الكتاب: منتهى الدراية
المؤلف: السيد محمد جعفر الشوشتري
الجزء: ٣
الوفاة: معاصر
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات: في أصل الكتاب لا يوجد معلومات هوية الكتاب

منتهى الدراية
في
توضيح الكفاية
تأليف
السيد محمد جعفر الجزائري المروج
الجزء الثالث
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل صلواته على أشرف أنبيائه محمد وآله
الطاهرين، واللعن الوبيل على أعدائهم إلى يوم الدين
أما بعد، فهذا هو الجزء الثالث من كتابنا (منتهى الدراية في توضيح الكفاية)
وقد جعلناه على منهاج الجزء الأول والثاني، فصار المتن في أعلى الصفحة،
وتوضيحه تحته بفصل خط أفقي مع الإشاره إليه بالأرقام: 1 و 2 و 3...، وتعاليقنا
تحتهما بعلامة (*)، وتعليقات المصنف (قده) في أسفل الصفحة برمز (×)
متوكلا على ربي عز وجل ومتوسلا بولي أمره صلى الله عليه وعلى آبائه
الطاهرين، وعجل فرجه الشريف وجعلنا فداه.
2

المقصد الثاني في النواهي
فصل
الظاهر أن النهي بمادته وصيغته في الدلالة على الطلب مثل الامر
بمادته وصيغته (1)، غير (2) أن متعلق الطلب في أحدهما الوجود وفي
3

الاخر العدم [1] فيعتبر (1) فيه ما استظهرنا اعتباره فيه (2) بلا تفاوت
أصلا.
نعم يختص [2] النهي بخلاف، وهو: أن متعلق الطلب فيه هل

[1] لا يخفى أن مقتضى تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد في
متعلقاتها وتقابل الأمر والنهي هو: كون الامر بالفعل ناشئا عن
المصلحة
فيه، والنهي عنه ناشئا عن المفسدة فيه، فإذا كان شرب الخمر مثلا ذا
مفسدة، كانت تلك المفسدة داعية إلى النهي عنه - أي الزجر عنه -
في مقابل الامر الذي يبعث على الاتيان بالفعل المشتمل على
المصلحة الداعية إلى الامر بفعله، فليس في النهي طلب حتى يبحث
عن كون
متعلقه الترك أو الكف. نعم إذا كان في الترك مصلحة توجه إليه الامر و
تعلق به الطلب، وهذا غير النهي عن الفعل.
وبالجملة: الامر بعث على الفعل والنهي زجر عنه، وليس الكف أمرا
وجوديا كما اشتهر، بل هو ترك الشئ اختيارا مع الميل إلى فعله،
فهو أمر عدمي يعبر عنه بالكف، لا وجودي قائم بالنفس حتى يصح
تعلق الطلب الذي هو أمر وجودي به.
والحاصل: أن النهي عن شرب الخمر زجر عن فعله، لا طلب لتركه أو
الكف عنه.
[2] لا موضوع لهذا البحث بعد إنكار الطلب في النهي كما عرفت آنفا.
4

هو الكف (1) أو مجرد الترك وأن لا يفعل؟ والظاهر هو الثاني (2).
وتوهم (3) أن الترك ومجرد أن لا يفعل خارج عن تحت الاختيار، فلا
يصح أن يتعلق به البعث والطلب فاسد (4)، فان الترك أيضا يكون
5

مقدورا، والا لما كان الفعل مقدورا وصادرا بالإرادة والاختيار.
وكون (1) العدم الأزلي لا بالاختيار لا يوجب (2) أن يكون كذلك (3)
بحسب البقاء والاستمرار الذي يكون بحسبه محلا للتكليف. [1]
ثم (4) انه لا دلالة لصيغته على الدوام والتكرار، كما لا دلالة

[1] نعم وان كان العدم بحسب البقاء مما يمكن نقضه بالوجود،
بخلاف الترك السابق، لكنه لا يوجب إمكان تعلق الإرادة به، لأنه لا
يخرج
بإمكان قلبه إلى الوجود عن العدم، وقد عرفت عدم تعلق الإرادة
بالترك، لاستحالة تأثير الإرادة التي هي أمر وجودي في العدم.
6

لصيغة الامر وان كان قضيتهما (1) عقلا تختلف [1] ولو مع وحدة

[1] هذا الاختلاف منوط بكون الطبيعة تمام الموضوع للحكم في الأمر والنهي
بلا دخل شئ من الخصوصيات في الحكم، فحينئذ يكون
الاتيان بالطبيعة المأمور بها بإيجاد فرد منها، لان المطلوب في الامر
إيجاد الطبيعة ونقض عدمها بالوجود، ومن المعلوم تحققه بإتيان
فرد منها، ومتعلق النهي الزجر عن إيجاد
7

متعلقهما، بأن يكون طبيعة واحدة بذاتها وقيدها تعلق بها الامر مرة و
النهي أخرى (1)، ضرورة أن وجودها (2) يكون بوجود فرد
واحد، وعدمها لا يكاد يكون الا بعدم الجميع كما لا يخفى. ومن
ذلك (3) يظهر أن الدوام والاستمرار انما يكون في النهي إذا كان
متعلقه طبيعة مطلقة غير مقيدة بزمان أو حال، فإنه حينئذ لا يكاد
يكون مثل هذه الطبيعة (4) معدومة الا بعدم جميع أفرادها الدفعية
(5) والتدريجية.

الطبيعة بحيث يكون إيجادها مبغوضا، ومن المعلوم أن امتثال هذا
النهي منوط بترك جميع أفرادها، إذ ترك الطبيعة يتوقف عقلا على
ذلك، فلو أتى بفرد من أفرادها فقد خالف، إذ مجموع الافراد بنحو
العام المجموعي متعلق النهي، فبإتيان واحد منها يتحقق العصيان.
8

وبالجملة [1] قضية النهي ليس الا ترك تلك الطبيعة التي تكون متعلقة
له (1) كانت مقيدة أو مطلقة، وقضية تركها عقلا انما هو ترك
جميع أفرادها (2).
ثم انه لا دلالة للنهي على إرادة الترك لو خولف، أو عدم إرادته (3)

[1] لا يخفى أن ما أفاده بعد قوله: (وبالجملة) وان كان متينا في نفسه،
لكنه ليس نتيجة لما تقدم، إذ المذكور قبيل هذا هو كون المتعلق
الطبيعة المطلقة فقط.
9

بل [1] لا بد في تعيين ذلك (1) من دلالة ولو كان إطلاق المتعلق من
هذه الجهة (2)، ولا يكفي إطلاقها (3) من سائر الجهات (4)، فتدبر
جيدا.

[1] ان كان المطلوب ترك الطبيعة رأسا، فالاتيان بفرد منها يوجب
سقوط الطلب، إذ مجموع الافراد بنحو العام المجموعي متعلق
الطلب، فكل من
10

فصل
اختلفوا في جواز [1] اجتماع الأمر والنهي في واحد وامتناعه على
أقوال (1): ثالثها جوازه عقلا وامتناعه عرفا.
وقبل الخوض في المقصود يقدم أمور

الطلب والمطلوب واحد، والامتثال لا يتحقق الا بترك الجميع. وان
كان المطلوب كل فرد من أفراد الطبيعة بنحو العام الاستغراقي،
فمخالفة النهي في واحد منها لا توجب سقوط الطلب بالنسبة إلى
سائر الافراد، وهذا هو ظاهر النهي عرفا، فان المجموعية تحتاج إلى
لحاظ زائد ثبوتا، ومزيد بيان إثباتا، كما لا يخفى.
[1] هذا التعبير يوهم إمكان اجتماع الضدين، لان الاختلاف لا بد أن
يكون في مورد إمكان الاجتماع، مع أنه ليس كذلك، لامتناع اجتماع
الضدين - وهما الأمر والنهي - قطعا، فلا بد من تبديل العنوان بأنه
هل يلزم من تعلق الأمر والنهي بطبيعتين متصادقتين على موجود
واحد اجتماع الأمر والنهي أم لا يلزم؟ فالكلام في هذه المسألة
صغروي، إذ الكبرى - وهي امتناع اجتماع الضدين - من البديهيات.
11

الأول:
المراد بالواحد مطلق ما كان ذا وجهين (1) ومندرجا تحت عنوانين
(2) بأحدهما كان موردا للامر، وبالاخر للنهي، وان كان
12

كليا مقولا على كثيرين كالصلاة في المغصوب (1)، وانما ذكر [) 2
هذا] لاخراج ما إذا تعدد متعلق الأمر والنهي ولم يجتمعا وجودا ولو
جمعهما واحد مفهوما كالسجود لله تعالى والسجود للصنم مثلا، لا
لاخراج الواحد الجنسي أو النوعي كالحركة (3) والسكون الكليين
المعنونين (4) بالصلاتية والغصبية.
13

الثاني: الفرق (1) بين هذه المسألة ومسألة النهي في العبادات
هو [1]

[1] هذا أحد الوجوه التي ذكروها فرقا بين المسألتين.
ثانيها: ما نقله المصنف عن صاحب الفصول (قد هما) من اعتبار تغاير
متعلقي الأمر والنهي حقيقة في مسألة الاجتماع، واعتبار اتحادهما
حقيقة، واختلافهما بالاطلاق والتقييد في مسألة النهي في العبادة.
14

أن الجهة المبحوث عنها فيها التي بها تمتاز المسائل هي أن تعدد
الوجه والعنوان في الواحد يوجب تعدد متعلق الأمر والنهي بحيث
يرتفع به (1) غائلة استحالة الاجتماع في الواحد بوجه واحد (2) أو لا
يوجبه

ثالثها: ما أشار إليه المصنف بقوله: (ومن هنا انقدح أيضا فساد الفرق
بأن النزاع. إلخ) وحاصله: أن النزاع هنا في جواز الاجتماع عقلا،
وفي مسألة النهي في العبادة في الدلالة اللفظية.
رابعها: أن البحث هنا لغوي، وفي النهي في العبادة في مطلق الدلالة.
وهذان الوجهان محكيان عن المدقق الشيرواني.
خامسها: ما عن المحقق القمي من اعتبار كون النسبة بين المتعلقين في
مسألة الاجتماع عموما من وجه، وفي النهي عن العبادة عموما
مطلقا.
سادسها: أن البحث في مسألتنا يكون في الحكم التكليفي، وفي غيرها
في الحكم الوضعي.
سابعها: أن الكلام هنا في التنافي العقلي، وهناك في التنافي العرفي.
ولو قيل بمقالة الفصول المتقدمة في الفرق بين المسألتين كان حسنا.
15

بل يكون حاله حاله (1)، فالنزاع في سراية كل من الأمر والنهي إلى
متعلق الاخر، لاتحاد متعلقيهما [متعلقهما] وجودا وعدم (2)
سرايته،
لتعددهما (3) وجها. وهذا بخلاف الجهة المبحوث عنها في المسألة
الأخرى (4)، فان (5) البحث فيها في أن النهي في العبادة أو المعاملة
يوجب فسادها بعد الفراغ عن التوجه إليها (6). نعم (7) لو قيل
بالامتناع
16

مع ترجيح جانب النهي في مسألة الاجتماع يكون مثل الصلاة في الدار
المغصوبة من صغريات تلك المسألة (. [1 [1
فانقدح أن الفرق بين المسألتين في غاية الوضوح.
وأما ما أفاده (2) في الفصول من الفرق بما هذه عبارته: (ثم اعلم

[1] لكن لا يمكن حينئذ تصحيح الصلاة بالملاك، لعدم كفايته في
الصحة مع مبغوضيتها فعلا.
17

أن الفرق بين المقام (1) والمقام المتقدم وهو أن الأمر والنهي هل
يجتمعان في شئ واحد أو لا. أما في المعاملات فظاهر (2)، وأما في
العبادات فهو أن النزاع هناك (3) فيما إذا تعلق الأمر والنهي بطبيعتين
متغايرتين بحسب الحقيقة وان كان بينهما عموم مطلق (4)، و
هنا (5) فيما إذا اتحدتا حقيقة وتغايرتا بمجرد الاطلاق والتقييد (6)
بأن تعلق الامر بالمطلق والنهي بالمقيد) انتهى موضع الحاجة،
فاسد (7) فان مجرد تعدد
18

الموضوعات وتغايرها بحسب الذوات لا يوجب التمايز بين المسائل
ما لم يكن هناك اختلاف الجهات، ومعه (1) لا حاجة أصلا إلى
تعددها، بل لا بد من عقد مسألتين مع وحدة الموضوع وتعدد الجهة
المبحوث عنها (2)، وعقد مسألة واحدة في صورة العكس (3) كما لا
يخفى.
19

ومن هنا (1) انقدح أيضا فساد الفرق بأن النزاع هنا (2) في جواز
الاجتماع عقلا، وهناك في دلالة النهي لفظا، فان (3) مجرد ذلك (4)
ما
لم [لو لم] يكن تعدد الجهة في البين لا يوجب الا تفصيلا في المسألة
الواحدة، لا عقد (5) مسألتين، هذا.
مع (6) عدم [1] اختصاص النزاع في تلك المسألة (7) بدلالة اللفظ
20

كما سيظهر.
الثالث (1): انه (2) حيث كانت نتيجة هذه المسألة مما تقع في طريق
الاستنباط كانت من المسائل الأصولية [1]
لا من مباديها

اختصاص النزاع في مسألة النهي في العبادة بدلالة اللفظ أو لا، وعدم
كونه على تقدير تسليمه فارقا ثانيا.
[1] لو نوقش في كون الصحة والفساد من الاحكام الفرعية، لأنهما
منتزعان من انطباق متعلق الخطاب على الموجود الخارجي وعدمه،
وليسا من الأحكام الشرعية حتى يكون ما يقع في طريق استنباطهما
مسألة أصولية، فالأولى تبديلهما بوجوب الإعادة وعدمها، نعم
يكون الصحة والفساد في الاحكام الظاهرية من المجعولات الشرعية.
21

الأحكامية (1)، ولا التصديقية [1 [2 ولا من المسائل الكلامية (3)،

[1] لا يخفى أن المحقق النائيني (قده) اختار كون مسألة الاجتماع من
المبادي التصديقية للمسألة الأصولية، ببيان: أنه لا يترتب فساد
المعاملة على القول
22

ولا من المسائل الفرعية (1) وان كان فيها جهاتها (2)، كما لا يخفى،

بالامتناع، بل القول به يوجب دخول دليلي الوجوب والحرمة في باب
التعارض، وإجراء أحكامه عليهما ليستنبط من ذلك حكم فرعي، و
قد عرفت فيما تقدم أن الميزان في كون المسألة أصولية هو ترتب
نتيجة فرعية عليها بعد ضم صغرى نتيجة تلك المسألة إليها، وليس
ذلك متحققا فيما نحن فيه قطعا.
أقول: الملاك في أصولية مسألة هو ترتب حكم فرعي عليها. وبعبارة
أخرى:
كل مسألة تقع نتيجة البحث فيها في طريق الاستنباط تكون هي مسألة
أصولية، ومن المعلوم أن نتيجة البحث في هذه المسألة كون دليلي
الوجوب والحرمة من باب التعارض أو التزاحم، فان كانا من الأول
ترتب عليه الفساد، وان كانا من الثاني ترتب عليه الصحة.
والحاصل: أن نتيجة البحث هنا كنتيجة البحث عن حجية خبر الواحد
مثلا. فان نتيجته هي حجيته، فتدبر.
23

ضرورة (1) أن مجرد ذلك (2) لا يوجب كونها منها إذا كانت فيها (3)
جهة أخرى يمكن عقدها معها من المسائل، إذ لا مجال حينئذ (4)
لتوهم عقدها من غيرها في الأصول (5).
24

وان (1) عقدت كلامية في الكلام (2)، وصح عقدها فرعية أو غيرها
بلا كلام، وقد عرفت (3) في أول الكتاب أنه لا ضير في كون مسألة
واحدة يبحث فيها عن جهة خاصة (4) من مسائل علمين، لانطباق
جهتين عامتين على تلك الجهة كانت بإحداهما من مسائل علم، و
بالأخرى من آخر، فتذكر.
الرابع: أنه قد ظهر (5) من مطاوي ما ذكرناه أن المسألة عقلية،
ولا اختصاص للنزاع في جواز الاجتماع والامتناع فيها بما إذا كان
25

الايجاب والتحريم باللفظ، كما ربما يوهمه (1) التعبير بالامر والنهي
الظاهرين في الطلب بالقول، الا أنه (2) لكون (3) الدلالة عليهما
غالبا بهما (4) كما هو أوضح من أن يخفى. وذهاب البعض (5) إلى
الجواز
26

عقلا، والامتناع عرفا ليس (1) بمعنى دلالة اللفظ، بل بدعوى أن
الواحد بالنظر الدقيق العقلي اثنان (2)، وأنه بالنظر المسامحي العرفي
واحد ذو وجهين (3)، والا (4) فلا يكون معنى محصل [1] للامتناع
العرفي،

[1] بل يمكن أن يقال: ان معناه المحصل دلالة كل من الأمر والنهي
على عدم صاحبه، فالامر يدل على اتصاف متعلقه بالمحبوبية
المحضة،
والنهي يدل على اتصاف مبغوضية متعلقه كذلك، ومن المعلوم
امتناع اجتماعهما في واحد، لاستلزامه اجتماع النقيضين، وهما
المطلوبية
وعدمها، والمبغوضية وعدمها.
27

غاية الامر (1) دعوى دلالة اللفظ على عدم الوقوع (2) بعد اختيار
جواز الاجتماع (3)، فتدبر جيدا.
الخامس (4): لا يخفى أن ملاك (5) النزاع في جواز الاجتماع و
الامتناع يعم (6) جميع أقسام الايجاب والتحريم،
كما هو (7) قضية إطلاق
28

لفظ الأمر والنهي. ودعوى (1) الانصراف إلى النفسيين التعيينيين
العينيين في مادتهما (2) غير خالية عن الاعتساف (3) وان (4) سلم
في
صيغتهما (5)، مع (6) أنه فيها ممنوع.
نعم (7) لا يبعد دعوى الظهور والانسباق من الاطلاق بمقدمات
29

الحكمة غير الجارية (1) في المقام، لما عرفت من عموم الملاك
لجميع الأقسام، وكذا (2) ما وقع في البين من النقض والابرام.
مثلا (3) إذا أمر بالصلاة والصوم تخييرا بينهما، وكذلك [إذا] نهى عن
30

التصرف في الدار والمجالسة (1) مع الأغيار فصلى فيها مع مجالستهم
كان حال الصلاة فيها (2) حالها، كما إذا أمر بها تعيينا، ونهى عن
التصرف فيها كذلك (3) في جريان النزاع في الجواز والامتناع و
مجئ (4) أدلة الطرفين، وما (5) وقع من النقض والابرام في البين،
فتفطن.
السادس: [أنه] ربما يؤخذ في محل النزاع قيد المندوحة (6) [1]

[1] الظاهر عدم اختصاص هذا القيد بالقول بتعلق الطلب بالطبائع، بل
31

في مقام الامتثال، بل ربما قيل بأن الاطلاق (1) انما هو للاتكال على
الوضوح، إذ بدونها (2) يلزم التكليف بالمحال. ولكن التحقيق مع

يجري النزاع في اعتبار المندوحة على القول بتعلقه بالافراد أيضا، إذ لا
تفاوت بين القولين إلا في دخل خصوصيات الافراد في الطلب، و
وقوعها في حيزه، وذلك لا يوجب اختصاص النزاع بكون الطلب
متعلقا بالطبائع، لان الافراد على القولين مأمور بها، غاية الامر أن
خصوصيات الافراد مطلوبة على القول بتعلق الطلب بالافراد، وغير
مطلوبة على القول الاخر. لكن بعض المحشين (قده) خص نزاع
اعتبار المندوحة وعدمه بالقول بتعلق الطلب بالطبائع، وقال في
وجهه ما لفظه: (وذلك لأنه على القول بتعلقه بالافراد لا نعقل
المندوحة، لان الافراد المتداخلة التي سرى إليها الامر من جانب و
النهي من آخر لا مندوحة فيها، ومجرد وجود أفراد أخر مأمور بها
مثلها يمكن امتثال الامر التخييري بإتيانها لا يصح المندوحة في هذه
الافراد وطلبها).
وأنت خبير بأن تعلق الطلب بالفرد ليس معناه عزل الطبيعة رأسا عن
موضوعيتها للطلب، بل معناه تركب متعلق الطلب من الطبيعة و
لوازمها الوجودية المقومة لفردية الفرد. وعليه، فيمكن تعلق الطلب
بفرد خال عن الحزازة الموجبة لتعلق النهي به، ويمكن تعلقه بفرد
مشتمل على الحزازة كذلك، وتتحقق المندوحة بالفرد الخالي عن
الحزازة. وقد نقلنا عين العبارة لتنظر فيها لعلك تستظهر منها ما
يلائم مقصوده.
32

ذلك (1) عدم اعتبارها (2) فيما هو المهم في محل النزاع من (3)
لزوم المحال وهو اجتماع الحكمين المتضادين، وعدم (4) الجدوى
في
كون موردهما موجها بوجهين في (5) دفع [رفع] غائلة اجتماع
الضدين، أو عدم
33

لزومه (1) وأن (2) تعدد الوجه [الجهة] يجدي في رفعها [) 3 دفعها]
ولا يتفاوت [ولا تفاوت] في ذلك (4) أصلا وجود المندوحة و
عدمها، ولزوم (5) التكليف بالمحال بدونها محذور (6) آخر لا دخل
له بهذا النزاع (7). نعم (8) لا بد من اعتبارها في الحكم بالجواز
فعلا لمن يرى التكليف بالمحال محذورا ومحالا، كما ربما لا بد من
اعتبار أمر آخر (9) في الحكم به
34

كذلك (1) أيضا (2).
وبالجملة: لا وجه لاعتبارها الا لأجل اعتبار القدرة على الامتثال، و
عدم (3) لزوم التكليف بالمحال. ولا دخل له (4) بما هو المحذور في
المقام من التكليف المحال، فافهم واغتنم.
السابع (5): أنه ربما يتوهم تارة أن النزاع في الجواز والامتناع
35

يبتني على القول بتعلق الاحكام بالطبائع، وأما الامتناع على القول
بتعلقها بالافراد فلا يكاد يخفى. ضرورة (1) لزوم تعلق الحكمين
بواحد شخصي ولو كان ذا وجهين (2) على هذا القول (3).
وأخرى أن القول بالجواز مبني على القول بالطبائع. لتعدد متعلق الأمر والنهي
ذاتا عليه (4) وان اتحد [اتحدا] وجودا، والقول (5)
36

بالامتناع على القول بالافراد، لاتحاد متعلقهما شخصا خارجا، وكونه
(1) فردا واحدا.
وأنت خبير بفساد كلا التوهمين، فان (2) تعدد الوجه ان كان
37

يجدي بحيث لا يضر معه الاتحاد بحسب الوجود والايجاد (1) لكان
يجدي ولو على القول بالافراد، فان الموجود الخارجي الموجه
بوجهين يكون فردا لكل من الطبيعتين، فيكون مجمعا لفردين
موجودين بوجود واحد، فكما (2) لا يضر وحدة الوجود بتعدد
الطبيعتين
لا (3) يضر بكون المجمع اثنين بما هو مصداق وفرد لكل من
الطبيعتين، والا (4) لما كان يجدي أصلا حتى على القول بالطبائع كما
لا
يخفى، لوحدة الطبيعتين وجودا، واتحادهما خارجا، فكما (5) أن
وحدة
38

الصلاتية والغصبية في الصلاة في الدار المغصوبة وجودا غير ضائر
بتعددهما وكونهما (1) طبيعتين. كذلك وحدة ما وقع في الخارج
من خصوصيات الصلاة فيها وجودا غير ضائر بكونه فردا للصلاة
فيكون مأمورا به، وفردا للغصب فيكون منهيا عنه، فهو على وحدته
وجودا يكون اثنين، لكونه مصداقا للطبيعتين، فلا تغفل.
39

الثامن (1):
أنه لا يكاد يكون من باب الاجتماع الا إذا كان [في] كل واحد من
متعلقي الايجاب والتحريم مناط حكمه [1 [2 مطلقا حتى في مورد
التصادق والاجتماع كي يحكم على الجواز بكونه (3) فعلا محكوما
بالحكمين، وعلى الامتناع بكونه محكوما بأقوى المناطين أو بحكم
آخر غير الحكمين فيما لم يكن هناك أحدهما أقوى (4) كما يأتي
تفصيله.

[1] لقائل أن يقول: ان بحيث الاجتماع لا يختص بمذهب دون آخر، بل
يجري على جميع المذاهب حتى مذهب الأشعري المنكر لتبعية
الاحكام للمصالح والمفاسد مطلقا، فاعتبار اشتمال كل من متعلقي
الايجاب والتحريم على مناط الحكم في اندراجهما في مسألة
الاجتماع غير ظاهر. والوجه في ذلك أن مرجع البحث فيها إلى أن
مورد الاجتماع واحد وجودا وماهية، أو متعدد كذلك، فعلى الأول: لا
بد من الامتناع مطلقا ولو على مذهب الأشعري لامتناع اجتماع
الضدين على جميع المذاهب.
وعلى الثاني: لا بد من القول بالجواز بناء على عدم سراية حكم
الملزوم إلى اللازم.
40

وأما إذا لم يكن للمتعلقين مناط كذلك (1) فلا [يكاد] يكون من من
هذا الباب (2)، ولا يكون مورد الاجتماع محكوما الا بحكم واحد
منهما (3) إذا كان له مناطه (4)، أو حكم (5) آخر غيرهما فيما لم يكن
لواحد
41

منهما قيل بالجواز (1) أو الامتناع (2)، هذا (3) بحسب مقام الثبوت.
وأما بحسب مقام الدلالة والاثبات، فالروايتان الدالتان على
42

الحكمين (1) متعارضتان إذا أحرز أن المناطين من قبيل الثاني [1 [2
فلا بد من عمل المعارضة حينئذ (3) بينهما (4) من الترجيح [أو] و
التخيير

[1] لا يخفى أن الوجوه المتصورة في المناطين أربعة، لأنه اما يعلم
بوجودهما في مادة الاجتماع، واما يعلم بعدمهما، واما يعلم بوجود
واحد منهما في أحدهما المعين أو غير المعين. والأول باب التزاحم،
والأخير باب التعارض، والوسطان خارجان عن البابين، كما هو
واضح، وغير محكومين بحكمهما، إذ مع العلم بوجود المناط في
أحدهما المعين كان هو الحجة وغيره ساقطا عن الاعتبار، وكذا لا
عبرة بشئ من الدليلين الفاقدين للملاك.
43

والا (1) فلا تعارض في البين، بل (2) كان من باب التزاحم بين
المقتضيين فربما كان الترجيح مع ما هو أضعف دليلا، لكونه أقوى
مناطا [1]

[1] هذا مع العلم بقوة المناط، ومع الجهل بها أو العلم بها والجهل بما
هو الأقوى، فالحكم هو الرجوع إلى أصالة البراءة في الأول، لان
الجهل بالقوة يوجب الشك في الحكم، وهو مجرى البراءة، والرجوع
إلى أصالة التخيير في الثاني، للعلم الاجمالي بالحكم الفعلي، لا
الاخبار العلاجية، لان موردها المتعارضان، ولا تعارض بعد عدم
تكفل الدليلين الا للمقتضيين. نعم يرجع إلى أخبار علاج التعارض ان
كانا متكفلين للحكمين الفعليين بناء على امتناع الاجتماع، وبناء على
جوازه يؤخذ بكلا الدليلين.
44

فلا مجال حينئذ (1) لملاحظة مرجحات الروايات أصلا (2) بل لا بد
من ملاحظة مرجحات المقتضيات المتزاحمات كما يأتي الإشارة إليها
(3).
نعم (4) لو كان كل منهما متكفلا للحكم الفعلي [1] لوقع بينهما التعارض

[1] لا يخفى أن أدلة الأحكام الشرعية لا تدل إلا على ثبوت الاحكام
لموضوعاتها، وفعليتها منوطة بوجود موضوعاتها خارجا، كما هو
شأن القضايا الحقيقة التي منها القضايا الشرعية، فان مثل قوله تعالى:
(ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) لا يدل على
فعلية وجوب الحج على المستطيع أصلا، لإناطتها بوجود المستطيع
خارجا، ومن المعلوم عدم دلالته على فعلية الموضوع، ولا فعلية
الحكم، فتكفل الدليل للحكم الفعلي مجرد فرض لا وجود له خارجا
الا في القضايا الخارجية.
45

فلا بد من ملاحظة مرجحات باب المعارضة لو لم يوفق (1) بينهما
بحمل (2) أحدهما على الحكم الاقتضائي بملاحظة (3) مرجحات
باب المزاحمة فتفطن (4).
46

(التاسع)
[1 [1 أنه [إذ] قد عرفت (2) أن المعتبر في هذا الباب (3)

[1] لا يخفى أن المناسب بيان هذا الامر في ذيل الامر الثامن، وعدم
عقد أمر مستقل له، لكونه متمما لمقام الاثبات الذي تعرض له في
الامر الثامن.
47

أن يكون كل واحد من الطبيعة المأمور بها والمنهي عنها مشتملة على
مناط الحكم مطلقا حتى في حال الاجتماع [1] فلو كان هناك ما دل
على ذلك (1) من إجماع أو غيره (2) فلا إشكال (3)، ولو لم يكن الا
إطلاق دليلي الحكمين، ففيه تفصيل (4)، وهو: أن الاطلاق لو كان

[1] لكن قد مر في بعض التعاليق المرتبطة بالامر الثامن عدم اختصاص
باب اجتماع الأمر والنهي بمذهب العدلية، بل يجري على جميع
المذاهب حتى مذهب الأشعري المنكر للمصالح والمفاسد التي هي
مناط الاحكام عند مشهور العدلية. كما أن التعارض لا يناط بوجود
الملاك في أحد الحكمين، لعدم اختصاص أحكام التعارض بذلك، و
جريانه حتى على مذهب المنكرين لتبعية الاحكام للمصالح و
المفاسد.
48

في بيان الحكم الاقتضائي لكان دليلا على ثبوت المقتضي والمناط
في مورد الاجتماع، فيكون من هذا الباب (1)، ولو كان (2) بصدد
الحكم الفعلي، فلا إشكال في استكشاف ثبوت المقتضي في
الحكمين [للحكمين] على القول بالجواز (3) الا إذا علم إجمالا
بكذب أحد
الدليلين، فيعامل معهما معاملة المتعارضين.
49

وأما (1) على القول بالامتناع، فالاطلاقان متنافيان (2) من غير دلالة
على ثبوت المقتضي للحكمين في مورد الاجتماع أصلا. فان (3)
انتفاء أحد المتنافيين كما يمكن أن يكون لأجل المانع مع ثبوت
المقتضي له يمكن أن يكون لأجل انتفائه [.) 4 اللهم] الا (5) أن يقال: [
ان]
قضية التوفيق بينهما هو حمل كل منهما على الحكم الاقتضائي لو لم يكن
50

أحدهما أظهر (1)، والا (2) فخصوص الظاهر منهما (3).
فتلخص: أنه كلما كانت هناك دلالة (4) على ثبوت المقتضي في
الحكمين كان من مسألة الاجتماع، وكلما لم تكن هناك دلالة عليه فهو
من
باب التعارض مطلقا (5) إذا كانت هناك دلالة [1] على انتفائه (6)

[1] الظاهر كفاية عدم دلالة الدليلين على ثبوت المناط فيهما في جريان
أحكام التعارض، وعدم الحاجة إلى دلالة دليل على انتفائه في
أحدهما بلا تعيين في جريان أحكامه، وذلك لإناطة باب الاجتماع
بإحراز المناط في كلا المتعلقين، فيكفي في جريان حكم التعارض و
عدم الاندراج في مسألة الاجتماع عدم
51

في أحدهما بلا تعيين ولو على الجواز (1)، والا (2) فعلى الامتناع. [1]

إحراز ثبوت الملاك في كليهما، من دون حاجة إلى قيام دليل على
انتفاء الملاك في أحدهما بلا تعيين. نعم إذا قلنا باعتبار إحراز انتفاء
المناط في أحدهما غير المعين في جريان أحكام التعارض كان لما
أفاده بقوله: (إذا كانت هناك دلالة) وجه، فتدبر.
[1] ان كان الدليلان دالين على الحكم الفعلي، إذ لو كان أحدهما دالا
على الحكم الفعلي، فلا تعارض أيضا، للزوم الاخذ بما يدل منهما
على
الحكم الفعلي، فإنه يكشف عن قوة ملاكه، أو مغلوبية ملاك صاحبه
بمزاحم يمنع عن تأثيره، كما يستكشف ذلك فيما إذا دل الدليلان
على
الحكم الفعلي بالمرجح السندي. فطريق استكشاف قوة الدلالة أحد
أمور ثلاثة بالترتيب:
الأول: اختصاص الدلالة على فعلية الحكم بواحد منهما.
الثاني: أظهرية أحدهما من الاخر في هذه الدلالة مع كون مقتضى
الجمع العرفي حمل الاخر على الاقتضائي.
الثالث: قوة أحدهما سندا.
52

العاشر (1): أنه لا إشكال في سقوط الامر وحصول الامتثال بإتيان
53

المجمع بداعي (1) الامر على (2) الجواز [1] مطلقا ولو (3) في العبادات

[1] لما كان القول بالجواز مبنيا على صغروية مسألة الاجتماع لكبرى
التزاحم، فلا بد من الرجوع إلى قواعد باب التزاحم ومرجحاته.
فان كان الوجوب أهم أو محتمل الأهمية قدم على الحرمة، ومقتضاه
صحة العبادة، والآتيان بها بداعي أمرها. وكذا الحال إذا كان
الوجوب مساويا للحرمة مع الاخذ بالوجوب دون الحرمة.
وان كانت الحرمة أهم منه، أو محتمل الأهمية قدمت على الوجوب،
وحينئذ يتوقف صحة العبادة على أحد أمرين.
الأول: القول بالترتب.
الثاني: اشتمال المجمع على الملاك مع الالتزام بكفايته في صحة
العبادة.
لكن الأول مما أنكره المصنف (قده) وجعله من المحالات، فيتعين
الثاني.
والاشكال عليه (بعدم طريق إلى إحراز وجود الملاك في المجمع بعد
سقوط الامر عنه بغلبة ملاك النهي عليه، فكما يحتمل أن يكون
سقوطه لوجود المانع، فكذا يحتمل أن يكون لعدم المقتضي في هذا
الحال، ولا مرجح لاحد الاحتمالين على الاخر، ضرورة أن طريق
إحرازه منحصر بوجود الحكم، وبعد سقوطه لا سبيل إلى إحرازه)
مندفع بأنه خلاف الفرض، إذ المفروض
54

وان كان [ولو كان] معصية للنهي أيضا (1).
وكذا الحال (2) على الامتناع (3) مع ترجيح جانب الامر [1 [4 الا

صغروية مسألة الاجتماع لكبرى التزاحم، ومن المعلوم وجود الملاك
في كل من المتزاحمين، إذ التزاحم انما يكون في مقام الامتثال. و
عدم قدرة العبد على امتثالهما لا يرفع الملاك، لما قرر في محله من
عدم دخل القدرة في الملاكات، وأنها دخيلة في حسن الخطاب، لقبح
مطالبة العاجز، فان إنقاذ كل من الغريقين المؤمنين ذو مصلحة قطعا و
ان لم يقدر العبد على إنقاذهما معا.
وبالجملة: فلا ينبغي الاشكال في ثبوت الملاك في المجمع، وجواز
الاتيان به بداعي ملاكه.
لكن إطلاق قول المصنف (قده) بحصول الامتثال بإتيان المجمع
بداعي الامر يقيد بعدم أهمية الحرمة، أو احتمالها، والا فيسقط الامر
بحصول الغرض، لا بالامتثال.
نعم بناء على صحة الترتب يسقط الامر بالامتثال على الجواز مطلقا.
وكذا إطلاق قوله: (وان كان معصية للنهي أيضا) ضرورة أن المعصية -
وهي مخالفة النهي - تتوقف على عدم أهمية الواجب أو
محتملها، إذ مع أحدهما لا فعلية للنهي حتى تعد مخالفته عصيانا له،
فلا بد من تقييد إطلاق المعصية للنهي أيضا بما إذا لم يكن الواجب
أهم،
أو محتمل الأهمية، والا فلا معصية.
[1] قد يستشكل في حصول الامتثال على القول بالامتناع مع ترجيح
جانب الامر بما حاصله: (أن مقتضى الامر بطبيعة حصول الامتثال
بإتيان فرد منها
55



أي فرد كان، وهذا بخلاف النهي، لتوقف امتثاله على ترك جميع أفراد
الطبيعة، لانحلال النهي إلى نواه عديدة بتعدد أفرادها الطولية و
العرضية.
والسر في اختلاف الأمر والنهي في ذلك: أن المصلحة في الامر قائمة
بالطبيعة المتحققة بوجود فرد ما منها، والمفسدة في النهي قائمة
بالطبيعة أيضا، لكن الانزجار عن متعلقه لا يتحقق عقلا الا بترك جميع
الافراد التي انحل خطاب النهي إليها، فكل فرد بعينه منهي عنه.
بخلاف الامر، فان كل فرد من أفراد متعلقه مأمور به على البدل.
فعلى القول بالامتناع لا سبيل إلى تقييد جانب النهي، بل لا بد من
تقييد جانب الامر، وترجيح جانب النهي عليه وان كانت مصلحة
الامر
أقوى من مفسدة النهي، إذ المصلحة الباعثة على الامر وان كانت أقوى
من المفسدة الداعية إلى النهي، لكنها تحصل بإتيان فرد ما من
متعلقه. بخلاف المفسدة، فان التحرز عنها لا يحصل إلا بترك جميع
الافراد المشتملة عليها، فيمكن الجمع بين الغرضين بترك جميع ما
يشتمل على المفسدة من الافراد، والآتيان بفرد خال عن تلك
المفسدة من أفراد الطبيعة المأمور بها المشتملة على المصلحة.
وبالجملة: يجب تقييد إطلاق الامر بالطبيعة بالافراد الخالية عن
المفسدة).
هذا ملخص ما في تقريرات بحث سيدنا الفقيه البروجردي قدس سره.
لكن فيه: أن ما أفيد خلاف الفرض، وهو تقديم جانب الامر على النهي
لأقوائية مصلحته من مفسدة النهي، إذ لا معنى للتقديم الا مغلوبية
المفسدة بالمصلحة، وعدم مانعيتها عن استيفاء مصلحة الامر بالفرد
المشتمل على المفسدة، وعن تمشي قصد القربة وحصول التقرب
به، من دون مانع عنه، لا من الفعل ولا من الفاعل.
56



فما أفاده المصنف (قده) من حصول الامتثال بإتيان المجمع بداعي
الامر على القول بالجواز، والامتناع مع تقديم جانب الامر في غاية
المتانة.
ولا وجه لدعوى: تعين ترجيح جانب النهي دائما وان كانت المفسدة
الموجودة فيه أضعف بالنسبة إلى مصلحة الامر، لأنه خلاف فرض
الأقوائية، وإنكار لها، كما لا يخفى.
فالمتحصل: حصول الامتثال، وتحقق القربة بإتيان المجمع حتى مع
العلم بالغصب.
نعم - بناء على كون مسألة الاجتماع من صغريات التعارض، واعتبار
وجود الملاك في أحد المتعارضين، وتقديم جانب النهي على الامر
- لا محيص عن امتناع الامتثال، والالتزام ببطلان العبادة في
المغصوب مطلقا حتى مع النسيان والجهل القصوري به، لعدم
المقتضي
لصحتها من الملاك والامر، وامتناع مصداقية الحرام للواجب.
وأما بناء على اندراج المسألة في باب التزاحم، فعلى القول بالجواز
تصح العبادة مطلقا حتى في حال العلم بالغصب. وكذا على القول
بالامتناع وتقديم جانب الامر على النهي، إذ لا مانع من التقرب
بالمجمع حينئذ.
وأما بناء على تقديم جانب النهي على الامر، فتصح العبادة في
المغصوب مع النسيان والجهل القصوري بالحكم أو الموضوع كما
اشتهر،
مع ذهاب المشهور - على ما قيل - إلى الامتناع وتقديم جانب
الحرمة، وذلك لوجود الملاك الموجب لصحة المجمع والتقرب به،
كما لا
يخفى.
57

أنه لا معصية عليه (1). وأما عليه (2) وترجيح جانب النهي، فيسقط
به (3) الامر به مطلقا (4) في غير العبادات. [1] لحصول (5) الغرض
الموجب

[1] في إطلاقه منع، فان تكفين الميت بالكفن المغصوب، وكذا دفنه
في المكان المغصوب، مع كونهما من الواجبات التوصلية لا يسقط
أمرهما الا بالتكفين بالكفن المباح والدفن في المكان المباح، فإنه مع
النهي لا يكون مصداقا للمأمور به حتى يسقط الامر بإتيانه،
فإجزاؤه عن المأمور به يكون من أجزاء غير الواجب عن الواجب، و
هو محتاج إلى الدليل. نعم إذا علم من الخارج أن الغرض من الواجب
التوصلي يحصل بوجوده في الخارج ولو على وجه محرم كطهارة
البدن والثوب، حيث إن الغرض من وجوبها يحصل ولو بالماء
المغصوب، ولكن ليس كل واجب توصلي كذلك.
فالنتيجة: أن كل واجب توصلي اجتمع مع الحرام لا يسقط أمره بإتيانه
في ضمن فرد محرم، بل يختص ذلك بما إذا علم من الخارج أن
الغرض الداعي إلى إيجابه يحصل بمطلق وجوده ولو في ضمن فرد
محرم.
58

له (1).
وأما فيها (2) فلا مع الالتفات إلى الحرمة أو بدونه (3) تقصيرا،
59

فإنه (1) وان كان متمكنا مع عدم الالتفات من قصد القربة وقد قصدها
الا أنه (2) مع التقصير [1] لا يصلح لان يتقرب به أصلا، فلا يقع

[1] الأولى أن يقال: (التقصيري) لكونه صفة لعدم الالتفات، فكأنه قيل:
(الا ان الفعل مع عدم الالتفات التقصيري لا يصلح. إلخ) هذا إذا رجع
ضمير (انه) إلى الفعل. وأما إذا رجع إلى عدم الالتفات، فحق العبارة
أن تكون هكذا: (الا أن عدم الالتفات مع التقصير يسقط الفعل عن
صلاحيته للمقربية).
(إيقاظ): قد حكي عن بعض: (جواز الاجتماع في المثال المعروف و
هو الصلاة والغصب، وعدم جوازه في مثل الغصب والوضوء، أو
الغصب والشرب، معللا ذلك بأن الصلاة في المكان المغصوب
توجب تحقق ماهيتين إحداهما الصلاة، والأخرى الغصب قد انضمتا
في هذا
العمل الواحد، بخلاف الوضوء بالماء المغصوب أو شربه، فان
التصرف بالماء المغصوب لا يتصف الا بالغصب) انتهى.
ولم يظهر وجه وجيه لهذه التفرقة مع صدق كل من طبيعتي الغصب و
الوضوء، وكذا الغصب والشرب على هذا الاستعمال بالضرورة، و
هذا الصدق كاشف عن وجود مطابق لكل من هاتين الطبيعتين في
مورد تصادقهما، إذ لا ريب في صدق كل من الغصب والوضوء، أو هو
مع الشرب على شرب الماء المغصوب أو الوضوء به. ولا بد من مزيد
التأمل في هذا الفرق. ولازم ما أفيد القطع
60

مقربا، وبدونه (1) لا يكاد يحصل به الغرض الموجب للامر به عبادة (2)

ببطلان الوضوء بالمكان المغصوب أو في المكان المغصوب مطلقا
حتى مع النسيان والجهل القصوري بالموضوع أو الحكم، لان
مصداقيته للغصب فقط توجب خلوه عن الملاك والامر، مع أن
المشهور الصحة في هذه الصور، ولم يظهر مخالف في هذا الحكم الا
العلامة في القواعد والتذكرة في خصوص النسيان، حيث قال في
محكي القواعد: (ولو سبق العلم فكالعالم)، ونحوه ما عن التذكرة، و
علل ذلك ب (أن النسيان تفريط لا يعذر)، وفيه ما لا يخفى.
61

كما لا يخفى. وأما إذا لم يلتفت إليها (1) قصورا [1] وقد قصد القربة

[1] لا يخفى أن المصنف (قده) قد تصدى لدفع إشكال صحة المجمع
العبادي التي أفتى بها الأصحاب القائلون باستحالة اجتماع الامر و
النهي، وتقديم النهي.
وحاصل الاشكال: أنهم كيف حكموا بصحته مع بنائهم على الامتناع
وتقديم النهي، وأن الجهل لا يقتضي عود الامر حتى تصح به العبادة،
بل يقتضي عدم التنجز، وعدم ترتب العقاب على ارتكاب المتعلق،
فلو أتى بالصلاة أو الطواف في المغصوب جهلا بالحكم أو الموضوع لا
يترتب عليه استحقاق العقوبة، لعدم تنجز النهي بالجهل به، أو
بموضوعه. وأما صحته وسقوط الامر فلا، لان مناط الصحة - وهو
الامر -
مفقود، بل لا بد من الحكم بالفساد وعدم سقوط الامر بإيجاد
المجمع، كما حكموا به في غير الجهل العذري، فلا فرق بين الجهل
العذري
وغيره الا في استحقاق العقوبة في الثاني دون الأول.
وقد أجاب عن هذا الاشكال وصحح الفتوى بصحة المجمع العبادي
في الجهل العذري بوجوه:
الأول: أن صحة العبادة لا تتوقف على الامر، بل يكفي فيها المصلحة
62



الموجودة في المجمع، وعدم ارتفاعها بالمفسدة، وانما لا يصح في
صورة العلم بالنهي، أو الجهل التقصيري به مع وجود هذه المصلحة
فيه، لان الفعل مع العلم بالنهي أو الجهل به تقصيرا يقع مبعدا و
مبغوضا ومستحقا عليه العقاب، لتنجز النهي، والمبغوض يمتنع أن
يكون
محبوبا ومقربا.
فالنتيجة: أن الملاك مع الحسن الفاعلي الثابت حين الجهل القصوري
بالموضوع أو الحكم كاف في تمشي قصد القربة ومقربية الفعل، و
قد أشار إلى هذا الوجه بقوله: (فالامر يسقط، لقصد التقرب بما
يصلح)، وبعد إثبات وجود الملاك، وصحة التقرب به تعرض لوجه
سقوط الامر بقوله: (بناء على تبعية الاحكام لما هو الأقوى من جهات
المصالح) الذي بيناه في التوضيح.
وليس هذا وجها آخر لتصحيح المجمع العبادي كما في بعض
الحواشي، بل هو متمم له، إذ غرضه تتميم صحة التعبد بالمأتي به بأن
يكون
صالحا للمقربية، فلو كان مبغوضا لا يصلح لها، ومبغوضيته منوطة
بكونه منهيا عنه فعلا، ولا يكون كذلك الا إذا كان الملاك بوجوده
الواقعي مؤثرا في تشريع الاحكام، إذ حينئذ يكون المجمع منهيا عنه،
لغلبة مفسدة النهي على مصلحة الامر، فلا أمر حينئذ، بل ليس في
البين الا ملاكه، فلا يصدق الامتثال وان سقط الامر بسقوط الغرض، بل
التعبير بسقوط الامر مبني على المسامحة، إذ المفروض وجود
الملاك فقط، فمنشؤه يسقط، ولا بأس بالتعبير عن سقوط الغرض
بسقوط الامر، لعلاقة السببية والمسببية.
والحاصل: أنه بناء على تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد الواقعية
يكون النهي فعليا، لعدم دخل العلم بالمفسدة في تشريعه، لكنه لعدم
تنجزه لا يؤثر
63



في المبغوضية، فلا مانع من التعبد بالملاك حينئذ وان لم يصدق
الامتثال بناء على كونه موافقة الامر.
نعم بناء على تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد المعلومة يكون
المجمع مأمورا به فعلا، فيصح قصد القربة بالامر، دون الملاك، إذ
المفروض تبعية الحكم للملاك المعلوم وهو مصلحة الامر.
الوجه الثاني: أن تزاحم الاحكام انما يكون في مقام الفعلية والبلوغ
إلى مرتبة البعث والزجر، وهي مرتبة حدوث الإرادة والكراهة في
نفس المولى.
وأما مرتبة الانشاء وهي مرتبة التصديق بالصلاح والفساد، فلا تزاحم
فيها، إذ لا مانع من اجتماع التصديق بصلاح فعل مع التصديق
بفساده بلا كسر وانكسار في البين. وعليه، فالمانع عن فعلية الامر في
المجمع فعلية النهي فيه، فإذا سقط النهي عن الفعلية اكتسى الامر
لباس الفعلية، فيصير فعليا ويبقى النهي على إنشائيته. وعليه، فيكون
المجمع مأمورا به فعلا، فيصح التقرب به.
فالنتيجة: عدم الحاجة إلى التعبد بالملاك، لوجود الامر الفعلي.
الوجه الثالث: تصوير الامر الفعلي بالمجمع حتى على القول بتبعية
الاحكام للمصالح والمفاسد الواقعية، والبناء على الامتناع وتغليب
النهي، بتقريب:
أن العقل حيث لا يرى تفاوتا بين أفراد الطبيعة في الوفاء بالغرض
القائم بالطبيعة المأمور بها، وأن فرده المبتلى بالمزاحم كالصلاة في
المغصوب واف بالغرض كسائر أفراد الطبيعة يحكم بإمكان حصول
الامتثال إذا أتى بالفرد المزاحم بداعي امتثال الامر بالطبيعة، كما
تقدم نظيره في ضد الواجب كالصلاة بالنسبة
64



إلى الإزالة. وإلى هذا الوجه أشار (قده) بقوله: (مع أنه يمكن ان يقال
بحصول الامتثال).
والفرق بين الأجوبة الثلاثة واضح، إذ الأول ناظر إلى تصحيح المجمع
العبادي بالملاك، والأخيران ناظران إلى تصحيحه بالامر.
ثم انه قد نوقش في جميع الأجوبة الثلاثة المذكورة:
أما في الأول، فبأن المصلحة المغلوبة المستهلكة في جنب المفسدة لا
أثر لها في وقوع الفعل عبادة، ولا تجعل الفعل قابلا للتقرب، فان
الفعل الغالبة مفسدته على مصلحته غلبة مؤثرة في النهي التحريمي
كالفعل المشتمل على المفسدة فقط في عدم صلاحية التقرب به، فان
المصلحة المندكة في جنب المفسدة وجودها وعدمها سيان، فالفعل
الفاسد محضا أو الغالب فساده غير صالح للتقرب ولا يجدي قصد
التقرب به شيئا وان لم يقع مبعدا فعليا، ومستحقا عليه العقاب إذا
جهل فساده وحرمته جهلا يعذر فيه.
وأنت خبير بما فيه أولا من: أن التسوية بين المصلحة المغلوبة
بالمفسدة وبين التمحض في المفسدة، وعدم مصلحة أصلا دعوى
بلا
برهان، بل يشهد بخلافها الوجدان الحاكم بوضوح الفرق بينهما، حيث إن
المفسدة المحضة كمفسدة الخمر ليس فيها مصلحة تقتضي
التقرب أصلا ولو مع غلبة ما يوجب مغلوبية المفسدة، كما إذا توقف
بقاء الحياة على شرب الخمر، فان المفسدة ترتفع، ولكن لا يوجب
ارتفاعها مقربية الشرب بحيث يصح التقرب به. وهذا بخلاف المجمع
في باب الاجتماع، فان مصلحة العبادة موجودة فيه، وعدم صحة
التقرب بها انما هو لأجل وجود المانع أعني به: مفسدة النهي الموجبة
للمؤاخذة، والبعد عن ساحة المولى، ومن المعلوم أن مبعديتها
الموجبة لتنفره وحسن
65

بإتيانه، فالامر (1) يسقط لقصد التقرب بما يصلح أن [لان] يتقرب به

مؤاخذته مترتبة على تنجز النهي بالحجة من علم أو علمي، فبدون
التنجز لا أثر للنهي من جهة المبعدية، فتبقى مقربية المصلحة بلا مانع.
وبالجملة: المصلحة مقربة في ظرف عدم مبعدية المفسدة، فإذا
ارتفعت مبعديتها، فلا محالة تكون المصلحة مقربة، لارتفاع المانع عن
مقربيتها. ويكون المقام كالسراج المضيئ في الشمس، فان ضوءه
غير محسوس، لكنه يظهر بعد غروب الشمس أو اختفائها في الغيم،
وهذا بخلاف السراج المنطفئ، فإنه لا ضوء له حتى في الليل. ففرق
واضح بين الفعل المشتمل على المفسدة فقط، وبين الفعل المشتمل
على المصلحة المغلوبة بالمفسدة كمثال السراج، فلاحظ.
فالنتيجة: أن الفعل المشتمل على المصلحة المغلوبة ليس كالفعل
المشتمل على المفسدة المحضة.
وثانيا: من أن الاندكاك الذي مرجعه إلى التأكد، وصيرورة المندك و
المندك فيه وجودا واحدا منوط بالسنخية بينهما، كاندكاك ملاك
الاستحباب في ملاك الوجوب، كنذر صلاة الليل، فان ملاك استحبابها
يندك في ملاك الوجوب الناشئ من النذر، وكملاك الكراهة و
الحرمة.
وأما مع عدم السنخية بين الملاكين كمفسدة الحرمة ومصلحة
الوجوب، فإنه لا وجه للاندكاك مع تضادهما. نعم يكون الحكم تابعا
لأقوى الملاكين مع بقاء الاخر على حاله من دون صلاحية للتأثير في
تشريع الحكم على طبقه، فلو فرض ارتفاع الملاك الأقوى بمزاحم،
فالملاك المغلوب يؤثر في التشريع.
وبالجملة: فما أفيد من الاندكاك أجنبي عما نحن فيه.
66

لاشتماله (1) على المصلحة مع صدوره حسنا [1 [2 لأجل (3)
الجهل بحرمته قصورا، فيحصل به (4) الغرض من الامر، فيسقط [به]
قطعا وان لم

وأما المناقشة في الجوابين الآخرين بعدم اختصاص تزاحم الاحكام
بمقام الفعلية، وبعدم صحة قصد امتثال الامر بالطبيعة مع مبغوضية
الفرد وسقوط أمره، ففي محلها، والتفصيل لا يسعه المقام.
[1] لا يخفى أنه مع الامتناع وتغليب جانب النهي - كما هو المفروض
- لا يصلح الجهل القصوري لجعل صدوره حسنا - أي قريبا - إذ
المفروض عدم الامر، وما لم يكن الداعي أمره لا يصير قربيا صالحا
للمقربية.
الا أن يقال: ان الامر الفعلي وان لم يتحقق هنا على الفرض، لكنه
لوحظ مرآة لإرادة المولى المنبعثة عن المصلحة، فإذا كان الداعي
ذلك
الامر غير المتحقق في المقام كان الداعي حقيقة تلك المصلحة،
فحينئذ يصير الفعل بسبب ذلك الداعي حسنا، وصدوره لأجله قربيا.
والحاصل: أن الموجب للحسن والقرب هو كون الداعي المحبوبية أو
المصلحة المضافة إلى المولى.
وأما الجهل العذري، فهو يصلح لان يكون علة لعدم صدور الفعل
قبيحا ومبعدا، ولا يصلح لان يكون علة لصدوره حسنا.
67

يكن امتثالا له (1) بناء (2) على تبعية الاحكام لما هو الأقوى من جهات
68

المصالح والمفاسد واقعا (1)، لا (2)
69

لما هو المؤثر منها [) 1 منهما] للحسن [1] أو القبح، لكونهما (2)
تابعين لما علم منهما (3) كما حقق في محله.
مع أنه يمكن [2] أن يقال بحصول الامتثال مع ذلك (4)، فان

[1] الأولى تبديل اللام ب (في) وهو متعلق ب (المؤثر).
[2] كيف يمكن أن يدعو الامر إلى غير متعلقه مع وضوح تبعيته للملاك
القائم بما تعلق به، فلو خصصت الطبيعة المأمور بها كان
المخصص مضيقا لدائرتها واختصت دعوة الامر بأفراد الخاص، ولا
يدعو إلى غيرها وان كان فردا للطبيعة بما هي هي، لكنه ليس
فردا لها بما هي مأمور بها، فهو من قبيل دعوة
70

العقل (1) لا يرى تفاوتا بينه (2) وبين سائر الافراد في الوفاء (3) بغرض الطبيعة

أمر الصلاة إلى الصوم، ولا فرق في ذلك بين عدم المقتضي ووجود
المانع، إذ المدار على صلاحية الملاك لدعوة الشارع إلى التشريع،
ومع وجود المانع عن هذه الدعوة لا يصلح لذلك، فالامر مفقود
بالنسبة إلى الفرد الذي يكون في ملاكه مانع عن التشريع، ويختص
الامر بالفرد الذي لا مانع في ملاكه.
71

المأمور بها وان لم تعمه (1) بما هي مأمور بها، لكنه (2) لوجود المانع
لا لعدم المقتضي.
ومن هنا (3) انقدح أنه (4) يجزى ولو قيل باعتبار قصد الامتثال في
صحة العبادة، وعدم (5) كفاية الاتيان بمجرد المحبوبية، كما يكون
72

كذلك (1) في ضد الواجب، حيث (2) لا يكون هناك أمر يقصد أصلا.
وبالجملة: مع الجهل قصورا بالحرمة موضوعا أو حكما (3) يكون
الاتيان بالمجمع امتثالا، وبداعي (4) الامر بالطبيعة [لا محالة] غاية
الامر (5) أنه (6) لا يكون مما تسعه بما هي مأمور بها لو قيل (7) بتزاحم
73

الجهات في مقام تأثيرها للأحكام الواقعية. وأما لو قيل (1) بعدم
التزاحم الا في مقام فعلية الاحكام لكان (2) مما تسعه، وامتثالا (3)
لأمرها بلا كلام.
وقد انقدح بذلك (4) الفرق بين ما إذا كان دليلا [دليل] الحرمة
74

والوجوب متعارضين وقدم دليل الحرمة تخييرا، أو ترجيحا (1)،
حيث لا يكون معه (2) مجال للصحة أصلا، وبين ما إذا كانا [كان] من
باب الاجتماع، وقيل بالامتناع، وتقديم جانب الحرمة، حيث يقع (3)
75

صحيحا في غير مورد (1) من (2) موارد الجهل والنسيان، لموافقته
(3) للغرض بل للامر (4). ومن هنا (5) علم أن الثواب عليه (6) من
قبيل الثواب على الإطاعة، لا الانقياد ومجرد (7) اعتقاد الموافقة.
76

وقد ظهر بما ذكرناه (1) وجه حكم الأصحاب بصحة الصلاة في الدار
المغصوبة مع النسيان (2) أو الجهل بالموضوع، بل أو الحكم (3) إذا
كان عن قصور (4)، مع (5) أن الجل لولا الكل قائلون بالامتناع، و
تقديم الحرمة، ويحكمون بالبطلان في غير موارد العذر، فلتكن من
ذلك على ذكر.
77

إذا عرفت هذه الأمور، فالحق هو القول بالامتناع، كما ذهب إليه
المشهور [1]
وتحقيقه على وجه يتضح به فساد ما قيل أو يمكن أن يقال من وجوه
الاستدلال لسائر الأقوال يتوقف على تمهيد مقدمات

[1] خلافا للمحقق النائيني (قده)، حيث إنه ذهب إلى الجواز محتجا
عليه بما حاصله: (ان التركيب بين الصلاة والغصب في المجمع
انضمامي
لا اتحادي، حيث إن الصلاة من مقولة الوضع والكيف وغيرهما، و
الغصب من مقولة الأين، والمقولات متباينات يمتنع اتحادها، فمتعلق
الامر مباين لمتعلق النهي، فيستحيل أن تكون الحركة الواحدة معروضة
للصلاتية والغصبية، لاستلزامه تفصل الجنس الواحد بفصلين في
عرض واحد، فلا محالة يكون التركيب بين الصلاة والغصب
انضماميا، لتغايرهما. نعم يكون كل من المأمور به والمنهي عنه من
مشخصات الاخر، وقد ثبت في محله خروج المشخصات عن حيز
الطلب.
فالنتيجة جواز اجتماع الأمر والنهي في المجمع كالصلاة في
المغصوب، وتحقق الامتثال بالاتيان به).
78



وفيه - بعد الغض عن كون الغصب هو الاستيلاء على ما للغير من مال
أو حق بدون اذنه، الصادق على كل تصرف في مال الغير بغير اذنه
وان لم يكن من مقولة الأين كأكل مال الغير وشربه ولبسه - أنه لا مانع
من كون المركب من المقولتين جزا شرعا للصلاة كالسجود،
فإنه مركب من مقولتين: إحداهما الوضع، والأخرى - وهي الاعتماد
على الأرض - الإضافة، إذ لا ريب في كون الاعتماد عليها في
السجود والاستقرار على الأرض والجلوس عليها المعتبرين في القيام
والركوع والتشهد تصرفا في الأرض، ومتحدة مع الأكوان
الصلاتية، فلو كانت الأرض مغصوبة صدق كل من مفهومي الصلاة و
الغصب على القيام والسجود والركوع والتشهد.
وعليه، فيتحد الغصب مع جز الجز، أو شرطه، فتخرج الصلاة في
المغصوب ولو بلحاظ بعض أجزائها أو شرائطها عن المركب
الانضمامي إلى الاتحادي، ومع الاتحاد يمتنع اجتماع الأمر والنهي،
بل لا بد أن يكون المجمع محكوما بأحدهما.
وقد ظهر مما ذكرنا: أنه لا حاجة في إثبات كون المجمع مركبا اتحاديا
إلى دعوى جزئية الهوي والنهوض للصلاة، كما في كلمات بعض
أعاظم العصر مد ظله.
ولا إلى دعوى: كون الاعتماد على الأرض مأخوذا في مفهوم السجدة
بحيث لا يصدق على وضع الجبهة على الأرض بدون الاعتماد عليها،
بل هو مماسة لها، لا أنه سجدة، كما في تقرير بحثه الشريف أيضا.
79



وذلك لصدق مفهوم السجدة بوضع الجبهة على الأرض ولو بدون
الاعتماد عليها، قال في مجمع البحرين: (وسجد الرجل وضع جبهته
على الأرض) فليس الاعتماد مقوما لمفهومه، ولو ثبت اعتباره في
السجود كان ذلك شرطا شرعيا، وهو كاف في حصول الاتحاد.
فالمتحصل: أنه لا بد من القول بالامتناع في الصلاة في المغصوب،
للزوم اتحاد متعلقي الأمر والنهي وان لم تشتمل على الركوع و
السجود والجلوس ذاتا كصلاة الميت ان كانت صلاة، أو عرضا
كالمضطر إلى الصلاة جالسا، لكفاية الاستقرار والاعتماد على الأرض
في تحقق اتحاد متعلقي الأمر والنهي.
نعم لا يتحد الغصب مع سائر ما للصلاة من المقولات، كالنية التي هي
من الكيف النفساني، وكالتكبيرة والأذكار والقراءة التي هي من
الكيف المسموع.
أما النية، فواضحة. وأما التكلم، فلعدم كونه تصرفا عرفا في الفضاء و
ان عد تصرفا عقلا، لكنه ليس موضوعا لدليل حرمة الغصب، ولو
شك في صدق الغصب عليه، فمقتضى أصل البراءة عدم حرمته،
سواء كانت الشبهة موضوعية أم حكمية ناشئة من إجمال مفهوم
الغصب.
أما على الأول فواضح، لكونه كسائر الشبهات الموضوعية التي تجري
فيها البراءة.
وأما على الثاني، فلما ثبت في الأصول من جريان البراءة فيما لم تقم
حجة معتبرة على حكمه، سواء كان لفقد الحجة أم تعارضها أم
إجمالها.
فالمتحصل: أنه مع الشك في صدق الغصب على التكلم في الفضاء لا
دليل على الحرمة حتى يندرج في مسألة اجتماع الأمر والنهي.
80

إحداها (1):
أنه لا ريب في أن الأحكام الخمسة متضادة في مقام فعليتها، وبلوغها
(2) إلى مرتبة البعث والزجر، ضرورة (3) ثبوت المنافاة و
المعاندة التامة بين البعث نحو واحد (4) في زمان والزجر عنه في
ذلك الزمان (5)
81

وان لم يكن بينهما (1) مضادة ما لم تبلغ إلى تلك المرتبة (2)، لعدم
(3) المنافاة والمعاندة بين وجوداتها الانشائية (4) قبل البلوغ إليها
(5) كما لا يخفى. فاستحالة (6) اجتماع الأمر والنهي في واحد لا
تكون من باب التكليف بالمحال (7)، بل من جهة أنه بنفسه محال، فلا يجوز
82

عند من يجوز التكليف بغير المقدور أيضا (1).
ثانيتها (2):
أنه لا شبهة في أن متعلق الاحكام [انما] هو فعل المكلف
83

وما هو في الخارج يصدر عنه و [ما] هو (1) فاعله وجاعله، لا ما هو
اسمه (2)، وهو واضح، ولا ما هو عنوانه (3) مما قد انتزع عنه،
بحيث
لولا انتزاعه تصورا واختراعه ذهنا (4) لما كان بحذائه شئ خارجا، و
يكون (5) خارج المحمول كالملكية والزوجية والرقية والحرية
84

والمغصوبية إلى غير ذلك من الاعتبارات والإضافات، ضرورة (1) أن
البعث ليس نحوه، والزجر لا يكون عنه، وانما يؤخذ (2) في
متعلق الاحكام آلة للحاظ متعلقاتها، والإشارة (3) إليها بمقدار الغرض
منها والحاجة (4)
85

إليها (1)، لا بما هو هو وبنفسه، وعلى استقلاله (2) وحياله.
ثالثتها (3):
أنه لا يوجب تعدد الوجه والعنوان تعدد المعنون، ولا ينثلم به (4)
وحدته، فان (5) المفاهيم المتعددة والعناوين الكثيرة
86

[المتكثرة] ربما تنطبق (1) على الواحد، وتصدق على الفارد الذي لا
كثرة فيه من جهة (2)، بل بسيط من جميع الجهات ليس فيه حيث غير
حيث وجهة مغايرة لجهة (3) أصلا كالواجب تبارك وتعالى، فهو (4)
على بساطته ووحدته وأحديته (5) تصدق عليه مفاهيم الصفات الجلالية والجمالية
87

له الأسماء الحسني والأمثال العليا (1)، لكنها (2) بأجمعها حاكية عن
ذلك الواحد الفرد الأحد. [1]
عباراتنا شتى وحسنك واحد وكل إلى ذاك الجمال يشير
رابعتها (3):
أنه لا يكاد يكون للموجود بوجود واحد إلا ماهية [2]

[1] قد يتوهم الاستغناء عن هذه المقدمة بما ذكره في المقدمة الثانية
من كون العنوان مشيرا إلى ما هو متعلق الحكم من دون أن يكون
للعنوان دخل في متعلقه، كما لا يكون دخيلا في ملاكه.
وحاصل التوهم: أنه بعد أن علم في المقدمة الثانية عدم كون العنوان
موضوعا صح أن يقال: ان العنوان وان لم يكن موضوعا للحكم بل
مشيرا إلى متعلقه، الا أن تعدد العنوان يمكن أن يكون حاكيا عن تعدد
المعنون، بحيث يكون محكي كل عنوان مغايرا لمحكي عنوان
آخر، فتعدد العنوان كاشف عن تعدد متعلق الحكم، فيتجه حينئذ
القول بالجواز، لتعدد متعلق الأمر والنهي.
هذا محصل التوهم، وقد دفعه المصنف بالمقدمة الثالثة، وهي: أن
تعدد العنوان بمجرده لا يوجب تعدد المعنون، فلاحظ.
[2] المراد بالماهية هنا أعم من الماهيات المتأصلة المقولة في جواب
88



(ما) الحقيقية، ومن الماهيات العرضية، فيندرج في المقام مطلق
العناوين الكلية سواء كانت منتزعة عن مقام الذات أم من مقام
العرضيات، كما يظهر من تمثيلهم لمسألة الاجتماع بالصلاة والغصب.
89

واحدة وحقيقة فاردة لا يقع في جواب السؤال عن الحقيقة [حقيقته]
بما هو الا تلك الماهية، فالمفهومان (1) المتصادقان على ذلك (2)
[ذاك] لا يكاد يكون كل منهما (3) ماهية وحقيقة، وكانت [1] عينه
في الخارج كما هو شأن الطبيعي وفرده [وأفراده] فيكون الواحد
وجودا واحدا ماهية وذاتا (4) لا محالة، فالمجمع (5) وان تصادق [
تصادقا] عليه متعلقا الامر

[1] الأولى إسقاطه ليكون (عينه) معطوفا على (ماهية) يعني: ولا يكاد
يكون كل من المفهومين ماهية وعينه في الخارج. أو تبديل (و
كانت) ب (وتكون) ليصير معطوفا على (يكون).
[2] لا يخفى أن الصلاة ليست من مقولة الفعل الاصطلاحي المقابلة
لمقولة الانفعال، لان مقولة الفعل هي حالة التأثير التجددي للمؤثر،
كما
أن مقولة الانفعال هي حالة التأثر التجددي للمتأثر، كحالتي النار والماء
في التأثير في السخونة والتأثر بها، فالنار ما دامت مشغولة
بإيجاد السخونة في الماء كان لها حالة
90



التأثير التجددي، وللماء حالة التأثر التجددي، وأما نفس السخونة
التي هي الأثر فهي من مقولة الكيف. والتعبير المناسب لهذا المعنى
من الفعل والانفعال هو مقولة: (أن يفعل وأن ينفعل) كما عبر بذلك
غير واحد، وهو أولى من التعبير بالفعل والانفعال، لما أفاده غير
واحد كالمتأله السبزواري (قده) في حاشية شرح المنظومة من: أن
الفعل المضارع يدل على الاستمرار التجددي، وحيث إن التدرج
اعتبر فيهما يكون التعبير بما يدل عليه أولى. فالفعل هو إيجاد الأثر
تدريجا، والانفعال قبول الأثر كذلك، ولذا قالوا في تفسير أن
يفعل:
(انه تأثير الشئ في غيره على اتصال غير قار)، وأن ينفعل: (انه تأثر
الشئ عن غيره على اتصال غير قار)، فما لم ينته الأثر إلى حد، و
لم يستقر عليه يطلق على التأثير أن يفعل، وعلى التأثر أن ينفعل، لان
هيئة المضارع تدل على الاتصال غير القار، وبعد تمامية الصدور
والقبول واستقرار الأثر يطلق عليهما الفعل والانفعال.
نعم يصدق الفعل على الصلاة باعتبار صدورها من الفاعل، فهي فعل
عرفي، لا مقولي، إذ ليس كل فعل عرفي فعلا مقوليا.
وقد ظهر مما ذكرنا: فساد ما يتوهم من: أن الصلاة من مقولة الفعل، فلا
يعقل أن تكون أجزاؤها من مقولة الوضع، لتباين المقولات.
وجه الفساد ما عرفته: من عدم كون الصلاة من مقولة الفعل
الاصطلاحي،
91

والنهي، الا أنه كما يكون واحدا وجودا يكون واحدا ماهية وذاتا ولا
يتفاوت فيه (1) القول بأصالة الوجود أو أصالة الماهية.
ومنه (2) ظهر عدم ابتناء القول بالجواز والامتناع في المسألة (3)
على القولين في تلك المسألة (4) كما توهم في الفصول (5).

