصل لكن عدم القول بالفصل مختص بالأعيان النجسة فلا يمكن اثبات تنجس
الماء القليل بملاقاته المتنجس الاعلى تقدير كون المفهوم موجبة كلية (فهو مدفوع)
بأنه ليس المراد من الشيئ المذكور في الرواية هو كل ما يصدق عليه انه شئ إذ لا معنى
لاشتراط عدم انفعال الماء عند ملاقاته الأجسام الطاهرة بكونه كرابل المراد به هو الشئ
الذي يكون في نفسه موجبا لتنجس ملاقيه وعليه فان ثبت من الخارج تنجيس المتنجس
فذلك يكفي في الحكم بانفعال الماء القليل بملاقاته من دون احتياج في ذلك إلى التمسك
بمفهوم الرواية وان لم يثبت ذلك فالمتنجس غير داخل في عموم المنطوق لتثبت بمفهومها
نجاسة الماء القليل بملاقاته على تقدير كون المفهوم موجبة كلية.
الأمر الثالث إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء كما في قضيتي إذا خفى الاذان فقصر
وإذا خفيت الجدران فقصر ففيه احتمالات (الأول) أن يكون الشرط في الحقيقة هو
الكلى الجامع بين الامرين فكل واحد من الشرطين المذكورين في القضتين محقق له
ومصداقه (الثاني) أن يكون الشرط في الحقيقة مركبا من الشرطين المذكورين في القضيتين
فكل واحد منهما جزء للشرط وعليه يترتب لزوم تقييد كل من الشرطين المذكورين
في القضيتين بانضمامه إلى الشرط الآخر فتكون القضيتان في حكم قضية شرطية واحدة
مقدمها مركب من الامرين فشرط وجوب القصر في المثال يكون مركبا في خفاء الاذان
وخفاء الجدران معا (الثالث) أن يكون كل منهما شرطا مستقلا وعليه يترتب لزوم تقييد اطلاق
كل من الشرطين المذكورين في القضيتين باثبات العدل له فيكون وجود أحدهما كافيا في ثبوت
الجزاء (الرابع) ان يرفع اليد عن ظهور كل من القضيتين في المفهوم ليرتفع التعارض بينهما
423

(الخامس) ان يقيد مفهوم كل منهما بمنطوق الاخر من دون ان يتصرف في شئ من المنطوقين
(ولا يخفى) انه في ما إذا لم يكن هناك جامع عرفي بين الشرطين المذكورين في القضيتين كما
هو الواقع في المثال المتقدم وما شاكله يرجع الوجه الأول إلى الوجه الثالث فيكون
الشرط في الحقيقة أحد الامرين المزبورين واما الوجه الرابع فهو أيضا يرجع إلى التصرف
في منطوق كل من القضيتين باثبات العدل له فيرجع إلى الوجه الثالث واما الوجه الخامس
فهو غير معقول إذ المفهوم ليس هو بنفسه مدلولا للكلام مستقلا ليتصرف فيه بتخصيص
أو تقييد بل هو تابع للمنطوق فإذا لم يتصرف فيه امتنع التصرف في المفهوم وعليه فالامر
يدور بين تقييد اطلاق الشرط المقابل للعطف بالواو لتكون النتيجة هو اشتراط الجزاء
بمجموع الشرطين المذكورين في القضيتين وتقييد اطلاقه المقابل للعطف بأو لتكون
النتيجة هو اشتراط الجزاء بأحدهما وحينئذ ربما يقال إن كلا من القضيتين بما انها
صريحة في ترتب التالي على المقدم المذكور فيها ولو في بعض الموارد لا يبقى مجال
لاحتمال كون كل من الشرطين جزء لما هو الشرط المعلق عليه الجزاء في الحقيقة فيتعين
وجه الجمع بينهما في تقييد اطلاق كل من الشرطين المقابل للعطف بأو باثبات العدل
له فيكون كل من الشرطين مستقلا في ترتب الجزاء عليه الا ان التحقيق ان دلالة كل
من الشرطيتين على ترتب الجزاء على الشرط المذكور فيها باستقلاله من غير انضمام
شئ آخر إليه انما هي بالاطلاق المقابل بالعطف بالواو كما أن انحصار الشرط بما هو
مذكور فيها مستفاد من الاطلاق المقابل للعطف بأو وبما انه لا بد من رفع اليد عن أحد
الاطلاقين ولا مرجح (1) لاحد هما على الاخر يسقط كلاهما عن الحجية لكن ثبوت الجزاء

(1) الظاهر أنه لابد في محل الكلام من رفع اليد عن خصوص الاطلاق المقابل للعطف بكلمة
أو وابقاء الاطلاق المقابل للعطف بالواو على حاله والسر في ذلك ان الموجب لوقوع المعارضة
بين الدليلين في المقام انما هو ظهور كل من القضيتين في المفهوم وظهور القضية الأخرى في
ثبوت الجزاء عند تحقق الشرط المذكور فيها مع قطع النظر عن دلالتها على المفهوم وعدم
دلالتها عليه فلو كان الوارد في الدليلين إذا خفى الاذان فقصر ويجب تقصير الصلاة عند
خفاء الجدران كان ظهور القضية الأولى في المفهوم وظهور القضية الثانية في ثبوت وجوب
التقصير عند خفاء الجدران متعارضين لا محالة وعليه فالمعارضة في محل الكلام انما هي بين
مفهوم كل من القضيتين ومنطوق الأخرى الدال على ثبوت الجزاء عند تحقق شرطه وبما ان
نسبة كل من المنطوقين بالإضافة إلى مفهوم القضية الأخرى نسبة الخاص إلى العام لابد من
رفع اليد عن عموم المفهوم في مورد المعارضة وبما انه يستحيل التصرف في المفهوم نفسه لأنه
مدلول تبعي ولازم عقلي للمنطوق لابد من رفع اليد عن ملزوم المفهوم بمقدار يرتفع
به التعارض ولا يكون ذلك الا بتقييد المنطوق ورفع اليد عن اطلاقه المقابل للتقييد بكلمة أو واما
رفع اليد عن الاطلاق المقابل للتقييد بالواو لتكون نتيجة ذلك اشتراط الجزاء بمجموع الامرين
المذكورين في الشرطيتين فهو وإن كان موجبا لارتفاع المعارضة بين الدليلين الا انه بلا موجب
ضرورة انه لا مقتضى لرفع اليد عن ظهور دليل ما مع عدم كونه طرفا للمعارضة بظهور آخر
ولو ارتفع بذلك أيضا التعارض بين الدليلين اتفاقا ونظير ذلك ما إذا ورد الامر باكرام
العلماء الظاهر في وجوب اكرامهم ثم ورد في دليل آخر انه لا يجب اكرام زيد العالم فإنه وإن كان
يرتفع التعارض بينهما بحمل الامر في الدليل الأول على الاستحباب الا انه بلا موجب يقتضيه
إذ ما هو الموجب للتعارض بينهما انما هو ظهور الدليل الأول في العموم فلا بد من رفع اليد عنه و
تخصيصه بالدليل الثاني وابقاء ظهور الامر في الوجوب على حاله مع أن ظهور العام في العموم
أقوى من ظهور الامر في الوجوب وهذا هو الميزان في جميع موارد تعارض بعض الظهورات
ببعضها الاخر فإنه لابد في مقام العلاج بينهما من رفع اليد عن أضعف المتعارضين بخصوصه
واما الظهور الاخر الأجنبي عن المتعارضين فلا موجب لرفع اليد عنه أصلا ولو ترتب عليه
ارتفاع المعارضة بين الدليلين ومما ذكرناه يظهر انه لا تصل النوبة في محل الكلام إلى
الأصول العملية لتكون النتيجة نتيجة تقييد الاطلاق المقابل للتقييد بالعطف بالواو فتدبر جيدا
424

كوجوب القصر في المثال يعلم بتحققه عند تحقق مجموع الشرطين على كل تقدير واما
في فرض انفراد كل من الشرطين بالوجود فثبوت الجزاء فيه يكون مشكوكا فيه ولا
أصل لفظي في المقام على الفرض لسقوط الاطلاقين بالتعارض فتصل النوبة إلى الأصل العملي
فتكون النتيجة موافقة لتقييد الاطلاق المقابل بالعطف بالواو واما ماربما يقال من لزوم
رفع اليد عن خصوص الاطلاق المقابل بالعطف بأو لكونه متأخرا في الرتبة عن الاطلاق
المقابل بالعطف بالواو ضرورة ان انحصار الشرط متأخر رتبة عن تعينه وتشخصه فيد فعه
ان تقدم أحد الاطلاقين على الاخر في الرتبة لا يوجب صرف التقييد إلى المتأخر لان
الموجب لرفع اليد عن الاطلاقين انما هو وجود العلم الاجمالي بعدم إرادة أحدهما
425

ومن الواضح ان نسبة العلم الاجمالي إلى كليهما على حد سواء فلا موجب لرفع اليد عن
أحدهما بخصوصه دون الاخر.
الأمر الرابع: إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء وثبت من الخارج أو من نفس ظهور
الدليلين كون كل شرط مستقلا في ترتب الجزاء عليه فهل القاعدة تقتضي تداخل الشروط
في تأثيرها اثرا واحدا فيما إذا تقارنت زمانا أو تقدم بعضها على بعض أو انها تقتضي تعدد الأثر عند
تعدد مؤثره ويعبر عن ذلك بتداخل الأسباب وعد مه وفي المقام نزاع اخر وهو انه على تقدير
تعدد الأثر كوجوب الغسل المترتب على الجنابة ووجوبه المترتب على الحيض فهل يجوز
امتثالهما بفعل واحد أوانه يجب أن يكون امتثال كل منهما بفعل مغاير لما يتحقق به
امتثال الاخر ويعبر عن ذلك بتداخل المسببات وعد مه فالكلام يقع في مقامين (اما المقام
الأول) أعني به تداخل الأسباب وعدمه فتحقيق الحال فيه يتوقف على تقديم مقدمات.
الأولى: ان ظاهر كل من الشرطيتين هو ترتب الجزاء على وجود الشرط المذكور
فيها وحدوثه عند حدوثه فالقول بالتداخل يستلزم رفع اليد عن هذا الظهور وحمل الكلام
على خلاف ظاهره كما أن ظاهر الجزاء على ما قيل هو تعلق الحكم بصرف الوجود وكونه
حكما واحدا لان صرف الوجود يمتنع أن يكون محكوما بحكمين متضادين أو متماثلين
فالقول بعدم التداخل يستلزم رفع اليد عن هذا الظهور فمن نظر إلى الظهور الأول ذهب
إلى عدم التداخل كما أن من نظر إلى الظهور الثاني ذهب إلى التداخل.
الثانية: انه يختلف الحال في جريان الأصل العملي عند الشك في تداخل الأسباب
والمسببات فإنه إذا شك في تداخل الأسباب كان مقتضى الأصل تداخلها وعدم ثبوت
تكليف زائد على التكليف الواحد المتيقن على كل تقدير فإنه مشكوك فيه ومقتضى القاعدة
فيه هو الرجوع إلى البراءة عقلا ونقلا واما إذا شك في تداخل المسببات كان مقتضى
الأصل عدم تداخلها لأنه إذا ثبت تكليفات أو تكاليف متعددة وشك في جواز امتثالهما بفعل
واحد فقاعدة الاشتغال تقضى بعدم جواز الاكتفاء به في مقام امتثال كلا التكليفين أو جميعها
(هذا كله) في الأحكام التكليفية واما الأحكام الوضعية فليس لجريان الأصل في مواردها
ضابط كلي (1) فلا بد من ملاحظة كل مورد بخصوصه والرجوع فيه إلى ما يقتضيه من

(1) الظاهر أن جريان الأصل عند الشك في تداخل الأسباب أو المسببات في موارد الأحكام الوضعية
على حذو جريان الأصل عند الشك في موارد الأحكام التكليفية فإذا شك في وحدة
الحكم الوضعي وتعدده عند تحقق سببين من أسبابه في الخارج فالأصل يقتضى عدم حدوث
غير الحكم الواحد المتيقن حدوثه كما أنه إذا علم تعدد الحكم وشك في ارتفاع كليهما مع
العلم بارتفاع أحدهما اقتضى الأصل بقاء غير المتيقن ارتفاعه فلا فرق بين الأحكام التكليفية
والوضعية الا في أن الأصل الجاري في موارد الشك في تداخل الأسباب أو المسببات في
موارد الأحكام التكليفية يغاير سنخ الأصل الجاري في موارد الأحكام الوضعية ومن الواضح
ان ذلك لا يوجب التفرقة بين موارد الشك في الأحكام التكليفية وموارد الشك في الأحكام الوضعية
بعد اشتراك جميعها في نتيجة جريان الأصل فيها كما عرفت
426

الأصول العملية.
الثالثة: ربما يتوهم ان القول بتداخل الأسباب يبتنى على كون الأسباب الشرعية
معرفات كما أن القول بعدم التداخل يبتنى على كونها مؤثرات في الأحكام المترتبة
عليها وعللا لتحققها لكنه توهم فاسد وبيانه يحتاج إلى شرح المراد من لفظي العلة والمعرف
فنقول ان لفظ العلة يطلق تارة ويراد به الملاك الداعي إلى جعل الحكم على موضوعه
أو المقتضى للحكم المجعول واخرى يراد به الموضوع المترتب عليه الحكم ومنه
الشرائط المأخوذة في القضايا الشرطية لما تقدم سابقا من أن شرط الحكم يرجع إلى
موضوعه في الحقيقة كما أن لفظ المعرف يطلق تارة ويراد به ما يكون كاشفا عن وجود
شئ من جهة كونه معلولا لذلك الشيئ أو لازما له عقلا واخرى يراد به ما يكون ملازما
للشيئ وجودا بحسب العادة مع امكان انفكاكهما عقلا (لا اشكال) في أنه يستحيل
صدق المعرف بالمعنى الأول على ملاك جعل الحكم وعلى مقتضى الحكم المجعول و
على موضوع الحكم بداهة لزوم تقدم جميع ذلك على الحكم فيستحيل أن تكون هي
معرفة له بذلك المعنى واما المعرف بالمعنى الثاني فهو يستحيل أيضا صدقه على موضوع
الحكم وملاك التشريع لاستحالة انفكاكهما عن الحكم والتشريع خارجا نعم يصح صدقه
بهذا المعنى على ملاك الحكم المجعول لأنه يمكن انفكاك الحكم عنه أحيانا كما في
وجوب العدة على المطلقة فان ملاك وجوبها انما هو حفظ الأنساب وعدم اختلاط المياه
وهذا الملاك وان لم يكن مطردا وسايرا في جميع الموارد الا ان تمييز موارد الاختلاط
عن غيرها لكونه عسرا في الغاية بل متعذرا أحيانا جعل الشارع وجوب العدة على نحو
427

الاطلاق تحفظا على غرضه فوجوب العدة في موارد عدم الخلط واقعا وإن كان خاليا
عن الملاك الا ان تشريع الحكم على الاطلاق ناشئ عن ملاك يقتضيه أعني به التحفظ
على الغرض فتبين من ذلك ان كون الشرط الذي هو الموضوع في الحقيقة معرفا للحكم
المترتب عليه مما لا معنى له أصلا وعلى تقدير صحة كونه معرفا له فمجرد امكان تعدد
المعرف بالكسر واتحاد المعرف بالفتح لا يكفي في رفع اليد عن ظهور القضية الشرطية
في ترتب الجزاء على كل واحد من الشروط فالنزاع في التداخل وعدمه يبتنى على ظهور
القضية الشرطية بالفعل في تعدد الجزاء بتعدد شرطه وعدمه سواء في ذلك القول بكون
الأسباب الشرعية معرفات والقول بكونها مؤثرات.
الرابعة: ان متعلق الحكم في الجزاء المذكور في القضية الشرطية اما أن يكون
قابلا للتعدد أولا وعلى الثاني فاما أن يكون قابلا للتقيد أولا والأول كالوضوء الواجب
بالبول والنوم فإنه يمكن ايجاب وضوئين على المكلف في الخارج عند تحقق البول والنوم
منه أو فردين من البول أو فردين من النوم مثلا (والثاني) كالقتل المشروع قصاصا
عن اثنين فان قتل شخص واحد وان لم يمكن تعدده في الخارج الا ان تشريعه مقيد بكل
من السببين بحيث لو عفا ولى أحد المقتولين لا يسقط حق ولى المقتول الاخر وكالخيار
المسبب عن أمرين فإنه إذا سقط أحد السببين بقى الاخر على سببيته (والثالث) كوجوب
القتل الناشئ من غير حق الناس كالارتداد ونحوه فان حكم الله لا يمكن العفو منه فيتأكد
الحكم عند اجتماع السببين لا محالة (لا اشكال) في دخول القسم الأول في محل النزاع
في المقام واما القسم الثاني فهو ملحق بالقسم الأول وبناء على عدم التداخل يتقيد
الجزاء بكل من السببين فيؤثر أحدهما عند ارتفاع الاخر واما القسم الثالث فهو خارج
عن محل الكلام ولا مناص من الالتزام بالتداخل فيه والوجه في ذلك ظاهر (إذا عرفت
ذلك) فاعلم أن الأقوال في المسألة ثلاثة ثالثها التفصيل بين تعدد الأسباب شخصا مع اتحادها
جنسا وتعددها شخصا وجنسا فيلتزم بالتداخل في الأول وبعد مه في الثاني (والحق)
هو القول بعدم التداخل مطلقا وتوضيح ذلك انما يتم ببيان أمرين (الأول) ما تقدم
سابقا من أنه لا اشكال في أن كل قضية شرطية ترجع إلى قضية حقيقية كما أن كل قضية حقيقيه
تنحل إلى قضية شرطية مقد مها وجود الموضوع وتاليها ثبوت المحمول له فالمعنى المستفاد منها
428

في الحقيقة شئ واحد وانما الاختلاف في كيفية التعبير عنه وعليه فكما ان الحكم في القضية
الحقيقية ينحل بانحلال موضوعه إلى احكام متعددة إذ المفروض ان فرض وجود الموضوع
فرض ثبوت الحكم له كذلك ينحل الحكم في القضية الشرطية بانحلال شرطه لان أدوات
الشرط اسمية كانت أم حرفية انما وضعت لجعل مدخولها موضع الفرض والتقدير واثبات
التالي على هذا الفرض فلا يكون بين القضية الشرطية والحقيقية فرق من جهة الانحلال
أصلا وعليه فيتعدد الحكم بتعدد الشرط وجودا كما يتعدد بتعدد موضوعه في الخارج
واما تعدد الحكم بتعدد شرطه جنسا فهو انما يستفاد من ظهور كل من القضيتين في أن كلا
من الشرطين مستقل في ترتب الجزاء عليه مطلقا فان ظاهر قضية إذا بلت فتوضأ هو
ان وجوب الوضوء مترتب على وجود البول ولو قارنه أو سبقه النوم مثلا وكذلك ظاهر
قضية إذا نمت فتوضأ هو ترتب وجوب الوضوء على النوم ولو قارنه أو سبقه البول مثلا
فاطلاق كل من القضيتين يستفاد منه استقلال كل من النوم والبول في ترتب وجوب الوضوء
عليه على جميع التقادير ولازم ذلك هو تعدد وجوب الوضوء عند حصول الشرطين في الخارج
(الثاني) ان تعلق الطلب بشئ لا يقتضى الا ايجاد ذلك الشيئ خارجا ونقض عدمه المطلق
وبما ان نقض العدم المطلق يصدق على أول وجود من وجودات الطبيعة يكون الاتيان به مجزيا
في مقام الامتثال عقلا (واما توهم) ان ذلك من جهة تعلق الطلب بصرف الوجود وصد قه
على أول الوجودات (فهو فاسد) إذ لا موجب لاخذ صرف الوجود في متعلق الطلب بعد عدم
كونه مد لولا عليه بالهيئة ولا بالمادة ضرورة ان المادة لم توضع الا لنفس الماهية
المعرات عن الوجود والعدم واما الهيئة فهي لا تدل الا على طلب ايجادها
ونقض عدمها الصادق قهرا على أول الوجودات وليس هناك ما يدل على اعتبار
صرف الوجود في متعلق الطلب غير صيغة الامر المفروض عدم دلالتها على ذلك
هيئة ومادة وعليه فالطلب لا يرد على صرف الوجود المأخوذ في المتعلق في مرتبة
سابقة على عروض الطلب عليه بل الطلب هو بنفسه يقتضى ايجاد متعلقه خارجا
ونقض عد مه المطلق فإذا فرض تعلق طلبين بماهية واحدة كان مقتضى كل منهما ايجاد
تلك الماهية فيكون المطلوب في الحقيقة هو ايجادها ونقض عدمها مرتين
كما هو الحال بعينه في تعلق إرادتين تكوينيتين بماهية واحدة فتعدد الايجاد تابع
429

لتعدد الإرادة تشريعية كانت أم تكوينية وبالجملة ان كل أمر في نفسه لا يدل الا على
الطلب المقتضى لإيجاد متعلقه واما كون هذا الطلب واحدا أو متعددا فليس في الامر
بهيئته ومادته دلالة عليه قطعا نعم إذا لم يكن هناك ما يقتضى تعدد الطلب وقد فرض
تعلق الامر بالطبيعة كان الطلب واحدا قهرا الا انه من جهة عدم المقتضى لتعدده
لا من جهة دلالة اللفظ عليه فإذا فرض ظهور القضية الشرطية في الانحلال وتعدد
الطلب أو فرض تعدد القضية الشرطية في نفسها كان ظهور القضية في تعدد الحكم
موجبا لارتفاع موضوع الحكم بوحدة الطلب أعني به عدم المقتضى لتعدد وواردا
عليه ولو تنزلنا عن ذلك وسلمنا ظهور الجزاء في وحدة الطلب لكان ذلك من
جهة عدم ما يدل على التعدد فإذا ذلت الجملة الشرطية بظهورها في الانحلال أو
من جهة تعددها في نفسها على تعدد الطلب كان هذا الظهور لكونه لفظيا مقدما على
ظهور الجزاء في وحدة الطلب ومن هنا يظهر الفرق بين المقام الذي التزمنا فيه بتعدد
الطلب ومسألة تعلق الامر بشئ واحد مرتين كما إذا قال المولى صم يوما ثم قال صم
يوما التي التزمنا فيها بحمل الأمر الثاني على التأكيد كما تقدم وذلك لان ظهور الأمر الثاني
في التأسيس وتعدد الحكم ليس ظهورا لفظيا ليكون قرينة على صرف ظهور وحدة
المتعلق في وحدة الحكم بل هو من الظهورات السياقية فكما يمكن أن يكون هو قرينة
على التأسيس والتعدد كذلك يمكن أن تكون وحدة المتعلق قرينة على الوحدة و
التأكد فلا ينعقد حينئذ للكلام ظهور في التأسيس ومعه لا مناص من الرجوع إلى البراءة
عن التكليف الزائد عن المتيقن فتكون النتيجة نتيجة التأكيد وهذا بخلاف المقام
فان ظهور القضية الشرطية في تعدد الحكم بما انه ظهور لفظي يكون رافعا لظهور
الجزاء في وحدة الحكم فيكون مقتضى القاعدة حينئذ عدم التداخل (فان قلت) انما
ذكرته من معارضة ظهور الأمر الثاني في التأسيس بظهور وحدة المتعلق في التأكيد
في ما إذا تعلق الامر بشئ واحد مرتين يتوقف على تحقق الظهور الثاني في نفسه
وقد مر آنفا ان وحدة الحكم انما يثبت من جهة عدم المقتضى للتعدد لا انها بنفسها مدلول
عليها بالكلام وعليه فلا موجب لرفع اليد عن ظهور الأمر الثاني في التأسيس ولو
كان ذلك ظهورا سياقيا من دون معارض له فلا بد من حمل الأمر الثاني في المسألة
430

المتقدمة أيضا على التأسيس (قلت) قد ذكرنا في تلك المسألة ان ظهور الكلام في التأسيس
انما هو فيما إذا لم يكن الكلام مسبوقا بمثله والا لم ينعقد له ظهور في ذلك ليثبت
به تعدد الحكم واما ما ذكرناه من وقوع المعارضة بين الظهورين فهو انما كان مبنيا
على تسليمهما والا فالتحقيق هو ما عرفت من أنه لا ظهور لوحدة المتعلق في وحدة الحكم
ولا للامر الثاني في التأسيس (فان قلت) ان ما ذكرته من ظهور القضية الشرطية
في تعدد الحكم انما يتم فيما إذا كان الحكم في الجزاء مستفادا من الجملة الانشائية
لان المعلق حينئذ يكون هي المادة المنتسبة القابلة للتعدد فإذا كانت القضية الشرطية
ظاهرة في ذلك فلا بد من الاخذ بظهورها واما إذا كان الحكم المذكور مستفادا من الجملة
الخبرية مثل قولنا يجب فلا بد فيه من القول بالتداخل لان المعلق على الشرط حينئذ
هو مفهوم الوجوب الذي هو مفهوم واحد وغير قابل للتعدد ومن الواضح ان الاخذ
بظهور الكلام انما يكون في المورد القابل له دون غيره (قلت) المفهوم بما انه مفهوم
لا معنى لكونه معلقا على شئ وانما يصح تعليقه عليه بلحاظ كونه مرآة وفانيا في الحقيقة
فيرجع التعليق بالآخرة إلى تعليق حقيقة الوجوب الراجع إلى تعليق المادة المنتسبة (1)
فلا اشكال وبالجملة لا فرق في حقيقة المعلق على الشرط بين الصيغة الانشائية والاخبارية
فإذا كان الجزاء قابلا للتعدد في أحدهما كان قابلا للتعدد في الاخر أيضا وهذا الذي
ذكرناه هو توضيح ما افاده العلامة (قده) في الاستدلال على أصالة عدم التداخل بأنه إذا
اجتمع سببان لوجوب الوضوء مثلا فاما أن يكون كل منهما مؤثرا في حكم غير ما يؤثر
فيه الاخر أو يؤثر كلاهما معا في حكم واحدا ولا يكون لشيئ منهما تأثير في الحكم أصلا
أو يكون التأثير لأحدهما دون الاخر وما عدا الأول فساده ظاهر فيتعين الوجه
الأول فيكون عدم التداخل هو مقتضى القاعدة وهذا البرهان مبتن على ثلاث مقدمات
(الأولى) ان ظاهر القضية الشرطية هو استقلال كل شرط في ترتب الجزاء عليه (الثانية)
ان ما عدا الوجه الأول ينافي الاستقلال المزبور (الثالثة) انه بعد ما ثبت ان لكل واحد
من الشرطين اثرا مستقلا يكون تداخل الاثرين في واحد ليرجع الامر بالآخرة إلى

(1) ما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره في المقام وإن كان في غاية الجودة والمتانة إلا أنه لا
يتوقف على الالتزام برجوع التعليق في القضايا الشرطية إلى المادة المنتسبة كما هو ظاهر و
قد تقدم في محله تحقيق الحال في ذلك فراجع.
431

تداخل المسببين خلاف الأصل فيكون مقتضى القاعدة حينئذ عدم التداخل ووجوب
الاتيان بالجزاء مرتين فانقدح من جميع ما ذكرناه ان ظهور القضية الشرطية يقتضى عدم
التداخل الا في ما إذا كان متعلق الجزاء غير قابل للتعدد ولا للتقيد كما في وجوب القتل لغير
حق الناس وفيما إذا كان الشرط بنفسه غير قابل للتعدد كما في سببية الافطار في شهر رمضان
لوجوب الكفارة فان افراد المفطرات وإن كانت كثيرة إلا أن غير الوجود الأول منها
لا يتصف بكونه مفطرا (1) فلا محالة يكون الوجود الأول هو الموجب للكفارة دون غيره
وكما في الحدث الموجب لوجوب الوضوء فان محققاته وإن كانت كثيرة إلا أنه لا معنى
لحدوث الحدث بعد تحققه فيكون أول الوجود منها هو الموجب للحدث دون غيره ففي
أمثال ذلك لا مناص عن القول بالتداخل (واما المقام الثاني) أعني به تداخل المسببات فالقاعدة
فيه تقتضي عدم التداخل ما لم يدل دليل على التداخل وذلك لان الأصل عدم سقوط
الواجبات المتعددة بفعل واحد ولو كان ذلك بقصد امتثال الجميع في غير ما دل الدليل على
سقوطها به كما هو الحال في سقوط أغسال متعددة بغسل الجنابة أو بغسل واحد نوى به
سقوط الجميع وكما في ارتفاع افراد الحدث الأصغر بوضوء واحد بناء على تعدده وجودا
عند تعدد أسبابه فإنه لا اشكال في ارتفاعه بتمام افراده حينئذ بوضوء واحد ولو لم يقصد
به ارتفاع جميعها المتحققة فعلا تعم لو نوى المتوضى ارتفاع بعض افراد الحدث وعدم
ارتفاع بعضها الاخر أمكن القول بصحة الوضوء ولغوية نية العدم بالإضافة إلى البعض لان
ارتفاع البعض يستلزم ارتفاع الجميع قهرا كما يمكن القول ببطلانه (2) وعدم ارتفاع الحدث
بشئ من افراده لان نية ارتفاع البعض ونية عدم ارتفاع البعض الاخر مع ثبوت الملازمة
بينهما نيتان متنافيتان لا يمكن اجتماعهما في زمان واحد فيرجع ذلك إلى وقوع الوضوء

(1) هذا انما يتم فيما إذا كان وجوب الكفارة مترتبا على تحقق عنوان المفطر بالفعل واما
إذا كان مترتبا على ارتكاب ذات المفطر كالجماع والأكل والشرب ونحوها فيجرى فيه الكلام
المتقدم عند الشك في تداخل الأسباب أو المسببات حرفا بحرف.
(2) الظاهران الصحيح من الوجهين انما هو الوجه الأول لان نية ارتفاع بعض الاحداث
ونية عدم ارتفاع بعضها الاخر وان كانتا متنافيتين الا ان تنافيهما لا يضر بصحة الوضوء
إذ لا يعتبر فيها الا نية نفس الوضوء وقصد التقرب به وأما نية رفع الحدث فهي غير معتبرة
فيها فلا تكون تنافى النيتين المزبورتين موجبا لفساده
432

بغير نية فيكون فاسدا وعلى كلا التقديرين لا يمكن التفكيك بين افراد الحديث الأصغر
والقول بارتفاع بعضها دون بعض وبالجملة الأصل العملي يقتضى عدم سقوط الواجبات
المتعددة بفعل واحد ما لم يدل على سقوطها به دليل بالخصوص نعم يستثنى من ذلك
مورد واحد وهو ما إذا كانت النسبة بين الواجبين عموما وخصوصا من وجه كما في قضية
أكرم عالما وأكرم هاشميا فان اكرام العالم الهاشمي الذي هو مورد الاجتماع لهما يكون
مسقطا لكلا الخطابين لانطباق متعلق كل منهما عليه ولا يعتبر عقلا في تحقق الامتثال
الا الاتيان بما ينطبق عليه متعلق الأمر في الخارج (وربما يتوهم) في أمثال المقام انه ليس
من باب تداخل المسببات بل هو من قبيل تأكد الحكم في مورد الاجتماع فالفعل
الواحد يكون امتثالا للحكم الواحد (الا انه توهم) فاسد لان التأكد في أمثال المقام انما
يتصور على تقدير تعلق كل من الحكمين بنفس مورد الاجتماع كما هو الحال فيما إذا كان
كل من العامين من وجه شموليا واما إذا كان كل منهما بدليا كما في المثال المتقدم فلا معنى
لتأكد الطلب في مورد الاجتماع أصلا (1) لان متعلق الطلب في العموم البدلي انما هي نفس
الطبيعة الملغاة عنها الخصوصيات فالفرد المأتى به ليس بخصوصه متعلقا للامر ليتأكد طلبه
عند تعلق الامرين به وانما يجوز الاتيان به في مقام امتثال الامر بالطبيعة لأنه مقتضى الترخيص
في التطبيق المستفاد من الاطلاق على ما تقدم سابقا
(فصل في مفهوم الوصف)
وقبل الخوض في تحقيق للحال فيه ينبغي تقديم مقدمتين (الأولى) ان محل الكلام
في المقام هو الوصف المعتمد على موصوفه واما غير المعتمد عليه فلا اشكال في عدم
دلالته على المفهوم فهو حينئذ خارج عن محل النزاع إذ لو كان الوصف على اطلاقه
ولو كان غير معتمد على الموصوف محلا للنزاع لدخلت الجوامد في محل النزاع أيضا
بداهة انه لا فرق بين الجامد وغير المعتمد من الوصف الا في أن المبدأ في الجامد جعلي
وفي غير المعتمد غير جعلي وهذا لا يكون فارقا بينهما في الدلالة على المفهوم وعد مها

(1) هذا مضافا إلى أن الالتزام بتأكد الحكم في مورد الاجتماع يستلزم الالتزام بكون الحكم
المجعول في مورد العامين من وجه ثلثة احكام يكون واحد منها متأكدا والاثنان منها غير
متأكدين مع أنه واضح البطلان
433

فلو كان غير المعتمد دالا على المفهوم لدل الجامد عليه أيضا بل يمكن ان يقال إن كون
المبدأ الجوهري مناطا للحكم بحيث يرتفع الحكم عند عد مه أولي من كون المبدأ العرضي
مناطا له فهو أولي بألد لالة على المفهوم من الوصف غير المعتمد ومن ذلك يظهر ان التفصيل
بين الوصف المعتمد وغيره بالدلالة على المفهوم وعد مها ليس في الحقيقة
تفصيلا في محل الكلام وانما هو قول بالدلالة على المفهوم في محل البحث (الثاني)
ان الوصف اما أن يكون مساويا لموصوفه أو أخص منه مطلقا أو أعم منه كذلك أو أعم
منه من وجه لا اشكال في دخول القسم الثاني في محل الكلام واما الأول والثالث فيما
ان الوصف فيهما لا يوجب تضييقا في ناحية الموصوف لا يكون له دلالة على المفهوم أصلا و
اما القسم الأخير كما في قضية في الغنم السائمة زكاة فهو أيضا داخل في محل النزاع
فيدل على انتفاء الحكم عن الموضوع عند انتفاء وصفه بناء على ثبوت المفهوم فينتفى
وجوب الزكاة في المثال عن الغنم المعلوفة ولكنه لا يثبت بذلك انتفاء الحكم بانتفاء
الوصف ولو في غير جنس موصوفه كما نسب ذلك إلى بعض الشافعية فنفى وجوب الزكاة
عن الإبل المعلوفة استنادا إلى دلالة وصف الغنم بالسائمة على انتفاء حكمها أعني به
وجوب الزكاة عن فاقد الوصف ولو كان من جنس آخر وذلك لضرورة ان تقييد شئ
بوصف في مقام الحكم عليه أجنبي عن دلالته على نفى الحكم المجعول له عن غير ذلك
الشيئ بالكلية إذا عرفت ذلك فاعلم أن الحق هو عدم دلالة الوصف على المفهوم وتوضيح
ذلك انما يتم ببيان أمرين (الأول) انا قد ذكرنا في بحث الواجب المشروط ان القيد اما
ان يعتبر قيدا للمفهوم الافرادي قبل وقوع النسبة عليه فيكون المقيد بما هو مقيد طرفا
النسبة سواء كان ذلك المفهوم الافرادي متعلقا للتكليف أم كان موضوعا له واما ان يعتبر
قيدا للجملة التركيبية على النحو المعقول بان يكون القيد قيدا للعادة المنتسبة (1) فيكون
التقييد واردا على المادة في عرض ورود النسبة عليها وفي مرتبتها وقد ذكرنا هناك ان أدوات

(1) ما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره في المقام من التفرقة بين القيود الراجعة إلى الحكم
والقيود الراجعة إلى موضوعه أو متعلقه واثبات ان مناط الدلالة على المفهوم انما هو رجوع
القيد إلى نفس الحكم وإن كان متينا غايته الا ان ارجاعه قدس سره قيد الحكم إلى قيد
المادة المنتسبة غير صحيح وقد مر توضيح ذلك في بحث الواجب المشروط مفصلا
434

الشرط انما وضعت لتقييد جملة بجملة ولا يصح استعمالها في تقييد المفاهيم الافرادية
أصلا (الثاني) ان ملاك الدلالة على المفهوم كما مرت الإشارة إليه في الفصل السابق هو
أن يكون القيد راجعا إلى المادة المنتسبة ليترتب عليه ارتفاع الحكم عند ارتفاع قيده و
الوجه في ذلك هو ان التقييد إذا رجع إلى نفس الحكم على النحو المعقول كان لازم
ذلك هو ارتفاعه بارتفاعه إذ لو كان الحكم ثابتا عند عدم القيد أيضا لما كان الحكم مقيدا
به بالضرورة ففرض تقييد الحكم بشئ يستلزم فرض انتفائه بانتفائه واما إذا كان القيد
راجعا إلى المفهوم الافرادي فغاية ما يترتب على التقييد هو ثبوت الحكم على المقيد ومن
الضروري ان ثبوت شئ لشئ لا يستلزم نفيه عن غيره والا لكان كل قضية مشتملة على ثبوت
حكم على شئ دالا على المفهوم وذلك واضح البطلان وعلى ما ذكرناه فدلالة الوصف
على المفهوم تتوقف على كونه قيد النفس الحكم لا لموضوعه ولا لمتعلقه وبما ان الظاهر في
الأوصاف أن تكون قيودا للمفاهيم الافرادية يكون الأصل فيها عدم الدلالة على المفهوم
كما هو الحال في اللقب عينا غاية الأمر ان الموضوع أو المتعلق في اللقب أمر واحد يمكن
التعبير عنه بلفظ واحد بخلافهما في المقام فإنه لا يمكن التعبير عنهما غالبا الا بلفظين
وهذا لا يكون فارقا بين الموردين بعد اشتراكهما في ملاك عدم الدلالة على المفهوم
أعني به كون الحكم غير مقيد بشئ فكما ان قولنا اكرام رجلا لا دلالة له على عدم وجوب
اكرام المرأة أو الصبى كذلك قولنا أكرم الانسان البالغ الذكر لا دلالة له على نفى الوجوب
عن غير الرجل من افراد الانسان واما ما اشتهر من أن تعليق الحكم على الوصف مشعر
بالعلية فهو على تقدير تسليمه لا يثبت دلالة الوصف على المفهوم لان الاشعار ما لم يصل إلى
مرتبة الظهور لا يكون حجة نعم إذا قامت قرينة خارجية على كون مبدأ الوصف علة للحكم (1)
أو على أن القيد المذكور في الكلام انما اخذ قيدا لنفس الحكم لا لمتعلقه أو موضوعه دلت
القضية حينئذ على انتفاء الحكم عند انتفاء الوصف المزبور لكن هذا أجنبي عما نحن فيه

(1) لا يخفى ان توصيف متعلق الحكم أو موضوعه بقيد ما في الكلام مع اعتباره قيدا
لنفس الحكم في مقام اللب ومقام الثبوت خارج عن قانون المحاورة عرفا فلا معنى لقيام
القرينة عليه من الخارج واما كون القيد علة لثبوت الحكم على المقيد فهو وإن كان أمرا ممكنا
في نفسه وقابلا لقيام القرينة عليه من الخارج الا أن مجرد ذلك لا يكفي في دلالة القضية على
المفهوم ما لم تقم قرينة على كون العلة علة منحصرة كما هو ظاهر
435

لان النزاع انما هو في ظهور نفس الوصف في المفهوم وعدمه وقد عرفت انه لا دلالة له عليه
(فصل في مفهوم الغاية)
وقد وقع الكلام في هذا المقام من جهتين (الأولى) من جهة المنطوق (والثانية)
من جهة المفهوم اما الجهة الأولى فقد اختلفوا فيها من حيث دخول الغاية في حكم المغيى
وعد مه على أقوال ثالثها التفصيل بين كون الغاية من جنس المغيى وعدمه ورابعها
التفصيل بين كون الغاية مدخولة لكلمة إلى ومدخولة لكلمة حتى وهذا التفصيل وإن كان
حسنا في الجملة لان كلمة حتى (1) تستعمل غالبا في ادخال الفرد الخفى في موضوع
الحكم فتكون الغاية حينئذ داخلة في المغيى لا محالة لكن ذلك ليس بنحو الكلية
والعموم فلا بد من ملاحظة كل مورد بخصوصه والحكم فيه بدخول الغاية في حكم
المغيى أو عدمه واما الجهة الثانية فتوضيح الحال فيها (2) بان يقال إنه إذا ثبت ان

(1) لا يخفى ان كلمة حتى التي تستعمل لادراج الفرد الخفى كما في قولنا مات الناس حتى
الأنبياء لا تدل على كون ما بعدها غاية بل هي من أداة العطف فاستدلال شيخنا الأستاذ
قدس سره على دخول الغاية في المغيى فيما إذا كانت الغاية مدخولة لكلمة حتى باستعمال
هذه الكلمة غالبا لادراج الفرد الخفى انما نشأ من الخلط بين موارد استعمالها عاطفة و
موارد استعمالها لإفادة كون مدخولها غاية لما قبلها فلا تغفل.
(2) التحقيق في هذا المقام ان يقال إن الأدوات الموضوعة للدلالة على كون مدخولها غاية
لابد من أن تتعلق بشئ في الكلام ليكون ما بعدها غاية وقيدا له وعليه فإن كان القيد قيدا
للموضوع ومحددا له كما في قوله تعالى واغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق أو كان قيدا
لمتعلق الحكم وموجبا لتضيقه فدلالة الكلام على المفهوم تبتنى على دلالة التقييد بالوصف على
المفهوم وعدمها لان التقييد بالغاية حينئذ من إحدى صغريات التقييد بالوصف إذ المراد بالوصف
في ذلك المبحث ليس خصوص الوصف المصطلح عليه في علم النحو بل المراد به مطلق ما يكون
قيد الموضوع الحكم أو لمتعلقه في الكلام ولو كان التقييد بمثل الجار والمجرور ونحوه واما
إذا كان التقيد في الكلام قيد النفس الحكم وغاية استلزم ذلك دلالة الكلام على انتفاء الحكم
عند تحقق غايته بل لا يبعدان يقال إن دلالة تقييد الحكم بغاية ما على المفهوم أقوى من دلالة
تعليق الحكم على الشرط على المفهوم هذا بحسب مقام الثبوت واما بحسب مقام الاثبات فإن كان
الحكم المذكور في القضية مستفادا من الهيئة كان الكلام في نفسه ظاهرا في رجوع القيد إلى
متعلق الحكم إذ الظاهر هو رجوع القيد في الكلام إلى المعنى الحدثى فرجوعه إلى الموضوع
خلاف الظاهر كما أن رجوعه إلى مفاد الهيئة وإن كان أمرا ممكنا في نفسه الا انه على خلاف
المتفاهم العرفي ما لم تقم قرينة عليه وعليه فما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره من ظهور
الكلام في رجوع القيد إلى مفاد الجملة المساوق لرجوعه إلى نفس الحكم المعبر عنه في كلامه
بتقييد المادة المنتسبة ليس على ما ينبغي واما إذا كان الحكم المذكور في القضية مستفادا من
مادة الكلام فإن لم يذكر متعلق الحكم في الكلام في قولنا يحرم الخمر إلى أن يضطر إليه
المكلف فلا ينبغي الشك في ظهور الكلام في رجوع القيد إلى نفس الحكم واما إذا كان المتعلق
مذكورا فيه كما في قولنا يجب الصيام إلى الليل فلا يكون للكلام ظهور في رجوع القيد إلى الحكم
أو إلى متعلقه فلا يكون له دلالة على المفهوم لو لم تقم قرينة في الكلام أو من الخارج عليها
436

ملاك الدلالة على المفهوم هو كون القيد راجعا إلى الجملة التركيبية كما أن ملاك
عدم الدلالة على المفهوم هو رجوع القيد إلى المفهوم الافرادي ولذلك بنينا على ظهور
الجملة الشرطية في المفهوم دون الوصفية فالأدوات الموضوعة للدلالة على كون مدخولها
غاية بما انها لم توضع لخصوص تقييد المفاهيم الافرادية كالوصف ولا لخصوص تقييد الجمل
التركيبية كأدوات الشرط تكون بحسب الوضع أمرا متوسطا بين الوصف وأدواة الشرط
في الدلالة على المفهوم وعد مها فهي بحسب الوضع لا تكون ظاهرة في المفهوم في
جميع الموارد ولا غير ظاهرة فيه في جميعها لكنها بحسب التراكيب الكلامية لا بد ان
تتعلق بشئ والمتعلق لها هو الفعل المذكور في الكلام لا محالة فتكون حينئذ ظاهرة
في كونها من قيود الجملة لا من قيود المفهوم الافرادي فتلحق بأدوات الشرط من هذه
الجهة فتكون ظاهرة في المفهوم نعم فيما إذا قامت قرينة على دخول الغاية في حكم
المغيى كما في مثل سر من البصرة إلى الكوفة كان ظهور القيد في نفسه في رجوعه إلى
الجملة معارضا بظهور كونه قيدا للمعنى الافرادي من جهة مناسبة ذلك لدخول الغاية
في حكم المغيى فيكون الظهور ان متصادمين فإن كان أحدهما أظهر من الاخر قدم ذلك
والا لم ينعقد للكلام ظهور أصلا
437

(فصل في مفهوم الحصر)
لا يخفى ان ما كان من أدوات الحصر دالا على ثبوت شئ لشيئ ونفيه عن غيره
بنفس اللفظ كما هو الحال في كلمة انما فهو خارج عن محل الكلام وداخل في
الدلالات المنطوقية واما كلمة الا فهي قد تستعمل وصفية وقد تستعمل استثنائية اما
إذا استعملت وصفية فهي لا تفيد الا تقييد المفهوم الافرادي نظير بقية الأوصاف المذكورة
في الكلام وقد مر ان تقييد المفهوم الافرادي لا يدل على المفهوم واما إذا استعملت
استثنائية فهي لا محالة تدل على المفهوم وعلى نفى الحكم السابق الثابت للمستثنى منه
عن المستثنى لان الاستثناء لا يكون الا عن الجملة فتفيد ثبوت نقيض الحكم المذكور
في القضية للمستثنى وقد عرفت ان مناط الدلالة على المفهوم وعدمها هو رجوع القيد
إلى المفهوم التركيبي وعدمه (إذا عرفت ذلك) فلا بأس بذكر جملة من الفروع
المتعلقة بالمقام المذكورة في كتاب الشرايع والقواعد (منها) ما لو قال المقر على
لزيد عشرة الا درهما فإنه يثبت في ذمته التسعة لان كلمة الا في هذا الكلام لا تكون
الا استثنائية إذ لو كانت وصفية لوجب ان يتبع ما بعدها ما قبلها في اعرابه وبما ان
ما بعدها في المثال منصوب مع كون ما قبلها مرفوعا لا تكون هي وصفية فانحصر
الامر في كونها استثنائية (ومنها) ما لو قال على لزيد عشرة الا درهم فإنه يثبت في
ذمته تمام العشرة (1) لتمحض كلمة الا حينئذ في الوصفية ولا يصح كونها استثنائية
والا لزم أن يكون ما بعدها منصوبا على الاستثناء لان الكلام موجب فتمام العشرة
المتصفة بأنها غير درهم واحد تثبت في ذمة المقر (ومنها) ما لو قال ليس على لزيد
عشرة الا درهم فإنه يثبت في ذمته درهم واحد لان كلمة الا في الكلام وإن كانت قابلة
لان تكون استثنائية ولا تكون وصفية بحسب القواعد العربية الا ان الأصل في كلمة
الا أن تكون استثنائية ما لم تكن هناك قرينة خارجية على كونها وصفية وبما انه
ليست في المثال قرينة على كونها وصفية يلزم حملها على الاستثنائية فيثبت في ذمته

