الكتاب: أصول الحديث
المؤلف: الدكتور عبد الهادي الفضلي
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة: الثالثة
سنة الطبع: ذي القعدة ١٤٢١
المطبعة:
الناشر: مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

أصول الحديث
1

أصول الحديث
تأليف
العلامة الدكتور
الشيخ عبد الهادي الفضلي
مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر
3

مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر
أصول الحديث
العلامة الدكتور عبد الهادي الفضلي
الطبعة الثانية - جمادي الثانية 1416 ه‍
كافة حقوق الطبع والنشر محفوظة للمؤسسة
4

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
وبعد:
فغير خفي أن علم الحديث يأتي في طليعة العلوم الاسلامية التي وضعها
العلماء المسلمون وسيلة من وسائل معرفة الفكر الاسلامي بعامة، والتشريع
الاسلامي بخاصة.
فعلم الحديث من العلوم الشرعية التي يتوقف عليها الاجتهاد الفقهي، وتقوم
على أساس منها عملية استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها.
ومن هنا تأتي أهمية وضرورة دراسة علم الحديث، وبخاصة لطلبة علم
الفقه.
ولهذه الغاية أدخلت مادة (دراية الحديث) في مقررات البرنامج الدراسي
لكلية الشريعة الإسلامية في الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية.
ولأنه كان لي شرف القيام بتدريس المادة لطلبة السنة الثانية في الكلية
المذكورة، أعددت هذه المذكرة لتغطية مفردات المقرر الدراسي.
وحاولت في حدود الممكن أن أنظم المادة الموجودة في كتب الحديث
عندنا، لتكون عملية أكثر منها نظرية، ذلك أن هذا العلم - كما هو معلوم - من
العلوم التطبيقية، ومجال تطبيقه - عندنا - هو كتب الحديث الامامية.
فحذفت مما هو مبحوث في كتب الدراية السابقة ما هو غير موجود في
حديثنا.
5

وأضفت إليها مما هو غير مذكور فيها، وهو موجود في حديثنا.
كما غيرت قليلا في التبويب لتترابط مفردات المادة ترابطا عضويا. يمهد
السابق فيها للاحق.
وحاولت - قدر الجهد - أن أجلي وأيسر في العرض والتعبير، مستعينا
بالأمثلة والشواهد.
وكذلك حاولت أن أختصر فيما لا فائدة في الإطالة فيه، وأن أطيل فيما
رأيت ضرورة التطويل فيه.
وأخيرا:
إن هذا الإعداد - بصورته الماثلة - إن لم يك ريادة، فهو محاولة، وشأن
الريادة والمحاولة أن لا تخلوا من خطأ أو ضعف، غير أن أملي في العلماء
والأساتذة المعنيين بأمثال هذه المعارف أن يصححوا الخطأ، ويقووا الضعف.
والله تعالى ولي التوفيق، وهو الغاية.
عبد الهادي الفضلي
الدمام - دارة الغريين
في 3 / 6 / 1413 ه‍
6

مقدمة أصول الحديث
- تسميته.
- تعريفه.
- موضوعه.
- فائدته.
- علاقته بالعلوم الشرعية.
7

تسميته:
سمي هذا العلم بأكثر من اسم، وأطلق عليه أكثر من عنوان، من أشهرها
تسميته ب‍:
- علم الحديث.
- دراية الحديث.
- مصطلح الحديث.
- قواعد الحديث.
- أصول الحديث.
وكلها تعني معنى واحدا، وذلك لأن العلم - في أصوب تعاريفه -: مجموعة
الأصول العامة أو القواعد الكلية التي تجمعها جهة واحدة.
فتسميته (قواعد الحديث) أو (أصول الحديث) تعطي المعنى المقصود.
ولأن الدراية - لغة - ترادف العلم تأتي تسميته (دراية الحديث) من الوضوح
بمكان.
إذ كلها تعني مجموعة القواعد الكلية أو الأصول العامة التي تنضوي تحت
عنوان واحد هو اسم العلم الذي تؤلفه، وهو هنا علم الحديث.
فتسميته ب‍ (علم الحديث) أو (دراية الحديث) أو (قواعد الحديث) أو
(أصول الحديث) شئ منهجي يلتقي وطبيعة التسميات العلمية.
9

نعم، قد يثار التساؤل حول تسميته ب‍ (مصطلح الحديث)، والمصطلح -
كما هو معروف - من العلم، وليس هو كل العلم، ولكن عند معرفتنا لأصل التسمية
بهذا الاسم من ناحية تاريخية سوف نرى أن هناك وجها علميا لهذه التسمية، وذلك
أن اسم (مصطلح) هنا أطلق على (أقسام الحديث) أولا، ولك لكثرتها - كما
سنرى - وكأنها لهذه الكثرة الكاثرة إذا قيست بالمعلومات الأخرى في هذا العلم
هي كل العلم، ثم تجوزوا فيها فسموا بها العلم كله، فقالوا (مصطلح الحديث)،
وهم يريدون به (علم الحديث)
من باب تسمية الكل باسم الجزء.
وقد يعبر عنه فيقال (علم أصول الحديث) أو يقال (علم قواعد الحديث)،
كما يقال (علم قواعد اللغة العربية)، وذلك للتفرقة بين العلم حيث يراد به مطلق
المعرفة وبين الأصول والقواعد حيث يراد بها الضوابط الكلية الخاصة بعلم
الحديث.
ويقال أيضا (علم مصطلح الحديث)، والتوجيه هو التوجيه.
إلا أنه قد يشكل على قولنا (علم دراية الحديث) بما حاصله، وهو أن
(الدراية) إذا كانت ترادف (العلم) يكون التركيب الإضافي المذكور من نوع إضافة.
الشئ إلى نفسه، وهو ممتنع لاشتراط التغاير بين المضاف، والمضاف إليه.
وأجيب عن هذا الاشكال بأن لفظ (الدراية) - هنا - اسم لهذا العلم (ولذلك
ساغ بعد صيرورته علما لهذا العلم إضافة العلم إليه) (1).
وقد ذكر في علم النحو أن التغاير الاعتباري كاف في تصحيح وتسويغ مثل
هذه الإضافة.
ويبدو لي أن التسمية ب‍ (الدراية) جاءت في مقابلة (الرواية)، ذلك أن الرواية
تعني نقل الحديث فقط، بينما تعني الدراية دراسة الحديث دراسة نقدية أو معيارية
يتوصل من خلالها إلى تقويم نقله (روايته) من حيث صدوره عن المعصوم أو عدم
صدوره.

(1) مقباس الهداية 1 / 40 - 41.
10

وقد يكون للرغبة في السجع دور في اختيار هذه اللفظة.
وعلى أي فتسميتنا له ب‍ (أصول الحديث) يراد بها (علم الحديث).
تعريفه:
إن أقدم مؤلف إمامي وصل إلينا في هذا العلم هو (كتاب الدراية) للشهيد
الثاني المتوفى سنة 966 ه‍.
والتعريف المذكور فيه لهذا يعد أقدم تعريف وصل إلينا.
وهو - كما جاء في مقدمته من الطبعة الثالثة لسنة 1409 ه‍:
(علم يبحث فيه عن متن الحديث، وطرقه، من صحيحها وسقيمها
وعليلها، وما يحتاج إليه ليعرف المقبول منه والمردود).
ولعل ثاني تعريف لهذا العلم وصل إلينا هو تعريف الشيخ البهائي المتوفى
سنة 1030 ه‍ في كتابه الموسوم ب‍ (الوجيزة)، وهو قوله: (علم يبحث فيه عن سند
الحديث، ومتنه، وكيفية تحمله، وآداب نقله).
وقد اعتمد هذين التعريفين كل من تأخر عنهما، فنقلهما بعضهم نقلا فقط،
وبعضهم بزيد تعليقة عليهما أو شرح لهما، وبعضهم بطرح اشكال عليهما.
وأحدث تعريف لهذا العلم هو تعريف استاذنا الشيخ الطهراني في (الذريعة
8 / 54، فقد عرفه بقوله: (هو العلم الباحث فيه عن الأحوال والعوارض اللاحقة
لسند الحديث، أي الطريق إلى متنه المتألف ذلك الطريق من عدة أشخاص مرتبين في
التناقل يتلقى الأول منهم متن الحديث عمن يرويه له، ثم ينقله عنه لمن بعده،
حتى يصل المتن إلينا بذلك الطريق، فإن نفس السند المتألف عن هؤلاء المتناقلين
تعرضه حالات مختلفة مؤثرة في اعتبار السند وعدمه، مثل كونه متصلا ومنقطعا،
مسندا ومرسلا، معنعنا، مسلسلا، عاليا، غريبا، صحيحا، حسنا، موثقا، ضعيفا، إلى
غير ذلك من العوارض التي لها مدخلية في اعتبار السند وعدمه.
فعلم دراية الحديث كافل للبحث عن تلك العوارض).
11

وإذا عرفنا أن تعريف العلم يقوم على أساس من ذكر موضوع الذي
يدرسه ويبحث فيه، وحاولنا أن نقيم المقارنة بين هذه التعاريف المذكورة في
ضوء هذا لنرى أيها أقرب لواقع هذا العلم من ناحسة منهجية لتوصلنا إلى التالي:
1 - إن الشهيد الثاني حصر دائرة بحث هذا العلم في سند ومتن الحديث.
2 - إن الشيخ البهائي وسع في دائرة بحث هذا العلم فجعلها تشمل كيفية
تحمل الحديث وآداب نقله، مضافا إلى ما ذكره الشهيد الثاني.
3 - إن الشيخ الطهراني ضيق في دائرة بحث هذا العلم بقصره على دراسة
أحوال وعوارض السند فقط.
4 - وفي (الدراية) للشهيد الثاني ما يلمح إلى أن هذا العلم يبحث في
السند فقط، وهو قوله: (إعلم أن متن الحديث لا مدخل له في الاعتبار إلا نادرا،
بل يكتسب الحديث صفة من القوة والضعف وغيرهما بحسب أوصاف الرواة من
العدالة وعدمها، والاسناد من الاتصال والانقطاع، والارسال والاضطراب وغيرها).
ولمعرفة الصواب من سواه في هذه التعريفات من خلال معرفة واقع هذا
العلم علينا أن نرجع إلى مؤلفات هذا العلم نستقرئ محتوياتها لنرى هل أن ما
جاء فيها من البحث في المتن يشكل ظاهرة علمية في موضوعه بحيث يعد البحث
فيها من واقع هذا العلم، أو أن البحث فيه يأتي استطرادا أو مرورا عابرا أو لمناسبة
منهجية اقتضت ذلك.
ففي دراية الشهيد جاء موضوعاتها كالتالي:
الباب الأول: في أقسام الحديث.
الباب الثاني: في من تقبل روايته ومن ترد.
الباب الثالث: في تحمل الحديث وطرق نقله.
الباب الرابع: في أسماء الرجال وطبقاتهم.
وفي مقباس المامقاني كانت محتوياته كالتالي:
المقدمة في حقيقة علم الدراية.
12

الفصل الأول: في بيان اصطلاحات علم الدراية.
الفصل الثاني: في بيان الخبر وأقسامه.
الفصل الثالث: في انقسام الخبر إلى متواتر وآحاد.
الفصل الرابع: في تنويع خبر الواحد باعتبار أحوال رواته.
الفصل الخامس: في مصطلحات علماء الحديث غير ما مر.
الفصل السادس: في من تقبل روايته ومن ترد.
الفصل السابع: في شرف علم الحديث وكيفية تحمله وطرق نقله وآدابه.
الفصل الثامن: في أسماء الرجال وطبقاتهم وما يتصل به.
وهي في الكتب الأخرى لا تعدو هذه، ولا تفترق عن الدراية والمقباس إلا
في التطويل والاختصار.
وربما جاء فيها شئ يتعلق بالمتن كالتصحيف والتحريف إلا أنه لا يرتفع
إلى مستوى ظاهرة علمية تشكل موضوعا في البحث.
فمن هنا يكون تعريف الشيخ الطهراني أسلم من ناحية منهجية، وألصق
بطبيعة موضوعات هذا العلم.
وفي ضوءه نستطيع أن نعرفه بالتالي:
أصول الحديث: علم يبحث فيه عن نوعية السند ومستوى اعتباره.
وبتعبير أخصر: هو دراسة مستوى السند من حيث الاعتبار.
ونتبين معنى هذا التعريف واضحا عند تبياننا العلاقة بين علم الحديث وعلم
الرجال، إذ كلاهما يتوفر على دراسة السند، والفارق بينهما أن علم الرجال يدرس
مفردات السند (رواته)، وعلم الحديث يدرس السند ككل (الرواية).
وبتعبير أخصر: علم الرجال يدرس حال الراوي من حيث التوثيق
واللا توثيق.. وعلم الحديث يدرس حال الرواية من حيث الاعتبار واللا اعتبار.
13

موضوعه:
ومن تعريفه المذكور في أعلاه عرفنا موضوعه الذي يبحث فيه، وهو
(السند) بمعرفة مستواه فيرى هل هو معتبر أو غير معتبر.
أو قل: هو (الرواية) التي تعني طريق نقل الحديث من مصدره إلى غيره.
ففي هذا العلم يعرف السند، ثم يقسم إلى أقسامه، ويعرف كل قسم، ثم
يبين مدى اعتباره وعدم اعتباره.
كذلك يبحث فيه طرق تحمل الحديث ونقله، وآداب تحمله ونقله، وما
يرتبط بهذه مما يقتضيه منهج البحث في هذا العلم.
فائدته:
الحديث الشريف يمثل السنة الشريفة، والسنة هي المصدر الثاني للتشريع
الاسلامي بعد القرآن الكريم.
والسنة من حيث الكمية والتفصيلات التشريعية أكثر وأوسع من آيات
الأحكام في القرآن.
ولأن الحديث اعتمد في تحمله ونقله الرواية الشفوية ثم الرواية التحريرية
بالشكل الذي اختلف فيه عن نقل القرآن حيث اعتمد في نقل القرآن طريق التواتر،
ولم يشترط هذا في الحديث، فجاء أكثر الحديث عن طريق الآحاد، وخبر الواحد -
كما هو مقرر ومحرر في علم أصول الفقه - لا يفيد اليقين بصدوره عن المعصوم
إلا إذا اقترن بما يدل على ذلك، والكثير منه أو الأكثر غير مقترن، فكان لابد من
دراسة سنده أي طريقه الذي وصل به إلينا للتأكد والتوثق من صحة صدوره عن
المعصوم، فوضع العلماء ما يعرف ب‍ (علم الرجال) و (علم الحديث) لهذه الغاية.
وفي ضوئه عد درس وتعلم علمي الحديث والرجال من مقدمات
وأساسيات الدرس الفقهي، وبخاصة في مجال الاجتهاد واستنباط الأحكام الشرعية
الفرعية من السنة الشريفة.
14

علاقته بالعلوم الشرعية:
أعني بالعلوم الشرعية هنا العلوم الاسلامية التي تسهم في عملية الاجتهاد
الشرعي واستنباط الاحكام من السنة الشريفة، وهي:
- علم الرجال.
- علم أصول الفقه.
- علم الفقه.
1 - علاقته بعلم الرجال:
قلت - فيما سبقه - إن علم الحديث يشترك مع علم الرجال في دراسة
السند، ويختلفان في الحيثية أو الموضع الذي يتناوله كل منهما، فعلم الرجال
يدرس أحوال الرواة من حيث الوثاقة وعدم الوثاقة، وهو بهذا يهيئ لعلم الحديث
الجزئيات التي يطبق عليها قواعده الكلية.
وذلك أننا عندما نريد أن نقيم حديثا معينا من جهة السند نرجع إلى كتب
الرجال، ونتعرف أحوال رجال سند هذا الحديث المعين، فإن كانوا جميعا - مثلا -
من الاماميين العدول، فالسند من نوع الحديث الصحيح ببركة تطبيق القاعدة التي
أفدناها من علم الحديث، وهي أن كل سند كان جميع رواته اماميين عدولا هو
سند صحيح.
ولو أردنا أن ندخل هذا في قياس منطقي من الشكل الأول نقول:
هذا السند رجاله اماميون عدول + وكل سند رجاله إماميون عدول سند
صحيح = فهذا سند صحيح.
ثم نؤلف قياسا آخر ومن الشكل الأول أيضا لاثبات اعتباره وحجيته التي
أفدناها من علم أصول الفقه - كما سيأتي - فنقول:
هذا سند صحيح + وكل سند صحيح سند معتبر = فهذا سند معتبر.
فالعلاقة بين علم الرجال وعلم الحديث تقوم على أساس من أن علم
15

الرجال يهيئ الجزئيات بتعريفه الرواة وتقييمه لهم من حيث الوثاقة واللا وثاقة، لعلم
الحديث فيقوم علم الحديث بتطبيع كلياته عليها، فيعرف ببركة هذا التطبيق
مدى اعتبار الرواية من حيث السند ومدى عدم اعتبارها.
ولنأخذ مثالا لذلك: رواية الشيخ الكليني في (الكافي) - باب فضل
المعروف - وهي:
(علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار: قال أبو عبد
الله (ع) اصنع المعروف إلى كل أحد فإن كان أهله وإلا فأنت أهله).
فإننا لمعرفة مستوى هذه الرواية نرجع أولا إلى كتب الرجال لنعرف قيمة
كل راو من رواة سند هذه الرواية الشريفة، وكالتالي:
1 - علي بن إبراهيم القمي: إمامي عادل (انظر: رجال النجاشي).
2 - إبراهيم بن هاشم القمي: إمامي عادل (انظر: معجم رجال الحديث
للخوئي).
3 - محمد بن أبي عمير: إمامي عادل (انظر: رجال النجاشي).
4 - معاوية بن عمار الدهني: إمامي عادل (انظر: رجال النجاشي).
وبعد رجوعنا إلى كتب الرجال ننتهي إلى النتيجة التالية، وهي: أن جميع
رواة هذه الرواية هم إماميون عدول.
ونرجع ثانيا إلى علم الحديث لنرى أن هناك قاعدة من قواعده تقول: إن
السند إذا كان جميع رواته إماميين عدولا فهو صحيح معتبر.
وبتطبيق هذه القاعدة على سند الرواية المذكورة تكون الرواية من حيث
سندها من نوع الحديث الصحيح.
2 - علاقته بعلم أصول الفقه:
في علم أصول الفقه يبحث عن حجية مصادر التشريع الاسلامي وكيفية
الاستدلال بها لاستفادة الحكم الشرعي منها.
ومن هذه المصادر السنة الشريفة، وتمثل السنة في الحديث الشريف.
16

والحديث - كما يذكر في أصول الفقه ويحرر - على نوعين:
1 - ما هو مقطوع بصدوره عن المعصوم، وهو الخبر المتواتر، وخبر
الواحد المقترن بما يفيد القطع بصدوره عن المعصوم.
2 - ما هو مظنون الصدور عن المعصوم.
ولإثبات أن الحديث سنة يستدل بها ويحتج لابد من إثبات حجية القطع
وحجية الظن المشار إليهما.
وهذا لا نفيده إلا من أصول الفقه لتكفله بذلك.
ونحن - هنا - لو رجعنا إلى الرواية السابقة - كمثال - وهي خبر واحد غير
مقترن بما يفيد القطع بصدوره عن المعصوم، وأقصى ما يفيده هو الظن بصدوره
عن المعصوم.
وقد ثبت في علم أصول الفقه أن خبر الآحاد المظنون الصدور حجة يستدل
به ويعتمد عليه، تكون هذه الرواية مما يعتمد عليه، وتعتبر دليلا يحتج به.
وإذا أردنا أن نؤلف قياسا منطقيا من الشكل الأول نقول: هذه الرواية خبر
واحد مظنون الصدور + وكل خبر واحد مظنون الصدور حجة = فهذه الرواية
حجة.
فالعلاقة بين علم الحديث وعلم أصول الفقه تقوم على أساس من تطبيق
قواعد أصول الفقه على قواد الحديث التي هي بمثابة جزئيات ومصاديق لها.
ونحن - هنا - نتدرج من علم الرجال إلى علم الحديث فعلم أصول الفقه.
ففي علم الرجال نثبت قيمة الرواة.
وفي علم الحديث نثبت قيمة الرواية.
وفي علم أصول الفقه نثبت حجية الرواية.
3 - علاقته بعلم الفقه:
ومما تقدم نتبين - وبوضوح - علاقة علم الحديث بعلم الفقه في مجال
تطبيق الاجتهاد واستخدام عملية الاستنباط، إذ هو - أعني علم الفقه - المرحلة
17

الأخيرة التي ينطلق منها المجتهد لمعرفة الحكم الشرعي، ذلك أنه بعد ثبوت
حجية الرواية وصلاحيتها للاستدلال بها يعتمدها الفقيه مصدرا تشريعيا يفيد منه
الحكم المطلوب في ضوء ما لديه من وسائل علمية أخرى يستخدمها في معرفة
دلالتها.
18

تاريخ أصول الحديث
- نشأته وتطوره.
- التأليف فيه.
- أشهر مؤلفاته.
19

نشأته وتطوره:
إن أقدم وثيقة علمية في الفكر الحديثي هي ما رواه الشيخ الكليني في
كتاب (الكافي): عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن اليماني عن
أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي: قال: قلت لأمير المؤمنين (ع): إني
سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن، وأحاديث عن نبي الله
غير ما في أيدي الناس، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم، ورأيت في أيدي
الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي الله (ص)، أنتم
تخالفونهم فيهان وتزعمون أن ذلك كله باطل، أفترى الناس يكذبون على رسول الله
متعمدين ويفسرون القرآن بآرائهم؟!.
قال: فأقبل (ع) علي فقال: قد سألت فافهم الجواب: إن في أيدي الناس
حقا وباطلا، وصدقا وكذبا، وناسخا ومنسوخا، وعاما وخاصا، ومحكما ومتشابها،
وحفظا ووهما، وقد كذب على رسول الله (ص) على عهده حتى قام خطيبا فقال:
(أيها الناس قد كثرت علي الكذابة، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من
النار)، ثم كذب عليه من بعده.
وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس:
1 - رجل منافق يظهر الإيمان، متصنع بالإسلام، لا يتأثم ولا يتحرج أن
يكذب على رسول الله (ص) متعمدا.
21

فلو علم الناس أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدقوه، ولكنهم قالوا هذا
قد صحب رسول الله (ص) ورآه وسمع منه فيأخذون عنه وهم لا يعرفون حاله، وقد
أخبره الله عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم فقال تعالى: (وإذا رأيتهم
تعجبك أجسامهم وإن يقلوا تسمع لقولهم)، ثم بقوا بعده (ص) فتقربوا إلى أئمة
الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان، فوفوهم الأعمال، وحملوهم
على رقاب الناس، وأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم
الله.. فهذا أحد الأربعة.
2 - ورجل سمع من رسول الله (ص) شيئا لم يحمله على وجهه، ووهم
فيه، ولم يتعمد كذبا، فهو في يده، يقول به، ويعمل به، ويرويه فيقول: أنا سمعته
من رسول الله (ص).
فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوه، لو علم هو أنه وهم لرفضه.
3 - ورجل ثالث سمع من رسول الله (ص) شيئا أمر به، ثم نهى عنه، وهو
لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شئ، ثم أمر به وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم
يحفظ الناسخ.
فلو علم أنه منسوخ لرفضه ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ
لرفضوه.
4 - وآخر رابع لم يكذب على رسول الله (ص)، مبغض للكذب خوفا من
الله، وتعظيما لرسوله (ص)، لم ينسه، بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به كما
سمع، لم يزد فيه ولم ينقص، وعلم الناسخ والمنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض
المنسوخ، فإن أمر النبي (ص) مثل القرآن، ناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، ومحكم
ومتشابه، قد كان يكون من رسول الله (ص) الكلام له وجهان: كلام عام وكلام
خاص مثل القرآن، وقال الله تعالى في كتابه: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما
نهاكم عنه فانتهوا)، فيشتبه على من لا يعرف ولم
يدر عنى الله به ورسوله
(ص).
ليس كل أصحاب رسول الله (ص) كان يسأله عن الشئ فيفهم، وكان
22

منهم من يسأله ولا يستفهمه، حتى إن كانوا ليحبون أن يجئ الأعرابي والطاري
فيسال رسول الله (ص) حتى يسمعوا) (1).
وقد كانت هذه الرواية الشريفة المنطلق الواعي لتدارس الفكر الحديثي
وتوالده.
ومما يعد من الفكر الحديثي، ومن بداياته الرائدة ما وضعه الإمام أمير
المؤمنين (ع) من مبادئ عامة للتعامل مع المرويات من الأحاديث.
- قال (ع): اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية، فإن رواة العلم
كثيرة، ورعاته قليل.
- وقال (ع): إذا سمعتم من حديثنا ما لا تعرفونه فردوه إلينا، وقفوا عنده،
وسلموا، حتى يتبين لكم الحق، ولا تكونوا مذاييع عجلى (2).
وقد يعد في التأليف الحديثي المبكر ما ذكره ابن النديم في (الفهرست ص
308) من أن أبان بن تغلب الكوفي المتوفى سنة 141 ه‍ كان له كتاب بعنوان
(الأصول في الرواية على مذهب الشيعة).
ومن الفكر الحديثي الذي يعود إلى هذه الحقبة المتقدمة من الزمن:
ما رواه محمد بن مسلم الطائفي، قال: قلت لأبي عبد الله (ع): اسمع
الحديث منك، فأزيد وأنقص قال: إن كنت تريد معانيه فلا بأس.
- ما رواه زرارة، قال: يأتي عنكم الخبران - أو الحديثان - المتعرضان فبأيهما
نأخذ؟
قال: خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر.
قلت: فإنهما معا مشهوران.
قال: خذ بأعدلهما عندك، وأوثقهما في نفسك.

(1) الوافي: باب اختلاف الحديث والحكم 1 / 62 - 63.
(2) بحار الأنوار ط 4: 2 / 189.
23

ومن المؤلفات الأولى في فكر الحديث كتاب (اختلاف الحديث)
لمحمد بن أبي عمير الأزدي المتوفى سنة 217 ه‍.
ومما يرتبط بتاريخ أصول الحديث: التأليف في رجال الحديث، ومن
أقدمه:
1 - كتاب الرجال، عبد الله بن جبلة الكناني (ت 219 ه‍).
2 - كتاب المشيخة، الحسن بن محبوب (ت 224 ه‍).
3 - كتاب الرجال، الحسن بن فضال (ت 224 ه‍).
4 - كتاب الرجال، علي بن الحسن بن فضال.
5 - كتاب الرجال، محمد بن خالد البرقي.
وأيضا مما يرتبط بتاريخ أصول الحديث تأليف الجوامع الحديثة الأصول
(الكتب الأربعة) وذلك لاحتوائها على عدة من القواعد في هذا العلم أمثال:
- قاعدة الترجيح بين الخبرين المتعارضين.
- قاعدة الجرح والتعديل.
هذه، وأمثالها مما مهد وساعد على دخول الفكر الحديثي عالم الفكر
الأصولي.
ومن أقدم ما قرأناه من فكر هذا العلم في كتب أصول الفقه ما بحثه الشيخ
المفيد (ت 413 ه‍) في كتابه الموسوم ب‍ (أصول الفقه) - وهو أقدم كتاب أصولي
وصل إلينا -، فقد عقد فيه مبحثا بعنوان (الخبر)، ذكر فيه أقسامه، وبحث حجيته
واعتباره، قال في ص 40 - 41 ما نصه: (والحجة في الأخبار ما أوجبه العلم من
جهة النظر فيها بصحة مخبرها ونفي الشك فيه والارتياب.
وكل خبر لا يوصل بالاعتبار إلى صحة مخبره فليس بحجة في الدين، ولا
يلزم به عمل على الحال.
والأخبار التي يجب العلم بالنظر فيها على ضربين:
24

أحدهما: التواتر المستحيل وروده بالكذب من غير تواطؤ على ذلك، أو ما
يقوم مقامه في الاتفاق.
والثاني: خبر واحد يقترن إليه ما يقوم المتواتر بالبرهان على صحة مخبره،
وارتفاع الباطل منه والفساد.
والتواتر الذي وصفناه ما جاءت به الجماعات البالغة في الكثرة والانتشار
إلى حد قد منعت العادة من اجتماعهم على الكذب بالاتفاق، كما يتفق الاثنان أن
يتواردا بالارجاف.
وهذا حد يعرفه كل من عرف العادات.
وقد يجوز أن ترد جماعة دون من ذكرناه في العدد بخبر يعرف من شاهدهم
بروايتهم، ومخارج كلامهم، وما يبدو في ظاهر وجوههم، ويبين من تصورهم أنهم
لم يتواطؤوا لتعذر التعارف بينهم والتشاور، فيكون العلم بما ذكرناه من حالهم
دليلا على صدقهم ورافعا للإشكال في خبرهم، وإن لم يكونوا في الكثرة على ما
قدمناه.
فأما خبر الواحد القاطع للعذر فهو الذي يقترن إليه دليل يفضي بالناظر فيه
إلى العلم بصحة مخبره.
وربما كان الدليل حجة من عقل.
وربما كان شاهدا من عرف.
وربما كان إجماعا بغير خلف.
فمتى خلا خبر واحد من دلالة بها على صحة خبره فإنه - كما قدمناه - ليس
بحجة، ولا موجب علما، ولا عملا على كل وجه).
ومن بعد أصول المفيد تناول تلميذه الشريف المرتضى (الأخبار) في كتابه
(الذريعة إلى أصول الشريعة)، فبحث في هذا الباب الذي عنوان ب‍ (باب الكلام في
الأخبار)، وقسمه إلى الفصول التالية:
- فصل في حد الخبر وفهم أحكامه.
25

- فصل في إفادة خبر الواحد العلم.
- فصل في أقسام الخبر.
- فصل في جواز التعبد بالخبر.
- فصل في صفة المتحمل المخبر والمتحمل عنه وكيفية ألفاظ الرواية.
- وما يتعلق بهذه.
ونقرأ في كتاب (معارج الأصول) للمحقق الحلي (ت 676 ه‍) بابا خاصا
في الأخبار، عقده في مقدمة وفصول:
- الفصل الأول: في المتواتر من الأخبار.
- الفصل الثاني: في خبر الواحد.
- الفصل الثالث: في مباحث متعلقة بالمخبر.
- الفصل الرابع: في مباحث متعلقة بالخبر.
- الفصل الخامس: في التراجيح بين الأحبار المتعارضة.
ويذكر تاريخيا أن السيد أحمد بن موسى بن طاووس الحلي (ت 673 ه‍)
المعاصر للمحقق الحلي وصاحب كتاب (حل الاشكال في معرفة الرجال) أول من
نوع التنويع الرباعي المعرفة للأخبار: (الصحيح، الحسن، الموثق، الضعيف).
ولعله لما أثير من النقد - قبولا ورفضا - حول هذا التنويع كان الحافز
للتدوين المستقل في أصول الحديث.
التأليف فيه:
وأقدم مؤلف إمامي في هذا العلم أشير إليه هو كتاب (شرح أصول دراية
الحديث) للسيد علي بن عبد الكريم بن عبد الحميد النجفي النيلي تلميذ العلامة
الحلي، من علماء القرن الثامن الهجري.
ولعله تأثر بما ذكره وأثاره السيد أحمد بن طاووس الذي هو أستاذ أستاذه
العلامة الحلي.
26

وفي القرن العاشر الهجري كانت مؤلفات الشيخ زين الدين العاملي الشهيد
الثاني (ت 966 ه‍)، والتي بها استقر تدوين هذا العلم، وعنها نهل من جاء بعده.
وقد يكون لكتاب (حل الاشكال في معرفة الرجال) للسيد ابن طاووس تأثير
على ما ألفه الشهيد الثاني، فقد ذكر أن نسخة خط المؤلف ابن طاووس كانت
عند الشهيد الثاني.
وقد يكون لتلمذة ومزاملة الشهيد الثاني لعلماء من أهل السنة في الشام
وغيرها، تأثير آخر، وبخاصة في الجانب الفني.
أشهر مؤلفاته:
ومؤلفات الشهيد الثاني في علم الحديث هي:
1 - البداية في علم الدراية = بداية الدراية، طبع مع شرحه في طهران سنة
1310 ه‍.
2 - الرعاية في علم الدراية = شرح البداية، فرغ من تأليفه سنة 959 ه‍.
وطبع في أولى طبعاته مع أصله سنة 1310 ه‍.
3 - غنية القاصدين في معرفة اصطلاحات المحدثين، (ألمح إليه في
خاتمة شرح البداية، وقال: من أراد الاستقصاء فيها مع ذكر الأمثلة الموضحة
لمطالبه فعليه بكتابنا (غنية القاصدين في معرفة اصطلاحات المحدثين) فإنه قد بلغ
في ذلك الغاية) (1).
ثم توالت التواليف بعدها، ومما هو مشهور منها ومطبوع:
4 - وصول الأخبار إلى أصول الأخبار، للشيخ حسين بن عبد الصمد
العاملي (ت 984 ه‍).
5 - الوجيزة في علم الدراية، للشيخ بهاء الدين العاملي (ت 1030 ه‍).