وانما هي فعل عرفي باعتبار صدورها من الفاعل، والفعل بهذا
المعنى لا ينافي كون الصلاة مركبة من مقولات عديدة منها الكيف
المسموع كالقراءة والأذكار.
ومنها الكيف النفساني كالنية، ومنها الوضع كهيئة الراكع والساجد و
القائم والقاعد، وحيث إن المقولات أجناس عاليات ومباينات
بالذات بحيث يمتنع أن يكون المركب منها مقولة برأسها، لاستحالة
اتحاد مقولة مع مقولة أخرى، فلا محالة تكون وحدة الصلاة
اعتبارية، إذ لا مطابق لها في الخارج الا هذه المقولات المتباينة.
92

كما ظهر (1) عدم الابتناء على تعدد وجود الجنس والفصل في
الخارج، وعدم تعدده، ضرورة (2) عدم كون العنوانين المتصادقين عليه
93

من قبيل [تصادق] الجنس والفصل [له [1 وأن (2) مثل الحركة [1]
في دار من أي مقولة كانت لا يكاد يختلف حقيقتها وماهيتها و
يتخلف ذاتياتها (3) وقعت (4) جزا للصلاة أو لا، كانت تلك الدار مغصوبة

[1] لا يخفى أن صاحب الفصول (قده) لم يخصص نزاع تعدد الوجود و
وحدته بالجنس والفصل، بل عممه للعناوين العرضية، حيث قال
في كلامه المتقدم: (ولواحقهما العرضية)، فلا يرد عليه إشكال
المصنف (قده) بأن ذلك النزاع أجنبي عما نحن فيه، لعدم كون
العنوانين
المتصادقين في مفروض البحث من قبيل الجنس والفصل، فلاحظ.
94

أو لا. (×)
إذا عرفت ما مهدناه عرفت: أن المجمع حيث كان واحدا وجودا وذاتا
(1) كان تعلق الأمر والنهي به محالا ولو كان تعلقهما به (2)
بعنوانين، لما عرفت (3) من كون فعل المكلف بحقيقته وواقعيته
الصادرة عنه متعلقا للأحكام لا بعناوينه الطارئة عليه، وأن (4) غائلة
اجتماع الضدين فيه

(×) وقد عرفت أن صدق العناوين المتعددة لا يكاد تنثلم به وحدة
المعنون لا ذاتا ولا وجودا، غايته أن يكون له خصوصية بها يستحق
الاتصاف بها ومحدودا بحدود موجبة لانطباقها عليه كما لا يخفى، و
حدوده ومخصصاته لا توجب تعدده بوجه أصلا، فتدبر جيدا.
95

لا تكاد ترتفع بكون الاحكام تتعلق بالطبائع لا الافراد، فان غاية تقريبه
أن يقال: ان الطبائع من حيث هي هي وان كانت ليست الا هي، و
لا يتعلق بها الأحكام الشرعية كالآثار العادية والعقلية، الا أنها مقيدة
(1) بالوجود بحيث كان [يكون] القيد خارجا (2) والتقيد داخلا
صالحة (3) لتعلق الاحكام بها، ومتعلقا [ومتعلق] الأمر والنهي على
هذا (4) لا يكونان
96

متحدين أصلا، لا في مقام تعلق البعث والزجر (1)، ولا في مقام
عصيان النهي وإطاعة الامر (2) بإتيان المجمع بسوء الاختيار.
أما في المقام الأول، فلتعددهما (3) بما هما متعلقان لهما وان كانا
متحدين فيما هو خارج عنهما بما هما كذلك (4).
وأما في المقام الثاني (5)، فلسقوط أحدهما بالإطاعة والاخر
97

بالعصيان بمجرد الاتيان، ففي أي مقام (1) اجتمع الحكمان في
واحد؟ وأنت خبير بأنه (2) لا يكاد يجدي بعد ما عرفت من أن تعدد
العنوان لا يوجب تعدد المعنون، لا وجودا ولا ماهية، ولا تنثلم به (3)
وحدته أصلا، وأن (4) المتعلق للأحكام هو المعنونات لا العنوانات،
وأنها (5) انما تؤخذ في المتعلقات بما هي حاكيات كالعبارات،
98

لا بما هي على حيالها واستقلالها (1).
كما ظهر مما حققناه: أنه لا يكاد يجدي أيضا (2) كون الفرد مقدمة
99

لوجود الطبيعي المأمور به أو المنهي عنه (1)، وأنه (2) لا ضير في
كون المقدمة محرمة في صورة عدم الانحصار (3) بسوء (4) الاختيار،
وذلك (5) مضافا إلى وضوح فساده، وأن الفرد [هو] عين الطبيعي
في الخارج، كيف (6) والمقدمية تقتضي الاثنينية بحسب الوجود، ولا تعدد
100

كما هو واضح أنه (1) انما يجدي لو لم يكن المجمع واحدا ماهية [1] و
قد عرفت (2)

[1] الظاهر أن هذا الجواب لا يخلو عن المناقشة، لأنه مبني على تسليم
المقدمية، ومغايرة الفرد للكلي، وعليه فلمدعي جواز الاجتماع أن
يقول:
ان الفرد لما كان غير الكلي، فلا مانع من حرمة المقدمة وهي الفرد، و
سقوط الامر المتعلق بالكلي بإيجاد مقدمته المحرمة.
فالأولى في رد الدليل إنكار المقدمية كما هو مقتضى الجواب الأول، و
دعوى وحدة المجمع ماهية عدول عن المبنى أعني المقدمية.
ثم إن المراد بالماهية في المقام مطلق العناوين الكلية وان لم تكن من
العناوين الذاتية، كما يشهد به تمثيلهم بالصلاة والغصب.
101

بما لا مزيد عليه أنه بحسبها (1) أيضا واحد.
ثم انه قد استدل [1] على الجواز بأمور
منها (2):
أنه لو لم يجز اجتماع الأمر والنهي لما وقع نظيره.

[1] حق العبارة أن تكون هكذا: (ثم انه قد استدل على الجواز مضافا إلى
الوجهين المزبورين بأمور اخر. إلخ).
102

وقد وقع، كما في العبادات المكروهة، كالصلاة في مواضع التهمة (1)
وفي الحمام (2)، والصيام في السفر (3)، وفي بعض الأيام (4).
بيان الملازمة (5): أنه لو لم يكن تعدد الجهة مجديا في إمكان
اجتماعهما (6) لما جاز اجتماع حكمين آخرين (7) في مورد مع
تعددها،
لعدم اختصاصهما (8) من بين الاحكام بما يوجب الامتناع من التضاد (9)
103

بداهة تضادها (1) بأسرها. والتالي (2) باطل، لوقوع اجتماع الكراهة و
الايجاب، أو الاستحباب في مثل الصلاة في الحمام (3)، والصيام
في السفر، وفي عاشوراء (4) ولو في الحضر، واجتماع (5) الوجوب
104

أو [و] الاستحباب مع الإباحة، أو الاستحباب (1) في مثل الصلاة في
المسجد أو الدار.
والجواب عنه: أما إجمالا [1] فبأنه (2) لا بد من التصرف والتأويل

[1] وقد يجاب عنه إجمالا بوجه آخر، وهو: (ان الثابت عندهم صحة
105

فيما وقع في الشريعة مما ظاهره الاجتماع بعد قيام الدليل على
الامتناع (1) ضرورة (2) أن الظهور لا يصادم البرهان. مع [1 [3 أن
قضية ظهور

العبادات المكروهة، وأما كونها متعلقة للامر والنهي معا فغير مصرح
به في كلام الأصحاب، فلعل صحتها من جهة واجديتها للملاك، و
عدم مانعية النهي التنزيهي عن مقربيتها من دون أن تكون بالفعل غير
مأمور بها).
وأنت خبير بكفاية الاطلاقات في ثبوت الامر بما تعلق به النهي،
كالصلاة في الحمام ومواضع التهمة، ومعها لا حاجة إلى تصريحهم
بكونها متعلقة للامر والنهي معا. بل تعبيرهم بالعبادات المكروهة
كالصريح في كون متعلق الكراهة العبادة الفعلية المتعلقة للامر
الفعلي.
وأما توجيه الصحة في كلماتهم بأنها لأجل الملاك، ففيه: أن هذا ليس
في كلمات القدماء، وانما هو من الفوائد التي أفادها المتأخرون من
الأصوليين.
فالأولى في الجواب الاجمالي ما أفاده المصنف (قده).
[1] هذا إذا لم يتشبث الخصم بموارد تعلق النهي بعنوان آخر يجتمع
مع عنوان العبادة، وهو القسم الثالث من الأقسام الثلاثة المذكورة في
المتن، والا فلا وجه للاستظهار المزبور، كما لا يخفى.
106

تلك الموارد اجتماع الحكمين فيها بعنوان واحد، ولا يقول الخصم
بجوازه كذلك (1)، بل بالامتناع ما لم يكن بعنوانين وبوجهين، فهو
(2) أيضا لا بد له من التفصي عن إشكال الاجتماع فيها، لا سيما (3)
107

إذا لم يكن هناك مندوحة، كما في العبادات المكروهة التي لا بدل لها
(1)، فلا يبقى له (2) مجال للاستدلال بوقوع الاجتماع فيها على
جوازه (3) أصلا، كما لا يخفى.
وأما تفصيلا، فقد أجيب عنه [1] بوجوه (4) يوجب ذكرهما بما

[1] يمكن أن يجاب بما قيل: من أن متعلق الأمر والنهي متعدد، وليس
متحدا كما توهم، إذ الامر قد تعلق بنفس العبادة، والنهي
بتخصيص العبادة بخصوصية، فطبيعة الصلاة محبوبة، وتخصصها
بخصوصية وقوعها في الأمكنة المكروهة مبغوض. وبعبارة أخرى:
صغروية العبادات المكروهة لمسألة اجتماع الأمر والنهي منوطة
بكون الصلاة مأمورا بها، والكون في الحمام مثلا منهيا عنه حتى
يجتمعا في الصلاة في الحمام، ويقع التزاحم بينهما. لكنه ليس كذلك،
ضرورة عدم تعلق النهي بالكون في الحمام، بل هو انما تعلق
بتخصيص الصلاة بخصوصية الكون في الحمام، ولم يتعلق بنفس
الصلاة كما توهم، ولذا تصح بلا إشكال في الأمكنة المكروهة، لعدم
تعلق النهي بها، بل بحده الخاص.
ومن المعلوم: أن الخصوصيات المشخصة ليست داخلة في متعلق
الامر - وهي طبيعة الصلاة - ومع تغاير متعلقي الأمر والنهي، وعدم
تصادقهما على واحد
108

فيها من النقض والابرام طول الكلام بما لا يسعه المقام، فالأولى
الاقتصار على ما هو التحقيق في حسم مادة الاشكال، فيقال وعلى
الله
الاتكال:
ان العبادات المكروهة على ثلاثة أقسام
أحدها: ما تعلق به النهي بعنوانه وذاته، ولا بدل له
كصوم يوم عاشوراء (1)، والنوافل المبتدئة (2)

خارجي لا يقع التزاحم بينهما حتى لا تصح الصلاة في الأمكنة
المكروهة، هذا في العبادات التي لها بدل.
وأما ما لا بدل له منها، فلا بد فيها من التصرف في ظاهر أحد الخطابين
دفعا لمحذور طلب المحال، كحمل الامر على الاقتضائي، أو حمل
النهي على الارشاد إلى الاتيان بمطلوب آخر خال عن تلك الحزازة، و
حينئذ تصح الصلاة بمناط الطلب، لا بنفسه، نظير المزاحمة بالأهم
بناء على بطلان الترتب.
وعليه، فصوم يوم عاشوراء كصوم سائر الأيام في الاشتمال على مناط
الطلب، ومع ذلك يحكم بكراهته، بمعنى: أن تركه ملازم لعنوان
آخر أرجح من الفعل، فالنهي عنه إرشاد إلى مطلوبية ذلك العنوان، أو
إلى مطلوبية ما هو أهم من الصوم كالاقبال على إقامة العزاء أو
الزيارة.
109

في بعض الأوقات (1).
ثانيها: ما تعلق به النهي كذلك (2)، ويكون له البدل
كالنهي عن الصلاة في الحمام.
ثالثها: ما تعلق النهي به لا بذاته (3)،
بل بما هو مجامع معه (4) وجودا، أو ملازم (5) له خارجا، كالصلاة في
مواضع التهمة بناء (6)
110

على كون النهي عنها لأجل اتحادها (1) مع الكون في مواضعها.
أما القسم الأول،
فالنهي تنزيها عنه (2) بعد الاجماع على أنه (3) يقع صحيحا، ومع
ذلك (4) يكون تركه أرجح، كما يظهر (5) من مداومة الأئمة عليهم
السلام على الترك [1]

[1] لا يخفى أن التشبث بنفس النهي لاثبات أرجحية الترك من الفعل
أولى من التمسك بمداومتهم عليهم السلام على الترك، لاحتمال
الاجمال فيه وان كان بعيدا، نعم أمرهم عليهم السلام بالترك خال عن
هذا الاحتمال.
111

اما (1) لأجل انطباق عنوان [1]

[1] ان أريد به عنوان عدمي كمخالفة أعداء الدين، فلا بأس به.
وان أريد به عنوان وجودي، ففيه: أنه لا يعقل انطباق عنوان وجودي
على عدمي واتحاده معه، إذ لا يعقل صدق الموجود على المعدوم و
تقومه به.
112

ذي مصلحة (1) على الترك (2) فيكون الترك كالفعل ذا مصلحة
موافقة للغرض وان كان مصلحة الترك أكثر (3)، فهما حينئذ يكونان
من
قبيل المستحبين المتزاحمين، فيحكم بالتخيير (4) بينهما لو لم يكن
أهم [أهمية] في البين (5)، والا فيتعين الأهم وان كان الاخر يقع
صحيحا، حيث إنه (6) كان راجحا وموافقا للغرض (7)، كما هو (8)
الحال في سائر المستحبات
113

المتزاحمات [1] بل الواجبات (1). وأرجحية (×) الترك (2) من الفعل

[1] لكن فرق واضح بين المقام أعني: كون الترك ذا مصلحة، اما
لانطباق عنوان وجودي راجح عليه بناء على إمكانه، وتعقل مصداقية
العدم للوجود، واما لجهة أخرى، وبين المستحبات المتزاحمات التي
هي أضداد وجودية ذوات مصالح، وذلك لان مصلحة الترك في
الأول مع غلبتها تؤثر في مبغوضية الفعل، ومحبوبية تركه المستلزمة
لعدم صلاحية الفعل للمقربية. بخلاف الثاني، ضرورة أن اشتمال
الضد الوجودي على مصلحة مؤثرة في طلب فعله لا يؤثر في
مبغوضية ضده، فلو تركه وأتى بضده الواجد لملاك الاستحباب، فقد
فعل ما
هو المقرب إليه سبحانه وتعالى، هذا.
مضافا إلى: أن مقايسة المقام بالمستحبات المتزاحمة مبنية على كون
مفاد النهي طلب الترك حتى يتزاحم الطلبان، وقد مر في أول
مباحث النهي فساده، وأن مفاد النهي ليس الا الزجر عن متعلقه، وأنه
لا طلب في النهي أصلا.
وإلى: أن ظاهر النصوص كون النوافل المبتدئة في الأوقات
المخصوصة، وصوم يوم عاشوراء مما فيه حزازة ومنقصة، لا أنها
محبوبة و
ذوات مصلحة واستحباب وترك كل منها مستحب أيضا حتى يكون
كل من صوم يوم عاشوراء، وتركه مستحبا شرعيا.
(×) ربما يقال: ان أرجحية الترك وان لم توجب منقصة وحزازة في
الفعل أصلا، الا أنه يوجب المنع منه فعلا والبعث إلى الترك قطعا،
كما لا يخفى، ولذا كان ضد الواجب - بناء على كونه مقدمة له -
حراما، ويفسد لو كان عبادة، مع أنه لا حزازة في فعله، وانما كان النهي
عنه وطلب تركه لما فيه من المقدمية له، وهو على ما هو عليه من
المصلحة، فالمنع عنه لذلك كاف في فساده لو كان عبادة.
قلت: يمكن أن يقال: ان النهي التحريمي لذلك وان كان كافيا في ذلك
بلا إشكال، الا أن التنزيهي غير كاف، الا إذا كان عن حزازة فيه،
وذلك لبداهة عدم قابلية الفعل المتقرب منه تعالى مع المنع عنه و
عدم ترخيصه في ارتكابه، بخلاف التنزيهي عنه إذا كان لا لحزازة فيه،
بل لما في الترك من المصلحة الراجحة، حيث إنه معه مرخص فيه، و
هو على ما هو عليه من الرجحان والمحبوبية له تعالى، ولذلك لم
تفسد العبادة إذا كانت ضد المستحبة أهم اتفاقا، فتأمل.
114

لا توجب (1)
115

حزازة ومنقصة فيه أصلا، كما يوجبها (1) ما إذا كان فيه مفسدة غالبة
على مصلحته (2)، ولذا (3) لا يقع صحيحا على الامتناع (4) فان
الحزازة والمنقصة فيه مانعة عن صلاحية التقرب به (5). بخلاف
المقام (6)، فإنه (7) على ما هو عليه من الرجحان، وموافقة (8)
الغرض،
116

كما إذا لم يكن تركه راجحا بلا حدوث حزازة فيه أصلا.
واما (1) لأجل ملازمة الترك لعنوان كذلك (2) من دون انطباقه عليه
فيكون كما إذا انطبق عليه (3)
117

من غير تفاوت (1) الا في أن الطلب المتعلق به حينئذ (2) ليس
بحقيقي، بل بالعرض والمجاز، فإنما يكون (3) في الحقيقة متعلقا بما
يلازمه من العنوان. بخلاف صورة الانطباق، لتعلقه به (4) حقيقة، كما
في سائر المكروهات (5) من غير فرق (6)، الا أن منشأه فيها (7)
118

حزازة ومنقصة في نفس الفعل، وفيه (1) رجحان في الترك من دون
حزازة في الفعل أصلا. غاية الامر كون الترك أرجح (2). نعم (3)
يمكن أن يحمل النهي في كلا القسمين (4) على الارشاد إلى الترك
الذي هو أرجح من الفعل، أو ملازم (5) لما هو الأرجح، وأكثر ثوابا
119

لذلك (1)، وعليه (2) يكون النهي على نحو الحقيقة، لا بالعرض و
المجاز فلا تغفل.
وأما القسم الثاني (3)
فالنهي فيه يمكن أن يكون لأجل ما ذكر في القسم الأول طابق النعل
بالنعل (4)،
120

كما (1) يمكن أن يكون بسبب حصول منقصة في الطبيعة المأمور بها
لأجل تشخصها في هذا القسم (2) بمشخص غير ملائم لها، كما في
الصلاة في الحمام، فان (3)
121

تشخصها بتشخص وقوعها فيه لا يناسب كونها (1) معراجا وان لم [
ان لم] يكن نفس الكون في الحمام [في الصلاة] بمكروه، ولا حزازة
فيه أصلا، بل كان راجحا، كما لا يخفى. وربما يحصل لها (2) لأجل
تخصصها بخصوصية شديدة الملائمة معها مزية فيها (3) كما في
الصلاة في المسجد والأمكنة الشريفة، وذلك (4) لان الطبيعة المأمور
بها في حد نفسها إذا كان [[1] كانت] مع تشخص لا يكون له شدة
الملائمة، ولا عدم

[1] العبارة لا تخلو عن الاضطراب من غير فرق بين اقتران (كان) بالتاء
كما في بعض النسخ وعدمه كما في أكثرها، إذ على الأول يلزم
خلو الجزاء عن الفاء مع كونه من موارد لزوم اقترانه به، إذ مع وجود
التاء يكون اسم كان ضميرا مستترا فيه راجعا إلى الطبيعة، وقوله:
(مع تشخص) خبره، وجملة (لها مقدار) جواب (إذا) ومن المعلوم
لزوم اقتران الجزاء - إذا كان جملة اسمية - بالفاء، كما قال ابن مالك
في الخلاصة:
122

الملائمة لها (1) مقدار من المصلحة والمزية، كالصلاة في الدار مثلا و
تزداد تلك المزية فيما كان تشخصها [) 2 بشخصه] بماله شدة
الملائمة وتنقص فيما إذا لم [فيما لم] تكن له ملائمة، ولذلك (3)
ينقص ثوابها

واقرن بفا حتما جوابا لو جعل شرطا لان أو غيرها لم ينجعل
وعلى الثاني، يلزم خلو الشرط عن الجزاء، لان قوله: (لها مقدار) اسم
(كان) وخبرها، فكأنه قيل: (إذا كان لها مقدار من المصلحة مع
تشخص) وليس حينئذ في العبارة ما يصلح لان يكون جواب الشرط.
وبالجملة: فيلزم أحد المحذورين: اما خلو الجزاء عن الفاء، واما خلو
الشرط عن الجزاء. هذا كله بناء على جعل (إذا) شرطا.
ويمكن أن تكون ظرفا غير مفتقر إلى الجواب، فلا يلزم محذور خلو
الشرط عن الجزاء، وعلى هذا التقدير يكون (لها مقدار) خبرا ل
(أن) فكأنه قيل: (لان الطبيعة المأمور بها - زمان تشخصها بمشخص
غير ملائم ولا منافر - لها مقدار من المصلحة) فاسم (كانت) حينئذ
ضمير راجع إلى الطبيعة، وخبرها (مع تشخص) ولو لم يكن الضمير
اسم (كان) لم يبق في العبارة ما يصلح لان يكون اسما لها.
ومن هنا يظهر: أن احتمال ظرفية (إذا) لا يتأتى مع خلو (كان) عن التاء،
لما عرفت من استلزام ذلك خلوها عن الاسم، فتأمل في العبارة
حقه.
123

تارة ويزيد أخرى [1] ويكون النهي فيه (1) لحدوث نقصان في مزيتها
فيه إرشادا إلى ما لا نقصان فيه [2] من سائر الافراد، ويكون
(2) أكثر ثوابا منه.
وليكن [) 3 ولعل] هذا مراد من قال: ان الكراهة في العبادة بمعنى

[1] الحق عدم تبعية الثواب والعقاب لمراتب المصلحة والمفسدة، بل
هما تابعان لمراتب الانقياد والتجري.
[2] بل النهي في الشخص غير الملائم إرشاد إلى الفرد الناقص ليؤتى
بالطبيعة في الافراد التي لا نقصان فيها، وليس إرشادا إلى غير
متعلقه. نعم لازم ذلك البعث إلى ما لا نقصان فيه من الافراد.
124

أنها تكون أقل ثوابا. ولا يرد عليه (1) بلزوم اتصاف العبادة التي تكون
أقل ثوابا من الأخرى بالكراهة. ولزوم (2) اتصاف ما لا مزية
فيه ولا منقصة بالاستحباب، لأنه (3) أكثر ثوابا مما فيه المنقصة، لما (4)
125

عرفت من أن المراد من كونه أقل ثوابا انما هو بقياسه إلى نفس الطبيعة
المتشخصة بما لا يحدث معه مزية لها، ولا منقصة من
المشخصات، وكذا كونه أكثر ثوابا (1).
126

ولا يخفى أن النهي في هذا القسم (1) لا يصح الا للارشاد (2)،
بخلاف القسم الأول، فإنه يكون فيه مولويا وان كان حمله على
الارشاد (3) بمكان من الامكان.
127

وأما القسم الثالث (1)،
فيمكن أن يكون النهي فيه عن العبادة المتحدة مع ذلك العنوان أو
الملازمة (2) له بالعرض والمجاز (3) وكان المنهي عنه به حقيقة ذاك
العنوان (4)، ويمكن أن يكون على الحقيقة إرشادا إلى غيرها (5) من
سائر الافراد مما [1] لا يكون متحدا معه،

[1] الظاهر الاستغناء عن (ما) الموصولة، لان سائر الافراد غير الفرد
المنهي عنه هي التي لا تتحد مع العنوان، ولا تلازمه، فحق العبارة
أن تكون هكذا: (إرشادا إلى غيرها من الافراد التي لا تكون متحدة معه
ولا ملازمة له).
فقوله: (غيرها) لا يحتاج إلى مفسرين: أحدهما (من سائر) والاخر
(مما).
128

أو ملازما له، إذ (1) المفروض التمكن من استيفاء مزية العبادة بلا
ابتلا بحزازة ذاك العنوان أصلا. هذا (2) على القول بجواز الاجتماع.
وأما على الامتناع، فكذلك (3) في صورة الملازمة.
129

وأما (1) في صورة الاتحاد وترجيح جانب الامر [1] كما هو المفروض
حيث إنه (2) صحة العبادة، فيكون حال النهي فيه (3) حاله في
القسم الثاني، فيحمل (4) على ما حمل عليه فيه طابق النعل بالنعل،
حيث إنه (5) بالدقة يرجع إليه، إذ (6) على الامتناع ليس الاتحاد مع
العنوان الاخر (7)

[1] وأما على الامتناع وتغليب جانب النهي، فالعبادة باطلة، لاقتضاء
النهي عن العبادة فسادها. ولما كان هذا خارجا عن مفروض
البحث - وهو صحة العبادات المكروهة إجماعا - لم يتعرض له
المصنف قدس سره.
130

الا من مخصصاته ومشخصاته التي تختلف الطبيعة المأمور بها في
المزية زيادة ونقيصة بحسب اختلافها (1) في الملائمة كما عرفت
(2).
وقد انقدح بما ذكرناه (3): أنه لا مجال أصلا لتفسير الكراهة في
131

العبادة بأقلية الثواب في القسم الأول مطلقا (1)، وفي هذا القسم (2)
132

على القول بالجواز. كما انقدح حال اجتماع الوجوب والاستحباب
فيها (1) وأن (2) الامر الاستحبابي يكون على نحو الارشاد إلى
أفضل الافراد مطلقا (3)
133

على نحو الحقيقة (1) و [ويكون] مولويا اقتضائيا كذلك (2)، وفعليا
(3) بالعرض والمجاز فيما (4) كان ملاكه ملازمتها لما هو مستحب،
134

أو متحد [1] معه على القول بالجواز (1).

[1] كالكون في المسجد المتحد مع الصلاة. ثم إن العبارة لا تخلو عن
اضطراب، لان قوله: (متحد) معطوف على (ملازمتها) ليكون المراد
به مولوية الامر الندبي اقتضاء حقيقة كي يصير مثالا لقوله: (ومولويا
اقتضائيا كذلك)، فالصواب حينئذ تبديل (متحد) ب (اتحاد).
والحاصل: أن حق العبارة أن تكون هكذا: (وفعليا بالعرض والمجاز
فيما كان ملاكه ملازمتها أو اتحادها مع ما هو مستحب).
ثم إن قوله: (فيما كان ملاكه. إلى قوله. معه) من اللف والنشر
المشوش، لان قوله: (ملازمتها) مثال لفعلية الامر الندبي المولوي
مجازا،
وقوله:
(أو متحد) مثال لمولويته الاقتضائية الحقيقية، فتأمل في العبارة حقه.
135

ولا يخفى أنه لا يكاد يأتي [1] القسم الأول (1) هاهنا (2)، فان (3)
انطباق عنوان راجح على الفعل الواجب الذي لا بدل له انما يؤكد

[1] الظاهر أنه حذف هنا جملة (ما ذكر) فالصواب أن يقال: (لا يكاد
يأتي ما ذكر في القسم الأول هاهنا).
136

إيجابه، لا أنه يوجب استحبابه أصلا ولو بالعرض والمجاز (1) الا
على القول بالجواز (2)، وكذا (3) فيما إذا لازم مثل هذا العنوان، فإنه
(4) لو لم يؤكد الايجاب لما يصحح الاستحباب الا اقتضائيا [1] 5
بالعرض والمجاز فتفطن.

[1] بل فعليا بالعرض والمجاز، لجواز طلب أحد المتلازمين استحبابا
مع طلب الاخر إيجابا.
137

ومنها (1):
أن [1] أهل العرف يعدون من أتى بالمأمور به في ضمن الفرد المحرم
مطيعا وعاصيا من وجهين (2)، فإذا أمر المولى عبده بخياطة ثوب
ونهاه عن الكون في مكان خاص كما مثل به الحاجبي والعضدي، فلو
خاطه في ذاك المكان عد مطيعا لأمر الخياطة وعاصيا للنهي عن
الكون في ذلك المكان.
وفيه (3): مضافا إلى المناقشة في المثال بأنه ليس من باب

[1] ذكر هذا الوجه في تقريرات شيخنا الأعظم (قده) ثالث حجج
المجوزين، ولكن لم يذكر فيه مثال المتن، بل المذكور فيه المثال الذي
نتعرض له في التعليقة الآتية إن شاء الله تعالى.
138

الاجتماع، ضرورة (1) أن الكون المنهي عنه غير متحد (2) مع
الخياطة وجودا أصلا، كما لا يخفى [1] المنع (3) الا عن صدق
أحدهما: اما
الإطاعة بمعنى الامتثال فيما غلب جانب الامر، أو العصيان فيما غلب
جانب النهي، لما عرفت من البرهان (4) على الامتناع.

[1] ولذا ذكر في تقريرات شيخنا الأعظم (قده) مثال آخر، وهو: (ما إذا
أمر المولى بالمشي ونهاه عن الحركة في مكان خاص، فان
العبد لو خالف المولى وأوجد المشي المأمور به في ضمن الحركة في
ذلك المكان عد عاصيا ومطيعا يستحق بالأول اللوم والعقاب و
بالثاني المدح والثواب).
139

نعم (1) لا بأس بصدق الإطاعة بمعنى حصول الغرض والعصيان في
التوصليات. وأما في العبادات فلا يكاد يحصل الغرض منها الا فيما
صدر من المكلف فعلا غير محرم وغير مبغوض عليه، كما تقدم (2).
بقي الكلام في حال التفصيل من بعض الاعلام (3)، والقول بالجواز
عقلا والامتناع عرفا.
140

وفيه (1): أنه لا سبيل للعرف في الحكم بالجواز أو الامتناع الا طريق
العقل (2)، فلا معنى لهذا التفصيل الا ما أشرنا (3) إليه من النظر
المسامحي
141

غير المبتني [غير المبني] على التدقيق والتحقيق، وأنت خبير (1)
بعدم العبرة به بعد الاطلاع على خلافه (2) بالنظر الدقيق، وقد عرفت
فيما تقدم (3) أن النزاع ليس في خصوص مدلول صيغة الأمر والنهي،
بل في الأعم (4)
142

فلا مجال (1) لان يتوهم أن العرف هو المحكم في تعيين المداليل
(2)، ولعله (3) كان بين مدلوليهما (4) حسب تعيينه تناف (5) لا
يجتمعان في واحد ولو بعنوانين (6) وان كان العقل (7) يرى جواز
اجتماع الوجوب والحرمة في واحد بوجهين، فتدبر.
وينبغي التنبيه على أمور
الأول:
أن الاضطرار إلى ارتكاب الحرام وان كان يوجب ارتفاع حرمته (8)
143

والعقوبة عليه مع بقاء ملاك وجوبه لو كان (1)
144

مؤثرا (1) له، كما إذا لم يكن بحرام بلا كلام (2)، الا أنه (3) إذا لم يكن
الاضطرار إليه (4) بسوء الاختيار بأن (5) يختار ما يؤدي إليه لا
محالة، فان (6)
145

الخطاب بالزجر عنه حينئذ (1) وان كان ساقطا (2) الا أنه (3) حيث
يصدر عنه مبغوضا عليه وعصيانا لذلك الخطاب ومستحقا عليه
العقاب لا يصلح لان يتعلق به الايجاب، وهذا (4) في الجملة مما لا
شبهة فيه ولا ارتياب.
وانما الاشكال فيما إذا كان ما اضطر إليه بسوء اختياره مما (5) ينحصر
به التخلص عن محذور الحرام، كالخروج عن الدار المغصوبة
فيما إذا توسطها بالاختيار (6) في كونه (7) منهيا عنه (8) أو مأمورا به
(9) مع
146

جريان حكم المعصية (1) عليه، أو بدونه (2)، فيه أقوال (3)، هذا (4)
على الامتناع.
وأما على القول بالجواز، فعن أبي هاشم: أنه مأمور به ومنهي عنه (5) [1]

[1] لا يخفى: أن صحة هذا القول مبنية على أمرين:
147

واختاره الفاضل القمي (1) ناسبا له إلى أكثر المتأخرين، وظاهر
الفقهاء. [1]

أحدهما: كفاية تعدد الجهة في جواز اجتماع الأمر والنهي. والاخر
جواز التكليف فعلا بأمر غير مقدور إذا كان عدم القدرة ناشئا عن
سوء الاختيار.
والثاني غير صحيح، لكون التكليف حينئذ لغوا وعبثا.
والأول مبني على كون التركيب بين متعلقي الأمر والنهي انضماميا لا
اتحاديا.
[1] كون ذلك ظاهر الفقهاء غير ظاهر، لان قولهم بوجوب الحج على
المستطيع إلى آخر ما نقلناه عن التقريرات لا يدل على ذلك، حيث إن
تقريبه:
أن وجوب الحج على من فاتت استطاعته تكليف بما لا يطاق، لكنه
لما كان تأخير الحج عن سنة الاستطاعة باختياره لم يكن به بأس. وما
نحن فيه أيضا كذلك، لان الاضطرار إلى الغصب لما كان باختياره، فلا
مانع من اجتماع الوجوب والحرمة فيه وان كان ذلك تكليفا بما
لا يطاق.
148

والحق أنه (1) منهي عنه بالنهي السابق الساقط بحدوث الاضطرار
إليه، وعصيان له بسوء الاختيار، ولا يكاد يكون مأمورا به، كما (2)

وجه عدم الدلالة: أن الاستطاعة الشرعية ليست شرطا حدوثا وبقاء
حتى يلزم من انتفائها مع بقاء الوجوب تكليف ما لا يطاق، بل يكفي
مع التأخير عمدا القدرة العقلية.
فاستظهار اجتماع الوجوب والحرمة في مسألتنا من العبارة المزبورة
في غير محله.
والقادح في هذا الاستظهار: أن المشهور بين الأصحاب هو القول
بالامتناع، ومجرد التزام كثير منهم بصحة صلاة الغاصب حين
الخروج، بل عن المنتهى دعوى (الاجماع على صحتها) لا يدل على
كونها مأمورا بها ومنهيا عنها، بل لا يدل على كونها مأمورا بها أيضا،
لاحتمال كفاية الملاك في الصحة، وعدم الحاجة إلى الامر، فيمكن أن
لا يكون المضطر إليه بسوء الاختيار مع الانحصار مأمورا به ولا
منهيا عنه فعلا كما اختاره المصنف، هذا.
لكن عن السيد في الذريعة: (التصريح بكون الخروج بنية التخلص
مأمورا به، وكذا المجامع زانيا له الحركة بقصد التخلص دون غيره)،
وعن صاحب المدارك (التصريح بعدم كون الخروج معصية، وأن
القول بجريان حكم المعصية عليه غلط صدر عن بعض الأصوليين).
149

إذا لم يكن هناك توقف (×) عليه، أو بلا انحصار به (1)، وذلك (2)
ضرورة أنه (3)

(×) لا يخفى أنه لا توقف هاهنا حقيقة، بداهة أن الخروج انما هو مقدمة
للكون في خارج الدار، لا مقدمة لترك الكون فيها الواجب، لكونه
ترك الحرام، نعم بينهما ملازمة لأجل التضاد بين الكونين، ووضوح
الملازمة بين وجود الشئ وعدم ضده، فيجب الكون في خارج
الدار عرضا، لوجوب ملازمة حقيقة، فتجب مقدمته كذلك. وهذا هو
الوجه في المماشاة والجري على أن مثل الخروج يكون مقدمة لما هو
الواجب من ترك الحرام، فافهم.
150

حيث كان قادرا على ترك الحرام رأسا لا يكون عقلا معذورا في
مخالفته فيما اضطر إلى ارتكابه بسوء اختياره. ويكون (1) معاقبا
عليه، كما إذا كان ذلك (2) بلا توقف عليه، أو مع عدم الانحصار به، و
لا يكاد (3) يجدي توقف انحصار التخلص عن الحرام به لكونه (4)
[1] بسوء الاختيار.

[1] كون الدخول مستندا إلى سوء الاختيار في غاية الوضوح. وأما كونه
علة لاستناد الخروج إلى سوء الاختيار، فقيل - كما في بعض
الحواشي - انه غير ظاهر، فالاستناد المزبور منوط بقيام دليل عليه.
لكن فيه: أن الاستناد المزبور مما يساعده العرف.
ثم إن الأولى أن يعلل عدم كون الخروج مأمورا به بأن الامر يستدعي
المصلحة في متعلقه، فان كانت نفسية، فالوجوب نفسي، وان كانت
مقدمية،
151



فالوجوب غيري، وكلتاهما مفقودتان في الخروج المفروض في
المقام.
أما الأول، فلتوقف مصلحته النفسية على انطباق عنوان حسن شرعا
عليه، والعنوان المتصور انطباقه على الخروج ليس الا التخلص عن
الغصب الموجب لكونه ذا مصلحة نفسية، وواجبا نفسيا، وذلك لا
يصلح لجعل الخروج معنونا بهذا العنوان، حيث إن التخلص عن
الغصب
عبارة عن تركه المتحقق بانتهاء الحركة الخروجية إلى الكون في خارج
المغصوب، فليس الخروج بنفسه معنونا بعنوان التخلص و
مصداقا له حتى يكون ذا مصلحة نفسية وواجبا نفسيا.
وبالجملة: فليس الخروج مصداقا للتخلص حتى يكون محبوبا و
واجبا، بل هو مصداق للغصب المبغوض المحرم، فما عن تقرير بحث
شيخنا الأعظم (قده) (من كون الخروج محبوبا ومطلوبا لأنه تخلص)
لا يخلو من الغموض.
وأما الثاني، فلعدم كون الحركات الخروجية مقدمة للتخلية الواجبة
التي هي إفراغ المكان عن التصرف العدواني فيه حتى تتصف
بالوجوب المقدمي، بل الحركات الخروجية مقدمة للكون في خارج
المكان المغصوب، وهو ليس بواجب، بل ملازم للواجب أعني
التخلية.
والحاصل: أن الخروج مقدمة لملازم التخلية الواجبة - وهو الكون في
المكان المباح - لا مقدمة لنفس الواجب حتى يجب لأجل المقدمية.
فالخروج ليس بواجب لا نفسيا ولا مقدميا، بل هو باق على
المبغوضية، فيعاقب عليه، لكون الاضطرار إليه بسوء الاختيار وان
ارتفعت
حرمته بالاضطرار. فالقول بوجوب الخروج نفسيا لانطباق عنوان
التخلص الواجب عليه، أو مقدميا، لكونه مقدمة للتخلص في غاية
الضعف. نعم يرشد العقل إلى اختيار الخروج دفعا للأفسد - وهو
الغصب الزائد على الخروج - بالفاسد، وهو الغصب بمقدار الخروج،
فما في المتن من عدم كون الخروج مأمورا به في غاية المتانة.
152

ان قلت (1): كيف لا يجديه (2) ومقدمة الواجب واجبة؟ قلت (3):
انما يجب المقدمة لو لم تكن محرمة، ولذا (4) لا يترشح الوجوب من
الواجب الا على ما هو المباح من المقدمات دون المحرمة مع
اشتراكهما في المقدمية.
وإطلاق (5) الوجوب [وأهمية الواجب] بحيث ربما يترشح منه
153

الوجوب عليها مع انحصار المقدمة بها انما هو (1) فيما إذا كان
الواجب أهم من ترك المقدمة المحرمة، والمفروض هاهنا (2) وان
كان
ذلك (3) الا أنه (4) كان بسوء الاختيار، ومعه (5) لا يتغير عما هو
عليه من الحرمة
154

والمبغوضية، والا (1) لكانت الحرمة معلقة على إرادة المكلف و
اختياره (2) لغيره، وعدم (3) حرمته مع [1] اختياره له، وهو كما ترى (4).

[1] الأولى أن يقال: (على اختياره) ليوافق عدله، وتكون العبارة هكذا:
(لكانت الحرمة معلقة على إرادة المكلف، وعدم الحرمة على اختياره
له)، فتدبر.
155

مع (1) أنه خلاف الفرض، وأن (2) الاضطرار يكون بسوء الاختيار.
ان قلت (3)، ان التصرف في أرض الغير بدون اذنه بالدخول
156

والبقاء حرام بلا إشكال ولا كلام (1)، وأما التصرف بالخروج الذي
يترتب عليه رفع الظلم ويتوقف عليه التخلص عن التصرف
الحرام، فهو ليس بحرام في حال من الحالات (2)، بل حاله (3) حال
مثل [مثل حال] شرب الخمر المتوقف عليه النجاة من الهلاك في
الاتصاف بالوجوب في جميع الأوقات.
ومنه (4) ظهر المنع عن كون جميع أنحاء التصرف في أرض الغير
157

مثلا حراما قبل الدخول، وأنه (1) يتمكن من ترك الجميع حتى
الخروج، وذلك (2) لأنه لو لم يدخل لما كان متمكنا من الخروج، و
تركه
وترك الخروج (3) بترك الدخول رأسا ليس (4) في الحقيقة الا ترك
الدخول،
158

فمن لم يشرب الخمر لعدم وقوعه في المهلكة التي يعالجها به مثلا لم
يصدق عليه الا أنه لم يقع في المهلكة، لا أنه ما شرب الخمر فيها (1)
الا على نحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع، كما لا يخفى.
وبالجملة: لا يكون الخروج بملاحظة كونه مصداقا للتخلص (2) عن
الحرام أو سببا له (3) الا مطلوبا (4)، ويستحيل (5) أن يتصف بغير
159

المحبوبية، ويحكم (1) عليه بغير المطلوبية.
قلت: هذا (2) غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال على كون
ما انحصر به التخلص مأمورا به، وهو موافق لما أفاده شيخنا العلامة
أعلى الله مقامه على ما في تقريرات بعض الأجلة.
لكنه (3)
160

لا يخفى أن ما به التخلص (1) عن فعل الحرام أو ترك الواجب انما
يكون حسنا عقلا ومطلوبا شرعا (2) بالفعل وان كان قبيحا ذاتا إذا
لم يتمكن المكلف من التخلص بدونه (3)، ولم يقع بسوء اختياره (4)
اما في الاقتحام في ترك الواجب أو (5) فعل الحرام،
161

واما (1) في الاقدام على ما هو قبيح وحرام لولا (2) أن به التخلص
بلا كلام كما هو (3) المفروض في المقام، ضرورة تمكنه (4) منه قبل
اقتحامه فيه بسوء اختياره.
وبالجملة (5):
162

كان قبل ذلك (1) متمكنا من التصرف خروجا كما يتمكن منه دخولا،
غاية الامر يتمكن منه بلا واسطة، ومنه (2) بالواسطة. ومجرد (3)
عدم التمكن منه الا بواسطة (4) لا يخرجه عن كونه (5) مقدورا،
163

كما هو الحال (1) في البقاء، فكما يكون تركه (2) مطلوبا في جميع
الأوقات (3)، فكذلك الخروج، مع (4) أنه مثله في الفرعية على
الدخول،
164

فكما لا تكون الفرعية مانعة عن مطلوبيته (1) قبله وبعده، كذلك لم
تكن مانعة عن مطلوبيته (2) وان كان العقل يحكم بلزومه (3)
إرشادا إلى اختيار أقل المحذورين وأخف القبيحين.
ومن هنا (4) ظهر حال شرب الخمر علاجا وتخلصا عن المهلكة، و
أنه (5) انما يكون مطلوبا على كل حال (6) لو لم يكن الاضطرار إليه
بسوء
165

الاختيار، والا (1) فهو على ما هو عليه من الحرمة وان كان العقل
يلزمه إرشادا إلى ما هو أهم وأولى بالرعاية من تركه، لكون (2)
الغرض فيه أعظم، فمن (3) ترك الاقتحام فيما يؤدي إلى هلاك النفس
أو شرب الخمر لئلا يقع في أشد المحذورين منهما (4) فيصدق (5)
أنه تركهما [تركها] ولو بتركه ما لو فعله لادى لا محالة إلى أحدهما
(6)، كسائر
166

الافعال التوليدية [1] حيث يكون العمد إليها بالعمد إلى أسبابها، و
اختيار تركها (1) بعدم العمد إلى الأسباب، وهذا (2) يكفي في
استحقاق

[1] في كون الشرب والخروج من الافعال التوليدية منع، لان الفعل
التوليدي عبارة عما يكون سببه فقط تحت قدرة المكلف، لترتب
المسبب عليه قهرا، كحصول الطهارة الحدثية الصغرى بالغسلتين و
المسحتين، والكبرى بغسل جميع البدن، والاحراق بالالقاء في النار،
ونحوها مما لا يتوسط بين الأثر والفعل إرادة فاعل مختار. وهذا
بخلاف الشرب والخروج، فإنهما لا يترتبان قهرا على اختيار
الدخول في المغصوب، وإيجاد ما يؤدي إلى المرض المهلك الذي
يتوقف النجاة منه على شرب الخمر، بل ترتبهما عليهما انما يكون
بالإرادة والاختيار.
اللهم الا أن يقال: ان المراد ترتب التصرف الخروجي على الدخولي، و
ترتب الشرب المنجي من الهلاك على المرض المؤدي إليه، لكن
تسمية ذلك بالفعل التوليدي خلاف الاصطلاح، فالأولى أن يقال:
(انهما مقدوران بالواسطة نظير الافعال التوليدية).
167

العقاب على الشرب للعلاج وان كان (1) لازما عقلا للفرار عما هو أكثر
عقوبة.
ولو سلم (2) عدم الصدق الا بنحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع
فهو غير ضائر بعد تمكنه من الترك ولو على نحو هذه السالبة (3)،
ومن الفعل (4)
168

بواسطة (1) تمكنه مما هو من قبيل الموضوع (2) في هذه السالبة،
فيوقع (3) نفسه بالاختيار في المهلكة، أو يدخل الدار، فيعالج بشرب
الخمر، ويتخلص بالخروج، أو يختار (4) ترك الدخول والوقوع (5)
فيهما لئلا يحتاج إلى التخلص والعلاج.
ان قلت (6): كيف يقع مثل الخروج والشرب ممنوعا عنه شرعا
169

ومعاقبا عليه [1] عقلا مع بقاء ما (1) يتوقف عليه على وجوبه، لسقوط
(2)

[1] الأولى أن يقال: (ومستحقا عليه العقاب عقلا) لان العقل يحكم
باستحقاق العقاب. وأما العقوبة الفعلية التكوينية فهي فعل الشارع
دون العقل، لما عرفت من أن فعله هو حكمه بالاستحقاق، وهذا أيضا
مراد المصنف (قده) لكن العبارة قاصرة عن تأديته.
170

[ووضوح سقوط] الوجوب مع امتناع المقدمة المنحصرة ولو كان
بسوء الاختيار، والعقل قد استقل بأن الممنوع شرعا كالممتنع عادة
أو عقلا.
قلت (1) أولا: انما كان الممنوع كالممتنع إذا لم يحكم العقل بلزومه
(2) إرشادا إلى ما هو أقل المحذورين. وقد عرفت (3) لزومه
171

بحكمه، فإنه مع لزوم الاتيان بالمقدمة عقلا (1) لا بأس في [1] بقاء ذي
المقدمة على وجوبه، فإنه (2) حينئذ ليس من التكليف بالممتنع كما
(3) إذا كانت المقدمة ممتنعة.
وثانيا (4): لو سلم فالساقط انما هو الخطاب فعلا بالبعث

[1] الأولى تبديل (في) بالباء بأن يقال: (لا بأس ببقاء ذي المقدمة).
172

والايجاب [1] لا لزوم (1) إتيانه عقلا، خروجا (2) عن عهدة ما تنجز
عليه سابقا (3)، ضرورة (4) أنه لو لم يأت به لوقع في المحذور
الأشد، ونقض الغرض الأهم، حيث (5) انه الان (6) كما كان عليه من
الملاك والمحبوبية بلا حدوث قصور أو طروء فتور فيه أصلا، وانما كان

[1] لا يخفى أنه مع انحصار طريق إحراز الملاك بالخطاب المشتمل
على الطلب الفعلي ينسد باب إحرازه بسقوط الخطاب، فيشكل
حينئذ
تصحيح العبادة به.
173

سقوط الخطاب لأجل المانع (1)، وإلزام (2) العقل به لذلك إرشادا
كاف لا حاجة معه إلى بقاء الخطاب بالبعث إليه والايجاب له فعلا
(3)، فتدبر جيدا.
وقد ظهر مما حققناه (4) فساد القول بكونه مأمورا به مع إجراء
174

حكم المعصية (1) عليه نظرا (2) إلى النهي السابق، مع ما فيه (3) من
لزوم اتصاف فعل واحد بعنوان واحد بالوجوب والحرمة. [1] ولا
يرتفع غائلته (4)

[1] لا يخفى أنه لا يرد هذا الاشكال على صاحب الفصول (قده)، لأنه
لا يقول بكون الخروج معصية حقيقية حتى يكون حراما كي يلزم
اتصافه بالوجوب والحرمة، ويحتاج إلى الدفع، بل يقول بأنه في حكم
المعصية يعني في استحقاق العقوبة، كما يظهر من عبارته التي
ننقلها في التعليقة الآتية إن شاء الله تعالى.
175

باختلاف زمان التحريم والايجاب قبل الدخول وبعده (1) كما في
الفصول مع اتحاد زمان الفعل المتعلق لهما، وانما المفيد (2) اختلاف
زمانه ولو مع اتحاد زمانهما، وهذا أوضح من أن يخفى، كيف (3) ولازمه
176

وقوع الخروج بعد الدخول عصيانا للنهي السابق وإطاعة للامر اللاحق
فعلا (1) ومبغوضا ومحبوبا كذلك (2) بعنوان واحد (3)، وهذا
(4) مما لا يرضى به القائل بالجواز فضلا عن القائل بالامتناع.
كما لا يجدي (5) في رفع هذه الغائلة كون النهي مطلقا وعلى كل
177

حال، وكون الامر مشروطا بالدخول [1] ضرورة (1) منافاة حرمة

[1] قال في الفصول في الثلث الأخير من مبحث اجتماع الأمر والنهي
ما لفظه: (وتوضيح المقام: أن ترك الغصب مراد من المكلف بجميع
أنحائه التي يتمكن من تركه إرادة فعلية مشروطا بقاؤها ببقاء تمكنه
منه، وحيث انه قبل الدخول يتمكن من ترك الغصب بجميع أنحائه
دخولا وخروجا، فترك الجميع مراد منه قبل دخوله، فإذا دخل فيه
ارتفع تمكنه من تركه بجميع أنحائه مقدار ما يتوقف التخلص عليه، و
هو مقدار خروجه مثلا، فيمتنع بقاء إرادة تركه كذلك، وقضية ذلك أن
لا يكون بعض أنحاء تركه حينئذ مطلوبا، فيصح أن يتصف
بالوجوب، لخلوه عن المنافي، والعقل والنقل قد تعاضدا على أن
ليس ذلك الا التصرف بالخروج، فيكون للخروج بالقياس إلى ما قبل
الدخول وما بعده حكمان متضادان أحدهما مطلق وهو النهي عن
الخروج، والاخر مشروط بالدخول وهو الامر به، وهما غير
مجتمعين فيه ليلزم الجمع بين الضدين، بل يتصف بكل في زمان، و
يلحقه حكمهما من استحقاق العقاب والثواب باعتبار الحالين. ولو
كانت مبغوضية شئ في زمان مضادة لمطلوبيته في زمان آخر لامتنع
البداء في حقنا مع وضوح جوازه، وانما لا يترتب هنا أثر الأول
لرفع البداء له بخلاف المقام) انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في
علو مقامه.
وأنت خبير بما في كلامه من القرائن الدالة على عدم إرادة اجتماع
الوجوب
178



والحرمة في الخروج، بل تدل على تخصيص حرمة أنحاء التصرف و
إخراج الخروج بعد الدخول عن حيز عموم الحرمة.
منها: قوله: (مشروطا بقاؤها ببقاء تمكنه منه. إلخ) لدلالته على انتفاء
إرادة ترك الخروج، لعدم تمكنه من ترك الغصب حينئذ، فلا
يتصف بالحرمة.
ومنها: قوله: (وهما غير مجتمعين فيه. إلى قوله: بل يتصف بكل في
زمان. إلخ) فإنه كالصريح في اختلاف زمان اتصاف المتعلق
بالوجوب والحرمة، لا اختلاف زمان إنشائهما ليقال: انه غير مانع عن
اجتماعهما.
ومنها: قوله: (ولو كانت مبغوضية شئ في زمان مضادة. إلخ) فإنه
أيضا كالصريح في اختلاف زمان الفعل المتصف بالمبغوضية و
المطلوبية، لوضوح تعدد زمان محبوبية شئ ومبغوضيته في البداء،
ولو كان منشأ المحبوبية أو المبغوضية الجهل بخصوصيات
الموضوع، كما لا يخفى.
وقد ظهر مما ذكرنا: عدم ورود شئ من إشكالات المصنف على
صاحب الفصول (قدهما) من لزوم اتصاف فعل واحد بعنوان واحد
بالوجوب والحرمة، لما عرفت من عدم لزومه أصلا، إذ المفروض
سقوط النهي عقلا بالاضطرار، ولا يبقى الا أثره، وهو استحقاق
العقوبة. وأما نفس الفعل، فلا يكون حراما بل هو واجب فقط. ولا
منافاة بين الوجوب واستحقاق العقوبة كالجهر في موضع الاخفات و
بالعكس جهلا، حيث إن الصلاة صحيحة ومأمور بها، ومع ذلك
يستحق العقوبة عليها.
ومن وقوع الخروج بعد الدخول عصيانا للنهي السابق وإطاعة للامر
اللاحق، لما ظهر من كلام الفصول من سقوط النهي عن الخروج،
فلا يكون
179

شئ كذلك (1) مع وجوبه في بعض الأحوال (2).
وأما القول بكونه مأمورا به ومنهيا عنه (3)، ففيه مضافا (4) إلى ما
عرفت: من امتناع الاجتماع فيما إذا كان بعنوانين فضلا (5) عما إذا

عصيانا، بل بحكم المعصية من استحقاق العقوبة، فليس الدخول
عصيانا وإطاعة.
ومن عدم إجراء إطلاق النهي، واشتراط الامر في دفع غائلة
الاجتماع، لما عرفت من عدم التزام الفصول بالاجتماع، وعدم إرادته
من
الاطلاق العموم بل مراده الاطلاق في مقابل الاشتراط، فتدبر.
180

كان بعنوان واحد كما في المقام، حيث كان الخروج بعنوانه سببا (1)
للتخلص وكان (2) بغير اذن المالك، وليس التخلص (3) الا منتزعا عن
181

ترك الحرام المسبب (×) عن الخروج لا عنوانا له (1) أن الاجتماع (2)
ها هنا [هنا -] لو سلم أنه (3) لا يكون بمحال، لتعدد (4) العنوان،

(×) قد عرفت مما علقت على الهامش: أن ترك الحرام غير مسبب عن
الخروج حقيقة، وانما المسبب عنه هو الملازم له وهو الكون في
خارج الدار، نعم يكون مسببا عنه مسامحة وعرضا.
وقد انقدح بذلك: أنه لا دليل في البين الا على حرمة الغصب
المقتضي لاستقلال العقل بلزوم الخروج من باب أنه أقل المحذورين،
وأنه لا
دليل على وجوبه بعنوان آخر، فحينئذ يجب إعماله أيضا بناء على
القول بجواز الاجتماع كاحتمال النهي عن الغصب ليكون الخروج
مأمورا به ومنهيا عنه، فافهم.
182

وكونه (1) مجديا في رفع غائلة التضاد - كان (2) محالا لأجل كونه
(3) طلب المحال حيث لا مندوحة هنا [) 4 ها هنا] وذلك (5)
لضرورة عدم صحة تعلق الطلب والبعث حقيقة بما هو واجب [بفعل
واجب] أو ممتنع
183