(1) هذا انما يتم فيما إذا كان المتكلم من العارفين بقواعد اللغة العربية واما في غير
ذلك فلا بد من حمل كلمة الا على كونها استثنائية لأنه مقتضى الأصل الأولى كما أفيد في المتن
فحملها على الوصفية يحتاج إلى قيام قرينة عليه
438

درهم واحد (ومنها) ما لو قال ليس لزيد على عشرة الا درهما فقد افتى في الشرائع
والقواعد بعدم الزامه بشئ وربما نسب ذلك إلى المشهور ولكن الظاهر أنه ملزم
بدرهم واحد لان المستثنى في الكلام المنفى وإن كان الأرجح كو أنه مرفوعا الا انه
يصح فيه النصب وهذا بخلاف حمل كلمة الا على الوصفية فإنه غير صحيح لما عرفت
من لزوم كون ما بعد ها تابعا لما قبلها في الاعراب وعليه فيثبت الدرهم الواحد في
ذمته في المثال واما نسبة عدم الزامه بشئ إلى المشهور فصحتها غير محققة كما اعترف
بذلك في الجواهر واما فتوى صاحب الشرائع التي وافقه عليها في القواعد بعدم الزامه
بشئ فقد وجهها في المسالك بما حاصله ان الاستثناء إذا كان استثناء بعد الحكم المذكور
في الكلام ثبت الدرهم الواحد في ذمة المقر لا محالة واما إذا كان استثناء من نفس
الموضوع قبل الحكم عليه بشئ لم يكن في الكلام دلالة الا على نفى العشرة المخرج
عنها الواحد فكأنه قال ليس لزيد على تسعة وبما انه لا قرينة على كون الاستثناء استثناء بعد
الحكم لا يكون الكلام المزبور اقرارا بشئ وأنت خبير بفساد هذا التوجيه لان
الاستثناء قبل الحكم أعني به الاستثناء عن المعنى الافرادي غير معقول إذ كل ما يكون
قيدا للمعنى الافرادي فهو بالآخرة يكون وصفا له وقد عرفت عدم صلوح الكلام لكون
القيد المذكور فيه وصفا فلابد من حمل كلمة الا فيه على كونها استثنائية باعتبار الحكم
الثابت فيه للمستثنى منه فيكون ذلك اقرارا بثبوت درهم واحد في ذمته (ثم إنه) ربما
يستدل على دلالة الاستثناء على المفهوم باتفاق الكلمة على قبول اسلام من أظهر الاعتراف
بكلمة التوحيد ولا يخفى ان الاتفاق على ذلك وإن كان صحيحا الا انه وقع الاشكال
في أن قبول اسلامه هل هو من جهت التعبد به أو من جهة دلالة نفس الكلام على
ذلك فقد يقال بالأول نظرا إلى قصور دلالة الكلام في نفسه على التوحيد وذلك لان
خبر كلمة لا النافية محذوف في الكلام فلا بد من تقديره فاما ان يقدر الخبر بلفظ موجود
أو ممكن وعلى الأول فلا يدل الكلام على نفى الامكان عن غيره تعالى وعلى الثاني فلا
يدل على ثبوت الوجود له تعالى والجواب عن ذلك هو ان مفهوم واجب الوجود لذاته
إذا أضيف إلى الخارج فان أمكن انطباقه على موجود خارجي وجب انطباقه عليه كما
في الباري تعالى وان امتنع ذلك كان مصداقه ممتنع الوجود كشريك الباري فامر انطباق
439

هذا المفهوم على ما في الخارج مردد بين الوجوب والامتناع فامكان الواجب بالامكان العام
يستلزم وجوده كما أن عدم وجوده يستلزم امتناعه وعليه فلو كان الخبر المقدر هو موجود
كان نفى الوجود عن الألهة الأخرى بالمطابقة ونفى الامكان عنها بالملازمة ولو كان المقدر
هو ممكن كان اثبات الامكان له تعالى بالمفهوم واثبات الوجود له بالملازمة وعلى
كل تقدير يستفاد من كلمة التوحيد انحصار واجب الوجود لذاته فيه تعالى ونفى
الامكان عن غيره هذا ويمكن ان يقال إن كلمة لا الواقعة في كلمة التوحيد مستغنية
عن الخبر كما هو الحال في كلمة لولا الامتناعية وفي كلمة ليس التامة واما ما ذكره النحويون
من كون الخبر محذوفا في هذه الموارد فلا يبعد أن يكون مرادهم به عدم الحاجة إلى
الخبر فيها لا انه محذوف حقيقة فكلمة لا تدل على عدم تقرر مدخولها في الوعاء المناسب
له ففي الرواية المعروفة (لولا على لهلك عمر) يكون المراد ترتب الهلاك على عدم
تقرر علي عليه السلام في الخارج لان هذا هو الوعاء المناسب لتقرره عليه السلام واما
في كلمة التوحيد فالمراد من التقرر المنفى هو التقرر مطلقا ولو في مرحلة الامكان
فتدل الكلمة المباركة على نفى الوجود والامكان عن غير الله واثبات كليهما له
تبارك وتعالى.
(المقصد الرابع في العموم والخصوص)
وقبل الشروع في محل البحث ينبغي تقديم أمور (الأول) ان الفرق بين العام والمطلق
الشمولي هو ان العام ما كان عمو مه مستفادا من دليل لفظي كلفظة كل وأمثالها وهذا
بخلاف المطلق الشمولي فان عمومه انما يستفاد من مقد مات الحكمة ومن تعلق الحكم
بالجنس ولهذا يكون العام عند التعارض مقد ما على المطلق الشمولي لصلاحه لان يكون
بيانا له فيقدم عليه ولا ينافي ذلك ما سيجيئ انشاء الله تعالى من الاحتياج (1) إلى جريان مقدمات

(1) قد أشرنا في بعض المباحث السابقة إلى أن دلالة أداة العموم عليه لا تتوقف على اجراء
مقدمات الحكمة في مدخولها وانما هي مستندة إلى الوضع فنقول في توضيح ذلك ان الألفاظ
الموضوعة لإفادة العموم انما تدل بنفسها على لحاظ مدخولها على نحو اللابشرط القسمي
أعني به لحاظ الطبيعة فانية في جميع ما يمكن ان تنطبق عليه فالمستفاد من لفظ كل رجل انما
هو لحاظ طبيعة الرجل على نحو تسرى إلى العالم والجاهل والغنى والفقير وغير ذلك مما
يمكن انطباق طبيعة الرجل عليه ومن الواضح انه مع ذلك لا يبقى مجال لتوهم الحاجة
إلى اجراء مقدمات الحكمة في استفادة العموم على أن مقدمات الحكمة لو كانت جارية في
مدخول الأداة لكفى جريانها في دلالة الكلام على العموم فيكون الاتيان بأداة العموم من
اللغو الواضح (وان شئت قلت) ان استفادة العموم ولحاظ الطبيعة على نحو اللابشرط القسمي
انما تستند في موارد جريان مقدمات الحكمة إلى عدم ذكر قيد خاص في الكلام لما ستعرف
في محله انشاء الله تعالى من أن عدم بيان دخل قيد ما في غرض المولى مع كو أنه في مقام
البيان يكشف عن عدم دخله في غرضه في الواقع واما استفادة العموم في موارد الاتيان
بأداة العموم فهي انما تستند إلى بيان عدم دخل قيد ما في غرض المولى فكم فرق بين العموم
المستفاد من عدم بيان دخل قيد ما والعموم المستفاد من بيان عدم دخل ذلك القيد واما
ما يقال من أن امكان تقييد مدخول الأداة كما في قولنا كل رجل عالم امارة على وجود الحاجة
إلى اجراء مقدمات الحكمة في مدخول الأداة فهو يندفع بان أداة العموم انما تدل بالوضع
على سعة مدخولها ولحاظه على نحو اللابشرط القسمي من دون فرق بين أن يكون مدخولها
في نفسه من الأجناس وأن يكون من الأنواع أو الأصناف فالسعة انما تلاحظ بالإضافة إلى
المدخول كيف ما كان ولولا ما ذكرناه لما أمكن التصريح بالعموم في مورد ما أصلا مع أنه
واضح البطلان.
440

الحكمة في مدخول أدات العموم أيضا على ما أشرنا إليه في بعض المباحث السابقة ويأتي
تفصيله في مبحث التعارض انشاء الله تعالى فظهر ان النزاع في دلالة جملة من الموارد على
العموم انما هو نزاع في دلالة اللفظ عليه والا فاستفادة العموم في جملة منها ولو بمقدمات
الحكمة مما لا ينبغي انكارها.
الثاني: ان القضية وان انقسمت إلى أقسام كثيرة الا ان المفهم لنا في المقام هو
التعرض لبعض أقسامها (فمنها) القضية الطبيعية وهي ما حكم فيها على نفس الطبيعة المأخوذة
بشرط لا بالإضافة إلى صدقها الخارجي كقضية الانسان نوع والمحمول في مثل هذه القضية
لا يكون الا من المعقولات الثانوية كما أن موضوعها يستحيل فرض العموم فيه ولذلك
لا تستعمل هذه القضية في الأقيسة أصلا (ومنها) القضية الحقيقية وهي ما حكم فيها على الطبيعة
السارية إلى ما في الخارج كقضية الانسان ضاحك والخمر حرام فمتى فرض شئ صدق
عليه انه انسان أو خمر فهو محكوم عليه بأنه ضاحك أو حرام والافراد في مثل هذه القضية
441

لا تكون محكومة بالحكم ابتداء وانما يشملها الحكم باعتبار صدق الطبيعة المأخوذة في
الموضوع عليها (ومنها) القضية الخارجية وهي ما حكم فيها على نفس الافراد الخارجية
ابتداء من دون توسط عنوان في ذلك بل ربما لا يكون بينها جامع ينطبق عليها كما إذا
قال المولى اكراما هؤلاء فأشار بذلك إلى عالم وهاشمي وعادل وعلى تقدير وجود عنوان
جامع بينها فإنما هو من باب الاتفاق لا من جهة دخله في الحكم كما في قضية قتل من في العسكر
والعموم كما يتصور في موضوع القضية الحقيقية يتصور في موضوع القضية الخارجية
الا أن بينهما فرقا وهو أن الموضوع في القضية الحقيقية انما هي نفس الطبيعة الملحوظة
فانية في افرادها المقدرة والمحققة وهذا بخلاف القضية الخارجية فان موضوع الحكم
فيها حقيقة نفس الافراد والعنوان الجامع المأخوذ في الموضوع على تقدير وجوده
انما أخذ في الموضوع للإشارة به إلى نفس الافراد ولأجل ذلك لا يكون التخصيص في القضايا
الخارجية الا افراديا لان مصب العموم فيها انما هو نفس الافراد دون العناوين بخلاف القضايا
الحقيقية فان التخصيص فيها غالبا يكون عنوانيا وموجبا لتقيد مصب العموم بقيد وجودي
أو عدمي بل لم نجد في القضايا الحقيقية الواردة في الشريعة ما يكون التخصيص فيه افراديا
الا في مورد واحد وهو رفع الحد عمن أقر عند أمير المؤمنين عليه السلام باللواط والقضية
مشهورة ومما ذكرنا ظهران تشكيل القياس المنطقي لا يكون الا في القضايا الحقيقية
دون القضايا الخارجية لان العنوان المأخوذ في موضوع القضية الخارجية لا دخل له في
ثبوت الحكم لافراده ليمكن جعله وسطا لثبوت الكبر للأصغر نعم يمكن تشكيل القياس
منها في عالم الاثبات فقط كمن علم بان كل من في العسكر قتل ولكنه لم يعلم بوجود
زيد فيهم فإذا علم بوجود زيد فيهم علم بكونه مقتولا لا محالة ومن ذلك يظهر ان الاشكال
على انتاج الشكل الأول باستلزامه الدور انما نشأ من خلط القضايا الخارجية بالقضايا
الحقيقية وذلك لان توقف العلم بالنتيجة على العلم بكلية الكبرى وإن كان مسلما في القضايا
الحقيقية الا أن العلم بكلية الكبرى لا يتوقف على العلم بالنتيجة أصلا بل هو تابع لدليله
شرعيا كان أم عقليا واما في القضايا الخارجية فالامر بالعكس فان العلم بكلية الكبرى يتوقف
على العلم بثبوت الحكم لكل فرد بخصوصه من افراد موضوعها وبما ان موضوع النتيجة فرد
من افراد موضوعها يتوقف العلم بالكبرى على العلم بالنتيجة لكن العلم بالنتيجة لا يتوقف
442

على العلم بكلية الكبرى بل انما يحصل ذلك من الدليل المقتضى له بخصوصه فاشكال
الدور انما نشأ من ضم مقدمة خاصة بالقضايا الخارجية إلى مقدمة أخرى خاصة بالقضايا
الحقيقية وبعد وضوح الفرق بينهما في الاحكام لا يبقى مجال له أصلا وقد تقدم بعض
الكلام في الفرق بين القضية الحقيقية والخارجية في بحث الواجب المشروط فراجع
الأمر الثالث: ان العموم ينقسم إلى مجموعي واستغراقي وبدلي باعتبار ان الحكم
المجعول في مورده اما أن يكون متعلقا بكل واحد واحد من الافراد أو بمجموعها أو
بواحد منها على البدل والأول هو العموم الاستغراقي والثاني هو المجموعي والثالث هو
البدلي ولا يخفى ان في عد القسم الثالث من أقسام العموم مسامحة واضحة (1) بداهة
ان البدلية تنافى العموم فان متعلق الحكم في العموم البدلي ليس الا فردا واحدا أعني به
الفرد المنتشر وهو ليس بعام نعم البدلية عامة فالعموم انما هو في نفس البدلية لا في الحكم
المتعلق بالفرد على البدل ويؤيد ما ذكرناه ان هذا القسم من العموم يستفاد غالبا من
اطلاق المتعلق فيكون بذلك مندرجا في المطلق دون العام (ثم إنه) إذا علم من الخارج
ان المراد من العموم المدلول عليه في الكلام هو الاستغراقي أو المجموعي فلا اشكال و
اما إذا شك في ذلك فالأصل يقتضى كونه استغراقيا لان العموم المجموعي يحتاج إلى
اعتبار الأمور الكثيرة أمرا واحدا ليحكم عليها بحكم واحد وهذه عناية زايدة تحتاج
إفادتها إلى مؤنة أخرى (فان قلت) إذا شك في كون العموم مجموعيا أو استغراقيا فظهور

(1) لا يخفى ان المراد من العموم البدلي هو ما يكون ترخيص تطبيق المأمور به على
افراده فيه مدلولا لفظيا ومستندة إلى الوضع كما في قد لنا قلداى مجتهد شئت وبهذا
يفترق العام البدلي عن المطلق البدلي فان استفادة الترخيص من المطلق البدلي انما تستند إلى
اجراء مقدمات الحكمة لا إلى الموضع وبذلك أيضا يفترق العام الاستغراقي عن الاطلاق
الشمولي كما عرفت ومن ذلك يظهر انه لا وجه لما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره في المقام
من أن غلبة استفادة العموم البدلي من الاطلاق ومقدمات الحكمة تؤيد كون هذا القسم مندرجا
في المطلق دون العام وجه الظهور ان ما يكون مندرجا في العام انما هو ما كان العموم البدلي
فيه مستفادا من الدلالة الوضعية والا فالعموم الشمولي أيضا ربما يكون مستفادا من الاطلاق
ومقدمات الحكمة كما في قوله تعالى أحل الله البيع وقول نبيه صلى الله عليه وآله خلق الله الماء
طهورا وغيرهما من الموارد الكثيرة في الاستعمالات الشرعية والعرفية
443

الكلام يقتضى حمله على المجموعي دون الاستغراقي سواء في ذلك كون العموم مستفادا
من مثل كلمة كل وكونه مستفادا من هيئة الجمع المحلى باللام أو من وقوع النكرة و
نحوها في سياق النهى أو النفي اما إذا كان مستفادا من مثل كلمة كل فلان لفظ كل رجل
في قولنا اكرام كل رجل مثلا هو الذي وقع في القضية الملفوظة موضوعا للحكم ولا شبهة
في أنه لا يصدق مفاده الا على مجموع الافراد دون كل واحد واحد منها فيكون موضوع
الحكم في القضية المعقولة هو المجموع أيضا لأن الظاهر أن يكون مقام الاثبات تابعا لمقام
الثبوت ما لم تقم قرينة خارجية على خلافه هذا مضافا إلى أن العموم انما يستفاد من
لفظ كل بنحو المعنى الأسمى وبما انه ملحوظ استقلالي فالحكم في القضية انما يثبت له
بنفسه لا لكل فرد من افراد المدخول ومما ذكرنا يظهر الحال في الجمع المحلى
بالألف واللام وذلك لان الجمع لا يصدق على كل واحد واحد من الافراد وانما يصدق على
جملة منها وبما ان لفظة ال المحلى به الجمع يدل على تعريف مدخوله وتعيينه ولا تعين
لشيئ من مراتب الجمع القابلة للانطباق عليها يكون المتعين هو اقصى مراتبه فيكون
الموضوع للحكم هو مجموع الافراد لا كل واحد واحد منها وهكذا الحال في النكرة
الواقعة في سياق النفي أو النهى لان القضية حينئذ تكون سالبة كلية وبما انها نقيض الموجبة
الجزئية تدل على ثبوت الحكم لمجموع الافراد وبالجملة إذا لم تقم قرينة خارجية على
إرادة العموم الاستغراقي فالظاهر من العموم سواء كان مدلولا اسميا أم حرفيا أم مدلولا
سياقيا هو إرادة العموم المجموعي دون الاستغراقي (قلت) ان لفظ كل وإن كان لا يصدق
بمفهومه على كل واحد واحد من افراد مدخوله الا انه انما يؤخذ في الموضوع مرآة
ليثبت الحكم لكل فرد بخصوصه نظير كلمة هر في اللغة الفارسية فكما ان مدلول كلمة
هر مرد لا يصدق على خصوص زيد وعمر ولكنه مع ذلك يفيد عموم الحكم لكل واحد
من الافراد كذلك كلمة كل تفيد هذا المعنى أيضا ولا ينافي ذلك كون لفظ كل من
جملة الأسماء فان كون المفهوم اسميا لا ينافي لحاظه مرآة في مقام تعلق الحكم بشئ
لان المعنى الأسمى انما يتقوم بكونه ملحوظا استقلاليا في مقام الاستعمال واما في
مرحلة الحكم فيمكن كونه ملحوظا مرآة كما هو الحال في جميع العناوين المشيرة
إلى ما هو موضوع الحكم حقيقة واما استعمال كلمة كل في موارد العموم المجموعي
444

فهو وإن كان صحيحا الا انه يحتاج إلى عناية زائدة كما عرفت واما الجمع المعرف
باللام فافادته للعموم ليست مستندة إلى ما ذكر والا كان لمنعها مجال واسع (1) بل
هي مستندة إلى دلالة هذه الهيئة بنفسها على العموم فيما إذا لم يكن عهد فتعين المرتبة
الأخيرة تابع لإفادتها العموم دون العكس وعليه فكما ان مدلول لفظ كل رجل مع أنه
لا يكون صادقا على كل واحد واحد من الافراد يكون ظاهرا في العموم الاستغراقي
كذلك يكون الجمع المعرف باللام أيضا إذ لا فرق بينهما الا في كون العموم في أحدهما
معنى اسميا وفي الاخر معنى حرفيا والا فظهور القضة في ثبوت الحكم لكل واحد
واحد من الافراد مشترك فيه بينهما وذلك لما عرفت من أن إرادة العموم المجموعي
تحتاج إلى عناية زائدة أعني بها اعتبار الأمور المتكثرة أمرا واحدا وبالجملة لو كان
مدخول أداة العموم هو الجمع لكانت مرتبة إفادة الجمع سابقة على مرتبة إفادة العموم

(1) الظاهر أن نظر شيخنا الأستاذ قدس سره في وجه المنع إلى ما ذكره جملة من المحققين
في المقام من أن التعين لا يختص بالمرتبة الأخيرة لان أقل مراتب الجمع متعين أيضا ولكن
التحقيق انه لا يصح ذلك وجها للمنع من التقريب المذكور لدلالة الجمع المعرف باللام على
العموم لان أقل مراتب الجمع وإن كانت متعينة في الإرادة الا انه لا تعين لها في الخارج لوضوح
انه يمكن صدقها على كل ثلثة من الافراد من دون فرق في ذلك بين المعرف وغيره فالمتعين
في الخارج بحيث لا يكون مرددا بين شيئين أو أشياء انما هو مجموع الافراد دون غيره من
مراتب الجمع واما دعوى كون هيئة الجمع المعرف باللام موضوعة لإفادة العموم فهي مدفوعة
بان وضع الهيئة لذلك يستلزم أن يكون استعمال الجمع المعرف باللام في موارد العهد الذكرى
أو الخارجي استعمالا مجازيا وهو باطل بالضرورة ثم لا يخفى انه لا منافاة بين ما اخترناه
في وجه دلالة الجمع المعرف باللام على العموم وما ذكرناه من كون العموم ظاهرا في
الاستغراقي ما لم تقم قرينة على إرادة العموم المجموعي لان صيغة الجمع في ظرف الاستعمال
وإن كانت مستعملة في معنى واحد باستعمال واحد الا ان ذلك المعنى انما يؤخذ فانيا ومرآة
للحاظ الافراد والحكم على كل فرد منها بخصوصه ولا يفرق في ذلك بين كون الجمع معرفا
باللام وعدم كو أنه معرفا به كما في قولنا أكرم علماء البلد فان الظاهر في المتفاهم العرفي
كون المعنى المستعمل فيه الجمع ملحوظا فانيا في الافراد الخارجية ما لم تقم قرينة على كو أنه
ملحوظا على نحو العموم المجموعي
445

لا محالة فالعموم لا يكون واردا على الافراد بل يكون واردا على الجمع ومفيد الثبوت
الحكم لجميع مصاديق الجمع بما هو جمع لكنه على ذلك لا يكون للجمع المعرف
باللام دلالة على العموم الافرادي مجموعيا كان أم استغراقيا ومن الواضح ان الامر ليس
كذلك فالظاهر أن الأداة وهيئة الجمع تردان معا على المادة في عرض واحد ويستفاد
العموم من ورود هما معا عليها فالعموم يكون وارد أعلى نفس الطبيعة فيستفاد منه
العموم الاستغراقي وتحتاج حينئذ إفادة العموم المجموعي إلى مؤنة زائدة واما النكرة
في سياق النفي أو النهى فاستفادة السالبة الكلية منها وإن كانت مما لا تنكر الا ان السلب
فيهما متعلق بنفس الطبيعة فيدل على سلب جميع افرادها واما تعلق السلب بمجموع
الافراد فهو لازم تعلقه بالجميع لا انه بنفسه مدلول للكلام لما عرفت من احتياج اعتبار
الأمور الكثيرة أمرا واحدا إلى عناية زايدة فمع عدم القرينة عليها لا موجب لحمل الكلام
على العموم المجموعي (ثم إن) امتثال الحكم في العام المجموعي إذا كان ايجابيا لا يكون
الا بالاتيان بجميع الافراد واما إذا كان تحريميا فيمكن أن يكون المطلوب مجموع
التروك فلو أخل بواحد منها لم يتحقق الامتثال أصلا ويمكن أن يكون المطلوب
ترك المجموع فيتحقق الامتثال بترك بعض الافراد فلابد في تعيين كل واحد منهما من
قرينة خارجية.
الأمر الرابع: انه وقع الكلام في أن العام المخصص هل هو حقيقة أو مجاز فيه
أقوال ثالثها التفصيل بين المخصص المتصل والمنفصل ورابعها التفصيل بين الاستثناء و
غيره والحق كونه حقيقة مطلقا وفاقا للمحققين من المتأخرين وقد استدل على المختار
بوجوه (الأول) (1) ان العموم في العام المخصص وان لم يكن مراد للمتكلم بالإرادة

(1) لا يخفى ان هذا الوجه هو الوجه الصحيح لاثبات عدم استلزام التخصيص بالمنفصل كون
العام مجازا وتقريبه على وجه يسلم من الاشكال انما هو بان يقال إن لكل لفظ دلالتين إحديهما
دلالته على أن المتكلم به أراد به تفهيم معناه وثانيهما دلالته على أن تلك الإرادة إرادة جدية
وغير ناشئة من الدواعي الاخر كالإمتحان والسخرية ونحوهما اما الدلالة الأولى فقد عرفت
في مبحث الوضع انها مستندة إلى الوضع أعني به تعهد المتكلم بأنه متى ما أراد تفهيم معنى ما
تكلم بلفظ مخصوص وقد ذكرنا هناك ان الدلالة الوضعية منحصرة في ذلك وان الانتقال
من سماع اللفظ إلى المعنى ولو كان اللافظ بغير شعور واختيار غير مستند إلى الوضع وانما
هو ناشئ من الانس الحاصل من كثرة استعمال لفظ ما في معناه وقد مر توضيح ذلك في المبحث
المزبور فراجع واما الدلالة الثانية أعني بها دلالة اللفظ على أن إرادة تفهيم معناه إرادة
جدية فهي غير مستندة إلى الوضع ليكون اللفظ المستعمل في معناه لا بداعي الجد مجازا
بل هي مستندة إلى بناء العقلاء على حمل كل ما يصدر من الفاعل بالاختيار من قول أو فعل على أنه
صدر بداعي الجد لا بغيرة من الدواعي إذا عرفت ذلك فنقول ان العام متى ما استعمل في
الخارج بلا نصب قرينة على عدم إرادة معناه الحقيقي فهو يدل بالدلالة الوضعية على أن المتكلم
به أراد تفهيم المخاطب لتمام معناه كما أنه ببناء العقلاء يدل على أن ارادته تفهيم المعنى إرادة
جدية وناشئة عن كون الحكم المجعول على العام ثابتا له واقعا لكن الدلالة الثانية المعبر عنها
بالحجية كما يتوقف على عدم وجود ما يكون قرينة على اختصاص الحكم ببعض الافراد في
كلام المتكلم كذلك تتوقف على عدم الاتيان بقرينة الاختصاص بعد ذلك ضرورة ان وجود
القرينة المنفصلة يكون مانعا من كشف ظهور العام عن كون الحكم المجعول له ثابتا له
بنحو العموم في الواقع فالقرينة المنفصلة انما تزاحم حجية ظهور العام الثابتة ببناء العقلاء
ولا تزاحم أصل ظهوره الثابت بالوضع ومن الواضح ان رفع اليد عن حجية الظهور لدليل
لا يقتضى رفع اليد عن نفس الظهور ضرورة انه لا ملازمة بين إرادة تفهيم المخاطب إرادة
العموم بحسب التعهد المزبور وكون إرادة التفهيم ناشئة عن ثبوت الحكم لجميع افراد
العام في الواقع فإذا فرضنا ان المولى لا يريد في الواقع الا اكرام خصوص العالم الذي
لا يكون فاسقا وكانت في بيان التقييد بالمتصل مفسدة أو كانت في تأخير بيا أنه مصلحة فلا محالة تكون
مصلحة التسهيل في البيان مقتضية لالقاء الكلام على نحو العموم الدال على إرادة تفهيم العام
بحسب الوضع ثم الاتيان بالمخصص المنفصل الدال على اختصاص الحكم في الواقع بغير افراد
الخاص الكاشف عن أن الداعي إلى إرادة تفهيم العام لم يكن هي الإرادة الجدية الناشئة عن
ثبوت الحكم لجميع افراد العام في الواقع وبالجملة استعمال اللفظ في معناه أعني به إرادة
المتكلم تفهيم المخاطب لمعنى اللفظ الموضوع له أمر وكون هذه الإرادة جدية وناشئة
عن ثبوت الحكم لجميع افراد المستعمل فيه أمر آخر والمخصص المنفصل انما يكون كاشفا
عن عدم ثبوت الحكم لجميع افراد العام في الواقع لا عن كون استعمال العام استعمالا مجازيا
وقد عرفت ان الميزان في كون اللفظ حقيقة انما هو استعماله في معناه ولو لم يكن ذلك
الاستعمال ناشئا عن الإرادة الجدية وبما ذكرناه يظهر ما في كلام الأستاذ قدس سره
في المقام فتدبر جدا
446

الجدية الا انه مراد له بالإرادة الاستعمالية دائما والميزان في كون اللفظ حقيقة انما هو
استعماله في ما وضع له وان لم يكن المستعمل فيه مرادا للمتكلم بالإرادة الجدية (ويرد عليه)
ان الإرادة الاستعمالية ان أريد بها إرادة ايجاد المعنى البسيط العقلاني باللفظ بحيث كان
اللفظ والإرادة مغفولين عنهما حين الاستعمال فهذه بعينها هي الإرادة الجدية التي بها يتقوم
استعمال اللفظ في معنى ماوان أريد بها الإرادة الهزلية المقابلة للإرادة الجدية والداعية
إلى إرادة ايجاد المعنى باللفظ فهي وإن كانت لا تنافى استعمال اللفظ في معناه الموضوع
له لوضوح ان الاستعمال الحقيقي لا يدور مدار كون الداعي إلى الاستعمال هو خصوص الإرادة
الجدية الا انه لا يعقل الالتزام بكون الداعي إلى استعمال العمومات الواردة في الكتاب والسنة
في معانيها هي الإرادة الهزلية (الثاني) ان تخصيص العام لا يستلزم عدم إرادة العموم منه لامكان
447

ان يراد العموم من العام المخصص إرادة تمهيدية (1) ليكون ذكر العام توطئة لبيان
مخصصه وحيث ما كان العموم مرادا من اللفظ كان اللفظ مستعملا في معناه الحقيقي
لا محالة (ويرد عليه) ان ذكر العام للدلالة على معناه دلالة تصورية توطئة للدلالة التصديقية
على المعنى المستفاد من مجموع الكلام بعد ضم بعضه إلى بعض وإن كان صحيحا الا
انه يختص بموارد التخصيص بالمتصل ولا يعم موارد التخصيص بالمنفصل فتبقى دعوى
عدم استلزام التخصيص فيها للمجازية بلا دليل يدل عليه (الثالث) ان العام انما يستعمل
في العموم دائما لكنه من باب جعل القانون والقاعدة في ظرف الشك (2) فلا ينافيه

(1) الظاهر أن مراد القائل بكون العام أريد به معناه إرادة تمهيدية هو ان العام استعمل
في معناه الحقيقي وأريد به معناه بالإرادة المقومة لاستعمال لفظ ما في معناه الموضوع له
أعني بها الإرادة التفهيمية على ما تقدم توضيح ذلك وعليه فيرجع هذا الوجه إلى الوجه
الأول ويختص مورده بالمخصص مورده بالمخصص المنفصل الذي يكون البحث عنه هو المهم في محل الكلام
واما المخصص المتصل فلا اشكال في أن الإرادة التفهيمية في مورده مختصة بالخاص من
أول الأمر كما هو ظاهر
(2) الظاهر أنه ليس المراد من كون العام مستعملا في معناه قانونا وقاعدة هو كون الحكم
المجعول على العام مجعولا عليه في ظرف الشك ليرد عليه ما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره
في المقام بل المراد به هو ان الداعي إلى استعمال العام في معناه الموضوع له على النحو -
448

ورود تخصيص عليه بعد ذلك (ويرد عليه) ان ورود العام في بعض الموارد لبيان حكم
الشك ضربا للقاعدة كما في الاستصحاب وقاعدة الطهارة ونحو هما وإن كان مما لا ينكر
الا ان التخصيص في مثل تلك العمومات في غاية القلة لان تقدم شئ عليها في الغالب
انما يكون بنحو الورود أو الحكومة واما العمومات الواردة لبيان الأحكام الواقعية الثابتة
للأشياء بعناوينها الأولية من دون نظر إلى حال الشك وعد مه فعمل أهل العرف بها حال
الشك لا يكشف عن كونها واردة في مقام ضرب القانون والقاعدة ضرورة ان عملهم بها
عند الشك في ورود التخصيص عليها انما هو من باب العمل بالظهور الكاشف عن كون الظاهر
مرادا واقعا وعن ان المتكلم القى كلامه بيانا لما اراده في الواقع وعليه فيستحيل كون تلك
العمومات واردة لضرب القانون والقاعدة في ظرف الشك كما هو واضح والتحقيق في المقام
ان يقال (1) انه قد ظهر مما ذكرناه ان الميزان في كون اللفظ حقيقة هو كونه مستعملا في
معناه الموضوع له بحيث ان الملقى في الخارج كأنه هو نفس ذلك المعنى البسيط العقلاني
وهذا الميزان متحقق فيما إذا خصص العام كتحققه فيما إذا لم يخصص وذلك من جهة
ان أداة العموم لا تستعمل الا في ما وضعت له كما أن مدخولها لم يستعمل الا فيما وضع له اما
عدم استعمال المدخول الا في نفس ما وضع له فلانه لم يوضع الا لنفس الطبيعة المهملة

- الذي تقدم بيانه انما هو كون العام بيانا للمراد ما لم يكن هناك قرينة على التخصيص فيرجع
هذا الوجه أيضا إلى الوجه الأول فيتحد جميع هذه الوجوه في المعنى والاختلاف بينهما انما
يكون في التعبير
(1) لا يخفى ان ما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره لاثبات عدم استلزام تخصيص العام بالمخصص
المنفصل كون العام مجازا وإن كان متينا على مبناه من أنه لا بد في التمسك بالعموم من
اجراء مقدمات الحكمة في مدخول الأداة فإنه عليه لا يوجب التخصيص بالمنفصل الا تقييد
المدخول كما كان هو الحال في موارد التخصيص بالمتصل غاية الأمر انه اخر بيان القيد في المورد
التخصيص بالمنفصل لأمر يقتضيه الا انه لا يتم بناء على ما حققناه من أن أداة العموم بنفسها
متكفلة لإفادة العموم ولبيان عدم دخل خصوصية ما في حكم المولى وغرضه فإنه على ذلك
يكون المخصص منافيا لهذه الدلالة لولا ما ذكرناه من أن المنافاة انما هي بين المخصص
وحجية ظهور العام لا بينه وبين نفس الظهور على ما تقدم بيانه انفا فالصحيح في بيان عدم
استلزام التخصيص للمجاز هو ما ذكرناه
449

الجامعة بين المطلقة والمقيدة ومن الواضح انه لم يستعمل الا فيها وإفادة التقييد بدال اخر
كافادة الاطلاق بمقدمات الحكمة لا تنافى استعمال اللفظ في نفس الطبيعة المهملة كما هو
ظاهر ففي موارد التخصيص بالمتصل قد استعمل اللفظ في معناه واستفيد قيده الدخيل في
غرض المتكلم من دال اخر واما في موارد التخصيص بالمنفصل فالمذكور في الكلام وإن كان
منحصرا بنفس اللفظ الموضوع للطبيعة المهملة ولاجله كانت مقدمات الحكمة موجبة
لظهوره في إرادة المطلق الا ان الاتيان بالمقيد بعد ذلك يكون قرينة على أن المتكلم اقتصر
حينما تكلم على بيان بعض مراده اما لأجل الغفلة عن ذكر القيد أو لمصلحة في ذلك وعلى
كل تقدير فاللفظ لم يستعمل الا في معناه الموضوع له واما عدم استعمال الأداة الا فيما وضعت
له فلانها لا تستعمل ابدا الا في معناها الموضوع له أعني به تعميم الحكم لجميع افراد ما أريد
من مدخولها غاية الأمران المراد من مدخولها ربما يكون أمرا وسيعا واخرى يكون أمرا
ضيقا وهذا لا يوجب فرقا في ناحية الأداة أصلا (فان قلت) انما ذكرته من عدم استلزام تخصيص
العام كو أنه مجازا لا في ناحية المدخول ولا في ناحية الأداة انما يتم في المخصصات الانواعية
فإنها لا توجب الا تقييد مدخولها فلا يلزم مجاز في مواردها أصلا واما التخصيصات الافرادية
فهي لا محالة تنافى استعمال الأداة في العموم فتوجب المجازية في ناحيتها (قلت) ليس الامر
كذلك فان التخصيص الافرادي أيضا لا يوجب الا تقييد مدخول الأداة غاية الأمران قيد
الطبيعة المهملة ربما يكون عنوانا كليا كتقييد العالم بكونه عادلا أو بكونه غير فاسق وقد
يكون عنوانا جزئيا كتقييده بكونه غير زيد مثلا وعلى كل حال فقد استعملت الأداة في معناها
الموضوع له ولا فرق فيما ذكرناه من عدم استلزام التخصيص للتجوز بين القضايا الخارجية
والقضايا الحقيقية لان الأداة في كل منهما لا تستعمل الا في تعميم الحكم لجميع افراد ما أريد
من مدخولها واما المد خول فهو أيضا لا يستعمل الا في نفس الطبيعة اللابشرط القابلة لكل
تقييد وكون القضية خارجية أو حقيقية انما يستفاد من سياق الكلام ولا ربط له بمداليل
الألفاظ نظير استفادة الاخبار والانشاء من هيئة الفعل الماضي على ما تقدم (1) وبالجملة
ان أداة العموم لا تستعمل الا فيما وضعت له سواء ورد تخصيص على العام أم لم يرد وسواء

(1) وقد تقدم ان الفرق بين الخبر والانشاء انما هو من ناحية الوضع وان المستعمل فيه في
كل منهما مغاير لما يستعمل فيه الآخر فراجع
450

كانت القضية حقيقية اما كانت خارجية فلا فرق بين موارد التخصيص وغيرها الا ان التخصيص
بالمتصل أو المنفصل يوجب تقييد مدخول الأداة ومن الظاهر أن التقييد لا يوجب كون
ما يرد عليه القيد مستعملا في غير ما وضع له أصلا على ما سيجيئ تحقيقه في محله انشاء الله
تعالى (واما توهم) ان التخصيص إذا كان راجعا إلى تقييد مدخول أداة العموم ورافعا لاطلاقه
كان حال العام حال المطلق الشمولي في أن استفادة العموم منه تحتاج إلى جريان مقدمات
الحكمة في مورده وعليه فلا وجه لما تقدم سابقا من تقدم العام على المطلق عند التعارض
وبالجملة ان شمول الحكم لكل فرد من افراد العام إن كان مستندا إلى الدلالة الوضعية
كان التخصيص الكاشف عن عدم الشمول مستلزما لكون العام مجازا وان لم يكن الشمول
المزبور مستندا إلى الوضع بل كان مستفادا من مقدمات الحكمة لم يكن موجب لتقدم
العام على المطلق عند المعارضة (فهو مدفوع) بما مر في بحث مقد مه الواجب من أن احراز
لحاظ الماهية مطلقة وإن كان يتوقف على جريان مقدمات الحكمة في كل من المطلق
والعام الا ان وجه تقدم العام على المطلق انما هو من جهة ان أداة العموم تتكفل بمدلولها
اللفظي (1) سراية الحكم بالإضافة إلى كل ما يمكن ان ينقسم إليه مدخولها وهذا بخلاف
المطلق فان سراية الحكم فيه إلى الأقسام المتصورة له انما هي من جهة حكم العقل بتساوي
افراد المطلق في انطباقه عليها وحيث ما فرض هناك عام دل بمدلوله اللفظي على عدم تسوية
افراد المطلق فهو يكون بيانا له ومانعا من سراية الحكم الثابت له إلى تمام افراده
(هذا كله) بناء على ما هو الصحيح من أنه ليس للمركبات وضع اخر زائدا على وضع مفرداتها
واما بناء على ثبوت الوضع لها فلا اشكال أيضا في أن التخصيص بالمتصل لا يستلزم كون العام

(1) إذا كانت أداة العموم بمدلولها اللفظي متكفلة بسراية الحكم إلى جميع افراد مدخولها
لدلالتها بالوضع على عدم دخل شئ من الخصوصيات اللاحقة للطبيعة المستعمل فيه مدخولها
في نظر المتكلم فماذا يكون بعد ذلك موجبا للحاجة إلى جريان مقدمات الحكمة في
مدخولها وبالجملة المعنى المستفاد من مدخول الأداة سواء كان في نفسه جنسا أم كان نوعا أم
كان صنفا قابل لان ينقسم إلى تقسيمات كثيرة بالإضافة إلى ما يلحقه من الخصوصيات فإذا
كانت أداة العموم مفيدة لسراية الحكم إلى جميع تلك الأقسام ولعدم دخل شئ من تلك
الخصوصيات في غرض المولى لم يبق مجال لتوهم الحاجة إلى جريان مقدمات الحكمة أصلا
وقد مر توضيح الحال في ذلك عن قريب.
451

مجازا لان غاية ما يترتب على التخصيص المتصل هو أن تكون دائرة العموم ضيقة من أول الأمر
فلا يفرق الحال في ذلك بين القول بوضع المركبات والقول بعدمه واما في موارد
التخصيص بالمنفصل فربما يقال بكون العام مجازا باعتبار مجموع الأداة والمدخول
حينئذ يكون موضوعا لإفادة إرادة جميع افراد المدخول من العام فالتخصيص يكشف
عن عدم استعماله فيما وضع له فيكون مجازا ولكنه بمعزل عن التحقيق لان دلالة العام
على إرادة تمام الافراد ولو على القول بوضع المركبات ليست كدلالة لفظ العشرة على
الآحاد المندرجة تحتها بل ثبوت الحكم لها انما هو بتوسط عنوان كلي الذي هو بمنزلة
الأكبر في الكبرى الكلية وعليه فالتخصيص يكون كاشفا عن أن مدلول العام لم يكن بتمام
المراد بل كان له قيد اخر قد اخر بيانه لأمر يقتضيه فيكون المخصص مقيدا للعام ورافعا
لاطلاقه لا موجبا لمجازيته.
(فصل إذا خصص العام فهو حجة في غير افراد المخصص مطلقا)
اما في موارد التخصيص بالمتصل فالوجه في ذلك ظاهر لأنه تخصيص في تلك الموارد
حقيقة وانما تكون دائرة العموم فيها ضيقة من أول الأمر فالتمسك بالعام في موارد الشك
في التخصيص يكون تمسكا بالعموم من غير ثبوت تخصيص فيه أصلا واما في موارد التخصيص
بالمنفصل فالوجه فيه (1) هو ما قد عرفت من أن التخصيص في القضايا الخارجية أو الحقيقية
سواء كان التخصيص انواعيا أم كان افراديا انما يزاحم اطلاق المدخول فيكون مقيدا له
ولا يكون مصادما للعموم ابدا فإذا كان للمدخول اطلاق من جهات عديدة وفرض ورود
مقيد عليه من جهة وارتفع اطلاقه من تلك الجهة فلا وجه لرفع اليد عن اطلاقه من بقية
الجهات كما هو الحال في غير المقام من موارد التمسك بالاطلاق (واما ما يقال) من أن العام

(1) بل الوجه فيه ما عرفت من أن المخصص المنفصل انما يزاحم حجية ظهور العام لا نفس
ظهوره إذ عليه يكون ظهور العام حجة ما لم تثبت حجة أقوى منه على خلافه وبما ان المفروض
في محل الكلام انه لا حجة على خلاف العام في غير مورد ثبوت التخصيص يكون ظهور العام
حجة فلا بد من الاخذ به وبالجملة إذا ثبت ان التخصيص بالمنفصل لا يستلزم كون العام مجازا وانه
لا يزاحم ظهوره فلا بد من الاخذ به ما لم يزاحمه دليل أقوى منه وبما انه ليس في غير
مورد التخصيص دليل على خلاف ظهور العموم لا بد من الاخذ بظهوره فتدبر جيدا.
452

بعد تخصيصه وانكشاف عدم استعماله في العموم يكون مجازا لا محالة فلا ينعقد له ظهور
في تمام الباقي لان مراتب المجاز متعددة ولا موجب لتعيين إحداها أعني بها تمام الباقي من
دون قرينة تدل على ذلك (فقد ظهر) فساده مما ذكرناه انفا من أن التخصيص لا يستلزم
المجاز في ناحية العام أصلا وانما يوجب تقييد المدخول وهو لا يستلزم استعمال اللفظ في غير
ما وضع له ولا سيما في القضايا الحقيقية التي لم تلحظ الافراد فيها بأنفسها مع أنها هي العمدة
في ما هو محط الانظار في محل الكلام ومورد النقض والابرام ثم إنه لو سلم استلزام التخصيص
للمجاز في ناحية العام ولو كان ذلك من جهة الالتزام بثبوت الوضع للمركبات فالظاهر
أيضا عدم سقوط العام عن الحجية بالنسبة إلى غير افراد المخصص لان دلالة العام على
ثبوت الحكم لكل واحد واحد من الافراد ليست منوطة ومتوقفة على دلالته على ثبوت الحكم
لغيره من الافراد قطعا فكما ان ثبوت الحكم لكل فرد غير منوط بثبوته لغيره من الافراد على
ما حققناه من كون العام ظاهرا في العموم الاستغراقي دون المجموعي كذلك دلالته على
ثبوت الحكم لكل فرد غير منوطة بدلالته على ثبوت الحكم للفرد الاخر وهذا نظير ما إذا قيل
أكرم هؤلاء مشارا به إلى جماعة خاصة فكما ان تخصيص بعض الافراد في مثل ذلك لا ينافي وقوع
الإشارة إلى الجميع وكون كل واحد من الافراد الباقية بعد التخصيص محكوما عليه بوجوب
الاكرام وان قلنا باستلزام التخصيص لكون الاستعمال مجازيا كذلك يكون الحال فيما إذا
كانت الدلالة على ثبوت الحكم لجميع الافراد بلفظ عام فان دلالته على حكم كل فرد و
شموله له لا تتوقف على دلالته على حكم الفرد الآخر وشموله له فهناك دلالات عرضية فإذا
سقطت إحداها عن الحجية بقيت غيرها من الدلالات على حجيتها ضرورة انه إذا لم تكن
دلالة العام على ثبوت الحكم لفرد دخيلة في دلالته على ثبوته لفرد اخر لم يكن خروج فرد
ما عن الحكم منافيا لبقاء دلالته على حكم الفرد الآخر وعليه فخروج بعض افراد العام عن
حكمه ولو سلم انه يستلزم المجاز لا يوجب ارتفاع دلالته على ثبوت الحكم لبقية الافراد
التي لا يعمها المخصص ومما ذكرناه يظهر ان المجاز اللازم للتخصيص يغاير المجاز المتحقق
في مثل قولنا رأيت أسدا إذا أريد منه الرجل الشجاع فان لزوم المجاز في المقام انما هو
من جهة خروج بعض ما كان داخلا في المفهوم المستفاد من لفظ العام واما دخول الباقي
فهو غير مستند إلى كون الاستعمال مجازيا كما عرفت وهذا بخلاف لزوم المجاز في المثال
453