(1) أصول الحديث وأحكامه ص 10.
27

6 - الرواشح السماوية، للسيد الداماد (ت 1041 ه‍).
7 - جامع المقال فيما يتعلق بأحوال الحديث والرجال، للشيخ فخر الدين
الطريحي (ت 1085 ه‍).
8 - مقباس الهداية في علم الدراية، الشيخ عبد الله المامقاني (ت
1351 ه‍) طبع في النجف سنة 1345 ه‍، ثم طبع بتحقيق حفيد المؤلف الشيخ
محمد رضا المامقاني بيروت سنة 1411 ه‍.
9 - نهاية الدراية (شرح وجيزة البهائي) للسيد حسن الصدر (ت
1354 ه‍)، طبع في الهند سنة 1324 وفي صيدا سنة 1331 ه‍.
10 - دراسات في الحديث والمحدثين، للسيد هاشم معروف (ت
1401 ه‍).
11 - قواعد الحديث، للسيد محي الدين الغريفي (ت 1412 ه‍).
12 - أصول الحديث أحكامه في علم الدراية، الشيخ جعفر السبحاني،
طبع في قم سنة 1412 ه‍.
28

المصطلحات العامة
في أصول الحديث
- الحديث.
- الخبر.
- الأثر.
- الرواية.
- الراوي.
- الراوية.
29

تناول علماء الحديث بعض المصطلحات العامة في هذا العلم، ببيان
معانيها في اللغة العربية، وفي اصطلاح علماء هذا العلم.
الحديث. الخبر. الأثر:
ومما بحثوه: الحديث والخبر والأثر، وذكروا ما بينها من علاقات دلالية.
وخلاصة ما ذكروه في العلاقة بين الحديث والخبر هي:
1 - أن الحديث والخبر مترادفان على معنى واحد، وهو: الكلام الذي
يكون لنسبته خارج في أحد الأزمنة، سواء طابق نسبته الخارجية أم لم يطابقها.
وهو التعريف المنطقي للخبر.
وهو - هنا - عام يشمل قول النبي والإمام والصحابي والتابعي وغيرهم.
2 - إن الحديث خاص بما جاء عن المعصوم، والخبر عام يشمل ما جاء
عن المعصوم وغيره.
فالنسبة بينهما عموم وخصوص من مطلق، إذ كل حديث خبر، وليس كل
خبر حديث، وإنما بعض الخبر حديث.
3 - إن الحديث والخبر متباينان في معناهما، ذلك أن الحديث خاص بما
جاء عن المعصوم، والخبر خاص بما جاء عن غيره.
وقالوا في العلاقة بين الحديث والخبر والأثر:
31

1 - الحديث ما جاء عن المعصوم.
والأثر ما جاء عن الصحابي.
والخبر يطلق على الأعم منهما، أي أنه يطلق على ما جاء عن المعصوم،
وعلى ما جاء عن الصحابي، وعلى ما جاء عن غيرهما من سائر الناس.
2 - ان الأثر أعم من الخبر والحديث.
حيث أن الحديث خاص بما روي عن المعصوم، والخبر خاص بما روي
عن غير المعصوم، والأثر يطلق على ما يروى عن المعصوم، وما يروى عن غير
المعصوم، فهو أعم منهما مطلقا.
3 - إن الأثر مساو للخبر في جميع دلالاته على اختلافها.
والذي يبدو أن هذا الاختلاف في الدلالات المذكورة جاء من الخلط
الذي وقع فيه اللغويون المعجميون عند تعاملهم مع الألفاظ ودلالاتها حيث لم
يفرقوا فيما ذكروه في معاجمهم بين المستوى اللغوي لاستعمال الألفاظ
والمستوى العلمي، والمطلوب منهجيا هو التفرقة بين هذين المستويين.
ونحن - هنا - إذا حاولنا تسليط الضوء على واقع هذه المصطلحات الثلاثة
من خلال استخدامها على ألسنة المحدثين والفقهاء، وفي كتاباتهم، أي من خلال
دراستنا للمستوى العلمي لها، لرأيناها تستعمل جميعا في معنى واحد هو حكاية
السنة في أنماطها الثلاثة: القول والفعل والامضاء (التقرير).
وذلك لأنها مأخوذة من قولهم (حدث فلان) أو (حدثني فلان) و (أخبر
فلان) أو (خبر فلان) أو (المأثور عن فلان) و (أثر عن فلان).
أقول هذا، لأننا عندما نقول: هذا مصطلح من مصطلحات علم الحديث،
نعني أن علماء هذا العلم هم الذين حددوا له معناه العلمي (الاصطلاحي).
والطريق السليم لمعرفة هذا هو ملاحظة ومتابعة استعمالهم للفظ المصطلح
في لغتهم العلمية.
ومن خلال الاستقراء لاستخدام هذه الكلمات الثلاث في لغة المحدثين
32

والفقهاء من أصحابنا الاماميين نجدها جميعا تستعمل في الحكاية عن السنة
الشريفة.
وإذا أريد استعمالها في غير هذا في لغتهم العلمية تقيد بما يدل على المراد.
فالحديث، وكذلك الخبر، ومثلهما الأثر، تدل على معنى واحد هو السنة.
فهي قد تحكي قول المعصوم، وقد تخبر عن فعله أو إمضائه (تقريره).
وعليه، لسنا بحاجة إلى ذكر ما ذكروه.
وفيما ذكره أصحابنا المؤلفون من الإمامية خلط بين مفاهيم علم الحديث
عندنا ومفاهيم علم الحديث عند أهل السنة، ذلك أنه قد أثر عن بعضهم اعتبار
قول الصحابي من السنة - ولعل الشاطبي في (الموافقات) أشهر من قال بهذا
واستدل له - فمن هنا جاءت التفرقة عند بعضهم بين الأثر حيث يختص باطلاقه -
كمصطلح علمي - على سنة الصحابة، والحديث حيث يختص باطلاقه على سنة
النبي (ص).
أما نحن الذين لا نقول بسنية قول الصحابي لا نكون بحاجة إلى ذكر هذا
الفرق.
الرواية:
الرواية - في اللغة العربية - تعني النقل: وفي مصطلح المحدثين تعني نقل
الحديث بالاسناد.
هذا إذا أريد منها المصدر.
وإذا أريد منها اسم المفعول فتعني الحديث المنقول بالاسناد.
وقد يراد بها مطلق الحديث مسندا أو غير مسند.
وتطلق في كتب الفقه الاستدلالي، وبخاصة عند متأخري المتأخرين من
فقهاء الإمامية كالشيخ محمد حسن النجفي والشيخ يوسف البحراني والسيد
محسن الحكيم والشيخ حسين الحلي والسيد علي شبر والسيد أبي القاسم
33

الخوئي على ما يقابل الحديث الصحيح والحسن والموثق من أقسام الحديث
الأربعة، مما يشير إلى عدم تصحيحها لديهم أو تحسينها أو توثيقها.
يرجع للوقوف على هذا إلى كتبهم الاستدلالية كالجواهر والحدائق
والمستمسك والدليل والعمل الابقى والتنقيح وغيرها.
الراوي والرواية:
كلمة (الراوي) من الألفاظ المستعملة عند العرب على المستوى الثقافي
في حامل الشعر وناقله، فقد ذكر تاريخيا أن لكل شاعر عربي من شعراء الجاهلية
المعروفين راويا يحفظ شعره عن ظهر قلب، وينقله إلى الآخرين.
ومنه عرفت في أوساطهم الثقافية رواية الشعر، وقد انسحب هذا على رواية
الحديث عن النبي (ص) فأطلقوا على من يرويه عنه (ص) اسم (الراوي).
ومن هنا قالوا في تعريفهم للراوي - معجميا -: (راوي الحديث أو الشعر:
حامله وناقله، وجمعه: راوون ورواة).
والرواية: هو من كثرت روايته.
والتاء فيه للمبالغة مثلها في علامة وفهامة.
34

مصادر الحديث
- رواية الحديث.
- تدوين الحديث.
- تدوين الحديث عند أهل السنة.
- تدوين الحديث عند أهل البيت.
- تدوين الحديث عند الشيعة.
- الأصول الأربعمائة.
- كتب الحديث الأخرى.
- الجوامع الأربعة المتقدمة.
- الجوامع الأربعة المتأخرة.
35

رواية الحديث:
سلك المسلمون العرب في رواية الحديث عن رسول الله (ص) طريقين،
هما: الرواية الشفوية والرواية التحريرية.
1 - الرواية الشفوية:
وهي الظاهرة المعروفة لديهم في حمل الثقافة ونقلها.
ورواية الشعر في العصر الجاهلي وعصر صدر الاسلام أجلى مصاديق هذه
الظاهرة.
وتعتمد هذه الظاهرة (أعني الرواية الشفوية): على دعامتين أساسيتين هما:
السماع والحفظ.
سماع الحديث من المتحدث ثم استظهاره وحفظه عن ظهر قلب.
ولأن الحديث النبوي (السنة النبوية الشريفة) كان يشمل - بالإضافة إلى
القول الذي يعتمد فيه على على السماع - الفعل والتقرير، أي أفعال النبي (ص) غير
القولية وإمضاءاته أو إقراراته لأفعال الآخرين.
ولأن هذه لا تدخل في نطاق ما يدرك عن طريق السمع تقوم المشاهدة
والمعاينة مقام السماع، ويقوم البصر مقام السمع.
ففي الحالة الأولى - وهي حكاية أقوال النبي (ص) - يقول الراوي: (سمعت
37

رسول الله يقول...)، أو يقول: (قال رسول الله...).. والخ.
وفي الحالة الثانية - وهي الإخبار عن الفعل أو التقرير - يقول الراوي: (رأيت
رسول الله يفعل كذا) أو (رأيته أقر فلانا على فعل كذا) أو (فعل فلان أمام رسول الله
كذا ولم ينكر عليه).. والخ.
فالرواية من قبل الراوي الأول وهو الذي يروي السنة الشريفة عن رسول الله (ص)
مباشرة من دون أن يكون بينه وبين رسول الله واسطة، تعتمد الحس (السمع أو البصر
و (الاستظهار).
هذا في حالة حمل السنة الشريفة وتحملها.
وفي حالة نقل إلى الآخرين فتعتمد النقل الشفوي أي القول شفاها.
2 - الرواية التحريرية:
وهي أن يكتب الراوي أقوال الرسول (ص) وافعاله وتقريراته.
ويعتبر هذا التدوين أو تلك الكتابة حملا للسنة الشريفة وتحملا لها.
وإذا أراد أن ينقلها فقد يعتمد في نقلها إلى الآخرين الرواية الشفوية، وقد
يعتمد الرواية التحريرية بأن يسلمه ما كتبه، أو ينسخه له.
ولأن ظاهرة الكتابة والتدوين لم تكن من الشيوع والانتشار عند العرب
بمستوى ظاهرة الرواية الشفهية كان اعتماد المحدثين من الصحابة على الرواية
الشفهية أكثر منه على الرواية التحريرية.
تدوين الحديث:
ومع هذا فقد ذكر تاريخيا وثبت عند علماء الحديث من أهل السنة أن بعض
الصحابة كتب حديث رسول الله (ص) على عهده، وأقر رسول الله (ص) هذا
الفعل منهم بما يعد سنة شريفة يستفاد منها جواز كتابة الحديث وتدوينه.
ومما اشتهر من هذا:
1 - الصحيفة الصادقة لعبد الله بن عمرو بن العاص.
38

2 - الصحيفة الصحيحة برواية همام بن منبه عن أبي هريرة عن رسول الله (ص)
3 - صحيفة سمرة بن جندب.
4 - صحيفة سعدة بن عبادة الأنصاري.
5 - صحيفة جابر بن عبد الله الأنصاري.
ونلمس إقرار النبي (ص) لكتابة حديثه على عهده، ونعرف موقفه من هذا
مما رواه عبد الله بن مرو بن العاص قال: (كنت أكتب كل شئ أسمعه من
رسول الله (ص) فنهتني قريش وقالوا: تكتب كل شئ سمعته من رسول الله (ص)،
ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك
لرسول الله، فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال: اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا
حق) (1).
وهذه الرواية كما تعرب عن أن رسول الله (ص) أجاز الكتابة عنه وجوزها،
ورد التهمة التي وجهت إليه من قريش، تشير إلى أن هناك من الصحابة من نهى عن
كتابة حديث رسول الله (ص) على عهده.
وقد اشتهر هذا النهي أو المنع عن الخليفة عمر بن الخطاب، (وأرجع
الحافظ ابن حجر هذا (المنع) إلى أمرين:
الأول: أنهم (يعني الصحابة) كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك - كما
ثبت في صحيح مسلم - خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن) (2).

(1) معالم المدرستين للعسكري 2 / 42 نقلا عن سنن الدارمي 1 / 125 باب من رخص في الكتابة
من المقدمة، وسنن أبي داود 2 / 126 باب كتابة العلم، ومسند أحمد 2 / 162 و 207 و
216، ومستدرك الحاكم 1 / 105 - 106، وجامع بيان العلم وفضله 1 / 85 ط 2.
(2) يشير إلى ما رواه مسلم في جامعه أنه (ص) قال: (لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن
فليمحه).
علق عليه الشيخ مناع القطان في كتابه (التشريع والفقه في الاسلام 94، بقوله: (وهذا الحديث
هو الذي صح عن رسول الله (ص) في النهي عن كتابة السنة... واختلفوا في المراد بهذا الوارد
في النهي.
فقيل: هو في حق من يوثق في حفظه ويخاف اتكاله على الكتابة إذا كتب... وتحمل =
39

(وقد أخرج الهروي في كتاب ذم الكلام من طريق الزهري، قال: أخبرني
عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أراد أن يكتب السنن،
واستشار فيها أصحاب رسول الله (ص)، فأشر عليه عامتهم بذلك، فلبث عمر
شهرا يستخير الله في ذلك شاكا فيه، ثم أصبح يوما وقد عزم الله تعالى له، فقال:
(إني كنت ذكرت لكم في كتابة السنن ما قد علمتم، ثم تذكرت فإذا أناس من
أهل الكتاب قبلكم قد كتبوا مع كتاب الله كتبا، فأكبوا عليها، وتركوا كتاب الله،
وإني - والله - لا ألبس كتاب الله بشئ) فترك كتاب السنن) (1).
وواضح من النص المذكور في أعلاه أن هذا كان اجتهادا من عمر، تأثر فيه

= الأحاديث الواردة بالإباحة على من لا يوثق بحفظه كحديث (اكتبوا لأبي شاة)...
وقيل: إن حديث النهي منسوخ بهذه الأحاديث، وكان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن، فلما
أمن ذلك أذن في الكتابة.
وقيل: إنما نهي عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة لئلا يختلط فيشتبه على
القارئ في صحيفة واحدة.
وحين نزل أكثر الوحي، وحفظه الكثير، وأمن اختلاطه بسواه، أذن رسول الله (ص) لبعض
صحابته إذنا خاصا في كتابة الحديث، ليساعدهم ذلك على زيادة الضبط إن خيف نسيانهم،
ولم يوثق بحفظهم.
ولعله خص بهذا الاذن من كان أشد ضبطا وحفظا.
وبهذا يلتقي ما قيل من تعارض بين النوص الواردة في النهي عن كتابة الحديث والاذن في
ذلك.
وقد اتفقت الكلمة بعد الصدر الأول على جواز كتابة الحديث).
وقال ابن الصلاح في مقدمته (انظر: التقييد والايضاح 203): (وروينا عن أبي سعدي الخدري أن
النبي (ص) قال: (لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن ومن كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه) أخرجه
مسلم.
وممن روينا عنه إباحة ذلك أو فعله علي وابنه الحسن وأنس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو
بن العاص في جميع آخرين من الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم أجمعين.
ومن صحيح حديث رسول الله (ص) الدال على جاز ذلك حديث أبي شاة اليمني في التماسه
من رسول الله (ص) أن يكتب له شيئا سمعه من خطبته عام فتح مكة، وقوله (ص): (اكتبوا لأبي
شاة).
(1) تاريخ الفقه الاسلامي للأشقر 72 نقلا عن تنوير الحوالك 1 / 4.
40

بواقع اليهود وموقفهم من التوراة، لا أنه - كما قيل - اعتمد النهي المروي عن النبي
(ص)، لأنه لم يشر إليه، والقصة المذكورة تدل - وبوضوح - على أنه اجتهد رأيه.
إلا أنه - كما ترى - اجتهاد في مقابلة النص الآمر بالكتابة.
ومع أنه اجتهاد وفي مقابلة النص كان يصر عليه وكتب به إلى الأمصار،
فقد (روي عن يحيى بن جعدة أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة ثم بدا له
أن لا يكتبها، ثم كتب إلى الأمصار: من كان عنده شئ فليمحه) (1).
ويبدو أن عمر كان على معرفة باللغة العبرية، فقد ذكر أنه بعد أن قرر قراره
المذكور بالمنع من كتابة الحديث جمع ما في أيدي الصحابة من الحديث
المكتوب على مدى شهر، ثم أحرقه، وقال: (مشناة كمشناة أهل الكتاب).
والمشناة هي نص التلمود اليهودي، ذلك أن التلمود - وهو مجموعة
الشرايع اليهودية التي نقلت شفويا مقرونة بتفاسير رجال الدين ينقسم إلى قسمين:
المشنة وهي النص، والجمارة وهي التفسير.
ولو كان النهي عن الكتابة - كما ذكر - صادرا من النبي (ص) لما أقدم
الذين أقدموا من الصحابة على الكتابة، ومنهم علي والحسن، ولما أمر النبي (ص)
عبد الله بن عمرو بن العاص بالكتابة، وكذلك لما أمر أن يكتب لأبي شاة،
ولتمسك عمر بن الخطاب بهذا النهي.
كل هذا يدل على أن عمر كان قد اجتهد رأيه في المسألة، ولم يستند فيها
إلى نص.
ويبدو لي أن هذا كان منه لئلا ينتشر فضل أهل البيت من خلال نشر
الحديث، ولئلا يبين حق علي في الخلافة عن طريق حديث الغدير وأمثاله.
يقول السيد هاشم معروف في كتابه (دراسات في الحديث والمحدثين
21 - 22): (وجاء عنه (يعني عمر) أنه لما حدث أبي بن كعب عن بيت المقدس

(1) مجلة الفكر الجديد، العدد الثالث: علوم الحديث للغرباوي نقلا عن كنز العمال 10 /
29476.
41

وأخباره، انتهره عمر بن الخطاب، وهم بضربه، فاستشهد أبي بجماعة من الأنصار،
ولما شهدوا بأنهم سمعوا الحديث من رسول الله (ص) تركه، فقال له أبي بن
كعب: أتتهمني على حديث رسول الله؟! فقال: يا أبا المنذر، والله ما اتهمتك،
ولكني كرهت أن يكون الحديث عن رسول الله ظاهرا.
إلى غير ذلك من المرويات الكثيرة التي تؤكد أن الخليفة لم يعتمد على
الرسول في منعه عن التدوين، وأنه قد تفرد بهذا التصرف حرصا على كتاب الله.
ولكن الرواية التي تنص على أ، ه قد انتهر أبي بن كعب لما حدث عن بيت
المقدس، وقوله فيها: (إني كرهت أن يكون الحديث عن رسول الله ظاهرا).. هذه
الرواية تدل على أنه كان حريصا على أن لا ينتشر الحديث عن رسول الله (ص)،
مع العلم بأن حديث الرسول مكمل للتشريع، ومبين لمجملات القرآن، ومخصص
لعموماته ومطلقاته، وقد تكفل لكثير من النواحي الأخلاقية والاجتماعية والتربوية.
ولو تقصينا الأسباب التي يمكن افتراضها لتلك الرغبة الملحة في بقاء السنة
في طي الكتمان لم نجد سببا يخوله هذا التصرف، ولا نستبعد أنه كان يتخوف
من اشتهار أحاديث الرسول في فضل علي وأبنائه (ع).
ويؤكد ذلك ما رواه عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه: أن علقمة جاء بكتب
من اليمن أو مكة تحتوي على طائفة من الأحاديث في فضل أهل البيت (ع)،
فاستأذنا على عبد الله بن معسود، فدخلنا عليه، ودفعنا إليه الكتب، قال: فدعا
الجارية ثم دعا بطشت فيه ماء، فقلنا له: يا عبد الله انظر فيها، فإن فيها أحاديث
حسانا، فلم يلتفت، وجعل يميثها في الماء، ويقول (نحن نقص عليك أحسن
القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن)، القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن.
وعبد الله بن مسعود كان منحرفا عن علي (ع)، ويساير المنحرفين عنه،
كما تؤكد ذلك النصوص التاريخية).
تدوين الحديث عند أهل السنة:
وقد استمرت هذه الحالة عند أهل السنة أخذا باجتهاد عمر بن الخطاب
42

حتى خلافة عمر بن عبد العزيز الأموي، وحيث انتهى آخر جيل من الصحابة، بدأوا
يكتبون الحديث وبأمر عمر بن عبد العزيز.
ومرت الكتابة عندهم بمراحل ثلاث: مرحلة الجمع، ومرحلة المسانيد،
ومرحلة الصحاح.
1 - مرحلة الجمع:
(يقول أبو نعيم في الحلية: قام كبا أهل الطبقة الثالثة في منتصف القرن
الثاني فدونوا الأحكام.
فصنف الإمام مالك (الموطأ) وتوخى فيه القوي من حيث أهل الحجاز
ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم.
وصنف ابن جريج بمكة، والأوزاعي بالشام، وسفيان الثوري بالكوفة،
وحماد بن أبي سليمان بالبصرة، وهشيم بواسط، ومعمر باليمن، وابن المبارك
بخراسان، وجرير بن عبد الحميد بالري.
وكان هؤلاء في عصر واحد فلا يدري أيهم أسبق.
ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم) (1).
2 - مرحلة المسانيد:
وهي التي أفردت فيها أحاديث النبي (ص) من سواها.
(يقول ابن حجر في (فتح الباري): رأى بعض الأئمة منهم أن يفرد حديث
النبي (ص) خاصة، وذلك على رأس المائتين، فصنف عبيد الله بن موسى العبسي
الكوفي مسندا، وصنف مسدد بن مسرهد البصري مسندا، وصنف أسد بن موسى
الأموي مسندا، وصنف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر مسندا.
ثم أقتفي الأئمة بعد ذلك أثرهم، فقل إمام من الحفاظ إلا وصنف حديثه

(1) تاريخ الفقه الاسلامي للأشقر 96.
43

على المسانيد كالإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، وعثمان بن شيبة، وغيرهم من
النبلاء) (1).
3 - مرحلة الصحاح:
وهي مرحلة إفراد الصحيح من حديث رسول الله (ص) من غير الصحيح
مما روي عنه.
(وأول من اتجه هذا الاتجاه البخاري، يقول أبن حجر: (ولما رأى البخاري
هذه التصانيف ورواها وحدها جامعة للصحيح والحسن، والكثير منها يشمله
التضعيف، فحرك همته لجميع الحديث الصحيح، وقوى همته لذلك ما سمعه من
أستاذه إسحاق بن راهويه حيث قال لمن عنده والبخاري فيهم: (لو جمعتم كتابا
مختصرا لصحيح سنة رسول الله (ص)...)، قال البخاري: فوقع ذلك في قلبي
فأخذت في جمع الجامع الصحيح) (2).
وأهم وأشهر كتب الحديث عند أهل السنة هي:
1 - موطأ الإمام مالك بن أنس.
2 - مسند الإمام أحمد بن حنبل.
3 - الجامع الصحيح لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل الخباري (ت
256 ه‍).
4 - الجامع الصحيح لمسلم بن الحجاج القشيري (ت 261 ه‍).
5 - السنن لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275 ه‍).
6 - السنن لمحمد بن عيسى الترمذي (ت 279 ه‍).
7 - السنن لأحمد بن شعيب النسائي (ت 302 ه‍).
8 - السنن لمحمد بن يزيد بن ماجة القزويني (ت 273 ه‍).

(
(1) م. ن.
(2) تاريخ الفقه الاسلامي للأشقر 97.
44

هذا عند الصحابة القائلين بالمنع ومن تبعهم من أهل السنة وهم جمهورهم.
تدوين الحديث عند أهل البيت:
أما عند أهل البيت فالأمر كان على العكس حيث التزموا سنة رسول الله
(ص) فدنوا الحديث وكتبوه في الصحف الصغيرة، والكتب الكبيرة الجامعة.
ورواية الكليني المتقدمة تعطينا صورة واضحة عن هذا، فقد جاء في آخرها
قول أمير المؤمنين (ع): (وقد كنت أدخل على رسول الله (ص) كل يوم دخلة،
وكل ليلة دخلة، فيخليني فيها، أدور معه حيث دار، وقد علم أصحاب رسول الله
(ص) أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري، فربما كان في بيتي يأتيني رسول
الله (ص) أكثر ذلك.
وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني وأقام عني نساءه فلا يبقى عنده
غيري، وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم يقم عني فاطمة ولا أحدا من بني.
وكنت إذا سألته أجابني، وإذا سكنت عنه وفنيت مسائلي ابتدأني.
فما نزلت على رسول الله (ص) آية من القرآن إلا أقرأنيها أو أملاها علي
فكتبتها بخطي، وعلمني تأويلها وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها، ومحكمها
ومتشابهها، وخاصها وعامها.
ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله تعالى،
ولا علما أملاه علي وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا، وما ترك شيئا علمه الله من
حلال ولا حرام ولا أمر ولا نهي كان أو يكون، ولا كتاب منزل على أحد قبله من
طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته فلم أنس حرفا واحدا.
ثم وضع يده على صدري ودعا لي أن يملأ قلبي علما وفهما وحكما
ونورا، فقلت: يا رسول الله - بأبي أنت وأمي - منذ دعوت الله لي بما دعوت لم
أنس شيئا، ولم يفتني شئ لم أكتبه، أفتتخوف علي النسيان فيما بعد، فقال: لا،
لست أتخوف عليك النسيان والجهل) (1).

(1) الوافي 1 / 63.
45

وأول كتاب كتب في حديث أهل البيت (ع) عن رسول الله (ص) هو
(كتاب علي).
وقد ورد ذكره بالإشارة إليه والنقل عنه في كتب الرجال والفهارس
والحديث والفقه وغيرها.
قال عنه شيخنا الطهراني بعنوان (أمالي سيدنا ونبينا أبي القاسم رسول الله - ص -):
(أملاه على أمير المؤمنين (ع)، وهو كتبه بخطه الشريف.
هذا أول كتاب كتب في الاسلام من كلام البشر من إملاء النبي وخط
الوصي.
وهو كتاب مدرج عظيم يفتح ويقرأ منه على ما ترشدنا إليه أحاديث أهل
البيت (ع): نتيمن بذكر حديث واحد منها، رواه النجاشي في كتابه في ترجمة محمد
بن عذافر بإسناده إلى غذافر بن عيسى الصيرفي، قال: كنت مع الحكم بن عيينة
عند أبي جعفر الباقر (ع)، فجعل يسأله الحكم، وكان أبو جعفر له مكرما، فاختلفا
في شئ، فقال أبو جعفر: يا بني قم فأخرج كتاب علي (ع)، فأخرج كتابا مدرجا
عظيما، ففتحه، وجعل ينظر حتى أخرج المسألة، فقال أبو جعفر (ع): هذا خط
علي وإملاء رسول الله (ص)، وأقبل على الحكم، وقال: يا أبا محمد إذهب أنت
وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم يمينا وشمالا، فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند
قوم كان ينزل عليهم جبرئيل. انتهى.
وقطعة من هذا (الأمالي) موجودة بعينها حتى اليوم في كتب الشيعة -
وذلك من فضل الله تعالى - أوردها الشيخ أبو جعفر بن بابويه الصدوق في
المجلس السادس والستين من كتاب أماليه، وهي مشتملة على كثير من الآداب
والسنن وأحكام الحلال والحرام، يقرب من ثلاثمائة بيت، رواها بإسناده إلى الإمام
الصادق (ع) بروايته عن آبائه الكرام، وقال الصادق في آخره: إنه جمعه من الكتاب
الذي هو إملاء رسول الله (ص) وخط علي بن أبي طالب (ع)) (1).

(1) الذريعة 2 / 306 - 307.
46

تدوين الحديث عند الشيعة:
مر تدوين الحديث عند الشيعة بمرحلتين، هما: مرحلة المجموعات
الصغيرة ومرحلة المجموعات الكبيرة.
1 - مرحلة المجموعات الصغيرة:
ويمكننا أن نطلق عليها (مرحلة الروايات المباشرة والمبكرة)، ذلك أن من
هذه المجموعات، والتي عرفت بين المحدثين ب‍ (الأصول)، تقوم في منهج تأليفها
على رواية المؤلف عن الامام مباشرة، أو بتوسط راو واحد فقط بينه وبين الامام،
أي أن المؤلف يروي الحديث عمن رواه عن الامام مباشرة.
وكانت هذه المجموعات من حيث العدد كثيرة بلغت الأربعمائة ويرجع
سبب كثرتها إلى:
1 - كثرة الرواة من الشيعة عن الأئمة.
2 - كثرة الحديث الذي يرويه الأئمة عن رسول الله (ص)، وقد أوضحت
في كتابي (تاريخ التشريع الاسلامي) أن حديث أهل البيت (ع) بالوفرة الوفيرة التي
تغطي مساحة التشريع الاسلامي كلها، وتوفي جميع احتياجات الفقيه من النصوص
الشرعية في مجال الاستنباط.
وأن من هذه المجموعات ما لم يلتزم شرط الرواية المباشرة، إلا أن ما فيه
من أحاديث ترجع في تاريخها إلى عهود الأئمة، ومن هنا تعد من الروايات
المبكرة.
وكانت هذه الأصول الأربعمائة، والكتب الأخرى المشار إليها، تستمد
مادتها الحديثية من الامام، وكل إمام تروى عنه، يرويها هو - بدوره - عن أبيه أو
آبائه عن كتاب علي الذي مرت الإشارة إليه.
وإسنادها من الإمام حتى الباري تعالى هو المعروف في عرف المحدثين
من السنة والشيعة بسلسلة الذهب لنقائه وصفائه وسمو قيمته الروائية.
47

الأصول الأربعمائة:
الأصول الأربعمائة هي أربعمائة كتاب، أطلق عليها عنوان (أصل) بمعنى
مرجع لرجوع العلماء إليها واعتمادهم عليه.
وقد انفردت هذه الأصول عند العلماء بمزايا، منها:
1 - انفرادها بمنهجها الخاص في التأليف الذي أشرت إليه آنفا، وهو أن
الحديث المدون فيها إما أنه برواية مؤلفه عن الامام مباشرة أو بروايته عمن يرويه
عن الامام مباشرة.
2 - الثناء على مؤلفيها، بما أوجب أن يقال بصحة ما فيها، من قبل قدماء
أصحابنا.
قال شيخنا الطهراني في (الذريعة 2 / 126 - 132): (ذكر الشيخ البهائي
في (مشرق الشمسين) الأمور الموجبة لحكم القدماء بصحة الحديث، وعد منها:
(وجود الحديث في كثير من الأصول الأربعمائة المشهورة المتداولة عندهم.
ومنها: تكرر الحديث في أصل أو أصلين منها بإساندي مختلفة متعددة.
ومنها: وجوده في أصل رجل واحد معدود من أصحاب الإجماع).
وقال المحقق الداماد في الراشحة التاسعة والعشرين من رواشحه - بعد ذكر
الأصول الأربعمائة -: (وليعلم أن الأخذ من الأصول المصححة المعتمدة أحد
أركان تصحيح الرواية).
فوجود الحديث في الأصل المعتمد عليه بمجرده كان من موجبات
الحكم بالصحة عند القدماء.
وأما سائر الكتب المعتمدة فإنهم يحكمون بصحة ما فيها بعد فع سائر
الاحتمالات المخلة بالاطمينان بالصدور، ولا يكتفون بمجرد الوجود فيها وحسن
عقيدة مؤلفيها.
فالكتاب الذي هو أصل ممتاز عن غيره من الكتب بشدة الاطمينان
بالصدور والأقربية إلى الحجية والحكم بالصحة.
48

هذه الميزة ترشحت إلى الأصول من قبل مزية شخصية توجد في مؤلفيها.
تلك هي المثابرة الأكيدة على كيفية تأليفها والتحفظ على ما لا يتحفظ
عليه غيرها من المؤلفين، وبذلك صاروا ممدوحين عند الأئمة (ع).........
ولذا نعد قول أئمة الرجال في ترجمة أحدهم: (إن له أصلا)، من ألفاظ
المدح له، لكشفه عن وجود مزايا شخصية فيه من الضبط والحفظ والتحرز عن
بواعث النسيان والاشتباه، والتحفظ عن موجبات الغلط والسهو وغيرها، والتهيؤ
لتلقي الأحاديث بعين ما تصدر عن معادنها، على ما كان عليه ديدن أصحاب
الأصول.....
وقال الشيخ البهائي في (مشرق الشمسين): (قد بلغنا عن مشايخنا - قدس
سرهم - أنه كان من دأب أصحاب الأصول أنهم إذا سمعوا عن أحد من الأئمة (ع)
حديثا بادروا إلى اثباته في أصولهم لئلا يعرض لهم نسيان لبعضه أو كله بتمادي
الأيام).
وقال المحقق الداماد في الراشحة التاسعة والعشرين من رواشحه: (يقال قد
كان من دأب أصحاب الأصول أنهم إذا سمعوا من أحدهم (ع) حديثا بادروا إلى
ضبطه في أصولهم من غير تأخير).
إن المزايا التي توجد في الأصول ومؤلفيها دعت أصحابنا إلى الاهتمام التام
بشأنها قراءة ورواية وحفظا وتصحيحا والعناية الزائدة بها وتفضيلها على غيرها من
المصنفات.
يرشدنا إلى ذلك تخصيصهم الأصول بتصنيف فهرس خاص لها، وإفرادهم
مؤلفيها عن سائر الرواة والمصنفين بتدوين تراجمهم مستقلة، كما صنعه الشيخ أبو
الحسين أحمد بن الحسين بن عبد الله بن الغضائري (المعاصر للشيخ الطوسي).
ذكر شيخنا الطهراني ما يقرب من 130 أصلا في كتابه (الذريعة ج 2 ص
125 - 167)، منها.
- أصل آدم بن الحسين النخاس الكوفي الثقة.
49

- أصل آدم بن المتوكل بياع اللؤلؤ الكوفي الثقة.
- أصل أبان بن تغلب الكوفي الثقة.
- أصل أبان بن عثمان الأحمر البجلي الثقة.
- أصل أبان بن محمد البجلي الثقة.
- أصل إبراهيم بن عثمان أبي أيوب الخزار الكوفي الثقة.
- أصل إبراهيم بن مسلم الضرير الكوفي الثقة.
- أصل إبراهيم بن مهزم الأسدي الكوفي الثقة.
- أصل أحمد بن الحسين الصيقل الكوفي الثقة.
- أصل إسحاق بن عمار السابقاطي الثقة.
كتب الحديث الأخرى:
وهي الكتب (غير الأصول الأربعمائة) التي ألفت في عهود الأئمة أيضا، إلا أنه
لم يلتزم فيها أصحابها ما التزمه مؤلفو الأصول الأربعمائة من التقيد برواية الحديث
عن الامام مباشرة، أو بروايته عمن يرويه عن الامام مباشرة.
فهم قد يروون عن الامام مباشرة، وعن صاحب الأصل مباشرة وعنهما
بالواسطة الواحدة، والواسطة المتعددة.
نذكر - تيمنا - مما ذكره شيخنا الطهراني في (الذريعة ج 6 ص 303 وما
بعدها) العناوين التالية:
- كتاب الحديث لأبي يحيى إبراهيم بن أبي البلاد.
- كتاب الحديث لإبراهيم بن أبي الكرام الجعفري.
- كتاب الحديث لإبراهيم بن خالد العطار العبدي.
- كتاب الحديث لإبراهيم بن صالح الأنماطي الأسدي.
- كتاب الحديث لإبراهيم بن عبد الحميد الأسدي.
50

- كتاب الحديث لإبراهيم بن مهزم الأسدي.
- كتاب الحديث لإبراهيم بن نصر الجعفي.
- كتاب الحديث لإبراهيم بن نعيم العبدي.
- كتاب الحديث لإبراهيم بن يوسف الكندي.
- كتاب الحديث لأبي شعيب المحاملي الكوفي.
2 - مرحلة المجموعات الكبيرة:
وهي مرحلة إعداد وتأليف الكتب الكبيرة التي جمع فيها ما في مدونات
الحديث في المرحلة السابقة، وتختلف عنها في الإضافات على الاسناد بذكر
الرواة من مؤلف الكتاب الجامع إلى مؤلف الكتاب الأصل، وفي التبويب وفق
أبواب الفقه أو الموضوع الذي من أجله ألفت.
وتمثلت هذه المجموعات الكبيرة فيما عرف بين المحدثين ب‍ (الجوامع
المتقدمة) و (الجوامع المتأخرة).
الجوامع المتقدمة:
وهي الكتب المعروفة ب‍ (الكتب الأربعة):
1 - الكافي.
2 - من لا يحضره الفقيه.
3 - التهذيب.
4 - الاستبصار.
وتعرف أيضا ب‍ (الكتب الأربعة الأصول).
1 - الكافي، لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي (ت 328 ه‍).
صنفه مؤلفه في 34 كتابا و 326 بابا، وعدة أحاديثه 16199 حديثا.
وقسمه إلى قسمين: الأصول والفروع.
51