[أو ترك كذلك] ولو كان الوجوب أو الامتناع بسوء الاختيار (1).
وما قيل (2): (ان الامتناع أو الايجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار) انما
(3) هو في قبال استدلال الأشاعرة للقول بأن الافعال غير
اختيارية بقضية (4) أن الشئ ما لم يجب (5) لم يوجد.
184

فانقدح بذلك (1) فساد الاستدلال لهذا القول (2) بأن (3) الامر
بالتخلص والنهي عن الغصب دليلان يجب إعمالهما، ولا موجب
للتقييد
عقلا لعدم (4) استحالة كون الخروج واجبا وحراما باعتبارين
مختلفين (5)، إذ (6) منشأ الاستحالة اما لزوم اجتماع الضدين، وهو
غير لازم مع تعدد
185

الجهة (1)، واما لزوم التكليف بما لا يطاق، وهو ليس بمحال إذا كان
مسببا عن سوء الاختيار (2)، وذلك (3) لما عرفت (4) من ثبوت
الموجب للتقييد عقلا ولو كانا بعنوانين، وأن (5) اجتماع الضدين
لازم ولو مع تعدد الجهة (6)، مع (7)
186

عدم تعددها هاهنا (1). والتكليف بما لا يطاق محال (2) على كل
حال، نعم (3) لو كان بسوء الاختيار لا يسقط العقاب بسقوط التكليف
بالتحريم أو الايجاب.
187

ثم لا يخفى (1)
188

أنه لا إشكال في صحة الصلاة مطلقا (1) في الدار المغصوبة على
القول بالاجتماع (2). وأما على القول بالامتناع، فكذلك (3) مع
الاضطرار إلى الغصب (4) لا بسوء الاختيار أو معه [) 5 إلى الغصب
مطلقا أو بسوء الاختيار] ولكنها وقعت في حال الخروج على القول
بكونه مأمورا به بدون إجراء حكم المعصية عليه (6)،
189

أو مع (1) غلبة ملاك الامر على النهي مع ضيق الوقت، أما [وأما] مع
السعة (2)
190

فالصحة وعدمها مبنيان على عدم اقتضاء الامر بالشئ للنهي [النهي]
عن الضد واقتضائه، فان (1) الصلاة في الدار المغصوبة وان كانت
مصلحتها غالبة على ما فيها من المفسدة، الا أنه لا شبهة في أن الصلاة
في غيرها (2) تضادها (3)
191

بناء (1) على أنه لا يبقى مجال مع إحداهما (2) للأخرى (3) مع كونها
(4) أهم منها، لخلوها (5) من [عن] المنقصة الناشئة من قبل اتحادها
مع الغصب. لكنه (6) عرفت عدم الاقتضاء بما لا مزيد عليه، فالصلاة
(7) في الغصب [اختيارا [1]] في سعة الوقت صحيحة وان لم تكن

[1] ليست هذه الكلمة في جملة من النسخ، والظاهر عدم الحاجة
إليها، إذ بعد فرض تمامية ملاك الامر وغلبته على مناط النهي لا وجه
لبطلان الصلاة في المغصوب في سعة الوقت الا النهي الغيري، ولا
فرق في هذا النهي الملازم للامر بين الاختيار والاضطرار بعد فرض
سعة الوقت، وإمكان الاتيان بالصلاة في غير المغصوب، فالحق
إسقاط كلمة (اختيارا) كما في بعض النسخ.
192

مأمورا بها (1).
الامر الثاني:
قد مر في بعض المقدمات (2) أنه لا تعارض بين مثل
193

خطاب (صل) وخطاب (لا تغصب) على الامتناع (1) تعارض (2)
الدليلين بما هما دليلان حاكيان (3) كي يقدم الأقوى منهما دلالة أو
سندا، بل انما هو من باب تزاحم المؤثرين والمقتضيين، فيقدم الغالب
منهما (4)
194

وان كان الدليل على مقتضي الاخر أقوى من دليل مقتضاه (1). هذا
(2) فيما [إذا] أحرز الغالب منهما، والا (3) كان بين الخطابين
تعارض،
فيقدم الأقوى منهما دلالة أو سندا، وبطريق الان (4)
195

يحرز به أن مدلوله (1) أقوى مقتضيا. هذا (2) لو كان كل من الخطابين
متكفلا لحكم فعلي [للحكم الفعلي.] والا (3) فلا بد من الاخذ
بالمتكفل لذلك (4)
196

منهما لو كان، والا (1) فلا محيص عن الانتهاء إلى ما تقتضيه الأصول
العملية.
ثم [) 2 انه] لا يخفى أن ترجيح أحد الدليلين وتخصيص الاخر به في
المسألة لا يوجب (3)
197

خروج مورد الاجتماع عن تحت الاخر رأسا (1) كما هو (2) قضية
التقييد والتخصيص في غيرها مما لا يحرز فيه المقتضي لكلا
الحكمين،
بل قضيته (3) ليس الا خروجه فيما كان الحكم الذي هو مفاد الاخر
فعليا، وذلك (4)
198

لثبوت المقتضي في كل واحد من الحكمين فيها (1)، فإذا (2) لم يكن
المقتضي لحرمة الغصب مؤثرا لها لا اضطرار أو جهل أو نسيان كان
المقتضي لصحة الصلاة مؤثرا لها (3) فعلا (4)، كما إذا (5) لم يكن
دليل الحرمة أقوى، أو لم يكن واحد من الدليلين دالا على الفعلية
أصلا.
199

فانقدح بذلك (1) فساد الاشكال (2) في صحة الصلاة في صورة
الجهل أو النسيان ونحوهما (3) فيما إذا قدم خطاب (لا تغصب) (4)
كما
هو الحال (5) فيما إذا كان الخطابان من أول الامر (6) متعارضين، ولم
يكونا (7)
200

من باب الاجتماع أصلا، وذلك (1) لثبوت المقتضي في هذا الباب
(2) كما إذا لم يقع بينهما (3) تعارض، ولم يكونا (4) متكفلين للحكم
الفعلي فيكون (5) وزان التخصيص في مورد الاجتماع وزان
التخصيص العقلي الناشئ من جهة تقديم أحد المقتضيين وتأثيره
فعلا لمختص (6) بما
201

إذا لم يمنع عن تأثيره مانع (1) المقتضي (2) لصحة مورد الاجتماع مع
الامر (3)، أو بدونه (4) فيما كان هناك مانع عن تأثير المقتضي
للنهي له (5) أو عن فعليته (6) كما مر تفصيله (7).
202

وكيف كان (1)، فلا بد في ترجيح أحد الحكمين من مرجح،
وقد ذكروا لترجيح النهي وجوها
منها: أنه (2) أقوى دلالة،
لاستلزامه انتفاء جميع الافراد، بخلاف الامر (3). وقد أورد عليه (4)
203

بأن ذلك (1) فيه من جهة إطلاق متعلقه بقرينة الحكمة. كدلالة الامر
على الاجتزاء بأي فرد كان.
وقد أورد عليه (2) بأنه لو كان العموم المستفاد من النهي بالاطلاق
بمقدمات الحكمة وغير (3) مستند إلى دلالته عليه (4) بالالتزام لكان استعمال
204

مثل (لا تغصب) في بعض أفراد الغصب حقيقة (1)، وهذا (2) واضح
الفساد.
فيكون (3) دلالته (4) على العموم من جهة أن وقوع الطبيعة في حيز
النفي أو النهي يقتضي عقلا سريان الحكم إلى جميع الافراد، ضرورة
(5) عدم الانتهاء عنها أو انتفائها (6) الا بالانتهاء عن الجميع أو انتفائه
(7).
205

قلت: دلالتهما (1) على العموم والاستيعاب ظاهرا مما لا ينكر، لكنه (2)
206

من الواضح أن العموم المستفاد منهما كذلك (1) انما هو بحسب ما
يراد من متعلقهما، فيختلف (2) سعة وضيقا، فلا يكاد يدل على
استيعاب جميع الافراد الا إذا أريد منه (3) الطبيعة مطلقة وبلا قيد، و
لا يكاد يستظهر ذلك (4) مع عدم دلالته (5) عليه بالخصوص الا
بالاطلاق وقرينة الحكمة بحيث لو لم يكن هناك قرينتها (6) بأن يكون الاطلاق
207

في غير مقام البيان لم يكد يستفاد استيعاب أفراد الطبيعة (1)، وذلك
(2) لا ينافي دلالتهما (3) على استيعاب أفراد ما يراد من المتعلق،
إذ الفرض عدم الدلالة على أنه (4) المقيد أو المطلق.
اللهم الا أن يقال (5):
208

ان في دلالتهما (1) على الاستيعاب كفاية ودلالة على أن المراد من
المتعلق هو المطلق، كما ربما يدعى ذلك (2) في مثل (كل رجل، وأن
[) 3 فان] مثل لفظة (كل) تدل على استيعاب جميع أفراد الرجل من
غير حاجة إلى ملاحظة إطلاق مدخوله وقرينة الحكمة، بل يكفي
إرادة ما هو معناه من (4) الطبيعة المهملة ولا بشرط في دلالته (5)
على الاستيعاب، وان (6) كان
209

لا يلزم مجاز أصلا (1) لو أريد منه خاص بالقرينة، لا فيه (2)، لدلالته
(3) على استيعاب أفراد ما يراد من المدخول، ولا فيه (4) إذا كان
بنحو تعدد الدال والمدلول (5)، لعدم (6)
210

استعماله الا فيما وضع له، والخصوصية مستفادة من دال آخر، فتدبر (1).
ومنها (2): أن دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة.
وقد أورد عليه في القوانين بأنه (3)
211

مطلقا ممنوع، لان [1 [1 في ترك الواجب أيضا مفسدة إذا تعين.
ولا يخفى ما فيه (2)، فان الواجب ولو كان معينا ليس الا لأجل أن في
فعله مصلحة يلزم استيفاؤها من دون أن يكون في تركه مفسدة،
كما أن الحرام ليس الا لأجل المفسدة في فعله بلا مصلحة في تركه.

[1] لا يخفى أن التعليل لا ينطبق على المعلل، إذ المدعى منع
الاطلاق، فتعليله بما فيه خروج موضوعي عن أصل القاعدة غير
ملائم له.
توضيحه: أن منع الاطلاق انما يكون في مورد وجود المصلحة و
المفسدة حتى يكون مندرجا في موضوع القاعدة، وخارجا عن
حكمها،
وهو أولوية ترك المفسدة من جلب المصلحة من باب تقديم أحد
المتزاحمين على الاخر.
وأما إذا كان هناك مفسدتان، فذلك خارج عن أصل هذه القاعدة، لا
عن إطلاقها، إذ المفروض وجود مفسدتين إحداهما في ترك
الواجب، والأخرى في فعل الحرام. فتعليل عدم إطلاق القاعدة بما
يخرجه عن موضوعها عليل.
212

ولكن يرد عليه (1): أن الأولوية مطلقا (2) ممنوعة، بل ربما يكون
العكس أولى، كما يشهد به (3) مقايسة فعل بعض المحرمات مع ترك
بعض الواجبات خصوصا مثل الصلاة وما يتلو تلوها (4).
213

ولو سلم (1)، فهو أجنبي (×) عن المقام، فإنه (2) فيما إذا دار بين
الواجب والحرام. [1]

(×) فان الترجيح به انما يناسب ترجيح المكلف واختياره للفعل أو
الترك بما هو أوفق بغرضه، لا المقام وهو جعل الاحكام، فان المرجح
هناك ليس الا حسنها وقبحها العقليان، لا موافقة الاغراض و
مخالفتها، كما لا يخفى، تأمل تعرف.
[1] لكن علل المصنف في الحاشية التي نقلناها آنفا أجنبية أولوية دفع
214

ولو سلم (1)، فإنما يجدي فيما لو حصل القطع.
ولو سلم أنه (2)

المفسدة من جلب المنفعة عن المقام بما حاصله: أن الأولوية انما هي
بالإضافة إلى المكلف في مقام اختيار الفعل أو الترك، فإنه يدفع
المفسدة عن نفسه، ويجلب المنفعة إليها. وأما في مقام جعل
الاحكام، فليس هناك مقام جلب المنفعة ولا دفع المفسدة، بل
المرجح
لأحدهما غلبة حسن الفعل على قبحه، أو العكس، هذا.
وعلل المصنف أجنبية القاعدة عن المقام في فوائده ب: أنه لا دوران
في محل الكلام، ووجهه: أن استيفاء كلا الغرضين ممكن هنا بالصلاة
في غير الغصب، وترك الغصب بجميع أفراده، فله التحرز عن
المفسدة مطلقا مع جلب المنفعة.
215

يجدي ولو لم يحصل (1)، فإنما يجدي [يجري] فيما لا يكون هناك
مجال لأصالة البراءة أو الاشتغال، كما (2) في دوران الامر بين
الوجوب والحرمة التعيينيين (3)، لا فيما تجري، كما في محل
الاجتماع (4)،
216

لأصالة البراءة عن حرمته، فيحكم (1) بصحته ولو قيل بقاعدة
الاشتغال في الشك في الاجزاء والشرائط (2)، فإنه (3)
217

لا مانع عقلا الا فعلية الحرمة المرفوعة عقلا ونقلا بأصالة البراءة عنها
(1).
نعم (2) لو قيل (×) بأن المفسدة الواقعية الغالبة مؤثرة في المبغوضية

(×) كما هو غير بعيد كله بتقريب: أن إحراز المفسدة والعلم بالحرمة
الذاتية كاف في تأثيرها بما لها من المرتبة، ولا يتوقف تأثيرها
كذلك على إحرازها بمرتبتها، ولذا كان العلم بمجرد حرمة شئ
موجبا لتنجز حرمته على ما هي عليه من المرتبة ولو كانت في أقوى
مراتبها، ولاستحقاق العقوبة الشديدة على مخالفتها حسب شدتها
كما لا يخفى، هذا، لكنه انما يكون إذا لم يحرز أيضا ما يحتمل أن
يزاحمها ويمنع عن تأثيرها المبغوضية. وأما معه فيكون الفعل كما إذا
لم يحرز أنه ذو مصلحة أو مفسدة مما لا يستقل العقل بحسنه أو
قبحه، وحينئذ يمكن أن يقال بصحته عبادة لو أتى به بداعي الامر
المتعلق بما عليه من الطبيعة بناء على عدم اعتبار أزيد من إتيان العمل
قريبا في العبادة، وامتثالا للامر بالطبيعة، وعدم اعتبار كونه ذاتا
راجحا، كيف ويمكن أن لا يكون جل العبادات ذاتا راجحا، بل انما
يكون كذلك فيما إذا أتى بها على نحو قربي.
نعم المعتبر في صحة العبادة انما هو أن لا يقع منه مبغوضا عليه، كما لا
يخفى، وقولنا: (فتأمل) إشارة إلى ذلك.
218

ولو لم تكن [الغلبة] بمحرزة، فأصالة البراءة غير جارية [) 1 غير
مجدية] بل كانت أصالة الاشتغال بالواجب لو كان عبادة محكمة ولو
قيل بأصالة البراءة في الاجزاء والشرائط، لعدم [1 [2 تأتي قصد
القربة

[1] لا يخفى أن هذا لا يصلح لان يكون تعليلا لجريان قاعدة الاشتغال،
لأنه مع عدم إمكان التقرب يقطع بفساد الصلاة، لا أنه يشك فيها
حتى تجري قاعدة الاشتغال.
219

مع الشك في المبغوضية [1] فتأمل (1).

[1] لا يخفى أن شيخنا الأعظم (قده) قد أورد على قاعدة أولوية دفع
المفسدة من جلب المصلحة بوجهين:
الأول: ما تقدم من أنه لا مسرح لهذه القاعدة الا في مورد يحكم فيه
بالتخيير بعد عدم الاخذ بالترجيح. إلخ.
الثاني: أن من الظاهر أن القاعدة المذكورة انما يؤخذ بها فيما إذا كانت
المفسدة والمصلحة متساويتين في ترتبهما على الفعل و
الترك، وليس كذلك فيما نحن بصدده، فان الوجوب المفروض في
المقام مما يحصل المصلحة فيه بإتيان فرد آخر من الطبيعة الواجبة،
بخلاف الحرمة، فإنها عينية لا بدل لها.
220

ومنها (1): الاستقراء،
فإنه يقتضي ترجيح جانب الحرمة على جانب الوجوب كحرمة الصلاة
(2) في أيام الاستظهار (3)، وعدم (4) جواز الوضوء من الإناءين
المشتبهين.
221

وفيه: أنه لا دليل على اعتبار الاستقراء (1) ما لم يفد القطع (2).
ولو سلم (3)، فهو لا يكاد يثبت بهذا المقدار (4).
ولو سلم (5)، فليس حرمة الصلاة في تلك الأيام، ولا عدم جواز
222

الوضوء منهما (1) مربوطا بالمقام، لان (2) حرمة الصلاة فيها انما
تكون لقاعدة الامكان [1 [3 والاستصحاب [2] المثبتين (4) لكون
الدم (5)

[1] نعم نفس تشريع هذه القاعدة في ظرف الشك في حيضية الدم
تغليب لجانب الحرمة على الوجوب، فالجواب عن حرمة الصلاة في
أيام
الاستظهار بأجنبيتها عن المقام - وهو تغليب جانب الحرمة - وأنها
لقاعدة الامكان غير وجيه.
[2] ان كان الاستصحاب جاريا في حائضية المرأة، فلا بأس به، لاجتماع
أركانه، ويترتب عليه حرمة الصلاة، لكن لا يثبت به حيضية الدم
حتى يترتب عليه الآثار المترتبة على حيضيته، كعدم العفو عن قليله
في الصلاة. وكذا إذا كان جاريا في خروج الدم، فلا يثبت به أيضا
حيضيته إلا على القول بالأصل المثبت، نعم لا بأس بقاعدة الامكان.
223

حيضا، فيحكم بجميع أحكامه (1) ومنها حرمة الصلاة عليها، لا (2)
لأجل تغليب جانب الحرمة كما هو المدعى. هذا (3) لو قيل بحرمتها
الذاتية في أيام [حال] الحيض، والا (4) فهو خارج عن محل الكلام.
224

ومن هنا (1) انقدح أنه ليس منه (2) ترك الوضوء من الإناءين، فان
(3) حرمة الوضوء من الماء النجس ليس الا تشريعيا، ولا تشريع فيما
لو توضأ منهما (4) احتياطا، فلا حرمة (5) في البين غلب جانبها،
فعدم جواز الوضوء منهما ولو كذلك (6) بل إراقتهما كما في النص (7)

(1) و (2) الوسائل كتاب الطهارة الجزء 1. الباب 8 من أبواب الماء المطلق الحديث 2 و 4
225

ليس (1) الا من باب التعبد، أو من جهة الابتلاء بنجاسة البدن ظاهرا
بحكم الاستصحاب (2)، للقطع بحصول النجاسة حال ملاقاة
المتوضئ
من (3) الآنية [من الاناء] الثانية، اما (4) بملاقاتها، أو بملاقاة الأولى، و
عدم [1] (5)

[1] الصواب أن يقال: (وعدم العلم باستعمال مطهر) لا نفي استعماله
واقعا، لاحتماله مع كون ماء الأولى نجسا واقعا.
226

استعمال مطهر بعده ولو (1) طهر بالثانية مواضع الملاقاة بالأولى [1]
نعم (2) لو طهرت على تقدير نجاستها بمجرد ملاقاتها بلا حاجة
إلى التعدد أو انفصال الغسالة (3) لا يعلم تفصيلا بنجاستها (4) وان
علم بنجاستها

[1] الظاهر أن وزان الإناءين المشتبهين وزان الثوبين المشتبهين في
إمكان الاحتياط، لوضوح إمكان العلم بالصلاة مع الوضوء الصحيح
الواقعي بأن يأتي عقيب كل وضوء بعد غسل الأعضاء بالماء الثاني
قبل التوضؤ به بصلاة كالاتيان بها في كل من الثوبين المشتبهين،
فإنه يحصل العلم حينئذ بوجود صلاة صحيحة واقعا، كالعلم بحصولها
في الثوبين المشتبهين، كما لا يخفى.
227

حين ملاقاة الأولى أو الثانية إجمالا (1)، فلا مجال لاستصحابها (1) [1]

[1] بل له مجال، إذ لا مانع من استصحاب النجاسة من زمانها الواقعي
المعلوم إجمالا إلى هذا الزمان، لاحتمال بقائها من زمانها متصلا
إلى هذا الزمان فان طهارة الأعضاء المعلومة قبل استعمال الماءين قد
ارتفعت باستعمال الماء المتنجس قطعا، فتستصحب نجاستها،
للشك في ارتفاعها، فزمان الشك في النجاسة - وهو الزمان المتأخر
عن زمان الملاقاة للماء المتنجس - متصل بزمان اليقين بملاقاتها
للماء المتنجس.
وبالجملة: يصدق أن الأعضاء قد علمت نجاستها في زمان وشك في
بقائها، فتستصحب، فلا مانع من شمول دليل الاستصحاب للمقام.
ومنه يظهر: أنه إذا كانت الحالة السابقة للأعضاء قبل استعمال الماءين
النجاسة، فتستصحب طهارتها، للعلم بارتفاع النجاسة، وعروض
الطهارة عليها والشك في ارتفاعها.
والحاصل: أنه يستصحب ضد الحالة السابقة على استعمال الاناءين.
وعلى هذا، فالمرجع الاستصحاب، لا قاعدة الطهارة كما في المتن.
228

بل كانت قاعدة الطهارة محكمة.
229

الامر الثالث (1):
الظاهر لحوق تعدد الإضافات بتعدد (2) العنوانات والجهات في أنه
(3) لو كان تعدد الجهة والعنوان كافيا مع وحدة المعنون وجودا في
جواز الاجتماع كان تعدد الإضافات مجديا، ضرورة أنه (4)
230

يوجب أيضا (1) اختلاف المضاف بها (2) بحسب (3) المصلحة و
المفسدة، والحسن والقبح عقلا، وبحسب الوجوب والحرمة شرعا،
فيكون مثل (4) (أكرم العلماء ولا تكرم الفساق) من باب الاجتماع (5)
(كصل ولا تغصب) لا من باب التعارض (6) الا إذا لم يكن للحكم
في أحد الخطابين في مورد الاجتماع مقتض (7)
231

كما هو (1) الحال [أيضا] في تعدد العنوانين. فما (2) يتراءى منهم من
المعاملة مع مثل (أكرم العلماء ولا تكرم الفساق) معاملة تعارض
العموم من وجه انما يكون بناء على الامتناع، أو عدم المقتضي لاحد
الحكمين في مورد الاجتماع. [1]

[1] لا يخفى: أن مثل مثال (أكرم العلماء ولا تكرم الفساق) ليس من
باب الاجتماع أصلا حتى يوجه ما التزم به المشهور من إجراء قواعد
تعارض العامين من وجه عليه، وذلك لان الملحوظ في العموم
الاستغراقي هو الافراد، فقوله: (أكرم العلماء) بمنزلة قوله: (أكرم زيد
العالم وعمرا العالم) وهكذا، وكذا (لا تكرم الفساق)، فأشخاص
العلماء الفساق يشملهم الحكمان مع عدم مندوحة. والقائل بجواز
الاجتماع لا يجوز هنا أيضا، ولذا قال بعض المحشين (قده): (وكأنه
اختلط على المصنف (قده) مثال أكرم العالم ولا تكرم الفاسق بمثال
أكرم العلماء ولا تكرم الفساق، فان إجراءهم قاعدة التعارض لو كان
في المثال الأول لاتجه الاشكال عليهم، لكنه ليس كذلك فلا تغفل).
وبالجملة: قد أوقع المصنف (قده) نفسه الزكية في دفع الاشكال عن
معاملتهم مع المثال المذكور معاملة التعارض، مع أنه من صغريات
الاجتماع، ضرورة أنه من اجتماع الحكمين بعنوانين، فلا بد أن يعامل
معه معاملة الاجتماع، لا معاملة التعارض.
232

فصل في أن النهي عن الشئ هل يقتضى فساده أم لا؟
وليقدم أمور:
الأول:
أنه قد عرفت (1) في المسألة السابقة الفرق بينها وبين هذه المسألة
(2)، وأنه (3) لا دخل للجهة المبحوث عنها في إحداهما بما هو

لكن لا إشكال أصلا حتى يحتاج إلى الدفع، لعدم كون المثال من باب
الاجتماع، لما عرفت من توجه الحكم في العام الاستغراقي إلى
الافراد، فكل فرد من أفراد العلماء الفساق محكوم بحكمين، والقائل
بجواز الاجتماع لا يجوزه أيضا.
233

جهة البحث في الأخرى، وأن (1) البحث في هذه المسألة (2) في
دلالة النهي بوجه يأتي تفصيله على الفساد، بخلاف تلك المسألة (3)،
فان
البحث فيها في أن تعدد الجهة يجدي [مجد] في رفع غائلة اجتماع
الأمر والنهي في مورد الاجتماع [[1] أم لا.]

[1] ويفرق بين المسألتين أيضا بأن الفساد هنا - على القول به - ناش
من النهي بوجوده الواقعي وان لم يبلغ مرتبة التنجز، لان هذه
المسألة من صغريات التعارض، فالنهي بنفسه كاشف عن عدم
المصلحة، وبدونها لا تصح العبادة، لان صحتها منوطة بالامر أو
الملاك،
وفي مسألة النهي عن العبادة، حيث إن المتعلق واحد، فيكشف النهي
عن عدم ملاك الامر، ومعه لا موجب لصحة العبادة أصلا. وهذا
بخلاف مسألة اجتماع الأمر والنهي، فان فساد العبادة فيها مترتب على
تنجز النهي، حيث إنها من صغريات كبرى التزاحم الذي يتقوم
بوجود الملاك في كلا الحكمين، ولا تزاحم في جعلهما، وانما
التزاحم يكون
234

الثاني (1):
أنه لا يخفى أن عد هذه المسألة من مباحث الألفاظ انما هو لأجل أنه
في الأقوال قول [1] بدلالته (2) على الفساد في

في مقام الامتثال، لعدم قدرة العبد على إطاعتهما. وعليه، ففساد
العبادة في مسألة الاجتماع ناش من جهة عدم صلاحية الفعل
للمقربية،
أو من جهة عدم تمشي قصد القربة، وكلتا الجهتين من آثار تنجز النهي،
ولذا قالوا بصحة الصلاة في المكان المغصوب في صورة الجهل.
[1] لكن التكلف لادراج هذا القول في حريم النزاع يوجب خروج
التحريم المستفاد من غير صيغة النهي عن حريمه، فإلحاقه بمحل
البحث
منوط بالتشبث بعموم الملاك كما أفاده المصنف (قده) في الامر
الآتي.
235

المعاملات مع إنكار الملازمة بينه (1) وبين الحرمة التي هي مفاده
فيها، ولا ينافي ذلك (2) أن الملازمة - على تقدير ثبوتها في العبادة
- انما تكون بينه وبين الحرمة ولو لم تكن مدلولة بالصيغة، وعلى
تقدير عدمها تكون منتفية بينهما (3)، لامكان (4)
236

أن يكون البحث معه (1) في دلالة الصيغة بما تعم دلالتها بالالتزام، فلا
(2) تقاس بتلك المسألة التي لا يكاد يكون لدلالة اللفظ بها مساس،
فتأمل جيدا.
الثالث (3):
ظاهر لفظ النهي وان كان [هو] النهي التحريمي،
237

الا أن ملاك (1) البحث يعم التنزيهي، ومعه (2) لا وجه لتخصيص
العنوان (3)، واختصاص عموم ملاكه (4)

[1] بل يوجبه، بداهة تبعية المعلول للعلة سعة وضيقا، فتسليم عموم
المناط لا يلائم القول بعدم اقتضائه لتعميم العنوان، لأنه يوجب
التفكيك بين العلة والمعلول في السعة والضيق، وهو كما ترى.
238

بالعبادات لا يوجب (1) التخصيص به (2)، كما لا يخفى.
كما لا وجه لتخصيصه (3) بالنفسي، فيعم الغيري إذا كان أصليا.
239

وأما إذا كان تبعيا (1)، فهو وان كان خارجا عن محل البحث، لما
عرفت أنه (2) في دلالة النهي، والتبعي منه من مقولة المعنى، الا أنه
(3)
داخل فيما هو ملاكه، فان (4) دلالته على الفساد على القول به
240

فيما لم يكن للارشاد إليه (1) انما يكون (2) لدلالته على الحرمة من
غير دخل لاستحقاق العقوبة على مخالفته في ذلك (3)، كما توهمه
القمي (4) قدس سره.
ويؤيد ذلك (5) أنه جعل ثمرة النزاع في أن الامر بالشئ يقتضي
النهي عن ضده فساده إذا كان عبادة، فتدبر جيدا.
241

الرابع (1):
ما يتعلق به النهي اما أن يكون عبادة أو غيرها، والمراد بالعبادة هاهنا
(2) ما يكون بنفسه وبعنوانه عبادة له تعالى موجبا بذاته (3)
للتقرب من حضرته لولا حرمته (4)، كالسجود والخضوع والخشوع له
242

وتسبيحه وتقديسه، أو ما (1) لو تعلق الامر به كان أمره أمرا عباديا لا
يكاد يسقط الا إذا أتى به بنحو قربي كسائر أمثاله [1] نحو صوم

[1] لا يخفى أن كل واحد من هذين التعريفين للعبادة وان كان دافعا
للتهافت بين العبادة الفعلية والنهي الفعلي المتعلق بها كما هو
ظاهر، لكنه يرد على التعريف الأول: أنه أخص من المدعى الذي هو
أعم من العبادة الذاتية.
وعلى الثاني أولا: أن العبادة التقديرية خلاف ظاهر العنوان.
وثانيا: أن الفساد حينئذ يستند إلى عدم الامر، لا إلى النهي الذي
يبحث في هذه المسألة عن تأثيره في الفساد، إذ المفروض أن العبادة
تقديرية لا أمر فيها فعلا، وعدم الامر كاف في الفساد، فلا تصل النوبة
إلى تأثير النهي في الفساد.
فالأولى حفظا لظاهر العنوان - أعني العبادة الفعلية - ولاستناد الفساد
إلى النهي أن يقال: المراد بالعبادة هو ما لولا النهي لكان
عبادة، بحيث لو تعلق النهي لتعلق بما هو عبادة فعلا بمعنى شمول
عموم أدلة العبادات مثل (أقيموا الصلاة) لها، فإذا تعلق بها نهي كان
موجبا لفسادها، فلو أريد بالعبادة هذا المعنى - أي العبادة لولا النهي
- سلم من الاشكال.
243

العيدين، والصلاة في أيام العادة (1)، لا (2) ما أمر به لأجل التعبد به
(3) ولا ما يتوقف صحته على النية (4)، ولا ما لا يعلم انحصار
المصلحة فيه في شئ (5)، كما عرف بكل منها العبادة، ضرورة (6)
أنها بواحد منها
244

لا يكاد يمكن أن يتعلق بها (1) النهي. مع ما أورد عليها (2) بالانتقاض
طردا أو عكسا، أو بغيره، (3) كما يظهر من مراجعة المطولات (4).
245

وان كان الاشكال بذلك (1) فيها في غير محله، لأجل (2) كون مثلها
من التعريفات ليس بحد ولا برسم، بل من قبيل شرح الاسم [1] كما
نبهنا عليه غير مرة، فلا وجه لإطالة الكلام بالنقض والابرام في تعريف
العبادة، ولا في تعريف غيرها كما هو العادة.

[1] لا يخفى أن المصنف (قده) قد اعتذر في كثير من المقامات - التي
منها ما نحن فيه من تعريفات العبادة، والواجب المطلق و
المشروط، والعام والخاص - عن الاشكالات والنقوض الطردية و
العكسية الواردة على التعريفات بأنها ليست حدودا ورسوما، بل
هي تعاريف لفظية.
لكن فيه أولا: أن النقوض وتكثير القيود تدلان على كون التعاريف
حدودا لا تعاريف لفظية.
وثانيا: ان التعريف اللفظي مغاير لشرح الاسم، لا مرادف له، حيث إن
التعريف اللفظي هو ما يقع في جواب السؤال عن المعنى اللغوي،
كوقوع النبت في جواب السؤال عن معنى سعدانة، وأنه معناها
اللغوي. وشرح الاسم عبارة عما يقع في جواب (ما) الشارحة التي
يطلب
بها شرح ماهية المعنى الموضوع له اللفظ، فرتبة شرح الاسم متأخرة
عن التعريف اللفظي، وقد تقدم منا الكلام في ذلك في مبحث
الواجب المطلق والمشروط من هذا الشرح.
246

الخامس (1):
أنه لا يدخل في عنوان النزاع الا ما كان قابلا للاتصاف بالصحة و
الفساد بأن يكون تارة تاما يترتب [ما يترتب] عليه ما يترقب عنه من
الأثر (2)، وأخرى لا كذلك (3)، لاختلال (4) بعض
247

ما يعتبر في ترتبه (1)، أما [وأما] ما لا أثر له شرعا (2)، أو كان أثره مما
لا [لا يكاد] ينفك عنه، كبعض أسباب الضمان [1] فلا يدخل في
عنوان النزاع، لعدم (3) طروء الفساد عليه (4) كي ينازع في أن النهي
عنه يقتضيه (5) أو لا، فالمراد (6) بالشئ في العنوان هو العبادة
بالمعنى الذي تقدم (7)

[1] كالغصب والاتلاف كما مر. لكن فيه: أن أثرهما قد ينفك عنهما، كما
إذا كان المال المغصوب أو المتلف لكافر حربي، هذا ما قيل.
لكن فيه: أنه بعد فرض إباحة مال الكافر الحربي لا يصدق الغصب
على الاستيلاء عليه، فالصواب التمثيل بالتصرف في المسجد، كما إذا
سكن في بيت من بيوته ظلما، فإنه وان ارتكب حراما الا أنه غير
ضامن.
248

والمعاملة بالمعنى الأعم (1) مما يتصف بالصحة والفساد [1] عقدا
كان (2) أو إيقاعا (3) أو غيرهما (4)، فافهم (5).

[1] لا يخفى أن النهي عن المحرمات الشرعية كالزناء واللواط وشرب
الخمر والغيبة والسرقة وغيرها داخل في النهي في المعاملات
بالمعنى العام المراد منها هنا، وهو المقابل للعبادات، لكنها خارجة
عن حريم النزاع، لعدم الأثر لها، إذ المراد بالأثر هو الأثر الثابت
للعمل لولا النهي، لان هذا هو الذي يعقل أن يبحث في كون النهي
مقتضيا لرفعه وعدمه.
وأما الآثار المترتبة على النهي، كالكفارات والحدود المترتبة على
ارتكاب بعض المحرمات، فلا يعقل ارتفاعها بالنهي، إذ هو موضوع
لها، ولا يعقل أن يكون المقتضي للشئ رافعا له.
249

السادس (1):
أن الصحة والفساد وصفان إضافيان يختلفان بحسب الآثار والانظار،
فربما يكون شئ واحد صحيحا بحسب أثر أو نظر، وفاسدا
بحسب آخر (2)، ومن هنا (3) صح أن يقال: ان
250

الصحة في العبادة والمعاملة لا تختلف، بل فيهما (1) بمعنى واحد و
هو التمامية [1] وانما الاختلاف فيما هو المرغوب منهما من (2)
الآثار التي بالقياس عليها تتصف (3) بالتمامية وعدمها.
وهكذا [2] 4 الاختلاف بين الفقيه والمتكلم في صحة العبادة

[1] لا يخفى أن التمامية التي هي معنى الصحة عبارة عن واجدية
الشئ لجميع ما يعتبر فيه شطرا وشرطا، ويقابلها الفساد الذي هو
فاقديته لبعض ما يعتبر فيه.
وعلى هذا التفسير للصحة لا دخل للآثار في اتصاف الشئ بالصحة،
ضرورة أن الآثار خارجة عنه، ومن لوازم التمامية، فكيف يناط
الاتصاف بالصحة بالآثار، بل تقاس الصحة بالإضافة إلى ما يعتبر في
الشئ جزا أو شرطا، فعبارة المتن (بالقياس عليها تتصف
بالتمامية) لا تخلو عن المسامحة.
[2] بل يمكن أن لا يكون بين الفقيه والمتكلم اختلاف أصلا، لا في
المفهوم
251

انما (1) يكون لأجل الاختلاف فيما هو المهم لكل منهما من الأثر (2)
بعد الاتفاق ظاهرا على أنها (3)

ولا فيما أطلقوا هذا اللفظ بلحاظه بأن يقال: ان مراد الفقيه أيضا من
الصحيح هو الموافق للامر، وتعبيرهم بإسقاط القضاء تعبير باللازم،
حيث إن سقوط القضاء لازم موافقة الامر، ضرورة أن موافقة الامر لازم
التمامية، وسقوط القضاء لازم الامتثال.
252

بمعنى التمامية كما هي (1) معناها لغة وعرفا، ولما كان (2) غرض
الفقيه هو وجوب القضاء أو الإعادة، أو عدم الوجوب فسر صحة
العبادة بسقوطهما، وكان (3) غرض المتكلم هو حصول الامتثال
الموجب عقلا لاستحقاق المثوبة فسرها بما يوافق الامر تارة، وبما
يوافق الشريعة (4) أخرى، وحيث (5)
253

ان الامر في الشريعة يكون على أقسام من الواقعي الأولي والثانوي
254

والظاهري، والانظار تختلف في أن الأخيرين يفيدان الاجزاء، أو لا
يفيدان كان (1) الاتيان بعبادة موافقة (2) لأمر ومخالفة لاخر، أو
مسقطا [) 3 ومسقطا] للقضاء والإعادة بنظر، وغير مسقط لهما بنظر
آخر، فالعبادة (4) الموافقة للامر الظاهري تكون صحيحة عند
المتكلم والفقيه بناء (5)
255

على أن الامر في تفسير الصحة بموافقة الامر أعم (1) من [يعم]
الظاهري مع اقتضائه (2) للاجزاء، وعدم (3) اتصافها بها عند الفقيه
بموافقته [1] (4)

[1] لا يخفى استدراكها والاستغناء عنها، لان مورد الكلام هو العبادة
الموافقة للامر الظاهري، وحق العبارة أن تكون هكذا: (فالعبادة
الموافقة للامر الظاهري تكون صحيحة عند المتكلم والفقيه بناء على
أن الامر في تفسير الصحة
256

بناء على عدم الاجزاء، وكونه (1) مراعى بموافقة الامر الواقعي عند
المتكلم بناء على كون الامر في تفسيرها (2) خصوص الواقعي.
تنبيه (3)،
وهو: أنه لا شبهة في أن الصحة والفساد عند المتكلم

بموافقة الامر أعم من الظاهري مع اقتضائه للاجزاء، ولا تكون
صحيحة عند الفقيه بناء على عدم الاجزاء في الامر الظاهري. وكذا
عند
المتكلم بناء على إرادته خصوص الامر الواقعي الا إذا انكشف وجود
الامر الواقعي في مورده).
257

وصفان اعتباريان [1] ينتزعان من مطابقة المأتي به مع المأمور به و
عدمها. وأما الصحة (1) بمعنى سقوط القضاء والإعادة عند الفقيه،

[1] لا يخفى أن الصحة بمعنى التمامية والفساد بمعنى النقصان
وصفان حقيقيان، لا اعتباريان، ولا انتزاعيان، فان موافقة الامر أو
الشريعة من لوازم التمامية التي هي من الأوصاف الحقيقية، فالصحة و
الفساد عند الكل وصفان حقيقيان فتدبر.
258

فهي من لوازم الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي الأولي عقلا، حيث
(1) لا يكاد يعقل ثبوت الإعادة أو [و] القضاء معه جزما (2)
259

فالصحة [[1] والصحة] بهذا المعنى فيه (1) وان كان ليس بحكم
وضعي مجعول بنفسه أو بتبع تكليف، الا أنه ليس بأمر اعتباري ينتزع،
كما توهم (2) بل مما يستقل به العقل، كما يستقل باستحقاق المثوبة [
به [3 وفي غيره (4)، فالسقوط ربما يكون مجعولا وكان الحكم
به (5) تخفيفا ومنة

[1] والأولى أن تكون العبارة هكذا: (فالصحة بهذا المعنى فيه وان
كانت ليست بحكم وضعي مجعول بنفسه أو بتبع تكليف الا أنها
ليست
بأمر اعتباري) وذلك لرجوع هذه الضمائر كلها إلى الصحة، كما هو
واضح.
260

على العباد مع ثبوت المقتضي لثبوتهما كما عرفت (1) في مسألة
الاجزاء كما ربما يحكم بثبوتهما (2)، فيكون الصحة والفساد فيه (3)
حكمين مجعولين [1] (4)

[1] لا يخفى أن كون الصحة في المأمور به الثانوي والظاهري مع ثبوت
المقتضي لتشريع الإعادة والقضاء لبقاء الملاك المقتضي
لتشريعهما حكما شرعيا مما لا ينبغي الاشكال فيه. وأما جعل الفساد
مجعولا شرعيا في المأمور به الثانوي والظاهري، فغير ظاهر، بل
هو منتزع عن عدم انطباق المأمور به عليه، فلاحظ وتأمل.
261

لا وصفين انتزاعيين (1).
نعم (2) الصحة والفساد في الموارد الخاصة لا يكاد يكونان
مجعولين، بل انما هي (3) تتصف بهما بمجرد الانطباق على (4) ما هو
262

المأمور به، هذا (1) في العبادات.
وأما الصحة في المعاملات، فهي تكون مجعولة، حيث كان ترتب الأثر
على معاملة انما هو بجعل الشارع، وترتيبه عليها ولو إمضاء (2)،
ضرورة (3) أنه لولا جعله (4) لما كان يترتب عليه (5)، لأصالة [1] 6

[1] الظاهر أن هذا التعليل عليل، لأنه لولا الجعل يستند عدم ترتب
الأثر على المعاملة إلى القطع بعدم الجعل، لا إلى الأصل المتقوم
بالشك، فقوله:
(لأصالة الفساد) مستدرك.
263

الفساد. نعم (1) صحة كل معاملة شخصية وفسادها ليس الا لأجل
انطباقها مع ما هو المجعول سببا وعدمه (2)، كما هو (3) الحال في
التكليفية من الاحكام، ضرورة أن اتصاف المأتي به بالوجوب أو [و]
الحرمة أو غيرهما ليس الا لانطباقه (4) مع ما [لما] هو الواجب أو [و]
الحرام.
264

السابع (1):
لا يخفى أنه لا أصل في المسألة يعول عليه لو شك في دلالة النهي
على الفساد. [1] نعم (2) كان الأصل في المسألة الفرعية الفساد لو لم
يكن
هناك إطلاق أو عموم يقتضي الصحة في المعاملة،

[1] لا يخفى أنه مع الشك في الدلالة كما لا أصل يجري فيها نفيا وإثباتا
لكون الدلالة هي الكشف والإراءة، والشك فيها مساوق للقطع
بالعدم، فلا يعقل إثبات الدلالة بالأصل العملي المتقوم موضوعه
بالشك.
265

وأما العبادة [العبادات] فكذلك (1)، لعدم (2) الامر بها مع النهي [1]
عنها [2] كما لا يخفى.

[1] بناء على اقتضاء النهي للفساد. وأما بناء على عدمه واحتمال
الصحة فيحكم ببقاء الامر، عملا بإطلاق دليله، إذ لا موجب لتخصيص
عموم أو إطلاق دليله، إذ الموجب له دلالة النهي على الفساد، وهي
مفقودة بالفرض، وكذا الحال فيما إذا كان الشك في الملازمة العقلية
بين الحرمة والفساد بناء على كون هذه المسألة من المسائل العقلية
كما صنعه بعض، وذلك لان الحرمة حين حدوثها اما حدثت ملازمة
للفساد، واما غير ملازمة له، فليست لها حالة سابقة حتى تستصحب،
والمفروض أن الشك انما هو في استلزام التحريم للفساد.
[2] هذا بناء على توقف صحة الصلاة على الامر، وعدم كفاية الملاك
فيها والا فلا مسرح للأصل، للقطع بفسادها حينئذ، كما هو واضح.
266

الثامن (1):
أن متعلق النهي اما أن يكون نفس العبادة، أو جزئها، أو شرطها الخارج
عنها، أو وصفها الملازم لها كالجهر (×) والاخفات للقراءة، أو
وصفها غير الملازم، كالغصبية لأكوان الصلاة المنفكة

(×) فان كل واحد منهما لا يكاد ينفك عن القراءة وان كانت هي لا
تنفك عن أحدهما، فالنهي عن أيهما يكون مساوقا للنهي عنها، كما لا
يخفى.
267

عنها، لا ريب (1) في دخول القسم الأول (2) في محل النزاع، وكذا
القسم الثاني بلحاظ (3) أن جز العبادة عبادة، الا (4) أن بطلان الجز
لا يوجب بطلانها الا مع الاقتصار عليه، لا مع الاتيان بغيره مما لا نهي
268

عنه (1) الا أن يستلزم محذورا آخر (2).
وأما القسم الثالث (3)، فلا يكون حرمة الشرط والنهي عنه موجبا
لفساد العبادة الا فيما كان عبادة (4)
269

كي (1) تكون حرمته موجبة لفساده المستلزم لفساد المشروط به.
وبالجملة: لا يكاد يكون النهي عن الشرط موجبا لفساد العبادة
المشروطة به لو لم يكن (2) موجبا لفساده، كما إذا كانت (3) عبادة.
وأما القسم الرابع (4) فالنهي عن الوصف اللازم مساوق للنهي عن
موصوفه (5)، فيكون النهي عن الجهر في القراءة مثلا مساوقا للنهي
عنها،
270

لاستحالة (1) كون القراءة التي يجهر بها مأمورا بها مع كون الجهر بها
منهيا عنه [عنها] فعلا (2)، كما لا يخفى.
وهذا بخلاف ما إذا كان (3) مفارقا، كما في القسم الخامس (4)، فان
النهي عنه لا يسري إلى الموصوف الا فيما إذا اتحد (5) معه وجودا
بناء (6) على امتناع الاجتماع. وأما بناء على الجواز، فلا يسري إليه،
271

كما عرفت في المسألة السابقة (1)، هذا (2) حال النهي المتعلق
بالجز أو الشرط أو الوصف. [1]

[1] لا يخفى أن النهي عن جز العبادة أو شرطها أو وصفها اللازم
كالجهر والاخفات كالنهي عن نفس العبادة يتصور ثبوتا على وجوه:
أحدها: كون النهي مولويا محضا.
ثانيها: كونه واردا في مقام توهم وجوب شئ في العبادة.
ثالثها: كونه واردا في مقام دفع توهم مشروعية الاتيان بشئ في
العبادة.
رابعها: كونه واردا في مقام دفع توهم جزئية شئ في العبادة.
خامسها: كونه واردا في مقام الارشاد إلى مانعية المنهي عنه للصلاة،
بمعنى كونه منافيا لصحتها. هذه هي الوجوه المتصورة في مقام
الثبوت.
وأما مقام الاثبات، فان شك في إرادة أحد هذه الوجوه من النهي،
فالضابط في حمل النهي على خلاف ظاهره الأولي - وهو المولوية -
أنه ان كان النهي واردا لبيان دفع توهم وجوب شئ في العبادة، أو
جزئيته لها، أو مشروعيته فيها، فوروده في هذا المقام يوجب
ظهوره في نفي الامر المتوهم.
وان لم يكن النهي عن الشئ واردا في شئ من هذه المقامات، وكان
ناظرا إلى حال المأمور به، كقوله: (لا تأكل) أو (لا تلبس ما لا يؤكل
في الصلاة) كان هذا أيضا موجبا لظهوره في الارشاد إلى المانعية التي
هي خلاف ظاهره الأولي وهو المولوية.
272

وأما النهي عن العبادة لأجل أحد هذه الأمور (1)، فحاله حال

فالمتحصل: أن النهي - مع الغض عن القرينة - وان كان ظاهرا في
المولوية الا أن وروده في المقامات المزبورة يوجب انقلاب ظهوره
في المولوية إلى ظهوره في الارشاد إلى المانعية، أو عدم الجزئية، أو
عدم المشروعية، أو غيرها.
273

النهي عن أحدها ان كان من قبيل الوصف بحال المتعلق (1)، وبعبارة
أخرى كان النهي عنها (2) بالعرض. وان كان (3) النهي عنه [عنها]
على نحو الحقيقة والوصف بحاله (4) وان (5) كان بواسطة أحدها الا
أنه من
274

قبيل الواسطة في الثبوت لا العروض (1) كان (2) حاله حال النهي في
القسم الأول (3)، فلا تغفل (4).
ومما ذكرنا في بيان أقسام النهي في العبادة يظهر حال الأقسام في
المعاملة، فلا يكون بيانها على حدة بمهم (5).
275

كما أن تفصيل الأقوال في الدلالة على الفساد وعدمها التي ربما تزيد
على العشرة - على ما قيل - كذلك (1)، انما [وانما] المهم بيان ما
هو الحق في المسألة،
ولا بد في تحقيقه (2) على نحو يظهر الحال في الأقوال من
بسط المقال في مقامين
الأول: في العبادات،
فنقول وعلى الله الاتكال: ان النهي (3)
276

المتعلق بالعبادة بنفسها ولو كانت جز عبادة (1) بما هو عبادة (2)
كما عرفت (3) مقتض لفسادها، لدلالته (4) على حرمتها ذاتا، ولا
يكاد (5) يمكن اجتماع الصحة بمعنى موافقة الامر أو الشريعة مع
الحرمة.
277

وكذا بمعنى سقوط الإعادة، فإنه (1) مترتب على إتيانها بقصد القربة،
وكانت (2) مما يصلح لان يتقرب بها، ومع الحرمة لا يكاد يصلح
لذلك (3)، ولا يتأتى [) 4 ولا يأتي] قصدها من الملتفت إلى حرمتها
كما لا يخفى.
لا يقال: هذا (5) لو كان النهي عنها دالا على الحرمة الذاتية،
278

ولا يكاد يتصف بها (1) العبادة، لعدم (2) الحرمة بدون قصد القربة، و
عدم (3) القدرة عليها مع قصد القربة بها الا تشريعا، ومعه تكون محرمة
279

بالحرمة التشريعية لا محالة، ومعه (1) لا تتصف بحرمة أخرى (2)،
لامتناع اجتماع المثلين كالضدين.
فإنه يقال (3): لا ضير في اتصاف ما يقع عبادة - لو كان مأمورا به -
بالحرمة (4) الذاتية، مثلا صوم العيدين كان عبادة منهيا عنها،
بمعنى (5) أنه لو أمر به كان عبادة لا يسقط الامر به (6) الا إذا أتى به
بقصد (7) القربة،
280

كصوم سائر الأيام. هذا (1) فيما إذا لم يكن ذاتا عبادة كالسجود لله
تعالى ونحوه، والا (2) كان محرما مع كونه فعلا عبادة، مثلا إذا
نهى الجنب والحائض عن السجود له تبارك وتعالى، كان (3) عبادة
محرمة ذاتا حينئذ (4)، لما فيه (5) من الفسدة والمبغوضية في هذا
الحال (6).
281

مع أنه (1) لا ضير في اتصافه بهذه الحرمة (2) مع الحرمة التشريعية
بناء (3) على أن الفعل فيها لا يكون في الحقيقة متصفا بالحرمة، بل
انما يكون المتصف بها (4) ما هو من أفعال القلب، كما هو الحال في
التجري والانقياد (5)، فافهم (6)، هذا.
282

مع أنه (1) لو لم يكن النهي فيها دالا على الحرمة لكان دالا على
الفساد، لدلالته على الحرمة التشريعية، فإنه لا أقل من دلالته على أنها
283

ليست بمأمور بها (1)، وان عمها إطلاق دليل الامر بها أو عمومه (2).
نعم (3) لو لم يكن النهي عنها الا عرضا، كما إذا نهى عنها (4) فيما
كانت ضد الواجب مثلا لا يكون مقتضيا للفساد بناء [1] 5 على عدم الاقتضاء

[1] ظاهره بمقتضى الأقربية كونه علة لعدم اقتضاء النهي العرضي
للفساد، لكنه غير سديد، إذ لا علية في النهي العرضي الذي يقتضيه
الامر بالشئ لعدم الفساد، بل علة عدم الفساد عدم الملازمة بين
النهي العرضي وبين الفساد، فقوله: (بناء على عدم الاقتضاء) علة
لكون
النهي عن ضد الواجب نهيا عرضيا، فحق العبارة أن تكون هكذا: (فيما
كانت ضدا لواجب مثلا بناء على عدم الاقتضاء للامر بالشئ للنهي
عن الضد إلا كذلك - أي عرضا - لا يكون مقتضيا للفساد).
284

للامر بالشئ للنهي عن الضد الا كذلك - أي عرضا - فيخصص (1)
به أو يقيد.
المقام الثاني في المعاملات،
ونخبة القول: ان النهي الدال على حرمتها لا يقتضي الفساد، لعدم
الملازمة فيها لغة ولا عرفا بين حرمتها وفسادها أصلا (2) كانت
الحرمة متعلقة بنفس المعاملة (3) بما هو فعل
285

بالمباشرة أو بمضمونها (1) بما هو فعل بالتسبيب أو بالتسبب بها

[1] لا يخفى أن تمثيلهم لتعلق النهي بنفس السبب بالنهي عن البيع
وقت النداء لا يخلو من الغموض، حيث إن معنى حرمة السبب كون
نفس
الايجاب والقبول بما هما لفظان محرمين، وهذا غير ثابت في المثال،
لعدم مفسدة في التلفظ بهما توجب حرمتهما كما في حرمة شرب
الخمر ونحوه من المحرمات.
بل المحرم في وقت صلاة الجمعة هو الاشتغال بالأمور الدنيوية
المزاحمة للصلاة، والتجارات التي أهمها البيع من تلك الأمور، فلا
خصوصية للبيع، بل ذكره انما هو من باب المثال. وعلى هذا يكون
النهي في البيع وقت النداء من باب تعلق النهي بضد الواجب الذي لا
ملاك له الا مصلحة الواجب، فليس الامر بالشئ والنهي عن ضده
حكمين مستقلين ناشئين عن ملاكين.
فالنتيجة: أن النهي عن البيع وقت النداء يؤكد الامر بالصلاة، فلا نهي
حقيقة حتى يحرم به التلفظ بالايجاب والقبول.
286

إليه (1) وان لم يكن السبب ولا المسبب بما هو فعل من الافعال
بحرام، وانما (2) يقتضي الفساد فيما إذا كان دالا على حرمة ما لا يكاد يحرم
287

مع صحتها، مثل النهي عن أكل الثمن أو المثمن في بيع (1) أو بيع
شئ (2).
نعم (3) لا يبعد دعوى ظهور النهي عن المعاملة في الارشاد إلى
فسادها، كما أن الامر بها يكون ظاهرا في الارشاد إلى صحتها
288

من دون دلالته [دلالة] على إيجابها، أو استحبابها (1)، كما لا يخفى،
لكنه (2) في المعاملات بمعنى العقود والايقاعات، لا المعاملات
بالمعنى الأعم المقابل للعبادات، فالمعول [1 [3 هو ملاحظة القرائن في

[1] ان كان قوله: (فالمعول) راجعا إلى المعاملات بالمعنى الأعم كما
هو مقتضى الأقربية في العبارة، فينافيه قوله: (نعم ربما يتوهم
استتباعها له شرعا) لكون مورد الاستدراك - وهي المعاملات
بالمعنى الأخص - أجنبيا عن المعاملات بالمعنى الأعم، لوضوح أن
مورد
الروايات التي استدل بها على دلالة الحرمة شرعا على الفساد هي
المعاملات بالمعنى الأخص، كما يظهر من التقريرات.
وان كان راجعا إلى المعاملات بالمعنى الأخص، فذكره لغو، لعدم
الحاجة إلى القرائن مع فرض ظهور النهي فيها في الارشاد إلى
الفساد، إذ لا وجه للقرينة مع ظهور اللفظ في المعنى المراد.
289

خصوص المقامات، ومع عدمها لا محيص عن الاخذ بما هو قضية
صيغة [طبيعة] النهي من (1) الحرمة، وقد عرفت أنها (2) غير
مستتبعة
للفساد لا لغة ولا عرفا.
نعم (3) ربما يتوهم استتباعها له شرعا من جهة دلالة غير واحد من
الاخبار عليه.
290

منها: ما رواه في الكافي والفقيه عن زرارة عن الباقر عليه السلام (سأله [
سألته] عن مملوك تزوج بغير اذن سيده، فقال: ذلك إلى سيده
إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما، قلت: أصلحك الله تعالى ان
الحكم بن عيينة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون: ان أصل
النكاح
فاسد، ولا يحل إجازة السيد له، فقال أبو جعفر عليه السلام:
انه لم يعص الله انما عصى سيده، فإذا أجاز، فهو له جائز) حيث دل
بظاهره على أن النكاح لو كان مما حرمه الله تعالى [عليه] كان
فاسدا (1) ولا يخفى (2) أن الظاهر أن يكون المراد بالمعصية المنفية
291

ها هنا (1) أن النكاح ليس مما لم يمضه الله ولم يشرعه كي يقع
فاسدا،
292

ومن المعلوم استتباع المعصية بهذا المعنى (1) للفساد، كما لا يخفى،
ولا بأس بإطلاق المعصية على عمل لم يمضه الله تعالى ولم يأذن به،
كما أطلق (×) عليه بمجرد عدم اذن السيد فيه أنه (2) معصيته.
وبالجملة: لو لم يكن (3) ظاهرا في ذلك لما كان ظاهرا فيما توهم [1]

(×) قال المصنف: (وجه ذلك: أن العبودية تقتضي عدم صدور فعل عن
العبد الا عن أمر سيده واذنه، حيث إنه كل عليه لا يقدر على شئ،
فإذا استقل بأمر كان عاصيا حيث أتى بما ينافيه مقام عبوديته، ولا
سيما مثل التزوج الذي كان خطرا. وأما وجه أنه لم يعص الله فيه،
فلأجل كون التزوج بالنسبة إليه أيضا كان مشروعا مطلقا، غايته أنه
يعتبر في تحققه اذن سيده ورضاه، وليس كالنكاح في العدة غير
مشروع من أصله، فان أجاز ما صدر عنه بدون اذنه فقد وجد شرط
نفوذه، وارتفع محذور عصيانه، فعصيانه لسيده).
وغرض المصنف من هذه التعليقة اطلاق المعصية بمجرد عدم اذن السيد فيه، فلاحظ.
[1] لو قيل بصحة الاستدلال بمثل هذه الرواية على دلالة الحرمة على
الفساد ببيان: أن المراد بالمعصية فيها مطلق التخطي والتجاوز عن
قانون الشرع ومجعولاته مطلقا سواء كانت تكليفية أم وضعية لتشمل
المعصية المصطلحة لم يكن بعيدا، الا أن يقال: ان إرادة هذا المعنى
منوطة بقيام قرينة عليه وهي مفقودة، فمجرد إمكان إرادته لا يوجب
ظهور اللفظ فيه، والمفروض أن صحة الاستدلال بكلام موقوفة
على الظهور الذي يكون بناء العقلا على حجيته. فالحق كما أفادوه
عدم دلالة روايات الباب على دلالة الحرمة على الفساد.
293

وهكذا حال سائر الأخبار الواردة في هذا الباب (1)، فراجع وتأمل.
تذنيب:
حكي عن أبي حنيفة والشيباني (2) دلالة النهي على الصحة، وعن
الفخر (3) أنه وافقهما في ذلك. والتحقيق أنه (4) في المعاملات
294

كذلك إذا كان عن المسبب أو التسبب [أو التسبيب] لاعتبار (1)
القدرة في متعلق النهي كالأمر، ولا يكاد يقدر عليهما (2) الا فيما
كانت
المعاملة مؤثرة صحيحة. وأما إذا كان (3)
295

عن السبب، فلا، لكونه (1) مقدورا وان لم يكن صحيحا. نعم قد
عرفت أن النهي عنه لا ينافيها (2).
وأما العبادات (3) فما كان منها عبادة ذاتية كالسجود والركوع
296

والخشوع والخضوع له تبارك وتعالى، فمع النهي عنه يكون مقدورا
كما إذا كان مأمورا به، وما كان منها (1) عبادة لاعتبار قصد
القربة فيه لو كان مأمورا به، فلا يكاد يقدر عليه الا إذا قيل باجتماع
الأمر والنهي في شئ ولو بعنوان واحد، وهو محال، وقد عرفت
(2) أن النهي في
297

هذا القسم (1) انما يكون (2) نهيا عن العبادة، بمعنى أنه لو كان مأمورا
به كان الامر به أمر عبادة لا يسقط الا بقصد القربة [1] فافهم.