فإنه من جهة استعمال اللفظ في معنى مباين للموضوع له لم يكن يعمه المعنى الحقيقي فإذا
تعددت المعاني المجازية كان تعيين بعضها بخصوصه محتاجا إلى قرينة خارجية وعليه فالعام
يدل على ثبوت الحكم لكل من الافراد مستقلا فخروج بعضها عن حكمه لا يوجب سقوط
دلالته عن غير الخارج ولو سلمنا كون الاستعمال مجازيا (هذا) ملخص ما افاده بعض مقرري
بحث أستاذ الأساطين الشيخ الأنصاري (قده) وعليه فلا موقع لما اورده عليه
في الكفاية فراجع.
(فصل إذا كان المخصص مجملا فهل يسرى اجماله إلي العام)
فيه تفصيل وقبل الخوض في تحقيق الحال لابد من التنبيه على أمر وهو انه قد تكرر
في كلماتهم ان المخصص المنفصل لا يوجب تعنون العام بشئ والمراد بذلك هو بيان الفرق
بين المخصص المتصل والمخصص المنفصل بأن التخصيص إذا كان بمتصل فلفظ العام في الكلام
وإن كان مفيد التمام معناه بالدلالة التصورية الا ان اتصال المخصص به يوجب قصر الدلالة
التصديقية على غير موارد التخصيص فيقال في مثل اكرام العلماء الا فساقهم ان المولى أراد
اكرام العلماء بشرط ان لا يكونوا فاسقين واما إذا كان التخصيص بمنفصل فظهور العام
المنعقد في ظرفه لا يرتفع بورود التخصيص عليه لان الشيئ لا ينقلب عما وقع عليه
غاية الأمر انه ينتهى بورود المخصص أمد كشف العام عن إرادة العموم واقعا ضرورة ان ورود
المخصص يكشف لا محالة عن عدم إرادة ذلك الظاهر لبا فيختص الحكم بغير موارد
التخصيص (وبعبارة أخرى) المخصص المتصل يمنع انعقاد الظهور للعام الا في المعنى
الخاص واما المخصص المنفصل فهو لا يمنع ولا يرفع ظهور العام في العموم وانما يكون
رافعا لحجيته في موارد التخصيص وكاشفا عن قصر الحكم بحسب مقام الثبوت على غيرها
(واما ما) في بعض العبارات من أن المخصص المنفصل كالمخصص المتصل في أنه يوجب
تعنون العام بغير عنوان الخاص فقد أريد به ما ذكرناه من أن المخصص المنفصل يكشف
عن قصر الحكم على غير موارد التخصيص فلا منافاة بين التعبيرين فان من قال إن المخصص
المنفصل لا يوجب تعنون العام أراد به انه لا يصادم ظهوره ومن قال إنه يعنونه أراد به
انه يكشف عن قصر الحكم في مقام الثبوت على غير موارد التخصيص فلا تشتبه (إذا عرفت
454

ذلك) فنقول المخصص اما أن يكون متصلا أو يكون منفصلا وعلى كل تقدير فاما أن يكون
اجماله لدورانه بين الأقل والأكثر أو لدورانه بين المتباينين (اما المخصص المتصل)
فالحق ان اجماله يسرى إلى العام مطلقا فان القرينة المتصلة وان لم تصادم الدلالة التصورية
اللازمة لسماع اللفظ عند العالم بالوضع الا انها كما عرفت تصادم الدلالة التصديقية أعني
بها دلالة الكلام على ما يريده المتكلم به فيدل التخصيص المتصل على أن ما اراده المتكلم انما هو
خصوص المقيد من أول الأمر وعليه فإذا كانت القرينة مجملة فيما أريد بها لدورانه بين المتباينين أو
لدورانه بين الأقل والأكثر كان ما اراده المتكلم من مجموع كلامه بعد ضم بعضه إلى بعضه الاخر
مرددا عند السامع فلا ينعقد لكلامه ظهور فيما اراده فيكون مجملا لا محاله (واما
المخصص المنفصل) فقد عرفت انه لا يوجب ارتفاع الدلالة التصديقية من العام غاية الأمر
أنه يكون كاشفا عن قصر المراد الواقعي على غير موارد التخصيص فلا يبقى مجال للزوم
اتباع العام على اطلاقه فإذا قال المولى أكرم العلماء مثلا ولم يذكر في الكلام قرينة متصلة
انعقد لكلامه ظهور في العموم وبمقتضى أدلة حجية الظهور يكون هذا الظهور متبعا و
كاشفا عن أن مراد المولى هو اكرام كل عالم فاسقا كان أم عادلا لكنه إذا دل دليل منفصل
على عدم وجوب اكرام فساق العلماء كان هذا الدليل كاشفا عن أن مراد المولى واقعا
لم يكن هو اكرام مطلق العالم بل خصوص ما لم يكن فاسقا فتكون القرينة المنفصلة
كاشفة عما اراده المولى واقعا وعليه فإذا كان المخصص المنفصل مجملا لدورانه بين
المتباينين سرى اجماله إلى العام قهرا ضرورة انه يدل على تقييد مراد المولى واقعا بشئ
غير معين فيكون موجبا لاجماله كالمخصص المتصل غاية الأمران المخصص المتصل يوجب
ارتفاع نفس الظهور في العموم والمخصص المنفصل يوجب ارتفاع حجيته وعلى كل تقدير
يكون المراد الواقعي مرددا وغير متعين لا محالة وهذا بخلاف ما إذا كان اجمال المخصص
لدورانه بين الأقل والأكثر فان اجماله لا يسرى إلى العام بل يكون العام متبعا في غير ما
علم خروجه من حكم x افراده فان المفروض ان العام كان ظاهرا في تمام افراده و
القدر الذي خرج من حكمه وقيد به المراد الواقعي هو ما أريد من المخصص قطعا واما
مالا يقين بخروجه مما يحتمل شمول المخصص له فالخاص بما انه لا ظهور له فيه لا يكون
هادما لظهور العام فيه ورافعا لكشفه عن المراد الواقعي فيبقى ظهوره فيه بلا معارض (والحاصل)
455

ان أصالة الظهور لا تكون في الحجية بأضعف من الأصول العملية فكما ان دليل حرمة
اكرام العالم الفاسق إذا تردد الامر فيه بين أن يكون المراد بلفظ الفاسق فيه خصوص
مرتكب الكبيرة أو الأعم منه ومن مرتكب الصغيرة لا يكون مانعا من اجراء أصالة البراءة
عن اكرام مرتكب الصغيرة كذلك لا يكون ذلك الدليل مانعا من التمسك بعموم دليل
وجوب اكرام العلماء المفروض شموله لمرتكبي الصغاير من العلماء أيضا
(فان قلت) ان دليل حرمة اكرام العالم الفاسق وان لم يكن رافعا لظهور دليل وجوب اكرام
العلماء الا انه لا محالة يوجب تقيد المراد الواقعي بغير الفاسق وبما ان المفروض اجمال مفهوم
الفاسق لتردده بين الأقل والأكثر يكون من يجب اكرامه من العلماء بحسب المراد الواقعي
مرددا بين الأقل والأكثر أيضا فلا يكون حينئذ فرق بين المخصص المتصل والمنفصل الا
فيما ذكر من أن الأول رافع للظهور من أول الأمر دون الثاني واما بالنسبة إلى التقييد المراد
الواقعي فكل منهما يوجب اجماله بالضرورة واما ما ذكر من جريان الأصول العملية عند دوران
دليل الحرمة بين الأقل والأكثر في المقدار الزايد على المتيقن فإنما هو من جهة ان موضوع
الأصول العملية هو عدم العلم وهو موجود عند الدوران المذكور وجدانا وهذا بخلاف
الأصول اللفظية فإنها انما تعتبر لأجل كشفها عن المراد الواقعي فإذا كان مرددا بين الأقل
والأكثر لتردد المخصص واجماله لم يبق موضوع للتمسك بها وهذا هو الفارق بين الأصول
اللفظية والعملية
(قلت) قد ذكرنا سابقا ان الاحكام انما تتعلق بالمفاهيم باعتبار كونها مرآة للحقايق
التي تطابقها في الخارج لا بما هي مفاهيم وعليه فإذا كان دليل وجوب اكرام العالم عاما
بالنسبة إلى كل انقسام يمكن ان يفرض في مفهوم العالم ككونه مرتكب الكبيرة وغيره
وكونه مرتكب الصغيرة وغيره إلى غير ذلك من الانقسامات فبإزاء كل انقسام يفرض في
العام تكون فيه جهة اطلاق لا ترفع اليد عنها الا بدليل فإذا ورد مخصص منفصل مردد بين
الأقل والأكثر كدليل حرمة اكرام العالم الفاسق كان اللازم هو رفع اليد عن اطلاق دليل
العام بالإضافة إلى مرتكب الكبيرة المعلوم ارادته من الخاص واما مرتكب الصغيرة فلم
يعلم دخوله في مفهوم الفاسق المقيد للعام بما انه حاك عن مطابقه في الخارج فلا يكون
هناك موجب لرفع اليد عن ظهور العام في شموله له فالاطلاق من هذه الجهة بلا معارض
456

لقصور دليل المخصص عن التقييد بعدم كون العالم مرتكب الصغيرة على الفرض (وبالجملة)
ان ظهور دليل العام في وجوب اكرام العالم المرتكب للصغيرة محفوظ بعد ورود المخصص
المنفصل أيضا على الفرض واما حجيته فالمانع منها منحصر بما يدل على عدم وجوب
اكرامه الكاشف عن تقيد المراد الواقعي بعدمه والمفروض انه لا دليل عليه لاجمال المخصص
فيبقى ظهور العام فيه بلا معارض فيكون رفع اليد عنه بلا موجب واما الشك في شمول
دليل المخصص لمرتكب الصغيرة من جهة اجمال مفهوم الفاسق فهو وإن كان موجودا الا
انه لا يترتب عليه اثر ضرورة ان ما هو من انقسامات العام أعني به انقسام العام في المثال
إلى مرتكب الصغيرة وغيره يكون الاطلاق بالإضافة إليه حجة بلا مزاحم واما ما ليس
من انقساماته ككون لفظ الفاسق موضوعا لخصوص مرتكب الكبيرة أو للأعم منه ومن
مرتكب الصغيرة فلا يكون الشك فيه بنفسه موضوعا لاثر عملي فالشك فيما وضع له لفظ
الفاسق مثلا وإن كان بعد باقيا على حاله الا ان الأثر انما هو مترتب على ما يراد بلفظ الفاسق
في مقام الاستعمال وبما ان المفروض انه لم يعلم إرادة الأعم من مرتكب الصغيرة بلفظ الفاسق
الوارد في دليل حرمة اكرام العالم الفاسق يكون ظهور العام الشامل له باطلاقه باقيا على
حاله من غير مزاحم له (واما ما ذكر) من أن حجية الأصول اللفظية انما هي من جهة الكشف
عن المراد الواقعي فهو وإن كان صحيحا الا ان جريانها يختص بموارد الشك كالأصول
العملية غاية الأمر ان الشك في الأصول العملية اخذ موضوعا في لسان أدلتها واما في الأصول
اللفظية فهو مورد لجريانها وهذا ليس بفارق بعد اشتراكهما في عدم الجريان الا في
موارد الشك.
بقي هناك أمور
(الأول) انه إذا دل دليل على حرمة اكرام زيد مثلا واحتمل أن يكون المراد
به زيد العالم أو غيره فدار الامر بين التخصص والتخصيص في دليل العام فهل يكون
عموم اكرام العلماء حينئذ دالا على وجوب اكرام زيد العالم ومبنيا لكون المراد من
دليل الحرمة غير زيد العالم (ربما يقال) بان العلم الاجمالي بحرمة اكرام زيد المردد
بين العالم وغيره موجب لترك اكرامهما ولا يكون عموم العام موجبا لانحلال العلم الاجمالي
457

فان دليل العموم انما هو بمنزلة الكبرى الكلية غير المتكفلة ببيان حال الافراد وليس
حال حال البينة القائمة على أن زيدا العالم يجب اكرامه الموجبة لانحلال العلم يقينا
فإنها متكفلة ببيان حال الفرد فتكون موجبة للانحلال لا محالة واما دليل العالم فبما انه
لا نظر له إلى خصوص فرد لا يكون موجبا لانحلال العلم الاجمالي فيسقط العموم عن الحجية
بالإضافة إلى زيد العالم أيضا (ولكنه لا يخفى) ان دليل العام وان لم يكن متكفلا ببيان
حكم خصوص فرد من الافراد ابتداء الا انه لا محالة يثبت له الحكم بعد انضمام الصغرى
إلى الكبرى الكلية المستفادة من دليل العالم فإذا ثبت له حكم وجوبي بمقتضى العموم
ارتفعت عند الحرمة بالملازمة فتتعين الحرمة في الطرف الآخر بالملازمة والمثبت من
الأصول اللفظية لكونها ناظرة إلى الواقع يكون متبعا بلا كلام فيكون دليل العام كقيام
البينة موجبا لانحلال العلم الاجمالي لما ثبت في محله من أن الانحلال كما يتحقق باثبات
الحكم المعلوم بالاجمال في طرف كذلك يتحقق بنفيه عن ذلك الطرف وبما ان دليل
العام ينفى الحرمة عن أحد طرفي العلم الاجمالي يوجب انحلاله واختصاص الحكم بالحرمة
بالطرف الاخر.
(الثاني) إذا تردد أمر فرد بين دخوله في افراد المخصص وعدمه لا من جهة
اجمال مفهوم المخصص بل من جهة شبهة خارجية ففي جواز التمسك بالعموم حينئذ وعدمه
خلاف ربما ينسب إلى المشهور والأشهر جوازه لأجل فتواهم بالضمان فيما إذا دار أمر
اليد بين أن يكون يد ضمان وعدمه بل ربما ينسب إلى العلامة الأنصاري (قده) التمسك
بعمومات أدلة انفعال الماء في الحكم بنجاسة الماء المردد امره بين كونه قليلا قابلا للانفعال
وكونه كثيرا معتصما بنفسه وسيأتى الكلام في صحة نسبة ذلك إلى المشهور وعدمها
انشاء الله تعالى (وكيف كان) فالحق هو عدم جواز التمسك بعموم العام عند الشك من
جهة الشبهة الخارجية سواء في ذلك القضية الحقيقية والقضية الخارجية (اما القضية
الحقيقية) فلما عرفت من أن شأن أداة العموم فيها انما هو تسرية الحكم إلى كل قسم من
الأقسام التي يمكن انقسام مدخول الأداة بالإضافة إليها مثلا العالم يمكن أن يكون نحويا
وأن يكون غير نحوي كما يمكن أن يكون عادلا وأن يكون غير عادل وهكذا بالإضافة إلى بقية
الخصوصيات التي بها ينقسم مفهوم العالم إلى أقسام كثيرة فإذا ورد الدليل على وجوب اكرام كل عالم
458

كانت أداة العموم مفيدة لسراية الحكم إلى كل قسم من هذه الأقسام لكنه إذا ثبت بدليل اخر
تخصيص ذلك العام كما إذا ورد في الدليل انه لا يجب اكرام العالم الفاسق فهذا الدليل وان
لم يكن موجبا لرفع ظهور العام في العموم لأن المفروض تمامية دلالته التصديقية بعدم اتيان
المتكلم في كلامه بما يوجب تخصيص ذلك العالم إلا أنه يوجب تقييد المراد الواقعي بكشفه
عن أن المتكلم لم يبين أولا الا بعض مراده وقد وكل بيان تمام مراده إلى دليل اخر منفصل
لحكمة دعته إلى ذلك فإذا انكشف كون المراد الواقعي معنونا بعنوان خاص وسقطت
حجية ظهور العام بالإضافة إلى افراد المخصص لم يبق مجال توهم التمسك به لاثبات الحكم
لما لا يعلم أنه من افراد المعنون بذلك العنوان الخاص فكما لا يصح التمسك بعموم الدليل
المزبور لاثبات وجوب اكرام من شك في كونه عالما فان دليل العام غير متكفل باحراز
من يكون عالما في الخارج بل هو متكفل باثبات الحكم عند تحقق موضوعه المقدر وجوده
كذلك لا يصح التمسك به لاثبات الحكم للعالم المحتمل فسقه بعد ورود التخصيص عليه
بمثل لا تكرم فساق العلماء وتقييد المراد الواقعي بغير الفاسق لان اثبات الحكم لشيئ
خارجا انما هو فرع احراز تحقق تمام موضوعه وبما ان المفروض في محل البحث ان تحقق
تمام الموضوع مشكوك فيه في الخارج لا يمكن التمسك بعموم العام لاثبات الحكم للفرد
المشكوك فيه (واما القضية الخارجية) فلان غاية ما يمكن ان يتمسك به لجواز التمسك
بالعموم في الشبهة المصداقية فيها هو ان المتكلم في موارد القضايا الخارجية هو الذي تكفل
باحراز انطباق عنوان العام على المصاديق الخارجية فيكون ظهور كلامه متبعا في غير
ما علم خروجه وجه من حكم العام بالعلم بدخوله في عنوان الخاص (ولكنه يندفع) بانا لا نشك
في أن نحو استعمال العام في القضايا الخارجية لا يباين نحوه في القضايا الحقيقية في أن عنوان
العام انما يؤخذ في موضوع الحكم في مقام الاثبات مرآة إلى افراده الخارجية أو المقدرة
وانما الفرق بينهما هو ان العام في القضايا الحقيقية مع كونه مرآة لافراده المقدر وجودها
في الخارج يكون له دخل ثبوتا في ثبوت الحكم للافراد فيكون العام وسطا في الثبوت
وهذا بخلاف القضايا الخارجية فان عنوان العام لا يكون فيها دخيلا في ثبوت الحكم
أصلا وانما يكون ثبوت الحكم للافراد بملاك آخر يقتضيه لكن هذا الفرق لا يكون
فارقا فيما نحن بصدده من كون عنوان العام مأخوذا مرآة لافراده الخارجية أو المقدرة
459

فإذا كان الاستعمال فيهما على نهج واحد فبورود دليل التخصيص بمثل لا تكرم ادعائي
يستكشف ان المتكلم لم يكن محرزا لحال الافراد من هذه الجهة وانما وكل احرازه إلى
نفس المخاطب فيكون دليل التخصيص مقيدا للمراد الواقعي في المثال المزبور بغير
الأعداء فلا يمكن التمسك بالعموم عند عدم احراز القيد كما كان الحال كذلك في القضايا
الحقيقية بعينها ومما ذكرنا يظهر عدم جواز التمسك بعموم الحكم أيضا في الشبهات
المصداقية فان عموم الحكم انما يتبع عموم موضوعه وبما ان صدق موضوعه بعد تخصيصه
على الفرد المحتمل كونه من افراد المخصص يكون مشكوكا فيه لا يمكن التمسك
بعموم الحكم أيضا (فان قلت) إذا كان موضوع دليل التخصيص في القضية اللفظية مثل
كلمة هؤلاء ودار امرها بين أن تكون إشارة إلى خمسة افراد من افراد العام أو أكثر
منها مثلا فلا اشكال في أن مقتضى القاعدة حينئذ هو التمسك بالعموم في غير ما علم وقوع
الإشارة عليه من الافراد وعليه فماذا يكون فارقا بينه وبين ما هو محل الكلام في الشبهة
المصداقية (قلت) الفارق هو ان الشك إذا كان ناشئا من وقوع الإشارة على الخمسة
أو الأكثر فلا محالة كان ما هو المراد من الخاص مرددا بين الأقل والأكثر من جهة
اجمال المفهوم ولا شبهة في أن مقتضى القاعدة فيه هو التمسك بعموم العام نعم إذا علم
وقوع الإشارة على جماعة معينة معنونة بعنوان الجهال مثلا كما إذا قال لا تكرم هؤلاء
الجهال مشيرا به إلى جماعة بعينها ثم دار الامر في فرد بين دخوله فيها وخروجه عنها لم
يمكن التمسك فيه بالعموم وكان حاله حال القيام بعينه.
(ثم إنه) ربما يتمسك لجواز التمسك بعموم العام في الشبهة المصداقية بقاعدة
المقتضى والمانع بتقريب ان عنوان العام انما هو من قبيل المقتضى لثبوت الحكم
لكل واحد من الافراد المتحققة في الخارج وعنوان الخاص انما هو من قبيل المانع
له فإذا أحرز المقتضى وشك في وجود المانع فلا بد من الاخذ بالمقتضى والحكم
بوجود مقتضاه (ويرد عليه) مضافا إلى عنوان المخصص لا ينحصر في كونه من قبيل
المانع دائما بل ربما يكون من قبيل الشرط أو الجزء كما في قوله عليه السلام لا صلاة
الا بطهور (1) أو بفاتحة الكتاب ان قاعدة المقتضى والمانع مما لم يدل عليها دليل

(1) التحقيق ان مثل هذه التراكيب خارجة عن محل الكلام في المقام فان محل الكلام انما هو
ما إذا اورد حكم تكليفي أو وضعي على عام قد خرج عنه بعض مصاديقه ومن الواضح انه ليس
الامر في التراكيب المزبورة كذلك لان المستفاد منها حسب المتفاهم العرفي هو الحكم بعدم
امكان تحقق موضوع القضية خارجا عقلا أو شرعا الا عند اقترانها بما هو مذكور في المستثنى
فالمستفاد من قضية لا صلاة الا بطهور انه لا يمكن تحقق الصلاة في الخارج الا عند اقترانها
بالطهور فدعوى ظهور القضية في كون عنوان الخاص من قبيل المانع بالإضافة إلى الحكم
الثابت للعام غير شاملة لا مثال هذه التراكيب فلا يرد عليها النقض بها
460

شرعي أو عقلي فكيف يمكن التمسك بها في اثبات قاعدة أصولية أو فرعية (واما ما) ربما
يقال في وجه الجواز من أن عموم العام حجة فيما لا يكون هناك حجة أقوى على خلافه
وبما ان دليل المخصص لا يكون حجة في الافراد التي لم يحرز دخولها تحت عنوان
موضوعه تبقى حجية العام فيها بلا معارض بل ربما تقاس أصالة العموم بالأصول العملية
التي لا اشكال في جريانها في الشبهات المصداقية فلتكن أصالة العموم مثلها أيضا (فمدفوع)
بان دليل المخصص بعد تقييده للعام بغير افراد الخاص الواقعية وثبوت هذا التقييد
عند المخاطب يوجب ارتفاع حجية دليل العام الا في المقيد بغير عنوان الخاص وبما
ان صدق المقيد بعد ثبوت التقييد على مورد الشبهة يكون مشكوكا فيه لا يمكن التمسك
فيه بعموم العام قطعا واما قياس الأصل اللفظي بالأصول العملية فيبطله ان حجية الأصل
العملي في مورد الشبهة المصداقية انما هي لأجل ان تمام موضوعه هو الشك وهو متحقق
في مورد الشبهة وجدانا وهذا بخلاف الأصل اللفظي فان حجيته انما هي من جهة كشفه
عن المراد الواقعي ومن البديهي ان ورود التخصيص وتقييده للمراد الواقعي لا يبقى
محلا لكشف عموم العام عن المراد الواقعي الا في غير افراد الخاص فلا يكون العموم
حجة الا في المقدار الباقي بعد التخصيص وبما ان المفروض عدم تكفل دليل العام
بكشف حال الافراد من جهة دخولها في عنوان الخاص وعدمه لا يمكن التمسك به
في الافراد المشتبهة يقينا (واما نسبة) التمسك بالعموم في موارد الشبهة المصداقية
إلى المشهور من جهة ذهابهم إلى الضمان فيما إذا دار الامر بين كون اليد عادية وكونه
غير عادية (فتحقيق الحال) فيها هو ان مسألة جواز التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية
وعدمه لم تكن محررة في كلام المشهور ولم يعلم أن وجه ذهابهم إلى الضمان هو ماذا
فقد ذهب بعضهم إلى أنه من جهة تجويزهم التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية وذهب
آخر إلى أنه من جهة التمسك بقاعدة المقتضى والمانع نظرا إلى أن اليد مقتضية للضمان
461

وكونها يد أمانة مانعة من ذلك فإذا شك في وجود المانع بعد احراز المقتضى حكم
بعد مه وذهب ثالث إلى أنه من جهة صحة جريان الاستصحاب في الاعدام الأزلية حتى فيما
أخذت في موضوع الحكم على نحو مفاد ليس الناقصة نظرا منه إلى أن موضوع الضمان
هو الاستيلاء على مال الغير المتصف بكونه مقارنا لعدم رضاه فإذا أحرز الاستيلاء بالوجدان
يجرى استصحاب عدم رضا المالك فيثبت الضمان وهذه التوجيهات كلها من باب التظني
والتخرص على الغيب لان المتحقق الثابت من المشهور انما هو مجرد الفتوى بالضمان
واما كون مستندهم في هذه الفتوى هو أحد هذه الأمور المذكورة فلا شاهد له في
كلماتهم أصلا مضافا إلى أنه لم يظهر من المشهور في غير المقام العمل بأحد هذه المباني
مع أنها غير صحيحة في أنفسها اما قاعدة المقتضى والمانع واستصحاب العدم الأزلي فيما
كان العدم مأخوذا في الموضوع نعتا فلما سيجيئ في محله من عدم الدليل عليهما
واما التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية فلما عرفت آنفا من عدم جوازه بل إنه
لا يمكن جعل المستند في هذه الفتوى هو تجويز التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية
لان الكلام في جواز التمسك بالعموم في موارد الشبهة المصداقية انما هو فيما إذا
كان ظهور العام منعقدا في العموم وارتفعت حجيته بدليل مخصص منفصل واما موارد
انعقاد الظهور من أول الأمر في الخاص فلا يعقل التمسك فيها بالعموم في مورد الشك
قطعا وعليه فإذا كان موضوع الحكم بالضمان مقيدا من أول الأمر بكون اليد عادية
لما قيل من اخذ معنى الغلبة والاستيلاء قهرا في معنى لفظ الاخذ كما هو ليس ببعيد
لم يمكن التمسك بعموم دليل على اليد ما أخذت عند الشك في كون اليد عادية (والذي
يمكن) ان يصحح به فتوى المشهور بالضمان في الموارد المشتبهة وان من يدعى عدم
الضمان هو المدعى دون الاخر هو التمسك بالأصل واحراز موضوع الضمان بضم
الوجدان إليه كما ربما يستفاد من بعض كلمات المحقق الثاني (وتوضيحه) ان
موضوع الحكم إذا كان مركبا في لسان الدليل فهو اما أن يكون مركبا من عرض ما و
محله ولا بد من اخذه حينئذ بنحو مفاد كان الناقصة واما أن يكون مركبا من العرض
وجوهر غير محله أو من عرضين ولو في محل واحد أو جوهرين وفي غير القسم الأول
اما أن لا يكون الموضوع المأخوذ في لسان الدليل مركبا من الجزئين موضوعا للحكم
واقعا وانما يكون موضوعه في الحقيقة عنوانا بسيطا منتزعا عن كيفية وجودهما في
462

الخارج كعنوان التقارن أو التقدم أو التأخر واما أن يكون الموضوع في الواقع أيضا
هو نفس وجود الجزئين في الخارج من دون اعتبار أمر آخر (اما القسم الأول) أعني
به ما كان مركبا من العرض ومحله فلا يمكن فيه احراز الموضوع بضم الوجدان إلى
الأصل الا في ما إذا كان الوجود أو العدم بوصف كونه نعتا مسبوقا بالعلم بتحققه سابقا
واما في غير ذلك فلا إذا لمفروض فيه انه لا حالة سابقة لنفس الوجود أو العدم المأخوذ
نعتا ليستصحب واما العدم المحمولي فهو وإن كانت له حالة سابقة لا محالة وكان
قابلا للتعبد به بقاء الا ان المفروض انه لا اثر له شرعا وانما الأثر مترتب على العدم النعتي (1)
واثباته باستصحاب العدم الأزلي المحمولي لا يتم الاعلى القول بالأصل المثبت (واما
بقية الأقسام) فإن كان موضوع الحكم فيها في الحقيقة ونفس الامر هو العنوان البسيط
المنتزع من الجزئين المأخوذين في الموضوع في ظاهر القضية لم يكن أيضا احرازه
بجريان الأصل في نفس الجزء الاعلى القول بالأصل المثبت والوجه في ذلك ظاهر
(وعليه يتفرع) ما افاده العلامة الأنصاري (قده) من عدم انعقاد الجماعة بركوع المأموم
عند الشك في بقاء الامام راكعا فإنه يبتنى على أن يكون موضوع الحكم ومحقق الجماعة
هو العنوان البسيط المنتزع عن ركوع المأموم حال ركوع الامام ومن الواضح ان
استصحاب بقاء الامام راكعا إلى زمان ركوع المأموم لا يثبت تحقق هذا الموضوع الاعلى
القول بالأصل المثبت (واما) إذا كان موضوع الحكم هو نفس تحقق الجزئين في زمان
واحد من دون أن يكون اخذ هما في الموضوع كناية عن تحقق عنوان بسيط منتزع
منهما فلا اشكال في امكان احراز موضوع الحكم بضم الوجدان إلى الأصل (وعليه
يتفرع) ما افاده العلامة الأنصاري (قده) أيضا في بعض تحقيقاته من أنه إذا علم تاريخ
ركوع المأموم وشك في بقاء الامام راكعا أمكن الحكم بانعقاد الجماعة وهذا مبتن
على أن يكون موضوع الحكم ومحقق الجماعة هو نفس تحقق الركوعين في زمان

1 - سيظهر لك فيما بعد انشاء الله تعالى ان اخذ الموضوع مركبا من العرض ومحله وإن كان
يستلزم اخذ العرض بوصف كونه نعتا قيدا للموضوع الا انه مع ذلك يصح التمسك باستصحاب
العدم الأزلي لنفى الحكم الثابت للموضوع المركب نعم إذا كان عدم الفرض مأخوذا في الموضوع
على نحو النعتية بان اخذ في الموضوع اتصاف الذات بعدم عرض ما لم يصح التمسك معه
باستصحاب العدم الأزلي وتمام الكلام في محله
463

واحد من دون اخذ عنوان بسيط آخر يكون هو الموضوع في الحقيقة للحكم (إذا
عرفت ذلك) فنقول لا اشكال في أن موضوع ضمان اليد انما هو الاستيلاء على مال
الغير من دون رضاه كما لا اشكال في أن الاستيلاء عرض قائم بالمستولى كما أن الرضا وعد مه
من اعراض المالك وكل من هذين العرضين بالإضافة إلى محله وإن كان من قبيل
مفاد كان الناقصة الا انه بالإضافة إلى العرض الاخر ليس كذلك وبما انه لم يجعل موضوع
الضمان في دليله الأنفس تحقق العرضيين المزبورين في الخارج في زمان واحد أعني بهما
الاستيلاء على مال الغير وعدم رضاه بذلك يمكن احرازه بضم الوجدان إلى الأصل
فإذا كان الاستيلاء على مال الغير محرزا وجدانا وشك في رضا المالك أمكن احراز
عد مه بالأصل فيتم موضوع الضمان بضم الوجدان إلى الأصل فقول مدعى الضمان موافق
للأصل فيكون هو المنكر كما أن قول مدعى عدمه مخالف للأصل فيكون هو المدعى
فيحتاج في اثبات مدعاه إلى إقامة البينة نعم لو كان موضوع الضمان أمرا بسيطا منتزعا
من اجتماع الامرين المزبورين لما أمكن الحكم بالضمان الا على القول بالأصل المثبت
لكن الامر ليس كذلك لان موضوع الضمان في ظاهر دليله انما هو نفس الامرين
المزبورين دون العنوان البسيط المنتزع منهما فيحتاج اثبات كو أنه عنوانا بسيطا إلى
دلالة دليل آخر عليه وهو مفقود على الفرض فتحصل ان دعوى الملازمة بين القول
بالضمان في موارد الشك في كون اليد عادية والقول بجواز التمسك بالعموم في الشبهات
المصداقية بينة الفساد خصوصا على ما ذكرناه من أن كون اليد عادية مأخوذ في موضوع
الضمان من أول الأمر
تذييل
لا يخفى انه كما لا يمكن التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية كذلك لا يمكن
احراز دخول الفرد المشتبه في افراد العام باجراء الأصل في العدم الأزلي خلافا لما
ذهب إليه (1) المحقق صاحب الكفاية (قده) من امكان ذلك حيث قال إن الباقي تحت
العام بعد تخصيصه بالمنفصل أو كالاستثناء من المتصل لما كان غير معنون بعنوان خاص

1 - التحقيق ان ما ذهب إليه المحقق صاحب الكفاية (قده) هو الصحيح وستعرف ما يدل على
ذلك بعيد هذا انشاء الله تعالى
464

بل بكل عنوان لم يكن ذاك بعنوان الخاص كان احراز المشتبه منه بالأصل الموضوعي
في غالب الموارد ممكنا إلى أن قال مثلا إذا شك ان امرأة تكون قرشية فهي وإن كانت
إذا وجدت اما قرشية أو غيرها فلا أصل يحرز انها قرشية أو غيرها الا ان أصالة عدم
تحقق الانتساب بينها وبين قريش يجدى في تنقيح انها ممن لا تحيض الا إلى خمسين انتهى
ويرد عليه ان الباقي تحت العام بعد التخصيص إذا كان هي المرأة التي لا يكون الانتساب
إلى قريش موجودا معها على نحو مفاد ليس التامة فالتمسك بالأصل المذكور لادراج الفرد
المشتبه كونها من قريش في الافراد الباقية وإن كان صحيحا الا ان الواقع ليس كذلك لان
الباقي تحت العام حسب ظهور دليله انما هي المرأة التي لا تكون قرشية على نحو مفاد ليس
الناقصة (1) وعليه فالتمسك بأصالة العدم لاثبات حكم العام للفرد المشكوك فيه غير صحيح
وذلك لان العدم النعتي الذي هو موضوع الحكم لا حالة سابقة له على الفرض ليجرى فيه
الأصل واما العدم المحمولي الأزلي فهو وإن كان مجرى للأصل في نفسه الا انه لا يثبت به
العدم النعتي الذي هو المأخوذ في الموضوع الاعلى القول بالأصل المثبت.
وتوضيح ذلك انما هو برسم مقدمات (الأولى) ان التخصيص سواء كان بالمنفصل أم
بالمتصل استثناء كان المتصل أم غيره انما يوجب تقييد عنوان العام بغير عنوان المخصص فإذا
كان المخصص أمرا وجوديا كان الباقي تحت العام معنونا بعنوان عدمي وإن كان المخصص أمرا
عدميا كان الباقي معنونا بعنوان وجودي (والسر في ذلك) هو ما تقدم من أن موضوع
كل حكم أو متعلقه بالإضافة إلى كل خصوصية يمكن ان ينقسم باعتبار وجودها وعدمها
إلى قسمين مع قطع النظر عن ثبوت الحكم له لا بد من أن يعتبر في مقام الحكم عليه مطلقا
بالإضافة إلى وجود تلك الخصوصية أو مقيدا بوجود تلك الخصوصية أو بعدمها لأنه يستحيل
الاهمال في موارد التقسيمات الأولية مثلا العالم في نفسه ومع قطع النظر عن ثبوت الحكم
له ينقسم إلى عادل وغيره فإذا ثبت له حكم من قيل المولى الملتفت إلى هذا التقسيم فهو
لا يخلو من أن يثبت له مطلقا وغير مقيد بوجود العدالة أو بعدمها ومن أن يثبت له مقيدا

1 - التحقيق ان استثناء عنوان وجودي من العام لا يستلزم اخذ عدم الخاص قيدا في العام
على نحو مفاد ليس الناقصة فيكون الباقي تحت العام في مفروض المثال المرأة التي لا تكون
متصفة بكونها من قريش لا المرأة المتصفة بأن لا تكون من قريش وعليه فلا مانع من التمسك
بأصالة عدم اتصاف المرأة المحتمل كونها من قريش بكونها قرشية للحكم عليها بأنها تحيض
إلى خمسين وانتظر لذلك مزيد توضيح بعيد هذا انشاء الله تعالى
465

بأحد القيدين إذ لا يعقل أن يكون الحاكم في مقام جعل حكمه جاهلا بموضوع حكمه و
غير ملاحظ له على نحو الاطلاق أو التقييد من دون فرق في ذلك بين الخصوصيات التي هي
من قبيل العوارض والطواري والخصوصيات التي هي من قبيل المقارنات الخارجية (وعليه)
فإذا فرضنا خروج قسم من الأقسام من حكم العام فاما أن يكون الباقي تحته بعد التخصيص
مقيدا بنقيض الخارج فيكون دليل المخصص رافعا لاطلاقه فهو المطلوب واما ان يبقى على
اطلاقه بعد التخصيص أيضا فيلزم التهافت والتناقض بين مدلولي دليل العام ودليل التخصيص
(نعم هناك) فرق بين المخصص المتصل والمخصص المنفصل فان التقييد في المخصص المتصل
انما هو بحسب الدلالة التصديقية إذ المفروض في موارد التخصيص بالمتصل انه لا ينعقد
الظهور للكلام الا في الخاص من أول الأمر وهذا بخلاف التقييد في موارد التخصيص بالمتفصل
فان التقييد فيها انما يكون بالإضافة إلى المراد الواقعي لا بالنسبة إلى ما يستفاد من
الكلام لفرض تمامية الظهور في العموم لكن هذا المقدار من الفرق لا يكون بفارق في
المقام بعد اشتراكهما في تقييد المراد الواقعي.
الثانية ان العنوان الخاص إذا كان من قبيل الأوصاف القائمة بعنوان العام سواء كان
ذلك العنوان الخاص من العناوين المتأصلة أم من العناوين الانتزاعية فلا محالة يكون موضوع
الحكم بعد التخصيص مركبا من المعروض وعرضه القائم به أعني به مفاد ليس من الناقصة (1)

(1) قد أشرنا فيما تقدم إلى أن كون عنوان الخاص من قبيل الأوصاف لا يقتضى تقيد العام
بكونه متصفا بعدم ذلك الوصف ليترتب عليه تركب موضوع الحكم الثابت للعام من
العرض أعني به العدم النعتي ومحله بل غاية ما يترتب على التخصيص بعنوان وجودي هو
تقيد العام بعدم كونه متصفا بذلك الوصف الوجودي وتوضيح ذلك بان يقال إنه لا شبهة
في أن وجود الاعراض في أنفسها عين وجودها لموضوعاتها لان حقيقة وجود العرض سنخ
حقيقة متقومة بالموضوع في قبال وجود الجوهر الذي هو في ذاته غنى عن الموضوع وغير
متقوم به وعليه فإذا اخذ عرض ما في موضوع حكم من الاحكام فاما أن يكون مأخوذا فيه
أينما وجد ومن غير تقيده بموضوع خاص واما أن يكون مأخوذا فيه بشرط وجوده في
موضوع خاص فإن كان مأخوذا فيه على الوجه الأول لزم ترتب الحكم على مطلق وجوده
الساري في جميع افراده فإذا فرض اخذ العدالة في موضوع وجوب اكرام العالم لزم الحكم
بوجوب اكرام العالم ولو كان المتصف بالعدالة غيره لكن هذا الفرض خارج عما هو محل
الكلام في المقام واما إذا كان العرض مأخوذا في موضوع الحكم على النحو الثاني فلا يترتب
الحكم الاعلى خصوص وجوده في ذلك الموضوع الخاص الذي هو في ذاته وجود نعتي
لما عرفت من أن وجود العرض في نفسه عين وجوده لموضوعه فوجود العدالة في زيد مثلا
هو بعينه ثبوت العدالة لزيد المعبر عنه باتصاف زيد بالعدالة وما هو مفاد كان الناقصة ففي
مثل ذلك لا يمكن احراز وجود موضوع الحكم بضم الوجدان إلى الأصل الا فيما كان
العرض بوصف كونه نعتا مسبوقا بالحالة السابقة واما في غير ذلك فلا مجال لجريان
الاستصحاب وترتيب آثار الوجود النعتي الاعلى القول بالأصل المثبت فالأثر المترتب على
عدالة زيد مثلا انما يحكم بتحققه بضم الوجدان إلى الأصل فيما إذا علم باتصاف زيد
بالعدالة قبل زمان الشك في اتصافه بها واما مع عد مه فلا يمكن احراز عدالته باستصحاب
وجود طبيعي العدالة ولو مع العلم بعدم اتصاف غير زيد بها في الخارج الاعلى القول
بالأصل المثبت (هذا كله) في الأصل الجاري لاثبات وجود الموضوع واما الأصل الجاري
لاثبات عدمه فلا مانع من جريا أنه في الفرض المزبور ولو مع الشك في اتصاف الموضوع
بذلك الوصف الوجودي من أول الأمر والسر في ذلك ان وجود العرض بذلته وإن كان
محتاجا إلى وجود موضوعه الا ان عدم العرض غير محتاج إلى وجود الموضوع أصلا ضرورة
ان الافتقار إلى وجود الموضوع انما هو من لوازم وجود العرض دون عدمه فعدالة زيد مثلا
وإن كانت بحيث إذا وجدت في الخارج كانت في الموضوع الا ان عدم عدالته ليس كذلك بل هو
أمر أزلي كان متحققا قبل تحقق موضوعه فإذا تحقق زيد في الخارج ولم يمكن متصفا بالعدالة
كان عدم عدالته المعبر عنه بعدم اتصافه بالعدالة باقيا على ما كان عليه في الأزل نعم ربما
يعتبر في موضوع الحكم اتصافه بعدم شئ بنحو الموجبة المعدولة وهذا الاعتبار وإن كان
محتاجا إلى العناية والمؤنة إذ العدم بما هو عدم لا يكون وصفا لشيئ فإنه بطلان محض
فلابد في اخذه نعتا من اعتبار خصوصية في الموضوع ملازمة لذلك العدم الا أنه على
تقدير تحقق هذا الاعتبار يتوقف جريان الاستصحاب في مورده لاحراز تمام الموضوع بضم
الوجدان إلى الأصل على العلم باتصاف ذلك الموضوع بذلك العدم قبل زمان الشك
في اتصافه به ولا يكفي في صحة جريانه العلم بعدم اتصافه بوجود ذلك الشيئ قبل ذلك
لأن استصحاب عدم الاتصاف بالوصف الوجودي وإن كان في نفسه لا مانع من جريانه الا انه لا يترتب
عليه احراز موضوع الحكم في محل الكلام لأن المفروض ان العدم المأخوذ فيه انما أخذ
على وجه الناعتية المعبر عنه بمفاد ليس الناقصة ومن الواضح ان اثبات العدم النعتي باستصحاب
العدم المحمولي من أوضح انحاء الأصل المثبت الذي لا نقول بحجيته وبالجملة إذا اخذ
وجود عرض ما في موضوع حكم شرعي فهو وإن كان لا بد من كونه مأخوذا فيه على وجه
النعتية ومفاد كان الناقصة فلا يمكن احراز ذلك الموضوع بضم الوجدان إلى الأصل فيما
لم يكن العرض بوصف كو أنه نعتا مسبوقا بالحالة السابقة الا أن ذلك لا يستند على اخذ عدم
ذلك العرض نعتا في موضوع عدم ذلك الحكم وارتفاعه ضرورة ان الحكم الثابت
للموضوع المقيد بما هو مفاد كان الناقصة انما يكون ارتفاعه بعدم اتصاف الذات بذلك
القيد على نحو مفاد السالبة المحصلة من دون ان يتوقف ذلك على اتصاف الذات بعدم ذلك القيد على
نحو مفاد ليس الناقصة فمفاد قضية المرأة تحيض إلى خمسين الا القرشية وإن كان هو اعتبار
وصف القرشية على وجه النعتية في موضوع الحكم بتحيض القرشية بعد الخمسين الا انه لا
يستدعى اخذ عدم القرشية في موضوع عدم الحكم بتحيض المرأة بعد الخمسين على وجه
النعية أعني به مفاد ليس الناقصة وانما يستدعى اخذ عدم قرشية في ذلك الموضوع على نحو
السالبة المحصلة فكل مرأة لا تكون متصفة بالقرشية بساقية تحت العام وانما الخارج
خصوص المتصفة بالقرشية لا ان الباقي بعد التخصيص هي المرأة المتصفة بعدم القرشية فإذا
شك في كون امرأة قرشية لم يكن مانع من التمسك باستصحاب عدم القرشية الثابت لها
قبل تولد تلك المرأة في الخارج (وان شئت) قلت إن قرشية المرأة ونفسها كانتا معدومتين
في الخارج فإذا أحرز وجود نفسها وشك معه في وجود اتصافها بالقرشية استصحب عدم اتصافها
بها فيثبت بذلك انها غير متصفة بالقرشية فيترتب عليه الحكم بأنها لا تحيض الا إلى خمسين
(فتحصل) من جميع ما ذكرناه ان دعوى استلزام التخصيص بعنوان وجودي اخذ عدم ذلك
العنوان في طرف العام على وجه النعتية كما أصر عليها شيخنا الأستاذ قدس سره هي التي أوجبت
المنع من جريان الاستصحاب في الاعدام الأزلية عند الشك في دخول فرد في عنوان الخاص
وعدمه فيما إذا كان التخصيص بالاستثناء أو يمخصص منفصل وأنت يعد ما عرفت من أن التخصيص
بعنوان وجودي في هذين الموردين لا يستلزم الا اخذ عدم ذلك العنوان في طرف العام على
نحو التقيد بعدم اتصاف الذات بذلك الوصف لا على نحو التقيد بالاتصاف بعد مه انه
لا مجال لانكار جريان الاستصحاب في موارد الشك في الاتصاف بذلك الوصف الوجودي فيحرز
بذلك موضوع العام بضم الوجدان إلى الأصل فافهم ذلك وتدبر جيدا وقد فصل بعض الأعاظم
من الأساطين قدس الله تعالى اسرارهم في المقام تفصيلا قد تعرضنا له ولما يرد عليه في رسالة
اللباس المشكوك فيه وقد أطلنا الكلام في تحقيق الحال في المقام وأوضحنا المقصود فيها
بما لا مزيد عليه فراجع
466