ضمن قسم الأصول أحاديث الاعتقاد، وقسم الفروع أحاديث الفقه.
وجمعه خلال عشرين عاما.
طبع أصوله في نشرته الأولى الحجرية بإيران سنة 1281 بخط محمد
شفيع التبريزي، وفروعه سنة 1315 ه‍.
ثم طبع مرارا حجريا وحروفيا.
وفهرست كتبه:
1 - كتاب العقل والجهل.
2 - كتاب فضل العلم.
3 - كتاب التوحيد.
4 - كتاب الحجة.
5 - كتاب الايمان والكفر.
6 - كتاب الدعاء.
7 - كتاب فضل القرآن.
8 - كتاب العشرة.
9 - كتاب الطهارة.
10 - كتاب الحيض.
11 - كتاب الجنائز.
12 - كأب الصلاة.
13 - كتاب الزكاة.
14 - كتاب الصيام.
15 - كتاب الحج.
16 - كتاب الجهاد.
17 - كتاب المعيشة.
18 - كتاب النكاح.
19 - كتاب العقيقة.
52

20 - كتاب الطلاق.
21 - كتاب العتق والتدبير والمكاتبة.
22 - كتاب الصيد.
23 - كتاب الذبائح.
24 - كتاب الأطعمة.
25 - كتاب الأشربة.
26 - كتاب الزي والتجمل والمروءة.
27 - كتاب الدواجن.
28 - كتاب الوصايا.
29 - كتاب المواريث.
30 - كتاب الحدود.
31 - كتاب الديات.
32 - كتاب الشهادات.
33 - كتاب القضاء والأحكام.
34 - كتاب الأيمان والنذور والكفارات.
2 - من لا يحضره الفقيه، لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن
بابويه القمي (ت 381 ه‍).
جزأه مؤلفه أربعة أجزاء، وبوبه 666 بابا، وضمنه 5998 حديثا.
ونقل عن خط الشيخ البهائي الاحصائية التالية:
المجلد - الأبواب - الأحاديث - المسانيد - المراسيل
1 - 87 - 1618 - 777 - 841
2 - 288 - 1667 - 1094 - 573
3 - 173 - 1810 - 1295 - 515
4 - 178 - 2903 - 777 - 126
المجموع: 666 - 5998 - 3943 - 2055
53

طبع في نشرته الحجرية بإيران سنة 1325 ه‍، ثم طبع مرارا حجريا
وحروفيا:
ويحتوي الكتاب الموضوعات التالي:
1 - الطهارة.
2 - الصلاة.
3 - الزكاة.
4 - الخمس.
5 - الصوم.
6 - الحج.
7 - الزيارة.
8 - القضايا والاحكام.
9 - الشفعة.
10 - الوكالة.
11 - الحكم بالقرعة.
12 - الكفالة.
13 - الحوالة.
14 - العتق.
15 - المعيشة.
16 - الدين.
17 - التجارة.
18 - البيوع.
19 - المضاربة.
20 - إحياء الموات والأرضين.
21 - المزارعة والإجارة.
22 - الضمان.
54

23 - السلف.
24 - الحكرة والأسعار.
25 - جملة من أحكام البيع وآدابه.
26 - الربا.
27 - الصرف.
28 - اللقطة والضالة.
29 - العارية.
30 - الوديعة.
31 - الرهن.
32 - الصيد والذبائح.
33 - آنية الذهب والفضة.
34 - الأيمان والنذور.
35 - الكفارات.
36 - النكاح.
37 - أحكام الأولاد.
38 - الطلاق.
39 - الحدود.
40 - الوصية.
41 - الوقف.
42 - المواريث.
3 - التهذيب = تهذيب الأحكام لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت
460 ه‍).
عدة أبوابه 393 بابا، وعدد أحاديثه 13590 حديثا.
طبع حجريا وحروفيا مرارا.
فهرست كتبه:
55

1 - الطهارة.
2 - الصلاة.
3 - الزكاة.
4 - الصيام.
5 - الحج.
6 - الزيارة.
7 - الجهاد.
8 - القضايا والاحكام.
9 - المكاسب.
10 - التجارات.
11 - النكاح.
12 - الطلاق.
13 - العتق والتدبير والمكاتبة.
14 - الأيمان والنذور والكفارات.
15 - الصيد والذباحة.
16 - الوقوف والصدقات.
17 - الوصايا.
18 - الفرائض والمواريث.
19 - الحدود.
20 - الديات.
4 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، لأبي جعفر الطوسي أيضا.
(يقع في ثلاثة أجزاء، جزءان منه في العبادات، والثالث في بقية أبواب الفقه
من العقود والايقاعات والأحكام إلى الحدود والديات).
56

(مشتمل على عدة كتب تهذيب الأحكام، غير أن هذا مقصور على ذكر ما
اختلف فيه من الأخبار وطريق الجمع بينها، والتهذيب جامع للخلاف
والوفاق) (1).
وعدد أحاديثه 5511 حديثا.
طبع مرارا حجريا وحروفيا.
الجوامع المتأخرة:
وهي المجموعات الكبيرة التي جمعت ما في الجوامع المتقدمة أو
استدركت عليها أو جمعت واستدركت معا، أو استدرك بعضها على بعض، وهي
الأربعة التالية:
1 - الوافي، للشيخ محمد بن مرتضى المدعو بمحسن الكاشاني
والملقب بالفيض (ت 1091 ه‍).
جمع في أحاديث الكتب الأربعة المتقدمة إلى أحاديث مهمة نقلها من
غيرها، مع شئ من التعليق والشرح.
قال في مقدمته: (بذلت جهدي في أن لا يشذ عنه حديث ولا إسناد يشتمل
عليه الكتب الأربعة ما استطعت إليه سبيلا، وشرحت منه ما لعله يحتاج إلى بيان
شرحا مختصرا، وأوردت بتقريب الشرح أحاديث مهمة من غيرها من الكتب
والأصول).
يحتوي 14 كتابا، و 50000 حديث.
وفهرست كتبه:
1 - كتاب العقل والعلم والتوحيد.
2 - كتاب الحجة.

(1) الذريعة 2 / 14.
57

3 - كتاب الإيمان والكفر.
4 - كتاب الطهارة.
5 - كتاب الصلاة.
6 - كتاب الزكاة.
7 - كتاب الصيام.
8 - كتاب الحج.
9 - كتاب الجهاد.
10 - كتاب المكاسب.
11 - كتاب الأطعمة والأشربة.
12 - كتاب النكاح.
13 - كتاب الوصية.
14 - كتاب الروضة.
طبع على الحجر في إيران.
2 - الوسائل = وسائل الشيعة = تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل
الشريعة، لمحمد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104 ه‍).
(وهو حاو لجميع أحاديث الكتب الأربعة (المتقدمة)، وجامع لأكثر ما في
كتب الامامية من أحاديث الأحكام، وعدة تلك الكتب نيف وسبعون كتابا، كافتها
معتمدة عند الأصحاب، وقد فصل فهرسها، وبين اعتبارها في خاتمة الكتاب،
وأدرج في الخاتمة من الفوائد الرجالية ما لم يوجد في غيرها.
بدأ بأحاديث مقدمة العبادات، ورتب أحاديث الأحكام على ترتيب كتب
الفقه من الطهارة إلى الديات.
وبالجملة، هو أجمع كتاب لأحاديث الأحكام وأحسن ترتيبا لها حتى من
(الوافي) و (البحار) لاقتصار الوافي على جمع خصوص ما في الكتب الأربعة على
58

خلاف الترتيب المأنوس فيها، واقتصار البحار على ما عدا الكتب الأربعة، مع كون
جل أحاديثه في غير الأحكام.
فنسبة هذا الجامع إلى سائر الجوامع المتأخرة كنسبة الكافي إلى سائر
الكتب الأربعة المتقدمة.
ويشبه الكافي أيضا في طول مدة جمعه إلى عشرين سنة) (1).
وعدد أحاديثه 35850 حديثا.
3 - البحار = بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، لمحمد
باقر بن محمد تقي المجلسي (ت 1110 ه‍).
قال فيه شيخنا الطهراني: (هو الجامع الذي لم يكتب قبله ولا بعده جامع
مثله، لاشتماله مع جمع الأخبار على تحقيقات دقيقة وبيانات وشروح لها، غالبا
لا توجد في غيره) (2).
وفهرست كتبه كما ذكره مؤلفه في مقدمته له هو:
1 - كتاب العقل والعلم والجهل.
2 - كتاب التوحيد.
3 - كتاب العدل والمعاد.
4 - كتاب الاحتجاجات والمناظرات وجوامع العلوم.
5 - كتاب قصص الأنبياء.
6 - كتاب تاريخ نبينا وأحواله (ص).
7 - كتاب الإمامة، وفيه جوامع أحوال أئمتنا (ع).
8 - كتاب الفتن.
9 - كتاب تاريخ أمير المؤمنين (ع) وفضائله وأحواله.

(1) الذريعة / 4 / 352 - 353.
(2) الذريعة 3 / 16.
59

10 - كتاب تاريخ فاطمة والحسن والحسين (ع).
11 - كتاب تاريخ علي بن الحسين ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن
محمد الصادق وموسى بن جعفر الكاظم (ع).
12 - كتاب تاريخ علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد وعلي
بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري (ع).
13 - كتاب الغيبة وأحوال الحجة القائم (ع).
14 - كتاب السماء والعالم.
15 - كتاب الإيمان والكفر ومكارم الأخلاق.
16 - كتاب الآداب والسنن.
17 - كتاب الروضة.
18 - كتاب الطهارة والصلاة.
19 - كتاب القرآن والدعاء.
20 - كتاب الزكاة والصوم.
21 - كتاب الحج.
22 - كتاب المزار.
23 - كتاب العقود والايقاعات.
24 - كتاب الحكام.
25 - كتاب الإجازات.
وطبع على الحجر في إيران سنة 1303 ه‍ - 1315 ه‍ في خمسة وعشرين
مجلدا وفق تجزئة المؤلف.
ثم طبع على الحروف في 110 مجلدات خصص الثلاثة الأخيرة منها
لفهرسته التفصيلي المعنون ب‍ (هداية الأخيار إلى فهرس بحار الأنوار) تأليف السيد
هداية الله المسترحمي الأصبهاني.
60

4 - المستدرك = مستدر الوسائل ومستنبط الدلائل، لميرزا حسين
النوري (ت 1320 ه‍).
فيه زهاء ثلاثة وعشرين ألف حديث، استدركها مؤلفه على كتاب (وسائل
الشيعة) للحر العاملي، ورتبه ترتيب الوسائل.
طبع بإيران حجريا وبلبنان حروفيا.
61

عناصر الحديث
- السند.
- المتن.
63

إن تعرفنا لعناصر الحديث يوقفنا على مجالات البحث في الحديث، ذلك
أن كل جانب من جوانب أحد عنصريه هو مجال للبحث والدراسة.
لهذا رأيت إدراجه هنا لأهميته، وأهمية الفائدة التي يحصل عليها الدارس.
يتألف الحديث من عنصرين أساسيين هما: السند والمتن.
السند:
يقال أسند الحديث إلى قائله إذا رفعه إليه ونسبه له، مأخوذا من الاستناد
والاعتماد، لاستناد العلماء إليه واعتمادهم عليه في معرفة صحة نسبة الحديث إلى
المعصوم وعدم صحة نسبته إليه.
فالسند: هو الطريق الروائي الذي يوصل الحديث من ناقله إلى قائله.
ويتكون السند من مفردات تؤلف مركبه.
ومفرداته: هم رواته.
ومركبه: هو روايته.
فهو يتألف من عنصرين:
أ - الرواة: وهم الرجال الذين يروونه.
ب - الرواية: وهي السلسلة التي تنتظم الرواة.
وتقدم منا أن علم الرجال يبحث في رواة السند، وعلم الحديث يبحث في
رواية السند.
65

المتن:
يراد به نص الحديث Hadith text - Al وهو: صيغة الكلام الأصلية التي
تكلم بها قائل الحديث.
ويتكون المتن من عنصرين هما: اللفظ والمعنى.
أ - اللفظ: ويتألف من كلمات تنتظمها صيغة تركيبية نحوية.
أو قل: صيغة قولية من عنصرين:
الكلمات المفردة.
المركب من الكلمات المفردة.
ب - المعنى أو الدلالة.
ذلك أن الكلمات المفردة لها ثلاث دلالات هي:
1 - الدلالة المعجمية: وهي المعنى المستفاد من مادة الكلمة.
2 - الدلالة الصرفية: وهي المعنى المستفاد من هيئة الكلمة.
3 - الدلالة النحوية: وهي المعنى المستفاد من وظيفة وموقع الكلمة في
الكلام.
ثم تعقب هذه الدلالات الثلاث الدلالة العامة أو:
4 - المعنى العام: وهو المستفاد من المركب باعتباره كلاما.
وكل هذه المعاني أو الدلالات تعرف عن طريق الرجوع إلى لمعجم
اللغوي، وبواسطة تطبيق قواعد اللغة من صرفية ونحوية وبيانية.
ثم إن كلا من السند والمتن لا يرتفع إلى مستوى الدليل للاستدلال به، أو
مستوى الحجة للاحتجاج به، إلا إذا كان السند بمستوى الاعتبار، والمتن
بمستوى الظهور.
وكلا هذين المستويين لا يعرفان إلا من علم أصول الفقه - كما تقدم -.
66

الخلاصة:
الحديث = سند [= رواة، رواية] - متن
[= دلالة (= معجمية، صرفية، نحوية، تركيبية)، لفظ (مركب، مفردات)]
الحديث = السند (حجة، غير حجة) - المتن (حجة، غير حجة)
مثال:
الكافي: كتاب الايمان والكفر: باب الحب في الله والبغض في الله:
(عن ابن محبوب عن مالك بن عطية عن سعيد الأعرج عن أبي عبد الله (ع)
السند.
(قال من أوثق عرى الايمان أن تحب في الله وتبغض في الله وتعطي في الله
وتمنع في الله) المتن.
67

أقسام الحديث
- المتواتر.
- الآحاد.
69

ينقسم الحديث تقسيما أساسيا إلى قسمين: متواتر آحاد.
الخبر المتواتر
تعريفه:
كلمة (متواتر) تقرأ بصيغة اسم الفاعل - أي بكسر التاء الثانية - بمعنى أن
الخبر نفسه، وبصيغة اسم المفعول - أي بفتح التاء الثانية - بمعنى أن الخبر
توتر به.
ومصدره (تواتر) - بضم التاء الثانية - من (تواتر يتواتر)، وأصله (واتر).
يقال: واتر الشئ: تابعه، مع فترة تتخلل التتابع، ومن دون فترة (1).
والذي يظهر - معجميا - أن أكثر ما يستعمل هذا الفعل في الدلالة على
التتابع، يستعمل في التتابع تتخلله فترة، إلا أن المحدثين عندما نقلوه مصطلحا
على الحديث الذي نحن بصدد تعريفه، أرادوا منه المعنى الأقل استعمالا، وهو
التتابع مطلقا، ولواضع الاصطلاح أن يصطلح وفق ما تقتضيه طبيعة علمه.
ومنه ما جاء في بعض المعاجم: (مواترة الكتب: هي إرسال بعضها في أثر
بعض وترا وترا من غير أن تنقطع) (2).

(1) المعجم الوسيط: مادة: وتر.
(2) محيط المحيط: مادة: وتر.
71

هذا في الدلالة اللغوية.
وإذا رجعنا إلى كتب علم الحديث لمعرفة دلالة كلمة (متواتر) علميا،
سنرى أن كتب علم الحديث الامامية تحصره في صيغتين من التعريف، هما:
1 - الحديث المتواتر: هو الذي يرويه كثرة من الرواة تبلغ حد إحالة العادة
اتفاقهم على الكذب.
بمثل هذا صاغه الشهيد الثاني في (الدراية ص 12) قال: (هو ما بلغت
رواته في الكثرة مبلغا أحالت العادة تواطؤهم على الكذب).
واختاره كل من الشيخ المامقاني في (المقباس 1 / 89) والسيد معروف
في (دراسات في الحديث والمحدثين ص 33).
2 - الحديث المتواتر: هو (خبر جماعة يفيد بنفسه القطع بصدقه).
وهو نص عبارة الشيخ البهائي في (الوجيزة 2).
3 - ونقل الميرزا القمي في (القوانين 1 / 420 - 421) التعريفين معا.
وإذا حاولنا تحليل التعريفين سنجدهما يلتقيان في الدلالة، وذلك أن كلا
من التعريفين ينص على كثرة الرواة كثرة تفيد العلم بصدق الحديث.
والفارق بينهما هو:
1 - أن التعريف الأول قيد حصول العلم بصدق الخبر من الكثرة بإحالة
العادة اتفاقهم على الكذب.
2 - بينما أوجز التعريف الثاني هذا، فلم يذكر قيد إحالة العادة اتفاق الرواة
على الكذب، وإنما قيده بإفادته العلم بنفسه، ويعني بهذا: من غير اعتماد على
القرائن الخارجية كما هو الشأن في قسيمه خبر الواحد المقرون.
ذلك أن الحديث قد يفيد العلم بصدوره عن المعصوم، وقد يفيد الظن
بذلك.
والذي يفيد العلم بالصدر وينقسم إلى:
- ما يفيده بنفسه، وهو المتواتر.
72

- ما يفيده بمساعدة القرينة، وهو خبر الواحد المقرون.
ومن ناحية منهجية نقول: إننا إذا قسمنا الشئ إلى قسمين، وأردنا أن نعرف
أحدهما بما يميزه عن قسيمه نقيده به، كما صنع في التعريف الثاني.
ولاحظ الشيخ السبحاني على التعريف الأول، قال: (ففي هذا التعريف ركز
على الكثرة، وأنه يجب أن يبلغ عدد المخبرين إلى حد من الكثرة يمنع عن
تواطئهم على الكذب.
يلاحظ عليه: أن العلم بامتناع تواطئهم على الكذب، أو العلم بعدم تواطئهم
عليه، لا يكون دليلا على صدق الخبر، وعدم تعمد المخبرين بالكذب، لأن
للكذب أسبابا ودواعي أخر غير التواطئ عليه، فإن الحب والبغض في الأفراد ربما
يجران إلى التقول في الأفراد الكثيرة بلا تواطئ، خصوصا إذا كانوا أصحاب هو
ودعاية.
وهذه هي القوى الكبرى العالمية الذين تلعب أيديهم تحت الستار في
مجال الإعلام العالمي، فربما تنطق جماعة كثيرة في أرجاء مختلفة بكلام واحد
بإشارة من السلطات، من دون أن يطلع واحد منهم على الآخر.
فمجرد علمه بعدم التواطئ لا يكفي في رفع الشك في التعمد بالكذب.
فالأولى أن يضاف إلى التعريف قولنا: (يؤمن معه من عمدهم على
الكذب).
ويحرز ذلك بكثرة المخبرين ووثاقتهم، أو كون الموضوع مصروفا عنه
دواعي الكذب، أو غير ذلك) (1).
وهي ملاحظة واردة وجيدة.
وفي ضوئه: لنا أن نختار التعريف الثاني، ولنا أن نختار التعريف الأول بعد
تقييده بالقيد المذكور.

(1) أصول الحديث وأحكامه 23 - 24.
73

شروطه:
ذكر علماء الحديث شروطا لإفادة الحديث المتواتر العلم بصدقه، بمعنى
أن الحديث المتواتر لا يفيدنا العلم بصدوره عن المعصوم إلا إذا توافرت فيه هذه
الشروط.
وهذه الشروط تنقسم إلى قسمين: ما يختص بالمخبرين، وما يختص
بالسامع.
1 - ما يختص بالمخبرين:
أ - عدد المخبرين:
اختلفوا في أصل اشتراط العدد، بمعنى هل يشترط في المخبرين أن يبلغوا
عددا معينا ليفيد الخبر العلم بحيث لو كان عددهم أقل من العدد المشروط لا
يفيد الخبر العلم.
فذهب أصحابنا الإمامية إلى عدم اشتراط عدد معين معتمدين الوصف معيارا
وضابطا، وهو بلوغ عدد المخبرين المستوى الذي يؤمن معه تعمدهم الكذب.
وذلك لأن هذا لا ينحصر - عقلا - في عدد معين.
مضافا إلى لاستقراء للأخبار المتواترة في الحياة الاجتماعية يعطينا عدم
اعتبار عدد معين، لأن من الأخبار ما يفيد العلم بعدد قليل، ومنه ما لا يفيد إلا
بعدد كثير، وهذا شئ بديهي عند الناس.
يقول الشهيد الثاني: (ولا ينحصر ذلك (يعني كثرة الرواة المفيدة للعلم)
في عدد خاص - على الأصح - بل المعتبر العدد المحصل للوصف (وهو إحالة
العادة اتفاقهم على الكذب) فقد يحصل في بعض المخبرين بعشرة وأقل، وقد لا
يحصل بمائة، بسبب قربهم إلى وصف الصدق وعدمه) (1).
ومع هذا أشار علماؤنا إلى ما ذكره العلماء الآخرون من الأعداد المعينة
المشروطة، فذكروا منه:

(1) الدراية 13.
74

- أن لا يقل عدد المخبرين عن خمسة أشخاص، لعدم إفادة خبر الأربعة
العدول، العلم كما في شهود الزنا.
نسب هذا القول للقاضي الباقلاني:
- أن لا يقل عدد المخبرين عن عشرة، لأنه أول جموع الكثرة.
نسب هذا القول للإصطخري.
- أن لا يقل عدد المخبرين عن اثني عشر، وهو عدد النقباء في قوله تعالى
(وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا).
- أن لا يقل عددهم عن عشرين، لقوله تعالى: (إن يكن منكم عشرون
صابرون يغلبوا مائتين).
- أن لا يقل العدد عن أربعين، لقوله تعالى: (يا أيها النبي حسبك الله ومن
اتبعك من المؤمنين) حيث كانوا أربعين.
- أن لا يقل العدد عن سبعين، لأنه عد قوم موسى (ع) كما في قوله
تعالى: (واختار موسى قومه سبعين رجلا).
- أن لا يقل عن ثلاثة عشر وثلاثمائة، لأنه عدد أهل بدر أو لأنه عدد
أصحاب طالوت.
وكل هذه الأقوال - كما تراها - لا تخرج عن كونها استحسانات شخصية،
عللت بما ذكر تعليلا لا يلتقي وطبيعة الموضوع، لما ذكرناه آنفا من أن إفادة
الخبر العلم لا ينضبط بعدد معين.
ومن هنا لا حاجة لنا بالإطالة بذكر ردودها ومناقشاتها المذكورة في الكتب
المطولة.
يقول الشيخ المامقاني: (وهذه الأقوال كلها باطلة، لأن كل واحد من هذه
الأعداد قد يحصل العلم معه، وقد يتخلف عنه، فلا يكون ضابطا له.
ولقد أجاد شيخنا الشهيد الثاني (رحمه الله) حيث قال في (البداية) ما لفظه:
(لا يخفى ما في هذه الاختلافات من فنون الجزافات، وأي ارتباط لهذا العدد
75

بالمراد، وما الذي أخرجه عن نظائره مما ذكر في القرآن من ضروب الأعداد).
والحق ما عليه الأكثر من دوران الأمر مدار حصول العلم وعدم اعتبار عدد
مخصوص فيه) (1).
ويقول العلامة الحلي: (المرجع فيه إلى حصول اليقين وعدمه، فإن حصل
فهو متواتر، وإلا، فلا) (2).
ب - معرفة المخبرين بمضمون الخبر:
اختلف في تحديد مستوى المعرفة - هنا - على ثلاثة أقوال:
1 - وجوب أن يعلم كل مخبر من المخبرين بمضمون ما أخبروا به، فلو
أخبروا عن حادثة ما يجب أن يكون كل واحد منهم علما بتلك الحادثة.. فلا
يكتفي منهم بأن يخبروا عن ظن، أو يخبر بعضهم عن علم وبعضهم عن ظن.
وهو الرأي المعروف.
2 - يجوز أن يخبروا عن ظن،.. وعللوا ذلك بأن تراكم ظنون المخبرين
بضم بعضها إلى بعض يرتقي بها إلى درجة اليقين فيكون الاخبار مفيدا للعلم.
3 - الاكتفاء باخبار البعض عن علم ولو كان الباقون ظانين بمضمون
الخبر.
ذهب إلى هذا المحقق القمي بتقريب أن العلم المستفاد من التواتر يحصل
من اجتماعهم.
ولنا هنا وقفة، نفرق فيها بين الأخبار عن الحوادث الاجتماعية غير الشرعية،
وبين الشرعيات، لأننا في هذا العلم نبحث عن رواية الحديث بطريق التواتر لا عن
مطلق التواتر في الشرعيات كان أو في غيرها.
ذلك أن ما يرويه الرواة عن المعصوم قد يكون من نوع الحوادث كما لو

(1) مقباس الهداية 1 / 114.
(2) مبادئ الوصول 202.
76

كان المروي إخبارا عن فعل المعصوم أو تقريره لفعل الآخرين، وقد يكون من نوع
نقل قوله.
ففي النوع الأول يأتي ما ذكر من أنه على المخبر أن يعلم بالحادثة وينقلها
عن علم لا عن ظن.
مثال هذا: لو رأى الراوي أو المخبر شخصا ما يتناول سائلا بمرأى من
المعصوم، على الراوي أن يتأكد من نوع ذلك السائل - سواء ردعه المعصوم عن
شربه أو أقره - ولا يكتفي أن ينقل الحادثة بظن أن السائل ماء، أو بظن أن السائل
مسكر.
أما في نقل قول المعصوم لا معنى لأن يقال لابد من علم المخبر بمضمون
النص، وإنما المطلوب - هنا - هو التأكد بأن ما ينقله هو نص قول المعصوم لفظا
أو معنى.
واشتراط أن يكون الراوي ضابطا، وأن يخبر عن حسن، يؤكد هذا، وذلك
لأن تراكم الظنون حتى لو أفاد سامع الخبر علما، لا يغير من واقع الحادثة إذا كان
الخبر نقلا لفعل المعصوم أو تقريره - كما مثلنا.
يضاف إليه أن الشرط المطلوب - هنا - هو علم المخبرين لا علم السامع
لأن الظن زائدا الظن لا يساوي إلا ظنا عند المخبر وإن أفاد منه السامع العلم.
وعمل السامع وفقا لقطعه الحاصل من تراكم الظنون لا يعني أن الخبر متواتر
تواترا يعرب عن صدق وصحة صدوره عن المعصوم، كما هو الشأن لو كان
المخبرون عالمين بالخبر.
فلابد - والحالة هذه - من علم المخبرين بأن نص الحديث إذا كان قولا
صادرا عن المعصوم، والعلم بمضمونه إذا كان فعلا أو تقريرا.
ج - استناد علم المخبرين بنص الخبر أو بمضمونه إلى الحس، وهذا
يعني لزوم كون المخبر به من الأمور المحسوسة بالبصر أو السمع أو غيرهما من
الحواس الخمس.
77

وذلك لأن الاستناد إلى العقل - كما في مسألة حدوث العالم - لا يحصل
منه العلم لكثرة وقوع الاشتباه والخطأ في النظريات العلمية.
د - توفر الشروط المتقدمة (العدد أو الكثرة المفيدة للعلم، وإخبار
المخبرين عن علم واستناد علمهم إلى الحس) في كل طبقات الرواة، بمعنى أن
تتوفر هذه في الجيل الأول من الرواة للخبر، ثم في الجيل الثاني، وهكذا.
وذلك لأن التواتر لا يتحقق إلا بها.
2 - ما يختص بالسامع:
أ - أن يكون السامع غير عالم بمدلول الخبر.
وعللوا ذلك بأنه إذا كان عالما بمضمون الخبر، فاخباره به إما أن يكون
(عين العلم الحاصل له بالمشاهدة، أو غيره.
والأول تحصيل للحاصل، وهو محال.
والثاني من اجتماع المثلين الذي - أيضا - هو محال) (1).
ب - (أن لا يسبق الخبر المتواتر حصول شبهة أو تقليد للسامع يوجب
اعتقاده نفي موجب الخبر ومدلوله) (2).
وهذان الشرطان - كما هو واضح - ليسا شرطين لتحقيق التواتر إذ التواتر لا
يتقوم بهما، وإنما قوامه بما تقدمهما من شروط.
وإنما هما مانعان من تأثير التواتر بإفادة العلم بصدق الخبر للسامع إما لأنه
عالم به أو لوجود شبهة في ذهنه تمنعه من الايمان به.
فكان الأولى أن يقال إنهما شرطان في تأثير التواتر على السامع، لأن التواتر
حتى مع عدم توفرهما يبقى محتفظا بوصفه وهو كونه تواترا مفيدا للعلم.
بقي هنا شئ ينبغي أن نشير إليه لبيان المفارقة التي وقع فيها الباحثون له.

(1) مقباس الهداية 1 / 105.
(2) المقباس 1 / 106.
78

ذلك الشئ هو نوعية العلم الحاصل للسامع من الخبر المتواتر هل هو من
نوع العلم الضروري أو من نوع العلم النظري.
والمسألة - في واقعها - تقوم على أساس من بحث الخبر المتواتر بشكل
مطلق، وأنه إخبار عن حوادث اجتماعية.
ونحن، هنا - أعني في علم الحديث - نبحث عن إفادة التواتر العلم بصدق
وصحة صدور الخبر عن المعصوم لا عن مدلوله ومؤداه، لأن البحث في المداليل
والمؤديات حتى لو كان من نوع البديهيات نحو (الكل أعظم من الجزء) يحتاج
ولو إلى قليل من الخلفيات الثقافية.
أما أن نبحث أن هذا المخبر صادق في نقله الخبر عن المعصوم، وأن الخبر
صادر عن المعصوم فهو من الضروريات التي لا تحتاج إلى خلفيات ثقافية لأنها
ليست من المفاهيم العلمية، وإنما هي - في حقيقتها - من المفاهيم الاجتماعية
التي يتعامل معها كل إنسان، وإن ترتب عليها، وبخاصة في مجال الدلالة آثار
علمية.
وفي ضوئه: نستطيع أن نقول إن العلم الحاصل للسامع من الحديث
المتواتر علم ضروري (بديهي = تلقائي) لا نظري (كسبي = تحصيلي).
تقسيمه:
ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين: لفظي ومعنوي.
1 - المتواتر اللفظي: هو الذي يرويه جميع الرواة، وفي كل طبقاتهم
بنفس صيغته اللفظية الصادرة من قائله.
ومثاله: الحديث الشريف عن النبي (ص): (من كذب علي متعمدا فليتبوأ
مقعده من النار).
قال الشهيد الثاني في (الدراية 15): (نعم، حديث (من كذب علي متعمدا
فليتبوأ مقعده من النار) يمكن ادعاء تواتره، فقد نقله الجم الغفير، قيل: أربعون،
وقيل: نيف وستون صحابيا، ولم يزل العدد في ازدياد).
79

2 - المتواتر المعنوي: وهو المعنى المستفاد من تكرره أو الإشارة إليه
في أحاديث مختلفة الألفاظ، وكثيرة كثرة لا يمكن معها تكذيبها، كأحاديث
ظهور المهدي، فإنها مع اختلاف ألفاظها تلتقي جميعها عند قاسم مشترك أو قدر
متيقن، وهو ظهور المهدي.
ويظهر من خلال الاستقراء الذي أشير إليه في بعض مراجع علم الحديث أن
الأحاديث المتواترة تواترا لفظيا قليلة قلة نادرة، وأكثر ما يوصف من الأحاديث
بالتواتر هي من المتواتر المعنوي، يقول الشهيد الثاني في (الدراية 14 - 15):
(وهو - أي التواتر - يتحقق في أصول الشرايع كوجوب الصلاة اليومية وأعداد
ركعاتها، والزكاة، والحج، تحققا كثيرا، وفي الحقيقة مرجع إثبات تواترها إلى
المعنوي لا اللفظي، إذ الكلام في الأخبار الدالة عليها كغيرها.
وقليل تحققه في الأحاديث الخاصة المنقولة بالألفاظ المخصوصة لعدم
اتفاق الطرفين والوسط فيها، وأن تواتر مدلولها في بعض الوارد كالأخبار الدالة
على شجاعة علي (ع) وكرم حاتم ونظائرهما، فإن كل فرد خاص من تلك الأخبار
الدالة على أن عليا (ع) قتل فلانا، وفعل كذا، غير متواتر، وكذا الأخبار الدالة على
أن حاتما أعطى الفرس الفلانية والجمل والرمح وغيرها، إلا أن القدر المشترك بينها
متواتر تدل عليه تلك الجزئيات المتعددة آحادا بالتضمن.
وعلى هذا نزل ما ادعى المرتضى (رحمه الله) ومن تبعه تواتره من الأخبار
الدالة على النص وغيره، إذ لا شبهة في أن كل واحد من تلك الأخبار آحاد.
وقد أومى إلى ذلك في (المسائل التباينات).
ولم يتحقق إلى الآن خبر خاص بلغ حد التواتر حتى قيل - والقائل ابن
الصلاح - من سئل عن ابراز مثال لذلك أعياه طلبه، هذا مع كثرة رواتهم قديما
وحديثا، وانتشارهم في أقطار الأرض، قال: (وحديث (إنما الأعمال بالنيات) ليس
منه) أي المتواتر، وأن نقله الآن عدد التواتر وأكثر، فإن جميع علماء الاسلام ورواة
الحديث الآن يروونه، وهم يزيدون عن عدد التواتر أضعافا مضاعفة، لأن ذلك
80

التواتر المدعى قد طرأ في وسط إسناده الآن دون أوله، فقد انفرد به جماعة مترتبون
أو شاركهم من لا يخرج بهم عن الآحاد.
وأكثر ما ادعي تواتره من هذا القبيل ينظر مدعي التواتر إلى تحققه في زمانه،
أو هو وما قبله من غير استقصاء جميع الأزمنة، ولو أنصف لوجد الأغلب خلوا أول
الأمر منه بل ربما صار الحديث الموضوع ابتداء متواترا بعد ذلك، لكن شرط التواتر
مفقود من جهة الابتداء).
مشروعية المتواتر:
أعني بهذا العنوان: هل يعتبر الحديث المتواتر دليلا شرعيا يرجع إليه
ويعتمد عليه في مجال الاستدلال الشرعي، فيستفاد منه الحكم الشرعي؟
إن مجال البحث عن الحجج والأدلة الشرعية هو علم أصول الفقه.
وفي علم أصول الفقه لم تبحث مشروعية التواتر بشكل خاص، وذلك
لإفادته العلم، فأدخل لهذا تحت عنوان مشروعية العلم.
ولأن المراد بالعلم - هنا - اليقين كما عبر عنه العلامة الحلي فيما قرأناه من
عبارته المتقدمة، أو القطع والجزم كما عبر عنه المتأخرون من الأصوليين.
والعلم بهذه الرتبة وهي أعلى رتبة له يعني في حقيقته انكشاف الواقع أمام
المكلف، والمكلف عندما يستخدم وسيلة الاجتهاد ووسيلة الاستدلال إنما
يستخدمها ليتخذ منها طريقا إلى الواقع لتكشف له عنه فيتعرف بهذا على الحكم
الشرعي المطلوب، وعندما ينكشف الواقع أمامه لا يحتاج إلى استخدام الوسائل
الأخرى المساعدة على كشف الواقع.
وهذا يعني أن التواتر لإفادته العلم بأن الحديث صادر عن المعصوم وكشفه
عن ذلك يصبح الاعتقاد بصدق الخبر وصحة صدوره عن المعصوم مما لا يحتاج
إلى إقامة دليل يكشف لنا عن هذا.
ومن هنا تأتي للتواتر مشروعيته واعتباره مصدرا شرعيا، وعبر عن هذا بقولهم
(التواتر حجة) وهم يريدون به ما ذكره أعلاه.
81