[1] ينبغي أن يقال: ان النهي الارشادي يدل على الفساد مطلقا وان كان
المنهي عنه معاملة، لدلالته حينئذ على المانعية، فإذا قال: (لا تصل
فيما لا يؤكل لحمه) أو (لا تصل متكتفا) وما أشبه ذلك كان هذا النهي
ظاهرا في المانعية.
وكذا في المعاملات، كالنهي عن بيع الغرر، ومن المعلوم: أن الصحة لا
تجتمع مع المانع، والا لم يكن مانعا، وهذا خلف. فاستدلالهم بهذه
النواهي على الفساد ليس من جهة وضع النهي له، ولا من جهة
الملازمة بين الحرمة - التي هي معنى النهي المولوي - وبين الفساد،
لعدم
الملازمة بينهما في المعاملات إذ لا تنافي بين المبغوضية الناشئة عن
النهي وبين تحقق مضامينها سواء كانت بالمعنى الأخص أم غيرها،
كغسل الثوب والبدن عن النجاسة الخبثية، فان الطهارة تحصل وان
وقعت على وجه مبغوض، كالغسل بالماء المغصوب، إذ لا يعتبر
فيها قصد القربة حتى لا يتمشى فيما هو مبغوض للشارع ومبعد للعبد
عن ساحة مولاه.
298



والحاصل: أن استدلالهم قديما وحديثا بالنواهي المتعلقة بالعبادات
والمعاملات على الفساد ليس لأجل دلالتها على الحرمة، ودعوى
التلازم بينها وبين الفساد، بل لأجل ظهور تلك النواهي في المانعية
المنافية للصحة.
وأما ما عن الشيخ الأعظم (قده) من: (أن الظاهر من النهي المتعلق
بعبادة خاصة أو معاملة خاصة كونه ناظرا إلى العمومات المشرعة لها
تأسيسا أو إمضاء، فيكون بمنزلة المقيد أو المخصص لها، فإذا قال الله
تعالى: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم) أو ورد في الخبر النهي عن
بيع الغرر أو نحو ذلك علم منه إرادة التخصيص للعمومات الدالة على
صحة النكاح والبيع ونحوهما من المعاملات وهكذا الامر في
العبادات) ففيه: أنه ليس وجها مستقلا في قبال سائر الوجوه، لتوقفه
على كون النهي للارشاد.
وأما إذا كان مولويا، فلا يستفاد منه الفساد الا بعد ثبوت الملازمة بينه و
بين الحرمة، وقد عرفت إجمالا منعها في المعاملات. نعم لا
بأس بدعوى الملازمة المزبورة في العبادات، حيث إن المبغوضية لا
تجتمع مع المحبوبية، كما لا تجتمع المقربية والمبعدية.
فتفرق العبادات عن المعاملات في أن النهي في العبادات سواء أ كان
مولويا أم إرشاديا يدل على الفساد. بخلاف النهي في المعاملات،
فان المولوي منه لا يدل على ذلك، لتوقفه على ثبوت الملازمة بين
الحرمة والفساد، فالدال على فسادها هو النهي الارشادي.
نعم إذا تعلق النهي المولوي بالآثار المترتبة على المعاملات بحيث
يمتنع
299

المقصد الثالث في المفاهيم
مقدمة
وهي: أن المفهوم كما يظهر من موارد إطلاقه (1) هو عبارة عن

تعلق النهي بها مع صحة مؤثراتها، كالنهي عن التصرف في الثمن أو
المثمن وصرفهما في الحوائج، ضرورة أن لازم صحة المعاملة جواز
تصرف المتعاملين في العوضين، فلا تجتمع حرمة التصرف فيهما مع
الصحة.
وبالجملة: ففساد المعاملة المستفاد من النهي يكون بأحد وجهين:
أحدهما:
أن يكون النهي إرشادا إلى المانعية، والاخر أن يكون النهي مولويا
تحريميا متعلقا بالآثار المقصودة من المعاملة، كجواز التصرف في
العوضين في العقود المعاوضية، وجواز الوطء في النكاح، ضرورة أن
المقصود الأصلي منها هي تلك الآثار لا الأسباب كالايجاب و
القبول، ولا المسببات وهي التي توجد بها في عالم الاعتبار من
الملكية والزوجية ونحوهما، ضرورة أن الأسباب آلات محضة لايجاد
مسبباتها التي هي أمور اعتبارية كالملكية والزوجية، وهذه الأمور
الاعتبارية انما تقصد لاثارها من جواز التصرف في العوضين في
المعاملات، والاستمتاع في النكاح، إذ مجرد الملكية والزوجية بدون
تلك الآثار مما لا يغني من جوع ولا يقصده العقلا. فالمقصود
بالأصالة هي الآثار الشرعية المترتبة على تلك
300

حكم إنشائي أو إخباري تستتبعه خصوصية المعنى الذي أريد من

المسببات الاعتبارية، فتحريم تلك الآثار كاشف قطعي عن عدم صحة
المعاملة.
وأما التحريم المتعلق بنفس المعاملة، لا الآثار المقصودة منها، فلا يدل
على الفساد، بخلاف النهي التحريمي المتعلق بالعبادة، فإنه كما
عرفت يدل على فسادها.
301

اللفظ بتلك (1) الخصوصية ولو بقرينة (2) الحكمة، وكان (3) يلزمه
لذلك وافقه (4) في الايجاب والسلب أو خالفه، فمفهوم (ان جاءك
زيد فأكرمه)
302

مثلا - لو قيل به (1) - قضية شرطية سالبة بشرطها وجزائها (2) لازمة
(3) للقضية الشرطية التي تكون معنى القضية اللفظية، ويكون (4)
لها خصوصية [1] بتلك (5) الخصوصية كانت مستلزمة لها (6)،

[1] هذه الخصوصية ليست من مداليل مواد القضية موضوعها أو
محمولها، لعدم دلالة (جاءك وأكرمه) في قولنا: (ان جاءك زيد
فأكرمه)
على تلك الخصوصية كما هو واضح جدا، بل الدال على تلك
الخصوصية هي الهيئة الشرطية. وكذا في المفهوم الموافق، فان
الخصوصية
المستتبعة للمفهوم الموافق ليست في مدلول (لا تقل)، ولا في مدلول
(أف) بل في مدلول المركب بما هو مركب.
303

فصح (1) أن يقال: ان المفهوم انما هو حكم غير مذكور، لا أنه (2)
حكم لغير مذكور، كما فسر به (3)،
304

وقد وقع فيه النقض والابرام بين الاعلام [1 [1

[1] لا يخفى أنهم وان أطالوا الكلام في تحديد المفهوم، لكنهم لم يأتوا
305



بما يميزه عن المنطوق، كما هو غير خفي على من لاحظ تعريفاتهم
للمنطوق والمفهوم حتى ما أفاده بعض الأعاظم قدس الله تعالى نفسه
الزكية على ما في تقرير بحثه الشريف من (أن ما يفهم من كلام المتكلم
قد يكون بحيث يمكن أن يقال: انه تنطق به بنحو لو قيل للمتكلم:
أنت قلت هذا لم يكن له إنكاره، وقد يكون بحيث لا يمكن ذلك، بل
يكون للمتكلم مفر منه وان أنكر قوله إياه لم يمكن إلزامه، مثلا إذا
قال المتكلم: ان جاءك زيد فأكرمه، فمداليله المطابقية والتضمنية و
الالتزامية كلها مما لا يمكن للمتكلم أن ينكر تنطقه بها. وأما عدم
ثبوت الوجوب عند عدم المجئ، فيفهم من اللفظ، ولكن لو قيل
للمتكلم أنت قلت هذا أمكنة إنكار ذلك، بأن يقول: ما قلت ذلك، و
انما
الذي قلته وتنطقت به هو وجوب الاكرام عند المجئ، وليس الانتفاء
عند الانتفاء من لوازم الثبوت عند الثبوت حتى يقال: ان دلالة
اللفظ عليه بالالتزام، لوضوح أن وجوب الاكرام عند المجئ لا يستلزم
بحسب الواقع عدم وجوبه عند عدمه، ومع ذلك نرى بالوجدان
أنه يفهم من الكلام، ولكنه ليس بحيث يمكن أن ينسب إلى المتكلم
أنه تنطق به) انتهى موضع الحاجة من عبارة التقرير.
أقول: ان أريد من التنطق تنطق المتكلم بلا واسطة خرجت الدلالات
الالتزامية عن المنطوق، لان الدلالة على اللازم انما تكون بتوسط
دلالة الملزوم عليه، لا لأجل تنطق المتكلم به، فإذا قال: (طلعت
الشمس) لا يكون ما تنطق به
306

مع (1) أنه لا موقع له (2) كما أشرنا إليه (3)

بلا واسطة الا الاخبار بطلوع الشمس، وليس الاخبار بضوئها مما تكلم
به المتكلم، فدلالة الشمس على الضوء بناء على ما أفاده (قده) لا بد
من أن تندرج في المفهوم، مع تسالمهم على كون المداليل الالتزامية
من المنطوق لا المفهوم.
وان أريد من النطق تنطقه ولو مع الواسطة دخلت المداليل الالتزامية
والمفاهيم طرا في المنطوق، لان جميعها مما يدل عليه اللفظ مع
الواسطة.
وأما قوله: (وليس الانتفاء عند الانتفاء من لوازم الثبوت عند الثبوت)
فلا يخلو أيضا من الغموض، لان الانتفاء عند الانتفاء وان لم يكن
من لوازم مجرد الثبوت عند الثبوت، لكنه من لوازم الثبوت المعلق
على شرط أو وصف أو غيرهما، فان الانتفاء عند الانتفاء من لوازم
الثبوت المعلق، كما هو المفروض في المفهوم، حيث إنه من لوازم
خصوصية المنطوق. فالمفهوم مما يدل عليه المنطوق المتخصص
بتلك
الخصوصية.
فلعل الأولى في تعريفه أن يقال: (المفهوم قضية تدل عليها خصوصية
القضية المنطوقية) وان نوقش أيضا في ذلك، فالإحالة إلى العرف
أولى.
307

في غير مقام، لأنه (1) من قبيل شرح الاسم، كما في التفسير اللغوي
(2).
ومنه (3) قد انقدح حال غير هذا التفسير مما ذكر في المقام، فلا يهمنا
التصدي لذلك (4)، كما لا يهمنا بيان أنه من صفات المدلول أو
الدلالة وان كان بصفات المدلول أشبه [1] 5 وتوصيف الدلالة

[1] لا يخفى أن الدلالة والكشف والحكاية قائمة بالدال وهو هنا
اللفظ،
308

أحيانا (1) كان من باب التوصيف بحال المتعلق (2) وقد انقدح من
ذلك (3): أن النزاع في ثبوت المفهوم وعدمه في

فان كان المحكي به نفس معناه اتصف المحكي بالمنطوقية، وان كان
لازم معناه اتصف ذلك اللازم بالمفهومية. وعلى هذا، فالمنطوقية
والمفهومية من صفات المدلول، والدلالة من صفات اللفظ الدال،
فهي تتصف بالصراحة والظهور، ولكن لا تتصف بالمنطوقية و
المفهومية. نعم تتصف الدلالة بهما بناء على كونها بمعناها المفعولي،
لأنها حينئذ عبارة عن المدلول المتصف بهما، كما هو ظاهر.
309

الحقيقة انما يكون في أن القضية الشرطية أو الوصفية أو غيرهما هل
تدل بالوضع أو بالقرينة العامة (1) على تلك الخصوصية المستتبعة
لتلك القضية الأخرى (2) أم لا؟
فصل
الجملة الشرطية هل تدل على الانتفاء عند الانتفاء كما تدل على
الثبوت عند
310

الثبوت بلا كلام (1) أم لا؟ فيه خلاف بين الاعلام لا شبهة في
استعمالها (2) وإرادة الانتفاء عند الانتفاء في غير مقام، انما الاشكال
و
الخلاف في أنه (3) بالوضع أو بقرينة عامة بحيث لا بد من الحمل [
الجري] عليه (4) لو لم يقم على خلافه قرينة من حال أو مقال، فلا بد
للقائل بالدلالة (5) من إقامة الدليل على الدلالة بأحد الوجهين (6)
على تلك الخصوصية المستتبعة لترتب الجزاء على الشرط نحو ترتب
المعلول
311

على علته المنحصرة (1). وأما القائل بعدم الدلالة ففي فسحة (2)،
فان (3) له منع دلالتها على اللزوم، بل على مجرد الثبوت عند الثبوت
312

ولو من باب الاتفاق (1)، أو منع (2) دلالتها على الترتب، أو على (3)
نحو الترتب [1] على العلة، أو العلة (4) المنحصرة بعد تسليم اللزوم و
العلية.

[1] لا يخفى أن الترتب على أنحاء:
313

لكن منع دلالتها على اللزوم ودعوى كونها (1) اتفاقية في غاية

منها: الترتب بالعلية، وهو: كون المتقدم فاعلا مستقلا بالتأثير.
ومنها: الترتب بالطبع، وهو: كون المتقدم من العلل الناقصة للمتأخر
بحيث يجوز وجود المتقدم مع عدم وجود المتأخر، ويمتنع العكس
بأن يوجد المتأخر دون المتقدم.
فالفرق بينه وبين سابقه: أن المتقدم في الترتب بالعلية كاف في وجود
المتأخر، بخلاف المتقدم في الترتب الطبعي، فان له حظا في
وجود المتأخر، كالواحد فان له حظا في وجود الاثنين، وليس مؤثرا
تاما في وجوده.
ومنها: الترتب بالزمان، بأن يكون المتقدم موجودا في زمان قبل زمان
المتأخر، كوجود موسى قبل عيسى عليهما السلام.
ومنها: الترتب الرتبي، وهو: اما حسي كتقدم الامام على المأموم، واما
عقلي، كتقدم الجنس على النوع.
ومنها: الترتب الشرفي، كتقدم العالم على المتعلم، فان التقدم فيه انما
هو بالشرف.
314

السقوط، لانسباق (1) اللزوم منها قطعا، وأما المنع عن [من] أنه (2)
بنحو الترتب على العلة - فضلا عن كونها منحصرة - فله مجال واسع.
ودعوى: تبادر اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة -
مع كثرة استعمالها (3) في الترتب على نحو الترتب على غير
المنحصرة
315

منها بل في مطلق اللزوم (1) - بعيدة [1 [2 عهدتها على مدعيها (3)،
كيف (4)

[1] بل قريبة، إذ لا منافاة بين التبادر المزبور وبين كثرة الاستعمال في
غير الترتب على نحو الترتب على العلة المنحصرة، نظير كثرة
استعمال صيغة الامر في الندب مع كونها حقيقة في الوجوب، فان
كثرة الاستعمال في المعنى المجازي لا توجب رفع اليد عن المعنى
الحقيقي، وعن حمل اللفظ عليه مع التجرد عن القرينة.
316

ولا يرى في استعمالها فيهما (1) عناية ورعاية علاقة، بل انما تكون
إرادته (2) كإرادة الترتب على العلة المنحصرة بلا عناية، كما يظهر
(3) على من أمعن النظر وأجال البصيرة [البصر] في موارد
الاستعمالات، وفي (4) عدم الالزام والاخذ بالمفهوم في مقام
المخاصمات و
الاحتجاجات وصحة (5) الجواب بأنه لم يكن لكلامه مفهوم، وعدم
(6) صحته لو كان
317

له ظهور فيه (1) معلوم.
وأما (2) دعوى الدلالة بادعاء انصراف إطلاق العلاقة اللزومية إلى ما
هو أكمل أفرادها وهو اللزوم بين العلة المنحصرة ومعلولها
ففاسدة (3) جدا، لعدم كون الأكملية موجبة للانصراف إلى الأكمل، لا
سيما (4)
318

مع كثرة الاستعمال في غيره (1) كما لا يكاد يخفى، هذا.
مضافا إلى منع كون اللزوم بينهما (2) أكمل مما إذا لم تكن العلة
319

بمنحصرة، فان الانحصار لا يوجب (1) أن يكون ذاك الربط الخاص
الذي لا بد منه في تأثير العلة في معلولها آكد وأقوى.
ان قلت: نعم (2)، ولكنه (3) قضية الاطلاق بمقدمات الحكمة، كما
أن قضية إطلاق صيغة الامر هو الوجوب النفسي.
320

قلت: أولا: هذا (1) فيما تمت هناك مقدمات الحكمة، ولا تكاد تتم
فيما هو مفاد الحرف [1] كما هاهنا (2)، والا (3) لما كان معنى حرفيا
كما يظهر وجهه بالتأمل (4).

[1] لا يخفى أن ما أفاده مبني على مذهب المشهور في المعاني الحرفية
وإفحام للخصم، وإلا فقد تقدم منه خلاف ذلك في مبحث الواجب
المشروط، حيث قال: (وأما حديث عدم الاطلاق في مفاد الهيئة فقد
حققنا سابقا أن كل واحد من الموضوع له والمستعمل فيه في
الحروف يكون عاما كوضعها. إلخ).
321

وثانيا: تعينه [) 1 ان تعيينه] من بين أنحائه بالاطلاق المسوق في مقام
البيان بلا معين. ومقايسته (2) مع تعين الوجوب النفسي بإطلاق
322

صيغة الامر مع الفارق، فان (1) النفسي هو الواجب [1] على كل حال [
كل تقدير] بخلاف الغيري، فإنه (2) واجب على تقدير دون تقدير،
فيحتاج بيانه إلى مئونة التقييد بما إذا وجب الغير، فيكون الاطلاق في
الصيغة مع مقدمات الحكمة محمولا عليه (3). وهذا بخلاف اللزوم
والترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة، ضرورة أن كل واحد من
أنحاء اللزوم والترتب محتاج في تعينه [) 4 تعيينه] إلى القرينة
مثل الاخر بلا تفاوت أصلا، كما لا يخفى.

[1] الأولى تبديله ب (الوجوب) كما أن تبديل قوله: (واجب) به أولى
لان الكلام في الوجوب، لا الواجب.
323

ثم انه ربما يتمسك للدلالة على المفهوم بإطلاق الشرط (1)،
بتقريب: أنه لو لم يكن بمنحصر يلزم [على المتكلم] تقييده، ضرورة
أنه لو قارنه أو سبقه الاخر لما أثر وحده [1 [2

[1] ظاهره أن الشرط في صورتي التقارن وسبق الاخر يكون جز
السبب
324

وقضية (1) إطلاقه أنه يؤثر كذلك (2) مطلقا.
وفيه (3): أنه لا تكاد تنكر الدلالة على المفهوم مع إطلاقه (4) كذلك،
الا أنه من المعلوم ندرة تحققه لو لم نقل بعدم اتفاقه (5).

المؤثر، ويكون المؤثر هو الجامع بينهما، مع أنه ليس كذلك، لان الأثر
في صورة السبق واللحوق يستند إلى السابق، ويلغو اللاحق،
فالصواب إسقاط قوله: (أو سبقه الاخر).
325

فتلخص بما ذكرناه: أنه لم ينهض دليل على وضع مثل (ان) على تلك
الخصوصية المستتبعة للانتفاء عند الانتفاء، ولم تقم عليها قرينة عامة [1]

[1] لكن الانصاف خلاف ذلك، أما بالنسبة إلى وضع أدوات الشرط
للانتفاء عند الانتفاء، فقد تقدم في بعض التعاليق السابقة أن إنكار
انسباق العلة المنحصرة منها خلاف الانصاف. ولذا قال في التقريرات:
(فالأولى دعوى استفادة السببية من أدوات الشرط بحسب
الوضع، كما لا بعد في ذلك أيضا عند ملاحظة معناها).
ومجرد كثرة الاستعمال في غير العلة المنحصرة لا تنافي التبادر
المزبور كما في استعمال صيغة الامر في الندب مع وضعها للوجوب.
و
لو أنكر الوضع اللغوي ففي الظهور العرفي كفاية، إذ لا ينبغي الشك في
بناء أبناء المحاورة على ثبوت المفهوم للقضية الشرطية في
الوصايا والدعاوي والأقارير، فمن أوصى بأن تسكن في بيته امرأة ان
لم تتزوج، أو يعطى من ماله لشخص ان كان فقيرا، أو بأن فلانا
وصيي ان كان عادلا أو فقيها أو هاشميا، فإنه لا ينبغي الارتياب في
سقوط حق المرأة بالتزويج، وعدم جواز إعطاء المال للموصى له
بعد صيرورته
326

أما قيامها (1) أحيانا كانت (2) مقدمات الحكمة أو غيرها مما لا يكاد
(3) ينكر، فلا (4) يجدي القائل بالمفهوم أنه (5) قضية الاطلاق في
مقام (6) من باب الاتفاق.

غنيا، وانعزال الوصي مع انتفاء الشرط المزبور.
ولو سلمنا عدم الوضع، وعدم الظهور العرفي، ففي إطلاق الشرط
الذي هو من القرائن العامة كفاية.
ودعوى عدم إحراز كون المتكلم في مقام البيان - وهو مما لا بد منه
في التمسك بالاطلاق - غير مسموعة، لما ثبت في محله من إمكان
إحرازه بالأصل العقلائي.
فالحق أنه لا سبيل إلى إنكار المفهوم للقضية الشرطية.
327

وأما توهم أنه (1) قضية إطلاق الشرط، بتقريب: أن مقتضاه
328

تعينه (1)، كما أن مقتضى إطلاق الامر تعين الوجوب، ففيه (2) أن
التعين
329

ليس في الشرط نحوا يغاير نحوه (1) فيما إذا كان متعددا، كما كان في
الوجوب كذلك (2)، وكان (3) الوجوب في كل منهما متعلقا
بالواجب بنحو آخر لا بد في التخييري منهما من العدل (4). وهذا
330

بخلاف الشرط [فإنه] واحدا كان أو متعددا كان نحوه واحدا، ودخله
في المشروط بنحو واحد لا تتفاوت الحال فيه (1) ثبوتا كي
تتفاوت عند الاطلاق إثباتا (2)، وكان [1 [3 الاطلاق مثبتا لنحو لا
يكون له عدل، لاحتياج (4) ماله العدل إلى زيادة مئونة، وهو ذكره
بمثل (أو

[1] لا يخفى أن هذا متمم للكلام المتعلق بالوجوب التعييني و
التخييري، ولذا كان الأولى تقديمه على قوله: (وهذا بخلاف الشرط
واحدا
كان أو متعددا. إلخ) لأنه فاصل بين أجزاء كلام واحد متعلق ببيان
الوجوب التعييني والتخييري من دون ضرورة تقتضي فصله بينهما،
بل المناسب إتمام الكلام الأول، ثم التعرض لحكم الشرط المنحصر و
غيره.
331

كذا) (1) واحتياج (2) ما إذا كان الشرط متعددا إلى ذلك (3) انما
يكون لبيان
332

التعدد، لا لبيان نحو الشرطية، فنسبة إطلاق الشرط إليه (1) لا تختلف
كان (2) هناك شرط آخر أم لا، حيث (3) كان مسوقا لبيان
شرطيته بلا إهمال ولا إجمال.
بخلاف إطلاق الامر، فإنه لو لم يكن لبيان خصوص الوجوب
333

التعييني، فلا محالة يكون في مقام الاهمال أو الاجمال (1)، تأمل
تعرف، هذا.
مع أنه (2) لو سلم (3) لا يجدي القائل بالمفهوم، لما عرفت (4) أنه [
من أنه] لا يكاد ينكر فيما إذا كان مفاد الاطلاق من باب الاتفاق.
ثم انه ربما استدل المنكرون للمفهوم بوجوه:
أحدها (5): ما عزي إلى السيد
من أن تأثير الشرط انما هو تعليق الحكم به، وليس يمتنع أن يخلفه و
ينوب منابه شرط آخر يجري
334

مجراه (1)، ولا يخرج (2) عن كونه شرطا، فان قوله تعالى:
(فاستشهدوا شهيدين من رجالكم) يمنع من قبول الشاهد الواحد
حتى ينضم
إليه شاهد آخر، فانضمام الثاني إلى الأول شرط في القبول (3)، ثم
علمنا أن ضم امرأتين إلى الشاهد الأول شرط في القبول، ثم علمنا أن
ضم اليمين يقوم مقامه أيضا، فنيابة بعض الشروط عن بعض أكثر من
أن تحصى، مثل الحرارة، فان انتفاء الشمس لا يلزم انتفاء الحرارة،
لاحتمال قيام النار مقامها، والأمثلة لذلك كثيرة شرعا وعقلا.
والجواب (4): أنه قدس سره ان كان بصدد إثبات [بيان] إمكان
335

نيابة بعض الشروط عن بعض في مقام الثبوت وفي الواقع، فهو (1)
مما لا يكاد ينكر، ضرورة أن الخصم يدعي عدم وقوعه (2) في مقام
الاثبات، ودلالة (3) القضية الشرطية عليه. وان كان (4) بصدد إبداء
احتمال
336

وقوعه (1)، فمجرد الاحتمال لا يضره (2) ما لم يكن بحسب القواعد
اللفظية راجحا أو مساويا، وليس فيما أفاده ما يثبت ذلك (3) أصلا
كما لا يخفى. [1]

[1] قد يقال: ان المراد بالامكان ليس هو الوقوعي أو الاحتمالي، بل
المراد به هو الامكان القياسي بالإضافة إلى مفاد الجملة الشرطية،
فإنها لا تأبى عن تعقيب الشرط بشرط آخر.
لكن فيه: أنه لا يمنع أيضا عن الاخذ بمفاد الجملة الشرطية وضعا أو
إطلاقا حيث إن قيام شرط مقام الشرط المذكور في القضية مخالف
لمفادها الوضعي أو الاطلاقي، فلا يكون مانعا عن الاخذ بظهورها كما
لا يخفى.
ثم إن ظاهر كلام السيد (قده) من (أن تأثير الشرط انما هو تعليق الحكم
به) هو تسليم دلالة الشرط على اللزوم على نحو الترتب، لظهور
التعليق في ذلك، وكون الشرط علة تامة للجزاء، وإنكار ظهوره في
خصوص عليته المنحصرة، ولذا ذكر (قده) جواز تعدد الشرط مع
وحدة الجزاء ببيان بعض الموارد الذي يدل على عدم كون الشرط فيه
علة منحصرة، بل يدل على كونه علة تامة فقط، فالسيد يعترف بما
لا يعترف به المصنف، حيث إنه (قده) يعترف بدلالة الجملة الشرطية
337

ثانيها: أنه لو دل لكان بإحدى الدلالات (1)،
والملازمة - كبطلان التالي - ظاهرة (2).
وقد أجيب عنه بمنع بطلان التالي، وأن (3) الالتزام ثابت، وقد

على اللزوم الترتبي العلي التامي، وينكر دلالتها على خصوص العلية
المنحصرة.
والمصنف (قده) لم يزد على دلالتها على اللزوم بشئ، فالمصنف
ينكر مرحلتين، وهما: كون اللزوم على نحو الترتب، وكون الترتب
على نحو العلية التامة، والسيد (قده) يعترف بهما وينكر انحصار
الشرط.
338

عرفت (1) بما لا مزيد عليه ما قيل أو يمكن أن يقال في إثباته أو منعه،
فلا تغفل.
ثالثها:
قوله تبارك وتعالى: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ان أردن تحصنا)
(2).
وفيه (3) ما لا يخفى، ضرورة أن استعمال الجملة الشرطية فيما لا
مفهوم له أحيانا وبالقرينة (4)
339

لا يكاد ينكر، كما في الآية وغيرها (1)، وانما القائل به (2) يدعي
ظهورها فيما له المفهوم وضعا أو بقرينة عامة، كما عرفت (3).
بقي هاهنا أمور:
[الامر] الأول (4):
أن المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم المعلق على
340

الشرط عند انتفائه، لا انتفاء شخصه، ضرورة انتفائه عقلا بانتفاء
341

موضوعه ولو ببعض قيوده، ولا [فلا] يتمشى الكلام (1) في أن
للقضية الشرطية مفهوما، أو ليس لها مفهوم إلا في مقام كان هناك ثبوت
سنخ الحكم في الجزاء، وانتفاؤه عند انتفاء الشرط ممكنا (2). وانما
وقع النزاع في أن لها دلالة على الانتفاء [عند الانتفاء] أو لا يكون
لها (3) دلالة.
342

ومن هنا (1) انقدح أنه ليس من المفهوم دلالة [1] القضية على الانتفاء
عند الانتفاء في الوصايا والأوقاف والنذور والايمان، كما توهم،
بل [2] عن الشهيد قدس سره في تمهيد القواعد (2): انه لا إشكال في
دلالتها (3) على المفهوم، وذلك (4) لان انتفاءها عن غير ما هو المتعلق

[1] اسم (ليس) وفي بعض النسخ (ودلالة) مع الواو، فيكون معطوفا
على المفهوم ومفسرا له، وهو مشكل، إذ يلزم حينئذ خلو (ليس)
عن الاسم فلا بد من إسقاط (في) في قوله: (في الوصايا) حتى تكون
اسم ليس.
والحاصل: أن في هذه النسخ التي فيها الواو حرفا زائدا، وهو إما الواو
في قوله: (ودلالة) وإما (في) في قوله: (في الوصايا).
[2] لم أعثر على من تعرض له غير الشهيد، فكلمة (بل) الاضرابية
زائدة.
343

لها (1) من (2) الاشخاص التي تكون بألقابها (3) أو بوصف شئ (4)
وبشرطه (5) مأخوذة في العقد (6) أو مثل العهد (7) ليس (8) بدلالة
الشرط، أو الوصف أو اللقب عليه (9)، بل لأجل أنه إذا صار شئ وقفا
على أحد أو
344

أوصى به أو نذر له (1) إلى غير ذلك لا يقبل أن يصير وقفا على غيره أو
وصية أو نذرا له (2)، وانتفاء شخص الوقف أو النذر أو الوصية
عن غير مورد المتعلق قد عرفت أنه عقلي (3) مطلقا ولو قيل (4)
بعدم المفهوم في مورد صالح له.
إشكال ودفع، لعلك (5) تقول: كيف يكون المناط في المفهوم هو
345

سنخ الحكم، لا نفس شخص الحكم في القضية (1)، وكان (2) الشرط
في الشرطية انما وقع شرطا بالنسبة إلى الحكم الحاصل بإنشائه (3)
دون غيره (4)، فغاية (5) قضيتها انتفاء ذاك الحكم بانتفاء شرطه، لا
انتفاء سنخه، وهكذا الحال في سائر القضايا التي تكون مفيدة
للمفهوم (6).
346

ولكنك غفلت (1) عن أن المعلق على الشرط انما هو نفس الوجوب
(2) الذي هو مفاد الصيغة ومعناها، وأما الشخص [1] والخصوصية
الناشئة من قبل استعمالها فيه (3) لا تكاد تكون من خصوصيات
معناها المستعملة فيه (4) كما لا يخفى، كما لا تكون الخصوصية
الحاصلة
من قبل الاخبار به من خصوصيات ما أخبر به واستعمل فيه اخبارا
(5) لا إنشاء.

[1] الأولى أن يقال: (التشخص)، لان الشخص هو الجزئي، والغرض
بيان وجه تشخصه لا بيان شخصيته. كما أن الأولى تبديل الضمير
في قوله (معناها) بالصيغة، بأن يقال: (من خصوصيات معنى الصيغة
المستعملة فيه)، حيث إن (المستعملة) صفة للصيغة لا للضمير، فان
توصيف الضمير بالظاهر غير معهود.
347

وبالجملة: كما لا يكون المخبر به المعلق على الشرط (1) خاصا
بالخصوصيات الناشئة من قبل الاخبار به كذلك المنشأ بالصيغة (2)
المعلق (3) عليه، وقد عرفت بما حققناه في معنى الحرف وشبهه
(4) أن ما استعمل فيه الحرف عام كالموضوع له، وأن خصوصية لحاظه بنحو
348

الالية والحالية لغيره من (1) خصوصية الاستعمال، كما أن خصوصية
لحاظ المعنى بنحو الاستقلال في الاسم كذلك (2)، فيكون اللحاظ
الآلي (3) كالاستقلالي من خصوصيات الاستعمال، لا المستعمل فيه.
وبذلك (4) قد انقدح فساد ما يظهر من التقريرات في مقام التفصي
عن هذا الاشكال (5)
349

من (1) التفرقة بين الوجوب الاخباري والانشائي بأنه (2) كلي في
الأول (3) وخاص في الثاني (4)، حيث (5) دفع الاشكال [1]

[1] حق العبارة أن تكون هكذا: (حيث دفع الاشكال على الأول يكون
الوجوب كليا، وعلى الثاني بأن ارتفاع مطلق الوجوب في الوجوب
الانشائي من فوائد العلية المستفادة من الجملة الشرطية).
350

بأنه (1) لا يتوجه في الأول (2)، لكون الوجوب كليا (3)، وعلى الثاني
(4) بأن ارتفاع مطلق الوجوب فيه من فوائد العلية [1] المستفادة من
الجملة الشرطية، حيث (5) كان ارتفاع شخص الوجوب ليس مستندا
إلى ارتفاع العلة المأخوذة فيها، فإنه (6) يرتفع ولو لم يوجد في
حيال أداة الشرط كما في اللقب والوصف.

[1] بل من فوائد انحصار العلية، لا نفس العلية.
351

وأورد (1) على ما تفصي (2) به عن الاشكال (3) بما (4) ربما يرجع
إلى ما ذكرناه (5) بما (6) حاصله: أن التفصي لا يبتني على كلية
الوجوب، لما (7)
352

أفاده. وكون (1) الموضوع له في الانشاء عاما لم يقم عليه دليل لو لم
نقل بقيام الدليل على خلافه، حيث (2) ان الخصوصيات بأنفسها
مستفادة من الألفاظ (3).
وذلك (4) لما عرفت من أن الخصوصيات في الانشاءات
353

والاخبارات انما تكون ناشئة من الاستعمالات بلا تفاوت أصلا بينهما
(1). ولعمري لا يكاد ينقضي تعجبي كيف تجعل خصوصيات
الانشاء من خصوصيات المستعمل فيه، مع أنها (2) كخصوصيات
الاخبار تكون ناشئة من الاستعمال، ولا يكاد يمكن أن يدخل في
المستعمل فيه ما ينشأ من قبل الاستعمال، كما هو واضح لمن تأمل.
الامر الثاني (3):
أنه إذا تعدد الشرط مثل: (إذا خفي الاذان فقصر)
354

وإذا خفي الجدران فقصر [1] فبناء على ظهور الجملة الشرطية في

[1] لا يخفى أن ظاهر العنوان يعطي عدم اختصاص البحث بما إذا لم
يكن الجزاء قابلا للتكرار ذاتا كالقتل، أو عرضا كمثال المتن، لقيام
الدليل على عدم تكرر وجوب القصر فيه بوجوبه تارة عند خفاء
الاذان، وأخرى عند خفاء الجدران.
فدعوى الاختصاص به - مع إطلاق العنوان وتطرق الاحتمالات و
وجوهها في الجزاء الذي أمكن تكراره - خالية عن الدليل، هذا.
ثم انه (لما كانت) للقضية الشرطية - بناء على المفهوم - ظهورات
عديدة:
أحدها: ظهورها في كون الشرط علة منحصرة موجبة للمفهوم، وهو
انتفاء الجزاء بانتفائه.
ثانيها: ظهورها في استقلال الشرط في التأثير، وعدم كونه جز المؤثر.
ثالثها: ظهورها في دخل خصوصيته، لا بما أنه مصداق لغيره.
رابعها: ظهورها في عموم المفهوم أو إطلاقه، وكان رفع التنافي بين
القضيتين متحققا برفع اليد عن أحد تلك الظهورات، (فيقع) الكلام
في تشخيص
356

المفهوم لا بد من التصرف ورفع اليد عن الظهور اما بتخصيص مفهوم
كل منهما بمنطوق الاخر، فيقال بانتفاء وجوب القصر عند انتفاء

ما هو أضعف منها ليتعين للسقوط ويؤخذ بغيره، ويكون ذلك جمعا
عرفيا بين الدليلين. وعلى هذا، فمرجع الوجه الأول إلى سقوط
ظهور الشرطية في عموم المفهوم. ومرجع الوجه الثاني إلى سقوط
ظهورها في أصل المفهوم، وصيرورة القضية الشرطية حينئذ
كاللقبية في عدم المفهوم.
فالفرق بينهما: أن الوجه الأول ينفي شرطية ما سوى الشرطين في
ترتب الجزاء، فانتفاؤهما يوجب انتفاء الجزاء، إذ المفروض وجود
المفهوم لهما، غاية الامر أن إطلاقه في كلتا الشرطيتين قيد بالمنطوق. و
الوجه الثاني لا ينفى دخل ما سوى الشرطين في ترتب الجزاء،
إذ المفروض عدم المفهوم لهما كاللقب.
ومرجع الوجه الثالث إلى رفع اليد عن ظهور الشرطية في الاستقلال، و
صيرورة الشرطين شرطا واحدا، والمفهوم يترتب على
انتفائهما معا، وهذا إطلاق واوي يرفع اليد عنه.
ومرجع الوجه الرابع إلى سقوط ظهور الشرطية في دخل الخصوصية
في ترتب الجزاء، وكون المؤثر فيه هو الجامع بين الشرطين، لا
كل واحد منهما بعنوانه، كما هو كذلك في الوجه الأول، فان كلا من
الشرطين فيه بعنوانه دخيل في ترتب الجزاء.
ثم إن الظاهر أن العرف يوفق بين الشرطيتين بإلغاء ظهورهما في
الانحصار وجعل كل منهما عدلا للاخر، لان كلا منهما نص في إناطة
الجزاء به، وظاهر وضعا أو إطلاقا في الانحصار، ونرفع اليد عن هذا
الظاهر بنص كل من الشرطين
357



في دخله في الجزاء، وتبقى الإناطة التي تقتضيها أداة الشرط على
حالها. فالنتيجة حينئذ كون كل من الشرطين عدلا للاخر، فيترتب
الجزاء على كل منهما منفردا وينتفي بانتفائهما.
وهذا هو الوجه الأول الذي هو الأوجه، لان الضرورات تتقدر بقدرها،
ومن المعلوم ارتفاع التعارض بالتصرف في الاطلاق الرافع
للعدل المقوم للمفهوم.
فلا وجه لجعل الشرطيتين كالقضيتين اللقبيتين حتى لا تدلا على
المفهوم كما هو قضية الوجه الثاني، لاستلزامه انسلاخ أداة الشرط عن
الإناطة والتعليق رأسا من دون موجب لذلك.
وتوهم رجحان الثاني على الأول، لعدم تصرف فيه في المنطوق، دون
الأول، للزوم التصرف فيه، فاسد، إذ لا يعقل رفع اليد عن
المفهوم بدون التصرف في المنطوق.
كما لا وجه لجعل الشرطين من مصاديق ما هو الشرط واقعا، وإلغاء
عنوانهما كما هو قضية الوجه الرابع، استنادا إلى قاعدة عدم صدور
الواحد عن المتعدد، وذلك لان مورد هذه القاعدة وعكسها الواحد
الشخصي - كما ثبت في محله - لا النوعي، كالحرارة المستندة إلى
النار تارة، وإلى شعاع الشمس أخرى، وإلى الحركة ثالثة، وإلى
الغضب رابعة، والمقام من الثاني، دون الأول، إذ المفروض كون
المعلق في المنطوق سنخ الحكم وطبيعته، لا شخصه، فلا تكون
القاعدة العقلية شاهدة على كون الشرط هو الجامع بين الشرطين.
358



وكما لا وجه أيضا لرفع اليد عن ظهور كل من الشرطين في السببية
المستقلة وجعل كل منهما جز السبب، كما هو قضية الوجه الثالث، و
ذلك لكون كل من الشرطيتين نصا في ترتب التالي على المقدم ولو
في مورد واحد، فلا مجال لجعل كل من الشرطين جز السبب.
فالنتيجة: أن الأظهر هو الوجه الأول، أعني: كون كل من الشرطين عدلا
للاخر، فتدبر.
ثم إن هناك وجها خامسا، وهو ما ذكره الحلي (ره) قال في السرائر ص
74 ما لفظه: (وابتداء وجوب التقصير على المسافرين
(المسافر) ظاهر من حيث يغيب عنه أذان مصره المتوسط، أو يتوارى
عنه جدران مدينته، والاعتماد عندي على الاذان المتوسط دون
الجدران).
وجعله في التقريرات رابع الوجوه، وحاصله: رفع اليد عن إحدى
الجملتين رأسا، وجعلها كالعدم، وحفظ الأخرى منطوقا ومفهوما، و
لذا جعل المدار في وجوب القصر على خفاء الاذان فقط، وأسقط
خفاء الجدران عن التأثير رأسا.
وفيه: أن إلغاء أحدهما المعين ترجيح بلا مرجح، مع أن لازمه لغوية
الاخر رأسا من دون موجب له، مع إمكان الجمع العرفي بينهما. الا أن
يقال بأمارية خفاء الجدران على خفاء الاذان، لكنه ليس جمعا عرفيا،
ومجرد إمكانه الثبوتي لا يجدي في إثباته، كما لا يخفى.
الا أن يدعى أن خفاء الاذان يتحقق دائما قبل خفاء الجدران.
359

الشرطين (1).
واما (2) برفع اليد عن المفهوم فيهما، فلا دلالة لهما على عدم

ويمكن أن يقال - بل هو المظنون قويا -: ان الحلي (ره) لعدم حجية
أخبار الآحاد عنده لم يعتمد على رواية اشتراط خفاء الجدران،
لكونه من الاخذ بغير الحجة، فاعتماده على شرطية خفاء الاذان ليس
من باب ترجيح إحدى الحجتين على الأخرى، بل من باب الاخذ
بالحجة وطرح غيرها. فما في السرائر خارج عن موضوع البحث وهو
تعدد الشرط واتحاد الجزاء، إذ الشرط - بناء على هذا التوجيه -
واحد، لا متعدد، فلا يكون وجها خامسا.
360

مدخلية شئ آخر في الجزاء، بخلاف الوجه الأول (1)، فان فيهما
(2) الدلالة على ذلك (3).
واما (4) بتقييد إطلاق الشرط في كل منهما بالآخر، فيكون الشرط
361

هو خفاء الاذان والجدران معا (1)، فإذا خفيا (2) وجب القصر، ولا
يجب (3) عند انتفاء خفائهما ولو خفي أحدهما.
واما (4) بجعل الشرط هو القدر المشترك بينهما بأن يكون تعدد
362

الشرط قرينة على أن الشرط في كل منهما ليس بعنوانه الخاص، بل بما
هو مصداق لما يعمهما من العنوان.
ولعل (1) العرف يساعد على الوجه الثاني، كما أن العقل ربما يعين
هذا الوجه (2)، بملاحظة (3) أن الأمور المتعددة بما هي مختلفة
363

لا يمكن أن يكون كل منها مؤثرا في واحد، فإنه (1) لا بد من الربط
الخاص بين العلة والمعلول، ولا يكاد يكون الواحد بما هو واحد
مرتبطا بالاثنين بما هما اثنان، ولذلك (2) أيضا لا يصدر من الواحد
(3) الا الواحد، فلا بد (4) من المصير إلى أن الشرط في الحقيقة واحد،
364

وهو المشترك بين الشرطين، بعد البناء (1) على رفع اليد عن المفهوم
وبقاء (2) إطلاق الشرط في كل منهما على حاله، وان كان بناء
العرف والأذهان العامية على تعدد الشرط وتأثير كل شرط بعنوانه
الخاص (3)، فافهم.
365

الامر الثالث: [1] إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء (1) فلا إشكال

[1] لا يخفى أن هذا الامر من جزئيات مسألة ورود الامر بشئ عقيب
الامر به قبل امتثاله. والوجه في إفراده بالبحث وعقد أمر له
مستقلا هو: أن له ظهورين في استقلال الجزاء، وعدم التداخل.
أحدهما: ظهور الهيئة في التأسيس، وهو مشترك بين المسألتين.
والاخر المختص بهذه المسألة: ظهور الجملة الشرطية في حدوث
الجزاء عند حدوث كل شرط، فبذلك يضعف ظهور المتعلق في
وحدة
الطبيعة، ولذا اختار المصنف هناك التأكيد، تقديما لظهور المتعلق ما
لم يذكر سبب، أو ذكر سبب واحد، احترازا عما ذكر فيه سببان
كالمقام.
367

على الوجه الثالث (1) [1].

[1] وكذا لا إشكال على ما ذهب إليه الحلي (ره) من إلغاء إحدى
الجملتين رأسا، إذ على هذا القول لا يتعدد الشرط، بل الشرط واحد
من الشرطين، فلا موضوع لهذا النزاع بناء على مذهبه أيضا.
368

وأما على سائر الوجوه، فهل اللازم الاتيان بالجزاء متعددا حسب
تعدد الشرط [الشروط] أو يتداخل، ويكتفي بإتيانه دفعة واحدة (1)
فيه أقوال، والمشهور عدم التداخل (2)، وعن جماعة منهم المحقق
الخوانساري (ره) التداخل (3)، وعن الحلي التفصيل بين اتحاد جنس
الشروط (4) وتعدده.
و التحقيق [1] أنه لما كان ظاهر الجملة الشرطية حدوث الجزاء

[1] قد يقال: انه لا يلزم من ظهور الجملة الشرطية في حدوث الجزاء
عند حدوث الشرط المتعدد حقيقة كالنوم والبول، أو وجودا كالنوم
مرتين مع وحدة الجزاء حقيقة كالوضوء محال، أعني به اجتماع
المثلين، وهما الوجوبان المتعلقان بطبيعة الوضوء، بتقريب: أن
الوجوب
من الأمور الاعتبارية التي لا محذور في اجتماعها، وليس من الأمور
الوجودية المشتركة في حقيقة واحدة حتى يكون من باب اجتماع
المثلين.
369

عند حدوث الشرط (1) بسببه (2)، أو بكشفه (3) عن سببه،

لكنه مدفوع بأن العبرة بمنشأ انتزاع الوجوب، وهو الطلب الحتمي
المحرك لعضلات العبد، والباعث له نحو المطلوب، ومن المعلوم
امتناع تحقق البعثين إلى شئ واحد، للزوم تحصيل الحاصل المحال
وان لم يكن من اجتماع المثلين، هذا. مع لزوم اجتماع المثلين في
مباديه من الحب والإرادة، لأنهما من الأمور الخارجية.
ولا وجه للالتزام بالتأكد، لأنه خلاف ما فرضناه من استقلال كل شرط
في كونه مؤثرا في حدوث الجزاء.
370

وكان (1) قضيته (2) تعدد الجزاء عند تعدد الشرط، كان (3) الاخذ
بظاهرها إذا تعدد [الشرط] حقيقة أو وجودا (4) محالا، ضرورة أن
لازمه (5)
371

أن يكون الحقيقة الواحدة مثل الوضوء بما هي واحدة في مثل (إذا
بلت فتوضأ وإذا نمت فتوضأ) أو فيما إذا بال مكررا، أو نام كذلك (1)
محكوما بحكمين متماثلين (2)، وهو واضح الاستحالة كالمتضادين،
فلا بد (3) على القول بالتداخل من التصرف فيه (4) اما بالالتزام (5) بعدم
372

دلالتها (1) في هذا الحال (2) على (3) الحدوث عند الحدوث، بل
على مجرد الثبوت. [1] أو الالتزام (4)

[1] هذا شأن الجملة الخبرية، لأنها لا تدل الا على مجرد الثبوت عند
الثبوت، كثبوت القيام لزيد في قوله: (زيد قائم)، وأما الانشاء بداعي
البعث الجدي كما هو ظاهر قوله: (إذا نمت فتوضأ) فلا يكون إثباتا
للبعث الأول، إذ هو وجود آخر من البعث مغاير له.
373

بكون متعلق الجزاء وان كان واحدا صورة الا أنه (1) حقائق متعددة
حسب تعدد الشرط (2) متصادقة (3) على واحد، فالذمة وان
اشتغلت بتكاليف متعددة حسب تعدد الشروط [الشرط] الا أن الاجتزاء بواحد،
لكونه (4) مجمعا لها. كما في (أكرم هاشميا وأضف عالما) فأكرم
العالم الهاشمي بالضيافة، ضرورة (5) أنه بضيافته بداعي الامرين
يصدق أنه امتثلهما (6)، ولا محالة يسقط الامر بامتثاله (7) وموافقته.
374

وان كان له امتثال كل منهما (1) على حدة، كما إذا أكرم الهاشمي بغير
الضيافة، وأضاف العالم غير الهاشمي.
ان قلت (2): كيف يمكن ذلك - أي الامتثال بما تصادق عليه العنوانان
- مع استلزامه (3) محذور اجتماع الحكمين المتماثلين فيه (4).
قلت (5): انطباق عنوانين واجبين على واحد لا يستلزم اتصافه
بوجوبين، بل غايته أن انطباقهما عليه يكون منشأ لاتصافه بالوجوب،
وانتزاع (6)
375

صفته [صفة] له، مع (1) أنه - على القول بجواز الاجتماع - لا محذور
في اتصافه (2) بهما، بخلاف ما إذا كان بعنوان واحد (3)، فافهم (4).
أو الالتزام (5) [بالالتزام] بحدوث الأثر عند وجود كل شرط
376

الا أنه (1) وجوب الوضوء في المثال عند الشرط الأول، وتأكد وجوبه
عند الاخر.
ولا يخفى أنه لا وجه (2) لان يصار إلى واحد منها، فإنه (3) رفع اليد
عن الظاهر بلا وجه. مع (4) ما في الأخيرين من الاحتياج إلى إثبات
أن متعلق الجزاء متعدد متصادق على واحد وان كان صورة واحدا
377

سمي [مسمى] باسم واحد كالغسل (1). وإلى [) 2 إثبات] أن
الحادث بغير الشرط الأول تأكد ما حدث بالأول (3)، ومجرد
الاحتمال (4) لا يجدي ما لم يكن في البين ما يثبته.
ان قلت: وجه ذلك (5) هو لزوم التصرف في ظهور الجملة الشرطية،
378

لعدم إمكان الاخذ بظهورها، حيث إن قضيته [) 1 هو] اجتماع
الحكمين في الوضوء في المثال، كما مرت الإشارة إليه (2).
قلت: نعم (3) إذا لم يكن المراد بالجملة فيما إذا تعدد الشرط كما في
المثال هو وجوب الوضوء مثلا بكل شرط غير ما (4) وجب
379

بالآخر، ولا ضير (1) في كون فرد محكوما بحكم فرد آخر أصلا كما لا
يخفى.
ان قلت (2): نعم لو لم يكن تقدير تعدد الفرد على خلاف الاطلاق
(3).
قلت: نعم (4) لو لم يكن ظهور الجملة الشرطية في كون الشرط سببا
(5) أو كاشفا عن السبب (6) مقتضيا لذلك أي تعدد الفرد، وبيانا [أي
380

لتعدد الفرد والا كان بيانا] لما هو المراد من الاطلاق (1).
وبالجملة: لا دوران بين ظهور الجملة في حدوث الجزاء (2) وظهور
(3) الاطلاق، ضرورة (4) أن ظهور الاطلاق يكون معلقا على عدم
البيان، وظهورها (5) في ذلك صالح لان يكون بيانا، فلا (6) ظهور له
مع ظهورها، فلا (7) يلزم على القول بعدم التداخل تصرف أصلا. بخلاف القول
381

بالتداخل (1) (×) كما لا يخفى.
فتلخص بذلك (2): أن قضية ظاهر الجملة الشرطية (3) هو القول
بعدم التداخل عند تعدد الشرط.

(×) هذا واضح بناء على ما يظهر من شيخنا العلامة من كون ظهور
الاطلاق معلقا على عدم البيان مطلقا ولو كان منفصلا. وأما بناء على
ما اخترناه في غير مقام من أنه انما يكون معلقا على عدم البيان في
مقام التخاطب لا مطلقا فالدوران حقيقة بين الظهورين حينئذ وان
كان، الا أنه لا دوران بينهما حكما، لان العرف لا يكاد يشك - بعد
الاطلاع على تعدد القضية الشرطية - في أن قضيته تعدد الجزاء، وأنه
في كل قضية وجوب فرد غير ما وجب في الأخرى، كما إذا اتصلت
القضايا وكانت في كلام واحد، فافهم.
382

وقد انقدح مما ذكرناه (1): أن المجدي للقول بالتداخل هو أحد
الوجوه التي ذكرناها (2)، لا مجرد كون الأسباب الشرعية معرفات،
383

لا مؤثرات، فلا وجه لما عن الفخر (1) وغيره من ابتناء [هذه] المسألة
على أنها (2) معرفات أو مؤثرات. مع (3) أن الأسباب الشرعية
حالها حال غيرها في كونها معرفات تارة ومؤثرات أخرى، ضرورة (4)
أن الشرط للحكم الشرعي في الجملة الشرطية ربما يكون مما له دخل
384

في ترتب الحكم، بحيث لولاه (1) لما وجدت له علة، كما أنه (2) في
الحكم غير الشرعي قد يكون أمارة على حدوثه (3) بسببه وان (4)
كان ظاهر التعليق أن له (5) الدخل فيهما، كما لا يخفى.
385

نعم (1) لو كان المراد بالمعرفية في الأسباب الشرعية أنها ليست
بدواعي الاحكام التي هي في الحقيقة علل لها (2)
386

وان كان لها (1) دخل في تحقق موضوعاتها، بخلاف الأسباب غير
الشرعية، فهو (2)
387

وان كان له وجه (1) الا أنه (2) مما لا يكاد يتوهم أنه (3) يجدي فيما
هم وأراد (4).
ثم انه (5) لا وجه للتفصيل بين اختلاف الشروط بحسب الأجناس
388

وعدمه، واختيار عدم التداخل في الأول (1)، والتداخل في الثاني
(2) الا توهم (3)
389

عدم صحة التعلق [التعليق] بعموم اللفظ (1) في الثاني (2)، لأنه (3)
من أسماء الأجناس، فمع تعدد أفراد شرط واحد (4) لم يوجد الا
السبب الواحد، بخلاف الأول (5)، لكون (6)
390

كل منها سببا، فلا وجه لتداخلها (1). وهو فاسد، فان (2) قضية إطلاق
الشرط في مثل (إذا بلت فتوضأ) هو حدوث الوجوب عند كل مرة
لو بال مرات (3)، والا (4)
391

فالأجناس المختلفة لا بد من رجوعها إلى واحد فيما جعلت شروطا و
أسبابا لواحد، لما مرت إليه الإشارة من أن الأشياء المختلفة بما
هي مختلفة لا تكون أسبابا لواحد. هذا كله (1) فيما إذا كان موضوع
الحكم في الجزاء قابلا للتعدد.
وأما ما لا يكون قابلا لذلك (2) [1] [وأما إذا لم يكن قابلا له]

[1] ومثله ما إذا كان الجزاء في نفسه قابلا للتعدد، وبلحاظ موضوعه غير
392

فلا بد من

قابل له كالوضوء والغسل، كما إذا قال: (إذا نمت فتوضأ، وإذا بلت
فتوضأ) أو (إذا احتلمت فاغتسل) أو (إذا جامعت امرأتك فاغتسل)
فإنهما قابلان ذاتا للتعدد الا أنهما بلحاظ الموضوع - وهو المحدث
بالأكبر أو الأصغر - لا يقبلان التعدد، لان ارتفاع الحدث يتحقق
بالوضوء الأول أو الغسل الأول. فلا يقبلان التكرر بعنوان رفع الحدث،
كما لا يخفى.
ثم إن المحقق النائيني (قده) - على ما في تقرير بحثه - عد من موارد
التداخل ما إذا كان الشرط بنفسه غير قابل للتعدد، كما في سببية
الافطار في شهر رمضان لوجوب الكفارة، فان أفراد المفطرات وان
كانت كثيرة الا أن غير الوجود الأول منها لا يتصف بكونه مفطرا،
فلا محالة يكون الوجود الأول هو الموجب للكفارة دون غيره.
أقول: ان كان لفظ (المفطر) ظاهرا في نقض الصوم بحيث يتبادر منه
هذا المعنى في موارد إطلاقه، فالامر كما أفاده (قده)، لوضوح
عدم صدق هذا العنوان الا على الوجود الأول من المفطرات، وعليه
فلا وجه لتعدد الكفارة بارتكاب أفراد المفطر.
ولكنه غير ظاهر، لكثرة إطلاق لفظ المفطر عرفا في غير الصائم،
فيقال:
(أنت صائم أم مفطر) فكثرة إطلاق المفطر على من لم ينو الصوم في
مقابل من نواه مما لا سبيل إلى إنكاره. نعم ظهوره في نقض الصوم
مسلم فيما إذا أسند إلى الصائم أو الصوم، كما في نصوص استحباب
إفطار الصائم مثل (من أفطر
393



صائما فله من الاجر كذا)، ونصوص الافطار عمدا، كقوله: (من أفطر
صومه عمدا فعليه كذا) لكنه مع القرينة.
وكيف كان، فان ثبت ظهور لفظ الافطار في نقض الصوم كان وجوب
الكفارة مترتبا على عنوان المفطر الفعلي، فلا تجب الكفارة الا
بارتكاب صرف الوجود من المفطرات، دون غيره من الوجودات، فلا
وجه لتعدد الكفارة الا إذا ثبت بدليل خاص ترتبها على ذات
المفطر كالجماع، لا عنوانه، كما ذهب إليه السيد وصاحب المستند،
للنصوص المعلقة للكفارة على عنوان الجماع، أو ملاعبة الأهل أو
العبث بها من دون تعرض فيها لعنوان الافطار، فحينئذ يكون مقتضى
أصالة عدم التداخل وجوب تكرار الكفارة بتكرر الوطء.
الا أن يدعى انصراف هذه النصوص إلى الافطار بالجماع، لا نفس
الجماع تعبدا.
نعم لا بأس بالاستدلال على وجوب تعدد الكفارة بمكاتبة الفتح بن
يزيد الجرجاني المروية عن العيون والخصال: (أنه كتب إلى أبي
الحسن عليه السلام يسأله عن رجل واقع أهله في شهر رمضان من
حلال أو حرام في يوم عشر مرات قال عليه السلام: عليه عشر
كفارات،
فان أكل أو شرب فكفارة يوم واحد)، وعن العلامة (ره): (روي عن
الرضا عليه السلام: أن الكفارة تتكرر بتكرر الوطء) وقريب
منه غيره. لكن لم تثبت حجية هذه الروايات.
وان كان لفظ (المفطر) ظاهرا في كل من تناول المفطرات سواء نوى
الصوم أم لا، فمن ارتكب شيئا من ذوات المفطرات وجب عليه
الكفارة، بأن يكون ارتكاب
394



كل واحد منها موجبا للكفارة، دخل في مسألة تداخل الأسباب أو
المسببات ومن المعلوم أن مقتضى الأصل عدم التداخل، هذا.
لكن الانصاف ظهور الافطار في نقض الصوم، فلا يجب الكفارة الا
بارتكاب صرف الوجود من المفطرات. ومع الغض عنه تجري البراءة
في وجوب تكرير الكفارة حتى بالنسبة إلى الجماع، لضعف النصوص،
وعدم الجبر، وان كان الأحوط فيه التعدد.
ومن هنا يظهر حكم التاركين للصوم بلا عذر شرعي، فإنهم إذا لم
يتناولوا شيئا من المفطرات لا يجب عليهم الكفارة، وحكمهم حكم
الصائم الناوي لقطع الصوم مع عدم تناول المفطر في وجوب القضاء
فقط، وإذا تناولوا المفطر فالأحوط التكفير وان قلنا بظهور
الافطار في نقض الصوم.
لكن في بعض نصوص الكفارة ما يكون ظاهرا في خلافه، وأن المراد
به ما يعم نقض الصوم، ويشمل ما إذا لم ينو الصوم أصلا، كخبر
المشرقي عن أبي الحسن عليه السلام قال: (سألته عن رجل أفطر من
شهر رمضان أياما متعمدا ما عليه من الكفارة، فكتب: من أفطر يوما
من شهر رمضان متعمدا فعليه عتق رقبة مؤمنة، ويصوم يوما بدل
يوم) فان من البعيد جدا نية صوم كل يوم من تلك الأيام، ثم إبطاله،
بل ظاهره - ولو بقرينة خارجية - عدم نية الصوم في تلك الأيام،
فالمراد عدم تحقق الصوم منه في تلك الأيام، فمعنى (أفطر) ترك
الصوم، كإفطار المعذورين كذي العطاش والشيخ، والشيخة، و
الحامل المقرب
395

تداخل الأسباب فيما لا يتأكد المسبب، ومن التداخل فيه (1) فيما
يتأكد. [1]

ونحوها، فإنهم يفطرون - أي لا يصومون - لا أنهم يصومون و
يفطرون.
ولا ينافي ما ذكرناه في خبر المشرقي من إرادة عدم نية الصوم من
قوله:
(أفطر من شهر رمضان أياما) جملة من النصوص الاخر من اشتمالها
على (من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا). وجه عدم المنافاة:
أن المراد بالافطار في تلك النصوص إما نقض الصوم، وإما تركه مع
استعمال ما يبطل الصوم ذاتا وان لم يكن مبطلا فعلا، لعدم نية
الصوم، وإما الأعم من ذلك.
فان أريد به نقض الصوم، فلا تنافي، إذ لا مانع من موضوعية كل من
نقض الصوم، وعدم نيته مع استعمال المبطل لوجوب الكفارة. وان
أريد به الأعم فكذلك، لأنه أحد الفردين، يعني: أن استعمال المبطل
ذاتا يوجب الكفارة سواء أ كان عن نية الصوم أم لا، ولا وجه للتقييد
بعد عدم التنافي بينهما.
فالمتحصل: أن وجوب الكفارة على تارك الصوم بدون عذر مع
ارتكابه للمبطلات ذاتا للصوم لو لم يكن أقوى، فلا أقل من كونه
أحوط،
والله العالم.
[1] لا يخفى أن المصنف (قده) لم يتعرض لحكم الشك في التداخل
ان لم يظهر من نفس الجملة الشرطية شئ من التداخل وعدمه، ولا
بأس بالتعرض له إجمالا، فنقول: ان الشك في تداخل الأسباب يرجع
إلى الشك في التكليف الزائد على الواحد الذي هو المتيقن، لأنه مع
عدم التداخل يكون
396

فصل
الظاهر: أنه لا مفهوم للوصف (1) وما بحكمه مطلقا (2)، لعدم ثبوت

كل شرط مقتضيا لحكم مستقل، ومع التداخل يكون مجموع
الشرطين مقتضيا لحكم واحد، فيكون الشك في تكليف زائد، ومن
المعلوم
أنه مجرى أصل البراءة، هذا إذا كان الشك في تداخل الأسباب.
وأما إذا كان في تداخل المسبب، فيرجع فيه إلى قاعدة الاشتغال،
لكون الشك حينئذ في كفاية فعل واحد عن المتعدد، وامتثال
التكاليف المتعددة به، ومن المعلوم أن الشك على هذا يكون في فراغ
الذمة وسقوط التكليف، وهذا من موارد جريان قاعدة الاشتغال.
397

الوضع [1 [1 وعدم (2) لزوم اللغوية بدونه، لعدم انحصار الفائدة به (3)،

[1] بل دعوى ثبوت عدمه قريبة جدا، إذ بناء على ثبوت الوضع يلزم
اللغوية، لان استعمال الوصف في تعليق السنخ في غاية القلة، فيلغو
حكمة الوضع، ويلزم مجازية أكثر موارد الاستعمال. مع أنه لا سبيل
إلى دعوى الوضع للمفهوم، ضرورة أن دلالة الوصف - كالشرط -
على المفهوم منوطة بكونه قيدا للحكم، بمعنى دخله فيه دخلا عليا،
لا قيدا للموضوع، ودخيلا فيه، ومن المعلوم ظهور القضية الوصفية
كقولنا: (زيد العالم يجب إكرامه) في كون الوصف - الذي هو نعت -
قيدا لموصوفه قبل ورود الحكم عليه، ولذا قيل:
ان الوصف من قيود المفاهيم الافرادية المتقدمة على النسبة، بمعنى
كون الوصف قيدا للموضوع الذي هو معنى افرادي، فيكون زيد
العالم واجب الاكرام كالموضوع في القضية اللقبية، كقوله: (زيد واجب
الاكرام) في عدم الدلالة على المفهوم.
398

وعدم (1) قرينة أخرى (2) ملازمة له (3)، وعليته (4) فيما إذا
استفيدت غير (5)
399

مقتضية له، كما لا يخفى. ومع كونها (1) بنحو الانحصار وان كانت
مقتضية له، الا أنه (2) لم يكن من مفهوم الوصف، ضرورة أنه [) 3 أن]
قضية العلة الكذائية (4) المستفادة من القرينة عليها (5) في خصوص
مقام، وهو (6) مما لا إشكال فيه، ولا كلام، فلا (7) وجه لجعله
تفصيلا في محل
400

النزاع (1)، وموردا للنقض والابرام. ولا ينافي ذلك (2) ما قيل: من أن
الأصل في القيد أن يكون احترازيا، لان (3) الاحترازية لا توجب
401

الا تضييق دائرة موضوع الحكم في القضية، مثل ما إذا كان (1) بهذا [
هذا] الضيق بلفظ واحد، فلا فرق بين أن يقال: جئني بإنسان أو
بحيوان ناطق (2)، كما أنه (3) لا يلزم في حمل [من حمل] المطلق
على المقيد فيما وجد شرائطه (4) الا ذلك (5)، من دون حاجة فيه
(6) إلى دلالته
402

على المفهوم، فان (1) من المعلوم أن قضية الحمل ليس الا أن المراد
بالمطلق هو المقيد (2)،
403

وكأنه لا يكون في البين غيره (1)، بل ربما قيل (2) انه لا وجه للحمل
لو كان بلحاظ المفهوم، فان (3) ظهوره فيه (4) ليس بأقوى من
ظهور المطلق في الاطلاق كي يحمل (5) عليه لو لم نقل بأنه الأقوى،
لكونه بالمنطوق، كما لا يخفى.
404

وأما الاستدلال على ذلك (1) - أي عدم الدلالة على المفهوم -
بآية (وربائبكم اللاتي في حجوركم) ففيه (2) أن الاستعمال في غيره

[1] وهي النصوص الدالة على حرمة الربيبة مطلقا وان لم تكن في
الحجر، كصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(سألته عن رجل كانت له جارية، وكان يأتيها، فباعها، فأعتقت و
تزوجت فولدت ابنة، هل تصلح ابنتها لمولاها الأول، قال: هي عليه
حرام)، وزاد في طريق آخر (وهي ابنته والحرة والمملوكة في هذا
سواء) (1)، وغير ذلك من الروايات الدالة على هذا الحكم.
1) الوسائل ج 14، الباب 21 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، رواه الفقيه باسناده
الصحيح عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم. ورواه أيضا بإسناده عن الحسين بن سعيد
عن الحسن بن محبوب وفضالة بن أيوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم. والرواية
صحيحة.
405

أحيانا مع القرينة مما لا يكاد ينكر، كما في الآية قطعا (1).
مع (2) أنه يعتبر في دلالته (3) عليه عند القائل بالدلالة أن (4) لا يكون
406

