الكتاب: حقائق الأصول
المؤلف: السيد محسن الحكيم
الجزء: ٢
الوفاة: ١٣٩١
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة: الخامسة
سنة الطبع: ١٤٠٨
المطبعة: الغدير
الناشر: مكتبة بصيرتي - قم
ردمك:
ملاحظات: حقائق الأصول وهي تعليقة على "كفاية" الأستاذ الأعظم المحقق الخراساني

حقائق الأصول
وهي
تعليقة على (كفاية) الأستاذ الأعظم المحقق الخراساني قدس سره
تأليف
المحقق الأوحدي علم الشريعة ومرجع الشيعة
السيد محسن الطباطبائي الحكيم
قدس سره
الجزء الثاني
الطبعة الثانية
منشورات
مكتبة بصيرتي
قم - شارع ارم
1

بسم الله الرحمن الرحيم
سبحانك وبحمدك يا من أشرق على مشارق العقول فأظهر منها آياته من
المعقول والمنقول وأبان منها قواعد الفروع والأصول وأنزل على عبده الكتاب تبيانا
للرد والقبول (ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول وآل الرسول فصل اللهم عليه
وعلى عترته أيمة أرباب العقول لا سيما المخصوص بالأخوة سيف الله المسلول (وبعد)
فالعلم على اختلاف فنونه وتشتت غصونه قد انتهت إلى علم الأصول مدارجه لرشاقة
مسائله وتناهت إليه معارجه لوثاقة دلائله فهو الغاية القصوى والمقصد الأسنى ولولاه
لما قام للفقه عمود ولا اخضر له عود بل كان كشجرة اجتثت من فوق الأرض مالها
من قرار ولا يجتنى منها الثمار فلذا أجرى فيه كل منطيق لسانه وأظهر فيه برهانه إلا
أن من أبدع فيه وأحاط بمعانيه عصابة من أولي الإصابة فقام بالأمر منهم كابر بعد
كابر حتى انتهت النوبة من الغائب إلى الحاضر فنهض به ثلة قليلة بل عدة جليلة - شكر
الله مساعيهم الجميلة فمن تناهى في العلم حده وأدرك من قبله وأتعب من بعده جوهرة
قلادة الفضل والتحقيق وشمس دائرة الفهم والتدقيق خاتم رتبة العلم وختامها وشيخ
أرباب الفضائل وإمامها الفاضل الكامل واللجي الذي لا يدرك له ساحل حجة
الاسلام والمسلمين آية الله في الأرضين سيد الأعاظم وسند الأفاخم والبحر المتلاطم
مولانا الآخوند ملا محمد كاظم الهروي الطوسي الغروي دام ظلاله على رؤوس
المسلمين وجعل مستقبل امره خيرا من ماضيه ورمم بوجوده من الشريعة دوارسها
وعمر بجوده من العلم مدارسها فيا له من فكر ما أشد توقده يكاد يضئ زيته ولو لم تمسسه
نار فابرز صحائف هي منتهى رغبة الراغبين ولطائف هي شرعة الواردين والصادرين
2

وناهيك عنها تلك الصحائف الكاملة وما سبق عليها من الرسالة التي لمهمات مباحث
الألفاظ شاملة كما قد اشتملت هذه على الأهم من الأدلة العقلية فتمت وكلمت بهما
المباحث الأصولية فلقد أجاد من سماها (كفاية) الأصول بل قد حصل منها نهاية
المأمول فاعرف قدرها إن كنت أهلا لذلك ولا تبذلها الا لمن وجدته كذلك والله
الموفق والكفيل وهو حسبي ونعم الوكيل قال أطال الله بقاءه:
المقصد السادس
(في بيان الامارات المعتبرة شرعا أو عقلا)
وقبل الخوض في ذلك لا بأس بصرف الكلام إلى بيان بعض ما للقطع من
الأحكام وإن كان خارجا من مسائل الفن.
3

وكان أشبه بمسائل الكلام لشدة مناسبته مع المقام (فاعلم) أن البالغ الذي وضع عليه
القلم إذا التفت إلى حكم فعلي واقعي أو ظاهري متعلق به أو بمقلديه فاما ان يحصل
له القطع به أولا، وعلى الثاني لا بد من انتهائه إلى ما استقل به العقل من اتباع
الظن - لو حصل له وقد تمت مقدمات الانسداد على تقدير الحكومة - وإلا
فالرجوع إلى الأصول العقلية من البراءة والاشتغال والتخيير على تفصيل يأتي في
4

محله انشاء الله تعالى. وإنما عممنا متعلق القطع لعدم اختصاص أحكامه بما إذا كان
متعلقا بالأحكام الواقعية وخصصنا بالفعلي لاختصاصها بما إذا كان متعلقا به على
ما ستطلع عليه ولذلك عدلنا عما في رسالة شيخنا العلامة - أعلى الله مقامه - من
تثليث الأقسام، وإن أبيت إلا عن ذلك فالأولى أن يقال: إن المكلف إما
أن يحصل له القطع أولا، وعلى الثاني إما أن يقوم عنده طريق معتبر أولا، لئلا
يتداخل الأقسام فيما يذكر لها من الاحكام ومرجعه على الأخير إلى القواعد المقررة
عقلا أو نقلا لغير القاطع ومن يقوم عنده الطريق على تفصيل يأتي في محله إنشاء الله
تعالى حسبما يقتضي دليلها، وكيف كان فبيان أحكام القطع وأقسامه يستدعي رسم
أمور (الامر الأول) لا شبهة في وجوب العمل على وفق القطع عقلا ولزوم الحركة
5

على طبقه جزما وكونه موجبا لتنجز التكليف الفعلي فيما أصاب باستحقاق الذم والعقاب
على مخالفته وعذرا فيما أخطأ قصورا، وتأثيره في ذلك لازم وصريح الوجدان به
شاهد وحاكم فلا حاجة إلى مزيد بيان وإقامة برهان. ولا يخفى أن ذلك لا يكون
بجعل جاعل
6

لعدم جعل تأليفي حقيقة بين الشئ ولوازمه بل عرضا بتبع جعله بسيطا وبذلك انقدح
امتناع المنع عن تأثيره أيضا - مع أنه يلزم منه
7

اجتماع الضدين اعتقادا مطلقا وحقيقة في صورة الإصابة كما لا يخفى. ثم لا يذهب
عليك أن التكليف ما لم يبلغ مرتبة البعث والزجر لم يصر فعليا وما لم يصر فعليا لم
يكد يبلغ مرتبة التنجز واستحقاق العقوبة على المخالفة وإن كان ربما يوجب موافقته
استحقاق المثوبة وذلك لان الحكم ما لم يبلغ تلك المرتبة لم يكن حقيقة بأمر ولا نهي
ولا مخالفته عن عمد بعصيان، بل كان مما سكت الله عنه
8

كما في الخبر فلاحظ وتدبر. نعم في كونه بهذه المرتبة موردا للوظائف المقررة شرعا
للجاهل إشكال لزوم اجتماع الضدين أو المثلين على ما يأتي تفصيله انشاء الله تعالى -
مع ما هو التحقيق في دفعه في التوفيق بين الحكم الواقعي والظاهري فانتظر (الامر
الثاني) قد عرفت أنه لا شبهة في أن القطع يوجب استحقاق العقوبة على المخالفة
والمثوبة على الموافقة في صورة الإصابة فهل يوجب استحقاقها في صورة عدم الإصابة
على التجري بمخالفته واستحقاق المثوبة
9

على الانقياد بموافقته أولا يوجب شيئا؟ الحق أنه يوجبه لشهادة الوجدان بصحة
مؤاخذته وذمه على تجريه وهتك حرمته لمولاه وخروجه عن رسوم عبوديته وكونه
بصدد الطغيان وعزمه على العصيان وصحة مثوبته ومدحه على إقامته بما هو قضية
عبوديته من العزم على موافقته والبناء على اطاعته وان قلنا بأنه لا يستحق مؤاخذة أو مثوبة
ما لم يعزم على المخالفة أو الموافقة
10

بمجرد سوء سريرته أو حسنها وان كان مستحقا للوم أو المدح بما يستتبعانه كسائر
الصفات والاخلاق الذميمة أو الحسنة (وبالجملة): ما دامت فيه صفة كامنة
لا يستحق بها إلا مدحا أو ذما وإنما يستحق الجزاء بالمثوبة أو العقوبة - مضافا إلى
أحدهما - إذا صار بصدد الجري على طبقها والعمل على وفقها وجزم وعزم وذلك
لعدم صحة مؤاخذته بمجرد سوء سريرته من دون ذلك وحسنها معه كما يشهد به مراجعة
الوجدان الحاكم بالاستقلال في مثل باب الإطاعة والعصيان وما يستتبعان من استحقاق
النيران أو الجنان ولكن ذلك مع بقاء الفعل المتجري أو المنقاد به على ما هو عليه
من الحسن أو القبح والوجوب أو الحرمة واقعا بلا حدوث تفاوت فيه بسبب تعلق
القطع بغير ما هو عليه من الحكم والصفة ولا تغير جهة حسنه أو قبحه أصلا
11

ضرورة ان القطع بالحسن أو القبح لا يكون من الوجوه والاعتبارات التي بها يكون
الحسن والقبح عقلا ولا ملاكا للمحبوبية والمبغوضية شرعا ضرورة عدم تغير الفعل
عما هو عليه من المبغوضية والمحبوبية للمولى بسبب قطع العبد بكونه محبوبا أو مبغوضا
له فقتل ابن المولى لا يكاد يخرج عن كونه مبغوضا له ولو اعتقد العبد بأنه عدوه
وكذا قتل عدوه مع القطع بأنه ابنه لا يخرج عن كونه محبوبا أبدا. هذا مع أن
الفعل المتجري به أو المنقاد به - بما هو مقطوع الحرمة أو الوجوب - لا يكون
اختياريا فان القاطع لا يقصده الا بما قطع أنه عليه من عنوانه الواقعي الاستقلالي لا
بعنوانه الطارئ الآلي بل لا يكون غالبا بهذا العنوان مما يلتفت إليه فكيف يكون
من جهات الحسن أو القبح عقلا ومن مناطات الوجوب أو الحرمة شرعا؟ ولا
يكاد يكون صفة موجبة لذلك الا إذا كانت اختيارية (ان قلت): إذا لم يكن
الفعل كذلك فلا وجه لاستحقاق العقوبة على مخالفة القطع وهل كان العقاب عليها
الا عقابا على ما ليس بالاختيار؟ (قلت): العقاب انما يكون على قصد العصيان
والعزم على الطغيان لا على الفعل الصادر بهذا العنوان بلا اختيار (إن قلت):
12

إن القصد والعزم إنما يكون من مبادئ الاختيار وهي ليست باختيارية وإلا لتسلسل
(قلت): مضافا إلى أن الاختيار وإن لم يكن بالاختيار إلا أن بعض مباديه
غالبا يكون وجوده بالاختيار للتمكن من عدمه بالتأمل فيما يترتب على ما عزم عليه
من تبعة العقوبة واللوم والمذمة - يمكن أن يقال: إن حسن المؤاخذة والعقوبة إنما
يكون من تبعة بعده عن سيده بتجريه عليه كما كان من تبعته بالعصيان في صورة
المصادفة فكما انه يوجب البعد عنه كذلك لا غرو في أن يوجب حسن
العقوبة فإنه
16

وإن لم يكن باختياره (1) الا انه بسوء سريرته وخبث باطنه بحسب نقصانه
واقتضاء استعداده ذاتا وامكانا وإذا انتهى الأمر إليه يرتفع الاشكال وينقطع السؤال
ب‍ (لم) فان الذاتيات ضرورية الثبوت للذات وبذلك أيضا ينقطع السؤال عن انه لم
اختار الكافر والعاصي الكفر والعصيان والمطيع والمؤمن الإطاعة والايمان؟ فإنه
يساوق السؤال عن أن الحمار لم يكون ناهقا والإنسان لم يكون ناطقا (وبالجملة):
تفاوت أفراد الانسان في القرب منه جل شأنه وعظمت كبرياؤه والبعد عنه سبب
لاختلافها في استحقاق الجنة ودرجاتها والنار ودركاتها وموجب لتفاوتها في نيل الشفاعة

(1) كيف لا وكانت المعصية الموجبة لاستحقاق العقوبة غير اختيارية
فإنها هي المخالفة العمدية وهي لا تكون بالاختيار ضرورة ان العمد إليها ليس
باختياري وانما تكون نفس المخالفة اختيارية وهي غير موجبة للاستحقاق وانما
الموجبة له هي العمدية منها كما لا يخفى على أولي النهى. (منه قدس سره)
17

وعدمها وتفاوتها في ذلك بالآخرة يكون ذاتيا والذاتي لا يعلل (ان قلت): على
هذا فلا فائدة في بعث الرسل وإنزال الكتب والوعظ والانذار (قلت): ذلك
لينتفع به من حسنت سريرته وطابت طينته لتكمل به نفسه ويخلص مع ربه أنسه (ما كنا لنهتدي
لولا أن هدانا الله) قال الله تبارك وتعالى: (فذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين) وليكون
حجة على من ساءت سريرته وخبثت طينته (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن
بينة كيلا يكون للناس على الله حجة) بل كان له حجة بالغة ولا يخفى أن في الآيات
والروايات شهادة على صحة ما حكم به الوجدان الحاكم على الاطلاق في باب الاستحقاق
للعقوبة والمثوبة ومعه لا حاجة إلى ما استدل على استحقاق المتجرئ للعقاب بما حاصله
أنه لولاه مع استحقاق العاصي له يلزم إناطة استحقاق العقوبة بما هو خارج عن
الاختيار من مصادفة قطعه الخارج عن تحت قدرته واختياره
18

مع بطلانه وفساده إذ للخصم أن يقول بان استحقاق العاصي دونه إنما هو لتحقق
سبب الاستحقاق فيه وهو مخالفته عن عمد واختيار وعدم تحققه فيه لعدم مخالفته
أصلا - ولو بلا اختيار -
19

بل عدم صدور فعل منه في بعض أفراده بالاختيار كما في التجري بارتكاب ما قطع
أنه من مصاديق الحرام كما إذا قطع مثلا بأن مايعا خمر مع أنه لم يكن بالخمر فيحتاج
إلى اثبات أن المخالفة الاعتقادية سبب كالواقعية الاختيارية كما عرفت بما لا مزيد
عليه (ثم) لا يذهب عليك أنه ليس في المعصية الحقيقة إلا منشأ واحد لاستحقاق
العقوبة وهو هتك واحد فلا وجه لاستحقاق عقابين متداخلين - كما توهم - مع
ضرورة أن المعصية الواحدة لا توجب الا عقوبة واحدة: كما لا وجه لتداخلهما على
تقدير استحقاقهما كما لا يخفى، ولا منشأ لتوهمه الا بداهة أنه ليس في معصية
واحدة الا عقوبة واحدة مع الغفلة عن أن وحدة المسبب تكشف بنحو الآن عن
وحدة السبب (الأمر الثالث) أنه قد عرفت أن القطع بالتكليف أخطأ أو
أصاب يوجب عقلا استحقاق المدح والثواب أو الذم والعقاب من دون أن يؤخذ
شرعا في خطاب، وقد يؤخذ في موضوع حكم آخر
20

يخالف متعلقه لا يماثله ولا يضاده كما إذا ورد مثلا في الخطاب انه: إذا قطعت
21

بوجوب شئ يجب عليك التصدق بكذا (تارة) بنحو يكون تمام الموضوع بان
يكون القطع بالوجوب مطلقا ولو أخطأ موجب لذلك (وأخرى) بنحو يكون جزءه
وقيده بان يكون القطع به في خصوص ما أصاب موجبا له، وفي كل منهما يؤخذ
طورا بما هو كاشف وحاك عن متعلقه وآخر بما هو صفة خاصة للقاطع أو المقطوع
به وذلك لأن القطع لما كان من الصفات الحقيقية ذات الإضافة ولذا كان العلم
نورا لنفسه ونورا لغيره صح ان يؤخذ فيه بما هو صفة خاصة وحالة مخصوصة بإلغاء
جهة كشفه أو اعتبار خصوصية أخرى فيه معها كما صح أن يؤخذ بما هو كاشف عن
متعلقه وحاك عنه فيكن أقسامه أربعة - مضافة إلى ما هو طريق محض عقلا غير
مأخوذ في الموضوع شرعا.
22

(ثم) لا ريب في قيام الطرق والامارات المعتبرة بدليل حجيتها واعتبارها مقام هذا
القسم كما لا ريب في عدم قيامها بمجرد ذلك الدليل مقام ما اخذ في الموضوع على نحو
الصفتية من تلك الأقسام بل لا بد من دليل آخر على التنزيل فان قضية الحجية
والاعتبار ترتيب ما للقطع بما هو حجة من الآثار لا له بما هو صفة وموضوع ضرورة
انه كذلك يكون
23

كسائر الموضوعات والصفات. ومنه قد انقدح عدم قيامها بذاك الدليل مقام ما أخذ
في الموضوع على نحو الكشف فان القطع المأخوذ بهذا النحو في الموضوع شرعا
كسائر ماله دخل في الموضوعات أيضا فلا يقوم مقامه شئ بمجرد حجيته أو قيام دليل
على اعتباره ما لم يقم دليل على تنزيله ودخله في الموضوع كدخله (وتوهم) كفاية دليل
24

الاعتبار الدال على إلغاء احتمال خلافه وجعله بمنزلة القطع من جهة كونه موضوعا ومن
جهة كونه طريقا فيقوم مقامه طريقا كان أو موضوعا (فاسد جدا) فان الدليل
الدال على إلغاء الاحتمال لا يكاد يفي الا بأحد التنزيلين حيث لابد في كل تنزيل
منهما من لحاظ المنزل والمنزل عليه ولحاظهما في أحدهما آلي وفي الآخر استقلالي
بداهة أن النظر في حجيته وتنزيله منزلة القطع في طريقيته في الحقيقة إلى الواقع
ومؤدى الطريق وفي كونه بمنزلته في دخله في الموضوع إلى أنفسهما ولا يكاد يمكن
الجمع بينهما. نعم لو كان في البين ما بمفهومه جامع بينهما يمكن أن يكون دليلا على
التنزيلين والمفروض انه ليس فلا يكون دليلا على التنزيل إلا بذاك اللحاظ الآلي
25

فيكون حجة موجبة لتنجز متعلقه وصحة العقوبة على مخالفته في صورتي إصابته وخطئه
بناء على استحقاق المتجري أو بذلك اللحاظ الآخر الاستقلالي فيكون مثله في دخله
في الموضوع وترتيب ماله عليه من الحكم الشرعي (لا يقال): على هذا
لا يكون دليلا على أحد التنزيلين ما لم يكن هناك قرينة في البين (فإنه يقال):
لا إشكال في كونه دليلا على حجيته فان ظهوره في أنه بحسب اللحاظ الآلي مما لا
ريب فيه ولا شبهة تعتريه وإنما يحتاج تنزيله بحسب اللحاظ الآخر الاستقلالي من
نصب دلالة عليه. فتأمل في المقام فإنه دقيق ومزال الاقدام للاعلام. ولا يخفى أنه
26

لولا ذلك لأمكن أن يقوم الطريق بدليل واحد دال على إلغاء احتمال خلافه مقام
القطع بتمام أقسامه ولو فيما أخذ في الموضوع على نحو الصفتية كان تمامه أو قيده وبه
قوامه (فتلخص) بما ذكرنا أن الامارة لا تقوم بدليل اعتبارها الا مقام ما
ليس مأخوذا في الموضوع أصلا (وأما) الأصول فلا معنى لقيامها مقامة بادلتها أيضا
غير الاستصحاب لوضوح أن المراد من قيام المقام ترتيب ماله من الآثار والأحكام
من تنجز التكاليف وغيره كما مرت إليه الإشارة
28

وهي ليست الا وظائف مقررة للجاهل في مقام العمل شرعا أو عقلا (لا يقال):
إن الاحتياط لا بأس بالقول بقيامه مقامه في تنجز التكليف لو كان (فإنه يقال):
اما الاحتياط العقلي فليس الا نفس حكم العقل بتنجز التكليف وصحة العقوبة على
مخالفته لا شئ
30

يقوم مقامه في هذا الحكم وأما النقلي فالزام الشارع به وان كان مما يوجب التنجز
وصحة العقوبة على المخالفة كالقطع الا انه لا نقول به في الشبهة البدوية ولا يكون
بنقلي في المقرونة بالعلم الاجمالي فافهم (ثم) لا يخفى أن دليل الاستصحاب أيضا
لا يفي بقيامه مقام القطع المأخوذ في الموضوع مطلقا وأن مثل: لا تنقض اليقين،
لا بد من أن يكون مسوقا إما
31

بلحاظ المتيقن أو بلحاظ نفس اليقين وما ذكرنا في الحاشية في وجه تصحيح لحاظ
واحد في التنزيل منزلة الواقع والقطع وأن دليل الاعتبار انما يوجب تنزيل المستصحب
والمؤدى منزلة الواقع وانما كان تنزيل القطع فيما له دخل في الموضوع بالملازمة بين
تنزيلهما وتنزيل القطع بالواقع تنزيلا وتعبدا منزلة القطع بالواقع حقيقة لا يخلو من
تكلف بل تعسف فإنه لا يكاد يصح تنزيل
32

جزء الموضوع أو قيده بما هو كذلك بلحاظ أثره إلا فيما كان جزؤه الاخر أو ذاته
محرزا بالوجدان
33

أو تنزيله في عرضه فلا يكاد يكون دليل الامارة أو الاستصحاب دليلا على تنزيل
جزء الموضوع ما لم يكن هناك دليل على تنزيل جزئه الآخر فيما لم يكن محرزا حقيقة
وفيما لم يكن دليلا على تنزيلهما بالمطابقة كما في ما نحن فيه على ما عرفت لم يكن دليل
الامارة دليلا عليه أصلا فان دلالته على تنزيل المؤدى يتوقف على دلالته على تنزيل
القطع بالملازمة ولا دلالة له كذلك الا بعد دلالته على تنزيل المؤدى فان الملازمة إنما
تدعى بين تنزيل القطع به منزلة القطع بالموضوع الحقيقي وتنزيل المؤدى منزلة الواقع كما
لا يخفى فتأمل جيدا فإنه لا يخلو عن دقة (ثم) لا يذهب عليك أن هذا - لو تم - لعم
ولا اختصاص له بما إذا كان القطع مأخوذا على نحو الكشف (الامر الرابع)
لا يكاد يمكن أن يؤخذ القطع بحكم في موضوع نفس هذا الحكم للزوم الدور ولا
34

(مثله) للزوم اجتماع المثلين ولا ضده للزوم اجتماع الضدين. نعم يصح أخذ القطع
بمرتبة من الحكم في مرتبة أخرى منه أو مثله أو ضده (واما) الظن بالحكم فهو
وان كان كالقطع في عدم جواز أخذه في موضوع نفس ذاك الحكم المظنون الا انه
لما كان معه مرتبة الحكم الظاهري محفوظة كان جعل حكم آخر في مورده مثل الحكم
المظنون أو ضده بمكان من الامكان (ان قلت) إن كان الحكم المتعلق به الظن فعليا
35

أيضا بان يكون الظن متعلقا بالحكم الفعلي لا يمكن أخذه في موضوع حكم فعلي
آخر مثله أو ضده لاستلزامه الظن باجتماع الضدين أو المثلين وإنما يصح أخذه في
موضوع حكم آخر كما في القطع طابق النعل بالنعل (قلت): يمكن أن يكون
الحكم فعليا بمعنى أنه لو تعلق به القطع على ما هو عليه من الحال لتنجز واستحق على
مخالفة العقوبة ومع ذلك لا يجب على الحاكم رفع عذر المكلف برفع جهله لو أمكن
أو بجعل لزوم الاحتياط عليه فيما أمكن بل يجوز جعل أصل أو امارة مؤدية إليه تارة
والى ضده أخرى ولا يكاد يمكن مع القطع به جعل حكم آخر مثله أو ضده كما لا يخفى
فافهم (ان قلت): كيف يمكن ذلك؟ وهل هو إلا أنه يكون مستلزما لاجتماع
المثلين أو الضدين؟ (قلت) لا بأس باجتماع الحكم الواقعي الفعلي بذاك المعنى
(أي لو قطع به من باب الاتفاق لتنجز مع حكم آخر فعلي في مورده بمقتضي الأصل
أو الامارة أو دليل أخذ في موضوعه الظن بالحكم بالخصوص به على ما سيأتي من
التحقيق في التوفيق بين الحكم الظاهري والواقعي
36

(الامر الخامس) هل تنجز التكليف بالقطع كما يقتضي موافقته عملا يقتضي
موافقته التزاما والتسليم له اعتقادا وانقيادا كما هو اللازم
37

في الأصول الدينية والأمور الاعتقادية بحيث كان له امتثالان وطاعتان إحداهما بحسب
القلب والجنان والأخرى بحسب العمل بالأركان فيستحق العقوبة على عدم الموافقة
التزاما ولو مع الموافقة عملا أولا يقتضي فلا يستحق العقوبة عليه بل انما يستحقها
على المخالفة العملية؟ الحق هو الثاني لشهادة الوجدان الحاكم في باب الإطاعة والعصيان
بذلك واستقلال العقل بعدم استحقاق العبد الممتثل لامر سيده الا المثوبة دون العقوبة
ولو لم يكن مسلما وملتزما به ومعتقدا ومنقادا له وان كان ذلك يوجب تنقيصه
وانحطاط درجته لدى سيده لعدم اتصافه بما يليق ان يتصف العبد به من الاعتقاد
باحكام مولاه والانقياد لها وهذا غير استحقاق العقوبة على مخالفته لامره أو نبيه
التزاما مع موافقته عملا كما لا يخفى
38

(ثم) لا يذهب عليك أنه على تقدير لزوم الموافقة الالتزامية وكان المكلف
متمكنا منها يجب ولو فيما لا يجب عليه الموافقة القطعية عملا ولا يحرم المخالفة القطعية
عليه كذلك أيضا لامتناعهما كما إذا علم إجمالا بوجوب شئ أو حرمته للتمكن من
الالتزام بما هو الثابت واقعا والانقياد له والاعتقاد به بما هو الواقع والثابت وإن لم
يعلم أنه الوجوب أو الحرمة
39

وان أبيت إلا عن لزوم الالتزام به بخصوص عنوانه لما كانت موافقته القطعية الالتزامية حينئذ
ممكنة ولما وجب عليه الالتزام بواحد قطعا فان محذور الالتزام بضد التكليف عقلا
ليس بأقل من محذور عدم الالتزام به بداهة مع ضرورة أن التكليف لو قيل باقتضائه
للالتزام لم يكد يقتضي الا الالتزام بنفسه عينا لا الالتزام به أو بضده تخييرا.
40

ومن هنا قد انقدح انه لا يكون من - قبل لزوم الالتزام مانع عن اجراء الأصول
الحكمية أو الموضوعية في أطراف العلم لو كانت جارية مع قطع النظر عنه كما لا يدفع بها
محذور عدم الالتزام به، إلا أن يقال: إن استقلال العقل بالمحذور فيه انما يكون
فيما إذا لم يكن هناك ترخيص في الاقدام والاقتحام في الأطراف ومعه لا محذور فيه
بل ولا في الالتزام بحكم آخر، إلا أن الشأن حينئذ في جواز جريان الأصول (1)
في أطراف العلم الاجمالي

(1) والتحقيق جريانها لعدم اعتبار شئ في ذلك عدا قابلية المورد للحكم اثباتا
ونفيا فالأصل الحكمي يثبت له الحكم تارة كأصالة الصحة وينفيه أخرى كاستصحاب
الحرمة والوجوب فيما دار بينهما فتأمل جيدا
(منه قدس سره)
41

مع عدم ترتب أثر عملي عليها مع أنها أحكام عملية كسائر الأحكام الفرعية
42

- مضافا إلى عدم شمول أدلتها لأطرافه للزوم التناقض في مدلولها على تقدير شمولها
كما ادعاه شيخنا العلامة - أعلى الله مقامه - وإن كان محل تأمل ونظر فتدبر
جيدا (الأمر السادس)
43

لا تفاوت في نظر العقل أصلا فيما يترتب على القطع من الآثار عقلا بين أن يكون
حاصلا بنحو متعارف ومن سبب ينبغي حصوله منه أو غير متعارف لا ينبغي حصوله منه
44

- كما هو الحال غالبا في القطاع - ضرورة أن العقل يرى تنجز التكليف بالقطع
الحاصل مما لا ينبغي حصوله وصحة مؤاخذة قاطعه على مخالفته وعدم صحة الاعتذار
عنها بأنه حصل كذلك وعدم صحة المؤاخذة مع القطع بخلافه وعدم حسن الاحتجاج
عليه بذلك ولو مع التفاته إلى كيفية حصوله. نعم ربما يتفاوت الحال في القطع
المأخوذ في الموضوع شرعا والمتبع في عمومه وخصوصه دلالة دليله في كل مورد فربما
يدل على اختصاصه بقسم في مورد وعدم اختصاصه به في آخر على اختلاف الأدلة
واختلاف المقامات بحسب مناسبات الاحكام والموضوعات وغيرها من الامارات،
(وبالجملة): القطع فيما كان موضوعا عقلا لا يكاد يتفاوت من حيث القاطع
ولا من حيث المورد ولا من حيث السبب لا عقلا وهو واضح ولا شرعا لما عرفت
من انه لا تناله يد الجعل نفيا ولا اثباتا وان نسب إلى بعض الأخباريين انه لا اعتبار
بما إذا كان بمقدمات عقلية إلا أن مراجعة كلماتهم لا تساعد على هذه النسبة بل
يشهد بكذبها وأنها إنما تكون إما في مقام منع الملازمة بين حكم العقل بوجوب شئ
وحكم الشرع بوجوبه كما ينادي به بأعلى صوته ما حكي عن السيد الصدر في باب
45

الملازمة فراجع، وإما في مقام عدم جواز الاعتماد على المقدمات العقلية لأنها لا تفيد
الا الظن كما هو صريح الشيخ المحدث الأمين الاسترآبادي - رحمه الله - حيث
قال في جملة ما استدل به في فوائده على انحصار مدرك ما ليس من ضروريات الدين
في السماع عن الصادقين (ع): (الرابع) أن كل مسلك غير ذلك المسلك - يعني
التمسك بكلامهم عليهم الصلاة والسلام - إنما يعتبر من حيث افادته الظن بحكم الله
تعالى وقد أثبتنا سابقا انه لا اعتماد على الظن المتعلق بنفس أحكامه تعالى أو بنفيها
وقال في جملتها أيضا - بعد ذكر ما تفطن بزعمه من الدقيقة ما هذا لفظه: وإذا
عرفت ما مهدناه من الدقيقة الشريفة فنقول: إن تمسكنا بكلامهم - عليهم
السلام فقد عصمنا من الخطأ وإن تمسكنا بغيره لم نعصم عنه، ومن المعلوم أن العصمة
عن الخطأ أمر مطلوب مرغوب فيه شرعا وعقلا ألا ترى أن الامامية استدلوا على
وجوب العصمة بأنه لولا العصمة للزم أمره تعالى عباده باتباع الخطأ وذلك الامر محال
لأنه قبيح، وأنت إذا تأملت في هذا الدليل علمت أن مقتضاه أنه لا يجوز الاعتماد على
الدليل الظني في أحكامه تعالى. انتهى موضع الحاجة من كلامه، وما مهده من الدقيقة
هو الذي نقله شيخنا العلامة - أعلى الله مقامه - في الرسالة وقال في فهرست
فصولها أيضا: الأول في إبطال جواز التمسك بالاستنباطات الظنية في نفس أحكامه
تعالى شأنه وجوب التوقف عند فقد القطع بحكم الله أو بحكم ورد عنهم - عليهم
السلام - انتهى. وأنت ترى أن محل كلامه ومورد نقضه وإبرامه هو العقلي غير
المفيد للقطع وإنما همه إثبات عدم جواز اتباع غير النقل فيما لا قطع. وكيف كان
فلزوم اتباع القطع مطلقا وصحة المؤاخذة على مخالفته عند اصابته وكذا ترتب سائر
آثاره عليه عقلا مما لا يكاد يخفى على عاقل فضلا عن فاضل فلا بد فيما يوهم خلاف
ذلك في الشريعة
46

من المنع عن حصول العلم التفصيلي بالحكم الفعلي (العقلي خ ل) لاجل منع بعض مقدماته
الموجبة له ولو اجمالا فتدبر جيدا (الامر السابع) أنه قد عرفت كون القطع
التفصيلي بالتكليف الفعلي علة تامة لتنجزه لا يكاد تناله يد الجعل اثباتا أو نفيا فهل
القطع الاجمالي كذلك؟ فيه اشكال ربما يقال: ان التكليف
47

حيث لم ينكشف به تمام الانكشاف وكانت مرتبة الحكم الظاهري معه محفوظة جاز
الاذن من الشارع بمخالفته احتمالا بل قطعا وليس محذور مناقضة مع المقطوع اجمالا
إلا محذور مناقضة الحكم الظاهري مع الواقعي في الشبهة غير المحصورة بل الشبهة
البدوية ضرورة عدم تفاوت في المناقضة بين التكليف الواقعي والاذن في الاقتحام
في مخالفته بين الشبهات فما به التفصي عن المحذور فيهما كان به التفصي عنه في القطع به
في الأطراف المحصورة أيضا كما لا يخفى وقد أشرنا إليه سابقا ويأتي انشاء الله مفصلا
50

نعم كان العلم الاجمالي كالتفصيلي في مجرد الاقتضاء لا في العلية (1) التامة فيوجب تنجز
التكليف أيضا لو لم يمنع عنه مانع عقلا كما كان في أطراف كثيرة غير محصورة أو
شرعا كما في ما اذن الشارع في الاقتحام فيها كما هو ظاهر: (كل شئ فيه حلال
وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه) وبالجملة قضية صحة المؤاخذة على
مخالفته مع القطع به بين أطراف محصورة وعدم صحتها مع عدم حصرها أو مع الاذن
في الاقتحام فيها هو كون القطع الاجمالي مقتضيا للتنجز لا علة تامة

(1) لكنه لا يخفى ان التفصي عن المناقضة على ما يأتي لما كان بعدم
المنافاة والمناقضة بين الحكم الواقعي ما لم يصر فعليا والحكم الظاهري الفعلي كان
الحكم الواقعي في موارد الأصول والامارات المؤدية إلى خلافه لا محالة غير فعلي
وحينئذ فلا يجوز العقل مع القطع بالحكم الفعلي الاذن في مخالفته بل يستقل مع قطعه
ببعث المولى أو زجره ولو اجمالا بلزوم موافقته وإطاعته. نعم لو عرض بذلك
عسر موجب لارتفاع فعليته شرعا أو عقلا كما إذا كان مخلا بالنظام فلا تنجز
حينئذ لكنه لاجل عروض الخلل بالمعلوم لا لقصور العلم عن ذلك كما كان الأمر
كذلك فيما إذا اذن الشارع في الاقتحام فإنه أيضا موجب للخلل في المعلوم لا المنع
عن تأثير العم شرعا. وقد انقدح بذلك انه لا مانع عن تأثيره شرعا أيضا فتأمل
جيدا. (منه قدس سره)
51

وأما احتمال انه بنحو الاقتضاء بالنسبة إلى لزوم الموافقة القطعية وبنحو العلية بالنسبة
إلى الموافقة الاحتمالية وترك المخالفة القطعية فضعيف جدا
52

ضرورة أن احتمال ثبوت المتناقضين كالقطع بثبوتهما في الاستحالة فلا يكون عدم
القطع بذلك معهما موجبا لجواز الاذن في الاقتحام بل لو صح معهما الاذن في المخالفة
الاحتمالية صح في القطعية أيضا فافهم ولا يخفى ان المناسب للمقام
54

هو البحث عن ذلك كما أن المناسب في باب البراءة والاشتغال بعد الفراغ هاهنا عن
أن تأثيره في التنجز بنحو الاقتضاء لا العلية هو البحث عن ثبوت المانع شرعا أو
عقلا عدم ثبوته كما لا مجال بعد البناء على أنه بنحو العلية للبحث عنه هناك أصلا كما
لا يخفى هذا بالنسبة إلى اثبات التكليف وتنجزه به وأما سقوطه به بان يوافقه اجمالا
فلا اشكال فيه في التوصليات وأما في العباديات
55

فكذلك فيما لا يحتاج إلى التكرار كما إذا تردد أمر عبادة بين الأقل والأكثر
لعدم الاخلال بشئ مما يعتبر أو يحتمل اعتباره في حصول الغرض منها مما لا يمكن
56

أن يؤخذ فيها فإنه نشأ من قبل الأمر بها كقصد الإطاعة والوجه والتمييز فيما إذا أتى
بالأكثر ولا يكون اخلال حينئذ الا بعدم اتيان ما احتمل جزئيته على تقديرها
بقصدها واحتمال دخل قصدها في حصول الغرض ضعيف في الغاية وسخيف إلى النهاية
وأما فيما احتاج إلى التكرار فربما يشكل من جهة الاخلال بالوجه (تارة) وبالتميز
(أخرى) وكونه لعبا وعبثا (ثالثة) وأنت خبير بعدم الأخلال بالوجه بوجه
في الاتيان مثلا بالصلاتين المشتملتين على الواجب لوجوبه غاية الأمر أنه لا تعيين له
ولا تميز فالاخلال إنما يكون به واحتمال اعتباره أيضا في غاية الضعف

(1) إشارة إلى امكان نية الوجه فيه بالنحو الآتي في التكرار منه مد ظله
57

لعدم عين منه ولا اثر في الأخبار مع أنه مما يغفل عنه غالبا وفي مثله لا بد من التنبيه
على اعتباره ودخله في الغرض والا لأخل بالغرض كما نبهنا عليه سابقا وأما كون
التكرار لعبا وعبثا فمع انه ربما يكون لداع عقلائي إنما يضر إذا كان لعبا بامر المولى
لا في كيفية إطاعته بعد حصول الداعي إليها كما لا يخفى. هذا كله في قبال ما إذا
تمكن من القطع تفصيلا بالامتثال وأما إذا لم يتمكن إلا من الظن به كذلك فلا
اشكال في تقديمه على الامتثال الظني لو لم يقم دليل على اعتباره الا فيما إذا لم
يتمكن منه واما لو قام على اعتباره
58

مطلقا فلا اشكال في الاجتزاء بالظني كما لا اشكال في الاجتزاء بالامتثال الاجمالي في
قبال الظني بالظن المطلق المعتبر بدليل الانسداد بناء على أن يكون من مقدماته عدم
وجوب الاحتياط وأما لو كان من مقدماته بطلانه لاستلزامه العسر المخل بالنظام أو لأنه
ليس من وجوه الطاعة والعبادة بل هو نحو لعب وعبث بامر المولى فيما إذا كان
بالتكرار كما توهم فالمتعين هو التنزل عن القطع تفصيلا إلى الظن كذلك وعليه فلا مناص
عن الذهاب إلى بطلان عبادة تارك طريقي التقليد والاجتهاد وان احتاط فيها كما لا يخفى
(هذا) بعض الكلام في القطع مما يناسب المقام ويأتي بعضه الآخر في مبحث
البراءة والاشتغال. فيقع المقال فيما هو المهم من عقد هذا المقصد وهو بيان:
ما قيل باعتباره من الامارات أوصى أنه يقال
وقبل الخوض في ذلك ينبغي تقديم أمور (أحدها) أنه لا ريب في أن
الامارة غير العلمية ليست كالقطع في كون الحجية من لوازمها ومقتضياتها بنحو العلية
59

بل مطلقا وان ثبوتها لها محتاج إلى جعل أو ثبوت مقدمات وطروء حالات موجبة
لاقتضائها الحجية عقلا - بناء على تقرير مقدمات الانسداد بنحو الحكومة - وذلك
لوضوح عدم اقتضاء غير القطع للحجية بدون ذلك ثبوتا بلا خلاف ولا سقوطا وان
كان ربما يظهر فيه من بعض المحققين الخلاف والاكتفاء بالظن بالفراغ ولعله لأجل
عدم لزوم دفع الضرر المحتمل فتأمل (ثانيها) في بيان إمكان التعبد بالامارة غير
العليمة شرعا وعدم لزوم محال منه عقلا في قبال دعوى استحالته للزومه
60

وليس الامكان
61

- بهذا المعنى - بل مطلقا - أصل متبعا عند العقلاء في مقام احتمال ما يقابله من
الامتناع لمنع كون سيرتهم على ترتيب آثار الامكان عند الشك فيه ومنع حجيتها لو سلم
62

ثبوتها لعدم قيام دليل قطعي على اعتبارها والظن به - لو كان - فالكلام الآن في
إمكان التعبد بها وامتناعه فما ظنك به لكن دليل وقوع التعبد بها من طرق اثبات
امكانه حيث يستكشف به عدم ترتب محال من تال باطل فيمتنع مطلقا أو على
الحكيم تعالى فلا حاجة معه في دعوى الوقوع إلى اثبات الامكان وبدونه لا فائدة
في اثباته كما هو واضح. وقد انقدح بذلك ما في دعوى شيخنا العلامة - أعلى الله
مقامه - من كون الامكان عند العقلاء مع احتمال الامتناع أصلا
63

والامكان في كلام الشيخ الرئيس: كل ما قرع سمعك من الغرائب فذره في بقعة
الامكان ما لم يذدك عنه واضح البرهان، بمعنى الاحتمال المقابل للقطع والايقان
ومن الواضح أن لا موطن له الا الوجدان فهو المرجع فيه بلا بينة وبرهان وكيف كان
فما قيل أو يمكن أن يقال في بيان ما يلزم التعبد بغير العلم من المحال أو الباطل ولو لم
يكن بمحال أمور (أحدها) اجتماع المثلين من ايجابين أو تحريمين
64

- مثلا - فيما أصاب أو ضدين من ايجاب وتحريم ومن إرادة وكراهة ومصلحة
ومفسدة ملزمتين بلا كسر وانكسار في البين فيما أخطأ أو التصويب وان لا يكون
هناك غير مؤديات الامارات احكام (ثانيها) طلب الضدين فيما إذا أخطأ وأدى
إلى وجوب ضد الواجب (ثالثها) تفويت المصلحة أو الالقاء في المفسدة فيما أدى
إلى عدم وجوب ما هو واجب أو عدم حرمة ما هو حرام وكونه محكوما بسائر الأحكام
: (والجواب): أن ما ادعي لزومه إما غير لازم أو غير باطل، وذلك لان التعبد بطريق
غير علمي إنما هو بجعل حجيته والحجية المجعولة غير مستتبعة لانشاء احكام تكليفية
بحسب ما أدى إليه الطريق بل انما تكون موجبة لتنجز التكليف به إذا أصاب
وصحة الاعتذار به إذا أخطأ
65

ولكون مخالفته وموافقته
66

تجريا وانقيادا مع عدم اصابته كما هو شأن الحجة غير المجعولة، فلا يلزم اجتماع حكمين
مثلين أو ضدين، ولا طلب الضدين، ولا اجتماع المفسدة والمصلحة، ولا الكراهة والإرادة
كما لا يخفى، وأما تفويت مصلحة الواقع أو الالقاء في مفسدته فلا محذور فيه أصلا
إذا كانت في التعبد به مصلحة غالبة على مفسدة التفويت أو الالقاء. نعم لو قيل
باستتباع جعل الحجية للأحكام التكليفية، أو بأنه لا معنى لجعلها إلا جعل تلك الأحكام
فاجتماع حكمين وان كان يلزم الا انهما ليسا بمثلين أو ضدين لأن أحدهما
67

طريقي عن مصلحة في نفسه موجبة لانشائه الموجب للتنجز أو لصحة الاعتذار بمجرده
من دون إرادة نفسانية أو كراهة كذلك متعلقه بمتعلقة فيما يمكن هناك انقداحهما
حيث إنه مع المصلحة أو المفسدة الملزمتين في فعل
68

وإن لم يحدث بسببها إرادة أو كراهة في المبدأ الأعلى، إلا أنه إذا أوحي بالحكم الشأني
من قبل تلك المصلحة أو المفسدة إلى النبي صلى الله عليه وآله أو ألهم به الولي فلا محالة ينقدح في نفسه
الشريفة بسببها الإرادة أو الكراهة الموجبة للانشاء بعثا أو زجرا بخلاف ما ليس هناك
مصلحة أو مفسدة في المتعلق بل انما كانت في نفس انشاء الأمر به طريقيا والآخر
واقعي حقيقي عن مصلحة أو مفسدة في متعلقه موجبة لإرادته أو كراهته الموجبة
لانشائه بعثا أو زجرا في بعض المبادئ العالية وإن لم يكن في المبدأ الأعلى الا العلم
69

بالمصلحة أو المفسدة، كما أشرنا، فلا يلزم أيضا اجتماع إرادة وكراهة وانما لزم انشاء
حكم واقعي حقيقي بعثا وزجرا وانشاء حكم آخر طريقي ولا مضادة بين الانشاءين
فيما اختلفا ولا يكون من اجتماع المثلين فيما اتفقا، ولا إرادة ولا كراهة أصلا الا
بالنسبة إلى متعلق الحكم الواقعي، فافهم. نعم يشكل الامر في بعض الأصول العملية
كأصالة الإباحة الشرعية فان الاذن في الاقدام والاقتحام ينافي المنع فعلا كما فيما
صادف الحرام وان كان الاذن فيه لأجل مصلحة فيه لا لأجل عدم مصلحة أو مفسدة
ملزمة في المأذون فيه
70

فلا محيص في مثله إلا عن الالتزام بعدم انقداح الإرادة أو الكراهة في بعض
المبادئ العالية أيضا كما في المبدأ الأعلى، لكنه لا يوجب الالتزام بعدم كون التكليف
الواقعي بفعلي بمعنى كونه على صفة ونحو لو سلم به المكلف لتنجز عليه كسائر التكاليف
الفعلية التي تتنجز بسبب القطع بها، وكونه فعليا إنما يوجب البعث أو الزجر في النفس
71

النبوية أو الولوية فيما إذا لم ينقدح فيها الاذن لأجل مصلحة فيه. فانقدح بما ذكرنا أنه لا
يلزم الالتزام بعدم كون الحكم الواقعي في مورد الأصول والامارات فعليا كي يشكل (تارة)
72

بعدم لزوم الاتيان حينئذ بما قامت الامارة على وجوبه ضرورة عدم لزوم امتثال
الأحكام الانشائية ما لم تصر فعلية ولم تبلغ مرتبة البعث والزجر ولزوم الاتيان به مما
لا يحتاج إلى مزيد بيان أو إقامة برهان (لا يقال): لا مجال لهذا الاشكال لو
قيل بأنها كانت قبل أداء الامارة إليها إنشائية لأنها بذلك تصير فعلية تبلغ تلك
المرتبة (فإنه يقال): لا يكاد يحرز بسبب قيام الامارة المعتبرة على حكم إنشائي
لا حقيقة ولا تعبدا إلا حكم إنشائي تعبدا لا حكم إنشائي أدت إليه الامارة، أما حقيقة فواضح
73

وأما تعبدا فلان قصارى ما هو قضية حجية الامارة كون مؤداها هو الواقع تعبدا
لا الواقع الذي أدت إليه الامارة (فافهم) اللهم إلا أن يقال: إن الدليل على
تنزيل المؤدى منزلة الواقع الذي صار مؤدى لها هو دليل الحجية بدلالة الاقتضاء
لكنه لا يكاد يتم الا إذا لم يكن للأحكام بمرتبتها الانشائية أثر أصلا والا لم يكن
لتلك الدلالة مجال كما لا يخفى
74

(وأخرى) بأنه كيف يكون التوفيق بذلك مع احتمال أحكام فعلية بعثية أو زجرية
في موارد الطرق والأصول العملية المتكفلة لأحكام فعلية؟ ضرورة أنه كما لا يمكن
القطع بثبوت المتنافيين كذلك لا يمكن احتماله فلا يصح التوفيق بين الحكمين بالتزام
كون الحكم الواقعي الذي يكون مورد الطرق إنشائيا غير فعلي كما لا يصح التوفيق
بان الحكمين ليسا في مرتبة واحدة بل في مرتبتين ضرورة تأخر الحكم الظاهري
عن الواقعي بمرتبتين وذلك لا يكاد يجدي
75

فان الظاهري وإن لم يكن في تمام مراتب الواقعي إلا أنه يكون في مرتبته أيضا وعلى
تقدير المنافات لزم اجتماع المتنافيين في هذه المرتبة (فتأمل) فيما ذكرنا من التحقيق في
التوفيق فإنه دقيق وبالتأمل حقيق (ثالثها) أن
76

الأصل فيما لا يعلم اعتباره بالخصوص شرعا ولا يحرز التعبد به واقعا عدم حجيته
جزما بمعنى عدم ترتب الآثار المرغوبة من الحجة عليه قطعا فإنها لا تكاد تترتب
إلا على ما اتصف بالحجية فعلا ولا يكاد يكون الاتصاف بها الا إذا أحرز التعبد به
وجعله طريقا متبعا، ضرورة أنه بدونه لا يصح المؤاخذة على مخالفة التكليف
80

بمجرد إصابته ولا يكون عذرا لدى مخالفته مع عدمها ولا يكون مخالفته تجريا ولا
يكون موافقته بما هي موافقته انقيادا وإن كانت بما هي محتملة لموافقة الواقع كذلك إذا
وقعت برجاء إصابته فمع الشك في التعبد به يقطع بعدم حجيته وعدم ترتيب شئ من
الآثار عليه للقطع بانتفاء الموضوع معه (ولعمري) هذا واضح لا يحتاج إلى مزيد
بيان أو إقامة برهان. وأما صحة الالتزام بما أدى إليه من الأحكام وصحة
نسبته إليه تعالى فليستا من آثارها ضرورة
81

أن حجية الظن عملا - على تقرير الحكومة في حال الانسداد - لا يوجب صحتهما
فلو فرض صحتهما شرعا مع الشك في التعبد به لما كان يجدي في الحجية شيئا ما لم
يترتب عليه ما ذكر من آثارها ومعه لما كان يضر عدم صحتهما أصلا كما أشرنا إليه
آنفا فبيان، عدم صحة الالتزام مع الشك في التعبد وعدم جواز الاسناد إليه تعالى غير
مرتبط بالمقام فلا يكون الاستدلال عليه بمهم كما أتعب به شيخنا العلامة - أعلى الله
مقامه - نفسه الزكية بما أطنب من النقض والإبرام فراجعه بما علقناه عليه وتأمل
82

وقد انقدح بما ذكرنا أن الصواب فيما هو المهم في الباب ما ذكرنا في تقرير الأصل
فتدبر جيدا، إذا عرفت ذلك فما خرج موضوعا عن تحت هذا الأصل أو قيل بخروجه
يذكر في ذيل فصول
فصل
لا شبهة في لزوم اتباع ظاهر كلام الشارع في تعيين مراده في الجملة لاستقرار
طريقة العقلاء على اتباع الظهورات في تعيين المرادات مع القطع بعدم الردع عنها
لوضوح عدم اختراع طريقة أخرى في مقام الإفادة لمرامه من كلامه كما هو واضح
والظاهر أن سيرتهم على اتباعها من غير تقييد بإفادتها للظن فعلا ولا بعدم الظن
كذلك على خلافها قطعا ضرورة انه لا مجال عندهم للاعتذار عن مخالفتها بعدم إفادتها
للظن بالوفاق ولا بوجود الظن بالخلاف. كما أن الظاهر عدم اختصاص ذلك بمن
قصد إفهامه ولذا لا يسمع اعتذار من لا يقصد إفهامه إذا خالف ما تضمنه ظاهر كلام
83

المولى من تكليف يعمه أو يخصه ويصح به الاحتجاج لدى المخاصمة واللجاج كما
تشهد به صحة الشهادة بالاقرار من كل من سمعه ولو قصد عدم إفهامه فضلا عما إذا لم
يكن بصدد إفهامه. ولا فرق في ذلك بين الكتاب المبين وأحاديث سيد المرسلين
والأئمة الطاهرين وان ذهب بعض الأصحاب إلى عدم حجية ظاهر الكتاب إما
بدعوى اختصاص فهم القرآن ومعرفته باهله ومن خوطب به كما يشهد به ما ورد في
ردع أبي حنيفة وقتادة عن الفتوى به، أو بدعوى أنه لأجل احتوائه على مضامين
شامخة ومطالب غامضة عالية لا يكاد تصل إليها أيدي أفكار أولى الأنظار غير
الراسخين العالمين بتأويله كيف ولا يكاد يصل إلى فهم كلمات الأوائل إلا الأوحدي
من الأفاضل؟ فما ظنك بكلامه تعالى مع اشتماله على علم ما كان وما يكون وحكم
84