والمسألة موضع وفاق بينهم.
خبر الآحاد
ويطلق عليه (خبر الواحد) أيضا.
تعريفه:
يمكننا أن نصنف ما ذكر من تعاريف لخبر الواحد إلى الأصناف التالية:
1 - التعريفات القائلة بأن خبر الواحد هو الذي لا يبلغ حد التواتر، سواء
كان راويه واحدا أو أكثر من واحد.
وممن عرف خبر الواحد بهذا الشهيد الثاني في (الدراية 15)، والشيخ
المامقاني في (المقباس 1 / 125)، وأستاذنا الشيخ المظفر في (أصول الفقه 2 /
69)، والسيد معروف في (الدراسات 40)، وغيرهم.
2 - ما ذكر من أن خبر الواحد هو الذي لا يفيد العلم بنفسه.
وممن عرفه بهذا الشيخ السبحاني في (أصول الحديث وأحكامه ص 34).
3 - التعريف الجامع بين التعريفين السابقين، القائل: إن خبر الواحد هو
الذي لا يبلغ حد التواتر - سواء كثرت رواته أم قلت -، وليس شأنه إفادته العلم
بنفسه.
وهو تعريف الشيخ العاملي في (معالم الدين 342).
4 - التعريف القائل بأن خبر الواحد هو ما يفيد الظن وإن تعدد المخبر.
وهو تعريف العلامة الحلي في (مبادئ الوصول 203).
وإذا حاولنا المقارنة بين هذه التعاريف سوف نرى أن النف الأول هو من
نوع التعريف ب‍ (غير) أو النفي المنطقي، والذي يراد به أننا عندما نعرف أحد
القسمين، فتعريفه في الوقت نفسه يكون تعريفا لقسميه، وذلك بإضافة كلمة (غير)
أو أية أداة تنفي تعريف القسيم عن قسيمه.
فنحن لأننا عرفنا المتواتر لا نحتاج إلى أن نعرف الآحاد بأكثر من أن نقول
82

عنه بأنه (غير المتواتر) أو (هو الذي لا ينطبق عليه تعريف المتواتر) بمعنى أنه هو
الذي يرويه راو واحد أو أكثر من راو واحد لا تحيل العادة فيه احتمال كذب
الراوي والرواة.
وفي الصنف الثاني يقوم التعريف على نفي الخصيصة التي هي للمتواتر عن
الآحاد وهي إفادة الحديث العلم بصدقه بنفسه، فالآحاد - على هذا - (لأنه غير
المتواتر): هو الذي لا يفيد العلم بنفسه.
والصنف الجامع بين التعريفين، جمع بين الحسنيين لتأكيد الفرق بين
القسمين.
وفي الصنف الرابع، وهو تعريف العلامة الحلي، قد نحتاج إلى إضافة قيد
ليشمل التعريف قسمي خبر الواحد، ذلك أن أحدهما وهو خبر الواحد غير المقرون
هو الذي يفيد الظن، والآخر وهو المقرون بما يفيد العلم، فإنه يفيد العلم، ولأجل
أن يشمله التعريف نفتقر إلى القيد فنقول - مثلا -: هو الذي يفيد الظن أو العلم
بمساعدة القرينة.
ومع إضافة هذا القيد لنا أن نختار أي تعريف من هذه التعريفات فإنها كلها
تنطبق على معنى الآحاد.
تقسيمه:
يقسم خبر الواحد إلى قسمين رئيسين هما: المقرون، وغير المقرون.
أو كما يعبر بعضهم: المقترن، وغير المقترن.
أو المحفوف بالقرائن، وغير المحفوف بها.
1 - خبر الواحد المقرون:
تقدم في تعريف خبر الواحد أنه لا يفيد العلم بصدقه بنفسه، وإنما يفيد هذا
إذا اقترن بقرينة تساعده على إفادته العلم بصدقه وصحة صدوره عن المعصوم.
وقد عرفه الشيخ المفيد في (أصول الفقه 41) بقوله: (فأما الخبر القاطع
83

للعذر فهو الذي يقترن إليه دليل يفضي بالناظر فيه إلى العلم بصحة مخبره).
وعرفه الشيخ الطوسي في خطبة (الاستبصار) بقوله: (وما ليس بمتواتر على
ضربين: فضرب منه يوجب العلم أيضا، وهو كل خبر تقترن إليه قرينة توجب
العلم).
فالخبر المقرون: هو الذي تصحبه القرينة المساعدة له على إفادته العلم
بصدقه وصحة صدوره.
والقرائن - هنا - كثيرة، منها:
1 - ما ذكره الشيخ المفيد في (أصول الفقه 41) - بعد تعريفه له الذي مر
ذكره في أعلاه - قال:
- وربما كان الدليل (يعني القرينة) حجة من عقل.
- وربما كان شاهدا من عرف.
- وربما كان إجماعا.
2 - ما ذكره الشيخ الطوسي في خطبة (الاستبصار) - بعد تعريفه له
المذكور في أعلاه - قال: (والقرائن أشياء كثيرة:
- منها أن تكون مطابقة لأدلة العقل.
- ومنها أن تكون مطابقة لظاهر القرآن.
- ومنها أن تكون مطابقة للسنة المقطوع بها.
- ومنها أن تكون مطابقة لما أجمع المسلمون عليه.
- ومنها أن تكون مطابقة لما أجمعت عليه الفرقة المحقة.
3 - ما كره الحر العاملي في خاتمة (الوسائل) في (الفائدة الثامنة) التي
عقدها لذلك حيث عنونها ب‍ (الفائدة الثامنة في تفصيل بعض القرائن التي تقترن
بالخبر).
وبدأ فائدته هذه بنقل تعريف المحققين من العلماء للقرينة بأنها: (ما ينفك
عن الخبر وله دخل في ثبوته).
84

ثم قسمها إلى ثلاث أقسام، هي:
أ - ما يدل على صدور الخبر عن المعصوم.
ب - ما يدل على صحة مضمون الخبر.
ج - ما يدل على ترجيح الخبر عن الخبر المعارض له.
ثم عددها إجمالا فذكر ما ذكره الشيخ الطوسي، وزاد عليه، وأهم ما ذكره
من إضافات:
أ - كون الراوي ثقة يؤمن منه الكذب عادة.
فإنه قد يحصل من هذا العلم بصدق الخبر وصحة صدوره.
ب - وجود الحديث في كتاب من كتب الأصول المجمع عليها، أو في
كتاب أحد الثقات.
ج - وجود الحديث في أحد الكتب الأربعة.
د - وجود الحديث في كتاب لأحد أصحاب الإجماع.
ه‍ - تكراره في كتب متعددة معتمدة.
و - عدم وجود معارض له.
وهذه القرائن كلها قرائن علمية يرتبط بعضها بتصحيح مضمون الخبر، وهي
مثل موافقة القرآن الكريم وموافقة السنة القطعية.
ويرتبط بعضها بتصحيح السند، مثل وجود الحديث في كتاب لأحد
أصحاب الاجماع، وفي كتاب أحد الثقات.
ولهذا لا تخرج عن كونها نتائج اجتهادية يقول بها الفقيه وفق اجتهاده:
ومن هنا قد تفيد العلم عند بعض، وقد لا تفيده عند آخر لاختلاف
الاجتهاد، والخلاف في نتائجه.
ولعله لهذا ذهب بعضهم إلى أن خبر الواحد مطلقا - أي سواء كان مقرونا أم
غير مقرون - لا يفيد العلم.
85

قال العاملي في (معالم الدين 342): (وخبر الواحد: هو ما لم يبلغ حد
التواتر - سواء كثرت رواته أم قلت - وليس شأنه إفادة العلم بنفسه.
نعم قد يفيد بانضمام القرائن إليه
وزعم قوم أنه لا يفيد العلم وإن انضمت إليه القرائن.
والأول أصح).
والمعروف والمشهور شهرة كبيرة أن الآحاد قد تقترن بما يفيد العلم
بصدقها وصحة صدورها.
والمسألة ترتبط بواقع السيرة الاجتماعية للناس، وهي قاضية - وببداهة -
بذلك.
يقول الشيخ السبحاني: (وقد كثر النقاش في إفادته اليقين بما لا يرجع إلى
محصل، وكأن المناقشين بعداء عن الأحوال الاجتماعية التي تطرأ علينا كل يوم،
فكم من خبر تؤيده القرائن فيصبح خبرا ملموسا لا يشك فيه أحد) (1).
مشروعية خبر الواحد المقرون:
وما قلناه في مشروعية الرجوع إلى الخبر المتواتر لإفادته العلم بصدوره،
واعتباره مصدرا شرعيا، نقوله هنا، وللسبب نفسه، وهو إفادة الخبر المقرون العلم
أيضا، والعلم حجيته ذاتية - كما مر.
يقول الشيخ المفيد في (أصول الفقه 40): (والحجة في الأخبار ما أوجبه
العلم من جهة النظر فيها بصحة مخبرها ونفي الشك فيه والارتياب.
وكل خبر لا يوصل بالاعتبار إلى صحة مخبره فليس بحجة في الدين ولا
يلزم به عمل على حال.
والأخبار التي يجب العلم بالنظر فيها على ضربين:

(1) أصول الحديث وأحكامه 35.
86

أحدهما: التواتر المستحيل وروده بالكذب من غير تواطئ على ذلك، أو
ما يقوم مقامه في الاتفاق.
والثاني: خبر واحد يقترن إليه ما يقوم المتواتر في البرهان على صحة
مخبره، وارتفاع الباطل منه والفساد).
ويقول الشيخ الطوسي في خطبة (الاستبصار) - بعد تعريفه له الذي تقدم
نقله في أعلاه -: (وما يجري هذا المجرى يجب أيضا العمل به، وهو لاحق
بالقسم الأول) يعني المتواتر.
وقال استاذنا الشيخ المظفر في (أصول 2 / 69): (لاشك في أن مثل
هذا حجة.
وهذا لا بحث لنا فيه، لأنه مع حصول العلم تحصل الغاية القصوى، إذ
ليس وراء العلم غاية في الحجية وإليه تنتهي حجية كل حجة).
2 - خبر الواحد غير المقرون:
تعريفه:
إخال أننا تبينا مفهوم خبر الواحد غير المقرون من تعريفنا لمفهوم الخبر
المتواتر وخبر الواحد المقرون.
وهو ذلكم الخبر الذي لا يبلغ مستوى التواتر، ولم يقترن بما يساعده على
إفادة العلم بصدوره.
وأقصى ما يفيده إذا توافرت في إسناده شروط الصحة هو الظن بصدوره عن
المعصوم.
مشروعيته:
ومن هنا أثار علماء أصول الفقه مسألة حجيته ومشروعية العمل به، لأن الظن
منهي شرعا عن العمل به، والركون إليه، إلا إذا قام الدليل على مشروعيته.
قال الشيخ الطوسي في (العدة 1 / 44): (من عمل بخبر الواحد فإنما يعمل
87

به إذا دل دليل على وجوب العمل به، إما من الكتاب أو السنة أو الاجماع، فلا
يكون قد عمل بغير علم) (1).
وقد وقعت هذه المسألة موقع خلاف كبير، تشعبت أطرافه، وتوسع البحث
فيه توسعا كبيرا.
وأول ما يلتقينا من خلاف في المسألة هو: موقف العقل من التعبد به.
فذهب ابن قبة (محمد بن عبد الرحمن الرازي) إلى عدم جواز التعبد به
عقلا، أي أن العقل يمنع من التعبد به.
وذهب الآخرون من أصحابنا إلى جواز التعبد به.
قال الشريف المرتضى: (والعقل لا يمنع من العبادة بالقياس، والعمل بخبر
الواحد.
ولو تعبد الله تعالى بذلك لساغ، ولدخل في باب الصحة لأن عبادته بذلك
توجب العلم الذي لا بد أن يكون العمل تابعا له) (2).
وبعد القول بجواز التعبد به عقلا، وقع الخلاف في جواز التعبد به شرعا.
فذهب الشيخ المفيد والسيد المرتضى وأبو المكارم ابن زهرة والقاضي ابن
البراج والطبرسي وابن إدريس إلى القول بعدم حجيته وعدم جواز التعبد به شرعا.
قال الشيخ المفيد في (أصول الفقه 41): (فمتى خلا خبر واحد من دلالة
يقطع بها على صحة خبره فإنه - كما قدمناه - ليس بحجة ولا موجب علما ولا
عملا على كل وجه).
وقال الشريف المرتضى: (لابد في الأحكام الشرعية من طريق يوصل إلى
العلم... ولذلك أبطلنا في الشريعة العمل بأخبار الآحاد، لأنها لا توجب علما ولا
عملا، وأوجبنا أن يكون العمل تابعا للعلم، لأن خبر الواحد إذا كان عدلا فغاية ما
يقتضيه الظن بصدقه، ومن ظننت صدقه يجوز أن يكون كاذبا) (3).

(1) أصول الفقه للمظفر 2 / 69.
(2) م. س 70.
(3) م. ن.
88

وذهب الآخرون - وهم الأكثرية الغالبة - إلى جواز التعبد به شرعا لقيام
الدليل بذلك.
وأهم ما استدلوا به:
1 - قوله تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة
فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).
بتقريب (أنها تعطي أن النبأ من شأنه أن يصدق به عند الناس، ويؤخذ به، من
جهة أن ذلك من سيرتهم، وإلا فلماذا نهي عن الأخذ بخبر الفاسق من جهة أنه
فاسق، فأراد الله تعالى أن يلفت أنظار المؤمنين إلى أنه لا ينبغي أن يعتمدوا كل
خبر من أي مصدر كان، بل إذا جاء به فاسق ينبغي أن لا يؤخذ به بلا ترو، وإنما
يجب فيه أن يتثبتوا أن يصيبوا قوما بجهالة، أي فعل ما فيه سفه وعدم حكمة قد
يضر بالقوم.
والسر في ذلك أن المتوقع من الفاسق ألا يصدق في خبره، فلا ينبغي أن
يصدق ويعمل بخبره.
فتدل الآية بحسب المفهوم على أن خبر العادل يتوقع منه الصدق فلا يجب
فيه الحذر والتثبت من إصابة قوم بجهالة.
ولازم ذلك أنه حجة) (2).
2 - رواية عبد العزيز بن المهتدي عن الإمام الرضا (ع)، قال: قلت: لا
أكاد أصل إليك أسألك عن كل ما أحتاج إليه من معالم ديني، أفيونس بن عبد
الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟
قال (ع): نعم) (2).
قال الشيخ الأنصاري: (وظاهر هذه الرواية أن قبول قول الثقة كان أمرا

(1) م. س 74.
(2) الوسائل: صفات القاضي.
89

مفروغا عنه عند الراوي فسأل عن وثاقة يونس ليرتب عليه أخذ المعالم منه) (1).
إلى غيره من أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر المعنوي في قبول خبر الثقة.
السيرة الاجتماعية:
يقول استاذنا الشيخ المظفر في (أصول الفقه 2 / 91 - 92): (إنه من
المعلوم - قطعا الذي لا يعتريه الريب - استقرار بناء العقلاء طرا واتفاق سيرتهم
العملية على اختلاف مشاربهم وأذواقهم، على الأخذ بخبر من يثقون بقوله
ويطمئنون إلى صدقه ويأمنون كذبه، وعلى اعتمادهم في تبليغ مقاصدهم على
الثقات.
والمسلمون بالخصوص كسائر الناس جرت سيرتهم العملية على مثل ذلك
في استفادة الأحكام الشرعية من القديم إلى يوم الناس هذا، لأنهم متحدوا المسلك
والطريقة مع سائر البشر، كما جرت سيرتهم بما هم عقلاء على ذلك في غير
الأحكام الشرعية.
وإذا ثبتت سيرة العقلاء من الناس بما فيهم المسلمون على الأخذ بخبر
الواحد الثقة، فإن الشارع المقدس متحد المسلك معهم، لأنه منهم، بل هو
رئيسهم، فلا بد أن نعلم بأنه متخذ لهذه الطريقة العقلائية كسائر الناس ما دام أنه لم
يثبت لنا أن له في تبليغ الأحكام طريقا خاصا مخترعا منه، غير طريق العقلاء، ولو
كان له طريق خاص قد اخترعه غير مسلك العقلاء لأذاعه وبينه للناس، ولظهر
واشتهر، ولما جرت سيرة المسلمين على طبق سيرة باقي البشر.
وهذا الدليل قطعي لا يداخله الشك، لأنه مركب من مقدمتين قطعيتين:
1 - ثبوت بناء العقلاء على الاعتماد على خبر الثقة والأخذ به.
2 - كشف هذا البناء منهم عن موافقة الشارع لهم، واشتراكه معهم، لأنه
متحد المسلك معهم.

(1) أصول الفقه للمظفر 2 / 83.
90

قال شيخنا النائيني (قده) - كما في تقريرات تلميذه الكاظمي (قده) 3 / 69 -:
(وأما طريقة العقلاء فهي عمدة أدلة الباب بحيث لو فرض أنه لكان سبيل إلى
المناقشة في بقية الأدلة فلا سبيل إلى المناقشة في الطريقة العقلائية القائمة على
الاعتماد على خبر الثقة والاتكال عليه في محاوراتهم).
وقال الشيخ الخاقاني في (أنوار الوسائل 1 / 5 - 6): (وعلى كل فقد قامت
الأدلة من الأخبار المتواترة على حجية الخبر الموثوق بصدوره تعبدا أو إمضاء
للسيرة المتعارفة المألوفة بين الناس في اعتبار خبر الواحد الموثوق بصدوره في كل
عصر وجيل).
وقد ترتب على هذا الخلاف في حجية خبر الواحد غير المقرون من ناحية
شرعية خلاف آخر يرتبط بروايات الآحاد الثقات المذكورة في كتب أصحابنا
المعتبرة.
فذهب القائلون بعدم الحجية إلى أنها (أعني الروايات المشار إليها) هي من
نوع الخبر المقرون فتفيد العلم.
ومن هنا جاز العمل بها عندهم، وعملوا بها كما يبين - وبوضوح - من
استدلالاتهم المختلفة بها في كتبهم وأبحاثهم.
وذهب القائلون بالحجية إلى صلاحيتها للاستدلال بها إذ توفرت على
شرائط الصحة التي تفيد الظن بصدورها عن المعصوم.
وتفرع على هذا الخلاف الثاني خلاف ثالث، وهو أن عد القائلون بأن تلكم
الروايات المشار إليها هي من نوع الأخبار المقرونة، الحديث المعتبر هو ما أفاد
العلم.
وهذا يعني أن الحديث المعتبر عندهم هو الحديث المتواتر والآحاد
المقرون فقط.
فقد يعبرون عنه بالصحيح أيضا.
كما اعتدوا الحديث الذي لا يفيد العلم بصدوره عن المعصوم - سواء أفاد
91

الظن أم أقل منه - حديثا غير معتبر، وعبروا عنه بالضعيف أيضا.
ويمكننا أن نلخص هذا بالجدول التالي:
الحديث =
[يفيد العلم (المعتبر = الصحيح) (متواتر - آحاد " مقرون ") - لا يفيد العلم (غير المعتبر = الضعيف)]
أو نقول:
الخبر
= [معتبر (= متواتر - آحاد مقرون) - غير معتبر]
وقسم الآخرون القائلون بأن تلكم الروايات فيها ما يفيد العلم وفيها ما لا
يفيده الحديث كالتالي:
الحديث =
يفيد العلم (متواتر، آحاد مقرن) - لا يفيد العلم (يفيد الظن - لا يفيد الظن)
أو نقول:
92

الحديث
= معتبر [مفيد للعلم (متواتر - آحاد مقرون) - مفيد للظن (آحاد غير مقرون)] - غير معتبر
والشيخ الطوسي من أقدم من يمكننا استخلاص هذا التقسيم من بحثه
للأخبار، وذلك في كتابه (عدة الأصول).
وهو (أعني الشيخ) من أقدم من جوز التعبد شرعا بخبر الواحد غير المقرون،
قال في (العدة 1 / 290): (والذي أذهب إليه: أن خبر الواحد لا يوجب العلم وإن
كان يجوز أن ترد العبادة بالعمل به عقلا.
وقد ورد جواز العمل به في الشرع، إلا أن ذلك موقوف على طريق
مخصوص، وهو ما يرويه من كان من الطائفة المحقة، ويختص بروايته، ويكون
على صفة يجوز معها قبول خبره، من العدالة وغيرها).
ويكون بهذا قد خالف أستاذيه المفيد والمرتضى، كما أنه استطاع في
هدي ما ذكره من أدلة على رأيه هذا في كتابه (عدة الأصول) وبشكل مفصل
ومركز - أن يتغلب رأيه على رأي أستاذيه، ويشتهر بين العلماء، وينتشر في الأوساط
العلمية الامامية.
وفي القرن السابع الهجري عندما تركز مركز الحلة العلمي، وراح وبشكل
جاد يسهم إسهاما فاعلا في التأليف في مختلف حقول المعرفة الاسلامية التي
تدرس في المراكز العلمية الامامية، والتي يحتاج إليها الفقيه في ممارسته لعملية
الاجتهاد، ومنها علم الرجال، ألف السيد جمال الدين أحمد بن طاووس الحلي
كتابه (حل الاشكال في معرفة الرجال).
93

وهداه اطلاعه على أحوال الرجال من خلال تجربته العلمية في تأليفه
الكتاب المذكور، إلى استخلاص واقع هذه الأحوال وتنويعها تنويعا يلتقي وطبيعة
تنويع الأسانيد وفق أحوال الرجال، ذلك أن في رجال الحديث:
أ - الامامي العادل.
ب - الامامي الممدوح.
ج - غير الامامي لكنه موثق.
د - ضعيف الحال أو مجهوله.
ولأنه رأى أن أحوال رجال الأسانيد لا تخرج عن هذه:
1 - فقد يأتي سند كل رواته إماميون عدول.
2 - وقد يأتي سند كل رواته إماميون، ولكن فيهم المعدل وفيهم
الممدوح.
3 - وقد يأتي سند رواته من الاماميين المعدلين والممدوحين ومن غير
الاماميين إلا أنهم موثقون.
4 - وقد يضم السند من هو مجهول الحال أو مضعف.
فعمل - لهذا - على تصنيف الأسانيد إلى أربعة، وسماها: الصحيح،
والحسن، والموثق، والضعيف.
وهذا التقسيم يساعد - من ناحية عملية - على سهولة ويسر تقويم رجال
السند، ومن ثم تقييم السند.
ولعله إلى هذا هدف السيد ابن طاووس.
ولعله لهذا أيضا أكده تلميذه العلامة الحلي.
وسار عليه كل من جاء بعدهما من علماء المدرسة الأصولية.
وفي الطرف الآخر بقي علماء الاخبارية على التقسيم الثنائي الذي تقدم
عرضه.
94

واستمر الوضع العلمي على هذا حتى توقف الدراسات الاخبارية بسبب
سيطرة الدراسات الأصولية على المراكز العلمية الامامية، والأبحاث العلمية التي
تصدر منها، فتحول المذهب القائل بالتقسيم الثنائي القديم إلى قضية تاريخية
تذكر في مجال الدرس التاريخي لتطور البحث في علمي الرجال والحديث.
تقسيمه:
إذا رجعنا إلى تاريخ التشريع الاسلامي لمعرفة متى وضع علم الحديث عند
أهل السنة، ومتى وضع علم الحديث عند الشيعة - ويعرف هذا عادة بأول كتاب
ألف في هذا العلم - سوف نرى أول كتاب ظهر لأهل السنة في فن مصطلح
الحديث - كما يعبرون عنه - وهو كتاب (المحدث الفاضل بين الراوي والواعي)
للقاضي أبي محمد حسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي المتوفى سنة
360 ه‍.
وذكرت - فيما تقدم - أن أقدم مؤلف إمامي في هذا العلم أشير إليه وهو
كتاب (شرح أصول دراية الحديث) للسيد علي بن عبد الكريم بن عبد الحميد
النجفي النيلي من علماء المائة الثامنة.
وهذا يعني أن أهل السنة كانوا أسبق تاريخيا في تدوين علم الحديث.
وسبب هذا أن أهل السنة يعتمدون - كما هو معلوم - على الحديث
المروي عن طريق الصحابة.
ولأن الصحابة انتهى آخر أجيالهم بانتهاء القرن الأول الهجري، وانتهى من
بعدهم التابعون وتابعو التابعين بانتهاء القرن الثالث الهجري.
وبانتهاء هؤلاء اختفت القرائن التي كانوا يعتمدون عليها في الوثوق بصحة
الحديث، فعادوا أحوج ما يكونون إلى وضع قواعد وضوابط للتوثق من صحة
الحديث، فاتجهوا إلى تحقق هذا في بدايات القرن الرابع الهجري.
ولأن استمرار اتصال الشيعة بالأئمة لم ينته إلا في أواخر القرن الرابع
الهجري، فاعتمدوا حينها على مدونات الحديث التي كتبت في عهود الأئمة.
95

واستمرت هذه المدونات موجودة بما صاحبها من قرائن الوثوق حتى عصر
المحقق الحلي المتوفى سنة 676 ه‍، حيث اختفت باختفائها قرائن الوثوق
فأصبحت الحاجة عند الشيعة ماسة لوضع علم الحديث.
ومن المعروف - تاريخيا - أن المتأخر يستفيد من تجارب المتقدم منهجيا
وفنيا، وهذا ما لحظناه في كتاب (الدراية)، للشهيد الثاني، وهو أقدم كتاب في
علم الحديث وصل إلينا، فقد تأثر من ناحية منهجية وفنية بمؤلفات علماء السنة
في علم الحديث.
وهذا التأثير منه أدى إلى أن يذكر من أقسام الحديث ما لا مصاديق له في
حديثنا أمثال بعض أقسام الضعيف.
ومع أنه أبقى مثل هذه إلا أنه من ناحية أخرى أجاد في إضافته ما هو موجود
عندنا غير موجود عندهم كالموثق والمضمر وغيرهما.
وسار على خطته كل من جاء بعده.
فرأيت - لهذا - أن أقتصر على ما هو موجود في حديثنا ومكرر ذكره في
كتب فقهنا الاستدلالية، وهو كما في الجدول التالي:
خبر الواحد
= المسند [باعتبار ذكر اسم المروي عنه (المضمر " المقطوع " - المصرح " الموصول ") -
باعتبار عدد الرواة (المستفيض - المشهور) - باعتبار قيمة الرواة
(الصحيح - الحسن - الموثق - الضعيف " المقبول - المردود "] - المرسل
96

المسند
تعريفه:
المسند: هو ما ذكر فيه جميع رواته.
أو قل: هو ما تمت فيه سلسلة رواته.
ونعطي له مثالا ما نقله الشيخ ابن إدريس في كتابه (مستطرفات السرائر) -
ص 39 - عن كتاب أبان بن تغلب الكوفي: (قال أبان: حدثني القاسم بن عروة
البغدادي عن عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (ع): ما تقول في قتل الذر؟
قال: فقال (ع): اقتلهن، آذينك أو لم يؤذينك).
وأكثر ما في كتبنا، ولا سيما القديم منها هو من الأحاديث المسانيد.
المعلق:
ومن الحديث المسند ما اصطلحوا عليه باسم (المعلق)، وعرفوه بأنه الذي
حذف من مبدء اسناده راو واحد أو أكثر.
كأكثر ما جاء في أسانيد الشيخ الصدوق في كتابه (من لا يحضره الفقيه)،
وأسانيد الشيخ الطوسي في كتابيه (التهذيب) و (الاستبصار)، حيث كان كل واحد
من المؤلفين المذكورين يحذف أول السند أو أوائله معتمدا على ما ذكره في
مشيخته المدونة في آخر الكتاب حيث يصرح فيها بذكر المحذوف.
97

وكان هذا منهما لأجل الاختصار بعدم التكرار.
يقول الشيخ المامقاني - مشيرا إلى هذا -: (مثل أغلب روايات (الفقيه)
و (التهذيبين) حيث أسقطا (يعني الصدوق والطوسي) فيها (يعني الكتب الثلاثة
المذكورة) جملة من أول إسناد الأخبار، وبين كل منهما في آخر كتابه من أسقطه
بقوله: ما رويته عن فلان فقد رويته عن فلان عن فلان عنه) (1).
وذلك لأن المحذوف من السند معلوم ومعروف بالرجوع إلى (المشيخة)،
فيكون في قوة المذكور.
ومن هنا يدخل المعلق في المسند.
(مثاله):
ذكر الشيخ الصدوق في كتاب (من لا يحضره الفقيه - تعليقة الأعلمي 1 / 72
رقم 216) الحديث التالي.
(وسأل عمار بن موسى الساباطي أبا عبد الله (ع) عن التيمم من الوضوء
ومن الجنابة ومن الحيض للنساء سواء؟
فقال: نعم).
وعندما نرجع إلى (المشيخة) - في آخر الجزء الرابع من كتاب (من لا
يحضره الفقيه 4 / 315) - نقرأ في أول صفحة منها العبارات التالية:
(يقول محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي مصنف هذا
الكتاب - رحمه الله تعالى -:
كل ما كان في هذا الكتاب عن عمار بن موسى الساباطي فقد رويته عن
أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد - رضي الله عنهما - عن سعد بن عبد
الله عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال عن عمرو بن سعيد المدائني عن
مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى الساباطي).

(1) المقباس 1 / 215.
98

وبإعادة هذا الذي ذكره في المشيخة إلى أول الرواية المذكورة في أعلاه
يكون السند هكذا:
(عن أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد عن سعد بن عبد الله عن
أحمد بن الحسن بن علي بن فضال عن عمرو بن سعيد المدائني عن مصدق بن
صدقة عن عمار بن موسى الساباطي عن الإمام أبي عبد الله الصادق (ع)...).
تقسيمه:
يقسم المسند لاختلاف أسس واعتبارات القسمة ثلاثة تقسيمات هي:
- التقسيم الأول:
يقسم باعتبار عدد رواته إلى قسمين: المستفيض والمشهور.
أ - المستفيض:
وقد اختلفوا في تحديد معناه على قولين:
- فذهب الأكثر إلى أنه الخبر الذي زادت رواته عن ثلاثة في كل طبقة،
ولم يبلغ حد التواتر.
- وذهب البعض إلى أنه الخبر الذي زادت رواته عن اثنين في كل طبقة،
ولم يبلغ حد التواتر.
ب - المشهور:
أيضا اختلفوا في تحديد معناه على قولين:
- فذهب بعضهم إلى عدم الفرق بينه وبين المستفيض، فكل ما يصدق
عليه أنه مستفيض يصدق عليه أنه مشهور.
- وذهب آخرون إلى أن الفرق بينه وبين المستفيض هو عدم اشتراط توافر
العدد المذكور في كل طبقاته.
ومثلوا لهذا بحديث (إنما الأعمال بالنيات) حيث انفرد بروايته في بدء
99

طبقاته جماعة لم يبلغوا حد الاستفاضة، أي لم يشكلوا العدد المطلوب في
الحديث المستفيض.
يقول الشهيد الثاني في (الدراية 16): (وقد يغاير بينهما - أي بين
المستفيض والمشهور - بأن يجعل المستفيض ما اتصف بذلك في ابتدائه وانتهائه
على السواء، والمشهور أعم من ذلك.
فحديث (إنما الأعمال بالنيات) مشهور غير مستفيض، لأن الشهرة، إنما
طرأت له في وسطه).
مشروعيتهما:
لأن المستفيض والمشهور لم يبلغا مستوى التواتر المفيد للعلم بصدقه، لا
يقال بحجيتهما إلا إذا توافرت فيهما شروط الصحة التي ستذكر في الأقسام الأربعة
المعروفة ب‍ (أصول الحديث).
- التقسيم الثاني:
ويقسم المسند باعتبار ذكر اسم المعصوم في سنده وعدم ذكره إلى
قسمين: المصرح والمضمر.
أ - المصرح: هو الذي صرح فيه بذكر اسم المعصوم الذي روي
الحديث عنه.
والكثرة الكاثرة من أحاديثنا هي من هذا النوع.
وسميته ب‍ (المصرح) لأن الضمير يعني الكناية عن المحذوف، ومن هنا
سماه نحاة الكوفة ب‍ (الكناية)، والذي يقابل الكناية هو التصريح.
ب - المضمر: وهو الذي يكنى فيه عن ذكر اسم المسؤول بذكر ضميره.
كأن يقول الراوي (سألته) أو (سمعته) أو (عنه) أو (قال) أو (يقول).
مثل ما روي في (الوسائل ج 2 ب 22 - النجاسات): عن سماعة، قال:
سألته عن الرجل به الجرح والقرح فلا يستطيع أن يربطه ولا يغسل دمه؟
قال: يصلي ولا يغسل ثوبه كل يوم إلا مرة، فإنه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كل
ساعة).
100

وما روي في (الوسائل ج 5 ب 1 - الخلل الواقع في الصلاة): عن سماعة
قال: قال: إذا سها الرجل في الركعتين الأولتين من الظهر والعصر فلم يدر واحدة
صلى أم ثنتين فعليه أن يعيد الصلاة).
ويقول السيد الغريفي في (قواعد الحديث 215): (وهي (يعني
المضمرات) مجموعة كبيرة من الأحاديث أثبتها مشايخنا الأقدمون في
مجاميعهم).
ومن أشهرها: مضمرات سماعة بن مهران (وتبلغ ثلاثمائة وتسعين موردا) (1)،
ومضمرات زرارة بن أعين (وتلغ ثمانية وسبعين موردا) (2)، ومضمرات محمد بن
مسلم الثقفي، ومضمرات علي بن جعفر.
وتسمى المضمرة ب‍ (المقطوعة) أيضا.
ويمكننا على هذا أن نسمي المصرحة ب‍ (الموصولة) أيضا، فنقول الحديث
المضمر أو المقطوع، ويقابله الحديث المصرح أو الموصول.
عوامل الاضمار:
علل العلماء وقوع الاضمار بعوامل أفادوها من تتبعهم لواقع الأحاديث
المروية والمدونة في الجوامع الحديثية، وهي:
1 - التقية:
ذلك أن بعض الرواة كان لا يستطيع التصريح باسم الإمام لظروف سياسية
قاسية كان يعيشها تحت سطوة القمع والإرهاب الأموي أو العباسي فيستعمل
الكناية (الضمير).
وهو أمر معروف تاريخيا لا يحتاج إلى التدليل والتمثيل.
2 - تقطيع الأخبار من الأصول:
وكان يحدث هذا في موضعين:

(1) معجم رجال الحديث 8 / 294.
(2) م. س 7 / 247.
101

أ - الكتب:
وذلك أن تأتي مرويات المؤلف في كتابه كله عن إمام فيذكر اسمه في أول
الكتاب، ثم يكتفي بذكر ضميره، اعتمادا على تصريحه بالاسم في أول الكتاب،
اختصارا ومراعاة لقواعد البلاغة الملزمة بالابتعاد عن التكرار الذي لا حاجة مهمة
إليه.
ب - الحديث الطويل:
وذلك قد يروي الراوي حديثا طويلا يضم مجموعة كبيرة من الأسئلة
وأجوبتها، فيذكر اسم الامام في أول الحديث، ثم يقول: (وسألته عن كذا)، (فقال
كذا)... وهكذا.
وحينما جمعت الجوامع الكبرى عمد مؤلفوها إلى تفريق الأحاديث التي
في الكتاب أو الفقرات التي في الحديث الطويل على أبواب الفقه ومواضيعه، ولم
يسمحوا لأنفسهم بأني ذكروا اسم الامام في موضع الضمير لئلا يعد هذا منهم
تصرفا في الحديث غير جائز.
وأشير إلى هذا في (الوسائل) بما نصبه: (إن كثيرا من قدماء رواة حديثنا
ومصنفي كتبه كانوا يروون عن الأئمة (ع) مشافهة، ويوردون ما يروونه في كتبهم
جملة، وإن كانت الأحكام التي في الروايات مختلفة، فيقول (يعني الراوي
المؤلف) في أول الكتاب: (سألت فلانا)، ويسمي الامام الذي يروي عنه، ثم
يكتفي في الباقي بالضمير، فيقول: (وسألته) أو نحو هذا، إلى أن تنتهي الأخبار
التي رواها عنه.
ولا ريب أن رعاية البلاغة تقتضي ذلك، فإن إعادة الاسم الظاهر في جميع
تلك المواضع تنافيها في الغالب قطعا.
ولما نقلت تلك الأخبار إلى كتاب آخر صار لها ما صار في إطلاق الاسم
بعينه، فلم يبق للضمير مرجع).
وقال الشيخ المامقاني في (المقباس 1 / 334): (إن سبب الإضمار: إما
102

التقية أو تقطيع الأخبار من الأصول.. فإنهم كانوا يكتبون في صدر سؤالاتهم:
(سألت فلانا عن كذا) و (سألته عن كذا.. فقال كذا).. وهكذا.
ثم بعد تقطيعها وجمعها في الكتب المؤلفة صار مشتبها).
وفي حواشي (الروضة البهية ط الحجرية 1 / 141) تعليق على قول الشهيد
الثاني في حق مضمرة محمد بن مسلم: (والرواية مجهولة المسؤول) ونصه: (قوله
والرواية مجهولة المسؤول هذا ليس طعنا في الرواية، لأن من عادة أصحاب الأئمة
(ع) أنهم كانوا يذكرون المسؤول في أول الرواية، ثم كانوا يقولون: (وسألته عن
كذا) بايراد ضمير المسؤول، ولما جمع المحدثون الروايات، وجعلوها أبوابا،
أوردوها على ما وجدوها في كتب القدماء فصارت مقطوعة).
3 - إتكال الراوي على القرينة المصاحبة للحديث عند روايته له عن
المعصوم التي اعتمد عليها في معرفة مرجع الضمير، ثم وبسبب الطوارئ للتراث
اختفت القرينة.
أشار إلى هذا العامل السيد الغريفي في كتابه (قواعد الحديث 222).
حجية المضمر:
اختلف في حجية الحديث المضمر ومشروعيته الرجوع إليه واعتباره
مصدرا، على ثلاثة أقوال:
1 - التفصيل بين ما إذا كان الراوي المضمر من أجلة الرواة الفقهاء
فمضمره حجة، وبين غيره فلا يكون مضمره حجة.
وإليه ذهب الأكثر.
جاء في حاشية (الروضة البهية) الموسومة ب‍ (حديثة الروضة) والمدرجة
ضمن حواشيها في طبعتها الحجرية 1 / 141 شرحا لقول الماتن (مقطوعة محمد
بن مسلم): (المقطوعة هي الرواية التي لم يعلم فيها أن المروي عنه المعصوم أم
لا، مثل قوله: (وسألته)، ويقال لها المضمرة.
103

فإن كان الراوي فيها من الأجلة والأعيان، مثل زرارة، ومحمد بن مسلم،
فالأظهر عند الأكثر حجيتها، لأن الظاهر أن مثلهما لا يسأل إلا من المعصوم، وإلا،
فلا) أي وإن لم يكن الراوي من الأجلة والأعيان فلا يقال بحجية مقطوعته.
وممن قال بهذا القول الشيخ الخراساني، فقد جاء في كتابه (كفاية الأصول
2 / 400 - 401 تعليقة السيد الحكيم) تعقيبا على مضمرة زرارة التي استدل بها
على حجية الاستصحاب والتي يقول فيها زرارة: (قلت له: الرجل ينام.. الخ)،
(وهذه الرواية وإن كانت مضمرة إلا أن إضمارها لا يضر باعتبارها حيث كان
مضمرها مثل زرارة، وهو ممن لا يكاد يستفتي من غير الغمام (ع)، لا سيما مع هذا
الاهتمام)، (المستفاد من تكرير السؤال).
2 - القول بالحجية مطلقا، أي سواء كان الراوي لها من أجلة الرواة
وفقهائهم أم من غيرهم من الثقات، شريطة أن تتوافر الرواية على متطلبات الصحة
الأخرى.
وهو ظاهر كلام الشيخ صاحب المعالم الذي حكاه عنه الشيخ البحراني في
(الحدائق 5 / 311 - 312) - بعد أن أختاره - قال في معرض الاستدلال على ما
يعفى من الدم في الصلاة: (وثانيهما: حسنة محمد بن مسلم بطريق الشيخ المتقدم
ذكره، ورواية إسماعيل الجعفي المتقدمتان.
وأجاب في (المختلف) عن الحسنة المذكورة بأن محمد بن مسلم لم
يسنده إلى الإمام (ع)، قال: وعدالته وإن كانت تقتضي الاخبار عن الامام، إلا أن
ما ذكرناه لا ليس فيه يعني حديث ابن أبي يعفور.
ولله در المحقق الشيخ حسن في (المعالم) حيث رد ذلك فقال: وأما جوابه
عن الثاني فمنظور فيه، وذلك لأن الممارسة تنبه على أن المقتضي لنحو هذا
الإضمار في الأخبار ارتباط بعضها ببعض في كتب روايتها عن الأئمة (ع)، فكان
يتفق وقوع أخبار متعددة في أحكام مختلفة مروية عن إمام واحد، ولا فصل بينها
يوجب إعادة ذكر الإمام (ع) بالاسم الظاهر فيقتصرون على الإشارة إليه بالمضمر.
104

ثم إنه لما عرض لتلك الأخبار الاقتطاع والتحويل إلى كتاب آخر تطرق هذا
اللبس.
ومنشأه غفلة المقتطع لها، وإلا فقد كان المناسب رعاية حال المتأخرين
لأنهم لا عهد لهم بما في الأصول.
واستعمال ذلك الاجمال إنما ساغ لقرب البيان، وقد صار بعد الاقتطاع في
أقصى غاية البعد، ولكن عند الممارسة والتأمل يظهر أنه لا يليق بمن له أدنى مسكة
أن يحدث بحديث في حكم شرعي ويسنده إلى شخص مجهول بضمير ظاهر في
الإشارة إلى معلوم، فكيف بأجلاء أصحاب الأئمة (ع) كمحمد بن مسلم وزرارة
وغيرهما.
ولقد تكثر في كلام المتأخرين رد الأخبار بمثل هذه الوجوه التي لا يقبلها
ذو سليقة مستقيمة.
هذا وقد كان الأول للعلامة (قده) في الجواب عن الاحتجاج بهذا
الحديث بعد حكمه بصحة حديث ابن أبي يعفور، ورجوع كلامه في جوابه، إلى
أن حديث ابن أبي يعفور أرجح في الاعتبار من خبر ابن مسلم، أن يجعل في وجه
الرجحان كون ذلك من الصحيح وهذا من الحسن. انتهى).
3 - القول بعدم الحجية مطلقا (أي سواء كان الراوي المضمر من وجوه
الرواة وفقهائهم كزرارة أو من غيرهم من الثقات، لاحتمال عود الضمير فيها إلى
غير المعصوم (ع)، وهو يكفي في عدم الحجية.
نسب الشيخ حسن بن الشهيد الثاني هذا القول إلى جمع من الأصحاب.
واختاره الشهيدان حيث خدش الأول منهما في مضمر محمد بن مسلم:
(سألته عن الرجل لا يدري صلى ركعتين أم أربعا؟ قال: يعيد الصلاة) بأنه مجهول
المسؤول، وعقبه الثاني بقوله: (فيحتمل كونه غير امام).
كما اختاره الشيخ محمد حسن في (جواهره) حيث خدش في صحيح
محمد بن إسماعيل بن بزيع: (سأله رجل عن رجل مات وترك أخوين... الخ) بأنه
مضمر في (الكافي) و (التهذيب) فلا يصلح للمعارضة).
105

- التقسيم الثالث:
ويقسم الخبر المسند باعتبار مستوى أحوال الرواة من حيث الوثاقة
واللا وثاقة.
أو قل: يقسم على أساس تقييم السند من حيث الاعتبار واللا اعتبار، إلى
أربعة أقسام، هي: الصحيح والحسن والموثق والضعيف.
1 - الصحيح:
كلمة (صحيح) على وزن (فعيل)، وهذا الوزن - كما هو مقرر صرفيا -
يستعمل بمعنى (فاعل)، ويستعمل بمعنى (مفعول).
وهنا يمكننا أن نستخدم كلمة (صحيح) بمعنى (فاعل) لتوفر الموصوف
بها على شروط الصحة.
ويمكننا أن نستخدمها بمعنى (مفعول) لتصحيح العلماء موصوفها وفق
قواعد الصحة.
ويقرب المعنى الثاني استعمال كلمة (مصحح) على ألسنة الفقهاء في
موضعه، فيقولون: (مصحح زرارة) بمعنى (صحيح زرارة).
وتذكر هاتان الكلمتان باعتبار أنهما وصف لكلمة (حديث)، وتؤنثان
فيقال: (صحيحة) و (مصححة) باعتبار انهما وصف لكلمة (رواية).
وتجمع كلتا (صحيح) و (صحيحة) على (صحاح) - بكسر الصاد -.
والصحيح - لغة - الصادق، والمطابق للواقع، يقال: صح الخبر والأمر،
بمعنى ثبت وطابق الواقع، فهو صحيح وصحاح - بفتح الصاد فيهما -.
ويقال كلام صحيح، بمعنى صادق، ومنه قول بعضهم، وقد مدح بعض
الرؤساء فلم يجزه بشئ:
أعد مدحي علي وخذ سواه * فقد أتعبتني يا مستريح

(1) قواعد الحديث 217 - 218.
106

ولا تعتب إذا أنشدت يوما * سواه وقيل لي: هذا الصحيح
ولعله لهذا اختيرت كلمة (صحيح) مصطلحا علميا لهذا القسم الذي نحن
بصدد تعريفه.
هذا في اللغة العربية.
وعلميا عرف الشهيد الثاني وابنه صاحب المعالم الحديث الصحيح بأنه
الحديث الذي (اتصل سنده إلى المعصوم بنقل العدل الضابط عن مثله في جميع
الطبقات) (1).
وهذا يعني أن الحديث الصحيح هو المسند الذي تتامت فيه سلسلة السند
من آخر راو له حتى المعصوم الذي صدر منه الحديث، مع اشتراط أن يكون كل
واحد من الرواة في جميع أجيال الرواية إماميا عادلا ضابطا في حفظه للحديث
ونقله له.
2 - الحسن:
عرفه الشهيد الثاني في (الدراية 21) بقوله: (الحسن: هو ما اتصل سنده
إلى المعصوم بإمامي ممدوح من غير نص على عدالته، مع تحقق ذلك في جميع
مراتبه أو في بعضها مع كون الباقي من رجال الصحيح).
وربما كان لاشتراط أن يكون رواته أو بعضهم من الاماميين الممدوحين
دخل في اختيار هذا الوصف مصطلحا للقسم المذكور.
لأن (الحسن في عرف العلماء يطلق على ثلاثة معان:
الأول: كون الشئ ملائما للطبع.
الثاني: كونه صفة كمال.
الثالث: كونه متعلق للمدح) (1).. وهو المقصود هنا.

(1) الدراية 19 والمعالم 367.
(2) محيط المحيط: مادة: حسن.
107

ويؤنث باعتبار إرادة الرواية على (حسنة)، فيقال: (حسن محمد بن مسلم)
و (حسنة محمد بن مسلم).
ويجمعان على (حسان) - بكسر الحاء -.
3 - الموثق:
عرفه الشيخ العاملي في (المعالم 367) فقال: (الموثق: وهو ما دخل في
طريقه من ليس بإمامي، ولكنه منصوص على توثقه بين الأصحاب).
(ويسمى القوي أيضا).
وقد يفرق بين الموثق والقوي، بأن يقتصر في إطلاق الموثق على ما ينطبق
عليه التعريف المذكور في أعلاه، ويقتصر في إطلاق القوي على الحديث الذي
يرويه الامامي الذي لم ينعت في كتب الرجال بمدح أو ذم.
يقول الشهيد الثاني في (الدراية 23 - 24): (وقد يطلق القوي على ما
يروي الإمام غير الممدوح ولا المذموم كنوح بن دراج وناجية بن عمارة
الصيداوي وأحمد بن عبد الله بن جعفر الحميري وغيرهم، وهم كثيرون).
وعلى أساس من هذا تتخمس الأقسام فتكون كالتالي: الصحيح والحسن
والقوي والموثق والضعيف.
لكن المشهور شهرة كبيرة جدا هو التربيع.
وسمي هذا القسم بالموثق من الوثوق بمعنى الائتمان حين أؤتمن هذا
الراوي على روايته الحديث.
ومن هنا نص أصحابنا على أن يكون الراوي غير الامامي الموثق موثقا
ومؤتمنا على روايته الحديث من قبل علمائنا لا في مذهبه.
وجمعه منحصر - في لغة الفقهاء - بالمؤنث حيث يقولون - دائما -
(الموثقات).
4 - الضعيف:
وعرفوه بأنه الذي لا تجتمع فيه شروط أحد الأقسام الثلاثة المتقدمة.
108

وذلك بأن يشتمل سنده على راو مضعف أو مجهول الحال.
ومؤنثه (ضعيفة)، ويجمعان على (ضعاف) - بكسر الضاد -.
وتسمى هذه الأقسام الأربعة (أصول الحديث) لان جميع الأقسام الأخرى
ترجع إليها من حيث التقييم، إذ لا بد أن تكون واحدا من هذه الأقسام.
وبغية أن نتبين معاني هذه الأقسام أكثر، نقوم بتوضيح المفاهيم الركائز التي
قامت عليها، وهي:
1 - التعديل.
2 - التحسين.
3 - التوثيق.
4 - التضعيف.
(التعديل):
اختلفوا - هنا - في مفهوم العدالة على قولين:
1 - العدالة هي الاستقامة في السلوط بالاتيان بالواجبات الشرعية وترك
المحرمات الشرعية.
أو كما يعرفها المشهور ب‍ (أنها عبارة عن ملكة نفسانية راسخة باعثة على
ملازمة التقوى وترك ارتكاب الكبائر وعدم الاصرار على الصغائر، وترك ارتكاب
منافيات المروءة التي يكشف ارتكابها عن قلة المبالاة بالدين بحيث لا يوثق منه
التحرز عن الذنوب) (1).
هذا هو التعريف الفقهي للعدالة والذي رتبت عليه الآثار الشرعية، أمثال قبول
الشهادة وجواز التقليد.
وقد سري مفعوله إلى هنا، فأريد من عدالة الراوي العدالة بالمعنى المذكور.
وإلى هذا ذهب جمهور علماء الحديث تبعا لعلماء الفقه.

(1) مقباس الهداية 2 / 32 - 33.
109

2 - العدالة هي الوثاقة في نقل الحديث:
وإليه ذهب الشيخ الطوسي، كمصطلح خاص أفاده من واقع تعامل العلماء
في قبولهم الروايات أو رفضها، وتصديقهم الرواة أو تكذيبهم.
قال: (فأما من كان مخطئا في بعض الأفعال أو فاسقا بأفعال الجوارح،
وكان ثقة في روايته، متحرزا فيها، فإن ذلك لا يوجب رد خبره، ويجوز العمل به،
لأن العدالة المطلوبة في الرواية حاصلة فيه.
وإنما الفسق بأفعال الجوارح يمنع من قبول شهادته، وليس بمانع من قبول
خبره، ولأجل ذلك قبلت الطائفة أخبار جماعة هذه صفتهم) (1).
ونفى المحقق الحلي وجود هذا الواقع الذي أشار إليه الشيخ الطوسي،
وأفاد منه المقصود بعدالة الراوي عند علماء الحديث قال: (المسألة الثانية: عدالة
الراوي شرط في العمل بخبره، وقال الشيخ (ره) يكفي كونه ثقة متحرزا عن
الكذب في الرواية، وإن كان فاسقا بجوارحه، وادعى عمل الطائفة على أخبار
جماعة هذه صفتهم.
ونحن نمنع هذه الدعوى ونطالب بدليلها.
ولو سلمناها لاقتصرنا على المواضع التي عملت فيها بأخبار خاصة ولم
يجز التعدي في العمل إلى غيرها.
ودعوى التحرز عن الكذب مع ظهور الفسق مستبعدة إذ الذي يظهر فسوقه
لا يوثق بما يظهر من تحرجه عن الكذب) (2).
وعلق الشيخ حسن العاملي على نقد المحقق الحلي لرأي الشيخ الطوسي
بعد نقله له، فقال: (وهذا الكلام جيد، والقول باشتراط العدالة عندي هو
الأقرب) (3).. يعني العدالة بمعناها المشهور.

(1) العدة 1 / 382.
(2) المعارج 149.
(3) المعالم 353.
110

وناقش الشيخ السبحاني مناقشة المحقق الحلي - بعد إشارته إليها - بقوله:
(والمناقشة في غير محلها، فإن إنكار عمل الطائفة بأخبار غير العدول لا ينطبق
على الواقع، ويتضح ذلك لمن مارس الفقه.
وإنكاره من المحقق عجيب جدا) (1)، لأن المحقق خريت هذه الصناعة،
والسابر لمختلف أعماقها وأغوارها، فمن الغريب العجيب أن يفوته وضوح هذا الأمر
الجلي.
والذي يظهر لي أن مرجع الخلاف في هذه المسألة هو أن الشيخ الطوسي
اعتمد الاستقراء (وهو ملاحظة تعامل الطائفة مع الرواة دليلا لما أبداه من رأي.
والاستقراء - هنا - واضح الدلالة.
وأن القوم اعتمدوا آية النبأ: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ
فتبينوا (حيث دلت بمنطوقها على وجوب التبين في قبول خبر الفاسق،
وبمفهومها على عدم وجوب التثبت في قبول خبر العادل.
بتقريب أن المراد من الفسق - هنا - ما يقابل العدالة بمعناها عند الفقهاء.
ونحن إذا حاولنا أن نلتمس معنى الفاسق في الاستعمال القرآني، وبخاصة
أن هذه الكلمة لم تستعمل وصفا للانسان في لغة العرب قبل نزول القرآن الكريم،
فقد نقل الراغب الأصفهاني في (المفردات: مادة فسق) عن ابن الأعرابي اللغوي
الثقة أنه قال: (لم يسمع الفاسق في وصف الانسان في كلام العرب، وإنما قالوا
فسقت الرطبة عن قشرها).
وجاء في (معجم ألفاظ القرآن الكريم: مادة فسق): (من الحسي: فسقت
الرطبة من قشرها، إذا خرجت.
وفسق فلان في الدنيا فسقا، اتسع فيها ولم يضيقها على نفسه.
وفسق فلان ماله، إذا أهلكه وأنفقه.

(1) أصول الحديث وأحكامه 118.
111

ومنه يمكن إخراج معنى المادة الذي أكسبه إياها الاسلام، فقد نقل أنه لم
يسمع قط في كلام الجاهلية في شعر ولا كلام (نثر)، فاسق.
وجاء الشرع بأن الفسق الافحاش في الخروج عن طاعة الله.
وعدت الكلمة من الألفاظ الاسلامية التي نقلت عن موضعها إلى موضع
آخر، بزيادات زيدت وشرائع شرعت وشرائط شرطت، وهو مثل من التطور اللغوي
لدلالة الكلمات.
وبهذا المعنى الاسلامي للفسق استعمل في القرآن مقابلا للإيمان، كفرا
(وما يكفر بها إلا الفاسقون (، ونفاقا، (إن المنافقين هم الفاسقون (،
وضلالا (فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون (، وعلى أنواع من العصيان، وبهذا
كان الفسق أعم من الكفر).
وهذا يعني أن الكلمة لم تستقر في الاستعمال القرآني على المعنى الشرعي
المقابل لمعنى العدالة الذي استفيد من أمثال صحيح عبد الله بن أبي يعفور: (قلت
لأبي عبد الله (ع): بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم
وعليهم؟
فقال (ع): أن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان.
ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله تعالى عليها النار من شرب الخمر
والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك.
والدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على
المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه) (1).
وإنما استقر لفظ (الفاسق) مصطلحا خاصا يعني ما يقابل العادل بعد صدور
أمثال صحيحة ابن أبي يعفور، واستفادة الفقهاء منها ما حددوه من معنى العدالة.
فلا نستطيع - على هذا - أن نحمل لفظ (الفاسق) في الآية الكريمة على
المعنى المقابل للعادل.

(1) الوسائل باب 41: الشهادات، حديث 1.
112

وفي هديه لا بد من التماس دليل آخر غير الآية الكريمة، وليس هو إلا
السيرة الاجتماعية (سيرة العقلاء)، وما يفاد منها في ضوء ملاحظة تعامل الناس
حين تلقيهم الأخبار بعضهم عن بعض.
وعلى أساسه نقول: هل المشترط في قبول رواية الحديث هو:
- عدالة الراوي.
- وثاقة الراوي.
- الوثوق بصدور الخبر عن المعصوم.
ولأننا إنما نتعامل مع الخبر لأنه سنة أو حاك عن السنة يكون المطلوب هو
الوثوق بصدور الخبر عن المعصوم.
وعدالة الراوي وكذلك وثاقته تكون طريقا لحصول الوثوق بالصدور.
ويؤيد هذا أن خبر الواحد المقترن بما يفيد العلم بصدوره عن المعصوم لم
يشترط في رواية أن يكون عادلا أو ثقة،.. وما ذلك غلا لأن مثل هذا الشرط إنما هو
مقدمة لحصول الوثوق بالصدور، فإذا حصل بالصدور بدونه لا نحتاج إليه
لأن حصول الوثوق بالصدور هو المطلوب.
ومن هنا نقول: إن (السيرة كما تدل على حجية قول الثقة، كذلك تدل على
حجية كل خبر حصل الوثوق بصدوره عن المعصوم، سواء أحرزت وثاقة الراوي أم
لم تحرز، بل إحراز وثاقة الراوي مقدمة لحصول الوثوق بصدور الخبر) (1).
وتعرف عدالة الراوي من ألفاظ التقييم المذكورة في الكتب الرجالية،
والتي سنستعرضها بعد قليل.
(التحسين):
ويراد به - هنا - أن يفهم من ألفاظ المدح التي يذكرها الرجاليون في تقييم
الراوي، بالإضافة إلى أنه إمامي المذهب، ثقة في حديثه.

(1) أصول الحديث وأحكامه 53.
113

وبه يلتقي (الحسن) و (الموثق)، ويختلفان في مذهب الراوي حيث اشترط
في الحسن أن يكون رواته جميعا إماميين، وفي الموثق ربما كان الرواة جميعا غير
إماميين، وربما كان بعضهم إماميا والبعض الآخر غير إمامي.
وفي القسمين لابد من وثاقة الرواة إما عن طريق المدح أو عن طريق
التوثيق.
(التوثيق):
يراد به أن يكون الراوي ثقة في حديثه، وأن يكون توثيقه من قبل علمائنا، لا
في مذهبه.
(التضعيف):
ويراد به أن الراوي لم يبلغ مستوى العدالة، ولا مستوى الوثاقة، إما للجهل
بحاله، أو للعلم به بأن ليس بعادل ولا ثقة، ونص من قبل الرجاليين على هذا.
(ألفاظ التعديل والتوثيق):
هناك ألفاظ خاصة استعملها الرجاليون للدلالة على أن الراوي إمامي عادل
أو غير إمامي إلا أنه ثقة، عرفت بينهم بألفاظ التعديل.
وعن طريقها نعرف قيمة الراوي عند إرادتنا تقييم رجال السند.
ذكر منها الشهيد الثاني في (الدراية 75) الألفاظ التالية:
- عدل.
- ثقة.
- حجة.
- صحيح الحديث.
ويبدو أن تدوينه قام على أساس أن الألفاظ المذكورة وما يماثلها إذا ذكرت
في كتاب رجالي توثقنا على قيمة الراوي من حيث العدالة.
وقد يلاحظ على هذا من ناحية منهجية أن بعض القيم المذكورة أمثال
(عدل) و (حجة) لم يرد في فهرستي النجاشي والطوسي.
114

ويرجع ذلك إلى أنهما كانا يستعملان كلمة (ثقة) للدلالة على ما يعطي
معنى عدل أو حجة، وبخاصة إذا تكررت، أو اقترنت بما يفيد هذا، وللدلالة على
التوثيق فقط إذا ذكرت تقييما لغير الامامي، كأن يقال: (عامي ثقة)
أو (واقفي ثقة) أو (فطحي ثقة)، وكذلك إذا ذكرت تقييما للامامي واقترنت بما يفيد التوثيق لا
التعديل.
ومن هنا كان المطلوب منهجيا الرجوع إلى كتب الرجال الأصول، ودراسة
ألفاظ التوثيق من خلال تطبيقاتها.
وبالرجوع إلى فهرست النجاشي وفهرست الطوسي استخرجت منهما
القائمة التالية:
1 - أوثق الناس في الحديث وأثبتهم.
2 - أوثق الناس في حديثه.
3 - أوثق أهل زمانه عند أصحاب الحديث.
4 - أمره في الثقة أشهر من أن يذكر.
5 - ثقة، ثقة، لا يعدل به أحد في جلالته ودينه وورعه.
6 - ثقة، ثقة، ثبت، وجه.
7 - ثقة، جليل، واضح الحديث، حسن الطريقة.
8 - ثقة، ثقة، عين، لا بأس به، ولا شك.
9 - ثقة، ثقة، عين، سديد.
10 - ثقة، ثقة، عين، مسكون إليه.
11 - ثقة، ثقة، عين.
12 - ثقة، ثقة، ثبت.
13 - ثقة، ثقة، صحيح.
14 - ثقة، ثقة، صحيح الحديث.
115

15 - ثقة، ثقة، في الحديث.
16 - ثقة، ثقة، معتمد على ما يرويه.
17 - ثقة، ثقة.
18 - ثقة في حديثه، مسكون إلى روايته، لا يعترض عليه بشئ من الغمز،
حسن الطريقة.
19 - ثقة في حديثه، مسكون إلى روايته.
20 - ثقة في الحديث، صحيح الرواية، ثبت، معتمد على ما يرويه.
21 - ثقة في الحديث، ثبت، معتمد.
22 - ثقة، جيد الحديث، نقي الرواية، معتمد عليه.
23 - ثقة في حديثه متقن لما يرويه.
24 - ثقة في حديثه، مستقيم في دينه.
25 - ثقة في حديثه، صدوق.
26 - ثقة في حديثه، مأمون.
27 - ثقة في حديثه، سالم الجنبة.
28 - ثقة في حديثه.
29 - ثقة في الحديث.
30 - ثقة، سالم فيما يرويه.
31 - ثقة فيما يرويه.
32 - ثقة في روايته.
33 - ثقة معتمد عليه.
34 - ثقة، وأصله معتمد عليه.
35 - ثقة، عين، صحيح الحديث.
36 - ثقة، عين، نقي الحديث.
116

37 - ثقة، عين، واضح الرواية.
38 - ثقة، عين في الحديث.
39 - ثقة، عين، حسن الطريقة.
40 - ثقة، عين صحيح الاعتقاد.
41 - ثقة، عين، صدوق.
42 - ثقة، عين.
43 - ثقة، صدوق.
44 - ثقة، مشهور، صحيح الحديث.
45 - ثقة، صحيح الحديث.
46 - ثقة، صحيح السماع.
47 - ثقة، صحيح الرواية، واضح الطريقة.
48 - ثقة، مصدق، لا يطعن عليه.
49 - ثقة، عظيم المنزلة في أصحابنا.
50 - ثقة، جليل، عظيم القدر.
51 - ثقة، جليل، لا يطعن عليه بشئ.
52 - ثقة، جليل.
53 - ثقة، لا يطعن عليه بشئ.
54 - ثقة، وجه.
55 - ثقة، معول عليه.
56 - ثقة، متقدم.
57 - ثقة، حسن الطريقة.
58 - ثقة، خير.
59 - ثقة، مستقيم.
117

60 - ثقة، سليم الجنبة.
61 - ثقة، سليم.
62 - ثقة، صحيح المذهب.
63 - ثقة، لا بأس به.
64 - من ثقات أصحابنا.
65 - موثوق به.
66 - ثقة.
وعلى أساس ما مر من الاختلاف في مفهوم العدالة عند علماء الحديث،
حيث لم يفرق الطوسي بينها وبين الوثاقة، وفرق الجمهور بينهما فخصصوا الوثاقة
بالصدق بالقول، وعمموا العدالة إلى جميع سلوك الانسان الإرادي الاختيار،
ولكنهم خصوها بالامامي، وعموا الوثاقة للامامي وغيره.
على أساس من هذه لا فرق في قيمة الراوي عند الشيخ الطوسي بين الامامي
وغير الامامي إذا كان كل منهما موثقا.
فكل هذه الألفاظ - على رأيه - تصلح لتوثيق أي منهما.
بينما هي (أعني الألفاظ) تنقسم عند الجمهور إلى ما يراد به التعديل، وما
يراد به التوثيق.
فما ركز على الوثاقة في الحديث، فإن يعني أن الراوي موثق، ولازمه أن
تختص هذه الألفاظ بالتوثيق أي بالقسم الثالث، وهو الموثق.
وما كان منها عاما أي لم يركز فيه على الحديث بالذات فيعني أن الراوي
عدل.
وهنا ينبغي أن يلاحظ أن ما دل منها على الوثاقة فقط في الراوي الامامي لا
بد أن يدخل - على رأي الجمهور - في القسم الثاني، وإن ذكروا أن التحسين
يعني المدح من غير نص على العدالة، لأن هذا - في واقعه - لا يعني عدم النص
على الوثاقة، لأننا ذكرنا أنه لابد - وعلى أقل تقدير - من وثاقة الراوي في الروايات
118

الحسان، سواء كانت الوثاقة مستفادة من التحسين (المدح) أو من التوثيق.
(ألفاظ خاصة بالتعديل):
وهناك ألفاظ خاصة بالتعديل لا ينعت بها إلا من هو إمامي عادل، وهي:
1 - جليل القدر عظيم المنزلة عند الأئمة.
2 - جليل من أصحابنا عظيم القدر والمنزلة.
3 - جليل من أصحابنا عظيم المنزلة.
4 - جليل من أصحابنا عظيم القدر.
5 - كبير القدر من خواص الامام.
6 - له جلالة في الدنيا والدين.
7 - من أجلاء الطائفة وفقهائها.
8 - شيخ أصحابنا ومتقدمهم، له منزلة عظيمة.
9 - من وجوه أصحابنا ومحدثيهم وفقهائهم.
10 - وجه في أصحابنا، متقدم، عظيم المنزلة.
11 - متقدم، عظيم المنزلة.
12 - عظيم القدر، شريف المنزلة، صحيح العقيدة.
(ألفاظ التحسين):
أما ألفاظ المدح التي يفاد منها التحسين، فهي:
1 - من أجل أصحاب الحديث.
2 - صحيح الحديث، سليم.
3 - صحيح الحديث والمذهب.
4 - صحيح الحديث.
5 - نقي الحديث.
6 - حسن العلم والمعرفة بالحديث.
119

7 - من حفاظ الحديث.
8 - عين، مسكون إلى روايته.
9 - يسكن إلى روايته.
10 - سحن الحفظ، صحيح الرواية.
11 - حافظ، حسن الحفظ.
12 - سليم الاعتقاد، صحيح الرواية.
13 - متدين، حسن الاعتقاد.
14 - صحيح المذهب، حسن الاعتقاد.
15 - إمامي، مستقيم الطريقة.
16 - مستقيم الطريق، صالح الأمر.
17 - مشهور الأمر.
18 - قريب الأمر في الحديث.
19 - دين، فاضل.
20 - لا بأس به.
21 - وجه في أصحابنا.
22 - رجل من أصحابنا.
23 - شيخ من أصحابنا.
24 - مشهور في أصحابنا.
25 - خاص بحديثنا.
26 - خاصة الامام.
27 - خصيص الامام.
(ألفاظ التضعيف):
1 - كذاب.
120

2 - كذاب، غال، لا خير فيه، ولا يعتد بروايته.
3 - ضعيف.
4 - ضعيف الحديث، مرتفع القول.
5 - ضعيف جدا، وفي مذهبه ارتفاع.
6 - ضعيف في الحديث، غير معتمد فيه.
7 - ضعيف في حديثه.
8 - ضعيف في حديثه، متهم في دينه.
9 - ضعيف الحديث، فاسد المذهب، مجفو الرواية.
10 - ضعيف، فاسد الرواية.
11 - ضعيف، مخلط فيما يسنده.
12 - ضعيف، فاسد المذهب.
13 - ضعيف، غال.
14 - ضعيف جدا.
15 - ضعيف جدا، لا يلتفت إليه.
16 - ضعيف جدا، فاسد المذهب.
17 - ضعيف جدا، فاسد الاعتقاد، لا يعتمد في شئ.
18 - ضعيف جدا، لا يعول عليه، ولا يلتفت إلى ما تفرد به.
19 - ذكره أصحابنا بالضعف.
20 - ضعفه جماعة من أصحابنا.
21 - ضعفه أصحابنا.
22 - غالي المذهب.
23 - غال، فاسد المذهب.
24 - غال، متهم في دينه.
121

25 - غال، كذاب، فاسد المذهب والحديث.
26 - فيه غلو وترفع.
27 - رمي بالضعف والغلو.
28 - رمي بالغلو، وغمز عليه، ضعيف جدا.
29 - مضطرب.
30 - مضطرب الأمر.
31 - مضطرب الحديث.
32 - مضطرب الحديث والمذهب.
33 - مضطرب الرواية، فاسد المذهب، لا يعبأ به.
34 - يعرف وينكر.
35 - يعرف وينكر، بين بين.
36 - في حديثه بعض الشئ، يعرف وينكر.
37 - لم يكن في الحديث بذلك، يعرف منه وينكر.
38 - أمره ملبس، يعرف وينكر.
39 - مختلط الأمر في الحديث، يعرف منه وينكر.
40 - مخلط.
41 - مختلف الأمر.
42 - مختلط الأمر في حديثه.
43 - حديثه ليس بالنقي.
44 - حديثه ليس بذاك النقي.
45 - لم يكن في المذهب والحديث، وإلى الضعف ما هو.
46 - فاسد المذهب والرواية.
47 - ممن طعن عليه.
122

48 - لم يكن بالمرضي.
49 - لم يكن بذاك.
50 - ليس بذاك.
51 - لا يلتفت إلى ما رواه.
52 - يصنع الحديث.
هذه هي العبائر التي وقفت عليها في فهرستي النجاشي والطوسي، ولعدم
وضوح بعضها نكون بحاجة إلى توضيحها لمعرفة ما يراد بها، وهي:
1 - الغلو:
الغلو مصطلح من مصطلحات العقيدة، أخذ من قوله تعالى: (يا أهل
الكتاب لا تغلوا في دينكم (.
خوطب به أهل الكتاب لأن اليهود غلو في السيد المسيح بحطهم إياه عن
منزلته الدينية، ولأن النصارى غلوا فيه فرفعوه فوق منزلته الدينية.
يقول الزمخشري: (غلت اليهود في حط المسيح عن منزلته حيث جعلته
مولودا لغير رشدة (1)، وغلت النصارى في رفعه عن مقداره حيث جعلوه إلها) (2).
وروى الطبرسي عن الحسن البصري (قال: إن النصارى غلت في المسيح،
فقالت: هو ابن الله، وبعضهم قال: هو الله، وبعضهم قال: هو ثالث ثلاثة: الأب
والابن وروح القدس، واليهود غلت فيه حتى قالوا: ولد لغير رشدة، فالغلو لازم
للفريقين) (3).
ومنه يفهم أن الغلو قد يكون بحط الولي عن منزلته، وقد يكون برفعه فوق
منزلته أي هو انحراف في الاعتقاد إلى طرف الإفراط أو إلى طرف التفريط.
وبوجود فرقة من الشيعة غلت في أهل البيت (ع) فرفعتهم فوق منزلتهم
فسموا ب‍ (الغلاة).