واردا مورد الغالب كما في الآية (1)، ووجه الاعتبار (2) واضح، لعدم
دلالته (3) معه على الاختصاص [1] وبدونها (4) لا يكاد يتوهم
دلالته على المفهوم، فافهم (5).
تذنيب (6)

[1] وإلى هذا يرجع ما في التقريرات من قوله: (وعلله الرازي على ما
حكي بأن الباعث على التخصيص هو العادة، فان الربيب غالبا
يكون في الحجور، وإذا احتمل أن يكون ذلك هو الوجه في
التخصيص لم يغلب على الظن أن سببه نفي الحكم عما عداه، وتبعه
في ذلك جماعة).
407

لا يخفى أنه لا شبهة (1) في جريان النزاع فيما إذا كان الوصف أخص
من موصوفه ولو من وجه في مورد الافتراق من جانب الموصوف (2).
408

وأما في غيره (1)، ففي جريانه إشكال أظهره عدم جريانه (2) وان
كان يظهر مما عن بعض الشافعية، حيث قال: (قولنا في الغنم
السائمة زكاة يدل على عدم الزكاة في معلوفة الإبل) جريانه (3)
409

فيه (1). ولعل وجهه (2) استفادة العلية المنحصرة [1] منه (3). وعليه (4) فيجري

[1] بحيث لا يكون للموصوف دخل في الحكم حتى يدور الحكم مدار
الوصف وجودا وعدما، إذ لو كان الوصف علة منحصرة لثبوت
الحكم للموصوف كان مفهومه انتفاء الحكم عن الموصوف، لا عن
غيره، كمعلوفة الإبل في المثال، فما ذكر وجها لما عن بعض الشافعية -
وان كان في نفسه وجيها - لكنه أجنبي عن المفهوم المبحوث عنه، و
هو زوال سنخ الحكم عن الموصوف بانتفاء الوصف.
410

فيما كان الوصف مساويا أو أعم مطلقا أيضا (1)، فيدل (2) على انتفاء

[1] اللهم الا أن يقال بما قيل: من الفرق بين صورة العموم من وجه، و
بين صورتي تساوي الوصف وأعميته مطلقا من الموصوف، بأنه في
الأولى يوجد ذات يمكن ثبوت الوصف لها وانتفاؤه عنها، كالإبل في
قولنا: (في الغنم السائمة زكاة) بخلاف صورتي التساوي، وأعمية
الوصف مطلقا من الموصوف، إذ لا يصح ثبوت الوصف للفرس والبقر
حتى ينفي عنهما، وكذا المشي عن الشجر والجبل في قولنا:
(رأيت الانسان الماشي) والا يلزم خلاف الفرض.
411

سنخ الحكم عند انتفائه، فلا وجه في التفصيل بينهما (1) وبين ما إذا
كان أخص من وجه فيما إذا كان الافتراق من جانب الوصف [1]

[1] كما عبر به في التقريرات أيضا، حيث قال: (وعلى الثالث - وهو
كون الوصف أخص من وجه من الموصوف كالغنم السائمة - فهل
يجري فيه النزاع بالنسبة إلى مورد الافتراق من جانب الوصف كما
يظهر من بعض الشافعية، حيث قال: ان قولنا في الغنم السائمة زكاة
يدل على عدم الزكاة في معلوفة الإبل أو لا يجري، كما يظهر من
جماعة، الظاهر هو الثاني).
ثم إن الظاهر أن قوله: (فلا وجه) تعريض بالتقريرات، حيث إنه فصل
بين الوصف المساوي والأعم، وبين الوصف الأخص من وجه،
بعدم جريان النزاع في الأولين، وجريانه في الثالث، واستظهار جريانه
فيه من بعض الشافعية. وأورد عليه المصنف بعدم الوجه في
هذا التفصيل، لأنه مع البناء على فهم انحصار العلية من الوصف، فلا
بد من الالتزام بالمفهوم في الجميع، ومع البناء على عدمه، فلا بد من
الانكار في الجميع، فلا وجه للتفصيل بين الأعم والمساوي، وبين
الأخص من وجه.
لكنك بعد مراجعة التقريرات يظهر لك: أن صاحب التقريرات لم
يفصل بينهما، وأن تعريض المصنف في غير محله، لأنه صرح بعدم
وقوع هذه التفاصيل في محله، حيث قال (ره): (فالتفصيل بين هذه
المقامات غير واقع في محله).
412

بأنه (1)

نعم ذهب أولا إلى عدم الجريان في قسمين، وهما تساوي الوصف
للموصوف وأعميته منه، وأخر بيان عدم الجريان في الثالث - وهو
أخصية الوصف من وجه من الموصوف كالغنم السائمة - لكونه
قاصدا للرد على بعض الشافعية القائل بالجريان.
فالمتحصل: أن صاحب التقريرات لم يفصل بين أنحاء الوصف حتى
يرد عليه تعريض المصنف، فتدبر جيدا.
ثم انه قد نسب إلى العلامة (قده): (التفصيل بين كون الوصف علة و
بين غيره، بالذهاب إلى المفهوم في الأول دون الثاني). لكن لم يعلم
أن غرضه ظهور اللفظ في علية الوصف، أو استفادة العلية من الخارج،
فان أراد الأول، فلا بد من الالتزام بالمفهوم فيه إلى أن يقوم
قرينة على خلافه، وان أراد الثاني فليس ذلك تفصيلا في المفهوم، إذ
لا إشكال في الالتزام بالمفهوم حينئذ حتى من المنكرين له أيضا،
لقيام القرينة على كون الوصف علة منحصرة، والظاهر أن من ذلك
الأوصاف الواقعة في الحدود، فان التحديد من القرائن النوعية
القائمة على كون الوصف ذا مفهوم.
413

لا وجه للنزاع فيهما (1) معللا (2) بعدم الموضوع، واستظهار (3)
جريانه من بعض الشافعية فيه (4)، كما لا يخفى، فتأمل جيدا.
فصل
هل الغاية (5) في القضية تدل على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية
414

بناء على دخول الغاية في المغيا (1)، أو عنها (2) وما بعدها بناء على
خروجها (3)، أو لا، فيه خلاف، وقد نسب إلى المشهور (4) الدلالة على
415

الارتفاع، وإلى جماعة منهم السيد والشيخ عدم الدلالة عليه (1).
والتحقيق (2) أنه إذا كانت الغاية بحسب القواعد العربية [1] قيدا

[1] أو القرائن الخاصة لو لم يثبت ظهور نوعي بحسب القواعد العربية
للغاية في المفهوم.
واعلم أنه لا ينبغي الارتياب ثبوتا في كون قيد الحكم - شرطا كان، أم
غاية أم وصفا، أم غيرها - من الملابسات ظاهرا في إناطة سنخ
الحكم به، الموجبة للانتفاء عند الانتفاء المعبر عنه بالمفهوم. انما
الكلام في مقام الاثبات والاستظهار، والظاهر أن ضابط استظهار
المفهوم منه أنه إذا ذكر القيد عقيب القضية المركبة من الموضوع و
المحمول كان قيدا لمفاد هيئتها، وهو ثبوت المحمول للموضوع، و
العرض للمحل، كما إذا قال: (الصوم واجب إلى الليل) فان هذه الغاية
تدل على كون المعلق هو الوجوب، بمعنى أن آخر عمره هو الليل،
فإذا دخل الليل ولم ينتف الوجوب كان ذلك منافيا لجعل الليل غاية و
آخرا لعمره.
وإذا ذكر القيد قبل الحكم، فظاهره أنه قيد للموضوع، كما إذا قال:
(غسل اليد إلى المرفق واجب) وارتفاع الوجوب حينئذ عن غسل
العضد يكون عقليا، لكون الوجوب الشخصي القائم بموضوعه
كالعرض
القائم بمحله في كون الانتفاء عقليا.
هذا بحسب الغالب. ويمكن العكس في كل من الموردين بقرينة
مقامية أو مقالية.
فالضابط في كون القضية الغائية أو غيرها ذات مفهوم هو: إناطة الحكم
المنطوقي بالغاية أو الشرط أو غيرهما من الملابسات، سواء
استفيدت هذه الإناطة من القواعد العربية أم من القرائن الخارجية.
416

للحكم، كما في قوله: (كل شئ حلال حتى تعرف أنه حرام) و (كل
شئ طاهر حتى تعلم أنه قذر) كانت دالة على ارتفاعه (1) عند
حصولها [حصولهما] لانسباق (2) ذلك (3) منها، كما لا يخفى،
417

وكونه (1) قضية تقييده بها، والا (2) لما كان ما جعل غاية له بغاية، و
هو واضح إلى النهاية.
وأما (3) إذا كانت بحسبها (4) قيدا للموضوع مثل (سر من البصرة إلى
الكوفة) (5)
418

فحالها (1) حال الوصف في عدم الدلالة وان (2) كان تحديده بها
بملاحظة حكمه، وتعلق الطلب به، وقضيته ليس إلا عدم الحكم فيها
الا بالمغيى، من دون دلالة لها (3) أصلا على انتفاء سنخه عن غيره، لعدم (4)
419

ثبوت وضع لذلك [1 [1 وعدم (2) قرينة ملازمة لها ولو (3) غالبا
دلت (4) على اختصاص الحكم به. وفائدة التحديد بها (5) كسائر
أنحاء التقييد

[1] قد أورد عليه بعض تلامذة المصنف (بأنه لا وجه لاطلاق القول
بعدم المفهوم إذا كانت الغاية قيدا للموضوع، لان تقييده بها تارة
يكون بلحاظ شخص الحكم، وأخرى يكون بلحاظ سنخه، ونفي
المفهوم انما يصح على الأول، دون الثاني، إذ لا إشكال في ثبوت
المفهوم للغاية حينئذ).
وفيه: أنه إذا كانت الغاية قيدا للموضوع كانت قيدا للمعنى الافرادي، و
موجبة لتضيق دائرة الموضوع، فانتفاء الحكم حينئذ يكون
بانتفاء الموضوع عقلا، لا من جهة المفهوم الذي هو انتفاء سنخ الحكم
وطبيعته، لا شخصه.
420

غير منحصرة بإفادته (1) كما مر في الوصف.
ثم إن [انه] في الغاية خلافا [خلاف] آخر (2) كما أشرنا إليه (3) وهو (4)
421

أنها هل هي داخلة في المغيا بحسب الحكم أو خارجة عنه [1]

[1] قد اختلفت كلمات علماء العربية في ذلك، فذهب نجم الأئمة إلى
الخروج مطلقا، لما ذكر في المتن، وذهب غيره إلى الدخول مطلقا، و
ثالث إلى التفصيل بين أدوات الغاية بأن (حتى) تقتضي مع التجرد عن
القرينة دخول ما بعدها، بخلاف (إلى)، حيث إنها تدل على عدم
دخوله. ورابع إلى التفصيل بين كون الغاية من جنس المغيا وعدمه،
بالدخول في الأول وعدمه في الثاني.
لكن لا دليل على وضع الأداة لشئ من هذه التفاصيل، ولا على قيام
قرينة عامة عليه.
لا يقال: ان لفظ النهاية والغاية يدل على دخولها في المغيا، لان منتهى
الشئ كمبدئه من أجزائه، وليس خارجا عنه، فيكون (حتى) و
(إلى) موضوعين لاخر أجزاء الشئ، فالغاية داخلة في المغيا.
فإنه يقال: ان لفظ النهاية الذي هو من الألفاظ الاسمية وان كان
موضوعا للجز الأخير من الشئ، لكنه لا يثبت وضع (حتى، وإلى)
اللذين هما حرفان لهذا المعنى الاسمي، فالأمثلة التي ذكروها لدخول
الغاية في المغيا وخروجها عنه انما هي للقرائن الخاصة، ولا تثبت
الوضع ولا القرينة العامة، فلا وجه لدعوى الظهور في الدخول أو
الخروج أو التفصيل، والأصول اللفظية كلها مفقودة، فمع الشك في
الدخول أو الخروج تصل النوبة إلى الأصول العملية.
422

والأظهر خروجها (1)، لكونها (2) من حدوده، فلا تكون محكومة
بحكمه (3) ودخوله (4) فيه في بعض الموارد انما يكون بالقرينة (5).
وعليه (6) تكون
423

كما بعدها بالنسبة إلى الخلاف الأول (1)، كما أنه على القول الاخر
(2) تكون محكومة بالحكم منطوقا (3).
ثم لا يخفى ان هذا الخلاف (4) لا يكاد يعقل جريانه (5) فيما إذا
424

كان قيدا للحكم، فلا تغفل (×).
فصل
لا شبهة في دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم (1) سلبا أو إيجابا (2) بالمستثنى منه [1]

(×) حيث إن المغيا هو حينئذ نفس الحكم، لا المحكوم به ليصح أن
ينازع في دخول الغاية في حكم المغيا، أو خارج عنه كما لا يخفى.
نعم يعقل أن ينازع في أن الظاهر هل هو انقطاع الحكم المغيا بحصول
غايته في الاصطلاح، أي مدخول إلى أو حتى أو استمراره في تلك
الحال، ولكن الأظهر هو انقطاعه، فافهم واستقم.
[1] هذا الاختصاص مما لا إشكال فيه، لكنه ليس من باب المفهوم كما
هو المتراءى من المصنف (قده)، حيث عده في مبحث المفاهيم، فان
الظاهر
425

ولا يعم [1] المستثنى، ولذلك (1) يكون الاستثناء من النفي إثباتا، و
من الاثبات نفيا، وذلك (2)

حينئذ أنه جعل دلالة الاستثناء على الحكم في المستثنى منه من باب
المفهوم، بتقريب: أن أداة الاستثناء تدل على خصوصية في المستثنى
منه مستتبعة للحكم في جانب المستثنى، وهذا في غاية البعد، بل
الظاهر أن الدلالة على الحصر انما تكون بالمنطوق، لا بالمفهوم، فان
الدال على حكم المستثنى بلا واسطة هي الجملة الاستثنائية، والدال
على حكم المستثنى منه هو الجملة المستثنى منها، فالدلالتان
منطوقيتان، ومن هاتين الدلالتين ينتزع الحصر، لتخالفهما في الايجاب
والسلب.
[1] الأولى تبديل (ولا يعم) ب (وانتفاءه عن المستثنى) وذلك لان
قوله:
(لا يعم) أعم من عدم البيان وبيان العدم، ومن المعلوم أن المقصود
هنا هو الثاني، إذ المفروض دعوى دلالة الاستثناء على انتفاء حكم
المستثنى منه عن المستثنى، فعدم الشمول انما هو لبيان العدم، لا
لقصور في الشمول، بداهة أن المستثنى منه بطبعه يشمل المستثنى
موضوعا وحكما، الا أن الاستثناء يدل على انتفاء حكم المستثنى منه
عن المستثنى، ولذا يكون الاستثناء من النفي إثباتا ومن الاثبات
نفيا.
426

للانسباق عند الاطلاق قطعا، فلا يعبأ (1) بما عن أبي حنيفة من عدم
الإفادة محتجا بمثل (لا صلاة الا بطهور)، ضرورة (2)
427

ضعف احتجاجه أو لا بكون المراد من مثله (1) أنه لا تكون الصلاة
التي كانت واجدة لأجزائها وشرائطها المعتبرة فيها صلاة الا إذا
كانت واجدة للطهارة (2)، وبدونها لا تكون صلاة على وجه (3)، و
صلاة تامة مأمورا بها على آخر (4).
وثانيا (5): بأن الاستعمال مع القرينة كما في مثل التركيب مما (6)
428

علم فيه الحال (1) لا دلالة له (2) على مدعاه أصلا، كما لا يخفى.
ومنه (3) قد انقدح أنه لا موقع للاستدلال على المدعى بقبول رسول
الله صلى الله عليه وآله إسلام من قال كلمة التوحيد، لامكان (4)
429

دعوى [1] أن دلالتها على التوحيد كان بقرينة الحال أو المقال.
والاشكال في دلالتها عليه (1) بأن (2) خبر (لا) اما يقدر (ممكن) أو
(موجود)، وعلى كل تقدير لا دلالة لها (3) على التوحيد [عليه]

[1] جعلت هذه الدعوى في العبارة التي نقلناها عن التقريرات بمكان
من السخافة.
430

أما على الأول (1)، فإنه [1] حينئذ لا دلالة لها إلا على إثبات إمكان
وجوده تبارك وتعالى، لا وجوده. وأما على الثاني (2)، فلأنها وان
دلت على وجوده تعالى، الا أنه لا دلالة لها (3) على عدم إمكان اله
آخر) مندفع (4)

[1] الصواب أن يقال: (فلأنها) كعدله، وهو (وأما على الثاني فلأنها).
431

بأن المراد من الاله هو واجب الوجود [1]

[1] هذا الجواب وان كان مثبتا للتوحيد، لدلالته على انحصار واجب
الوجود في الله تبارك وتعالى، لكنه لم يثبت استعمال الاله وضعا و
لا مجازا في ذلك، فان (اله يأله) من باب (منع يمنع) أو من باب (تعب
يتعب) بمعنى عبد عبادة، و (تأله) تعبد، والاله المعبود، وهو الله
تعالى، كما في مجمع البحرين، ولم نظفر باستعمال الاله في واجب
الوجود. فجعله بهذا المعنى مما لا يساعده اللغة، ولا العرف، فلا
يصار إليه، هذا.
مضافا إلى عدم معرفة هؤلاء الجهال الذين تكلموا بكلمة الاخلاص
بمعنى واجب الوجود.
الا أن يقال: بكفاية المعرفة الاجمالية بمعنى واجب الوجود ولو بأن
يعتقدوا بأنه لا بد أن يكون للمعبود مزية يمتاز بها عن العابد.
بل يمكن أن يقال: بعدم موجب لجعل الاله بمعنى واجب الوجود ولو
فرض صحة استعماله فيه، وذلك لان هذه الكلمة وردت في مقام
الرد على المشركين، ونفي ما اعتقدوه من استحقاق العبادة للصنم،
من دون اعتقادهم بكونه واجب الوجود حتى تكون كلمة التوحيد
ردا عليهم بانحصار واجب الوجود فيه سبحانه وتعالى. بل المقام
يقتضي الرد عليهم بأن المستحق للعبادة هو الله تعالى فقط.
فالمتحصل: أن جعل الاله بمعنى واجب الوجود مع عدم معهودية
ذلك في المحاورات مما لا داعي إليه. وعدم اقتضاء كلمة الاخلاص
نفي
إمكان ما سواه تعالى غير قادح في مقابل اعتقاد المشركين، إذ
المفروض كفاية الاعتقاد بانحصار المعبود بالحق فيه سبحانه وتعالى
في صدر الاسلام في إسلام القائل بكلمة (لا إله إلا الله) كما صرح به
جماعة على ما في التقريرات.
432



ويمكن أن يقال: بعدم الحاجة إلى تقدير خبر من (موجود) أو (ممكن)
حتى يلزم الاشكال المتقدم على كلا تقديري كون الخبر لفظ
(ممكن) أو (موجود) بعد فرض صحة إرادة واجب الوجود من لفظ
(اله)، لامكان استفادة نفي إمكان اله آخر، وانحصار واجب الوجود
فيه تعالى بكون كلمة (لا) للنفي البسيط، نظير (لا أهل ولا مال) و (لا
ضرر) بناء على كونه عنوانا للحكم - على التقريب المقرر في محله
-، فإنه لا حاجة حينئذ إلى الخبر كما عليه التميميون، إذ النفي على
هذا كناية عن العدم المحمولي، فمعنى (لا اله) لا واجب، فالإله - أي
الواجب - معدوم الا الله تعالى، ومن المعلوم أن نفي الطبيعة وإثبات
فرد واحد منها يفيد انحصار الواجب فيه عز اسمه.
ولا إشكال في أن العدم كما يكون رابطا بين شيئين، كقولك: (ليس
الأسد مأكول اللحم) كذلك يكون محمولا كقولك: (السلطان العادل
معدوم)، والعدم المستفاد من كلمة (لا) النافية - على مسلك
التميميين - عدم محمولي، فلا يحتاج إلى تقدير خبر، لتمامية الكلام
بدونه.
وهذا الوجه وجيه، لكنه يتوقف على ثبوت أمرين: أحدهما: كون
المراد بالإله واجب الوجود، والاخر: كون (لا) اسمية، وهي غير ثابتة،
لاعتراف غير واحد بعدم الظفر بمن صرح بورود (لا) اسمية. كما أن
الأول أيضا غير ثابت.
والأولى كما قيل وأشير إليه: (أن كلمة الاخلاص في صدر الاسلام لم
يرد منها الا التوحيد في العبادة، لا في أصل الألوهية، ضرورة أنه
كان ثابتا عندهم قبل الاسلام أيضا، كما يشهد بذلك قوله تعالى حكاية
عنهم: (ما نعبدهم الا ليقربونا إلى الله زلفى).
433

ونفي ثبوته ووجوده في الخارج (1)، وإثبات (2) فرد منه فيه (3) -
وهو الله تعالى - يدل بالملازمة البينة على امتناع تحققه (4) في
ضمن غيره تبارك وتعالى، ضرورة (5) أنه لو لم يكن ممتنعا لوجد،
لكونه من أفراد الواجب.
ثم إن الظاهر (6) أن دلالة الاستثناء على الحكم في طرف المستثنى
434

بالمفهوم [1] وأنه (1) لازم خصوصية الحكم في جانب المستثنى منه
التي (2) دلت عليها الجملة الاستثنائية. نعم (3) لو كانت الدلالة في
طرفه بنفس الاستثناء لا بتلك الجملة كانت بالمنطوق، كما هو (4)
ليس ببعيد،

[1] يمكن أن يفصل بين ما إذا كانت كلمة (الا) حرفا، وبين ما إذا كانت
متضمنة لمعنى الفعل وهو (أستثني)، فعلى الأول تكون الدلالة
بالمفهوم، لان كلمة (الا) حرف قد استعملت آلة للغير، ومعناها هي
الخصوصية الموجودة في المعاني الاسمية المستتبعة للمفهوم،
فيصدق عليه حد المفهوم. وعلى الثاني تكون الدلالة بالمنطوق، لان
الدال على نفي الحكم عن المستثنى هو ذلك الفعل حقيقة، لا الأداة
القائمة مقامه.
435

وان كان تعيين ذلك (1) لا يكاد يفيد. [1]
ومما يدل على الحصر والاختصاص (انما) (2) وذلك لتصريح

[1] لعدم أثر شرعي يترتب على عنوان (المنطوق) أو (المفهوم) حتى
نحتاج إلى تعيين موضوعه. نعم يثمر هذا النزاع في باب التعارض،
كما لو قال: (أكرم العلماء الا زيدا) ثم ورد (لا تكرم زيدا) بناء على
أضعفية الدلالة المفهومية من المنطوقية، فإنه يقدم المنطوق حينئذ
على المفهوم، للأقوائية، ويخرجان عن التعارض موضوعا، للزوم
حمل الظاهر على الأظهر عرفا، بخلاف ما إذا لم يكن بينهما أظهرية،
وكانت الدلالتان متساويتين في الظهور، إذ لا بد حينئذ من معاملة
التعارض بينهما، ولما كانت أظهرية الدلالة المنطوقية من المفهومية
عند المصنف غير ثابتة، فلذا لم يتعرض لها، وحكم بعدم فائدة في
كون دلالته على انتفاء الحكم بالمنطوق أو المفهوم.
436

أهل اللغة (1) بذلك (2)، وتبادره (3) منها قطعا عند أهل العرف و
المحاورة.
ودعوى (4) أن الانصاف أنه لا سبيل لنا إلى ذلك (5)، فان (6) موارد
استعمال هذه اللفظة مختلفة، ولا يعلم (7) بما هو مرادف لها في عرفنا
437

حتى يستكشف منها ما هو المتبادر منها (1) غير مسموعة (2)، فان
السبيل إلى التبادر لا ينحصر بالانسباق إلى أذهاننا، فان الانسباق
[1] إلى أذهان أهل العرف أيضا (3) سبيل.
وربما يعد مما دل على الحصر كلمة (بل) الاضرابية، والتحقيق:

[1] ان أريد انسباق عرفنا الحاضر، فهو متفرع على استعمالها فيه، وهو
منتف بالفرض. وان أريد العرف السابق، فالمفروض أن
استعمالها فيه مختلف، إذ قد استعملت فيه في الحصر وغيره،
فانسباق الحصر إلى أذهان العرف السابق أيضا مفقود. فالحق أن يقال:
ان
إنكار استعمالها في عرفنا الحاضر، وتبادر الحصر منها فيه بلا وجه
وجيه، فتدبر.
438

أن الاضراب على أنحاء (1).
منها: ما كان لأجل أن المضرب عنه انما أتى به غفلة أو سبقه به لسانه،
فيضرب بها (2) عنه إلى ما قصد بيانه، فلا دلالة له (3) على الحصر
أصلا. فكأنه أتى بالمضرب إليه ابتداء (4) كما لا يخفى.
ومنها: ما كان لأجل التأكيد، فيكون ذكر المضرب عنه كالتوطئة
439

والتمهيد لذكر المضرب إليه، فلا دلالة له (1) عليه أيضا (2).
ومنها (3): ما كان في مقام الردع وإبطال ما أثبت أولا، فيدل عليه 4
(×) وهو واضح.

(×) إذا كان بصدد الردع عنه ثبوتا. أما إذا كان بصدده إثباتا كما إذا كان
مثلا بصدد بيان أنه انما أثبته أولا بوجه لا يصح معه الاثبات
اشتباها منه، فلا دلالة على الحصر أيضا [1] فتأمل جيدا.
[1] لكونه من أول الأنحاء الثلاثة، فإنه أتى به غفلة، لأنه غفل عن إثباته
بوجه صحيح.
440

ومما يفيد الحصر - على ما قيل - تعريف المسند إليه باللام (1) و
التحقيق (2) أنه لا يفيده (3) الا فيما اقتضاه المقام (4)، لان (5) الأصل
441

في اللام أن تكون لتعريف الجنس، كما أن الأصل في الحمل في
القضايا المتعارفة هو الحمل المتعارف الذي ملاكه مجرد الاتحاد في
الوجود، فإنه (1) الشائع فيها، لا الحمل الذاتي الذي ملاكه الاتحاد
بحسب المفهوم (2) كما لا يخفى. وحمل شئ على جنس وماهية
كذلك
(3) لا يقتضي اختصاص تلك الماهية به، وحصرها عليه (4). نعم (5)
442

لو قامت قرينة على أن اللام للاستغراق، أو أن مدخوله أخذ بنحو
الارسال والاطلاق (1)، أو على أن الحمل عليه كان ذاتيا (2) لا قيد
حصر مدخوله (3) على محموله (4) واختصاصه (5) به.
443

وقد انقدح بذلك (1) الخلل في كثير من كلمات الاعلام في المقام، و
ما وقع منهم من النقض والابرام (2)، ولا نطيل بذكرها، فإنه بلا
طائل، كما يظهر للمتأمل [1] فتأمل جيدا.
فصل
لا دلالة للقب (3) [2]

[1] لا يظهر للمتأمل الا أن البحث مع الطائل، إذ الفائدة اما علمية واما
عملية، وثبوت الأولى واضح. وأما الثانية، فيمكن أن يكون لقوله:
(الاسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا صلى الله عليه وآله
رسول الله) أثر عملي، لدلالته حينئذ على عدم دخل شئ في
الاسلام غير
الشهادتين. بخلاف ما إذا لم يدل على الحصر، لعدم المنافاة بين دخل
الشهادتين وغيرهما في الاسلام.
ثم إن اتفاق البيانيين، وبناء العرف كافيان في إثبات المفهوم للمسند
إليه المعرف باللام، والأصلان اللذان ذكرهما المصنف في اللام و
الحمل محكومان بالاجماع والبناء المزبورين.
[2] الظاهر أن اللقب في مقابل الوصف والشرط والزمان والعدد.
444



وبعبارة أخرى: اللقب بما هو لقب يبحث فيه عن ثبوت المفهوم له و
عدمه، فلو كان زمانا كقوله: (يوم الجمعة مبارك أو عيد) مثلا صح
النزاع في ثبوت المفهوم وعدمه، وان بنينا على عدم المفهوم للزمان،
وقد خالف فيهما جماعة، أما في اللقب، ففي التقريرات ما حاصله:
(ذهب الدقاق والصيرفي وأصحاب أحمد إلى ثبوت المفهوم فيه
مستدلين له بلزوم العراء عن الفائدة لولا المفهوم، وبأن قول القائل -
لا أنا بزان ولا أختي زانية - رمي للمخاطب ولأخته بالزنى، ولذلك
أوجبوا عليه الحد أي حد القذف. وفي كليهما ما لا يخفى، إذ في
الأول عدم انحصار الفائدة في المفهوم، وفي الثاني أن دلالته تكون
بقرينة المقام).
وأما في العدد، فقد نسب إلى جماعة دلالته على المفهوم، محتجين
على ذلك بوجوه ضعيفة لا يهمنا ذكرها. نعم إذا ثبت كون العدد في
مقام التحديد بالنسبة إلى الطرفين كان دالا على المفهوم، كالتسبيحات
في صلاة جعفر عليه السلام.
445

ولا للعدد (1) على المفهوم، وانتفاء سنخ الحكم عن غير موردهما
(2) أصلا، وقد عرفت أن انتفاء شخصه ليس بمفهوم (3)، كما (4)
446

أن قضية التقييد بالعدد منطوقا عدم جواز الاقتصار على ما دونه (1)،
لأنه (2) ليس بذاك الخاص والمقيد. وأما الزيادة فكالنقيصة إذا
كان التقييد به (3) للتحديد بالإضافة إلى كلا طرفيه (4). نعم (5) لو كان
لمجرد التحديد بالنظر إلى طرفه الأقل لما كان في الزيادة
ضير أصلا، بل ربما كان فيها (6)
447

فضيلة وزيادة، كما لا يخفى، وكيف كان (1) فليس عدم الاجتزاء [
عدم الاجزاء] بغيره (2) من جهة دلالته على المفهوم، بل انما يكون
(3)
لأجل عدم الموافقة مع ما أخذ (4) في المنطوق، كما هو معلوم.
المقصد الرابع في العام والخاص
فصل
قد عرف العام بتعاريف (5)، وقد وقع من الاعلام فيها النقض
448

بعدم الاطراد (1) تارة والانعكاس أخرى (2) بما لا يليق بالمقام (3) [1]

[1] الأولى سوق العبارة بعد قوله: (أخرى) هكذا: (ولا وقع له، لأنها
تعاريف لفظية) حتى يلائم التعليل - وهو (فإنها) - المعلل أعني
عدم الواقع للاشكالات الطردية والعكسية، وهذا واضح جدا.
449

فإنها (1)

وأما استفادة هذا المطلب من عبارة المتن فلا تخلو من الاشكال، لأنه
ان أريد بقوله: (بالمقام) تعريف موضوع المسألة الأصولية - كما
هو الظاهر - فلا بد أن يعلل عدم اللياقة بالمقام بأن تعريف العام داخل
في المبادي، فلا وجه لتعرضه في المسائل فضلا عن إيراد
الاشكال الطردي والعكسي عليه.
وان أريد به المسألة الأصولية، فلا يرتبط به التعليل وهو قوله: (فإنها)
أيضا، بل لا بد أن يعلل بعدم المناسبة للنقض الطردي والعكسي
في التعريف بعد عدم كون المعرف - بالفتح - من المسائل الأصولية.
وان أريد به التعريف اللفظي، ففيه أولا: أنه غير مذكور لا صريحا ولا
حكما. وثانيا: أن لازمه اتحاد التعليل والمعلل، لأنه بمنزلة أن
يقال: (ان النقض بعدم الاطراد والانعكاس لا يناسب التعريف
اللفظي، لان التعريف لفظي) بل يناسب أن يعلل بأن التعريف اللفظي
ليس جامعا ومانعا، حتى يرد عليه شئ من الاشكالات الطردية و
العكسية، فتأمل في العبارة حقه.
450

تعاريف لفظية [1] تقع في جواب السؤال عنه (1) بما الشارحة، لا واقعة (2)

[1] لا يخفى أن ظاهر التحديد في كل مقام هو كونه تحديدا حقيقيا
للمحدود، وعلى هذا الظاهر يعتمد المستشكلون على الحدود
بالنقض عليها طردا وعكسا، فحمل التعريفات على اللفظية، ودفع
الاشكالات الواردة على الحدود بذلك بعيد جدا.
ثم انه قد تكرر من المصنف (قده) حمل التعريفات على اللفظية، وقد
تعرضنا سابقا لعدم كون التعريف اللفظي مساوقا لما يقع في
جواب (ما) الشارحة، فلاحظ.
451

في جواب السؤال عنه بما الحقيقية، كيف (1) وكان المعنى المركوز
منه في الأذهان أوضح مما عرف به (2) مفهوما ومصداقا، ولذا (3)
452

يجعل صدق ذلك المعنى (1) على فرد [1] وعدم صدقه المقياس في
الاشكال عليها (2) بعدم الاطراد أو الانعكاس بلا ريب فيه، ولا شبهة
تعتريه من أحد. والتعريف (3)

[1] الأولى أن يقال: (شئ) بدل (فرد) إذ لا يطلق هذا اللفظ إلا بعد
إحراز فرديته المتوقفة على صدق الكلي عليه، والمفروض عدم إحرازه بعد.
453

لا بد أن يكون بالأجلى كما هو أوضح من أن يخفى، فالظاهر (1) أن
الغرض من تعريفه انما هو بيان ما يكون بمفهومه جامعا [1]

[1] لو كان هذا هو الغرض الداعي إلى تعريف العام لفظيا لا حقيقيا
حتى لا يقدح كونه أعم من المعرف - بالفتح -، فاللازم أن لا يصدق
على غير الافراد الموضوعة للأحكام، مع أن بعض التعاريف يصدق
على ما ليس موضوعا للأحكام. هذا مضافا إلى أن إنكار الاحكام
لنفس العام، وإثباتها لمصاديقه فقط غير سديد، لان بعض الأحكام
يترتب على نفس العام، كالبحث عن أنه هل للعام صيغة تخصه؟ أو
أن العام حجة قبل الفحص أم لا؟ وغيرهما من المباحث المتعلقة
بعنوان العام.
وإلى أن الإشارة إلى المصاديق، كما تحصل بالتعريف اللفظي المسمى
بشرح الاسم، كذلك تحصل بالتعريف الحقيقي الشارح للماهية،
ولا مرجح للأول على الثاني لو لم نقل برجحان الثاني عليه.
454

بين ما (1) لا شبهة في أنها (2) أفراد العام ليشار به (3) إليه في مقام
إثبات ما له من الاحكام (4)، لا بيان ما هو حقيقته وماهيته، لعدم (5)
تعلق غرض به (6) بعد وضوح ما هو محل الكلام بحسب الاحكام من
(7) أفراده ومصاديقه، حيث (8)
455

لا يكون بمفهومه [بمفهوم] العام [1] محلا لحكم من الاحكام. [2]
ثم إن الظاهر (1) [3]

[1] الظاهر استدراكه، لكفاية قوله: (بمفهومه) في الوفاء بالمقصود الذي
هو: أن العام بنفسه وبعنوانه الموضوعي ليس محلا للأحكام، بل
محلها هي مصاديقه.
[2] قد عرفت في التعليقة السابقة خلافه، وأن العام بعنوانه الموضوعي
لا المشيري موضوع للأحكام، والبحث عن آثار مصاديقه انما
يكون باعتبار مصداقيتها للعام، وليس باعتبارها في نفسها.
[3] بل الظاهر أن انقسام العام إلى هذه الأقسام الثلاثة انما هو قبل
عروض الحكم عليه، إذ الكلي ان لم يلاحظ مرآتا لافراده فهو العام
المنطقي، وان لوحظ مرآتا لها، فان كان الملحوظ كل واحد منها بنحو
الاستقلال كما هو كذلك واقعا، إذ فردية كل واحد من الافراد
للكلي ليست منوطة بفرد آخر، فهو عام أصولي استغراقي، فالملحوظ
هو المتكثرات بما هي متكثرات ومستقلات.
456



وان كان الملحوظ تلك المتكثرات لا بما هي متكثرات، بل بما أنها
واحدة اعتبارا بحيث تكون الوحدة ملحوظة معها، فهو عام مجموعي.
وان كان الملحوظ واحدا من الافراد على البدل بحيث ينتقل النظر من
فرد إلى
457



آخر، ويكون الملحوظ هذا أو ذاك إلى آخر الافراد، فهو عام بدلي. و
من المعلوم أن لحاظ المفهوم مرآتا للافراد بأحد هذه الأنحاء لا
يتوقف على لحاظ موضوعيته للحكم، كيف والموضوع متقدم رتبة
على الحكم، فيمكن بعد جعل الكلي مرآتا لافراده بأحد الأنحاء
المزبورة أن يؤخذ موضوعا للحكم، ويمكن أن لا يؤخذ كذلك، فليس
انقسام العام إلى الأقسام المزبورة مترتبا على كيفية تعلق الاحكام
به، كما لا يخفى.
ولا بأس بالتنبيه على أمور:
الأول: أن الأصل في العموم إذا شك في إرادة الاستغراقي وأخويه منه
كونه بنحو الاستغراق، إذ لا يحتاج هو إلى أزيد من جعل المفهوم
مرآتا للحاظ الافراد، حيث إنها متكثرات بالذات، ومستقلات في نفس
الامر، وقضية ذلك الاستيعاب. وهذا بخلاف المجموعي، لاحتياجه
إلى اعتبار زائد وهو لحاظ قيد الوحدة في الافراد المتكثرة بالذات. و
بخلاف البدلي، لاحتياجه إلى اعتبار التردد بينها، ومن المعلوم
أنه كسابقه يحتاج إلى مزيد لحاظ وبيان.
الثاني: أن المحكي عن قدماء الأصوليين (أنهم كانوا يقصدون بالعام
المجموعي كل مركب ذي أجزاء، ولذا كانوا يمثلون له بمثل الدار و
نحوها).
الثالث: أن الخاص عند القوم لم يكن مقابلا للعام حتى يكون بينهما
تقابل ويختص لفظ به كاختصاص لفظ بالعام، ويسمى الأول
بالخاص والثاني بالعام.
بل كانوا يريدون بالعام العام غير المخصص، وبالخاص العام
المخصص بوصف أو استثناء أو نحوهما). ولا بد من مراجعة كلماتهم
في
هذين الامرين.
458

أن ما ذكر له من الأقسام من الاستغراقي والمجموعي والبدلي انما هو
باختلاف كيفية (×) تعلق الاحكام به (1)، والا فالعموم في الجميع
بمعنى واحد، وهو شمول المفهوم لجميع ما يصلح أن [1] ينطبق
عليه، غاية الامر أن تعلق الحكم به (2) تارة (3) بنحو يكون كل فرد
موضوعا على حدة للحكم. وأخرى (4) بنحو يكون الجميع موضوعا
واحدا بحيث لو أخل بإكرام واحد في (أكرم كل فقيه) مثلا لما امتثل
أصلا. بخلاف الصورة الأولى (5)،

(×) ان قلت: كيف ذلك، ولكل واحد منها لفظ غير ما للاخر، مثل (أي
رجل للبدلي، و (كل رجل للاستغراقي. قلت: نعم، ولكنه لا يقتضي
أن تكون هذه الأقسام له ولو بملاحظة اختلاف كيفية تعلق الاحكام،
لعدم إمكان تطرق هذه الأقسام الا بهذه الملاحظة، فتأمل جيدا.
[1] الظاهر أن الصواب دخول اللام على (ان). لان (يصلح) لازم، و (أن
ينطبق) مفعول له، فلا بد من تعديته بحرف الجر، فتكون العبارة
بمنزلة أن يقال: (وهو شمول المفهوم لجميع الافراد التي يصلح ذلك
المفهوم لان ينطبق عليها) فتأمل في العبارة.
459

فإنه أطاع وعصى (1).
وثالثة (2) بنحو يكون كل واحد موضوعا على البدل بحيث لو أكرم
واحدا منهم لقد أطاع وامتثل، كما يظهر لمن أمعن النظر وتأمل. [1]
وقد انقدح (3)

[1] لا يخفى أنه ان كان محل البحث ظهور العموم بالوضع أو القرينة
العامة في الأقسام الثلاثة، فمرجع البحث حينئذ إلى تعيين المعنى
الافرادي المتقدم رتبة على المعنى التركيبي، وحينئذ لا يلاحظ
الحكم أصلا، حتى تكون الاستغراقية وأخواتها تابعة له. وان كان مورد
البحث المعنى التركيبي كانت الاستغراقية وأخواتها تابعة للحكم. و
الظاهر الأول، إذ العموم كالاطلاق يبحث في معناهما الافرادي، لا
التركيبي.
460

أن مثل (1) شمول عشرة وغيرها [كالعقود الاخر] لآحادها المندرجة
تحتها ليس من العموم، لعدم صلاحيتها بمفهومها (2) للانطباق
على كل واحد منها (3)، فافهم (4).
فصل
لا شبهة في أن للعموم صيغة تخصه لغة (5) وشرعا (6) كالخصوص (7)
461

كما [أنه] يكون ما يشترك بينهما [) 1 ويعمهما] ضرورة (2) أن لفظ
(كل) [1]

[1] هنا إشكال ودفع. أما الأول، فهو: أنه ليس لنا لفظ يدل على العموم
مع الغض عن مقدمات الحكمة، حيث إن لفظ (كل) وأمثالها مما
عدت من ألفاظ العموم تابعة لمدخولها، فان أخذ مطلقا، فلفظ الكل
مثلا يدل على جميع أفراد المطلق. وان أخذ مقيدا، فهو يدل على
تمام
أفراد المقيد، فالمدخول لا يدل وضعا الا على نفس الطبيعة المهملة
التي لا تأبى عن الاطلاق والتقييد فإطلاق المدخول لا بد وأن يستند
إلى مقدمات الحكمة، حتى يدل لفظ (كل) الداخل عليه على جميع
أفراد المطلق. وعليه، فلا يدل (كل عالم) على جميع أفراد العالم الا
بعد
إحراز كون العالم مطلقا، وبدون إحرازه لا يدل على جميع الافراد،
لامكان إرادة العالم العادل من مدخول (كل) بل يدل على تمام أفراد
العالم المقيد بالعدالة.
وأما النكرة في سياق النفي وما في حكمها، فلا يقتضي وضع اللفظ الا
نفي الطبيعة المهملة التي تجتمع مع كل من المطلقة والمقيدة، ولا
يحرز
462



كون الطبيعة المدخولة للنفي هي المطلقة - لا المقيدة - الا بمقدمات
الحكمة، إذ بدونها يحتمل ورود النفي على كل من المطلق والمقيد.
وأما الثاني وهو الدفع، فحاصله: أن الظاهر من ورود النفي أو اللفظ
المفيد للعموم على مفهوم هو كون ذلك المفهوم بنفسه موردا
لأحدهما، لا أنه جعل مشيرا إلى ما هو المورد. وعليه، فقوله: (أكرم كل
عالم) يقتضي استيعاب تمام الافراد، كما يقتضي ورود النفي عليه
نفي تمام الافراد.
ومجرد إمكان كون المفهوم معرفا لفرد خاص منه، كإرادة فرد خاص
من مفهوم (رجل في قوله: (لا رجل في الدار) وورود النفي عليه
لا يوجب رفع اليد عن الظاهر، وهو كون المفهوم بنفسه موردا للنفي.
ودعوى أنه - بناء على هذا الظهور - لا حاجة إلى مقدمات الحكمة
في الحكم الايجابي أيضا، وذلك لان ظاهر القضية المتضمنة لتعلق
الايجاب بالطبيعة تعلق الحكم بنفس الطبيعة السارية في كل فرد، و
هذا هو العموم، فلا حاجة في فهمه من القضية الايجابية أيضا إلى
مقدمات الحكمة (غير مسموعة) لان الطبيعة المهملة تصدق على
فرد خاص حقيقة، ودلالتها على سريان الحكم إلى تمام الافراد مما لا
يقتضيه وضع اللفظ، بل هي منوطة بمقدمات الحكمة، فقوله:
(أكرم عالما) لا يدل على وجوب إكرام جميع أفراد طبيعة العالم
بالوضع، فدلالته على ذلك محتاجة إلى مقدمات الحكمة. وهذا
بخلاف
النفي المتعلق بالطبيعة المهملة، ضرورة أن نفيها يتوقف عقلا على
انعدام جميع أفرادها، إذ لو فرض صدق نفي الطبيعة مع وجود فرد
منها لزم اجتماع النقيضين، وهما وجود الطبيعة وعدمها.
463

وما يرادفه في أي لغة كان يخصه (1)، ولا يخص الخصوص ولا يعمه
(2)، ولا ينافي اختصاصه (3) به استعماله (4)
464

في الخصوص عناية بادعاء أنه (1) العموم، أو بعلاقة (2) العموم و
الخصوص ومعه (3) لا يصغى إلى [ذلك ب] أن إرادة الخصوص
متيقنة و
لو في ضمنه (4) بخلافه (5)، وجعل اللفظ حقيقة في المتيقن (6)
أولى (7).
ولا (8) إلى أن التخصيص قد اشتهر وشاع، حتى قيل: (ما من
465

عام الا وقد خص) والظاهر يقتضي كونه (1) حقيقة لما هو الغالب
تقليلا للمجاز، مع أن تيقن إرادته (2) لا يوجب اختصاص الوضع به
[الوضع له.] مع [1] 3

[1] ظاهره أن الوجه في عدم كون تيقن إرادة الخصوص موجبا
لاختصاص الوضع به هو كثرة إرادة العموم، وعدم قلتها ليكون الوضع
له قليل الفائدة
466



وللخصوص كثير الفائدة كي يتعين الوضع له، دون العموم. لكنه لا
يخلو من الغموض، لان إرادة العموم لا تنافي تيقن إرادة الخصوص،
لما مر في التوضيح من أن الخصوص متيقن الإرادة، اما لاستعمال
اللفظ فيه، واما لكونه بعض العموم، فيكون مرادا في ضمنه.
فالأولى أن يوجه عدم كون تيقن إرادة الخصوص مقتضيا لاختصاص
الوضع به، بأن التيقن المزبور ان كان لأجل استعمال اللفظ في
الخصوص، فلا يدل على وضعه له، وعلى كونه معنى حقيقيا له، لان
الاستعمال أعم من الحقيقة.
وان كان لأجل كونه بعض العام، وأن الدلالة عليه تكون تضمنية،
فعدم كشف تيقنه عن الوضع أوضح من سابقه، لان اللفظ حينئذ قد
استعمل في العموم، وليس الخصوص مستعملا فيه حتى يمكن أن
يقال: (ان الأصل في الاستعمال الحقيقة) وان كان فيه ما لا يخفى من
أنه
أعم من الحقيقة كما ثبت في محله.
وبالجملة، فلا ملازمة بين تيقن إرادة الخصوص، وبين وضع اللفظ له،
فالاستدلال بهذا التيقن على الوضع للخصوص غير سديد.
هذا كله مضافا إلى إمكان المناقشة في أصل التيقن المزبور بدعوى
التضاد بين العموم والخصوص، وأنهما خصوصيتان متضادتان، و
أن العموم ليس أمرا عدميا حتى تصح دعوى تيقن الخصوص، ونفي
العموم بالأصل، فتيقن الخصوص غير معلوم، لاحتياجه إلى اللحاظ، و
كذا العموم، فيعلم إجمالا بوضع اللفظ للعموم أو الخصوص، ولا
معين لأحدهما، فتأمل جيدا.
467

كون العموم كثيرا ما يراد. واشتهار (1) التخصيص لا يوجب كثرة
المجاز، لعدم (2) الملازمة بين التخصيص والمجازية، كما يأتي
توضيحه.
ولو سلم (3)، فلا محذور فيه أصلا إذا كان بالقرينة كما لا يخفى.
468

فصل
ربما عد من الألفاظ الدالة على العموم النكرة في سياق النفي (1) أو
النهي (2)، ودلالتها عليه لا ينبغي أن تنكر عقلا (3)، لضرورة (4) أنه
لا [يكاد] يكون طبيعة معدومة الا إذا لم يكن فرد منها بموجود، والا (5)
469

كانت موجودة. لكن (1) لا يخفى أنها (2) تفيده إذا أخذت مرسلة] * [
لا مبهمة قابلة للتقييد، والا (3) فسلبها لا يقتضى الا استيعاب السلب

(×) وإحراز الارسال فيما أضيفت إليه انما هو بمقدمات الحكمة،
فلولاها كانت مهملة، وهي ليست الا بحكم الجزئية، فلا تفيد الا نفي هذه
الطبيعة في الجملة ولو في ضمن صنف منها، فافهم فإنه لا يخلو من دقة.
470

لما أريد منها يقينا، لا استيعاب [1] ما يصلح انطباقها (1) عليه من
أفرادها (2) وهذا (3) لا ينافي كون دلالتها (4) عليه عقلية، فإنها (5)
بالإضافة إلى أفراد

[1] حق العبارة أن تكون هكذا: (ولا يقتضي استيعاب ما تصلح
لانطباقها عليه من أفرادها) وفاعل (تصلح) ضمير راجع إلى النكرة كما
أوضحناه.
471

ما يراد منها (1)، لا الافراد التي يصلح [1] لانطباقها عليه. كما لا ينافي
(2) دلالة مثل لفظ (كل) على العموم وضعا كون عمومه بحسب ما
يراد من مدخوله (3)، ولذا (4)

[1] الأولى أن يقال: (تصلح) لان فاعله ضمير يرجع إلى النكرة، و
توجيهه بما في بعض الحواشي من جعل الفاعل ضميرا مذكرا راجعا
إلى اللفظ غير وجيه، لاقتضاء ذلك تذكير ضمير (انطباقها) أيضا، إذ لا
معنى لانطباق اللفظ لأنه من شؤون المفاهيم.
472

لا ينافيه تقييد المدخول بقيود كثيرة. نعم (1) لا يبعد أن يكون (2)
ظاهرا [ظاهرة] عند إطلاقها في استيعاب جميع أفرادها، وهذا (3)
473

هو الحال في المحلى باللام جمعا كان أو مفردا - بناء على إفادته
للعموم - ولذا (1) لا ينافيه تقييد المدخول بالوصف وغيره (2)، و
إطلاق (3)
474

التخصيص على تقييده ليس (1) الا من قبيل (ضيق فم الركية) (2)
لكن دلالته على العموم وضعا محل منع (3)، بل انما يفيده [) 4 فيما]
إذا اقتضته [قرينة] الحكمة (5) أو قرينة أخرى (6)،
475

وذلك (1) لعدم اقتضائه [1] وضع اللام، ولا مدخوله (2)، ولا [ولا
ثبت] وضع (3) آخر للمركب منهما، كما لا يخفى. [2] وربما يأتي في
المطلق والمقيد بعض الكلام مما يناسب المقام.

[1] الأولى أن يقال: (لعدم اقتضاء وضع اللام ولا مدخوله ولا المركب
منهما للعموم) بل الصواب إسقاط (اقتضاء) بأن يقال: (لعدم ثبوت
وضع اللام ولا مدخوله ولا المركب منهما للعموم)، إذ لا معنى لعدم
المقتضي في وضع اللام للعموم بعد وضوح عدم اعتبار المناسبة في
الوضع بين الألفاظ والمعاني وكفاية نفس الوضع في حصول العلقة و
الارتباط بينهما، هذا.
ثم إن (اقتضائه) مصدر أضيف إلى المفعول المراد به العموم، وقوله:
(وضع) فاعله، يعني: لعدم اقتضاء وضع اللام للعموم. وإضافة
المصدر إلى الضمير المفعول ثم ذكر الفاعل بعده باسم الظاهر غير
معهودة في المحاورات.
[2] ولا يخفى أنه لا تنافي بين إنكار وضع المحلى باللام للعموم وبين
ما يقال من ظهور كلماتهم في الاتفاق على كون الجمع المحلى
باللام للعموم لان الاستعمال أعم من الحقيقة.
476

فصل
لا شبهة [1 [1 في أن العام المخصص بالمتصل (2)
المخصص المتصل والمنفصل

[1] ظاهره نفي الشبهة عند كل أحد، فهو من قبيل اللفظ الصريح في
تسلم المطلب عند الجميع، وهو مناف للخلاف الذي تعرض له بعد
ذلك، فالأولى أن يقال:
الحق أو الأقرب أو الأصح أن العام المخصص بالمتصل أو المنفصل
حجة في الباقي.
477

أو المنفصل (1) حجة [1]

[1] هذا التعبير الموجود في المعالم والتقريرات ومقالات شيخنا
العراقي قدس سره حيث قال: (لا إشكال في كون العام المخصص
بالمبين حجة) أولى من التعبير بكونه حقيقة أو مجازا كما في القوانين،
حيث قال: (إذا خص العام، ففي كونه حقيقة في الباقي أو مجازا
أقوال)، وفي الفصول حيث قال: (إذا خص العام فقد اختلفوا في كونه
حقيقة أو مجازا إلى أقوال).
وجه الأولوية: أن المناسب للأصولي البحث عن الحجية، لا عن كون
العام بعد التخصيص حقيقة أو مجازا في الباقي، فإنه شأن علماء
العربية.
مع أن الحجية تلائم كون العام المخصص حقيقة أو مجازا في الباقي.
أما على الأول، فظاهر. وأما على الثاني، فلامكان أن يكون المخصص
قرينة صارفة ومعينة.
478

فيما بقي فيما علم [مما علم] عدم دخوله (1) في المخصص مطلقا و
لو كان متصلا (2)، وما (3) احتمل
479

دخوله فيه أيضا [1] إذا كان منفصلا، كما هو المشهور (1) [2]

[1] اعلم أن هذا الفصل قد عقده الأصوليون لتحقيق حال العام
المخصص بالمخصص المعلوم مفهوما ومصداقا من حيث حجيته
في الباقي
وعدمها، كما عرفت عنوان المعالم والتقريرات. واما مع إجمال
المخصص مفهوما أو مصداقا فعقدوا له فصلا مستقلا، والمصنف
(قده)
عقد له الفصل الآتي، فلا ينبغي التعرض لحكم المخصص المجمل
المفهومي أو المصداقي هنا.
[2] قد يتوهم كونه راجعا إلى الصور الثلاث، لكنه ليس كذلك، لأنه نفي
الشبهة عن حجية العام في الصورتين الأوليين، وهما: العلم بعدم
دخول الباقي في المخصص المتصل والمنفصل، فقوله: (كما هو
المشهور) راجع إلى الصورة الثالثة، وهي احتمال دخول الباقي في
المخصص المنفصل، ولذا قال في العبارة المتقدمة عن التقريرات:
(مما يتطرق عليه الاشتباه كما عليه المشهور).
480



وأما الصورة الرابعة، وهي ما إذا كان المخصص متصلا مع احتمال
دخول الباقي فيه، فلا يجوز التمسك بالعام فيه، لعدم انعقاد ظهور
للعام الا فيما عدا الخاص، كالعالم غير النحوي في قوله: (أكرم العلماء
الا النحويين)، فموضوع الحكم العالم غير النحوي، فمع الشك في
كون عالم نحويا لا يجوز التمسك بالعام لوجوب إكرامه، إذ لم يعلم
فرديته له، والا لزم التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، وهو غير
جائز على ما سيأتي إن شاء الله تعالى، هذا.
ولا يخفى أنه قد يقال - كما في حاشية المحقق التقي (قده) على
المعالم -:
(ان النزاع في كون المخصص حقيقة أو مجازا لا يلائم كون بعض
الألفاظ موضوعا للعموم، وذلك لان استعمال العام في الخاص لا
محالة يكون مجازا، إذ المفروض كونه حقيقة في العموم، فاستعماله
في غيره يكون مجازا قطعا، ومعه لا مجال للترديد بين كونه حقيقة
أو مجازا، بل لا بد أن يقال: ان العام المخصص مجاز يقينا).
ويمكن أن يجاب عنه بعدم التنافي بين كون بعض الألفاظ حقيقة في
العموم وبين تردد العام المخصص بين كونه حقيقة أو مجازا.
توضيحه: أنه تارة يستعمل العام في الخاص بنحو المجاز في الكلمة،
فلا بد حينئذ من الالتزام بالمجازية.
وأخرى يراد الخاص من العام المخصص من دون استعمال العام فيه،
بل العام مستعمل في معناه الحقيقي، وهو مراد منه بالإرادة
الاستعمالية، والخاص يكون قرينة على ما يراد من العام بالإرادة
الجدية من باب تعدد الدال والمدلول، فالنزاع حينئذ يرجع إلى أن
الخاص قرينة على المراد الجدي من العام أم لا فليس في البين مجاز
في الكلمة أصلا، ولا قرينة على صرف اللفظ عن ظاهره
481

بين الأصحاب، بل لا ينسب الخلاف (1) الا إلى بعض أهل الخلاف
(2).
وربما فصل بين المخصص المتصل، فقيل (3) بحجيته (4) فيه، وبين
المنفصل، فقيل بعدم حجيته [) 5 فيه.] واحتج النافي (6) بالاجمال،
لتعدد (7) المجازات حسب [تعدد] مراتب الخصوصيات، وتعيين

وهو العموم، واستعمال اللفظ في غير معناه الحقيقي كي يكون
مجازا، وهذا نزاع معقول يلائمه وضع بعض الألفاظ لخصوص
العموم.
482

[وتعين] الباقي من بينها بلا معين ترجيح بلا مرجح.
والتحقيق في الجواب أن يقال (1): انه (2) لا يلزم من التخصيص كون
العام مجازا. أما في التخصيص بالمنفصل، فلما عرفت من أنه لا
تخصيص أصلا، وأن (3) أدوات العموم قد استعملت فيه، وان كان
دائرته (4) سعة وضيقا تختلف باختلاف ذوي الأدوات (5)، ولفظة (كل)
483

في مثل (كل رجل و (كل رجل عالم) قد استعملت في العموم (1) و
ان كان أفراد أحدهما (2) بالإضافة إلى الاخر بل في نفسها (3) في
غاية القلة. وأما (4) في المنفصل، فلان إرادة الخصوص واقعا لا تستلزم
484

استعماله فيه، وكون الخاص قرينة عليه (1)، بل من الممكن قطعا
استعماله (2) معه في العموم قاعدة (3). وكون (4) الخاص مانعا عن
حجية ظهوره تحكيما (5)
485

للنص أو الأظهر على الظاهر، لا (1) مصادما لأصل ظهوره، ومعه (2)
لا مجال للمصير إلى أنه (3) قد استعمل فيه مجازا كي يلزم الاجمال.
لا يقال: هذا (4) مجرد احتمال، ولا يرتفع به الاجمال، لاحتمال
الاستعمال في خصوص مرتبة من مراتبه.
486

استقرار (1) ظهوره في العموم، والثابت من مزاحمته بالخاص انما هو
بحسب الحجية (2) تحكيما لما هو الأقوى (3)، كما أشرنا إليه آنفا (4).
487

وبالجملة: الفرق بين المتصل والمنفصل وان كان بعدم انعقاد الظهور
في الأول الا في الخصوص، وفي الثاني (1) الا في العموم، الا أنه
لا وجه (2) لتوهم استعماله مجازا في واحد منهما (3) أصلا،
488

وانما اللازم (1) الالتزام بحجية الظهور في الخصوص في الأول (2)، و
عدم (3) حجية ظهوره في خصوص ما كان الخاص حجة فيه في
الثاني (4) فتفطن.
وقد أجيب [1] عن الاحتجاج (5) بأن (6)

[1] هذا الجواب مذكور في التقريرات بقوله: (وأجيب عنه بأن المرجح
هو أقربية الباقي لمدلول العام).
489

الباقي أقرب المجازات (1).
وفيه (2): أنه لا اعتبار في الأقربية بحسب المقدار، وانما المدار على
الأقربية بحسب زيادة الانس الناشئة (3) من كثرة الاستعمال [1] و
في تقريرات بحث شيخنا الأستاذ قدس سره في مقام الجواب عن
الاحتجاج (4) ما هذا لفظه: (والأولى (5) أن يجاب بعد تسليم
مجازية

[1] ينبغي أن يتمم هذا الجواب بأن يقول: (والمفروض عدم ثبوت
هذه الكثرة) فالجواب بالأقربية - بعد تسليم المجازية - لا يرفع
الاجمال حتى يكون العام حجة في الباقي.
490

الباقي بأن (1) دلالة العام على كل فرد من أفراده غير منوطة بدلالته
على فرد آخر من أفراده (2) ولو (3) كانت دلالة مجازية، إذ (4)
هي بواسطة
491

عدم شموله للأفراد المخصوصة، لا بواسطة دخول غيرها في مدلوله
(1) فالمقتضي (2) للحمل على الباقي موجود والمانع مفقود، لان
المانع في مثل المقام (3) انما هو ما يوجب صرف اللفظ عن مدلوله، و
المفروض انتفاؤه (4) بالنسبة إلى الباقي، لاختصاص (5)
المخصص بغيره، فلو شك (6)
492

فالأصل عدمه (1) انتهى موضع الحاجة.
قلت (2): لا يخفى أن دلالته على كل فرد انما كانت لأجل دلالته على
العموم والشمول، فإذا لم يستعمل فيه (3) واستعمل (4) في
الخصوص كما هو (5) المفروض مجازا، وكان إرادة كل واحدة [واحد]
من مراتب الخصوصيات مما (6)
493

جاز انتهاء التخصيص إليه (1)، واستعمال (2) العام فيه مجازا ممكنا
(3) كان (4) تعين بعضها بلا معين ترجيحا بلا مرجح، ولا مقتضي
(5) لظهوره فيه (6)، ضرورة (7) أن الظهور اما بالوضع، واما بالقرينة،
والمفروض أنه (8) ليس بموضوع له، ولم يكن (9) هناك قرينة،
وليس له موجب آخر (10)، ودلالته (11)
494

على كل فرد على حدة حيث كانت في ضمن دلالته (1) على العموم
لا يوجب ظهوره في تمام الباقي بعد عدم استعماله في العموم إذا لم
تكن هناك قرينة على تعيينه (2). فالمانع عنه (3) وان كان مدفوعا
بالأصل، الا أنه لا مقتضي له (4)
495

بعد رفع اليد عن الوضع (1). نعم (2) انما يجدي إذا لم يكن مستعملا
الا في العموم كما فيما حققناه في الجواب (3)، فتأمل جيدا.
فصل (4)
إذا كان الخاص بحسب المفهوم
496

مجملا (1) بأن كان (2) دائرا بين الأقل والأكثر وكان منفصلا، فلا
يسري إجماله إلى العام، لا حقيقة، ولا حكما (3)، بل كان العام متبعا
فيما لا يتبع فيه الخاص (4)،
497

لوضوح (1) أنه (2) حجة فيه بلا مزاحم أصلا، ضرورة (3) أن الخاص
انما يزاحمه فيما هو حجة على خلافه (4)
498

تحكيما للنص أو الأظهر على الظاهر، لا (1) فيما لا يكون كذلك كما لا
يخفى.
وان لم يكن [1] كذلك (2) بأن كان دائرا بين المتباينين مطلقا (3)

[1] حق العبارة أن تكون هكذا: (إذا كان الخاص بحسب المفهوم مجملا
فان كان دائرا بين الأقل والأكثر وكان منفصلا وان كان
دائرا بين المتباينين مطلقا أو بين الأقل والأكثر مع كونه متصلا بالعام
فيسري إجماله إليه حكما. إلخ).
499

أو (1) بين الأقل والأكثر فيما كان متصلا، فيسري (2) إجماله إليه
حكما (3) في المنفصل المردد بين المتباينين، وحقيقة (4) في غيره.
500

أما الأول (1)، فلان العام على ما حققناه كان [1]
ظاهرا في عمومه الا أنه لا يتبع ظهوره في واحد من المتباينين اللذين علم تخصيصه بأحدهما (2).
وأما الثاني (3)، فلعدم انعقاد ظهور من رأس للعام، لاحتفاف (4)

[1] الأولى أن يقال: (وان كان) حتى يلائمه قوله: (الا أنه لا يتبع ظهوره).
501

الكلام بما يوجب احتماله لكل واحد من الأقل والأكثر (1)، أو لكل واحد من المتباينين (2) لكنه (3) حجة في الأقل، لأنه المتيقن في البين.
فانقدح بذلك (4) الفرق بين المتصل والمنفصل، وكذا (5) في
502

المجمل بين المتباينين والأقل والأكثر، فلا تغفل. [1]
503



المتباينين في عدم جواز الرجوع إلى العام في إحراز الحكم، بل المرجع فيه الأصول العملية.
لكنك خبير باندفاع كلا التوهمين: أما الأول، فبأن دليل العام يشمل كل فرد من أفراد الموضوع، وإطلاقه الأحوالي يعم كل زمان و
زماني يمكن أن يكون قيدا له، فمثل (أكرم العلماء) يشمل كل فرد من أفراد العلماء، ويدفع احتمال كل ما يصلح لان يكون قيدا له، ولا
نرفع اليد عن هذا الاطلاق الأحوالي الا بالمقدار الذي علم بشمول دليل الخاص له، إذ ليس دليل المخصص بمفهومه مقيدا لدليل العام حتى
يسري إجماله إليه، ويصير المراد من العام مجملا، بل المقيد بمفهومه الحاكي عن الحقيقة يقيد الاطلاق.
فالنتيجة: أن الاطلاق محكم في غير ما علم تقيد المراد الواقعي بالنسبة إليه، ففي مثل (لا تكرم فساق العلماء) إذا أجمل مفهوم الفاسق لا
نرفع اليد عن العلماء الا بالنسبة إلى فاعل الكبيرة، فمرتكب الصغيرة داخل في العام، فيجب إكرامه. ولا يقدح إجمال مفهوم الفاسق في
الاخذ بإطلاق العام لحالاته وطوارئه التي يصح تقييده بها، فتأمل جيدا.
وأما الثاني، فلوضوح الفرق بين المتباينين والأقل والأكثر، حيث إن الشك في التخصيص بالأكثر شك في التخصيص الزائد على ما علم
تخصيصه به، ولا إشكال حينئذ في الرجوع إلى أصالة العموم، ومعه لا تصل النوبة إلى الأصول العملية. وهذا بخلاف المخصص المردد
مفهومه بين المتباينين، فان العلم الاجمالي بتخصيص العام بأحدهما مانع عن الرجوع إلى أصالة العموم، وهذا المانع مفقود في الأقل و
الأكثر.
504

وأما (1) إذا كان مجملا بحسب المصداق بأن اشتبه فرد وتردد بين أن يكون فردا له (2) أو باقيا تحت العام، فلا كلام في عدم جواز

ولكن هذا الجواب مبني على ما مر آنفا من: أن دليل التقييد انما يقيد بمفهومه الحاكي عن الحقيقة، والا فيصير العام مجملا، كالتخصيص
بالمجمل المردد بين المتباينين.
505

التمسك بالعام لو كان متصلا به (1)، ضرورة (2) عدم انعقاد ظهور للكلام الا في الخصوص [1]
كما عرفت (3).