المعبر عنه في كلام العلامة الأنصاري (قده) بالعدم النعتي (والسر في ذلك) هو ان انقسام
العام باعتبار أوصافه ونعوته القائمة به انما هو في مرتبة سابقة على انقسامه باعتبار مقارناته
فإذا كان دليل التخصيص كاشفا عن تقييد ما ورافعا لاطلاقه بمقتضى المقدمة الأولى فلابد
من أن يكون هذا التقييد بلحاظ الانقسام الأولى أعني به الانقسام باعتبار أوصافه ونعوته
فيرجع التقييد إلى التقييد بما هو مفاد ليس الناقصة إذ التقييد لو كان راجعا إلى التقييد
بعدم مقارنته لوصفه القائم به على نحو مفاد ليس التامة ليكون الموضوع في الحقيقة مركبا
من عنوان العام وعدم عرضه المحمولي فاما أن يكون ذلك مع بقاء الاطلاق بالإضافة
467

إلى جهة كون العدم نعتا ليرجع استثناء الفساق من العلماء في قضية أكرم العلماء الا فساقهم
إلى تقييد العلماء بان لا يكون معهم فسق سواء كانوا فاسقين أم لا أو يكون ذلك مع التقييد
من جهة كون العدم نعتا أيضا ليرجع مفاد القضية المزبورة إلى وجوب اكرام العلماء
المعتبر فيهم ان لا يكونوا فاسقين وان لا يكون معهم فسق وكلا الوجهين باطل اما الأول
فلانه غير معقول لوضوح التدافع بين الاطلاق من جهة كون العدم نعتا والتقييد بالعدم المحمولي
واما الثاني فلانه مستلزم للغوية التقييد بالعدم المحمولي لكفاية التقييد بالعدم النعتي
468

عنه وهذا هو الميزان الكلى فيما إذا كان الموضوع مركبا من العرض ومحله (1) فان اللازم
فيه أن يكون التقييد بلحاظ مفاد كان الناقصة أوليس الناقصة

1 - قد عرفت ان تركب الموضوع من العرض ومحله وإن كان يستلزم اخذ العرض فيه على وجه
النعتية أعني به مفاد كان الناقصة الا ان تركبه من الذات وعدم ثبوت عرض ماله لا يستدعى
اخذ عدم ذلك العرض في العرض في الموضوع على نحو مفاد ليس الناقصة بل إن ذلك يحتاج إلى اعمال
عناية ومؤنة والا فطبع اخذ عدم عرض ما في موضوع الحكم لا يقتضى الا اخذه فيه على نحو
السالبة المحصلة دون الموجبة المعدولة واما ما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره برهانا على
ما ذهب إليه من لزوم اخذ العدم أيضا على نحو الناعتية فيرد عليه أو لا انه على تقدير تماميته
يستلزم انكار امكان احراز جميع الموضوعات المركبة بضم الوجدان إلى الأصل الجاري
في نفس الحد الجزئين ولا يختص ذلك بالموضوع المركب من العرض ومحله مع أنه قدس سره
لا يلتزم به بيان الملازمة ان انقسام كل جزء من اجزاء المركب بمقارنته للجزء الاخر وعدمها
بما انه من الانقسامات الأولية يكون في مرتبة سابقة على وجود الجزء الآخر في نفسه فإذا
ثبت هناك تقييد في الجملة فإن كان التقييد راجعا إلى تقييد كل جزء باتصافه بكونه مقارنا
للجزء الاخر لم يكن احرازه بجريان الأصل في نفس وجود أحد الجزئين مع احراز الاخر
بالوجدان الاعلى القول بحجية الأصل المثبت وإن كان التقييد راجعا إلى تقييد كل جزء بنفس
وجود الجزء الآخر فإن كان ذلك مع اعتبار التقييد بالاتصاف بالمقارنة لزم اللغوية كما أنه مع
فرض الاطلاق فيه بالإضافة إلى الاتصاف بالمقارنة وعد مه يلزمه التدافع بينه وبين التقييد
المزبور وثانيا ان تقييد موضوع الحكم أو متعلقه بما هو ملازم لأمر آخر خارجا لا يبقى معه
مجال لتقييده بذلك الامر أو اطلاقه بالإضافة إليه فإذا قيدت الصلاة بأن تكون إلى القبلة امتنع
تقييدها بعدم كونها إلى دبر القبلة واطلاقها بالإضافة إليه وعليه فتقييد العام في مفروض
الكلام بعدم كونه متصفا بعنوان الخاص كالقرشية في المثال لا يبقى مجالا لتقييده باتصافه بعدم
ذلك العنوان الخاص ولا لاطلاقه بالإضافة إليه فكما ان تقييد المرأة مثلا باتصافها بعدم القرشية
يغنى عن التقييد بعدم اتصافها بالقرشية كذلك التقييد بعدم اتصافها بالقرشية يغنى عن
التقييد باتصافها بعدم القرشية ضرورة انه مع وجود المرأة في الخارج كان كل من الامرين
المزبورين ملازما لوجود الاخر لا محالة فلا يبقى مع التقييد بأحدهما مجال للاطلاق والتقييد
بالإضافة إلى الاخر نعم انما يثمر التقييد بعدم الاتصاف في صحة جريان الاستصحاب في نفس
العدم واحراز تمام الموضوع بضمه إلى الوجدان كما هو الحال في بقية موارد تركب الموضوع
من جزئين أو الأكثر واما إذا قيد الموضوع بالاتصاف بالعدم فلا يمكن احرازه بجريان الأصل
في نفس العدم كما عرفت
469

الثالثة ان تقابل الوجود النعتي الذي هو مفاد كان الناقصة ونفس المعنى الاشتقاقي (1)
المعبر عنه بالعرضي المحمول مع العدم النعتي الذي هو مفاد ليس الناقصة انما هو من قبيل تقابل
العدم والملكة الذي يشترط فيه وجود الموضوع ويمكن فيه ارتفاع المتقابلين بارتفاع
موضوعهما القابل للاتصاف بهما إذ الموضوع بعد وجوده هو الذي يوجد فيه الوصف
فيكون الوجود نعتا أو لا يوجد فيه ذلك فيكون العدم نعتا واما الموضوع قبل وجوده فهو غير
قابل لان يعرضه الوجود النعتي أو العدم النعتي وهذا بخلاف التقابل بين نفس وجود

(1) لا يخفى ما في التعبير عن الوجود النعتي وما هو مفاد كان الناقصة بالمعنى الاشتقاقي المعبر
عنه بالعرضي المحمول من المسامحة الواضحة وذلك لان الوجود النعتي انما هو وجود العرض
لموضوعه أعني به وجود العرض بما هو عرض في قبال وجود العرض في نفسه مع الغاء جهة
عروضه في مرحلة اللحاظ وعليه فلا يكون المعنى الاشتقاقي المعبر عنه بالعرضي المحمول
متحدا مع الوجود النعتي كما هو ظاهر نعم ان ما أفيد من أن التقابل بين مفاد كان الناقصة ومفاد
ليس الناقصة انما هو من تقابل العدم والملكة مما لا ينبغي الريب فيه الا ان الشأن انما هو في
اثبات ان العدم المأخوذ في موضوع الحكم الثابت للعام بعد ورود التخصيص عليه باستثناء
أو بدليل منفصل انما هو العدم النعتي وقد عرفت ان ذلك غير صحيح وانما الصحيح هو كون
العدم المأخوذ فيه مأخوذا فيه على نحو العدم المحمولي وعلى نحو السالبة المحصلة دون
الموجبة المعدولة
470

العرض الذي هو نفس معنى المبدء وغير قابل لان يحمل على الذات المعبر عنه بالوجود
المحمولي وما هو مفاد كان التامة وعدم ذلك العرض المعبر عنه بالعدم المحمولي وما هو
مفاد ليس التامة فإنه من قبيل تقابل الايجاب والسلب الذي لا يمكن فيه ارتفاع
المتقابلين لكونهما معروضين لنفس الماهية المعراة عن كل شئ وعليه فكما لا يعقل تحقق
الوجود النعتي قبل وجود موضوعه كذلك لا يعقل تحقق العدم النعتي المقابل له
إذا عرفت هذه المقدمات تعرف ان خروج الخارج عن تحت العام وهو عنوان
القرشية في المثال يستلزم تقييد الباقي بنقيض هذا العنوان بمقتضى المقدمة الأولى و
انه لا بد (1) من أن يكون هذا التقييد على نحو مفاد ليس الناقصة بمقتضى المقدمة الثانية و
انه يستحيل تحقق هذا العنوان المأخوذ في الموضوع قبل وجود موضوعه بمقتضى
المقدمة الثالثة فلا يمكن احراز قيد موضوع حكم العام بأصالة العدم الأزلي فان
المستصحب اما أن يكون هو العدم النعتي المأخوذ في الموضوع فهو مشكوك فيه من
أول الأمر ولا حالة سابقة له كما اعترف هو (قده) بذلك واما أن يكون هو العدم المحمولي
الملازم للعدم النعتي بقاء فلا يمكن احراز تمام الموضوع باستصحاب العدم المحمولي الا
على القول بالأصل المثبت (وعلى ما ذكرناه) يتفرع منع جريان أصالة العدم في المشكوك
فيه من اللباس بناء على كون المانعية المجعولة معتبرة في نفس الصلاة ومن قيودها

1 - قد عرفت انه لا ملزم للالتزام بذلك بل التقييد انما يكون بلحاظ عدم الاتصاف بالعرض
الوجودي لا بلحاظ الاتصاف بعدمه وعليه فلا مانع من جريان الاستصحاب في المقام لاحراز
تمام الموضوع بضم الوجدان إلى الأصل وكذلك في ما إذا شك في كون الملبوس من
اجزاء ما لا يؤكل لحمه بناء على كون القيد مأخوذا في نفس الصلاة أو في ناحية اللباس.
471

فان الصلاة من أول وجودها اما أن تكون مقترنة بالمانع أو بعدمه فلا حالة سابقة ليمكن
استصحابها ويحكم به بتحقق متعلق التكليف بضم الوجدان إلى الأصل واما العدم الأزلي
فهو وإن كان متحققا سابقا الا انك قد عرفت ان استصحابه لا يجدى في المقام الاعلى القول
بحجية الأصل المثبت (واما إذا كانت) المانعية المجعولة معتبرة في ناحية اللباس وكانت
من قيوده فتارة يكون الشك في وجود المانع لأجل الشك في كون نفس اللباس من
غير المأكول واخرى لأجل الشك في عروض اجزاء غير المأكول على اللباس المأخوذ
من غير مالا يؤكل لحمه اما القسم الأول فلا تجرى فيه الأصل لما ذكرناه من أن العدم
النعتي لا حالة سابقة له (1) واما العدم المحمولي فهو وإن كان له حالة سابقه الا ان استصحابه
لا يجدى لاحراز العدم النعتي على ما هو الصحيح من عدم حجية الأصل المثبت واما القسم
الثاني فجريان الاستصحاب فيه بمكان من الامكان وبضمه إلى الوجدان يحرز تحقق تمام
متعلق التكليف في الخارج (كما أن المانعية المجعولة) إذا كانت معتبرة في طرف المصلى
نظير اعتبار الطهارة والاستقبال فيه جرى الأصل في احراز القيد فيما إذا كان عدم لبس المكلف
لغير المأكول مسبوقا بالحالة السابقة (وبالجملة) إذا لم يكن الموضوع مركبا من العرض
ومحله فلا اشكال في امكان احراز الموضوع بضم الوجدان إلى الأصل وإن كان مجرى الأصل
هو العدم الأزلي فيما إذا لم يكن هناك عنوان وجودي بسيط اخذ في الموضوع على ما مرت

1 - لا يخفى ان استصحاب العدم المحمولي وإن كان يكفي في احراز تمام الموضوع بضمه إلى الوجدان
في المقام وغيره على ما عرفت الا انه غير محتاج إليه فيما إذا شك في كون نفس اللباس مما
لا يؤكل لحمه لامكان ان يتمسك في مورده باستصحاب العدم النعتي بان يقال إن ما يشك في
كونه جزء من الحيوان غير المأكول لحمه بما انه كان موجودا في الخارج متصورا بصورة
مامن الصور النوعية ولم يكن جزء من شئ من الحيوانات يرجع الشك في كونه من اجزاء
مالا يؤكل لحمه بعد ذلك إلى الشك في عروض هذا الوصف له بعد ان لم يكن متصفا به في
الخارج فيستصحب بقائه على ما كان عليه من عدم كونه جزء لما لا يؤكل لحمه ولا يعارض ذلك
بأصالة عدم كو أنه جزء من الحيوان المأكول لحمه بناء على أن المعتبر في صحة الصلاة انما
هو عدم وقوعها في غير المأكول كما هو الصحيح وهذا نظير ما إذا علم بانقلاب الخل إلى
طبيعة أخرى مرددة بين الخمر وغيرها من المايعات المحللة فان استصحاب عدم انقلابه إلى
الخمر يترتب عليه جواز شر به ولا يعارض ذلك باستصحاب عدم انقلابه إلى غير الخمر
مما يحتمل انقلابه إليه.
472

الإشارة إليه واما إذا كان الموضوع مركبا من العرض ومحله فلا بد في جريان الأصل من
تحقق العدم (1) والوجود النعتيين قبل زمان الشك ليتم الموضوع بجريان الأصل فيه وضمه
إلى الوجدان واما اجزاء الأصل في العدم الأزلي فلا يجدى في احراز تمام الموضوع الاعلى
القول بالأصل المثبت (ثم إنه يرد) على سائر ما افاده صاحب الكفاية (قده) في المقام أمور
(الأول) ان جعله التخصيص بالمتصل إذا كان بالاستثناء كالمخصص المنفصل في عدم كونه
موجبا لتعنون العام بعنوان خاص غير صحيح فان المخصص المتصل انما يوجب انعقاد الظهور
التصديقي في غير عنوان الخاص لا محالة كما اعترف هو (قده) أيضا بذلك وعليه بنى سراية
اجمال المخصص المتصل إلى العام ومعه كيف يعقل (2) ان يقال إن العام بعد تخصيصه بالمتصل
لا يكون معنويا بعنوان خاص (الثاني) ان ما افاده (قده) بحسب ظاهر كلامه من أن العام يكون
معنونا بكل عنوان لم يكن ذاك بعنوان الخاص يناقض (3) ما افاده في صدر كلامه من أن
العام بعد التخصيص لا يكون معنونا بعنوان خاص مضافا إلى أنه في نفسه لا يرجع إلى معنى
محصل إذ العام لا يكون معنونا بأحد العناوين الباقية تحته بعد التخصيص وانما يكون
شمول الحكم لكل فرد لأجل عدم تقييد العام بقيد لا أنه يكون مقيدا بكل من العناوين

(1) قد عرفت ان ذلك انما يتم في ما إذا اخذ وجود العرض قيدا في موضوع الحكم دون ما إذا
اخذ عد مه قيدا فيه وقد ظهر الفرض بينهما بما ذكرناه فيما تقدم.
(2) غرض المحقق صاحب الكفاية (قده) بما ذكره هو ان العام بعد تخصيصه بالاستثناء لا
يتعنون بعنوان خاص بان يعتبر اتصافه بوصف وجودي أو عدمي لان غاية ما يترتب على
الاستثناء انما هو اعتبار عدم اتصاف العام بالوصف الوجودي المأخوذ في ناحية الخاص وعليه
فلا يرد عليه ما أفيد في المتن من منافاة ذلك لما بنى عليه (قده) من استلزام التخصيص بالمتصل
لانعقاد الظهور التصديقي في الكلام في غير الخاص ومن سراية اجمال المخصص إلى العام
كما هو ظاهر.
(3) غرض المحقق صاحب الكفاية (قده) بما افاده هو بيان ان كل عنوان وجودي أو عدمي فرض تحققه
في طرف العام فهو لا ينافي ثبوت الحكم له الا العنوان المأخوذ في طرف الخاص فالقيد المأخوذ
في طرف الماء منحصر بعدم كونه متصفا بعنوان الخاص واما غيره من العناوين الوجودية و
العدمية فلا يضر وجود شئ منها ولا عدمه بثبوت حكم العام أصلا وعليه فلا مناقضة بين
صدر كلامه (قده) وذيله بوجه من الوجوه وبالجملة ان ما افاده المحقق المزبور (قده) في
المقام هو بعينه ما اخترناه وشيدنا أساسه وبنيانه.
473

الوجودية ونقيضها (الثالث) ان عدوله (قده) من اجراء أصالة العدم في نفس عنوان القرشية
المأخوذ في لسان الدليل إلى اجراء أصالة العدم في العنوان الانتزاعي أعني به عنوان
الانتساب إلى قريش لا وجه (1) له فان المراد من عدم الانتساب المستصحب إن كان هو العدم
النعتي فحاله حال عدم القرشية في عدم الحالة السابقة له فلا يمكن استصحابه وإن كان المراد
منه هو العدم المحمولي فلو بنينا على كفاية استصحابه في احراز تمام الموضوع وأغمضنا النظر
عما تقدم من أنه لا يمكن اثبات العدم النعتي المأخوذ في لسان الدليل باجراء الأصل في العدم
المحمولي لأمكن جريان الأصل في نفس عنوان القرشية بان يقال إن قرشية المرأة التي
يشك في كونها من قريش قبل وجودها كانت مسبوقة بالعدم فيستصحب ذلك ويضم
الوجدان إلى الأصل يتم الموضوع فلا حاجة حينئذ إلى اجراء الاستصحاب في العنوان
الانتزاعي أعني به عنوان الانتساب إلى قريش وكيف كان فقد عرفت عدم كفاية اجراء الأصل
في العدم الأزلي في احراز تمام الموضوع إذا كان العدم المأخوذ فيه مأخوذا فيه على وجه
النعتية ومفاد ليس الناقصة (واما توهم) صحة اجراء الأصل في نفس العدم النعتي في المقام
بتوهم ان مرتبة العرض متأخرة عن مرتبة موضوعه فالمرئة في مرتبة سابقة على عروض
القرشية لها غير متصفة بكونها قرشية على نحو مفاد ليس الناقصة فيستصحب ذلك العدم
في ظرف الشك (فغريب) إذا للازم في جريان الاستصحاب في العدم النعتي هو اتصاف الموضوع
به خارجا ولو آنا ما فسبق رتبة الموضوع على رتبة عرضه مع عدم انفكاكهما آنا ما في الوجود
الخارجي لا يصحح جريان الاستصحاب فالمرئة حين ما وجدت في الخارج وجدت قرشية
أو غير قرشية فلم يحرز كونها متصفة بعدم القرشية في الخارج ولو آنا ما ليمكن التعبد ببقائه
في ظرف الشك في كونها قرشية فتدبر في أطراف ما ذكرناه فإنه حقيق بذلك.
بقى الكلام فيما افاده المحقق العلامة الأنصاري قده وتبعه جملة من المتأخرين عنه
من جواز التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية إذا كان المخصص لبيا غير لفظي وهذا الكلام

(1) لا يخفى ان مفهوم القرشية ومفهوم الانتساب إلى قريش أمر واحد والمستفاد من أحد اللفظين
عين ما هو المستفاد من اللفظ الاخر وانما الاختلاف في التعبير فقط فلا فرق بين قولنا الأصل
عدم قرشية المرأة المحتمل كونها من قريش وقولنا الأصل عدم انتساب تلك المرأة إلى قريش
وعليه فليس في كلام المحقق صاحب الكفاية (قده) عدول من اجراء الأصل في نفس العنوان
المتأصل إلى اجرائه في العنوان الانتزاعي ليستشكل فيه بما أفيد في المتن
474

على اطلاقه لا يسعنا تصديقه فان المخصص اللبي إذا كان حكما عقليا ضروريا بان كان
صارفا لظهور الكلام وموجبا لعدم انعقاد الظهور الا في الخاص من أول الأمر فحكمه حكم
القرينة المتصلة اللفظية فكما لا يمكن التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية معها كذلك
لا يجوز التمسك بالعموم معه واما إذا كان حكما عقليا نظريا أو اجماعا بحيث لم يكن
صالحا لصرف ظهور العام من أول الأمر فحكمه حكم المخصص المنفصل اللفظي إذ كما أن
المخصص اللفظي بعد تقدمه على عموم العام يكشف عن تقيد المراد الواقعي وعدم كون
موضوع الحكم الواقعي مطلقا فلا يمكن التمسك به عند عدم احراز تمام موضوعه لأجل
الشك في وجود القيد كذلك المخصص اللبي يكشف عن المقيد المزبور فلا يمكن التمسك
بالعموم عند عدم احراز تمام موضوعه فان الاعتبار في عدم جواز التمسك بالعموم انما
هو بالمنكشف أعني به تقيد موضوع الحكم لبالا بخصوصية الكاشف من كونه لفظيا أو
عقليا (فالتحقيق) ان يقال إن ما يسمى بالمخصص العقلي إن كان بمعنى ما يوجب تقييد
موضوع الحكم وتضييقه نظير تقييد الرجل في قوله عليه السلام فانظروا إلى رجل قد
روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا (الخ) بكونه عادلا لقيام الاجماع على ذلك فحاله
حال المخصص اللفظي في عدم جواز التمسك بالعموم معه في الافراد المشكوك فيها لما
عرفت من أن المخصص اللبي إذا كان عقليا ضروريا فحكمه حكم القرينة المتصلة وإذا
كان عقليا نظريا أو اجماعا فحكمه حكم القرينة المنفصلة وعلى كل تقدير فلا يمكن التمسك
بالعموم بعد تقييد موضوع الحكم واقعا (واما إذا كان) المراد من المخصص اللبي ادراك
العقل ما هو ملاك حكم الشارع واقعا اما بنفسه أو لأجل قيام الاجماع على ذلك من دون
ان يتقيد موضوع الحكم به لعدم صلوح تقيد موضوع الحكم بما هو ملاكه فلا اشكال (1) في

1 - التحقيق في المقام هو بان يقال إن القضية المتكفلة باثبات حكم للعام إن كانت من قبيل
القضايا الحقيقية التي يكون تطبيق موضوع الحكم فيها على افراده موكولا بنظر المكلف
واحرازه فلا محالة يكون احراز عدم اشتمال فرد على ملاك الحكم كاشفا عن وجود خصوصية
في ذلك الفرد قد اخذ عدم الاشتمال على تلك الخصوصية قيدا في موضوع الحكم الثابت
للعام فإن كانت تلك الخصوصية محرزة عند المكلف مفهوما وشك في وجودها في فرد آخر
لم يمكن التمسك بالعموم لاثبات الحكم له للشك في وجود تمام موضوعه على الفرض كما
إذا لم تكن تلك الخصوصية محرزة عند المكلف مفهوما وتردد امرها بين أمرين أو الأكثر
فلا محالة يستلزم ذلك علما اجماليا بتقيد موضوع العالم بقيد مردد بين أمرين أو أمور فيكون
دليل العام حينئذ في حكم المجمل على ما مر وعلى كل حال لا يمكن التمسك به في موارد
احتمال انطباق ما علم تخصيص العام به على فرد في الخارج مثلا إذا ورد دليل على وجوب
اكرام العلماء الشامل للعادل منهم والفاسق وللنحوي منهم وغيره ثم علم بعدم تحقق ملاك
وجوب الاكرام في زيد العالم فإن كان ذلك من جهة العلم بكون اتصافه بالفسق مثلا مانعا
من تحقق ملاك وجوب الاكرام فيه فلا محالة يستلزم ذلك العلم بتقييد موضوع وجوب الاكرام
بعدم كونه فاسقا فلا يجوز التمسك بالعموم لاثبات وجوب اكرام عالم آخر فيشك في فسقه
واما إذا احتمل كون المانع من تحقق الملاك فيه كلا من صفتي الفسق والنحوية الموجودتين
فيه فلا محالة يستلزم ذلك العلم بتقييد موضوع وجوب الاكرام بعدم اتصافه بأحد الوصفين
على الاجمال فلا يجوز التمسك به لاثبات وجوب اكرام العالم الفاسق أو النحوي نعم إذا احتمل
ان المانع من تحقق الملاك المزبور هو اجتماع الوصفين أو مع إضافة وصف آخر إليهما من
الصفات المتصف بها زيد في الخارج اقتصر في تخصيص العام حينئذ على القدر المتيقن ويتمسك
في غيره بأصالة العموم كما كان هو الحال بعينه فيما دار أمر المخصص اللفظي بين الأقل
والأكثر فتلخص انه لا فرق بين المخصص اللفظي واللبي في شئ من الاحكام المزبورة فيما
إذا كانت القضية المتكفلة باثبات الحكم للعام من القضايا الحقيقية التي يكون تطبيق الموضوع
على افراده موكولا فيها بنظر نفس المكلف واما فيما إذا كانت القضية خارجية فإن كان
المخصص فيما لفظيا لم يمكن أيضا التمسك بالعموم في موارد الشبهة المصداقية لان التخصيص
اللفظي يكون قرينة على أن المولى وكل احراز انطباق موضوع حكمه إلى نفس المكلف
فلا يصح التمسك بعموم كلا مه مع العلم بتقيد موضوع حكمه بقيد لم يحرز تحققه في الخارج
واما إذا كان المخصص عقليا فإن كان ذلك من قبيل الأحكام العقلية الضرورية
التي يصح ان يتكل عليها المتكلم في مقام البيان كان حاله حال القرينة المتصلة وإن كان من
من قبيل الاحكام النظرية أو من قبيل الاجماع ونحوه صح التمسك بالعموم في مورد الشبهة
المصداقية واحرز بذلك ان الفرد المشكوك فيه غير داخل في عنوان الخاص والسر
في ذلك هو ان ظهور كلام المولى في العموم كاشف عن انه بنفسه أحرز انطباق موضوع
حكمه على جميع الافراد ولم يكل ذلك إلى المكلف فلا محاله يكون هذا الظهور حجة على
المكلف في الموارد المشكوك فيها فيحمل سكوت المولى عن البيان فيما علم فقدان فرد للقيد
الدخيل في موضوع حكمه على وجود مصلحة مقتضية لسكوته عنه أو على غفلته من ذلك كما
في الموالى العرفية وبما ذكرناه يظهر الخلل فيما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره في المقام
فتدبر جيدا.
475

جواز التمسك العموم حينئذ وكشفه بطريق الان عن وجود الملاك في تمام الافراد فإذا
شك في وجود الملاك في فرد كان عموم الحكم كاشفا عن وجود الملاك فيه ورافعا للشك
من هذه الجهة كما أنه إذا علم بعدم الملاك في فرد كان ذلك الفرد خارجا من باب التخصيص الافرادي فيكون سكوت المولى عن حكم ذلك الفرد اما لأجل مصلحة مقتضية له كما
في المولى الحقيقي أو لجهله بعدم الملاك فيه كما ربما يتفق ذلك في الموالى العرفية وعلى
كل تقدير فلا يكون حكم العقل ولو كان ضروريا موجبا لتقييد موضوع الحكم وتضييقه
لما عرفت من عدم صلوح الملاك لكونه قيدا للموضوع وهذا نظير قوله عليه السلام
476

لعن الله بنى أمية قاطبة مع حكم العقل (1) بان ملاك لعنهم انما هو بغضهم لأهل البيت سلام الله
عليهم فالمؤمن منهم على تقدير وجوده لا يشمله اللعن المزبور فإذا شك في ايمان فرد
منهم جاز التمسك بالعموم ويحكم عليه حينئذ بأنه غير مؤمن والا لما جاز لعنه (والسر في
جواز التمسك) بالعموم في هذا الفرض هو ان ملاكات الاحكام انما يكون احرازها
وظيفة لنفس المولى (2) دون العبد فبعموم الحكم يستكشف انه أحرز وجود الملاك في

(1) لا يخفى ان بعض أهل البيت سلام الله عليهم أو عد مه انما هو من الأحوال الطارية على المكلف
التي ينقسم المكلف بالإضافة إليها إلى قسمين ومن الواضح ان مثل ذلك يستحيل أن يكون
ملاكا للحكم بل الحكم بالإضافة إليه لابد من أن يكون مطلقا أو مقيدا بوجوده أو بعدمه واما
الملاك المقتضى لاستحباب اللعن فهو منحصر بما يترتب على اللعن من المصلحة في الخارج فلو لا
ما ذكرناه من أن القضية الخارجية إذا لم يكن احراز القيد فيها موكولا إلى نظر المكلف جاز
التمسك فيها بالعموم في الشبهات المصداقية لما أمكن التمسك بعموم قوله عليه السلام لعن الله بنى
أمية قاطبة لاثبات جواز لعن الفرد المشكوك في ايمانه لكن القضية المشتملة على اللعن بما انها
خارجية ضرورة انها متكفلة بصدور لعن بنى أمية من نفس الامام سلام الله عليه يستكشف منها
بدليل الان عدم وجود المؤمن في بنى أمية بأجمعهم فلو علم بوجود مؤمن فيهم اتفاقا كان ذلك
خارجا بالدليل فيتمسك في غيره بالعموم
(2) احراز اشتمال متعلق الحكم على الملاك وإن كان وظيفة الحاكم الا انك قد عرفت ان
العلم بعد اشتمال فرد على ملاك الحكم لا ينفك عن العلم بكون عدم الخصوصية الموجودة
في ذلك الفرد الملازمة لعدم الملاك مأخوذ في موضوع الحكم ومعه لا يمكن التمسك بالعموم
فيما إذا لم يحرز انطباق موضوع الحكم بتمامه على الموجود الخارجي نعم إذا كانت القضية
خارجية ولم يكن انطباق الموضوع فيها على مصاديقه موكولا إلى نظر المكلف صح التمسك
بالعموم في المصاديق المشتبهة على ما مر
477

تمام الافراد فيتمسك به في ظرف الشك نعم إذا علم عدم وجود الملاك في فرد فلابد
فيه من الحكم بخروجه تخصيصا افراديا ومن حمل سكوت المولى عنه اما على المصلحة
فيه أو على غفلته عن عدم وجود الملاك فيه كما تقدم وهذا بخلاف ما إذا كان حكم العقل
في موارد التخصيص اللبي موجبا لتقييد موضوع الحكم بقيد فإنه لا يجوز في هذا الفرض
التمسك بالعموم عند الشك في تحقق موضوع الحكم لأجل الشك في تحقق قيده لان
احراز تحقق الموضوع بذاته وبقيده انما هو من وظايف العبد دون المولى فلا يكون
في كلام المولى تعرض لبيان حال الافراد الخارجية من حيث اشتمالها على خصوصيات
الموضوع وعدمه فلا معنى للتمسك بعموم كلامه عند الشك في كون فرد خاص واجدا
لما اعتبر قيدا في موضوع الحكم (هذا كله) فيما إذا أحرز أحد الامرين أعني بهما كون
ما أدرك العقل دوران حكم العام مداره من قبيل قيود الموضوع وغير صالح لان يكون
ملاكا للحكم وكونه من قبيل ملاكات الاحكام وغير صالح لان يكون قيدا للموضوع و
اما فيما إذا لم يحرز ذلك وكان ذلك الامر الذي أدرك العقل دوران حكم العام مداره
قابلا (1) لكلا الوجهين من دون أن يكون هناك ما يعين أحدهما كما إذا قال المولى أكرم
جيراني وعلم من الخارج انه لا يريد اكرام أعدائه ولكن لم يعلم أن عدم العداوة هل هو

(1) لا يخفى انه يوجد مورد يشك فيه في كون ما أدركه العقل من قبيل قيود الموضوع
أو من قبيل الملاك المقتضى لجعل الحكم على موضوعه لأنك قد عرفت ان كل ما يمكن ان
ينقسم موضوع الحكم بالإضافة إليه إلى قسمين يستحيل أن يكون من قبيل ملاكات الاحكام
بل لا بد من أن يكون موضوع الحكم بالإضافة إليه مطلقا أو مقيدا بوجوده أو بعد مه كما أن
كل ما يكون مترتبا على فعل المكلف في الخارج من المصالح والمفاسد يستحيل كونه
قيد الموضوع الحكم وانما هو متمحض في كونه ملاكا ومقتضيا لجعل الحكم على موضوعه و
عليه فلا مجال للتفصيل الذي افاده شيخنا الأستاذ قدس سره في المقام.
478

ملاك لوجوب الاكرام أو انه قيد اخذ في موضوع الوجوب فهل يمكن التمسك بالعموم
حينئذ فيحرز به ان الفرد الذي يشك في كونه عدوا للمولى ليس بعدو له (الحق فيه
التفصيل) فإنه إذا كان حكم العقل ضروريا بحيث يمكن للمولى الاتكال عليه في مقام البيان
لم يصح التمسك بالعموم حينئذ لان حكم العقل الضروري بما انه من قبيل القرينة المتصلة
يحتمل معه كون القيد مأخوذا في موضوع الحكم وقد وكل المولى احراز القيد إلى نفس
العبد فيكون المقام من قبيل احتفاف الكلام بما يصلح للقرينة فيسقط ظهوره في الاطلاق
لا محالة فلا يمكن التمسك به في الفرد المشكوك فيه كما هو الحال في موارد التقييد اللفظي
إذ لا فرق في ذلك بين احتمال اعتماد المولى على القرينة اللفظية واحتمال اعتماده على
القرينة العقلية واما في ما إذا كان حكم العقل نظريا أو كان المخصص اجماعا صح التمسك
بالعموم في موارد الشبهة المصداقية لان ظهور الكلام في الاطلاق قد انعقد على الفرض ولا
حجة على التقييد لترفع اليد بها على ظهور الكلام في العموم فلابد من الاخذ بظهوره والحكم
بثبوت حكم العام في موارد الشبهة المصداقية (والوجه في ذلك) هو ان حكم العقل في
المقام أو قيام الاجماع على دوران حكم العام مدار شئ لا دلالة له على تقييد الموضوع
بذلك الشيئ على الفرض فليس في المقام الا مجرد احتمال تقيد الموضوع بقيد في الواقع و
ظهور كلام المولى في عدم تقيده به فلا بد من الاخذ بظهوره في الاطلاق ومعه يحكم بأن
كل فرد من الجيران في المثال حتى الفرد المحتمل عداوته للمولى محكوم عليه بوجوب
الاكرام وبأن اكرامه واجد للملاك الذي دعا المولى إلى ايجابه نعم يخرج عن الحكم
المزبور من علمت عداوته خروجا افراديا فيكون سكوت المولى عنه اما لأجل مصلحة
فيه أو للغفلة عن ذلك كما في القسم الثاني بعينه (وبالجملة) المخصص اللبي إن كان كاشفا
عن تقيد موضوع العام بشئ منع ذلك من التمسك بعموم العام في الفرد المشتبه كما كان
الامر كذلك في المخصص اللفظي سواء في ذلك كون المخصص اللبي اجماعا وكونه دليلا
عقليا كان الحكم العقلي ضروريا أم كان نظريا وإن كان المخصص اللبي كاشفا عن ملاك الحكم
وعلته من دون تقييد في ناحية الموضوع صح التمسك معه بعموم العام في الافراد المشتبهة
وكان العموم كاشفا عن وجود الملاك فيها من دون فرق في ذلك أيضا بين افراد المخصص
اللبي كما عرفت واما إذا لم يكشف المخصص اللبي عن شئ من الامرين المزبورين
479

فتردد أمر ما دل المخصص على دوران الحكم مداره بين كونه ملاكا للحكم وكونه قيدا
لموضوعه فإن كان حكم العقل ضروريا يمكن ان يتكل عليه المولى كان حكمه حكم القسم
الأول فلا يصح معه التمسك بعموم العام في موارد الشبهة المصداقية وإن كان حكمه بالتخصيص
حكما نظريا أو كان دليل التخصيص اجماعا كان حكمه حكم القسم الثاني فيتمسك معه
بالعموم في تلك الموارد
فصل
هل يشترط في جواز العمل بالعمومات الواردة في الكتاب والسنة بعد الفراغ
عن عدم اختصاص حجيتها بخصوص المشافهين الفحص عن المخصص فيه خلاف واشكال
وقبل الخوض في بيان المقصود لابد لنا من التنبيه على أمر وهو ان الفرق بين الفحص
في المقام والفحص في الشبهات البدوية في موارد التمسك بالأصول العملية هو ان الفحص
في المقام انما هو لأجل الاطلاع على ما يزاحم الدليل ويمنع من الاخذ به بعد الفراغ
عن تحقق المقتضى للاخذ به في نفسه إذ المفروض ان الظهور في الكلام قد انعقد بتمامه
مع عدم الاتيان بالقرينة المتصلة وذلك مقتض للعمل به فالفحص عن المخصص انما هو
لرفع احتمال المانع والمزاحم واما الفحص في الشبهات البدوية فإنما هو لأجل تتميم
مقتضى جواز العمل بالأصل بداهة انه لا يستقل العقل بقبح العقاب على مخالفة التكليف
المجهول إذا لم يقم العبد بما هو وظيفته من الفحص عن احكام المولى مع احتمال قيام
المولى بما هو وظيفته من بيان احكامه المتوجهة إلى عبده بحيث ان العبد لو تفحص عنها
لظفر بها فالشك في الحكم لا يكون مقتضيا لجواز الرجوع إلى البراءة العقلية الا بعد الفحص
وعدم الظفر بما يكون متكفلا ببيان التكليف من قبل المولى (واما أدلة البراءة) وغيرها من
الأصول الشرعية كحديث الرفع وما دل على عدم جواز نقض اليقين بالشك فهي وإن كانت
مطلقة وغير مقيدة بالفحص عن الدليل الموجب لارتفاع موضوعها الا ان حكم العقل
يقيدها بذلك لا محالة ضرورة ان اطلاقها يستلزم نقض الغرض من بعث الرسل وانزال
الكتب فان لازم الاطلاق هو عدم وجوب النظر في المعجزة ومع عدم النظر لا تثبت أصل
النبوة فضلا عن فروعها فتجويز ترك النظر في المعجزة يستلزم نقض الغرض الداعي إلى
480

بعث الرسل وانزال الكتب وهو قبيح وبعين هذا الملاك يجب الفحس عن الأحكام الشرعية
عند احتمال تحققها في نفس الامر وامكان وصول العبد إليها بالفحص وهو ذلك يظهران
اثبات تقييد موضوع الأصول الشرعية الجارية في موارد الشبهات الحكمية لا يحتاج إلى
التمسك بالاخبار أو الاجماع وإن كانت دلالة الاخبار على ذلك في نفسها وافية وكلمات
العلماء عليه متوافقة.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الحق هو عدم جواز التمسك بالعموم قبل الفحص عن
المخصص كما أنه لا يجوز التمسك بالأصل العملي قبل الفحص عن الحجة واستدل على
ذلك بوجوه أنهاها بعضهم إلى ثلاثة عشر وجها ولا يهمنا التعرض لها وانما المهم هو التعرض
لوجه يشترك فيه كلا المقامين ثم ارداف ذلك بوجهين يختص كل منهما بواحد من
المقامين بخصوصه (اما الوجه الذي يشترك فيه كلا المقامين) فهو انا نعلم اجماعا بوجود
مخصصات كثيرة العمومات الواردة في الكتاب والسنة ومقتضى ذلك عدم جواز العمل
بها الا بعد الفحص عن المخصص كما أن مقتضى العلم الاجمالي بوجود واجبات و
محرمات كثيرة ثابتة في الشريعة المقدسة عدم جواز الرجوع إلى الأصل العملي الا بعد
الفحص عن الحجة على التكليف
(فان قلت) ان العلم الاجمالي بوجود مخصصات كثيرة لا موجب له الا العلم الاجمالي
باشتمال الكتب المعتبرة المعتمدة للشيعة على مخصصات لتلك العمومات الواردة في الكتاب
والسنة فلا يكون مقتضاه الا وجوب الرجوع إلى خصوص تلك الكتب لأجل الفحص
عن المخصص كما هو المطلوب وهذا بخلاف العلم الاجمالي بوجود واجبات ومحرمات
في الشريعة المقدسة فإنه انما نشاء من العلم بأصل التشريع فاثر العلم الاجمالي أعني
به وجوب الفحص لا يرتفع بعد الفحص عن الحجة في خصوص الكتب المذكورة ولازم
ذلك هو الاحتياط حتى بعد الفحص والبحث وعدم الظفر بالحجة في خصوص تلك الكتب
(وبالجملة) ان دائرة العلم الاجمالي بوجود المخصصات ضيقة من أول الأمر فلا يجب
الفحص عنها الا في أطراف تلك الدائرة أعني بها الكتب المعتبرة المشتملة على تلك
المخصصات فإذا تفحصنا عن مخصص عموم بخصوصه ولم نظفر به في تلك الكتب خرج ذلك
العموم من أطراف العلم الاجمالي وصار احتمال التخصيص فيه شبهة بدوية ولا بد معه
481

من الرجوع إلى أصالة العموم
(واما) دائرة العلم الاجمالي بوجود تكاليف كثيرة المانع من الرجوع إلى الأصول
العملية في ظرف الشك في ثبوت تكليف بخصوصه فهي وسيعة ضرورة انه لا يختص أطراف
هذا العلم بما قامت عليه الحجة في تلك الكتب فالفحص عن خصوص تكليف محتمل
وعدم الظفر بالحجة عليه في تلك الكتب لا يخرجه عنه كونه طرفا للعلم الاجمالي المزبور
بعد احتمال ثبوته في الواقع ووجود الحجة عليه في غير تلك الكتب التي اختص الفحص
بها وعليه فاللازم هو الاحتياط حتى بعد الفحص فلا يبقى لوجوب الفحص في خصوص تلك
الكتب اثر بالإضافة إلى جريان الأصول العملية أصلا (قلت) ما ذكرته من سعة دائرة
العلم الاجمالي بوجود واجبات ومحرمات كثيرة في الشريعة وإن كان صحيحا إلا أنه
انما يوجب الاحتياط ولو بعد الفحص وعدم الظفر بالحجة إذا لم ينحل إلى علم اجمالي
آخر أعني به العلم بوجود واجبات ومحرمات في الكتب المذكورة والى شك بدري بالإضافة
إلى غيرها من التكاليف لكن العلم الاجمالي الأول ينحل بالعلم الاجمال الثاني فيكون
الشك في ما عدى أطراف العلم الاجمالي الثاني شكا بدويا يصح معه الرجوع إلى الأصول
العملية (والوجه في ذلك) انا كما نعلم بوجود واجبات ومحرمات في الشريعة كذلك نعم
بوجود واجبات ومحرمات قامت عليها حجة معتبرة في الكتب المذكورة ومقدار المعلوم
بالعلم الثاني لا يقل من مقدار المعلوم الأول فتكون النتيجة هو العلم بوجود تكاليف قامت
عليها الحجة المعتبرة في تلك الكتب واما الزائد على هذا المقدار فهو مشكوك فيه
بالشك البدوي وغير معلوم لنا لا تفصيلا ولا اجمالا فلا يبقى للعلم الأول المرسل اثر بعد
انحلاله بالعلم الثاني فتكون نتيجة العلمين هو وجب الفحص عن خصوص الحجة في
الكتب المذكورة دون غيرها فمع عدم الظفر بها فيها يرجع إلى الأصول العملية (فان
قلت) لا يصح الاستناد في وجوب الفحص في شئ من المقامين إلى وجود العلم الاجمالي
بوجود مخصصات أو تكاليف كثيرة والا لزم عدم وجوب الفحص بعد انحلال العلم المزبور
لأجل الظفر بالمخصصات أو التكاليف بمقدار المعلوم بالاجمال بذلك العلم مع أن ظاهر
الأصحاب وجوب الفحص حتى في شبهة واحدة باقية ولو مع الظفر بالمخصصات أو التكاليف
بأكثر مما علم اجمالا (بيان ذلك) انا إذا علمنا بوجود تكاليف أو مخصصات كثيرة فبما
482

ان أمر تلك التكاليف أو المخصصات يدور بين الأقل والأكثر يكون مقدار الأقل متيقنا
والمقدار الزائد عليه مشكوكا فيه فإذا تفحصنا وظفرنا في الكتب المعتبرة بتكاليف أو مخصصات
بمقدار المعلوم بالاجمال أو أكثر منه فلا محالة ينحل العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي بالتكاليف
أو المخصصات التي ظفر بها فإذا احتمل بعد ذلك تخصيص عام لم يفحص عن مخصصه أو
احتمل تكليف لم يفحص عن وجود الحجة عليه جاز العمل بذلك العالم وبأصالة البراءة
عن ذلك التكليف المحتمل قبل الفحص بناء على أن المقتضى للفحص انما كان وجود
العلم الاجمالي المفروض انحلاله بالعلم التفصيلي المزبور ضرورة انه مع ارتفاع المقتضى
للفحص لا يكون هناك مانع من التمسك بأصالة العموم أو بأصالة البراءة عند احتمال
وجود المخصص أو الحجة على التكليف المحتمل مع أن من الواضح بطلان ذلك ومخالفته
لسيرة الأصحاب فيستكشف من ذلك ان وجوب الفحص غير مستند إلى وجوده العلم
الاجمالي أصلا (قلت) ليس الميزان في انحلال العلم الاجمالي هو مجرد وجود القدر المتيقن
في البين ليترتب عليه ما ذكرت من انحلال العلم الاجمالي بالظفر بمقدار المعلوم بالاجمال
من التكاليف أو المخصصات المستلزم لعدم وجوب الفحص بعد ذلك عند احتمال تكليف
أو تخصيص بل الميزان في الانحلال أمر آخر لابد في توضيحه من بيان أمور (الأول)
انه لابد في موارد العلم الاجمالي من تشكيل قضية شرطية على سبيل منع الخلو ضرورة
انه لازم العلم بأصل وجود الشيئ مع الشك في خصوصيته وانطباقه على كل واحد من
أطرافه (الثاني) انه يختلف موارد العلم الاجمالي فتارة تكون القضية الشرطية التي
لا بد منها في موارد العلم الاجمالي مؤتلفة من قضية متيقنة وقضية أخرى مشكوك فيها كما
هو الحال في موارد دوران الامر بين الأقل والأكثر واخرى تكون القضية الشرطية المزبورة
مؤتلفة من قضيتين تكون كل منهما مشكوكا فيها كما هو الحال في موارد دوران الامر بين
المتباينين وثالثة تكون تلك القضية جامعة لكلتا الخصوصيتين فهي من جهة تكون مؤتلفة من
قضية متيقنة واخرى مشكوك فيها ومن جهة أخرى مؤتلفة من قضيتين مشكوك فيهما و
لازم ذلك انحلال العلم الاجمالي إلى علمين اجماليين أحدهما من قبيل القسم الأول
والثاني من قبيل القسم الثاني (الثالث) ان من القضايا التي قياساتها معها استحالة ان
يزاحم ما لا يقتضى خلاف شئ لما يقتضى ذلك الشيئ (إذا عرفت هذه الأمور) فاعلم أن
483