(1) الرشدة ضد الزنية.
(2) الكشاف 1 / 584.
(3) مجمع البيان مج 1 ج 5 ص 300.
123

فعندما يقال: (فلان غال) أو أمثال هذه العبارة يراد به أن الراوي من هذه
الفرقة.
2 - الارتفاع في القول أو المذهب:
يراد به أن الراوي يعتقد أو يقول ما يرتفع بصفات الامام إلى مستوى الغلو.
وسمي بالارتفاع لأن الغلو على قسمين: غلو بالحط وغلو بالرفع - كما
تقدم.
3 - الاختلاط:
يراد به كمصطلح حديثي: التساهل في رواية الحديث، فلا يحفظ الراوي
الحديث مضبوطا، ولا ينقله مثلما سمعه، كما أنه (لا يبالي عمن يروي، وممن
يأخذ، ويجمع بين الغث والسمين والعاطل والثمين) 2.
4 - يعرف وينكر:
بالبناء للمفعول فيهما.. ذكر في بيان المقصود من العبارة أكثر من معنى،
قال الشيخ المامقاني في الفائدة الخامسة من مقدمة كتابه (تنقيح المقال): (إنه قد
تكرر من أهل الرجال، سيما ابن الغضائري (ره) في حق جماعة من رجالنا قولهم:
(يعرف حديثه وينكر) أو (يعرف تارة وينكر أخرى) وإنا وإن كرنا في (مقباس
الهداية) ما ذكروه في المراد بالعبارة، إلا أنا لكثرة وقوعه في كلمات أصحابنا
أهمنا شرح الكلام فيه هنا أيضا، فنقول: قد صدر منهم في المراد بالعبارة (أقوال):
أحدها: أن بعض أحاديثه معروف وبعضها منكر.
وأن المراد بالمنكر ما لا موافق له في مضمونه من الكتاب والسنة،
وبالمعروف ما يوافق مضمونه بعض الأدلة.
ثانيها: أن بعض أحاديثه منكر مخالف للأدلة في مضمونه، وبعضها معروف
له موافق فيها.

(1) مقباس الهداية 2 / 303.
124

وهذا يقرب من سابقه.
ثالثها: أن المراد بالمنكر الأعاجيب على حد ما قاله الشيخ (ره) في ترجمة
جعفر بن محمد بن مالك (1)، ويقابله قوله (يعرف).
رابعها: ان المراد أنه يقبل تارة ولا يقبل أخرى.
خامسها: ان المراد به أنه يعرف معنى حديثه، وينكر بمعنى أنه مضطرب
الألفاظ... وقد اختار هذا التفسير بعضهم حيث قال: إن الظاهر من قول ابن
الغضائري: (يعرف وينكر) اضطراب الحديث.
سادسها: أن قوله (يعرف وينكر) تفسير لقوله (مختلط)، ومعنى اختلاف
الحديث أنه لا يحفظه على وجهه).
5 - الاختلاف في المذهب:
من الأسباب التي توجب التوقف عن الأخذ برواية الراوي الاختلاف في
المذهب، إلا إذا نص على توثيقه من قبل علمائنا.
ومن هنا قرأنا التعبير عن هذا في ألفاظ التضعيف بأنه (فاسد المذهب) أو
(فاسد الاعتقاد).
ويتحقق هذا بأن يكون الراوي غير إمامي.
وهذا - بدوره - دعا غير واحد من المؤلفين في علم الحديث أن يذكروا
باختصار، وربما بتعداد فقط، الفرق الاسلامية.
وعامل آخر دعاهم إلى هذا هو ذكر الرجاليين انتساب الراوي إلى فرقته.
والفرق التي ورد ذكرها في (الفهرستين) هي: الزيدية، الجارودية، الفطحية،
الواقفة، العامة، الناووسية، الغلاة، الكيسانية، المعتزلة، الخطابية.
ويقصدون من (العامة) أهل السنة، ومن (الخاصة) إذا أطلقت مقابلة لها
الامامية.

(1) قال الشيخ في رجاله ص 458: " روى في مولد القائم (ع) أعاجيب ".
125

وأكثر هذه التي سموها فرقا قد كانت ضمن فرد واحد ابتدع رأيا، وحاول
نشره، والدفاع عنه، أو ضمن جماعة تبنوا رأي فرد، وقاموا بمحاولة نشره، والذب
عنه.
ولهذا انقرضت، وأصبحت من حوادث التاريخ الماضي، ولكن لأنها تذكر -
عادة - في كتب الرجال خلال التراجم، وفي مدونات الملل والنحل، ومؤلفات
الفرق، دأب علماء الحديث على ذكرها.
ولذا رأيت أن أذكرها مختصرا وبشكل تعداد، محيلا لمعرفة رجالها
وفكرها، إلى موسوعات الملل والنحل، وبخاصة ما كتبه الشيخ السبحاني من
علمائنا المعاصرين في كتابه (بحوث في الملل والنحل).
(الفرق الرئيسية):
والفرق الاسلامية الرئيسية هما: الشيعة والسنة (1)، ثم وجدت فرقت الخوارج
بعد حادثة التحكيم في وقعة صفين الشهيرة.
فكانت أول انفصال في الاسلام، وعدت في رأي مؤلفي الملل والنحل
فرقة رئيسة ثالثة.
وانفرق الخوارج إلى الفرق، أو بالأصح إلى الشعب التالية:
1 - الإباضية.
2 - الأزارقة.
3 - الأطرافية.
4 - البيهسية.
5 - الثعالبة.
6 - الثوبائية.

(1) لمعرفة هذا راجع: (دروس في فقه الامامية) و (تاريخ التشريع الاسلامي) و (قراءة في كتاب
التوحيد) للمؤلف.
126

7 - الحارثية.
8 - الحازمية.
9 - الحفصية.
10 - الحمزية.
11 - الرشيدية.
12 - الشيبانية.
13 - الصالحية.
14 - الصفرية.
15 - الصلتية.
16 - العبيدية.
17 - العجاردة.
18 - الغسانية.
19 - المحكمة.
20 - المكرمية.
21 - الميمونية.
22 - النجدات.
23 - اليزيدية.
24 - اليونسية.
- وتشعبت فرقة السنة إلى التالي:
1 - الأشاعرة.
2 - الجرية.
3 - السلفية (أهل الحديث).
4 - الماتريدية.
127

5 - المرجئة.
6 - المعتزلة.
- وانقسمت الجبرية إلى:
1 - الجهمية.
2 - الضرارية.
3 - النجارية.
- وانقسمت المعتزلة إلى:
1 - البشرية.
2 - البهشمية.
3 - الثمامية.
4 - الجاحظية.
5 - الجبائية.
6 - الخابطية.
7 - الخياطية.
8 - المردارية.
9 - المعمرية.
10 - النظامية.
11 - الهذيلية.
12 - الهشامية.
13 - الواصلية.
- وتشعبت فرقة الشيعة إلى:
1 - الإسماعيلية.
2 - الامامية.
128

3 - الزيدية.
4 - الغلاة.
5 - الفطحية.
6 - الكيسانية.
7 - الواقفة.
- وانقسمت الزيدية إلى:
1 - البترية.
2 - الجارودية.
3 - السليمانية.
4 - الصالحية.
- وانقسم الغلاة إلى:
1 - الخطابية.
2 - المحمدية.
3 - المغيرية.
4 - المفوضة.
5 - الناووسية.
6 - النصيرية.
درجات القوة والضعف:
تختلف مراتب أو درجات القوة في الأقسام الثلاثة: الصحيح والحسن
والموثق.
وكذلك تختلف درجات الضعف في الحديث الضعيف.
يقول الشهيد الثاني في (الدارية 24 - 25): (ودرجاته (يعني الضعيف) في
129

الضعف متفاوتة بحسب بعده عن شروط الصحة، فكلما بعد بعض رجاله عنها كان
أقوى في الضعف، وكذا ما كثر فيه الرواة المجروحون بالنسبة إلى ما قل فيه.
كما تتفاوت درجات الصحيح وأخويه والحسن والموثق بحسب تمكنه من
أوصافها.
فما رواه الامامي الثقة الفقيه الورع الضابط كابن أبي عمير أصح مما رواه
من نقص في بعض الأوصاف منه.
وهكذا إلى أن ينتهي إلى أقل مراتبه.
وكذلك ما رواه الممدوح كثيرا كإبراهيم بن هاشم أحسن مما رواه من هو
دونه في المدح.
وهكذا إلى أن يتحقق مسماه.
وكذا القول في الموثق، فغن ما كان في طريقه مثل علي بن فضال، وأبان
بن عثمان، أقوى من غيره.
وهكذا).
ويستفاد من هذا في مجال التعارض بين الخبرين.
أقسام الضعيف:
أشرنا من خلال الجدول البياني المتقدم إلى أن الحديث الضعيف ينقسم
إلى: مقبول ومردود.
والآن حيث جاء دور دراستهما نقول: عرفوا:
1 - المقبول: بأنه الحديث الضعيف الذي تلقاه الفقهاء بالقبول،
وعملوا بمضمونه.
أي أن الفقهاء يعتمدونه دليلا في الاستنباط، ويفتون وفق مدلوله.
وقد يؤنث باعتبار الرواية فيقال: (مقبولة).
ومثاله:
130

مقبولة عمر بن حنظلة العجلي الكوفية، الواردة في النهي عن التقاضي عند
القضاة الرسميين المنصوبين من قبل الحاكم العباسي، ولزوم الترافع إلى فقهاء الإمامية.
وممن رواها الحر العاملي في (الوسائل 18 / 75، الباب 9 من أبواب
صفات القاضي) بإسناده عن (محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد
بن الحسين عن محمد بن عيسى عن صفوان بن يحيى عن داود بن الحصين عن
عمر بن حنظلة، قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة
في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل ذلك؟... الخ).
وضعف هذه الرواية آت من وجود (محمد بن عيسى) و (داود بن الحصين)
في سندها.
ضعفهما الشهيد الثاني في (الدراية 44) قال: (وإنما وسموه (يعني حديث
ابن حنظلة المذكور) بالمقبول لأن في طريقه محمد بن عيسى وداود بن الحصين،
وهما ضعيفان).
يضاف إله أن عمر بن حنظلة لم ينص الأصحاب فيه بجرح أو تعديل.
ولكن لأنها قبلت من قبل الفقهاء، وعملوا بمضمونها في موضوع القضاء من
الفقه، وفي موضوع الترجيح بين الخبرين المتعارضين من أصول الفقه، سميت
بالمقبولة، ودخلت ضمن الأحاديث المعتبرة.
يقول الشهيد الثاني: (ومع ما ترى في هذا الاسناد (يعني اسناد المقبول
المذكور) قد قبل الأصحاب متنه، وعملوا بمضمونه، بل جعلوه عمدة التفقه،
واستنبطوا منه شرائطه كلها، وسموه مقبولا، ومثله في تضاعيف أحاديث الفقه
كثير) (1).
2 - المردود: وهو الحديث الضعيف الذي رده العلماء ومنعوا من
الرجوع إليه والعمل به لعدم وجود ما يساعد على جبر ضعفه.
ومن أوضح وأظهر مصاديقه:

(1) الدراية 44.
131

(الحديث الموضوع)
تعريفه:
الحديث الموضوع: هو المكذوب، المختلق، المصنوع.
والتسمية مأخوذة من الوضع بمعنى الاختلاق، يقال: وضع الرجل الحديث:
افتراه وكذبه واختلقه (1).
والوثيقة العلمية التي رواها الكليني باسناده عن أمير المؤمنين (ع) - والتي
نقلنا نصها عند حديثنا عن نشأة الحديث - صريحة في أن وضع الحديث كان
على عهد رسول الله (ص).
ويبدو أنه شكل آنذاك ظاهرة تشبه المشكلة، مما دعا رسول الله (ص) أن
يكافحها وبكل قوة، وذلك لما قد ينجم عن الوضع مع خطر على العقيدة والتشريع
والمجتمع.
فقد جاء فيها: (وقد كذب على رسول الله (ص) على عهده حتى قام
خطيبا فقال: (يا أيها الناس قد كثرت علي الكذابة، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ
مقعده من النار) ثم كذب عليه من بعده).
عوامل الوضع:
يمكننا أن نلخص عوامل وضع الحديث بالتالي:
1 - العامل السياسي.
2 - العامل الديني.
3 - العامل المذهبي.
4 - العامل الاعلامي.

(1) المعجم الوسيط: مادة وضع.
132

5 - العامل الاجتماعي.
6 - العامل الاقتصادي.
7 - العامل الشخصي.
1 - (العامل السياسي):
وتمثل هذا بشكل واضح في أعمال معاوية بن أبي سفيان التي قام بها من
أجل توطيد أركان دولته.. وكان منها اختلاق الحديث.
ذلك أن معاوية عندما أسلم يوم فتح مكة أسلم لا عن طواعية، وإنما هو
الأمر الواقع الذي استسلم له آل أمية.
فليس أمامهم لاسترجاع سيادتهم الجاهلية إلا أن يسايروا هذا الواقع الجديد
الذي سلبهم تلك السيادة الجاهلية ليحققوا هدفهم في استرجاعها عن طريق هذه
المسايرة.
وكان أول نفوذ لهم إلى ذلك، أيام أبي بكر حينما ولى يزيد بن أبي سفيان
أمرة أحد جيوش الفتوح، وهو الجيش الذي وجهه الخليفة لفتح دمشق.
ثم لما ولاه عمر بن الخطاب ولاية دمشق، وولى أخاه معاوية ولاية ما
والاها من بلاد الشام.
ولما مات يزيد بن أبي سفيان أضاف عمر ولاية دمشق إلى معاوية.
ولما ولي عثمان بن عفان ولى معاوية ولاية الشام كلها.
وبعد مقتل عثمان استقل معاوية بولايته، وخرج عن طاعة الخليفة الشرعي
علي بن أبي طالب، وشق عصا جماعة المسلمين، بما أحدثه من فتنة الحرب بين
أهل العراق وأهل الشام.
ولما استتب له أمر السلطة بعد مقتل علي (ع) (تحولت الخلافة إلى ملك
آل إلى صاحبه بقوة السيف والسياسة والمكايد) (1).

(1) تاريخ الاسلام، حسن إبراهيم حسن 1 / 447.
133

ولأن معاوية كان يعلم أن لا أهلية شرعية له للخلافة لأنه من الطلقاء.
وقد أسمعه هذا غير واحد من الصحابة والتابعين بما يجسد رأيهم فيه،
وموقفهم منه.
روى المسعودي في (مروج الذهب 3 / 40 - 41) قال: (حدث منصور بن
وحشي عن أبي الفياض عبد الله بن محمد الهاشمي عن الوليد بن البختري العبسي
عن الحارث بن مسمار البهراني قال: حبس معاوية صعصعة بن صوصان العبدي
وعبد الله بن الكواء اليشكري ورجالا من أصحاب علي مع رجال من قريش،
فدخل عليهم معاوية يوما، فقال: نشدتكم بالله إلا ما قلتم حقا وصدقا، أي
الخلفاء رأيتموني؟!.. ثم تكلم صعصعة فقال: تكلمت يا ابن أبي سفيان
فأبلغت، ولم تقصر عما أردت، وليس الأمر على ما ذكرت، أنى يكون الخلفة من
ملك الناس قهرا، ودانهم كبرا، واستولى بأسباب الباطل كذبا ومكرا!..
أما والله ما لك في يوم بدر مضرب ولا مرمى، وما كنت فيه إلا كما قال
القائل: (لا حلي ولا سيري).
ولقد كنت أنت وأبوك في العير والنفير ممن أجلب على رسول الله (ص).
وإنما أنت طليق وابن طليق، أطلقكما رسول الله (ص)، فأنى تصلح
الخلافة لطليق؟!
فقال معاوية: لولا أني أجع إلى قول أبي طالب حيث يقول:
قابلت جهلهم حلما ومغفرة * والعفو عن قدرة ضرب من الكرم
لقتلتكم).
وفي كتاب علي إلى معاوية الذي يدعوه فيه إلى بيعته بيان آخر في أن
الطلقاء لا تحل لهم الخلافة، قال (ع): (أما بعد: فإن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت
بالشام، لأنه بايعني القوم الذين بايعوا (أبا بكر) و (عمر) و (عثمان) على ما بويعوا
عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين
والأنصار، فإذا اجتمعوا على رجل فسموه إماما كان ذلك رضا، فإن خرج من
أمرهم خارج بطعن أو رغبة، ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير
سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى، ويصليه جهنم وساءت مصيرا.
134

وإن (طلحة) و (الزبير) بايعاني، ثم نقضا بيعتي، وكان نقضهما كردهما،
فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق، وظهر أمر الله وهم كارهون.
فأدخل فيما دخل فيه المسلمون، فإن أحب الأمور إلي فيك العافية، إلا أن
تتعرض للبلاء، فإن تعرضت له قاتلتك، واستعنت الله عليك.
وقد أكثرت في قتلة عثمان، فادخل فيما دخل فيه المسلمون، ثم حاكم
القوم إلي أحملك واياهم على كتاب الله.
فأما تلك التي تريدها فخدعة الصبي عن اللبن.
ولعمري، لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان.
وأعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة، ولا تعرض فيهم
الشورى.
وقد أرسلت إليك وإلى من قبلك (جرير بن عبد الله)، وهو من أهل الإيمان
والهجرة، فبايع، ولا قوة إلا بالله) (1).
وفي (مقال عبد الرحمن بن غنم الأشعري لأبي هريرة وأبي الدرداء عندما
أرسلهما معاوية إلى علي: (أي مدخل لمعاوية في الشورى! وهو من الطلقاء الذين
لا تجوز لهم الخلافة، وهو وأبوه من رؤوس الأحزاب، وكيف يستقر له الأمر بعد
قول عمر: (هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد، ثم في أحل أحد، ثم في كذا
وكذا، وليس فيها لطليق، ولا لولد طليق، ولا لمسلمة الفتح) (2).
(وقال له شعبة بن غريض: إنك ميت الحق في الجاهلية، وميته الاسلام،
أما في الجاهلية فقاتلت النبي والوحي حتى جعل الله كيدك المردود، وأما في
الاسلام فمنعت ولد رسول الله (ص) الخلافة، وما أنت وهي؟! وأنت طليق ابن
طليق) (3).

(1) الأدب السياسي في النزاع بين علي ومعاوية 75 نقلا عن وقعة صفين 29.
(2) أحاديث أم المؤمنين عائشة 392 عن أسد الغابة 4 / 387 والطبقات 3 / 248.
(3) م. س 394 عن الأغاني 3 / 25.
135

فما كان منه (أعني معاوية) إلا أن اتجه وجهة اختلاق الأحاديث التي تؤيد
ملكه وحكمه، فاستقطب ذوي النفوس المريضة من المرتزقة، والآخرين الذين
يريدون الكيد للاسلام والمسلمين، فوضعوا له الأحاديث في هذا.
ومن هذا الذي وضعوه: أن النبي (ص) قال: (سيليكم بعدي البر ببره،
ويليكم الفاجر بفجوره، فاسمعوا وأطيعوا في كل ما وافق الحق، فإن أحسنوا فلكم
ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم) (1).
وظلال الصنعة على هذا الحديث واضحة، وهي أنه اختلق ليلغي عنصر
العدالة المطلوب توافره من ناحية شرعية في الخليقة، وليلغي وجوب الوقوف بوجه
الحاكم الجائر حتى يعود إلى الاستقامة وتعود إلى النظام عدالته الاجتماعية.
ومع هذا كان أمام معاوية وتحقيق هدفه من تحويل الخلافة إلى ملك
عضوض تتناوب على عرشه رجال أمية عقبة صلدة، تلك هي إيمان المسلمين بأن
الخلافة لعلي وآله، فانبرى وبكل ما أوتي من حول لتذليل هذه العقبة.
(روى المدائني في كتاب الأحداث، وقال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى
عماله بعد عام الجماعة: (أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب، وأهل
بيته).
وكان أشد البلاء حينئذ أهل الكوفة.
وكتب معاوية إلى عمال في جميع الآفاق: أن لا يجيزوا لأحد من شيعة
علي وأهل بيته شهادة.
وكتب إليهم: أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه، وأهل ولايته،
والذين يروون فضائله، ومناقبه، فأدنوا مجالسهم، وقربوهم، وأكرموهم، واكتبوا إلي
بكل ما يروي كل رجل منهم، واسمه واسم أبيه، وعشيرته.
ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعث إليهم
معاوية من الصلات، والكساء، والحباء، والقطايع، ويفيضه في العرب منهم والموالي.

(1) تاريخ الاسلام، حسن إبراهيم حسن 1 / 447.
136

فكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجئ أحد مردود
من الناس عاملا من عمال معاوية، فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة، إلا كتب اسمه
وقربه وشفعه.
فلبثوا بذلك حينا.
ثم كتب إلى عماله: أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر،
وفي كل وجه، وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل
الصحابة، والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي
تراب إلا وأتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحب إلي، وأقر إلى عيني،
وأدحض لحجة أبي تراب، وشيعته، وأشد عليهم من مناقب عثمان، وفضله.
فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا
حقيقة لها.
وجرى الناس في رواية ما يجري هذا المجرى، حتى أشادوا بذكر ذلك
على المنابر.
وألقي إلى معلمي الكتاتيب، فعلموا صبيانهم، وغلمانهم، من ذلك الكثير
الواسع، حتى رووه، وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتى علموه بناتهم، ونساءهم،
وخدمهم، وحشمهم.
فلبثوا بذلك إلى ما شاء الله.
فظهرت أحاديث كثيرة موضوعة، وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء
والقضاة والولاة) (1).
وقال ابن عرفة: (إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت
في أيام بني أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم) (2)
ومن هذا ما أشار إليه ابن أبي الحديد في كتابه (شرح نهج البلاغة 1 / 358

(1) أحاديث أم المؤمنين عائشة 395 - 396 عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 / 15 - 16.
(2) م. ن.
137

الطبعة المصرية القديمة) قال: (وذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي: أن معاوية وضع
قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي تقتضي الطعن
فيه، والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه.
منهم: أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين: عروة
بن الزبير.
روى الزهري أن عروة بن الزبير حدثه، قال: حدثتني عائشة، قالت: - كنت
عند رسول الله إذ أقبل العباس وعلي: يا عائشة إن هذين يموتان على غير
ملتي، أو قال: ديني.
وروى عبد الرزاق عن معمر، قال: كان عند الزهري حديثان عن عروة عن
عائشة في علي (ع)، فسألته عنهما يوما، فقال: ما تصنع بهما، وبحديثهما، الله
أعلم بهما، إني لأتهمهما في بني هاشم.
قال (أبو جعفر): فأما الحديث الأول فقد ذكرناه، وأما الحديث الثاني فهو
أن عروة زعم أن عائشة حدثته، قالت: كنت عند النبي (ص) إذ أقبل العباس وعلي،
فقال: يا عائشة، إن سرك أن تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد
طلعا، فنظرت فإذا العباس وعلي بن أبي طالب.
وأما عمرو بن العاص فروى فيه الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في
صحيحيهما مسندا متصلا بعمرو بن العاص، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول:
إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين.
وأما أبو هريرة فروى عنه الحديث الذي معناه أن عليا (ع) خطب ابنة أبي
جهل في حياة رسول الله (ص) فأسخطه، فخطب على المنبر، وقال: لا والله، لا
تجتمع ابنة ولي الله وابنة عدو الله أبي جهل، إن فاطمة بضعة مني يؤذيني ما
يؤذيها، فإن كان علي يريد ابنة أبي جهل فليفارق ابنتي، وليفعل ما يريد، أو كلاما
هذا معناه.
والحديث مشهور من رواية الكرابيسي.
قلت: هذا الحديث أيضا مخرج في صحيحي مسلم والبخاري عن المسور
138

بن مخرمة الزهري، وقد ذكره المرتضى في كتابه المسمى (تنزيه الأنبياء والأئمة)،
وذكر أنه رواية حسين الكاربيسي وأنه مشهور بالانحراف عن أهل البيت (ع)،
وبعداوتهم والمناصبة لهم، فلا تقبل روايته.
ولشياع هذا الخبر وانتشاره ذكره مروان بن أبي حفصة في قصيدة يمدح
بها الرشيد، ويذكر فيها ولد فاطمة (ع)، وينحى عليهم، ويذمهم، وقد بالغ حين ذم
عليا (ع) وناله منه) وأولها:
سلام على جمل وهيهات من جمل * ويا حبذا جمل وإن صرمت حبلي
يقول فيها:
وساء رسول الله إذ ساء بنته * بخطبته بنت اللعين أبي جهل
فذم رسول الله صهر أبيكم * على منبر بالنطق ذي الصادع الفصل
....... قال أبو جعفر: وروى الأعمش، قال: لما قدم أبو هريرة العراق مع
معاوية عام الجماعة، جاء إلى مسجد الكوفة، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس
جثا على ركبتيه، ثم ضرب صلعته مرارا، وقال: يا أهل العراق، أتزعمون أني أكذب
على الله وعلى رسوله، وأحرق نفسي بالنار، والله لقد سمعت رسول الله (ص)
يقول: إن لكل نبي حرما وان حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها
حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وأشهد بالله أن عليا أحدث فيها.
فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه، وولاه إمارة المدينة.
قال أبو جعفر: وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا، غير مرضي الرواية، ضربه
عمر بالدرة، وقال: قد أكثرت من الرواية وأحر بك أن تكون كاذبا على رسول الله
(ص).
وروى سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم التيمي، قال: كانوا لا يأخذون
عن أبي هريرة إلا ما كان من ذكر جنة أو نار.
وروى أبو أسامة عن الأعمش قال: كان إبراهيم صحيح الحديث، فكنت إذا
سمعت الحديث أتيته فعرضته عليه، فأتيته يوما بأحاديث من حديث أبي صالح عن
أبي هريرة، فقال: دعني من أبي هريرة، انهم كانوا يتركون كثيرا من حديثه.
139

وقد روي عن علي (ع) أنه قال: ألا إن أكذب الناس، أو قال: أكذب
الأحياء على رسول الله (ص) أبو هريرة الدوسي.
وروى أبو يوسف، قال: قلت لأبي حنيفة: الخبر يجئ عن رسول الله (ص)
يخالف قياسنا ما تصنع به؟، قال: إذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به وتركنا
الرأي،. فقلت: ما تقول في رواية أبي بكر وعمر؟، فقال: ناهيك بهما، فقلت: علي
وعثمان؟ قال: كذلك،.. فلما رآني أعد الصحابة، فقال: والصحابة كلهم عدول ما
عدا رجالا، ثم عد منهم أبا هريرة وأنس بن مالك.
وروى سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن عمر بن عبد الغفار: أن
أبا هريرة لما قدم الكوفة مع معاوية وكان يجلس بالعشيات بباب كندة ويجلس
الناس إليه، فجاء شاب من الكوفة فجلس إليه، فقال: يا أبا هريرة أنشدك الله
أسمعت من سول الله (ص) يقول لعلي بن أبي طالب: (اللهم وال من والاه، وعاد
من عاداه)، فقال: اللهم نعم، قال: فأشهد بالله لقد واليت عدوه وعاديت وليه، ثم
قام عنه).
وليس لنا إلا أن نعلق هنا بأن فتح باب الوضع رسميا - كما رأينا - قد أساء
للفكر والعقيدة والتشريع أيما إساءة، ولا يزال المفعول يلقى بجرانه على كواهل
المسلمين، وبتبعاته على رقابهم، فلوث وشوه وأعاب.
2 - (العامل الديني):
وأقصد بالعامل الديني - هنا - السبب الذي دفع أبناء الأديان الأخرى لوضع
الأحاديث كيدا للاسلام وانتقاما من المسلمين.
وأظهر مظاهر هذا ما عرف في المحدثين والفقهاء ب‍ (الإسرائيليات)،
و (الغلو)... الإسرائيليات التي جاءتنا عن طريق اليهود في أحاديث موضوعة،
و (الغلو) الذي وصل إلينا عن طريق النصارى في أحاديث موضوعة أيضا.
فعندما انبثق نور الاسلام في الحجاز، وتركز في المدينة المنورة، واتخذ
منها رسول الله (ص) عاصمة الدولة الاسلامية عمل المسلمون على إجلاء اليهود
منها، فانتقلوا إلى الشام، وبعض منهم إلى العراق.
140

وكان في ذلك الوقت عدد غير قليل منهم في اليمن، فأراد هؤلاء اليمنيون
أن يثأروا ليهود الحجاز، فأخذوا يفدون من اليمن إلى المدينة المنورة متظاهرين
باعتناقهم الاسلام.
وكان من أبرز من وفد من يهود اليمن:
1 - كعب الأحبار:
وكان من أكابر علماء اليهود في اليمن، ويقال: إنه أسلم في زمن أبي بكر،
وقدم المدينة في أيام عمر.
2 - وهب بن منبه:
وكان من أكابر علماء اليهود بأساطير الأولين، ولا سيما الإسرائيليات.
نفذ هؤلاء اليهود لتحقيق مآربهم عن طريق استغلال الخلافات الفكرية التي
تقع بين المسلمين بدس وتسريب فكرهم الإسرائيلي مغلفا بأحاديث مختلقة.
وقد تمثلت هذه الإسرائيليات أكثر ما تمثلت في أحاديث التجسيم.
والتجسيم - كما هو معلوم - من الفكر اليهودي، ويتردد صداه في التوراة
المحرفة بشكل جلي.
وانبثت هذه الأحاديث في حديث أهل السنة، ودخلت أقدس كتبهم في
الحديث، وهي (الصحاح).
وإليك أمثلة منها:
جاء في كتاب (أبو هريرة) للشيخ محمود أبو ريه ص 244 تحت عنوان
(أمثلة مما رواه أبو هريرة) ما يلي:
أخرج البخاري ومسلم عنه أنه قال: جاء ملك الموت إلى موسى، فقال له:
أجب ربك، فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها، فرجع الملك إلى الله تعالى،
فقال: إنك أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت ففقأ عيني، فرد الله إليه عينه، وقال:
أرجع إلى عبدي فقل له: إن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما توارت
بيدك من شعرة فإنك تعيش بها سنة.
141

وقد أورد الثعالبي في كتابه (المضاف والمنسوب) هذا الحديث تحت
عنوان (لطمة موسى)، وقال عنه إنه من أساطير الأولين، وان ملك الموت هذا
أعور، حتى قيل فيه:
يا ملك الموت لقيت منكرا * لطمة موسى تركتك أعورا
وختم قوله بهذه العبارة: وأنا برئ من هذه الحكاية.
ومن العجيب أن يصف الثعالبي هذا الحديث بأنه من أساطير الأولين بعد أن
رواه البخاري ومسلم، مما يدل على أن هذين الكتابين لم يكن لهما في القرون
الأولى الاسلامية تلك القداسة التي جعلت لهما بعد ذلك، والثعالبي - كما هو
معروف - قد مات في سنة 429 ه‍).
(وأخرج البخاري ومسلم عنه: قال النبي (ص): تحاجت الجنة والنار،
فقالت النار: أو ثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: مالي لا يدخلني إلا
ضعفاء الناس وسقطتهم، قال الله تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من
أشاء من عبادي، وقال للنار: أنت عذابي أصيب بك من أشاء من عبادي، ولكل
واحدة منهما ملؤها، فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله، فتقول: قط قط، فهناك
تمتلئ، ويزوي بعضها إلى بعض).
(وروى الشيخان عنه: ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى الثلث
الأخير، يقول: من يدعوني فأستجيب له).
(وأخرج الشيخان عنه عن رسول الله (ص)، قال: خلق الله آدم على صورته
طوله ستون ذراعا، وزاد أحمد عن أبي هريرة: في سبعة أذرع عرضا.
وهذا الحديث هو نفس الفقرة السابعة والعشرين من الأصحاح الأول من
سفر التكوين (العهد القديم)، وإليك نصها: فخلق الله الانسان
على صورة الله، على صورة الله خلقه، ذكرا وأنثى خلقهم).
ونحن إذا علمنا أن أبا هريرة كان من أبرز تلامذة كعب الأحبار أدركنا
مصدر هذه الروايات.
قال أبو رية: (ما كاد أبو هريرة يرجع إلى المدينة معزولا عن ولايته بالبحرين
142

حتى تلقفه الحبر الأكبر كعب الأحبار اليهودي، وأخذ يلقنه من إسرائيلياته،
ويدس له من خرافاته.
وكان المسلمون يرجعون إليه فيما يجهلون، وبخاصة بعد أن قال لقيس بن
خرشة هذه الأكذوبة: (ما من الأرض شبر إلا مكتوب في التوراة التي أنزلت على
موسى ما يكون عليه، وما يخرج منه).
ومن أجل ذلك هرع أبو هريرة إليه، ليأخذ منه، ويتتلمذ عليه، وسال سيل
روايتهما، ولا سيما بعد أن خلا الجو لهما، بموت عمر واختفاء درته) (1).
وقام بمثل هذا الدور في صفوف الشيعة من عرفوا بالغلاة، فاستغلوا تقديس
الشيعة لأهل البيت (ع)، فوضعوا أحاديث في رفعهم فوق منزلتهم.
ومن أشهر من قام ببث أحاديث الغلو بين الشيعة وفي كتب الحديث
الشيعية:
1 - المغيرة بن سعيد، المعاصر للإمام الباقر (ع).
روى الكشي بإسناده عن محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس عن هشام بن
الحكم: أنه سمع أبا عبد الله (ع) يقول: كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على
أبي، ويأخذ كتب أصحابه، وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون
الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة، فكان يدس فيها الكفر والزندقة،
ويسندها إلى أبي، ثم يدفعها إلى أصحابه، فيأمرهم أن يبثوها في الشيعة، فكل ما
كان في كتب أصحاب أبي من الغلو فذاك مما دسه المغيرة بن سعيد في
كتبهم) (2).
2 - محمد بن مقلاص الأسدي الكوفي الأجدع، المعروف بمحمد بن
أبي زينب والمشهور بأبي الخطاب، تلميذ المغيرة بن سعيد.
(كان من أصحاب الصادق (ع)، مستقيما في أول أمره، وقال علي بن