كل شئ أو بدعوى شمول المتشابه الممنوع عن اتباعه للظاهر لا أقل من احتمال شموله
لتشابه المتشابه وإجماله، أو بدعوى أنه وإن لم يكن منه ذاتا إلا أنه صار منه عرضا
للعلم الاجمالي بطروء التخصيص والتقييد والتجوز في غير واحد من ظواهره - كما
هو الظاهر - أو بدعوى شمول الاخبار الناهية عن تفسير القرآن بالرأي لحمل الكلام
الظاهر في معنى على إرادة هذا المعنى ولا يخفى أن النزاع يختلف صغرويا وكبرويا
بحسب الوجوه فبحسب غير الوجه الأخير والثالث يكون صغرويا وأما بحسبهما
فالظاهر أنه كبروي ويكون المنع عن الظاهر إما لأنه من المتشابه قطعا أو احتمالا،
أو لكون حمل الظاهر على ظاهره من التفسير بالرأي وكل هذه الدعاوى فاسدة
(أما الأولى) فإنما المراد مما دل على اختصاص فهم القرآن ومعرفته بأهله اختصاص فهمه
بتمامه بمتشابهاته ومحكماته بداهة أن فيه ما لا يختص به كما لا يخفى. وردع أبي حنيفة
وقتادة عن الفتوى به إنما هو لاجل الاستقلال في الفتوى بالرجوع إليه من دون
مراجعة أهله لا عن الاستدلال بظاهره مطلقا ولو مع الرجوع إلى رواياتهم والفحص
عما ينافيه والفتوى به مع اليأس عن الظفر به كيف وقد وقع في غير واحد من
85

الروايات الارجاع إلى الكتاب والاستدلال بغير واحد من آياته؟ (وأما الثانية)
فلأن احتواءه على المضامين العالية الغامضة لا يمنع عن فهم ظواهره المتضمنة للأحكام
وحجيتها كما هو محل الكلام (واما الثالثة) فللمنع عن كون الظاهر من المتشابه
فان الظاهر كون المتشابه هو خصوص المجمل وليس بمتشابه ومجمل (واما الرابعة)
فلان العلم إجمالا بطروء إرادة خلاف الظاهر إنما يوجب الاجمال فيما إذا لم ينحل
بالظفر في الروايات بموارد إرادة خلاف الظاهر بمقدار المعلوم بالاجمال - مع أن
دعوى اختصاص أطرافه بما إذا تفحص عما يخالفه لظفر به غير بعيدة فتأمل جيدا
(وأما الخامسة) فيمنع كون حمل الظاهر على ظاهره من التفسير فإنه كشف القناع
ولا قناع للظاهر ولو سلم فليس من التفسير بالرأي إذ الظاهر أن المراد بالرأي هو
الاعتبار الظني الذي لا اعتبار به وإنما كان منه حمل اللفظ على خلاف ظاهره
86

لرجحانه بنظره أو حمل المجمل على محتمله بمجرد مساعدته ذاك الاعتبار من دون
السؤال عن الأوصياء وفى بعض الاخبار: إنما هلك الناس في المتشابه لأنهم لم يقفوا
على معناه ولم يعرفوا حقيقته فوضعوا له تأويلا من عند أنفسهم بآرائهم واستغنوا بذلك
عن مسألة الأوصياء فيعرفونهم. هذا - مع أنه لا محيص عن حمل هذه الروايات
الناهية عن التفسير به على ذلك ولو سلم شمولها لحمل اللفظ على ظاهره ضرورة انه
قضية التوفيق بينها وبين ما دل على جواز التمسك بالقرآن مثل خبر الثقلين، وما دل
على التمسك والعلم بما به فيه، وعرض الاخبار المتعارضة عليه، ورد الشروط المخالفة له، وغير
ذلك مما لا محيص عن إرادة الارجاع إلى ظواهره لا خصوص نصوصه ضرورة أن
الآيات التي يمكن ان تكون مرجعا في باب تعارض الروايات أو الشروط أو
يمكن أن يتمسك بها ويعمل بما فيها ليست إلا ظاهرة في معانيها وليس فيها ما كان
نصا كما لا يخفى (ودعوى) العلم الاجمالي بوقوع التحريف فيه بنحو إما باسقاط
أو بتصحيف (وان كانت) غير بعيدة كما يشهد به بعض الاخبار ويساعده الاعتبار
إلا أنه لا يمنع عن حجية ظواهره
87

لعدم العلم بوقوع الخلل فيها بذلك أصلا، ولو سلم فلا علم بوقوعه في آيات الأحكام
88

والعلم بوقوعه فيها أو في غيرها من الآيات غير ضائر بحجية آياتها لعدم حجية ظاهر
سائر الآيات والعلم الاجمالي بوقوع الخلل في الظواهر إنما يمنع عن حجيتها إذا كانت
كلها حجة والا لا يكاد ينفك ظاهر عن ذلك كما لا يخفى فافهم (نعم) لو كان
الخلل المحتمل فيه أو في غيره بما اتصل به لأخل بحجيته لعدم انعقاد ظهور له حينئذ
وان انعقد له الظهور لولا اتصاله (ثم) إن التحقيق أن الاختلاف في القراءة
89

بما يوجب الاختلاف في الظهور مثل (يطهرن) بالتشديد والتخفيف يوجب
الاخلال بجواز التمسك والاستدلال لعدم احراز ما هو القرآن ولم يثبت تواتر القراءات
90

ولا جواز الاستدلال بها وان نسب إلى المشهور تواترها لكنه مما لا أصل له وانما
الثابت جواز القراءة بها ولا ملازمة بينهما كما لا يخفى ولو فرض جواز الاستدلال بها
فلا وجه لملاحظة الترجيح بينها بعد كون الأصل في تعارض الامارات هو (سقوطها)
عن الحجية في خصوص المؤدى بناء على اعتبارها من باب الطريقية
91

(والتخيير) بينها بناء على السببية مع عدم دليل على الترجيح في غير الروايات
من سائر الامارات فلا بد من الرجوع حينئذ إلى الأصل أو العموم حسب اختلاف
المقامات.
فصل
قد عرفت حجية ظهور الكلام في تعيين المرام فان أحرز بالقطع وأن المفهوم
منه جزما بحسب متفاهم أهل العرف هو ذا فلا كلام
92

والا فإن كان لأجل احتمال وجود قرينة فلا خلاف في أن الأصل عدمها لكن
الظاهر أنه معه يبنى على المعنى الذي لولاها كان اللفظ ظاهرا فيه ابتداء لا أنه يبنى
عليه بعد البناء على عدمها كما لا يخفى فافهم
93

وان كان لاحتمال قرينية الموجود فهو وإن لم يكن مجالا للاشكال - بناء على حجية
أصالة الحقيقة من باب التعبد - إلا أن الظاهر أن يعامل معه معاملة المجمل. وإن
كان لأجل الشك فيما هو الموضوع له لغة أو المفهوم منه عرفا فالأصل يقتضي عدم
حجية الظن فيه فإنه ظن في أنه ظاهر ولا دليل إلا على حجية الظواهر. نعم نسب
إلى المشهور حجية قول اللغوي بالخصوص في تعيين الأوضاع واستدل لهم باتفاق العلماء
بل العقلاء على ذلك حيث لا يزالون يستشهدون بقوله في مقام الاحتجاج بلا إنكار
من أحد ولو مع المخاصمة واللجاج. وعن بعض دعوى الاجماع على ذلك وفيه
أن الاتفاق لو سلم اتفاقه فغير مفيد
94

مع أن المتيقن منه هو الرجوع إليه مع اجتماع شرايط الشهادة من العدد والعدالة،
والاجماع المحصل غير حاصل، والمنقول منه غير مقبول خصوصا في مثل المسألة مما
احتمل قريبا أن يكون وجه ذهاب الجل لولا الكل هو اعتقاد أنه مما اتفق عليه
العقلاء من الرجوع إلى أهل الخبرة من كل صنعة فيما اختص بها والمتيقن من ذلك
إنما هو فيما إذا كان الرجوع يوجب الوثوق والاطمينان ولا يكاد يحصل من قول
اللغوي وثوق بالأوضاع
95

بل لا يكون اللغوي من أهل خبرة ذلك بل انما هو من أهل خبرة موارد الاستعمال
بداهة أن همه ضبط موارده لا تعيين أن أيا منها كان اللفظ فيه حقيقة أو مجازا؟
والا لوضعوا لذلك علامة وليس ذكره أولا علامة كون اللفظ حقيقة فيه للانتقاض
بالمشترك وكون موارد الحاجة إلى قول اللغوي أكثر من أن يحصى لانسداد باب
العلم بتفاصيل المعاني غالبا بحيث يعلم بدخول الفرد المشكوك أو خروجه وان كان المعنى
معلوما في الجملة لا يوجب اعتبار قوله
96

ما دام انفتاح باب العلم بالأحكام كما لا يخفى ومع الانسداد كما قوله معتبرا إذا أفاد
الظن من باب حجية مطلق الظن وان فرض انفتاح باب العلم باللغات بتفاصيلها فيما عدا المورد
(نعم) لو كان هناك دليل على اعتباره لا يبعد أن يكون انسداد باب العلم بتفاصيل
اللغات موجبا له على نحو الحكمة لا العلة (لا يقال): على هذا لا فائدة في
الرجوع إلى اللغة (فإنه يقال): مع هذا لا يكاد تخفى الفائدة في المراجعة إليها
فإنه ربما يوجب القطع
97

بالمعنى وربما يوجب القطع بان اللفظ في المورد ظاهر في معنى بعد الظفر به وبغيره في اللغة
وإن لم يقطع بأنه حقيقة فيه أو مجاز كما اتفق كثيرا وهو يكفي في الفتوى (فصل)
الاجماع المنقول بخبر الواحد حجة عند كثير ممن قال باعتبار الخبر بالخصوص من جهة أنه
من أفراده من دون أن يكون عليه دليل بالخصوص فلا بد في اعتباره من شمول أدلة
اعتباره له بعمومها أو إطلاقها وتحقيق القول فيه يستدعي رسم أمور (الأول) أن
وجه اعتبار الاجماع هو القطع برأي الإمام (ع) ومستند القطع به لحاكيه - على ما
يظهر من كلماتهم - هو علمه بدخوله (ع) في المجمعين شخصا ولم يعرف عينا
98

أو قطعه باستلزام ما يحكيه لرأيه (ع) عقلا من باب اللطف أو عادة أو اتفاقا من
99

جهة حدس رأيه - عليه السلام - وإن لم تكن ملازمة بينهما عقلا ولا عادة كما هو
طريقة المتأخرين في دعوى الاجماع حيث إنهم مع عدم الاعتقاد بالملازمة العقلية ولا
الملازمة العادية غالبا وعدم العلم بدخول جنابه (ع) في المجمعين عادة يحكون
الاجماع كثيرا. كما أنه يظهر ممن اعتذر عن وجود المخالف بأنه معلوم النسب انه
استند في دعوى الاجماع إلى العلم بدخوله (ع) وممن اعتذر عنه بانقراض عصره
انه استند إلى قاعدة اللطف. هذا مضافا إلى تصريحاتهم بذلك على ما يشهد به
مراجعة كلماتهم وربما يتفق لبعض الأوحدي وجه آخر من تشرفه برؤيته (ع)
وأخذه الفتوى من جنابه، وإنما لم ينقل عنه بل يحكي الاجماع لبعض دواعي الاخفاء
(الأمر الثاني) أنه لا يخفى اختلاف نقل الاجماع (فتارة) ينقل رأيه (ع)
في ضمن نقله حدسا كما هو الغالب، أو حسا وهو نادر جدا (وأخرى) لا ينقل
الا ما هو السبب عند ناقله عقلا أو عادة أو اتفاقا
100

واختلاف ألفاظ النقل أيضا صراحة وظهورا وإجمالا في ذلك أي في أنه نقل السبب
أو نقل السبب والمسبب (الأمر الثالث) أنه لا إشكال في حجية الاجماع المنقول
بأدلة حجية الخبر إذا كان نقله متضمنا لنقل السبب والمسبب عن حس لو لم نقل بان
نقله كذلك في زمان الغيبة موهون جدا، وكذا إذا لم يكن متضمنا له بل كان ممحضا
لنقل السبب عن حس إلا أنه كان سببا بنظر المنقول إليه أيضا عقلا أو عادة أو اتفاقا
فيعامل حينئذ مع المنقول معاملة المحصل في الالتزام بمسببه باحكامه وآثاره وأما إذا
كان نقله للمسبب لا عن حس بلا بملازمة ثابتة عند الناقل بوجه دون المنقول إليه ففيه
اشكال أظهره عدم نهوض تلك الأدلة على حجيته إذ المتيقن من بناء العقلاء غير ذلك
كما أن المنصرف من الآيات والروايات على تقدير
101

دلالتهما ذلك خصوصا فيما إذا رأى المنقول إليه خطأ الناقل في اعتقاد الملازمة. هذا
فيما انكشف الحال وأما فيما اشتبه فلا يبعد أن يقال بالاعتبار فان عمدة أدلة حجية
الأخبار هو بناء العقلاء وهم كما يعملون بخبر الثقة إذا علم أنه عن حس يعملون به فيما
يحتمل كونه عن حدس حيث أنه ليس بناؤهم إذا أخبروا بشئ على التوقف والتفتيش
عن أن عن حدس أو حس بل العمل على طبقه والجري على وفقه بدون ذلك. نعم
لا يبعد أن يكن بناؤهم على ذلك فيما لا يكون هناك امارة على الحدس أو اعتقاد
الملازمة فيما لا يرون هناك ملازمة. هذا لكن الاجماعات المنقولة في ألسنة الأصحاب
غالبا مبنية على حدس الناقل أو اعتقاد الملازمة عقلا فلا اعتبار لها ما لم ينكشف ان
نقل المسبب كان مستندا إلى الحس فلا بد في الاجماعات المنقولة بألفاظها المختلفة من
استظهار مقدار دلالة ألفاظها ولو بملاحظة حال الناقل وخصوص موضع النقل
102

فيؤخذ بذاك المقدار ويعامل معه كأنه المحصل فإن كان بمقدار تمام السبب وإلا فلا
يجدي ما لم يضم إليه مما حصله أو نقل له من سائر الأقوال أو سائر الامارات بأنه تم
فافهم (فتلخص) بما ذكرنا أن الاجماع المنقول بخبر الواحد من جهة حكايته رأي
الإمام (ع) بالتضمن أو الالتزام كخبر الواحد في الاعتبار إذا كان من نقل
إليه ممن يرى الملازمة بين رأيه (ع) وما نقله من الأقوال بنحو الجملة والاجمال
وتعمه أدلة اعتباره وينقسم بأقسامه ويشاركه في أحكامه وإلا لم يكن مثله في الاعتبار
من جهة الحكاية وأما من جهة نقل السبب فهو في الاعتبار بالنسبة إلى مقدار من
الأقوال التي نقلت إليه على الاجمال بألفاظ نقل الاجماع مثل ما إذا نقلت على التفصيل
فلو ضم إليه مما حصله أو نقل له من أقوال السائرين أو سائر الامارات مقدار كان
المجموع منه وما نقله بلفظ الاجماع بمقدار السبب التام كان المجموع كالمحصل
ويكون حاله كما إذا كان كله منقولا ولا تفاوت في اعتبار الخبر بين ما إذا كان
المخبر به تمامه أو ما له دخل فيه وبه قوامه كما يشهد به حجيته بلا ريب في تعيين حال
السائل وخصوصية القضية الواقعة المسؤول عنها وغير ذلك مما له دخل في تعيين مرامه
- عليه السلام - من كلامه. وينبغي التنبيه على أمور (الأول) أنه قد مر أن
مبنى دعوى الاجماع غالبا هو اعتقاد الملازمة عقلا
103

لقاعدة اللطف وهي باطلة، أو اتفاقا بحدس رأيه (ع) من فتوى جماعة وهي غالبا غير
مسلمة وأما كون المبنى العلم بدخول الامام بشخصه في الجماعة أو العلم برأيه للاطلاع
بما يلازمه عادة من الفتاوى فقليل جدا في الاجماعات المتداولة في ألسنة الأصحاب
كما لا يخفى بل لا يكاد يتفق العلم بدخوله - عليه السلام - على نحو الاجمال في
الجماعة في زمان الغيبة وان احتمل تشرف بعض الأوحدي بخدمته ومعرفته أحيانا
فلا يكاد يجدي نقل الاجماع إلا من باب نقل السبب بالمقدار الذي أحرز
104

من لفظه بما اكتف به من حال أو مقال ويعامل معه معاملة المحصل (الثاني) أنه
لا يخفى أن الاجماعات المنقولة إذا تعارض اثنان منها أو أكثر فلا يكون التعارض إلا
بحسب المسبب وأما بحسب السبب فلا تعارض في البين لاحتمال صدق الكل لكن
نقل الفتاوى على الاجمال بلفظ الاجماع حينئذ لا يصلح لان يكون سببا ولا جزء سبب
لثبوت الخلاف فيها الا ذا كان في أحد المتعارضين خصوصية موجبة لقطع المنقول
إليه برأيه عليه السلام لو اطلع عليها ولو مع اطلاعه على الخلاف، وهو وإن لم يكن
مع الاطلاع على الفتاوى على اختلافها مفصلا ببعيد إلا أنه مع عدم الاطلاع عليها
الا مجملا بعيد
105

فافهم (الثالث) انه ينقدح مما ذكرنا في نقل الاجماع حال نقل التواتر وانه من
حيث المسبب لابد في اعتباره من كون الاخبار به إخبارا على الاجماع بمقدار يوجب
قطع المنقول إليه بما أخبر به لو علم بها
106

ومن حيث السبب يثبت به كل مقدار كان اخباره بالتواتر دالا عليه كما إذا أخبر
به على التفصيل فربما لا يكون إلا دون حد التواتر فلا بد في معاملته من لحوق
مقدار آخر من الاخبار يبلغ المجموع ذاك الحد نعم لو كان هناك أثر للخبر المتواتر
في الجملة - ولو عند المخبر - لوجب ترتيبه عليه ولو لم يدل على ما بحد التواتر
من المقدار
فصل
مما قيل باعتباره بالخصوص الشهرة في الفتوى ولا يساعده دليل وتوهم دلالة
أدلة حجية خبر الواحد عليه بالفحوى لكون الظن الذي تفيده أقوى مما يفيده الخبر
فيه ما لا يخفى ضرورة عدم دلالتها على كون مناط اعتباره افادته الظن غايته تنقيح
ذلك بالظن وهو لا يوجب الا الظن بأنها أولى بالاعتبار ولا اعتبار به - مع أن دعوى
القطع بأنه ليس بمناط
107

غير مجازفة وأضعف منه توهم دلالة المشهورة والمقبولة عليه لوضوح أن المراد بالموصول
في قوله في الأولى: (خذ بما اشتهر بين أصحابك) وفي الثانية: (ينظر إلى
ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به)
هو الرواية لا ما يعم الفتوى كما هو أوضح من أن يخفى. نعم بناء على حجية الخبر
108

ببناء العقلاء لا يبعد دعوى عدم اختصاص بنائهم على حجيته بل على حجية كل امارة
مفيدة للظن أو الاطمينان لكن دون إثبات ذلك خرط القتاد
فصل
المشور بين الأصحاب حجية خبر الواحد في الجملة بالخصوص
ولا يخفى أن هذه المسألة من أهم المسائل الأصولية وقد عرفت في أول الكتاب أن
الملاك في الأصولية صحة وقوع نتيجة المسألة في طريق الاستنباط ولو لم يكن البحث
فيها عن الأدلة الأربعة وإن اشتهر في ألسنة الفحول كون الموضوع في علم الأصول
هي الأدلة وعليه لا يكاد يفيد في ذلك أي كون هذه المسألة أصولية تجشم دعوى أن
البحث عن دليلية الدليل بحث عن أحوال الدليل ضرورة أن البحث في المسألة ليس
عن دليلية الأدلة بل عن حجية الخبر الحاكي عنها
109

كما لا يكاد يفيد عليه تجشم دعوى أن مرجع هذه المسألة إلى أن السنة وهي (قول
الحجة أو فعله أو تقريره) هل يثبت بخبر الواحد أو لا يثبت إلا بما يفيد القطع
من التواتر أو القرينة؟ فان التعبد بثبوتها مع الشك فيها لدى الاخبار بها ليس من
عوارضها بل من عوارض مشكوكها كما لا يخفى
110

- مع أنه لازم لما يبحث عنه في المسألة من حجية الخبر والمبحوث عنه في المسائل
إنما هو الملاك في أنها من المباحث أو من غيره لا ما هو لازمه كما هو واضح، وكيف
كان فالمحكي عن السيد والقاضي وابن زهرة والطبرسي وابن إدريس عدم حجية
الخبر واستدل لهم بالآيات الناهية عن اتباع غير العلم والروايات الدالة على رد ما لم
يعلم انه قولهم - عليهم السلام - أو لم يكن عليه شاهد من كتاب الله أو شاهدان،
أو لم يكن موافقا
111

للقرآن إليهم أو على بطلان ما لا يصدقه كتاب الله، أو على أن ما لا يوافق كتاب
الله زخرف، أو على النهي عن قبول حديث إلا ما وافق الكتاب أو السنة...
إلى غير ذلك، والاجماع المحكي عن السيد في مواضع من كلامه بل حكي عنه انه
جعله بمنزلة القياس في كون تركه معروفا من مذهب الشيعة، والجواب أما عن الآيات
فبأن الظاهر منها أو المتيقن من اطلاقاتها هو اتباع غير العلم في الأصول الاعتقادية لا
ما يعم الفروع الشرعية، ولو سلم عمومها لها فهي مخصصة بالأدلة الآتية على اعتبار
الاخبار، وأما عن الروايات فبأن الاستدلال بها خال عن السداد فإنها أخبار آحاد
(لا يقال): إنها وإن لم تكن متواترة لفظا ولا معنى الا انها متواترة إجمالا
112

للعلم الاجمالي بصدور بعضها لا محالة (فإنه يقال): إنها وإن كانت كذلك الا
انها لا تفيد الا فيما توافقت عليه وهو غير مفيد في اثبات السلب كليا كما هو محل
الكلام ومورد النقض والابرام وإنما تفيد عدم حجية الخبر المخالف للكتاب والسنة
والالتزام به ليس بضائر
113

بل لا محيص عنه في مقام المعارضة وأما عن الاجماع فبأن المحصل منه غير حاصل
والمنقول منه للاستدلال به غير قابل خصوصا في المسألة كما يظهر وجهه للمتأمل - مع
أنه معارض بمثله وموهون بذهاب المشهور إلى خلافه وقد استدل للمشهور بالأدلة
الأربعة
فصل في الآيات التي استدل بها
فمنها آية النبأ قال الله تبارك وتعالى (ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) ويمكن
تقريب الاستدلال بها من وجوه أظهرها أنه من جهة مفهوم الشرط
114

وأن تعليق الحكم بايجاب التبين عن النبأ الذي جيئ به على كون الجائي به الفاسق
يقتضي انتفاءه عند انتفائه. ولا يخفى أنه
115

على هذا التقرير لا يرد أن الشرط في القضية لبيان تحقق الموضوع
116

فلا مفهوم له أو مفهومه السالبة بانتفاء الموضوع فافهم. نعم لو كان الشرط هو نفس
تحقق النبأ ومجيئ الفاسق به كانت القضية الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع -
مع أنه يمكن أن يقال: إن القضية - ولو كانت مسوقة لذلك - إلا أنها ظاهرة
في انحصار موضوع وجوب التبين في النبأ الذي جاء به الفاسق فيقتضي انتفاء وجوب
التبين عند انتفائه ووجود موضوع آخر فتدبر
117

ولكنه يشكل بأنه ليس لها هاهنا مفهوم ولو سلم أن أمثالها ظاهرة في المفهوم لأن
التعليل بإصابة القوم بالجهالة المشترك بين المفهوم والمنطوق يكون قرينة على أنه ليس
لها مفهوم. ولا يخفى أن الاشكال إنما يبتني على كون الجهالة
118

بمعنى عدم العلم مع أن دعوى انها بمعنى السفاهة وفعل ما لا ينبغي صدوره من العاقل
غير بعيدة. ثم إنه لو سلم تمامية دلالة الآية على حجية خبر العدل ربما أشكل شمول
مثلها للروايات الحاكية لقول الامام - عليه السلام - بواسطة أو وسائط فإنه كيف
يمكن الحكم بوجوب التصديق الذي
119

ليس إلا بمعنى وجوب ترتيب ما للمخبر به من الأثر الشرعي بلحاظ نفس هذا
الوجوب فيما كان المخبر به خبر العدل أو عدالة المخبر لأنه وإن كان أثرا شرعيا
لهما إلا أنه بنفس الحكم في مثل الآية بوجوب تصديق خبر العدل حسب الفرض
نعم لو أنشأ هذا الحكم ثانيا فلا بأس في أن يكون بلحاظه أيضا حيث أنه صار أثرا
يجعل آخر فلا يلزم اتحاد الحكم والموضوع بخلاف ما إذا لم يكن هناك إلا جعل
120

واحد فتدبر. ويمكن الذب عن الاشكال بأنه إنما إذا لم يكن القضية طبيعية
والحكم فيها بلحاظ طبيعة الأثر بل بلحاظ أفراده وإلا فالحكم بوجوب التصديق
يسري إليه سراية حكم الطبيعة إلى أفراده بلا محذور لزوم اتحاد الحكم والموضوع
هذا مضافا إلى القطع بتحقق ما هو المناط
121

في سائر الآثار في هذا الأثر أي وجوب التصديق بعد تحققه بهذا الخطاب وإن
كان لا يمكن أن يكون ملحوظا لأجل المحذور وإلى عدم القول بالفصل بينه وبين
سائر الآثار في وجوب الترتيب لدى الاخبار بموضوع صار أثره الشرعي وجوب
التصديق وهو خبر العدل ولو بنفس الحكم في الآية فافهم. ولا يخفى أنه لا مجال
بعد اندفاع الاشكال بذلك
122

للاشكال في خصوص الوسائط من الأخبار كخبر الصفار المحكي بخبر المفيد مثلا بأنه
لا يكاد يكون خبر تعبدا إلا بنفس الحكم بوجوب تصديق العادل الشامل للمفيد
فيكف يكون هذا الحكم المحقق لخبر الصفار تعبدا مثلا حكما له أيضا وذلك لأنه إذا
كان خبر العدل ذا أثر شرعي حقيقة بحكم الآية وجب ترتيب أثره عليه عند إخبار
العدل به كسائر ذوات الآثار من الموضوعات لما عرفت من شمول مثل الآية للخبر
الحاكي للخبر بنحو القضية الطبيعية
123

أو لشمول الحكم فيها له مناطا وإن لم يشمله لفظا أو لعدم القول بالفصل فتأمل جيدا
(ومنها) آية النفر قال الله تبارك وتعالى: (فلو لا نفر من كل فرقة منهم
طائفة.. الآية) وربما يستدل بها من وجوه (أحدها) أن كلمة (لعل) وإن
كانت مستعملة على التحقيق
124

في معناها الحقيقي وهو الترجي الإيقاعي الانشائي إلا أن الداعي إليه حيث يستحيل
في حقه تعالى أن يكون هو الترجي الحقيقي كان هو محبوبية التحذر عند الانذار وإذا
ثبت محبوبيته ثبت وجوبه شرعا لعدم الفصل وعقلا لوجوبه مع وجود ما يقتضيه وعدم
حسنه بل عدم امكانه بدونه (ثانيها) انه لما وجب الانذار لكونه غاية للنفر
الواجب كما هو قضية كلمة (لولا) التحضيضية وجب التحذر وإلا لغى وجوبه
(ثالثها) أنه جعل غاية للانذار الواجب وغاية الواجب واجب. ويشكل الوجه الأول بأن
التحذر لرجاء ادراك الواقع وعدم الوقوع في محذور مخالفته من فوت المصلحة أو
125

الوقوع في المفسدة حسن وليس بواجب فيما لم يكن هناك حجة على التكليف ولم
يثبت ها هنا عدم الفصل غايته عدم القول بالفصل. والوجه الثاني والثالث بعدم
انحصار فائدة الانذار بايجاب)
126

التحذر تعبدا لعدم إطلاق يقتضي وجوبه على الاطلاق ضرورة أن الآية مسوقة لبيان
وجوب النفر لا لبيان غايتية التحذر ولعل وجوبه كان مشروطا بما إذا أفاد العلم لو
لم نقل بكونه مشروطا به فان النفر انما يكون لاجل التفقه وتعلم معالم الدين ومعرفة
ما جاء به سيد المرسلين كي ينذروا بها المتخلفين أو النافرين على الوجهين في تفسير
الآية لكي يحذروا إذا أنذروا بها وقضيته إنما هو وجوب الحذر عند إحراز أن
الانذار بها كما لا يخفى
127

(تم) إنه أشكل أيضا بان الآية لو سلم دلالتها على وجوب الحذر مطلقا فلا دلالة
لها على حجية الخبر بما هو خبر حيث إنه ليس شأن الراوي إلا الاخبار بما تحمله
لا التخويف والانذار وانما هو شأن المرشد أو المجتهد بالنسبة إلى المسترشد أو المقلد
(قلت): لا يذهب عليك أنه ليس حال الرواة في الصدر الأول في نقل ما تحملوا
من النبي - صلى الله عليه وعلى أهل بيته الكرام - والإمام عليه السلام، من
الأحكام إلى الأنام
128

إلا كحال نقلة الفتاوي إلى العوام ولا شبهة في أنه يصح منهم التخويف في مقام
الابلاغ والانذار والتحذير بالبلاغ فكذا من الرواة فالآية لو فرض دلالتها على
حجية نقل الراوي إذا كان مع التخويف كان نقله حجة بدونه أيضا لعدم الفصل
بينهما جزما فافهم (ومنها) آية الكتمان: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا) الآية
وتقريب الاستدلال بها ان حرمة الكتمان تستلزم القبول عقلا للزوم لغويته بدونه
ولا يخفى انه لو سلمت هذه اللازمة لا مجال للايراد على هذه الآية بما أورد على آية
النفر من دعوى الاهمال أو استظهار الاختصاص بما إذا أفاد العلم فإنها تنافيهما كما
لا يخفى، لكنها ممنوعة فان اللغوية غير لازمة لعدم انحصار الفائدة بالقبول تعبدا
وإمكان أن تكون حرمة الكتمان لأجل وضوح الحق بسبب كثرة من أفشاه
وبينه لئلا يكون للناس على الله حجة بل كان عليهم الحجة البالغة (ومنها) آية
السؤال عن أهل الذكر (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وتقريب الاستدلال
129

بها ما في آية الكتمان وفيه أن الظاهر منها إيجاب السؤال لتحصيل العلم لا للتعبد بالجواب وقد
أورد عليها بأنه لو سلم دلالتها على التعبد بما أجاب أهل الذكر فلا دلالة لها على التعبد بما يروي
الراوي فإنه بما هور أولا يكون من أهل الذكر والعلم فالمناسب إنما هو الاستدلال بها على حجية
الفتوى لا الرواية (وفيه) أن كثيرا من الرواة يصدق عليهم أنهم أهل الذكر والاطلاع
على رأى الامام - عليه السلام - كزرارة ومحمد بن مسلم ومثلهما ويصدق على
السؤال عنهم أنه السؤال عن أهل الذكر والعلم ولو كان السائل من أضرابهم فإذا
وجب قبول روايتهم في مقام الجواب بمقتضى هذه الآية وجب قبول روايتهم ورواية
غيرهم من العدول مطلقا لعدم الفصل جزما في وجوب القبول
130

بين المبتدأ والمسبوق بالسؤال ولا بين أضراب زرارة وغيرهم ممن لا يكون من اهل
الذكر وإنما يروي ما سمعه أو رآه فافهم (ومنها) آية الاذن: (ومنهم الذين
يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) فإنه
تبارك وتعالى مدح نبيه بأنه يصدق المؤمنين وقرنه بتصديقه تعالى. وفيه أولا أنه إنما
مدحه بأنه أذن وهو سريع القطع لا الأخذ بقول الغير تعبدا. وثانيا أنه إنما المراد
بتصديقه للمؤمنين هو ترتيب خصوص الآثار التي تنفعهم ولا تضر غيرهم لا التصديق
بترتيب جميع الآثار كما هو المطلوب في باب حجية الخبر ويظهر ذلك من تصديقه
للتمام بأنه ما نمه وتصديقه لله تعالى بأنه نمه كما هو المراد من التصديق في قوله - عليه
السلام -: فصدقه وكذبهم حيث قال - على ما في الخبر -: (يا أبا محمد كذب
سمعك وبصرك عن أخيك فان شهد عندك خمسون
131

قسامة أنه قال قولا وقال: لم أقله فصدقه وكذبهم) فيكون مراده تصديقه بما
ينفعه ولا يضرهم وتكذيبهم فيما يضره ولا ينفعهم والا فكيف يحكم بتصديق الواحد
وتكذيب خمسين؟ وهكذا المراد بتصديق المؤمنين في قصة إسماعيل فتأمل جيدا
فصل
132

فصل
(في الاجماع على حجية الخبر)
وتقريره من وجوه (أحدها) دعوى الاجماع من تتبع فتاوى الأصحاب
على الحجية من زماننا إلى زمان الشيخ فيكشف رضاه - عليه السلام - بذلك
ويقطع به أو من تتبع الاجماعات المنقولة على الحجية ولا يخفى مجازفة هذه الدعوى
لاختلاف الفتاوى فيما اخذ في اعتباره من الخصوصيات ومعه لا مجال لتحصيل القطع
برضائه - عليه السلام - من تتبعها. وهكذا حال تتبع الاجماعات المنقولة.
اللهم إلا أن يدعى تواطؤها على الحجية في الجملة وإنما الاختلاف في الخصوصيات
133

المعتبرة فيها ولكن دون اثباته خرط القتاد (ثانيها) دعوى اتفاق العلماء عملا بل
كافة المسلمين على العمل بخبر الواحد في أمورهم الشرعية كما يظهر من أخذ فتاوى
المجتهدين من الناقلين لها. وفيه - مضافا إلى ما عرفت مما يرد على الوجه الأول،
أنه لو سلم اتفاقهم على ذلك لم يحرز أنهم اتفقوا بما هم مسلمون ومتدينون بهذا الدين
أو بما هم عقلاء ولو لم يلزموا بدين كما هو لا يزالون يعملون بها في غير الأمور الدينية
من الأمور العادية فيرجع إلى ثالث الوجوه وهو دعوى استقرار سيرة العقلاء من
ذوي الأديان وغيرهم على العمل بخبر الثقة واستمرت إلى زماننا ولم يردع عنه نبي
ولا وصي نبي ضرورة أنه لو كان لاشتهر وبان
134

ومن الواضح أنه يكشف عن رضاء الشارع به في الشرعيات أيضا (ان قلت):
يكفي في الردع الآيات الناهية والروايات المانعة عن اتباع غير العلم وناهيك قوله
تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم) وقوله تعالى: (إن الظن لا يغني من الحق
شيئا) (قلت): لا يكاد يكفي تلك الآيات في ذلك فإنه مضافا إلى أنها وردت
إرشادا إلى عدم كفاية الظن في أصول الدين. ولو سلم فإنما المتيقن - لولا أنه
المنصرف إليه إطلاقها - هو خصوص الظن الذي لم يقم على اعتباره حجة، لا يكاد
يكون الردع بها إلا على وجه دائر وذلك لان الردع بها يتوقف على عدم تخصيص
عمومها أو تقييد إطلاقها بالسيرة على اعتبار خبر الثقة هو يتوقف على الردع عنها
بها وإلا لكانت مخصصه أو مقيدة لها كما لا يخفى
136

(لا يقال): على هذا لا يكون اعتبار خبر الثقة بالسيرة أيضا إلا على وجه دائر فان
اعتباره بها فعلا يتوقف على عدم الردع بها عنها وهو يتوقف على تخصيصها بها وهو
يتوقف على عدم الردع بها عنها (فإنه يقال): إنما يكفي في حجيته بها عدم ثبوت
الردع عنها لعدم نهوض ما يصلح لردعها كما يكفي في تخصيصها لها ذلك كما لا يخفى
ضرورة أن ما جرت عليه السيرة المستمرة في مقام الإطاعة والمعصية وفى استحقاق
العقوبة بالمخالفة وعدم استحقاقها مع الموافقة ولو في صورة المخالفة عن الواقع يكون
عقلا في الشرع متبعا ما لم ينهض دليل على المنع عن اتباعه في الشرعيات
138

فافهم وتأمل (1)

(1) قولنا: فافهم وتأمل، إشارة إلى كون خبر الثقة متبعا ولو قيل بسقوط
كل من السيرة والاطلاق عن الاعتبار بسبب دوران الامر بين ردعها به وتقييده
بها وذلك لاجل استصحاب حجيته الثابتة قبل نزول الآيتين (فان قلت): لا مجال
لاحتمال التقييد بها فان دليل اعتبارها مغيى بعدم الردع عنها ومعه لا تكون صالحة
لتقييد الاطلاق مع صلاحيته للردع عنها كما لا يخفى (قلت): الدليل ليس إلا
إمضاء الشارع لها ورضاه بها المستكشف بعدم ردعه عنها في زمان مع إمكانه وهو
غير مغيى. نعم يمكن أن يكون له واقعا وفي علمه تعالى أمد خاص كحكمه
الابتدائي حيث إنه ربما يكون له أمد فينسخ فالردع في الحكم الامضائي ليس
إلا كالنسخ في الابتدائي وذلك غير كونه بحسب الدليل مغيى كما لا يخفى (وبالجملة)
ليس حال السيرة مع الآيات الناهية إلا كحال الخاص المقدم والعام والمؤخر في
دوران الأمر بين التخصيص بالخاص أو النسخ بالعام ففيهما يدور الأمر أيضا بين
التخصيص بالسيرة أو الردع بالآيات فافهم. منه قدس سره
139

في الحاشية في وجه ذلك إلى تقرير آخر في حجية السيرة على حجية خبر الثقة
وحاصله: ان سيرة العقلاء على العمل بالخبر قبل نزول الآيات المذكورة كانت بلا
رادع فتكون حجة على الحجية وبعد نزول الآيات يدور الامر بين تخصيص الآيات
بها وكونها رادعة عنها كما هو الحال في الخاص المقدم على العام إذ يدور الامر بين
كونه مخصصا للعام ومنسوخا به، وقد تقدم ان الأولى القول بالتخصيص ولو فرض
التوقف فالمرجع أصالة الحجية (ثم) أورد على نفسه بان ذلك يتم لو لم يكن دليل
اعتبار السيرة معني بعدم الردع عنها اما إذا كان مغيى بذلك ففي زمان نزول الآيات
يمتنع ان تكون السيرة مقيدة أو مخصصة لاطلاقها أو عمومها لعدم الدليل على اعتبارها
حينئذ من جهة تحقق غاية الاعتبار (ثم) أجاب بان الدليل على اعتبارها إمضاء
الشارع لها ورضاه المستكشف بعدم الردع عنها في زمان وهو غير مغيى بعدم
الرادع نظير دليل الحكم الابتدائي هذا ملخص كلامه (ولكن) الانصاف
يقتضي الفرق بين الاحكام الابتدائية والاحكام الامضائية فان ظهور أدلة الثانية في
الدوام والاستمرار في غاية الاشكال وان كان مسلما في أدلة الأول لان الوجه في
ذلك الظهور ظهور الاحكام الابتدائية في كونها احكاما قانونية ليست مخصصة بزمان دون
زمان وليس الامر كذلك في الاحكام الامضائية، كيف والغالب كون تبليغ
الاحكام على التدريج؟ ولذا لا يصح أن يدعى أن جميع الاحكام الابتدائية في الشريعة
المقدسة كانت ناسخة لما كان قبلها من الاحكام الامضائية بل النسخ يختص بالاحكام
الابتدائية التي تعقبها حكم على خلافها، نعم لو فرض عدم الردع إلى زمان انقطاع
140

فصل
في الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية الخبر الواحد
(أحدها) أنه يعلم إجمالا بصدور كثير مما بأيدينا من الأخبار من الأئمة
الأطهار بمقدار واف بمعظم الفقه بحيث لو علم تفصيلا ذاك المقدار لا نحل علمنا الاجمالي
بثبوت التكاليف بين الروايات وسائر الامارات إلى العلم التفصيلي بالتكاليف في
مضامين الأخبار الصادرة المعلومة تفصيلا والشك البدوي في ثبوت التكليف في
مورد سائر الامارات غير المعتبرة
141

ولازم ذلك لزوم العمل على وفق جميع
142

الأخبار المثبتة وجواز العمل على طبق النافي منها فيما إذا لم يكن في المسألة أصل يثبت
له من قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب بناء على جريانه في أطراف علم إجمالا
بانتقاض الحالة السابقة في بعضها أو قيام أمارة معتبرة على انتقاضها فيه وإلا لاختص
عدم جواز العمل على وفق الثاني بما إذا كان على خلاف قاعدة الاشتغال (وفيه)
أنه لا يكاد ينهض على حجية الخبر بحيث يقدم تخصيصا أو تقييدا أو ترجيحا على
غيره من عموم أو إطلاق أو مثل مفهوم وان كان
143

يسلم عما أورد عليه من أن لازمه الاحتياط في سائر الامارات لا في خصوص الروايات
لما عرفت من انحلال العلم الاجمالي بينها بما علم بين الأخبار بالخصوص ولو بالاجمال
فتأمل جيدا (ثانيها) ما ذكره في الوافية مستدلا على حجية الاخبار الموجودة
في الكتب المعتمدة للشيعة كالكتب الأربعة مع عمل جمع به من غير رد ظاهر وهو
أنا نقطع ببقاء التكليف إلى يوم القيامة ولا سيما بالأصول الضرورية كالصلاة
والزكاة والصوم والحج والمتاجر والأنكحة ونحوها مع أن جل أجزائها وشرائطها
وموانعها إنما يثبت بالخبر غير القطعي بحيث نقطع بخروج حقايق هذه الأمور عن
كونها هذه الأمور عند ترك العمل بخبر الواحد ومن أنكر فإنما ينكره باللسان وقلبه
مطمئن بالايمان انتهى، وأورد عليه أولا بان العلم الاجمالي حاصل بوجود الأجزاء
والشرائط بين جميع الاخبار لا خصوص الاخبار المشروطة بما ذكره فاللازم حينئذ
إما الاحتياط أو العمل بكل ما دل على جزئية شئ أو شرطيته (قلت): يمكن
أن يقال: إن العلم الاجمالي وان كان حاصلا بين جميع الاخبار إلا أن العلم بوجود
الاخبار الصادرة عنهم - عليهم السلام - بقدر الكفاية بين تلك الطائفة أو العلم
باعتبار طائفة كذلك بينها يوجب انحلال ذاك العلم الاجمالي وصيرورة غيره خارجا عن
طرف العلم كما مرت إليه الإشارة في تقريب الوجه الأول. اللهم إلا أن يمنع عن ذلك
وادعي عدم الكفاية فيما علم بصدوره أو اعتباره
144

أو ادعي العلم بصدور أخبار أخر بين غيرها فتأمل (وثانيا) بان قضيته إنما هو
العمل بالاخبار المثبتة للجزئية أو الشرطية دون الاخبار النافية لهما، والأولى أن يورد
عليه بان قضيته إنما هو الاحتياط بالاخبار المثبتة فيما لم تقم حجة معتبرة على نفيهما من
عموم دليل أو إطلاقه لا الحجية بحيث يخصص أو يقيد بالمثبت منها أو يعمل بالنافي
في قبال حجة على الثبوت ولو كان أصلا كما لا يخفى (ثالثها) ما أفاده بعض
المحققين بما ملخصه أنا نعلم بكوننا مكلفين بالرجوع إلى الكتاب والسنة إلى يوم
القيامة فان تمكنا من الرجوع إليهما على نحو يحصل العلم بالحكم أو ما بحكمه فلا بد من
الرجوع إليهما كذلك وإلا فلا محيص عن الرجوع على نحو يحصل الظن به في
الخروج عن عهدة
145

هذا التكليف فلو لم يتمكن من القطع بالصدور أو الاعتبار فلا بد من التنزل إلى
146

الظن بأحدهما (وفيه) أن قضية بقاء التكليف فعلا بالرجوع إلى الأخبار الحاكية
للسنة كما صرح بأنها المراد منها في ذيل كلامه - زيد في علو مقامه - إنما هي
الاقتصار في الرجوع إلى الاخبار المتيقن الاعتبار فان وفى وإلا أضيف إليه الرجوع
إلى ما هو المتيقن اعتباره بالإضافة لو كان والا فالاحتياط بنحو عرفت لا الرجوع
إلى ما ظن اعتباره وذلك للتمكن من الرجوع علما تفصيلا أو إجمالا فلا وجه مع من
الاكتفاء بالرجوع إلى ما ظن اعتباره. هذا مع أن مجال المنع عن ثبوت التكليف
بالرجوع إلى السنة بذاك المعنى فيما لم يعلم بالصدور ولا بالاعتبار بالخصوص واسع وأما
الايراد عليه برجوعه إما إلى دليل الانسداد لو كان ملاكه دعوى العلم الاجمالي
بتكاليف واقعية وإما إلى الدليل الأول لو كان ملاكه دعوى العلم بصدور أخبار
كثيرة بين ما بأيدينا من الاخبار ففيه أن ملاكه إنما هو دعوى العلم بالتكليف
بالرجوع إلى الروايات في الجملة إلى يوم القيامة فراجع تمام كلامه تعرف حقيقة
مرامه.
147

فصل
(في الوجوه التي أقاموها على حجية الظن)
وهي أربعة (الأول) أن في مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبي أو
التحريمي مظنة للضرر ودفع الضرر المظنون لازم أما الصغرى فلان الظن بوجوب
شئ أو حرمته يلازم الظن بالعقوبة على مخالفته أو الظن بالمفسدة فيها بناء على تبعية
الأحكام للمصالح والمفاسد، وأما الكبرى فلاستقلال العقل بدفع الضرر المضنون ولو
لم نقل بالتحسين والتقبيح لوضوح عدم انحصار ملاك حكمه بهما بل يكون التزامه
بدفع الضرر المظنون بل المحتمل بما هو كذلك ولو لم يستقل بالتحسين والتقبيح
148

مثل الالتزام بفعل ما استقل بحسنه إذا قيل باستقلاله ولذا أطبق العقلاء عليه مع
خلافهم في استقلاله بالتحسين والتقبيح فتدبر جيدا. والصواب في الجواب هو منع
الصغرى أما العقوبة فلضرورة عدم الملازمة بين الظن بالتكليف والظن بالعقوبة على
مخالفته لعدم الملازمة بينه والعقوبة على مخالفته وإنما الملازمة بين خصوص معصيته
واستحقاق العقوبة عليها لا بين مطلق المخالفة والعقوبة بنفسها ومجرد الظن به بدون
دليل على اعتباره لا يتنجز به كي يكون مخالفته عصيانه
149

إلا أن يقال: إن العقل وإن لم يستقل بتنجزه بمجرده بحيث يحكم باستحقاق العقوبة
على مخالفته الا انه لا يستقل أيضا بعدم استحقاقها معه فيحتمل العقوبة حينئذ على
المخالفة ودعوى استقلاله بدفع الضرر المشكوك كالمظنون قريبة جدا
150

لا سيما إذا كان هو العقوبة الأخروية كما لا يخفى وأما المفسدة فلانها وان كان الظن
151

بالتكليف يوجب الظن بالوقوع فيها لو خالفه الا انها ليست بضرر على كل حال
ضرورة ان كلما يوجب قبح الفعل من المفاسد لا يلزم أن يكون من الضرر على فاعله
بل ربما يوجب حزازة ومنقصة في الفعل بحيث يذم عليه فاعله بلا ضرر عليه أصلا كما
لا يخفى، وأما تفويت المصلحة فلا شبهة في أنه ليس فيه مضرة بل ربما يكون في
استيفائها المضرة كما في الاحسان بالمال هذا مع منع كون الأحكام تابعه للمصالح والمفاسد
في المأمور بها والمنهي عنها بل إنما هي تابعة لمصالح فيها
152

كما حققناه في بعض فوائدنا. وبالجملة ليست المفسدة ولا المنفعة الفائتة اللتان في الأفعال
وأنيط بهما الاحكام بمضرة وليس مناط حكم العقل بقبح ما فيه المفسدة أو حسن
ما فيه المصلحة من الأفعال على القول باستقلاله بذلك هو كونه ذا ضرر وارد على
فاعله أو نفع عائد إليه، ولعمري هذا أوضح من أن يخفى
153

فلا مجال لقاعدة دفع الضرر المظنون ها هنا أصلا ولا استقلال للعقل بقبح فعل ما فيه
احتمال المفسدة أو ترك ما فيه احتمال المصلحة فافهم (الثاني) أنه لو لم يؤخذ بالظن
لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح (وفيه) أنه لا يكاد يلزم منه ذلك الا
فيما إذا كان الاخذ بالظن أو بطرفه لازما مع عدم امكان الجمع بينهما عقلا أو عدم
وجوبه شرعا ليدور الامر بين ترجيحه وترجيح طرفه ولا يكاد يدور الامر بينهما
الا بمقدمات دليل الانسداد وإلا كان اللازم هو الرجوع إلى العلم أو العلمي أو
الاحتياط أو البراءة أو غيرهما على حسب اختلاف الاشخاص أو الأحوال في اختلاف
المقدمات على ما ستطلع على حقيقة الحال (الثالث) ما عن السيد الطباطبائي - قدس
سره - من أنه لا ريب في وجود واجبات ومحرمات كثيرة بين المشتبهات ومقتضى
ذلك وجوب الاحتياط بالاتيان بكل ما يحتمل الوجوب ولو موهوما وترك ما يحتمل
154

الحرمة كذلك ولكن مقتضى قاعدة نفي الحرج عدم وجوب ذلك كله لأنه عسر
أكيد وحرج شديد فمقتضى الجمع بين قاعدتي الاحتياط وانتفاء الحرج العمل
بالاحتياط في المظنونات دون المشكوكات والموهومات لان الجمع على غير هذا الوجه
باخراج بعض المظنونات وإدخال بعض المشكوكات والموهومات باطل إجماعا،
ولا يخفى ما فيه من القدح والفساد فإنه بعض مقدمات دليل الانسداد ولا يكاد
ينتج بدون سائر مقدماته ومعه لا يكون دليل آخر بل ذاك الدليل (الرابع)
دليل الانسداد وهو مؤلف من مقدمات يستقل العقل مع تحققها بكفاية الإطاعة
الظنية حكومة أو كشفا على ما تعرف ولا يكاد يستقل بها بدونها وهي خمس (أولاها)
انه يعلم اجمالا بثبوت تكاليف كثيرة فعلية في الشريعة (ثانيتها) أنه قد
انسد علينا باب العلم
155

والعلمي إلى كثير منها (ثالثتها) أنه لا يجوز لنا إهمالها وعدم التعرض لامتثالها
أصلا (رابعتها) أنه لا يجب علينا الاحتياط في أطراف علمنا بل لا يجوز في الجملة
كما لا يجوز الرجوع إلى الأصل في المسألة من استصحاب وتخيير وبراءة واحتياط ولا
إلى فتوى العالم بحكمها (خامستها) أنه كان ترجيح المرجوح على الراجح قبيحا
فيستقل العقل حينئذ بلزوم الإطاعة الظنية لتلك التكاليف المعلومة وإلا لزم بعد
156

انسداد باب العلم والعلمي بها إما إهمالها، وإما لزوم الاحتياط في أطرافها، وإما
الرجوع إلى الأصل الجاري في كل مسألة مع قطع النظر عن العلم بها أو التقليد فيها أو
الاكتفاء بالإطاعة الشكية أو الوهمية مع التمكن من الظنية والفرض بطلان كل واحد
منها (أما المقدمة الأولى) فهي وإن كانت بديهية إلا أنه قد عرفت انحلال العلم
الاجمالي بما في الأخبار الصادرة عن الأئمة الطاهرين - عليهم السلام - التي تكون
فيما بأيدينا من الروايات في الكتب المعتبرة ومعه لا موجب للاحتياط إلا في خصوص
ما في الروايات وهو غير مستلزم للعسر فضلا عما يوجب الاختلال ولا إجماع على عدم
وجوبه ولو سلم الاجماع على عدم وجوبه لو لم يكن هناك انحلال (وأما المقدمة
الثانية) فاما بالنسبة إلى العلم فهي بالنسبة إلى أمثال زماننا بينة وجدانية يعرف الانسداد
كل من تعرض للاستنباط والاجتهاد، وأما بالنسبة إلى العلمي فالظاهر أنها
157

غير ثابتة لما عرفت من نهوض الأدلة على حجية خبر يوثق بصدقه وهو - بحمد الله -
واف بمعظم الفقه لا سيما بضميمة ما علم تفصيلا منها كما لا يخفى (وأما الثالثة)
فهي قطعية ولو لم نقل بكون العلم الاجمالي منجزا مطلقا أو فيما جاز أو وجب
الاقتحام في بعض أطرافه كما في المقام حسب ما يأتي وذلك لان إهمال معظم الاحكام
وعدم الاجتناب كثيرا عن الحرام مما يقطع بأنه مرغوب عنه شرعا ومما يلزم تركه
إجماعا (إن قلت): إذا لم يكن العلم بها منجزا لها للزوم الاقتحام في بعض
الأطراف كما أشير إليه فهل كان العقاب على المخالفة في سائر الأطراف حينئذ على
158