[1] الأولى أن يقال: (ضرورة عدم ظهور للكلام الا في مفهوم الخاص، لا في مصداقه) إذ ليس الكلام حجة في غير معناه، فان قوله: (أكرم
العلماء الا فساقهم) لا ظهور له الا في وجوب إكرام العلماء غير الفساق، من غير أن يتكفل حال المصاديق، وأن زيدا - مثلا - هل هو
فاسق أم لا؟ وان شئت فقل: ان شأن الدليل إنشاء الحكم لموضوعه. وأما إحراز الموضوع خارجا، فهو أجنبي عن شأنه، وهذا جار في
جميع الشبهات المصداقية من غير فرق فيها بين المخصص اللفظي واللبي، كما سيأتي.
506

وأما إذا كان منفصلا عنه، ففي جواز التمسك به خلاف، والتحقيق عدم جوازه، إذ غاية ما يمكن أن يقال في وجه جوازه (1) أن الخاص
انما يزاحم العام فيما كان فعلا حجة [فيه] ولا يكون حجة فيما اشتبه أنه من أفراده (2)، فخطاب (لا تكرم فساق العلماء)
507

لا يكون دليلا على حرمة إكرام من شك في فسقه من العلماء، فلا يزاحم (1) مثل (أكرم العلماء) ولا يعارضه، فإنه (2) يكون من قبيل
مزاحمة الحجة بغير [لغير] الحجة، وهو (3)
508

في غاية الفساد، فان (1) الخاص وان لم يكن دليلا في الفرد المشتبه فعلا (2)، الا أنه (3) يوجب اختصاص حجية العام في غير عنوانه من
الافراد، فيكون (4) (أكرم العلماء) دليلا وحجة في العالم غير الفاسق (5)، فالمصداق المشتبه وان كان مصداقا للعام بلا كلام، الا أنه لم
يعلم أنه (6) من مصاديقه بما هو حجة، لاختصاص (7) حجيته بغير الفاسق.
509

وبالجملة: العام المخصص بالمنفصل وان كان ظهوره في العموم كما (1) إذا لم يكن مخصصا، بخلاف المخصص بالمنفصل كما عرفت،
الا أنه (2) في عدم الحجية الا في غير عنوان الخاص مثله (3)، فحينئذ (4) يكون الفرد المشتبه غير معلوم الاندراج تحت إحدى
510

الحجتين [1] فلا بد من الرجوع إلى ما هو الأصل في البين.

[1]
قد يقال بعدم الفرق بين المردد لأجل الشبهة المصداقية كالمقام، وبين المردد لاجمال مفهوم الخاص المنفصل في عدم جواز
التمسك بالعام، وذلك لاشتراك الاشكال المتقدم المانع عن التشبث بالعام بينهما، حيث إن تعنون العام بغير الخاص المردد مفهومه
بين الأقل والأكثر يوجب عدم حجية العام والخاص في الفرد المردد، كارتكاب المعصية الصغيرة الذي تحتمل مصداقيته لكل من العام
والمخصص مع فرض إجمال مفهوم الفسق، وتردده بين فعل المعصية مطلقا وبين فعل الكبيرة فقط، إذ ملاك عدم جواز التمسك بالعام
- وهو عدم إحراز مصداقية الفرد المردد لكل من العام والخاص - موجود، فإشكال المتن وهو قوله: (فان الخاص وان لم يكن دليلا
في الفرد المشتبه فعلا. إلخ) على المشهور القائلين بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية في المخصص المنفصل وارد أيضا على
مجوز التشبث بالعام في الفرد المشتبه للشبهة المفهومية الدائرة بين الأقل والأكثر.
فالنتيجة: أنه لا فرق في عدم جواز التمسك بالعام في الفرد المردد بين الشبهة المصداقية والمفهومية، ولا وجه للتفكيك بينهما
بالذهاب إلى الجواز في الثاني والعدم في الأول، هذا.
لكنه ضعيف جدا، والقياس باطل، لكونه مع الفارق، توضيحه: أن في الشبهة الموضوعية التي هي مورد بحثنا حجتين معلومتين مفهوما، و
أن الشبهة في اندراج الفرد المردد تحت إحداهما انما حدثت بسبب أمور خارجة عن مفهومهما. ومن المعلوم أن الدليل المتكفل للحكم
الكلي قاصر عن تمييز موضوعه عما يوجب اشتباهه من الأمور الخارجية، وذلك لان التمسك بالعموم لرفع الشك انما يصح في الشك
الذي يكون المرجع في رفعه هو الشارع، كالشك في أصل التخصيص أو التخصيص الزائد، ومن المعلوم أن الشبهة
511



المصداقية لا ترجع إلى شئ منهما، وهذا بخلاف الفرد المشتبه للشبهة المفهومية الدائرة بين الأقل والأكثر، إذ ليس فيه حجتان، بل لم
تقم الحجة من طرف الخاص من أول الامر إلا على المتيقن وهو الأقل كارتكاب الكبيرة، فارتكاب الصغيرة لم تقم عليه حجة، و
المفروض أن العام يشمل جميع أفراد العلماء مع القيود والحالات المفروضة لهم، والمتيقن خروجه من أفراده انما هو مرتكب الكبيرة، و
المرتكب للصغيرة لم تقم حجة على خروجه، فالعام حجة فيه.
وان شئت فقل: ان العام حجة في الشك في أصل التخصيص أو التخصيص الزائد. وليس الامر كذلك في الشبهة المصداقية، إذ لا يرجع
الشك فيها إليهما أصلا - كما تقدم آنفا - بعد العلم بمفهوم الخاص، وانما يرجع إلى انطباقه على الفرد المردد لشبهة خارجية أجنبية عن
المفهوم.
وقد استدل لجواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية بوجوه أخرى:
الأول: قاعدة المقتضي والمانع، ببيان: أن العام مقتض للحجية في جميع ما يشمله من الافراد، والمخصص المنفصل مانع عن حجيته فيما
ثبت فرديته للخاص. وأما في الافراد التي شك في خروجها عن العام كزيد العالم المشكوك فسقه مع عدم العلم بحالته السابقة، فالعام
حجة فيها، لبناء العقلا على الاخذ بالمقتضي مع الشك في وجود المانع. وعليه، فيجب إكرام زيد في المثال تمسكا بعموم (أكرم العلماء).
وفيه: أن المقام أجنبي عن قاعدة المقتضي والمانع التي قيل ببناء العقلا عليها، وذلك لان موردها صورة العلم بوجود المقتضي و
الشك في وجود المانع، وأما الشك في وجود المقتضي أو القطع بعدمه، فهو أجنبي عن
512



القاعدة المزبورة. وفي المقام لم يحرز اقتضاء العام للحجية في الشبهات المصداقية لان الدلالة التصديقية التي هي حجة عند العقلا انما
تكشف عما هو مقصود المتكلم، لا ما هو أجنبي عنه، ومن المعلوم أن مقصوده من إقامة الدليل تشريع الاحكام الكلية لموضوعاتها، كجعل
الحرمة للخمر. وأما تعلق غرضه بتطبيق تلك الموضوعات على مصاديقها الخارجية غير معلوم لو لم يكن معلوم العدم، لخروجه عن
وظيفته بما هو شارع، فلا تكون الدلالة التصديقية كاشفة عنها وحجة عليها حتى يكون العام مقتضيا للحجية في الشبهات المصداقية.
وبعبارة أخرى: المصداق المشتبه وان كان فردا للعام بما هو عام، لكن مصداقيته له بما هو حجة غير معلومة، لقصر حجيته على غير
الفاسق الواقعي بعد تخصيصه بغير الفساق من العلماء، فحكم العام - كوجوب الاكرام - بعد التخصيص ثابت للعلماء غير الفساق، فالعالم
الفاسق محرم الاكرام، والعالم غير الفاسق واجب الاكرام، وهما كبريان متضمنتان لحكمين كليين، ومن البديهي عدم تكفل الكبريات
لتشخيص صغرياتها، وليس شأن الشارع الا تشريع الاحكام لموضوعاتها الكلية، وأما بيان المصاديق، فهو خارج عن وظيفته، فتعلق
غرضه ببيانها يحتاج إلى مزيد بيان وإقامة برهان.
فالمتحصل: أن العام لا يقتضي حجيته في الشبهات المصداقية حتى يكون من صغريات قاعدة المقتضي والمانع.
الثاني: أن أصالة التطابق بين الإرادة الاستعمالية والجدية تقضي بجواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية، توضيحه: أن العام قد
استعمل في معناه
513



الشامل لجميع أفراده، فإذا شك في خروج بعض أفراده عنه ولو لأجل أمور خارجية، فمقتضى أصالة التطابق التي مرجعها إلى أصالة
العموم التي هي من الامارات العقلائية عدم خروجه عن حيز العام، وبقاؤه على حكمه.
وفيه أولا: أنه لا مجال لهذا الأصل بعد تحكيم الخاص على العام، والقطع بعدم تطابق الإرادتين الاستعمالية والجدية، لخروج بعض
أفراده عن حيزه يقينا، فلا تجري أصالة العموم بعد انكسار سورة حجية العام بالتخصيص حتى يتمسك بها في الشبهات المصداقية.
وثانيا: أن أصالة التطابق تستلزم تكفل العام لحكمين طوليين واقعي وظاهري وهو كما ترى، لتأخر الحكم الظاهري عن الواقعي
بمرتبتين، فكيف يمكن أن يكون مثل (أكرم العلماء) ناظرا إلى الحكم الواقعي والظاهري المتأخر عنه برتبتين.
الثالث: أن تمامية الحجة من ناحية الشارع منوطة بثبوت الكبرى والصغرى معا، ولا تتم الا بهما، إذ الانبعاث والانزجار المترتبان على
الاحكام البعثية والزجرية يتوقفان على العلم بالكبرى والصغرى معا، ضرورة عدم كفاية العلم بحرمة الخمر في الانزجار عن شرب
المائع المردد بين الخل والخمر، بل لا بد في حصوله من العلم بالصغرى وهي كون هذا المائع خمرا، وكذا الانبعاث.
وفي المقام كبريان معلومتان إحداهما قوله: (أكرم العلماء) والثانية قوله: (لا تكرم الفساق من العلماء) وكل منهما وان كان ظاهرا في
العموم، الا أن فردية زيد العالم للعام الأول معلومة، وللثاني مشكوك فيها، فضم هذه الصغرى المعلومة
514



إلى الكبرى الأولى ينتج وجوب إكرام زيد، لصحة أن يقال: (زيد عالم وكل عالم يجب إكرامه). ولا يزاحم حجية العام في هذا الفرد
العام الثاني، وهو قوله: (لا تكرم فساق العلماء) إذ المفروض عدم إحراز فردية زيد العالم له، فلا يكون حجة فيه، ففي العام الأول قد
علم كل من الكبرى والصغرى، بخلاف المخصص، فان المعلوم فيه ليس الا نفس الكبرى، ولا يتم به الحجة من قبل الشارع. وعليه،
فالعام حجة في الفرد المشتبه بلا مزاحم.
وفيه: أنه انما يتم بناء على اختصاص حكم الخاص بأفراده المعلومة، إذ لا يكون الخاص حجة في غيرها، فالعام حينئذ حجة في المصداق
المشتبه بلا مزاحم. وأما إذا كان حكم الخاص ثابتا لجميع أفراده الواقعية، لا خصوص أفراده المعلومة، فهو مانع عن حجية العام في
الافراد المشكوك فيها وان كان مصداقيتها له معلومة، لكن فرديتها له بما هو حجة غير معلومة. فكلية الكبرى وهي (كل عالم يجب
إكرامه) بعد تخصيصها بقوله: (لا تكرم فساق العلماء) ممنوعة، لان التخصيص يوجب قصر حكم العام بأفراده الذين ليسوا بفساق واقعا،
فلا بد في إجراء حكمه من إحراز عدم فسقهم، وعدم كفاية عدم العلم بفسقهم في وجوب الاكرام.
وهذا من غير فرق بين تعنون العام بالتخصيص، وصيرورة الموضوع مركبا من العلم وعدم الفسق كما هو الصحيح، وعدمه. أما على
الأول، فواضح.
وأما على الثاني، فلان الخارج عن دائرة العام بحسب الواقع أفراده الملازمون لعنوان الفسق، بحيث لا يكون حكم العام - كوجوب
الاكرام - لجميع أفراده مرادا جديا للشارع، للعلم بمخالفة الإرادة الجدية للاستعمالية بعد خروج العلماء
515



الملازمين للفسق عن حيزه واقعا، سواء علم بهم العبد أم لا، فالمصداق المشتبه ان كان ملازما للفسق حرم إكرامه، والا وجب إكرامه، و
من المعلوم عدم حجية شئ من العام والخاص فيه، إذ لا وجه للتمسك بدليل مع الشك في موضوعه فهما في عدم الحجية فيه بوزان واحد.
وعليه، فكل منهما حجة في تشريع الحكم الكلي فقط من دون تعرض للحكم الجزئي للفرد المشتبه، ولا تتوقف حجية الكبرى على العلم
بالصغرى، ومصداقية الفرد الخارجي لها.
الرابع: أن للعام في مثل قوله: (أكرم العلماء) عموما أفراديا يشمل به كل فرد من أفراد العالم، وإطلاقا أحواليا يشمل به جميع الحالات
العارضة للموضوع، كمعلومي العدالة والفسق ومشكوكهما، ويكون حجة في جميعها لولا المخصص. وأما المخصص، فلا يزاحم حجية
العام الا في خصوص معلوم الفسق، فيبقى غيره من معلوم العدالة ومشكوكها تحت العام، لعدم حجية الخاص فيهما، فلا مزاحم لحجية
العام فيهما.
وفيه أولا: أن لفظ العام وان استعمل في العموم، لكنه بعد التخصيص يعلم بعدم إرادته جدا، وعدم التطابق بين الإرادة الاستعمالية و
الجدية، فانكسرت سورة حجيته في العموم كما تقدم آنفا.
وثانيا: أن المراد بالاطلاق ليس دخل الحيثيات والحالات في الموضوع بحيث يتركب موضوع الحكم من الذات والحيثيات المتحدة، و
يصير الموضوع (العالم العادل والعالم المشكوك الفسق والعدالة) حتى يقال: ان الخارج عن حيز العام خصوص معلوم الفسق، و
مشكوكة - كمعلوم العدالة - باق تحته،
516



فيكون حجة فيه، بل المراد بالاطلاق هو لحاظ الطبيعة مجردة عن الحيثيات والقيود موضوعا للحكم، فالاطلاق أمر عدمي، وليس أمرا
وجوديا، وهو لحاظ الحالات قيودا في الموضوع حتى يتكثر بها الموضوع، ويقال: ان الخارج عن العام بالتخصيص هو خصوص معلوم
الفسق، هذا.
مضافا إلى: أنه لا وجه لجعل الخارج خصوص معلوم الفسق بعد وضوح كون الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية، لا المعلومة، ولا المرادة،
فالعلم والشك والإرادة أجنبية عن الموضوع له. وعليه، فالخارج بالتخصيص هو الفاسق الواقعي، لا معلوم الفسق، فالفاسق الواقعي
خارج عن حيز العام، والعادل الواقعي باق تحته، والفرد المشتبه مردد بينهما، وحجية العام والخاص بالنسبة إليه على حد سواء من
دون مرجح لحجية العام على الخاص مطلقا.
فتلخص من جميع ما ذكرنا: أنه لا وجه للتمسك بالعام في الشبهات المصداقية أصلا، من غير فرق في ذلك بين المخصصات اللفظية و
اللبية، لان الافراد غير مرادة من العام، لا بالإرادة الاستعمالية ولا الجدية كما لا يخفى. فوزان التخصيص الأنواعي وزان التقييد، فكما لا
مجال للتمسك بالمطلق عند الشك في مصداق المقيد، فكذلك العام. ولا فرق بين التخصيص والتقييد الا في أن مورد الأول هو العام
الشامل لافراده دفعة كالعلماء، ومورد الثاني هو المطلق أعني الطبيعة كالرقبة، فالتخصيص والتقييد مشتركان في قلب الموضوع عن
التمامية إلى الجزئية، وجعله جز الموضوع.
ودعوى: أن نتيجة التخصيص قلة الافراد المحكومة بحكم العام بخصوصيتها الذاتية بلا ازدياد خصوصية عرضية، وطرو عنوان عليها،
فالخاص - كالفساق -
517



لم يغير موضوع حكم العام، بل هو عنوان ملازم للافراد الخارجة عن حيزه، فلم يتغير الموضوع - أعني العام - ولم ينقلب عن كونه تمام
الموضوع إلى جزئه كما هو شأن التقييد، حيث إنه يوجب تركب الموضوع كالرقبة، وانقلابه عن التمامية إلى الجزئية، ولذا لا يصح
التمسك بالمطلق عند الشك في مصداق المقيد، بخلاف التخصيص، فان عدم تغير موضوع الحكم فيه صار منشأ لتوهم جواز التمسك
بالعام في المصداق المشتبه، دون باب التقييد.
(غير مسموعة) لما فيها أولا: من أن حمل الخاص على العنوان الملازم للافراد الخارجة عن حكم العام خلاف الظاهر، حيث إن ظاهر
العنوان المأخوذ في الخطابات هو الموضوعية لا المشيرية، وحمله على العنوان الملازم إلغاء لذلك الظاهر، وموقوف على قرينة
مفقودة.
وثانيا: من أن بقاء العام على موضوعيته التامة، وعدم تصرف الخاص فيها لا شطرا ولا شرطا يوجب كون خروج بعض الافراد عن
العام بلا وجه، وبقاء حكمه للافراد الباقية تحته بلا مرجح.
وثالثا: من استلزامه تخلف الحكم عن موضوعه، مع أن وزانهما وزان العلة والمعلول في عدم الانفكاك، ضرورة أن بقاء العام على
موضوعيته التامة حتى بعد التخصيص - كما هو المفروض - يلزم أن يكون انتفاء حكمه عن أفراده الخارجة عنه بالتخصيص من تخلف
الحكم عن موضوعه، وهو كما ترى.
ورابعا: من أن دعوى كون الخاص عنوانا ملازما للافراد الخارجة عن العام خالية عن البرهان، لان مجرد إمكانها ثبوتا لا يكفي في
إثباتها، خصوصا مع ما عرفت من كون حمل العنوان على المشيرية خلاف المتفاهم العرفي،
518



وهذا يدل على عدم صحة هذا الحمل، فيكون البرهان على خلاف هذه الدعوى موجودا.
بقي هنا أمران ينبغي التنبيه عليهما:
الأول: أنه قد تقدم سابقا: أن شأن الشارع بيان الاحكام الكلية لموضوعاتها كذلك، ولذا لا يجوز التمسك بالدليل في الشبهات
المصداقية، وليعلم أن ذلك انما هو في الأدلة المتكفلة للأحكام الأولية، لما مر من امتناع تكفلها لحكمين طوليين واقعي وظاهري، والا
فلا مانع من بيان أحكام المصاديق المشتبهة بعنوان كلي بحيث يكون متكفلا للحكم الظاهري فقط، كاليد، والبينة، والسوق، فإنها
مسوقة لبيان أحكام الموضوعات الخارجية المشتبهة ظاهرا، فالتمسك بهذه القواعد المجعولة لاحكام الموضوعات المشتبهة أجنبي عن
التمسك بالدليل في الشبهات المصداقية.
الثاني: أنه قد ذكر في تقريرات الفقيه السيد البروجردي قدس سره ما لفظه: (الامر الثامن إذا وقع الاختلاف في كون يد أمينة أو عادية،
فالمشهور على أن القول قول مدعي الضمان، وأن البينة على مدعي الأمانة، وحيث إن ذلك بحسب الظاهر على خلاف القواعد، إذ
القاعدة تقتضي تقديم قول مدعي الأمانة من جهة أن الأصل عدم الضمان، تصدى بعضهم لتصحيح فتوى المشهور فاستدل لذلك بعموم
على اليد، ونحن أيضا تمسكنا به في حواشينا على العروة ولكنه لا يخفى فساده، فان عمومه مخصص باليد الأمينة، فالتمسك به في اليد
المشكوك فيها تمسك بالعام في الشبهات المصداقية. إلى أن قال: والظاهر
519



أن مستندهم في هذه الفتوى الروايات الواردة في المسألة، وحيث لم يظفر عليها بعض المتأخرين ذكر وجوها غير مغنية).
أقول: لا يخفى أن مقتضى القاعدة في اليد المشكوكة الضمان، وليس مستنده التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، وذلك لان موضوع
الضمان مركب من الاستيلاء على مال الغير بدون اذنه، وأحد الجزين - وهو الاستيلاء - محرز بالوجدان، والاخر بالأصل، حيث إن
الاذن من الحوادث المسبوقة بالعدم، فيستصحب عدمه، وبه يتم كلا جزئي الموضوع، ويترتب عليه حكمه فالروايات تكون على طبق
القاعدة، وليست الفتوى بالضمان مستندة إلى التمسك بالعام في الشبهة المصداقية أصلا، فما عن المشهور من الحكم بالضمان في اليد
المشكوكة في غاية المتانة، ولا يرد عليه إشكال أصلا.
لا يقال: ان موضوع الضمان هو التصرف غير المأذون فيه، وهو من الموضوعات المقيدة التي لا يمكن إحرازها بالأصل الا على القول
بالأصول المثبتة، كما إذا فرض دخل عنوان القبلية في إدراك المأموم الامام، بأن يكون موضوع الائتمام ركوع المأموم قبل رفع رأس
الامام عنه، فاستصحاب ركوع الامام إلى زمان ركوع المأموم لا يثبت عنوان القبلية الا بناء على حجية الأصل المثبت. وفي المقام لا
يثبت باستصحاب عدم الإذن اتصاف التصرف بكونه غير مأذون فيه، فلا بد أن يكون مستند الضمان في اليد المشكوك فيها هي
الروايات المشار إليها.
فإنه يقال: لا ينبغي الارتياب في كون المقام من الموضوعات المركبة دون المقيدة، ضرورة أنه مؤلف من عرضين قائمين بمحلين، فان
الاستيلاء
520



عرض قائم بمن استولى على المال، والاذن عرض قائم بالمالك، وقد قرر في محله: عدم إمكان اتصاف عرض بعرض جوهر آخر،
كامتناع اتصاف أحد الجوهرين بالآخر. وعليه، فيكون توصيف التصرف بغير المأذون فيه صوريا غير حاك عن الواقع، حيث إن
التصرف قائم بغير المالك، فكيف يوصف بعدم الاذن القائم بالمالك.
فالنتيجة: أن الضمان في اليد المشكوك فيها يكون على طبق القاعدة، فان المتحصل بعد تخصيص عموم على اليد: أن اليد المأذون فيها لا
توجب الضمان، واليد غير المأذون فيها توجبه، وعدم الإذن يثبت بالأصل، فيثبت الضمان، فتدبر.
والاشكال على الموضوع المركب بما أفاده سيدنا الأستاذ الشاهرودي (قده) في مجلس درسه الشريف من (أن اجتماع أجزاء المركب
من جوهرين أو عرضين لمحلين أو جوهر وعرض لجوهر آخر ان كان له دخل في الحكم، فلازمه اعتبار عنوان الاجتماع في الزمان
فيه، كدخل عنوان السبق واللحوق في موضوع الحكم، ومن المعلوم عدم إمكان إحرازه بالأصل الا على القول بحجية الأصول المثبتة، فلو
جرى استصحاب عدم اذن المالك لا يثبت عنوان التقارن بينه وبين استيلاء الغير على ماله، كعدم إثبات استصحاب ركوع الامام إلى
زمان ركوع المأموم وقوع ركوعه قبل رفع الامام رأسه عن الركوع، حيث إن إثبات هذه القبلية بالاستصحاب مبني على الأصل المثبت.
والحاصل: أنه بناء على دخل عنوان اجتماع أجزاء الموضوع المركب في الزمان يلزم عدم إمكان إحراز بعض أجزائه بالأصل،
فاستصحاب عدم اذن المالك لا يثبت مقارنته لاستيلاء الغير عليه، فلا يصح الحكم بالضمان استنادا إلى هذا الاستصحاب، بل تجري
أصالة
521



البراءة في الضمان، فيكون دعوى الضمان على خلاف الأصل. وان لم يكن لعنوان الاجتماع في الزمان دخل في الحكم، لزم ترتب الحكم
على وجود الجزين في الخارج وان لم يتقارنا في الزمان، كما إذا فرض ترتب وجوب التصدق على مجئ زيد وفقر عمرو، وزال
فقره ثم جاء زيد، فان اللازم حينئذ وجوب التصدق، إذ المفروض عدم دخل اجتماعهما زمانا في الحكم، وهو كما ترى مما لا يظن
التزام أحد به.
وبالجملة: هذا الاشكال يهدم أساس الموضوعات المركبة).
مندفع بأن المراد بالموضوع مطلقا سواء أ كان بسيطا أم مركبا هو الذي رتب عليه الحكم في لسان الدليل، لان بيان حدود الموضوع -
كبيان نفس الحكم - انما هو من وظائف الشارع، كغيره من جاعلي الاحكام والقوانين. وأما العنوان الذي ينتزع من وجود الموضوع
بأجزائه وشرائطه في زمان تحقق الحكم - وهو عنوان الاجتماع - فليس دخيلا في الموضوع حتى لا يثبت بالأصل الا على القول
بالأصول المثبتة. بل الموضوع ذوات أجزاء الموضوع وشرائطه، والأصل يثبت ذلك.
نعم لما كان الموضوع والحكم بمنزلة العلة والمعلول في امتناع انفكاكهما كان وجود الموضوع بما له من الاجزاء والشرائط حين تحقق
الحكم ضروريا سواء وجدت دفعة أم تدريجا، مع بقاء ما وجد منها سابقا إلى زمان تحقق غيره مما له دخل في الموضوع، فلا بد من
وجود جميع ما يعتبر شطرا وشرطا في الموضوع حين وجود الحكم، لئلا يلزم الانفكاك بين الموضوع والحكم
522

هذا (1) [كله] إذا كان المخصص لفظيا. وأما إذا كان لبيا،
فان كان مما يصح أن يتكل عليه المتكلم إذا كان بصدد البيان في مقام

وتأثير العدم في الوجود. لكنه لا يوجب اعتبار عنوان الاجتماع شرعا في موضوع الحكم حتى يمتنع إثباته بالأصل، لكونه لازما عقليا
لوجود أجزاء الموضوع في زمان الحكم الا بناء على القول بالأصل المثبت.
فتلخص: أن الموضوع المركب كالبسيط موجود، والأصل يحرز أجزأه من دون لزوم إشكال الاثبات أصلا.
فما عن المشهور (من الحكم بالضمان في اليد المشكوكة) متين جدا، ولكن لم يذكروا وجه هذه الفتوى، ولذا وجهها بعض بأنه التمسك
بالعام في الشبهة المصداقية. وآخر بأنه قاعدة المقتضي والمانع، ببيان: أن اليد مقتضية للضمان، وأمانيتها مانعة عنه. وثالث: بأنه
قاعدة الاخذ بضد الحكم الترخيصي المعلق على أمر وجودي حتى يحرز ذلك الامر الوجودي. ورابع بأنه استصحاب عدم اذن المالك. و
قد عرفت أن هذا هو الذي ينبغي الاستناد إليه في الحكم بالضمان. وأما سائر الوجوه المزبورة، فلا تخلو من المناقشات التي لا يسعها
المقام.
523

التخاطب، فهو (1) كالمتصل حيث لا يكاد ينعقد معه ظهور للعام إلا في الخصوص.
وان لم يكن كذلك (2)، فالظاهر بقاء العام في لمصداق
524

المشتبه على حجيته كظهوره
[لظهوره]
فيه (1). والسر في ذلك (2) أن الكلام الملقى من السيد حجة (3) ليس الا ما اشتمل على العام
[العام على اللفظ]
الكاشف بظهوره عن إرادته للعموم، فلا بد من اتباعه ما لم يقطع بخلافه (4)، مثلا إذا قال المولى: (أكرم جيراني) وقطع
525

بأنه لا يريد إكرام من كان عدوا له منهم كان أصالة العموم باقية على الحجية بالنسبة إلى من لم يعلم بخروجه (1) عن عموم الكلام، للعلم
بعداوته، لعدم (2) حجة أخرى بدون ذلك على خلافه (3). بخلاف ما إذا كان المخصص لفظيا، فان قضية تقديمه (4) عليه هو كون الملقى إليه
526

كأنه (1) كان من رأس لا يعم الخاص، كما كان كذلك (2) حقيقة (3) فيما إذا كان الخاص متصلا. والقطع (4)
527

بعدم إرادة العدو لا يوجب (1) انقطاع حجيته الا فيما [1] قطع أنه عدوه،

[1] هذا وجيه بناء على كون الخارج عن حيز العام معلوم العداوة، بحيث يكون العلم دخيلا في موضوع الخاص، فكأنه قيل: (أكرم جيراني
الا من علمت عداوته لي) ومن المعلوم أن العام حينئذ يقتضي وجوب إكرام كل فرد من أفراد الجيران سواء كان معلوم الصداقة أم
مشكوك العداوة، إذ لا مانع عن حجية العام حينئذ في جميع أفراده الا معلوم العداوة، بل يخرج مشكوك العداوة موضوعا عن المشتبه
بالشبهة المصداقية للخاص، للعلم بكونه من مصاديق العام وعدم مصداقيته للخاص وهو معلوم العداوة، فلا ينبغي الارتياب حينئذ في
لزوم التمسك بالعام، لأنه لم يخصص الا بمعلوم العداوة، وغيره داخل في حيزه، ولم يدل دليل على خروج غيره عنه حتى يزاحمه في
الحجية، إذ لم يقيد مصب العموم الا بمعلوم العداوة.
وأما بناء على كون الخارج عن حيز العام العدو الواقعي الموجب لتقيد المصب به، بحيث يصير موضوع وجوب الاكرام مركبا من الجار
والصديق، أو الجار وغير العدو، فلا وجه للتمسك بالعام في حكم الفرد الذي لا يعلم عداوته ولا صداقته، لأنه بعد تقيد مصبه وتركب
موضوع حكمه لا يتكفل لحال الفرد المشتبه، كتقييد سائر الاطلاقات، فإذا قيدت الرقبة بالايمان، واشتبه فرد
528



منها بين المؤمنة والكافرة فهل يجوز التمسك ب (أعتق رقبة) لوجوب عتقها كما لا يخفى.
ومما ذكرنا يظهر ما في إطلاق كلام المصنف (قده): (كما يظهر صدق هذا من صحة مؤاخذة المولى لو لم يكرم واحدا من جيرانه
لاحتمال عداوته له) من الاشكال، لأنه متجه فيما إذا كان الخاص معلوم العداوة، ضرورة أن أصالة العموم في العام محكمة، فليس للعبد
الاعتذار عن عدم الاكرام باحتمال العداوة، إذ المفروض كون محتمل العداوة من أفراد العام، فلو لم يكرمه بهذا الاحتمال لم يكن
معذورا، حيث إنه خالف الحجة وهي أصالة العموم بلا مسوغ.
وأما إذا كان الخاص العدو الواقعي، فليس ترك إكرام محتمله مخالفة للحجة حتى تحسن مؤاخذته، لعدم ظهور للعام فيما يحتمل فرديته
له حتى يكون حجة فيه.
كما ظهر أيضا ما في تفصيله (قده) بين اللبي المتصل والمنفصل، وجعل العام في الثاني ظاهرا وحجة في الفرد المشتبه من الغموض،
حيث إن اللبي الضروري إذا كان كالمخصص اللفظي المتصل في المنع عن انعقاد الظهور للعام في العموم، فلا بد أن يكون اللبي غير
الضروري كالمخصص اللفظي المنفصل أيضا في المنع عن حجية الظهور مع وجوده، وقد مر منه عدم جواز التمسك بالعام المخصص
بالمخصص اللفظي المنفصل في المصداق المشتبه.
وبالجملة: فالتخصيص ان كان موجبا لتعنون العام، فلا فرق فيه بين اللفظي واللبي بقسميه، وان لم يكن موجبا له، فلا بد من الالتزام به
في الجميع.
529

لا فيما شك فيه، كما يظهر صدق [1]

فتفكيك المصنف بين المخصص اللفظي واللبي بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية في الثاني، وعدم جوازه في الأول في غاية
الغموض، إذ لا فرق بين قول المولى: (لا تكرم أعدائي) وبين حكم العقل به، بعد فرض حجية كليهما، وعدم الفرق بينهما في الاعتبار.
فكما يقدم الخاص اللفظي، لأقوائيته على العام، فكذلك اللبي بقسميه.
كما أن تفصيل شيخنا الأعظم (قده) على ما في تقرير بحثه الشريف بين المخصص الذي له عنوان، وبين المخصص الذي لا عنوان له
بعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية في الأول، وجوازه في الثاني، وأن الأكثر تحقق القسم الأول في المخصصات اللفظية، و
القسم الثاني في المخصصات اللبية، لا يخلو أيضا من الغموض، إذ فيه أولا: أن المخصص الذي ليس له عنوان جامع لا يتصور له شبهة
مصداقية، إذ المنطبق على المصاديق هو الكلي والمفروض عدمه، فيخرج عن بحث التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، ويندرج في
الشك في قلة التخصيص وكثرته.
وثانيا: أن المخصص لبيا كان أم لفظيا لا بد أن يكون ذا عنوان جامع، لان التخصيصات الشرعية أنواعية، والتخصيص الافرادي منحصر
بخصائص النبي صلى الله عليه وآله.
والحاصل: أن تفصيل الشيخ بين المخصص ذي العنوان الجامع وبين غيره وتفصيل المصنف بين اللبي الضروري وغيره محل النظر،
فتأمل جيدا.
[1]
قد عرفت آنفا في التعليقة حال هذا البرهان، فراجع.
530

هذا (1) من صحة مؤاخذة المولى لو لم يكرم واحدا من جيرانه، لاحتمال عداوته له، وحسن (2) عقوبته على مخالفته، وعدم (3) صحة
الاعتذار عنه بمجرد احتمال العداوة، كما لا يخفى على من راجع الطريقة المعروفة والسيرة المستمرة المألوفة بين العقلا التي هي ملاك
حجية أصالة الظهور (4).
وبالجملة: كان بناء العقلا على حجيتها (5) بالنسبة إلى المشتبه
531

ها هنا [هنا]
بخلاف هناك (1). ولعله لما أشرنا إليه (2) من التفاوت بينهما (3) بإلقاء حجتين هناك (4) تكون قضيتهما (5) بعد تحكيم
الخاص وتقديمه على العام كأنه (6) لم يعمه حكما من رأس، وكأنه (7) لم يكن بعام.
بخلاف هاهنا (8)، فان الحجة (9) الملقاة ليست الا واحدة (10، والقطع بعدم إرادة إكرام العدو في (أكرم جيراني) مثلا لا يوجب رفع اليد عن
532

عمومه الا فيما قطع [1] بخروجه من [عن] تحته، فإنه (1) على الحكيم إلقاء كلامه على وفق غرضه ومرامه، فلا بد من اتباعه ما لم تقم حجة
أقوى على خلافه (2). بل (3) يمكن أن يقال: ان قضية عمومه للمشكوك أنه ليس فردا لما علم بخروجه من حكمه بمفهومه، فيقال في مثل
(لعن الله بني أمية قاطبة) ان فلانا وان شك في إيمانه يجوز لعنه.

[1] ما قطع بخروجه عن عموم وجوب إكرام الجيران هو العدو الواقعي لا العدو المعلوم، لان الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية، دون
المعلومة، فالفرد المشتبه بين العدو والصديق بالشبهة المصداقية مشكوك الاندراج تحت العموم، فلا يصح التمسك به لاحراز حكمه، و
قد تقدم في بعض التعاليق بيان ذلك مفصلا.
533

لمكان المعلوم (1)، وكل من جاز لعنه لا يكون مؤمنا، فينتج أنه ليس بمؤمن، فتأمل جيدا. [1]

[1] لا يخفى أن التأمل يشهد بعدم الفرق بين المخصص اللفظي واللبي بناء على رجوع التخصيص إلى التقييد، كما هو شأن القضايا
الحقيقية التي منها القضايا الشرعية، حيث إن التخصيص فيها أنواعي لا أفرادي، ومن المعلوم عدم الفرق في التقييد المزبور بين كون
المخصص لفظيا ولبيا. وعليه، فيقيد موضوع وجوب الاكرام في (أكرم جيراني) مثلا بالصداقة، أو عدم العداوة.
وكذا موضوع جواز اللعن في (لعن الله بني أمية) مقيد بعدم الايمان، فكأنه قيل:
(يجوز لعن غير المؤمن من بني أمية ويحرم لعن المؤمن منهم) فإذا اشتبه حال فرد منهم من حيث الايمان وعدمه، فكيف يجوز التمسك
لجواز لعنه بعموم (لعن الله بني أمية).
ودعوى كون الخاص لبيا - أعني العلم بالايمان في المثال - وهو الحجة على خلاف العام، فبدون العلم بالايمان لا حجة على خلافه، و
يجوز التمسك به حتى يعلم الايمان، ففي الفرد المشتبه يجوز الرجوع إلى العام لاثبات حكمه
534



أعني جواز اللعن، إذ لا مانع من جريان أصالة العموم. وهذا بخلاف الخاص اللفظي، فإنه حجة على حد حجية العام، وحيث إن الفرد
المشتبه محتمل الاندراج تحت كل واحدة من هاتين الحجتين، فلا يجوز التشبث بشئ منهما لاحراز حكمه (غير مسموعة) لان العلم ان
كان مأخوذا على نحو الموضوعية، بأن يكون الخارج عن عموم جواز اللعن معلوم الايمان لا المؤمن الواقعي، كان لجواز التمسك بالعام
وجه، لان الخاص حينئذ هو معلوم الايمان، وبدون العلم به يعلم بعدم فردية المشتبه له، بل يعلم بفرديته للعام، إذ الخارج عن حيزه
خصوص معلوم الايمان، فمشكوكه باق تحته قطعا، ويكون محكوما بحكمه جزما، إذ لا مانع عن حجية العام فيه، الا أنه أجنبي عن
التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، وخارج عنه موضوعا، للعلم بعدم فرديته للخاص، والمعتبر في المشتبه مصداقا عدم العلم
بفرديته لاحد الامرين، لكن لا أظن أحدا يدعي موضوعية العلم هنا، إذ لا موجب لحرمة اللعن الا الايمان، لا العلم به، فإنه طريق محض و
منجز لها، ولذا لو ثبت إيمان شخص بالاقرار أو البينة كان ذلك أيضا موجبا لحرمة لعنه، كالعلم به.
وان كان العلم طريقا محضا - كما هو الظاهر - وكان الخاص هو المؤمن الواقعي، فجواز اللعن الذي يكون مفاد العام أعني (لعن الله
بني أمية) مقيد بعدم كون الملعون مؤمنا واقعا، فالمشتبه مصداقا بين العام والخاص وان كان متصورا هنا دون الفرض السابق وهو
دخل العلم بالايمان في موضوع حكم الخاص، لكنه لا يصح التمسك بالعام المزبور لجواز لعنه، لان الدليل انما يتكفل
535



بيان الحكم لموضوعه من دون تعرض لوجوده وعدمه، ضرورة أن المتحصل بعد التخصيص جواز لعن غير المؤمن وحرمة لعن المؤمن،
ومن المعلوم أن العام بعد هذا التخصيص لا يكون حجة في حكم من لا يعلم إيمانه.
فالمتحصل: أن العام حجة فيما إذا كان العلم دخيلا في الموضوع، إذ مشكوك الايمان فرد للعام قطعا، فيكون حجة فيه، لكنه أجنبي عن
بحث التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لعدم تردد المشكوك فيه حينئذ بين العام والخاص، بل يعلم بفرديته للعام، وعدم فرديته
للخاص. ولا يكون العام حجة فيما إذا لم يكن العلم دخيلا في الموضوع، بل أخذ طريقا وان كان تردد المشكوك فيه بين العام والخاص
ثابتا حينئذ، لكن لا وجه للتشبث بالعام في حكمه، لعدم إمكان إحراز الصغرى بالكبرى، قال (قده) في الدرر بعد المنع عن التمسك
بالعام ما لفظه: (نعم لو ظهر من حال المتكلم أن تكلمه بالعموم مبني على الفحص عن حال أفراده، ووضوح أنه ليس من بينها ما ينطبق
عليه عنوان الخاص صح التمسك بالعموم، واستكشاف أن الفرد المشكوك ليس داخلا في الخاص، وهذا في المخصصات اللبية غالبا، و
قد يتحقق في اللفظية أيضا، لكن بشرط كون النسبة بين الدليلين عموما من وجه، نظير الدليل على جواز لعن بني أمية والأدلة الدالة على
حرمة سب المؤمن. وأما إذا كان المخصص الأخص مطلقا فلا مجال لما ذكرنا قطعا، ضرورة أنه لو كان حال أفراد العام مكشوفة لدى
المتكلم وأنه لا ينطبق على أحد منها عنوان المخصص لكان التكلم بالدليل الخاص لغوا.
ومما ذكرنا يظهر أنه ليس المعيار في عدم جواز التمسك كون المخصص لفظيا
536



كما أنه ليس المعيار في الجواز كونه لبيا، بل المعيار ما ذكر، فتأمل فيه).
وفيه أولا: أن هذا مجرد فرض لا دليل على وقوعه في الشرعيات، وهو غير كاف في جواز التمسك بالعام مع احتمال كون المشتبه
مندرجا تحت الخاص.
وثانيا: أنه انما يصح في القضايا الخارجية التي يكون الملحوظ فيها خصوصيات الافراد، دون القضايا الحقيقة التي يكون الملحوظ فيها
العناوين الكلية ويثبت الاحكام للافراد بسبب الانطباق، والمفروض أن الأحكام الشرعية من القضايا الحقيقية، لا الخارجية.
وثالثا: أنه خارج عن موضوع البحث - وهو تردد الفرد بين كونه مصداقا للخاص وعدمه - وذلك لأنه مع ظهور حال أفراد العام عند
المتكلم والمخاطب والعلم بعدم انطباق عنوان الخاص على أحدهم لا يبقى شك في عدم انطباق الخاص على شئ منها، لعدم تخصيص
العام حينئذ بمخصص يحتمل انطباقه على فرد بنحو الشبهة المصداقية. ومع عدم ظهور حال أفراد العام عند المخاطب وتردد الفرد
بين كونه مصداقا للخاص وعدمه بنحو الشبهة المصداقية وان كان غير خارج عن موضوع البحث، لكن قد عرفت عدم جواز التمسك
بالعام فيه.
ولا فرق فيما ذكرناه في ظهور حال أفراد العام بين كون النسبة عموما من وجه كعموم جواز لعن بني أمية، وما دل على حرمة سب
المؤمن، وأخص مطلقا كحرمة إكرام الفلاسفة بالنسبة إلى العلماء، وذلك للزوم اللغوية من ذكر الخاص في الصورتين قطعا، إذ
المفروض بقاء العام على عمومه، وعدم ورود مخصص عليه، فذكر الخاص بعنوان كونه مخصصا للعام لغو، كما لا يخفى.
537

إيقاظ (1)
لا يخفى أن الباقي تحت العام بعد تخصيصه بالمنفصل (2)

فالمتحصل: عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية مطلقا، سواء كان المخصص لفظيا أم لبيا بقسميه من العقل الضروري وغيره
بعد وضوح حجيتهما وتخصيصهما للعام كالخاص اللفظي، غاية الامر أن الضروري منه كالخاص اللفظي المتصل، وغيره كاللفظي
المنفصل، فلا بد في إحراز حكم الفرد المشتبه من الرجوع إلى الأصول العملية. هذا إذا كان التخصيص أنواعيا.
وأما إذا كان أفراديا، كما إذا خصص العام - كالعلماء - بزيد مثلا، وتردد بسبب الأمور الخارجية بين شخصين مسميين بزيد، فكذا لا
يجوز أيضا التمسك بالعام لاحراز حكمه، اما لعدم ظهور للعام كما إذا كان المخصص متصلا، واما لعدم حجيته، كما إذا كان منفصلا،
للعلم الاجمالي بالتخصيص المانع عن الرجوع إلى أصالة العموم، فلا بد من الرجوع إلى الأصل العملي، فتأمل جيدا.
538

أو كالاستثناء (1)
539

من المتصل لما كان غير معنون بعنوان خاص (1)، بل بكل عنوان (2)
540

لم يكن ذلك [ذاك] بعنوان الخاص كان (1) إحراز المشتبه منه بالأصل الموضوعي (2) في غالب الموارد الا ما شذ (3) ممكنا (4)، فبذلك (5)
541

يحكم عليه بحكم العام وان لم يجز التمسك به (1) بلا كلام، ضرورة أنه (2) قلما لم يوجد
[لا يوجد] عنوان يجري فيه أصل ينقح به أنه مما بقي تحته (3)، مثلا (4) إذا شك أن امرأة تكون قرشية، فهي وان كانت
542

وجدت [إذا وجدت] اما قرشية أو غيرها، فلا أصل [1]

[1] يعني الأصل الجاري في العدم النعتي، أو الوجود كذلك. ووجه عدم جريان هذا الأصل واضح، لعدم الحالة السابقة له، ولذا نفي هذا
الأصل وأبدله بأصالة عدم الانتساب الذي هو عدم محمولي.
لكن لا يخفى أن العدم المحمولي في كل ماهية جوهرية أو عرضية ينتقض بوجود فرد منها بحيث لا يصح حمل العدم على تلك الماهية مع
وجوده بالضرورة الا إذا قيدت بقيد كالانسان الشجاع، فإنه لا يصح أن يقال: ان الانسان معدوم لوجود أفراده، وأما إذا لم يكن فرد
من الانسان الشجاع موجودا، فيصح أن يحمل عليه العدم، لكنه ليس عدما محموليا، بل نعتيا. فعلى هذا لا يصح حمل العدم المحمولي على
طبيعة الانتساب إلى قريش بعد انتقاض عدمه بوجود نساء من قريش، فلا يجري أصالة عدم تحقق الانتساب المحمولي بينها وبين
قريش، إذ لا يصح أن يقال: الانتساب إلى قريش معدوم، الا أن يقيد ذلك بهذه المرأة بأن يقال: ان انتساب هذه إلى قريش غير معلوم، و
لا يصح الاستصحاب حينئذ لعدم الحالة السابقة له.
543

ثم إن ما أفاده من جريان الأصل في العدم المحمولي في المقام مبني على عدم تعنون العام بعنوان عدمي، كالمثال، فان المرأة التي ترى
الحمرة إلى خمسين لم تقيد بقيد عدمي وهو عدم قرشيتها، والخاص انما أخرج المرأة القرشية، فالباقي تحت العام بعد التخصيص
المرأة المعلوم عدم قرشيتها، والتي لم يثبت انتسابها إلى قريش، فأصالة عدم الانتساب إليه تثبت فردية هذه المرأة للعام، فتصير
محكومة بحكمه، فعلى هذا المبنى لا يقيد العام بقيد عدمي إذا كان الخاص أمرا وجوديا، كقوله: (الا أن تكون امرأة من قريش)، ولا يقيد
بقيد وجودي إذا كان الخاص أمرا عدميا، كقوله: (أكرم العلماء غير الفساق). والحاصل:
أن التخصيص مطلقا من المتصل والمنفصل واللفظي واللبي لا يوجب تعنون العام.
لكن هذا المبني غير سديد عند جل المحققين، وأن الصحيح هو تعنونه بعنوان وجودي أو عدمي حسب اختلاف الخاص إيجابا وسلبا. و
الوجه في ذلك: أن أوصاف العام قائمة به قبل ورود الحكم عليه، حيث إنه قبل الحكم عليه ينقسم إلى تلك الأوصاف، بحيث يصح أن يقال:
(العلماء اما هاشميون واما غيرهم واما فلسفيون واما غيرهم) فإذا ورد على العام حكم، فان كان لتلك الأوصاف دخل في ذلك الحكم
كان لها دخل في الموضوع لا محالة، بحيث يصير الموضوع مركبا من العام ووصفه كالعلماء العدول.
وان لم يكن لتلك الأوصاف دخل في الحكم، بأن يكون تمام الموضوع نفس طبيعة العالم كان الموضوع بسيطا غير ملحوظ معه شئ
من الأوصاف القائمة به.
544



فالنتيجة: أن دخل الوصف في الحكم يوجب خروج الموصوف عن كونه تمام الموضوع إلى جز الموضوع، فالعالم إذا لوحظ مع العدالة
موضوعا لوجوب الاكرام، فلا محالة يصير (العالم العادل) موضوعا له، وتنقلب بساطة الموضوع إلى التركب، ولا نعني من تعنون العام
الا هذا.
ويظهر مما ذكرنا: ضعف ما عن بعض مشايخنا الأعاظم (قده) من (أن التخصيص بمنزلة موت بعض الافراد، فكما أن الموت لا يوجب
تعنون العام وتقيده بموت بعضهم، بل الموضوع نفس العام بلا قيد، ضرورة عدم تقيد العلماء في قوله: (أكرم العلماء) بغير من مات
منهم، بل الموضوع بتمامه هو نفس العلماء، فكذلك التخصيص، فإنه يخرج الافراد غير المرادة من غير تصرف في الموضوع. والحاصل:
أن التخصيص كالموت يوجب قلة الافراد، لا تعنون العام بعنوان وتقيده بقيد، فالموضوع لوجوب الاكرام في المثال قبل التخصيص و
بعده هو طبيعة العلماء بلا قيد).
توضيح الضعف: أن معنى عدم التعنون بقاء العام بعد التخصيص على كونه تمام الموضوع بحيث يدور الحكم مداره وجودا وعدما، وهو
بديهي البطلان لان العام موجود في ضمن أفراد الخاص كالعالم الفاسق، مع عدم كونه محكوما بحكمه - وهو وجوب الاكرام -، فلا بد
من انقلاب العام عن البساطة، وكونه تمام الموضوع بسبب التخصيص إلى التركب، وصيرورته جز الموضوع الذي هو العالم غير
الفاسق.
وبالجملة: فالتخصيص يوجب تعنون العام بعنوان وجودي أو عدمي، وليس كالموت موجبا لقلة الافراد فقط. فقياس التخصيص بالموت
ليس في محله،
545

أو غيرها، الا أن أصالة عدم تحقق الانتساب بينها وبين قريش تجدي في تنقيح أنها ممن لا تحيض الا إلى خمسين، لأن المرأة التي لا
يكون بينها وبين قريش انتساب أيضا (1) باقية تحت ما دل على أن المرأة

إذ التخصيص يضيق دائرة موضوعية العام لحكمه بالضرورة، ويخرجه عما كان له من الاستقلال في الموضوعية، كما مر آنفا. بخلاف
الموت، فإنه ليس الا إعداما لبعض الافراد من دون تصرف في نفس العام. بل لا وجه للتصرف فيه وتقييده به بعد كون الموت قائما
بغير الافراد الباقية، لما ثبت في محله من امتناع تقييد جوهر بعرض قائم بجوهر آخر.
546

انما ترى الحمرة إلى خمسين، والخارج عن تحته هي القرشية، فتأمل تعرف. [1]
وهم (1) وإزاحة، ربما يظهر من بعضهم التمسك بالعمومات فيما إذا شك في فرد (2) لا من جهة احتمال التخصيص، بل من جهة أخرى،

[1] حتى لا تتوهم التعارض بين أصالة عدم الانتساب إلى قريش، وبين عدم الانتساب إلى غير قريش، ويسقط الأصل المزبور عن
الاعتبار، وذلك لان التعارض فرع ترتب الأثر على كل من المتعارضين، وليس المقام كذلك، إذ لا أثر لأصالة عدم الانتساب إلى غير
قريش بعد وضوح كون موضوع الحكم بالتحيض نفس المرأة، لا بقيد كونها من غير قريش حتى تصح دعوى جريان أصالة عدم
الانتساب بينها وبين غير قريش.
فالمتحصل: أن موضوع الحكم بالتحيض إلى خمسين سنة نفس المرأة، والمانع عن ذلك انتسابها إلى قريش، فإذا زال هذا المانع
بالأصل حكم بتحيضها إلى خمسين.
547

كما إذا شك في صحة الوضوء أو الغسل بمائع مضاف، فيستكشف صحته [1] بعموم مثل (أوفوا بالنذور) فيما إذا وقع متعلقا للنذر، بأن
يقال (1): وجب الاتيان بهذا الوضوء وفاء للنذر للعموم (2)، وكل ما يجب الوفاء به لا محالة يكون صحيحا، للقطع (3) بأنه لولا صحته لما

[1] لا يخفى أن لازم صحته صحة ما يترتب عليه من المشروط بالطهارة كالصلاة والطواف.
لا يقال: ان قاعدة الاشتغال تقتضي لزوم إعادة الوضوء أو الغسل بالماء المطلق وإعادة ما ترتب عليه من الصلاة وغيرها، لتوقف
اليقين بالفراغ عليه.
فإنه يقال: لا مجال لقاعدة الاشتغال بعد ثبوت صحة الوضوء أو الغسل بالدليل الاجتهادي أعني به: عموم دليل وجوب الوفاء بالنذر.
548

وجب الوفاء به (1).
وربما يؤيد ذلك (2) بما ورد (3) من صحة الاحرام [1] والصيام (4)

[1] لا يخفى أن النصوص وافية بصحة هذا النذر، والخروج عن قاعدة اعتبار رجحان متعلق النذر في نفسه. فما عن الحلي في السرائر و
الفاضل في المختلف والإصبهاني في كشفه ج 1 ص 307 (من تقوية عدم الجواز كما عن بعضهم، والميل إليه كما عن الاخر، استنادا إلى
تلك القاعدة) ضعيف، لكونه اجتهادا في مقابل النص الصحيح المعمول به.
ونسب بطلان هذا النذر إلى المحقق في المعتبر، لكن عبارته لا تساعد على ما نسب إليه من تقوية عدم الجواز، قال في المعتبر ص 343:
(لو نذر
549

قبل الميقات، وفي السفر (1) إذا (2) تعلق بهما النذر كذلك (3).