الانحلال في القسم الأول كعدمه في القسم الثاني مما لا ريب فيه ولا اشكال (واما القسم
الثالث) ففي انحلال العلم الاجمالي فيه وعدمه خلاف وتوهم الانحلال فيه هو الموجب
لتوهم الانحلال في المقام (ولكن التحقيق) خلافه وتوضيحه مع التطبيق على المقام انما
هو بان يقال انا إذا علمنا بعد المراجعة إلى ما بأيدينا من الكتب المعتبرة ان فيها ما يخالف
الأصول اللفظية والعملية فكل ما فيها من التكاليف الالزامية والتخصيصات الواردة على
العمومات يكون منجزا لا محالة (1) لأن المفروض تعلق العلم به بهذا العنوان أعني به

1 - لا يخفى انه إذا كانت التكاليف أو المخصصات المعلوم وجودها اجمالا في الكتب المعتبرة
مرددة أيضا بين الأقل والأكثر كان حالها حال التكاليف الواقعية المعلوم وجودها في الشريعة
المقدسة في أن العلم الاجمالي المتعلق بها ينحل بالظفر بالمقدار المعلوم وجوده إلى العلم
التفصيلي بوجود تلك التكاليف التي ظفر بها والشك البدوي في ثبوت غيرها فكما ان العلم
بثبوت التكاليف الواقعية لا يوجب تنجز الزائد على المقدار المتيقن وجوده كذلك العلم بثبوت
المخصصات أو التكاليف في الكتب المعتبرة لا يوجب تنجز الزائد على المقدار المعلوم وجوده
فيها فإذا ظفرنا بالمقدار المتيقن ثبوته كان الشك في ثبوت الزائد شكا بدويا (واماما)
أفيد في المتن من كون المعلوم بالاجمال حينئذ ذا علامة وتعين فلا يكون الظفر بالمقدار المتيقن
موجبا لانحلال العلم الاجمالي (فيرد عليه) ان كون المعلوم بالاجمال ذا تعين وعلامة انما
يمنع من انحلال العلم الاجمالي بالظفر بالمقدار المتيقن إذا لم يكن ماله العلامة والتعين
مرددا أيضا بين الأقل والأكثر كما إذا علم بوجود نجس بين إناءات متعددة مردد بين الواحد
والازيد وعلم أيضا بنجاسة اناء زيد بخصوصه المعلوم وجوده في ضمن تلك الإناءات فإنه
إذا علم بعد ذلك وجدانا أو تعبدا بنجاسة أحد تلك الإناءات بعينه فهذا العلم وإن كان يوجب
انحلال العلم الأول المتعلق بوجود النجس في البين المردد بين الأقل والأكثر الا انه لا يوجب
ارتفاع اثر العلم الثاني المحتمل انطباق معلومه على كل واحد من الأطراف واما إذا كان
ماله العلامة مرددا أيضا بين الأقل والأكثر فلا محالة ينحل العلم الاجمالي بالظفر بالمقدار
المعلوم فيكون الشك في المقدار الزائد عليه شكا بدويا فإذا كان اناء زيد المعلوم نجاسته
بخصوصه في الفرض المزبور مرددا أيضا بين الواحد والازيد ثم علم بعد ذلك بالوجدان
أو بالتعبد ان أحد الإناءات بعينه هو اناء زيد فلا محالة ينحل العلم فلا يكون الشك في نجاسة
غيره من الإناءات من قبيل الشك المقرون بالعلم الاجمالي فتحصل انه لا يصح الاستناد في الحكم
بوجوب الفحص عن المخصص أو التكليف عند احتماله إلى العلم الاجمالي بوجود المخصصات
أو الاحكام بعد الظفر بالمقدار المعلوم ثبوته فلا بد في اثبات ذلك من إقامة دليل آخر
484

وروده في تلك الكتب وهذا العلم يوجب التنجز بمقدار سعة عنوان متعلقه وعليه فالاحكام
والمخصصات الواقعية الموجودة في تلك الكتب بها انها معلومة بهذا العنوان مع قطع
النظر عن مقدار كميتها تكون ذات علامة وتعين فلا ينحل العلم بها بالظفر بمقدار يعلم
بتحققه من التكاليف والمخصصات في هذه الكتب فان العلم بالتكليف المردد بين الأقل
والأكثر انما يكون منحلا إلى العلم بوجود الأقل والشك في وجود الأكثر إذا لم يكن
الأكثر طرفا لعلم اجمالي آخر متعلق بعنوان لم تلا حظ فيه الكمية واما فيما إذا كان كذلك
كما في المقام فلا يكون العلم بوجود الأقل موجبا للانحلال لان غاية الأمران العلم
بالتكاليف أو المخصصات من جهة تعلقه بما هو مردد بين الأقل والأكثر لا يكون مقتضيا
لتنجز الأكثر وذلك لا ينافي تنجزها من جهة تعلقه بماله تعين وعلامه وعليه فكل حكم
احتمل المكلف جعله في الشريعة أو كل عام احتمل أن يكون له مخصص يجب الفحص عنه
في تلك الكتب لكونه من أطراف العلم الاجمالي المتعلق بماله تعين وعلامة ولا يفرق
في ذلك بين الظفر بالمقدار المتيقن من حيث الكمية والعدد وعدم الظفر به (وبالجملة)
المعلوم بالاجمال في محل الكلام وإن كان مرددا بين الأقل والأكثر الا ان ذلك بمجرده
لا يكفي في عدم تنجز الأكثر بعد تعلق العلم به بعنوان آخر لم تلاحظ فيه الكمية والعدد
فغاية ما هناك هو عدم اقتضاء العلم الثاني للتنجز بالإضافة إلى المقدار الزايد على المتيقن
لا انه يقتضى عدم التنجز بالإضافة إلى ذلك المقدار فلا يعقل ان يزاحم اقتضاء العلم الأول
للتنجز في تمام ما بأيدينا من الكتب على ما هو مقتضى المقدمة الثالثة (ونظير ذلك) (1)

1 - قد ظهر مما ذكرناه ان العلم بكون مقدار الدين مضبوطا في الدفتر لا يوجب الفحص
بعد الظفر بالمقدار المتيقن ثبوته عن الزائد المحتمل ثبوته فالحكم بوجوب الفحص بعد ذلك
مع عدم الاطمينان باشتمال الدفتر على الزائد عن المقدار المعلوم ثبوته لابد من أن يستند فيه
إلى دلالة دليل آخر عليه كما ادعى ذلك في موارد الشك في بلوغ المال حد النصاب وفي
حصول الاستطاعة للحج ونحو هما ويدل على ما ذكرناه من أن وجوب الفحص عما اشتمل
عليه الدفتر من الدين لا يمكن ان يستند إلى العلم بكون مقدار الدين مضبوطا في الدفتر بدعوى
انه موجب لتنجز الواقع عليه على ما هو عليه من الكمية انه لو كان مثل هذا العلم المردد متعلقه
بين الأقل والأكثر موجبا لتنجز الواقع على ما هو عليه للزم الحكم بوجوب الاحتياط بأداء
ما يقطع معه بفراغ الذمة واقعا عند عدم التمكن من الرجوع إلى الدفتر لضياعه أو لغير ذلك
مع أنه لا يشك في أن المرجع حينئذ انما هي أصالة البراءة فيستكشف بذلك ان وجوب الفحص
على تقدير تسليمه غير مستند إلى وجود العلم الاجمالي وتنجيزه للواقع على ما هو عليه
485

ما إذا كنت عالما بأنك مديون لزيد بمقدار مضبوط يمكن العلم به تفصيلا بالمراجعة إلى
الدفتر فهل يساعد وجدانك على أن تكتفى بمراجعة الدفتر بمقدار يكون فيه القدر المتيقن
من الدين وهل عدم الاكتفاء به الا من جهة العلم باشتغال الذمة بمجموع ما في الدفتر
الموجب لتنجز الواقع المعنون بهذا العنوان على ما هو عليه في نفس الامر من الكمية و
المقدار (فاتضح) مما ذكرناه ان الانحلال يتوقف زائدا على كون المعلوم مرددا بين
الأقل والأكثر على أن لا يكون متعلق العلم معنونا بعنوان آخر غير ملحوظ فيه الكمية و
العدد واما إذا كان كذلك فلا يعقل فيه الانحلال ويستحيل أن يكون مجرد اليقين بمقدار
معين مما يندرج تحت ذلك العنوان موجبا له فإنه يستلزم سقوط ما فيه الاقتضاء عن
اقتضائه لأجل ما لا اقتضاء فيه وهو غير معقول (واما الوجه) (1) المختص بالمنع من جريان
الأصول العملية قبل الفحص عن الحجة فهو ما تقرر في محله من استقلال العقل بذلك
فان أنه يستقل بان وظيفة المولى ليست الا تشريع الاحكام واظهارها على المكلفين بالطرق
العادية ولا يجب عليه تصديه لجميع ماله دخل في الوصول بحيث يجب على المولى ايصال
حكمه إلى العبد ولو بغير الطرق العادية إذا امتنع العبد من الاطلاع على تكاليف مولاه
كما أنه يستقل بان وظيفة العبد انما هو الفحص عن تكاليف المولى التي شرعها وأظهرها

1 - لا يخفى ان هذا الوجه وان صح الاستدلال به على وجوب الفحص عن التكليف المحتمل
وعدم جواز الرجوع إلى الأصل العملي لنفى التكليف المحتمل قبل الفحص عن قيام الحجة عليه
الا انه لا يختص بذلك بل يصح الاستدلال بهذا الوجه بعينه على وجوب الفحص عن المخصص
المحتمل وجوده ووصول العبد إليه بفحصه لأنه إذا كانت سيرة المولى جارية عن بيان احكامه
متدرجا واظهارها بالطرق العادية التي يمكن العبدان يصل إليها بفحصه فلا يجوز العقل العمل
على طبق ظاهر كلام المولى في عموم الترخيص إذا احتمل العبد وجود مخصص له ووصوله
إليه بفحصه عنه في مظان وجوده فالصحيح هو الاستدلال على وجوب الفحص عن المخصص عند احتماله
بذلك وبالاخبار الخاصة الدالة على وجوب الفحص عن التكليف المحتمل فإنها باطلاقها شاملة
لموارد احتمال التخصيص أو التقييد أيضا وسيجيئ ما في استدلال شيخنا الأستاذ قدس سره
على ذلك بما افاده في الوجه الآتي انشاء الله تعالى
486

بالطرق العادية لئلا يقع في مخالفتها فيهلك من حيث لا يعلم فالعقل لا يرى العبد معذورا
في مخالفة تكاليف مولاه الا بعد الفحص بالمقدار اللازم عليه عند العقلاء وعدم الظفر بها
واما قبله فيستقل بعدم كون العبد معذورا في المخالفة وبلزوم الفحص عليه ولا فرق في
استقلال العقل بذلك بين الظفر بالمقدار المتيقن ثبوته من التكاليف المعلومة اجمالا
وعدم الظفر به والملاك في كلتا الصورتين أمر واحد (واما الوجه المختص) بالمقام فهو
ان حجية أصالة الظهور انما هي لكشفه عن مراد المتكلم وبما انا علمنا بعد مراجعة
الأدلة الشرعية ان طريقة الشارع قد استقرت على ابراز مقاصده بالقرائن المنفصلة حتى
قيل إنه لم يوجد عام في الكتاب والسنة الا وقد ورد عليه تخصيص منفصل عنه لا يكون (1)
للعمومات الواردة فيهما ظهور تصديقي كاشف عن المراد قبل الفحص عن مخصصاتها
وما لم يكن لها ظهور كذلك لا تكون حجة يصح الاعتماد عليها (وبالجملة) حجية العمومات
متقومة بجريان مقدمات الحكمة الكاشفة عن عدم دخل قيد آخر في مراد المتكلم فإذا
انهدم أساس جريان مقدمات الحكمة بالعلم بان ديدن المتكلم قد جرى على التعويل على
قرائن لم تكن تلك العمومات حجة قبل الفحص عن مخصصاتها (فان قلت) على هذا
لا يمكن التمسك بتلك العمومات حتى بعد الفحص عن المخصصات لاحتمال تعويل المولى
على مخصص لم يصل إلينا فماذا يكون موحبا لحجيتها بعد الفحص (قلت) لو كان المدعى
هو كشف الظهور عن واقع مراد المتكلم لكان الامر كما ذكرت ضرورة ان ظهور كلام

1 - الاستدلال بهذا الوجه على وجوب الفحص عن المخصص المحتمل وجوده مبنى على الالتزام
بالحاجة إلى جريان مقدمات الحكمة في مدخول أداة العموم لاثبات اطلاقه وقد ذكرنا في ما تقدم
انه لا حاجة إلى ذلك وان أداة العموم هي بنفسها متكفلة بتسرية الحكم إلى جميع ما يمكن
ان ينطبق عليه مدخولها مع أنه لو بنى على ذلك لما كان استقرار طريقة الشارع على ابراز
مقاصده بالقرائن المنفصلة مانعا من جريان مقدمات الحكمة في مدخول الأداة ومن انعقاد
ظهور الكلام في العموم لأنك قد عرفت فيما تقدم ان القرينة المنفصلة لا تصادم أصل الظهور
وانما تصادم حجيته وعلى ذلك بنينا عدم سراية اجمال المخصص المنفصل إلى العام فلو كان الامر
كما ذكره شيخنا الأستاذ قدس سره في المقام من أنه لا ينعقد الظهور التصديقي للعمومات في
محل الكلام الا بعد الفحص عن المخصص للزم الالتزام بسراية اجمال المخصص المنفصل إلى العام
وهو خلاف ما بنى عليه قدس سره
487

المتكلم لا يكشف عن واقع مراده مع احتمال اعتقاده على قرينة منفصلة لم تصل إلى
المخاطب بفحصه عنها ولذلك لو فرضنا وجود قرائن خفية بين تاجر ووكيله وأرسل
الوكيل إليه كتابا يشتمل على تعيين اسعار الأجناس ووقع هذا الكتاب بيد تاجر آخر
لما رتب عليه اثرا مع احتماله اعتماد الكاتب على تلك القرائن وليس ذلك الا لعدم كشف
الظهور مع هذا الاحتمال عن المراد الواقعي النفس الامرى (واما إذا كان المدعى) هو
لزوم الحركة على طبق ما يقوله المولى بحيث يصح احتجاج المولى بظهور كلامه على
عبده عند عدم اخذه بظاهر كلامه كما يصح احتجاج العبد على المولى بذلك الظهور عند
اخذه به وعدم مصادفته للمراد الواقعي فبين الاخذ بالظهور قبل الفحص وبعده فرق واضح
فإنه إذا علم من الخارج ان المتكلم كثيرا ما يعتمد في ابراز مقاصده على القرائن المنفصلة
فقبل الفحص عنها لا يصح للعامل على طبق العمومات ان يحتج بظهورها على المتكلم بها
لعدم جريان مقدمات الحكمة في مواردها على الفرض وهذا بخلاف ما إذا تفحص عن
القرائن المنفصلة واخذ بظهور تلك العمومات بعده فان له ان يحتج على المولى بذلك
الظهور الذي عمل على طبقه فإنه حجة في حقه ما لم يجد قرينة على خلافه فإذا فرضنا
مخالفة ذلك الظهور للمراد الواقعي فإنما هي مستندة إلى عدم القاء المولى كلامه على
نحو يفي بتمام مراده لا إلى تقصير العبد في فحصه عن بيان المولى لمراده (فتحصل)
ان التكاليف الواقعية الشرعية مع العلم بالديدن المزبور تكون متوسطة في التنجز بمعنى
ان المخصص بوجوده الواقعي لا يكون حجة على العبد الا إذا كان بحيث يمكن للعبد
الوصول إليه بفحصه وهذا أحد الموارد التي يكون الحكم فيها متوسطا في التنجز و
سيأتي بقية الموارد في محالها انشاء الله تعالى (ثم إنه) قد انقدح بما ذكرناه في ضابط
حجية الظهور التي هي بمعنى صحة احتجاج المولى على عبده وصحة احتجاج العبد
على مولاه بذلك الظهور فساد القول باعتبار الظن الفعلي في الحجية المزبورة كما أنه انقدح
أيضا انه لا يضر بالحجية المزبورة وجود الظن بإرادة خلاف الظاهر ما لم يكن الظن معتبرا
وسيجيئ تفصيل ذلك في محل انشاء الله تعالى (هذا كله) في أصل وجوب الفحص واما
مقدار الفحص فهل يجب فيه تحصيل القطع أو الاطمينان أو يكفي فيه مطلق الظن بعدم
وجود المخصص فيه وجوه أقواها أوسطها لعدم الدليل على جواز الاكتفاء بمطلق الظن
488

ولا على وجوب تحصيل الزائد على مرتبة الاطمينان مضافا إلى ما في الالزام بتحصيل
اليقين من العسر والحرج المنفيين في الشريعة المقدسة هذا مع أن بناء العقلاء في أمورهم
قد جرى على العمل بالاطمينان ودعوى القطع بان الشارع لم يردع عن هذه الطريقة
وقررها غير مجازفة ويمكن ان يقال إن ملاحظة طريقة العلماء الأعلام قدس الله تعالى أرواحهم
في جمع الاخبار وتصديهم لاستقصائها وتبويبها في مجاميعهم ربما تورث القطع بعدم
المخصص بعد المراجعة إلى الأبواب المناسبة وعدم وجدان المخصص فيها ولا يضر في
ذلك تقطيع الاخبار الصادر عنهم كما لا يخفى
فصل
هل الخطابات الشفاهية مثل يا أيها المؤمنون يختص بالحاضرين مجلس التخاطب
أو يعم غيرهم من الغائبين بل المعدومين فيه خلاف وقبل الخوض في بيان المقصود ينبغي
تقديم أمور (الأول) ان موضوع البحث انما هو ما إذا كان الكلام التكفل ببيان الحكم
مشتملا على أداة من أدوات الخطاب واما ما لم يكن مشتملا عليها كما إذا ورد ان المؤمنين
يجب عليهم كذا فلا اشكال في عمومه للحاضر والغائب والمعدوم على نحو واحد (الثاني)
انه ربما يقال إن البحث في محل الكلام عقلي والكلام انما هو في امكان المخاطبة مع
المعدوم واستحالته وقد يقال إن البحث لفظي والكلام انما هو في عموم أدوات الخطاب
بحسب الوضع وعدم عمومها والحق ان البحث انما هو عن كل من الجهتين ولا اختصاص له
بواحدة منهما (1) (الثالث) ان ثمرة البحث انما تظهر في شمول الحكم للغائبين بل
للمعدومين بنفس الخطاب بناء على عدم اختصاص الخطاب بالمشافهين واما إذا قلنا باختصاصه
بهم فنحتاج في تسرية منهم إلى غيرهم إلى التمسك بذيل قاعدة الاشتراك في

1 - الظاهر أن النزاع في المقام منحصر بالنزاع في عموم أدوات الخطاب بحسب الوضع و
عدم عمومها فان توجيه الخطاب الانشائي إلى المعدوم فضلا عن الغائب لا ينبغي الاشكال في
جوازه كما أن توجيه الخطاب الحقيقي إلى الحاضر غير الملتفت فضلا عن الغائب أو المعدوم لا ينبغي
الشك في عدم جوازه فالنزاع انما هو في أن أدوات الخطاب هل هي موضوعة للخطاب الحقيقي
لئلا يشمل الخطاب للغائب أو المعدوم أو انها موضوعة للخطاب الانشائي لئلا يختص بالحاضرين
مجلس التخاطب
489

التكليف وهي انما تجرى مع الاتحاد في الصنف فلو احتملنا اختصاص الحكم بالحاضرين
مجلس الخطاب أو الموجودين في المدينة أو في عصر النبي صلى الله عليه وآله لما أمكننا
تسرية الحكم منهم إلى غيرهم نعم احتمال الاختصاص بالحاضرين في المسجد أو المدينة
في غاية البعد ولكن احتمال الاختصاص بالموجودين في زمان الحضور بمكان من الامكان
فنحتاج في تسرية الحكم منهم إلى غيرهم إلى التمسك بقاعدة الاشتراك في التكليف التي
لا تجرى مع الاختلاف في الصنف (واما توهم) انه تبتنى الثمرة المزبورة على قول المحقق
القمي (قده) أعني به اختصاص حجية الظواهر بمن قصد افهامه بتقريب انه إذا قلنا بعموم
حجية الظواهر للمقصود بالافهام وغيره فالخطاب وان بنينا على اختصاصه بالحاضرين و
قد قصد به أفهامهم الا انه حجة في حق الغائبين والمعدومين أيضا فلا تبقى ثمرة لهذا
البحث أصلا (فهو مدفوع) بان حجية الظواهر وان قلنا بعمومها لغير من قصد افهامه كما
هو الصحيح الا ان الخطاب إذا كان مختصا بالمشافهين احتجنا في تسرية الحكم المتكفل
به الخطاب إلى غيرهم إلى التمسك بالقاعدة المزبورة التي لا تجرى في فرض الاختلاف
في الصنف كما عرفت ولأجل ذلك كان النزاع في عموم الخطابات للغائبين أو المعدومين
متحققا بين العلماء قبل حدوث القول باختصاص حجية الظواهر بمن قصد افهامه (وبالجملة)
إذا فرضنا اختصاص الحكم المتكفل به الخطاب بالمشافهين كما هو لازم القول باختصاص
الخطاب بهم سواء قلنا باختصاص حجية الظواهر بمن قصد افهامه أم قلنا بعمومها لغيره
فلا محالة نحتاج في اثبات الحكم لغير المشافه إلى دليل آخر واما إذا فرضنا عموم
الخطاب بنفسه للمعدومين فضلا عن الغائبين كان عموم الحكم لغير الحاضرين على طبق
القاعدة فيحتاج اثبات الاختصاص بالمشافهين إلى دليل آخر وهذه ثمرة مهمة جدا وليت
شعري كيف غفل المتوهم (قده) عن ذلك وبنى على أن ثمرة البحث انما تظهر على
قول المحقق القمي (قده) فقط.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام يقع تارة في القضايا الخارجية التي حكم فيها على
اشخاص مخصوصين واخرى في القضايا الحقيقية التي حكم فيها على الموضوعات المقدر
وجودها (اما القضايا الخارجية) فالحق فيها ان يقال باختصاص الخطاب بالمشافهين فان
خطاب الغائب فضلا عن المعدوم يحتاج إلى تنزيل وعناية وظهور الخطاب في أنه بلا عناية
490

يدفع احتمالها (واما القضايا الحقيقية) كما هو محل الكلام فالصحيح فيها هو القول بعموم
الخطاب للمعدوم والغائب والحاضر على نهج واحد فكما ان الحكم في القضايا الحقيقية
بحسب مقام الثبوت يعم الغائبين والمعدومين كذلك الخطاب في مقام الاثبات يعمهما أيضا
ضرورة أن توجيه الخطاب إلى الغائب أو المعدوم لا يحتاج إلى أزيد من تنزيلهما منزلة
الموجود (1) وهذا التنزيل انما هو مقوم كون القضية حقيقية لا انه أمر زايد عليه
ليكون مدفوعا بالأصل (والحاصل) ان الخصم لو امكنه منع صحة استعمال أدوات الخطاب
في القضايا الحقيقية بان يدعى وضعها لان تستعمل في خصوص القضايا الخارجية لكان
لدعوى اختصاص الخطابات المشافهين مجال واسع لكن هذه الدعوى واحتمال
اختصاص صحة الاستعمال بالقضايا الخارجية مما يكذبها الوجدان ومع تسليم

1 - لا يخفى ان كون القضية حقيقية وإن كان يقتضى بنفسه فرض الموضوع موجودا أو الحكم
على الموضوع المفروض وجوده الا ان ذلك لا يكفي في شمول الخطاب للمعدومين ضرورة
ان مجرد وجود الموضوع خارجا لا يكفي في توجيه الخطاب إليه بل لا بد فيه من فرض وجوده
مجلس التخاطب والتفاته إلى الخطاب والأصح خطاب الغائب في القضية الخارجية بلا عناية و
هو خلاف المفروض فالصحيح في تقريب عدم اختصاص الخطاب بالحاضرين مجلس التخاطب
هو ان أدوات الخطاب حسب ما ندركه من مفاهيمها عند استعمالاتها غير موضوعة للخطاب
الحقيقي وانما وضعت للخطاب الانشائي واظهار توجيه الكلام نحو مدخولها بداع من الدواعي
فلا مانع من شمولها للغايب بل المعدوم بعد فرضه منزلة الموجود كما هو لا زم كون
القضية حقيقية هذا مضافا الا ان لازم القول باستعمالها في الخطاب الحقيقي في موارد
استعمالها في الخطابات الشرعية هو اختصاص الخطاب بالحاضرين مجلس التخاطب وعدم
شموله للغائبين فضلا عن المعدومين وذلك مما يقطع بعدمه لان اختصاص الخطاب بالمدركين
لزمان الحضور وإن كان محتملا في نفسه الا انه لا يحتمل اختصاصه بالحاضرين في المسجد
قطعا فلا مناص حينئذ من الالتزام باستعمالها في الخطاب الانشائي ولو كان ذلك بالعناية
فيشمل الخطاب المعدومين أيضا بعد تنزيلهم منزلة الموجود على ما هو لازم كون القضية حقيقية
هذا كله على تقدير كون الخطابات القرآنية خطابا من الله تبارك وتعالى بلسان رسول الله صلى الله
عليه وآله إلى أمته واما إذا قلنا بأنها نزلت عليه قبل قرائته صلى الله عليه وآله فبما ان
المفروض انه لم يكن حال نزولها من يتوجه اليد الخطاب حقيقة يكون النزاع في اختصاصها
بالحاضرين مجلس التخاطب وعمومها للغائبين بل المعدومين باطلا من أصله كما هو ظاهر
491

صحة الاستعمال في القضايا الحقيقية لا يبقى لاحتمال الاختصاص بالمشافهين وجه أصلا
فصل
إذا عقب العام بضمير يرجع إلى بعض افراده فلا محالة يدور الامر بين التصرف
في ناحية العام بتخصيصه والتصرف في ناحية الضمير بالالتزام بالاستخدام فيه وهذا كما
في قوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن إلى قوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن حيث إن
كلمة المطلقات تعم الرجعيات وغيرها وان المراد بالضمير في قوله تعالى وبعولتهن
انما هو خصوص الرجعيات فيدور الامر بين تخصيص المطلقات بالرجعيات والالتزام
بالاستخدام في ناحية الضمير وقد اختلفت كلمات الاعلام في المقام فمنهن من قال بتقدم
أصالة العموم فالتزم بالثاني ومنهم من قال بتقدم أصالة عدم الاستخدام فالتزم بالتخصيص
ومنهم من قال بعدم جريان أصالة عدم الاستخدام وعدم جريان أصالة العموم اما عدم
جريان أصالة عدم الاستخدام فلاختصاص مورد جريانها بما إذا كان الشك في المراد
فلا تجرى فيما إذا شك في كيفية الإرادة مع القطع بنفس المراد كما هو الحال في جميع
الأصول اللفظية واما عدم جريان أصالة العموم فلاكتناف الكلام بما يصلح للقرينة
فيسقط كلا الأصلين عن درجة الاعتبار
والتحقيق (1) ان يقال بجريان أصالة العموم وعدم جريان أصالة عدم الاستخدام
من وجوه (الأول) ان لزوم الاستخدام في ناحية الضمير كأن يراد بالمطلقات في الآية
المباركة معناها العام وبالضمير الراجع إليها خصوص الرجعيات منها انما يبتنى على أن
يكون العام المخصص مجازا لأنه على ذلك يكون للعام معنيان أحدهما معنى حقيقي
وهو جميع ما يصلح ان ينطبق عليه مدخول أداة العموم وثانيهما معنى مجازى وهو الباقي
من افراده بعد تخصيصه فإذا أريد بالعام معناه الحقيقي وبالضمير الراجع إليه معناه المجازى
لزم الاستخدام واما إذا قلنا بان تخصيص العام لا يستلزم كونه مجازا كما هو الصحيح

1 - بل التحقيق هو القول بجريان أصالة عدم الاستخدام ورفع اليد بها عن أصالة العموم وستعرف
سر ذلك بعيد هذا كما ستعرف ان الآية المباركة المزبورة وما يكون نظيرها مما لم يستعمل
الضمير فيها في بعض الافراد وانما استعمل في العموم غاية الأمر انه قامت القرينة في الخارج
على اختصاص الإرادة الجدية ببعض الافراد خارجة عن موضوع البحث بالكلية.
492

فلا يكون للعام الا معنى واحد حقيقي وليس له معنى آخر حقيقي أو مجازى ليراد بالضمير
الراجع إليه معنى مغاير لما أريد من نفسه ليلزم الاستخدام في الكلام (1)
(الثاني) انا ولو سلمنا كون العام المخصص مجازا الا ان أصالة عدم الاستخدام انما
تجرى فيما إذا شك في ما أريد بالضمير بان يتردد امره بين أن يكون المراد به هو
نفس ما أريد من مرجعه وأن يكون المراد به معنى آخر غير ذلك المعنى سواء كان
المعنيات كلاهما حقيقيين أم كان كلاهما مجازيين أم كان أحدهما حقيقيا والاخر مجازيا
واما فيما إذا علم ما أريد بالضمير وشك في الاستخدام وعد مه لأجل الشك فيما أريد
بالمرجع فلا مجال لجريان أصالة عدم الاستخدام أصلا وعلى ذلك فيما ان المراد
بالضمير في محل الكلام معلوم (2) وانما الشك فيما أريد بمرجعه لا تجرى أصالة عدم
الاستخدام في نفسها ولو مع قطع النظر عن معارضتها بأصالة العموم (فان قلت) ان أصالة
عدم الاستخدام وان لم تجر بالإضافة إلى نفى الاستخدام في نفسه لعدم ترتب الأثر عليها
بعد معلومية المراد كما ذكر الا انها تجرى بالإضافة إلى اثبات لازم عدم الاستخدام أعني
به إرادة الخاص من العموم ونظير المقام ما إذا لاقى البدن ثوبا مثلا مع الرطوبة ثم

1 - لا يذهب عليك ان تخصيص العام وان لم يستلزم كونه مجازا الا ان ظاهر الكلام هو اتحاد
المراد من الضمير وما يرجع إليه فإرادة جميع الافراد من العام وإرادة بعضها من الضمير الراجع
إليه خلاف الظاهر وهذا هو المراد من أصالة عدم الاستخدام
2 - المراد بالضمير في محل الكلام وإن كان معلوما الا أن المدعى لجريان عدم الاستخدام لا يدعى
ظهور نفس الضمير في شئ ليرد عليه ما أفيد في المتن من عدم جريان أصالة الظهور عند العلم
بالمراد والشك في كيفية الإرادة بل انما هو يدعى ظهور الكلام بسياقه في اتحاد المراد
بالضمير ومرجعه وبما ان المراد بالضمير في محل الكلام معلوم يدور الامر بين رفع اليد عن الظهور
السياقي المثبت لعدم إرادة العموم من العام ورفع اليد عن أصالة العموم المقتضية للالتزام بالاستخدام
وعليه فالظاهر في مثل ذلك حسب المتفاهم العرفي هو تقديم أصالة عدم الاستخدام ورفع اليد
عن أصالة العموم بل لو دار الامر بين رفع اليد عن أصالة عدم الاستخدام ورفع اليد عن ظهور
اللفظ في كون المراد به المعنى الحقيقي لزم رفع اليد عن الثاني وحمل اللفظ على معناه
المجازى ففي مثل قولنا رأيت أسدا وضربته يتعين حمل لفظ أسد على معناه المجازى إذا علم أنه
هو المراد بالضمير الراجع إليه
493

خرج الثوب عن محل الابتلاء وعلم بنجاسة ذلك الثوب قبل تحقق الملاقاة مع الشك في
عروض المطهر له إلى حال الملاقاة فإنه لا ريب في أنه يحكم بالفعل بنجاسة البدن الملاقى
لذلك الثوب وإن كان نفس الثوب خارجا عن محل الابتلاء أو معدوما في الخارج فاستصحاب
نجاسة الثوب وإن كان لا يجرى لأجل التعبد بنجاسة نفس الثوب لان ما هو خارج عن محل
الابتلاء أو معدوم في الخارج غير قابل لان يتعبد بنجاسته في نفسه الا انه يجرى باعتبار الأثر
اللازم لمجربه أعني به نجاسة البدن في المثال فكما ان الأصل العملي يجرى لاثبات ما هو
لازم مجريه وان لم يكن المجرى في نفسه قابلا للتعبد كذلك الأصل اللفظي يجرى لاثبات
لوازم مجريه وان لم يكن المجرى في نفسه موردا للتعبد وعليه فلا مانع من جريان
أصالة عدم الاستخدام لاثبات لازم مجريها أعني به إرادة الخاص مما يرجع إليه الضمير في
محل الكلام (قلت) قياس الأصل اللفظي بالأصل العملي في ما ذكر قياس مع الفارق لان
الأصل العملي انما يجرى لاثبات الآثار الشرعية ولو بألف واسطة فالتعبد بنجاسة الثوب
الخارج عن محل الابتلاء في المثال المزبور هو نفس التعبد بنجاسة البدن الملاقى له فمع
وجود اثر شرعي لجريان الأصل في الجملة ولو بنحو الموجبة الجزئية يكون الأصل جاريا
لا محالة وهذا بخلاف المقام فان إرادة الخاص من العام ليست من آثار عدم الاستخدام
شرعا بل انما هي من لوازمه عقلا والأصل المثبت وإن كان حجة في باب الأصل اللفظية
الا انه من الواضح ان اثبات لازم عقلي بأصل فرع اثبات ملزومه فالأصل اللفظي إذا لم يمكن اثبات الملزوم
به لم يمكن اثبات لازمه به أيضا لأنه فرعه وبتيعه.
(الثالث) انه لو سلمنا جريان أصالة عدم الاستخدام مع العلم بالمراد الا انها انما
تجرى فيما إذا كان الاستخدام من جهة عقد الوضع كما إذا قال المتكلم رأيت أسد أو ضربته
وعلمنا ان مراده بالضمير هو الرجل الشجاع واحتملنا أن يكون المراد بلفظ الأسد الحاكي
عما وقع عليه الرؤية هو الرجل الشجاع أيضا لئلا يلزم الاستخدام وأن يكون المراد به الحيوان
المفترس ليلزم ذلك ففي مثل ذلك نسلم جريان أصالة عدم الاستخدام فيثبت بها ان المراد
بلفظ الأسد في المثال هو الرجل الشجاع دون الحيوان المفترس واما في المقام فليس ما استعمل
فيه الضمير هي خصوص الرجعيات بل الضمير قد استعمل فيما استعمل فيه مرجعه أعني به لفظ
المطلقات في الآية المباركة فالمراد بالضمير فيها انما هو مطلق المطلقات وانما أريد الرجعيات
494

بدال آخر أعني به عقد الحمل (1) الدال على كون الزوج أحق برد زوجته فما استعمل فيه الضمير
هو بعينه ما استعمل فيه المرجع فأين الاستخدام في الكلام لتجرى أصالة عدمه فتعارض
بها أصالة العموم (بقى الكلام) فيما توهم من عدم جريان أصالة العموم في المقام لتوهم
انه من قبيل اكتناف الكلام بما يصلح للقرينية (والتحقيق) فساد هذا التوهم لان الملاك
في باب اكتناف الكلام بما يصلح القرينية انما هو اشتمال الكلام على لفظ مجمل من حيث
المفهوم الافرادي أو التركيبي بحيث لو اتكل عليه المولى في مقام بيان مراده لما كان
محلا بمراده كما في لفظ الفساق الواقع في قضية أكرم العلماء الا فساقهم المردد امره

1 - ما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره من كون الضمير في الآية المباركة مستعملا في العموم و
إن كان صحيحا لا ينبغي الريب فيه لان قيام دليل خارجي على أن بعض أقسام المطلقات لا يجوز
الرجوع في طلاقهم لا يكشف عن استعمال الضمير في خصوص قسم خاص من المطلقات أعني
به الرجعيات كما حققنا الحال في ذلك عند البحث عن عدم استلزام التخصيص لكون العام مجازا
الا ان ما افاده قدس سره من كون الدال على اختصاص الحكم بالرجعيات هو عقد الحمل
المذكور في الآية المباركة أعني به قوله تعالى أحق بردهن الدال على كون الزوج أحق برد
زوجته غير صحيح وذلك لوضوح ان المستفاد من الآية المباركة هو ثبوت الحكم المذكور
فيها لجميع المطلقات وعدم اختصاصه بقسم خاص منها فليس في الآية المباركة ما يدل على
عدم ثبوت هذا الحكم لبعض المطلقات وانما ثبت ذلك بدليل خارجي ولأجل ذلك كان حاله
حال المخصص المنفصل في أنه لا يستلزم أن يكون اللفظ مستعملا في خصوص ما ثبت له
الحكم واقعا فتحصل من جميع ما ذكرناه انه إذا علم استعمال الضمير الراجع إلى العام في
خصوص بعض أقسامه فدار الامر بين الالتزام بالاستخدام ورفع اليد عن أصالة العموم كان اللازم
هو رفع اليد عن أصالة العموم وابقاء ظهور الكلام في عدم الاستخدام على حاله لكن الآية
المباركة وما يكون مثلها خارجة عن هذا الموضوع لان ما هو المعلوم من الخارج انما
هو اختصاص الحكم المذكور في الآية المباركة بقسم خاص من المطلقات واما استعمال الضمير
الراجع إلى العام في خصوص ذلك القسم فهو غير معلوم فلا موجب لرفع اليد عن أصالة العموم
أو عن أصالة عدم الاستخدام أصلا هذا والظاهر أنه لم يوجد في القضايا المتكفلة ببيان الأحكام الشرعية
مورد يدور الامر فيه بين رفع اليد عن أصالة العموم ورفع اليد عن أصالة عدم الاستخدام
وعليه فلا تترتب على البحث في هذه المسألة ثمرة مهمة كما لا يخفى.
495

بين ان يراد به خصوص مرتكبي الكبيرة وان يراد به الأعم منهم ومن مرتكبي الصغيرة
وكما في الاستثناء المتعقب لجمل متعددة المحتمل رجوعه إلى كلها ورجوعه إلى
خصوص الأخيرة منها على اشكال في ذلك سيجيئ بيانه عن قريب انشاء الله تعالى
واما في المقام فلا ريب في أن الجملة المشتملة على الضمير انما هي متكلفة ببيان
حكم آخر غير الحكم الذي تكفلت ببيانه الجملة المشتملة على العام فلو كان المولى
أراد من العام خصوص بعض افراده واتكل في بيان ذلك على العلم بإرادة ذلك الخاص
في الجملة الأخرى لكان مخلا ببيانه وعليه فلا يصح ذلك لكونه قرينة على إرادة الخاص
فتبقى أصالة العموم حينئذ بلا مزاحم.
فصل
إذا تعقب الاستثناء جملا متعددة وأمكن رجوعه إلى جميعها كما في قوله تعالى
والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا
لهم شهادة ابدا وأولئك هم الفاسقون الا الذين تابوا إلى آخر الآية فهل الظاهر رجوعه إلى
الجميع أو إلى خصوص الجملة الأخيرة أو لا ظهور له في شئ منهما فلا بد في تعيين أحدهما من
قرينة أخرى فيه وجوه أقوال (والتحقيق) في ذلك هو التفصيل (1) بان يقال إن من الواضح

1 - الصحيح في تقريب التفصيل في المقام ان يقال إن تعدد الجمل المتعقبة بالاستثناء اما
أن يكون بتعدد خصوص موضوعاتها أو بتعدد خصوص محمولاتها أو بتعدد كليهما وعلى
الأولين فاما ان يتكرر ما بتعدده تعدد القضية في الكلام أو لا يتكرر فيه ذلك فالأقسام
خمسة اما القسم الأول أعني به ما تعددت فيه القضية بتعدد موضوعاتها ولم يتكرر فيه عقد
الحمل كما إذا قيل أكرم العلماء والاشراف والشيوخ الا الفساق منهم فالظاهر فيه رجوع
الاستثناء إلى الجميع لان القضية في مثل ذلك وإن كانت متعددة صورة الا انها في حكم
قضية واحدة قد حكم فيها بوجوب اكرام كل فرد من الطوائف الثلاث الا الفساق منهم
فكأنه قيل أكرم كل واحد من هذه الطوائف الا من كان منهم فاسقا واما القسم الثاني
أعني به ما تعددت فيه القضية بتعدد موضوعاتها مع تكرر عقد الحمل فيه كما إذا قيل أكرم
العلماء والاشراف وأكرم الشيوخ الا الفساق منهم فالظاهر فيه رجوع الاستثناء إلى
خصوص الجملة المتكرر فيها عقد الحمل وما بعدها من الجمل لو كانت لان تكرار عقد الحمل
في الكلام قرينة على قطع الكلام عما قبله وبذلك يأخذ الاستثناء محله من الكلام فيحتاج
تخصيص الجمل السابقة على الجملة المتكرر فيه عقد الحمل إلى دليل آخر مفقود على
الفرض واما القسم الثالث والرابع أعني بهما ما تعددت فيه القضية بخصوص تعدد
محمولاتها مع تكرر عقد الوضع في أحدهما وعدم تكرره في الاخر فيظهر الحال فيهما
مما أفيد في المتن واما القسم الخامس أعني به ما تعددت القضية فيه بكل من الموضوع
والمحمول كما إذا قيل أكرم العلماء وجالس الاشراف الا الفساق منهم فالظاهر فيه
رجوع الاستثناء إلى خصوص الأخيرة ويظهر الوجه في ذلك مما تقدم
496

انه لابد من رجوع الاستثناء على عقد الوضع لا محالة وعليه فاما أن يكون عقد الوضع مكررا
في الجملة الأخيرة كما في مثل الآية المباركة أو لا يكون كذلك بل يختص ذكر عقد
الوضع بصدر الكلام كما إذا قيل أكرم العلماء وأضفهم واطعمهم الا فساقهم (اما القسم
الثاني) أعني به ما لا يكون عقد الوضع مذكورا فيه الا في صدر الكلام فلا مناص فيه عن
الالتزام برجوعه إلى الجميع لأن المفروض ان عقد الوضع فيه لم يذكره الا في صدر الكلام
وقد عرفت انه لابد من رجوع الاستثناء إلى عقد الوضع فلا بد من رجوعه إلى الجميع
واما كون العطف في قوة التكرار فهو وإن كان صحيحا الا انه لا يوجب وجود عقد وضع
آخر في الكلام ليكون صالحا لرجوع الاستثناء إليه (واما القسم الأول) أعني به ما يكون عقد
الوضع فيه مكررا فالظاهر فيه هو رجوع الاستثناء إلى خصوص الجملة الأخيرة لان تكرار
عقد الوضع في الجملة الأخيرة مستقلا يوجب اخذ الاستثناء محله من الكلام فيحتاج تخصيص
الجمل السابقة على الجملة الأخيرة إلى دليل آخر مفقود على الفرض (واما) توهم كون
المقام من قبيل اكتناف الكلام بما يصلح للقرينة (فهو غير صحيح) لان المولى لو أراد
تخصيص الجميع ومع ذلك قد اكتفى في مقام البيان بذكر استثناء واحد مع تكرار عقد
الوضع في الجملة الأخيرة لكان مخلا ببيانه إذ بعد اخذ الاستثناء محله من الكلام بذكر
عقد الوضع في الجملة الأخيرة لا يكون موجب لرجوعه إلى الجميع (ومما ذكرناه) يظهر
انه لو كرر عقد الوضع في وسط الجمل المتعددة للزم رجوع الاستثناء إليه فتخصص
الجملة المشتملة عليه والجمل المتأخرة عنها وتبقى الجمل السابقة عليها على عمومها
وبما ذكرناه يمكن الجمع بين كلمات الأصحاب في المقام فمن ذهب إلى رجوعه إلى
الجملة الأخيرة فقد نظر إلى مثل الآية المباركة التي كرر فيها عقد الوضع في الجملة
497

الأخيرة ومن ذهب إلى رجوعه إلى الجميع فقد نظر إلى الجمل التي لم يذكر عقد
الوضع فيها الا في صدر الكلام فيكون النزاع في الحقيقة لفظيا
فصل
إذا تعارض العموم والمفهوم ففي تقديم المفهوم عليه وعد مه خلاف وقبل الخوض
في تحقيق ذلك لابد من تمهيد مقدمة وهى ان المفهوم ينقسم إلى المفهوم الموافق و
المفهوم المخالف والمراد بالأول هو ما إذا توافق المفهوم والمنطوق في الايجاب أو السلب
كما أن المراد بالثاني هو ما إذا تخالف المفهوم والمنطوق في ذلك ثم إن المفهوم الموافق
يكون على نحو الأولوية تارة على نحو المساواة أخرى
(والأول) انما يتحقق فيما إذا كانت الأولوية من المدركات العقلية واما إذا
كانت عرفية كما في قوله تعالى ولا تقل لهما اف الدال على حرمة ضرب الوالدين مثلا
بالدلالة العرفية فالمدلول خارج عن المفهوم وداخل (1) في المداليل اللفظية العرفية
(واما الثاني) فهو يتحقق غالبا فيما إذا كانت علة الحكم منصوصة ونعني به ما إذا كانت العلة
المذكورة فيه واسطة في العروض لثبوت الحكم للموضوع المذكورة في القضية بان يكون
الموضوع الحقيقي هو العنوان المذكور في التعليل ويكون ثبوته للموضوع المذكور
من جهة انطباق ذلك العنوان عليه كما في قضية لا تشرب الخمر فإنه مسكر فإنها ظاهرة
في أن موضوع الحرمة فيها انما هو عنوان المسكر وحرمة الخمر انما هي من جهة
انطباق ذلك العنوان عليه فيسرى الحكم حينئذ إلى كل مسكر فلا تبقى للخمر خصوصية
في الحكم المذكور في القضية واما إذا كانت العلة المذكورة في القضية واسطة في
الثبوت ومن قبيل دواعي جعل الحكم على موضوعه من دون أن تكون هو الموضوع
في الحقيقة كما في قضية لا تشرب الخمر لإسكاره فإنها ظاهرة في أن موضوع الحرمة
فيها انما هو نفس الخمر غاية الأمران الداعي إلى جعل الحرمة عليها انما هو اسكارها
فلا يسرى الحكم إلى غير الموضوع المذكور في القضية مما يشترك معه في العلة المذكورة

1 - قد تقدم من شيخنا الأستاذ قدس سره الاعتراف بأن المفهوم داخل في المداليل اللفظية
فلا وجه لما افاده في المقام من خروج ما إذا كانت الأولوية عرفية من المفهوم الموافق بالأولوية
498