تقدير المصادفة إلا عقابا بلا بيان والمؤاخذة عليها الا مؤاخذة بلا برهان؟ (قلت):
هذا انما يلزم لو لم يعلم بايجاب الاحتياط وقد علم به بنحو اللم حيث علم اهتمام الشارع
بمراعات تكاليفه بحيث ينافيه عدم ايجابه الاحتياط الموجب للزوم المراعاة ولو كان
بالالتزام ببعض المحتملات مع صحة دعوى الاجماع على عدم جواز الاهمال في هذا
الحال وأنه مرغوب عنه شرعا قطعا فلا تكون المؤاخذة والعقاب حينئذ بلا بيان وبلا
برهان كما حققناه في البحث وغيره (وأما المقدمة الرابعة) فهي بالنسبة إلى عدم
وجوب الاحتياط التام بلا كلام فيما يوجب عسره اختلال النظام وأما فيما لا يوجب
فمحل نظر بل منع لعدم حكومة قاعدة نفي العسر والحرج على قاعدة الاحتياط وذلك
لما حققناه في معنى ما دل على نفي الضرر والعسر من أن التوفيق بين دليلهما ودليل
التكليف أو الوضع المتعلقين
159

بما يعمهما
160

هو نفيهما عنهما بلسان نفيهما فلا يكون له حكومة على الاحتياط العسر إذا كان بحكم
العقل لعدم العسر في متعلق التكليف وإنما هو في الجمع بين محتملاته احتياطا (نعم) لو كان
معناه نفي الحكم الناشئ من قبله العسر كما قيل لكانت قاعدة نفيه محكمة على قاعدة
الاحتياط لأن العسر حينئذ يكون من قبل التكاليف المجهولة فتكون منفية بنفيه.
ولا يخفى أنه على هذا لا وجه لدعوى استقلال العقل بوجوب الاحتياط في بعض
الأطراف بعد رفع اليد عن الاحتياط في تمامها بل لا بد من دعوى وجوبه شرعا كما
أشرنا إليه في بيان المقدمة الثالثة فافهم وتأمل جيدا، واما الرجوع إلى الأصول فبالنسبة
إلى الأصول المثبتة من احتياط أو استصحاب مثبت للتكليف
161

فلا مانع عن إجرائها عقلا مع حكم العقل وعموم النقل. هذا ولو قيل بعدم جريان
الاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي لاستلزام شمول دليله لها التناقض في مدلوله
بداهة تناقض حرمة النقض في كل منها بمقتضى: (لا تنقض) لوجوبه في البعض كما
هو قضية: (ولكن تنقضه بيقين آخر)
163

وذلك لأنه إنما يلزم فيما إذا كان الشك في أطرافه فعليا وأما إذا لم يكن كذلك بل
لم يكن الشك فعلا إلا في بعض أطرافه وكان بعض أطرافه الأخر غير ملتفت إليه
فعلا أصلا كما هو حال المجتهد في مقام استنباط الأحكام كما لا يخفى فلا يكاد يلزم ذلك
فان قضية: (لا تنقض) ليس حينئذ إلا حرمة النقض في خصوص الطرف
المشكوك وليس فيه علم بالانتقاض كي يلزم التناقض في مدلول دليله من شموله له فافهم
164

ومنه قد انقدح ثبوت حكم العقل وعموم النقل بالنسبة إلى الأصول النافية أيضا وانه
لا يلزم محذور لزوم التناقض من شمول الدليل لها لو لم يكن هناك مانع عقلا أو شرعا
من إجرائها ولا مانع كذلك لو كانت موارد الأصول المثبتة بضميمة ما علم تفصيلا أو
نهض عليه علمي
165

بمقدار المعلوم اجمالا بل بمقدار لم يكن معه مجال لاستكشاف إيجاب الاحتياط وإن لم
يكن بذاك المقدار، ومن الواضح أنه يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال. وقد
ظهر بذلك أن العلم الاجمالي بالتكاليف ربما ينحل ببركة جريان الأصول المثبتة
وتلك الضميمة فلا موجب حينئذ للاحتياط عقلا ولا شرعا أصلا كما لا يخفى، كما ظهر أنه لو
لم ينحل بذلك كان خصوص موارد الأصول النافية مطلقا ولو من مظنونات عدم
التكليف محلا للاحتياط فعلا ويرفع اليد عنه فيها كلا أو بعضا بمقدار رفع الاختلال
أو رفع العسر على ما عرفت
166

لا محتملات التكليف مطلقا، وأما الرجوع إلى فتوى العالم فلا يكاد يجوز، ضرورة
أنه لا يجوز إلا للجاهل، لا للفاضل الذي يرى خطأ من يدعي انفتاح باب العلم أو العلمي
فهل يكون رجوعه إليه بنظره إلا من قبيل رجوع الفاضل إلى الجاهل؟ (واما المقدمة
الخامسة) فلاستقلال العقل بها وانه لا يجوز التنزل بعد عدم التمكن من الإطاعة العلمية أو
عدم وجوبها إلا إلى الطاعة الظنية دون الشكية أو الوهمية لبداهة مرجوحيتهما بالإضافة
إليها وقبح ترجيح المرجوح على الراجح لكنك عرفت عدم وصول النوبة إلى الإطاعة
الاحتمالية مع دوران الأمر بين الظنية والشكية والوهمية
167

من جهة ما أوردناه على المقدمة الأولى من انحلال العلم الاجمالي بما في أخبار الكتب المعتبرة
وقضيته الاحتياط بالالزام عملا بما فيها من التكاليف ولا بأس به حيث لا يلزم منه عسر
168

فضلا عما يوجب اختلال النظام وما أوردنا على المقدمة الرابعة من جواز الرجوع إلى
الأصول مطلقا ولو كانت نافية لوجود المقتضي وفقد المانع عنه لو كان التكليف في
موارد الأصول المثبتة وما علم منه تفصيلا أو نهض عليه دليل معتبر بمقدار معلوم
بالاجمال وإلا فإلى الأصول المثبتة وحدها وحينئذ كان خصوص موارد الأصول النافية
محلا لحكومة العقل وترجيح مظنونات التكليف فيها على غيرها ولو بعد استكشاف
وجوب الاحتياط في الجملة شرعا بعد عدم وجوب الاحتياط التام شرعا أو عقلا على ما
عرفت تفصيله. هذا هو التحقيق على ما يساعد عليه النظر الدقيق فافهم تدبر جيدا
169

فصل
(هل قضية المقدمات على تقدير سلامتها هي حجية الظن بالواقع أو بالطريق أو بهما؟)
أقوال والتحقيق أن يقال: إنه لا شبهة في أن هم العقل في كل حال إنما
هو تحصيل الأمن من تبعة التكاليف المعلومة
171

من العقوبة على مخالفتها كما لا شبهة في استقلاله في تعيين ما هو المؤمن منها وفى أن كل
ما كان القطع به مؤمنا في حال الانفتاح كان الظن به مؤمنا حال الانسداد جزما
172

وأن المؤمن في حال الانفتاح هو القطع باتيان المكلف به الواقعي بما هو كذلك لا بما
هو معلوم ومؤدى الطريق ومتعلق العلم وهو طريق شرعا وعقلا أو باتيانه الجعلي
وذلك لان العقل قد استقل بان الاتيان بالمكلف به الحقيقي بما هو هو لا بما مؤدى
الطريق مبرئ للذمة قطعا كيف وقد عرفت أن القطع بنفسه طريق لا يكاد تناله يد
الجعل احداثا وامضاء إثباتا ونفيا. ولا يخفى أن قضية ذلك هو التنزل إلى الظن بكل
واحد من الواقع والطريق ولا منشأ لتوهم الاختصاص بالظن بالواقع إلا توهم أن
قضيته اختصاص المقدمات بالفروع لعدم انسداد باب العلم في الأصول وعدم إلجاء في
التنزل إلى الظن فيها
173

والغفلة عن أن جريانها في الفروع موجب لكفاية الظن بالطريق في مقام يحصل الأمن
من عقوبة التكاليف وان كان باب العلم في غالب الأصول مفتوحا وذلك لعدم التفاوت
في نظر العقل في ذلك بين الظنين كما أن منشأ توهم الاختصاص بالظن بالطريق وجهان
أحدهما ما أفاده بعض الفحول وتبعه في الفصول قال فيها: إنا كما نقطع بانا مكلفون
في زماننا هذا تكليفا فعليا باحكام فرعية كثيرة لا سبيل لنا بحكم العيان وشهادة
الوجدان إلى تحصيل كثير منها بالقطع ولا بطريق معين يقطع من السمع بحكم الشارع
بقيامه أو قيام طريقه مقام القطع ولو عند تعذره كذلك نقطع بان الشارع قد جعل لنا
إلى تلك الأحكام طريقا مخصوصا وكلفنا تكليفا فعليا بالعمل بمؤدى طرق مخصوصة
وحيث إنه لا سبيل غالبا إلى تعيينها بالقطع ولا بطريق يقطع من السمع بقيامه بالخصوص
أو قيام طريقه كذلك مقام القطع ولو بعد تعذره فلا ريب أن الوظيفة في مثل ذلك
بحكم العقل إنما هو الرجوع في تعيين ذلك الطريق إلى الظن الفعلي الذي لا دليل على
عدم حجيته لأنه أقرب إلى العلم والى إصابة الواقع مما عداه
174

(وفيه) أولا بعد تسليم العلم بنصب طرق خاصة باقية فيما بأيدينا من الطرق غير
العلمية وعدم وجود المتيقن بينها أصلا - أن قضية ذلك هو الاحتياط في أطراف
هذه الطرق المعلومة بالاجمال لا تعيينها بالظن (لا يقال): الفرض هو عدم وجوب
الاحتياط بل عدم جوازه لان الفرض إنما هو عدم جوب الاحتياط التام في أطراف
الاحكام مما يوجب العسر المخل بالنظام لا الاحتياط في خصوص ما بأيدينا من الطرق
فان قضية هذا الاحتياط
175

هو جواز رفع اليد عنه في غير مواردها والرجوع إلى الأصل فيه ولو كان
نافيا للتكليف. وكذا فيما إذا نهض الكل على نفيه. وكذا فيما إذا تعارض فردان
من بعض الأطراف فيه نفيا واثباتا مع ثبوت المرجح للنافي بل مع عدم رجحان
المثبت في خصوص الخبر منها
176

ومطلقا في غيره بناء على عدم ثبوت الترجيح على تقدير الاعتبار في غير الاخبار
وكذا لو تعارض اثنان منها في الوجوب والتحريم فان المرجع في جميع ما ذكر من
موارد التعارض هو الأصل الجاري فيها ولو كان نافيا لعدم نهوض طريق معتبر ولا
ما هو من أطراف العلم به على خلافه فافهم. وكذا كل مورد لم يجز فيه الأصل
المثبت للعلم بانتقاض الحالة السابقة فيه إجمالا بسبب العلم به أو بقيام امارة معتبرة عليه
في بعض أطرافه بناء على عدم جريانه بذلك (وثانيا) لو سلم أن قضيته لزوم التنزل إلى
الظن فتوهم ان الوظيفة حينئذ هو خصوص الظن بالطريق فاسد قطعا وذلك لعدم
كونه أقرب إلى العلم وإصابة الواقع
177

من الظن بكونه مؤدى طريق معتبر من دون الظن بحجية طريق أصلا ومن الظن
بالواقع كما لا يخفى (لا يقال): إنما لا يكون أقرب من الظن بالواقع إذا لم يصرف
التكليف الفعلي عنه إلى مؤديات الطرق ولو بنحو التقييد فان الالتزام به بعيد إذا الصرف
لو لم يكن تصويبا محالا فلا أقل من كونه مجمعا على بطلانه ضرورة أن القطع بالواقع
يجدي في الاجزاء بما هو واقع لا بما هو مؤدى طريق القطع
178

كما عرفت. ومن هنا انقدح أن التقييد أيضا غير سديد مع أن الالتزام بذلك غير
مفيد فان الظن بالواقع فيما ابتلي به من التكاليف لا يكاد ينفك عن الظن بأنه مؤدى طريق
معتبر والظن بالطريق ما لم يظن بإصابة الواقع غير مجد بناء على التقييد لعدم استلزامه
الظن بالواقع المقيد به بدونه. هذا مع عدم مساعدة نصب الطريق على الصرف ولا على
التقييد غايته أن العلم الاجمالي بنصف طرق وافية يوجب انحلال العلم بالتكاليف
الواقعية إلى العلم بما هو مضامين الطرق المنصوبة من التكاليف الفعلية، والانحلال وان
كان يوجب عدم تنجز ما لم يؤد إليه الطريق من التكاليف الواقعية
179

إلا أنه إذا كان رعاية العلم بالنصب لازما والفرض عدم اللزوم بل عدم الجواز وعليه يكون
التكاليف الواقعية كما إذا لم يكن هناك علم بالنصب في كفاية الظن بها حال انسداد
باب العلم كما لا يخفى ولا بد (حينئذ) من عناية (1) أخرى في لزوم رعاية الواقعيات

(1) وهي ايجاب الاحتياط في الجملة المستكشف بنحو اللم من عدم الاهمال
في حال الانسداد قطعا إجماعا بل ضرورة وهو يقتضي التنزل إلى الظن بالواقع
حقيقة أو تعبدا إذا كان استكشافه في التكاليف المعلومة إجمالا لما عرفت من
وجوب التنزل عن القطع بكل ما يجب تحصيل القطع به في حال الانفتاح إلى الظن
به في هذا الحال والى الظن بخصوص الواقعيات التي تكون مؤديات الطرق
المعتبرة أو بمطلق المؤديات لو كان استكشافه في خصوصها أو في مطلقها فلا يكاد
أن تصل النوبة إلى الظن بالطريق بما هو كذلك وان كان يكفي لكونه مستلزما
للظن بكون مؤداه مؤدى طريق معتبر كما يكفي الظن بكونه كذلك ولو لم يكن
180

بنحو من الإطاعة وعدم إهمالها رأسا كما أشرنا إليها ولا شبهة في أن الظن بالواقع لو
لم يكن أولى حينئذ لكونه أقرب في التوسل به إلى ما به الاهتمام من فعل الواجب
وترك الحرام من الظن بالطريق فلا أقل من كونه مساويا فيما يهم العقل من تحصيل
الأمن من العقوبة في كل حال. هذا - مع ما عرفت من أنه عادة يلازم الظن بأنه
مؤدى طريق وهو بلا شبهة يكفي ولو لم يكن هناك ظن بالطريق فافهم فإنه دقيق
(ثانيهما) ما اختص به بعض المحققين قال: لا ريب في كوننا مكلفين بالأحكام الشرعية
ولم يسقط عنا التكليف بالأحكام الشرعية وأن الواجب علينا أولا هو
تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم المكلف بان يقطع معه بحكمه بتفريغ ذمتنا عما كلفنا
به وسقوط تكليفنا عنا سواء حصل العلم معه بأداء الواقع

ظن باعتبار طريق أصلا كما لا يخفى وأنت خبير بأنه لا وجه لاحتمال ذلك وإنما
المتيقن هو لزوم رعاية الواقعيات في كل حال بعد لزوم رعاية الطرق المعلومة
بالاجمال بين أطراف كثيرة فافهم. منه قدس سره
181

أو لا حسبما مر تفصيل القول فيه فحينئذ نقول: إن صح لنا تحصيل العلم بتفريغ ذمتنا
في حكم الشارع فلا إشكال في وجوبه وحصول البراءة به وان انسد علينا سبيل العلم
كان الواجب علينا تحصيل الظن بالبراءة في حكمه إذ هو الأقرب إلى العلم به فيتعين
الأخذ به عند التنزل من العلم في حكم العقل بعد انسداد سبيل العلم والقطع ببقاء
التكليف دون ما يحصل معه الظن بأداء الواقع كما يدعيه القائل بأصالة حجية الظن. انتهى
موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه، (وفيه) أولا ان الحاكم على الاستقلال في
باب تفريغ الذمة بالإطاعة والامتثال انما هو العقل وليس للشارع في هذا الباب حكم
مولوي يتبعه حكم العقل. ولو حكم في هذا الباب كان بتبع حكمه إرشادا إليه وقد
عرفت استقلاله بكون الواقع بما هو مفرغ وان القطع به حقيقة أو تعبدا مؤمن
جزما وأن المؤمن في حال الانسداد هو الظن بما كان القطع به مؤمنا حال الانفتاح
فيكون الظن بالواقع أيضا مؤمنا حال الانسداد (وثانيا) سلمنا ذلك لكن حكمه
بتفريغ الذمة فيما إذا أتى المكلف بمؤدى الطريق المنصوب ليس إلا بدعوى أن
النصب يستلزمه مع أن دعوى أن التكليف بالواقع يستلزم حكمه بالتفريغ فيما إذا
أتى به أولى كما لا يخفى فيكون الظن به ظنا بالحكم بالتفريغ أيضا
182

(ان قلت): كيف يستلزم الظن بالواقع مع أنه ربما يقطع بعدم حكمه به معه
كما إذا كان من القياس وهذا بخلاف الظن بالطريق فإنه يستلزمه ولو كان من القياس
(قلت): الظن بالواقع أيضا يستلزم الظن بحكمه بالتفريغ ولا ينافي القطع بعدم
حجيته لدى الشارع وعدم كون المكلف معذورا إذا عمل به فيما أخطأ بل كان
مستحقا للعقاب ولو فيما أصاب لو بني على حجيته والاقتصار عليه لتجريه فافهم
(وثالثا) سلمنا أن الظن بالواقع لا يستلزم الظن به لكن قضيته ليس إلا التنزل

(1) وذلك لضرورة الملازمة بين الاتيان بما كلف به واقعا وحكمه بالفراغ
ويشهد به عدم جواز الحكم بعدمه لو سئل عن أن الاتيان بالمأمور به على وجهه
هل هو مفرغ ولزوم حكمه بأنه مفرغ والا لزم عدم إجزاء الامر الواقعي وهو
واضح البطلان. منه قدس سره
183

إلى الظن بأنه مؤدى طريق معتبر لا خصوص الظن بالطريق وقد عرفت أن الظن
بالواقع لا يكاد ينفك عن الظن بأنه مؤدى الطريق غالبا
فصل
لا يخفى عدم مساعدة مقدمات الانسداد على الدلالة على كون الظن طريقا منصوبا
شرعا ضرورة انه معها لا يجب عقلا على الشارع أن ينصب طريقا لجواز اجتزائه بما
استقل به العقل في هذا الحال
184

ولا مجال لاستكشاف نصب الشارع من حكم العقل لقاعدة الملازمة ضرورة أنها إنما
تكون في مورد قابل للحكم الشرعي والمورد ها هنا غير قابل له فان الإطاعة الظنية
التي يستقل العقل بكفايتها في حال الانسداد إنما هي بمعنى عدم جواز مؤاخذة الشارع
بأزيد منها وعدم جواز اقتصار المكلف بدونها ومؤاخذة الشارع غير قابلة لحكمه
وهو واضح واقتصار المكلف بما دونها لما كان بنفسه موجبا للعقاب
185

مطلقا إلا فيما أصاب الظن كما أنها بنفسها موجبة للثواب أخطأ أو أصاب من دون
حاجة إلى أمر بها أو نهي عن مخالفتها كان حكم الشارع فيه مولويا بلا ملاك يوجبه
كما لا يخفى ولا بأس به ارشاديا كما هو شأنه في حكمه بوجوب الإطاعة وحرمة المعصية
188

وصحة نصبه الطريق وجعله في كل حال بملاك يوجب نصبه وحكمة داعية إليه لا تنافي
استقلال العقل بلزوم الإطاعة بنحو حال الانسداد كما يحكم بلزومها بنحو آخر حال
الانفتاح من دون استكشاف حكم الشارع بلزومها مولويا لما عرفت فانقدح بذلك عدم
صحة تقرير المقدمات إلا على نحو الحكومة دون الكشف وعليها فلا إهمال في
النتيجة أصلا سببا وموردا ومرتبة لعدم تطرق الاهمال والاجمال في حكم العقل كما لا
يخفى. أما بحسب الأسباب فلا تفاوت بنظره فيها وأما بحسب الموارد فيمكن أن
يقال بعدم استقلاله بكفاية الإطاعة الظنية الا فيما ليس للشارع مزيد اهتمام فيه بفعل
الواجب وترك الحرام واستقلاله بوجوب الاحتياط فيما فيه مزيد الاهتمام كما في
الفروج والدماء بل وسائر حقوق الناس مما لا يلزم من الاحتياط فيها العسر وأما بحسب
المرتبة فكذلك لا يستقل إلا بلزوم التنزل إلى مرتبة الاطمئنان من الظن بعدم
التكليف الا على تقدير عدم كفايتها في دفع محذور العسر وأما على تقرير الكشف
189

فلو قيل بكون النتيجة هو نصب الطريق الواصل بنفسه فلا إهمال فيها أيضا بحسب
الأسباب بل يستكشف حينئذ أن الكل حجة لو لم يكن بينها ما هو المتيقن وإلا فلا
مجال لاستكشاف حجية غيره ولا بحسب الموارد بل يحكم بحجيته في جميعها والا لزم
عدم وصول الحجة ولو لاجل التردد في مواردها كما لا يخفى
191

ودعوى الاجماع على التعميم بحسبها في مثل هذه المسألة المستحدثة مجازفة جدا وأما
بحسب المرتبة ففيها إهمال لاجل احتمال حجية خصوص الاطميناني منه إذا كان وافيا
فلا بد من الاقتصار عليه ولو قيل بان النتيجة هو نصب الطريق الواصل ولو بطريقه فلا
إهمال فيها بحسب الأسباب
192

لو لم يكن فيها تفاوت أصلا أو لم يكن بينها إلا واحد، وإلا فلا بد من الاقتصار على
متيقن الاعتبار منها أو مظنونه باجراء مقدمات دليل الانسداد حينئذ مرة أو مرات
في تعيين الطريق المنصوب حتى ينتهي إلى الظن واحد أو إلى ظنون متعددة لا تفاوت
193

بينها فيحكم بحجية كلها، أو متفاوتة يكون بعضها الوافي متيقن الاعتبار فيقتصر عليه
وأما بحسب الموارد والمرتبة فكما إذا كانت النتيجة هي الطريق الواصل بنفسه فتدبر
جيدا، ولو قيل بان النتيجة هو الطريق ولو لم يصل أصلا فالاهمال فيها يكون من الجهات
ولا محيص حينئذ إلا من الاحتياط في الطريق بمراعات أطراف الاحتمال لو لم يكن
بينها متيقن الاعتبار لو لم يلزم منه محذور وإلا لزم التنزل إلى حكومة العقل بالاستقلال
فتأمل فان المقام من مزال الأقدام (وهم ودفع)
194

لعلك تقول: ان القدر المتيقن الوافي لو كان في البين لما كان مجال لدليل الانسداد
ضرورة أنه من مقدماته انسداد باب العلمي أيضا، لكنك غفلت عن أن المراد ما إذا
كان اليقين بالاعتبار من قبله لأجل اليقين بأنه لو كان شئ حجة شرعا كان هذا
الشئ حجة قطعا بداهة أن الدليل على أحد المتلازمين إنما هو الدليل على الآخر لا
الدليل على الملازمة. ثم لا يخفى أن الظن باعتبار الظن بالخصوص يوجب اليقين باعتباره
من باب دليل الانسداد على تقرير الكشف بناء على كون النتيجة هو الطريق الواصل
بنفسه فإنه حينئذ
195

يقطع بكونه حجة كان غيره حجة أولا واحتمال عدم حجيته بالخصوص لا ينافي القطع
بحجيته بملاحظة الانسداد ضرورة أنه على الفرض لا يحتمل أن يكون غيره حجة بلا
نصب قرينة ولكنه من المحتمل أن يكون هو الحجة دون غيره لما فيه من خصوصية
الظن بالاعتبار وبالجملة: الأمر يدور بين حجية الكل وحجيته فيكون مقطوع
الاعتبار ومن هنا ظهر حال القوة ولعل نظر من رجح بها إلى هذا الفرض وكان منع
شيخنا العلامة - أعلى الله مقامه - عن الترجيح بها بناء على كون النتيجة هو الطريق
الواصل ولو بطريقه أو الطريق ولو لم يصل أصلا وبذلك ربما يوفق بين كلمات الاعلام
في المقام وعليك بالتأمل التام. ثم لا يذهب عليك أن الترجيح بها إنما هو
196

على تقدير كفاية الراجح وإلا فلا بد من التعدي إلى غيره بمقدار الكفاية فيختلف
الحال باختلاف الأنظار بل الأحوال، وأما تعميم النتيجة بان قضية العلم الاجمالي
بالطريق هو الاحتياط في أطرافه فهو لا يكاد يتم إلا على تقدير كون النتيجة هو نصب
الطريق ولو لم يصل أصلا، مع أن التعميم بذلك لا يوجب العمل الا على وفق المثبتات
من الأطراف دون النافيات الا فيما إذا كان هناك ناف من جميع الأصناف، ضرورة
ان
197

الاحتياط فيها لا يقتضي رفع اليد عن الاحتياط في المسألة الفرعية إذا لزم حيث لا ينافيه،
كيف ويجوز الاحتياط فيها مع قيام الحجة النافية كما لا يخفى فما ظنك بما لا يجب الأخذ
بموجبه الا من باب الاحتياط فافهم.
فصل
قد اشتهر الاشكال بالقطع بخروج القياس على عموم نتيجة دليل الانسداد
بتقرير الحكومة وتقريره - على ما في الرسائل - أنه كيف يجامع حكم العقل
بكون الظن كالعلم مناطا للإطاعة والمعصية ويقبح على الآمر والمأمور التعدي عنه ومع
198

ذلك يحصل الظن أو خصوص الاطمئنان من القياس ولا يجوز الشارع العمل به؟ فان
المنع عن العمل بما يقتضيه العقل من الظن أو خصوص الاطمئنان لو فرض ممكنا
جرى في غير القياس فلا يكون العقل مستقلا إذ لعله نهي عن امارة مثل ما نهى عن
القياس واختفى علينا ولا دافع لهذا الاحتمال إلا قبح ذلك على الشارع إذ احتمال
صدور ممكن بالذات عن الحكيم لا يرتفع الا بقبحه وهذا من أفراد ما اشتهر من
أن الدليل العقلي لا يقبل التخصيص انتهى موضع الحاجة من كلامه - زيد في علو
199

مقامه - وأنت خبير بأنه لا وقع لهذا الاشكال بعد وضوح كون حكم العقل بذلك
معلقا على عدم نصب الشارع طريقا واصلا وعدم حكمه به فيما كان هناك منصوب
ولو كان أصلا، بداهة أن من مقدمات حكمه عدم وجود علم ولا علمي فلا موضع
لحكمه مع أحدهما، والنهي عن ظن حاصل من سبب ليس إلا كنصب شئ بل هو
يستلزمه فيما كان في مورده أصل شرعي فلا يكون
200

نهيه عنه رفعا لحكمه عن موضوعه بل به يرتفع موضوعه وليس حال النهي
عن سبب مفيد للظن إلا كالأمر بما لا يفيده وكما لا حكومة معه للعقل لا حكومة له
معه وكما لا يصح بلحاظ حكمه الاشكال فيه لا يصح الاشكال فيه بلحاظه
(نعم) لا بأس بالاشكال فيه في نفسه كما أشكل فيه برأسه بملاحظة توهم استلزام
النصب لمحاذير تقدم الكلام في تقريرها وما هو التحقيق في جوابها في جعل الطرق
غاية الامر تلك المحاذير التي تكون فيما إذا أخطأ الطريق المنصوب كانت في
الطريق المنهي عنه في مورد الإصابة ولكن من الواضح أنه لا دخل لذلك في الاشكال
على دليل الانسداد بخروج القياس
201

ضرورة أنه بعد الفراغ عن صحة النهي عنه في الجملة قد أشكل في عموم النهي لحال
الانسداد بملاحظة حكم العقل وقد عرفت أنه بمكان من الفساد واستلزام إمكان المنع
عنه لاحتمال المنع عن امارة أخرى وقد اختفى علينا وإن كان موجبا لعدم استقلال
العقل إلا أنه إنما يكون بالإضافة إلى تلك الامارة لو كان غيرها مما لا يحتمل فيه المنع
202

بمقدار الكفاية وإلا فلا مجال لاحتمال المنع فيها مع فرض استقلال العقل ضرورة
عدم استقلاله بحكم مع احتمال وجود مانعه على ما يأتي تحقيقه في الظن المانع والممنوع
وقياس حكم العقل بكون الظن مناطا للإطاعة في هذا الحال على حكمه بكون العلم مناطا
لها في حال الانفتاح لا يكاد يخفى على أحد فساده لوضوح أنه مع الفارق ضرورة
أن حكمه في العلم على نحو التنجز وفيه على نحو التعليق. ثم لا يكاد ينقضي تعجبي لم
خصصوا الاشكال بالنهي عن القياس مع جريانه في الأمر بطريق غير مفيد للظن
بداهة انتفاء حكمه في مورد الطريق قطعا مع أنه لا يظن بأحد أن يستشكل بذلك
وليس الا لأجل ان حكمه به معلق على عدم النصب ومعه لا حكم له كما هو كذلك مع
النهي عن بعض أفراد الظن فتدبر جيدا وقد انقدح بذلك أنه لا وقع للجواب عن
الاشكال (تارة) بأن المنع عن القياس لأجل كونه غالب المخالفة (وأخرى) بأن
العمل به يكون ذا مفسدة غالبة على مصلحة الواقع الثابتة عند الإصابة وذلك لبداهة
أنه إنما يشكل بخروجه بعد الفراغ عن صحة المنع عنه في نفسه بملاحظة حكم العقل
بحجية الظن ولا يكاد يجدي صحته كذلك في الذب عن الاشكال في صحته بهذا
اللحاظ فافهم فإنه لا يخلو عن دقة، وأما ما قيل في جوابه من منع عموم المنع عنه بحال
203

الانسداد أو منع حصول الظن منه بعد انكشاف حاله وأن ما يفسده أكثر مما
يصلحه ففي غاية الفساد فإنه مضافا إلى كون كل واحد من المنعين غير سديد لدعوى
الاجماع على عموم المنع مع اطلاق أدلته وعموم علته وشهادة الوجدان بحصول الظن منه
في بعض الأحيان لا يكاد يكون في دفع الاشكال بالقطع بخروج الظن الناشئ منه
بمفيد غاية الأمر انه لا اشكال مع فرض أحد المنعين لكنه غير فرض الاشكال
فتدبر جيدا.
204

فصل
(إذا قام ظن على عدم حجية ظن بالخصوص)
فالتحقيق ان يقال بعد تصور المنع عن بعض الظنون في حال الانسداد إنه
لا استقلال للعقل بحجية ظن احتمل المنع عنه فضلا عما إذا ظن كما أشرنا إليه في الفصل
السابق فلا بد من الاقتصار على ظن قطع بعدم المنع عنه بالخصوص فان كفى والا
فبضميمة ما لم يظن المنع عنه وان احتمل مع قطع النظر عن مقدمات الانسداد وان
انسد باب هذا الاحتمال معها كما لا يخفى وذلك ضرورة انه لا احتمال مع الاستقلال
حسب الفرض ومنه انقدح انه لا تتفاوت الحال لو قيل بكون النتيجة هي حجية الظن
في الأصول أو في الفروع أو فيهما فافهم
205

فصل
لا فرق في نتيجة دليل الانسداد بين الظن بالحكم من امارة عليه وبين الظن
به من امارة متعلقة بألفاظ الآية أو الرواية كقول اللغوي فيما يورث الظن بمراد
الشارع من لفظه وهو واضح. ولا يخفى أن اعتبار ما يورثه يختص
بما إذا كان مما يفسد فيه باب العلم فقول أهل اللغة حجة فيما يورث الظن بالحكم مع
الانسداد
206

ولو انفتح باب العلم باللغة في غير المورد (نعم) لا يكاد يترتب عليه أثر آخر من تعيين المراد في
وصية أو إقرار أو غيرهما من الموضوعات الخارجية الا فيما يثبت فيه حجية مطلق الظن بالخصوص
أو ذاك المخصوص ومثله الظن الحاصل بحكم شرعي كلي من الظن بموضوع خارجي كالظن
بأن راوي الخبر هو (زرارة بن أعين) مثلا لا آخر. فانقدح أن الظنون الرجالية
مجدية في حال الانسداد ولو لم يقم دليل على اعتبار قول الرجالي لا من باب الشهادة ولا
من باب الرواية (تنبيه) لا يبعد استقلال العقل بلزوم تقليل الاحتمالات المتطرقة إلى مثل السند
207

أو الدلالة أو جهة الصدور مهما أمكن في الرواية وعدم الاقتصار على الظن الحاصل
منها بلا سد بابه فيه بالحجة من علم أو علمي وذلك لعدم جواز التنزل في صورة
الانسداد إلى الضعيف مع التمكن من القوي أو ما بحكمه عقلا فتأمل جيدا
فصل
إنما الثابت بمقدمات دليل الانسداد في الأحكام هو حجية الظن فيها لا حجيته
208

في تطبيق المأتي به في الخارج معها فيتبع مثلا في وجوب صلاة الجمعة يومها لا في إتيانها
بل لا بد من علم أو علمي باتيانها كما لا يخفى. نعم ربما يجري نظير مقدمات الانسداد
في الأحكام في بعض الموضوعات الخارجية من انسداد باب العلم به غالبا واهتمام
الشارع به بحيث علم بعدم الرضا بمخالفته الواقع باجراء الأصول فيه مهما أمكن وعدم
وجوب الاحتياط شرعا أو عدم امكانه عقلا
209

كما في موارد الضرر المردد أمره بين الوجوب والحرمة مثلا فلا محيص عن اتباع
الظن حينئذ أيضا فافهم.
خاتمة يذكر فيها أمران استطرادا
(الأول) هل الظن كما يتبع عند الانسداد عقلا في الفروع العملية المطلوب
فيها أولا العمل بالجوارح يتبع في الأصول الاعتقادية المطلوب فيها عمل الجوانح
210

من الاعتقاد به وعقد القلب عليه وتحمله والانقياد له أولا؟ الظاهر (لا) فان الأمر
الاعتقادي وان انسد باب القطع به إلا أن باب الاعتقاد إجمالا بما هو واقعه والانقياد
له وتحمله غير منسد بخلاف العمل بالجوارح فإنه لا يكاد يعلم مطابقته مع ما هو واقعه
إلا بالاحتياط والمفروض عدم وجوبه شرعا أو عدم جوازه عقلا ولا أقرب من
العمل على وفق الظن، وبالجملة لا موجب مع انسداد باب العلم في الاعتقاديات لترتيب
الاعمال الجوانحية على الظن فيها مع إمكان ترتيبها على ما هو الواقع فيها فلا يتحمل
إلا لما هو الواقع ولا ينقاد إلا له لا لما هو مظنونه، وهذا بخلاف العمليات فإنه لا محيص
عن العمل بالظن فيها مع مقدمات الانسداد. نعم يجب تحصيل العلم في بعض
211

الاعتقادات لو أمكن من باب وجوب المعرفة لنفسها كمعرفة الواجب تعالى وصفاته
أداء لشكر بعض نعمائه ومعرفة أنبيائه فإنهم وسائط نعمه وآلائه بل
212

وكذا معرفة الامام - عليه السلام - على وجه صحيح (1) فالعقل يستقل
بوجوب معرفة النبي ووصيه لذلك ولاحتمال الضرر في تركه ولا يجب عقلا معرفة غير
ما ذكر الا ما وجب شرعا معرفته كمعرفة الامام - عليه السلام - على وجه آخر
غير صحيح أو أمر آخر مما دل الشرع على وجوب معرفته ومالا دلالة على وجوب
معرفته بالخصوص لا من العقل ولا من النقل كان أصالة البراءة من وجوب معرفته
محكمة ولا دلالة لمثل قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس) الآية ولا لقوله
- صلى الله عليه وآله وسلم -: وما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات
الخمس، ولا لما دل على وجوب التفقه وطلب العلم من الآيات والروايات على
وجوب معرفته بالعموم ضرورة أن المراد من: (ليعبدون) هو خصوص عبادة الله
ومعرفته والنبوي إنما هو بصدد بيان فضيلة الصلوات لا بيان حكم المعرفة

(1) وهو كون الإمامة كالنبوة منصبا إلهيا يحتاج إلى تعيينه تعالى ونصبه
لا أنها من الفروع المتعلقة بأفعال المكلفين وهو الوجه الآخر منه قدس سره
213

فلا إطلاق فيه أصلا ومثل آية النفر إنما هو بصدد بيان الطريق المتوسل به إلى التفقه
الواجب لا بيان ما يجب فقهه ومعرفته كما لا يخفى، وكذا ما دل على وجوب طلب
العلم إنما هو بصدد الحث على طلبه لا بصدد بيان ما يجب العلم به. ثم إنه لا يجوز
الاكتفاء بالظن فيما يجب معرفته عقلا أو شرعا حيث إنه ليس بمعرفة قطعا فلا بد من
تحصيل العم لو أمكن ومع العجز عنه كان معذورا ان كان عن قصور لغفلة أو لغموضة
المطلب مع قلة الاستعداد كما هو المشاهد في كثير من النساء بل الرجال بخلاف ما
إذا كان عن تقصير في الاجتهاد ولو لأجل حب طريقة الآباء والأجداد واتباع
سيرة السلف فإنه كالجبلي للخلف وقلما عنه تخلف والمراد من المجاهدة في قوله تعالى:
(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) هو المجاهدة مع النفس بتخليتها عن الرذائل
وتحليتها بالفضائل وهي التي كانت أكبر من الجهاد لا النظر والاجتهاد
214

وإلا لأدى إلى الهداية مع أنه يؤدي إلى الجهالة والضلالة الا إذا كانت هناك منه
تعالى عناية فإنه غالبا بصدد إثبات أن ما وجد آباءه عليه هو الحق لا بصدد الحق
فيكون مقصرا مع اجتهاده ومؤاخذا إذا أخطأ على قطعه واعتقاده. ثم لا استقلال
للعقل بوجوب تحصيل الظن مع اليأس عن تحصيل العلم فيما يجب تحصيله عقلا لو أمكن لو لم
نقل باستقلاله بعدم وجوبه بل بعدم جوازه لما أشرنا إليه من أن الأمور الاعتقادية مع عدم
القطع بها أمكن الاعتقاد بما هو واقعها والانقياد لها فلا إلجاء فيها أصلا إلى التنزل إلى الظن
فيما انسد فيه باب العلم بخلاف الفروع العملية كما لا يخفى. وكذلك لا دلالة من
النقل على وجوبه فيما يجب معرفته مع الامكان شرعا بل الأدلة الدالة على النهي
عن اتباع الظن دليل على عدم جوازه أيضا. وقد انقدح من مطاوي ما ذكرنا
215

أن القاصر يكون في الاعتقاديات للغفلة أو عدم الاستعداد للاجتهاد فيها لعدم وضوح
الامر فيها بمثابة لا يكون الجهل بها إلا عن تقصير كما لا يخفى فيكون معذورا (1) عقلا
ولا يصغى إلى ما ربما قيل بعدم وجود القاصر فيها لكنه إنما يكون معذورا غير
معاقب على عدم معرفة الحق إذا لم يكن يعانده بل كان ينقاد له على اجماله لو احتمله.
هذا بعض الكلام مما يناسب المقام، وأما بيان حكم الجاهل من حيث الكفر والإسلام
فهو مع عدم مناسبته خارج عن وضع الرسالة (الثاني) الظن الذي لم يقم على
حجيته دليل هل يجبر به ضعف السند أو الدلالة بحيث صار حجة ما لولاه لما كان
بحجة أو يوهن به ما لولاه على خلافه لكان حجة أو يرجح به أحد المتعارضين بحيث

(1) ولا ينافي ذلك عدم استحقاقه درجة بل استحقاقه دركة لنقصانه
بسبب فقدانه للايمان به تعالى أو برسوله أو لعدم معرفة أوليائه ضرورة أن
نقصان الانسان لذلك يوجب بعده عن ساحة جلاله تعالى وهو يستتبع لا محالة
دركة من الدركات وعليه فلا اشكال فيما هو ظاهر بعض الروايات والآيات من
خلود الكافر مطلقا ولو كان قاصرا فقصوره إنما ينفعه في دفع المؤاخذة عنه بما
يتبعها من الدركات لا فيما يستتبعه نقصان ذاته ودنو نفسه وخساسته فإذا انتهى
إلى اقتضاء الذات لذلك فلا مجال للسؤال عنه بلم ذلك فافهم منه قدس سره
216

لولاه على وفقه لما كان ترجيح لأحدهما أو كان للآخر منها أم لا؟ ومجمل القول
في ذلك أن العبرة في حصول الجبران أو الرجحان بموافقته هو الدخول بذلك تحت
دليل الحجية أو المرجحية الراجعة إلى دليل الحجية كما أن العبرة في الوهن انما هو
الخروج بالمخالفة عن تحت دليل الحجية فلا يبعد جبر ضعف السند في الخبر بالظن
بصدوره أو بصحة مضمونه ودخوله بذلك تحت ما دل على حجية ما يوثق به فراجع
أدلة اعتبارها
217

وعدم جبر ضعف الدلالة بالظن بالمراد لاختصاص دليل الحجية بحجية الظهور في تعيين
المراد والظن من امارة خارجية به لا يوجب ظهور اللفظ فيه كما هو ظاهر إلا فيما
أوجب القطع ولو إجمالا باحتفافه بما كان موجبا لظهوره فيه لولا عروض انتفائه
وعدم وهن السند بالظن بعدم صدوره وكذا عدم وهن دلالته مع ظهوره إلا فيما
كشف بنحو معتبر عن ثبوت خلل في سنده أو وجود قرينة مانعة عن انعقاد ظهوره
فيما فيه ظاهر لولا تلك القرينة لعدم اختصاص دليل اعتبار خبر الثقة ولا دليل اعتبار
الظهور بما إذا لم يكن ظن بعدم صدوره أو ظن بعدم إرادة ظهوره، وأما الترجيح
218

بالظن فهو فرع دليل على الترجيح به بعد سقوط الامارتين بالتعارض من البين وعدم
حجية واحد منهما بخصوصه وعنوانه وإن بقي أحدهما بلا عنوان على حجيته ولم يقم
دليل بالخصوص على الترجيح به وان ادعى شيخنا العلامة - أعلى الله مقامه -
استفادته من الأخبار الدالة على الترجيح بالمرجحات الخاصة على ما يأتي تفصيله في
التعادل والتراجيح، ومقدمات الانسداد في الأحكام انما توجب حجية الظن بالحكم
أو بالحجة لا الترجيح به ما لم يوجب الظن بأحدهما، ومقدماته في خصوص الترجيح
لو جرت انما توجب حجية الظن في تعيين المرجح لا انه مرجح إلا إذا ظن أنه
أيضا مرجح فتأمل جيدا. هذا فيما لم يقم على المنع عن العمل به بخصوصه دليل، وأما
ما قام الدليل على المنع عنه كذلك كالقياس فلا يكاد يكون به جبر أو وهن أو ترجيح
فبما لا يكون لغيره أيضا وكذا فيما يكون به أحدها لوضوح أن الظن القياسي إذا كان
على خلاف ما لولاه لكان حجة بعد المنع عنه لا يوجب خروجه عن تحت دليل
الحجية وإذا كان على وفق ما لولاه لما كان حجة لا يوجب دخوله تحت دليل الحجية
وهكذا لا يوجب ترجيح أحد المتعارضين
219

وذلك لدلالة دليل المنع على إلغائه الشارع رأسا وعدم جواز استعماله في الشرعيات
قطعا ودخله في واحد منها نحو استعمال له فيها كما لا يخفى فتأمل جيدا
220

المقصد السابع في الأصول العملية
وهي التي ينتهي إليها المجتهد بعد الفحص واليأس عن الظفر بدليل مما دل عليه
حكم العقل أو عموم النقل والمهم منها أربعة فان مثل قاعدة الطهارة فيما اشتبه طهارته
بالشبهة الحكمية وان كان مما ينتهي إليها فيما لا حجة على طهارته ولا على نجاسته إلا
أن البحث عنها ليس بمهم حيث إنها ثابتة بلا كلام من دون حاجة إلى نقض وإبرام
221

بخلاف الأربعة وهي البراءة والاحتياط والتخيير والاستصحاب فإنها محل الخلاف (1)
بين الأصحاب ويحتاج تنقيح مجاريها وتوضيح ما هو حكم العقل أو مقتضى عموم النقل
فيها إلى مزيد بحث وبيان ومؤونة حجة وبرهان. هذا مع جريانها في كل الأبواب
واختصاص تلك القاعدة ببعضها فافهم

لآ (1) لا يقال: ان قاعدة الطهارة مطلقا تكون قاعدة في الشبهة الموضوعية
فان الطهارة والنجاسة من الموضوعات الخارجية التي يكشف عنها الشرع، فإنه يقال
أولا نمنع ذلك بل انهما من الأحكام الوضعية الشرعية ولذا اختلفتا في الشرع
بحسب المصالح الموجبة لشرعهما كما لا يخفى وثانيا انهما لو كانا كذلك فالشبهة
فيهما فيما كان الاشتباه لعدم الدليل على أحدهما كانت حكمية فإنه لا مرجع لرفعها
الا الشارع وما كانت كذلك ليست الا حكمية. منه قدس سره
222

فصل
لو شك في وجوب شئ (1) أو حرمته ولم تنهض عليه حجة جاز شرعا
وعقلا ترك الأول وفعل الثاني وكان مأمونا من عقوبة مخالفته كان عدم نهوض الحجة
لاجل فقدان النص أو إجماله واحتماله الكراهة أو الاستحباب أو تعارضه

(1) لا يخفى أن جمع الوجوب والحرمة في فصل وعدم عقد فصل لكل منهما على
حدة وكذا جمع فقد النص واجماله في عنوان عدم الحجة إنما هو لأجل عدم
الحاجة إلى ذلك بعد الاتحاد فيما هو الملاك وما هو العمدة من الدليل على المهم
واختصاص بعض شقوق المسألة بدليل أو بقول لا يوجب تخصيصه بعنوان
على حدة واما ما تعارض فيه النصان فهو خارج عن موارد الأصول العملية المقررة
للشاك على التحقيق فيه من الترجيح أو التخيير كما أنه داخل فيما لا حجة فيه بناء
على سقوط النصين عن الحجية واما الشبهة الموضوعية فلا مساس لها بالمسائل الأصولية
بل فقهية فلا وجه لبيان حكمها في الأصول الا استطرادا فلا تغفل. منه قدس سره
223

فيما لم يثبت بينهما ترجيح بناء على التوقف في مسألة تعارض النصين فيما لم يكن ترجيح
في البين وأما بناء على التخيير كما هو المشهور فلا مجال لأصالة البراءة وغيرها لمكان
وجود الحجة المعتبرة وهو أحد النصين فيها كمالا يخفى وقد استدل على ذلك بالأدلة
الأربعة (أما الكتاب) فبآيات أظهرها قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى
نبعث رسولا) وفيه أن نفي التعذيب قبل إتمام الحجة ببعث الرسل لعله كان منة منه
تعالى على عباده مع استحقاقهم لذلك ولو سلم اعتراف الخصم بالملازمة بين الاستحقاق
والفعلية لما صح الاستدلال بها
224

إلا جدلا مع وضوح منعه ضرورة أن ما شك في وجوبه أو حرمته ليس عنده بأعظم
مما علم بحكمه وليس حال الوعيد بالعذاب فيه إلا كالوعيد به فيه فافهم (وأما السنة)
فروايات منها حديث الرفع حيث عد ما لا يعلمون من التسعة المرفوعة فيه فالالزام
المجهول مما لا يعلمون فهو مرفوع فعلا وان كان ثابتا واقعا فلا مؤاخذة عليه قطعا
225

(لا يقال): ليست المؤاخذة من الآثار الشرعية كي ترتفع بارتفاع التكليف المجهول
ظاهرا فلا دلالة على ارتفاعها (1) فإنه يقال: إنها وإن لم تكن بنفسها أثرا شرعيا إلا
أنها مما يترتب عليه بتوسيط ما هو أثره وباقتضائه من ايجاب الاحتياط شرعا فالدليل على
رفعه دليل على

(1) مع أن ارتفاعها وعدم استحقاقها بمخالفة التكليف المجهول هو المهم في
المقام والتحقيق في الجواب ان يقال - مضافا إلى ما قلنا -: إن الاستحقاق
وان كان أثرا عقليا الا ان عدم الاستحقاق عقلا مترتب على عدم التكليف شرعا
ولو ظاهرا تأمل تعرف منه قدس سره
226

عدم ايجابه المستتبع لعدم استحقاق العقوبة على مخالفته (لا يقال) لا يكاد يكون
ايجابه مستتبعا لاستحقاقها على مخالفة التكليف المجهول بل على مخالفته نفسه كما هو قضية
ايجاب غيره (فإنه يقال): هذا إذا لم يكن إيجابه طريقيا وإلا فهو موجب لاستحقاق
العقوبة على المجهول كما هو الحال في غيره من الايجاب والتحريم الطريقيين ضرورة
أنه كما يصح أن يحتج بهما صح ان يحتج به ويقال: لم أقدمت مع ايجابه؟ ويخرج
به عن العقاب بلا بيان والمؤاخذة بلا برهان كما يخرج بهما، وقد انقدح بذلك أن
رفع التكليف المجهول كان منة على الأمة حيث كان له تعالى وضعه بما هو قضيته من
ايجاب الاحتياط فرفعه فافهم. ثم لا يخفى عدم الحاجة إلى تقدير المؤاخذة ولا غيرها من
الآثار الشرعية
227

فيما لا يعلمون فان ما لا يعلم من التكليف مطلقا كان في الشبهة الحكمية أو الموضوعية
بنفسه قابل للرفع والوضع شرعا وان كان في غيره لا بد من تقدير الآثار أو المجاز
في اسناد الرفع إليه فإنه ليس ما اضطروا وما استكرهوا... إلى آخر التسعة بمرفوع
حقيقة (نعم) لو كان المراد من الموصول في (ما لا يعلمون) ما اشتبه حاله ولم
يعلم عنوانه لكان أحد الأمرين مما لابد منه أيضا. ثم لا وجه لتقدير خصوص
المؤاخذة بعد وضوح أن المقدر
229

في غير واحد غيرها فلا محيص عن أن يكون المقدر هو الأثر الظاهر في كل منها أو
تمام آثارها التي تقتضي المنة رفعها كما أن ما يكون بلحاظه الاسناد إليها مجازا هو هذا
كما لا يخفى فالخبر دل على رفع كل أثر تكليفي أو وضعي كان في رفعه منة على الأمة
كما استشهد الامام - عليه السلام - بمثل هذا الخبر في رفع ما استكره عليه من
الطلاق والصدقة والعتاق. ثم لا يذهب عليك أن المرفوع فيما اضطر إليه وغيره مما
أخذ بعنوانه الثانوي إنما هو الآثار المترتبة عليه بعنوانه الأولي ضرورة أن الظاهر
أن هذه العناوين صارت موجبة للرفع والموضع للأثر مستدع لوضعه فكيف يكون
موجبا لرفعه؟ (لا يقال): كيف وايجاب الاحتياط فيما لا يعلم وايجاب التحفظ
في الخطأ والنسيان
230

يكون أثرا لهذه العناوين بعينها وباقتضاء نفسها (فإنه يقال): بل إنما تكون
باقتضاء الواقع في موردها ضرورة أن الاهتمام به يوجب ايجابهما لئلا يفوت على المكلف
كما لا يخفى (ومنها) حديث الحجب وقد انقدح تقريب الاستدلال به مما ذكرنا
في حديث الرفع الا انه ربما يشكل بمنع ظهوره في وضع ما لم يعلم من التكليف بدعوى
ظهوره في خصوص ما تعلقت عنايته تعالى بمنع إطلاع العباد عليه لعدم أمر رسله
بتبليغه حيث إنه بدونه لما صح إسناد الحجب إليه تعالى (ومنها) قوله - عليه
السلام -: (كل شئ لك حلال حتى تعرف انه حرام بعينه... الحديث)
حيث دل على حلية ما لم يعلم حرمته مطلقا
231

ولو كان من جهة عدم الدليل على حرمته وبعدم الفصل قطعا بين إباحته وعدم وجوب
الاحتياط فيه وبين عدم وجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبية يتم المطلوب مع إمكان
أن يقال: ترك ما احتمل وجوبه مما لم يعرف حرمته فهو حلال، تأمل (ومنها)
قوله - عليه السلام -: (الناس في سعة ما لا يعلمون) فهم في سعة ما لم يعلم أو
ما دام لم يعلم وجوبه أو حرمته ومن الواضح أنه لو كان الاحتياط واجبا لما كانوا في
سعة أصلا فيعارض به ما دل على وجوبه كما لا يخفى (يقال): قد علم به
وجوب الاحتياط (فإنه يقال): لم يعلم الوجوب أو الحرمة بعد فكيف يقع في
ضيق الاحتياط من أجله؟ نعم لو كان الاحتياط واجبا نفسيا كان وقوعهم في ضيقة
بعد العلم بوجوبه لكنه عرفت أن وجوبه كان طريقيا لأجل أن لا يقعوا في مخالفة
الواجب أو الحرام أحيانا فافهم (ومنها) قوله - عليه السلام -: كل شئ
232