(1) م. ص 89 - 90.
(2) تنقيح المقال 3 / 236.
143

عقبة: كان أبو الخطاب قبل أن يفسد، يحمل المسائل لأصحابنا، ويجئ
بجواباتها، كذا في باب فضل التجارة من (الكافي)، ثم ادعى القبائح، وما
يستوجب الطرد واللعن، من دعوى النبوة وغيرها، وجمع معه بعض الأشقياء، فاطلع
الناس على مقالاتهم، فقتلوه مع تابعيه.
والخطابية منسوبون إليه، عليه وعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وفي (إكمال الدين) في التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان - عجل الله
فرجه -: أما أبو الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع فملعون، وأصحابه معلونون،
فلا تجالس أهل مقالتهم، فإني برئ وآبائي (ع) منهم برئاء) (1).
وكان ما نشروه من غلو في أهل البيت (ع) غلو ارتفاع، فنسبوا إليهم أنهم
آلهة، ونسبوا إليهم أنهم أنبياء، ونسبوا إليهم أنهم يعلمون الغيب علما لدنيا (ذاتيا)،
ونسبوا إليهم أنهم يعلمون بكل ما في الكون.
وقالوا: إن معرفة الامام تسقط التكليف الشرعي.
وهذه - كما تراها - لا تعدو أن تكون صدى من أصداء الفكر المسيحي
الموجود في الأناجيل المحرفة.
وبخاصة إذا علمنا أن الذين نشروا هذه الأفكار أمثال المغيرة بن سعيد
وتلميذه أبي الخطاب, أبتاعهما هم من أهل الكوفة،.. والكوفة - كما هو معروف
تاريخيا - قامت على أنقاض الحيرة وحلت محلها حاضرة للعراق الغربي.
وفي الحيرة اجتمع على النصرانية قبائل شتى من العرب، وفي أطرافها
كانت أديرة الرهبان السريان تنتشر هنا وهناك.
وكان المسلمون في الكوفة يلتقون هؤلاء، وربما تظاهر بعضهم بالاسلام
للكيد والوقيعة.
وكما نشر اليهود أفكارهم في المدينة عن طريق سرد الحكايات ونقل

(1) م. س 189.
144

الأساطير، فعل مثلهم النصارى في الكوفة، فنشروا أفكار الغلو، ودعموها بالأحاديث
المصنوعة.
وقد وقف منهم أئمة أهل البيت (ع) موقف الطرد لهم والشجب لأفكارهم،
ورفضها رفضا باتا، وتحريم الاعتقاد بها تحريما قاطعا.
ووقفوا من حديثهم موقف الرفض له، والتحذير من روايته، ومنعها منعا باتا.
يقول القاضي النعمان في كتابه (دعائم الاسلام 1 / 48 - 50): (فأما ذكر
من ضل وهلك من أهل هذا الأمر (يعني الغلو) فكثير، يطول ويخرج عن حد هذا
الكتاب، ولكن لا بد من ذكر نكت من ذلك.
فمن ذلك: ما روينا عن علي بن أبي طالب (ع) أن قوما من أصحابه، وممن
كان قد بايعه وتولاه ودان بإمامته، مرقوا عنه، ونكثوا عليه، وقسطوا فيه، فقاتلهم
أجمعين، فهزم الناكثين، وقتل المارقين، وجاهد القاسطين، وقتلهم، وتبرأوا منه،
وبرئ منهم.
وإن قوما غلوا فيه لما استدعاهم الشيطان بدواعيه، فقالوا: هو النبي، وإنما
غلط جبرئيل فيه، وإليه كان أرسل فأتى محمدا (ص).
فيا لها من عقول ناقصة، وأنفس خاسرة، وآراء واهية، ولو أن أحدهم بعث
رسولا بصاع من تمر إلى رجل، فأعطاه غيره، لما استجاز فعله، ولعوض المرسل
إليه مكانه، أو استرده إليه ممن قبضه، فكيف يظنون مثل هذا الظن الفاسد برب
العالمين، وبجبرئيل الروح الأمين، وهو ينزل أيام حياة رسول الله (ص) بالوحي إليه،
وبالقرآن الذي أنزل عليه، ثم يقولون هذا القول العظيم، ويفترون مثل هذا الافتراء
المبين، بما سول لهم الشيطان، وزين لهم من البهتان والعدوان.
وزعم آخرون منهم أن عليا (ع) في السحاب، رقاعة منهم، وكذبا لا يخفى
عن ذوي الألباب.
وأتاه (ع) قوم غلو فيه ممن قدمنا وصفهم واستزلال الشيطان إياهم، فقالوا:
أنت إلهنا وخالقنا ورازقنا، ومنك مبدؤنا، وإليك معادنا، فتغير وجهه (ع)، وارفض
عرقا، وارتعد كالسعفة، تعظيما لجلال الله - عز جلاله -، وخوفا منه، وثار مغضبا،
145

ونادى بمن حوله، وأمرهم بحفير فحفر، وقال: لأشبعنكم اليوم لحما وشحما، فلما
علموا أنه قاتلهم، قالوا: لئن قتلتنا فأنت تحيينا، فاستتابهم، فأصروا على ما هم
عليه، فأمر بضرب أعناقهم، وأضرم نارا في ذلك الحفير، فأحرقهم فيه.
وهذا من مشهور الأخبار عنه (ع).
وكان في أعصار الأئمة من ولده مثل ذلك، ما يطول الخبر بذكرهم،
كالمغيرة بن سعيد - لعنه الله -، وكان من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي (ع)
ودعاته، فاستزله الشيطان، فكفر وادعى النبوة، وزعم أنه يحيي الموتى، وزعم أن أبا
جعفر (ع) إله، تعالى الله رب العالمين، وزعم أنه بعثه رسولا وتابعه على قوله كثير
من أصحابه، سموا (المغيرية) باسمه.
وبلغ ذلك أبا جعفر محمد بن علي (ع)، ولم يكن له سلطان كما كان
لعلي، فيقتلهم كما قتل علي (ع) الذي ألحدوا فيه، فلعن أبو جعفر المغيرة
وأصحابه، وتبرأ منه ومن قوله ومن أصحابه، وكتب إلى جماعة أوليائه وشيعته،
وأمرهم برفضهم والبراءة إلى الله منهم ولعنه ولعنهم، ففعلوا، فسماهم (المغيرية
الرافضة) لرفضهم إياه، وقبولهم ما قال المغيرة لعنه الله.
وكانت بينه وبينهم وبين أصحابه مناظرة وخصومة واحتجاج، يطول ذكرها.
واستحل المغيرة وأصحابه المحارم كلها وأباحوها، وعطلوا الشرائع
وتركوها، وانسلخوا من الاسلام جملة، وبانوا من جميع شيعة الحق كافة واتباع
الأئمة، وأشهر أبو جعفر محمد بن علي (ع) لعنهم والبراءة منهم.
ثم كان أبو الخطاب في عصر جعفر بن محمد (ع) من أجل دعاته، فأصابه
ما أصاب المغيرة، فكفر، وادعى أيضا النبوة، وزعم أن جعفر بن محمد (ع) إله،
تعالى الله عن قوله، واستحل المحارم كلها، ورخص فيها.
وكان أصحابه كلما ثقل عليهم أداء فريضة، أتوه وقالوا: يا أبا الخطاب،
خفف علينا، فيأمرهم بتركها، حتى تركوا جميع الفرائض، واستحلوا جميع
المحارم، وارتكبوا المحظورات، وأباح لهم أن يشهد بعضهم لبعض بالزور، وقال:
من عرف الامام فقد حل له كل شئ كان حرم عليه.
146

فبلغ أمره جعفر بن محمد (ع) فلم يقدر عليه بأكثر من أن لعنه وتبرأ منه،
وجمع أصحابه فعرفهم ذلك، وكتب إلى البلدان بالبراءة منه واللعنة عليه.
وكان ذلك أكثر ما أمكنه فيه، وعظم ذلك على أبي عبد الله جعفر بن
محمد (ع)، واستفظعه واستهاله).
ومن الوثائق الروائية التي تعرف عن موقف الأئمة من هؤلاء الغلاة وغلوهم ما
يلي:
- عن ابن مسكان، عمن حدثه من أصحابنا، عن أبي عبد الله (ع)، قال:
سمعته يقول: لعن الله المغيرة بن سعيد أنه كان يكذب على أبي، فأذاقه حر
الحديد، لعن الله من قال فينا ما لا نقوله في أنفسنا، ولعن الله من أزالنا عن العبودية
لله الذي خلقنا، وإليه مآبنا ومعادنا، وبيده نواصبنا.
- عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن: أن بعض
أصحابنا سأله، وأنا حاضر، فقال له: يا أبا محمد، ما أشد في الحديث، وأكثر
إنكارك لما يرويه أصحابنا، فما الذي يحملك على رد الأحاديث؟... فقال: حدثني
هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله (ع) يقول: لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق
القرآن والسنة، أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة، فإن المغيرة بن سعيد
لعنه الله دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي، فاتقوا الله، ولا
تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا
وسنة نبينا محمد (ص)، فإنا إذا حدثنا قلنا:
قال الله عز وجل، وقال رسول الله (ص)...).
- عن عبد الرحمن بن كثير، قال: قال أبو عبد الله (ع) يوما لأصحابه: لعن
الله المغيرة بن سعيد، ولعن الله يهودية كان يختلف إليها يتعلم منها السحر
والشعبذة والمخاريق.
إن المغيرة كذب على أبي، فسلبه الله الإيمان.
وإن قوما كذبوا علي، ما لهم أذاقهم الله حر الحديد.
فوالله ما نحن إلا عبيد الذي خلقنا واصطفانا، ما نقدر على ضر ولا نفع،
إن رحمنا فبرحمته، وإن عذبنا فبذنوبنا، والله ما لنا على الله من حجة، ولا معنا من
الله براءة، وإنا لميتون ومقبورون ومنشرون ومبعوثون وموقوفون ومسؤولون.
147

ويلهم، ما لهم، لعنهم الله، لقد آذوا الله، وآذوا رسوله (ص) في قبره، وأمير
المؤمنين، وفاطمة، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي -
عليهم السلام -.
وها أنا ذا بين أظهركم، لحم رسول الله، وجلد رسول الله، أبيت على
فراشي خائفا وجلا مرعوبا، يأمنون وأفزع، وينامون على فرشهم وأنا خائف ساهر
وجل، وأتقلقل بين الجبال والبراري.
أبرأ إلى الله مما قال في، الأجدع البراد، عند بني أسد أبو الخطاب لعنه الله.
والله لو ابتلوا بنا وأمرناهم بذلك، لكان الواجب أن لا تقبلوه، فكيف وهم
يروني خائفا وجلا؟!
استعدي الله عليهم، وأتبرأ إلى الله منهم، أشهدكم أني امرؤ ولدني رسول
الله (ص)، وما معي براءة من الله، إن أطعته رحمني، وإن عصيته، عذبني عذابا
شديدا، وأشد عذابه) (1).
- عن عنبسة بن مصعب: قال: قال لي أبو عبد الله: أي شئ سمعت من
أبي الخطاب؟!
قال: سمعته يقول: إنك وضعت يدك على صدره، وقلت له: (عه، ولا
تنس)، وأنك تعلم الغيب، وأنك قلت له: هو عيبة علمنا، وموضع سرنا، أمين على
أحيائنا وأمواتنا.
قال: لا والله ما مس شئ من جسدي جسده إلا يده.
وأما قوله: (إني قلت: أعلم الغيب)، فوالله الذي لا إله إلا هو، ما أعلم
الغيب، ولا آجرني الله في أمواتي، ولا بارك لي في أحيائي، إن كنت قلت له.
قال: وقدامه جويرية سوداء تدرج، قال: لقد كان مني إلى أم هذه - أو إلى
هذه - بخطة القلم فأتتني هذه، فلو كنت أعلم الغيب ما تأتيني،.. ولقد قاسمت

(1) معجم رجال الحديث 18 / 275 - 277.
148

مع عبد الله بن الحسن حائطا بيني وبينه، فأصابه السهل والشرب، وأصابني
الجبل، فلو كنت أعلم الغيب لأصابني السهل والشرب وأصابه الجبل.
وأما قوله: (إني قلت: هو عيبة علمنا، وموضع سرنا، أمين على أحيائنا
وأمواتنا)، فلا آجرني الله في أمواتي، ولا بارك لي في أحيائي، إن قلت شيئا من هذا
قط.
- عن عمران بن علي: قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: لعن الله أبا
الخطاب، ولعن من قتل معه، ولعن الله من بقي منهم، ولعن الله من دخل قلبه
رحمة لهم.
- عن مصادف، قال: لما لبى القوم الذين لبوا بالكوفة (1)، دخلت على أبي
عبد الله (ع) فأخبرته بذلك، فخر ساجدا، ودق جؤجؤه بالأرض، وبكى، وأقبل
يلوذ بإصبعه، ويقول: (بل عبد اله قن داخر)، مرارا كثيرة، ثم رفع رأسه ودموعه
تسيل على لحيته.
فندمت على إخباري إياه، فقلت: جعلت فداك، وما عليك أنت من ذا؟!.
فقال: يا مصادف، إن عيسى (ع) لو سكت عما قالت النصارى فيه، لكان
حقا على الله أن يصم سمعه، ويعمي بصرهن ولو مكت عما قال في أبو الخطاب،
لكان حقا على الله أن يصم سمعي ويعمي بصري.
- عن أبي بصير: قال: قال لي أبو عبد الله (ع): يا أبا محمد أبرأ ممن يزعم
أنا أرباب، قلت: برئ الله منه، فقال: أبرأ ممن زعم أنا أنبياء، قلت برئ الله منه.
- عن مرازم قال: قال أبو عبد الله (ع): قل للغالية توبوا إلى الله، فإنكم
فساق، كفار، مشركون.
- عن ابن أبي عمير عن ابن المغيرة: قال: كنت عند أبي الحسن (الكاظم) - ع -
أنا ويحيى بن عبد الله بن الحسن، فقال يحيى: جعلت فداك إنهم يزعمون أنك
تعلم الغيب.

(1) أي قالوا: - عند تلبيتهم للحج - لبيك جعفر.
149

فقال: سبحانه الله، ضع يدك على رأسي، فوالله ما بقيت في جسدي شعرة
ولا في رأسي إلا قامت.
قال: ثم قال: لا والله ما هي إلا رواية عن رسول الله.
- عن أبي بصير: قال: قلت لأبي عبد الله (ع): إنهم يقولون.
قال: وما يقولون؟
قلت: يقولون تعلم قطر المطر، وعدد النجوم، وورق الشجر، ووزن ما في
البحر، وعدد التراب.
فرفع يده إلى السماء، وقال: سبحان الله، سبحان الله، لا والله ما يعلم هذا
إلا الله.
- عن الحسن الوشاء عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال: من قال
بأننا أنبياء، فعليه لعنة الله، ومن شك في ذلك فعليه لعنة الله (1).
- عن المفضل بن يزيد: قال: قال أبو عبد الله (ع)، وذكر أصحاب أبي
الخطاب والغلاة فقال لي: يا مفضل لا تقاعدوهم ولا تواكلوهم ولا تشاربوهم ولا
تصافحوهم ولا توارثوهم (2).
ومما نفيده من هذه الوثائق النتائج التالية:
1 - إن هذه الأحاديث الموضوعات تقوم فيما تحتويه من أفكار، إما على
تشبيه الخالق بالمخلوق كما في أحاديث التجسيم، وإما على تشبيه المخلوق
بالخالق كما في أحاديث الغلو.
وهي من منعطفات الانحراف اليهودي حيث نزل اليهودي بالخالق فشبهوه
بالمخلوق، والانحراف النصراني حيث ارتفع النصارى بالمخلوق فشبهوه
بالخالق.

(1) معجم رجال الحديث 14 / 248 - 254.
(2) تنقيح المقال 3 / 190.
150

2 - إن اليهود أيضا شاركوا في دس أفكار الغلو كما قد يستفاد هذا من
رواية عبد الرحمن بن كثير التي كانت تشير إلى تردد المغيرة بن سعيد على إحدى
اليهوديات.
ومن المعروف تاريخيا أن اليهود كانوا ينزلون شرقي الكوفة في المنازل
والربوع التي بينها وبين بغداد.
وربما كان منهم من سكن الكوفة.
3 - إن تسمية الغلاة ب‍ (الرافضة) كانت من قبل الإمام الباقر (ع) لأنهم
رفضوا قوله (ع) واتبعوا أقوال المغيرة بن سعيد.
ويبدو أن النظمة الحاكمة التي كانت تخشى من معارضة الامامية
لسياستهم الجائرة ومعاملتهم الظالمة استغلت هذا الاسم (الرافضة) لما يحمل من
طياته من قيمة نقدية تساعد على التنفير والابتعاد عمن ينبذ به فسحبته على الامامية
أيضا تشويها لسمعتهم، وتحريضا لبقية المسلمين على محاربتهم، بعد أن اختلقت
سببا آخر للتسمية، وهو رفضهم لخلافة أبي بكر، أو رفضهم للخروج مع زيد بن
علي لأنه لم يرفض خلافة أبي بكر - كما يزعمون.
ونحن لا نستغرب أن تقوم الأنظمة المهزوزة بمثل هذا، ولكن الغريب أن
يتأثر بهم غير قليل من كتاب اخواننا أهل السنة فيعيدوا توقيع النغمة والضرب على
الوتر والوتيرة، وهم يعلمون أن للبحث حرمة وحدودا تقتضيهم أن يكونوا
موضوعيين ومنصفين، ولا يرسلوا القول على عواهنه، بتكفير الامامية وهدر دمائهم
تجريما بعقيدة رفضها أئمتهم ورفضوها هم أيضا تبعا لأئمتهم... وفي الوقت نفسه
يغضون البصر عن بدعة التجسيم الإسرائيلي التي تتكرر في خطب الجمع
وحلقات الدرس، وعلى صفحات الكتب والدورياتن وكأنهم لم يدركوا أن العدل
لا يقبل التجزئة.
3 - العامل المذهبي:
وأعني به السبب الذي دفع بعض أصحاب المذاهب الاسلامية للوضع تأييدا
للمذهب، ودعما لأفكاره ورجالاته.
151

ومنه:
- ما روي عن ابن لهيعة: أنه سمع شيخا من الخوارج يقول بعد ما تاب: (إن
هذه الأحاديث دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، فإنا كنا إذا هوينا أمرا صيرنا له
حديثا).
قال الحافظ ابن حجر: هذه والله قاصمة الظهر للمحتجين بالمراسيل، إذ
بدعة الخوارج كانت في مبدأ الاسلام، والصحابة متوافرون، ثم في عصر التابعين،
فمن بعدهم.
وهؤلاء إذا استحسنوا أمرا جعلوه حديثا وأشاعوه.
فربما سمع الرجل الشئ فحدث به، ولم يذكر من حدثه به تحسينا للظن،
فيحمله عنه غيره.
ويجئ الذي يحتج المنقطعات فيحتج به، مع كون أصله ما ذكرت) (1).
- ما جاء في كتاب (علوم الحديث) للدكتور الصالح من أن أصحاب
الأهواء دأبوا (في مختلف العصور على الافتراء على رسول الله (ص)، حتى قال
عبد الله بن يزيد المقرئ: إن رجلا من أهل البدع رجع عن بدعته، فجعل يقول:
(انظروا هذا الحديث عمن تأخذونه فإنا كنا إذا رأينا رأيا جعلنا له حديثا).
ومن أصحاب الأهواء الفقهاء الذين يتصدون للدفاع عن مذاهبهم زورا
وبهتانا فيشحنون كتبهم بالموضوعات، سواء اختلقوها بأنفسهم أم اختلقها
الوضاعون خدمة لهم وتأييدا لهواهم.
وقد تبلغ الجرأة حد الخلط بين أقيستهم وبين أحاديث الرسول، فيضعون
فيه عبارات أقيستهم التي وصلوا إليها باجتهادهم.
وغالبا ما يكون هؤلاء الفقهاء من مدرسة الرأي التي تعني بالقياس عناية
خاصة.

(1) أبو هريرة لأبي رية 118.
152

قال أبو العباس القرطبي: استجاز بعض فقهاء أهل الرأي نسبة الحكم الذي
دل عليه القياس الجلي إلى رسول الله (ص) - كذا؟ -.
ولهذا ترى كتبهم مشحونة بأحاديث تشهد متونها بأنها تشبه فتاوى الفقهاء،
ولأنهم لا يقيمون لها سندا) (1).
وروى العقيلي عن حماد بن زيد قال: (وضعت الزنادقة على رسول الله
(ص) أربعة عشر ألف حديث) (2).
4 - العامل الاعلامي:
وأقصد منه أن يضع الواضع الحديث دعاية للدين، ومن باب الاحتساب
والتقرب إلى الله تعالى.
قال ابن الصلاح في (مقدمته): (والواضعون للحديث أصناف، وأعظمهم
ضررا قوم من المنسوبين إلى الزهد، وضعوا الحديث احتسابا فيما زعموا، فتقبل
الناس موضوعاتهم ثقة منهم بهم، وركنوا إليهم) (3).
وقال الشهيد الثاني في (الدراية): (والوضاعون أصناف، أعظمهم ضررا من
انتسب إلى الزهد والصلاح بغير علم، وزعم أن وضعه يقربه إلى الله تعالى، فقبل
الناس موضوعاتهم ثقة بظاهر حالهم).
وقد جرأ هذا الاختلاق المشين أن ذهب بعض الكرامية (وهم فرقة من
المجسمة) إلى جواز وضع الحديث في الترغيب والترهيب.
قال ابن الصلاح: (وفيما روينا عن الامام أبي بكر السمعاني: أن بعض
الكرامية ذهب إلى جواز وضع الحديث في باب الترغيب والترهيب) (4).
وكما أشير أن هذا اللون من الوضع اشتهر على السنة من ظاهره الزهد
والصلاح.

(1) علوم الحديث 267.
(2) الدراية 58.
(3) التقييد والايضاح 131.
(4) م. س 132.
153

قال الشيخ الأمينين في (الغدير 5 / 275): (قال يحيى بن سعيد القطان: ما
رأيت الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث.
وعنه: لم نر أهل الخير في شئ أكذب منهم في الحديث.
وعنه: ما رأيت الكذب في أحد أكثر منه فيمن ينسب إلى الخير والزهد.
وقال القرطبي في (التذكار 155): لا التفات لما وضعه وضعه الواضعون، واختلقه
المختلقون، من الأحاديث الكاذبة، والاخبار الباطلة، في فضل سور القرآن، وغير
ذلك من فضائل الأعمال.
وقد ارتكبها جماعة كثيرة، وضعوا الحديث حسبة كما زعموا، يدعون
الناس إلى فضائل الأعمال.
كما روي عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم المروزي، ومحمد بن عكاشة
الكرماني، وأحمد بن عبد الله الجويباري، وغيرهم.
قيل لأبي عصمة: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضل سور
القرآن سورة سورة؟!
فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة
ومغازي محمد بن إسحاق، فوضعت هذا الحديث حسبة.
وقال (القرطبي) في ص 156: قد ذكر الحاكم وغيره من شيوخ
المحدثين: أن رجلا من الزهاد انتدب في وضع أحاديث في فضل القرآن وسوره،
فقيل له: لم فعلت هذا؟!
فقال: رأيت الناس زهدوا في القرآن فأحببت أن أرغبهم فيه.
فقيل (له): فإن النبي (ص) قال: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من
النار).
فقال: أنا ما كذبت عليه، إنما كذبت له).
ورحم الله السيد الموسوي الهندي حيث يقول:
كم هاتف باسم الشريعة * قد شكت منه الشريعة
154

خدع الأنام بزهده * وأجاد في طرق الخديعة
أترى تجئ فجيعة * بأمض من هذي الفجيعة
وقال الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان) 5 / 288) - ترجمة محمد بن
عكاشة الكرماني: (وذكر الحاكم في أقسام الضعفاء، فقال: ومنهم جماعة وضعوا
- كما زعموا - يدعون الناس إلى فضائل الأعمال، مثل أبي عصمة، ومحمد بن
عكاشة الكرماني.
ثم نقل عن سهل بن السري الحافظ أنه كان يقول: وضع أحمد الجويباري
ومحمد بن تميم ومحمد بن عكاشة على رسول الله (ص) أكثر من عشرة آلاف
حديث).
وفي ترجمة أحمد بن عبد الله الجويباري 1 / 193: (قال ابن عدي: كان
يضع الحديث لابن كرام على ما يريده، فكان ابن كرام يخرجها في كتبه عنه.
فمن ذلك: حدثنا ابن كرام، ثنا أحمد عن أبي يحيى المعلم عن حميد عن
أنس (رض): يكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة يجدد الله سنتي على يده).
(قال ابن حبان: هو أبو علي الجويباري، دجال من الدجاجلة، روى عن
الأئمة ألوف الأحاديث، ما حدثوا بشئ منها).
(وقال البيهقي: أما الجويباري فإني أعرفه حق المعرفة بوضع الأحاديث
على رسول الله (ص)، فقد وضع عليه أكثر من ألف حديث).
5 - العامل الاجتماعي:
وأعني به ذلك السبب الرخيص المهين الذي كان يدفع تلكم الطبقة من
وعاظ السلاطين إلى وضع الحديث للزلفى من حاكم أو أمير أو غيرهما بغية
الحصول على مركز اجتماعي.
يقول الدكتور الصالح: (وأدهى من ذلك (يشير إلى العامل المذهبي) وأمر
ما يضعه بعض علماء السوء في كل جيل تقربا إلى الطبقة الحاكمة، وكسبا
للحظة عندها.
155

كما صنع غياث بن إبراهيم النخعي الكوفي، فإنه دخل على أمير المؤمنين
المهدي، وكان المهدي يحب الحمام ويلعب به، فإذا قدامه حمام، فقيل له:
حدث أمير المؤمنين.
فقال: حدثنا فلان عن فلان عن فلان: أن النبي (ص) قال: (لا سبق إلا في
نصل أو خف أو حافر أو جناح).
فأمر له المهدي بيدرة، فلما قام قال: أشهد على قفاك أنه قفا كذاب على
رسول الله (ص).
ثم قال المهدي: أنا حملته على ذلك، ثم أمر بذبح الحمام ورفض ما كان
فيه) (1).
وأنا - هنا لا أدري لماذا نعى الدكتور الصالح على غياث بن إبراهيم كذبه
على رسول الله (ص)، ولم يعقبه بنعيه على المهدي إعطاءه المال له؟!
ألا يدل هذا على تشجيع الوضع والكذب؟!
وعلى من؟.. على رسول الله (ص).
وممن؟.. من خليفة المسلمين الأمين على أموالهم وأقدارهم!!
ألا يعد هذا أفضح وأدهى وأمر.
ولا أقل من أنهما اشتركا في الجريمة!!
6 - العامل الاقتصادي:
رأينا فيما تقدمه أن العامل الاقتصادي قد يكون في الوقت نفسه عاملا
اقتصاديا، فكما يستفيد منه الواضع القرب من الموضوع له، يستفيد المال منه
أيضا.
وكما يرتبط العامل الاقتصادي أحيانا بالعامل الاجتماعي يرتبط أيضا وفي
كثير من الأحيان بالعامل السياسي.

(1) علوم الحديث 268.
156

وتمثل هذا بوضوح فيما قام به معاوية بن أبي سفيان، فإنه لم يكتف بما قام
به من أسباب الدعاية لتوطيد قواعد مملكته الأموية (بل أحدث القصص ليعزز به
أسلحة الدعاية له، ولم يكن معروفا قبله، فسخر الألوف لذلك، وبثهم بين أرجاء
البلاد، ليقصوا له، ما يشد له دولته، وما يحفظ به سلطانه، بله ما ينشرون من
خرافات وأباطيل، مما جلب الفساد على عقول المسلمين، وأساء ظنون غيرهم
فيما بني عليه الدين، كما ذكر ذلك الأستاذ الامام) (1).
وكانت هذه القصص تعتمد الإسرائيليات وأساطير الأمم الخالية وتتخللها
الأحاديث المصنوعة.
وكان الذي يمونها بمحتوياتها أحبار وكهان اليهود الذين أظهروا الاسلام
أمثال: كعب الأحبار ووهب بن منبه.
وكان لكل قاص جراية من قبل الدولة.
أما كيف كان يقوم القاص بدوره، فهذا ما أوضحه أحمد أمين في كتابه
(فجر الاسلام) بقوله: (يجلس القاص في المسجد، وحوله الناس، فيذكرهم بالله،
ويقص عليهم حكايات وأحاديث وقصصا عن الأمم الأخرى وأساطير، ونحو
ذلك.. لا يعتمد فيها على الصدق بقدر ما يعتمد على الترغيب والترهيب.
قال الليث بن سعد: هما قصصان: قصص العامة وقصص الخاصة.
فأما قصص العامة فهو الذي إليه النفر من الناس، يعظهم ويذكرهم، فذلك
مكروه لمن فعله ولمن استمعه.
وأما قصص الخاصة فهو الذي جعله معاوية، ولى رجلا على القصص، فإذا
سلم من صلاة الصبح جلس وذكر الله - عز وجل - وحمده ومجده، وصلى على
النبي (ص)، ودعا للخليفة ولأهل ولايته وحشمه وجنوده، ودعا على أهل حربه
وعلى المشركين كافة) (2).

(1) أبو هريرة لأبي رية 203.
(2) م. س 304.
157

7 - العامل الشخصي:
وهو أن يتظاهر غير العالم بمظهر العالم ويعزز ذلك باختلاقه الأحاديث
وروايتها. وعبر عنه في كتب علم الحديث ب‍ (التعالم).
(روى ابن الجوزي باسناده إلى أبي جعفر بن محمد الطيالسي، قال: صلى
أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة، فقام بين أيديهم قاص، فقال:
حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة
عن أنس، قال: قال رسول الله: (من قال لا إله إلا الله، خلق الله من كل كلمة طيرا
منقاره من ذهب وريشه من مرجان...).
وأخذ في قصته نحوا من عشرين ورقة.
فجعل أحمد بن حنبل ينظر إلى يحيى بن معين، وجعل يحيى بن معين ينظر
إلى احمد، فقال له: حدثته بهذا؟! فيقول: والله ما سمعت هذا إلا الساعة.
فلما فرغ من قصصه وأخذ العطيات، ثم قعد ينتظر بقيتها، قال له يحيى بن
معين بيده: تعال، فجاء متوهما لنوال، فقال له يحيى: من حدثك بهذا الحديث؟!
فقال: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين.
فقال: أنا يحيى بن معين، وهذا أحمد بن حنبل، ما سمعنا بهذا قط في
حديث رسول الله!.
فقال: لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق، ما تحققت هذا إلا الساعة،
كأن ليس يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما، وقد كتبت عن سبعة عشر
أحمد بن حنبل ويحيى بن معين.
فوضع أحمد كمه على وجهه، وقال: دعه يقوم، فقال كالمستهزئ بهما).
كيفية وضع الحديث:
تصدى بعض من كتب في علم الحديث لبيان كيفية وضع الحديث،
مفيدا ذلك من واقع الأحاديث الموضوعة.
158

وبيان هذه الكيفية كما يوضح قضية تاريخية، يساعد أيضا في إلقاء شئ
من الضوء لمعرفة الحديث الموضوع.
وتتلخص في أن الوضع نوع من التصرف الشخصي.
وهذا التصرف قد يكون في المتن، وقد يكون في السند:
- في المتن:
ويكون بإحدى طريقتين هما:
أ - أن يضع الراوي متنا من عنده، وذلك بأن يؤلف ويصوغ من كلامه
عبارات الحديث الذي يروم وضعه.
وذلك مثل الحديث المشتهر: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم
اهتديتم) (1).
ب - أن يعمد الراوي إلى مأثورة من كلام أحد الحكماء أو العلماء أو
غيرهما، وينسبه إلى المعصوم.
ومثلوا له بالحكمة المشهورة: (المعدة بيت الداء، والحمية رأس كل
دواء)، التي هي من حكم الحارث بن كلدة الثقفي، ونسبها الراوي الواضع إلى
النبي (ص).
والمذكور في كتاب (عيون الأنبار 165) - ترجمة الحارث بن كلدة -:
البطنة بيت الداء والحمية رأس الدواء).
فربما كان النص الأول مأخوذا منه، وربما كان رواية أخرى له.
- في السند:
ويكون بإحدى طريقتين أيضا، هما:

(1) يراجع: الشيخ الألباني (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة) ج 1 ص 78 رقم 58.
(2) مفاتيح علوم الحديث 80.
159

أ - أن يختلق الراوي سندا لحديثه الموضوع، وذلك بأن يضع أسماء لرواة
لا واقع لهم.
ب - أن يعمد الراوي إلى سند من الأسانيد، ويحمله متن حديثه.
إمارات الوضع:
وهي العلامات التي تكشف عن أن الحديث موضوع.
وتنقسم إلى ثلاثة أقسام هي:
1 - ما يرتبط بالراوي، وهي:
أ - أن يعترف الراوي نفسه، ويقر بوضعه الحديث.
نحو اعتراف أبي عصمة نوح بن أبي مريم وضعه على ابن عباس أحاديث
في فضائل سور القرآن الكريم.
ونحو ما ذكره الحافظ العراقي في كتابه (التقييد والايضاح 134) في بيان
سند الحديث الطويل المروي عن أبي بن كعب عن النبي (ص) في فضل سور
القرآن الكريم، قال: (روينا عن مؤمل (بن إسماعيل) أنه قال: حدثني شيخ بهذا
الحديث، فقلت للشيخ من حدثك؟ فقال: حدثني رجل بالمدائن، وهو حي،
فصرت إليه، فقلت: من حدثك؟ فقال: حدثني شيخ بواسط، وهو حي، فصرت
إليه، فقلت: من حدثك؟ فقال: حدثني شيخ بالبصرة، فصرت إليه، فقال: حدثني
شيخ بعبادان، فصرت إليه، فأخذ بيدي، فأدخلني بيتا، فإذا فيه قوم من المتصوفة،
ومعهم شيخ، فقال: هذا الشيخ حدثني، فقلت: يا شيخ من حدثك؟ فقال: لم
يحدثني أحد، ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن، فوضعنا لهم هذا الحديث،
ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن).
ب - أن يشتهر الراوي في الأوساط العلمية بالوضع.
ج - أن ينص في كتب الرجال الأصول على أنه وضاع.
160

د - أن يوقف على قرينة خاصة تفيد أن الراوي وضاع.
2 - ما يرتبط بالسند، وهي:
أ - أن يتألف السند من مجاهيل ووضاعين.
ب - أن يشتمل السند على وضاع.
ج - أن يشتمل السند على أسماء لا ذكر لها في كتب الرجال.
د - أن ينص من قبل الرجاليين على أن سلسلة السند هي سلسلة كذب.
3 - ما يرتبط بالمتن، وهي:
أ - أن يخالف مضمون الحديث ظاهر القرآن الكريم، ولا يقبل التأويل
بما يوافقه.
ب - أن يخالف مضمون الحديث ظاهر السند القطعية، ولا يقبل التأويل
بما يوافقه.
ج - أن يخالف مضمون الحديث بديهيات العقول.
نحو ما ذكره الدكتور الصالح في كتابه (علوم الحديث) من أنه (قيل لعبد
الرحمن بن زيد: حدثك أبوك عن جدك أن رسول الله (ص)، قال: إن سفينة نوح
طافت بالبيت، وصلت خلف المقام ركعتين؟ قال: نعم).
ه‍ - أن يخالف مضمون الحديث حقائق العلم وسنن الحياة ونتائج
التجارب الناجحة والمشاهدات الصادقة.
نحو ما جاء في كتاب (الهفت والأظلة) 1، من أن الإمام المعصوم يولد من

(1) الهفت والأظلة: من الكتب المقدسة عند الطائفة المفضلية، وهم من فرق الغلاة الخطابية، أتباع
المفضل بن عمر الجعفي الصيرفي والكتاب منسوب إليه، يرويه - كما يدعون - عن الإمام جعفر
الصادق (ع).
نشر بتحقيق عارف تأمر سنة 1960 م، وفي سنة 1964 بتحقيق مصطفى غالب، بعنوان
(الهفت الشريف).
161

فخذ أمه، في حديث طويل يرويه المفضل بن عمر الجعفي (1) عن الإمام الصادق
(ع) نقتطف منه ما يلي:
(فقال المفضل: أخبرني يا مولاي عن ميلاد الأوصياء.
فقال الصادق: أول العجب أن أمهات الأوصياء ذكور، لا إناث.
قلت: يا مولاي، سبحان الله، كيف ذلك؟!
قال الصادق (ع): إن الملائكة هم في صورة النساء...
فقال الصادق: إن الله أنشأ أبدان الأوصياء أفخاذا إلى الملائكة حتى يبلغوا
المدى، هذا مع طهارة الملائكة، كما أخبرتك، فإذا أراد الله إظهار الامام في
الظاهر، تأديبا لهذا الخلق أرسل روحا من عنده، فيدخل في المولود الذي قد
يتطهر من كل دنس، ولم يزاحمه رحم، ولكن تدخل الروح فيه تأديبا للناس،
وظهورا للحق).
و - أن يحتوي متن الحديث إسرائيليات تخالف العقيدة الاسلامية.
نحو ما روي في الصحيحين (البخاري ومسلم): (عن أنس (رض) عن النبي
(ص) قال: يلقى في النار، وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع الله قدمه، فتقول: قط،
قط).. و (عن أبي هريرة، وأكثر ما يوقفه أبو سفيان، يقال لجهنم: هل امتلأت؟
وتقول: هل من مزيد؟ فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها، فتقول: قط، قط) (2).
ز - أن يحتوي متن الحديث فكرة من أفكار الغلو.