فيها إذ يحتمل (1) حينئذ أن تكون في خصوص العلة المذكورة في القضية خصوصية داعية
إلى جعل الحكم على الموضوع المذكور فيها وان لا تكون هذه الخصوصية موجودة
في غيرها مما يشترك معها في الحقيقة والعنوان فإذا احتمل في خصوص اسكار الخمر
مثلا خصوصية داعية إلى جعل الحرمة عليها لم يمكن الحكم بحرمة غيرها مما يشترك معها
في اثر الاسكار وهذا الذي ذكرناه هو الميزان في تسرية الحكم من الموضوع المذكور
في القضية إلى غيره وعدمها
(وقد يتحقق المفهوم) بالمساواة في غير منصوص العلة فيما إذا أحرز مناط الحكم
المذكور في القضية من الخارج يقينا فيحكم بسراية الحكم إلى كل مورد تحقق فيه مناط
الحكم وهذا القسم نادر التحقق جدا إذ الغالب في مناط الحكم ان لا يكون قطعيا وإذا
لم يكن المناط قطعيا كانت تسرية الحكم من موضوعه إلى غيره داخلة في القياس المعلوم
عدم حجيته إذا عرفت ذلك فالكلام يقع تارة في المفهوم الموافق واخرى في المفهوم
المخالف.
(اما الكلام) في المفهوم الموافق فهو يقع تارة في المفهوم الموافق على نحو الأولوية
واخر في المفهوم الموافق على نحو المساواة (اما المفهوم) الموافق على نحو الأولوية

1 - لا يخفى ان هذا الاحتمال انما هو على خلاف ما هو المرتكز في أذهان العرف من دوران
كل حكم مدار علته ومن أن العلة المذكورة في الكلام هي بنفسها علة للحكم مع قطع النظر عن
خصوصية قيامها بالموضوع المذكور في القضية ضرورة انه لا يشك أهل العرف في أن المستفاد
من قوله عليه السلام ان الله لم يحرم الخمر لاسمه وانما حرمه لإسكاره انما هي حرمة كل
مسكر من دون دخل لقيام الاسكار بالخمر في الحكم بالحرمة أصلا هذا مع أنه لو كان احتمال
دخل خصوصية المورد في الحكم مانعا من انعقاد ظهور الكلام في دوران الحكم مدار علته
المذكورة فيه لجرى ذلك فيما إذا كان تعليل النهى عن شرب الخمر بكونه مسكرا إذ من
المحتمل فيه أيضا أن يكون في صدق المسكر على خصوص الخمر خصوصية تقتضي حرمته
ولا تكون هذه الخصوصية موجودة في غيره وبالجملة لا نشك في أن ما يستفاد عند أهل العرف
من قضية لا تشرب الخمر لأنه مسكر بعينه هو المستفاد من قضية لا تشرب الخمر لإسكاره فإن كان
المستفاد من الأولى ثبوت الحرمة لكل مسكر كما هو الظاهر كان المستفاد من الثانية هو ذلك
وان لم يكن المستفاد من الثانية عموم الحكم لكل مسكر لم يستفد عمومه لكل مسكر من القضية
الأولى أيضا وعليه فلا وجه لما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره من التفصيل وجعل العلامة المذكورة
في الكلام من قبيل الواسطة في العروض في أحد القسمين ومن قبيل الواسطة في الثبوت في القسم الاخر
499

فربما يقال فيه (1) بان المعارض للعام إن كان هو نفس المفهوم بمجرده فلا بد من تقديم
المفهوم عليه مطلقا سواء كانت النسبة بينهما بالعموم من وجه أم كانت بالعموم والخصوص
على الاطلاق فان رفع اليد عن المفهوم مع عدم التصرف في المنطوق مع أن المفروض لزومه له
بنحو الأولوية أمر غير ممكن واما رفع اليد عن المنطوق والتصرف فيه مع عدم كونه معارضا
للعموم فلا وجه له وعليه فيتعين التصرف في العموم وتخصيصه بغير مورد المفهوم لا محالة (ولكن
التحقيق) ان المفهوم إذا كان معارضا للعموم امتنع ان لا يكون المنطوق معارضا له أيضا والسر
فيه ان دليل الحكم الثابت في المنطوق كما أنه يثبت حكما آخر بالأولوية كذلك الدليل
الدال بعموم على نفى الحكم الثابت بالمفهوم يدل على نفى الحكم الثابت بالمنطوق على نحو
الأولوية أيضا ضرورة ان ثبوت الملزوم كما يستلزم ثبوت لازمه كذلك نفى اللازم يستلزم نفى
ملزومه فترجع المعارضة بين المفهوم والعموم بالآخرة إلى المعارضة بين المنطوق والعموم
وعليه فإن كان المنطوق أخص مطلقا من العموم كما إذا ورد لا تكرم الفساق وورد أكرم فساق
خدام العلماء الدال بمفهومه على وجوب اكرام العلماء أنفسهم فلا محالة يقدم المفهوم على
العموم ولو كانت النسبة بينهما بالعموم من وجه والوجه في ذلك أنه لا يمكن التصرف
في المفهوم نفسه من دون التصرف في المنطوق على ما مر بيانه كما أنه لا يمكن التصرف
في مفروض الكلام في المنطوق لكونه أخص فينحصر الامر بالتصرف في العموم وابقاء
المفهوم على عمومه فيكون المقام من جملة الموارد التي لابد فيها من تقديم أحد العامين
من وجه لأجل وجود المرجح فيه على الاخر الفاقد للترجيح كما إذا كان فرض ان
الباقي تحت أحد العامين بخصوصه على فرض تخصيصه بالعام الاخر بمقدار يستهجن
التخصيص إلى ذلك المقدار فان ذلك يكون مرجحا له وموجبا لتقد مه على الاخر (واما إذا
كانت) النسبة بين المنطوق والعموم أيضا نسبة العموم من وجه كما إذا كان المنطوق في مفروض
المثال أكرم خدام العلماء فان قدم حينئذ المنطوق على العموم في مورد التعارض ودخل بذلك
الخادم الفاسق للعالم في موضوع وجوب الاكرام كان المفهوم الثابت بالأولوية القطعية

(1) لو تم هذا القول ابرى بينه في المفهوم الموافق على نحو الأولوية لجرى ذلك بعينه في
المفهوم الموافق على نحو المساواة أيضا والملاك فيهما من جهة التقديم على العموم على تقدير
صحته شئ واحد فلا وجه للتفكيك بينهما في البحث والتكلم في حكم معارضة المفهوم الموافق
على نحو الأولوية للعام تارة والتكلم في حكم معارضة المفهوم الموافق على نحو المساواة أخرى
500

مقدما على العموم أيضا واما إذا قدم العموم على المنطوق وخرج الخادم الفاسق عن موضوع
وجوب اكرام خدام العلماء واختص الوجوب باكرام الخدام العدول لم يثبت الأولوية
الا وجوب اكرام العدول من العلماء دون فساقهم هذا هو حق القول في المفهوم
بالأولوية.
(واما المفهوم) الموافق على نحو المساواة فيظهر الحال فيه على قسميه مما ذكر في
المفهوم الموافق على نحو الأولوية فإنه إذا كانت النسبة بين منطوق الكلام المستفاد منه
المفهوم وماله العموم نسبة العموم والخصوص مطلقا قدم المفهوم على العمومات ولو كانت
النسبة بين أنفسهما نسبة العموم والخصوص من وجه واما إذا كانت النسبة بين المنطوق
وماله العموم نسبة العموم من وجه فيأتي فيه التفصيل المتقدم
(واما المفهوم المخالف) فالنسبة بينه وبين العام المعارض له قد تكون نسبة الحاضر
إلى العام وقد تكون نسبة أحد العامين من وجه إلى العام الاخر (اما الأول) أعني به ما
إذا كان المفهوم أخص من العام فالمستفاد من ظاهر كلام الشيخ العلامة الأنصاري (قده)
التفصيل فيه بين ما إذا كان العموم غير آب عن التخصيص فيقدم المفهوم عليه وما إذا كان
آبيا عنه فيقدم العموم على المفهوم ولأجل ذلك بنى (قده) على تقدم عموم العلة في
اية النبأ المستفاد منها المنع من اتباع غير العلم على مفهوم الآية الدال على حجية
خير العادل فان قبح إصابة القوم بجهالة غير قابل لان يختص بمورد دون مورد واما
بالنسبة إلى بقية العمومات الناهية عن العمل بالظن فقد بنى (قده) على تقدم المفهوم
عليها وخروج خبر العادل الواحد لأجل حجيته عن موضوع تلك العمومات أعني به الظن
وعدم العلم بالواقع وأنت خبير بما في كلا مه (قده) صدورا وذيلا وذلك لأنه كما يمكن
ان يقال إن قبح إصابة القوم بجهالة غير قابل للتخصيص كذلك يمكن ان يقال إن قوله
تعالى ان الظن لا يغنى من الحق شيئا غير قابل للاختصاص بمورد مخصوص وكما أن
دليل حجية خبر العادل يخرج خبر العادل عن موضوع الآيات الناهية عن العمل بالظن
فلا يكون العمل به عملا بالظن ولذلك يكون مفهوم اية النباء حاكما على تلك الآيات
كذلك الدليل المزبور يخرج خبر الواحد عن موضوع العلة المذكورة في اية البناء فلا
يكون العمل به موجبا لإصابة القوم بجهالة فيكون المفهوم حاكما على عموم العلة أيضا
501

(واما توهم) ان عموم العلة يمنع من انعقاد ظهور الكلام في المفهوم لاحتفاف الكلام
بما يصلح للقرينة (فهو مدفوع) بان صلوح للقرينية انما يتحقق في غير موارد الحكومة واما
في موارد الحكومة كما في المقام فيستحيل ذلك لان صلوح دليل المحكوم لان يكون قرينة
على دليل الحاكم انما يتوقف على تحقق موضوعه ومن الواضح ان دليل الحاكم يرفع موضوع
دليل المحكوم فلا يعقل كونه قرينة على دليل الحاكم وعليه فظهور الآية في المفهوم يمنع
من كون العمل بخبر العادل من إصابة القوم بجهالة فكيف يمكن أن يكون عموم العلة
مانعا من انعقاد ظهور الكلام في المفهوم (ومن هنا) يظهر بطلان التفصيل في المقام بين
ما إذا كان العموم متصلا بما له المفهوم وما إذا كان منفصلا عنه فيلتزم بتقديم العموم وبكونه
مانعا من انعقاد ظهور الكلام في المفهوم في فرض اتصال العموم بماله المفهوم وبتقديم
المفهوم على العموم في فرض انفصالهما لانعقاد ظهور الكلام في المفهوم في هذا الفرض
وكونه أخص مما له العموم على الفرض (وجه الظهور) (1) هو ما عرفت من أن اتصال العموم
بالكلام يستحيل أن يكون مانعا من انعقاد ظهوره في المفهوم فان ظهور الكلام في المفهوم
وإن كان كظهوره في العموم محتاجا إلى جريان مقدمات الحكمة كما عرفت سابقا الا
ان جريان مقدمات الحكمة في طرف المفهوم سابق في الرتبة على جريانه في طرف العموم
فيكون حاكما عليه وبيانا له وقد عرفت آنفا ان احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية المانع
من انعقاد الظهور في الكلام انما يتحقق في غير موارد الحكومة واما في موارد الحكومة
فلا محالة يكون الدليل الحاكم مقدما على دليل المحكوم وإن كان دليل المحكوم متصلا
به في الكلام لعدم صلوحه لكونه قرينه على دليل الحاكم (بيان ذلك) ان احتياج ظهور الكلام
في المفهوم إلى جريان مقدمات الحكمة انما هو لاثبات انحصار قيد الحكم بما ذكر في المنطوق

(1) توضيح ذلك ان المفهوم إذا كان له حكومة على نفس دليل العام كما في مورد الآية المباركة
الدالة على حجية خبر العادل على التقريب المتقدم فلا ينبغي الشك في تقدم المفهوم على العام
حتى على القول بعدم احتياج التمسك بالعموم إلى اجراء مقدمات الحكمة في متعلق العموم كما
هو الصحيح لان دليل العام وإن كان متكفلا باثبات الحكم لكل فرد من افراد العام الا انه
غير متكفل باثبات كون شئ ما مصداقا للعام وعدمه فشمول الحكم الثابت بذلك الدليل
لشئ يتوقف على كون ذلك الشئ في نفسه فردا للعام مع قطع النظر عن ثبوت الحكم له و
من الواضح ان ظهور القضية في المفهوم في موارد الحكومة يمنع من كون مورد المفهوم
فردا للعام فكيف يعقل أن يكون شمول حكم العام له مانعا من انعقاد الظهور في المفهوم و
ان شئت قلت إن جواز التمسك بعموم العام لاثبات حكم العام لمورد ما يتوقف على كون
ذلك المورد في نفسه فردا للعام وبما ان المفروض هو توقف كون مورد المفهوم فردا
للعام على عدم المفهوم يمتنع كون عموم العام مانعا من انعقاد الظهور في المفهوم لأنه يستلزم
الدور وحينئذ لا فرق في تقدم المفهوم على العام بين كون العام متصلا بماله المفهوم في الكلام و
كونه منفصلا عنه واما إذا لم يكن المفهوم حاكما على نفس دليل العام كما هو الحال في قوله
عليه السلام إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شئ بالإضافة إلى قوله عليه السلام خلق الله الماء
طهور الا ينجسه شئ الا ما غير طعمه أو ريحه فوجه تقديم المفهوم الخاص على العام هو ان
المفهوم وان لم يكن حاكما على العام بنفسه الا انه بدليل حجيته حاكم على أصالة العموم لا
محالة لان الخاص بما انه في نفسه قرينة على العام يكون التعبد به تعبدا بعدم إرادة الظهور
من العام وقد ذكرنا فيما تقدم ان أصالة الظهور الجارية في القرينة تكون حاكمة على أصالة
الظهور الجارية في ذي القرينة ولو كان ظهور القرينة في نفسه أضعف من ظهور ذي القرينة
وعليه فيتقدم المفهوم الخاص على العام المتصل بماله المفهوم والعام المنفصل عنه بملاك واحد
من دون فرق في ذلك بين كون عموم العام وضعيا وكونه مستفادا من مقدمات الحكمة ومن
ما ذكرناه يظهر وجه صحة ما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره من أن دليل العام غير صالح لان
يثبت به عدل للشرط المذكور في القضية الشرطية فتدبر جيدا
502

وعدم دخل شئ آخر في ذلك الحكم لا منضما إلى القيد المذكور في الكلام ولا بد لا عنه
واما كون القيد المذكور فيه راجعا إلى الحكم لا إلى موضوعه الذي هو المناط في ظهور الكلام
في المفهوم كما عرفت في بحث المفاهيم فالاطلاق أجنبي عنه وانما يثبت ذلك بظهور وضعي
ومن الواضح ان اطلاق متعلق العموم لا يصلح أن يكون مانعا من الظهور الوضعي ليرفع
اليد به عن المفهوم ويلتزم برجوع القيد إلى ناحية الموضوع فبعد الفراغ عن ظهور
القضية في حد نفسها في المفهوم لا يبقى اشكال في تقدمه على العموم وكونه مبينا لدائرة
متعلقه (وان شئت قلت) ان تقدم العموم على المفهوم لا بد من أن يكون اما من جهة
كشفه عن رجوع القيد إلى ناحية الموضوع واما من جهة اثباته عدلا له بان لا يكون
شرط الحكم منحصرا بما هو مذكور في القضية كما قيل بذلك في ما إذا كان التعارض
بين قضيتين لكل منهما مفهوم في نفسه الذي تقدم الكلام فيه مفصلا ومن الواضح ان
503

اطلاق متعلق العموم غير قابل لان يثبت به شئ من هذين الامرين اما عدم كونه قابلا
لاثبات رجوع القيد إلى الموضوع ليترتب عليه عدم ثبوت المفهوم للكلام فلما عرفت
من أن رجوع القيد إلى نفس الحكم في القضايا التي لها مفهوم لابد من أن يستند
إلى ظهور وضعي ومعه لا تجرى مقدمات الحكمة في متعلق العموم واما عدم كونه
قابلا لاثبات عدل للشرط المذكور في الكلام فلان دليل حكم العام انما يكون ناظرا
إلى اثبات الحكم لافراد العام ليس الا وأين ذلك من اثباته عدلا للشرط المذكور في
القضية الشرطية فلا يقاس المقام بتعارض القضيتين الشرطيتين الذي قيل فيه بتقييد مفهوم
كل منهما بمنطوق الاخر الراجع إلى اثبات عدل لكل من الشرطين المذكورين في
القضيتين (واما الثاني) أعني به ما إذا كانت نسبة المفهوم المخالف إلى العام نسبة العموم
من وجه فالحكم فيه هو الحكم في بقية موارد التعارض بالعموم من وجه فلا يتقدم أحدهما
على الاخر من دون مرجح خارجي (1)
فصل
الحق جواز تخصيص العام الوارد في الكتاب بالخبر الواحد الثابت حجيته ولا
يصغى إلى ما قيل من أن كون سند الكتاب مقطوعا يمنع من تخصيصه بالخبر الواحد
المشكوك في صدوره من المعصوم عليه السلام وذلك لان تخصيص الكتاب بالخبر الواحد
لا يستلزم رفع اليد عن سند الكتاب المقطوع به وانما يستلزم رفع اليد عن ظهوره المشكوك
في ارادته فالتعارض في الحقيقة انما هو بين ظهور الكتاب وسند الخبر ومن الواضح ان
كليهما ظني لكن دليل التعبد بسند الخبر يتقدم على أصالة الظهور في الكتاب لان
الخبر على تقدير ثبوت صدوره بنفسه قرينة على إرادة خلاف الظاهر من الكتاب ورافع
للشك فيما هو المراد به فالتعبد بصدوره تعبد بما هو قرينة على الكتاب ورافع لموضوع

1 - وقد مر ان من جملة المرجحات كون دلالة أحد العامين مستندة إلى الوضع دون الاخر و
عليه فإذا كانت دلالة العام على العموم وضعية يتقدم العام على المفهوم وترفع اليد بذلك عن
المفهوم في مورد الاجتماع وذلك لما حققناه من عدم احتياج التمسك بالعموم إلى اجراء مقدمات
الحكمة وتوقف دلالة الكلام على المفهوم على جريانها نعم إذا قلنا باحتياج التمسك بالعموم
إلى ذلك أيضا كما عليه شيخنا الأستاذ قدس سره أو فرض طرف معارضة المفهوم عاما غير
وضعي لا بد في تقديم أحدهما على الاخر من التماس مرجح خارجي كما أفيد
504

التعبد بأصالة الظهور أعني به الشك في المراد وهذا بخلاف أصالة الظهور الجارية
في نفسها في ناحية الكتاب فإنها لا تمنع من شمول دليل التعبد بصدور الخبر
للخبر المعارض للكتاب الا بالملازمة وقد مر ان الأصل الجاري في ناحية القرينة يكون
مقدما على الأصل الجاري في ناحية ذي القرينة لحكومته عليه فالخبر الثابت حجيته بدليل
التعبد بصدوره يكون مبنيا لما هو المراد من الكتاب في نفس الامر فيتقدم عليه هذا
والظاهر أن المسألة اجماعية وليست في ذكرها في كتب الأصول دلالة على كونها خلافية
فان سيرة العلماء خلفا عن سلف قد جرت على العمل بالاخبار الموجودة في المجاميع
المعتبرة مع أنه لا يوجد فيها خبر لا يكون على خلافه عموم في الكتاب (1) ولو كان ذلك
العموم من قبيل عمومات الحل ونحوها (واما) الأخبار الدالة على المنع من العمل
بما خالف كتاب الله على اختلاف ألسنتها وعلى انه مما لم يقله الأئمة المعصومون صلوات الله
عليهم فهي محمولة على المخالفة العرفية بحيث يتحير في مواردها أبناء المحاورة واما
المخالفة البدوية كمخالفة المقيد للمطلق أو الخاص للعام فهي لا تعد مخالفة (2) لتشملها

1 - لا يخفى ان جل الروايات الدالة على تعيين اجزاء العبادات وشرايطها وموانعها ليست
فيها ما يخالف الكتاب ولو كانت مخالفة له مخالفة بدوية ومن قبيل مخالفة المطلق أو العام
للمقيد أو المخصص لان الأوامر المتعلقة بالعبادات كلها واردة في مقام التشريع وليس لشئ
منها اطلاق يقتضى عدم اعتبار شئ ما في متعلقاتها لتكون الرواية الدالة على اعتباره فيها
مخالفة للكتاب بنحو من المخالفة بل الامر كذلك في كثير من الروايات الواردة في غير العبادات
لأنه ليس في الكتاب ما يدل بعمومه أو باطلاقه على حلية كل فعل صادر من المكلف ليكون
الخبر الدال على حرمة فعل ما مخالفا له ولو بوجوبه
2 - ويدل على ذلك جعل موافقة الكتاب من مرجحات تقديم أحد الخبرين على الاخر في مقام
المعارضة فإنه يستفاد منه ان حجية الخبر المخالف في نفسه كان مفروغا عنه وانما منع من
العمل به وجود الخبر الموافق للكتاب المعارض له بل إن جعل الترجيح بموافقة الكتاب في
مقبولة عمر بن حنظلة ومرفوعة زرارة متأخرا عن الترجيح بالشهرة وبصفات الراوي أقوى
شاهد على كون الخبر المخالف للكتاب حجة في نفسه وفي مقام المعارضة إذا كان ذلك راجحا
بالإضافة إلى الخبر المعارض له من جهة الشهرة أو من جهة صفات الراوي واما دعوى ان
الأخبار الدالة على وجوب الاخذ بالخبر الموافق وطرح الخبر المخالف انما هي في مقام تمييز
الحجة عن اللاحجة لا في مقام ترجيح إحدى الحجتين على الأخرى كما عن المحقق صاحب
الكفاية (قده) فسيجيئ بيان فسادها في بحث التعادل والترجيح انشاء الله تعالى
505

الأخبار المانعة من العمل بما خالف الكتاب كيف وانا نقطع بصدور كثير من الاخبار المخالفة
بهذا المعنى منهم صلوات الله عليهم فكيف يصح قولهم عليهم السلام ما خالف كتاب الله
فلم نقله أو فهو زخرف أو باطل وغير ذلك.
فصل
إذا ورد عام وخاص تعين الخاص في كونه مخصصا للعام سواء تقدم العام على
الخاص أم تأخر عنه ولا مجال لاحتمال كون المتأخر منهما ناسخا لمتقدمها من دون فرق
في ذلك بين أن يكون صدور المتأخر قبل حضور وقت العمل بالمتقدم وأن يكون
بعد حضوره ولأجل انه لا دخل للعلم بالتقدم أو التأخر في شئ مما ذكر لا يفرق في ذلك بين
العلم بتاريخهما وصورة الجهل بتاريخ أحدهما أو كليهما (ولتوضيح الاستدلال) على المختار تقدم
مقدمات (الأولى) ان المهم من الكلام في المقام انما هو البحث عن حكم تأخر الخاص عن العام
بعد حضور وقت العمل به ومنشأ الاشكال في كون الخاص مخصصا في هذا الفرض هو
استلزامه تأخير البيان عن وقت الحاجة مع أنه قبيح على الحكيم ولأجل ذلك بنى
في التقريرات جواز التخصيص في هذا الفرض على كون العام واردا لبيان الحاكم الظاهري
ليكون ذلك قاعدة مضروبة يرجع إليها في مقام الشك في التخصيص واقعا فيكون
الدليل الخاص المتأخر ناسخا للحكم الظاهري وموجبا لانتهاء أمده واما بالنسبة إلى
الحكم الواقعي فدليل الخاص وإن كان مخصصا له الا ان تأخره عن وقت العمل بالعام
لا يستلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة لأن المفروض ان المولى لم يكن في مقام بيان
الحكم الواقعي حين جعله الحكم على نحو العموم وانما كان في مقام بيان الحكم الظاهري
وهو على الفرض لم يتأخر بيانه عن وقت الحاجة وعلى هذا المبنى بنى المحقق صاحب
الكفاية (قده) عدم استلزام تخصيص العام لكونه مجازا والتزم بكون العام مستعملا
في العموم دائما بداعي جعل الحكم الظاهري ليرجع إليه عند الشك في التخصيص وهذا
لا ينافي تعلق الإرادة الجدية في الواقع ببعض الافراد بخصوصه دون غيره وقد
506

بينا (1) في ذلك المبحث انه يستحيل ورود العام لبيان الحكم الظاهري الثابت عند
الشك في التخصيص ليكون جعل المولى حكمه على نحو العموم بداعي جعل القانون
والقاعدة وذكرنا هناك ان الحكم الظاهري انما ثبت من الدليل الدال على حجية الظاهر
لأجل كشفه عن المراد الوقعي وفي ما ذكرناه في ذلك المبحث غنى عن الإعادة فراجع
(الثانية) انهم ذكروا ان نسخ الحكم قبل وقت العمل به غير معقول وعليه بنوا
لزوم كون الخاص المتقدم مخصصا للعام المتأخر الوارد قبل حضور وقت العمل بالخاص
(ولكن التحقيق) ان ما ذكروه في المقام انما نشأ من عدم تمييز احكام القضايا الخارجية
من احكام القضايا الحقيقية وذلك لان الحكم المجعول لو كان من قبيل الأحكام المجعولة
في القضايا الخارجية لصح ما ذكروه واما إذا كان من قبيل الأحكام المجعولة
في القضايا الحقيقية الثابتة للموضوعات المقدر وجودها كما هو الواقع في الحكام الشريعة
المقدسة فلا مانع من نسخها بعد جعلها ولو كان ذلك بعد زمان قليل كيوم واحد أو
أقل لأنه لا يشترط في صحة جعله وجود الموضوع له في العالم أصلا (2) إذ المفروض انه
حكم على موضوع مقدر الوجود (نعم) إذا كان الحكم المجعول في القضية الحقيقة من قبيل
الموقنات كوجوب الصوم في شهر رمضان المجعول على نحو القضية الحقيقية كان نسخه قبل
حضور وقت العمل به كنسخ الحكم المجعول في القضايا الخارجية قبل وقت العمل به
فلا محالة يكون النسخ كاشفا عن عدم كون الحكم المنشأ أولا حكما مولويا مجعولا بداعي
البعث أو الزجر (وبالجملة) إذا كان معنى النسخ هو ارتفاع الحكم المولوي بانتهاء أمده فلا
محالة يختص ذلك بالقضايا الحقيقية غير الموقتة وبالقضايا الخارجية أو القضايا الحقيقية الموقتة

1 - ما ذكره صاحب الكفاية (قده) لاثبات عدم استلزام التخصيص لكون العام مجازا وإن كان
في غاية الجودة والمتانة كما مر توضيحه في المبحث المزبور الا انه لا يندفع به اشكال قبح
تأخير البيان عن وقت الحاجة في محل الكلام ضرورة ان كلام المولى إذا فرض عدم كونه
ظاهرا في بيان ما تعلقت به ارادته واقعا لم يصح التمسك به في مقام الاثبات فلا يكون حجة
في ظرف الشك ومع فرض ظهوره في ذلك لا مناص من الالتزام بكون البيان متأخرا عن وقت الحاجة
2 - قد بينا في مبحث جواز أمر الامر مع علمه بانتفاء شرطه ان انتفاء موضوع الحكم المجعول
في موارد القضايا الحقيقية إذا كان مستندا إلى جعل نفس الحكم وتشريعه كما هو الحال
في موارد جعل القصاص ونحوه فلا اشكال واما في غير ذلك مما كان انتفاء الموضوع مستندا إلى
أمر آخر فلا محالة يكون جعل الحكم من العالم بذلك من اللغو الواضح من دون فرق في ذلك
بين كون القضية حقيقية وكونها خارجية والوجه في ذلك ظاهر لا يخفى.
507

بعد حضور وقت العمل بها (واما) القضايا الخارجية أو الحقيقية الموقتة قبل حضور وقت العمل
بها فيستحيل تعلق النسخ بالحكم المجعول فيها من الحكيم الملتفت والوجه في ذلك ظاهر
(واما) إذا كان معنى النسخ أعم من ارتفاع الحكم المولوي بانتهاء أمده ومن ارتفاع الحكم
المنشأ بداعي الامتحان ونحوه فلا ينبغي الاشكال في جوازه (الثالثة) ذهب بعضهم إلى قبح تأخير
البيان عن وقت الحاجة ولاجله وقع في الاشكال الناشئ من تأخر المخصصات كثيرا عن
العمومات بعد حضور وقت العمل بها في كلمات المعصومين عليهم السلام لان التزام بالتخصيص
في جميع ذلك يستلزم الالتزام بتأخير البيان عن وقت الحاجة مع أن المفروض قبحه ولا
يمكن صدوره من المعصوم كما أن الالتزام بكونها ناسخة لتلك العمومات يستلزم الالتزام
ينسخ أكثر أحكام الشريعة المقدسة والالتزام بامكان وقوع النسخ في الجملة بعد زمان
النبي صلى الله عليه وآله وإن كان خاليا عن المحذور الا أنه لا يصلح الالتزام بوقوعه في أكثر
الأحكام الشرعية ضرورة انه لو لم يكن مقطوعا بخلافه فلا محالة كان الالتزام به صعبا جدا
(لكن التحقيق) (1) ان يقال إن العقلاء حين كونهم في مقام البيان وإن كان بنائهم

1 - وان شئت قلت إن قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ليس على حذو قبح الظلم ليستحيل
انفكاكه عنه بل غايته أن يكون مثل قبح الكذب القابل لانفكاكه عنه لوجود المصلحة المقتضية
له فحال تأخير البيان في محل الكلام هو حال تأخيره في أصل الشريعة المقدسة وبيان احكامها
الالزامية وغيرها فكما لا قبح في التأخير هناك إذا كان التأخير لمصلحة مقتضية له لا قبح في التأخير
هنا في الفرض المزبور (فان قلت) فرق بين التأخير في المقام والتأخير هناك فان التأخير في المقام
يستلزم وقوع المكلف في المفسدة الالزامية أو فوات المصلحة اللزومية عليه إذ لو كان في كلام
المولى ما دل بعمومه على إباحة فعل قد اخر بيان حرمته أو وجوبه عن وقت الحاجة لاستلزم ذلك
وقوع المكلف في أحد الامرين المزبورين وهذا المحذور انما هو مستند إلى ظهور كلام المولى
في إرادة العموم فالمولى هو الذي سبب إلى وقوع المكلف في المفسدة أو إلى فوات المصلحة
عليه ومن الواضح ان ذلك قبيح يستحيل صدوره من الحكيم (قلت) لو كان وقوع المكلف
في المفسدة أو فوات المصلحة عليه مستندا إلى ظهور كلام المولى في العموم لكان وقوعه في
أحد المحذورين المزبورين في موارد عدم بيان التكليف مستندا أيضا إلى ترخيص المولى
في ارتكاب المشتبه فما به يكون الجواب هنا يكون به الجواب أيضا في المقام على أن قبح
الالقاء في المفسدة أو تفويت المصلحة قابل أيضا للانفكاك عنه فيما كانت في مورده مصلحة
مقتضية له مضافا إلى أن ذلك لو تم لا ختص بما إذا كان العام متكفلا باثبات حكم غير الزامي
وقد اخر بيان مخصصه المتكفل باثبات حكم الزامي عن وقت الحاجة واما إذا انعكس الامر
فلا يكون في تأخير البيان عن وقت الحاجة محذور أصلا فالدليل أخص من المدعى
508

على بيان تمام ماله دخل في ما يتعلق باحكامهم وعدم تأخيره عن مقام التخاطب فضلا
عن مقام الحاجة الا ان ذلك انما هو في ما لم تجر عادة المتكلم على اظهار تمام مراده
بقرائن منفصلة لأجل مصلحة تقتضي ذلك ضرورة انه مع وجود المصلحة المقتضية التأخير
لاقبح في تأخير البيان عن وقت الحاجة فضلا عن وقت الخطاب فلا عن وقت الخطاب فإذا فرض كون المتكلم
حكيما وانه يراعى الحكمة والمصلحة في بيان مراده في كل وقت بخصوصه لم يكن
تأخير بعض مراداته عن وقت الحاجة قبيحا (إذا عرفت ذلك) فاعلم أن أهم ما وقع
فيه الاشكال في المقام كما أشرنا إليه انما هو تأخير المخصصات في كلمات الأئمة عليهم
السلام عن العمومات بعد حضور وقت العمل بها وربما أشكل الامر أيضا على بعضهم فيما
إذا تأخر العام عن الخاص بعد حضور وقت العمل به فاحتمل فيه أن يكون العام المتأخر
ناسخا للخاص المتقدم (وأنت بعد ما عرفت) انه لا يقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة
إذا كان هناك مصلحة في التأخير تعرف انه لا مجال لاحتمال نسخ حكم العام المتقدم
بالخاص المتأخر بل يتعين في أمثال ذلك الحكم بكون الخاص المتأخر مخصصا للعام
المتقدم كما أن الحكم هو ذلك فيما إذا كان العام متأخرا عن وقت العمل بالخاص والوجه
في ذلك هو ان أصالة العموم في هذه الموارد غير جارية في نفسها فلا بد من الحكم فيها
بتخصيص العام واختصاص الحكم بغير مورد التخصيص (والسر فيه) ان الحكم بشمول
العام لجميع افراد ما يمكن ان ينطبق عليه متعلق العموم يتوقف (1) على جريان مقدمات

1 - قد عرفت فيما تقدم عدم الحاجة في التمسك بأصالة العموم إلى اجراء مقدمات الحكمة
في متعلقه وعليه فالصحيح في بيان سر عدم جريان أصالة العموم في محل الكلام هو ان يقال إن
أصالة العموم انما تكون جارية إذا لم تكن في مورده قرينة على التخصيص وبما ان المخصص
المتقدم يصلح أن يكون قرينة على تخصيص العام المتأخر لا تكون أصالة العموم جارية في فرض وجوده
هذا مع أن احتمال كون العام المتأخر ناسخا لحكم الدليل الخاص المتقدم انما يكون فيما إذا كان العام
المتأخر متكفلا ببيان الحكم من حين صدور دليله واما إذا كان متكفلا ببيان الحكم الثابت في
الشريعة المقدسة من أول الأمر كما هو الظاهر في كل كلام صادر من أحد الأئمة المعصومين
عليهم السلام متكفل باثبات حكم شرعي فلا يبقى في مورده مجال لاحتمال النسخ في.....
المتقدم في كونه مخصصا للعام المتأخر ومما ذكرناه يظهر الحال في تعين كون الخاص المتأخر
مخصصا للعام المتقدم بعد ما تحقق من عدم كون تأخير البيان عن وقت الحاجة قبيحا فيما إذا.............
509

الحكمة في متعلق العموم كما مر بيان ذلك فيما تقدم ومن الواضح ان الخاص المتقدم يصلح
لان يكون بيانا لتقييد متعلق العموم المتأخر ضرورة انه لا محذور في تقديم البيان ولو
بنينا على قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ومعه لا تجرى مقدمات الحكمة في متعلق العموم
فلا تكون أصالة العموم جارية (واما الخاص المتأخر) عن وقت العمل بالعام فهو أيضا
قابل لا يكون بيانا لتقييد متعلق العموم المتقدم ولان يتكل عليه المتكلم في مقام البيان
بعد ما عرفت من صحة تأخير البيان عن وقت الحاجة فيما إذا كانت هناك مصلحة
تقتضيه وعليه فلا تكون مقدمات الحكمة جارية في فرض الظفر بما يصلح لبيان التقييد
فلا تجرى أصالة العموم في العام المتقدم لما عرفت من أن جريانها يتوقف على جريان
مقدمات الحكمة المفروض عدمه في مفروض الكلام (فتحصل) ان عدم جريان أصالة
العموم في هذه الموارد انما هو لأجل قصور مقتضى الجريان في نفسه فيها (وهذا الوجه)
هو الصحيح في وجه تعين حمل الخاص على كونه مخصصا للعام مطلقا سواء في ذلك
تقدم الخاص على العام وتأخره عنه ومعه لا يبقى مجال لاحتمال كون المتأخر منهما ناسخا
للمتقدم (واما ما قيل) في وجه تعين حمل الخاص على كونه مخصصا من أن الامر في محل
الكلام دائر بين رفع اليد عن أصالة العموم ورفع اليد عن أصالة عدم النسخ وفي مثل ذلك
لا بد من رفع اليد عن أصالة العموم لقلة النسخ وكثرة التخصيص (فيرد عليه أولا) ما
عرفت من أنه لا تجرى أصالة العموم في المقام في نفسها فكيف يعقل أن تكون معارضة
لأصالة عدم النسخ (وثانيا) ان أصالة العموم لو كانت جارية في المقام لم يبق مجال لجريان
أصالة عدم النسخ فيه فكيف يعقل أن يكون جريان أصالة عدم النسخ مانعا من جريان
أصالة العموم الوجه في ذلك ان أصالة العموم انما هي من الأصول اللفظية واما أصالة
عدم النسخ فهي من الأصول العملية إذ لا مدرك للحكم باستمرار حكم شخصي ثابت
في مورد ما عند الشك في ارتفاعه الا الاستصحاب المجمع على حجيته ومن الواضح انه لا مجال
لجريان الأصل العملي في مورد يجرى فيه الأصل اللفظي بل إن أصالة عدم النسخ فيما كان
الخاص فيه واردا بعد حضور وقت العمل بالعام غير جارية في نفسها لوجهين (الأول)
510

ان التعبد الاستصحابي لا بد فيه من أن يكون الحدوث متيقنا والبناء مشكوكا فيه ليكون
التعبد تعبدا بالبقاء بعد حدوثه مع أن المفروض في المقام انه لا شك في حكم الخاص
بعد ورود الدليل على حكمه وانما الشك في أن حكمه قبل ذلك كان هو هذا الحكم
بعينه ليكون دليل الخاص مخصصا لدليل العام أو ان حكمه كان على طبق العموم ولكنه
ارتفع بورود دليل الخاص ليكون هذا الدليل ناسخا لدليل العام فالشك انما هو بلحاظ
حال الحدوث دون البقاء ومعه لا معنى لجريان الاستصحاب كما هو ظاهر (الثاني) ان
اللازم على المكلف بعد ورود الخاص انما هو تطبيق عمله على طبق الخاص سواء
في ذلك كون الخاص المتأخر مخصصا للعام المتقدم وكونه ناسخا له وعليه فلا اثر
لجريان أصالة عدم النسخ بلحاظ حال البقاء والاستمرار ومن الواضح انه يعتبر في جريان
الأصل العملي وجود اثر له بلحاظ ظرف التعبد بالبقاء (واما دعوى) ان جريان أصالة عدم
النسخ وان لم يترتب عليه اثر بلحاظ حال البقاء والاستمرار الا انه يترتب عليه ثبوت
حكم العام إلى زمان الخاص ويكفى هذا المقدار من الأثر في جريان الأصل وصحة
التعبد به (فهي مدفوعة) بان التعبد في موارد الاستصحاب بما انه تعبد بالبقاء لابد فيه
من أن يكون الأثر العملي في مورده بلحاظ حال البقاء وبما ان المفروض انه لا اثر عملي
في المقام بلحاظ حال البقاء لا يجرى فيه الاستصحاب (واما توهم) كون أصالة عدم النسخ
أيضا من الأصول اللفظية استنادا إلى دعوى ان دليل الحكم ظاهر في استمرار ذلك
الحكم ودوامه أو إلى دعوى ان قولهم عليهم السلام حلال محمد صلى الله عليه وآله
حلال إلى يوم القيمة وحرامه حرام إلى يوم القيمة ظاهر في أن كل حكم ثابت في الشريعة
المقدسة مستمر إلى يوم القيمة فيتمسك في كل مورد يشك فيه في استمرار الحكم الثابت
فيه بعموم هذا الدليل (فهو باطل) لبطلان كلتا الدعويين المزبورتين (اما الدعوى الأولى)
فيبطلها امتناع كون دليل الحكم متكفلا ببيان استمرار ذلك الحكم ودوامه لان الحكم
باستمرار أي حكم انما هو في مرتبة متأخرة عن نفس ذلك الحكم ضرورة انه لابد من
أن يكون نفس الحكم مفروض الوجود حين الحكم عليه بالاستمرار فكيف يعقل أن يكون
دليل واحد متكفلا باثبات نفس الحكم وباثبات ما يتوقف على كون ذلك الحكم
مفروض الوجود في الخارج (واما الدعوى الثانية) فيبطلها انه لا ظهور لقولهم عليهم السلام
511

حلال محمد ص حلال - الخبر - في ما ذكر بل الظاهر منه عرفا بيان استمرار الشريعة المقدسة
وانها لا تنسخ بشريعة أخرى فالمراد منه ان كل ما يكون إلى يوم القيمة متصفا بالحلية أو
الحرمة فهو حلال محمد ص أو حرامه فاحكامه صلى الله عليه وآله مستمرة إلى يوم القيمة
ولا تنسخ بشريعة أخرى (هذا كله) مضافا إلى أن أصالة عدم النسخ ولو سلم كونها من
الأصول اللفظية لا تصلح لان تكون معارضة لأصالة العموم فضلا عن أن تتقدم عليها لأن الشك
في كون الخاص المتأخر ناسخا للعام المتقدم وعدمه أو الشك في كون الخاص
المتقدم منسوخا بالعام المتأخر وعدمه انما يكون ناشئا (1) من الشك في تقييد متعلق
العموم واطلاقه فإذا ثبت اطلاقه بأصالة العموم ارتفع الشك المزبور ومعه يحكم
بالنسخ فأصالة العموم على تقدير جريانها تكون حاكمة على أصالة عدم النسخ فلا يبقى
لدعوى تقدم أصالة عدم النسخ على أصالة العموم مجال أصلا (فتحصل) مما ذكرناه
ان أصالة العموم سواء كان العام متقدما على الخاص أم كان متأخرا عنه لا تكون في نفسها
جارية وعليه فيتعين الخاص في كونه مخصصا للعام ولا يكون معه لاحتمال النسخ مجال
أصلا بل لو سلمنا احتمال النسخ فيما كان الخاص متأخرا عن العام فلا نسلم ذلك فيما
إذا كان العام واردا بعد حضور وقت العمل بالخاص وذلك لما أشرنا إليه من أنه على
تقدير تسليم قبح تأخر البيان عن وقت الحاجة لا نسلم قبح تقديم البيان واعتماد لمتكلم
على البيان المتقدم وعليه فلا يبقى وجه لاحتمال كون العام المتأخر ناسخا للخاص
المتقدم بل يتعين كون الخاص المتقدم بيانا لتقييد متعلق العموم المتأخر وموجبا
لاختصاص حكمه بغير افراد الخاص ومما ذكرناه يظهر الحال فيما إذا شك في تقدم العام
على الخاص وبالعكس سواء كان ذلك من جهة الجهل بتاريخ كل منهما أم من جهة الجهل
بتاريخ أحدهما بالخصوص فالمتعين في جميع صور المسألة هو الالتزام بالتخصيص دون النسخ

1 - لا يخفى انه لا منشأ لدعوى كون الشك في نسخ العام أو الخاص المتأخر للخاص أو العام المتقدم
ناشئا من الشك في تقييد متعلق العموم وعدمه بل الشك في كل منهما ناشئ من العلم الاجمالي بوقوع
أحد الامرين من التخصيص النسخ لا بعينه فكل منهما محتمل في نفسه من دون أن يكون الشك في أحدهما
مسببا عن الشك في الاخر فالصحيح في وجه عدم الالتزام بالنسخ في هذه الموارد هو ما أفيد
أولا من أن
أصالة العموم في هذه الموارد غير جارية في نفسها والا فهي لكونها من الأصول اللفظية تتقدم على
أصالة عدم النسخ لا محالة فلا بد من الالتزام في هذه الموارد بالنسخ مع أنه غير صحيح كما عرفت
512

تذييل
قد عرفت مما ذكرناه انه لا اشكال في امكان النسخ وانه في القضايا الحقيقية غير
الموقتة وكذا في القضايا الخارجية والقضايا الحقيقية الموقتة بعد حضور وقت العمل بها
عبارة عن انتهاء أمد الحكم المجعول لانتهاء الحكمة الداعية إلى جعله (واما) في القضايا
الخارجية أو القضايا الحقيقية الموقتة فمعنى النسخ فيها قبل حضور وقت العمل بها هو انتهاء
أمد اظهار الحكم لا نفسه لأن المفروض انه لا حكم حقيقي في موارد تلك القضايا في الفرض
المزبور من أول الأمر لينسخ بعد ذلك وانما كان الموجود فيها هو مجرد اظهار وجود
الحكم بداع من الدواعي غير داعى البعث والزجر لمصلحة في نفس الاظهار كمصلحة الامتحان
ونحوه فبانتهاء أمد مصلحة الاظهار ينتهى أمد نفس الاظهار أيضا (بداهة) انه تابع في
حدوثه وبقائه لوجود مصلحته هذا كله في الاحكام (واما) البداء في التكوينيات فهو مما
تواترت به الاخبار فلا بد لنا من التسليم لها والتصديق به (واما) معرفة حقيقته فهي خارجة
عن حد عقولنا وقد ورد في بعض الروايات (1) ان الله تبارك وتعالى جعل اسما له أربعة