مطلق حتى يرد فيه نهي، ودلالته تتوقف على عدم صدق الورود إلا بعد العلم أو
ما بحكمه بالنهي عنه وإن صدر عن الشارع ووصل إلى غير واحد - مع أنه ممنوع
لوضوح صدقه على صدوره عنه لا سيما بعد بلوغه إلى غير واحد وقد خفي على من لم
يعلم بصدوره (لا يقال): نعم ولكن
233

بضميمة أصالة العدم صح الاستدلال به وتم (فإنه يقال): وإن تم الاستدلال
به بضميمتها ويحكم بإباحة مجهول الحرمة وإطلاقه إلا أنه لا بعنوان انه مجهول الحرمة
234

شرعا بل بعنوان انه مما لم يرد عنه النهي واقعا (لا يقال): نعم ولكنه لا يتفاوت فيما
هو المهم من الحكم بالإباحة في مجهول الحرمة كان بهذا العنوان أو بذاك العنوان (فإنه يقال):
حيث أنه بذاك العنوان لاختص بما لم يعلم ورود النهي عنه أصلا ولا يكاد يعم ما
إذا ورد النهي عنه في زمان وأباحه في آخر واشتبها من حيث التقدم والتأخر،
(لا يقال): هذا لولا عدم الفصل بين أفراد ما اشتبهت حرمته (فإنه يقال):
وإن لم يكن بينها الفصل إلا أنه إنما يجدي فيما كان المثبت للحكم بالإباحة في بعضها
الدليل لا الأصل فافهم (وأما الاجماع) فقد نقل على البراءة إلا أنه موهون
ولو قيل باعتبار الاجماع المنقول في الجملة فان تحصيله في مثل هذه المسألة مما للعقل إليه
سبيل ومن واضح النقل عليه دليل
235

بعيد جدا (وأما العقل) فإنه قد استقل بقبح العقوبة والمؤاخذة على مخالفة
التكليف المجهول بعد الفحص واليأس عن الظفر بما كان حجة عليه فإنهما بدونها عقاب
بلا بيان ومؤاخذة بلا برهان وهما قبيحان بشهادة الوجدان. ولا يخفى انه مع
استقلاله بذلك لا احتمال لضرر العقوبة في مخالفته فلا يكون مجال ها هنا لقاعدة وجوب
دفع الضرر المحتمل كي يتوهم أنها تكون بيانا كما أنه مع احتماله
236

لا حاجة إلى القاعدة بل في صورة المصادفة استحق العقوبة على المخالفة ولو قيل بعدم
وجوب دفع الضرر المحتمل، وأما ضرر غير العقوبة فهو وإن كان محتملا إلا أن المتيقن
منه فضلا عن محتمله ليس بواجب الدفع شرعا ولا عقلا، ضرورة عدم القبح في تحمل
بعض المضار ببعض الدواعي عقلا وجوازه شرعا - مع أن احتمال الحرمة أو الوجوب
لا يلازم احتمال المضرة وان كان ملازما لاحتمال المفسدة أو ترك المصلحة لوضوح ان
المصالح والمفاسد التي تكون مناطات الاحكام وقد استقل العقل بحسن الأفعال التي
تكون ذات المصالح وقبح ما كان ذات المفاسد
237

ليست براجعة إلى المنافع والمضار وكثيرا ما يكون محتملا التكليف مأمون الضرر. نعم
ربما يكون المنفعة أو المضرة مناطا للحكم شرعا وعقلا (ان قلت): نعم ولكن
العقل يستقل بقبح الاقدام على ما لا يؤمن من مفسدته وأنه كالاقدام على ما علم
مفسدته كما استدل به شيخ الطائفة - قدس سره - على أن الأشياء على الحضر
أو الوقف (قلت): استقلاله بذلك ممنوع والسند شهادة الوجدان ومراجعة ديدن
العقلاء من أهل الملل والأديان حيث أنهم لا يحترزون مما لا تؤمن مفسدته ولا
يعاملون معه معاملة ما علم مفسدته كيف وقد أذن الشارع بالاقدام عليه؟ ولا يكاد
يأذن بارتكاب القبيح فتأمل (واحتج للقول) بوجوب الاحتياط فيما لم تقم فيه
حجة بالأدلة الثلاثة (أما الكتاب) فبالآيات الناهية عن القول بغير العلم وعن
الالقاء في التهلكة والآمرة بالتقوى، والجواب أن القول بالإباحة شرعا وبالأمن
من العقوبة عقلا ليس قولا بغير علم لما دل على الإباحة من النقل وعلى البراءة من حكم
العقل ومعهما لا مهلكة في اقتحام الشبهة أصلا ولا فيه مخالفة التقوى كما لا يخفى (واما
الأخبار) فبما دل على وجوب التوقف عند الشبهة معللا في بعضها بأن (الوقوف عند
الشبهة خير من الاقتحام في المهلكة) من الأخبار الكثيرة
238

الدالة عليه مطابقة أو التزاما وبما دل على وجوب الاحتياط من الأخبار الواردة
بألسنة مختلفة (والجواب) أنه لا مهلكة في الشبهة البدوية مع دلالة النقل على الإباحة
وحكم العقل بالبراءة كما عرفت وما دل على وجوب الاحتياط لو سلم وان كان واردا على
حكم العقل فإنه
239

كفى بيانا على العقوبة على مخالفة التكليف المجهول، ولا يصغي إلى ما قيل من أن
إيجاب الاحتياط ان كان مقدمة للتحرز عن عقاب الواقع المجهول فهو قبيح وان كان
نفسيا فالعقاب على مخالفته لا على مخالفة الواقع، وذلك لما عرفت من أن ايجابه يكون
طريقيا وهو عقلا ما يصح أن يحتج به على المؤاخذة في مخالفة الشبهة كما هو الحال في
أوامر الطرق والامارات والأصول العملية إلا أنها تعارض بما هو أخص أو أظهر، ضرورة أن
ما دل على حلية المشتبه أخص بل هو في الدلالة على الحلية نص وما دل على الاحتياط
240

غايته أنه ظاهر في وجوب الاحتياط مع أن هناك قرائن دالة على أنه للارشاد فيختلف
ايجابا واستحبابا حسب اختلاف ما يرشد إليه، ويؤيده أنه لو لم يكن للارشاد لوجب
تخصيصه لا محالة ببعض الشبهات اجماعا مع أنه آب عن التخصيص قطعا كيف لا يكون
قوله: (قف عند الشبهة فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة)
للارشاد مع أن المهلكة ظاهر في العقوبة ولا عقوبة في الشبهة البدوية قبل إيجاب
الوقوف والاحتياط فكيف يعلل إيجابه بأنه خير من الاقتحام في الهلكة؟ (لا يقال):
نعم ولكنه يستكشف منه على نحو الآن إيجاب الاحتياط من قبل ليصح به العقوبة
على المخالفة
241

(فإنه يقال): إن مجرد إيجابه واقعا ما لم يعلم لا يصحح العقوبة ولا يخرجها عن انها بلا
بيان ولا برهان فلا محيص عن اختصاص مثله بما يتنجز فيه المشتبه قبل الفحص
مطلقا أو الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي فتأمل جيدا (وأما العقل) فلاستقلاله بلزوم
فعل ما احتمل وجوبه وترك ما احتمل حرمته حيث علم إجمالا بوجود واجبات
ومحرمات كثيرة فيما اشتبه وجوبه أو حرمته مما لم يكن هناك حجة على حكمه تفريغا
للذمة بعد اشتغالها ولا خلاف في لزوم الاحتياط في أطراف العلم الاجمالي إلا من
بعض الأصحاب (والجواب): أن العقل وان استقل بذلك الا انه إذا لم ينحل
العلم الاجمالي إلى علم تفصيلي وشك بدوي
242

وقد انحل ها هنا
243

فإنه كما علم بوجود تكاليف إجمالا كذلك علم إجمالا (تفصيلا ظ) بثبوت طرق
وأصول معتبرة مثبتة لتكاليف بمقدار تلك التكاليف المعلومة أو أزيد وحينئذ لا علم
بتكاليف أخر غير التكاليف الفعلية في موارد المثبتة من الطرق والأصول العملية
251

(ان قلت): نعم لكنه إذا لم يكن العلم بها مسبوقا بالعلم بالتكاليف (قلت):
إنما يضر السبق إذا كان المعلوم اللاحق حادثا وأما إذا لم يكن كذلك بل مما ينطبق
عليه ما علم أولا فلا محالة قد انحل العلم الاجمالي إلى التفصيلي والشك البدوي (ان
قلت): إنما يوجب بقيام الطرق المثبتة له بمقدار المعلوم بالاجمال ذلك إذا
كان قضية قيام الطريق على تكليف موجبا لثبوته فعلا وأما بناء على أن قضية
252

حجيته واعتباره شرعا ليس إلا ترتيب ما للطريق المعتبر عقلا وهو تنجر ما أصابه
والعذر عما أخطأ عنه فلا انحلال لما علم بالاجمال أولا كما لا يخفى (قلت): قضية
الاعتبار شرعا على اختلاف ألسنة أدلته وان كان ذلك على ما قوينا في البحث إلا أن
نهوض الحجة على ما ينطبق عليه المعلوم بالاجمال في بعض الأطراف يكون عقلا
بحكم الانحلال وصرف تنجزه إلى ما إذا كان في ذاك الطرف والعذر عما إذا كان في
سائر الأطراف مثلا إذا علم إجمالا بحرمة اناء زيديين الإناءين وقامت البينة على أن
هذا إناؤه فلا ينبغي الشك في أنه كما إذا علم أنه إناؤه في عدم لزوم الاجتناب إلا عن
خصوصه دون الآخر
253

ولولا ذلك لما كان يجدي القول بان قضية اعتبار الامارات هو كون المؤديات أحكاما
شرعية فعلية ضرورة انها تكون كذلك بسبب حادث وهو كونها مؤديات
الامارات الشرعية هذا إذا لم يعلم ثبوت التكاليف الواقعية في موارد الطرق المثبتة
بمقدار المعلوم بالاجمال وإلا فالانحلال إلى العلم بما في الموارد وانحصار أطرافه بموارد
تلك الطرق بلا اشكال كما لا يخفى، وربما استدل بما قيل من استقلال العقل بالحضر
في الأفعال غير الضرورية قبل الشرع ولا أقل من الوقف وعدم استقلاله لا به ولا
بالإباحة ولم يثبت شرعا إباحة ما اشتبه حرمته فان ما دل على الإباحة معارض بما دل
254

على وجوب التوقف أو الاحتياط، وفيه (أولا) أنه لا وجه للاستدلال بما هو
محل الخارف والاشكال والا لصح الاستدلال على البراءة بما قيل من كون تلك
الأفعال على الإباحة (وثانيا) أنه تثبت الإباحة شرعا لما عرفت من عدم صلاحية
ما دل على التوقف أو الاحتياط للمعارضة لما دل عليها (وثالثا) أنه لا يسلتزم القول
بالوقف في تلك المسألة للقول بالاحتياط في هذه المسألة لاحتمال ان يقال معه بالبراءة
لقاعدة قبح العقاب بلا بيان (وما قيل) من أن الاقدام على ما لا تؤمن المفسدة
فيه كالاقدام على ما تعلم فيه المفسدة (ممنوع) ولو قيل بوجوب دفع الضرر المحتمل
فان المفسدة المحتملة في المشتبه ليس بضرر غالبا ضرورة ان المصالح والمفاسد التي هي
مناطات الأحكام ليست براجعة إلى المنافع والمضار بل ربما يكون المصلحة فيما فيه
الضرر والمفسدة فيما فيه المنفعة واحتمال أن يكون في المشتبه ضرر ضعيف غالبا لا يعتني
به قطعا - مع أن الضرر ليس دائما مما يجب التحرز عنه عقلا
255

بل يجب ارتكابه أحيانا فيما كان المترتب عليه أهم في نظره مما في الاحتراز عن
ضرره مع القطع به فضلا عن احتماله (بقي أمور مهمة) لا بأس بالإشارة إليها
(الأول) أنه إنما تجرى أصالة البراءة شرعا وعقلا فيما لم يكن هناك أصل موضوعي
مطلقا ولو كان موافقا لها فإنه معه لا مجال لها أصلا لوروده عليها كما يأتي تحقيقه فلا
تجري مثلا أصالة الإباحة في حيوان شك في حليته مع الشك في قبوله التذكية فإنه
إذا ذبح مع سائر الشرائط المعتبرة في التذكية فأصالة عدم التذكية تدرجها فيما
لم يذك
256

عرفي محصل عند أهل العرف وأنها الذبح - كما في القاموس - فلا مجال للشك
فيها الا على نحو الشبهة الموضوعية، وحيث أن كلام القاموس مبني على المسامحة كما
يظهر من موارد استعمالها مثل قوله (ع) - في حديث السمك -: ذكاه الله
تعالى لبني إسرائيل، وكل يابس ذكي، وذكاة الأرض يبسها، وذكاة الجنين
ذكاة أمه، وأخذ الجراد ذكاته، وذكاة السمك اخراجه حيا من الماء وذكاة الإبل
نحرها، وفي حسن حريز: اللبن واللبا والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب
والحافر وكل شئ يفصل من الشاة والدابة فهو ذكي، ونحوها كثير مما ورد فيما
لا تحله الحياة من الميتة، وغير ذلك من الموارد الكثيرة الدالة على أن الذكاة ليست
هي الذبح، وانها أثر يحصل بالذبح تارة وبغيره أخرى يكشف عن وجوده الشارع
الأقدس يرجع فيه إليه، فمع الشك فيه للشبهة الموضوعية أو الحكمية يرجع إلى
أصالة عدمه ويترتب عليها الحرمة والنجاسة، ولا مجال للرجوع إلى أصالة البراءة
والطهارة لأن أصالة عدم التذكية أصل موضوعي لهما فيقدم عليهما بلا فرق في ذلك
بين كون الشك فيها للشك في القابلية أو في غيرها من الشرائط للشبهة الموضوعية أو
الحكمية. ثم إن المصنف (ره) حيث استبعد ما ذكره في القاموس التزم بأن
التذكية عبارة عن الذبح الخاص الجامع للشرائط المعتبرة مثل اسلام الذابح ونحوه
ومنها قابلية المحل، فجعل التذكية من قبيل الصلاة التي هي عبارة عن أفعال خاصة
بشرائطها لا الأثر الحاصل من الأفعال كما ذكرنا، وهذا المعني وان كان أقرب
مما ذكره في القاموس لكنه خلاف المتبادر منها أيضا، كما يظهر من ملاحظة
موارد استعمالها التي أشرنا إليها، وعليه فلو شك فيها للشبهة الموضوعية جرى
أصالة عدمها (1) وللشبهة الحكمية من جهة الشك في شرطية شئ لها لم تجر أصالة
عدمها لاجمال المفهوم الموجب لليقين بعدمه على بعض التقادير واليقين بثبوته على

(1) هذا لو لم نقل بطهارة اللحم حال حياة الحيوان وإلا كان الأصل
بقاؤها إلى ما بعد الموت، إلا أن يحكم عليه أصالة عدم الذبح أو النحر الذي هو
موضوع النجاسة. منه مد ظله
257

وهو حرام اجماعا كما إذا مات حتف أنفه فلا حاجة إلى إثبات أن الميتة تعم غير
المذكى شرعا
258

ضرورة كفاية كونه مثله حكما وذلك بأن التذكية انما هي عبارة عن فري الأوداج
الأربعة مع سائر شرائطها عن خصوصية في الحيوان التي بها يؤثر فيه الطهارة وحدها
أو مع الحلية ومع الشك في تلك الخصوصية فالأصل عدم تحقق التذكية بمجرد الفري
بساير شرايطها كما لا يخفى. نعم لو علم بقبوله التذكية وشك في الحلية فأصالة
259

الإباحة فيه محكمة فإنه حينئذ انما يشك في أن هذا الحيوان المذكى حلال أو حرام ولا
أصل فيه الا أصالة الإباحة كسائر ما شك في أنه من الحلال أو الحرام. هذا إذا لم
يكن هناك أصل موضوعي آخر مثبت لقبوله التذكية كما إذا شك مثلا في أن الجلل
في الحيوان هل يوجب ارتفاع قابليته لها أم لا؟ فأصالة قبوله لها معه محكمة ومعها
لا مجال لأصالة عدم تحققها فهو قبل الجلل كان يطهر ويحل بالفري بسائر شرائطها
فالأصل انه كذلك بعده، ومما ذكرنا ظهر الحال فيما اشتبهت حليته وحرمته بالشبهة
الموضوعية من الحيوان وان أصالة عدم التذكية
260

محكمة فيما شك فيها لاجل الشك في تحقق ما اعتبر في التذكية شرعا كما أن أصالة قبول
التذكية محكمة إذا شك في طروء ما يمنع عنه فيحكم بها فيما أحرز الفري بسائر شرائطها
عداه كما لا يخفى فتأمل جيدا (الثاني) انه لا شبهة في حسن الاحتياط شرعا وعقلا
في الشبهة الوجوبية أو التحريمية في العبادات وغيرها كما لا ينبغي الارتياب في استحقاق
الثواب فيما إذا احتاط وأتى أو ترك بداعي احتمال الامر أو النهي، وربما يشكل في
جريان الاحتياط في العبادات عند دوران الامر بين الوجوب وغير الاستحباب من
جهة أن العبادة لابد فيها من نية القربة المتوقفة على العلم بامر الشارع تفصيلا أو اجمالا
وحسن الاحتياط عقلا لا يكاد يجدي في رفع الاشكال ولو قيل بكونه موجبا لتعلق
الامر به شرعا بداهة توقفه على ثبوته توقف العارض على معروضه فكيف يعقل أن
يكون من مبادي ثبوته؟ وانقدح بذلك أنه لا يكاد يجدي في رفعه أيضا القول
بتعلق الامر به
261

من جهة ترتب الثواب عليه ضرورة أنه فرع إمكانه فكيف يكون من مبادئ
جريانه؟ هذا
262

مع أن حسن الاحتياط لا يكون بكاشف عن تعلق الامر به بنحو اللم ولا ترتب
الثواب عليه بكاشف عنه بنحو الإن، بل يكون حاله في ذلك حال الإطاعة فإنه نحو
من الانقياد والطاعة، وما قيل في دفعه من كون المراد بالاحتياط في العبادات هو مجرد
الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نية القربة فيه - مضافا إلى عدم مساعدة
دليل حينئذ على حسنه بهذا المعنى فيها بداهة انه ليس باحتياط حقيقة بل هو أمر لو
دل عليه دليل كان مطلوبا مولويا نفسيا عباديا والعقل لا يستقل الا بحسن الاحتياط والنقل
لا يكاد يرشد الا إليه (نعم) لو كان هناك دليل على الترغيب في الاحتياط في خصوص
العبادة لما كان محيص عن دلالته اقتضاء على أن المراد به ذاك المعنى بناء على عدم
امكانه فيها بمعناه حقيقة كما لا يخفى
263

أنه التزام بالاشكال وعدم جريانه فيها وهو كما ترى (قلت): لا يخفى أن منشأ
الاشكال هو تخيل كون القربة المعتبرة في العبادة مثل سائر الشروط المعتبرة فيها مما
يتعلق بها الأمر المتعلق بها فيشكل جريانه حينئذ لعدم التمكن من قصد القربة المعتبر
فيها وقد عرفت أنه فاسد (1) وإنما اعتبر قصد القربة فيها عقلا لأجل أن الغرض منها
لا يكاد يحصل بدونه وعليه كان جريان الاحتياط فيه بمكان من الامكان ضرورة التمكن
من الاتيان بما احتمل وجوبه بتمامه وكما له غاية الأمر انه

(1) هذا مع أنه لو اغمض عن فساده لما كان في الاحتياط في العبادات
اشكال غير الاشكال فيها فكما يلتزم في دفعه بتعدد الامر فيها ليتعلق أحدهما بنفس
العمل والآخر باتيانه بداعي امره كذلك فيما احتمل وجوبه منها كان على هذا
احتمال امرين كذلك أي أحدهما كان متعلقا بنفسه والآخر باتيانه بداعي ذاك
الامر فيتمكن من الاحتياط فيها باتيان ما احتمل وجوبه بداعي رجاء امره واحتماله
فيقع عبادة وإطاعة لو كان واجبا وانقيادا لو لم يكن كذلك. نعم كان بين الاحتياط
ههنا وفي التوصليات فرق وهو ان المأتي به فيها قطعا كان موافقا لما احتمل وجوبه
مطلقا بخلافه ههنا فإنه لا يوافق الا على تقدير وجوبه واقعا لما عرفت من عدم
كونه عبادة الا على هذا التقدير، ولكنه ليس بفارق لكونه عبادة على تقدير الحاجة
إليه وكونه واجبا (ودعوى) عدم كفاية الاتيان برجاء الامر في صيرورته عبادة
أصلا ولو على هذا التقدير (مجازفة) ضرورة استقلال العقل بكونه امتثالا لامره
على نحو العبادة لو كان وهو الحاكم في باب الإطاعة والعصيان فتأمل جيدا.
منه قدس سره
264

لابد أن يؤتى به على نحو لو كان مأمورا به لكان مقربا بان يؤتى به بداعي احتمال
الأمر أو احتمال كونه محبوبا له تعالى فيقع حينئذ على تقدير الأمر به امتثالا لامره
تعالى وعلى تقدير عدمه انقيادا لجنابه تبارك وتعالى ويستحق الثواب على كل حال
إما على الطاعة أو الانقياد وقد انقدح بذلك انه لا حاجة في جريانه في العبادات إلى
تعلق أمر بها بل لو فرض تعلقه بها
265

لما كان من الاحتياط بشئ بل كسائر ما علم وجوبه أو استحبابه منها كما لا يخفى،
فظهر أنه لو قيل بدلالة اخبار: (من بلغه ثواب) على استحباب العمل الذي بلغ
عليه الثواب ولو بخبر ضعيف لما كان يجدي في جريانه في خصوص ما دل على وجوبه
أو استحبابه خبر ضعيف بل كان - عليه - مستحبا كسائر ما دل الدليل على
استحبابه
266

(لا يقال): هذا لو قيل بدلالتها على استحباب نفس العمل الذي بلغ عليه الثواب
بعنوانه، وأما لو دل على استحبابه لا بهذا العنوان بل بعنوان انه محتمل الثواب لكانت
دالة على استحباب الاتيان به بعنوان الاحتياط كأوامر الاحتياط لو قيل بأنها للطلب
المولوي لا الارشادي (فإنه يقال): إن الأمر بعنوان الاحتياط - ولو كان
مولويا - لكان توصليا مع أنه لو كان عباديا لما كان مصححا للاحتياط ومجديا في
جريانه في العبادات كما أشرنا إليه آنفا. ثم إنه لا يبعد دلالة بعض تلك الأخبار على
267

استحباب ما بلغ عليه الثواب فان صحيحة هشام بن سالم المحكية عن المحاسن عن أبي
عبد الله - عليه السلام - قال: (من بلغه عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -
شئ من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وإن كان رسول الله - صلى الله عليه وآله
وسلم - لم يقله) ظاهرة في أن الاجر كان مترتبا على نفس العمل الذي بلغه عنه أنه
ذو ثواب وكون العمل متفرعا على البلوغ وكونه الداعي إلى العمل غير موجب لان
يكون الثواب إنما يكون مترتبا عليه فيما إذا أتى برجاء أنه مأمور به وبعنوان الاحتياط
269

بداهة أن الداعي إلى العمل لا يوجب له وجها وعنوانا يؤتي به بذاك الوجه والعنوان
واتيان العمل بداعي طلب قول (النبي) كما قيد به في بعض الأخبار وإن كان
انقيادا إلا أن الثواب في الصحيحة إنما رتب على نفس العمل ولا موجب لتقييدها
به لعدم المنافات بينهما بل لو أتى به كذلك أو التماسا للثواب الموعود كما قيد به في
بعضها الآخر لأوتي الاجر والثواب على نفس العمل لا بما هو احتياط وانقياد فيكشف
عن كونه بنفسه مطلوبا وإطاعة فيكون وزانه وزان: من سرح لحيته، أو من صلى
أو صام فله كذا، ولعله لذلك أفتى المشهور بالاستحباب فافهم وتأمل (الثالث)
270

أنه لا يخفى ان النهي عن شئ إذا كان بمعنى طلب تركه في زمان أو مكان بحيث
271

لو وجد في ذاك الزمان أو المكان - ولو دفعة - لما امتثل أصلا كان اللازم على
المكلف إحراز أنه تركه بالمرة ولو بالأصل فلا يجوز الاتيان بشئ يشك معه في تركه
إلا إذا كان مسبوقا به ليستصحب مع الاتيان به (نعم) لو كان بمعنى طلب ترك
كل فرد منه على حدة لما وجب إلا ترك ما علم أنه فرد وحيث لم يعلم تعلق النهي إلا
بما علم أنه مصداقه فأصالة البراءة في المصاديق المشتبهة محكمة، فانقدح بذلك أن مجرد
العلم بتحريم شئ لا يوجب لزوم الاجتناب عن أفراده المشتبهة فيما كان المطلوب
بالنهي طلب ترك كل فرد على حدة أو كان الشئ مسبوقا بالترك وإلا لوجب
الاجتناب عنها عقلا لتحصيل الفراغ قطعا فكما يجب فيما علم وجوب شئ إحراز إتيانه
إطاعة لأمره فكذلك يجب فيما علم حرمته إحراز تركه وعدم اتيانه امتثالا لنهيه غاية
الامر كما يحرز وجود الواجب بالأصل كذلك يحرز ترك الحرام به والفرد المشتبه
272

وان كان مقتضى أصالة البراءة جواز الاقتحام فيه إلا أن قضية لزوم إحراز الترك اللازم
وجوب التحرز عنه ولا يكاد يحرز الا بترك المشتبه أيضا فتفطن (الرابع) أنه قد
عرفت حسن الاحتياط عقلا ونقلا ولا يخفى أنه مطلقا كذلك حتى فيما كان هناك
حجة على عدم الوجوب أو الحرمة أو امارة معتبرة على أنه ليس فردا للواجب أو
الحرام ما لم يخل بالنظام فعلا فالاحتياط قبل ذلك مطلقا يقع حسنا كان في الأمور
المهمة كالدماء والفروج أو غيرها وكان احتمال التكليف قويا أو ضعيفا كانت
الحجة على خلافه أولا، كما أن الاحتياط الموجب لذلك لا يكون حسنا كذلك وان
كان الراجح لمن التفت إلى ذلك من أول الامر ترجيح بعض الاحتياطات احتمالا
أو محتملا فافهم.
273

فصل
إذا دار الأمر بين وجوب شئ وحرمته لعدم نهوض حجة على أحدهما
تفصيلا بعد نهوضها عليه إجمالا ففيه وجوه (الحكم) بالبراءة عقلا ونقلا لعموم النقل
وحكم العقل بقبح المؤاخذة على خصوص الوجوب أو الحرمة للجهل به (ووجوب)
الاخذ بأحدهما تعيينا أو تخييرا (والتخيير) بين الترك والفعل عقلا مع التوقف عن
الحكم به رأسا أو مع الحكم عليه بالإباحة شرعا أوجهها الأخير لعدم الترجيح بين الفعل
والترك وشمول مثل: (كل شئ لك حلال حتى تعرف انه حرام) له
274

ولا مانع عنه عقلا ولا نقلا وقد عرفت أنه لا يجب موافقة الاحكام التزاما ولو وجب
لكان الالتزام إجمالا بما هو الواقع معه ممكنا والالتزام التفصيلي بأحدهما لو لم يكن
تشريعا محرما لا نهض على وجوبه دليل قطعا، وقياسه بتعارض الخبرين الدال أحدهما
على الحرمة والآخر على الوجوب باطل فان التخيير بينهما على تقدير كون الاخبار
حجة من باب السببية يكون على القاعدة
275

ومن جهة التخيير بين الواجبين المتزاحمين وعلى تقدير أنها من باب الطريقية فإنه وإن
كان على خلاف القاعدة إلا أن أحدهما تعيينا أو تخييرا حيث كان واجدا لما هو
المناط للطريقية من احتمال الإصابة مع اجتماع سائر الشرائط جعل حجة في هذه الصورة بأدلة
276

الترجيح تعيينا أو التخيير تخييرا، وأين ذلك مما إذا لم يكن المطلوب إلا الأخذ
بخصوص ما صدر واقعا وهو حاصل والأخذ بخصوص أحدهما ربما لا يكون إليه بموصل نعم لو
كان التخيير بين الخبرين لأجل إبدائهما احتمال الوجوب والحرمة وإحداثهما الترديد
بينهما لكان القياس في محله لدلالة الدليل على التخيير بينهما على التخيير ههنا فتأمل
جيدا. ولا مجال ههنا لقاعدة قبح العقاب بلا بيان فإنه لا قصور فيه ههنا وإنما يكون
عدم تنجز التكليف لعدم التمكن من الموافقة القطعية
277

كمخالفتها والموافقة الاحتمالية حاصلة لا محالة كما لا يخفى. ثم إن مورد هذه الوجوه وإن
كان ما إذا لم يكن واحد من الوجوب والحرمة على التعيين تعبديا إذ لو كانا تعبديين
278

أو كان أحدهما المعين كذلك لم يكن إشكال في عدم جواز طرحهما والرجوع إلى
الإباحة لأنها مخالفة عملية قطعية - على ما أفاد شيخنا الأستاذ قدس سره - إلا أن
الحكم أيضا فيهما إذا كانا كذلك هو التخيير عقلا بين اتيانه على وجه قربي بأن
يؤتى به بداعي احتمال طلبه وتركه كذلك لعدم الترجيح وقبحه بلا مرجح. فانقدح
أنه لا وجه لتخصيص المورد بالتوصليين بالنسبة إلى ما هو المهم في المقام وان اختص
بعض الوجوه بهما كما لا يخفى. ولا يذهب عليك ان استقلال العقل بالتخيير إنما هو
فيما لا يحتمل الترجيح في أحدهما
279

على التعيين ومع احتماله لا يبعد دعوى استقلاله بتعينه، كا هو الحال في دوران الأمر
بين التخيير والتعيين في غير المقام، ولكن الترجيح إنما يكون لشدة الطلب في
أحدهما وزيادته على الطلب في الآخر بما لا يجوز الاخلال بها في صورة المزاحمة
280

ووجب الترجيح بها وكذا وجب ترجيح احتمال ذي المزية في صورة الدوران ولا
وجه لترجيح احتمال الحرمة مطلقا لاجل ان دفع المفسدة أولى من ترك المصلحة ضرورة
أنه رب واجب يكون مقدما على الحرام في صورة المزاحمة بلا كلام فكيف يقدم
على احتماله احتماله في صورة الدوران بين مثليهما فافهم
281

فصل
لو شك في المكلف به مع العلم بالتكليف من الايجاب أو التحريم فتارة
لتردده بين المتباينين وأخرى بين الأقل والأكثر الارتباطيين فيقع الكلام في
مقامين (المقام الأول) في دوران الامر بين المتباينين. لا يخفى أن التكليف المعلوم
بينهما مطلقا - ولو كانا فعل أمر وترك آخر - ان كان فعليا من جميع الجهات بان
282

يكون واجدا لما هو العلة التامة للبعث أو الزجر الفعلي مع ما هو عليه من الاجمال
والتردد والاحتمال فلا محيص عن تنجزه وصحة العقوبة على مخالفته وحينئذ لا محالة
يكون ما دل بعمومه على الرفع أو الوضع أو السعة أو الإباحة مما يعم أطراف العلم
مخصصا عقلا لاجل مناقضتها معه، وإن لم يكن فعليا كذلك - ولو كان بحيث لو علم
تفصيلا لوجب امتثاله وصح العقاب على مخالفته لم يكن هناك مانع عقلا ولا شرعا عن
شمول أدلة البراءة الشرعية للأطراف. ومن هنا انقدح انه لا فرق بين العلم التفصيلي
والاجمالي إلا أنه
283

لا مجال للحكم الظاهري مع التفصيلي فإذا كان الحكم الواقعي فعليا من سائر الجهات
لا محالة يصير فعليا معه من جميع الجهات وله مجال مع الاجمالي فيمكن أن لا يصير فعليا
معه لامكان جعل الظاهري في أطرافه وإن كان فعليا من غير هذه الجهة فافهم. ثم
إن الظاهر أنه لو فرض أن المعلوم بالاجمال كان فعليا من جميع الجهات لوجب عقلا
موافقته مطلقا ولو كانت أطرافه غير محصورة وإنما التفاوت بين المحصورة وغيرها
290

هو ان عدم الحصر ربما يلازم ما يمنع عن فعلية المعلوم مع كونه فعليا لولاه من سائر
الجهات (وبالجملة) لا يكاد يرى العقل تفاوتا بين المحصورة وغيرها في التنجز وعدمه
فيما كان المعلوم اجمالا فعليا يبعث المولى نحوه فعلا أو يزجر عنه كذلك مع ما هو عليه
من كثرة أطرافه والحاصل أن اختلاف الأطراف في الحصر وعدمه لا يوجب تفاوتا
في ناحية العلم ولو أوجب تفاوتا فإنما هو في ناحية المعلوم في فعلية البعث أو الزجر مع
الحصر وعدمها مع عدمه فلا يكاد يختلف العلم الاجمالي باختلاف الأطراف قلة وكثرة
في التنجيز وعدمه ما لم يختلف المعلوم في الفعلية وعدمها بذلك وقد عرفت آنفا أنه
لا تفاوت بين التفصيلي والاجمالي في ذلك ما لم يكن تفاوت
291

في طرف المعلوم أيضا فتأمل تعرف وقد انقدح أنه
292

لا وجه لاحتمال عدم وجوب الموافقة القطعية مع حرمة
293

مخالفتها ضرورة أن التكليف المعلوم إجمالا لو كان فعليا لوجب موافقته قطعا وإلا لم
يحرم مخالفته كذلك أيضا. ومنه ظهر أنه لو لم يعلم فعلية التكليف مع العلم به إجمالا
إما من جهة عدم الابتلاء ببعض أطرافه أو من جهة الاضطرار إلى بعضها معينا أو
مرددا أو من جهة تعلقه بموضوع يقطع بتحققه إجمالا في هذا الشهر كأيام حيض
المستحاضة مثلا لما وجب موافقته بل جاز مخالفته وأنه لو علم فعليته ولو كان بين
أطراف تدريجية لكان منجزا ووجب موافقته فان التدرج لا يمنع عن الفعلية
ضرورة أنه كما يصح التكليف بامر حالي كذلك يصح بامر استقبالي كالحج في الموسم
للمستطيع فافهم.
294

تنبيهات
(الأول): أن الاضطرار كما يكون مانعا عن العلم بفعلية التكليف لو
كان إلى واحد معين كذلك يكون مانعا لو كان إلى غير معين ضرورة
295

أنه مطلقا موجب لجواز ارتكاب أحد الأطراف أو تركه تعيينا أو تخييرا وهو ينافي
العلم بحرمة المعلوم أو بوجوبه بينها فعلا وكذلك لا فرق بين أن يكون الاضطرار
كذلك سابقا على حدوث العلم أو لا حقا وذلك لأن التكليف (1)

(1) لا يخفى ان ذلك انما يتم فيما كان الاضطرار إلى أحدهما لا بعينه واما
لو كان إلى أحدهما المعين فلا يكون بمانع عن تأثير العلم للتنجز لعدم منعه عن العلم بفعلية
التكليف المعلوم اجمالا المردد بين أن يكون التكليف المحدود في ذلك الطرف أو المطلق في
الطرف الآخر ضرورة عدم ما يوجب عدم فعلية مثل هذا المعلوم أصلا وعروض
الاضطرار انما يمنع عن فعلية التكليف لو كان في طرف معروضه بعد عروضه لا عن
فعلية المعلوم بالاجمال المردد بين التكليف المحدود في طرف المعروض والمطلق في
الآخر بعد العروض وهذا بخلاف ما إذا عرض الاضطرار إلى أحدهما لا بعينه
فإنه يمنع عن فعلية التكليف في البين مطلقا فافهم وتأمل (منه قدس سره)
298

الاحتياط إذا كان الاضطرار لاحقا للعلم ودفعه، وحاصل الوجه: أنه قبل طروء
الاضطرار يعلم اجمالا بوجوب الاجتناب عن النجس المردد مثلا وهذا العلم
يوجب تنجيز المعلوم بالاجمال، وبعد طروء الاضطرار إلى معين أو غير
معين وان ارتفع العلم المذكور الا ان قاعدة الاشتغال بالتكليف المنجز
تقتضي وجوب الاحتياط في الباقي. وحاصل الدفع: أن وجوب
الاجتناب المعلوم قبل طروء الاضطرار ليس مطلقا بل هو مقيد بعدم طروء الاضطرار
ففي زمان الاضطرار لا علم بالتكليف من أول الأمر حتى يكون الباقي طرفا لمعلوم
منجز فيكون مجرى لقاعدة الاشتغال ليجب فيه الاحتياط. هذا وقد استشكل
المصنف (ره) في هذا الدفع في حاشيته على المقام بان الباقي طرف لعلم اجمالي قائم
بين التدريجيين وهما الباقي مطلقا والمضطر إليه قبل طروء الاضطرار، كما أشرنا
إليه هنا وأوضحناه في مبحث الانحلال، فوجوب الاحتياط فيه لأجل هذا العلم
القائم بين التدريجيين وإن لم يكن طرفا لعلم اجمالي آخر قائم بين الدفعيين من جهة
منافاة الاضطرار لفعلية التكليف مطلقا، لكنه خص هذا الاشكال بالاضطرار
إلى معين دون الاضطرار إلى غير معين، مع أن الفرق بينهما غير واضح لأنه إذا
اختار المكلف أحد الطرفين فارتكبه كان الآخر عنده طرفا لعلم اجمالي قائم بينه
وبين ما ارتكبه قبل طروء الاضطرار بعين العلم الحاصل له في صورة الاضطرار
إلى معين، ومن هنا ذكرنا سابقا ان الحكم في الصور الثلاث الأخيرة الجارية في
الاضطرار إلى غير معين هو الحكم فيها في الاضطرار إلى المعين (فان قلت):
إذا كان الاضطرار إلى غير معين منهما فكل منهما موضوع للاضطرار كما تقدم فلا
يكون أحدهما قبل الارتكاب طرفا لعلم اجمالي تدريجي (قلت): الاضطرار وان

- الاضطرار انما يمنع عن فعلية التكليف لو كان في طرف معروضه بعد عروضه لا عن
فعلية المعلوم بالاجمال المردد بين التكليف المحدود في طرف المعروض والمطلق في
الآخر بعد العروض وهذا بخلاف ما إذا عرض الاضطرار إلى أحدهما لا بعينه
فإنه يمنع عن فعلية التكليف في البين مطلقا فافهم وتأمل (منه قدس سره)
299

المعلوم بينها من أول الامر كان محدودا بعدم عروض الاضطرار إلى متعلقه فلو عرض
على بعض أطرافه لما كان التكليف به معلوما لاحتمال أن يكون هو المضطر إليه فيما
كان الاضطرار إلى المعين أو يكون هو المختار فيما كان إلى بعض الأطراف بلا تعيين
(لا يقال): الاضطرار إلى بعض الأطراف ليس إلا كفقد بعضها فكما لا إشكال
في لزوم رعاية الاحتياط في الباقي مع الفقدان كذلك لا ينبغي الاشكال في لزوم رعايته
مع الاضطرار فيجب الاجتناب عن الباقي أو ارتكابه خروجا عن عهدة ما تنجز عليه
قبل عروضه (فإنه يقال): حيث أن فقد المكلف به ليس من حدود التكليف
به وقيوده كان التكليف المتعلق به مطلقا فإذا اشتغلت الذمة به كان قضية الاشتغال
به يقينا الفراغ عنه كذلك وهذا بخلاف الاضطرار إلى تركه فإنه من حدود التكليف
به وقيوده
300

ولا يكون الاشتغال به من الأول إلا مقيدا بعدم عروضه فلا يقين باشتغال الذمة
بالتكليف به إلا إلى هذا الحد فلا يجب رعايته فيما بعده ولا يكون إلا من باب
301

الاحتياط في الشبهة البدوية فافهم وتأمل فإنه دقيق جدا (الثاني) انه لما كان (1)
النهي عن الشئ إنما هو لأجل أن يصير داعيا للمكلف نحو تركه لو لم يكن له داع
آخر ولا يكاد يكون ذلك إلا فيما يمكن عادة ابتلاؤه به وأما ما لا ابتلاء به بحسبها فليس
للنهي عنه موقع أصلا ضرورة أنه بلا فائدة ولا طائل بل يكون من قبيل طلب الحاصل
كان الابتلاء بجميع الأطراف مما لابد منه في تأثير العلم فإنه بدونه لا علم بتكليف
فعلي لاحتمال تعلق الخطاب بما لا ابتلاء ومنه قد انقدح

(1) كما أنه إذا كان فعل الشئ الذي كان متعلقا لغرض المولى مما لا يكاد
عادة ان يتركه العبد وان لا يكون له داع إليه لم يكن الامر به والبعث إليه موقع
أصلا كما لا يخفى. منه قدس سره
302

أن الملاك في الابتلاء المصحح لفعلية الزجر وانقداح طلب تركه في نفس المولى فعلا
هو ما إذا صح انقداح الداعي إلى فعله في نفس العبد مع اطلاعه على ما هو عليه من
الحال ولو شك في ذلك كان المرجع هو البراءة لعدم القطع بالاشتغال لا إطلاق الخطاب
ضرورة أنه لا مجال للتشبث به إلا فيما إذا شك في التقييد بشئ بعد الفراغ عن صحة
الاطلاق بدونه
304

لا فيما شك في اعتباره في حصته (1) تأمل لعلك تعرف انشاء الله تعالى (الثالث) انه قد
عرفت أنه مع فعلية التكليف المعلوم لا تفاوت بين أن يكون أطرافه محصورة وأن يكون
غير محصورة (نعم) ربما يكون كثرة الأطراف في مورد موجبة لعسر موافقته
القطعية باجتناب كلها أو ارتكابه أو ضرر فيها أو غيرهما مما لا يكون معه التكليف
فعليا بعثا أو زجرا فعلا وليس بموجبة لذلك في غيره كما أن نفسها ربما يكون موجبة
لذلك ولو كانت قليلة في مورد آخر فلا بد من ملاحظة ذاك الموجب لرفع فعلية
التكليف المعلوم بالاجمال أنه يكون أولا يكون في هذا المورد أو يكون مع كثرة
أطرافه وملاحظة أنه مع آية مرتبة من كثرتها كما لا يخفى ولو شك في عروض
الموجب فالمتبع هو إطلاق دليل التكليف لو كان وإلا فالبراءة لأجل الشك في
مطابقا للواقع بخلاف سائر المطلقات مثل أكرم العالم إذا شك في تقييده بالعدالة
فان الشك في التقييد المذكور إنما يوجب الشك في مطابقة اطلاق العالم الشامل
للفاسق والعادل للواقع مع القطع بصحته، ولو كان غير مطابق للواقع فضمير (به)
راجع إلى الاطلاق و (بشئ) متعلق بالتقييد، و (بعد) ظرف لشك،
وضمير (بدونه) راجع إلى التقييد (قوله: لا فيما شك) يعني لا يتشبث
بالاطلاق إذا شك في وجود ما يعتبر في صحته كالابتلاء الذي هو شرط صحة اطلاق
الخطاب (قوله: أو ضرر فيها) أي في الموافقة القطعية (قوله: أو غيرهما)
أي غير العسر والضرر مثل خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء (قوله:
وليس بموجبة) معطوف على موجبة (قوله: ان نفسها) اي الموافقة القطعية
(قوله: ولو كانت) يعني الأطراف (قوله: مع أية مرتبة) إذ قد
تكون بعض مراتب الكثرة موجبة وبعض مراتبها غير موجبة (قوله: فالمتبع
هو اطلاق دليل) من الواضح أن أدلة العسر والحرج والضرر مقيدة لأدلة

(1) نعم لو كان الاطلاق في مقام يقتضي بيان التقييد بالابتلاء لو لم يكن
هناك ابتلاء مصحح للتكليف كان الاطلاق وعدم بيان التقييد دالا على فعليته
ووجود الابتلاء المصحح لها كما لا يخفى فافهم. منه قدس سره
305

التكليف الفعلي. هذا هو حق القول في المقام وما قيل في ضبط المحصور وغيره لا يخلو
من الجزاف (الرابع) أنه إنما يجب عقلا رعاية الاحتياط في خصوص الأطراف مما
يتوقف على اجتنابه أو ارتكابه حصول العلم باتيان الواجب أو ترك الحرام المعلومين
في البين دون غيرها وان كان حاله حال بعضها في كونه محكوما بحكم واقعا. ومنه
ينقدح الحال في مسألة ملاقاة شئ مع أحد أطراف النجس المعلوم بالاجمال وانه (تارة)
يجب الاجتناب عن الملاقي دون ملاقيه فيما كانت الملاقاة بعد العلم إجمالا بالنجس
بينها فإنه إذا اجتنب عنه وطرفه اجتنب عن النجس في البين قطعا ولو لم يجتنب عما
يلاقيه فإنه على تقدير نجاسته لنجاسته كان فردا آخر من النجس قد شك في وجوده
كشئ آخر شك في نجاسته بسب آخر.
306

ومنه ظهر أنه لا مجال لتوهم ان قضية تنجز الاجتناب عن المعلوم هو الاجتناب عنه
أيضا، ضرورة ان العلم به إنما يوجب تنجز الاجتناب عنه لا تنجز الاجتناب عن فرد
آخر لم يعلم حدوثه وإن احتمل
310

(وأخرى) يجب الاجتناب عما لاقاه دونه فيما لو علم اجمالا نجاسته أو نجاسة شئ آخر ثم
حدث العلم بالملاقات والعلم بنجاسة الملاقي أو ذاك الشئ أيضا فان حال (1) الملاقي في هذه
الصورة بعينها حال ما لاقاه في الصورة السابقة في عدم كونه طرفا للعلم الاجمالي وانه
فرد آخر على تقدير نجاسته واقعا غير معلوم النجاسة أصلا لا اجمالا ولا تفصيلا

(1) وإن لم يكن احتمال نجاسة ما لاقاه الا من قبل ملاقاته. منه قدس سره
311

(وكذا) لو علم بالملاقات ثم حدث العلم الاجمالي ولكن كان الملاقي خارجا عن
محل الابتلاء في حال حدوثه وصار مبتلي به بعده (وثالثة) يجب الاجتناب عنهما
فيما لو حصل العلم الاجمالي بعد العلم بالملاقاة ضرورة انه حينئذ يعلم اجمالا اما
بنجاسة الملاقي والملاقى أو بنجاسة الآخر كما لا يخفى فيتنجز التكليف بالاجتناب عن
النجس في البين وهو الواحد أو الاثنان (المقام الثاني): في دوران الأمر
بين الأقل والأكثر الارتباطيين
312

(والحق) أن العلم الاجمالي بثبوت التكليف بينهما أيضا يوجب الاحتياط عقلا
باتيان الأكثر لتنجزه به حيث تعلق بثبوته فعلا (وتوهم) انحلاله إلى العلم بوجوب
الأقل تفصيلا والشك في وجوب الأكثر بدوا ضرورة لزوم الاتيان بالأقل
لنفسه شرعا
313

أو لغيره كذلك أو عقلا ومعه لا يوجب تنجزه لو كان متعلقا بالأكثر (فاسد) قطعا
لاستلزام الانحلال المحال بداهة توقف لزوم الأقل فعلا إما لنفسه أو لغيره على تنجز
التكليف مطلقا ولو كان متعلقا بالأكثر فلو كان لزومه كذلك مستلزما لعدم تنجزه
314

الا إذا كان متعلقا بالأقل كان خلفا، مع أنه يلزم من وجوده عدمه لاستلزامه عدم
تنجز التكليف على كل حال المستلزم لعدم لزوم الأقل مطلقا المستلزم لعدم الانحلال
وما يلزم من وجوده عدمه محال (نعم) انما ينحل إذا كان الأقل ذا مصلحة ملزمة
فان وجوبه حينئذ يكون معلوما له وإنما كان الترديد لاحتمال أن يكون الأكثر
315

ذا مصلحتين
318

أو مصلحة أقوي من مصلحة الأقل فالعقل في مثله وان استقل بالبراءة بلا كلام
الا انه خارج عما هو محل النقض والابرام في المقام. هذا مع أن الغرض الداعي
إلى الأمر لا يكاد يحرز الا بالأكثر بناء على ما ذهب إليه المشهور من العدلية من
تبعية الأوامر والنواهي للمصالح والمفساد في المأمور بها المنهي عنها وكون الواجبات
الشرعية ألطافا في الواجبات العقلية وقد مر اعتبار موافقة الغرض وحصوله عقلا في
إطاعة الأمر وسقوطه فلا بد من إحرازه في إحرازها كما لا يخفى
319

ولا وجه للتفصي عنه (تارة) بعدم ابتناء مسألة البراءة والاحتياط على ما ذهب إليه
مشهور العدلية وجريانها على ما ذهب إليه الأشاعرة المنكرين لذلك أو بعض العدلية
المكتفين بكون المصلحة في نفس الامر دون المأمور به (وأخرى) بان حصول المصلحة
واللطف في العبادات لا يكاد يكون الا باتيانها على وجه الامتثال وحينئذ كان لاحتمال
اعتبار معرفة اجزائها تفصيلا ليؤتى بها مع قصد الوجه مجال ومعه لا يكاد يقطع بحصول
اللطف والمصلحة الداعية إلى الامر فلم يبق الا التخلص عن تبعة مخالفته
320

باتيان ما علم تعلقه به فإنه واجب عقلا وإن لم يكن في المأمور به مصلحة ولطف رأسا
لتنجزه بالعلم به إجمالا وأما الزائد عليه - لو كان - فلا تبعة على مخالفته من جهته
فان العقوبة عليه بلا بيان وذلك ضرورة أن حكم العقل بالبراءة - على مذهب
الأشعري - لا يجدي من ذهب إلى ما عليه المشهور من العدلية بل من ذهب إلى ما
عليه غير المشهور لاحتمال أن يكون الداعي إلى الامر ومصلحته على هذا المذهب أيضا
هو ما في الواجبات من المصلحة وكونها ألطافا فافهم.
321

وحصول اللطف والمصلحة في العبادة وان كان يتوقف على الاتيان بها على وجه
الامتثال الا انه لا مجال لاحتمال اعتبار معرفة الأجزاء واتيانها على وجهها كيف ولا
إشكال في إمكان الاحتياط ها هنا كما في المتباينين ولا يكاد يمكن مع اعتباره. هذا
مع وضوح بطلان احتمال اعتبار قصد الوجه كذلك والمراد بالوجه في كلام من
صرح بوجوب إيقاع الواجب على وجهه ووجوب اقترانه به هو وجه نفسه من
وجوبه النفسي لا وجه أجزائه من وجوبها الغيري أو وجوبها العرضي واتيان الواجب
322

ولو كان هو الأقل فيتأتى من المكلف معه قصد الوجه واحتمال اشتماله على ما ليس
من أجزائه ليس بضائر إذا قصد وجوب المأتي على إجماله بلا تمييز ماله دخل في
الواجب من أجزائه لا سيما إذا دار الزائد بين كونه جزءا لماهيته وجزءا لفرده
حيث ينطبق الواجب على المأتي حينئذ بتمامه وكماله لان الطبيعي يصدق على الفرد
323

بمشخصاته (نعم) لو دار بين كونه جزءا ومقارنا لما كان منطبقا عليه بتمامه لو لم
يكن جزءا لكنه غير ضائر لانطباقه عليه أيضا فيما لم يكن ذاك الزائد جزءا غايته
لا بتمامه بل بسائر أجزائه. هذا - مضافا إلى أن اعتبار قصد الوجه من رأس مما
يقطع بخلافه - مع أن الكلام في هذه المسألة لا يختص بما لابد أن يؤتى به على وجه
الامتثال من العبادات - مع أنه لو قيل باعتبار قصد الوجه في الامتثال فيها على وجه ينافيه التردد
والاحتمال فلا وجه معه للزوم مراعاة الامر المعلوم أصلا ولو باتيان الأقل لو لم يحصل الغرض
324

وللزم الاحتياط باتيان الأكثر مع حصوله ليحصل القطع بالفراغ بعد القطع بالاشتغال
لاحتمال بقائه مع الأقل بسبب بقاء غرضه. فافهم هذا بحسب حكم العقل
325