الاحرام بالحج من موضع معين لزم وان كان قبل الميقات). إلى أن قال:
(وربما كان المستند ما رواه علي بن أبي حمزة البطائني). إلى أن قال:
(وربما طعن في النقل بأن علي بن أبي حمزة واقفي، وكذا سماعة، وبأن الاحرام قبل الميقات غير جائز، ولا ينعقد، فلا يتناوله النذر،
لأنه نذر معصية بالنقل المستفيض عن أهل البيت عليهم السلام).
وعليه، فالمحقق في المعتبر لم يقو عدم الجواز، ولا مال إليه، وانما نقل الطعن في الجواز قولا، ولعل الطاعن الحلي في السرائر. نعم
هذا متجه على أصل الحلي من عدم حجية أخبار الآحاد عنده، راجع السرائر ص 133.
550

والتحقيق (1) أن يقال: انه لا مجال لتوهم الاستدلال بالعمومات

[1] ولا يقدح جهالة الكاتب ولا إضمار المكتوب إليه بعد العلم بكونه الإمام عليه السلام، ولا عدم العمل، لكون كفارة النذر الصدقة على
سبعة مساكين، كما ثبت كل ذلك في محله. وبهذا النص يقيد إطلاق ما دل على النهي عن الصوم في السفر، وكذا إطلاق ما دل على النهي
عن الصوم في السفر مع إطلاق النذر وعدم تقييده بالسفر، هذا.
مضافا إلى ما في الجواهر: (وأما النذر المقيد به فقد تشعر عبارة المتن بوجود الخلاف فيه، الا اني لم أجده لاحد من أصحابنا كما اعترف
به بعضهم) فينبغي أن تكون المسألة صافية عن الاشكال، والتفصيل موكول إلى محله.
551

المتكفلة لاحكام العناوين الثانوية فيما شك من [في] غير جهة تخصيصها (1) إذا أخذ في موضوعاتها أحد الأحكام المتعلقة بالافعال
بعناوينها (2) الأولية،
552

كما هو الحال (1)
553

في وجوب إطاعة الوالد، والوفاء بالنذر وشبهه في الأمور المباحة، أو الراجحة (1)، ضرورة أنه معه (2) لا يكاد يتوهم عاقل إذا شك في
رجحان شئ أو حليته (3) جواز التمسك بعموم دليل وجوب الإطاعة أو الوفاء في رجحانه، أو [و] حليته (4). نعم (5) لا بأس بالتمسك به
في جوازه بعد إحراز التمكن منه

[1] في اعتبار إحراز القدرة في جواز التمسك بالعام كلام، والصواب عدم اعتباره. وعليه فيجوز التمسك مع الشك في القدرة، كما ثبت
في محله.
554

والقدرة عليه (1) فيما (2) لم يؤخذ في موضوعاتها (3) حكم أصلا، فإذا شك في جوازه (4) صح التمسك بعموم دليلها (5) في الحكم
بجوازها (6)،
555

وإذا كانت (1) محكومة بعناوينها الأولية بغير حكمها بعناوينها (2) الثانوية وقع [فتقع] المزاحمة بين المقتضيين، ويؤثر الأقوى منهما
لو كان في البين (3)، والا (4) لم يؤثر أحدهما، والا (5) لزم الترجيح بلا مرجح، فليحكم عليه حينئذ (6) بحكم آخر كالإباحة إذا كان
أحدهما مقتضيا للوجوب والاخر للحرمة مثلا.
556

وأما (1) صحة الصوم في السفر بنذره فيه - بناء على عدم صحته فيه (2) بدونه - وكذا الاحرام قبل الميقات، فإنما هو
[1] لدليل خاص (3) كاشف عن رجحانهما ذاتا (4) في السفر وقبل الميقات [2]

[1] الأولى تأنيث الضمير، لرجوعه إلى (صحة الصوم) كما لا يخفى.
[2] لا يخفى بعد هذا الوجه، لمنافاته لالتزام الأئمة عليهم السلام بترك
557

وانما (1) لم يؤمر بهما استحبابا أو وجوبا لمانع يرتفع مع النذر (2) [بالنذر]

الصوم في السفر والاحرام قبل الميقات، إذ لو كانا راجحين ذاتا وكانت المشقة مانعة عن توجه الطلب إليهما لم يلتزموا بتركهما، فهذا
الالتزام يكشف عن عدم رجحانهما الذاتي.
558

واما لصيرورتهما (1) راجحين يتعلق [1] النذر بهما بعد ما لم يكونا كذلك (2) كما ربما يدل عليه (3) ما في الخبر من كون الاحرام قبل
الميقات

[1] الأولى أن يقال: (مع تعلق النذر) أو (حين تعلق النذر) لان الباء ظاهر في السببية، وكون الرجحان معلولا للنذر وناشئا عنه، وهو
خلاف ما تسالموا عليه من اعتبار الرجحان مع الغض عن النذر، فلا بد أن يكون الباء للمصاحبة - كما في بعض حواشي المتن - وان كان
خلاف الظاهر.
559

كالصلاة قبل الوقت (1).
لا يقال (2): لا يجدي صيرورتهما راجحين بذلك [1 [3 في عباديتهما

[1] الصواب تبديل الباء ب (مع) كما عرفت في التعليقة السابقة. وكيف كان، فلا مجال لهذا الاشكال ودفعه، لأنهما يتجهان بناء على كون
الرجحان
560

ضرورة (1) كون وجوب الوفاء توصليا لا يعتبر في سقوطه الا الاتيان بالمنذور بأي داع كان.
فإنه يقال (2): عباديتهما انما تكون لأجل كشف (3) دليل صحتهما عن عروض عنوان راجح عليهما (4) ملازم (5) لتعلق النذر بهما. هذا
(6)

معلولا للنذر، وناشئا عن قبله، إذ يكون الامر النذري المترتب عليه حينئذ كالأمر الإجاري توصليا غير مجد في عبادية المنذور، وقد
عرفت أن الامر ليس كذلك، وأن الرجحان ليس معلولا للنذر، ومتأخرا عنه، بل رجحان المنذور انما هو لانطباق عنوان راجح عليه
ملازم للنذر، أو مقارن له، فليس رجحان المنذور ناشئا عن النذر حتى يكون الامر بالوفاء توصليا.
561

لو لم نقل بتخصيص عموم دليل اعتبار الرجحان في متعلق النذر
بهذا الدليل (1)، والا (2) أمكن أن يقال بكفاية الرجحان الطارئ عليهما من
562

قبل النذر في عباديتهما بعد النذر بإتيانهما عباديا ومتقربا بهما (1) منه تعالى، فإنه (2) وان لم يتمكن من إتيانهما كذلك (3) قبله، الا
أنه (4) يتمكن
563

منه بعده، ولا يعتبر في صحة النذر الا التمكن من الوفاء ولو بسببه (1) فتأمل جيدا.
بقي شئ (2)،
وهو: أنه هل يجوز التمسك بأصالة عدم التخصيص في إحراز عدم كون ما شك في أنه من مصاديق العام مع العلم بعدم
564

كونه محكوما بحكمه مصداقا (1) له، مثل ما إذا علم أن زيدا يحرم إكرامه، وشك في أنه عالم
[أو ليس بعالم] فيحكم عليه (2) بأصالة عدم تخصيص (إكرام [أكرم] العلماء) أنه ليس بعالم،
بحيث يحكم عليه (3) بسائر ما لغير العالم من الاحكام (4)؟ فيه إشكال [1] لاحتمال (5)

[1] ذهب بعض إلى جوازه، قال في التقريرات في المثال المزبور:
(يحكم بأنه زيد الجاهل، لأصالة عدم التخصيص، فنقول: كل عالم يجب إكرامه
565



بالعموم، وينعكس بعكس النقيض إلى قولنا: كل من لا يجب إكرامه ليس بعالم وهو المطلوب. وعلى ذلك جرى ديدنهم في الاستدلالات
الفقهية، كاستدلالهم على طهارة الغسالة على أنها لا تنجس المحل فان كانت نجسا غير منجس يلزم تخصيص قولنا: كل نجس منجس)
فان أصالة عدم تخصيص عموم هذه القاعدة تثبت عدم فردية الغسالة للمتنجس، فتكون طاهرة.
وبالجملة، فبأصالة عدم التخصيص يحرز عدم فردية المشتبه للعام، وكون خروجه عنه بالتخصص، فيترتب عليه أحكام الضد،
كالجاهل في المثال.
وأما بناء على تخصيص العام، وإخراج المشتبه منه حكما مع بقائه فيه موضوعا، فيمكن أن يحكم عليه بسائر أحكام العام، كما إذا فرضنا
أن للعلماء أحكاما غير وجوب الاكرام، فإذا أخرجنا زيدا عنه بقولنا: (لا تكرم زيدا) فقد خرج عن وجوب الاكرام فقط، وأما سائر أحكام
العام فهي ثابتة له.
566

اختصاص حجيتها (1) بما إذا شك في كون فرد العام [المحقق فرديته]
محكوما بحكمه، كما هو (2) قضية عمومه (3). والمثبت (4) من
الأصول اللفظية وان كان حجة، الا أنه لا بد من الاقتصار على ما يساعد عليه
567

الدليل، ولا دليل هاهنا (1) الا السيرة وبناء العقلا، ولم يعلم استقرار بنائهم على ذلك (2)، فلا تغفل.
فصل
هل يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص [1] فيه خلاف،

[1] حكي (أن أول من عنون المسألة أبو العباس بن سريح المتوفى في أوائل المائة الرابعة من الهجرة، وكان هو يقول بعدم الجواز، و
استشكل عليه تلميذه أبو بكر الصيرفي بأنه لو لم يجز ذلك لما جاز التمسك بأصالة الحقيقة أيضا قبل الفحص عن قرينة المجاز).
568

وربما نفي الخلاف عن عدم جوازه (1)، بل ادعى الاجماع عليه (2).
والذي ينبغي أن يكون محل الكلام في المقام (3)
569

أنه هل يكون أصالة العموم متبعة مطلقا (1)، أو بعد الفحص عن المخصص واليأس عن الظفر به بعد الفراغ من
[عن] اعتبارها (2) بالخصوص (3) في الجملة (4) من باب الظن النوعي للمشافه وغيره ما لم يعلم
بتخصيصه (5) تفصيلا، ولم يكن (6) من أطراف ما علم تخصيصه إجمالا. وعليه (7)
570

فلا مجال (1) لغير واحد مما (2) استدل به على عدم جواز العمل به قبل الفحص واليأس.
فالتحقيق عدم جواز التمسك به (3) قبل الفحص فيما إذا كان في معرض التخصيص، كما هو الحال في عمومات الكتاب والسنة (4)، و
ذلك (5) لأجل أنه لولا القطع باستقرار سيرة العقلا على عدم العمل به
571

قبله (1)، فلا أقل من الشك (2) كيف (3) وقد ادعى الاجماع على عدم جوازه فضلا عن نفي الخلاف عنه (4)، وهو كاف
[1] في عدم الجواز، كما لا يخفى. وأما إذا لم يكن العام كذلك (5)، كما هو الحال في غالب العمومات الواقعة في ألسنة أهل المحاورات، فلا شبهة في

[1] في كفايته إشكال، لعدم ثبوت كونه إجماعا تعبديا بعد وضوح احتمال كون مستند المجمعين العلم الاجمالي أو غيره، ومع هذا
الاحتمال لا يصح الاعتماد عليه.
572

أن السيرة على العمل به (1) بلا فحص عن مخصص [عن المخصص.]
وقد ظهر لك بذلك (2) أن مقدار الفحص اللازم ما به يخرج عن المعرضية له (3)، كما أن مقداره اللازم منه [1] بحسب سائر الوجوه

[1] كلمة (منه) زائدة، لأنه بمنزلة أن يقال: (مقدار الفحص اللازم من الفحص) كما هو واضح.
573

التي استدل بها من العلم الاجمالي به (1) أو حصول (2) الظن بما هو التكليف، أو غير ذلك (3) رعايتها (4)، فيختلف مقداره (5) بحسبها،
كما لا يخفى. [1]
ثم إن الظاهر (6) عدم لزوم الفحص عن المخصص المتصل

[1] لا يخفى أن النزاع لا يختص بالعمل بالعام، بل يجري نزاع وجوب الفحص في العمل بكل دليل لفظي عما يزاحم ظهوره في الحجية،
فلا يجوز العمل به قبل الفحص عن مزاحماته من دون خصوصية لباب العمومات في وجوب الفحص، لجريان دليله وملاكه في جميع
الأصول اللفظية والعملية.
574

باحتمال (1) أنه كان ولم يصل، بل حاله (2) حال احتمال قرينة المجاز، وقد اتفقت كلماتهم على عدم الاعتناء به (3) مطلقا ولو قبل
الفحص عنها (4)، كما لا يخفى.
إيقاظ (5): لا يذهب عليك الفرق بين الفحص
575

ها هنا (1) وبينه في الأصول العملية، حيث إنه هاهنا (2)
576

عما يزاحم الحجية
[الحجة]
بخلافه هناك (1)، فإنه بدونه لا حجة، ضرورة أن العقل بدونه (2) يستقل باستحقاق المؤاخذة على المخالفة،
فلا يكون العقاب بدونه بلا بيان والمؤاخذة (3) عليها من غير برهان. والنقل (4) وان دل على البراءة و
[أو] الاستصحاب في موردهما مطلقا (5)، الا أن (6)
577

الاجماع بقسميه على تقييده به (1)، فافهم (2).
فصل
هل الخطابات (3) الشفاهية [1] مثل (يا أيها المؤمنون) تختص

[1] الأولى التعبير ب (الشفهية) لبنائهم على إرجاع الجمع إلى المفرد في النسبة، الا إذا صار الجمع علما ك (الجزائر والأنصار) فيقال في
النسبة: الجزائري والأنصاري.
578

بالحاضر مجلس التخاطب، أو يعم غيره من الغائبين، بل المعدومين (1) فيه
خلاف [1] ولا بد قبل الخوض في تحقيق المقام من بيان ما يمكن

[1] قد نقل عنهم في المقام أقوال خمسة:
الأول: ما عن الوافية من الشمول من دون تصريح بكونه على وجه الحقيقة أو المجاز.
الثاني: الشمول حقيقة لغة، وهو المحكي عن بعضهم.
الثالث: الشمول حقيقة شرعا، ونفي عنه البعد الفاضل النراقي.
الرابع: الشمول مجازا، وهو المحكي عن التفتازاني، وظاهره دعوى شمول الخطابات القرآنية للغائبين أو المعدومين على وجه المجاز
فعلا. لكن في التقريرات (وظني أنه ليس في محله، فان ما يظهر من كلامه المحكي دعوى إمكان الشمول على وجه المجاز، ولم يظهر
منه وقوعه. نعم قد اختاره في المناهج على ما حكي، ونقله عن والده في الأنيس.
الخامس: إمكان الشمول على وجه المجاز بنحو من التنزيل والادعاء إذا كان فيه فائدة يتعلق بها أغراض أرباب المحاورة وأصحاب
المشاورة، ولعله المشهور - كما قيل - والأظهر عندي القول بإمكان الشمول على وجه الحقيقة ان أريد من المجاز المبحوث عنه في
المقام المجاز في أداة الخطاب، كما يظهر من جماعة منهم بعض الأجلة، حيث صرحوا بأن الأداة حقيقة في خطاب
579

أن يكون محلا للنقض والابرام بين الاعلام، فاعلم: أنه (1) يمكن أن يكون

الموجود الحاضر، واستعماله في غير ذلك - سواء كان على وجه التغليب كما إذا انضم إلى الموجودين غيرهم، أو غيره كما إذا اختص
بغيرهم - مجاز إن أريد من المجاز ما هو المعهود مثله في المجاز العقلي، بمعنى أن التصرف انما هو في أمر عقلي من دون سرايته إلى
اللفظ).
580

النزاع في أن التكليف المتكفل له الخطاب هل يصح تعلقه بالمعدومين، كما صح تعلقه بالموجودين أم لا؟ أو في صحة (1) المخاطبة معهم،
بل مع (2) الغائبين عن مجلس الخطاب بالألفاظ الموضوعة للخطاب، أو بنفس (3) توجيه الكلام إليهم، وعدم صحتها (4)، أو في عموم
(5) الألفاظ الواقعة عقيب أداة الخطاب للغائبين، بل المعدومين، وعدم عمومها
581

لهما (1) بقرينة تلك الأداة (2) [الأدوات.]
ولا يخفى أن النزاع على الوجهين الأولين (3) يكون عقليا (4)، وعلى الوجه الأخير لغويا (5).
إذا عرفت هذا (6)، فلا ريب في عدم صحة تكليف المعدومين
582

[المعدوم] عقلا (1)، بمعنى بعثه أو زجره فعلا، ضرورة أنه (2) بهذا المعنى يستلزم الطلب منه حقيقة، ولا يكاد يكون الطلب كذلك (3) الا
من الموجود ضرورة. نعم هو (4) بمعنى مجرد إنشاء الطلب بلا بعث ولا زجر لا استحالة فيه أصلا، فان (5)
583

الانشاء خفيف المئونة (1)، فالحكيم تبارك وتعالى ينشئ على وفق الحكمة والمصلحة (2) طلب شئ قانونا (3) من الموجود والمعدوم
حين (4)
584

الخطاب ليصير فعليا بعد ما وجد الشرائط وفقد الموانع بلا حاجة إلى إنشاء آخر، فتدبر. ونظيره (1) من غير الطلب إنشاء التمليك في
الوقف على البطون (2)، فان (3) المعدوم منهم يصير مالكا للعين الموقوفة بعد وجوده بإنشائه، ويتلقى لها من الواقف بعقده، فيؤثر (4)
في حق الموجود منهم (5) الملكية الفعلية، ولا يؤثر في حق المعدوم فعلا (6) الا استعدادها
586

لان تصير ملكا له بعد وجوده (1).
هذا (2) إذا أنشئ الطلب مطلقا. وأما إذا أنشئ مقيدا بوجود المكلف ووجدانه للشرائط، فإمكانه (3) بمكان من الامكان.
وكذلك (4) لا ريب في عدم صحة خطاب المعدوم بل الغائب (5) حقيقة (6)،
587

وعدم (1) إمكانه، ضرورة (2) عدم تحقق توجيه الكلام نحو الغير حقيقة (3) الا إذا كان موجودا، وكان بحيث يتوجه إلى الكلام، ويلتفت
إليه (4).
ومنه (5) قد انقدح أن ما وضع للخطاب مثل أدوات النداء (6) لو كان
588

موضوعا للخطاب الحقيقي لأوجب استعماله فيه (1) تخصيص (2) ما يقع في تلوه بالحاضرين (3). كما أن قضية إرادة العموم منه لغيرهم
استعماله في غيره (4).
589

لكن (1)
590

الظاهر أن مثل أدوات النداء لم يكن موضوعا لذلك (1)، بل للخطاب الايقاعي الانشائي، فالمتكلم ربما يوقع الخطاب بها تحسرا وتأسفا
وحزنا مثل (يا كوكبا ما كان أقصر عمره)، أو شوقا [تشوقا] ونحو ذلك (2)، كما يوقعه (3) مخاطبا لمن يناديه حقيقة، فلا (4) يوجب
استعماله في معناه الحقيقي حينئذ (5)
591

التخصيص بمن يصح مخاطبته. نعم (1) لا يبعد دعوى الظهور انصرافا (2) في الخطاب الحقيقي كما هو (3) الحال في حروف الاستفهام
والترجي والتمني وغيرها (4) على ما حققناه في بعض المباحث السابقة (5) من كونها موضوعة للايقاعي منها بدواع مختلفة مع
ظهورها في الواقعي منها (6)
592

انصرافا (1) إذا لم يكن
[ما لم يكن]
هناك ما يمنع عنه، كما يمكن دعوى وجوده (2) غالبا في كلام الشارع، ضرورة (3) وضوح عدم
اختصاص الحكم في مثل (يا أيها الناس اتقوا) و (يا أيها المؤمنون) [1] بمن حضر مجلس الخطاب بلا شبهة ولا ارتياب.

[1] ظاهره بقرينة عطفه على قوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا) أنه من القرآن الكريم، وليس منه، انما الموجود فيه في سورة النور: (و
توبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون).
593

ويشهد لما ذكرنا (1) صحة النداء بالأدوات مع إرادة العموم من (2) العام الواقع تلوها بلا عناية، ولا للتنزيل والعلاقة رعاية (3).
وتوهم كونه (4) ارتكازيا يدفعه (5) عدم العلم به مع الالتفات إليه،
594

والتفتيش عن حاله (1) مع حصوله (2) بذلك لو كان ارتكازيا [مرتكزا] والا (3) فمن أين يعلم بثبوته [ثبوته]
كذلك كما هو واضح. وان أبيت (4) الا عن وضع الأدوات للخطاب الحقيقي، فلا مناص
595

عن التزام اختصاص الخطابات الإلهية بأدوات الخطاب، أو بنفس (1) توجيه الكلام بدون الأداة كغيرها بالمشافهين (2)، فيما لم يكن
هناك قرينة على التعميم. [1]
وتوهم (3) صحة التزام التعميم في خطاباته تعالى لغير الموجودين

[1] لا يخفى أن التفصي عن لزوم التجوز في أدوات الخطاب مع إبقاء تلوها على عمومه للموجود والمعدوم منوط بأحد أمرين:
الأول: ما في المتن من وضع الأدوات للايقاعي من الخطاب، وحينئذ لا يلزم مجاز في شئ من الأدوات وتاليها.
الثاني: ما في تقريرات شيخنا الأعظم الأنصاري (قده) من تنزيل المعدومين منزلة الموجودين، ثم استعمال الأدوات في معناها
للموضوع له وهو الخطاب الحقيقي من دون لزوم مجاز لا في الأدوات، ولا في العام الواقع عقيبها.
596

فضلا عن الغائبين لإحاطته بالموجود في الحال والموجود في الاستقبال فاسد (1)، ضرورة أن إحاطته تعالى لا توجب صلاحية المعدوم
بل الغائب للخطاب، وعدم صحة المخاطبة معهما لقصورهما لا يوجب نقصا في ناحيته تعالى، كما لا يخفى. كما أن (2)
597

خطابه (1) اللفظي لكونه تدريجيا ومتصرم الوجود كان قاصرا (2) عن أن يكون موجها نحو غير من كان بمسمع منه ضرورة. هذا (3)
لو قلنا بأن
598

الخطاب بمثل (يا أيها الناس اتقوا) في الكتاب حقيقة إلى غير النبي صلى الله عليه وآله بلسانه (1). وأما إذا قيل بأنه المخاطب والموجه
إليه الكلام حقيقة وحيا أو إلهاما (2)، فلا محيص الا [1] عن كون الأداة [الأدوات]
في مثله (3) للخطاب الايقاعي ولو مجازا (4). وعليه (5)

[1] الظاهر زيادة كلمة (الا) لان الغرض من هذه العبارة: أنه لا بد من الالتزام في هذا الفرض بالخطاب الانشائي، والكلام الدال على هذا
المعنى أن يقال: (فلا محيص عن كون الأداة في مثله للخطاب الايقاعي) والا فمقتضى كون الاستثناء من النفي إثباتا وجود المحيص عن
الالتزام بالخطاب الانشائي، وهو خلاف المقصود، إذ مرجعه إلى إمكان عدم الالتزام بالخطاب الانشائي والاخذ بالخطاب الحقيقي، مع
أن الخطابات بصورة الجمع والمخاطب واحد، فتدبر.
599

لا مجال [فلا مجال] لتوهم اختصاص الحكم المتكفل له الخطاب بالحاضرين بل يعم المعدومين فضلا عن الغائبين.
فصل [1]
ربما قيل: انه يظهر لعموم الخطابات الشفاهية للمعدومين ثمرتان:
الأولى (1): حجية ظهور الخطابات في الكتاب

[1]
الأولى تبديل الفصل بعنوان آخر دال على كون ما بعده تتمة لما تقدمه من المطالب، كأن يقال: (تذنيب) أو (تكملة) أو نحوهما، إذ
الفصل يدل على انقطاع ما بعده عما قبله، وفي المقام يكون ما بعد الفصل ثمرة لما قبله ومن توابعه، لا منقطعا عنه.
600

لهم (1) كالمشافهين.
وفيه: أنه (2) مبني على اختصاص حجية الظواهر بالمقصودين بالافهام، وقد حقق عدم الاختصاص بهم (3). ولو سلم (4)، فاختصاص
601

المشافهين بكونهم مقصودين بذلك ممنوع، بل الظاهر أن الناس كلهم إلى يوم القيامة يكون
[1]
كذلك (1) وان لم يعمهم الخطاب (2) كما يومي إليه (3) غير واحد من الاخبار (4).

[1] الصواب (يكونون) لرجوع ضميره إلى الناس، وهو اسم جمع.
602

الثانية: صحة التمسك بإطلاقات الخطابات القرآنية (1) بناء على التعميم (2)، لثبوت الاحكام لمن وجد وبلغ من المعدومين وان لم
603

يكن (1) متحدا مع المشافهين في الصنف، وعدم (2) صحته على عدمه، لعدم (3) كونها حينئذ (4) متكفلة لاحكام غير المشافهين، فلا بد
من إثبات اتحاده (5) معهم في الصنف حتى يحكم بالاشتراك مع المشافهين في الاحكام، حيث (6) لا دليل عليه حينئذ (7)
604

الا الاجماع [1] ولا إجماع عليه (1) الا فيما اتحد الصنف (2)، كما لا يخفى.
ولا يذهب عليك (3) أنه يمكن إثبات الاتحاد، وعدم (4) دخل ما كان البالغ الان (5) فاقدا له (6)

[1] قال في القوانين: (قد ثبت من الضرورة والاجماع، بل الأخبار المتواترة - على ما ادعى تواترها البيضاوي أيضا في تفسير قوله
تعالى (يا أيها الناس اعبدوا) - أن المعدومين مشاركون مع الحاضرين في الاحكام. إلخ) فراجع.
605

مما كان المشافهون واجدين له (1) بإطلاق الخطاب إليهم (2) من دون التقييد به (3). وكونهم (4)
606

كذلك لا يوجب (1) صحة الاطلاق مع إرادة المقيد معه فيما (2) يمكن أن يتطرق [إليه] الفقدان وان صح (3)
607

فيما لا يتطرق إليه ذلك (1). وليس المراد (2) بالاتحاد في الصنف الا الاتحاد (3) فيما اعتبر قيدا في الاحكام، لا الاتحاد (4)
608

فيما كثر الاختلاف بحسبه، والتفاوت (1) بسببه بين الأنام، بل (2) في شخص واحد بمرور الدهور والأيام، والا (3) لما ثبت بقاعدة
الاشتراك للغائبين - فضلا عن المعدومين - حكم من الاحكام.
ودليل الاشتراك (4) انما يجدي في عدم اختصاص التكاليف بأشخاص المشافهين فيما لم يكونوا مختصين بخصوص عنوان
609

لو لم [أو لم] يكونوا [1 [1 معنونين به لشك [شك] في شمولها لهم

[1]
وفي بعض النسخ (ولو كانوا معنونين به) قيل: والمراد به أن الحاضر أيضا إذا كان واجدا لقيد في حال الخطاب ثم صار فاقدا له في
أثناء عمره لم يكن مأخوذا في ظاهر الخطاب، فمعنى قوله: (ولو كانوا معنونين به) أنه لو كانوا معنونين به حال الخطاب لشك في
شمولها لهم أيضا إذا فرض فقدهم له في الأثناء.
610

أيضا (1) فلو لا الاطلاق وإثبات عدم دخل ذلك العنوان (2) في الحكم لما أفاد دليل الاشتراك، ومعه (3)
611

كان الحكم يعم غير المشافهين ولو (1) قيل باختصاص الخطابات بهم
[لهم]
فتأمل جيدا (2).
فتلخص: أنه لا يكاد تظهر الثمرة (3) الا على القول باختصاص حجية الظواهر لمن قصد إفهامه (4) مع كون غير المشافهين غير
مقصودين بالافهام (5)، وقد حقق (6) عدم الاختصاص به (7) في غير المقام (8)،
612

وأشير (1) إلى منع كونهم غير مقصودين به (2) به في خطاباته تبارك وتعالى في المقام (3).
فصل
هل تعقب العام (4) بضمير يرجع إلى بعض أفراده يوجب تخصيصه (5) به أو لا؟ فيه خلاف (6) بين الاعلام، وليكن محل الخلاف ما إذا
وقعا (7)
613

في كلامين (1) أو في كلام واحد (2) مع استقلال العام بما حكم عليه في الكلام، كما في قوله تبارك وتعالى: (والمطلقات يتربصن) إلى
قوله:
(وبعولتهن أحق بردهن) (3)، وأما ما إذا كان (4) مثل: (والمطلقات أزواجهن أحق بردهن) فلا شبهة في تخصيصه به (5).
والتحقيق (6) أن يقال: انه حيث دار الامر بين التصرف في العام
614

بإرادة خصوص ما أريد من الضمير الراجع إليه (1) و [أو] التصرف (2)
615

في ناحية الضمير إما بإرجاعه إلى بعض ما هو المراد من مرجعه، أو إلى تمامه (1) مع التوسع (2) في الاسناد بإسناد الحكم المسند إلى
البعض حقيقة (3) إلى الكل توسعا ومجازا [وتجوزا] كانت (4) أصالة الظهور في طرف العام سالمة عنها (5) في جانب الضمير، وذلك (6) لان
616

المتيقن من بناء العقلا هو اتباع الظهور في تعيين المراد، لا في تعيين كيفية الاستعمال، وأنه (1) على نحو الحقيقة أو المجاز في الكلمة،
أو الاسناد، مع القطع بما يراد (2)، كما هو (3) الحال في ناحية الضمير.
617

وبالجملة: أصالة الظهور انما تكون حجة فيما إذا شك فيما أريد (1)، لا فيما إذا شك في أنه كيف أريد (2)، فافهم (3).
لكنه (4) [حجة]
618

إذا عقد للكلام ظهور في العموم بأن لا يعد (1) ما اشتمل على الضمير مما (2) يكتنف به [1]
عرفا، والا (3) فيحكم عليه بالاجمال، ويرجع إلى

[1] الأولى تبديل الضمير بالظاهر، بأن يقال: (بما يصلح للقرينية) لان ضمير (به) راجع إلى الضمير في قوله: (على الضمير)، فكأنه قيل:
(بأن لا يعد ما اشتمل على الضمير مما يكتنف بالضمير عرفا) وهذا لا محصل له.
619

ما يقتضيه الأصول (1). الا أن يقال (2) باعتبار أصالة الحقيقة تعبدا (3) حتى فيما إذا احتف بالكلام ما (4) لا يكون ظاهرا معه في معناه
الحقيقي، كما عن بعض [كما في كلام بعض] الفحول (5).
فصل
قد اختلفوا [1]

[1] لعل منشأ الخلاف تخيل أقوائية العام - لكونه بالمنطوق - من المفهوم المخالف الذي أنيط غالبا بل دائما بالاطلاق الزائل بأدنى شئ.
620

في جواز التخصيص بالمفهوم المخالف (1) مع الاتفاق على الجواز بالمفهوم الموافق (2) على قولين، وقد استدل لكل منهما بما لا يخلو
عن قصور (3).
621

وتحقيق المقام (1): أنه إذا ورد العام وما له المفهوم في كلام أو
622

كلامين (1)، ولكن على نحو يصلح (2) أن يكون كل منهما قرينة متصلة للتصرف في الاخر، ودار (3) الامر بين تخصيص العموم أو
[1] إلغاء المفهوم، فالدلالة على كل منهما ان كانت بالاطلاق بمعونة مقدمات الحكمة (4)

[1] الأولى تبديله بالواو.
623

أو بالوضع (1)، فلا يكون هناك (2) عموم، ولا مفهوم، لعدم (3) تمامية مقدمات الحكمة في واحد منهما (4) لأجل المزاحمة (5)، كما في
مزاحمة ظهور أحدهما وضعا (6) لظهور الاخر كذلك [1] 7

[1] الأولى في استقصاء الصور أن يقال: ان الظهور في العام والمفهوم يكون تارة وضعيا، وأخرى إطلاقيا، وقد مر مثالهما في
التوضيح. وثالثة مختلفا كمفهوم الشرط الذي يكون ظهوره بالاطلاق. ولفظ كل ونحوه من الألفاظ التي تكون دلالتها على العموم
بالوضع. وعلى التقادير يكون تارة ما يدل على العموم والمفهوم في كلام واحد ك آية النبأ، وأخرى في كلامين مستقلين.
624



فان كانا متحدين وضعا أو إطلاقا وكانا في كلام واحد، فلا إشكال في تساقطهما، لصيرورتهما مجملين حقيقة.
وان كانا متحدين كذلك وكانا في كلامين، يعامل معهما معاملة المجمل وان لم يكونا من المجمل حقيقة، لأنه مع انفصالهما وكونهما
في كلامين ينعقد لكل منهما ظهور، لكن لا يكون حجة، للمزاحمة والعلم الاجمالي بإرادة خلاف الظاهر في أحدهما، وعدم مرجح
لأحدهما، ولا يستقر ظهور لهما، ويسقطان عن الحجية الا إذا كان أحدهما أظهر، ومورد الأظهرية هو ما إذا وقع ما له المفهوم وما
يدل على العموم في كلامين، لما مر من أن الانفصال يوجب الظهور البدوي في كل منهما، فلو كان أحدهما أظهر قدم على الاخر، لكونه
قرينة على التصرف فيه عرفا، بحيث يعد ذلك جمعا عرفيا بينهما، وان لم يكن أحدهما أظهر تساقطا، كما مر آنفا.
وأما إذا وقعا في كلام واحد، فلا يتصور لهما ظهور حتى يكون أحدهما أظهر، ولو فرض ظهور لأحدهما بمعونة الجهات الخارجية،
فهو وان كان حجة، لكنه ليس من تقديم الأظهر على الظاهر.
والحاصل: أن فرض الأظهرية مختص بوقوع ما يدل على العموم وما له المفهوم في كلامين، ولا يتمشى في كلام واحد، فلو كان لكلام
المصنف (قده):
(لو لم يكن في البين أظهر والا فهو المعول) إطلاق يشمل الكلام والكلامين، فلا بد من حمله على الكلامين، لما مر آنفا، فلا تغفل.
625

فلا بد من العمل بالأصول العملية فيما دار [الامر] فيه بين العموم والمفهوم (1) إذا لم يكن مع ذلك (2) أحدهما أظهر، والا (3) كان مانعا
عن انعقاد الظهور، أو استقراره (4) في الاخر.

وان كانا مختلفين، بأن يكون الظهور في أحدهما وضعيا، وفي الاخر إطلاقيا، فلا إشكال في تقدم الوضعي على الاطلاقي، لوضوح أنه
يصلح لان يكون بيانا مانعا عن الاطلاق المنوط بعدم البيان. وان شئت فقل: ان الظهور الوضعي تنجيزي، والاطلاقي تعليقي.
626

ومنه (1) قد انقدح الحال فيما إذا لم يكن بين ما دل [ما يدل] على العموم وما له المفهوم ذلك
[ذاك] الارتباط والاتصال (2)، وأنه (3) لا بد أن يعامل مع كل منهما (4) معاملة المجمل
لو لم يكن في البين أظهر، والا (5) فهو المعول، والقرينة (6) على التصرف في الاخر بما (7)
لا يخالفه بحسب العمل.
627

فصل
الاستثناء [1] المتعقب لجمل متعددة [[2] للجمل المتعددة]
628

هل الظاهر هو رجوعه إلى الكل (1) أو خصوص الأخيرة، أو لا ظهور له في واحد منهما (2)، بل لا بد في التعيين من قرينة [) 3
فيه] أقوال (4) والظاهر أنه لا خلاف ولا إشكال [1] في رجوعه إلى الأخيرة على

فمحل النزاع هو الكلام الواحد الذي يمكن أن يرجع فيه الخاص إلى الكل أو الأخيرة بحسب القواعد العربية، بأن يكون من التوابع و
يصلح للقرينية وليس هذا الا مع العطف، وكون الخاص من الملابسات.
فالمتحصل: أن إضافة (المتعاطفة) إلى الجمل لازمة.
[1]
حتى عند أهل الوقف، لكن لأجل القدر المتيقن، لا لأجل الظهور، إذ لو كان الرجوع إلى الأخيرة لأجله، كان منافيا لمذهب أهل الوقف.
629

أي حال (1)، ضرورة أن رجوعه (2) إلى غيرها بلا قرينة خارج عن طريقة أهل المحاورة. وكذا (3) في صحة رجوعه إلى الكل وان كان
المتراءى من كلام صاحب المعالم رحمه الله حيث مهد مقدمة [1] لصحة [2]

[1] الظاهر أن غرض صاحب المعالم (ره) من تمهيد المقدمة إثبات كيفية الرجوع إلى الكل، لا إثبات أصل صحته، إذ من الأقوال صحة
الرجوع إلى الكل للاشتراك اللفظي، فتصدى لبيان أن الرجوع إلى الكل ليس مبنيا على الاشتراك اللفظي، بل يمكن ذلك وان لم نقل
بالاشتراك اللفظي، فراجع المعالم وتأمل.
[2] حق العبارة بناء على التعليقة المتقدمة أن يقال: (لكيفية رجوعه إليه) بدلا عن قوله: (لصحة رجوعه) كما هو واضح.
630

رجوعه (1) إليه: أنه (2) محل الاشكال والتأمل، وذلك (3) ضرورة أن تعدد المستثنى منه كتعدد المستثنى لا يوجب تفاوتا أصلا في
ناحية الأداة بحسب المعنى، كان الموضوع له في الحروف عاما أو خاصا، وكان (4) المستعمل فيه الأداة فيما كان المستثنى منه متعددا
هو المستعمل
631

فيه فيما كان (1) واحدا، كما هو الحال في المستثنى (2) بلا ريب ولا إشكال. وتعدد المخرج أو المخرج عنه (3) خارجا لا يوجب تعدد ما
استعمل فيه أداة الاخراج مفهوما (4).
وبذلك (5) يظهر أنه لا ظهور لها في الرجوع إلى الجميع، أو
632

خصوص الأخيرة وان كان الرجوع إليها متيقنا على كل تقدير (1) نعم (2) غير الأخيرة أيضا (3) من الجمل لا يكون ظاهرا في العموم،
633

لاكتنافه (1) بما لا يكون معه ظاهرا فيه، فلا بد في مورد الاستثناء فيه (2) من الرجوع إلى الأصول.
اللهم (3) الا أن يقال بحجية أصالة الحقيقة تعبدا، لا من باب الظهور، فيكون المرجع عليه (4) أصالة العموم إذا كان وضعيا (5)، لا ما
634

إذا كان بالاطلاق ومقدمات الحكمة، فإنه لا يكاد تتم تلك المقدمات (1) مع صلوح الاستثناء للرجوع إلى الجميع فتأمل. (×)

(×) إشارة إلى أنه يكفي في منع جريان المقدمات صلوح الاستثناء لذلك لاحتمال اعتماد المطلق حينئذ في التقييد عليه، لاعتقاد أنه كاف
فيه. اللهم الا أن يقال: ان مجرد صلوحه لذلك بدون قرينة عليه غير صالح للاعتماد ما لم يكن بحسب متفاهم العرف ظاهرا في الرجوع إلى
الجميع، فأصالة الاطلاق مع عدم القرينة محكمة، لتمامية مقدمات الحكمة، فافهم.
[1] هذا التقييد انما يصح بناء على كون نتيجة مقدمات الانسداد التبعيض في الاحتياط أو الحكومة، إذ لا يكون خبر الواحد حينئذ حجة
شرعية حتى يصلح لتخصيص الحجة أعني العام الكتابي، وأما بناء على كونها حجية الظن كشفا، فالظاهر جواز تخصيص العام الكتابي
بخبر الواحد المفيد للظن.
635

كما جاز [تخصيصه] بالكتاب (1) أو [و] بالخبر المتواتر أو المحفوف بالقرينة القطعية من خبر الواحد بلا (2) ارتياب [1] لما (3) هو
الواضح من سيرة الأصحاب على العمل بأخبار الآحاد في قبال عمومات الكتاب إلى زمن الأئمة عليهم السلام (4). واحتمال (5)

[1] لكن خالف فيه الشيخ وجماعة، وعليه السيد علم الهدى.
636

أن يكون ذلك (1) بواسطة القرينة واضح البطلان (2) [فإنه تعويل على ما يعلم خلافه بالضرورة.] مع (3) أنه لولاه لزم إلغاء الخبر بالمرة
[1] أو ما بحكمه (4)،

[1]
هذا الوجه وسابقه مذكوران في تقريرات شيخنا الأعظم (قده) قال في تقريب هذا الوجه الثاني ما لفظه: (واستدله بعض الأفاضل
على المطلب بأنه لولاه لزم إلغاء الخبر بالمرة، إذ ما من خبر الا وهو مخالف لعموم الكتاب، ولا أقل من عموم ما دل على أصل البراءة).
وفيه ما لا يخفى، فان الخبر المخالف لأصل البراءة لا يعقل أن يكون مخصصا للعموم كما قرر في محله، وستعرفه بعد ذلك من عدم
ورود الدليل والأصل في مورد واحد.
637

ضرورة (1) ندرة خبر لم يكن على خلافه عموم الكتاب لو سلم (2) وجود ما لم يكن كذلك (3).
وكون (4) العام الكتابي قطعيا صدورا وخبر الواحد ظنيا سندا لا يمنع (5)
638

عن التصرف في دلالته (1) غير القطعية قطعا (2)، والا (3) لما جاز تخصيص المتواتر به (4) أيضا، مع أنه (5) جائز جزما. والسر (6):
639

أن الدوران في الحقيقة بين أصالة العموم ودليل سند الخبر، مع (1) أن الخبر بدلالته وسنده صالح للقرينية على التصرف فيها، بخلافها،
فإنها (2) غير صالحة لرفع اليد عن دليل اعتباره (3). ولا ينحصر (4) الدليل
640

على الخبر بالاجماع كي يقال بأنه (1) فيما لا يوجد على خلافه دلالة، ومع وجود الدلالة القرآنية يسقط وجوب العمل به. كيف (2) وقد
عرفت أن سيرتهم مستمرة على العمل به (3) في قبال العمومات الكتابية.
والاخبار (4) الدالة على أن الاخبار المخالفة للقرآن يجب
641

طرحها، أو ضربها على الجدار، أو أنها زخرف، أو أنها مما لم يقل بها
[به]
الإمام عليه السلام وان كانت كثيرة جدا، وصريحة الدلالة على
طرح المخالف، الا أنه (1) لا محيص عن أن يكون المراد من المخالفة في هذه الأخبار غير مخالفة العموم (2) ان لم نقل (3) [انها]
642

بأنها [1 [1
ليست من المخالفة عرفا، كيف (2)؟ وصدور الاخبار المخالفة للكتاب بهذه المخالفة (3) منهم عليهم السلام كثيرة جدا.

[1] الأولى تقديم هذا الجواب على الأول، بأن يقال: ان المخالفة بالعموم والخصوص ليست مخالفة أولا، ولو سلم صدق المخالفة عليها،
فهي خارجة عنها حكما ثانيا.
643

مع (1) قوة احتمال أن يكون المراد أنهم عليهم السلام لا يقولون بغير ما هو قول الله تبارك وتعالى واقعا وان كان [هو 2 (] على خلافه
ظاهرا، شرحا (3)
644

لمرامه تعالى، وبيانا لمراده من كلامه (1) تعالى، فافهم. [1 [2 والملازمة (3)

[1] قد عرفت في شرح قوله: (فافهم) أنه لا وجه لهذا الجواب الثالث المذكور بقوله: (مع قوة احتمال أن يكون المراد). كما لا وجه للجواب
الأول، وهو تخصيص عموم ما دل على طرح ما خالف الكتاب، وإخراج المخالفة بالعموم والخصوص عن عموم المخالفة للكتاب، و
ذلك لاباء مثل قولهم عليهم السلام: (زخرف) و (باطل) و (لم نقله) ونحوها عن التخصيص.
فالصحيح هو الجواب الثاني أعني: منع صدق المخالفة على المخالفة بالعموم والخصوص، وخروجها موضوعا عن المخالفة التي جعلت
موضوعا لاخبار طرح ما خالف الكتاب.
645

بين جواز التخصيص وجواز النسخ به ممنوعة (1) وان كان مقتضى القاعدة جوازهما، لاختصاص (2) النسخ بالاجماع على المنع (3). مع
(4)
646

وضوح الفرق بتوفر الدواعي إلى ضبطه، ولذا (1) قل الخلاف في تعيين موارده، بخلاف التخصيص (2).
فصل
لا يخفى أن الخاص والعام المتخالفين (3) يختلف حالهما ناسخا
647

ومخصصا ومنسوخا
[1]
فيكون الخاص مخصصا تارة وناسخا مرة، ومنسوخا أخرى، وذلك (1) لان الخاص ان كان مقارنا [2]
مع العام (2)

[1]
لا يخفى أن هذه الصفات ثابتة للعام والخاص في الجملة، لان العام لا يتصف الا بالناسخية والمنسوخية، ولا يتصف بالمخصصية،
كما هو واضح.
وأما الخاص، فيتصف بجميع تلك الصفات، كما يظهر من شرح كلمات المصنف.
ثم إن الغرض من عقد هذا الفصل ليس بيان أظهرية الخاص من العام، لأنه موكول إلى باب تعارض الأحوال، بل لبيان أن الخاص في أي
مقام يكون مخصصا أو ناسخا.
[2]
يمكن إرادة المقارنة الحقيقية، كما إذا وردا في آن واحد من معصومين، والعرفية، كما إذا صدرا من معصوم واحد في مجلس واحد
بحيث يعدان مقارنين.
648

أو واردا بعده قبل حضور وقت العمل به (1)، فلا محيص عن كونه (2) مخصصا وبيانا له.
وان (3) كان بعد حضوره كان ناسخا لا مخصصا، لئلا (4) يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة فيما (5) إذا كان العام واردا لبيان الحكم
الواقعي، والا لكان الخاص أيضا (6)
649

مخصصا له [1] كما هو (1) الحال في غالب العمومات والخصوصات في الآيات والروايات،
[وان كان العام واردا بعده قبل حضور وقت العمل به كان الخاص مخصصا وبيانا له.]
وان كان (2) العام واردا بعد حضور وقت العمل بالخاص، فكما يحتمل أن يكون الخاص مخصصا للعام يحتمل أن يكون

[1]
إذ لا مانع من تأخير بيان الحكم الواقعي إذا كان هناك حكم ظاهري جعل لمصلحة، كسائر الاحكام الظاهرية المجعولة لمصالح، و
حينئذ لا بد من الجمع بين الحكم الظاهري الثابت بالعام، وبين الحكم الواقعي المدلول عليه بالخاص بأحد الوجوه التي يجمع بها بين
الاحكام الواقعية والظاهرية، فإذا كان زيد مثلا محكوما ظاهرا بحكم العام، مثل (أكرم العلماء) في مدة، وبعد مضي زمان خرج عن
عموم وجوب إكرامهم كشف ذلك عن كون وجوب إكرامه حكما ظاهريا، كما يكشف عن كون وجوب الاكرام في سائر أفراد العام
واقعيا.
[2]
لكنه لا يخلو عن حزازة، لان الكلام بعد الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه يصير هكذا: (لان الخاص ان كان العام واردا بعد
حضور وقت العمل بالخاص) فلفظ الخاص الأول مستغنى عنه بالخاص الثاني. ولا يخفى
650

العام ناسخا له (1)، وان كان الأظهر أن يكون الخاص مخصصا،

و عليه، فالأولى أن يقال: (لأنه ان كان الخاص مقارنا مع العام أو واردا بعده قبل حضور وقت العمل به أو كان العام واردا بعد الخاص
قبل حضور وقت العمل به كان الخاص مخصصا وبيانا للعام. وان كان العام واردا بعد حضور وقت العمل بالخاص، فكما يحتمل. إلخ)
فلاحظ وتأمل.
651

لكثرة (1) التخصيص [1] حتى اشتهر (ما من عام الا وقد خص) مع قلة النسخ في الاحكام جدا (2)، وبذلك (3) يصير ظهور الخاص في
الدوام
652

ولو كان بالاطلاق أقوى من ظهور العام ولو كان بالوضع كما لا يخفى. هذا [كله] فيما علم تاريخهما (1).
وأما [أما] لو جهل (2) وتردد بين أن يكون الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام وقبل حضوره [1]

[1] لا يخفى أن دوران الخاص بين الناسخية والمخصصية مختص بصورة خاصة، وهي ورود الخاص بعد العام مع الجهل بكونه بعد
العمل بالعام حتى يكون ناسخا، أو قبله حتى يكون مخصصا، فمفروض المتن هو الجهل بحضور وقت العمل ولو مع العلم بتقدم أحدهما
على الاخر، ففي فرض المتن إذا علم بتأخر الخاص عن العام، لكن لا يعلم أنه قبل حضور وقت العمل بالعام حتى يكون مخصصا، أو بعده
حتى يكون ناسخا، فمن المعلوم أن الوظيفة حينئذ هي العمل بالخاص سواء كان ناسخا أم مخصصا، لا الرجوع إلى الأصول العملية،
فالفرض الذي يرجع فيه إلى الأصول العملية هو دوران الخاص بين كونه مخصصا وناسخا ومنسوخا، كما إذا ظفرنا بعام وخاص، و
لم يظهر تقدم أحدهما على الاخر، ولا ورود أحدهما قبل حضور وقت العمل أو بعده، بحيث يدور أمر
653

فالوجه هو الرجوع إلى الأصول العملية (1). وكثرة (2) التخصيص وندرة

الخاص بين كونه مخصصا ان كان وروده بعد العام قبل وقت العمل به، وناسخا ان كان وروده بعد العمل به، ومنسوخا ان كان وروده
والعمل به قبل ورود العام، فحينئذ لا بأس بالرجوع إلى الأصول العملية، لعدم العلم بكون الوظيفة العمل بالخاص بعد دورانه بين أمور
ثلاثة، وهي المخصصية والناسخية والمنسوخية.
نعم يمكن توجيه ما أفاده المصنف من الرجوع إلى الأصول العملية في دوران الامر بين مخصصية الخاص وناسخيته بما قيل: من أن
مورد الرجوع إلى الأصل العملي هو ما بين زمان العام وزمان الخاص لو كان موردا للابتلا المكلف، لا الأزمنة المتأخرة عن زمان
ورود الخاص، إذ لا شك في ثبوت حكم الخاص لافراده في تلك الأزمنة سواء كان ناسخا أم مخصصا.
لكن فيه أولا: أنه خلاف الظاهر، إذ الظاهر أنه في مقام بيان الوظيفة الفعلية في هذا الزمان الذي يشك في ناسخية الخاص ومخصصيته
فيه، فالحمل على ما بين زمانيهما محتاج إلى الدليل.
وثانيا: أنه نادر جدا، لغلبة عدم الابتلاء بذلك، فالحمل على النادر لا عبرة به، لاستلزامه إهمال الحكم الفعلي، وبيان غيره الذي لا يعلم
كونه موردا للابتلا.
654

النسخ هاهنا (1) وان كانا يوجبان الظن بالتخصيص أيضا (2)، وأنه (3) واجد لشرطه (4) إلحاقا له (5) بالغالب، الا أنه (6)
655

لا دليل على اعتباره (1)، وانما يوجبان الحمل عليه (2) فيما إذا ورد العام بعد حضور وقت العمل بالخاص، لصيرورة (3) الخاص بذلك
(4) في الدوام أظهر من العام (5)، كما أشير إليه (6)، فتدبر جيدا.
656

ثم إن تعين [تعيين] الخاص (×) (1) للتخصيص إذا ورد قبل حضور وقت العمل بالعام، أو ورد العام قبل حضور وقت العمل به (2) انما
يكون مبنيا على عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل، والا (3) فلا يتعين له، بل يدور (4) بين كونه مخصصا وناسخا في الأول (5)،

(×) لا يخفى أن كونه مخصصا بمعنى كونه مبينا بمقدار المرام عن العام، وناسخا بمعنى كون حكم العام غير ثابت في نفس الامر في
مورد الخاص مع كونه مرادا ومقصودا بالافهام في مورده بالعام، كسائر الافراد، والا فلا تفاوت بينهما أصلا كما هو واضح لا يكاد
يخفى.
657

ومخصصا ومنسوخا في الثاني (1)، الا أن الأظهر كونه (2) مخصصا [مع ذلك]
ولو كان ظهور العام في عموم الافراد أقوى من ظهور
الخاص في الخصوص، لما أشير إليه من تعارف التخصيص وشيوعه، وندرة النسخ جدا في الاحكام. [1]

[1] وتظهر الثمرة بين التخصيص والنسخ - كما قيل - في موارد:
منها: ما إذا ورد مخصصان مستوعبان للعام، فعلى التخصيص يقع التعارض بينهما، لاستهجان استيعاب التخصيص، بخلاف النسخ.
ومنها: أنه بناء على استهجان تخصيص الأكثر إذا ورد خاص مشتمل على حكم أكثر الافراد، فإنه على النسخ لا ضير فيه، بخلاف
التخصيص.
ومنها: ما يمكن أن يكون من موارد ظهور الثمرة، وهو ما إذا كان الخاص ظنيا والعام قطعيا، وقلنا بعدم جواز نسخ القطعي بالظني،
فإنه يحمل على التخصيص.
658

النسخ (1)،
فاعلم: أن النسخ وان كان رفع الحكم الثابت إثباتا (2)، الا أنه في الحقيقة دفع الحكم ثبوتا (3)، وانما اقتضت الحكمة إظهار دوام الحكم
واستمراره (4) النسخ
659

أو أصل إنشائه وإقراره (1)، مع أنه بحسب الواقع ليس له قرار، أو ليس له دوام واستمرار، وذلك (2) لان النبي صلى الله عليه وآله
الصادع للشرع ربما يلهم أو يوحى إليه أن يظهر الحكم أو استمراره مع اطلاعه على حقيقة الحال، وأنه (3) ينسخ في الاستقبال، أو مع
عدم اطلاعه على ذلك (4)، لعدم (5) إحاطته (6)
660

بتمام ما جرى في علمه تبارك وتعالى، ومن هذا القبيل (1) لعله (2) يكون أمر إبراهيم بذبح إسماعيل.
وحيث عرفت (3) أن النسخ بحسب الحقيقة يكون دفعا وان كان بحسب الظاهر رفعا، فلا بأس به مطلقا ولو كان (4) قبل حضور وقت
العمل، لعدم (5) لزوم البداء المحال في حقه تبارك وتعالى بالمعنى
661

المستلزم لتغير إرادته تعالى مع اتحاد (1) الفعل ذاتا (2) وجهة (3)، ولا [1 [4
لزوم [والا لزم] امتناع النسخ، أو الحكم (5) المنسوخ، فان (6) الفعل

[1] الأولى أن يقال: (وعدم لزوم) لتكون العبارة هكذا (لعدم لزوم البداء المحال. وعدم لزوم امتناع النسخ أو الحكم المنسوخ).
662

ان كان مشتملا على مصلحة موجبة للامر به امتنع النهي عنه (1)، والا (2) امتنع الامر به، وذلك (3) لان الفعل أو دوامه لم يكن متعلقا
لإرادته، فلا يستلزم نسخ أمره بالنهي تغيير (4) إرادته، ولم يكن (5) الامر بالفعل من جهة كونه مشتملا على مصلحة (6)، وانما كان
إنشاء الامر به (7) أو
663

إظهار دوامه (1) عن حكمة ومصلحة (2).
وأما البداء في التكوينيات
بغير ذاك المعنى (3)، فهو [1 [4 مما دل [تدل] عليه الروايات المتواترات كما لا يخفى، ومجمله (5): أن الله تبارك وتعالى إذا تعلقت
مشيته تعالى بإظهار ثبوت ما يمحوه، لحكمة (6)

[1]
لم يبين المعنى الاخر للبداء حتى يصح إرجاع الضمير إليه، وجعله مدلول الروايات المتواترات.
664

داعية إلى إظهاره ألهم (1) أو أوحى إلى نبيه أو وليه أن يخبر به (2)،
مع علمه (3) بأنه يمحوه، أو مع عدم علمه (4) به، لما (5) أشير إليه من
عدم الإحاطة بتمام ما جرى في علمه، وانما يخبر به (6)، لأنه (7) حال الوحي
665

أو الالهام لارتقاء نفسه الزكية، واتصالها بعالم لوح المحو والاثبات اطلع على ثبوته، ولم يطلع على كونه معلقا على أمر غير واقع، أو
عدم الموانع، قال الله تبارك وتعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) الآية.
نعم (1) من شملته العناية الإلهية، واتصلت نفسه الزكية بعالم اللوح المحفوظ الذي هو من أعظم العوالم الربوبية وهو أم الكتاب يكشف [1]
[ينكشف] عنده الواقعيات على ما هي عليها، كما ربما [2]

[1] جزاء (من) وحينئذ لا بد من اقتران (كان) بالواو ليكون معطوفا على (يكشف). وفي بعض النسخ (ينكشف) بدل (يكشف)، و (و
كان) مع الواو. والظاهر أنه هو الصواب، كما أنه ان كانت العبارة هكذا: (وهو أم الكتاب الذي ينكشف عنده الواقعيات. كان عارفا)
كانت صوابا أيضا، فتدبر.
[2] كلمة (ربما) تشعر بحصول تلك الحالة وهي الاتصال باللوح المحفوظ في بعض الأوقات. وفيه بحث، لما قيل: (من أنه صلى الله عليه
وآله وسلم في قوس الصعود متصل بعالم العقل الكلي، ومقامه مقام العقل الأول، وهو فوق عالم النفس الكلية، وعالم اللوح المحفوظ).
وتمام الكلام في محله.
666

يتفق لخاتم الأنبياء، ولبعض (1) الأوصياء كان عارفا بالكائنات كما كانت وتكون (2).
نعم (3) مع ذلك ربما يوحى إليه حكم من الاحكام تارة يكون ظاهرا في الاستمرار والدوام، مع أنه في الواقع له غاية وأمد
667

يعينها بخطاب آخر، وأخرى (1) بما يكون ظاهرا في الجد، مع أنه لا يكون واقعا بجد، بل لمجرد الابتلاء والاختبار. كما أنه (2) يؤمر
وحيا أو إلهاما بالاخبار بوقوع عذاب (3) أو غيره (4) مما لا يقع، لأجل (5) حكمة في هذا الاخبار (6) أو ذاك الاظهار (7)، فبدا له تعالى
[فبداؤه تعالى]
بمعنى أنه يظهر ما أمر نبيه أو وليه بعدم إظهاره أولا، ويبدي ما خفي ثانيا (8)، وانما نسب إليه تعالى البداء مع أنه في
الحقيقة الابداء، لكمال شباهة إبداءه تعالى كذلك (9) بالبداء في غيره. وفيما ذكرنا كفاية فيما
668

هو المهم (1) في باب النسخ، ولا داعي بذكر تمام ما ذكروه في ذاك الباب، كما لا يخفى على أولى الألباب. [1]

[1]
لا بأس بالتعرض إجمالا لمعنى البداء، فنقول: البداء - بالفتح والمد - مصدر للفعل الثلاثي المجرد: (بدا، يبدو) ولهذا الفعل مصادر
أخرى وهي (بدأ، بداوة، بدوا) ومعناه الظهور والبيان، فمعنى (بدا لزيد الشئ الفلاني) ظهر له وبان بعد أن كان مخفيا ومستورا
عنه، ومنه قوله تعالى:
(وبدا لهم سيئات ما كسبوا) أي: ظهر لهم في الآخرة جزاء أعمالهم في الدنيا بعد أن كان مستورا عليهم، وغير ذلك من موارد
استعمال البداء في الظهور، ومنه قولهم: (بدا للفقيه رأي جديد) أي ظهر له رأي كان مجهولا له قبل ذلك.
والحاصل: أن معنى البداء لغة هو الظهور بعد الخفاء، والجهل بالمصالح والمفاسد الموجودة في الفعل والترك. والبداء بهذا المعنى
الموجود في الانسان يستحيل في ذاته المقدسة، لأنه يستلزم حدوث علمه تعالى بشئ بعد جهله به، وهو ممتنع، إذ لا يعزب عن علمه
شئ في السماوات والأرض، ومن هنا قيل:
ان صفحة الأعيان بالنسبة إلى الله تعالى كصفحة الأذهان بالنسبة إلى النفس الناطقة، فكما تكون النفس الناطقة عالمة بجميع الصور
الذهنية، لأنها مخلوقة
669



لها، فكذلك صفحة الأعيان بالنسبة إليه سبحانه وتعالى، لكونها مخلوقة له عز وجل.
فالبداء بالمعنى اللائق بالمقام الربوبي هو إظهار ما أخفاه أولا على العباد من استمرار، أو مخصص، أو مقيد، أو شرط، كما إذا أمر النبي
أو الولي بحكم عام أو مطلق، وبعد مضي زمان يبين مخصصه أو مقيدة، أو أمرهما بالاخبار بوقوع شئ كعذاب أمة مع عدم بيان أن
وقوعه منوط بعدم تحقق أمر كالتوبة أو الصدقة أو غيرهما، فالبداء من الله تعالى بمعنى الاظهار للعباد، لا بمعنى الظهور له تعالى، لما
عرفت من أنه مستلزم للجهل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فاللام في قولنا: (بدا لله كذا) بمعنى (من) يعني ظهر منه تعالى لعباده كذا.
والبداء بهذا المعنى لا يرد عليه شئ من الاشكالات، كلزوم تغير إرادته تعالى، واستلزامه الجهل، وغير ذلك مما ذكر في نسخ الاحكام
الذي هو بداء تشريعي، كما أن البداء في التكوينيات نسخ تكويني، كما عن بعض الحكماء المتألهين قدس سره.
قال شيخ الطائفة المفيد (قده): (قول الإمامية في البداء طريقة السمع دون العقل، وقد جاءت الاخبار به عن أئمة الهدى عليهم السلام، و
الأصل في البداء هو الظهور، قال الله تعالى: وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون، أي ظهر لهم. إلى أن قال: فمعنى قول الإمامية بدا
لله في كذا أي ظهر منه في الامر الفلاني للناس كذا، وليس المراد منه تعقب الرأي، ووضوح أمر كان قد خفي عنه، وجميع أفعال الله
تعالى الظاهرة في خلقه بعد أن لم تكن، فهي
670



معلومة فيما لم يزل. وانما يوصف منها بالبداء ما لم يكن في الاحتساب ظهوره ولا في غالب الظن وقوعه، وأما ما علم كونه وغلب في
الظن حصوله، فلا يستعمل فيه لفظ البداء).
وقال شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي (قده): (البداء في اللغة هو الظهور، ولذلك يقال: بدا سور المدينة أي ظهر، وبدا لنا وجه الامر أي
ظهر، وبدا لهم سيئات ما عملوا، وقد يستعمل ذلك في العلم بالشئ بعد أن لم يكن حاصلا، وكذلك في الظن. وأما إذا أضيفت هذه
اللفظة إلى الله تعالى فمنه ما يجوز إطلاقه عليه، ومنه ما لا يجوز، فأما ما يجوز من ذلك، فهو ما أفاد النسخ بعينه ويكون إطلاق ذلك
عليه بضرب من التوسع. وعلى هذا الوجه يحمل ما ورد عن الصادقين عليهما السلام من الأخبار المستفيضة لإضافة البداء إلى الله تعالى
دون ما لا يجوز عليه من حصول العلم بعد أن لم يكن، ويكون وجه إطلاق ذلك عليه تعالى هو أنه إذا كان ما يدل على النسخ يظهر به
للمكلفين ما لم يكن ظاهرا لهم، ويحصل لهم العلم به بعد أن لم يكن حاصلا، فأطلقت على ذلك لفظة البداء) وقال علم الهدى (قده):
(يمكن أن يحمل البداء على حقيقته بأن يقال:
بدا له تعالى، بمعنى أنه ظهر له من الامر ما لم يكن ظاهرا له وبدا له من النهي ما لم يكن ظاهرا له، لان قبل وجود الأمر والنهي لا
يكونان ظاهرين مدركين، وانما يعلم أنه يأمر أو ينهى في المستقبل. وأما كونه آمرا أو ناهيا، فلا يصح أن يعلمه الا إذا وجد الامر و
النهي).
671



هذه جملة من أقوال الاعلام حول البداء الذي تعتقده الفرقة الحقة الاثنا عشرية كثرهم الله تعالى في البرية، وتشير إلى البداء بالمعنى
الصحيح المذكور جملة من النصوص.
منها: ما ورد في اخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بموت اليهودي بعض أسود في قفاه، وعدم وقوعه بسبب التصدق، فإنه يكشف
عن توقف موته بعض أسود على عدم التصدق، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (بها دفع الله عنه ان الصدقة تدفع ميتة السوء عن
الانسان).
ومنها: ما ورد في قصة ذبح إسماعيل بناء على كون الذبح مأمورا به، لا مقدماته، كما يدل عليه قوله تعالى: (قد صدقت الرؤيا) فيقال: ان
المأمور به وان كان هو الذبح، لكنه كان مشروطا بعدم التفدية، ولكن لم يكن إبراهيم عالما بهذا الشرط.
ومنها: ما ورد عن أئمة الهدى صلوات الله عليهم أجمعين حول البداء في إسماعيل ابن الإمام الصادق، والسيد محمد ابن الإمام علي الهادي
عليهما السلام، قال الإمام الصادق عليه السلام: (ما بدا لله في شئ كما بدا في إسماعيل) وقال الإمام علي الهادي عليه السلام لولده
الإمام الحسن العسكري عليه السلام:
(يا بني أحدث لله شكرا فقد أحدث فيك أمرا)، فان معنى الحديث: أنه ما ظهر
672

ثم لا يخفى ثبوت الثمرة بين التخصيص والنسخ (1)،
ضرورة أنه على التخصيص يبنى على خروج الخاص عن حكم العام رأسا (2)،

من الله عز وجل للناس في شئ مثل ما ظهر منه في إسماعيل، حيث إن الشيعة كانت تعتقد الإمامة فيه، ولكن بعد موت إسماعيل ظهر
لهم خلاف ذلك، فيصدق عليه أنه سبحانه وتعالى أظهر خلاف معتقدهم، ومن المعلوم أن البداء بهذا المعنى لا يستلزم تغيرا ولا تجددا
في ذاته المقدسة.
وهذا الكلام جار في حق الإمام الحسن العسكري عليه السلام أيضا، لان الشيعة كانت تعتقد بإمامة السيد محمد بعد أبيه الإمام الهادي
عليه السلام، وقد ظهر بعد وفاته خلاف ذلك، وأن الإمامة كانت من أول الامر للإمام الحسن العسكري، وأن احداث الشكر من الإمام العسكري
عليه السلام كان لما أعطاه الجليل من نعمة الإمامة التي هي من أعظم المناصب الإلهية، لا أن الإمامة كانت للسيد محمد ثم
صيرها الله تعالى في الإمام العسكري حتى يلزم محذور التجدد والتغير في علمه تعالى شأنه وغير ذلك.
ومنها: ما ورد حول طول العمر وقصره. وكثرة الرزق وقلته. فلاحظ.
673

وعلى النسخ (1) على (2) ارتفاع حكمه عنه من حينه فيما دار الامر بينهما (3) في المخصص. [1]
674

وأما إذا دار بينهما (1) في الخاص والعام، فالخاص على التخصيص غير محكوم بحكم العام أصلا (2)، وعلى النسخ كان [) 3
الخاص] محكوما به (4) من حين صدور دليله (5)،

الخلاف، ولا يجب ذلك بناء على النسخ.
وأما في حقنا، فلا ثمرة، إذ الواجب علينا هو العمل بالخاص سواء كان مخصصا أم ناسخا من دون وجوب قضاء شئ أصلا كما هو
واضح.
675

كما لا يخفى. [1]
المقصد الخامس في المطلق والمقيد والمجمل والمبين
فصل
عرف المطلق بأنه ما دل على شائع في جنسه (1) [2] وقد أشكل

[1]
بقي الكلام في المخصصات المتأخرة عن العمومات الصادرة عن الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين بعد حضور وقت العمل بها،
والظاهر كونها مخصصة لا ناسخة، إذ غاية ما يلزم من المخصصية هو تأخير البيان عن وقت الحاجة، وذلك إذا كان عن مصلحة مقتضية
للتأخير لا قبح فيه أصلا.
فعليه لا تجري أصالة العموم بعد وجود ما يصلح لتقييد موضوع العموم، ضرورة أن من مقدمات الحكمة عدم ما يصلح للبيانية، ومع
وجوده لا مقتضي للعموم كما هو واضح. هذا كله مضافا إلى شيوع التخصيص وقلة النسخ، فتأمل.
[2]
ليس المراد به ما اصطلح عليه المنطقيون والنحويون المعبر عنه عندهم باسم الجنس، أو علمه المخصوص بالكليات الصادقة على
الكثيرين،
676



فان صحة إطلاق المطلق على النوع - كالانسان - والصنف - كالرجل والشخص - كزيد - باعتبار حالاته الطارئة عليه، لصحة أن يقال:
انه مطلق بالنسبة إلى فقره وغناه، وفسقه وعدله، مع انحفاظ الجامع بين تلك الحالات وهو زيد (أقوى) دليل على عدم إرادة الجنس
بالاصطلاحين المزبورين، بل المراد بالجنس هنا هو مطلق ما يكون جامعا بين الحصص التي تصلح الحصة المسماة بالمطلق
677



للانطباق عليها، فزيد العالم مطلق، لانطباقه على زيد الشاب والشيخ والفقير والغني، ومن المعلوم أن زيدا ليس جنسا منطقيا ولا
نحويا.
ثم انه يرد على التعريف المذكور في المتن أمران:
الأول: أن ظاهره كون المطلق والمقيد من صفات اللفظ بحيث يكون له نوعان مطلق ومقيد، كما تنقسم الكلمة إلى أنواع ثلاثة: اسم و
فعل وحرف، وهذا غير سديد، لان الاطلاق والتقييد من صفات المعاني، حيث إن الطبيعة التي جعلت موضوعا للحكم ان كانت تمام
الموضوع له بحيث لم يكن لشئ آخر دخل في موضوعيتها كانت مطلقة، والا كانت مقيدة. ومنه يظهر: أن الاطلاق والتقييد ليسا من
أوصاف ذات المعنى أيضا، بل المعنى بلحاظ موضوعيته للحكم، فان الرقبة ان أخذت بلا قيد موضوعا لوجوب العتق كانت مطلقة، وان
أخذت مع قيد الايمان موضوعا كانت مقيدة. وعليه فاتصاف اللفظ بالاطلاق والتقييد انما يكون بتبع المعنى بلحاظ موضوعيته للحكم
مطلقا من التكليفي والوضعي.
الثاني: أن التعريف المذكور لا يشمل جميع أنواع المطلق، بل ينطبق على خصوص النكرة، لأنها هي التي تدل على شائع في جنسه، ولا
ينطبق على المطلق الشمولي كالعقود في قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) ولا على المطلق المراد في الاعلام الشخصية كوجوب إكرام زيد
الذي له إطلاق أحوالي، وكوجوب الطواف بالبيت، والوقوف بمنى والمشعر، وغير ذلك من الاعلام الشخصية، فان الاطلاق كما يكون
في الطبائع الكلية، كذلك يكون في الاعلام الشخصية، فلعل الأولى في تعريف المطلق أن يقال: (انه عبارة عن المعنى الذي جعل
678

عليه بعض الاعلام بعدم الاطراد (1) و
[أو]
الانعكاس (2)، وأطال (3) الكلام في النقض والابرام، وقد نبهنا في غير مقام (4) على أن مثله
شرح الاسم [1] 5 وهو مما يجوز أن لا يكون بمطرد ولا بمنعكس، فالأولى الاعراض عن ذلك (6)
ببيان ما وضع له بعض الألفاظ التي يطلق عليها المطلق

موضوعا للحكم الشرعي بلا قيد سواء كان ذلك المعنى كليا أم جزئيا) حيث إن الاطلاق ليس الا عدم القيد، وهو المراد بالارسال الذي
يكون معنى الاطلاق لغة، فالظاهر أنه ليس للأصوليين في معنى المطلق اصطلاح جديد.
[1]
لا يخفى أن نفس الاشكالات الطردية والعكسية تشهد بعدم كون التعريف عندهم لفظيا.
679

أو من غيرها (1) مما يناسب المقام.
فمنها: اسم الجنس،
كإنسان ورجل وفرس وحيوان وسواد وبياض (2) إلى غير ذلك من أسماء الكليات من الجواهر (3) والاعراض (4) بل العرضيات (5)
[1]

[1]
المراد من الاعراض عند أهل المعقول هو المبادئ سواء أ كانت متأصلة كالسواد والبياض، أم اعتبارية كالملكية والزوجية، والمراد
بالعرضيات عندهم هو المشتق من تلك المبادئ كالأبيض والمالك. لكن المصنف خالف هذا الاصطلاح في غير مقام، وأراد بالاعراض
خصوص المتأصل منها كالسواد، وبالعرضيات الاعتباري منها كالملكية، فلا تغفل.
680

ولا ريب (1)
681

أنها موضوعة لمفاهيمها بما هي مبهمة [1]

[1]
اختلفوا في أن اللا بشرط المقسمي هل هو الماهية المبهمة كما هو المعروف بينهم؟ أم غيرها كما ذهب إليه بعض المدققين، حيث قال
في حاشيته على المتن - بعد بيان اعتبارات الماهية - ما لفظه: (وأيضا اللا بشرط المقسمي على التحقيق ليس هو المعبر عنه في
التعبيرات بالماهية من حيث هي، إذ الماهية من حيث هي هي الماهية الملحوظة بذاتها بلا نظر إلى الخارج عنها، واللا بشرط المقسمي
هي الماهية اللا بشرط من حيث الاعتبارات الثلاثة، لا من حيث كل قيد فضلا عن ذات الماهية التي كان النظر مقصورا عليها بلا نظر إلى
الخارج عن ذاتها، هذا هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه في الماهية واعتباراتها وان اشتبه الامر فيها على غير واحد حتى أهل الفن) انتهى
كلامه رفع مقامه، وتبعه بعض أعاظم تلامذته دامت أيام إفاداته الشريفة.
والحق كما أفاده قدس سره، لشهادة الوجدان بصحة لحاظ الماهية بأنحاء عديدة: أحدها: لحاظها بالنظر إلى ذاتياتها من دون نظر إلى
غيرها، وهي بهذا اللحاظ ليست الا هي، لا يحكم بها ولا عليها، ولا تخرج بهذا اللحاظ عن مرتبة تقررها الماهوي.
682



ثانيها: لحاظها مع أمر خارج عن ذاتها، وبه تخرج عن حد تقررها الماهوي، ويحكم عليها بأحد الاعتبارات الثلاثة، وحينئذ يكون
المقسم لتلك الأقسام الثلاثة هذه الماهية الملحوظة مع الخارج عن ذاتها، لان لحاظ غير الماهية معها اما أن يكون بنحو التقييد، واما أن لا
يكون كذلك. وعلى الأول ان لوحظت الماهية مقيدة بوجوده كانت بشرط شئ، وان لوحظت مقيدة بعدمه كانت بشرط لا، وان لم
يلاحظ قيدا للماهية كانت لا بشرط. وعليه فالمقسم لهذه الاعتبارات الثلاثة هي الماهية الملحوظة مع أمر خارج عن ذاتها، لا الماهية التي
لا يلاحظ معها شئ، ولا تخرج عن الماهية من حيث هي، ولا يصح الحكم بها ولا عليها، لبقائها في وعاء التقرر. بخلاف الماهية مع هذه
الاعتبارات لصحة حملها المتعارف. فلو كان المقسم تلك الماهية التي لا يلاحظ معها شئ وكان الملحوظ نفسها وذاتياتها لم يصح
حملها أصلا الا في الحدود، فلا بد أن يكون المقسم الماهية الملحوظة مع أمر خارج عن ذاتها.
وقد ظهر من هذا البيان: مغايرة الماهية من حيث هي مع اللا بشرط المقسمي، وعدم ترادفهما.
كما ظهر أيضا ما في كلام الحكيم السبزواري (قده). حيث قال: (الكلي الطبيعي هي الماهية أي الماهية التي هي المقسم للمطلقة و
المخلوطة والمجردة) فإنه كيف يمكن أن يكون الكلي الطبيعي الصادق على الافراد الموجودة في الخارج، والمفروض وجودها صادقا
على الماهية بشرط لا التي هي الماهية المجردة عن كل خصوصية، والتي هي من الكليات العقلية، فلو كان الكلي الطبيعي هو اللا بشرط
683

مهملة (1) بلا شرط أصلا ملحوظا (2) معها حتى لحاظ أنها كذلك (3).
وبالجملة: الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى، وصرف

المقسمي لزم أن تكون الماهية بشرط لا من أفراده، لان الكلي الطبيعي ما يتحد مع الافراد الخارجية، وهل يعقل اتحاده مع الماهية
بشرط لا التي ليست هي الا المفهوم؟ مع أن المقسم لا بد أن يتحد مع أقسامه. وهل يعقل اتحاد الطبيعي مع ما لا وجود له؟ بل ليس الا
مجرد المفهوم والمدرك العقلاني. وعليه، فلا بد أن يقال: (ان الكلي الطبيعي هو اللا بشرط القسمي لا المقسمي).
684

المفهوم غير (1) الملحوظ معه شئ أصلا الذي (2) هو المعنى بشرط شئ ولو كان ذلك الشئ (3) هو الارسال (4) والعموم البدلي (5)،
ولا (6) الملحوظ معه عدم (7)
685

لحاظ شئ (1) معه (2) الذي (3) هو الماهية اللا بشرط القسمي، وذلك (4) لوضوح صدقها (5)
686

بما لها من المعنى بلا (1) عناية التجريد عما (2) هو قضية الاشتراط والتقييد فيها، كما لا يخفى. مع (3) بداهة عدم صدق المفهوم بشرط
العموم (4) على فرد من الافراد وان كان (5)
687

يعم كل واحد منها بدلا أو استيعابا. وكذا (1) المفهوم اللا بشرط القسمي، فإنه (2) كلي عقلي [1]
لا موطن له الا الذهن لا يكاد يمكن صدقه
وانطباقه عليها، بداهة (3) أن مناطه الاتحاد بحسب الوجود خارجا فكيف يمكن أن يتحد معها (4) ما لا وجود له الا ذهنا.