1 - لا يخفى ان مضمون هذه الرواية التي نقلها شيخنا الأستاذ قدس سره وإن كان موجودا في ضمن
رواية مذكورة في الوافي وتوحيد الصدوق والبحار في باب حدوث الأسماء الا ان الجملة المستشهد
بها في المقام أعني بها جملة (ومن ذلك يقع البداء) غير موجودة في تلك الرواية نعم هي موجودة في غير
ها على ما سيأتي ولعله قدس سره ظفر بالرواية كما نقلها في محل آخر غير ما ظفرنا به وكيف
كان لا بد لنا من التكلم في البداء وشرح حقيقته لما ورد من المعصومين عليهم السلام من أنه
ما عظم الله بمثل البداء وانه ما عبد الله بشئ مثل البداء وانه ما بعث الله نبيا حتى يقر
بالبداء أو حتى يأخذ عليه ثلاث خصال الاقرار بالعبودية وخلع الأنداد وان الله يقدم ما يشاء
ويؤخر ما يشاء وانه لو يعلم الناس ما في القول بالبداء من الاجر ما فتروا عن الكلام فيه إلى
غير ذلك والتكلم في المقام يقع في موردين الأول في بيان حقيقة البداء الثاني فيما حكى
عن بعض المعصومين من الأنبياء والأوصياء من اخباره بشئ ما مع أن ذلك الشيئ لم يتحقق
في الخارج (اما المقام الأول) فملخص القول فيه انه لا ينبغي الريب في أن العالم بأجمعه
انما هو تحت سلطان الله تعالى وقدرته وان وجود كل شئ من الممكنات في الخارج منوط
بتعلق مشيته تعالى به فإذا شاء أوجده وان لم يشأ لم يوجده وتعين جميع الأشياء في العلم
الإلهي الأزلي الذي هو بمعنى تقدير الله لها وقضائه بها لا يوجب سلب قدرته عنها في ظرف
وجودها وتعلق مشيته بها لان انكشاف الشيئ لا يزيد على واقع ذلك الشيئ ولا يغيره عما
هو عليه من كون وجوده منوطا بالمشية والإرادة والا لزم الخلف وان لا يكون العلم بذلك
الشيئ علما به على ما هو عليه فقدرة الله عز وجل وإناطة وجود الممكن بتعلق مشيته به لا
تنقلب إلى العجز واستغناء الممكن في وجوده بعلم الله في الأزل بما تتعلق به مشيته فيما بعد
وقد خالفنا في ذلك اليهود فذهبوا إلى أن جرى قلم التقدير والقضاء على جميع الأشياء يستلزم
سلب قدرته تعالى واستحالة تعلق مشيته بغير ما جرى عليه القلم في الأزل وبذلك قالوا يد الله
مغلولة عن القبض والبسط والاخذ والاعطاء ومن الغريب انهم خذلهم الله مع التزامهم بذلك
أثبتوا لأنفسهم القدرة مع أن أفعال العبيد تشترك مع أفعاله سبحانه في تعلق العلم الأزلي بها و
لا يخفى ان هذا القول السخيف غايتها يمنع قائله من التضرع والابتهال إلى ربه وطلب
الحاجة منه (ثم إن قضاء الله تعالى) على قسمين محتوم وغير محتوم اما المحتوم فهو لا يتخلف
عن تعلق مشيته بما تعلق به قضائه ولا يقع فيه البداء واما غير المحتوم فالبداء انما يقع فيه
(وتفصيل ذلك) ان قضاء الله تعالى إذا جرى على شئ فهو انما يجرى عليه معلقا على عدم تعلق
مشيته بخلافه في الظرف المقرر فيه وجود ذلك الشيئ حسب ما يقتضيه العلم الإلهي بالمصالح
والمفاسد التي تختلف باختلاف الظروف والحالات فهو تعالى وتقدس وإن كان عالما بجميع
ما تتعلق به مشيته وما لا تتعلق به الا ان قضائه على ثلاثة أقسام (القسم الأول) هو القضاء الذي
لم يخبر الله أحدا به وهو العلم المخزون الذي استأثره لنفسه على ما في الروايات الكثيرة
وهذا القسم من القضاء لا يكون فيه تغيير ابدا ولا يقع فيه البداء بل البداء انما يكون ناشئا
منه كما صرح بذلك في روايات كثيرة منها ما رواه الشيخ الصدوق باسناده الآتي ان الرضا
سلام الله عليه قال لسليمان المروزي رويت عن أبي عبد الله 4 ان الله عز وجل علمين علما مخزونا
مكنونا لا يعلمه الا هو من ذلك يكون البداء وعلما علمه ملائكته ورسله فالعلماء من أهل بيت
نبيك يعلمونه ومنها ما رواه في بصائر الدرجات باسناده إلى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه
السلام أنه قال إن الله علمين علم مكنون مخزون لا يعلمه الا هو من ذلك يقع البداء وعلم
علمه ملائكته ورسله وأنبيائه ونحن نعلمه (القسم الثاني) هو القضاء الذي أخبر الله تعالى نبيه
وملئكته بوقوع متعلقه في الخارج حتما وهذا القسم من الفضاء أيضا وان لم يكن فيه تغيير
ولا يكون فيه البداء الا انه لا يكون منه البداء أيضا وقد روى الشيخ الصدوق باسناده عن الحسن
بن محمد النوفلي أنه قال الرضا عليه السلام فيما قاله لسليمان ان عليا عليه السلام كان يقول
العلم علمان فعلم علمه الله تعالى وملئكته ورسله فإنه يكون ولا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا
رسله وعلم عنده مخزون يقدم منه ما يشاء ويؤخر ما يشاء ويمحو ويثبت ما يشاء وروى العياشي
عن الفضيل قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول من الأمور أمور محتومة جائية لا محالة ومن
الأمور أمور موقوفة إلى أن قال فاما جاءت به الرسل فهي كائنة لا يكذب نفسه ولا نبيه ولا ملائكته
(القسم الثالث) هو القضاء الذي أخبر الله تعالى نبيه وملئكته بوقوع متعلقه في الخارج موقوفا
بعدم تعلق مشيته بخلافه حسب ما تقتضيه الحكمة الإلهية وهذا القسم من القضاء هو الذي يقع
فيه البداء على ما نطقت به الروايات الكثيرة ففي تفسير علي بن إبراهيم عن عبد الله بن مسكان
عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال إذا كان ليلة القدر نزلت الملائكة والروح والكتبة إلى سماء
الدنيا فيكتبون ما يكون من قضاء الله تعالى في تلك السنة فإذا أراد الله ان يقدم شيئا أو يؤخره
أو ينقص شيئا أمر الملك ان يمحو ما يشاء ثم أثبت الذي أراد وفيه أيضا باسناده عن ابن
مسكان عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن سلام الله عليهم في تفسير قوله تعالى فيها يفرق
كل أمر حكيم أي يقدر الله كل أمر من الحق والباطل وما يكون في تلك السنة وله فيه البداء
والمشية يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء من الآجال والأرزاق والبلايا والاعراض والأمراض ويزيد
فيها ما يشاء وينقص ما يشاء ويلقيه رسول الله ص ع إلى أمير المؤمنين ويلقيه أمير المؤمنين إلى الأئمة ع
حتى ينتهى ذلك إلى صاحب الزمان ويشترط له فيه البداء والمشية والتقديم والتأخير وفي
الاحتجاج عن أمير المؤمنين ع أنه قال لولا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان وبما يكون
وبما هو كائن إلى يوم القيامة وهي هذه الآية يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وفي توحيد
513



الصدوق وأماليه باسناده عن الأصبغ مثله وفي تفسير العياشي عن زرارة عن أبي جعفر عليه
السلام قال كان علي بن الحسين ع يقول لولا آية في كتاب الله لحدثتكم بما يكون إلى يوم
القيامة فقلت اية آية قال قول الله يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وفي قرب الإسناد
عن الرضا عليه السلام أنه قال قال أبو عبد الله وأبو جعفر وعلي بن الحسين والحسين بن علي والحسن
بن علي بن أبي طالب عليهم السلام والله لولا آية في كتاب الله لحدثناكم بما يكون إلى أن تقوم
الساعة يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب إلى غير ذلك من الروايات الواردة في هذا الباب
(والمتحصل) من جميع ذلك ان البداء لا يكون الا في القضاء الموقوف وان الالتزام به
لا يستلزم نسبة الجهل والعياذ بالله إليه تعالى نعم ان الالتزام به يستدعى القول بعدم إحاطة
العبد كائنا من كان بجميع ما أحاط به علمه تعالى وهذا مما لا مناص عن الالتزام به فان النبي
الأكرم وأوصيائه المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين وان كانوا عالمين بالفعل أو متى شاءوا
بجميع عوالم الممكنات بتعليم الله تبارك لهم ذلك الا انهم غير عالمين بالعالم الربوبي وبما
أحاط به علمه المخزون فلا علم لهم بتعلق مشيته جل وعلا وعدم تعلقها بشئ الا فيما اخبرهم
الله به على نحو الحتم فالنبي أو الوصي وإن كان عالما بوجود ما هو سبب تام لوجود شئ
في طرفه لولا تعلق المشية الإلهية بعدم وجوده الا انه مع ذلك لا يكون عالما بوجود ذلك
الشيئ الا مع اخباره تعالى بتعلق مشيته به (ومن هنا يظهر) انه ليس في القول بالبداء
وامكان التغيير في القضاء الموقوف ما ينافي عظمة الرب وجلاله بل القول بالبداء هو الذي
يوجب انقطاع العبد إلى سيده وطلبه الإجابة لد عائه ودفع البلاء عنه وتوفيقه للطاعة وبعده
عن المعصية واما انكار البداء والالتزام بان ما جرى عليه قلم التقدير كائن لا محالة فهو
يستلزم اليأس عن إجابة الدعاء وترك تضرع العبد إلى خالفه فان المكتوب بقلم التقدير إن كان
وقوع ما يطلبه العبد فلا حاجة إلى الدعاء والتضرع وإن كان المكتوب خلافه لم يترتب
على الدعاء والتضرع اثر أصلا ومن ذلك يتضح ذلك سر ما ورد في الروايات المتقدمة من الاهتمام
بشأن البداء وانه ما عبد الله بشئ مثل البداء واما القول بعدم جواز البداء فهو يشترك
في النتيجة مع القول بعدم قدرة الله على تغيير ما جرى عليه قلم التقدير فان كلا من القولين
يستلزم يأس العبد عن إجابة دعائه وعدم توجهه إلى ربه في انجاح طلبته وقضاء حاجته فالقول
بالبداء عبارة عن الاعتراف بكون العالم بأجمعه تحت سلطان الله جلت عظمته حدوثا و
بقاء وبان إرادة الله تعالى ماضية ومشيته نافذة ولو كان ذلك على خلاف قضائه الموقوف
كما عرفت وليت شعري كيف غفل علماء العامة عن ذلك حتى أنهم شنعوا على الشيعة في
قولهم بالبداء زعما منهم انه يستلزم نسبة الجهل والعياذ بالله إليه تعالى هب انهم لم
يتدبروا في كلمات علمائنا الأبرار حق التدبر فلم يصلوا إلى ما أرادوه بلفظ البداء لكنهم
لماذا لم يتنبهوا إلى أن قول الشيعة بذلك انما هو على اثر اتباعهم لأقوال أئمتهم الذين
اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فليتهم إذ لم يعرفوا معنى البداء لم يعاندوه و
اعترفوا بالواقع على ما هو عليه ولكن طالب الحقيقة قليل والتعصب مرض قل من نجا منه
والله هو الهادي إلى سواء السبيل (واما المقام الثاني) فتحقيق الحال فيه هو ان النبي أو الوصي
إذا أخبر بوقوع شئ من غير تعليق بل على سبيل الحتم والجزم فهو يكشف لا محالة
عن كونه مكتوبا بقلم القضاء المحتوم وعن تعلق المشية الإلهية به على سبيل البت والجزم
والمخبر به بمثل هذا الخبر يقع في الخارج لا محالة لما عرفت من أن الله تعالى لا يكذب نفسه
ولا نبيه واما إذا أخبر به معلقا على عدم تعلق المشية الإلهية بخلا فه فهو لا يكشف الا عن
جريان القضاء الموقوف على طبقه ومن الواضح ان صدق مثل هذا الخبر لا يستلزم وقوع
المخبر به في الخارج إذ المفروض فيه تعلق الاخبار بوقوع ذلك الشيئ على تقدير لا على كل
تقدير فلا ينافي عدم تحقق المعلق عليه مطابقة الخبر للواقع التي هو مناط اتصاف الخبر
بالصدق ثم إن ما يدل على الاشتراط والتعليق عند الاخبار بشئ قد يكون من قبيل القرائن
المتصلة كما في قول أمير المؤمنين على ما رواه العياشي عن عمرو بن الحمق بعد اخباره
سلام الله عليه بالرخاء بعد السبعين ويمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وقد يكون من
قبيل القرائن المنفصلة كما ورد ذلك في رواية علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن الفضيل
عن أبيه عن جعفر عليه السلام حيث إنه بعد ما اخبره الصادق سلام الله عليه بانقراض ملك بنى
العباس وتفسيره قول الله عز من قائل حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت بذلك قال
قلت جعلت فداك فمتى يكون ذلك قال عليه السلام اما انه لم يوقت لنا فيه وقت ولكن إذا حدثنا كم بشئ
فكان كما نقول فقولوا صدق الله ورسوله وإن كان بخلاف ذلك فقولوا صدق الله ورسوله توجروا
مرتين الخبر وغير خفى ان تصديق اخبارهم على كلا التقديرين انما يبتنى على أن يكون
اخبارهم بوقوع شئ في الخارج معلقا بعدم تعلق المشية الإلهية بخلافه ففي هذه الرواية
دلالة ظاهرة على أن اخبارهم عن شئ انما هو اخبار عن القضاء الموقوف ما لم تنصب قرينة
على كونه اخبارا عن القضاء المحتوم (ثم إن اطلاق) لفظ البداء على المعنى المزبور الذي هو
بمعنى الابداء حقيقة مبنى على التنزيل والاطلاق بعلاقة المشاكلة كما وقع نظير ذلك في
جملة من الاستعمالات القرآنية كقوله تعالى الان علم الله فيكم ضعفا وقوله تعالى لنعلم أي
الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا وقوله تعالى لنبلوكم أيكم أحسن عملا وغيرها مما لا يخفى و
يمكن توجيه جميع ذلك بوجه آخر دقيق قد تعرضنا له في محله والتفصيل لا يسعه المجال والاجمال
ربما لا يساعده بعض الافهام فالأولى الصفح عن بيانه وايكال ذلك إلى محله والحمد لله على هدايته
لنا بولاية أوليائه وبالاقتداء بهم والاستضائة بنور علومهم ونسئله جل وعلا ان يحشرنا معهم
513

أركان وجعل لكل واحد من أركانه أربعة اجزاء فعرف الناس اثنى عشر جزء من هذه
الاجزاء واختار لنفسه ركنا واحدا لم يعرفه أحدا ومن ذلك يقع البداء
المقصد الخامس = في المطلق والمقيد والمجمل والمبين
(فصل) اختلفوا في أن الاطلاق هل هو مما يدل عليه اللفظ بالوضع أو أنه مما
تقتضيه مقدمات الحكمة وقبل التكلم في ذلك لا بأس بتقديم أمور
(الأول) انهم عرفوا المطلق بأنه ما دل على شايع في جنسه (وأورد) على هذا التعريف
514

بأنه لا يصدق الا على بعض افراد المطلق أعني به النكرة ولا يصدق على اسم الجنس الذي
يكون هو الأكثر وجودا من غيره في المطلقات (وأجيب عنه) بان الاختصاص بالنكرة
انما يكون على تقدير ان يراد بلفظ الشايع الواقع في التعريف الفرد المردد (واما) إذا
أريد به المعنى الساري في الجنس كما هو الظاهر لان معنى الشيوع هو السريان فينطبق
التعريف على اسم الجنس والنكرة كليهما وربما يعتذر عن الاختصاص بالنكرة بان هذا
التعريف انما هو من التفتازاني وغيره ممن يقولون بعدم وجود الكلى الطبيعي في الخارج
فلذا عرفوه على نحو لا يكون منطبقا الا على النكرة (وكيف كان) فالظاهر أنه ليس لهم
515

اصطلاح جديد في ذلك وانما المراد بالاطلاق عندهم هو المعنى اللغوي أعني به الارسال
فالمطلق عندهم حينئذ هو المرسل الذي لم يقيد بشئ مما يكون قابلا للتقييد به و
عليه فلا يترتب على التكلم في التعاريف بالنقض أو بعدم الطرد اثر أصلا (ثم الظاهر) ان
الاطلاق والتقييد انما يعرضان المفهوم أولا وبالذات باعتبار تقيده بشئ وعدمه واما
اتصاف اللفظ بهما فهو انما يكون بتبع مدلوله والتعريف السابق وإن كان يوهم كونهما
من صفات اللفظ الدال على المعنى لكن الظاهر أنهم أرادوا بذلك اتصاف اللفظ بهما
بالتبع (ثم) ان محل الكلام في المقام انما هو الاطلاق المتصف به المعنى الافرادي أعني
516

به لحاظ المفهوم غير مقيد ببعض اصنافه أو افراده ومثل هذا الاطلاق يوجب سعة دائرة
المعنى دائما (واما) الاطلاق المتصف به الجملة التركيبية أعني به ما يقتضيه طبق نفس
القضية الموجب لسعة مدلول القضية تارة ولتضييقه أخرى فلا يقع البحث عنه في المقام
إذ ليس لاطلاق الجمل التركيبية ضابط كلي يعرف به أحوالها من حيث ما يترتب على اطلاقها
من الاحكام ضرورة ان اطلاق كل جملة له حكم يخصه ولا يعم غيره ولأجل ذلك لزم
البحث عن اطلاق كل جملة بخصوصها في المورد المناسب له كما يبحث عما يقتضيه اطلاق
صيغة الامر في مباحث الأوامر وعما يقتضيه اطلاق القضية الشرطية مثلا في مباحث المفاهيم
وهكذا.
517

الثاني ان المتصف بالاطلاق قد يكون معنى من المعاني المد لول عليها بأحد أسماء الأجناس
أعني به نفس الطبيعة غير المقيدة بشئ من الخصوصيات المنصفة أو المفردة المعبر عنها
باللابشرط المقسمي وقد ذكرنا ان أكثر المطلقات الواردة في المحاورات العرفية
انما هي من هذا القبيل (وقد يكون) المتصف بالاطلاق المعنى المستفاد من النكرة أعني
به الطبيعة المقيدة بالوحدة المعبر عنها بالحصة في كلمات بعضهم (ثم إن) كلا من اسم الجنس
والنكرة اما ان لا يكون واقعا في سياق النهى أو النفي أو يكون واقعا في سياق أحدهما
اما على الثاني فلا اشكال في دلالتهما على العموم والاستيعاب على ما تقدم بيان ذلك في
مباحث العام والخاص واما على الأول أعني به عدم وقوعهما في سياق النهى أو النفي فإن كانت
هناك قرينة تدل على اعتبار متعلق الحكم أو موضوعه على نحو العموم البدلي فهو
والا فالاطلاق يقتضى سراية الحكم إلى كل ما يمكن ان ينطبق عليه معروضه وذلك
518

يستلزم كون العموم استيعابيا كما هو ظاهر (ثم إن) القرينة الدالة على اعتبار
العموم بدليا قد تكون في ناحية المادة كما في النكرة الدالة بالوضع على اعتبار الوحدة
في المعنى المستعمل فيه اللفظ وقد تكون في ناحية الهيئة كما في موارد تعلق الامر
بشئ فان متعلق الأمر وان لم تؤخذ فيه الوحدة بحسب الوضع بل هو نفس المعنى
الموضوع له أحد أسماء الأجناس أعني بها مواد الافعال الدالة على المعاني الحدثية الا
ان هيئته الامر لما دلت على طلب ايجاد صرف الطبيعة اجتزء بالفرد الواحد منها في
مقام الامتثال.
الثالث انه قد ذكرنا سابقا ان سريان الحكم في العام الأصولي إلى جميع افراده
بعد جريان مقدمات الحكمة (1) في مدخول الأداة انما هو بالدلالة اللفظية وهذا بخلاف
السريان في المطلقات الشمولية فإنه انما يكون بحكم العقل لأجل تساوى افراد الطبيعة
في الوفاء بالغرض المترتب عليها ومن ثم يتقدم العام الأصولي على المطلق الشمولي عند
تعارضهما ولأجل ذلك أيضا يتقدم المطلق الشمولي على المطلق البدلي لان التخيير
الثابت بين افراد المطلق البدلي بحكم العقل انما يكون عند تساوى افراد الطبيعة الواحدة
في الوفاء بالغرض المترتب عليها فمع فرض كون أحد الافراد محكوما بحكم المطلق
الشمولي يخرج هذا الفرد عن التساوي المزبور فيختص التخيير بغيره من الافراد لا
محالة وقد بينا تفصيل ذلك (2) في بحث مقدمة الواجب عند التعرض لكلام العلامة الأنصاري

بمعنى الابداء حقيقة مبنى على التنزيل والاطلاق بعلاقة المشاكلة كما وقع نظير ذلك في
جملة من الاستعمالات القرآنية كقوله تعالى الان علم الله فيكم ضعفا وقوله تعالى لنعلم أي
الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا وقوله تعالى لنبلوكم أيكم أحسن عملا وغيرها مما لا يخفى و
يمكن توجيه جميع ذلك بوجه آخر دقيق قد تعرضنا له في محله والتفصيل لا يسعه المجال والاجمال
ربما لا يساعده بعض الافهام فالأولى الصفح عن بيانه وايكال ذلك إلى محله والحمد لله على هدايته
لنا بولاية أوليائه وبالاقتداء بهم والاستضائة بنور علومهم ونسئله جل وعلا ان يحشرنا معهم
(1) قد ذكرنا غير مرة ان التمسك بالاطلاق لا يتوقف على جريان مقدمات الحكمة في مدخول
الأداة وان نفس الأداة وافية باثبات عدم اختصاص الحكم المذكور في القضية بقسم خاص من
أقسام مدخولها
(2) وقد بينا في ذلك المبحث انه لا وجه لتقديم أحد الاطلاقين على الاخر بمجرد كونه شموليا
والاخر بدليا فراجع
519

قدس سره في تعارض اطلاق المادة والهيئة فراجع.
الرابع انه لا اشكال في أن التقابل بين الاطلاق والتقييد على تقدير كون الاطلاق مأخوذا
في الموضوع له كما نسب ذلك إلى المشهور يكون من قبيل تقابل التضاد لان كلا منهما
على ذلك أمر وجودي يمتنع اجتماعه مع الاخر في موضوع واحد (واما) على تقدير
خروج الاطلاق عن الموضوع له كما ذهب إليه سلطان العلماء ومن تبعه من المحققين
المتأخرين قدس الله تعالى اسرارهم فلا محالة يكون الاطلاق أمرا عد ميا أعني به عدم
التقييد وعليه فهل التقابل بينه وبين التقييد من تقابل الايجاب والسلب (أو) انه من
تقابل العدم والملكة (الحق) هو الثاني فان تقابل الايجاب والسلب انما يختص بالعدم
والوجود المحموليين بالإضافة إلى كل مهية في حد ذاتها ولذلك يستحيل اجتماعهما و
ارتفاعهما (واما) العدم الخاص أعني به العدم الذي اخذ معه قابلية موصوفه للاتصاف
بوجود ما أضيف إليه العدم كالعمى بالإضافة إلى الحيوان وكذلك كل عدم ناعتي أعني
به العدم المأخوذ نعتا لموصوفه على ما تقدم بيانه في بعض مباحث العموم والخصوص فليس
تقابله مع الوجود الا تقابل العدم والملكة ولأجل ذلك يمكن ارتفاعهما عن مورد لا
يكون قابلا لشيئ منهما ومن الواضح ان تقابل الاطلاق والتقييد انما هو من هذا القبيل
لان معنى كون متعلق الحكم أو موضوعه مطلقا انما هو ورود الحكم عليه غير مقيد
بخصوصية من خصوصيات اصنافه أو افراده فالمقسم بين الأقسام التي يمكن انقسام ذات
متعلق التكليف أو موضوعه بالإضافة إليها هو الذي تعلق به الحكم عند الاطلاق كما أن معنى
تقييده انما هو ورود الحكم عليه بما انه متخصص بخصوصية خاصة وعليه فإذا فرضنا
امتناع تقييد متعلق الحكم أو موضوعه بشئ كتقييد متعلق الأمر بقصد الامر و
تقييد موضوع الحكم بكونه عالما بالحكم امتنع الاطلاق أيضا (1) إذ المفروض ان
كون المتعلق قابلا للانقسام إلى ما يقصد به الامر وما لا يقصد فيه ذلك ككون موضوع الحكم
قابلا للانقسام إلى كونه عالما بالحكم وغير عالم به انما يتوقف على ثبوت الحكم و
تحققه فمع قطع النظر عن الحكم لا يتصور هناك انقسام كي يرد الحكم على المقسم تارة
وعلى أحد أقسامه أخرى وعليه فما يكون موجبا لاستحالة التقييد فهو بعينه موجب

(1) قد تقدم في مبحث التعبدي والتوصلي تفصيل الكلام في أن استحالة التقييد لا يستلزم
استحالة الاطلاق وبالعكس فراجع وتدبر
520

لاستحالة الاطلاق أيضا ومن ذلك يظهر انه لا وجه لما افاده العلامة الأنصاري قدس سره
من أن استحالة التقييد بشئ تستلزم الاطلاق بالإضافة إلى ذلك الشيئ وقد استند
قدس سره لاثبات الاطلاق في عدة موارد إلى ما افاده في المقام من استلزام امتناع التقييد
بشئ للاطلاق بالإضافة إلى ذلك الشيئ (منها) انه قده جعل امتناع تقييد متعلق الأمر
بقصد القربة مستلزما لاطلاق المأمور به ولأجل ذلك ذهب إلى أن مقتضى الأصل هو كون
الواجب توصليا فما لم تقم قرينة من الخارج على اعتبار قصد القربة يدفع الشك في اعتباره
بالاطلاق (ومنها) انه قده ذهب إلى أن معروض الوجوب الغيري انما هو مطلق المقدمة
سواء في ذلك الموصلة وغيرها واستدل على ذلك باستحالة اختصاص الوجوب الغيري
بالموصلة فيثبت الاطلاق (ومنها) انه قده استدل على اشتراك التكليف بين العالم والجاهل
به بامتناع تقييد موضوعه بالعالم بالتكليف وأنت بعد ما عرفت من أن امتناع التقييد بشئ
يستلزم امتناع الاطلاق بالإضافة إلى ذلك الشيئ لا محالة تعرف فساد جميع ذلك وقد ذكرنا
في بحث التعبدي والتوصلي وفي بحث مقدمة الواجب انه لا مناص في هذه الموارد من
الالتزام بكون متعلق الحكم أو موضوعه مهملا (1) في مقام الجعل والتشريع وانه لابد
في اثبات نتيجة الاطلاق أو التقييد في تلك الموارد من رعاية الدليل الخارجي فراجع
الخامس في تحرير محل النزاع في أن الاطلاق هل هو داخل في الموضوع له
أو انه خارج عنه ومستفاد من القرائن الخارجية كمقدمات الحكمة على ما ستعرف الحال
فيها (فنقول) ان الاطلاق قد يتصف به الاعلام الشخصية باعتبار ما يطرء عليها من الحالات
والصفات لا باعتبار صدقها وانطباقها على كثيرين لان ذلك مستحيل فيها على الفرض
وقد تتصف به الجمل التركيبية وقد تتصف به أسماء الأجناس (اما) الاطلاق في الاعلام
الشخصية فهو خارج عن محل الكلام في المقام بداهة انه لم توضع الاعلام الشخصية لمعانيها
باعتبار ما يطرء عليها من الحالات والصفات فيتعين كون الاطلاق فيها مستفادا من القرينة
الخارجية كمقدمات الحكمة (واما) الاطلاق في الجمل التركيبية فان قلنا بأنه لا وضع للمركبات
كما هو الحق فحاله حال الاطلاق في الاعلام الشخصية والا فللنزاع المذكور فيه مجال

(1) قد تقدم في مبحث التعبدي والتوصلي بيان استحالة ثبوت الاهمال في الواقع من دون
فرق في ذلك بين الانقسامات الأولية وغيرها وعليه فلا مناص في هذه الموارد من الالتزام
بالتقييد أو الاطلاق وقد مر تحقيق الحال في ذلك فراجع
521

كما وقع النزاع في أسماء الأجناس فما هو القدر المتيقن في كونه محلا للكلام في المقام
انما هو خصوص أسماء الأجناس (واما) المعاني الحرفية والمفاهيم الأدوية فهي غير قابلة
للاطلاق والتقييد (1) حتى بناء على القول بكون الموضوع له فيها عاما وذلك لما عرفت
في محله من أن الحروف انما وضعت لان تكون روابط كلامية وموجدة للنسب في الكلام
وان معانيها غير قابلة للصدق على ما في الخارج لتكون قابلة للاطلاق والتقييد واما كون تلك
المعاني كلية فهو وإن كان صحيحا كما مر في محله إلا أن معنى الكلية في المعاني الحرفية غير
معنى الكلية في المعاني الاسمية وقد أوضحنا ذلك كله في محله بما لا مزيد عليه فراجع
السادس في بيان ان المراد بالمطلق في محل الكلام هي المهية المعتبرة على
نحو اللابشرط القسمي بيان ذلك ان المهية (قد تعتبر) بشرط لا بمعنى انها تعتبر على نحو
لا تتحد مع ما يكون معها فتكون في هذا الاعتبار مغايرة لما هي متحدة معه باعتبار آخر
والماهية المعتبرة على هذا النحو تقابلها المهية المعتبرة لا بشرط بالإضافة إلى الاتحاد و
هذا كما في المشتقات بالإضافة إلى مباديها وكما في الجنس والفصل بالإضافة إلى المادة
والصورة فإنك قد عرفت في مباحث المشتق ان المبادى مأخوذة بشرط لا كما هو الحال
في المادة والصورة فهي آبية عن حمل بعضها على بعضها الاخر وعلى الذوات المعروضة
لها كما أن المادة والصورة آبيتان عن حمل إحديهما على الأخرى وعلب المركب منهما و
اما المشتقات فهي قابلة لحمل بعضها على الاخر وعلى الذوات الموصوفة بها كما أن الجنس
والفصل قابلان لحمل أحدهما على الاخر وعلى النوع المركب منهما واللابشرط بهذا
المعنى خارج عما هو محل الكلام في المقام (وقد تعتبر) المهية بشرط لا بمعنى انها تعتبر
على نحو لا يكون معها شئ من الخصوصيات اللاحقة لها ويعبر عنها بالمهية المجردة
فهي بهذا الاعتبار تكون من الكليات العقلية التي يمتنع صدقها على الموجودات
الخارجية والماهية المأخوذة بشرط لا بهذا المعنى يقابلها امران (أحدهما) المهية المعتبرة
بشرط شئ أعني بها المهية الملحوظ معها اقترانها بخصوصية من خصوصياتها اللاحقة
لها سواء كانت تلك الخصوصية وجودية أم كانت عدمية ويعبر عنها بالمهية المخلوطة و

(1) المعاني الحرفية وان لم تكن قابلة للاتصاف بالاطلاق والتقييد بمعنى سعة المفهوم
وضيقه الا انها قابلة للاتصاف بهما بمعنى آخر وقد تقدم الكلام في تحقيق ذلك في مبحث
المعاني الحرفية فراجع
522

المهية بهذا الاعتبار ينحصر صدقها بالافراد الواجدة لتلك الخصوصية ويمتنع صدقها على
الفاقد لها (وثانيهما) المهية المعتبرة لا بشرط أعني بها ما لا يعتبر فيه شئ من الخصوصيتين
المعتبرتين في المهية المجردة والمخلوطة ويعتبر عنها بالمهية المطلقة والماهية المأخوذة
على نحو اللابشرط القسمي وهو المراد بلفظ المطلق حيثما اطلق في هذه المباحث
والماهية بهذا الاعتبار قابلة للصدق على جميع الافراد المقترن كل منها بخصوصية تغاير
خصوصية الفرد الآخر فظهر بذلك ان الكلى الطبيعي الصادق على كثيرين انما هو اللابشرط
القسمي دون المقسمي وذلك لان اللابشرط المقسمي أعني به نفس الطبيعة (1) من حيث
هي جامعة بين الكلى المعبر عنه باللابشرط القسمي الممكن صدقه على كثيرين والكلي
المعبر عنه بالمهية المأخوذة بشرط لا الممتنع صدقه على الافراد الخارجية والكلي
المعبر عنه بالمهية بشرط شئ الذي لا يصدق الاعلى الافراد الواحدة لما اعتبر فيه من

(1) كون اللابشرط المقسمي هو نفس الماهية من حيث هي وإن كان هو المعروف بينهم إلا أن
الصحيح انه غيرها بيان ذلك أنه ربما تلاحظ الماهية من حيث هي فيكون النظر مقصورا
على الذات ولا يلاحظ معها شئ آخر خارج عن مقام ذات الماهية فلا يصح حمل شئ عليها
في هذا اللحاظ الا الذات أو الذاتي فيقال الانسان حيوان ناطق أو حيوان أو ناطق وربما
تلاحظ الماهية بلا قصر النظر على مقام ذاتها فيلاحظ معها شئ آخر خارج عن مقام ذاتها
والماهية الملحوظة بهذا اللحاظ تنقسم إلى أقسام ثلاثة لان الامر الخارج عن مقام الذات الملحوظ
معها (قد يكون) تجرد الماهية عن كل خصوصية يمكن ان تلحقها في الخارج من خصوصيات
افرادها وأصنافها فلا يحمل عليها في هذا اللحاظ الا المعقولات الثانوية فيقال الانسان نوع
والحيوان جنس والناطق فصل والماشي عرض عام للانسان وعرض خاص للحيوان ولا يسرى
الحكم الثابت لها إلى الافراد الخارجية ويعبر عنه الماهية الملحوظة بهذا اللحاظ
بالماهية المجردة (وقد يكون) ذلك الامر الخارج اعتبار خصوصية من الخصوصيات المزبورة
فيصح حمل الأوصاف الخارجية أو الانتزاعية عليها فيقال الانسان العالم خير من الانسان
الجاهل ويسرى الحاكم الثابت لها إلى الافراد الخارجية الواجدة للخصوصية المعتبرة فيها
ويعبر عن الماهية الملحوظة بهذا اللحاظ بالماهية المخلوطة (وقد يكون) الامر الخارج
المزبور لحاظ عدم دخل شئ من الخصوصيات المزبورة في نظر الملاحظ وعدم كون شئ
منها معتبرا في الماهية فيقال الانسان ضاحك بالقوة ويسرى الحكم الثابت لها إلى جميع
الافراد الخارجية ويعبر عن الماهية الملحوظة بهذا اللحاظ بالماهية المطلقة فظهر بذلك ان
الماهية الملحوظة من حيث هي مغايرة للماهية الملحوظة على نحو اللابشرط المقسمي وان
ما هو المقسم بين المجردة والمخلوطة والمطلقة المعبر عنها باللابشرط القسمي لا تحقق له
الا في ضمن أحد أقسامه كما هو الحال في كل مقسم بالإضافة إلى أقسامه كما ظهران الماهية
المهملة أعني بها نفس الماهية من دون تقيدها بلحاظ خاص حتى لحاظها بقصر النظر على
مقام الذات هو نفس الكلى الطبيعي الذي يعرضه أحد اللحاظات المتقدمة وقابل للصدق
على الافراد الخارجية وجهة جامعة بينها فكما لا يتم ما افاده المحقق السبزواري (قده)
من أن الكلى الطبيعي انما هو نفس اللابشرط المقسمي لا يتم ما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره
من كونه هو اللابشرط القسمي لان اللابشرط القسمي على ما عرفت متقوم بلحاظه على نحو
يكون بالفعل فانيا في جميع مصاديقه واما الكلى الطبيعي فهو قابل لان يصدق على الخارجيات
لا انه هو الصادق بالفعل عليها بلحاظ فنائه فيها فافهم وتدبر ذلك وبما ذكرناه يظهر
الخلل في جملة ما افاده شيخنا الأستاذ قدس سره فلا حاجة إلى التعرض لكل فقرة بخصوصها
523

الخصوصية ومن الواضح انه يستحيل أن يكون الجامع بين هذه الأقسام هو الكلى الطبيعي
لان الكلى الطبيعي هو الكلى الجامع بين الافراد الخارجية الممكن صدقه عليها فهو
حينئذ قسيم للكلي العقلي الممتنع صدقه على الافراد الخارجية ولا يعقل أن يكون قسيم الشيئ
مقسما له ولنفسه ضرورة ان المقسم لا بد من أن يكون متحققا في ضمن جميع أقسامه ولا يعقل
أن تكون المهية المعتبرة على نحو تصدق على الافراد الخارجية متحققة في ضمن المهية المعتبرة
على نحو يمتنع صدقها على ما في الخارج وعليه فلا مناص من الالتزام بكون الجامع
بين الأقسام هي المهية الجامعة بين ما يصح صدقه على ما في الخارج وما يمتنع صدقه عليه
فالمقسم أيضا وإن كان قبالا للصدق على الافراد الخارجية لأنه متحقق في ضمن
المهية المأخوذة على نحو اللابشرط القسمي والمفروض انها صادقة على ما في الخارج
فالمقسم أيضا يكون قابلا للصدق لا محالة إلا أنه قابل للصدق على الكلى العقلي أيضا فيستحيل
أن يكون الجامع بين الأقسام هي نفس الجهة الجامعة بين الافراد الخارجية المعبر عنها
بالكلى الطبيعي (وبالجملة) المهية المأخوذة بشرط لا لو كانت فردا من افراد الكلى الطبيعي
ومتخصصة بخصوصية فردية نظير الافراد الخارجية المجردة المسماة بالمثل الأفلاطونية
التي ذهب جمع من الفلاسفة إلى وجودها والى كون كل فرد منها مربيا لنوعه لكان لتوهم
كون الكلى الطبيعي جامعا بين المهية المأخوذة لا بشرط الجامعة بين الافراد الخارجية
524

والماهية المأخوذة بشرط لا التي هي فرد عقلاني مجال واسع ولكن ذلك خلاف التحقيق
ضرورة ان المهية باخذها مجردة عن الخصوصيات الخارجية لا تخرج عن حد المفهومية
إلى كونها مصداقا بل هي تبقى على ما هي عليه من كونها مفهوما غاية الأمر انه لو حظ
على نحو الموضوعية أعني به لحاظه على نحو لا يكون فانيا في مصاديقه كما في مثل قضية
الانسان نوع وعليه فلا يعقل أن يكون الكلى الطبيعي هو الجامع بين المهية المجردة والافراد
الخارجية التي يحمل عليها ذلك الكلى بالحمل الشايع ضرورة ان الجامع بين المفهوم
والافراد الخارجية أمر يستحيل (1) وجوده فلا معنى للنزاع في كونه كليا طبيعيا أو غيره
فلا مناص حينئذ من الالتزام بكون الكلى الطبيعي متمحضا في كونه جهة جامعة بين جميع
الافراد الخارجية وحقيقة مشتركة بينها المعبر عنها باللابشرط القسمي وقسيما للماهية
المأخوذة بشرط لا الممتنع صدقها على الافراد الخارجية المعبر عنها بالكلى العقلي في
كلمات بعضهم وعليه فيكون الجامع بينهما وبين المهية المأخوذة بشرط شئ التي اخذ
فيها خصوصية من خصوصيات افرادها هي المهية المأخوذة على نحو اللابشرط المقسمي
وبذلك اتضح ان الفرق بين اللابشرط القسمي واللابشرط المقسمي هو ان اللا بشرط
المقسمي قد اخذ لا بشرط بالإضافة إلى خصوصيات الأقسام الثلاثة الممتاز كل منها عن
الاخر باختصاصه بلحظ المهية على نحو يغاير لحاظها في القسم الاخر واما اللا بشرط
القسمي فهو قد اخذ لا بشرط بالإضافة إلى الخصوصيات والأوصاف اللاحقة لها باعتبار
اتصاف افرادها بها كالعلم والجهل بالإضافة إلى الانسان فما تضاف إليه اللا بشرطية في كل
منهما مغاير لما تضاف إليه اللا بشرطية في الاخر (ومن ذلك) يظهر انه يمكن تقسيم المهية
إلى أقسامها الثلاثة بوجه آخر وهو ان يقال إن المهية اما ان تلاحظ على نحو الموضوعية
وغير فانية في مصاديقها الخارجية فهي المهية المجردة المأخوذة بشرط لا واما ان تلاحظ على
نحو الطريقية وفانية في مصاديقها وعليه فان لوحظت فانية في جميع المصاديق بحيث
يكون المحمول الثابت لها ثابتا لجميعها فهي المهية المطلقة المأخوذة على نحو اللابشرط

1 - الغرض من هذا الكلام هو بيان استحالة الجامع المقولي بين نفس المفهوم والمصاديق
الخارجية واما الجامع الانتزاعي فوقوعه فضلا عن امكانه من أوضح الواضحات لكنك
قد عرفت ان الكلى الطبيعي انما هو نفس الماهية المتحققة بنفسها في الخارج وفي كل قسم
من أقسام الماهية الملحوظ بلحاظ يختص به
525

القسمي وان لوحظت فانية في قسم خاص دون غيره فهي المهية المخلوطة المأخوذة بشرط
شئ (فقد تحصل مما ذكرناه) فساد ما ذهب إليه المحقق السبزواري وتبعه عليه جملة
من المتأخرين كصاحب التقريرات والمحقق صاحب الكفاية قدس الله اسرارهم من أن
الكلى الطبيعي هو نفس المقسم وان اللابشرط القسمي كلي عقلي قابل لان يكون
صادقا على الافراد الخارجية ومن الغريب انه قدس سره توهم اختصاص القول بكون
الكلى الطبيعي هو نفس اللابشرط القسمي ببعضهم مع أن صريح جل المحققين كشيخ
الرئيس والمحقق الطوسي وشراح التجريد وغيرهم هو ذلك وليت شعري كيف غفل هو
ومن تبعه عما ذكرناه مع وضوحه وتصريح أهل الفن به ومن الغريب أيضا ما ذهب
إليه المحقق صاحب الكفاية قده من أن المهية إذا أخذت مقيدة بالارسال والسريان كانت
من أقسام المهية بشرط شئ وذلك لأنه ان أراد من التقييد بالارسال اخذ المهية على
نحو لا يكون معها خصوصية أعني به اعتبارها مجردة عن كل خصوصية فقد عرفت ان
هذا النحو من الاعتبار هو اعتبار كون المهية بشرط لا وهو أجنبي عن اعتبار المهية بشرط شئ
كما هو ظاهر وان أراد منه ان الألفاظ وإن كانت موضوعة لنفس المهيات بما هي
الا ان الواضع اشترط ان لا تستعمل هذه الألفاظ الا عند لحاظ تلك المهيات سارية في افراد
ها فهو واضح البطلان ولعل الذي أوقعه فيما ذهب إليه انه تخيل ان المهية السارية
هي التي اخذ السريان فيها قيد أوان المقيد بكل أمر وجودي يكون من قبيل المهية
بشرط شئ مع غفلته عن أن المهية السارية هي التي يكون السريان ثابتا لها في حد
ذاتها المعبر عنها باللابشرط القسمي وبالكلي الطبيعي وعن ان المهية بشرط شئ
هي المهية المقيدة بخصوصية خاصة من خصوصيات افراده واما المقيد بما هو وصف
ثابت لنفس المهية فليس من المهية بشرط شئ في شئ أصلا والحاصل انا مهما
شككنا في شئ لا نشك في أن الاطلاق مساوق لاخذ المهية على نحو يسرى الحكم
الثابت لها إلى جميع افرادها فيكون مفاد أعتق رقبة مثلا بعد فرض تمامية الاطلاق في الكلام
مساوقا لمفاد أعتق أي رقبة وهذا المعنى لا يتحقق في فرض كون اللابشرط القسمي كليا
عقليا ولا يفرق في ذلك بين القول بكون الاطلاق مأخوذا في المعنى الموضوع له والقول
بكونه مستفادا من قرينة خارجية كمقدمات الحكمة هذا مضافا إلى أن كون اللابشرط
526

القسمي كليا عقليا يستلزم تداخل اللا بشرط القسمي والماهية المأخوذة بشرط لا وذلك
غير معقول.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد وقع النزاع في أن الاطلاق بالمعنى المزبور هل هو داخل
في المعنى الموضوع له أوانه خارج عن حريم الوضع ولابد في استفادته من الكلام من وجود
دال آخر عليه كمقدمات الحكمة وبعبارة أخرى لا اشكال في أن الموجب لسراية الحكم
إلى جميع افراد طبيعة ما انما هو لحاظ تلك الطبيعة في مقام الحكم عليه على نحو الاطلاق
وغير مقيد بقيد خاص أعني به لحاظها على نحو اللا بشرط القسمي وانما الاشكال في كون
الاطلاق بهذا المعنى جزء من الموضوع له ليكون ما وضعت له أسماء الأجناس هي الماهيات
المأخوذة على نحو اللا بشرط القسمي أو خارجا عنه ومستفادا من دال آخر كمقدمات
الحكمة ليكون ما وضعت له أسماء الأجناس هي نفس الطبايع المعبر عنها باللا بشرط
المقسى كما مرت الإشارة إلى ذلك في الأمر الثاني (والحق) هو القول الثاني وفاقا
لسلطان العلماء ومن تأخر عنه قدس الله تعالى اسرارهم وخلافا لما نسب إلى المشهور
قبله ويدل على المختار انا نرى وجدانا صحة استعمال أسماء الأجناس في جميع الأقسام
المنقسمة إليها المهية باعتبار ما يطرء عليها من الاعتبارات الثلث المتقدمة بلا عناية في
استعمالها في شئ منها فكما يصح ان يقال الانسان ضاحك كذلك يصح ان يقال
الانسان نوع والانسان العالم خير من الانسان الجاهل فإذا كان استعمال اللفظ في المهية
المأخوذة بشرط شئ أو بشرط لا على نحو استعماله في المهية المأخوذة بنحو اللابشرط
القسمي في عدم الحاجة إلى اعمال عناية ورعاية علاقة كشف ذلك بدليل الان عن كون
الموضوع له هي الجهة الجامعة بين جميع هذه الأقسام أعني بها نفس الطبيعة المعبر
عنها باللابشرط المقسمي (هذا مضافا) إلى انا كما نحتاج أحيانا إلى إفادة كل قسم من
الأقسام المزبورة للماهية كذلك نحتاج إلى إفادة نفس المهية التي هي جهة جامعة بين أقسامها
فالحكمة الداعية إلى وضع الألفاظ بإزاء معانيها نقتضي وضع لفظ ما بإزاء نفس المهية وإذ ليس
في البين لفظ موضوع لها غير أسماء الأجناس لزم القول بوضعها لنفس الطبيعة الجامعة ليصح
إفادة كل من المقسم وأقسامه بنفس تلك الألفاظ ولو كان ذلك بنحو تعدد الدال والمدلول
فيما إذا تعلق غرض المتكلم بإفادة شئ من أقسامه وبذلك يستغنى من تعدد الوضع
527