واما النقل (1) فالظاهر أن عموم مثل حديث الرفع

(1) لكنه لا يخفى انه لا مجال للنقل فيما هو مورد حكم العقل بالاحتياط
وهو ما إذا علم اجمالا بالتكليف الفعلي الامر الواقعي وهو واضح البطلان.
منه مد ظله
326

قاض برفع جزئية ما شك في جزئيته فبمثله يرتفع الاجمال والتردد عما تردد أمره بين
الأقل والأكثر ويعينه في الأول (لا يقال): إن جزئية السورة المجهولة - مثلا -
ليست بمجعولة وليس لها أثر مجعول والمرفوع بحديث الرفع إنما هو المجعول
327

بنفسه أو أثره ووجوب الإعادة إنما هو أثر بقاء الامر الأول بعد العلم مع أنه عقلي
وليس إلا من باب وجوب الإطاعة عقلا (لأنه يقال): إن الجزئية وإن كانت غير
مجعولة بنفسها إلا أنها مجعولة بمنشأ انتزاعها وهذا كاف في صحة رفعها (لا يقال):
إنما يكون ارتفاع الامر الانتزاعي برفع منشأ انتزاعه وهو الامر الأول ولا دليل
آخر على امر آخر بالخالي عنه (لأنه يقال): نعم وإن كان ارتفاعه بارتفاع منشأ
انتزاعه
328

إلا أن نسبة حديث الرفع الناظر إلى الأدلة الدالة على بيان الاجزاء إليها نسبة الاستثناء
وهو معها يكون دالة على جزئيتها إلا مع الجهل بها كما لا يخفى فتدبر جيدا
329

وينبغي التنبيه على أمور
(الأول) أنه ظهر مما مر حال دوران الامر بين المشروط بشئ ومطلقه
وبين الخاص كالانسان وعامه كالحيوان، وأنه لا مجال ههنا للبراءة عقلا بل كان
الامر فيهما أظهر، فان الانحلال المتوهم في الأقل والأكثر لا يكاد يتوهم ههنا، بداهة
330

أن الاجزاء التحليلية لا يكاد يتصف باللزوم من باب المقدمة عقلا، فالصلاة مثلا في
ضمن الصلاة المشروطة أو الخاصة موجودة بعين وجودها في ضمن صلاة أخرى
فاقدة لشرطها وخصوصيتها تكون متبائنة للمأمور بها كما لا يخفى (نعم) لا بأس بجريان
البراءة النقلية في خصوص دوران الامر بين المشروط وغيره دون دوران الامر بين
333

الخاص وغيره لدلالة مثل حديث الرفع على عدم شرطية ما شك في شرطيته وليس
كذلك خصوصية الخاص فإنها إنما تكون منتزعة عن نفس الخاص فيكون الدوران
بينه وبين غيره من قبيل الدوران بين المتباينين فتأمل جيدا
334

(الثاني) انه لا يخفى أن الأصل فيما إذا شك في جزئية شئ أو شرطيته في حال
نسيانه عقلا ونقلا ما ذكر في الشك في أصل الجزئية أو الشرطية فلو لا مثل حديث
الرفع مطلقا و (لا تعاد) في الصلاة يحكم عقلا بلزوم إعادة ما أخل بجزئه أو شرطه
نسيانا كما هو الحال فيما ثبت شرعا جزئيته أو شرطيته مطلقا
335

نصا أو إجماعا. ثم لا يذهب عليك أنه كما يمكن رفع الجزئية أو الشرطية في هذا
الحال بمثل حديث الرفع كذلك يمكن تخصيصها بهذا الحال بحسب الأدلة الاجتهادية
338

كما إذا وجه الخطاب على نحو يعم الذاكر والناسي بالخالي عما شك في دخله مطلقا وقد
دل دليل آخر على دخله في حق الذاكر أو وجه إلى الناسي خطاب يخصه بوجوب
الخالي بعنوان آخر عام أو خاص لا بعنوان الناسي كي يلزم استحالة ايجاب ذلك عليه
بهذا العنوان لخروجه عنه بتوجيه الخطاب إليه لا محالة كما توهم لذلك استحالة تخصيص
الجزئية أو الشرطية بحال الذكر وايجاب العمل الخالي عن المنسي على الناسي فلا تغفل
(الثالث) أنه ظهر مما مر حال زيادة الجزء إذا شك في اعتبار عدمها شرطا أو شطرا
في الواجب
340

مع عدم اعتباره في جزئية والا لم يكن من زيادته بل من نقصانه وذلك لاندارجه في
الشك في دخل شئ فيه جزءا أو شرطا فيصح لو أتى به مع الزيادة عمدا تشريعا أو
جهلا قصورا أو تقصيرا أو سهوا
341

وان استقل العقل - لولا النقل - بلزوم الاحتياط لقاعدة الاشتغال. نعم لو كان
عبادة وأتى
342

به كذلك على نحو لو لم يكن للزائد دخل فيه لما يدعو إليه وجوبه لكان باطلا مطلقا
أو في صورة عدم دخله في لعدم تصور الامتثال في هذه الصورة مع استقلال العقل
بلزوم الإعادة مع اشتباه الحال لقاعدة الاشتغال وأما لو أتى به على نحو يدعوه إليه
على أي حال كان صحيحا ولو كان مشرعا في دخله الزائد فيه
343

بنحو مع عدم علمه بدخله فان تشريعه في تطبيق المأتي مع المأمور به وهو لا ينافي قصده
الامتثال والتقرب به على كل حال ثم. انه ربما تمسك لصحة ما أتي به مع الزيادة
باستصحاب الصحة وهو لا يخلو من كلام ونقض وإبرام خارج عما هو المهم في المقام
ويأتي تحقيقه في مبحث الاستصحاب انشاء الله تعالى
344

(الرابع) أنه لو علم بجزئية شئ أو شرطيته في الجملة ودارا لامر بين أن يكون
جزءا أو شرطا مطلقا ولو في حال العجز عنه وبين أن يكون جزءا أو شرطا في
خصوص حال التمكن منه فيسقط الامر بالعجز عنه على الأول لعدم القدرة حينئذ
على المأمور به لا على الثاني فيبقى معلقا بالباقي ولم يكن هناك ما يعين أحد الامرين
من إطلاق دليل اعتباره جزءا أو شرطا أو إطلاق دليل المأمور به مع إجمال دليل
اعتباره أو إهماله لاستقل العقل بالبراءة عن الباقي فان العقاب على تركه بلا بيان
والمؤاخذة عليه بلا برهان (لا يقال): نعم ولكن قضية مثل حديث الرفع عدم
الجزئية أو الشرطية إلا في حال التمكن منه
347

(فإنه يقال): إنه لا مجال ههنا لمثله بداهة انه ورد في مقام الامتنان فيختص بما
يوجب نفي التكليف لا اثباته (نعم) ربما يقال بان قضية الاستصحاب في بعض
الصور وجوب الباقي في حال التعذر أيضا ولكنه لا يكاد يصح إلا بناء على صحة
القسم الثالث من استصحاب الكلي
348

أو على المسامحة في تعيين الموضوع في الاستصحاب وكان ما تعذر مما يسامح به عرفا
بحيث يصدق مع تعذره بقاء الوجوب لو قيل بوجوب الباقي وارتفاعه لو قيل بعدم
وجوبه ويأتي تحقيق الكلام فيه في غير المقام. كما أن وجوب الباقي في الجملة ربما
قيل بكونه مقتضى ما يستفاد من قوله - صلى الله عليه وآله: (إذا أمرتكم بشئ
فأتوا منه ما استطعتم) وقوله: (الميسور لا يسقط بالمعسور) (و قوله:
(ما لا يدرك كله لا يترك كله) ودلالة الأول مبنية على كون كلمة (من) تبعيضية
لا بيانية ولا بمعنى الباء وظهورها في التبعيض وإن كان مما لا يكاد يخفى إلا أن كونه
بحسب الأجزاء غير واضح
350

لاحتمال أن يكون بلحاظ الافراد ولو سلم فلا محيص عن انه ههنا
351

بهذا اللحاظ يراد حيث ورد جوابا عن السؤال عن تكرار الحج بعد أمره به فقد
روي أنه خطب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (إن الله كتب
عليكم الحج، فقام عكاشة - ويروى سراقة بن مالك - فقال: في كل عام يا رسول
الله فأعرض عنه حتى أعاد مرتين أو ثلاثا فقال: ويحك وما يؤمنك أن أقول:
نعم، والله لو قلت: نعم، لوجب ولو وجب ما استطعتم ولو تركتم لكفرتم
فاتركوني ما تركتم وإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم إلى أنبيائهم
فإذا أمرتكم بشئ فاتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه، ومن ذلك
ظهر الاشكال في دلالة الثاني أيضا حيث لم يظهر في عدم سقوط الميسور من الأجزاء
بمعسورها لاحتمال إرادة عدم سقوط الميسور من أفراد العام بالمعسور منها. هذا
مضافا إلى عدم دلالته على عدم السقوط لزوما لعدم اختصاصه بالواجب ولا مجال معه
352

لتوهم دلالته على أنه بنحو اللزوم إلا أن يكون المراد عدم سقوطه بما له من الحكم
وجوبا كان أو ندبا بسبب سقوطه عن المعسور بان يكون قضية الميسور كناية عن
عدم سقوطه بحكمه حيث إن الظاهر من مثله هو ذلك، كما أن الظاهر من مثل (لا ضرر
ولا ضرار) هو نفي ماله من تكليف أو وضع لا أنها عبارة عن عدم سقوطه بنفسه
وبقائه على عهدة المكلف كي لا يكون له دلالة على جريان القاعدة في المستحبات
على وجه أولا يكون له دلالة على وجوب الميسور في الواجبات على آخر فافهم (وأما
الثالث) فبعد تسليم ظهور كون الكل في المجموعي لا الأفرادي لا دلالة له إلا على
353

رجحان الاتيان بباقي الفعل المأمور به واجبا كان أو مستحبا عند تعذر بعض أجزائه لظهور الموصول فيما يعمهما وليس ظهور (لا يترك) في الوجوب لو سلم موجبا لتخصيصه
بالواجب لو لم يكن ظهوره في الأعم قرينة على إرادة خصوص الكراهة أو مطلق
المرجوحية من النفي، وكيف كان فليس ظاهرا في اللزوم ههنا ولو قيل بظهوره فيه
في غير المقام (ثم) إنه حيث كان الملاك
354

في قاعدة الميسور هو صدق الميسور على الباقي عرفا كانت القاعدة جارية مع
تعذر الشرط أيضا لصدقه حقيقة عليه مع تعذره عرفا كصدقه عليه كذلك
مع تعذر الجزء في الجملة وان كان فاقد الشرط مباينا للواجد عقلا،
ولأجل ذلك ربما لا يكون الباقي الفاقد لمعظم الأجزاء أو لركنها موردا لها فيما
إذا لم يصدق عليه الميسور عرفا وان كان غير مبائن للواجد عقلا (نعم) ربما يلحق به
شرعا مالا يعد بميسور عرفا
355

بتخطئته للعرف وان عدم العد كان لعدم الاطلاع على ما هو عليه الفاقد من قيامه
في هذا الحال بتمام ما قام عليه الواجد أو بمعظمه في غير الحال وإلا عد أنه ميسوره
كما ربما يقوم الدليل على سقوط ميسور عرفي لذلك أي للتخطئة وانه لا يقوم بشئ
من ذلك (وبالجملة) ما لم يكن دليل على الاخراج أو الالحاق كان المرجع هو
الاطلاق ويستكشف منه أن الباقي قائم بما يكون المأمور به قائما بتمامه أو بمقدار
يوجب ايجابه في الواجب واستحبابه في المستحب وإذا قام دليل على أحدهما فيخرج
أو يدرج تخطئة أو تخصيصا
356

في الأول وتشريكا في الحكم من دون الاندراج في الموضوع في الثاني فإنهم
(تذنيب) لا يخفى أنه إذا دار الامر بين جزئية شئ أو شرطيته وبين مانعته أو
قاطعيته لكان من قبيل المتبائنين ولا يكاد يكون من الدوران بين المحذورين
لامكان الاحتياط باتيان العمل مرتين مع ذاك الشئ مرة وبدونه أخرى كما هو
أوضح من أن يخفى.
خاتمة في شرائط الأصول
(أما الاحتياط) فلا يعتبر في حسنه شئ أصلا بل يحسن على كل حال الا إذا
كان موجبا لاختلال النظام ولا تفاوت فيه بين المعاملات والعبادات مطلقا
357

ولو كان موجبا للتكرار فيها و (توهم) كون التكرار عبثا ولعبا بأمر المولى وهو ينافي قصد
الامتثال المعتبر في العبادة (فاسد) لوضوح أن التكرار ربما يكون بداع صحيح عقلائي مع
أنه لو لم يكن بهذا الداعي وكان أصل اتيانه بداعي امر مولاة بلا داع له سواه لما ينافي
قصد الامتثال وان كان لاعبا في كيفية امتثاله (فافهم) بل يحسن أيضا فيما قامت الحجة على
البراءة عن التكليف لئلا يقع فيما كان في مخالفته على تقدير ثبوته من المفسدة وفوت المصلحة
358

(وأما البراءة) العقلية فلا يجوز إجراؤها إلا بعد الفحص واليأس عن الظفر
بالحجة على التكليف لما مرت الإشارة إليه من عدم استقلال العقل بها الا بعدهما (واما
البراءة) النقلية فقضية إطلاق أدلتها
359

وان كان هو عدم اعتبار الفحص في جريانها كما هو حالها في الشبهات
الموضوعية إلا أنه استدل على اعتباره بالاجماع وبالعقل فإنه لا مجال لها بدونه حيث
يعلم اجمالا بثبوت التكليف بين موارد الشبهات بحيث لو تفحص عنه لظفر به ولا يخفى
أن الاجماع ههنا غير حاصل ونقله لوهنه بلا طائل فان تحصيله في مثل هذه المسألة مما
للعقل إليه سبيل صعب لو لم يكن عادة بمستحيل لقوة احتمال أن يكون المستند للجل
لولا الكل هو ما ذكر من حكم العقل وان الكلام في البراءة فيما لم يكن هناك على موجب
360

إما لانحلال العلم الاجمالي بالظفر بالمقدار المعلوم بالاجمال أو لعدم الابتلاء إلا بما
لا يكون بينها علم بالتكليف من موارد الشبهات ولو لعدم الالتفات إليها (فالأولى)
الاستدلال للوجوب بما دل من الآيات والاخبار على وجوب التفقه والتعلم والمؤاخذة
على ترك التعلم في مقام الاعتذار عن عدم العمل بعدم العلم بقوله تعالى - كما في الخبر -:
هلا تعلمت
361

فيقيد بها أخبار البراءة لقوة ظهورها في أن المؤاخذة والاحتجاج بترك التعلم فيما لم
يعلم لا بترك العمل فيما علم وجوبه ولو اجمالا فلا مجال للتوفيق بحمل هذه الأخبار على
ما إذا علم اجمالا (فافهم) ولا يخفى اعتبار الفحص في التخيير العقلي أيضا بعين ما ذكر
في البراءة فلا تغفل، ولا بأس بصرف الكلام في بيان بعض ما للعمل بالبراءة قبل
الفحص من التبعة والأحكام، أما التبعة فلا شبهة في استحقاق العقوبة على المخالفة فيما
إذا كان ترك التعلم والفحص مؤديا إليها فإنها وان كانت مغفولة حينها وبلا اختيار
الا انها منتهية إلى الاختيار وهو كاف في صحة العقوبة بل مجرد تركهما كاف في
صحتها وإن لم يكن مؤديا إلى المخالفة
362

مع احتماله لاجل التجري وعدم المبالات بها. نعم يشكل في الواجب المشروط
والموقت ولو أدى تركهما قبل الشرط والوقت إلى المخالفة بعدهما فضلا عما إذا لم يؤد إليها]
364

حيث لا يكون حينئذ تكليف فعلي أصلا لا قبلهما وهو واضح ولا بعدهما وهو كذلك
لعدم (1) التمكن منه بسبب الغفلة ولذا التجأ المحقق الأردبيلي وصاحب المدارك
- قدس سرهما - إلى الالتزام بوجوب التفقه والتعلم نفسيا تهيئيا فيكون العقوبة على
ترك التعلم نفسه لا على ما أدى إليه من المخالفة فلا إشكال حينئذ في المشروط والموقت
ويسهل بذلك الأمر في غيرهما

(1) إلا أن يقال بصحة المؤاخذة على ترك المشروط أو الموقت عند العقلاء
إذا تمكن منهما. في الجملة ولو بان تعلم وتفحص إذا التفت وعدم لزوم التمكن
منهما بعد حصول الشرط ودخول الوقت مطلقا كما يظهر ذلك من مراجعة العقلاء
ومؤاخذتهم العبيد على ترك الواجبات المشروطة أو الموقتة بترك تعلمها قبل الشرط
أو الوقت المؤدي إلى تركها بعد حصوله أو دخوله فتأمل. منه قدس سره
365

لو صعب على أحد ولم تصدق كفاية الانتهاء إلى الاختيار في استحقاق العقوبة على
ما كان فعلا مغفولا عنه وليس بالاختيار، ولا يخفى أنه لا يكاد ينحل هذا الاشكال
إلا بذلك أو الالتزام يكون المشروط أو الموقت مطلقا معلقا لكنه قد اعتبر على نحو
لا تتصف مقدماته الوجودية عقلا بالوجوب قبل الشرط أو الوقت غير التعلم فيكون
الايجاب حاليا وان كان الواجب استقباليا قد أخذ على نحو لا يكاد يتصف بالوجوب
شرطه ولا غير التعلم من مقدماته قبل شرطه أو وقته، وأما لو قيل بعدم الايجاب إلا
بعد الشرط والوقت كما هو ظاهر الأدلة وفتاوي المشهور
366

فلا محيص عن الالتزام بكون وجوب التعلم نفسيا لتكون العقوبة - لو قيل بها -
على تركه لا على ما أدى إليه من المخالفة
367

ولا بأس به كما لا يخفى، ولا ينافيه ما يظهر من الاخبار من كون وجوب التعلم انما هو
لغيره لا لنفسه حيث أن وجوبه لغيره لا يوجب كونه واجبا غيريا يترشح وجوبه من
وجوب غيره فيكون مقدميا بل للتهيؤ لايجابه (فافهم) وأما الأحكام فلا اشكال في
وجوب الإعادة في صورة المخالفة بل في صورة الموافقة أيضا في العبادة فيما لا يتأتي
منه قصد القربة وذلك لعدم الاتيان بالمأمور به مع عدم دليل على الصحة والاجزاء
368

إلا في الاتمام في موضع القصر أو الاجهار أو الاخفات في موضع الآخر فورد
في الصحيح وقد أفتى به المشهور صحة الصلاة وتماميتها في الوضعين مع الجهل مطلقا
ولو كان عن تقصير موجب لاستحقاق العقوبة على ترك الصلاة المأمور بها لان
ما أتى بها وان صحت وتمت الا انها ليست بمأمور بها (إن قلت): كيف يحكم
بصحتها مع عدم الامر بها؟ وكيف يصح الحكم باستحقاق العقوبة على ترك الصلاة
التي أمر بها حتى فيما إذا تمكن مما أمر بها كما هو ظاهر إطلاقاتهم بان علم بوجوب
القصر أو الجهر بعد الاتمام والاخفات وقد بقي من الوقت مقدار إعادتها قصرا
أو جهرا، ضرورة أنه لا تقصير ههنا يوجب استحقاق العقوبة. وبالجملة كيف يحكم بالصحة
بدون الامر؟ وكيف يحكم باستحقاق العقوبة مع التمكن من الإعادة لولا الحكم
369

شرعا بسقوطها وصحة ما أتى بها؟ (قلت): إنما حكم بالصحة لاجل اشتمالها على
مصلحة تامة لازمة الاستيفاء في نفسها مهمة في حد ذاتها وان كانت دون مصلحة
الجهر والقصر وإنما لم يؤمر بها لاجل أنه أمر بما كانت واجدة لتلك المصلحة
على النحو الأكمل والأتم وأما الحكم باستحقاق العقوبة مع التمكن
من الإعادة فإنها بلا فائدة إذ مع استيفاء تلك المصلحة لا يبقي مجال
لاستيفاء المصلحة التي كانت في المأمور بها ولذا لو أتى بها في موضع الآخر جهلا مع
تمكنه من التعلم فقد قصر ولو علم بعده وقد وسع الوقت فانقدح أنه لا يتمكن من
صلاة القصر صحيحة بعد فعل صلاة الاتمام ولا من الجهر كذلك بعد فعل صلاة
الاخفات وإن كان الوقت باقيا (ان قلت): على هذا يكون كل منهما في موضع
الآخر سببا لتفويت الواجب فعلا وما هو السبب لتوفيت الواجب كذلك حرام
وحرمة العبادة موجبة لفسادها بلا كلام (قلت): ليس سببا لذلك غايته أنه
يكون مضادا له وقد حققنا في محله أن الضد وعدم ضده متلازمان ليس بينهما توقف
أصلا (لا يقال): على هذا فلو صلى تماما أو صلى إخفاتا في موضع القصر والجهر
مع العلم بوجوبهما في موضعهما لكانت صلاته صحيحة وان عوقب على مخالفة الأمر
بالقصر أو الجهر (فإنه يقال): لا بأس بالقول به لو دل دليل على انها تكون
مشتملة على المصلحة ولو مع العلم لاحتمال اختصاص أن يكون كذلك في صورة الجهل
370

ولا بعد أصلا في اختلاف الحال فيها باختلاف حالتي العلم بوجوب شئ والجهل به كما
لا يخفى. وقد صار بعض الفحول بصدد بيان إمكان كون المأتي في غير موضعه مأمورا
به بنحو الترتب وقد حققنا في مبحث الضد امتناع الامر بالضدين مطلقا ولو بنحو
الترتب بما لا مزيد عليه فلا نعيد، ثم إنه ذكر لأصل البراءة شرطان آخران (أحدهما)
أن لا يكون موجبا لثبوت حكم شرعي من جهة أخرى (ثانيهما) أن لا يكون موجبا
للضرر على آخر، ولا يخفى أن أصالة البراءة عقلا ونقلا في الشبهة البدوية بعد الفحص
لا محالة تكون جارية وعدم استحقاق العقوبة الثابت بالبراءة العقلية والإباحة ورفع
التكليف الثابت بالبراءة النقلية لو كان موضوعا لحكم شرعي أو ملازما له فلا
محيص عن ترتبه عليه بعد إحرازه
371

فان لم يكن مترتبا عليه بل على نفي التكليف واقعا فهي وإن كانت جارية إلا أن
ذاك الحكم لا يترتب لعدم ثبوت ما يترتب عليه بها وهذا ليس بالاشتراط، وأما اعتبار
أن لا يكون موجبا للضرر فكل مقام تعمه قاعدة نفي الضرر وإن لم يكن مجال فيه
لأصالة البراءة كما
372

هو حالها مع سائر القواعد الثابتة بالأدلة الاجتهادية إلا أنه حقيقة
لا يبقى لها مورد، بداهة أن الديل الاجتهادي يكون بيانا وموجبا للعلم بالتكليف ولو
ظاهرا فإن كان المراد من الاشتراط ذلك فلا بد من اشتراط أن لا يكون على خلافها
دليل اجتهادي لا خصوص قاعدة الضرر فتدبر والحمد لله على كل حال (ثم) انه
لا بأس بصرف الكلام إلى بيان قاعدة الضرر والضرار على نحو الاقتصار وتوضيح
مدركها وشرح مفادها وايضاح نسبتها مع الأدلة المثبتة للأحكام الثابتة للموضوعات
بعناوينها الأولية أو الثانوية وإن كانت أجنبية عن مقاصد الرسالة إجابة لالتماس
بعض الأحبة فأقول وبه استعين: إنه قد استدل عليها باخبار كثيرة منها موثقة
زرارة عن أبي جعفر: ان سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من
الأنصار وكان منزل الأنصاري بباب البستان وكان سمرة يمر إلى نخلته ولا يستأذن
فكلمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء فأبى سمرة فجاء الأنصاري إلى النبي صلى الله عليه وآله فشكى
إليه فأخبر بالخبر فأرسل رسول الله وأخبره بقول الأنصاري وما شكاه فقال: إذا
أردت الدخول فاستأذن فأبى فلما أبى فساومه حتى بلغ من الثمن ما شاء الله فأبى أن
373

يبيعه فقال: لك بها عذق في الجنة فأبى أن يقبل فقال رسول الله - صلى الله عليه
وآله - للأنصاري: اذهب فاقلعها وارم بها إليه فإنه لا ضرر ولا ضرار، وفي رواية
الحذاء عن أبي جعفر (ع) مثل ذلك إلا أنه فيها بعد الاباء: ما أراك يا سمرة إلا مضارا
اذهب يا فلان فاقلعها وارم بها وجهه، إلى غير ذلك من الروايات الواردة في قصة سمرة
374

وغيرها وهي كثيرة وقد ادعي تواترها مع اختلافها لفظا وموردا فليكن المراد به
تواترها اجمالا بمعنى القطع بصدور بعضها، والانصاف أنه ليس في دعوى التواتر كذلك
جزاف وهذا مع استناد المشهور إليها موجب لكمال الوثوق بها وانجبار ضعفها مع
أن بعضها موثقة فلا مجال للاشكال فيها من جهة سندها كما لا يخفى وأما دلالتها
375

فالظاهر أن الضرر هو ما يقابل النفع من النقص في النفس أو الطرف أو العرض أو
المال تقابل العدم الملكة، كما أن الأظهر أن يكون الضرار بمعنى الضرر جيئ به
تأكيدا كما يشهد به إطلاق المضار على سمرة وحكي عن النهاية لا فعل الاثنين وان
كان هو الأصل في باب المفاعلة ولا الجزاء على الضرر لعدم تعاهده من باب المفاعلة
376

وبالجملة لم يثبت له معنى آخر غير الضرر كما أن الظاهر أن يكون (لا) لنفي الحقيقة كما
هو الأصل في هذا التركيب حقيقة أو ادعاء كناية عن نفي الآثار كما هو الظاهر
من مثل:
377

(لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) و: يا أشباه الرجال ولا رجال، فان قضية
379

البلاغة في الكلام هو إرادة نفي الحقيقة ادعاء لا نفي الحكم أو الصفة كما لا يخفى،
ونفي الحقيقة ادعاء بلحاظ الحكم أو الصفة غير نفي أحدهما ابتداء مجازا في التقدير
أو في الكلمة مما لا يخفى على من له معرفة بالبلاغة. وقد انقدح بذلك بعد إرادة
نفي الحكم الضروري أو الضرر غير المتدارك أو إرادة النهي من النفي جدا ضرورة
بشاعة استعمال الضرر وإرادة خصوص سبب من أسبابه أو خصوص غير المتدارك منه،
ومثله لو أريد ذاك بنحو التقييد فإنه وإن لم يكن ببعيد إلا أنه بلا دلالة عليه غير
سديد وإرادة النهي من النفي وإن كان ليس بعزيز إلا أنه لم يعهد من مثل هذا
التركيب وعدم إمكان إرادة نفي الحقيقة حقيقة لا يكاد يكون قرينة على إرادة واحد
منها بعد امكان حمله على نفيها ادعاء بل كان هو الغالب في موارد استعماله
380

ثم الحكم الذي أريد نفيه بنفي الضرر
381

هو الحكم الثابت للأفعال بعناوينها أو المتوهم ثبوته لها كذلك في حال الضرر لا الثابت له بعنوانه
لوضوح أنه العلة للنفي ولا يكاد يكون الموضوع يمنع عن حكمه وينفيه بل يثبته ويقتضيه، ومن هنا
لا يلاحظ النسبة بين أدلة نفيه وأدلة الاحكام وتقدم أدلته على أدلتها مع أنها عموم من وجه
حيث أنه يوفق بينهما عرفا بأن الثابت للعناوين الأولية اقتضائي يمنع عنه فعلا ما عرض
عليها من عنوان الضرر بأدلة كما هو الحال في التوفيق بين سائر الأدلة المثبتة أو
النافية لحكم الأفعال بعناوينها الثانوية والأدلة التكلفة لحكمها بعناوينها الأولية (نعم)
ربما يعكس الامر فيما أحرز بوجه معتبر أن الحكم في المورد ليس بنحو الاقتضاء بل
بنحو العلية التامة وبالجملة الحكم الثابت بعنوان أولي (تارة) يكون بنحو الفعلية
384

مطلقا أو بالإضافة إلى عارض دون عارض بدلالة لا يجوز الاغماض عنها بسبب دليل
حكم العارض المخالف له فيقدم دليل ذاك العنوان على دليله (وأخرى) يكون على نحو
لو كانت هناك دلالة للزم الاغماض عنها بسببه عرفا حيث كان اجتماعهما قرينة على أنه
بمجرد المقتضي وأن العارض مانع فعلي، هذا ولو لم نقل بحكومة دليله على دليله لعدم ثبوت
نظره إلى مدلوله كما قيل
385

(ثم) انقدح بذلك حال توارد دليلي العارضين
386

كدليل نفي العسر ودليل نفي الضرر مثلا فيعامل معهما معاملة المتعارضين لو لم يكن
من باب تزاحم المقتضيين وإلا فيقدم ما كان مقتضيه أقوى وان كان دليل الآخر
أرجح وأولى ولا يبعد ان الغالب في توارد العارضين أن يكون من ذاك الباب
بثبوت المقتضي فيهما مع تواردهما لا من باب التعارض لعدم ثبوته إلا في أحدهما كما لا
يخفى هذا حال تعارض الضرر مع عنان أولي أو ثانوي آخر، وأما لو تعارض مع
ضرر آخر فمحل القول فيه أن الدوران ان كان بين ضرري شخص واحد أو اثنين
387

فلا مسرح الا لاختيار أقلهما لو كان والا فهو مختار وأما لو كان بين ضرر نفسه
وضرر غيره فالأظهر عدم لزوم تحمله الضرر ولو كان ضرر الآخر أكثر فان نفيه
يكون للمنة على الأمة ولا منة على تحمل الضرر لدفعه عن الآخر وان كان أكثر
(نعم) لو كان الضرر متوجها إليه
388

ليس له دفعه عن نفسه بايراده على الآخر اللهم الا ان يقال: إن نفي الضرر وان
كان للمنة إلا أنه بلحاظ نوع الأمة واختيار الأقل بلحاظ النوع منه. فتأمل
389

فصل
في الاستصحاب وفي حجيته إثباتا ونفيا أقوال للأصحاب
ولا يخفى أن عباراتهم في تعريفه وان كانت شتى
390

إلا أنها تشير إلى مفهوم واحد ومعنى فارد وهو الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم
شك في بقائه (إما) من جهة بناء العقلاء على ذلك في أحكامهم العرفية مطلقا أو في
الجملة تعبدا (أو للظن) به الناشئ عن ملاحظة ثبوته سابقا (وإما) من جهة
دلالة النص أو دعوى الاجماع عليه كذلك حسبما يأتي الإشارة إلى ذلك مفصلا ولا
يخفى أن هذا المعنى هو القابل لان يقع فيه النزاع والخلاف في نفيه واثباته مطلقا أو
في الجملة وفي وجه ثبوته على أقوال ضرورة أنه لو كان الاستصحاب هو نفس بناء
العقلاء على البقاء أو الظن به الناشئ من العلم بثبوته لما تقابل في الأقوال ولما كان
النفي والاثبات واردين على مورد واحد بل موردين وتعريفه بما
391

ينطبق على بعضها وإن كان ربما يوهم أن لا يكون هو الحكم بالبقاء بل ذاك الوجه
ألا أنه حيث لم يكن بحد ولا برسم بل من قبيل شرح الاسم كما هو الحال في التعريفات
غالبا لم يكن له دلالة على أنه نفس الوجه بل الإشارة إليه من هذا الوجه ولذا لا وقع
للاشكال على ما ذكر في تعريفه بعدم الطرد أو العكس فإنه لم يكن به إذا لم يكن
بالحد أو الرسم بأس فانقدح أن ذكر تعريفات القوم له وما ذكر فيها من الاشكال
بلا حاصل وتطويل بلا طائل (ثم) لا يخفى ان البحث في حجيته مسألة أصولية حيث يبحث فيها
لتمهيد قاعدة تقع في طريق استنباط الأحكام الفرعية وليس مفادها حم العمل بلا واسطة
392

وان كان ينتهي إليه كيف وربما لا يكون مجرى الاستصحاب إلا حكما أصوليا
كالحجية مثلا؟. هذا لو كان الاستصحاب عبارة عما ذكرنا وأما لو كان عبارة عن بناء
العقلاء على بقاء ما علم ثبوته أو الظن به الناشئ من ملاحظة ثبوته فلا اشكال في
كونه مسألة أصولية، وكيف كان فقد ظهر مما ذكرنا في تعريفه اعتبار أمرين في
مورده، القطع بثبوت شئ، والشك في بقائه ولا يكاد يكون الشك في البقاء الا مع
اتحاد القضية المشكوكة
393

والمتيقنة بحسب الموضوع والمحمول، وهذا مما لا غبار عليه في الموضوعات الخارجية
في الجملة، وأما الأحكام الشرعية سواء كان مدركها العقل أم النقل فيشكل حصوله فيها
لأنه لا يكاد يشك في بقاء الحكم إلا من جهة الشك في بقاء موضوعه
394

بسبب تغير بعض ما هو عليه احتمل دخله فيه حدوثا أو بقاء والا لا يتخلف الحكم عن
موضوعه إلا بنحو البداء بالمعنى المستحيل في حقه تعالى ولذا كان النسخ بحسب الحقيقة
دفعا لا رفعا، ويندفع هذا الاشكال بان الاتحاد في القضيتين بحسبهما
395

وان كان مما لا محيص عنه في جريانه إلا أنه لما كان الاتحاد بحسب نظر العرف كافيا
في تحققه وفي صدق الحكم ببقاء ما شك في بقائه وكان بعض ما عليه الموضوع من
الخصوصيات التي يقطع معها بثبوت الحكم له مما يعد بالنظر العرفي من حالاته وان كان
واقعا من قيوده ومقوماته كان جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية الثابتة
لموضوعاتها عند الشك فيها لاجل طروء انتفاء بعض ما احتمل دخله فيها مما عد من
حالاتها لا من مقوماتها بمكان من الامكان، ضرورة صحة إمكان دعوى بناء العقلاء
على البقاء تعبدا أو لكونه مظنونا ولو نوعا أو دعوى دلالة النص أو قيام الاجماع
عليه قطعا بلا تفاوت في ذلك بين كون دليل الحكم نقلا أو عقلا، أما الأول فواضح وأما
الثاني فلان الحكم الشرعي
396

المستكشف به عند طروء انتفاء ما احتمل دخله في موضوعه مما لا يرى مقوما له كان
مشكوك البقاء عرفا لاحتمال عدم دخله فيه واقعا وإن كان لا حكم للعقل بدونه قطعا (ان
قلت): كيف هذا مع الملازمة بين الحكمين (قلت): ذلك لان الملازمة إنما تكون
في مقام الاثبات والاستكشاف لا في مقام الثبوت فعدم استقلال العقل الا في حال
غير ملازم لعدم حكم الشرع إلا في تلك الحال وذلك لاحتمال أن يكون ما هو ملاك حكم
الشرع من المصلحة أو المفسدة التي هي ملاك حكم العقل كان على حاله في كلتا الحالتين
397

وإن لم يدركه الا في إحداهما لاحتمال عدم دخل تلك الحالة فيه أو احتمال أن يكون
معه ملاك آخر بلا دخل لها فيه أصلا وان كان لها دخل فيما اطلع عليه من الملاك
(وبالجملة) حكم الشرع إنما يتبع ما هو ملاك حكم العقل واقعا لا ما هو مناط حكمه فعلا
وموضوع حكمه كذلك مما لا يكاد يتطرق إليه الاهمال والاجمال مع تطرقه إلى ما
هو موضوع حكمه شأنا وهو ما قام به ملاك حكمه واقعا فرب خصوصية لها دخل في
استقلاله مع احتمال عدم دخله فبدونها لا استقلال له بشئ قطعا مع احتمال بقاء ملاكه
واقعا ومعه يحتمل بقاء حكم الشرع جدا لدورانه معه وجودا وعدما فافهم وتأمل
جيدا (ثم) انه لا يخفى اختلاف آراء الأصحاب في حجية الاستصحاب مطلقا
وعدم حجيته كذلك والتفصيل بين الموضوعات والأحكام أو بين ما كان
الشك في الرافع وما كان في المقتضي إلى غير ذلك من التفاصيل الكثيرة على أقوال
شتى لا يهمنا نقلها ونقل ما ذكر من الاستدلال عليها وأنما المهم الاستدلال على ما هو
المختار منها وهو الحجية مطلقا على نحو يظهر بطلان سائرها فقد استدل عليه بوجوه
(الوجه الأول) استقرار بناء العقلاء من الانسان بل ذوي الشعور من كافة أنواع
الحيوان على العمل على طبق الحالة السابقة وحيث لم يردع عنه الشارع كان ماضيا
398

(وفيه) أولا منع استقرار بنائهم على ذلك تعبدا بل إما رجاء واحتياطا، أو اطمئنانا بالبقاء،
أو ظنا ولو نوعا، أو غفلة كما هو الحال في سائر الحيوانات دائما وفى الانسان أحيانا (وثانيا)
سلمنا ذلك لكنه لم يعلم ان الشارع به راض وهو عنده ماض ويكفي في الردع عن
مثله ما دل من الكتاب والسنة على النهي عن اتباع غير العلم وما دل على البراءة أو
الاحتياط في الشبهات فلا وجه لاتباع هذا البناء فيما لابد في اتباعه من الدلالة على
إمضائه فتأمل جيدا (الوجه الثاني)) أن الثبوت في السابق موجب للظن به في اللاحق (وفيه)
منع اقتضاء مجرد الثبوت للظن بالبقاء فعلا ولا نوعا فإنه لا وجه له أصلا إلا كون
الغالب فيما ثبت أن يدوم مع امكان أن لا يدوم وهو غير معلوم ولو سلم فلا دليل على
اعتباره بالخصوص مع نهوض الحجة على عدم اعتباره بالعموم (الوجه الثالث) دعوى
الاجماع عليه كما عن المبادئ حيث قال: الاستصحاب حجة لاجماع الفقهاء على أنه
399

متى حصل حكم ثم وقع الشك في أنه طرأ ما يزيله أم لا؟ وجب الحكم ببقائه على ما كان
أولا، ولولا القول بان الاستصحاب حجة لكان ترجيحا لاحد طرفي الممكن من غير
مرجح (انتهى) وقد نقل عن غيره أيضا (وفيه) أن تحصيل الاجماع في مثل هذه المسألة
مما له مبان مختلفة في غاية الاشكال ولو مع الاتفاق فضلا عما إذا لم يكن وكان مع
الخلاف من المعظم حيث ذهبوا إلى عدم حجيته مطلقا أو في الجملة ونقله موهون جدا
لذلك ولو قيل بحجيته لولا ذلك (الوجه الرابع) وهو العمدة في الباب الأخبار المستفيضة
منها صحيحة زرارة: قال: قلت له: الرجل ينام وهو على وضوء أيوجب
الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ قال: يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن
وإذا نامت العين والاذن والقلب فقد وجب الوضوء، قلت: فان حرك في جنبه
شئ وهو لا يعلم قال: لا حتى يستيقن انه قد نام حتى يجئ من ذلك أمر بين وإلا فإنه
على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشك أبدا ولكنه ينقضه بيقين آخر،
وهذه الرواية وإن كانت مضمرة إلا أن إضمارها لا يضر باعتبارها حيث كان مضمرها
400

مثل زرارة وهو ممن لا يكاد يستفتي من غير الامام - عليه السلام - لا سيما مع هذا
الاهتمام (وتقريب) الاستدلال بها أنه لا ريب في ظهور قوله - عليه السلام -: وإلا
فإنه على يقين... الخ عرفا في النهي عن نقض اليقين بشئ بالشك فيه وانه - عليه
السلام - بصدد بيان ما هو علة الجزاء
401

المستفاد من قوله عليه السلام: (لا)، في جواب: فان حرك في جنبه... الخ وهو اندراج
اليقين والشك في مورد السؤال في القضية الكلبة الارتكازية غير المختصة بباب
دون باب واحتمال أن يكون الجزاء هو قوله: فإنه على يقين... الخ غير سديد فإنه لا يصح
إلا بإرادة لزوم العمل على طبق يقينه
402

وهو إلى الغاية بعيد، وأبعد منه كون الجزاء قوله: لا ينقض... الخ وقد ذكر: فإنه
على يقين، للتمهيد، وقد انقدح بما ذكرنا ضعف احتمال اختصاص قضية: لا تنقض... الخ باليقين
والشك في باب الوضوء جدا فإنه ينافيه ظهور التعليل في أنه بامر ارتكازي لا تعبدي
قطعا، ويؤيده تعليل الحكم بالمضي مع الشك في غير الوضوء في غير هذه الرواية بهذه
القضية أو ما يرادفها فتأمل جيدا. هذا مع أنه لا موجب لاحتماله الا احتمال كون
اللام في اليقين للعهد إشارة إلى اليقين في (فإنه على يقين من وضوئه) مع أن
الظاهر أنه للجنس كما هو الأصل فيه، وسبق: (فإنه على يقين... الخ) لا يكون قرينة
403

عليه مع كمال الملائمة مع الجنس أيضا (فافهم) مع أنه غير ظاهر في اليقين بالوضوء لقوة
احتمال أن يكون من وضوئه
404

متعلقا بالظرف لا بيقين وكان المعنى فإنه كان من طرف وضوئه على يقين وعليه
لا يكون الأصغر الا اليقين لا اليقين بالوضوء كما لا يخفى على المتأمل (وبالجملة)
لا يكاد يشك في ظهور القضية في عموم اليقين والشك خصوصا بعد ملاحظة تطبيقها في
الاخبار على غير الوضوء أيضا (ثم) لا يخفى حسن اسناد النقض وهو ضد الابرام
إلى اليقين ولو كان متعلقا بما ليس فيه اقتضاء البقاء والاستمرار لما يتخيل فيه من
الاستحكام بخلاف الظن فإنه يظن أنه ليس فيه إبرام واستحكام وان
405

كان متعلقا بما فيه اقتضاء ذلك وإلا لصح أن يسند إلى نفس ما فيه المقتضي له مع
ركاكة مثل (نقضت الحجر من مكانه) ولما صح ان يقال: انتقض اليقين باشتعال
السراج، فيما إذا شك في بقائه للشك في استعداده مع بداهة صح وحسنه (وبالجملة)
لا يكاد يشك في أن اليقين كالبيعة والعهد إنما يكون حسن اسناد النقض إليه بملاحظة
لا بملاحظة متعلقة فلا موجب لإرادة ما هو أقرب إلى الامر المبرم أو أشبه بالمتين
المستحكم مما فيه اقتضاء البقاء لقاعدة (إذا تعذرت الحقيقة فاقرب المجازات) بعد تعذر
إرادة مثل ذاك الامر ما يصح اسناد النقض إليه حقيقة (فان قلت): نعم ولكنه
حيث لا انتقاض لليقين في باب الاستصحاب حقيقة فلو لم يكن هناك اقتضاء البقاء في
المتيقن لما صح اسناد الانتقاض إليه بوجه ولو مجازا بخلاف ما إذا كان هناك فإنه وإن لم
يكن معه أيضا انتقاض حقيقة إلا أنه صح اسناده إليه مجازا فان اليقين معه كأنه تعلق
406

بامر مستمر مستحكم قد انحل وانفصم بسبب الشك فيه من جهة الشك في رافعه
(قلت): الظاهر أن وجه الاسناد هو لحاظ اتحاد متعلقي اليقين والشك ذاتا وعدم
ملاحظة تعددهما زمانا وهو كاف عرفا في صحة اسناد النقض إليه واستعارته له بلا
تفاوت في ذلك أصلا في نظر أهل العرف بين ما كان هناك اقتضاء البقاء وما لم يكن وكونه
مع المقتضي أقرب بالانتقاض وأشبه لا يقتضي تعيينه لاجل قاعدة (إذا تعذرت
الحقيقة) فان الاعتبار في الأقربية إنما هو بنظر العرف لا الاعتبار وقد عرفت عدم التفاوت
بحسب نظر أهله هذا كله في المادة (واما الهيئة) فلا محالة يكون المراد منها النهي عن الانتقاض
407

بحسب البناء والعمل لا الحقيقة لعدم كون الانتقاض بحسبيهما تحت الاختيار سوا كان
متعلقا باليقين كما هو ظاهر القضية أم بالمتيقن أم بآثار اليقين بناء على التصرف
فيها بالتجوز أو الاضمار.
408

بداهة أنه كما لا يتعلق النقض الاختياري القابل لورود النهي عليه بنفس اليقين كذلك
لا يتعلق بما كان على يقين منه أو أحكام اليقين فلا يكاد يجدي التصرف بذلك في
بقاء الصيغة على حقيقتها فلا مجوز له فضلا عن الملزم كما توهم (لا يقال): لا محيص عنه فان
النهي عن النقص بحسب العمل لا يكاد يراد بالنسبة إلى اليقين وآثاره لمنافاته مع
409

المورد (فإنه يقال): إنما يلزم لو كان اليقين ملحوظا بنفسه وبالنظر الاستقلالي
لاما إذا كان ملحوظا بنحو المرآتية وبالنظر الآلي كما هو الظاهر في مثل قضية (لا
تنقض اليقين) حيث تكون ظاهرة عرفا في أنها كناية عن لزوم البناء والعمل
410

بالتزام حكم مماثل للمتيقن تعبدا إذا كان حكما ولحكمه إذا كان موضوعا لا عبارة عن
لزوم العمل بآثار نفس اليقين بالالتزام بحكم مماثل لحكمه شرعا وذلك لسراية الآلية
والمرآتية من اليقين الخارجي إلى مفهومه الكلي فيؤخذ في موضوع الحكم في مقام
بيان حكمه مع عدم دخله فيه أصلا كما ربما يؤخذ فيما له دخل فيه أو تمام الدخل (فافهم)
411

ثم إنه حيث كان كل من الحكم الشرعي وموضوعه مع الشك قابلا للتنزيل بلا
تصرف وتأويل غاية الامر تنزيل الموضوع بجعل مماثل حكمه وتنزيل الحكم بجعل
مثله كما أشير إليه آنفا كان قضية (لا تنقض) ظاهرة في اعتبار الاستصحاب
في الشبهات الحكمية والموضوعية. واختصاص المورد بالأخيرة
لا يوجب تخصيصها بها خصوصا بعد ملاحظة أنها قضية كلية ارتكازية قد أتي بها في
غير مورد لأجل الاستدلال بها على حكم المورد فتأمل (ومنها) صحيحة أخرى
لزرارة (قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف
412

أو غيره أو شئ من المني فعلمت أثره إلى أن أصيب له الماء فحضرت الصلاة ونسيت
أن بثوبي شيئا وصليت ثم إني ذكرت بعد ذلك، قال: تعيد الصلاة وتغسله،
قلت: فان لم أكن رأيت موضوعه وعلمت أنه قد أصابه فطلبته ولم أقدر عليه فلما
صليت وجدته، قال - عليه السلام -: تغسله وتعيد، قلت: فان ظننت أنه قد أصابه
ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا فصليت فرأيت فيه، قال: تغسله ولا تعيد
الصلاة، قلت: لم ذلك؟ قال لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت فليس
ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا، قلت: فاني قد علمت أنه قد أصابه ولم
أدر أين هو فاغسله؟ قال: تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه قد أصابها حتى
تكون على يقين من طهارتك، قلت فهل علي إن شككت في أنه أصابه شئ أن
أنظر فيه؟ قال: لا ولكنك إنما تريد أن تذهب الشك الذي وقع في نفسك،
قلت: إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة، قال: تنفض الصلاة وتعيد إذا شككت
في موضع منه ثم رأيته وإن لم تشك ثم رايته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت
على الصلاة لأنك لا تدري لعله شئ أوقع عليك فليس ينبغي لك أن تنقض
اليقين بالشك) وقد ظهر مما ذكرنا في الصحيحة الأولى تقريب الاستدلال بقوله:
فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك، في كلا الموردين ولا نعيد (نعم) دلالته في
المورد الأول على الاستصحاب مبني على أن يكون المراد من اليقين في قوله - عليه السلام -:
لأنك كنت على يقين من طهارتك، اليقين بالطهارة قبل ظن الإصابة
413

كما هو الظاهر فإنه لو كان المراد منه اليقين الحاصل بالنظر والفحص بعده الزائل
بالرؤية بعد الصلاة كان مفاده قاعدة اليقين كما لا يخفى. ثم إنه أشكل على الرواية بان
الإعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة ليست نقضا لليقين بالطهارة بالشك فيها بل
باليقين بارتفاعها فكيف يصح أن يعلل عدم الإعادة بأنها نقض اليقين بالشك؟ (نعم)
إنما يصح أن يعلل به جواز الدخول في الصلاة كما لا يخفى، ولا يكاد يمكن التفصي
عن هذا الاشكال إلا بان يقال: إن الشرط في الصلاة فعلا حين الالتفات إلى
الطهارة
414

هو إحرازها ولو بأصل أو قاعدة لا نفسها فتكون قضية استصحاب الطهارة حال الصلاة
عدم إعادتها ولو انكشف وقوعها في النجاسة بعدها كم أن إعادتها بعد الكشف
تكشف عن جواز النقض وعدم حجية الاستصحاب
415

حالها كما لا يخفى فتأمل جيدا (لا يقال): لا مجال حينئذ لاستصحاب الطهارة فإنه إذا لم
يكن شرطا لم يكن موضوعا لحكم مع أنه ليس بحكم ولا محيص في الاستصحاب عن
كون المستصحب حكما أو موضوعا لحكم (فإنه يقال): إن الطهارة وإن لم تكن
شرطا فعلا إلا أنها غير منعزل عن الشرطية رأسا بل هو شرط واقعي اقتضائي - كما
هو قضية التوفيق بين بعض الاطلاقات ومثل هذا الخطاب -
416

هذا مع كفاية كونها من قيود الشرط حيث أنه كان إحرازها بخصوصها لا غيرها
شرطا (لا يقال): سلمنا ذلك لكن قضيته أن يكون علة عدم الإعادة حينئذ بعد
انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة هو إحراز الطهارة حالها باستصحابها لا الطهارة
المحرزة بالاستصحاب - مع أن قضية التعليل أن تكون العلة له هي نفسها لا إحرازها
ضرورة أن نتيجة قوله: لأنك كنت على يقين... الخ أنه على الطهارة لا أنه
417

مستصحبها كما لا يخفى (فإنه يقال): نعم ولكن التعليل إنما هو بلحاظ حال قبل
انكشاف الحال لنكتة التنبيه على حجية الاستصحاب وأنه كان هناك استصحاب مع
وضوح استلزام ذلك لان يكون المجدي بعد الانكشاف هو ذاك الاستصحاب
لاالطهارة وإلا لما كانت الإعادة نقضا كما عرفت في الاشكال
418

(ثم) إنه لا يكاد يصح التعليل لو قيل باقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء كما قيل
ضرورة أن العلة عليه إنما هو اقتضاء ذاك الخطاب الظاهري حال الصلاة للاجزاء
وعدم إعادتها لا لزوم النقض من الإعادة كما لا يخفى. اللهم إلا أن يقال: إن التعليل
به إنما هو بملاحظة ضميمة اقتضاء الامر الظاهري للاجزاء بتقريب أن الإعادة لو
قيل بوجوبها كانت موجبة لنقض اليقين بالشك في الطهارة قبل الانكشاف وعدم
حرمته شرعا وإلا للزم عدم اقتضاء ذاك الأمر له كما لا يخفى مع اقتضائه شرعا أو عقلا
419

فتأمل، ولعل ذلك مراد من قال بدلالة الرواية على اجزاء الأمر الظاهري. هذا
غاية ما يمكن أن يقال في توجيه التعليل - مع أنه لا يكاد
420

يوجب الاشكال فيه والعجز عن التفصي عنه إشكالا في دلالة الرواية على الاستصحاب
فإنه لازم على كل حال كان مفاد قاعدته أو قاعدة اليقين - مع بداهة عدم خروجه
منهما فتأمل جيدا (ومنها) صحيحة ثالثة لزرارة: (وإذا لم يدر في ثلاث هو أو أربع
وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شئ عليه ولا ينقض اليقين بالشك
ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكنه ينقض الشك باليقين
ويتم على اليقين فيبني عليه ولا يعتد بالشك في حال من الحالات) والاستدلال بها
421

على الاستصحاب مبني على إرادة اليقين بعدم الاتيان بالركعة الرابعة سابقا والشك في
اتيانها. وقد أشكل بعدم إمكان إرادة ذلك على مذهب الخاصة ضرورة أن قضيته
إضافة ركعة أخرى موصولة والمذهب قد استقر على إضافة ركعة بعد التسليم مفصولة
422