[1]
الأولى تبديله بالموجود الذهني، إذ المقيد بالقيد الذهني يمتنع انطباقه على الموجود الخارجي، لمباينة الوجودين المانعة عن الاتحاد
الوجودي الذي هو مناط صحة الحمل وان لم يكن ذلك الموجود الذهني كليا عقليا كما في المقام، فان الكلي العقلي ما يقابل الكلي
المنطقي والطبيعي، وهو تقيد المفهوم بالكلية، ومن المعلوم أن موطن المفهوم المقيد بهذا القيد هو الذهن، وليس كل موجود ذهني
كليا عقليا حتى يكون المعنى الملحوظ معه التجرد - الذي هو أمر ذهني - كليا عقليا. وقد تقدم من المصنف (قده) هذا الاطلاق المسامحي
في المعنى الحرفي أيضا.
688

ومنها (1): علم الجنس
كأسامة، والمشهور بين أهل العربية أنه (2) موضوع للطبيعة لا بما هي هي (3)، بل بما هي متعينة بالتعين الذهني [1]

[1]
لا يقال: انه لا فرق بين علم الجنس واسمه، حيث إن كل لفظ دال على معناه ومشير إليه، وحينئذ لا بد أن يكون المعنى حاضرا في
الذهن، ومتعينا فيه، فالتعين الذهني موجود في كل معنى من دون اختصاصه بعلم الجنس. وعليه فلا فرق من هذه الجهة بين اسم الجنس
وعلمه.
فإنه يقال: ان التعين الذهني على نحوين:
أحدهما: ما يكون من لوازم دلالة كل دال لفظا كان أم غيره على مدلوله
689

ولذا (1) يعامل معه معاملة المعرفة بدون أداة التعريف. لكن التحقيق أنه (2) موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شئ معه أصلا كاسم
الجنس، والتعريف فيه (3) [معه]

بحيث لا ينفك عن المعنى حين الدلالة. والاخر ما يكون من القيود التي اعتبرها الواضع في المعنى بحيث يخرجه عن البساطة إلى
التركب، ويصير المعنى مركبا من الطبيعة وحضورها في الذهن، ومن المعلوم أن هذا التعين بالنحو الثاني من قيود المدلول و
الموضوع له، وهو المعتبر في علم الجنس، والتعين بالنحو الأول من لوازم الدلالة، وهو المعتبر في اسم الجنس. وعليه، فالتعين في اسم
الجنس وغيره مغاير للتعين المعتبر في علم الجنس.
690

لفظي [1] كما هو الحال في التأنيث اللفظي (1)، والا (2)

[1]
قال نجم الأئمة في شرح الكافية: (إذا كان لنا تأنيث لفظي كغرفة وبشرى وصحراء ونسبة لفظية نحو كرسي، فلا بأس أن يكون لنا
تعريف لفظي إما باللام كما ذكرنا قبل، وإما بالعلمية كما في أسامة).
وفيه: أن العلمية كافية في الفرق بين اسم الجنس وعلمه، إذ التعريف ولو كان لفظيا لا بد أن يكون لخصوصية مفقودة في اسم الجنس،
والا لزم أن يكون تعريف علم الجنس بلا علة، وهو كما ترى، فلا بد من الالتزام بالفرق المعنوي بين اسم الجنس وعلمه، وهو التعين
الذهني المعتبر فيه، دون اسم الجنس، وقد صرح نجم الأئمة في عبارته المتقدمة بأن التعريف قد يكون بالعملية التي لا بد أن تكون في
علم الجنس بالتعين.
لكن الانصاف أن تعريف علم الجنس لفظيا لا يدل على كون المائز هو التعين الذهني فيه، فتدبر.
691

لما صح حمله على الافراد بلا تصرف وتأويل [1 [1
لأنه (2) على المشهور كلي عقلي، وقد عرفت (3) أنه لا يكاد يصح صدقه عليها (4)

[1]
يمكن أن يقال: ان ما أفاده المصنف (قده) من عدم صحة الحمل على الافراد بلا تصرف وتجريد، لان المفهوم بملاحظة وجوده في
الذهن كلي عقلي لا يتحد مع الخارج حتى يصح حمله على الافراد (مبني) على دخل الوجود الذهني ولحاظه اسميا. وأما إذا لوحظ بنحو
المرآتية والمعنى الحرفي فلا حاجة إلى التجريد، لان التعين الذهني في علم الجنس - كأسامة مثلا - حينئذ حاك عن الخارج، وينطبق
عليه بلا مئونة، حيث إنه لم يلاحظ الوجود الذهني معنى اسميا. نظير الصور الذهنية المتصورة مرآتا للخارج في متعلقات الأوامر.
الا أن يقال: ان الحمل على المرآتية خلاف الأصل، لان الأصل في دوران العنوان بين المشيرية والموضوعية هو الثاني.
الا أن يدعي أن الحمل على الافراد بلا عناية التجريد دليل على كون التعين ملحوظا مرآتا للخارج، ومعه لا يجري الأصل المزبور،
فتدبر.
692

[على الافراد]
مع (1) صحة حمله عليها بدون ذلك (2)، كما لا يخفى، ضرورة (3) أن التصرف في المحمول (4) بإرادة نفس المعنى بدون
قيده تعسف لا يكاد يكون بناء القضايا المتعارفة عليه (5).
مع (6)
693

أن وضعه (1) لخصوص معنى يحتاج إلى تجريده عن خصوصيته عند الاستعمال لا يكاد يصدر عن جاهل فضلا عن الواضع الحكيم.
ومنها (2): المفرد المعرف باللام،
والمشهور أنه على أقسام:
المعرف بلام الجنس (3) أو الاستغراق (4) أو العهد بأقسامه (5) على نحو
694

الاشتراك بينها (1) لفظا أو معنى (2). والظاهر (3) أن الخصوصية في كل واحد من الأقسام من قبل خصوص اللام (4)، أو من قبل قرائن
المقام (5)
695

من باب تعدد الدال والمدلول (1)، لا باستعمال المدخول (2) ليلزم فيه المجاز، أو الاشتراك، فكان المدخول على كل حال مستعملا فيما
يستعمل فيه غير المدخول (3)، والمعروف أن اللام تكون موضوعة للتعريف ومفيدة للتعيين في غير العهد الذهني (4). وأنت خبير (5)
بأنه لا تعين
[لا تعيين]
في تعريف الجنس الا الإشارة إلى المعنى المتميز
696

بنفسه من بين المعاني ذهنا، ولازمه (1) أن لا يصح حمل المعرف باللام بما هو معرف (2) على الافراد، لما (3) عرفت من امتناع الاتحاد
مع (4) ما
[مع شئ]
لا موطن له الا الذهن الا (5) بالتجريد، ومعه (6) لا فائدة في التقييد. مع (7) أن التأويل والتصرف في القضايا
المتداولة في العرف
697

غير خال عن التعسف (1)، هذا. مضافا [1 [2 إلى أن الوضع لما لا حاجة إليه، بل لا بد من التجريد [التجرد]
عنه وإلغائه (3) في الاستعمالات المتعارفة المشتملة على حمل المعرف باللام (4) أو الحمل عليه (5) كان لغوا، كما أشرنا إليه (6)،

[1]
قد يقال: ان مرجع هذا الوجه إلى الوجه الثاني، لان مناطهما لغوية الوضع، لعدم ترتب حكمة الوضع - وهي تفهيم المعنى باللفظ
الموضوع له - على وضع اللام للتعيين الذهني بعد لزوم التجريد عنه في مقام الحمل، لكن الظاهر اختلافهما، لتعدد المناط فيهما، إذ
المناط في الوجه الثاني هو بعد التصرف والتأويل عن مذاق العرف، وعدم التفاتهم بذلك. والمناط في هذا الوجه انتفاء حكمة الوضع
الموجب للغوية الوضع.
698

فالظاهر (1) أن اللام مطلقا (2) تكون للتزيين كما في الحسن والحسين عليهما السلام، واستفادة الخصوصيات (3) انما تكون بالقرائن
التي لا بد منها لتعيينها (4) على كل حال ولو (5) قيل بإفادة اللام للإشارة إلى المعنى، ومع الدلالة عليه (6) بتلك الخصوصيات لا حاجة
إلى تلك الإشارة (7)
699

لو لم تكن (1) مخلة، وقد عرفت إخلالها (2)، فتأمل جيدا.
وأما (3) دلالة الجمع المعرف باللام
على العموم مع عدم دلالة المدخول عليه (4)، فلا دلالة (5)
700

فيها [لها] على أنها (1) تكون لأجل دلالة اللام على التعيين، حيث [) 2 انه]
لا تعين الا للمرتبة المستغرقة لجميع الافراد، وذلك (3) لتعين
المرتبة الأخرى (4) وهي أقل مراتب الجمع، كما لا يخفى، فلا بد (5)
701

أن تكون دلالته عليه مستندة إلى وضعه كذلك (1) لذلك، لا إلى دلالة اللام على الإشارة إلى المعين ليكون به التعريف (2). وان أبيت (3)
الا عن استناد الدلالة عليه إليه، فلا محيص عن دلالته (4) على الاستغراق بلا توسيط الدلالة على التعيين [1] فلا (5) يكون بسببه تعريف الا لفظا،

[1] المستفاد من هذين الجوابين - وهو تسليم دلالة الجمع المحلى
702

فتأمل جيدا.
ومنها (1): النكرة
مثل (رجل (2) في (وجاء رجل من أقصى المدينة) أو في (جئني برجل (3)، ولا إشكال أن المفهوم منها في الأول (4) ولو بنحو تعدد
الدال والمدلول هو الفرد المعين في الواقع المجهول

على العموم اما بالمجموع واما بنفس اللام - ينافي ما تقدم عنه في العام والخاص في الفصل المعقود لبيان صيغ العموم من منع دلالة
المحلى باللام على العموم، حيث قال: (ولكن دلالته على العموم وضعا محل منع) إلى أن قال: (وذلك لعدم اقتضائه وضع اللام ولا
مدخوله ولا وضع آخر للمركب منهما).
703

عند المخاطب المحتمل الانطباق على غير واحد من أفراد الرجل كما أنه (1) في الثاني هي الطبيعة المأخوذة مع قيد الوحدة، فيكون (2)
حصة من الرجل ويكون كليا ينطبق على كثيرين، لا فردا مرددا
704

بين الافراد.
وبالجملة: النكرة - أي ما (1) بالحمل الشائع يكون نكرة عندهم - اما هو فرد معين في الواقع غير معين للمخاطب، أو حصة كلية [1]

[1] الحق أن للنكرة معنى واحدا لا معنيين، وهما: الفرد المعين واقعا غير معين للمخاطب، والحصة المقيدة بالوحدة، وذلك لبعد
الاشتراك وقلته، وكونه خلاف الأصل، لاحتياجه إلى تعدد الوضع. والمراد بذلك المعنى الواحد هو الحصة المقيدة بالوحدة المفهومية،
بأن يقال: ان النكرة - وهي اسم الجنس المنون بتنوين التنكير - وضعت للحصة المزبورة، فالدال على نفس الطبيعة هو اسم الجنس ك
(رجل وعلى الوحدة هو التنوين، ففي جميع الموارد يكون معنى النكرة واحدا وهو الطبيعة المقيدة بالوحدة المفهومية القابلة للانطباق
على كثيرين.
نعم قد تخرج النكرة عن قابلية الانطباق على كثيرين بقرينة خارجية تقوم على التعين، كالاخبار عن مجئ رجل فان الاخبار قرينة على
تعين الرجل عند المتكلم، كما أن الانشاء في قوله: (أكرم أي رجل جاءك) قرينة على التعين عند المخاطب، والتعين المدلول عليه بدال
آخر غير اسم النكرة - التي هي اسم الجنس المنون - لا يقدح في مفهوم النكرة، كما لا يقدح تقييد المطلق بمعنى الاطلاق كتقييد الرقبة
بالايمان، ولذا لا يكون التقييد موجبا للمجازية كما حقق في محله.
705

لا الفرد المردد بين الافراد، وذلك (1) لبداهة كون لفظ (رجل في (جئني برجل نكرة، مع أنه (2) يصدق على كل من يجي
[جي] به من الافراد، ولا يكاد يكون واحد منها (3) هذا أو غيره، كما هو (4)
706

قضية الفرد المردد لو كان هو المراد منها، ضرورة (1) أن كل واحد هو هو (2)، لا هو أو غيره، فلا بد (3) أن تكون النكرة الواقعة في
متعلق الامر (4) هو الطبيعي المقيد بمثل مفهوم الوحدة، فيكون كليا قابلا للانطباق، فتأمل جيدا.
إذا عرفت ذلك (5) فالظاهر صحة إطلاق المطلق عندهم حقيقة على اسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني (6)،
707

كما يصح لغة (1)، وغير بعيد (2) أن يكون جريهم في هذا الاطلاق (3) على وفق اللغة (4) من دون أن يكون لهم فيه اصطلاح (5)
708

على خلافها، كما لا يخفى. نعم (1) لو صح ما نسب إلى المشهور من كون المطلق عندهم موضوعا لما قيد بالارسال والشمول البدلي لما
كان ما أريد منه الجنس أو الحصة [1 [2 عندهم بمطلق [مطلقا] الا أن الكلام في صدق النسبة (3)،

[1] لم يظهر وجه لعدم صدق المطلق المشهوري الأصولي على النكرة بمعنى الطبيعة المقيدة بالوحدة المفهومية المعبر عنها بالحصة مع
وجود الشمول البدلي فيها، فتدبر.
709

ولا يخفى أن المطلق بهذا المعنى (1) لطروء التقييد
[لطروء القيد]
غير قابل، فان (2) ما له من الخصوصية (3) ينافيه، ويعانده (4)، بل و
هذا بخلافه بالمعنيين (5)، فان كلا منهما له قابل، لعدم (6) انثلامهما بسببه أصلا، كما لا يخفى.
710

وعليه (1) لا يستلزم التقييد تجوزا في المطلق، لامكان (2) إرادة معنى لفظه (3) منه، وإرادة (4) قيده من قرينة حال أو مقال، وانما
استلزمه (5) لو كان [المطلق] بذاك المعنى (6).
711

نعم (1) لو أريد من لفظه المعنى المقيد كان مجازا مطلقا كان (2) التقييد بمتصل أو منفصل [أو بمنفصل.]
فصل
قد ظهر (3) لك أنه لا دلالة لمثل (رجل الا على الماهية المبهمة
712

وضعا (1) وأن (2) الشياع والسريان كسائر الطوارئ (3) يكون خارجا عما وضع له (4)، فلا بد في الدلالة عليه (5) من قرينة حال أو
مقال (6) أو حكمة (7)
وهي تتوقف على مقدمات:
إحداها (8): كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد (9)، لا الاهمال
713

أو الاجمال (1).
ثانيتها (2): انتفاء ما يوجب التعيين.
714

ثالثتها (1)
715

انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب
[1]
ولو (1) كان المتيقن بملاحظة الخارج عن ذلك المقام (2)

[1]
الظاهر كون هاتين المقدمتين - اللتين مرجعهما إلى عدم قرينة معينة للمراد سواء كانت لفظا أم تيقنا عند التخاطب - محققين
للموضوع لا كونهما من شرائط الاطلاق الثابت، وذلك لان قوام الاطلاق بعدم البيان، إذ معه لا معنى للاطلاق. وان شئت فقل: ان الاطلاق
مورده الشك، ومع القرينة المعينة للمراد لا شك حتى تجري فيه الاطلاق، فشرطية هاتين المقدمتين على حذو شرطية شرائط تنجيز
العلم الاجمالي، حيث إنها محققة لموضوع التنجيز وهو العلم بالتكليف الفعلي.
ثم انه مع الغض عن ذلك، وتسليم شرطيتهما للاطلاق، لا وجه لعد كل منهما شرطا، بل مرجعهما إلى شرط واحد وهو عدم القرينة على
المراد، غاية الامر أن القرينة تارة تكون لفظا، وأخرى حالا، وثالثة تيقنا ناشئا من التخاطب كما أشرنا إليه، فتدبر.
716

في البين (1)، فإنه (2) غير مؤثر في رفع الاخلال بالغرض لو كان بصدد البيان (3) كما هو (4)
717

الفرض، فإنه (1) فيما تحققت لو لم يرد [المتكلم] الشياع لأخل بغرضه،
حيث (2) انه لم يبينه مع أنه بصدده (3)، وبدونها (4) لا يكاد يكون هناك
718

إخلال به، حيث (1) لم يكن (2) مع انتفاء الأولى (3) الا في مقام الاهمال أو الاجمال، ومع انتفاء الثانية (4) كان البيان بالقرينة، ومع
انتفاء الثالثة (5) لا إخلال بالغرض لو كان المتيقن تمام مراده، فان الفرض أنه بصدد بيان تمامه (6)،
719

وقد بينه، لا بصدد بيان أنه (1) تمامه كي أخل ببيانه (2)
720

فافهم. (×)
ثم لا يخفى عليك (1) أن المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده مجرد (2)

(×) إشارة إلى أنه لو كان بصدد بيان أنه تمامه ما أخل ببيانه بعد عدم نصب قرينة على إرادة تمام الافراد، فإنه بملاحظته يفهم أن
المتيقن تمام المراد، والا كان عليه نصب القرينة على إرادة تمامها، والا قد أخل بغرضه. نعم لا يفهم ذلك إذا لم يكن الا بصدد بيان أن
المتيقن مراد، ولم يكن بصدد بيان أن غيره مرادا وليس بمراد قبالا للاجمال أو الاهمال المطلقين، فافهم، فإنه لا يخلو عن دقة.
721

بيان ذلك (1)، وإظهاره وافهامه ولو (2) لم يكن عن جد، بل قاعدة وقانونا (3) لتكون حجة فيما لم تكن حجة أقوى على خلافه (4)، لا
البيان (5) في قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة، فلا (6) يكون
722

الظفر بالمقيد ولو كان مخالفا [1] كاشفا [) 1 لو كان كاشفا] عن عدم كون المتكلم في مقام البيان (2)،

[1] هذا هو الموجود في نسختنا، والظاهر أنه مستدرك، حيث إن مورد الكلام هو القيد المخالف للاطلاق، لأنه القادح في البيان، ولذا
فسر بالبيان القانوني، فلا وجه لجعل القيد المخالف فردا خفيا بكلمة (ولو) فالمناسب أن تكون العبارة هكذا (فلا يكون الظفر بالمقيد
كاشفا).
وفي بعض النسخ كحاشية العلامة الرشتي (قده): (فلا يكون الظفر بالمقيد لو كان كاشفا) وهو أولى من سابقه، لسلامته من ذلك
الاشكال، لكن قوله:
(لو كان) أيضا مستدرك، لان كلمة (الظفر) تدل على وجدان المقيد - بالكسر - يعني: فلا يكون وجدان دليل التقييد كاشفا. وعليه
يكون المعنى مع وجود (لو كان) هكذا: (فلا يكون وجدان القيد لو وجد كاشفا) وهو كما ترى، إذ لا معنى لوجدان القيد لو وجد.
ثم إن كلمة (كان) - على تقدير وجودها - تامة، والعبارة على كلتا النسختين لا تخلو من الاضطراب، فتأمل فيها.
723

ولذا (1) لا ينثلم به إطلاقه، وصحة (2) التمسك به أصلا، فتأمل جيدا.
وقد انقدح بما ذكرنا (3) أن النكرة في دلالتها على الشياع والسريان أيضا (4) تحتاج فيما لا يكون هناك دلالة حال أو مقال إلى (5)
مقدمات الحكمة، فلا تغفل.
724

بقي [هنا] شئ (1)، وهو: أنه لا يبعد أن يكون الأصل فيما إذا
شك في كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد هو كونه بصدد بيانه (2)
وذلك (3) لما جرت عليه سيرة أهل المحاورات [1] من التمسك

[1] قال في التقريرات: (وهل هناك أصل يرجع إليه عند الشك في ورود المطلق في مقام البيان، قد يقال: إذ أغلب موارد استعمال
المطلقات انما هو ذلك، فعند الشك تحمل عليه، وليس بذلك البعيد، فتأمل). وظهور هذه العبارة في
725



عدم تسلم السيرة المزبورة مما لا ينكر.
نعم المتيقن من بناء العقلا على كون المتكلم في مقام بيان تمام مراده هو ما إذا جرت عادة المتكلم على الركون إلى القرائن المتصلة
بحيث يبين تمام مرامه في مجلس واحد، ولا يعتمد في بيان مراده على القرائن المنفصلة، فحينئذ إذا احتملنا عدم كون المطلق تمام
الموضوع للحكم - كالرقبة - وأن الطبيعة جز الموضوع، فلا بأس بالتمسك بالأصل العقلائي المزبور، والبناء على أن المطلق تمام
مراده.
وأما إذا جرى دأب المتكلم على الاعتماد على القرائن المنفصلة لمصالح توجب ذلك، فبناء العقلا على جريان الأصل المذكور حينئذ غير
ثابت والشك فيه يوجب التوقف عن إجرائه، بل لا بد في الاخذ بالاطلاق من الوثوق والاطمئنان بكون المتكلم في مقام بيان تمام مراده
بهذا الكلام.
ثم إن الظاهر أن منشأ سيرة أبناء المحاورة التي أشار إليها في المتن هو التحفظ على حكمة الوضع وفائدته، وهي الحكاية عن المعنى
الموضوع له للتفهيم والتفهم، حيث إن المتكلم العاقل لا يصدر عنه التكلم الذي هو فعل اختياري له الا بداعي غايته الطبيعية وهي تفهيم
المعاني بالألفاظ الموضوعة لها، بحيث يكون إلقاء الكلام بدون إرادة معناه إهمالا لتلك الفائدة من دون قرينة على هذا الاهمال، فكونه
مريدا لمعنى الكلام الذي جعل قالبا له مما يحكم به العقلا، ويحتجون عليه بظاهر كلامه، ولذا لو ادعى إرادة خلافه لا تسمع دعواه. و
هذا أصل عقلائي جرت عليه سيرتهم قديما وحديثا، فهذا الأصل من
726

بالاطلاقات فيما إذا لم يكن هناك ما يوجب صرف وجهها (1) إلى جهة خاصة، ولذا [) 2
ولذلك] ترى أن المشهور لا يزالون يتمسكون بها (3) مع عدم إحراز كون مطلقها (4) بصدد البيان، وبعد (5) كونه لأجل ذهابهم

الامارات العقلائية التي تكون مثبتاتها حجة، وليس من الأصول العملية التي لم تثبت حجية مثبتاتها.
وبالجملة: فهذه الطريقة العقلائية أوجبت حمل الألفاظ على معانيها الحقيقية عند عدم القرينة على إرادة خلافها، إذ الحمل على ذلك
بدون القرينة إهمال لتلك الطريقة العقلائية والفائدة الوضعية بلا مسوغ.
727

إلى أنها (1) موضوعة للشياع والسريان، وان كان ربما نسب ذلك (2) إليهم، ولعل وجه النسبة ملاحظة أنه لا وجه للتمسك بها بدون
الاحراز (3) والغفلة (4) عن وجهه (5)، فتأمل جيدا (6).
728

ثم انه قد انقدح بما عرفت - من توقف حمل المطلق على الاطلاق فيما لم يكن هناك قرينة حالية أو مقالية على قرينة الحكمة المتوقفة
على المقدمات المذكورة (1) - أنه (2)
729

لا إطلاق له فيما كان له (1) الانصراف إلى خصوص بعض الافراد أو الأصناف، لظهوره (2) فيه، أو كونه (3) متيقنا منه ولو (4)
731

لم يكن ظاهرا فيه (1) بخصوصه حسب اختلاف مراتب الانصراف.
كما أنه [أن] منها (2) ما لا يوجب ذا ولا ذاك (3)، بل يكون بدويا زائلا بالتأمل. كما أنه
[أن] منها (4) ما يوجب الاشتراك أو النقل.
732

لا يقال: كيف يكون ذلك (1)؟ وقد (2) تقدم أن التقييد لا يوجب التجوز في المطلق أصلا.
فإنه يقال (3):
733

مضافا إلى أنه [1]
انما قيل (1) لعدم استلزامه له، لا عدم إمكانه، فان استعمال المطلق في المقيد (2)

[1] الضمير للشأن، ويحتمل أن يرجع إلى ما يستفاد من العبارة من:
عدم إيجاب التقييد التجوز، والأنسب على التقديرين ذكر (به) بعد قوله:
(قيل).
734

بمكان من الامكان - أن (1) كثرة إرادة المقيد لدى إطلاق المطلق ولو بدال آخر ربما تبلغ بمثابة توجب له (2)
735

مزية أنس
[مزيد أنس]
كما في المجاز المشهور، أو تعينا (1) واختصاصا به، كما في المنقول بالغلبة، فافهم (2).
تنبيه (3)
وهو: أنه يمكن أن يكون للمطلق جهات عديدة كان واردا
736

في مقام البيان من جهة منها (1)، وفي
[وواردا في مقام]
الاهمال أو الاجمال من أخرى (2)، فلا بد في حمله على الاطلاق بالنسبة إلى جهة
من كونه بصدد البيان من تلك الجهة، ولا يكفي كونه بصدده (3) من
737

جهة أخرى (1) الا إذا كان بينهما (2) ملازمة عقلا (3)، أو شرعا (4)، أو عادة (5) كما لا يخفى.
738

فصل
إذا ورد مطلق ومقيد متنافيين (1)، فاما يكونان [أن يكونا] مختلفين في الاثبات والنفي، واما يكونان
[أن يكونا] متوافقين. فان كانا مختلفين مثل (أعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة) فلا إشكال في التقييد (2).
وان كانا متوافقين (3)،
739

فالمشهور فيهما الحمل والتقييد (1)، وقد استدل بأنه (2) جمع بين الدليلين [1]

[1]
بل طرح لدليل المطلق، لان نتيجة هذا الجمع - وهي تركب الموضوع من جزين أحدهما المطلق والاخر القيد - مما يدل عليه دليل
المقيد مع الغض عن دليل المطلق، فان تركب موضوع وجوب العتق من الرقبة والايمان هو مدلول المقيد، بحيث لو لم يكن دليل المطلق
لكان دليل المقيد كافيا في إثبات هذا الموضوع المركب، فلا بد أن يراد بالجمع الجمع بينهما في الثبوت لا الاثبات، بأن يقال: ان المطلق
لم يرد في مقام بيان المراد الواقعي الجدي، بل كان مرادا صوريا اقتضت المصلحة إبرازه وإخفاء القيد وتأخير بيانه إلى زمان يقتضي
الصلاح إظهاره فيه كالعمومات الواردة عليها التخصيصات بعد مضي زمان، فإنها تكشف عن عدم تعلق إرادة المولى جدا بتلك
العمومات، بل كانت إرادتها صورية. والا فالجمع في مقام الاثبات بمعنى حفظ أصالة الظهور في كلا الدليلين ممتنع، بل لا بد من
التصرف في أحد الأصلين، هذا في المقيدات المنفصلة.
وأما المقيدات المتصلة، فلا ينعقد لمطلقاتها ظهور في الاطلاق، لوضوح توقف الاطلاق على مقدمات الحكمة التي منها عدم القرينة، وما
يصلح للقرينية، وفي صورة اتصال المقيد تنتفي هذه المقدمة.
740

وهو (1) أولى.
وقد أورد عليه (2) بإمكان الجمع على وجه آخر (3)، مثل حمل الامر في المقيد على الاستحباب.
وأورد عليه (4) بأن (5) التقييد ليس تصرفا في معنى اللفظ، وانما
741

هو تصرف في وجه (1) من وجوه المعنى (2) اقتضاه تجرده (3) عن القيد
742

مع تخيل وروده (1) في مقام بيان تمام المراد، وبعد الاطلاع على ما يصلح للتقييد نعلم وجوده (2) على وجه الاجمال، فلا إطلاق فيه (3)
حتى يستلزم تصرفا، فلا يعارض ذلك (4) بالتصرف في المقيد بحمل أمره على الاستحباب.
وأنت خبير (5)
743

بأن التقييد أيضا (1) يكون تصرفا في المطلق، لما [1]

[1]
الظاهر أن العبارة لا تخلو عن الاضطراب وسوء التأدية، لان قوله:
(لما) ظاهر في كونه علة لكون التقييد تصرفا في المطلق، ولا يلائمه، لعدم المناسبة بين التعليل والمعلل، فان المعلل وهو لزوم
التصرف أمر وجودي، فلا بد أن يعلل بما يناسبه، وهو أن هذا التصرف خلاف ظاهر المطلق، حيث إن ظاهره كونه مرادا جديا للمتكلم،
فلا وجه لجعل قوله: (لما) علة لعدم التصرف في وجه المعنى وهو الاطلاق كما ادعاه المورد، فلو كانت العبارة هكذا (بأن التقييد أيضا
يكون تصرفا في المطلق، لان قضية التقييد عدم كون المطلق
744

عرفت من أن الظفر بالمقيد لا يكون كاشفا عن عدم ورود المطلق في مقام البيان (1)، بل (2) عن عدم كون الاطلاق الذي هو ظاهره
بمعونة (3) الحكمة بمراد جدي، غاية الامر أن التصرف فيه بذلك لا يوجب التجوز فيه (4). مع (5) أن حمل الامر في المقيد على
الاستحباب لا يوجب

مرادا جديا للمتكلم، وهو خلاف الظاهر) كانت صوابا.
وأما التصرف في الاطلاق بأن يكون التقييد كاشفا عن عدم ورود المطلق في مقام البيان كما ادعاه المورد، ففيه: أن البيان الذي هو
أعم من الواقعي والظاهري القانوني موجود، فلا يكون التقييد حينئذ كاشفا عن عدم ورود المتكلم في مقام البيان حتى يكون التقييد
تصرفا في الاطلاق الذي هو وجه من وجوه المعنى.
745

تجوزا فيه، فإنه (1) في الحقيقة مستعمل في الايجاب، فان (2) المقيد إذا كان فيه ملاك الاستحباب كان من أفضل أفراد الواجب، لا
مستحبا فعلا (3)، ضرورة (4) أن ملاكه لا يقتضي استحبابه إذا اجتمع مع ما يقتضي
746

وجوبه (1).
نعم (2) فيما إذا كان إحراز كون المطلق (3) في مقام البيان بالأصل كان (4) من التوفيق بينهما حمله (5) على أنه سيق في مقام الاهمال
على خلاف مقتضى الأصل (6)،
747

فافهم (1).
ولعل (2) وجه التقييد كون ظهور إطلاق الصيغة (3) في الايجاب
748

التعييني أقوى (1) من ظهور المطلق في الاطلاق. [1]
وربما يشكل (2) بأنه يقتضي التقييد في باب المستحبات، مع أن

[1]
كيف يكون أقوى مع كون كليهما مستندين إلى الاطلاق، فهما في مرتبة واحدة. ويمكن أن يكون وجه التقديم صغروية المقام
لكبرى التعيين والتخيير.
بيانه: أن إطلاق الرقبة مثلا في (أعتق رقبة) لا يقتضي تعين فرد من الافراد، ولذا يجزي في الامتثال عتق أي فرد من أفراد الرقبة.
بخلاف الرقبة المؤمنة في (أعتق رقبة مؤمنة) فإنه يقتضي تعين خصوص المؤمنة، ومع الدوران بين التعيين والتخيير يحكم العقل
بالأول، لحصول يقين الفراغ به دون غيره، فلو لم تثبت أقوائية ظهور المقيد في التعيين كان مقتضى الأصل التعيينية، كما أنها قضية
المقتضي واللا مقتضي، ضرورة تقدم الأول على الثاني، فتأمل جيدا.
749

بناء المشهور على حمل الامر بالمقيد فيها (1) على تأكد الاستحباب.
اللهم الا أن يكون الغالب في هذا الباب (2) هو تفاوت الافراد بحسب مراتب المحبوبية [1]

[1]
ان كان المدار في التقديم أقوائية الظهور فكيف يوجب اختلاف المستحبات في المحبوبية ظهور دليل المقيد في تأكد الاستحباب، و
الغلبة وان كانت موجبة للظن بالتأكد، لكنها لا توجب ظهور اللفظ في ذلك، وهو المدار في تقديم أحد الظاهرين على الاخر. نعم الغلبة
المذكورة وان كانت مقيدة للظن لكن لا دليل على اعتباره، فهذا الوجه لا يصلح لحمل المقيد على تأكد الاستحباب.
750

فتأمل (1).
أو أنه (2) كان بملاحظة التسامح في أدلة المستحبات، وكان عدم
751

رفع اليد عن دليل استحباب المطلق بعد مجئ دليل المقيد، وحمله (1) على تأكد استحبابه من التسامح [1 [2
فيها (×)

(×) ولا يخفى أنه لو كان حمل المطلق على المقيد جمعا عرفيا كان قضيته عدم الاستحباب الا للمقيد، وحينئذ ان كان بلوغ الثواب صادقا
على المطلق كان استحبابه تسامحيا، والا فلا استحباب له وحده، كما لا وجه بناء على هذا الحمل وصدق البلوغ يؤكد الاستحباب في
المقيد، فافهم.
[1] هذا التوجيه لعدم حمل المطلق على المقيد في المستحبات أيضا غير وجيه، لان مرجعه إلى تقوية دلالة دليل المطلق، وتضعيف دلالة
دليل المقيد، وعدم صلاحيتها لتقييد المطلق، وذلك مبني على جابرية أخبار من بلغ لضعف الدلالة، وهذا في غاية الضعف والسقوط، و
أجنبي عن مفاد تلك الأخبار، وقد تعرضنا للاحتمالات المتطرقة فيها وما ينبغي المصير إليه من محتملاتها في محله.
752

ثم إن الظاهر (1) أنه لا يتفاوت فيما ذكرنا (2) بين المثبتين والمنفيين [1]

والأولى في وجه عدم الحمل في المستحبات أن يقال: ان المطلوب في المستحبات متعدد، فأصل الطبيعة مطلوب وتقيدها بالقيد
الكذائي مطلوب آخر، فلا تنافي بين المطلق والمقيد حتى يلزم الحمل.
أو يقال: انه لا سبيل إلى إحراز شرط الحمل وهو وحدة التكليف في المستحبات، مع إمكان الاخذ بظاهر دليلي المطلق والمقيد ان كانا
من باب تعدد المطلوب، وإحراز كونهما من هذا الباب غير لازم، بل احتماله كاف مع مساعدة ظاهر دليليهما على ذلك، فلو أحرز وحدة
التكليف في المستحبات بحيث كان دليلا المطلق والمقيد في مقام بيان حكم واحد كانت كالواجبات في لزوم التقييد.
والفرق بين الوجهين: أن الأول مبني على إحراز تعدد المطلوب، والثاني مبني على احتماله، وكون ظاهر الدليلين دليلا على إثباته.
[1]
لعل وجه عدم التعرض للمختلفين هو عدم الاشكال في الحمل فيهما كما تقدم في صدر هذا الفصل، حيث قال: (فان كانا مختلفين مثل
أعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة، فلا إشكال في التقييد).
753

بعد فرض كونهما (1) متنافيين، كما لا يتفاوتان (2) في استظهار التنافي بينهما من (3) استظهار اتحاد التكليف من (4) وحدة السبب
(5)
754

وغيره [1] من قرينة حال أو مقال حسبما يقتضيه النظر، فليتدبر (1).
تنبيه (2):
لا فرق فيما ذكر من الحمل في المتنافيين (3) بين كونهما (4) في بيان الحكم التكليفي وفي بيان الحكم الوضعي، فإذا ورد مثلا

[1]
الأولى أن تكون العبارة هكذا: (كما لا يتفاوتان في استظهار ما يوجب التنافي بينهما من اتحاد التكليف بين استظهاره من وحدة
السبب وغيرها) وذلك لاقتضاء قوله: (لا يتفاوتان) وجود كلمة (بين) كما لا يخفى. وينبغي تأنيث ضمير (غيره) لرجوعه إلى وحدة، لا
إلى السبب. واستظهار التنافي منوط بإحراز وحدة الحكم، فلا بد من استظهار وحدته أولا، ثم إضافة التنافي إلى الدليلين.
755

أن البيع سبب وأن البيع الكذائي سبب (1) وعلم أن مراده (2) إما البيع على إطلاقه، أو البيع الخاص، فلا بد من التقييد لو كان ظهور
دليله (3) في دخل التقييد
[القيد] أقوى [1]
من ظهور دليل الاطلاق فيه، كما هو (4) ليس ببعيد، ضرورة (5) تعارف ذكر المطلق وإرادة
المقيد - بخلاف

[1]
هذه الأقوائية شرط في التقييد لو لم يكن المقيد قرينة على المراد من المطلق، بل كان معارضا له، وكان تقديم أحدهما على الاخر
بالأظهرية. وأما إذا كان قرينة، فيندرج المطلق والمقيد في كبرى القرينة وذيها، وقد قيل بحكومة القرينة عليه، فلا يلاحظ في تقديمها
على ذيها الأظهرية ولا النسبة، فتقدم عليه ولو كانت أضعف ظهورا منه، وكذا لو كانت أعم منه. لكن حكومة القرينة على ذيها وان
كانت مشهورة - على ما قيل - لا تخلو من إشكال، ولعلنا نتعرض له فيما يأتي. فالحق أن المدار في تقديم المقيد على المطلق هو
الأظهرية، والمقام حقيق بالتأمل.
756

العكس (1) - بإلغاء القيد، وحمله على أنه (2) غالبي، أو على وجه آخر، فإنه (3) على خلاف المتعارف.
تبصرة لا تخلو من تذكرة (4)،
وهي: أن قضية مقدمات الحكمة
757

في المطلقات تختلف حسب
[بحسب]
اختلاف المقامات، فإنها (1) تارة يكون حملها على العموم البدلي، وأخرى على العموم الاستيعابي
(2)، وثالثة (3)
758

على نوع خاص مما (1) ينطبق عليه حسب (2) اقتضاء خصوص المقام [1]

[1] الحق أن يقال: ان نتيجة مقدمات الحكمة في المطلقات ليست الا الارسال أعني به عدم تقيد الطبيعة في مقام موضوعيتها للحكم بشئ
من الحالات والطوارئ، وأن تمام الموضوع له هو نفس الطبيعة، وليست نتيجة المقدمات الشيوع حتى تكون تارة العموم البدلي و
أخرى الاستيعابي، نعم تختلف نتيجة كون حيثية الطبيعة تمام الموضوع باختلاف الأحكام المتعلقة بها، فان نتيجتها في الأوامر هي
العموم البدلي، إذ المطلوب فيها إيجاد الطبيعة، وهو يتحقق بصرف الوجود الصادق على كل فرد من أفرادها بدليا. وفي النواهي هي
العموم الاستغراقي، حيث إن المطلوب فيها الزجر عن إيجاد الطبيعة، وإبقاؤها على العدم، وهو يتوقف على ترك كل فرد من أفرادها،
فقوله: (لا تغتب مؤمنا) بمنزلة (لا تغتب أحدا من المؤمنين) ضرورة أن إطاعة هذا النهي منوطة عقلا بذلك.
759

واختلاف (1)

ومثل النواهي في إفادة العموم الاستغراقي الأحكام الوضعية المتعلقة بالطبائع كقوله تعالى: (أحل الله البيع) إذ لا يناسب الحلية الوضعية
صرف الوجود من البيع مع كونه في مقام إمضاء ما عند العرف من البيوع، فنفس الحكم الوضعي يقتضي عموم متعلقه، والا لم يكن له
أثر، إذ لا معنى لحلية فرد ما من البيع، ولذا يصح - كما اشتهر - إطلاق كل من العام والمطلق على الطبيعة المتعلقة للحكم الوضعي
كالبيع في الآية المباركة.
فالأول باعتبار أن نتيجة الاطلاق فيه شمول الحكم لجميع أفراد الطبيعة.
والثاني باعتبار أن نفس الطبيعة من دون انضمام حيثية أخرى إليها تمام الموضوع للحكم، بل قيل: انه قد اشتهر بينهم أن كل عام مطلق
وكل مطلق عام.
ثم انهم فرقوا بين العام والمطلق تارة بأن المطلق يطلق على طبيعة مستقلة بالموضوعية، بحيث لا يشاركها غيرها في موضوعيتها
للحكم، ويقابله التقييد، والعام يطلق على الطبيعة باعتبار شمول حكمها لجميع أفرادها، ويقابله التخصيص.
وأخرى بأن العام ما لوحظ فيه الكثرة بأن جعلت الطبيعة فيه مرآتا للافراد، والمطلق ما لوحظ فيه نفس الطبيعة من دون لحاظ الكثرة
فيها. وثالثة بأن العام لا يطلق الا على الشمول المستند إلى الوضع من غير فرق بين كونه استيعابيا ومجموعيا وبدليا، والمطلق يقال
علي ما يستند شموله إلى قرينة الحكمة، هذا. ولم يظهر فرق بين الوجهين الأولين، فتأمل جيدا.
760

الآثار والاحكام كما هو الحال في سائر القرائن بلا كلام، فالحكمة (1) في إطلاق صيغة الامر تقتضي أن يكون المراد خصوص الوجوب
التعييني العيني النفسي، فان إرادة غيره تحتاج إلى مزيد بيان (2)، ولا معنى (3)
761

لإرادة الشياع فيه، فلا محيص عن الحمل عليه (1) فيما إذا كان بصدد البيان (2)، كما أنها (3) قد تقتضي العموم الاستيعابي كما في (أحل
الله البيع) إذ إرادة البيع مهملا أو مجملا ينافي ما هو المفروض من كونه بصدد البيان، وإرادة العموم البدلي لا يناسب المقام (4)، ولا
مجال (5)
762

لاحتمال إرادة بيع اختاره المكلف أي بيع كان (1). مع أنها (2) تحتاج إلى نصب دلالة عليها لا يكاد (3) يفهم بدونها من الاطلاق، ولا
يصح قياسه (4)
763

على ما إذا أخذ (1) في متعلق الامر، فان (2) العموم الاستيعابي [في مثل ذلك]
لا يكاد يمكن إرادته، وإرادة غير العموم البدلي (3) وان كانت ممكنة الا أنها (4) منافية للحكمة، وكون (5) المطلق بصدد البيان [1]
[كما لا يخفى.]

[1]
بقي هنا أمور لم يتعرض لها المصنف:
الأول: أنه إذا ورد مقيدان مستوعبان للمطلق، كما إذا قال: (أعتق رقبة
764



مؤمنة، وأعتق رقبة كافرة) ففي تساقطهما، والحكم بالاطلاق، أو التخيير بين المقيدين نظرا إلى العلم بالتقييد، وعدم ترجيح بينهما،
أو التوقف، لتعارض البيان، وجوه أظهرها كونهما بيانا للمطلق كالتصريح بالاطلاق، بأن يقال: أعتق رقبة مطلقا مؤمنة كانت أم كافرة.
نعم إذا كان المطلق مثبتا والمقيدان منفيين كأن يقال:
(أعتق رقبة ولا تعتق رقبة مؤمنة ولا تعتق رقبة كافرة) فالظاهر جريان أحكام التعارض بينها ان لم يكن أحد المقيدين فاقدا لشرائط
الحجية، والا كان واجدها مقيدا للاطلاق، وفاقدها ساقطا عن الاعتبار، لعدم كونه في نفسه - مع الغض عن التعارض - مشمولا لدليل
الحجية، فلا يصلح للتعارض.
وبالجملة: التعارض بين المطلق والمقيدين منوط بحجية كلا المقيدين.
الثاني: أن جميع ما تقدم في العام والخاص من جواز تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد، وتخصيص المنطوق بالمفهوم الموافق و
المخالف، وأحكام تخصيص العام بالمخصص المجمل مفهوما أو مصداقا، وبالمتصل أو المنفصل وغيرها يجري في المطلق والمقيد
حتى استهجان تخصيص الأكثر، إذ المناط - وهو قبح التكلم بعام لم يرد منه الا بعض أفراده بحيث يعد ما بقي فيه من الافراد بالنسبة
إلى ما خرج منه في غاية القلة - موجود في المطلق أيضا، لقبح بيان الاطلاق ثم تقييده بقيود كثيرة يخرجه عرفا عن الاطلاق بحيث يعد
بيانه مع تلك القيود خارجا عن طريقة أبناء المحاورة في محاوراتهم. فعدم إجراء بعض أحكام العام من استهجان تخصيص الأكثر في
تقييد المطلق، وعدم القدح في تقييده بقيود كثيرة غاية الكثرة، وجعل جوازه مما لا كلام فيه - كما
765



في التقريرات - حيث قال: (ولعله مما لا كلام فيه أيضا عندهم) لا يخلو عن الغموض.
الثالث: أن كلا من المفاهيم الافرادية والتركيبية يتصف بالاطلاق والتقييد، ولا يختصان بالمفاهيم الافرادية. والفرق بينهما: أن
الاطلاق في المفاهيم الافرادية يقتضي التوسعة، فان إطلاق لفظ الرقبة مثلا يقتضي سعة دائرة انطباقه، فيشمل المؤمنة والكافرة.
بخلاف إطلاق الجمل التركيبية، فإنه يقتضي التضييق، كما يقال: إطلاق العقد يقتضي السلامة ونقد البلد ونحو ذلك. لكن محل الكلام في
مبحث المطلق والمقيد هو المفاهيم الافرادية دون الجمل التركيبية، إذ ليس لها ضابط كلي يعرف به أحوالها من حيث الاحكام المترتبة
على إطلاقها، ضرورة أن لاطلاق كل جملة حكما يخصه، فاللازم البحث عن إطلاق كل جملة بخصوصها في المورد المناسب له، والبحث
في باب المفاهيم كلها يرجع إلى البحث عن إطلاقها وتقييدها، لما مر هناك من أن الضابط في كون القضية ذات مفهوم رجوع الشرط
أو الوصف أو الغاية إلى الحكم ليكون من تقييد الجملة الطلبية.
الرابع: أن التقابل بين الاطلاق والتقييد هل هو التضاد، أم السلب والايجاب أم العدم والملكة؟ وضابط الأول كون المتقابلين أمرين
وجوديين يمتنع اجتماعهما في محل واحد، فان كانا من الضدين اللذين لا ثالث لهما امتنع ارتفاعهما أيضا كالحركة والسكون، والا
فيرتفعان كالسواد والبياض. وضابط الثاني كون المتقابلين وجود شئ وعدمه المحموليين سواء كان ذلك الشئ جوهرا كوجود زيد
وعدمه، أم عرضا كوجود السواد وعدمه، والمتقابلان في هذا التقابل لا يجتمعان ولا يرتفعان، لاستحالة اجتماع النقيضين و
ارتفاعهما. وضابط الثالث كون العدم
766



في أحد المتقابلين مأخوذا فيه قابلية الاتصاف بالوجود كالعمى، فإنه عدم البصر ممن له قابلية الاتصاف بالبصر لا من كل شئ، ولذا لا
يصح إطلاق الأعمي على الجدار.
إذا عرفت إجمالا أقسام التقابل الثلاثة، فاعلم: أنه لا مجال لتقابل السلب والايجاب هنا، لان هذا التقابل انما يكون بين وجود الماهية و
عدمها المحموليين، فيمتنع اجتماعهما وارتفاعهما، لأنه شأن المتناقضين. وليس الاطلاق والتقييد كذلك، لارتفاعهما عن المحل غير
القابل لهما، كتقييد الخطاب بوجود متعلقه أو عدمه، كأن يقال: (يجب عليك الصلاة المقيدة بالوجود أو العدم) إذ التقييد بالوجود يوجب
تحصيل الحاصل، ولا معنى لطلب إيجاد الصلاة الموجودة.
مضافا إلى أن وجود المتعلق ظرف سقوط الخطاب لا ثبوته.
والتقييد بالعدم مناف للطلب الذي يبعث على الايجاد، ونقض العدم بالوجود.
وكذا امتناع إطلاقه أيضا بالنسبة إلى كل من وجود المتعلق وعدمه، إذ لا يعقل مطلوبية الصلاة مثلا مطلقا سواء أ كانت موجودة أم
معدومة.
وبالجملة: فارتفاع كل من الاطلاق والتقييد في الانقسامات المتأخرة عن الخطاب كاشف عن عدم كون التقابل بينهما السلب و
الايجاب، فيدور الامر بين تقابل التضاد، والعدم والملكة. فان كان الاطلاق عبارة عن الماهية المقيدة بالشيوع والسريان - كما نسب
إلى المشهور - كان التقابل بينهما التضاد، لكون كل من الاطلاق والتقييد أمرا وجوديا.
767



وان كان الاطلاق أمرا عدميا - وهو عدم التقييد بشئ - كان التقابل بينهما العدم والملكة.
وحيث إن الحق كون المطلق نفس الماهية المهملة - كما عليه السلطان وجماعة - فالتقابل بينهما هو العدم والملكة، لا السلب والايجاب،
لما مر من أن ارتفاع المتقابلين في السلب والايجاب يكون محالا، لكونه من ارتفاع النقيضين. بخلاف المتقابلين في العدم والملكة، فان
ارتفاعهما مما لا مانع عنه. ولا التضاد، لأنه يتحقق بين أمرين وجوديين كما عرفت، والاطلاق بناء على ما تقدم من كون المطلق عبارة
عن نفس الماهية المهملة دون المرسلة أمر عدمي، فلا محيص عن كون التقابل بينهما العدم والملكة، والا لا نسد باب البراءة في الأقل و
الأكثر الارتباطيين سواء كان منشأ الشبهة فقد الحجة المعتبرة على الحكم كعدم الدليل على جزئية السورة مثلا، أم الأمور الخارجية
كالشك في كون اللباس مما يؤكل.
وجه انسدادها: أنه - بناء على كون التقابل بينهما التضاد أي كونهما أمرين وجوديين - يلزم من نفي أحدهما ثبوت الاخر عقلا، كما هو
شأن الضدين، فإذا نفينا جزئية السورة مثلا للصلاة لزم منه إطلاق الاجزاء المعلومة، إذ مقتضى الارتباطية جزئية كل جز في نفسه، و
شرطيته لغيره مما سبقه ولحقه من الاجزاء، فإذا ثبت عدم جزئية السورة ثبت إطلاق الاجزاء المعلومة، فلو كان الاطلاق أمرا وجوديا
لزم مثبتية البراءة، لأنها تثبت ضد ما نفته من الجزئية والقيدية، فان نفي الجزئية يلازم إطلاق الاجزاء، وقد ثبت في محله عدم حجية
الأصول
768



المثبتة. هذا في الشبهة الحكمية التي منشؤها فقد الحجة على الحكم.
وكذا إذا كان منشؤها الأمور الخارجية كالشك في كون اللباس مما يؤكل لحمه، فإنه تجري فيها البراءة بلا كلام كجريانها في الشبهة
الحكمية، فلو جرت البراءة في مانعيته ثبت إطلاق الصلاة بالنسبة إلى هذا اللباس، وعدم تقيدها بعدمه، ومن المعلوم كون هذا الأصل
حينئذ مثبتا، فلا يجري، ولازم عدم جريانه وجوب الاحتياط في اللباس المشكوك فيه، وقد ذهب الجل بل الكل في هذه الاعصار إلى
جواز الصلاة فيه.
وبالجملة: ينسد باب البراءة في الأقل والأكثر الارتباطيين مطلقا بناء على كون التقابل بين الاطلاق والتقييد التضاد أو السلب و
الايجاب، لان إثبات أحد الضدين أو النقيضين بنفي الاخر بالأصل منوط بحجية الأصل المثبت.
وهذا بخلاف ما إذا كان التقابل بينهما العدم والملكة، فإنه لا يلزم إشكال الاثبات أصلا، لكون الاطلاق أمرا عدميا، إذ ليس نفي التقييد
الا الاطلاق، فلا يكون الأصل مثبتا أصلا، فتأمل جيدا.
الخامس: أن المطلق المبحوث عنه في المطلق والمقيد - وهو الماهية القابلة للانطباق على كثيرين - لا يصدق على الاعلام الشخصية، و
مع ذلك يتمسكون فيها بالاطلاق، والمراد بالاطلاق هناك انما هو بالنسبة إلى العوارض والطوارئ، وذلك ليس جز المدلول، بل هو
خارج عنه، وانما يثبت الاطلاق بمقدمات الحكمة، كما لا يخفى.
769

فصل في المجمل والمبين
والظاهر (1) أن المراد من المبين في موارد إطلاقه الكلام [1]

[1]
ظاهره: أن المجمل والمبين من أوصاف الكلام، وخروج مجملات المفردات كالغناء والآنية وغيرهما، والخطوط والإشارات عما
يتصف بهما، لعدم كونهما من الكلام، مع أن الظاهر عدم الوجه في التخصيص بالكلام، ولذا عد الفقهاء رضوان الله عليهم أجمعين جملة
من الألفاظ كالغناء والوطن وغيرهما من الألفاظ المجملة، فلا يختص المجمل والمبين بالمعاني التركيبية، بل يجريان في المعاني
الافرادية أيضا.
كما أن الظاهر أنهما ملحوظان بالنسبة إلى العارف بالوضع، لا الجاهل به، فالكلام العربي الذي له معنى ظاهر لا يعد مجملا عند غير
العرب ممن لا يعرف معناه، وكذا لا تكون اصطلاحات أهل المعقول مجملة عند غيرهم ممن لا يعرفها.
فالاجمال عبارة عن عدم صلاحية اللفظ عن حكاية معناه وتعيينه للعالم بالوضع لاشتراكه بين معان عديدة. وليس الاجمال عبارة عن
عدم علم المخاطب بالمعنى لجهله بوضعه. لكن يطلق لفظ المجمل كثيرا على هذا الأخير، ومنه إطلاق المجمل على الغناء ونحوه، فان
المراد به عدم تحصيل مفهومه بحده من أهل اللغة. وعلى كل حال لا يطلق لفظ المجمل الا بعد الفحص والمراجعة.
770

الذي له ظاهر، ويكون بحسب متفاهم العرف قالبا لخصوص معنى، والمجمل بخلافه، فما ليس له ظهور مجمل وان (1) علم بقرينة
خارجية ما أريد منه، كما أن ما له الظهور مبين وان علم بالقرينة الخارجية أنه ما أريد ظهوره (2) وأنه (3) مؤول. ولكل منهما في
الآيات والروايات (4)
771

وان كان أفراد كثيرة (1) لا تكاد تخفى، الا أن لهما (2) أفرادا مشتبهة وقعت محل البحث والكلام للاعلام في أنها (3) من أفراد أيهما،
ك آية السرقة (4)، ومثل (حرمت عليكم أمهاتكم) و (أحلت لكم بهيمة الأنعام) مما (5)
772

أضيف
[التحريم و]
التحليل إلى الأعيان، ومثل (لا صلاة الا بطهور) (1).
ولا يذهب عليك (2) أن إثبات الاجمال أو البيان لا يكاد يكون بالبرهان، لما عرفت (3) من أن ملاكهما أن يكون للكلام ظهور، ويكون
(4) قالبا لمعنى وهو (5) مما يظهر بمراجعة الوجدان، فتأمل (6).
773

ثم لا يخفى أنهما (1) وصفان إضافيان ربما يكون مجملا عند واحد، لعدم معرفته بالوضع (2)، أو لتصادم (3) ظهوره بما حف به لديه
(4)، ومبينا لدى الاخر، لمعرفته، وعدم التصادم بنظره، فلا يهمنا التعرض لموارد الخلاف والكلام، والنقض والابرام في المقام، و
على الله التوكل وبه الاعتصام.
774

هذا آخر ما أردنا إيراده من توضيح الجز الأول من كتاب كفاية الأصول للمحقق الخراساني قدس سره، وأسأله سبحانه وتعالى أن
يجعله خالصا لوجه الكريم، وأن ينفع به إخواننا المحصلين المتقين. وقد وقع الفراغ من تأليفه على يد مؤلفه الأقل محمد جعفر بن محمد
علي الموسوي الجزائري الشوشتري المروج عفا الله عز وجل عن سيئاتهما في جوار الروضة الشريفة العلوية على من حل بها وأولاده
المعصومين أفضل الصلاة والسلام والتحية والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله المعصومين ولعنة الله على أعدائهم أعداء
الله إلى يوم الدين.
775