بتعدد الأقسام (وإذا ثبت) ان اللفظ موضوع بإزاء نفس المقسم فلا بد في اثبات ان المتعلق
أو الموضوع في القضية أريد به المهية المعتبرة على نحو اللابشرط القسمي ليسرى الحكم
الثابت لذلك المتعلق أو الموضوع إلى تمام افراده ومصاديقه من دلالة قرينة أخرى كمقدمات
الحكمة الكاشفة عن تعلق إرادة المتكلم باثبات الحكم للطبيعة السارية إلى جميع افرادها
(ولا يخفى) ان مقدمات الحكمة انما يحتاج إليها لنفى احتمال ان يراد بموضوع القضية
المهية المأخوذة بشرط شئ (واما) احتمال ان يراد به المهية المأخوذة بشط لا (فهو مندفع)
بنفس المحمول في القضية فان ما أريد بلفظ الرقبة في قضية أعتق رقبة مثلا بما انه موضوع
لوجوب العتق يمتنع أن يكون مأخوذا بشرط لا فان المهية بهذا الاعتبار من الكليات
العقلية التي يمتنع صدقها على ما في الخارج فلا يعقل تعلق وجوب العتق ونحوه بها فنفس
تعلق وجوب العتق مثلا بطبيعة الرقبة كاشف عن عدم اخذها بشرط لا كما أن المحمول
في قضية الانسان نوع مثلا بنفسه كاشفا عن كون الموضوع فيها مأخوذا بنحو
المهية بشرط لا (ثم إنه) إذا تحقق ان اثبات كون موضوع الحكم أو متعلقه هي المهية المطلقة
أعني بها اللابشرط القسمي يحتاج إلى دلالة قرينة على ذلك فاعلم أن القرينة ربما تكون
خاصة بمورد مخصوص فلا كلام لنا فيها لان ذلك أمر يختلف باختلاف موارده وليس
له ضابط كلي وربما تكون القرينة عامة تشترك فيها جميع موارد المحاورات العرفية
وهى التي لا بد لنا من التكلم فيها في المقام (فنقول) ان القرينة العامة التي تكشف عن
إرادة الاطلاق مؤلفة من مقدمات ثلث وهي المقدمات المسماة بمقدمات الحكمة (الأولى)
أن يكون متعلق الحكم أو موضوعه قابلا للانقسام إلى قسمين مع قطع النظر عن تعلق
الحكم به إذ مع عدم قبوله للانقسام في مرتبة سابقة على الحكم كانقسام الواجب إلى
ما يقصد به امتثال امره وما لا يقصد فيه ذلك وانقسام المكلف إلى العالم والجاهل بالحكم
يستحيل فيه الاطلاق (1) كما يستحيل فيه التقييد على ما أوضحنا بيان ذلك فيما تقدم
(الثانية) أن يكون المتكلم في مقام البيان من الجهة التي نحاول التمسك باطلاق

استحالة التقييد وإن كانت لا يستلزم استحالة الاطلاق كما أشرنا إليه آنفا الا انه يعتبر في صحة
التمسك بالاطلاق في مقام الاثبات من أن يكون التقييد بلحاظ ذلك المقام أمرا ممكنا ليكون
تركه الاختياري كاشفا عن أن القيد المحتمل دخله في متعلق الحكم أو موضوعه غير دخيل
فيه واقعا وقد مر الكلام في ذلك في بحث التعبدي والتوصلي فراجع
528

كلامه في مقام الاثبات لكشف الاطلاق من تلك الجهة في مقام الثبوت ضرورة انه مع
عدم كونه في مقام البيان أصلا كما إذا كان في مقام التشريع فقط أو كان في مقام بيان
حكم اخر كما في قوله تعالى (فكلوا مما أمسكن) الوارد في مقام بيان عدم كون ما
افترسه الكلب المعلم باصطياده ميتة لا يمكن التمسك بالاطلاق قطعا (بداهة) ان كون
المولى في مقام التشريع يكون قرينة على أنه ليس في مقام بيان تمام مراده فكيف يمكن
ان يتمسك في اثبات مرامه باطلاق كلا مه (واما) إذا كان المتكلم في مقام بيان حكم
اخر فلا يكون هناك دليل على كونه في مقام البيان من الجهة التي نريد ان نتمسك بالاطلاق
لاثباتها كاثبات طهارة موضع الامساك من الصيد باطلاق الكلام وعدم تقييد جواز الأكل
بغسل ذلك الموضع (فان قلت) ان بناء العقلاء انما هو على حمل كلام المتكلم على أنه
في مقام البيان عند الشك فيه إذ على ذلك يدور التمسك بالاطلاقات في المحاورات
العرفية ضرورة انه قل ما يتفق مورد يحرز فيه كون المولى في مقام البيان مع قطع
النظر عن هذا الأصل العقلائي وعليه فتكون الجهة التي نشك في كون المتكلم في مقام
البيان من تلك الجهة مع احراز كونه في مقام بيان حكم آخر من موارد الأصل العقلائي
فيثبت بذلك كونه في مقام البيان من كلتا الجهتين فيصح التمسك بالاطلاق بلحاظ كل
منهما (قلت) بناء العقلاء وان استقر على ذلك الا انه يختص بما إذا احتمل كون المتكلم
في مقام الاهمال والاجمال وعدم كونه في مقام البيان أصلا كما إذا دار الامر بين كون المولى
في مقام البيان أو كونه في مقام التشريع فقط (واما) إذا كان المولى في مقام بيان حكم اخر
فليس من العقلاء بناء على كونه في مقام البيان في غير ما ثبت كونه في مقام بيان لان كونه
في مقام بيان حكم ما يكفي في كونه فائدة لكلامه ومخرجا له عن الاهمال فيحتاج اثبات انه
في مقام بيان حكم اخر غير هذا الحكم المعلوم كونه في مقام بيانه إلى دليل مفقود في المقام
على الفرض (الثالثة) ان لا يأتي المتكلم في كلامه ما يدل على اعتبار خصوصية وجودية أو
عدمية في متعلق حكمه أو موضوعه لا متصلا بكلا مه ولا منفصلا عنه ضرورة انه مع الاتيان
بالقرينة المتصلة لا ينعقد ظهور للكلام من أول الأمر الا في المهية المأخوذة بشرط شئ ومع
الاتيان بالقرينة المنفصلة لا ينعقد الظهور التصديقي الكاشف عن مراد المتكلم وقد بينا
سابقا ان مراتب الدلالة ثلث (الأولى) الدلالة التصورية الناشئة من سماع اللفظ عند العالم
529

بالوضع (الثانية) الدلالة التصديقية أعني بها انعقاد الظهور فيما قاله المتكلم بحيث يكون
قابلا للنقل بالمعنى وهذه الدلالة تتوقف على عدم وجود القرينة المتصلة ولا يضربها
وجود القرينة المنفصلة (الثالثة) الدلالة التصديقية الكاشفة عن مراد المتكلم واقعا
وهذه الدلالة تتوقف على عدم وجود القرينة مطلقا سواء كانت متصلة أم كانت منفصلة
وعلى ذلك يبتنى لزوم الفحص عن المقيدات والمخصصات المنفصلة فيما إذا كان دأب
المولى جاريا على إفادة مرامه بقرائن منفصلة وبلحاظ هذه المرتبة من دلالة بنينا
في محله على كون المقيد والمخصص المنفصلين واردين على أصالتي العموم والاطلاق
والا فبلحاظ المرتبة الثانية من الدلالة يكونان حاكمين عليهما على ما يأتي بيان ذلك
في بحث التعادل والتراجيح انشاء الله تعالى وإذا تمت هذه المقدمات الثلاثة فبطريق
الان يستكشف تعلق الإرادة بالمطلق وعدم تقيد المراد الواقعي بخصوصية خاصة فعدم
التقييد في عالم الاثبات يكون دليلا على عدم التقييد في عالم الثبوت (واما) ما جعله بعض
المحققين من مقدمات التمسك بالاطلاق وهو ان تعين بعض الافراد دون بعضها الاخر
بلا مرجح وكون الحكم ثابتا لبعض الافراد من دون تعينه عند المكلف اغراء بالجهل
(فهو) مما لا يحتاج إليه في المقام بعد ما عرفت من أن عدم التقييد في مقام الاثبات يكشف
عن عدم التقييد في مقام الثبوت بنحو الان (واما) ما جعله المحقق صاحب الكفاية قده
من المقدمات وهو ان لا يكون هناك قدر متيقن في مقام التخاطب وإن كان هناك قدر متيقن
من الخارج (فالحق) انه ليس من المقدمات وان وجود القدر المتيقن مطلقا لا يضر بالتمسك
بالاطلاق (توضيح ذلك) انك قد عرفت ان المراد من كون المتكلم في مقام البيان هو كونه
في مقام بيان ما تعلقت به ارادته واقعا وعليه فالمتكلم الحكيم الملتفت لا بد له من القاء
كلامه على طبق مرامه اطلاقا وتقييدا فإذا كانت ارادته مختصة بقسم خاص من المطلق
المذكور في كلا مه لزمه ان ينصب عليه قرينة متصلة أو منفصلة ومجرد اليقين بد خول ذلك
القسم في موضوع حكمه أو في متعلقه لا يصلح لا يكون قرينة على اختصاص الحكم به
فإذا علم كون بعض افراد المطلق الذي تعلق به الامر مجزيا في مقام الامتثال لم يكن ذلك
قرينة على اختصاص الامر به لئلا يجوز الاتيان بغيره من افراد الطبيعة المأمور بها في مقام
الامتثال وعليه فإذا كان المتكلم في مقام البيان ولم يأت بما يكشف عن اختصاص ارادته
530

بقسم خاص كشف ذلك كشفا آنيا عن عدم اختصاص ارادته بذلك القسم سواء كان هناك
قدر متيقن في مقام التخاطب أم لم يكن كيف ولو كان وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب مضرا
بالتمسك بالاطلاق لما جاز التمسك بالمطلقات في غير موارد ورودها إذ المورد من أظهر
موارد وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب والمحقق المزبور (قده) وان التزم بذلك
في بعض الموارد فلم يأخذ باطلاق المطلق فيه في غير مورد وروده الا انه لم
يلتزم به في جميع الموارد بل تمسك في كثير منها بالاطلاق في غير موارد ورودها (هذا)
مع أن وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب وجواز الامتثال به يقينا لو كان مانعا من
جواز التمسك بالاطلاق لكان وجود القدر المتيقن من الخارج أيضا كذلك ضرورة ان كون
شئ قدرا متيقنا في مقام التخاطب لا خصوصية له توجب اختصاصه بالمنع من التمسك
بالاطلاق فلو كان ذلك مانعا لكان منعه بملاك كونه قدرا متيقنا في ثبوت الحكم له فيلزم
القول بكون وجود القدر المتيقن ولو كان من الخارج مانعا من الاخذ بالاطلاق وعليه فلا
يبقى مورد للتمسك بالاطلاق الا نادرا ومن جمع ذلك يظهران الامر كما ذكرناه ولو
بنينا على أن المراد كون المتكلم في مقام البيان هو كو أنه في مقام بيان ضرب القانون و
القاعدة كما هو مختاره (قده) بداهة ان اليقين بكون قسم خاص مشمولا لحكم القاعدة
لا يوجب انحصار القاعدة به فإذا كان المتكلم في مقام بيان الكبرى الكلية ومع ذلك
سكت عن بيان قيد خاص ولم ينبه عليه كشف ذلك بطريق الان عن عدم دخل
ذلك القيد في الكبرى الكلية واقعا سواء في ذلك وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب
أو من الخارج وعدمه نعم لو كان المراد من كون المتكلم في مقام البيان هو كونه في
مقام افهام المخاطب بكلامه شيئا ما بحيث لا يبقى متحيرا في مقام المحاورة بالكلية
لكان وجود القدر المتيقن على اطلاقه مانعا من التمسك بالاطلاق ضرورة انه مع وجود
القدر المتيقن ولو كان ذلك من الخارج يستفيد المخاطب من كلام المتكلم شيئا ما
ويخرج بذلك عن التحير لا محاله فلا يمكن التمسك بالاطلاق حينئذ (لكنه قده) أيضا
لا يلتزم بكون المراد من مقام البيان هو ذلك: (*)
531

(وينبغي التنبيه في المقام على أمور)
الأول ان الانصراف وإن كان مانعا من جواز التمسك بالاطلاق الا أنه يختص ببعض
أقسام الانصراف ولا يعم جميعها (توضيح ذلك) ان الانصراف قد ينشأ من غلبة الوجود
في الخارج كانصراف لفظ الماء في بغداد إلى ماء الدجلة وفي مكان آخر إلى غيره ويسمى
هذا الانصراف بدويا يزول بأدنى التفات وهذا لم يتوهم كو أنه مانعا من التمسك بالاطلاق
وقد ينشأ من التشكيك في الماهية في متفاهم العرف وهذا يكون على قسمين فان التشكيك
تارة يكون بحيث يرى العرف بعض المصاديق خارجا عن كونه فردا لما يفهم من اللفظ
فينصرف اللفظ عنه لا محالة كانصراف لفظ ما لا يؤكل لحمه عن الانسان واخرى يكون
بحيث يشك العرف في كون فرد مصداقا لمفهوم اللفظ عند اطلاقه فينصرف اللفظ إلى
غيره كانصراف لفظ الماء إلى غير ماء الزاج والكبريت (اما القسم الأول) فلا ريب في أن
اللفظ المطلق فيه يكون من قبيل الكلام المحفوف بالقرينة المتصلة فلا ينعقد له
ظهور الا في غير ما ينصرف عنه اللفظ (واما القسم الثاني) فالانصراف فيه وان لم يوجب
ظهور المطلق في إرادة خصوص ما ينصرف إليه الا ان المطلق مع هذا الانصراف يكون
في حكم الكلام المحفوف بما يصلح لكونه قرينة فلا ينعقد له ظهور في الاطلاق فالانصراف
الناشئ عن التشكيك في الماهية يمنع من انعقاد الظهور في الاطلاق على كل حال واما
تقسيم الانصراف في كلام بعض المحققين إلى ما يزيد على عشرة أقسام فلا فائدة تترتب عليه
وانما المهم منها هو ما ذكرناه (الثاني) ان استفادة الكبرى الكلية من العام وإن كانت
تتوقف (1) على اجراء مقدمات الحكمة في متعلق العموم كما أشرنا إليه مرارا الا ان
المطلق يفترق عن العام بأمرين (الأول) ان كون المتكلم في مقام البيان في موارد التمسك
بالاطلاق لا بد من أن يحرز من الخارج ولو كان ذلك من جهة بناء العقلاء على ذلك
وهذا بخلاف موارد التمسك بالعموم فان أداة العموم بنفسها متكفلة بإفادة كون المتكلم
في مقام البيان ضرورة انه لا معنى لكونه في مقام الاهمال والاجمال ومع ذلك يلقى كلا مه

1 - قد مر الكلام في عدم توقف استفادة الكبرى الكلية من العام على جريان مقدمات
الحكمة في أنه هو السر في تقديم العام على المطلق في مقام المعارضة فراجع
532

على نحو العموم والاستيعاب وعليه فلا يتوقف احراز كونه في مقام البيان على دليل خارجي
(الثاني) ان سراية الحكم إلى جميع افراد المطلق انما تكون لأجل تساوى افراد
الطبيعة في صدقها عليها واما سراية الحكم إلى جميع افراد العام فهي مستفادة من أداة
العموم بالدلالة اللفظية وقد بينا سابقا ان هذا هو السر في تقديم العام على المطلق في
مورد تعارضهما مع أن كلا منهما يحتاج إلى اجراء مقدمات الحكمة في استفادة الكبرى
الكلية منه (الثالث) ان كل مطلق يمكن تقسيمه بتقسيمات عديدة باعتبار ما يلحقه من
الخصوصيات الوجودية والعدمية مثلا يقسم الانسان إلى بالغ وغير بالغ والى عالم وغير
عالم وهكذا فتقييد المطلق بدليل منفصل ورفع اليد عن اطلاقه بلحاظ بعض تقسيماته
لا يوجب رفع اليد عن الاطلاق في غيره من التقسيمات إذ غاية ما يترتب على دليل التقييد
بقيد ما هو كون ذلك القيد دخيلا في مراد المولى وجزء منه قد اخر بيا أنه لمصلحة فيه ولا
يستكشف به عدم كون المولى في مقام البيان بالإضافة إلى عدم دخل القيود الأخر في
مراده لعدم الملازمة بين تأخير بيان قيد ما وعدم كون المتكلم في مقام البيان من الجهات
الأخرى فلو شك في دخل شئ من تلك القيود في مراده مع عدم دليل عليه لا متصلا
ولا منفصلا لكان اطلاق كلام المولى رافعا له نعم إذا بلغ التقييد إلى حد يستلزم
القبح والاستهجان في فرض كون المتكلم في مقام البيان كشف ذلك عن عدم كونه في
مقام البيان من أول الأمر فلا يمكن التمسك باطلاق كلا مه مطلقا لكن أين ذلك من العثور
على تقييد أو تقييدين
فصل
اختلفوا في استلزام التقييد كون المطلق مجازا على أقوال ثالثها القول بالاستلزام
في موارد التقييد بالمنفصل دون المتصل ولا يخفى ان محل الكلام في المقام انما هو
التقييد في المعاني الافرادية في غير الاعلام الشخصية إذ لم يتوهم أحد ان الاطلاق في
الاعلام الشخصية مأخوذ في المعنى الموضوع له ليوجب تقييدها استعمال اللفظ في غير
ما وضع له فيكون مجازا واما التقييد في المفاهيم التركيبية فاستلزامه لكون المطلق مجازا
يتوقف على القول بثبوت الوضع للمركبات وكون الاطلاق مأخوذا فيها في المعنى الموضوع
له وقد عرفت في محله انه لا وضع للمركبات فلا يبقى مجال لتوهم اخذ الاطلاق فيها
533

في المعنى الموضوع له وكيف كان (فالحق في المقام) ان تقييد المطلق لا يستلزم كونه
مجازا سواء في ذلك التقييد بالمتصل والتقييد بالمنفصل وفاقا للمحقق سلطان العلماء ومن تأخر عنه
قدس الله تعالى اسرارهم (والسر فيه) ما عرفت من أن الأسماء الأجناس انما وضعت لنفس المفاهيم
أعني بها اللا بشرط المقسمي وان الاطلاق انما يستفاد من مقد مات الحكمة عند التجرد
عن القيد فما تستعمل فيه الألفاظ في حالتي الاطلاق والتقييد شئ واحد ولا بد في استفادة
كل من الاطلاق والتقييد من دال اخر فكما ان استفاده التقييد من الكلام تتوقف على
وجود ما يدل عليه كذلك استفادة الاطلاق تتوقف على وجود ما يدل عليه غاية الأمران
الدال على الاطلاق يكون غالبا هو سكوت المتكلم في مقام البيان وتجرد كلامه عن
ذكر القيد وهذا لا يكون فارقا بينهما وكاشفا عن اخذ الاطلاق في المعنى الموضوع
له كما هو واضح وقد ذكرنا في بحث عدم استلزام التخصيص لكون العام مجازا ما ينفعك
في المقام فراجع (ثم) انه لو بنينا على اخذ الاطلاق في المعنى الموضوع له بحيث كان
مفهوم لفظ رقبة مثلا مساوقا لمفهوم أي رقبة لكان اللازم هو الالتزام بكون المطلق عند
تقييده مجازا ولو كان التقييد بمتصل بداهة ان التقييد ينافي الاطلاق والسريان فلابد من أن
يجرد اللفظ حين تقييده عن خصوصية الاطلاق المأخوذة في مفهومه فيكون حينئذ
مستعملا في غير ما وضع له ومن هنا يظهر انه لا يفترق التقييد بالمتصل عن التقييد بالمنفصل
سواء قلنا بما هو الصحيح من عدم كون الاطلاق مأخوذا في المعنى الموضوع له أم قلنا
بما نسب إلى المشهور من كونه مأخوذا فيه لما عرفت من أنه على المختار لا يستلزم تقييد
المطلق كونه مجازا ولو كان التقييد بمنفصل واما على القول بأخذ الاطلاق في المعنى
الموضوع له فلا مناص من الالتزام باستلزام التقييد لكون المطلق مجازا ولو كان التقييد
بمتصل فالتفصيل في المقام بين التقييد بالمتصل والتقييد بالمنفصل لا وجه له أصلا
فصل
إذا ورد مطلق ومقيد متنافيان سواء توافقا في الايجاب والسلب أم تخالفا في ذلك
فهل القاعدة تقتضي حمل المطلق على المقيد فيه خلاف والحق هو التفصيل
وقبل الخوض في بيان المقصود ينبغي التنبيه على أمر وهو انه لا اشكال في أن
كل أمر ونهى في نفسه ظاهر في كونه نفسيا الا انه يختص بما إذا لم يكن متعلق الأمر أو
534

النهى حصة خاصة من مركب اعتباري جعله المولى متعلقا لحكمه التكليفي أو الوضعي
أو خصوصية من خصوصيات ذلك المركب واما فيما إذا كان متعلق الأمر أو النهى شيئا من
هذين الامرين فلا يكون الامر الا ظاهرا في الارشاد إلى كون الخصوصية المتعلق بها الامر
أو المأخوذة في متعلق الأمر شرطا للمأمور به أو لحكم وضعي ثابت في مورده كما لا يكون
النهى الا ظاهرا في الارشاد إلى كون تلك الخصوصية مانعة من تحقق المأمور به أو عن
حكم وضعي ثابت في مورده فلا يستفاد من الامر بالصلاة إلى القبلة أو الامر باستشهاد
شاهدين عدلين عند الطلاق الا كون استقبال القبلة شرطا في صحة الصلاة وكون الاستشهاد
المزبور شرطا للحكم بوقوع الطلاق كما لا يستفاد من النهى عن الصلاة في غير المأكول
من الحيوان أو النهى عن بيع الغرر الا كون وقوع الصلاة فيما لا يؤكل لحمه مانعا من
صحتها ولزوم الغرر مانعا من صحة البيع وهذا كله مما لا اشكال فيه انما الاشكال في أن
تعلق الامر أو النهى بحصة خاصة من المطلق أو بخصوصية من خصوصياته يوجب تقييد المطلق
بدعوى انهما يكونان ظاهرين أيضا في الارشاد إلى الشرطية أو المانعية أو أنه لا يوجب
تقييد المطلق بدعوى ان ظهور الامر أو النهى في الارشاد إلى الشرطية أو المانعية يختص
بموارد كون المأمور به أو المنهى عنه حصة من المركب أو خصوصية من خصوصيا ته
فلا موجب لرفع اليد في غيرها من ظهور كل من الامر والنهى في كونه نفسيا (وقد ذهب
إلى كل من الوجهين قبيل ولابد لنا في تحقيق الحال في المقام من التكلم في مقامين (الأول)
فيما إذا كان المطلق بد ليا (والثاني) فيما إذا كان شموليا اما المقام الأول فالحق فيه
وجوب حمل المطلق على المقيد ولو لم يكن ظهور دليل المقيد في التقييد في نفسه أقوى
من ظهور المطلق في الاطلاق من دون فرق بين كونهما متوافقين في الايجاب أو السلب
وكونهما متخالفين في ذلك
وتوضيح ذلك انما يتم برسم مقدمات (الأولى) في بيان ان ظهور القرينة في الكلام
يتقدم على ظهور ذي القرينة ولو كان ظهور ذي القرينة أقوى من ظهور القرينة في حد
أنفسهما (والسر في ذلك) هو ان الشك في إرادة ما يكون ذو القرينة ظاهرا فيه وعدمها
يكون مسببا عن الشك في إرادة ما يكون القرينة ظاهرة فيه وعدمها بداهة ان الاخذ
بظاهر القرينة يوجب رفع الشك فيما أريد بذى القرينة ولزوم حمله على غير ما يكون
ظاهرا فيه لولا القرينة فان مؤدى القرينة بنفسها هو عدم إرادة ما يكون ذو القرينة ظاهرا
535

فيه لولا القرينة وهذا بخلاف الاخذ بظاهر ذي القرينة فإنه لا يوجب رفع اليد عن ظاهر
القرينة الا بالملازمة العقلية والأصل المثبت في مداليل الألفاظ وإن كان حجة الا ان اثباته
للوازم المدلول يتفرع على جريا أنه في نفسه لاثبات نفس مورده كما مرت الإشارة إلى
ذلك فيما تقدم وحيث لا يجرى الأصل لاثبات نفس مورده يمتنع اثبات لوازمه مورده به
والمقام من هذا القبيل لان أصالة الظهور في طرف ذي القرينة لا تجرى لاثبات ما أريد
به فكيف يثبت بها لوازمه بيان ذلك ان جريان أصالة الظهور في طرف ذي القرينة
يتوقف على عدم جريان أصالة الظهور في ناحية القرينة لان جريانها في ناحيتها يكون
رافعا للشك في ناحيته فلو توقف عدم جريانها في ناحيتها على جريانها في ناحيته لزم الدور
وهذا هو السر في تقديم الأصل الحاكم على الأصل المحكوم في جميع الموارد ولو بنينا
على حجية الأصول المثبتة ولأجل ذلك يتقدم ظهور كلمة يرمى في قولنا رأيت أسدا يرمى
في رمى النبل مع كونه ظهورا انصرافيا على ظهور لفظ أسد في الحيوان المفترس مع أنه
ظهور مستند إلى الوضع والظهور الوضعي في حد ذاته أقوى من الظهور الاطلاقي ولا فرق
فيما ذكرناه بين القرينة المتصلة والمنفصلة (نعم) بينهما فرق من جهة أخرى وهى ان
القرينة المتصلة توجب عدم انعقاد الظهور التصديقي في ناحية ذي القرينة من أول الأمر
بخلاف القرينة المنفصلة فإنها لا تكون مانعة الا عن الظهور التصديقي الكاشف عن المراد
الواقعي وقد مر بيان ذلك عن قريب فراجع (الثانية) ان تعين كون جزء من
الكلام قرينة على جزئه الاخر وان لم يكن له ميزان كلي تتميز به القرينة عن ذي القرينة
لئلا يبقى مورد للشك أصلا الا ان الظاهر أنه لا اشكال في أن كل ما يكون فضله في الكلام
كالوصف ونحوه يكون قرينة على ما يكون عمدة فيه فان الظاهر أن الفضلة في الكلام انما
يؤتى بها لأجل الكشف عن تمام المراد فتكون هي قرينة على غيرها ولا يبعد أن يكون
الفعل المبدو به الكلام في الجملة الفعلية قرينة على الجزئين الآخرين من الفاعل والمفعول
به كما في لا تضرب أحدا فان ظهور الضرب في خصوص المؤلم يكون قرينة على تخصيص
مدلول لفظ الاحد بالاحياء هذا في المتصل واما المنفصل فالميزان فيه لتشخيص لكون
شئ قرينة على غيره هو فرضه متصلا به في كلام واحد فإن كانت في هذا الفرض قرينة
صارفة لظهور ما فرض اتصاله به ومبنية للمراد منه كانت قرينة له في فرض انفصاله عنه
536

أيضا واما إذا لم يكن كذلك بل كان ظهور كل منهما في نفسه منافيا لظهور الاخر ومانعا من
انعقاده بالفعل كشف ذلك عن تعارضهما وعدم كون أحدهما بخصوصه قرينة على الاخر
(الثالثة) ان حمل المطلق على المقيد يتوقف على ثبوت التنافي بين الدليلين كما أشرنا
إليه والتنافي بين الدليلين يتوقف على وحدة التكليف المتكفل باثباته كل من الدليل المطلق
والدليل المقيد وهي متوقفة على ثلثة أمور (الأول) أن يكون الحكم في كل من المطلق
والمقيد مرسلا أو معلقا على شئ واحد بداهة انه إذا كان الحكم في المطلق معلقا على
شئ وفي المقيد معلقا على شئ اخر كما إذا قال المولى ان ظاهرت فأعتق رقبة وان أفطرت
فأعتق رقبة مؤمنة فلا موجب لحمل أحدهما على الاخر أصلا واما إذا كان الحكم في أحدهما
معلقا وفي الاخر مرسلا غير معلق كما إذا ورد في أحد الدليلين ان ظاهرت فأعتق رقبة وورد
في الاخر منهما أعتق رقبة مؤمنة ففي حمل المطلق فيه على المقيد خلاف (والحق هو الثاني)
لان حمل اطلاق متعلق التكليف في أحد الدليلين على ما هو المقيد في الدليل الآخر يتوقف
على ثبوت التنافي بينهما المتوقف على وحدة التكليف الناشئة من حمل اطلاق الوجوب
في أحدهما على المقيد في الاخر بان يقيد اطلاق وجوب عتق الرقبة المؤمنة في مفروض
المثالين بتحقق الظهار المأخوذ قيدا للوجوب في الدليل الآخر ومن الواضح ان
الحمل المزبور أعني به حمل اطلاق أحد الوجوبين على مقيد هما يتوقف على ثبوت
التنافي بينهما المتوقف على وحدة متعلقيهما الناشئة من حمل اطلاق أحد المتعلقين على
مقيدهما فيتوقف الحمل في كل من الطرفين على الحمل في الطرف الآخر وهو مستلزم للدور
(وبالجملة) إذا كان متعلق كل من التكليفين متحدا مع متعلق الاخر لزم حمل المطلق منهما
على مقيد هما لثبوت التنافي بينهما كما أنه إذا كان كل من التكليفين مطلقا أو مقيدا بما
قيد به الاخر لزم حمل اطلاق متعلق أحدهما على ما هو المقيد منهما لثبوت التنافي بينهما أيضا
واما إذا كان متعلق أحد الحكمين مغاير المتعلق الحكم الاخر بالاطلاق والتقييد ومع ذلك
كان نفس أحد الحكمين مطلقا والاخر مشروطا فلا موجب لحمل المطلق على المقيد في شئ
من ناحية الحكم ومتعلقه الا على وجه دوري وعليه فيثبت في أمثال ذلك تكليفان مستقلان
أحدهما مطلق والاخر مشروط وقد تعلق أحدهما بالمطلق والاخر بالمشروط (فان قلت) إذا
قطعنا النظر عن متعلق كل من الحكمين فبما ان أحدهما مشروط والاخر مطلق لابد من
537

حمل مطلقهما على المقيد فيثبت بذلك وحدة التكليف المقتضية لحمل المطلق على المقيد
في ناحية المتعلق وبعبارة أخرى ان اطلاق الحكم في أحد الدليلين وإن كان كاشفا عن عدم
اشتراط الحكم المجعول من قبل المولى بما هو شرط للحكم في الدليل الآخر الا ان تقييده
به في ذلك الدليل كاشف عن اشتراطه به وبما ان دليل التقييد أقوى من دليل الاطلاق
يتقدم عليه فيوجب رفع اليد عن الاطلاق فتكون النتيجة هو اشتراط الحكم المجعول من
قبل المولى بالشرط المزبور وبما ان متعلق ذلك الحكم مطلق في أحد الدليلين ومقيد
في الاخر لا بد من حمل المطلق على المقيد (قلت) تقييد حكم خاص بقيد في أحد الدليلين انما
يقتضى انتفاء ذلك الحكم الخاص المتشخص بموضوعه ومتعلقه عند انتفاء قيده في الخارج
واما الحكم الاخر الثابت في غير ذلك الدليل لموضوع غير الموضوع الأول أو لمتعلق
غير المتعلق الأول فلا يكون تقييد الحكم الأول بقيد مستلزما لارتفاعه عند ارتفاع ذلك
القيد في الخارج وعليه فلا موجب لتقييد الحكم الثاني ليترتب عليه حمل المطلق على المقيد
في ناحية المتعلق نعم إذا ثبت من الخارج وحدة المتعلقين لزم حمل المطلق من الحكمين على
مقيدهما كما أنه إذا ثبتت وحدة الحكمين لزم حمل المطلق من المتعلقين على المقيد
منهما واما مع عدم احراز ذلك فلا موجب لحمل المطلق على المقيد في شئ منهما والحاصل
ان حمل المطلق على المقيد يتوقف على احراز وحدة التكليف فمع عدم احرازها لاحتمال
كون التكليف الصادر من المولى متعددا خصوصا فيما إذا كان ظاهر كلام المولى هو ذلك
كيف يمكن حمل المطلق من التكليفين على المقيد منهما ليحرز به موضوع جواز حمل المطلق
من المتعلقين على المقيد منهما (الأمر الثاني) أن يكون كل من (1) التكليفين الزاميا والا

1 - لا يذهب عليك انه لا يعتبر في حمل المطلق على المقيد الا كون خصوص الدليل المقيد
الزاميا واما كون الدليل المطلق الزاميا فلا ملزم له أصلا بيان ذلك أنه إذا تعلق أمر
استحبابي بمطلق في دليل وتعلق أمر الزامي بمقيد في دليل آخر فلا بد من رفع اليد عن
اطلاق الدليل المطلق وحمله على ما لا ينافي الدليل المقيد سواء في ذلك كون الالزام المتعلق
بالمقيد ارشاديا مسوقا لبيان شرطية القيد المأخوذ في متعلقه للمطلوب الاستحبابي وكونه
مولويا مسوقا لبيان وجوب المقيد في نفسه مثال الأول الامر المتعلق بالإقامة حال الطهارة
فإنه بعد فرض كونه مسوقا لبيان شرطية الطهارة في المطلوب الاستحبابي لا يبقى مجال
لتوهم صحة التمسك باطلاق ما دل على استحباب الإقامة من غير تقييد لها بكونها حال الطهارة
من الحديث فلا مناص من الالتزام بكون نتيجة الامرين هو انحصار الطلب الاستحبابي
بالإقامة حال الطهارة وعدم كونها حال الحدث مطلوبة للمولى ومثال الثاني الامر
المتعلق بصلاة الصبح مثلا فان أنه لا محالة يوجب تقييد الامر الاستحبابي المتعلق بذات الصلاة
في قوله عليه السلام الصلاة خير موضوع من شاء استقل ومن شاء استكثر بغير متعلقه لان
الواجب يمتنع كونه مصداقا للمستحب بالضرورة فالميزان في لزوم حمل المطلق على المقيد
انما هو كون الدليل المقيد الزاميا سواء كان الدليل المطلق مع ذلك الزاميا أم لم يكن
538

لم يكن موجب لرفع اليد عن اطلاق المطلق بحمله على المقيد منهما والوجه في ذلك هو انه
إذا كان الحكم المتعلق بالمقيد غير الزامي جاز مخالفته فلا يكون منافاة حينئذ بينه
وبين اطلاق متعلق الحكم الاخر المستلزم لجواز تطبيقه على كل فرد أراد المكلف
تطبيقه عليه في الخارج ومن الواضح انه مع عدم المنافات بينهما لا موجب لرفع اليد عن
الاطلاق بحمله على المقيد ولا فرق في ذلك بين كون الدليل المطلق مثبتا لحكم الزامي
وعدمه ضرورة ان المنافات انما ترتفع بعدم الالزام بالمقيد وبالترخيص في ترك امتثال
الحكم المتعلق به فلا يكون هناك من التمسك باطلاق متعلق الحكم الاخر سواء كان
الزاميا أم كان غير الزامي وبذلك يظهر سرما ذهب إليه المشهور من عدم حمل اطلاقات
المستحبات على مقيداتها (نعم) لو كان المطلق في باب المستحبات ناظرا إلى اثبات درجة
خاصة من الطلب وكان الدليل المقيد ناظرا إلى الثبات تلك الدرجة بعينها لتحققت
المنافات بينهما الموجبة لحمل المطلق على المقيد ولكنه فرض نادر يكادان يلحق
بالمعدوم (الأمر الثالث) أن يكون متعلق كل من الخطابين صرف الوجود الذي ينطبق
قهرا على أول موجود ناقض للعدم إذ بذلك تتحق المنافات بين الدليلين لأن اطلاق
متعلق الحكم في الدليل المطلق يقتضى جواز الاكتفاء بغير المقيد في مقام الامتثال
إذ المفروض انه لم يؤخذ ذلك القيد في متعلق الحكم الثابت بالدليل المطلق فيستكشف
به عدم دخله في غرض المولى وفي ملاك حكمه كما أن تقييد متعلق الحكم في الدليل
المقيد يقتضى عدم جواز الاكتفاء بغير المقيد في مقام الامتثال إذ المفروض انه اخذ ذلك
القيد في متعلق الحكم الثابت بذلك الدليل فيستكشف بأخذه فيه دخله في غرض المولى
وفي ملاك حكمه وعليه فيثبت المنافات بين الدليلين ويتوارد النفي والاثبات على موضوع
واحد وبذلك يستكشف وحدة التكليف بعد تحقق الامرين الأولين المعتبرين في حمل
المطلق على المقيد ومما ذكرناه يعلم أن وحدة التكليف انما يستكشف من نفس الخطابين
539

فتوهم انه لا بد في احراز وحدة التكليف من قيام دليل اخر عليها من اجماع ونحوه
مما لا مجال له أصلا
(إذا عرفت) هذه المقدمات فاعلم أنه إذا ورد دليل مطلق كما في قضية أعتق رقبة
فالحكم المشتمل عليه الدليل المقيد اما أن يكون ايجابيا كما في قضية أعتق رقبة
مؤمنة أو يكون سلبيا كما في قضية لا تعتق رقبة كافرة وعلى الثاني فالتعارض انما يكون بين
ظهور النهى في الحرمة المستلزمة لحمل المطلق على المقيد وظهور المطلق في الاطلاق
المستلزم لحمل النهى في طرف المقيد على الكراهة وقد ذكرنا في المقدمة الأولى ان
ظهور القرينة يتقدم على ظهور ذي القرينة لا محالة ولا تلاحظ الاقوائية بينهما وبما ان دليل
المقيد يتعين في كونه قرينة على ما يراد من الدليل المطلق بمقتضى المقدمة الثانية يتعين الاخذ
بظهور النهى في الحرمة ورفع اليد عن اطلاق المطلق بحمله على غير ما تعلق النهى به
واما على الأول فالتعارض انما يكون بين ظهور الدليل المقيد في التقييد وظهور الدليل
المطلق في الاطلاق المقتضى لحمل الامر بالمقيد على الاستحباب بمعنى ان المقيد هو
أفضل الافراد ولحمل القيد على كونه واجبا في واجب أو لحمل كل من المطلق والمقيد
على كونه واجبا مستقلا اما حمل الامر بالمقيد على الاستحباب فهو مناف لظهوره في الوجوب
المقدم على ظهور المطلق كما عرفت (واما) حمل القيد على كونه واجبا في واجب فهو
مضافا إلى منافاته لظهور الدليل المقيد في أن الواجب فيه هو مجموع القيد والمقيد
دون القيد بنفسه (بعيد) في حد ذاته فان وجود واجب في واجب من الندرة بمكان
لا يمكن حمل مورد ما عليه من دون قرينة تدل عليه وهذا بخلاف حمل الامر على
الاستحباب فإنه لو لم يكن منافيا لظاهر الصيغة لما كان في الالتزام به خرازة أصلا (واما)
حمل المقيد على كونه واجبا مستقلا في قبال المطلق (فقد عرفت) في المقدمة الثالثة
منافاته (1) لتعلق كل من الخطابين بصرف الوجود المنطبق على أول وجود للطبيعة الناقض

1 - توضيح ذلك ان التكليفين المتعلق أحدهما يصرف وجود المطلق والاخر بصرف وجود
المقيد وان كانا في مقام الاثبات متغايرين الا انه لا بد من الالتزام بكونهما في الواقع ونفس
الامر تكليفا واحدا إذ لو كانا تكليفين مستقلين ناشئين من ملاكين إلزاميين فاما أن يكون
الاتيان بالمقيد وافيا بكلا الملاكين أو يكون وافيا بخصوص أحدهما لا سبيل إلى الثاني
لأنه خلاف ظاهر الامر المتعلق بصرف الوجود المنطبق على المقيد أيضا ولا إلى الأول
لأنه يستلزم كون الامر المتعلق بكل من المطلق والمقيد تخييريا ومن باب التخيير بين
الأقل والأكثر بان يخير المكلف بين الاتيان بالمقيد أولا والاتيان بغير المقيد من افراد
المطلق ثم الاتيان بالمقيد بعده إذ بعد فرض لزوم الاتيان بالمقيد بعينه ووفائه بكلا الملاكين
لا يبقى موجب للامر بالمطلق الا بتقييده بالاتيان به أولا في غير ضمن المقيد مع الترخيص
في تركه بالاتيان بالمقيد ابتداء ومن الواضح ان هذا تكلف زائد لا سبيل إلى الالتزام
به مع عدم القرينة عليه وبما ذكرناه يظهر انه لا يقاس المقام بتعلق الامرين بالعامين
من وجه إذ ليس في مورده شئ يجب الاتيان به بخصوصه فلا مناص من تعلق كل تكليف
بمتعلقه تعيينا لما فيه من المصلحة الداعية إلى طلبه وان جاز للمكلف امتثالهما بالاتيان
بفرد يصدق عليه كلا العنوانين وهذا بخلاف المقام فان المقيد فيه بما انه يجب الاتيان به بخصوصه
لا يبقى معه مجال للامر بالمطلق الاعلى النحو المزبور الذي لا يمكن المصير إليه من غير
دليل وإذا ثبت وحدة التكليفين واقعا المتغايرين في مقام الاثبات دار الامر بين الاخذ بظهور
الدليل المطلق المستلزم لرفع اليد عن ظهور الدليل المقيد والاخذ بظهور الدليل المقيد
المستلزم لرفع اليد عن اطلاق الدليل المطلق وقد عرفت ان المتعين هو الثاني
540

لعدمها المطلق هذا كله في المقام الأول (واما المقام الثاني) أعني به ما إذا كان اطلاق
المطلق شموليا فتفصيل الكلام فيه بان يقال إن الدليلين المفروضين في محل الكلام إذا كان أحدهما
أخص من الاخر مطلقا وكان مخالفا له في الايجاب والسلب فلا اشكال في لزوم حمله
عليه سواء كان الحكم الثابت للمطلق من الأحكام التكليفية أم كان من الأحكام الوضعية
واما إذا كان موافقا له في الايجاب أو السلب كما إذا ورد في أحد الدليلين ان في الغنم
السائمة زكاة وورد في الآخران في الغنم زكاة فلا موجب لحمل الثاني على الأول لما
عرفت من أن الموجب لحمل المطلق على المقيد منحصر بثبوت المنافات بينهما المتوقفة
على وحدة التكليف المستكشفة من تعلقه بصرف الوجود وبما ان المفروض في المقام
عدم تعلق التكليف بصرف الوجود إذ المفروض تعلقه بكل فرد فرد لا يمكن استكشاف
وحدة التكليف المحققة للمنافات بين الدليلين التي يدور عليها وجوب حمل المطلق
على المقيد (نعم) إذا علمنا من الخارج ان القيد انما اتى به في الكلام لإفادة المفهوم و
بيان تضييق المراد الواقعي ولم يؤت به بداع آخر فلا بد من حمل المطلق على المقيد
أيضا والا فنفس التقييد في دليل لا يوجب رفع اليد عن الاطلاق في دليل آخر مع عدم
541

المنافات بينهما (واما) إذا كانت النسبة بين الدليلين المفروضتين نسبة العموم من وجه
فاما أن تكون تلك النسبة بين موضوعي الحكمين المتكفل بهما الدليلان أو بين نفس
المتعلقين في دينك الدليلين اما على الأول فيد خل الدليلان بذلك في باب التعارض ولا بد
فيه من اعمال قواعده بينهما واما على الثاني فيبتنى جواز التقييد وعدمه على جواز اجتماع
الامر والنهى وعد مه وقد أشبعنا الكلام فيه في مبحثه فراجع هذا فيما إذا كان الدليلان
المفروضان مختلفين في الايجاب والسلب واما إذا كانا متفقين في ذلك فلا موجب لتقييد
أحدهما بالآخر سواء في ذلك كون نسبة العموم من وجه بين الموضوعين وكونها بين
المتعلقين والوجه في ذلك ظاهر لا يخفى (بقى) هناك تنبيهات قد أشرنا إليهما في مطاوي
ما ذكرناه (الأول) انه لا موجب لحمل المطلق على المقيد في باب المستحبات فان الموجب
له انما هو التنافي بين الدليل المطلق والدليل المقيد فإذا فرضنا ترخيص الدليل المقيد
لترك متعلق الحكم المتكفل به فلا يقع التنافي بينهما فلا يكون هناك موجب للحمل
أصلا وهذا فيما إذا لم يكن الدليل المقيد قضية ذات مفهوم في غاية الوضوح واما فيما
إذا كان قضية ذات مفهوم فعدم حمل المطلق على المقيد فيه وان لم يكن بذلك الظهور
الا ان الظاهر فيه أيضا هو عدم الحمل لان كون القضية ذات مفهوم وإن كان يقتضى في حد
ذاته عدم مطلوبية فاقد القيد من رأس الا ان العلم الخارجي بكون المستحبات ذات
مراتب (1) باعتبار قيودها يوجب صرف القضية عن كونها ذات مفهوم فلا تتحقق المنافات
بين القضيتين لتحمل إحديهما على الأخرى (الثاني) ان حمل المطلق على المقيد في غير
المتخالفين في الايجاب والسلب بما ان ملاكه كان هي المنافات بين الدليلين الناشئة من
تعلق التكليف بصرف الوجود لا يفرق فيه بين ما إذا كان الدليل المقيد دالا على تقييد المتعلق
أو الموضوع وما إذا كان دالا على تقييد نفس الحكم فكما يحمل المطلق على المقيد في

1 - كون المستحبات ذات مراتب انما هو باعتبار غالب قيودها ومن الواضح ان مجرد
ثبوت الغلبة في ذلك لا تصلح لصرف ظهور القضية الشرطية في كونها ذات مفهوم والا لزم
الالتزام بعدم التقييد فيما إذا كان التقييد بمتصل أيضا مع أنه خلاف الواقع والمفروض فالصحيح
في موارد كون القضية ذات مفهوم هو حمل المطلق على المقيد والحكم باختصاص الطلب
الاستحبابي بالمقيد والحمد لله على نعمه وآلائه وصلى الله على محمد وعترته الطاهرين
542

متعلقات التكاليف وموضوعاتها كذلك يحمل مطلقات التكاليف على مقيداتها فان
ملاك الحمل وهو تعلق التكليف بصرف الوجود الموجب للمنافات مشترك فيه
بين الجميع
فصل
لا اشكال في أن مفهوم المجمل كمفهوم المبين من المفاهيم البينة ولا اشكال أيضا
في أنهما كما يتحققان في المفاهيم الافرادية يتحققان في المفاهيم التركيبية انما الاشكال
في مصاديقهما إذ رب لفظ يكون مبينا عند شخص ومجملا عند اخر من جهة علم الأول
بالوضع دون الثاني أو من جهة احتفاف الكلام بما يصلح لكونه قرينة عند الثاني دون
الأول قد مثلوا للمجمل بأمثلة يمكن المناقشة في كثير منها ولا يترتب على البحث عن
ذلك غرض أصولي فالأولى ايكال البحث عن ذلك إلى محالها والحمد لله أولا وآخرا
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين و
وفقنا لما يجب ويرضى ولا يميتنا الا ونحن مسلمون قد تم الجزء الأول من التقريرات في
مباحث الألفاظ بعونه تبارك وتعالى ونسئله التوفيق لاتمام الجزء الثاني انشاء الله تعالى
انتهى كلامه الشريف
والحمد لله على التوفيق لطبع هذه المجموعة الشريفة ونشرها ونسئله ان يوفقنا
في طبع الجزء الثاني من هذا الكتاب أيضا لتكميل انتفاع الطالبين للعلم والحقيقة
وقد بذلت جهدي في تصحيح هذه النسخة ومقابلتها وانا الأحقر حسن المصطفوي التبريزي
543