وعلى هذا يكون المراد باليقين اليقين بالفراغ بما علمه الامام - عليه السلام - من
الاحتياط بالبناء على الأكثر والاتيان بالمشكوك بعد التسليم مفصولة، ويمكن الذب
عنه بان الاحتياط كذلك لا يأبى عن إرادة اليقين بعدم الركعة المشكوكة بل كان
أصل الاتيان بها باقتضائه، غاية الأمر إتيانها مفصولة ينافي إطلاق النقض وقد قام الدليل
على التقييد في الشك في الرابعة وغيره وأن المشكوكة لابد أن يؤتي بها مفصولة (فافهم)
وربما أشكل أيضا بأنه لو سلم دلالتها على الاستصحاب كانت من الأخبار الخاصة
الدالة عليه في خصوص المورد لا العامة لغير مورد، ضرورة ظهور الفقرات في كونها
423

مبنية للفاعل ومرجع الضمير فيها هو المصلي الشاك وإلغاء خصوصية المورد ليس بذلك
الوضوح وإن كان يؤيده تطبيق قضية (لا تنقض اليقين) وما يقاربها على غير مورد،
(بل دعوى) أن الظاهر من نفس القضية هو ان مناط حرمة النقض إنما يكون لأجل
ما في اليقين والشك لا لما في المورد من الخصوصية وأن مثل اليقين لا ينقض بمثل الشك
(غير بعيدة) (ومنها) قوله: من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه فان
الشك لا ينقض اليقين أو بان اليقين لا يدفع بالشك، وهو وان كان يحتمل قاعدة
اليقين لظهوره في اختلاف زمان الوصفين وإنما يكون ذلك في القاعدة دون الاستصحاب
ضرورة إمكان اتحاد زمانهما إلا أن المتداول في التعبير عن مورده هو مثل هذه
العبارة
424

ولعله بملاحظة اختلاف زمان الموصوفين وسرايته إلى الوصفين لما بين اليقين والمتيقن
من نحو من الاتحاد (فافهم) هذا مع وضوح أن قوله: فان الشك لا ينقض... الخ
هي القضية المرتكزة الواردة مورد الاستصحاب في غير واحد من اخبار الباب (ومنها)
خبر الصفار عن علي بن محمد القاساني قال: كتبت إليه وأنا بالمدينة عن اليوم الذي
يشك فيه من رمضان هل يصام أم لا فكتب: اليقين لا يدخل فيه الشك صم للرؤية
وافطر للرؤية، حيث دل على أن اليقين بشعبان لا يكون مدخولا بالشك في بقائه
وزواله بدخول شهر رمضان ويتفرع عدم وجوب الصوم إلا بدخول شهر رمضان،
وربما يقال: إن مراجعة الأخبار الواردة في يوم الشك، يشرف على القطع بان المراد
باليقين هو اليقين بدخول شهر رمضان وانه لابد في وجوب الصوم ووجوب الافطار
من اليقين بدخول شهر رمضان وخروجه وأين هذا من الاستصحاب فراجع ما عقد
في الوسائل لذلك من الباب تجده شاهدا عليه (ومنها) قوله عليه السلام: كل شئ طاهر
حتى تعلم أنه قذر، وقوله: الماء كله طاهر حتى تعلم انه نجس،
425

وقوله: كل شئ حلال حتى تعرف أنه حرام،

: (1) رواها الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن عن
عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار. وطريق الشيخ إلى محمد صحيح وهو من
الاجلاء والباقون كلهم ثقات لكنهم فطحيون على المشهور عدا عمرو بن سعيد
فعن نصر بن الصباح انه فطحي. لكن العلامة (ره) قال لا أعتمد عليه.
منه مد ظله.
(2) رواها الشيخ عن سعد عن محمد بن الحسين عن أبي داود المنشد عن جعفر بن محمد
عن يونس عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) وعن محمد بن أحمد بن يحيى عن الحسن
ابن الحسين اللؤلئي عن أبي داود عن جعفر عن يونس عن حماد بن عيسى. ورواه
الكليني عن محمد بن يحيى وغيره عن محمد بن أحمد عن الحسن بن الحسين اللؤلئي
باسناده قال قال أبو عبد الله (ع) مثله. وعن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين
عن أبي داود. فالسند معتبر جدا والظاهر أن الأول موثق بجعفر لأن الظاهر كونا
ابن سماعة فتأمل منه مد ظله.
426

وتقريب دلالة مثل هذه الأخبار على الاستصحاب أن يقال: إن الغاية فيها إنما هو
لبيان استمرار
427

ما حكم على الموضوع واقعا من الطهارة والحلية ظاهرا ما لم يعلم بطروء ضده أو نقيضه
لا لتحديد الموضوع كي يكون الحكم بهما قاعدة مضروبة لما شك في طهارته أو حليته
وذلك لظهور المغيا فيها في بيان الحكم للأشياء بعناوينها لا بما هي مشكوكة الحكم كما
لا يخفى فهو وإن لم يكن له بنفسه مساس بذيل القاعدة ولا الاستصحاب إلا أنه بغايته
دل على الاستصحاب حيث أنها ظاهرة في استمرار ذاك الحكم الواقعي ظاهرا
ما لم يعلم بطروء ضده أو نقيضه كما أنه لو صار مغيا لغاية مثل الملاقاة بالنجاسة أو ما
يوجب الحرمة لدل على استمرار ذاك الحكم واقعا ولم يكن حينئذ بنفسه ولا بغايته
دلالة على الاستصحاب، ولا يخفى أنه لا يلزم على ذلك استعمال اللفظ في معنيين أصلا
وانما يلزم لو جعلت الغاية مع كونها من حدود الموضوع وقيوده
430

غاية لاستمرار حكمه ليدل على القاعدة والاستصحاب من غير تعرض لبيان الحكم
الواقعي للأشياء أصلا مع وضوح ظهور مثل كل شئ حلال أو طاهر في أنه لبيان
حكم الأشياء بعناوينها الأولية وهكذا: الماء كله طاهر، وظهور الغاية في كونها حدا
للحكم لا لموضوعه كما لا يخفى (فتأمل جيدا) ولا يذهب عليك أنه بضميمة عدم القول
بالفصل قطعا بين الحلية والطهارة وبين سائر الأحكام لعم الدليل وتم (ثم) لا يخفى
أن ذيل موثقة عمار: فإذا علمت فقد قذر وما لم تعلم فليس عليك، يؤيد ما استظهرنا
منها من كون الحكم المغيا واقعيا ثابتا للشئ بعنوانه لا ظاهريا ثابتا له بما هو مشتبه
لظهور في أنه متفرع على الغاية وحدها وانه بيان لها وحدها منطوقها ومفهومها لا لها
431

مع المغيا كما لا يخفى على المتأمل. ثم إنك إذا حققت ما تلونا عليك مما هو مفاد الاخبار
فلا حاجة في إطالة الكلام في بيان سائر الأقوال والنقض والابرام فيما ذكر لها من
الاستدلال ولا بأس بصرفه إلى تحقيق حال الوضع وانه حكم مستقل بالجعل
كالتكليف أو منتزع عه وتابع له في الجعل أو فيه تفصيل حتى يظهر حال ما ذكر
ههنا بين التكليف والوضع من التفصيل فنقول وبالله الاستعانة: لا خلاف كما
لا اشكال في اختلاف التكليف والوضع مفهوما واختلافهما في الجملة موردا لبداهة
ما بين مفهوم السببية أو الشرطية ومفهوم مثل الايجاب أو الاستحباب من المخالفة
والمباينة كما لا ينبغي النزاع في صحة تقسيم الحكم الشرعي إلى التكليفي والوضعي بداهة
أن الحكم وإن لم يصح تقسيمه إليهما ببعض معانيه ولم يكد يصح إطلاقه على الوضع
إلا أن صحة تقسيمه بالبعض الآخر إليهما وصحة اطلاقه عليه بهذا المعني مما لا يكاد
432

ينكر كما لا يخفى، ويشهد به كثرة اطلاق الحكم عليه في كلماتهم، والالتزام بالتجوز
فيه كما ترى، وكذا لا وقع للنزاع في أنه محصور في أمور مخصوصة كالشرطية
والسببية والمانعية - كما هو المحكي عن العلامة - أو مع زيادة العلية والعلامية، أو مع زيادة
الصحة والبطلان والعزيمة والرخصة أو زيادة غير ذلك - كما هو المحكي عن غيره - أو ليس
بمحصور بل كل ما ليس بتكليف مما له دخل فيه أو في متعلقه وموضوعه أو لم يكن له
دخل مما أطلق عليه الحكم في كلماتهم، ضرورة أنه لا وجه للتخصيص بها بعد كثرة
اطلاق الحكم في الكلمات على غيرها، مع أنه لا تكاد تظهر ثمرة مهمة علمية أو عملية
للنزاع في ذلك وانما المهم في النزاع هو أن الوضع كالتكليف في أنه مجعول تشريعا
بحيث يصح انتزاعه بمجرد إنشائه أو غير مجعول كذلك بل انما هو منتزع عن التكليف
ومجعول بتبعه وبجعله (والتحقيق) أن ما عد من الوضع على انحاء (منها) ما لا يكاد
433

يتطرق إليه الجعل تشريعا أصلا لا استقلالا ولا تبعا وان كان مجعولا تكوينا
عرضا بعين جعل موضوعه كذلك (ومنها) ما لا يكاد يتطرق إليه الجعل التشريعي
إلا تبعا للتكليف (ومنها) ما يمكن فيه الجعل استقلالا بانشائه وتبعا للتكليف
بكونه منشأ لانتزاعه وان كان الصحيح انتزاعه من انشائه وجعله وكون التكليف
من آثاره وأحكامه على ما يأتي الإشارة إليه (أما النحو الأول) فهو كالسببية
والشرطية والمانعية والرافعية لما هو سبب التكليف وشرطه ومانعه ورافعه حيث أنه لا يكاد
يعقل انتزاع هذه العناوين لها
434

من التكليف المتأخر عنها ذاتا حدوثا وارتفاعا، كما أن اتصافها بها ليس إلا لأجل
435

ما عليها من الخصوصية المستدعية لذلك تكوينا للزوم أن يكون في العلة باجزائها ربط خاص
به كانت مؤثرا في معلولها لا في غيره ولا غيرها فيه والا لزم أن يكون كل شئ مؤثرا في
كل شئ، وتلك الخصوصية لا يكاد يوجد فيها بمجرد إنشاء مفاهيم العناوين وبمثل
قول: دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة وإنشاء لا إخبارا، ضرورة بقاء الدلوك
على ما هو عليه قبل انشاء السببية له من كونه واجدا لخصوصية مقتضية لوجوبها
أو فاقدا لها وان الصلاة لا تكاد تكون واجبة عند الدلوك ما لم يكن هناك ما يدعو
إلى وجوبها ومعه تكون واجبة لا محالة إن لم ينسأ السببية للدلوك أصلا. ومنه انقدح
أيضا عدم صحة انتزاع السببية له حقيقة من ايجاب الصلاة عنده لعدم اتصافه بها
بذلك ضرورة. نعم لا بأس باتصافه بها عناية واطلاق السبب عليه مجازا، كما لا بأس
بأن يعبر عن انشاء وجوب الصلاة عند الدلوك مثلا بأنه سبب لوجوبها فكني به
عن الوجوب
436

عنده فظهر بذلك أنه لا منشأ لانتزاع السببية وسائر ما لاجزاء العلة للتكليف إلا
ما هي عليها من الخصوصية الموجبة لدخل كل فيه على نحو غير دخل الآخر فتدبر
جيدا (واما النحو الثاني) فهو كالجزئية والشرطية والمانعية والقاطعية لما هو جزء
المكلف به وشرطه ومانعه وقاطعه حيث إن اتصاف شئ بجزئية المأمور به أو شرطيته
أو غيرهما لا يكاد يكون إلا بالأمر
437

بجملة أمور مقيدة بامر وجودي أو عدمي، ولا يكاد يتصف شئ بذلك - أي كونه جزءا أو شرطا
للمأمور به - إلا بتبع ملاحظة الامر بما يشتمل عليه مقيدا بامر آخر وما لم يتعلق بها الامر كذلك
لما كاد اتصف بالجزئية أو الشرطية وان أنشأ الشارع له الجزئية أو الشرطية وجعل الماهية
438

وأجزائها ليس إلا تصور ما فيه المصلحة المهمة الموجبة للامر بها فتصورها باجزائها
وقيودها لا يوجب اتصاف شئ منها بجزئية المأمور به أو شرطيته قبل الامر بها فالجزئية للمأمور
به أو الشرطية له انما ينتزع لجزئه أو شرطه بملاحظة الامر به بلا حاجة إلى جعلها له
وبدون الامر به لا اتصاف بها أصلا وان اتصف بالجزئية أو الشرطية للمتصور أو لذي
المصلحة كما لا يخفى (وأما النحو الثالث) فهو كالحجية والقضاوة والولاية والنيابة
والحرية والرقية والزوجية والملكية إلى غير ذلك، حيث أنها وإن كان من الممكن
انتزاعها من الأحكام التكليفية التي تكون في مواردها - كما قيل - ومن جعلها بانشاء
أنفسها، الا انه لا يكاد يشك في صحة انتزاعها من مجرد جعله تعالى أو من بيده الامر
من قبله - جل وعلا - لها بانشائها بحيث يترتب عليها آثارها كما تشهد به ضرورة
صحة انتزاع الملكية والزوجية والطلاق والعتاق بمجرد العقد أو الايقاع ممن بيده
الاختيار بلا ملاحظة
439

التكاليف والآثار ولو كانت منتزعة عنها لما كاد يصح اعتبارها الا بملاحظتها وللزم
أن لا يقع ما قصد ووقع ما لم يقصد
440

كما لا ينبغي أن يشك في عدم صحة انتزاعها عن مجرد التكليف في موردها فلا ينتزع الملكية عن
إباحة التصرفات ولا الزوجية من جواز الوطء وهكذا سائر الاعتبارات في أبواب العقود
والايقاعات فانقدح بذلك ان مثل هذه الاعتبارات انما تكون مجعولة بنفسها يصح انتزاعها
بمجرد انشائها كالتكليف لا مجعولة بتبعه ومنتزعة عنه (وهم ودفع) (أما الوهم) فهو ان
الملكية كيف جعلت من الاعتبارات الحاصلة بمجرد الجعل والانشاء التي تكون من
خارج المحمول حيث ليس بحذائها في الخارج شئ
441

وهي إحدى المقولات المحمولات بالضميمة التي لا يكاد تكون بهذا السبب بل بأسباب
أخر كالتعمم والتقمص والتنعل، فالحالة الحاصلة منها للانسان هو الملك وأين هذه من
الاعتبار الحاصل بمجرد إنشائه؟ (وأما الدفع) فهو أن الملك يقال بالاشتراك على ذلك
ويسمى بالجدة أيضا واختصاص شئ بشئ خاص وهو ناشئ إما من جهة إسناد
وجوده إليه ككون العالم ملكا للباري جل ذكره، أو من جهة الاستعمال والتصرف
فيه ككون الفرس لزيد بركوبه له وسائر تصرفاته فيه، أو من جهة إنشائه والعقد مع
من اختياره بيده كملك الأراضي العقار البعيدة للمشتري بمجرد عقد البيع شرعا
وعرفا، فالملك الذي يسمي بالجدة أيضا غير الملك الذي هو اختصاص خاص ناشئ
من سبب اختياري كالعقد أو غير اختياري كالإرث ونحوهما من الأسباب الاختيارية
وغيرها، فالتوهم إنما نشأ من إطلاق الملك على مقولة الجدة أيضا، والغفلة عن أنه
بالاشتراك بينه وبين الاختصاص الخاص والإضافة الخاصة الاشراقية كملكه تعالى
للعالم أو المقولية كملك غيره لشئ بسبب من تصرف واستعمال أو إرث أو عقد
أو غيرهما من الاعمال
442

فيكون شئ ملكا لاحد بمعنى ولآخر بالمعني الآخر فتدبر. إذا عرفت اختلاف
الوضع في الجعل فقد عرفت أنه لا مجال لاستصحاب دخل ماله الدخل في التكليف إذا
شك في بقائه على ما كان عليه من الدخل لعدم كونه حكما شرعيا ولا يترتب عليه
أثر شرعي والتكليف وان كان مترتبا عليه إلا أنه ليس بترتب شرعي (فافهم) وانه
لا اشكال في جريان الاستصحاب في الوقع المستقل بالجعل
443

حيث إنه كالتكليف وكذا ما كان مجعولا بالتبع فان أمر وضعه ورفعه بيد الشارع
ولو بتبع منشأ انتزاعه، وعدم تسميته حكما شرعيا - لو سلم - غير ضائر بعد كونه
مما تناله يد التصرف شرعا. نعم لا مجال لاستصحابه لاستصحاب سببه ومنشأ انتزاعه
(فافهم). ثم: إن ههنا تنبيهات (الأول) أنه يعتبر في الاستصحاب فعلية الشك واليقين
فلا استصحاب مع الغفلة لعدم الشك فعلا ولو فرض أنه يشك لو التفت ضرورة
أن الاستصحاب وظيفة الشاك ولا شك مع الغفلة أصلا
444

فيحكم بصحة صلاة من أحدث ثم غفل وصلى
445

ثم شك في أنه تطهر قبل الصلاة لقاعدة الفراغ، بخلاف من التفت قبلها وشك ثم غفل
وصلى فيحكم بفساد صلاته فيما إذا قطع بعدم تطهيره بعد الشك لكونه محدثا قبلها
بحكم الاستصحاب مع القطع بعدم رفع حدثه الاستصحابي (لا يقال): نعم ولكن
استصحاب الحدث في حال الصلاة بعد ما التفت بعدها يقتضي أيضا فسادها (فإنه
يقال): نعم لولا قاعدة الفراغ المقتضية لصحتها المقدمة على أصالة فسادها (الثاني)
أنه هل يكفي في صحة الاستصحاب الشك في بقاء شئ على تقدير ثبوته وإن لم يحرز
446

ثبوته فيما رتب عليه أثر شرعا أو عقلا؟ إشكال من عدم إحراز الثبوت فلا يقين
ولا بد منه بل ولا شك فإنه على تقدير لم يثبت ومن أن اعتبار اليقين إنما هو لأجل
أن التعبد والتنزيل شرعا إنما هو في البقاء لا في الحدوث فيكفي الشك فيه على تقدير
الثبوت فيتعبد به على هذا التقدير فيترتب عليه الأثر فعلا
447

فيما كان هناك أثر وهذا هو الأظهر وبه يمكن ان يذب عما في استصحاب الاحكام
التي قامت الامارات المعتبرة على مجرد ثبوتها وقد شك في بقائها على تقدير ثبوتها من
الاشكال بأنه لا يقين بالحكم الواقعي ولا يكون هناك حكم آخر فعلي بناء على ما هو
التحقيق (1) من أن قضية حجية الأمارة ليست إلا تنجز التكاليف مع الإصابة والعذر
مع المخالفة كما هو قضية الحجة المعتبرة عقلا كالقطع والظن في حال الانسداد على
الحكومة لا انشاء أحكام فعليه شرعية ظاهرية كما هو ظاهر الأصحاب، ووجه
الذب بذلك: أن الحكم الواقعي الذي هو مؤدى الطريق حينئذ محكوم بالبقاء فتكون
الحجة على ثبوته حجة على بقائه تعبدا للملازمة بينه وبين ثبوته واقعا (ان قلت):
كيف وقد أخذ اليقين بالشئ في التعبد ببقائه في الاخبار ولا يقين في فرض تقدير
الثبوت (قلت): نعم

(1) واما بناء على ما هو المشهور من كون مؤديات الامارات أحكاما
ظاهرية شرعية كما اشتهر ان ظنية الطريق لا تنافي قطعية الحكم فالاستصحاب جار
لان الحكم الذي أدت إليه الامارة محتمل البقاء لامكان اصابتها الواقع
وكان مما يبقى والقطع بعدم فعليته حينئذ مع احتمال بقائه لكونها بسبب دلالة
الامارة والمفروض عدم دلالتها إلا على ثبوته لا على بقائه غير ضائر بفعليته الناشئة
باستصحابه فلا تغفل. منه قدس سره
448

ولكن الظاهر أنه أخذ كشفا عنه ومرآة لثبوته ليكون التعبد في بقائه والتعبد مع
فرض ثبوته إنما يكون في بقائه فافهم (الثالث) أنه لا فرق في المتيقن السابق بين
أن يكون خصوص أحد الاحكام أو ما يشترك بين الاثنين منها أو الأزيد من أمر
449

عام فإن كان الشك في بقاء ذاك العام من جهة الشك في بقاء الخاص الذي كان في
ضمنه وارتفاعه كان استصحابه كاستصحابه بلا كلام، وان كان الشك فيه من
جهة تردد الخاص الذي في ضمنه بين ما هو باق أو مرتفع قطعا فكذا لا اشكال
في استصحابه
450

فيترتب عليه كافة ما يترتب عليه عقلا أو شرعا من أحكامه ولوازمه وتردد ذاك
الخاص الذي يكون الكلي موجودا في ضمنه ويكون وجوده بعين وجوده بين متيقن
الارتفاع ومشكوك الحدوث المحكوم بعدم حدوثه غير ضائر بالاستصحاب الكلي
المتحقق في ضمنه مع عدم إخلاله باليقين والشك في حدوثه وبقائه وإنما كان التردد
بين الفردين ضائرا باستصحاب أحد الخاصين اللذين كان امره مرددا بينهما لاخلاله
باليقين الذي هو أحد ركني الاستصحاب كما لا يخفى. نعم يجب رعاية التكاليف
المعلومة اجمالا المترتبة على الخاصين فيما علم تكليف في البين
451

(وتوهم) كون الشك في بقاء الكلي الذي في ضمن ذاك المردد مسببا عن الشك في
حدوث الخاص المشكوك حدوثه المحكوم بعدم الحدوث بأصالة عدمه (فاسد) قطعا
لعدم كون بقائه وارتفاعه من لوازم حدوثه وعدم حدوثه بل من لوازم كون الحادث المتيقن
ذاك المتيقن الارتفاع أو البقاء مع أن بقاء القدر المشترك إنما هو بعين بقاء الخاص الذي
في ضمنه لا أنه من لوازمه
452

على أنه لو سلم أنه من لوازم حدوث المشكوك فلا شبهة في كون اللزوم عقليا ولا يكاد
يترتب بأصالة عدم الحدوث إلا ما هو من لوازمه وأحكامه شرعا، وأما إذا كان الشك
في بقائه من جهة الشك في قيام خاص آخر في مقام ذاك الخاص الذي كان في ضمنه بعد القطع
بارتفاعه ففي استصحابه اشكال أظهره عدم جريانه فان وجود الطبيعي وان كان بوجود فرده
إلا أن وجوده في ضمن المتعدد من افراده ليس من نحو وجود واحد له بل متعدد حسب تعددها
فلو قطع بارتفاع ما علم وجوده منها لقطع بارتفاع وجوده وإن شك في وجود فرد آخر
453

مقارن لوجود ذاك الفرد أو لارتفاعه بنفسه أو بملاكه كما إذا شك في الاستحباب
بعد القطع بارتفاع الايجاب بملاك مقارن أو حادث (لا يقال): الأمر وإن كان
كما ذكر إلا أنه حيث كان التفاوت بين الايجاب والاستحباب وهكذا بين الكراهة
والحرمة ليس إلا بشدة الطلب بينهما وضعفه كان تبدل أحدهما بالآخر مع عدم
تخلل العدم غير موجب لتعدد وجود الطبيعي بينهما لمساوقة الاتصال مع الوحدة
فالشك في التبدل حقيقة شك في بقاء الطلب وارتفاعه
454

لا في حدوث وجود آخر (فإنه يقال): الأمر وإن كان كذلك إلا أن العرف حيث
يرى الايجاب والاستحباب المتبادلين فردين متباينين لا واحد مختلف الوصف في
زمانين لم يكن مجال للاستصحاب
455

لما مرت الإشارة إليه ويأتي من أن قضية إطلاق اخبار الباب أن العبرة فيه بما يكون
رفع اليد عنه مع الشك بنظر العرف نقضا وإن لم يكن بنقض بحسب الدقة ولذا
لو انعكس الامر ولم يكن نقض عرفا لم يكن الاستصحاب جاريا وإن كان هناك نقض
عقلا، ومما ذكرنا في المقام يظهر أيضا حال الاستصحاب في متعلقات الأحكام في الشبهات
الحكمية والموضوعية فلا تغفل
456

بعض الأعاظم (1) (قدس سره) ورد النجف الأشرف في أيام حياة المصنف (ره)
فسأل في بعض مجالسه عن عباءة تنجس جانب منها غير معين وطهر منها جانب معين
يحتمل كونه المتنجس فلاقى بدن المصلي كلا من جانبيها المطهر وغير المطهر، زاعما
(قدس سره) أن مقتضى استصحاب نجاسة الجانب المتنجس نجاسة البدن الملاقي
للعلم بملاقاته له، مع أنه لو فرض ملاقاة البدن للجانب غير المطهر فقط لم يحكم
بنجاسته بناء على طهارة الملاقي لاحد أطراف الشبهة المحصورة فكيف يحكم بنجاسة
البدن لو لاقى الجانب المطهر بعد ملاقاته للجانب المحتمل للنجاسة مع العلم بأن
ملاقاته للجانب المطهر لا تؤثر فيه نجاسة أصلا؟ فكان المتحصل في الجواب هو
طهارة البدن لعدم جريان استصحاب النجاسة لكون موضوعه الفرد المردد.
واشتهرت هذه المسألة بمسألة العباءة. ثم إنه كما لا يجوز استصحاب الفرد المردد
لا يجوز استصحاب المفهوم المردد كما لو شك في مفهوم الكر أنه ما يساوي ثلاثة
وأربعين شبرا تقريبا أو ما يساوي سبعة وعشرين فوجد ماء بالمقدار الأول ثم نقص
حتى صار بالمقدار الثاني فلا يصح استصحاب الكرية، وكذا لو شك في أن
النهار ينتهي بغياب القرص أو بذهاب الحمرة المشرقية لا مجال لاستصحاب النهار
بعد غياب القرص، أو شك في أن العدالة اجتناب الكبائر مطلقا أو مع منافيات المروءة
فوجد شخص مجتنبا للجميع ثم ارتكب بعض منافيات المروءة فلا يصح استصحاب
العدالة... إلى غير ذلك من الموارد التي يشك فيها في بقاء المفهوم لتردده بين
مفهومين يعلم بارتفاع أحدهما وببقاء الآخر فإنه لا يجوز الاستصحاب فيها لما ذكر
من أن المفهوم المردد ليس موضوعا للأثر والمعين لم تجتمع فيه أركان الاستصحاب
والله سبحانه أعلم.

(1) المرحوم السيد إسماعيل الصدر (قدس سره)
458

(الرابع) أنه لا فرق في المتيقن بين أن يكون من الأمور القارة أو التدريجية غير
القارة فان الأمور غير القارة وإن كان وجودها ينصرم ولا يتحقق منه جزء إلا بعدما
انصرم منه جزء وانعدم إلا أنه ما لم يتخلل في البين العدم بل وان تخلل بما لا يخل
بالاتصال عرفا وان انفصل حقيقة كانت باقية مطلقا أو عرفا
459

ويكون رفع اليد عنها مع الشك في استمرارها وانقطاعها نقضا ولا يعتبر في الاستصحاب
بحسب تعريفه وأخبار الباب وغيرها من أدلته غير صدق النقض والبقاء كذلك قطعا،
هذا مع أن الانصرام والتدرج في الوجود في الحركة في الأين وغيره إنما هو في
الحركة القطعية وهي كون الشئ في كل آن في حد أو مكان لا التوسطية وهي
كونه بين المبدأ والمنتهى فإنه بهذا المعنى يكون قارا مستمرا، فانقدح بذلك أنه
لا مجال للاشكال في استصحاب مثل الليل أو النهار وترتيب مالها من الآثار، وكذا
كما إذا كان الشك في الامر التدريجي من جهة الشك في انتهاء حركته ووصوله إلى
المنتهي أو أنه بعد في البين،
460

وأما إذا كان من جهة الشك في كميته ومقداره كما في نبع الماء وجريانه وخروج الدم
وسيلانه فيما كان سبب الشك في الجريان والسيلان الشك في أنه بقي في المنبع والرحم
فعلا شئ من الماء والدم غير ما سال وجرى منهما فربما يشكل في استصحابهما حينئذ
فان الشك ليس في بقاء جريان شخص ما كان جاريا بل في حدوث جريان جزء آخر
شك في جريانه من جهة الشك في حدوثه ولكنه يتخيل بأنه لا يختل به ما هو الملاك
في الاستصحاب بحسب تعريفه ودليله حسبما عرفت. ثم إنه لا يخفى أن استصحاب بقاء
الامر التدريجي إما يكون من قبيل استصحاب الشخصي أو من قبيل استصحاب
الكلي بأقسامه فإذا شك في أن السورة المعلومة التي شرع فيها تمت أو بقي شئ منها
461

صح فيه استصحاب الشخص والكلي، وإذا شك فيه من جهة ترددها بين القصيرة
والطويلة كان من القسم الثاني وإذا شك في أنه شرع في أخرى مع القطع بأنه قد
تمت الأولى كان من القسم الثالث كما لا يخفى، هذا في الزمان ونحوه من سائر
التدريجيات وأما الفعل المقيد بالزمان (فتارة) يكون الشك في حكمه من جهة الشك في
بقاء قيده (وطورا) مع القطع بانقطاعه وانتفائه من جهة أخرى كما إذا احتمل
462

أن يكون التعبد به إنما هو بلحاظ تمام المطلوب لا أصله فإن كان من جهة الشك في
بقاء القيد فلا بأس باستصحاب قيده من الزمان كالنهار الذي قيد به الصوم مثلا
فيترتب عليه وجوب الامساك وعدم جواز الافطار ما لم يقطع بزواله كما لا بأس
باستصحاب نفس المقيد فيقال: إن الامساك كان قبل هذا الآن في النهار والآن كما
كان فيجب (فتأمل) وان كان من الجهة الأخرى فلا مجال الا لاستصحاب الحكم
463

في خصوص ما لم يؤخذ الزمان فيه إلا ظرفا لثبوته لا قيدا مقوما لموضوعه وإلا فلا مجال
إلا لاستصحاب عدمه فيما بعد ذاك الزمان فإنه غير ما علم ثبوته له فيكون الشك في ثبوته
له أيضا شكا في أصل ثبوته بعد القطع بعدمه لا في بقائه (لا يقال): إن الزمان
لا محالة يكون من قيود الموضوع وإن أخذ ظرفا لثبوت الحكم في دليله ضرورة دخل
مثل الزمان فيما هو المناط لثبوته فلا مجال الا لاستصحاب عدمه (فإنه يقال): نعم
لو كانت العبرة في تعيين الموضوع بالدقة ونظر العقل وأما إذا كانت العبرة بنظر
العرف فلا شبهة في أن الفعل بهذا النظر موضوع واحد في الزمانين قطع بثبوت الحكم
له في الزمان الأول وشك في بقاء هذا الحكم له وارتفاعه في الزمان الثاني فلا يكون
464

مجال الا لاستصحاب ثبوته (لا يقال): فاستصحاب كل واحد من الثبوت
والعدم يجري لثبوت كلا النظرين ويقع التعارض بين الاستصحابين كما قيل (فإنه
يقال): إنما يكون ذلك لو كان في الدليل ما بمفهومه يعم النظرين، وإلا فلا يكاد
يصح الا إذا سيق بأحدهما لعدم إمكان الجمع بينهما لكمال المنافاة بينهما ولا يكون في
اخبار الباب ما بمفهومه يعمهما فلا يكون هناك الا استصحاب واحد وهو استصحاب
الثبوت فيما إذا أخذ الزمان ظرفا واستصحاب العدم فيما إذا أخذ قيدا، لما عرفت من
أن العبرة في هذا الباب بالنظر العرفي ولا شبهة في أن الفعل فيما بعد ذاك الوقت مع
قبله متحد في الأول ومتعدد في الثاني بحسبه، ضرورة ان الفعل المقيد بزمان خاص
غير الفعل في زمان آخر
465

ولو بالنظر المسامحي العرفي (نعم) لا يبعد أن يكون
466

بحسبه أيضا متحدا فيما إذا كان الشك في بقاء حكمه من جهة الشك في أنه بنحو
التعدد المطلوبي وان حكمه بتلك المرتبة التي كان مع ذاك الوقت وإن لم يكن باقيا بعده
قطعا الا انه يحتمل بقاؤه بما دون تلك المرتبة من مراتبه فيستصحب فتأمل جيدا
(إزاحة وهم) لا يخفى أن الطهارة الحدثية والخبثية وما يقابلها يكون مما إذا وجدت
بأسبابها لا يكاد يشك في بقائها إلا من قبل الشك في الرافع لها لا من قبل الشك في
مقدار تأثير أسبابها ضرورة أنها إذا وجدت بها كانت تبقى ما لم يحدث رافع لها
كانت من الأمور الخارجية أو الأمور الاعتبارية التي كانت لها آثار شرعية فلا أصل
لأصالة عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد المذي وأصالة عدم جعل الملاقاة سببا للنجاسة
بعد الغسل مرة - كما حكي عن بعض الأفاضل - ولا يكون ههنا أصل إلا أصالة
الطهارة أو النجاسة (الخامس) انه كما لا إشكال فيما إذا كان المتيقن حكما فعليا
لا ينبغي الاشكال فيما إذا كان مشروطا
467

معلقا فلو شك في مورد لاجل طروء بعض الحالات عليه في بقاء أحكامه
فكما صح استصحاب أحكامه المطلقة استصحاب أحكامه المعلقة لعدم
الاختلال بذلك فيما اعتبر في قوام الاستصحاب من اليقين ثبوتا والشك
بقاء (وتوهم) أنه لا وجود للمعلق قبل وجود ما علق عليه فاختل أحد ركنيه (فاسد)
فان المعلق قبله إنما لا يكون موجودا فعلا لا أنه لا يكون موجودا أصلا ولو بنحو
التعليق، كيف والمفروض أنه مورد فعلا للخطاب بالتحريم مثلا أو الايجاب فكان على
يقين منه قبل طروء الحالة فيشك فيه بعده ولا يعتبر في الاستصحاب إلا الشك في
بقاء شئ على يقين من ثبوته
468

واختلاف نحو ثبوته لا يكاد يوجب تفاوتا في ذلك، وبالجملة يكون الاستصحاب متمما
لدلالة الدليل على الحكم فيما أهمل أو أجمل كان الحكم مطلقا أو معلقا فببركته
يعم الحكم للحالة الطارية اللاحقة كالحالة السابقة، فيحكم مثلا بان العصير الزبيبي
يكون على ما كان عليه سابقا في حال عنبيته من أحكامه المطلقة والمعلقة لو شك فيها
فكما يحكم ببقاء ملكيته يحكم بحرمته على تقدير غليانه (إن قلت): نعم ولكنه
لا مجال لاستصحاب المعلق لمعارضته باستصحاب ضده المطلق فيعارض استصحاب الحرمة
المعلقة للعصير باستصحاب حليته المطلقة (قلت): لا يكاد يضر استصحابه
469

على نحو كان قبل عروض الحالة التي شك في بقاء حكم المعلق بعده
471

ضرورة أنه كان مغيا بعدم ما علق عليه المعلق، وما كان كذلك لا يكاد يضر ثبوته
بعده بالقطع فضلا عن الاستصحاب لعدم المضادة بينهما فيكونان بعد عروضهما
بالاستصحاب كما كانا معا بالقطع قبل بلا منافاة أصلا، وقضية ذلك انتفاء حكم المطلق
بمجرد ثبوت ما علق عليه المعلق فالغليان في المثال كما كان شرطا للحرمة كان غاية
للحلية فإذا شك في حرمته المعلقة بعد عروض حالة عليه شك في حليته المغياة لا محالة
أيضا فيكون الشك في حليته أو حرمته فعلا بعد عروضها متحدا خارجا مع الشك في
بقائه على ما كان عليه من الحلية والحرمة بنحو كانتا عليه فقضيته استصحاب حرمته
المعلقة بعد عروضها الملازم لاستصحاب حليته المغياة حرمته فعلا بعد غليانه وانتفاء
حليته فإنه قضية نحو ثبوتهما كان بدليلهما أو بدليل الاستصحاب كما لا يخفى بأدنى
التفات على ذوي الألباب فالتفت (1) ولا تغفل (السادس) لا فرق أيضا بين
أن يكون المتيقن من أحكام هذه الشريعة أو الشريعة السابقة إذا شك في بقائه

(1) كيلا نقول في مقام التفصي عن إشكال المعارضة: ان الشك في الحلية
فعلا بعد الغليان يكون مسببا عن الشك في الحرمة المعلقة فيشكل بأنه لا ترتب بينهما
عقلا ولا شرعا بل بينهما ملازمة عقلا لما عرفت من أن الشك في الحلية أو الحرمة
472

وارتفاعه بنسخه في هذه الشريعة لعموم أدلة الاستصحاب

الفعليين بعده متحد مع الشك في بقاء حرمته وحليته المعلقة وأن قضية الاستصحاب
حرمته فعلا وانتفاء حليته بعد غليانه فان حرمته كذلك وإن كان لازما عقلا
لحرمته المعلقة المستصحبة إلا أنه لازم لها كان ثبوتها بخصوص خطاب أو عموم
دليل الاستصحاب فافهم منه. قدس سره
473

وفساد توهم اختلال أركانه فيما كان المتيقن من أحكام الشريعة السابقة لا محالة، إما
لعدم اليقين بثبوتها في حقهم وان علم بثبوتها سابقا في حق آخرين فلا شك في بقائها
أيضا بل في ثبوت مثلها كما لا يخفى، وإما لليقين بارتفاعها بنسخ الشريعة السابقة بهذه
الشريعة فلا شك في بقائها حينئذ ولو سلم اليقين بثبوتها في حقهم وذلك لان الحكم
الثابت في الشريعة السابقة حيث كان ثابتا لافراد المكلف كانت محققة وجودا
475

أو مقدرة كما هو قضية القضايا المتعارفة المتداولة وهي قضايا حقيقية لا خصوص الافراد
الخارجية كما هو قضية القضايا الخارجية وإلا لما صح الاستصحاب في الأحكام الثابتة
في هذه الشريعة ولا النسخ بالنسبة إلى غير الموجود في زمان ثبوتها كان الحكم في
الشريعة السابقة ثابتا لعامة أفراد المكلف ممن وجد أو يوجد وكان (1) الشك
فيه كالشك في بقاء الحكم الثابت في هذه الشريعة لغير من وجد في زمان ثبوته
والشريعة السابقة وان كانت منسوخة بهذه الشريعة يقينا إلا

(1) في كفاية اليقين بثبوته بحيث لو كان باقيا ولم ينسخ لعمه، ضرورة صدق
أنه على يقين منه فشك فيه بذلك ولزوم اليقين بثبوته في حقه سابقا بلا ملزم، وبالجملة
قضية دليل الاستصحاب جريانه لاثبات حكم السابق للاحق واسرائه إليه فيما
كان يعمه ويشمله لولا طروء حالة معها يحتمل نسخه ورفعه وكان دليله قاصرا
عن شمولها من دون لزوم كونه ثابتا له قبل طروئها أصلا كما لا يخفى. منه قدس سره
(2) وجهه ان هذه الشريعة مما لا يحتمل نسخها بأي معنى حتى يرجع في نفيه إلى
الاستصحاب أو غيره فلاحظ. منه مد ظله
476

أنه لا يوجب اليقين بارتفاع أحكامها بتمامها، ضرورة أن قضية نسخ الشريعة ليس
ارتفاعها كذلك بل عدم بقائها بتمامها، والعلم إجمالا بارتفاع بعضها أنما يمنع عن استصحاب
ما شك في بقائه منها فيما إذا كان من أطراف ما علم ارتفاعه إجمالا لا فيما إذا لم يكن
من أطرافه كما إذا علم بمقداره تفصيلا أو في موارد ليس المشكوك منها وقد علم بارتفاع
ما في موارد الأحكام الثابتة في هذه الشريعة (ثم) لا يخفى أنه يمكن إرجاع
ما أفاده شيخنا العلامة - أعلى الله في الجنان مقامه - في الذب عن إشكال تغاير
الموضوع في هذا الاستصحاب من الوجه الثاني إلى ما ذكرنا لا ما يوهمه ظاهر كلامه
477

من أن الحكم ثابت للكلي، كما أن الملكية له في مثل باب الزكاة والوقف العام
حيث لا مدخل للاشخاص فيها، ضرورة أن التكليف والبعث أو الزجر لا يكاد
يتعلق به كذلك بل لا بد من تعلقه بالاشخاص وكذلك الثواب أو العقاب المترتب
على الطاعة أو المعصية، وكأن غرضه من عدم دخل الأشخاص عدم دخل أشخاص
خاصة. فافهم. وأما ما أفاده من الوجه الأول فهو وإن كان وجيها بالنسبة إلى جريان
الاستصحاب في حق خصوص المدرك للشريعتين إلا أنه غير مجدد في حق غيره من
المعدومين ولا يكاد يتم الحكم فيهم بضرورة اشتراك أهل الشريعة الواحدة أيضا، ضرورة
أن قضية الاشتراك ليس إلا أن الاستصحاب حكم كل من كان على يقين فشك
لا أنه حكم الكل ولو من لم يكن كذلك بلا شك وهذا واضح
478

(السابع) لا شبهة في أن قضية أخبار الباب هو إنشاء حكم مماثل للمستصحب في
استصحاب الاحكام ولأحكامه في استصحاب الموضوعات كما لا شبهة في ترتيب
ما للحكم المنشأ بالاستصحاب من الآثار الشرعية والعقلية
479

وإنما الاشكال في ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على المستصحب بواسطة غير شرعية
عادية كانت أو عقلية ومنشؤه أن مفاد الأخبار
480

هل هو تنزيل المستصحب والتعبد به وحده بلحاظ خصوص ماله من الأثر بلا واسطة،
أو تنزيله بلوازمه العقلية أو العادية كما هو الحال في تنزيل مؤديات الطرق والامارات،
أو بلحاظ مطلق ماله من الأثر ولو بالواسطة بناء على صحة التنزيل (1) بلحاظ أثر الواسطة
أيضا لاجل أن اثر الأثر أثر وذلك لأن مفادها لو كان هو تنزيل الشئ وحده
بلحاظ أثر نفسه لم يترتب عليه ما كان مترتبا عليها لعدم احرازها حقيقة ولا تعبدا
ولا يكون تنزيله بلحاظه بخلاف ما لو كان تنزيله بلوازمه أو بلحاظ ما يعم آثارها
فإنه يترتب باستصحابه ما كان بوساطتها (والتحقيق) ان الاخبار إنما تدل على التعبد
بما كان على يقين منه فشك بلحاظ ما لنفسه

(1) ولكن الوجه عدم صحة التنزيل بهذا اللحاظ ضرورة انه ما يكون شرعا لشئ
من الأثر لا دخل له بما يستلزمه عقلا أو عادة وحديث أثر الأثر أثر وان كان
صادقا إلا أنه إذا لم يكن الترتب بين الشئ وأثره وبينه وبين مؤثره مختلفا وذلك
ضرورة انه لا يكاد يكون الأثر الشرعي لشئ أثرا شرعيا لما يستلزمه عقلا أو عادة
أصلا لا بالنظر الدقيق العقلي ولا النظر المسامحي العرفي إلا فيما عد أثر الواسطة
أثرا لذيها لخفائها أو لشدة وضوح الملازمة بينهما عدا شيئا واحدا ذا وجهين واثر
أحدهما أثر الاثنين كما يأتي الإشارة إليه فافهم منه قدس سره
481

من آثاره وأحكامه ولا دلالة لها بوجه على تنزيله بلوازمه التي لا يكون كذلك كما هي
محل ثمرة الخلاف ولا على تنزيله بلحاظ ماله مطلقا ولو بالواسطة فان المتيقن إنما هو لحاظ آثار نفسه
وأما آثار لوازمه فلا دلالة هناك على لحاظها أصلا وما لم يثبت لحاظها بوجه أيضا لما كان وجه لترتيبها
عليه باستصحابه به كما لا يخفى (نعم) لا يبعد ترتيب خصوص ما كان منها محسوبا بنظر العرف
من آثار نفسه لخفاء ما بوساطته بدعوى أن مفاد الاخبار عرفا ما يعمه أيضا حقيقة (فافهم)
484

كما لا يبعد ترتيب ما كان بواسطة ما لا يمكن التفكيك عرفا بينه وبين المستصحب تنزيلا
كما لا تفكيك بينهما واقعا أو بواسطة ما لأجل وضوح لزومه له أو ملازمته
485

معه بمثابة عد أثره اثرا لهما فان عدم ترتيب مثل هذا الأثر عليه يكون نقضا ليقينه
بالشك أيضا بحسب ما يفهم من النهي عن نقضه عرفا (فافهم) ثم لا يخفى وضوح
الفرق بين الاستصحاب وسائر الأصول التعبدية وبين الطرق والامارات فان الطريق
أو الامارة حيث إنه كما يحكي عن المؤدى ويشير إليه كذا يحكي عن أطرافه من ملزومه
ولوازمه وملازماته ويشير إليها كان مقتضى إطلاق دليل اعتبارها لزوم تصديقها
في حكايتها
486

وقضيته حجية المثبت منها كما لا يخفى، بخلاف مثل دليل الاستصحاب فإنه لا بد من
الاقتصار بما فيه من الدلالة على التعبد بثبوته ولا دلالة له إلا على التعبد بثبوت المشكوك
بلحاظ أثره حسبما عرفت فلا دلالة له على اعتبار المثبت منه كسائر الأصول التعبدية
إلا فيما عد أثر الواسطة أثرا له لخفائها أو شدة وضوحها وجلائها حسبما
حققناه
487

(الثامن) أنه لا تفاوت في الأثر المترتب على المستصحب بين أن يكون مترتبا
عليه بلا وساطة شئ أو بوساطة عنوان كلي ينطبق ويحمل عليه بالحمل الشايع ويتحد
معه وجودا كان منتزعا
488

عن مرتبة ذاته أو بملاحظة بعض عوارضه مما هو خارج المحمول لا بالضميمة فان
الأثر في الصورتين إنما يكون له حقيقة حيث لا يكون بحذاء ذلك الكلي في الخارج
سواه لا لغيره مما كان مبائنا معه أو من اعراضه مما كان محمولا عليه بالضميمة
489

كسواده مثلا أو بياضه، وذلك لأن الطبيعي إنما يوجد بعين وجود فرده كما أن العرضي
كالملكية والغصبية ونحوهما لا وجود له إلا بمعنى وجود منشأ انتزاعه، فالفرد أو منشأ
الانتزاع في الخارج هو عين ما رتب عليه الأثر لا شئ آخر فاستصحابه لترتيبه
لا يكون بمثبت كما توهم، وكذا لا تفاوت في الأثر المستصحب أو المترتب عليه بين
أن يكون مجعولا شرعا بنفسه كالتكليف
490

وبعض انحاء الوضع، أو بمنشأ انتزاعه كبعض أنحائه
491

كالجزئية والشرطية والمانعية، فإنه أيضا مما تناله يد الجعل شرعا ويكون أمره بيد الشارع
وضعا ورفعا ولو بوضع منشأ انتزاعه ورفعه، ولا وجه لاعتبار أن يكون المترتب
أو المستصحب مجعولا مستقلا كما لا يخفى، فليس استصحاب الشرط أو المانع لترتيب
الشرطية أو المانعية بمثبت كما ربما توهم بتخيل: أن الشرطية أو المانعية ليست من الآثار
الشرعية بل من الأمور الانتزاعية (فاهم) وكذا لا تفاوت في المستصحب
أو المترتب بين أن يكون ثبوت الأثر ووجوده أو نفيه وعدمه، ضرورة أن امر نفيه
بيد الشارع كثبوته وعدم إطلاق الحكم على عدمه غير ضائر إذ ليس هناك ما دل
على اعتباره بعد صدق نقض اليقين بالشك برفع اليد عنه كصدقه برفعها من طرف
ثبوته كما هو واضح، فلا وجه للاشكال في الاستدلال على البراءة باستصحاب البراءة
492

من التكليف وعدم المنع عن الفعل بما في الرسالة من أن عدم استحقاق العقاب في
الآخرة ليس من اللوازم المجعولة الشرعية فان عدم استحقاق العقوبة وإن كان غير
مجعول إلا أنه لا حاجة إلى ترتيب اثر مجعول في استصحاب عدم المنع، وترتب عدم
الاستحقاق مع كونه عقليا على استصحابه إنما هو لكونه لازم مطلق عدم المنع ولو في
الظاهر فتأمل (التاسع) أنه لا يذهب عليك أن عدم ترتب الأثر غير الشرعي
ولا الشرعي بوساطة غيره من العادي أو العقلي بالاستصحاب إنما هو بالنسبة إلى
ما للمستصحب واقعا، فلا يكاد يثبت به من آثاره إلا أثره الشرعي الذي كان
493

له بلا واسطة أو بوساطة أثر شرعي آخر حسبما عرفت فيما مر لا بالنسبة إلى ما كان
للأثر الشرعي مطلقا كان بخطاب الاستصحاب أو بغيره من أنحاء الخطاب فان آثاره
شرعية كان أو غيرها يترتب عليه إذا ثبت ولو بان يستصحب أو كان من آثار
المستصحب وذلك لتحقق موضوعها حينئذ حقيقة فما للوجوب عقلا يترتب على الوجوب
الثابت شرعا باستصحابه أو استصحاب موضوعه من وجوب الموافقة وحرمة المخالفة
واستحقاق العقوبة إلى غير ذلك كما يترتب على الثابت بغير الاستصحاب بلا شبهة ولا
ارتياب فلا تغفل (العاشر) أنه قد ظهر مما مر لزوم أن يكون المستصحب حكما شرعيا
أو ذا حكم كذلك، لكنه لا يخفى أنه لا بد أن يكون كذلك بقاء ولو لم يكن كذلك
ثبوتا فلو لم يكن المستصحب في زمان ثبوته حكما ولا له أثر شرعا وكان في زمان
استصحابه كذلك - أي حكما - أو ذا حكم يصح استصحابه كما في استصحاب عدم التكليف
فإنه وإن لم يكن بحكم مجعول في الأزل ولا ذا حكم
494

إلا أنه حكم مجعول فيما لا يزال لما عرفت من أن نفيه كثبوته في الحال مجعول شرعا
وكذا استصحاب موضوع لم يكن له حكم ثبوتا أو كان ولم يكن حكمه فعليا وله حكم
كذلك بقاء وذلك لصدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عنه والعمل كما إذا قطع
بارتفاعه يقينا، ووضوح عدم دخل أثر الحالة السابقة ثبوتا فيه وفى تنزيلها بقاء (فتوهم)
اعتبار الأثر سابقا كما ربما يتوهمه الغافل من اعتبار كون المستصحب حكما أو ذا حكم
495

(فاسد) قطعا فتدبر جيدا (الحادي عشر) لا إشكال في الاستصحاب فيما كان الشك
في أصل تحقق حكم أو موضوع وأما إذا كان الشك في تقدمه وتأخره بعد القطع
بتحققه وحدوثه في زمان لوحظ بالإضافة إلى أجزاء الزمان فكذا لا اشكال في
استصحاب عدم تحققه في الزمان الأول وترتيب آثاره لا آثار تأخره عنه لكونه بالنسبة
إليها مثبتا إلا بدعوى خفاء الواسطة أو عدم التفكيك في التنزيل بين عدم تحققه إلى
زمان وتأخره عنه عرفا كما لا تفكيك بينهما واقعا ولا آثار حدوثه في الزمان الثاني فإنه
نحو وجود خاص (نعم) لا بأس بترتيبها بذاك الاستصحاب بناء
496

على أنه عبارة عن أمر مركب من الوجود في الزمان اللاحق وعدم الوجود في السابق،
وإن لوحظ بالإضافة إلى حادث آخر علم بحدوثه أيضا وشك في تقدم ذاك عليه وتأخره
عنه كما إذا علم بعروض حكمين أو موت متوارثين وشك في المتقدم والمتأخر منهما فان
كانا مجهولي التاريخ (فتارة) كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما بنحو خاص من التقدم
أو التأخر أو التقارن
497

لا للآخر ولا له بنحو آخر فاستصحاب عدمه صار بلا معارض، بخلاف ما إذا كان
الأثر لوجود كل منهما كذلك أو لكل من انحاء وجوده فإنه حينئذ يعارض فلا مجال
لاستصحاب العدم في واحد للمعارضة باستصحاب العدم في آخر لتحقق أركانه في
كل منهما، هذا إذا كان الأثر المهم مترتبا على وجوده الخاص الذي كان مفاد كان
التامة، وأما ان كان مترتبا على ما إذا كان متصفا بالتقدم أو بأحد ضديه الذي كان
مفاد كان الناقصة فلا مورد ههنا للاستصحاب
500

لعدم اليقين السابق فيه بلا ارتياب (وأخرى) كان الأثر لعدم أحدهما في زمان الآخر.
فالتحقيق أنه أيضا ليس بمورد للاستصحاب فيما كان الأثر المهم مترتبا على ثبوته
المتصف بالعدم في زمان حدوث الآخر لعدم اليقين بحدوثه كذلك في زمان بل قضية
الاستصحاب عدم حدوثه
501

كذلك كما لا يخفى، وكذا فيما كان مترتبا على نفس عدمه في زمان الآخر واقعا وإن
كان على يقين منه في آن قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما
502

لعدم احراز اتصال زمان شكه وهو زمان حدوث الآخر بزمان يقنا لاحتمال انفصاله عنه
باتصال حدوثه به (وبالجملة): كان بعد ذاك الآن (1) الذي قبل زمان اليقين بحدوث

(1) وإن شئت قلت: إن عدمه الأزلي المعلوم قبل الساعتين وان كان في
الساعة الأولى منهما مشكوكا إلا أنه حسب الفرض ليس موضوعا للحكم
والأثر وانما الموضوع هو عدمه الخاص وهو عدمه في زمان حدوث الآخر
المحتمل كونه الساعة الأولى المتصلة بزمان يقينه أو الثانية المنفصلة عنه فلم يحرز
اتصال زمان شكه بزمان يقينه ولا بد منه في صدق لا تنقض اليقين بالشك
فاستصحاب عدمه إلى الساعة الثانية لا يثبت عدمه في زمان حدوث الآخر إلا على
الأصل المثبت فيما دار الامر بين التقدم والتأخر فتدبر. منه قدس سره
503

أحدهما زمانان أحدهما زمان حدوثه والآخر زمان حدوث الآخر وثبوته الذي يكون
ظرفا للشك في أنه فيه أ قبله وحيث شك في أن أيهما مقدم وأيهما مؤخر لم يحرز
اتصال زمان الشك بزمان اليقين ومعه لا مجال للاستصحاب حيث لم يحرز معه كون
رفع اليد عن اليقين بعدم حدوثه بهذا الشك من نقض اليقين بالشك (لا يقال):
لا شبهة في اتصال مجموع الزمانين بذاك الآن وهو بتمامه زمان الشك في حدوثه
لاحتمال تأخره عن الآخر مثلا إذا كان على يقين من عدم حدوث واحد منهما في
ساعة وصار على يقين من حدوث أحدهما بلا تعيين في ساعة أخرى بعدها وحدوث
الآخر في ساعة ثالثة كان زمان الشك في حدوث كل منهما تمام الساعتين لا خصوص
أحدهما كما لا يخفى (فإنه يقال): نعم ولكنه إذا كان بلحاظ إضافته إلى أجزاء
الزمان والمفروض أنه بلحاظ إضافته إلى الآخر وأنه حدث في زمان حدوثه وثبوته
أو قبله ولا شبهة أن زمان شكه بهذا اللحاظ إنما هو خصوص ساعة ثبوت الآخر

- والأثر وانما الموضوع هو عدمه الخاص وهو عدمه في زمان حدوث الآخر
المحتمل كونه الساعة الأولى المتصلة بزمان يقينه أو الثانية المنفصلة عنه فلم يحرز
اتصال زمان شكه بزمان يقينه ولا بد منه في صدق لا تنقض اليقين بالشك
فاستصحاب عدمه إلى الساعة الثانية لا يثبت عدمه في زمان حدوث الآخر إلا على
الأصل المثبت فيما دار الامر بين التقدم والتأخر فتدبر. منه قدس سره
504

وحدوثه لا الساعتين. فانقدح انه لا مورد ها هنا للاستصحاب لاختلال أركانه
لا أنه مورده وعدم جريانه إنما هو بالمعارضة كي يختص بما كان الأثر لعدم كل في
زمان الآخر وإلا كان الاستصحاب فيما له الأثر جاريا (وأما) لو علم بتاريخ
أحدهما فلا يخلو أيضا (إما) يكون الأثر المهم مترتبا على الوجود الخاص من المقدم أو
المؤخر أو المقارن فلا إشكال
505

في استصحاب عدمه
507

لولا المعارضة باستصحاب العدم في طرف الآخر أو طرفه كما تقدم
(وإما) يكون مترتبا على ما إذا كان متصفا بكذا فلا مورد للاستصحاب أصلا
لا في مجهول التاريخ وفي معلومه كما لا يخفى لعدم اليقين بالاتصاف به سابقا منهما
(وإما) يكون مترتبا على عدمه الذي هو مفاد ليس التامة في زمان الآخر فاستصحاب
العدم في مجهول التاريخ منهما كان جاريا لاتصال زمان شكه بزمان يقينه
508

دون معلومه لانتفاء الشك فيه في زمان وإنما الشك فيه بإضافة زمانه إلى الآخر، وقد
عرفت جريانه فيهما تارة وعدم جريانه كذلك أخرى. فانقدح أنه لا فرق بينهما كان
الحادثان مجهولي التاريخ أو كانا مختلفين ولا بين مجهوله ومعلومه في المختلفين فيما اعتبر
509

في الموضوع خصوصية ناشئة من إضافة أحدهما إلى الآخر بحسب الزمان من التقدم
أو أحد ضديه وشك فيها، كما لا يخفى كما انقدح أنه لا مورد للاستصحاب أيضا فيما
تعاقب حالتان متضادتان
510

كالطهارة والنجاسة وشك في ثبوتهما وانتفائهما للشك في المقدم والمؤخر منهما وذلك
لعدم إحراز الحالة السابقة المتيقنة المتصلة بزمان الشك في ثبوتهما وترددها بين الحالتين
وأنه ليس من تعارض الاستصحابين فافهم وتأمل في المقام فإنه دقيق (الثاني عشر)
أنه قد عرفت أن مورد الاستصحاب
512

لا بد أن يكون حكما شرعيا أو موضوعا لحكم كذلك، فلا إشكال فيما كان المستصحب
من الأحكام الفرعية أو الموضوعات الصرفة الخارجية أو اللغوية إذا كانت ذات
أحكام شرعية (وأما) الأمور الاعتقادية التي كان المهم فيها شرعا هو الانقياد
والتسليم والاعتقاد بمعنى عقد القلب عليها من الاعمال القلبية الاختيارية، فكذا لا اشكال
في الاستصحاب فيها حكما وكذا موضوعا فيما كان هناك يقين سابق وشك لاحق
لصحة التنزيل وعموم الدليل
513

وكونه أصلا عمليا إنما هو بمعنى أنه وظيفة الشاك تعبدا قبالا للامارات الحاكية عن
الواقعيات فيعم العمل بالجوانح كالجوارح، وأما التي كان المهم فيها شرعا وعقلا
هو القطع بها ومعرفتها فلا مجال له موضوعا ويجري حكما، فلو كان متيقنا بوجوب تحصيل
القطع بشئ كتفاصيل القيامة في زمان وشك في بقاء وجوبه يستصحب، وأما لو شك
في حياة إمام زمان مثلا فلا يستصحب لأجل ترتيب لزوم معرفة إمام زمانه بل يجب
تحصيل اليقين بموته أو حياته مع إمكانه، ولا يكاد يجدي في مثل وجوب المعرفة
عقلا أو شرعا إلا إذا كان حجة من باب إفادته الظن وكان المورد مما يكتفى به أيضا
فالاعتقادات كسائر الموضوعات لا بد في جريانه فيها من أن يكون في المورد أثر
شرعي يتمكن من موافقته مع بقاء الشك فيه كان ذاك متعلقا بعمل الجوارح أو
الجوانح. وقد انقدح بذلك أنه لا مجال له في نفس النبوة إذ كانت ناشئة من
515

كمال النفس بمثابة يوحى إليها وكانت لازمة لبعض مراتب كمالها إما لعدم الشك فيها
بعد اتصاف النفس بها أو لعدم كونها مجعولة بل من الصفات الخارجية التكوينية
ولو فرض الشك في بقائها باحتمال انحطاط النفس عن تلك المرتبة وعدم بقائها بتلك
المثابة كما هو الشأن في سائر الصفات والملكات الحسنة الحاصلة بالرياضات والمجاهدات
وعدم أثر شرعي مهم لها يترتب عليها باستصحابها (نعم) لو كانت النبوة من
المناصب المجعولة وكانت كالولاية وان كان لا بد في اعطائها من أهلية وخصوصية
يستحق بها لها لكانت موردا للاستصحاب بنفسها فيترتب عليها آثارها ولو كانت
عقلية بعد استصحابها
516

لكنه يحتاج إلى دليل كان هناك غير منوط بها والا لدار كما لا يخفى. وأما
استصحابها بمعنى استصحاب بعض أحكام شريعة من اتصف بها فلا اشكال فيها كما
مر. ثم لا يخفى أن الاستصحاب لا يكاد يلزم به الخصم إلا إذا اعترف بأنه على
يقين فشك فيما صح هناك التعبد والتنزيل ودل عليه الدليل كما لا يصح أن يقنع به
إلا مع اليقين والشك والدليل على التنزيل. ومنه انقدح انه لا موقع لتشبث
الكتابي باستصحاب نبوة موسى أصلا
517

لا إلزاما للمسلم لعدم الشك في بقائها قائمة بنفسه المقدسة واليقين بنسخ شريعته وإلا
لم يكن بمسلم، مع أنه لا يكاد يلزم به ما لم يعترف بأنه على يقين وشك، ولا اقناعا مع
الشك للزوم معرفة النبي بالنظر إلى حالاته ومعجزاته عقلا وعدم الدليل على التعبد
بشريعته لا عقلا ولا شرعا والاتكال على قيامه في شريعتنا لا يكاد يجديه
518

إلا على نحو محال ووجوب العمل بالاحتياط عقلا في حال عدم المعرفة بمراعاة
الشريعتين ما لم يلزم منه الاختلال للعلم بثبوت إحداهما على الاجمال إلا إذا علم بلزوم
البناء على الشريعة السابقة ما لم يعلم الحال (الثالث عشر) أنه لا شبهة في عدم جريان
الاستصحاب في مقام مع دلالة مثل العام لكنه ربما يقع الاشكال والكلام فيما إذا
خصص في زمان في أن المورد بعد هذا الزمان مورد الاستصحاب أو التمسك بالعام
(والتحقيق) أن يقال: إن مفاد العام (تارة) يكون بملاحظة الزمان ثبوت حكمه لموضوعه
على نحو الاستمرار والدوام (وأخرى) على نحو جعل كل يوم من الأيام فردا لموضوع
ذاك العام وكذلك مفاد مخصصه (تارة) يكون على نحو أخذ الزمان ظرف استمرار حكمه
ودوامه (وأخرى) على نحو يكون مفردا ومأخوذا في موضوعه فإن كان مفاد كل من
519

العام والخاص على النحو الأول فلا محيص عن استصحاب حكم الخاص في غير مورد
دلالته لعدم دلالة للعام على حكمه لعدم دخوله على حدة في موضوعه، وانقطاع
الاستمرار بالخاص الدال على ثبوت الحكم له في الزمان السابق من دون دلالته على
ثبوته في الزمان اللاحق فلا مجال إلا لاستصحابه
520

نعم لو كان الخاص غير قاطع لحكمه كما إذا كان مخصصا له من الأول
522

لما ضربه في غير مورد دلالته فيكون أول زمان استمرار حكمه بعد زمان دلالته
فيصح التمسك ب‍ (أوفوا بالعقود) ولو خصص بخيار المجلس ونحوه ولا يصح التمسك
به فيما إذا خصص بخيار لا في أوله فافهم. وإن كان مفادهما على النحو الثاني فلا بد من
التمسك بالعام بلا كلام لكون موضوع الحكم بلحاظ هذا الزمان من أفراده
فله الدلالة على حكمه والمفروض عدم دلالة الخاص على خلافه، وان كان مفاد العام
على النحو الأول والخاص على النحو الثاني فلا مورد للاستصحاب فإنه وإن لم يكن
هناك دلالة أصلا إلا أن انسحاب الحكم الخاص إلى غير مورد دلالته
523

من إسراء حكم موضوع إلى آخر لا استصحاب حكم الموضوع ولا مجال أيضا للتمسك
بالعام لما مر آنفا فلا بد من الرجوع إلى سائر الأصول، وان كان مفادهما على العكس
كان المرجع هو العام للاقتصار في تخصيصه بمقدار دلالة الخاص ولكنه لولا دلالته
لكان الاستصحاب مرجعا لما عرفت من أن الحكم في طرف الخاص قد أخذ على
نحو صح استصحابه فتأمل تعرف أن اطلاق كلام شيخنا - أعلى الله مقامه -
في المقام نفيا واثباتا في غير محله (الرابع عشر) الظاهر أن الشك في أخبار الباب
وكلمات الأصحاب هو خلاف اليقين فمع الظن بالخلاف فضلا عن الظن بالوفاق يجري
الاستصحاب ويدل عليه - مضافا إلى أنه كذلك لغة - كما في الصحاح وتعارف
استعماله فيه في الاخبار في غير باب - قوله عليه السلام في اخبار الباب: ولكن تنقضه
بيقين آخر، حيث أن ظاهره أنه في بيان تحديد ما ينقض به اليقين وانه ليس إلا اليقين
524

وقوله أيضا: لا حتى يستيقن انه قد نام، بعد السؤال منه (ع) - عما إذا حرك في
جنبه شئ وهو لا يعلم، حيث دل باطلاقه - مع ترك الاستفصال بين ما إذا
أفادت هذه الامارة الظن وما إذا لم تفد، بداهة انها لو لم تكن مفيدة له
دائما لكانت مفيدة له أحيانا على عموم النفي لصورة الإفادة وقوله عليه السلام بعده
ولا تنقض اليقين بالشك، أن الحكم في المغيا مطلقا هو عدم نقض اليقين بالشك
كما لا يخفى، وقد استدل عليه أيضا بوجهين آخرين (الأول) الاجماع القطعي على اعتبار
الاستصحاب مع الظن بالخلاف على تقدير اعتباره من باب الاخبار (وفيه) أنه
لا وجه لدعواه ولو سلم اتفاق الأصحاب على الاعتبار لاحتمال أن يكون ذلك من جهة
ظهور دلالة الأخبار عليه (الثاني) أن الظن غير المعتبر إن علم بعدم اعتباره بالدليل
فمعناه أن وجوده كعدمه عند الشارع وان كلما يترتب شرعا على تقدير عدمه فهو
المترتب على تقدير وجوده وإن كان مما شك في اعتباره فمرجع رفع اليد عن اليقين
بالحكم الفعلي السابق بسببه إلى نقض اليقين بالشك فتأمل جيدا (وفيه) أن قضية
عدم اعتباره لالغائه أو لعدم الدليل على اعتباره لا يكاد يكون إلا عدم اثبات مظنونه
525

به تعبدا ليترتب عليه آثاره شرعا لا ترتيب آثار الشك مع عدمه، بل لا بد حينئذ في
تعيين أن الوظيفة أي أصل من الأصول العملية من الدليل فلو فرض عدم دلالة
الأخبار معه على اعتبار الاستصحاب فلا بد من الانتهاء إلى سائر الأصول بلا شبهة
ولا ارتياب ولعله أشير إليه بالأمر بالتأمل فتأمل جيدا (تتمة) لا يذهب عليك
انه لا بد في الاستصحاب من بقاء الموضوع وعدم إمارة معتبرة هناك ولو على وفاقه
فها هنا مقامان (المقام الأول) انه لا اشكال في اعتبار بقاء الموضوع بمعنى اتحاد
القضية المشكوكة مع المتيقنة موضوعا كاتحادهما حكما، ضرورة انه بدونه لا يكون الشك
في البقاء بل في الحدوث ولا رفع اليد عن اليقين في محل الشك نقض اليقين بالشك
فاعتبار البقاء بهذا المعنى لا يحتاج إلى زيادة بيان وإقامة برهان (والاستدلال) عليه
باستحالة انتقال العرض إلى موضوع آخر لتقومه بالموضوع وتشخصه به (غريب)
526

بداهة ان استحالته حقيقة غير مستلزم لاستحالته تعبدا والالتزام بآثاره شرعا، واما
بمعنى احراز وجود الموضوع خارجا فلا يعتبر قطعا في جريانه لتحقق أركانه بدونه
نعم ربما يكون مما لا بد منه في ترتيب بعض الآثار ففي استصحاب عدالة زيد
لا يحتاج إلى احراز حياته لجواز تقليده وان كان محتاجا إليه في جواز الاقتداء به
أو وجوب اكرامه أو الانفاق عليه وانما الاشكال كله في هذا الاتحاد هل هو بنظر
العرف أو بحسب دليل الحكم
527

أو بنظر العقل؟ فلو كان مناط الاتحاد هو نظر العقل فلا مجال للاستصحاب في
الاحكام لقيام احتمال تغير الموضوع في كل مقام شك في الحكم بزوال بعض
528

خصوصيات موضوعه لاحتمال دخله فيه ويختص بالموضوعات، بداهة انه إذا شك
في حياة زيد شك في نفس ما كان على يقين منه حقيقة بخلاف ما لو كان بنظر العرف
أو بحسب لسان الدليل، ضرورة أن انتقاء بعض الخصوصيات وإن كان موجبا للشك في بقاء
الحكم لاحتمال دخله في موضوعه إلا أنه ربما لا يكون بنظر العرف ولا في لسان
الدليل من مقوماته، كما أنه ربما لا يكون موضوع الدليل بنظر العرف بخصوصه
موضوعا (مثلا) إذا ورد: العنب إذا غلى يحرم، كان العنب بحسب ما هو
المفهوم عرفا هو خصوص العنب ولكن العرف بحسب ما يرتكز في أذهانهم
ويتخيلونه من المناسبات بين الحكم وموضوعه يجعلون الموضوع للحرمة ما يعم الزبيب
ويرون العنبية والزبيبية
529

من حالاته المتبادلة بحيث لو لم يكن الزبيب محكوما بما حكم به العنب كان عندهم
من ارتفاع الحكم عن موضوعه ولو كان محكوما به كان من بقائه، ولا ضير في أن
يكون الدليل بحسب فهمهم على خلاف ما ارتكز في أذهانهم بسبب ما تخيلوه من
الجهات والمناسبات فيما إذا لم تكن بمثابة يصلح قرينة على صرفه عما هو ظاهر فيه.
ولا يخفى أن النقض وعدمه حقيقة يختلف بحسب الملحوظ من الموضوع
فيكون نقضا بلحاظ موضوع ولا يكون بلحاظ موضوع آخر فلا بد في تعيين أن
المناط في الاتحاد هو الموضوع العرفي أو غيره من بيان أن خطاب (لا تنقض) قد
سيق بأي لحاظ؟
530

فالتحقيق أن يقال: إن قضية إطلاق خطاب (لا تنقض) هو أن يكون
531

بلحاظ الموضوع العرفي لأنه المنساق من الاطلاق في المحاورات العرفية ومنها الخطابات
الشرعية فما لم يكن هناك دلالة على أن النهي فيه بنظر آخر غير ما هو الملحوظ في
محاوراتهم لا محيص عن الحمل على أنه بذاك اللحاظ فيكون المناط في بقاء الموضوع
هو الاتحاد بحسب نظر العرف وإن لم يحرز بحسب العقل أو لم يساعده النقل فيستصحب
مثلا ما يثبت بالدليل للعنب إذا صار زبيبا لبقاء الموضوع واتحاد القضيتين عرفا
ولا يستصحب فيما لا اتحاد كذلك وان كان هناك اتحاد عقلا كما مرت الإشارة إليه
في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي فراجع (المقام الثاني) أنه لا شبهة
في عدم جريان الاستصحاب مع الامارة المعتبرة في مورده وإنما الكلام في أنه
للورود أو الحكومة أو التوفيق بين دليل اعتبارها وخطابه، والتحقيق، أنه للورود
فان رفع اليد عن اليقين السابق بسبب إمارة معتبرة على خلافه ليس من نقض اليقين
532

بالشك بل باليقين، وعدم رفع اليد
533

عنه مع الامارة على وفقه ليس لأجل أن لا يلزم نقضه به بل من جهة لزوم العمل
بالحجة (لا يقال): نعم هذا لو أخذ بدليل الامارة في مورده ولكنه لم لا يؤخذ
بدليله ويلزم الأخذ بدليلها؟ (فإنه يقال): ذلك إنما هو لأجل أنه لا محذور في
الأخذ بدليلها بخلاف الاخذ بدليله فإنه يسلتزم تخصيص دليلها بلا مخصص إلا على
وجه دائر إذ التخصيص به يتوقف على اعتباره معها واعتباره كذلك يتوقف على
التخصيص به إذ لولاه لا مورد له معها كما عرفت آنفا
534

وأما حديث الحكومة فلا أصل له أصلا، فإنه لا نظر لدليلها إلى مدول دليله إثباتا
535

وبما هو مدلول الدليل وإن كان دالا على إلغائه معها ثبوتا وواقعا لمنافات لزوم العمل
بها مع العمل به لو كان على خلافها، كما أن قضية دليله الغاؤها كذلك فان كلا من
الدليلين بصدد بيان ما هو الوظيفة للجاهل فيطرد كل منهما الآخر مع المخالفة هذا مع
لزوم اعتباره معها في صورة الموافقة ولا أظن أن يلتزم به القائل بالحكومة (فافهم)
فان المقام لا يخلو من دقة
536

وأما التوفيق فإن كان بما ذكرنا فنعم الاتفاق وان كان بتخصيص دليله بدليلها فلا
وجه له لما عرفت من أنه لا يكون مع الأخذ به نقض يقين بشك لا أنه غير منهي
عنه مع كونه من نقض اليقين بالشك (خاتمة) لا بأس ببيان النسبة بين الاستصحاب
وسائر الأصول العملية وبيان التعارض بين الاستصحابين (اما الأول) فالنسبة
بينه وبينها
537

هي بعينها النسبة بين الامارة وبينه فيقدم عليها ولا مورد معه لها للزوم
538

محذور التخصيص إلا بوجه دائر في العكس وعدم محذور فيه أصلا. هذا في النقلية
منها وأما العقلية فلا يكاد يشتبه وجه تقديمه عليها، بداهة عدم الموضوع معه لها ضرورة
أنه اتمام حجة وبيان ومؤمن من العقوبة وبه الأمان، ولا شبهة في أن الترجيح به عقلا
صحيح (واما الثاني) فالتعارض بين الاستصحابين إن كان لعدم إمكان العمل
بهما بدون علم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما كاستصحاب وجوب أمرين حدث
540

بينهما التضاد في زمان الاستصحاب فهو من باب تزاحم (1) الواجبين وان كان
مع العلم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما (فتارة) يكون المستصحب في أحدهما من
الآثار الشرعية لمستصحب الآخر فيكون الشك فيه مسببا عن الشك فيه كالشك في
نجاسة الثوب المغسول بماء مشكوك الطهارة وقد كان طاهرا (وأخرى) لا يكون كذلك
فإن كان أحدهما أثرا للآخر فلا مورد إلا للاستصحاب في طرف السبب

(1) فيتخير بينهما إن لم يكن أحد المستصحبين أهم وإلا فيتعين الاخذ بالأهم
ولا مجال لتوهم انه لا يكاد يكون هناك أهم لاجل ان ايجابهما انما يكون من باب
واحد وهو استصحابهما من دون مزية في أحدهما أصلا كما لا يخفى وذلك لان
الاستصحاب انما يتبع المستصحب فكما يثبت به الوجوب والاستصحاب يثبت به
كل مرتبة منهما فتستصحب فلا تغفل. منه قدس سره
541

فان الاستصحاب في طرف المسبب وموجب لتخصيص الخطاب
542

وجواز نقض اليقين بالشك في طرف السبب بعدم ترتيب اثره الشرعي، فان من
آثار طهارة الماء طهارة الثوب المغسول به ورفع نجاسته فاستصحاب نجاسة الثوب
نقض لليقين بطهارته بخلاف استصحاب طهارته إذ لا يلزم منه نقض يقين بنجاسة
الثوب بالشك بل باليقين بما هو رافع لنجاسة وهو غسله بالماء المحكوم شرعا بطهارته
(وبالجملة) فكل من السبب والمسبب وإن كان موردا للاستصحاب إلا أن
الاستصحاب في الأول بلا محذور بخلافه في الثاني ففيه محذور التخصيص بلا وجه
إلا بنحو محال فاللازم الأخذ بالاستصحاب السببي. نعم لو لم يجر هذا الاستصحاب
بوجه لكان الاستصحاب المسببي جاريا فإنه لا محذور فيه حينئذ مع وجود أركانه
وعموم خطابه وإن لم يكن المستصحب في أحدهما من الآثار للآخر فالأظهر جريانهما
فيما لم يلزم منه محذور المخالفة القطعية للتكليف الفعلي المعلوم اجمالا لوجود المقتضي
إثباتا وفقد المانع عقلا أما وجود المقتضي فلاطلاق الخطاب وشموله للاستصحاب في
أطراف المعلوم بالاجمال
544

فان قوله عليه السلام في ذيل بعض أخبار الباب، ولكن لم تنقض اليقين باليقين
545

لو سلم أنه يمنع عن شمول قوله - عليه السلام - في صدره: لا تنقض اليقين بالشك،
لليقين والشك في أطرافه للزوم المناقضة في مدلوله، ضرورة المناقضة بين السلب الكلي
والايجاب الجزئي إلا أنه لا يمنع عن عموم النهي في سائر الأخبار مما ليس فيه الذيل،
وشموله لما في أطرافه فان إجمال ذاك الخطاب لذلك لا يكاد يسري إلى غيره مما ليس
فيه ذلك، وأما فقد المانع فلأجل أن جريان الاستصحاب في الأطراف لا يوجب
إلا الخالفة الالتزامية وهو ليس بمحذور لا شرعا ولا عقلا. ومنه قد انقدح عدم
جريانه في أطراف العلم بالتكليف فعلا أصلا ولو في بعضها لوجوب الموافقة القطعية له
عقلا في جريانه لا محالة يكون محذور المخالفة القطعية أو الاحتمالية كما لا يخفى
(تذنيب) لا يخفى أن مثل
546

قاعدة التجاوز في حال الاشتغال بالعمل وقاعدة الفراغ بعد الفراغ عنه وأصالة صحة عمل الغير
إلى غير ذلك من القواعد المقررة في الشبهات الموضوعية إلا القرعة يكون مقدمة على
استصحاباتها المقتضية لفساد ما شك فيه من الموضوعات
547

لتخصيص دليله بادلتها، وكون النسبة بينه وبين بعضها عموما من وجه لا يمنع عن
تخصيصه بها بعد الاجماع على عدم التفصيل بين مواردها مع لزوم قلة المورد لها جدا
لو قيل بتخصيصها بدليلها إذ قل مورد منها لم يكن هناك استصحاب على خلافها كما
لا يخفى، وأما القرعة فالاستصحاب في موردها يقدم عليها لأخصية دليله من دليلها
لاعتبار سبق الحالة السابقة فيه دونها واختصاصها بغير الاحكام إجماعا لا يوجب
الخصوصية في دليلها بعد عموم لفظها لها، هذا مضافا إلى وهن دليلها بكثرة تخصيصه
حتى صار العمل به في مورد محتاجا
548

إلى الجبر بعمل المعظم كما قيل، وقوه دليله بقلة تخصيصه بخصوص دليل (لا يقال):
كيف يجوز تخصيص دليلها بدليله وقد كان دليلها رافعا لموضوع دليله لا لحكمه وموجبا
لكون اليقين باليقين بالحجة على خلافه كما هو الحال بينه وبين أدلة سائر الامارات
فيكون ههنا أيضا من دوران الامر بين التخصيص بلا وجه غير دائر والتخصص
(فإنه يقال): ليس الامر كذلك فان المشكوك مما كانت له حالة سابقة وان
كان من المشكل والمجهول والمشتبه بعنوانه الواقعي إلا أنه ليس منها بعنوان ما طرأ
عليه من نقض اليقين بالشك وللظاهر من دليل القرعة أن يكون منها بقول مطلق لا في
الجملة، فدليل الاستصحاب الدال على حرمة النقض الصادق عليه حقيقة رافع لموضوعه
أيضا فافهم، فلا بأس برفع اليد عن دليلها عن دوران الامر بينه وبين رفع اليد عن دليله
لوهن عمومها وقوة عمومه كما أشرنا إليه آنفا والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على
محمد وآله باطنا وظاهرا
549

هذا مبحث التعادل والتراجيح
بسم الله الرحمن الرحيم
المقصد الثامن في تعارض الأدلة والامارات
(فصل) التعارض هو تنافي الدليلين أو الأدلة بحسب الدلالة ومقام الاثبات
على وجه التناقض أو التضاد
551

حقيقة أو عرضا بأن علم بكذب أحدهما إجمالا مع عدم امتناع اجتماعهما أصلا وعليه
فلا تعارض بينهما بمجرد تنافي مدلولهما إذا كان بينهما حكومة رافعة للتعارض والخصومة
بان يكون أحدهما قد (سيق) ناظرا إلى بيان كمية ما أريد من الآخر مقدما كان أو
مؤخرا أو كانا على نحو إذا عرضا على العرف وفق بينهما (بالتصرف) في خصوص
أحدهما كما هو مطرد في مثل الأدلة المتكلفة لبيان أحكام الموضوعات بعناوينها الأولية
مع مثل الأدلة
552

النافية للعسر والحرج والضرر والاكراه والاضطرار مما يتكفل لاحكامها بعناوينها
الثانوية حيث يقدم في مثلهما الأدلة النافية ولا تلاحظ النسبة بينهما أصلا ويتفق
في غيرهما كما لا يخفى (أو بالتصرف) فيهما فيكون مجموعهما قرينة على التصرف فيهما
أو في أحدهما المعين لو كان الآخر أظهر، ولذلك تقدم الامارات المعتبرة على الأصول
الشرعية فإنه لا يكاد يتحير أهل العرف في تقديمها عليها بعد ملاحظتهما حيث لا يلزم
منه محذور تخصيص أصلا، بخلاف العكس فإنه يلزم منه محذور التخصيص بلا وجه
أو بوجه دائر كما أشرنا إليه في أواخر الاستصحاب
553

وليس وجه تقديمها حكومتها على أدلتها لعدم كونها ناظرة إلى أدلتها بوجه، وتعرضها
لبيان حكم موردها لا يوجب كونها ناظرة إلى أدلتها وشارحة لها وإلا كانت أدلتها
أيضا دالة ولو بالالتزام على أن حكم مورد الاجتماع فعلا هو مقتضي الأصل لا الامارة
وهو مستلزم عقلا نفي ما هو قضية الامارة بل ليس مقتضي حجيتها إلا نفي ما قضيته
عقلا من دون دلالة عليه لفظا، ضرورة أن نفس الامارة لا دلالة له الا على الحكم
الواقعي وقضية حجيتها ليست إلا لزوم العمل على وفقها شرعا المنافي عقلا للزوم
العمل على خلافه وهو قضية الأصل. هذا مع احتمال أن يقال: إنه ليس قضية
الحجية شرعا إلا لزوم العمل على وفق الحجة عقلا وتنجز الواقع مع المصادفة وعدم تنجزه
في صورة المخالفة (وكيف كان)
554

ليس مفاد دليل الاعتبار هو وجوب إلغاء احتمال الخلاف تعبدا كي يختلف الحال
ويكون مفاده في الامارة نفي حكم الأصل حيث أنه حكم الاحتمال بخلاف مفاده فيه
لأجل أن الحكم الواقعي ليس حكم احتمال خلافه، كيف وهو حكم الشك فيه واحتماله؟
(فافهم) وتأمل جيدا. فانقدح بذلك أنه لا يكاد ترتفع غائلة المطردة والمعارضة
بين الأصل والامارة إلا بما أشرنا سابقا وآنفا فلا تغفل. هذا ولا تعارض أيضا
إذا كان أحدهما قرينة على التصرف إلى الآخر كما في الظاهر مع النص أو الأظهر
مثل العام والخاص والمطلق والمقيد أو مثلهما مما كان أحدهما نصا أو أظهر حيث أن
بناء العرف على كون النص أو الأظهر قرينة على التصرف في الآخر (وبالجملة)
الأدلة في هذه الصور وان كانت متنافية بحسب مدلولاتها الا انها غير متعارضة لعدم
تنافيها في الدلالة وفى مقام الاثبات بحيث تبقي أبناء المحاورة متحيرة، بل بملاحظة
المجموع أو خصوص بعضها يتصرف في الجميع أو في البعض عرفا بما ترتفع به المنافات
التي تكون في البين
555

ولا فرق فيها بين أن يكون السند فيها قطعيا أو ظنيا أو مختلفا فيقدم النص أو الأظهر
وان كان بحسب السند ظنيا على الظاهر ولو كان بحسبه قطعيا، وإنما يكون التعارض
في غير هذه الصور مما كان التنافي فيه بين الأدلة بحسب الدلالة ومرحلة الاثبات وإنما
يكون التعارض بحسب السند فيما إذا كان كل واحد منها قطعيا
556

دلالة وجهة أو ظنيا فيما إذا لم يكن التوفيق بينها بالتصرف في البعض أو الكل فإنه
حينئذ لا معنى للتعبد بالسند في الكل إما للعلم بكذب أحدهما أو لاجل أنه لا معنى
للتعبد بصدورها مع اجمالها فيقع التعارض بين أدلة السند حينئذ كما لا يخفى
فصل
التعارض وان كان لا يوجب إلا سقوط أحد المتعارضين عن الحجية رأسا
حيث
557

لا يوجب الا العلم بكذب أحدهما فلا يكون هناك مانع عن حجية الآخر
558

إلا أنه حيث كان بلا تعيين ولا عنوان واقعا فإنه لم يعلم كذبه الا كذلك، واحتمال
كون كل منهما كاذبا لم يكن واحد منهما بحجة في خصوص مؤداه لعدم التعيين في
الحجة أصلا كما لا يخفى (نعم) يكون نفي الثالث بأحدهما لبقائه على الحجية وصلاحيته
على ما هو عليه من عدم التعين لذلك لا بهما. هذا بناء على حجية الامارات من باب
الطريقية - كما هو كذلك - حيث لا يكاد يكون حجة طريقا إلا ما احتمل إصابته،
فلا محالة كان العلم بكذب أحدهما مانعا عن حجية، وأما بناء على حجيتها من
باب السببية فكذلك
559

لو كان الحجة هو خصوص ما لم يعلم كذبه بان لا يكون المقتضي للسببية فيها إلا فيه - كما
هو المتيقن من دليل اعتبار غير السند منها وهو بناء العقلاء على أصالتي الظهور
والصدور - لا للتقية ونحوها، وكذا السند لو كان دليل اعتباره هو بناؤهم أيضا وظهوره
فيه لو كان هو الآيات والاخبار. ضرورة ظهورها فيه لو لم نقل بظهورها في خصوص
ما إذا حصل الظن منه أو الاطمينان وأما لو كان المقتضي للحجية في كل واحد من
المعارضين لكان التعارض بينهما من تزاحم الواجبين فيما إذا كانا مؤديين إلى
560

إلى وجوب الضدين أو لزوم المتناقضين لا فيما إذا كان مؤدى أحدهما حكما غير الزامي
فإنه حينئذ لا يزاحم الآخر، ضرورة عدم صلاحية ما لا اقتضاء فيه أن يزاحم به ما فيه
الاقتضاء. إلا أن يقال: بان قضية اعتبار دليل غير الالزامي
561

أ [ن يكون عن اقتضاء فيزاحم به حينئذ ما يقتضي الالزامي ويحكم فعلا بغير الالزامي
ولا يزاحم بمقتضاه ما يقتضي غير الالزامي لكفاية عدم تمامية علة الالزامي في الحكم
بغيره (نعم) يكون باب التعارض من باب التزاحم (مطلقا) لو كان قضية
الاعتبار هو لزوم البناء والالتزام بما يؤدي إليه من الأحكام لا مجرد العمل على وفقه
بلا لزوم الالتزام به، وكونهما من تزاحم الواجبين حينئذ وان كان واضحا
562

ضرورة عدم إمكان الالتزام بحكمين في موضوع واحد من الاحكام إلا أنه لا دليل
نقلا ولا عقلا على الموافقة الالتزامية للاحكام الواقعية فضلا عن الظاهرية كما مر
تحقيقه، وحكم التعارض بناء على السببية فيما كان من باب التزاحم هو التخيير لو لم
يكن أحدهما معلوم الأهمية أو محتملها في الجملة حسبما فصلناه في مسألة الضد وإلا فالتعيين،
وفيما لم يكن من باب التزاحم هو لزوم الأخذ بما دل على الحكم الالزامي لو لم يكن في
الآخر مقتضيا لغير الالزامي وإلا فلا بأس بأخذه والعمل عليه لما أشرنا إليه من وجهه
آنفا (فافهم) هذا هو قضية القاعدة في تعارض الامارات لا الجمع بينها بالتصرف في أحد
المتعارضين أو في كليهما، كما هو قضية ما يتراءى مما قيل من أن الجمع مهما أمكن أولى
من الطرح إذ لا دليل عليه فيما لا يساعد عليه العرف مما كان المجموع أو أحدهما
قرينة عرفية على التصرف في أحدهما بعينه أو فيهما كما عرفته في الصور السابقة، مع
أن في الجمع كذلك أيضا طرحا للامارة أو الامارتين، ضرورة سقوط أصالة الظهور
في أحدهما أو كليهما معه وقد عرفت أن التعارض بين الظهورين فيما كان سنداهما
قطعيين وفي السندين إذا كانا ظنيين، وقد عرفت أن قضية التعارض إنما هو سقوط
المتعارضين في خصوص كل ما يؤديان إليه من الحكمين لا بقاؤهما على الحجية بما
563

يتصرف فيهما أو في أحدهما أو بقاء سنديهما عليها كذلك بلا دليل يساعد عليه من
عقل أو نقل، فلا يبعد أن يكون المراد من إمكان الجمع هو إمكانه عرفا، ولا ينافيه
الحكم بأنه أولى مع لزومه حينئذ وتعينه فان أولويته من قبيل الأولوية في أولي
الأرحام وعليه لا إشكال فيه ولا كلام
فصل
لا يخفى أن ما ذكر من قضية التعارض بين الامارات إنما هو بملاحظة القاعدة
في تعارضها، وإلا فربما يدعى الاجماع على عدم سقوط كلا المعارضين في الأخبار
كما اتفقت عليه كلمة غير واحد من الاخبار. ولا يخفى أن اللازم فيما إذا لم تنهض
حجة على التعيين أو التخيير بينهما هو الاقتصار على الراجح منهما للقطع بحجيته
تخييرا أو تعيينا بخلاف الآخر لعدم القطع بحجيته والأصل عدم حجية ما لم يقطع
بحجيته بل ربما ادعي الاجماع أيضا على حجية خصوص الراجح واستدل عليه
بوجوه أخر أحسنها الاخبار وهي على طوائف (منها) ما دل على التخيير على
564

الاطلاق كخبر الحسن بن الجهم عن الرضا عليه السلام (قلت: يجيئنا الرجلان
وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا يعلم أيهما الحق، قال: فإذا لم يعلم فموسع عليك
بأيهما أخذت) وخبر الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليه السلام: (إذا
سمعت من أصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم فترد عليه)
ومكاتبه عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام: (اختلاف أصحابنا في
رواياتهم عن أبي عبد الله - عليه السلام - في ركعتي الفجر فروي بعضهم: صل في
المحمل، وروي بعضهم: لا تصلها إلا في الأرض، فوقع عليه السلام: موسع عليك
بأية عملت) ومكاتبة الحميري إلى الحجة - عليه السلام -... إلى أن قال: في
الجواب عن ذلك حديثان... إلى أن قال عليه السلام: (وبأيهما أخذت من باب
التسليم كان صوابا) إلى غير ذلك من الاطلاقات (ومنها) ما دل على التوقف مطلقا
(ومنها) ما دل على ما هو الحائط منها (ومنها) ما دل على الترجيح بمزايا مخصوصة
ومرجحات منصوصة من مخالفة القوم وموافقة الكتاب والسنة والأعدلية
565

والأصدقية والأفقهية والأورعية والأوثقية والشهرة على اختلافها في الاقتصار على
بعضها وفي الترتيب بينها ولأجل اختلاف الاخبار اختلفت الانظار (فمنهم) من
أوجب الترجيح بها مقيدين باخباره إطلاقات التخيير، وهم بين من اقتصر على الترجيح
بها ومن تعدى منها إلى سائر المزايا الموجبة لأقوائية ذي المزية وأقربيته - كما
صار إليه شيخنا العلامة أعلى الله مقامه - أو المفيدة للظن - كما ربما يظهر من غيره -
فالتحقيق أن يقال: إن أجمع خبر للمزايا المنصوصة في الاخبار هو المقبولة والمرفوعة
مع اختلافهما وضعف سند المرفوعة جدا، والاحتجاج بهما على وجوب الترجيح في
مقام الفتوى لا يخلو عن إشكال لقوة احتمال اختصاص الترجيح بها بمورد الحكومة
566

لرفع المنازعة وفصل الخصومة كما هو موردهما ولا وجه معه للتعدي منه إلى غيره كما
لا يخفى، ولا وجه لدعوى تنقيح المناط مع ملاحظة أن رفع الخصومة بالحكومة في صورة
تعارض الحكمين وتعارض ما استند إليه من الروايتين لا يكاد يكون إلا بالترجيح
ولذا أمر - عليه السلام - بارجاء الواقعة إلى لقائه - عليه السلام - في صورة
تساويهما فيما ذكر من المزايا بخلاف مقام الفتوى، ومجرد مناسبة الترجيح لمقامها أيضا
لا يوجب ظهور الرواية في وجوبه مطلقا ولو في غير مورد الحكومة كما لا يخفى. وإن
أبيت إلا عن ظهورهما في الترجيح في كلا المقامين فلا مجال لتقييد إطلاقات التخيير
في مثل زماننا مما لا يتمكن من لقاء الامام - عليه السلام - بهما لقصور المرفوعة
سندا وقصور المقبولة دلالة لاختصاصها بزمان التمكن من لقائه عليه السلام. ولذا
ما أرجع إلى التخيير بعد فقد الترجيح - مع أن تقييد الاطلاقات الواردة في مقام
الجواب عن سؤال حكم المتعارضين بلا استفصال عن كونهما متعادلين أو متفاضلين
567

مع ندرة كونهما متساويين جدا - بعيد قطعا بحيث لو لم يكن ظهور المقبولة في ذاك
الاختصاص لوجب حملها عليه أو على ما لا ينافيها من الحمل على الاستحباب كما فعله
بعض الأصحاب ويشهد به الاختلاف الكثير بين ما دل على الترجيح من الاخبار.
ومنه قد انقدح حال سائر اخباره، مع أن في كون أخبار موافقة الكتاب أو مخالفة
القوم من أخبار الباب نظرا وجهه قوة احتمال أن يكون الخبر المخالف للكتاب في
نفسه غير حجة، بشهادة ما ورد في أنه زخرف وباطل وليس بشئ، أو انه لم نقله، أو أمر
بطرحه على الجدار، وكذا الخبر الموافق للقوم ضرورة أن أصالة عدم صدوره تقية
بملاحظة الخبر المخالف لهم مع الوثوق بصدوره لولا القطع به غير جارية للوثوق
حينئذ بصدوره كذلك، وكذا الصدور أو الظهور في الخبر المخالف للكتاب يكون
568

موهونا بحيث لا يعمه أدلة اعتبار السند والظهور كما لا يخفى، فتكون هذه الأخبار في مقام
تمييز الحجة عن اللا حجة لا ترجيح الحجة على الحجة (فافهم) وإن أبيت عن ذلك
فلا محيص عن حملها توفيقا بينها وبين الاطلاقات إما على ذلك أو على الاستحباب كما
أشرنا إليه آنفا. هذا ثم إنه لولا التوفيق بذلك للزم التقييد أيضا في أخبار المرجحات
وهي آبية عنه كيف يمكن تقييد مثل: (ما خالف قول ربنا لم أقله) أو زخرف أو
باطل؟ كما لا يخفى (فتلخص) مما ذكرنا أن إطلاقات التخيير محكمة وليس في الأخبار
ما يصلح لتقييدها (نعم) قد استدل على تقييدها ووجوب الترجيح في المتفاضلين
بوجوه آخر (منها) دعوى الاجماع على الاخذ بأقوى الدليلين (وفيه) أن دعوى
الاجماع
569

- مع مصير مثل الكليني إلى التخيير وهو في عهد الغيبة الصغرى ويخالط النواب
والسفراء قال في ديباجة الكافي: ولا نجد شيئا أوسع ولا أحوط من التخيير
مجازفة (ومنها) أنه لو لم يجب ترجيح ذي المزية لزم ترجيح المرجوح على الراجح
وهو قبيح عقلا بل ممتنع قطعا (وفيه) أنه إنما يجب الترجيح لو كانت المزية موجبة
لتأكد ملاك الحجية في نظر الشارع، ضرورة إمكان أن تكون تلك المزية بالإضافة
إلى ملاكها من قبيل الحجر في جنب الانسان وكان الترجيح بها بلا مرجح وهو
قبيح كما هو واضح. هذا - مضافا إلى ما هو في الاضراب من الحكم بالقبح إلى
الامتناع من أن الترجيح بلا مرجح في الأفعال الاختيارية ومنها الاحكام
570

الشرعية لا يكون إلا قبيحا ولا يستحيل وقوعه إلا على الحكيم تعالى والا فهو بمكان
من الامكان لكفاية إرادة المختار علة لفعله، وإنما الممتنع هو وجود الممكن بلا علة فلا
استحالة في ترجيحه تعالى للمرجوح الا من باب امتناع صدوره منه تعالى وأما غيره
فلا استحالة في ترجيحه لما هو مرجوح مما باختياره (وبالجملة): الترجيح بلا مرجح
بمعنى بلا علة محال وبمعنى بلا داع عقلائي قبيح ليس بمحال فلا تشتبه (ومنها) غير
ذلك مما لا يكاد يفيد الظن فالصفح عنه أولى وأحسن (ثم) إنه لا إشكال في الافتاء
بما اختاره من الخبرين في عمل نفسه وعمل مقلديه ولا وجه للافتاء بالتخيير في
المسألة الفرعية لعدم الدليل عليه فيها (نعم) له الافتاء به في المسألة الأصولية، فلا
بأس حينئذ باختيار المقلد غير ما اختاره المفتي فيعمل بما يفهم منه بصريحه أو بظهوره
الذي
571

لا شبهة فيه وهل التخيير بدوي أم استمراري؟ قضية الاستصحاب لو لم نقل بأنه
قضية الاطلاقات أيضا كونه استمراريا (وتوهم) أن المتحير كان محكوما بالتخيير ولا
تحير له بعد الاختيار فلا يكون الاطلاق ولا الاستصحاب مقتضيا للاستمرار لاختلاف
الموضوع فيهما (فاسد) فان التحير بمعنى تعارض الخبرين باق على حاله، وبمعنى آخر
لم يقع في خطاب موضوعا للتخيير أصلا كما لا يخفى
فصل
هل على القول بالترجيح يقتصر فيه على المرجحات المخصوصة المنصوصة
572

أو يتعدى إلى غيرها؟ قيل بالتعدي لما في الترجيح بمثل الأصدقية والأوثقية ونحوهما
مما فيه من الدلالة على أن المناط في الترجيح بها هو كونها موجبة للأقربية إلى الواقع
ولما في التعليل بأن المشهور مما لا ريب فيه من استظهار أن العلة هو عدم الريب فيه
بالإضافة إلى الخبر الآخر ولو كان فيه الف ريب ولما في التعليل بأن الرشد في خلافهم
ولا يخفى ما في الاستدلال بها (أما الأول) فان جعل خصوص شئ فيه جهة الإراءة
والطريقية حجة أو مرجحا لا دلالة فيه على أن الملاك فيه بتمامه جهة إراءته بل لا اشعار
فيه كما لا يخفى لاحتمال دخل خصوصيته في مرجحيته أو حجيته لا سيما قد ذكر فيها
ما لا يتحمل الترجيح به الا تعبدا فافهم (وأما الثاني) فلتوقفه على عدم كون الرواية
المشهورة في نفسها مما لا ريب فيها، مع أن الشهرة في الصدر الأول بين الرواة وأصحاب
الأئمة - عليهم السلام - موجبة لكون الرواية مما يطمأن بصدورها بحيث يصح
ان يقال عرفا: إنها مما لا ريب فيها، كما لا يخفى ولا بأس بالتعدي منه إلى مثله مما
يوجب الوثوق والاطمينان بالصدور لا إلى كل مزية ولو لم توجب إلا أقربية ذي
المزية إلى الواقع من المعارض الفاقد لها
573

(واما الثالث) فلاحتمال أن يكون الرشد في نفس المخالفة لحسنها ولو سلم انه لغلبة
الحق في طرف الخبر المخالف فلا شبهة في حصول الوثوق بأن الخبر الموافق المعارض
بالمخالف لا يخلو من الخلل صدورا أو جهة ولا بأس بالتعدي منه إلى مثله كما مر آنفا،
ومنه انقدح حال ما إذا كان التعليل لأجل انفتاح باب التقية فيه، ضرورة كمال الوثوق
بصدوره كذلك مع الوثوق بصدورهما لولا القطع به في الصدر الأول لقلة الوسائط
ومعرفتها هذا مع ما في عدم بيان الامام - عليه السلام - للكلية كي لا يحتاج السائل
إلى إعادة السؤال مرارا، وما في أمره عليه السلام بالارجاء بعد فرض التساوي فيما
ذكره من المزايا المنصوصة من الظهور في أن المدار في الترجيح على المزايا المخصوصة
كما لا يخفى (ثم) إنه بناء على التعدي حيث كان في المزايا المنصوصة ما لا يوجب الظن
574

بذي المزية ولا أقربيته كبعض صفات الراوي مثل الأورعية أو الأفقهية إذا كان
موجبهما مما لا يوجب الظن أو الأقربية كالتورع من الشبهات والجهد في العبادات
وكثرة التتبع في المسائل الفقهية أو المهارة في القواعد الأصولية فلا وجه للاقتصار على
التعدي إلى خصوص ما يوجب الظن أو الأقربية بل إلى كل مزية ولو لم تكن بموجبة
لأحدهما كما لا يخفى (وتوهم) أن ما يوجب الظن بصدق أحد الخبرين لا يكون بمرجح
بل موجب لسقوط الآخر عن الحجية للظن بكذبه حينئذ (فاسد) فان الظن بالكذب
لا يضر بحجية ما اعتبر من باب الظن نوعا وإنما يضر فيما أخذ في اعتباره عدم الظن
بخلافه ولم يؤخذ في اعتبار الاخبار صدورا ولا ظهورا ولا جهة ذلك. هذا مضافا
إلى اختصاص حصول الظن بالكذب بما إذا علم بكذب أحدهما صدورا وإلا فلا
يوجب الظن بصدور أحدهما لا مكان صدورهما مع عدم إرادة الظهور في أحدهما أو فيهما أو
إرادته تقية كما لا يخفى (نعم) لو كان وجه التعدي اندراج ذي المزية في أقوى الدليلين
لوجب الاقتصار على ما يوجب القوة في دليليته وفي جهة إثباته وطريقيته من دون
التعدي إلى ما لا يوجب ذلك وإن كان موجبا لقوة مضمون ذيه ثبوتا كالشهرة الفتوائية
أو الأولوية الظنية ونحوهما، فان المنساق من قاعدة أقوى الدليلين أو المتيقن منها إنما
575

هو الأقوى دلالة كما لا يخفى فافهم (فصل) قد عرفت سابقا انه لا تعارض في
موارد الجمع والتوفيق العرفي ولا يعمها ما يقتضيه الأصل في المتعارضين من سقوط
أحدهما رأسا وسقوط كل منهما في خصوص مضمونه كما إذا لم يكونا في البين فهل
التخيير أو الترجيح يختص أيضا بغير مواردها أو يعمها؟ قولان أولهما المشهور وقصارى
ما يقال في وجهه: إن الظاهر من الأخبار العلاجية سؤالا وجوابا هو التخيير أو
الترجيح في موارد التحير مما لا يكاد يستفاد المراد هناك عرفا لا فيما يستفاد ولو
بالتوفيق فإنه من أنحاء طرق الاستفادة عند أبناء المحاورة (ويشكل) بان مساعدة العرف
على الجمع والتوفيق وارتكازه في أذهانهم على وجه وثيق لا يوجب اختصاص
السؤالات بغير موارد الجمع لصحة السؤال بملاحظة التحير في الحال لاجل ما يترائى
من المعارضة وان كان يزول عرفا بحسب المآل أو للتحير في الحكم واقعا وإن لم يتحير
فيه ظاهرا وهو كاف في صحته قطعا مع إمكان أن يكون لاحتمال الردع شرعا
عن هذه الطريقة المتعارفة بين أبناء المحاورة وجل العناوين المأخوذة في الأسئلة لولا
كلها يعمها كما لا يخفى (ودعوى) ان المتيقن منها غيرها (مجازفة) غايته انه كان
576

كذلك خارجا لا بحسب مقام التخاطب وبذلك ينقدح وجه القول الثاني (اللهم)
إلا أن يقال: إن التوفيق في مثل الخاص والعام والمقيد والمطلق كان عليه السيرة
القطعية من لدن زمان الأئمة (عليهم السلام) وهي كاشفة إجمالا عما يوجب تخصيص
أخبار العلاج بغير موارد التوفيق العرفي لولا دعوى اختصاصها به وأنها سؤالا وجوابا
بصدد الاستعلاج والعلاج في موارد التحير والاحتياج أو دعوى الاجمال وتساوى
احتمال العموم مع احتمال الاختصاص، ولا ينافيها مجرد صحة السؤال لما لا ينافي العموم
ما لم يكن هناك ظهور أنه لذلك فلم يثبت باخبار العلاج ردع عما هو عليه بناء العقلاء
وسيرة العلماء من التوفيق وحمل الظاهر على الأظهر والتصرف فيما يكون صدورهما
قرينة عليه فتأمل (فصل) قد عرفت حكم تعارض الظاهر والأظهر وحمل الأول
على الآخر فلا إشكال فيما إذا ظهر أن أيهما ظاهر وأيهما أظهر؟ وقد ذكر فيما اشتبه
الحال لتمييز ذلك ما لا عبرة به أصلا فلا بأس بالإشارة إلى جملة منها وبيان ضعفها (منها)
ما قيل في ترجيح ظهور العموم على الاطلاق وتقديم التقييد على التخصيص فيما دار
الامر بينهما (من) كون ظهور العام في العموم
577

تنجيزيا، بخلاف ظهور المطلق في الاطلاق فإنه معلق على عدم البيان والعام يصلح
بيانا فتقديم العام حينئذ لعدم تمامية، مقتضي الاطلاق معه بخلاف العكس فإنه موجب
لا تخصيصه بلا وجه إلا على نحو دائر (ومن) أن التقييد أغلب من التخصيص (وفيه)
أن عدم البيان الذي هو جزء المقتضي في مقدمات الحكمة إنما هو عدم البيان في مقام
التخاطب لا إلى الأبد (وأغلبية) التقييد مع كثرة التخصيص بمثابة قد قيل: ما من
عام إلا وقد خص، (غير مفيد) ولا بد في كل قضية من ملاحظة خصوصياتها الموجبة
لأظهرية أحدهما من الآخر فتدبر (ومنها) ما قيل فيما إذا دار بين التخصيص
578

والنسخ كما إذا ورد عام بعد حضور وقت العمل بالخاص حيث يدور بين أن
يكون الخاص مخصصا، أو يكون العام ناسخا أو ورد الخاص بعد حضور وقت العمل
بالعام حيث يدور بين أن يكون الخاص للعام أو ناسخا له أو رافعا لاستمراره
ودوامه في وجه تقديم التخصيص على النسخ من غلبة التخصيص وندرة النسخ، ولا
يخفى أن دلالة الخاص أو العام على الاستمرار والدوام إنما هو بالاطلاق لا بالوضع، فعلى
الوجه العقلي في تقديم التقييد على التخصيص كان اللازم في هذا الدوران تقديم
النسخ على التخصيص أيضا، وان غلبة التخصيص إنما يوجب أقوائية ظهور الكلام
في الاستمرار والدوام من ظهور العام في العموم إذا كانت مرتكزة في أذهان أهل
المحاورة بمثابة تعد من القرائن المكتنفة بالكلام، وإلا فهي وإن كانت مفيدة للظن
579

بالتخصيص إلا أنها غير موجبة لها كما لا يخفى، ثم إنه بناء على اعتبار عدم حضور وقت
العمل في التخصيص لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة يشكل الامر في تخصيص
الكتاب أو السنة بالخصوصات الصادرة عن الأئمة (عليهم السلام) فإنها صادرة
بعد حضور وقت العمل بعموماتها والتزام - نسخها بها - ولو قيل بجواز نسخهما بالرواية
عنهم - كما ترى فلا محيص في حله من أن يقال: إن اعتبار ذلك حيث كان لأجل
قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة، وكان من الواضح أن ذلك فيما إذا لم يكن
هناك مصلحة في اخفاء الخصوصات أو مفسدة في ابدائها كاخفاء غير واحد من التكاليف
في الصدر الأول لم يكن بأس بتخصيص عموماتها بها واستكشاف ان موردها كان
خارجا عن حكم العام واقعا وإن كان داخلا فيه ظاهرا، ولأجله لا بأس بالالتزام بالنسخ
بمعنى رفع اليد بها عن ظهور تلك العمومات باطلاقها في الاستمرار والدوام
أيضا فتفطن.
580

فصل
لا إشكال في تعيين الأظهر لو كان في البين إذا كان التعارض بين الاثنين وأما
إذ كان بين الزائد عليهما فتعينه ربما لا يخلو عن خفاء، ولذا وقع بعض الاعلام في
اشتباه وخطأ حيث توهم أنه إذا كان هناك عام وخصوصات وقد خصص ببعضها كان
اللازم ملاحظة النسبة بينه وبين سائر الخصوصات بعد تخصيصه به فربما تنقلب النسبة
إلى عموم وخصوص من وجه فلا بد من رعاية هذه النسبة وتقديم الراجح منه ومنها
أو التخيير بينه وبينها لو لم يكن هناك راجح لا تقديمها عليه إلا إذا كانت النسبة بعده
على حالها (وفيه) ان النسبة انما هي بملاحظة الظهورات وتخصيص العام بمخصص
منفصل ولو كان قطعيا لا ينثلم به ظهوره وان انثلم به حجية ولذلك يكون بعد
التخصيص حجة في الباقي لأصالة عمومه بالنسبة إليه (لا يقال): إن العام بعد
تخصيصه بالقطعي.
581

لا يكون مستعملا في العموم قطعا فكيف يكون ظاهرا فيه (فإنه يقال): إن
582

المعلوم عدم إرادة العموم لا عدم استعماله فيه لإفادة القاعدة الكلية فيعمل بعمومها ما لم
يعلم بتخصيصها والا لم يكن وجه في حجيته في تمام الباقي لجواز استعماله حينئذ فيه وفي
غيره من المراتب التي يجوز ان ينتهي إليها التخصيص، وأصالة عدم مخصص آخر لا يوجب
انعقاد ظهور له لا فيه ولا في غيره من المراتب لعدم الوضع ولا القرينة المعينة لمرتبة
منها كما لا يخفى لجواز إرادتها وعدم نصب قرينة عليها (نعم) ربما يكون عدم نصب
قرينة مع كون العام في مقام البيان قرينة على إرادة التمام وهو غير ظهور العام فيه في
كل مقام (فانقدح) بذلك انه لا بد من تخصيص العام بكل واحد من الخصوصات
مطلقا ولو كان بعضها مقدما أو قطعيا ما لم يلزم منه محذور انتهائه إلى ما لا يجوز الانتهاء
إليه عرفا ولو لم يكن مستوعبة لافراده فضلا عما إذا كانت مستوعبة لها، فلا بد حينئذ
من معاملة التباين بينه وبين مجموعها ومن ملاحظة الترجيح بينهما وعدمه فلو رجح
جانبها أو اختير فيما لم يكن هناك ترجيح فلا مجال للعمل به أصلا، بخلاف ما لو رجح
طرفه أو قدم تخييرا فلا يطرح منها الا خصوص ما لا يلزم مع طرحه المحذور من
583

التخصيص بغيره فان التباين انما كان بينه وبين مجموعها لا جميعها وحينئذ فربما يقع
التعارض بين الخصوصات فيخصص ببعضها ترجيحا أو تخييرا فلا تغفل. هذا فيما كانت
النسبة بين المتعارضات متحدة وقد ظهر منه حالها فيما كانت النسبة بينها متعددة كما
إذا ورد هناك عامان من وجه مع ما هو أخص مطلقا من أحدهما وانه لا بد من تقديم
الخاص على العام ومعاملة العموم من وجه بين العامين من الترجيح والتخيير بينهما
وان انقلبت النسبة بينهما إلى العموم المطلق بعد تخصيص أحدهما لما عرفت من انه
لا وجه إلا لملاحظة النسبة قبل العلاج (نعم) لو لم يكن الباقي تحته بعد تخصيصه إلا
ما لا يجوز أن يجوز عنه التخصيص أو كان بعيدا جدا لقدم على العام الآخر لا لانقلاب
النسبة بينهما، بل لكونه كالنص فيه فيقدم على الآخر الظاهر فيه بعمومه كما لا يخفى
584

فصل
لا يخفى أن المزايا المرجحة لأحد المتعارضين الموجبة للأخذ به وطرح الآخر
بناء على وجوب الترجيح وإن كانت على انحاء مختلفة ومواردها متعددة من راوي
الخبر ونفسه ووجه صدوره ومتنه ومضمونه مثل الوثاقة والفقاهة والشهرة ومخالفة
العامة والفصاحة وموافقة الكتاب والموافقة لفتوى الأصحاب... إلى غير ذلك مما
يوجب مزية في طرف من أطرافه خصوصا لو قيل بالتعدي من المزايا المنصوصة إلا
أنها موجبة لتقديم أحد السندين وترجيحه وطرح الآخر فان أخبار العلاج دلت
على تقديم رواية ذات مزية في أحد أطرافها ونواحيها فجميع هذه من مرجحات
السند حتى موافقة الخبر للتقية فإنها أيضا مما يوجب ترجيح أحد السندين وحجيته
فعلا وطرح الآخر رأسا وكونها في مقطوعي الصدور متمحضة في ترجيح الجهة
لا يوجب كونها كذلك في غيرهما
586

ضرورة انه لا معنى للتعبد بسند ما يتعين حمله على التقية فكيف يقاس على ما لا تعبد
فيه للقطع بصدوره (ثم) انه لا وجه لمراعات الترتيب بين المرجحات لو قيل بالتعدي
وإناطة الترجيح بالظن أو بالأقربية إلى الواقع ضرورة ان قضية ذلك تقديم الخبر
الذي ظن صدقه أو كان أقرب إلى الواقع منهما والتخيير بينهما إذا تساويا فلا وجه
لاتعاب النفس في بيان أن أيها يقدم أو يؤخر إلا تعيين أن أيها يكون فيه المناط في
صورة مزاحمة بعضها مع الآخر (واما) لو قيل بالاقتصار على المزايا المنصوصة فله
وجه لما يتراءى من ذكرها
589

مرتبا في المقبولة والمرفوعة مع إمكان أن يقال: ان الظاهر كونهما كسائر اخبار
الترجيح بصدد بيان ان هذا مرجح وذاك مرجح ولذا اقتصر في غير واحد منها
على ذكر مرجح واحد والا لزم تقييد جميعها على كثرتها بما في المقبولة وهو بعيد
جدا، وعليه فمتى وجد في أحدهما مرجح وفي الآخر آخر منها كان المرجع هو
إطلاقات التخير ولا كذلك على الأول بل لا بد من ملاحظة الترتيب إلا إذا كانا
في عرض واحد (وانقدح) بذلك أن حال المرجح الجهتي حال سائر المرجحات في أنه لا بد
590

في صورة مزاحمته مع بعضها من ملاحظة أن أيهما فعلا موجب للظن بصدق ذيه
بمضمونه أو الأقربية كذلك إلى الواقع فيوجب ترجيحه وطرح الآخر أو انه
لا مزية لأحدهما على الآخر كما إذا كان الخبر الموافق للتقية بماله من المزية مساويا للخبر
المخالف لها بحسب المناطين، فلا بد حينئذ من التخيير بين الخبرين فلا وجه لتقديمه على
غيره كما عن الوحيد البهبهاني - قدس سره - وبالغ فيه بعض أعاظم المعاصرين
- أعلى الله درجته - ولا لتقديم غيره عليه كما يظهر من شيخنا العلامة - أعلى
الله مقامه - قال: أما لو زاحم الترجيح بالصدور الترجيح من حيث جهة الصدور
بأن كان الأرجح صدورا موافقا للعامة فالظاهر تقديمه على غيره وإن كان مخالفا للعامة
بناء على تعليل الترجيح بمخالفة العامة باحتمال التقية في الموافق لان هذا الترجيح
ملحوظ في الخبرين بعد فرض صدورهما قطعا كما في المتواترين أو تعبدا كما في الخبرين
بعد عدم إمكان التعبد بصدور أحدهما وترك التعبد بصدور الآخر، وفيما نحن فيه يمكن
ذلك بمقتضي أدلة الترجيح من حيث الصدور (إن قلت): إن الأصل في الخبرين
الصدور فإذا تعبدنا بصدورهما اقتضي ذلك الحكم بصدور الموافق تقية كما يقتضي
ذلك الحكم بإرادة خلاف الظاهر في أضعفهما فيكون هذا المرجح نظير الترجيح
بحسب الدلالة مقدما على الترجيح بحسب الصدور (قلت): لا معنى للتعبد بصدورهما
591

مع وجوب حمل أحدهما المعين على التقية لأنه إلغاء لأحدهما في الحقيقة، وقال - بعد
جملة من الكلام -: فمورد هذا الترجيح تساوي الخبرين من حيث الصدور إما
علما كما في المتواترين أو تعبدا كما في المتكافئين من الاخبار
وأما ما وجب فيه التعبد بصدور أحدهما المعين دون الآخر فلا وجه لاعمال
هذا المرجح فيه لان جهة الصدور متفرع على أصل الصدور. انتهى موضع
الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه وفيه - مضافا إلى ما عرفت - أن حيث
فرعية جهة الصدور على أصله إنما يفيد إذا لم يكن المرجح الجهتي من مرجحات أصل
الصدور بل من مرجحاتها، وأما إذا كان من مرجحاته بأحد المناطين فأي فرق بينه
وبين سائر المرجحات؟ ولم يقم دليل بعد في الخبرين المتعارضين على وجوب التعبد بصدور
الراجح منهما من حيث غير الجهة مع كون الآخر راجحا بحسبها بل هو أول الكلام
كما لا يخفى، فلا محيص من ملاحظة الراجح من المرجحين بحسب أحد المناطين أو من
دلالة أخبار العلاج على الترجيح بينهما مع المزاحمة ومع عدم الدلالة ولو لعدم التعرض
لهذه الصورة فالمحكم هو إطلاق التخيير فلا تغفل. وقد أورد بعض أعاظم تلاميذه
عليه بانتقاضه بالمتكافئين من حيث الصدور فإنه لو لم يعقل التعبد بصدور المتخالفين من
حيث الصدور مع حمل أحدهما على التقية لم يعقل التعبد بصدورهما مع حمل
592

لتعيين حمله على التقية حينئذ لا محالة. ولعمري ان ما ذكرنا أوضح من أن يخفى على
مثلا إلا أن الخطأ والنسيان كالطبيعة الثانية للانسان عصمنا الله من زلل الاقدام
والأقلام في كل ورطة ومقام (ثم) إن هذا كله إنما هو بملاحظة أن هذا المرجح
مرجح من حيث الجهة، وأما بما هو موجب لأقوائية دلالة ذيه من معارضه
594

لاحتمال التورية في المعارض المحتمل فيه التقية دونه فهو مقدم على جميع مرجحات الصدور
بناء على ما هو المشهور من تقدم التوفيق بحمل الظاهر على الأظهر على الترجيح بها (اللهم)
إلا أن يقال: إن باب احتمال التورية وإن كان مفتوحا فيما احتمل فيه التقية إلا أنه
حيث كان بالتأمل والنظر لم يوجب أن يكون معارضه أظهر بحيث يكون قرينة على
التصرف عرفا في الآخر فتدبر.
فصل
موافقة الخبر لما يوجب الظن بمضمونه ولو نوعا من المرجحات في الجملة بناء
على لزوم الترجيح لو قيل بالتعدي من المرجحات المنصوصة أو قيل بدخوله في القاعدة
المجمع عليها كما ادعي وهي لزوم العمل بأقوى الدليلين وقد عرفت أن التعدي محل نظر بل
منع وأن الظاهر من القاعدة هو ما كان الأقوائية من حيث الدليلية والكشفية
ومضمون أحدهما مظنونا لاجل مساعدة امارة ظنية عليه لا يوجب قوة فيه من هذه
الحيثية بل هو على ما هو عليه من القوة لولا مساعدتها كما لا يخفى، ومطابقة أحد الخبرين لها
596

لا يكون لازمه الظن بوجود خلل في الآخر إما من حيث الصدور أو من حيث
جهته، كيف وقد اجتمع مع القطع بوجود جميع ما اعتبر في حجية المخالف؟ لولا معارضة
الموافق والصدق واقعا لا يكاد يعتبر في الحجية كما لا يكاد يضر بها الكذب كذلك
(فافهم) هذا حال الامارة غير المعتبرة لعدم الدليل على اعتبارها أما ما ليس بمعتبر
بالخصوص لاجل الدليل على عدم اعتباره بالخصوص كالقياس فهو وإن كان كغير
المعتبر لعدم الدليل بحسب ما يقتضي الترجيح به من الاخبار بناء على التعدي والقاعدة
بناء على دخول مظنون المضمون في أقوى الدليلين، إلا أن الأخبار الناهية عن القياس
وأن السنة إذا قيست محق الدين مانعة عن الترجيح به ضرورة أن استعماله في ترجيح
597

أحد الخبرين استعمال له في المسألة الشرعية الأصولية وخطره ليس بأقل من استعماله
في المسألة الفرعية (وتوهم) أن حال القياس ها هنا ليس في تحقق الأقوائية به إلا كحاله
فيما ينقح به موضوع آخر ذو حكم من دون اعتماد عليه في مسألة أصولية ولا فرعية قياس
مع الفارق لوضوح الفرق بين المقام والقياس في الموضوعات الخارجية الصرفة، فان القياس
المعمول فيها ليس في الدين فيكون إفساده أكثر من اصلاحه، وهذا بخلاف المعمول في
المقام فإنه نحو إعمال له في الدين، ضرورة انه لولاه لما تعين الخبر الموافق له للحجية
بعد سقوطه عن الحجية بمقتضي أدلة الاعتبار والتخيير بينه وبين معارضه بمقتضي أدلة
العلاج فتأمل جيدا، واما ما إذا اعتضد بما كان دليلا مستقلا في نفسه كالكتاب والسنة
القطعية فالمعارض المخالف لأحدهما إن كانت مخالفته بالمباينة الكلية فهذه الصورة خارجة
عن مورد الترجيح لعدم حجية الخبر المخالف كذلك من أصله ولو مع عدم المعارض
فإنه المتيقن من الاخبار الدالة على أنه (زخرف) أو (باطل) أو انه (لم نقله)
أو غير ذلك، وان كانت مخالفة بالعموم والخصوص المطلق فقضية القاعدة فيها وان
كانت ملاحظة المرجحات بينه وبين الموافق وتخصيص الكتاب به تعيينا أو تخييرا لو لم يكن
الترجيح في الموافق بناء على جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد، الا ان الاخبار
الدالة على اخذ الموافق من المتعارضين غير قاصرة عن العموم لهذه الصورة لو قيل
بأنها في مقام ترجيح أحدهما لا تعيين الحجة عن اللا حجة كما نزلنا ها عليه، ويؤيده اخبار
العرض على الكتاب الدالة على عدم حجية المخالف من اصله فإنهما تفرغان عن لسان
واحد فلا وجه لحمل المخالفة في إحداهما على خلاف المخالفة في الأخرى كما لا يخفى (اللهم)
الا ان يقال: (نعم) الا ان دعوى اختصاص هذه الطائفة بما إذا كانت المخالفة
بالمباينة بقرينة القطع بصدور المخالف غير المبائن عنهم عليهم السلام كثير أو اباء مثل:]
598

ما خالف قول ربنا لم أقله أو زخرف أو باطل عن التخصيص غير بعيدة، وان كانت
المخالفة بالعموم والخصوص من وجه فالظاهر أنها كالمخالفة في الصورة الأولى كما لا يخفى،
واما الترجيح بمثل الاستصحاب كما وقع في كلام غير واحد من الأصحاب فالظاهر أنه
لاجل اعتباره من باب الظن والطريقية عندهم واما بناء على اعتباره تعبدا من باب الاخبار وظيفة
للشاك كما هو المختار كسائر الأصول العملية التي تكون كذلك عقلا أو نقلا، فلا
وجه للترجيح به أصلا لعدم تقوية مضمون الخبر بموافقة ولو بملاحظة دليل اعتباره
كما لا يخفى هذا آخر ما أردنا إيراده والحمد لله أولا وآخرا وباطنا وظاهرا.]
599

ختام واعتذار
سبق أن قد نبهنا على أن سيدنا الوالد - مد ظله العالي - قد أنهى تعليقته
الأنيقة - تبعا لانتهاء درسه الشريف - ولما يتم مباحث التعادل والتراجيح
ومباحث الاجتهاد والتقليد، فكان مناسبا جدا إتمام مباحث التعادل والتراجيح
بتعليقته القديمة على هذه المباحث. أما مباحث الاجتهاد والتقليد فقد رأينا أن
نستغني عن نشر التعليق عليها بما كتبه - مد ظله - في الجزء الأول من
(مستمسك العروة الوثقى) في شرح هذه المباحث فإنه أحدث عهدا وأوسع
بحثا والله سبحانه ولي التوفيق والسداد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
13 شعبان سنة 1372 ه‍ يوسف الطباطبائي
الحكيم]
600

وأما الخاتمة
فهي فيما يتعلق بالاجتهاد والتقليد
فصل
الاجتهاد لغة (تحمل المشقة) واصطلاحا كما عن الحاجبي والعلامة (استفراغ
الوسع في تحصيل الظن بالحكم الشرعي)، وعن غيرهما (ملكة يقتدر بها على
استنباط الحكم الشرعي الفرعي من الأصل فعلا أو قوة قريبة).
ولا يخفى أن اختلاف عباراتهم في بيان معناه اصطلاحا ليس من جهة الاختلاف
في حقيقته وماهيته، لوضوح انهم ليسوا في مقام بيان حده أو رسمه، بل انما كانوا
في مقام شرح اسمه والإشارة إليه بلفظ آخر وإن لم يكن مساويا له بحسب مفهومه،
كاللغوي في بيان معاني الألفاظ بتبديل لفظ بلفظ آخر ولو كان أخص منه مفهوما
أو أعم. ومن هنا انقدح أنه لا وقع للايراد على تعريفاته بعدم الانعكاس أو الاطراد
كما هو الحال في تعريف جل الأشياء لولا الكل، ضرورة عدم الإحاطة بها بكنهها
أو بخواصها الموجبة لامتيازها عما عداها لغير علام الغيوب - فافهم.
وكيف كان فالأولى تبديل (الظن بالحكم) بالحجة عليه، فان المناط فيه هو
تحصيلها قوة أو فعلا لا الظن، حتى عند العامة القائلين بحجيته مطلقا، أو بعض الخاصة
القائل بها عند انسداد باب العلم بالاحكام فإنه مطلق عندهم أو عند الانسداد عنده من
أفراد الحجة. ولذا لا شبهة في كون استفراغ الوسع في تحصيل غيره من أفرادها من
601

العلم بالحكم أو غيره مما اعتبر من الطرق التعبدية الغير المفيدة للظن ولو نوعا
اجتهادا أيضا.
ومنه انقدح أنه لا وجه لتأبي الاخباري عن الاجتهاد بهذا المعنى، فإنه لا محيص
عنه كما لا يخفى، غاية الامر له أن ينازع في حجية بعض ما يقول الأصولي باعتباره
ويمنع عنها، وهو غير ضائر بالاتفاق على صحة الاجتهاد بذلك المعنى، ضرورة أنه
ربما يقع بين الأخباريين كما وقع بينهم وبين الأصوليين.
فصل
ينقسم الاجتهاد إلى مطلق وتجز. فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط
الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم
يظفر فيها بها، والتجزي هو ما يقتدر به على استنباط بعض الاحكام.
ثم إنه لا اشكال في امكان المطلق وحصوله للاعلام وعدم التمكن من الترجيح
في المسألة وتعيين حكمها، والتردد منهم في بعض المسائل انما هو بالنسبة إلى
حكمها الواقعي لاجل عدم دليل مساعد في كل مسألة عليه أو عدم الظفر به بعد الفحص
عنه بالمقدار اللازم، لا لقلة الاطلاع أو قصور الباع. وأما بالنسبة إلى حكمها
الفعلي فلا تردد لهم أصلا.
كما لا اشكال في جواز العمل بهذا الاجتهاد لمن اتصف به، وأما لغيره
فكذا لا اشكال فيه إذا كان المجتهد ممن كان باب العلم أو العلمي بالاحكام مفتوحا
له على ما يأتي من الأدلة على جواز التقليد، بخلاف ما إذا انسد عليه بابهما فجواز
تقليد الغير عنه في غاية الاشكال، فان رجوعه إليه ليس من رجوع الجاهل إلى العالم
بل إلى الجاهل، وأدلة جواز التقليد انما دلت على جواز رجوع غير العالم إلى
العالم كما لا يخفى.
602

وقضية مقدمات الانسداد ليست الا حجية الظن عليه لا على غيره، فلا بد في
حجية اجتهاد مثله على غيره من التماس دليل آخر دليل التقليد وغير دليل
الانسداد الجاري في حق المجتهد من اجماع، أو جريان مقدمات دليل الانسداد
في حقه بحيث تكون منتجة بحجية الظن الثابت حجيته بمقدماته له أيضا. ولا مجال
لدعوى الاجماع، ومقدماته كذلك غير جارية في حقه لعدم انحصار المجتهد به
أو عدم لزوم محذور عقلي من عمله بالاحتياط وان لزم منه العسر إذا لم يكن له سبيل
إلى اثبات عدم وجوبه مع عسره.
نعم لو جرت المقدمات كذلك - بأن انحصر المجتهد ولزم من الاحتياط
المحذور أو لزم منه العسر منع التمكن من ابطال وجوبه حينئذ - كانت منتجة
لحجيته في حقه أيضا، لكن دونه خرط القتاد.
هذا على تقدير الحكومة، وأما على تقدير الكشف وصحته فجواز الرجوع إليه
في غاية الاشكال، لعدم مساعدة أدلة التقليد على جواز الرجوع إلى من اختص
حجية ظنه به. وقضية مقدمات الانسداد اختصاص حجية الظن بمن جرت في حقه
دون غيره، ولو سلم أن قضيتها كون الظن المطلق معتبرا شرعا كالظنون الخاصة التي
دل الدليل على اعتبارها بالخصوص - فتأمل.
ان قلت: حجية الشئ شرعا مطلقا لا توجب القطع بما أدى إليه من الحكم ولو
ظاهرا كما مر تحقيقه وأنه ليس أثره الا تنجز الواقع مع الإصابة والعذر مع عدمها،
فيكون رجوعه إليه مع انفتاح باب العلمي عليه أيضا رجوعا إلى الجاهل فضلا عما
إذا انسد عليه.
قلت: نعم إلا أنه عالم بموارد قيام الحجة الشرعية على الاحكام، فيكون من
رجوع الجاهل إلى العالم.
ان قلت: رجوعه إليه في موارد فقد الامارة المعتبرة عنده التي يكون
603

المرجع فيها الأصول العقلية ليس إلا الرجوع إلى الجاهل.
قلت: رجوعه إليه فيها انما هو لاجل اطلاعه على عدم الامارة الشرعية فيها
وهو عاجز عن الاطلاع على ذلك، واما تعيين ما هو حكم العقل وانه مع عدمها
هو البراءة أو الاحتياط فهو انما يرجع إليه، فالمتبع ما استقل به عقله ولو على
خلاف ما ذهب إليه مجتهده - فافهم.
وكذلك لا خلاف ولا اشكال في نفوذ حكم المجتهد المطلق إذا كان باب
العلم أو العلمي له مفتوحا، واما إذا انسد عليه بابهما ففيه اشكال على الصحيح
من تقريرات المقدمات على نحو الحكومة، فان مثله - كما أشرت آنفا - ليس ممن
يعرف الاحكام مع أن معرفتها معتبرة في الحاكم كما في المقبولة. الا ان يدعى
عدم القول بالفصل، وهو وان كان غير بعيد الا انه ليس بمثابة يكون حجة على
عدم الفصل، الا ان يقال بكفاية انفتاح باب العلم في موارد الاجماعات والضروريات
من الدين أو المذاهب والمتواترات إذا كانت جملة يعتد بها، وان انسد باب العلم
بمعظم الفقه فإنه يصدق عليه حينئذ انه ممن روى حديثهم عليهم السلام ونظر في
حلالهم وحرامهم وعرف احكامهم عرفا حقيقة.
وأما قوله عليه السلام في المقبولة (فإذا حكم بحكمنا) فالمراد أن مثله إذا
حكم كان بحكمهم حكم، حيث كان منصوبا منهم، كيف وحكمه غالبا يكون في
الموضوعات الخارجية، وليس مثله ملكية دار لزيد أو زوجية امرأة له من أحكامهم
عليهم السلام، فصحة اسناد حكمه إليهم عليهم السلام انما هو لاجل كونه من
المنصوب من قبلهم.
وأما التجزي في الاجتهاد ففيه مواضع من الكلام:
(الأول) في امكانه. وهو أنه - وان كان محل الخلاف بين الاعلام - إلا أنه
604

لا ينبغي الارتياب فيه حيث كان أبواب الفقه مختلفة مدركا والمدارك متفاوتة سهولة
وصعوبة عقلية ونقلية مع اختلاف الاشخاص في الاطلاع عليها وفى طول الباع
وقصوره بالنسبة إليها، فرب شخص كثير الاطلاع وطويل الباع في مدرك باب بمهارته
في النقليات أو العقليات وليس كذلك في آخر لعدم مهارته فهيا وابتنائه عليها. وهذا
بالضرورة ربما يوجب حصول القدرة على الاستنباط في بعضها لسهولة مدركه أو
لمهارة الشخص فيه مع صعوبته مع عدم القدرة على ما ليس كذلك، بل يستحيل
حصول اجتهاد مطلق عادة غير مسبوق بالتجزي للزوم الطفرة.
وبساطة الملكة وعدم قبولها التجزية لا تمنع من حصولها بالنسبة إلى بعض
الأبواب بحيث يتمكن بها من الإحاطة بمداركه، كما إذا كانت هناك ملكة الاستنباط
في جميعها ويقطع بعدم دخل ما في سائرها به أصلا أو لا يعتنى باحتماله لاجل
الفحص بالمقدار اللازم الموجب للاطمئنان بعدم دخله كما في الملكة المطلقة.
بداهة انه لا يعتبر في استنباط مسألة معها من الاطلاع فعلا على مدارك جميع المسائل
كما لا يخفى.
(الثاني) في حجية ما يؤدي إليه على المتصف به. وهو أيضا محل الخلاف
إلا أن قضية أدلة المدارك حجيته، لعدم اختصاصها بالمتصف بالاجتهاد المطلق،
ضرورة أن بناء العقلاء على حجية الظواهر مطلقا. وكذا ما دل على حجية الخبر
الواحد، غايته تقييده بما إذا تمكن من دفع معارضاته كما هو المفروض.
(الثالث) في جواز رجوع غير المتصف به إليه في كل مسألة اجتهد فيها.
وهو أيضا محل الاشكال من انه من رجوع الجاهل إلى العالم فتعمه أدلة جواز
التقليد، ومن دعوى عدم اطلاق فيها وعدم احراز أن بناء العقلاء أو سيرة المتشرعة
على الرجوع إلى مثله أيضا، وستعرف انشاء الله تعالى ما هو قضية الأدلة.
وأما جواز حكومته ونفوذ فصل خصومته فأشكل. نعم لا يبعد نفوذه فيما إذا عرف
605

جملة معتدا بها واجتهد فيها بحيث يصح أن يقال في حقه عرفا أنه ممن عرف أحكامهم
كما مر في المجتهد المطلق المسند عليه باب العلم والعلمي في معظم الاحكام.
فصل
لا يخفى احتياج الاجتهاد إلى معرفة العلوم العربية في الجملة، ولو بأن يقدر على
معرفة ما يبتني عليه الاجتهاد في المسألة بالرجوع إلى ما دون فيه، ومعرفة التفسير
كذلك. وعمدة ما يحتاج إليه هو علم الأصول، ضرورة أنه ما من مسألة الا ويحتاج
في استنباط حكمها إلى قاعدة أو قواعد برهن عليها في الأصول أو برهن عليها
مقدمة في نفس المسألة الفرعية كما هو طريقة الاخباري.
وتدوين تلك القواعد المحتاج إليها على حدة لا يوجب كونها بدعة، وعدم
تدوينها في زمانهم عليهم السلام لا يوجب ذلك، والا كان تدوين الفقه والنحو
والصرف بدعة. وبالجملة لا محيص لاحد في استنباط الأحكام الفرعية من أدلتها
الا الرجوع الا ما بني عليه في المسائل الأصولية، وبدونه لا يكاد يتمكن من استنباط
واجتهاد مجتهدا كان أو أخباريا.
نعم يختلف الاحتياج إليها بحسب اختلاف المسائل والأزمنة والاشخاص،
ضرورة خفة مؤنة الاجتهاد في الصدر الأول وعدم حاجته إلى كثير مما يحتاج إليه في
الأزمنة اللاحقة مما لا يكاد يحقق ويختار عادة الا بالرجوع إلى ما دون فيه من الكتب
الأصولية.
فصل
اتفقت الكلمة على التخطئة في العقليات، واختلف في الشرعيات، فقال
أصحابنا بالتخطئة فيها أيضا وأن له تبارك وتعالى في كل مسألة حكم يؤدي إليه
606

الاجتهاد تارة والى غيره أخرى، وقال مخالفونا بالتصويب وأن له تعالى احكاما
بعدد آراء المجتهدين فما يؤدي إليه الاجتهاد هو حكمه تبارك وتعالى.
ولا يخفى أنه لا يكاد يعقل الاجتهاد في حكم المسألة الا إذا كان لها حكم
واقعا حتى صار المجتهد بسب استنباطه من أدلته وتعيينه بحسبها ظاهرا، فلو كان
غرضهم من التصويب هو الالتزام بانشاء احكام في الواقع بعدد الآراء - بأن تكون
الاحكام المؤدي إليها الاجتهادات أحكاما واقعية كما هي ظاهرية - فهو وان كان
خطأ من جهة تواتر الاخبار واجماع أصحابنا الأخيار على أن له تبارك وتعالى في كل
واقعة حكما يشترك فيه الكل إلا أنه غير محال. ولو كان غرضهم منه بانشاء الاحكام على
وفق آراء الاعلام بعد الاجتهاد، فهو مما لا يكاد يعقل، فكيف يتفحص عما لا يكون
له عين ولا أثر أو يستظهر من الآية أو الخبر.
إلا أن يراد التصويب بالنسبة إلى الحكم الفعلي، وان المجتهد وان كان
يتفحص عما هو الحكم واقعا وانشاءا إلا أن ما أدى إليه اجتهاده يكون هو حكمه
الفعلي حقيقة، وهو مما يختلف باختلاف الآراء ضرورة ولا يشترك فيه العالم
والجاهل بداهة، وما يشتركان فيه ليس بحكم حقيقة بل انشاء. فلا استحالة
بالتصويب بهذا المعنى، بل لا محيص عنه في الجملة بناءا على اعتبار الاخبار من
باب السببية والموضوعية كما لا يخفى. وربما يشير إليه ما اشتهر بيننا من أن ظنية
الطريق لا تنافي قطعية الحكم.
نعم بناءا على اعتبارها في باب الطريقة - كما هو كذلك - فمؤديات الطرق
والامارات المعتبرة ليست بأحكام حقيقة نفسية ولو قيل بكونها أحكاما طريقية. وقد
مر غير مرة امكان منع كونها احكاما كذلك أيضا، وان قضية حجيتها ليست الا تنجز
مؤدياتها عند اصابتها والعذر عند خطائها، فلا يكون حكم أصلا الا الحكم الواقعي،
فيصير منجزا فيما قام عليه حجة من علم أو طريق معتبر، ويكون غير منجز بل غير
607

فعلى فيما لم تكن هناك حجة مصيبة - فتأمل جيدا.
فصل
إذا اضمحل الاجتهاد السابق بتبديل الرأي الأول بالاخر أو بزواله بدونه فلا
شبهة في عدم العبرة به في الاعمال اللاحقة، ولزوم اتباع الاجتهاد اللاحق مطلقا أو
الاحتياط فيها. وأما الاعمال السابقة الواقعة على وفقه المختل فيها ما اعتبر في صحتها بحسب هذا الاجتهاد، فلا بد من معاملة البطلان معها فيما لم ينهض دليل على
صحة العمل فيما إذا اختل فيه لعذر كما نهض في الصلاة وغيرها، مثل لا تعاد
وحديث الرفع، بل الاجماع على الاجزاء في العبادات على ما ادعى. وذلك فيما
كان بحسب الاجتهاد الأول قد حصل القطع بالحكم وقد اضمحل واضح، بداهة
أنه لا حكم معه شرعا غايته المعذورية في المخالفة عقلا.
وكذلك فيما كان هناك طريق معتبر شرعا عليه بحسبه وقد ظهر خلافه بالظفر
بالمقيد أو المخصص أو قرينة المجاز أو المعارض، بناءا على ما هو التحقيق من
اعتبار الامارة في باب الطريقية، قيل بأن قضية اعتبارها انشاء أحكام طريقية أم لا،
على ما مر منا غير مرة، من غير فرق بين تعلقه بالاحكام أو بمتعلقاتها. ضرورة أن
كيفية اعتبارها فيهما على نهج واحد ولم يعلم وجه للتفصيل بينهما كما في الفصول،
وان المتعلقات لا تتحمل اجتهادين بخلاف الاحكام الا حسبان ان الاحكام قابلة للتغيير
والتبدل بخلاف المتعلقات والموضوعات.
وأنت خبير بأن الواقع واحد فيهما، وقد عين أولا بما ظهر خطاؤه ثانيا
ولزوم العسر والحرج والهرج والمرج المخل بالنظام والموجب للمخاصمة بين
الأنام - لو قيل بعدم صحة العقود والايقاعات والعبادات الواقعة على طبق الاجتهاد
الأول الفاسدة بحسب الاجتهاد الثاني ووجوب العمل على طبق الثاني من عدم
608

ترتيب الأثر على المعاملة وإعادة العبادة - لا يكون الا أحيانا.
وأدلة نفي العسر لا تنفي الا خصوص ما لزم منه العسر فعلا مع عدم اختصاص ذلك
بالمتعلقات، ولزوم العسر في الاحكام كذلك أيضا لو قيل بلزوم ترتيب الأثر على
طبق الاجتهاد الثاني في الاعمال السابقة، وباب الهرج والمرج ينسد بالحكومة
وفصل الخصومة. وبالجملة لا يكون التفاوت بين الاحكام ومتعلقاتها بتحمل الاجتهادين
وعدم التحمل بينا ولا مبينا بما يرجع إلى محصل في كلامه زيد في علو مقامه -
فراجع وتأمل.
وأما بناءا على اعتبارها من باب السببية والموضوعية فلا محيص عن القول
بصحة العمل على طبق الاجتهاد الأول عبادة كان أو معاملة، وكون مؤداه ما لم
يضمحل حكما حقيقة، وكذلك الحال إذا كان بحسب الاجتهاد الأول مجرى
الاستصحاب أو البراءة النقلية وقد ظفر في الاجتهاد الثاني بدليل على الخلاف،
فإنه عمل بما هو وظيفته على تلك الحال. وقد مر في مبحث الاجزاء تحقيق المقال
فراجع هناك.
فصل: في التقليد
وهو أخذ قول الغير ورأيه للعمل به في الفرعيات، أو للالتزام به في الاعتقاديات
تعبدا بلا مطالبة دليل على رأيه. ولا يخفى انه لا وجه لتفسيره بنفس العمل ضرورة
سبقه عليه، والا كان بلا تقليد - فافهم.
ثم إنه لا يذهب عليك ان جواز التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم في الجملة
يكون بديهيا جبليا فطريا لا يحتاج إلى دليل، والا لزم سد باب العلم به على العامي
مطلقا غالبا لعجزه عن معرفة ما دل عليه كتابا وسنة، ولا يجوز التقليد فيه أيضا
والا لدار أو تسلسل.
609

بل هذه هي العمدة في أدلته، وأغلب ما عداه قابل للمناقشة، لبعد تحصيل
الاجماع في مثل هذه المسألة مما يمكن أن يكون القول فيه لاجل كونه من الأمور
الفطرية الارتكازية، والمنقول منه غير حجة في مثلها ولو قيل بحجيتها في غيرها
لوهنه بذلك.
ومنه قد انقدح امكان القدح في دعوى كونه من ضروريات الدين، لاحتمال
أن يكون من ضروريات العقل وفطرياته لا من ضرورياته. وكذا القدح في دعوى
سيرة المتدينين.
واما الآية فلعدم دلالة آية النفر والسؤال على جوازه، لقوة احتمال أن يكون
الارجاع لتحصيل العلم لا الاخذ تعبدا. مع أن المسؤول في آية السؤال
هم أهل الكتاب كما هو ظاهرها، أو اهل بيت العصمة الأطهار كما فسر به في
الاخبار. نعم لا بأس بدلالة الاخبار عليه بالمطابقة أو الملازمة، حيث دل بعضها
على وجوب اتباع قول العلماء، وبعضها على أن للعوام تقليد العلماء، وبعضها على
جواز الافتاء مفهوما مثل ما دل على المنع عن الفتوى بغير علم، أو منطوقا مثل
ما دل على إظهاره عليه السلام المحبة لأن يرى في أصحابه من يفتي الناس بالحلال
والحرام.
لا يقال: إن مجرد إظهار الفتوى للغير لا يدل على جواز أخذه واتباعه.
فإنه يقال: ان الملازمة العرفية بين جواز الافتاء وجواز اتباعه واضحة، وهذا
غير وجوب إظهار الحق والواقع حيث لا ملازمة بينه وبين وجوب أخذه تعبدا -
فافهم وتأمل.
وهذه الأخبار - على اختلاف مضامينها وتعدد أسانيدها - لا يبعد دعوى القطع
بصدور بعضها، فيكون دليلا قاطعا على جواز التقليد وإن لم يكن كل واحد منها
بحجة، فيكون مخصصا لما دل على عدم جواز اتباع غير العلم والذم على التقليد
610

من الآيات والروايات. قال الله تبارك وتعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) وقوله
تعالى (قالوا انا وجدنا آبائنا على أمة وانا على آثارهم مقتدون)، مع أن احتمال الذم
انما كان على تقليدهم للجاهل أو في الأصول الاعتقادية التي لا بد فيها من اليقين.
وأما قياس المسائل الفرعية على الأصول الاعتقادية - في أنه كما لا يجوز
التقليد فيها مع الغموض فيها كذلك لا يجوز فيها بالطريق الأولى لسهولتها - فباطل
مع أنه مع الفارق، ضرورة أن الأصول الاعتقادية مسائل معدودة، بخلافها فإنها لا تعد
ولا تحصى ولا يكاد يتيسر من الاجتهاد فيها فعلا طول العمر الا للأوحدي في كلياتها
كما لا يخفى.
فصل
إذا علم المقلد اختلاف الاحياء في الفتوى مع اختلافهم في العلم والفقاهة،
فلا بد من الرجوع إلى الأفضل إذا احتمل تعينه، للقطع بحجيته والشك في حجية
غيره. ولا وجه لرجوعه إلى الغير في تقليده الا على نحو دائر. نعم لا بأس برجوعه
إليه إذا استقل عقله بالتساوي وجواز الرجوع إليه أيضا، أو جوز له الأفضل بعد
رجوعه إليه.
هذا حال العاجز عن الاجتهاد في تعيين ما هو قضية الأدلة في هذه المسألة،
وأما غيره فقد اختلفوا في جواز تقديم المفضول وعدم جوازه: ذهب بعضهم إلى
الجواز، والمعروف بين الأصحاب - على ما قيل - عدمه، وهو الأقوى، للأصل
وعدم دليل على خلافه.
ولا اطلاق في أدلة التقليد بعض الغض عن نهوضها على مشروعية أصله، لوضوح
أنها انما تكون بصدد بيان أصل جواز الاخذ بقول العالم لا في كل حال، من غير
تعرض أصلا لصورة معارضته بقول الفاضل، كما هو شأن سائر الطرق والامارات
611

على ما لا يخفى.
ودعوى السيرة على الاخذ بفتوى أحد المخالفين في الفتوى من دون فحص
عن أعلميته مع العلم بأعلمية أحدهما، ممنوعة.
ولا عسر في تقليد الأعلم، لا عليه لاخذ فتاواه من رسائله وكتبه، ولا لمقلديه
لذلك أيضا.
وليس تشخيص الأعلمية بأشكل من تشخيص أصل الاجتهاد، مع أن قضية
نفي العسر الاقتصار على موضع العسر، فيجب فيما لا يلزم منه عسر - فتأمل جيدا.
وقد استدل للمنع أيضا بوجوه:
(أحدها) نقل الاجماع على تعين تقليد الأفضل.
(ثانيها) الاخبار الدالة على ترجيحه مع المعارضة كما في المقبولة وغيرها،
أو على اختياره للحكم بين الناس كما دل عليه المنقول عن أمير المؤمنين عليه السلام
(أختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك).
(ثالثها) ان قول الأفضل أقرب من غيره جزما، فيجب الاخذ به عند
المعارضة عقلا.
ولا يخفى ضعفها:
(أما الأول) فلقوة احتمال أن يكون وجه القول بالتعيين للكل أو الجل هو
الأصل، فلا مجال لتحصيل الاجماع مع الظفر بالاتفاق، فيكون نقله موهونا مع
عدم حجية نقله ولو مع عدم وهنه.
(وأما الثاني) فلان الترجيح مع المعارضة في مقام الحكومة لاجل رفع
الخصومة التي لا تكاد ترتفع الا به لا يستلزم الترجيح في مقام الفتوى كما لا يخفى.
(وأما الثالث) فممنوع صغرى وكبرى: أما الصغرى فلأجل أن فتوى
غير الأفضل ربما يكون أقرب من فتواه لموافقته لفتوى من هو أفضل منه ممن
612

مات، ولا يصغى إلى أن فتوى الأفضل أقرب في نفسه، فإنه لو سلم أنه كذلك إلا أنه
ليس بصغرى لما ادعي عقلا من الكبرى، بداهة أن العقل لا يرى تفاوتا بين أن
يكون الأقربية في الامارة لنفسها أو لاجل موافقتها لامارة أخرى كما لا يخفى. وأما
الكبرى فلان ملاك حجية قول الغير تعبدا ولو على نحو الطريقية، لم يعلم أنه القرب
من القطع، فلعله يكون ما هو الأفضل وغيره سيان ولم يكن لزيادة القرب في
أحدهما دخل أصلا. نعم لو كان تمام الملاك هو القرب - كما إذا كان حجة بنظر
العقل - لتعين الأقرب قطعا فافهم.
فصل
اختلفوا في اشتراط الحياة في المفتي، والمعروف بين الأصحاب الاشتراط
وبين العامة عدمه، وهو خيرة الأخباريين وبعض المجتهدين من أصحابنا، وربما
نقل تفاصيل: منها التفصيل بين البدوي فيشترط والاستمراري فلا يشترط. والمختار
ما هو المعروف بين الأصحاب، للشك في جواز تقليد الميت والأصل عدم جوازه.
ولا مخرج عن هذا الأصل الا ما استدل به المجوز على الجواز من وجوه
ضعيفة:
(منها) استصحاب جواز تقليده في حال حياته. ولا يذهب عليك أنه لا مجال
له لعدم بقاء موضوعه عرفا لعدم بقاء الرأي معه، فإنه متقوم بالحياة بنظر العرف
وإن لم يكن كذلك واقعا، حيث أن الموت عند أهله موجب لانعدام الميت ورأيه.
ولا ينافي ذلك صحة استصحاب بعض أحكام حال حياته كطهارته ونجاسته وجواز
نظر زوجته إليه، فان ذلك انما يكون فيما لا يتقوم بحياته عرفا بحسبان بقائه ببدنه
الباقي بعد موته، وان احتمال أن يكون للحياة دخل في عروضه واقعا. وبقاء الرأي
لا بد منه في جواز التقليد قطعا، ولذا لا يجوز التقليد فيما إذا تبدل الرأي أو ارتفع
613

لمرض أو هرم اجماعا.
وبالجملة يكون انتفاء الرأي بالموت بنظر العرف بانعدام موضوعه، ويكون
حشره في القيامة انما هو من باب إعادة المعدوم وإن لم يكن كذلك حقيقة لبقاء
موضوعه وهو النفس الناطقة الباقية حال الموت لتجرده. وقد عرفت في باب
الاستصحاب أن المدار في بقاء الموضوع وعدمه هو العرف، فلا يجدي بقاء النفس
عقلا في صحة الاستصحاب مع عدم مساعدة العرف عليه وحسبان أهله أنها غير باقية
وانما تعاد يوم القيامة بعد انعدامها فتأمل جيدا.
لا يقال: نعم الاعتقاد والرأي وان كان يزول بالموت لانعدام موضوعه، إلا أن
حدوثه في حال حياته كاف في جواز تقليده في حال موته، كما هو الحال
في الرواية.
فإنه يقال: لا شبهة في أنه لا بد في جوازه من بقاء الرأي والاعتقاد، ولذا
لو زال بجنون وتبدل ونحوهما لما جاز قطعا كما أشير إليه آنفا.
هذا بالنسبة إلى التقليد الابتدائي، واما الاستمراري فربما يقال بأنه قضية
استصحاب الاحكام التي قلده فيها، فان رأيه - وان كان مناطا لعروضها وحدوثها -
الا أنها عرفا من أسباب العروض لا من مقومات الموضوع والمعروض.
ولكنه لا يخفى انه لا يقين بالحكم شرعا سابقا، فان جواز التقليد ان كان
بحكم العقل وقضية الفطرة كما عرفت - فواضح، فإنه لا يقتضي أزيد من تنجز
ما اصابه من التكليف والعذر فيما أخطأ وهو واضح، وان كان بالنقل فكذلك على
ما هو التحقيق من أن قضية الحجية شرعا ليست الا ذلك لا انشاء احكام شرعية
على طبق مؤداها، فلا مجال لاستصحاب ما قلده لعدم القطع به سابقا الا على ما
تكلفنا في بعض تنبيهات الاستصحاب فراجع. ولا دليل على حجية رأيه السابق
في اللاحق.
614

واما بناء على ما هو المعروف بينهم من كون قضية الحجية الشرعية جعل
مثل ما أدت إليه من الأحكام الواقعية التكليفية أو الوضعية شرعا في الظاهر فلاستصحاب
ما قلده من الاحكام. وان كان مجال بدعوى بقاء الموضوع عرفا لاجل كون الرأي
عند أهل العرف من أسباب العروض لا من مقومات المعروض.
الا ان الانصاف عدم كون الدعوى خالية عن الجزاف، فإنه من المحتمل
لولا المقطوع ان الاحكام التقليدية عندهم أيضا ليست احكاما لموضوعاتها بقول
مطلق، بحيث عد من ارتفاع الحكم عندهم من موضوعه بسبب تبدل الرأي ونحوه،
بل انما كانت احكاما لها بحسب رأيه بحيث عد من انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه
عند التبدل، ومجرد احتمال ذلك يفي في عدم صحة استصحابها لاعتبار احراز
بقاء الموضوع ولو عرفا - فتأمل جيدا.
هذا كله مع امكان انه لم يجز البقاء على التقليد بعد زوال الرأي بسبب
الهرم أو المرض اجماعا لم يجز في حال الموت بنحو أولى قطعا فتأمل.
(ومنها) اطلاق الآيات الدالة على التقليد. وفيه مضافا إلى ما أشرنا إليه
من عدم دلالتها عليه، منع اطلاقها على تقدير دلالتها، وانما هو مسوق لبيان أصل
تشريعه كما لا يخفى.
ومنه انقدح حال اطلاق ما دل من الروايات على التقليد، مع امكان دعوى
الانسباق إلى حال الحياة فيها.
(ومنها) دعوى أنه لا دليل على التقليد الا دليل الانسداد، وقضيته جواز
تقليد الميت كالحي بلا تفاوت بينهما أصلا كما لا يخفى. وفيه أنه لا يكاد تصل النوبة
إليه، لما عرفت من دليل العقل والنقل عليه.
(ومنها) دعوى السيرة على البقاء، فان المعلوم من أصحاب الأئمة عليهم
السلام عدم رجوعهم عما أخذوه تقليدا بعد موت المفتي. وفيه منع السيرة فيما
615

هو محل الكلام، وأصحابهم عليهم السلام انما لم يرجعوا عما أخذوه من الاحكام
لاجل انهم غالبا انما كانوا يأخذونها ممن ينقلها عنهم عليهم السلام بلا واسطة أحد
أو معها، من دون دخل رأي الناقل فيها أصلا. وهو ليس بتقليد كما لا يخفى. ولم
يعلم إلى الآن حال من تعبد بقول غيره ورأيه أنه كان قد رجع أو لم يرجع بعد موته.
(ومنها) غير ذلك مما لا يليق بأن يسطر أو يذكر.
616