(1) قال فيه ابن الغضائري: (ضعيف، متهافت، مرتفع القول، خطابي). وقال النجاشي: (فاسد
المذهب، مضطرب الرواية، لا يعبأ به، وقيل: إنه كان خطابيا، وقد ذكرت له مصنفات لا يعول
عليها) - انظر: ترجمته في (تنقيح المقال).
لم أقف فيما بين يدي من كتب رجالية على نسبة كتاب (الهفت) إليه.
وإذا صحت نسبته إليه فمن غير شك يصح فيه ما قاله ابن الغضائري.
على أن الكتاب المذكور لا ارتياب في أنه مكذوب على الإمام الصادق وموضوع لنشر الغلو،
فلا يجوز الاعتقاد بمحتوياته ولا الاعتماد عليه أو الركون إليه.
(2) تأملات في الصحيحين 202.
162

ح - أن يحتوي متن الحديث أسطورة من أساطير الأولين التي لا بينة على
صحتها.
ط - أن يحتوي متن الحديث منقبة أو فضيلة لشخص أو جماعة أو بلد، هو
دون مستوى هذه المنقبة أو الفضيلة.
ي - أن يحتوي متن الحديث الإشارة إلى معجزة أو كرامة في موقف لا
يقتضيها ولا يتطلبها.
مبلغ الموضوعات:
والذي يتوصل إليه من مراجعة كتب الحديث لأهل السنة، وكتب الحديث
للامامية، أن شيوع الوضع وانتشاره عند أهل السنة كان أكثر بكثير من عند الإمامية.
فقد رجعت إلى كتاب (الفهرست) للشيخ الطوسي فلم أعثر فيه على من
نص على أنه وضاع مع وجود عدد من الرواة نص على ضعفهم.
وفي كتاب (الفهرست) للنجاشي المعروف ب‍ (رجال النجاشي)، وقفت
على أربعة أسماء نص على أنهم وضاعون، وهم:
1 - جعفر بن محمد بن مالك بن عيسى بن سابور مولى أسماء بن خارجة
بن حصين الفزاري الكوفي.
قال فيه (1 / 302 - 303): (كان ضعيفا في الحديث).
قال أحمد بن الحسين (الضغائري): كان يضع الحديث وضعا، ويروي عن
المجاهيل.
وسمعت من قال: كان أيضا فاسد المذهب والرواية).
2 - عبيد بن كثير بن محمد الكوفي.
قال فيه (2 / 43 - 44): (طعن أصحابنا عليه، وذكر أنه يضع الحديث.
له كتاب يعرف بكتاب التخريج في بني الشيصبان، وأكثره موضوع
مزخرف، والصحيح منه قليل).
163

3 - عبد الرحمن بن كثير الهاشمي.
قال فيه (2 / 44): (كان ضعيفا، غمز أصحابنا عليه، وقالوا، كان يضع
الحديث.
وله... كتاب (الأظلة) كتاب فاسد مختلط).
4 - محمد بن موسى الهمداني السمان.
قال فيه (2 / 227): (ضعفه القميون بالغلو، وكان ابن الوليد يقول: إنه كان
يضع الحديث).
وربما كان هناك آخرون في هذا الفهرست لم أوفق للعثور عليهم، إلا أن
الذي يمكن أن يخرج به الباحث أو المراجع أن الرقم لا يتجاوز الآحاد.
وإذا رجعنا إلى كتب الرجال المطولة المتأخرة أمثال (تنقيح المقال)،
و (معجم رجال الحديث) لا إخال أن الرقم يتجاوز العشرات.
بينما نقرأ في كتاب (تاريخ الاسلام) للدكتور حسن إبراهيم حسن 1 / 516
قول مؤلفه: (وقد جمع البخاري - على ما نعلم - نحو 7275 حديثا، بما فيها
الأحاديث المكررة، فإذا حذفنا المكرر منها أصبح عددها نحو أربعة آلاف.
وقد اختارها البخاري - على ما قيل - من ثلاثمائة ألف حديث.
ومن ذلك يتبين مبلغ ما وصل إليه التحريم في الحديث).
وإذا رجعنا إلى (قائمة الموضوعات والمقلوبات) من كتاب (الغدير) للشيخ
الأميني 5 / 288، التي استخرج اصحائياتها من كتب الحديث السنية، يصعد الرقم
إلى أكثر مما أشار إليه الدكتور حسن إبراهيم حسن، فقد بلغت القائمة مستفادة
من موضوعات تسعة وثلاثين راويا: (408684).
كما أحصى في (5 / 209 - 275) أكثر من ستمائة اسم لوضاعين من رواة
أهل السنة.
وذكر في (297 - 330) مائة حديث كشواهد وأمثلة مما وضع في
المناقب مكذوبة على رسول الله (ص).
164

ويرجع هذا إلى العامل السياسي الذي فتح بابه معاوية بن أبي سفيان - كما
تقدم -.
وكذلك إلى العاملين الاقتصادي والاجتماعي حيث كان الحكام يقربون
ويشجعون ويعطون الوضاعين.
وقرأنا - فيما سبقه - شواهد وأمثلة منه.
بينما لم يكن في الجانب الامامي شئ من هذا، وإنما كان العامل المؤثر
في وسطهم هو العامل الديني الذي دخل بتأثيره أحاديث الغلو إلى الحديث
الامامي.
ولا استبعد أن يكون للدولتين الأموية والعباسية ضلع في ذلك بغية اتهام
الشيعة بما يبرر مطاردتهم وتشريدهم وإبادتهم.
وخاصة إذا عرفنا كثرة وجود النصارى في بلاطات الحكام من أمويين
وعباسيين، فقد يكون عن طريق هؤلاء، وبتآمر من الحكام نفذ الغلو، وتسرب من
خلال المسارب الخفية.
ولكن موقف أئمة أهل البيت منه حد من تأثيره ومن وصول الحكام إلى
غاياتهم، إلا في رقع ضيقة غير ذات بال.
ومما يؤسف عليه ويؤسى له أن لا نجد في اخواننا من علماء أهل السنة من
قاوم أحاديث التجسيم التي تسربت إلى جوامعهم.
وكنا نود أن كان هذا، لأن جوامع الحديث عندنا نحن المسلمين هي أعز
ما نملكه من ثروة دينية علمية بعد القرآن الكريم، حتى لا يكون فيها ما يشوه
سمعتها، ويضر بعقيدة التوحيد.
المؤلفات في الموضوعات:
ويسجل لعلماء الحديث من أهل السنة مأثرة علمية جلية هي تأليفهم في
الموضوعات، وأهمها:
165

1 - كتاب تذكرة الموضوعات، أبو الفضل محمد بن ظاهر المقدسي (ت
507 ه‍).
2 - كتاب الأباطيل، أبو عبد الله الحسن بن إبراهيم الهمداني الجوزقي
الحافظ (ت 543 ه‍).
3 - كتاب الموضوعات، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (ت
597 ه‍).
4 - القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد، الحافظ ابن حجر
العسقلاني (ت 852 ه‍).
5 - كتاب الآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، الحافظ جلال
الدين السيوطي (ت 911 ه‍).
6 - كتاب تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة، أبو
الحسن علي بن محمد الكتاني (ت 963 ه‍).
7 - تذكرة الموضوعات، جمال الدين الفتني (ت 986 ه‍).
8 - الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضعة، أبو عبد الله محمد بن
علي الشوكاني اليماني (ت 1250 ه‍) 1.
9 - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ناصر الدين الألباني المعاصر.
ويلاحظ: أن هذه الكتب ألفت بعد تدوين جوامع الحديث السنية من
صحاح وغيرها.
ولهذا السبب لم تحاول أن تقتحم حصون الصحيحين لما لهما من تقديس
في نفوس أهل السنة في هذه الأزمان المتأخرة.

(1) يراجع: كتابة البحث العلمي ومصادر الدراسات الاسلامية، للدكتور عبد الوهاب إبراهيم أبو
سليمان، نشر دار الشروق بجدة، سنة 1400 ه‍ - 1980 م ط 1 ص 260 - 262.
166

ولو أنها ألفت قبل تأليف الجوامع لكان تأثيرها أقوى وفائدتها أكثر، إذ ربما
حالت بين الإسرائيليات والجوامع.
ومن مؤلفات الامامية: كتاب الموضوعات في الآثار والأخبار للسيد هاشم
معروف الحسني المعاصر.
حجية الأقسام:
اعتاد علماء الحديث من أصحابنا أن يبحثوا حجية كل واحد من الأقسام
الأربعة ويعطوا رأيهم فيها.
ولأن هذه الأقسام هي أصول الحديث - كما ذكرنا - تكون هي أظهر
مصاديق خبر الواحد غير المقرون، وحجيتها تكون حجيته.
وكل ما يقتضيه المنهج من الباحث - هنا - أن يتحقق من مصداقية القسم
بتوفر شروط خبر الواحد غير المقرون فيه، وبشمول دليل الحجية له.
وفي مبحث مشروعية خبر الواحد يذكر علماء أصول الفقه أكثر من دليل،
والذي يرتبط بموضوعنا هو:
1 - القرآن الكريم من خلال آية النبأ حيث تدل بمنطوقها على التبين عند
سماع خبر الفاسق، وبمفهومها على عدم التبين عند سماع خبر العادل.
2 - السيرة الاجتماعية من خلال إقرار وإمضاء المشرع الاسلامي لها،
وهي تفيد جواز الاعتماد على خبر الثقة، وجواز الاعتماد على الاطمئنان الوثوق
بصدور الخبر من قائله.
ومسألتنا هذه، وهي حجية الأقسام، تتفرع على هذا:
فمن اعتمد الآية الكريمة دليله في حجية خبر الواحد اقتصر على العمل
بالصحيح فقط.
واعتده هو المعتبر والحجة، لأنه المصداق الذي ينطبق عليه مفهوم خبر
الواحد، لأخذ عنصر العدالة شرطا في الراوي.
167

ووسع بعض من اعتمد الآية الكريمة دلله، في دائرة الحجية لتشمل القسم
الثاني، وهو الحسن، على اعتبار أن وظيفة المدح أو التحسين هي استبعاد أن يكون
الراوي غير عادل، فتتوفر فيه - في ضوء هذا - الشروط المطلوبة.
ومن اعتمد السيرة الاجتماعية دليله في الحجية والاكتفاء - حسبما تفيده -
بوثاقة الراوي أو بالوثوق بصدور الرواية، وسع في دائرة شمولها إلى الموثق.
وعلى رأي الشيخ الطوسي من أن العدالة في الراوي تختلف عنها في
القاضي ومرجع التقليد والشاهد، لأنها تعني - هنا - الوثاقة تكون الحجية شاملة
للأقسام الثلاثة: الصحيح والحسن والموثق، سواء كان الدليل هو السيرة أو الآية.
والذي عليه أكثر علمائنا، وبخاصة متأخري المتأخرين والمعاصرين حجية
الأقسام الثلاثة: الصحيح والحسن والموثق.
أما الضعيف المردود فالاجماع قائم على عدم اعتباره، وعلى انتفاء حجيته.
ولكن وقع الخلاف بينهم في حجية الضعيف المقبول، وهو المعبر عنه في
لغة الفقه ب‍ (الضعيف المنجبر).
والجبر عند من يقول به يتحقق بأحد أمرين هما:
1 - الشهرة في الرواية.
وأوضحها الشهيد الثاني بقوله: (بأن يكثر تدوينها (يعني الرواية) وروايتها
بلفظ واحد أو ألفاظ متغايرة متقاربة المعنى) (1).
2 - الشهرة في الفتوى:
والمراد بها أن يستند إليه الفقهاء في مجال الاستنباط، ويعتمدونه دليلا
للافتاء، فيفتون وفق مضمونه.
شريطة أن يشتهر هذا في كتب الفقه الاستدلالية وعلى ألسنة الفقهاء في
البحث والاستنباط.

(1) الدراية 27.
168

قال الشهيد الثاني: (وأما الضعيف فذهب الأكثر إلى منع العمل به مطلقا،
وأجازه آخرون مع اعتضاده بالشهرة رواية أو فتوى) (1).
ويلاحظ - هنا - أن الذي يدور على ألسنة الفقهاء وفي حواراتهم العلمية
الاقتصار على الشهرة في الفتوى، ويعبرون عن هذا ب‍ (العمل بمضمون الخبر).
ودليلهم على هذا: أن تحقق الشهرة بالعمل به يكشف عن قرينة دالة على
صدوره عن المعصوم.
أو كما قال الشهيد الثاني: إن تحقق الشهرة بالعمل به يقوي الظن بصدق
الراوي (وإن ضعف الطريق، فإن ضعف الطريق قد يثبت به الخبر مع اشتهار
مضمونه) (2).
وقد ذهب الأكثر إلى القول بجبر الشهرة، واعتبار الحديث الضعيف
المجبور بها حجة يركن إليه في الفتوى وفق محتواه.
وهو ظاهر قول المحقق الحلي في (المعتبر)، ونصه: (ما قبله الأصحاب أو
دلت القرائن على صحته عمل به، وما أعرض الأصحاب عنه أو شذ يجب
اطراحه).
وصريح قول المحقق الهمداني في (مصباح الفقيه - الصلاة 12)، ونصه:
(فلا يكاد توجد رواية يمكننا إثبات عدالة رواتها على سبيل التحقيق، لولا البناء
على المسامحة في طريقها، والعمل بظنون غير ثابتة الحجية.
بل المدار على وثاقة الراوي أو الوثوق بصدور الرواية وإن كان بواسطة
القرائن الخارجية، التي عمدتها كونها مدونة في الكتب الأربعة، أو مأخوذة من
الأصول المعتبرة، مع اعتناء الأصحاب بها، وعدم إعراضهم عنها...
ولأجل ما تقدمت الإشارة إليه جرت سيرتي على ترك الفحص عن حال

(1) م. ن.
(2) م. ن.
169

الرجال، والاكتفاء في توصيف الرواية بالصحة، كونها موصوفة بها في ألسنة
مشايخنا المتقدمين الذين تفحصوا عن حالهم) (1).
وكذلك هو صريح قول الشيخ الخاقاني في (أنوار الوسائل 1 / 5) ونصه:
(الملاك في صحة السند واعتبار ما أوجب الوثوق في الصدور، وإن كان بجبر
العلماء في الخبر الضعيف).
وذهب آخرون إلى عدم حجية الحديث الضعيف المجبور من قبل
الأصحاب بالعمل وفق مؤداه.
منهم الشهيد الثاني، قال في (الدراية 27 - 28): (إنا نمنع من كون هذه
الشهرة التي ادعوها مؤثرة في جبر الضعيف، فإن هذا إنما يتم لو كانت الشهرة
متحققة قبل زمن الشيخ، والأمر ليس كذل، فإن من قبله من العلماء كانوا بين
مانع من خبر الواحد مطلقا، كالسيد المرتضى، والأكثر على ما نقله جماعة، وبين
جامع للأحاديث من غير التفات إلى تصحيح ما يصح، ورد ما يرد، وكان البحث
عن الفتوى مجردة لغير الفريقين قليلا جدا، كما لا يخفى على من اطلع على
حالهم.
فالعمل بمضمون الخبر الضعيف قبل زمن الشيخ على وجه يجبر ضعفه
ليس بمتحقق.
ولما عمل الشيخ بمضمونه في كتبه الفقهية جاء من بعده من العلماء واتبعه
منهم عليها الأكثر تقليدا له، إلا من شذ منهم، ولم يكن فيهم من يسبر الأحاديث،
وينقب عن الأدلة بنفسه سوى الشيخ المحقق ابن إدريس، وقد كان لا يجيز العمل
بخبر الواحد مطلقا.
فجاء المتأخرون بعد ذلك ووجدوا الشيخ ومن تبعه قد عملوا بمضمون
ذلك الخبر الضعيف لأمر ما رواه في ذلك، لعل الله يعذرهم فيه، فحسبوا العمل به
مشهورا، وجعلوا هذه الشهرة جابرة لضعفه.

(1) قواعد الحديث 110.
170

ولو تأمل المنصف، وحرر المنقب لوجد مرجع ذلك كله إلى الشيخ.
ومثل هذه الشهرة لا تكفي في جبر الخبر الضعيف).
وناقشه الشيخ المامقاني في (المقباس 1 / 193 - 194) قال: (وأقول: أما
ما ذكره من منع كون هذه الشهرة التي ادعوها مؤثرة في الخبر الضعيف، ففيه: إن
هذا المنع مما لا وجه له، فإن من لاحظ كثرة القرائن للمقاربين لعهد الأئمة (ع)،
واختفاءها علينا، اطمأن من اشتهار العمل بالخبر الضعيف بصدوره من مصدر
الحق.
والمنصف يجد أن الوثوق الحاصل من الشهرة ليس بأقل من الوثوق
الحاصل من توثيق رجال السند.
وأما ما جعله سندا للمنع من عدم تحقق الشهرة في زمان الشيخ (ره) ففيه:
على فرض التسليم، أنه لا حاجة إلى تحققها في زمانه، بل يكفي تحققها من فتواه
وفتوى موافقيه، ضرورة أن المدار على الوثوق والاطمئنان، فإذا حصل من الشهرة
الحاصلة بعد زمن الشيخ (ره) فما المانع من جعلها بمنزلة توثيق الشيخ (ره) ومن
تأخر عنه).
ومنهم أستاذنا السيد الخوشي، وتابعه غير واحد من تلامذته، منهم الشيخ
المحسني (1).
وأخيرا: نستطيع أن نقول: إذا كان المعتمد والملاك هو وثاقة الراوي إن
تحققت، أو الوثوق بصدور الرواية مطلقا، أي من غير التفات إلى وثاقة الراوي
وعدمها، وهو ما عليه أكثر متأخري تأتي الشهرة جابرة إذا حققت
للحديث الوثوق بصدوره.
وقد نترقى أكثر، ونقول: بأن فائدة التقسيم الرباعي المذكور - في ضوء هذا -
تأتي في مجال الترجيح بين الخبرين المتعارضين في السند.

(1) انظر: فوائد رجالية، هامش ص 110.
171

أما في مجال الرجوع إليها للاعتماد عليها في عملية الاستنباط واستفادة
الحكم فلا نلمس أي فارق بينها.
والخلاف في جبر الضعيف ينسحب إلى كسر الصحيح المعرض عنه من
قبل الأصحاب.
فمن قال بقبول الضعيف لجبره، يقول برفض الصحيح لإعراض الأصحاب
عنه وتركهم العمل به.
والعكس بالعكس تماما.
- قبول الضعيف المردود:
يتفق العلماء على عدم حجية الحديث الضعيف المردود، لعدم إفادته الظن
بالصدور المعتبر شرعا.
ورتبوا عليه عدم جواز الرجوع إليه في استفادة الأحكام الشرعية من حلال
وحرام.
وبتعبير أدق: قالوا: لا يجوز اعتباره دليلا في الواجبات والمحرمات من
الأحكام الشرعية.
واختلفوا في الرجوع إليه في السنن (المستحبات الشرعية) والمكروهات
الشرعية.
بمعنى أننا لو رأينا حديثا ضعيفا يفيد من حيث الدلالة على ندب إلى اتيان
فعل أو تركه، أي استحباب الاتيان به أو كراهة الاتيان به، للحصول على الثواب
من الله تعالى.. هل يجوز لنا اعتماده دليلا على الاستحباب أو الكراهة، أو
لا يجوز؟
في المسألة قولان:
1 - القول بالجواز:
وعمدة ما استدل به لهذا القول، والروايات.
ذكر منها الحر العاملي في (الوسائل - الباب 18 من أبواب مقدمة العبادات
172

تحت عنوان (استحباب الاتيان بكل عمل مشروع روي له ثواب عنهم - عليهم
السلام -): تسعة أحاديث.
وهي من حيث العدد قد تتجاوز حد الاستفاضة إلى التواتر المعنوي.. قال
الشيخ الأنصاري في رسالته (في أدلة التسامح في السنن والمكروهات) في معرض
ذكره أدلة القول بالجواز: (الثالث: الأخبار المستفيضة التي لا يبعد دعوى تواترها
معنى).
وفي هذه الأخبار: الصحاح الصراح والحسان الوضاح، أمثال:
- صحيحة هشام بن سالم، رواها (الصدوق عن محمد بن يعقوب، بطرقه
إلى الأئمة (ع): أن من بلغه شئ من الخير فعمل به كان له من الثواب ما بلغه، وإن
لم يكن الأمر كما نقل له) (1).
- حسنة هشام بن سالم، رواها (محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن
أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع): قال: من سمع شيئا
من الثواب على شئ، فصنعه، كان له أجره، وإن لم يكن على ما بلغه) (2).
- ومن طريق أهل السنة: (ما رواه عبد الرحمن الحلواني مرفوعا إلى جابر
بن عبد الله الأنصاري: قال: قال رسول الله (ص): من بلغه عن الله فضيلة فأخذها
وعمل بما فيها إيمانا بالله، ورجاء ثوابه، أعطاه الله تعالى ذلك، وإن لم يكن
كذلك) (3).
وعلى أساس من هذه المرويات: قالوا: يتسامح في أدلة السنن، فيؤخذ
بمؤديات الأحاديث الضعاف التي لم تبلغ حد الوضع، في المستحبات
والمكروهات فقط.
قال الشهيد الثاني في (الدراية 29): (وجوز الأكثر العمل به - أي بالخبر

(1) عدة الداعي 12.
(2) م. س 13.
(3) م. ن.
173

الضعيف - في نحو القصص والمواعظ وفضائل الأعمال، لا في نحو صفات الله
المتعال، وأحكام الحلال والحرام.
وهو حسن حيث لا يبلغ الضعف حد الوضع والاختلاق، لما اشتهر بين
العلماء المحققين من التساهل بأدلة السنن).
2 - القول بعدم الجواز:
وملخص ما استدل به أصحاب هذا القول هو أن الاستحباب حكم شرعي
كالوجوب، فكما نحتاج في إثبات الوجوب إلى دليل شرعي معتبر وحجة، نحتاج
في إثبات الاستحباب إلى دلل شرعي معتبر وحجة (فلا وجه للفرق بينهما،
والاكتفاء فيه بأخبار الضعفاء والمجاهيل.
وكذا الكراهة والحرمة لا فرق بينهما في ذلك.
وأجيب عنه:
بأن الحكم بالاستحباب فيما ضعف مستند ليس في الحقيقة بذلك الخبر
الضعيف، بل بالروايات الواردة في هذا الباب) (1).
قال الشيخ الطريحي في كتابه (جامع المقال 18) - بعد نقله لروايات الباب - (
إن العمل - في الحقيقة - بهذه الأخبار، لا بما تضمنه الخبر الضعيف).
اللهم، إلا أن يقال: لا بد من تحقق الشرعية أولا في ذلك العمل الذي دل
عليه الخبر الضعيف، بطريق صحيح، ليترتب الثواب عليه بهذا الخبر وإن لم يكن
صحيحا، جمعا بين هذه الأخبار وبين ما دل على اشتراط العدالة في الراوي.
فحينئذ لا يتم الاستدلال بها مطلقا.
أما من لم يمنع من العمل بها، ولم يشترط العدالة في الراوي، ويجعل
الاعتماد في الحكم على حصول الظن كيف ما اتفق، فلا إشكال عليه في ذلك
كما لا يخفى).

(1) عدة الداعي 13 (الهامش) نقلا عن: المرآة.
174

المرسل
تعريفه:
الإرسال - لغة - الاطلاق.. يقال: أرسل الطائر من يده إذا أطلقه ليطير،
ويقال: أرسل الكلام: أطلقه من غير تقييد.
ومن هذا: تسمية العرب النثر الذي لم يقيد بالسجع ب‍ (النثر المرسل).
وسمي الحديث - هنا - بالمرسل لإطلاقه من قيد الاسناد.
والمرسل - علميا - هو الذي لم تتم فيه سلسلة الرواة.
وذلك:
إما بسقوط جميع الرواة الوسائط بين راوي الحديث، والمعصوم الذي روي
عنه الحديث.
وإما بسقوط بعض الرواة الوسائط.
وبشرط عدم معرفة اسم الراوي الذي لم يرد ذكره في السند، وذلك لأن
المعروف المحذوف في قوة المذكور، فيكون الحديث معه من نوع المسند لا
المرسل.
فما انتهجه الشيخان الصدوق والطوسي في (الفقه) و (التهذيبين) من حذف
أسماء الرواة أو بعض أسماء الرواة من سلسلة كثير من الأسانيد، بغية الاختصار،
واعتمادا على ما ذكراه في (المشيخة) في آخر كل كتاب من الكتب الثلاثة:
(الفقيه) و (التهذيب) و (الاستبصار)، لا يعد من المرسل، وذلك لمعرفة رجال السند
عن طريق المشيخة.
ومن أمثلة الحديث المرسل:
- ما حذف من سلسلته جميع الرواة الوسائط، نحو ما رواه القاضي النعمان
المغربي، قال: (عن جعفر بن محمد (ع): أنه ذكر الطواف بين الصفا والمروة،
175

فقال: يخرج من باب الصفا فيرقى على الصفا، وينزل منه، ويرقى المروة، ثم
يرجع كذل، سبع مرات، يبدأ بالصفا ويختم بالمروة) (1).
- ما حذف من سلسلته بعض الرواة الوسائط، نحو ما رواه الحر العاملي
عن الشيخ الطوسي (محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن
يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع)، قال:
الكر من الماء الذي لا ينجسه شئ ألف ومائتا رطل) (2).
والمحذوف من سلسلة السند هو ما أشير إليه بقول ابن أبي عمير (عن بعض
أصحابنا).
ومن هنا تسمى هذه الرواية بمرسل أو مرسلة ابن أبي عمير، لأنه هو الذي
أرسلها من الاسناد بينه وبين الامام.
مشروعيته:
بحث الفقهاء والمحدثون مشروعية الحديث المرسل، واختلفوا فيها على
أقوال:
1 - حجية مرسل الثقة:
بمعنى أنه إذا كان الراوي المرسل للحديث ثقة يقبل مرسله، ويعتد حجة
يركن إليه.
نسب هذا القول إلى أبي جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب
كتاب المحاسن، وإلى أبيه محمد بن خالد البرقي من أصحاب الإمامين الرضا
والجواد (ع).
واستدل له: بأن رواية الثقة توثيق لمن يروي عنهم، وذلك (لأنه لو روى عن
غير العدل ولم يبين حاله، لكان ذلك غشا، وهو مناف للعدالة) (3).

(1) دعائم الاسلام 1 / 316.
(2) الوسائل: الباب 11 من أبواب الماء المطلق.
(3) أصول الحديث وأحكامه 96.
176

ونوقش: بأن هذا (إنما يتم لو انحصر أمر العدل في روايته عن العدل أو
الموثوق بصدقه، وهو ممنوع) (1).
2 - عدم حجية المرسل مطلقا، أي سواء كان المرسل له ثقة أو غير ثقة،
وسواء كان لا يرسل إلا عن ثقة أم لا.
ذهب إلى هذا العلامة الحلي في كتابه (تهذيب الأصول) (2).
واستدل له ب‍ (أن شرط جواز قبول الرواية معرفة عدالة الراوي، ولم تثبت،
لعدم دلالة رواية العدل عليه) (3)، لأنها أعم.
3 - حجية المرسل إذا كان راويه معروفا بأنه لا يرسل إلا عن ثقة، كما
ذكر هذا في حق محمد بن أبي عمير.
ذهب إلى هذا الميرزا القمي في (القوانين).
واستدل له ب‍ (أن الارسال ممن عرف بأنه لا يرسل إلا عن ثقة، كاشف عن
اعتماده على صدق الواسطة والوثوق بخبره.
ولا ريب أن ذلك يفيد ظنا بصدق خبره، وهو لا يقصر عن الظن الحاصل
بصدق خبر الفاسق بعد التثبت) (4).
ولاحظ عليه الشيخ السبحاني ب‍ (أنه مبني علي مبناه (يعني صاحب
القوانين) من حجية مطلق الظن، وهو خلاف التحقيق.
ثم الظن في المقيس عليه أي الظن بصدق الفاسق بعد التثبت ليس بحجة
ما لم يبلغ درجة التبين والاطمئنان العرفي) (5).
هذه هي أهم الأقوال في مسألة حجية المرسل، وتتربع إذا أضفنا إليها:

(1) م. ن.
(2) م. ن.
(3) المقباس 1 / 347.
(4) أصول الحديث وأحكامه 96.
(5) م. س 96 - 97.
177

4 - المرسل المقبول:
ذلك أن المرسل إذا كان غير حجة - على رأي من يرى ذلك - يهبط إلى
مستوى الحديث الضعيف، ويدخل في قائمة الأحاديث الضعاف، ويأخذ أحكامها
من حيث القبول والرد.
فإذا وجدنا مرسلا قد تلقاه العلماء بالقبول، وعملوا وفق مؤداه يكون
بمستوى الضعيف المقبول.
ومر بنا أن قبول العلماء للضعيف واستنادهم إليه في الفتوى قد يكون جابرا
لضعفه فيدخل في دائرة الاعتبار عند المشهور، وقد لا يكون جابرا لضعفه فيبقى
على عدم اعتباره، كما هو رأي الآخرين.
فما قيل هناك في الضعيف المقبول، يقول هنا في المرسل المقبول..
فقد يعتبر القبول - هنا - جابرا لضعفه الآتي من ناحية الارسال فيكون حجة،
وقد لا يعتبر فلا يكون حجة.
- المرفوع:
وقد يطلق في لغة محدثينا وفقهائنا على الحديث المرسل اسم (المرفوع)،
لأن الراوي للحديث رفعه إلى المعصوم، أو إلى من رواه عن المعصوم، بإسقاط
الرواة بينهما.
وقد يؤنث باعتبار أنه وصف للرواية فيقال: (مرفوعة).
مثاله:
مرفوعة زرارة التي رواها الشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي في كتابه (غوالي
اللئالي)، عن العلامة الحلي مرفوعة إلى زرارة قال: سألت أبا جعفر (ع)، فقلت
له: جعلت فداك، يأتي عنكم الخبران والحديثان المعارضان فبأيهما آخذ؟.. الخ.
- الشاذ:
من أنواع خبر الواحد غير المقرون ما سمي ب‍ (الشاذ، وقد ورد هذا الاسم
في أحاديث رويت عن الأئمة (ع)، أمثال:
178

- مقبولة عمر بن حنظلة: (ينظر إلى ما كان من روايتيهما عنا في ذلك
الذي حكما به، المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا، ويترك الشاذ
الذي ليس بمشهور عند أصحابك).
- ومرفوعة زرارة: (يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر).
والذي يبدو أن الكلمة استعملت بمعناها اللغوي، حيث تعني في اللغة
العربية: الشئ المنفرد.
وعندما نقول: (منفرد) فإنما نعني أن هناك مجموعا أو جماعة انفرد هذا
عنها وشذ.
قال ابن منظور: شذ يشذ شذوذا: انفرد عن الجمهور وندر، فهو شاذ).
وروى ابن منظور عن ابن سيده قوله: (شذ الشئ يشذ - ويشذ - شذا
وشذوذا: ندر عن جمهوره).
وروي أيضا عن الليث أنه قال: شذ الرجل إذا انفرد عن أصحابه، وكذلك
كل شئ منفرد فهو شاذ).
وفي ضوء ما تقدم يمكننا أن نعرف الحديث الشاذ - اصطلاحا - بأنه
الحديث النادر المقابل لآخر مشهور بين الجمهور.
مثاله:
(حديث حذيفة بن منصور عن معاذ بن كثير، قال: قلت لأبي عبد الله (ع):
إن الناس يقولون: إن رسول الله (ص) صام تسعة وعشرين أكثر مما صام ثلاثين.
فقال: كذبوا ما صام رسول الله (ص) منذ بعثه الله تعالى إلى أن قبضه أقل
من ثلاثين يوما، ولا نقص شهر رمضان منذ خلق الله السماوات من ثلاثين يوما
وليلة).
ذكره الشيخ الطوسي في كتاب (التهذيب 4 / 167 رقم 477)، ثم علق
عليه في ص 169 بقوله: (وهذا الخبر لا يصح العمل به من وجوه:
179

أحدها: أن متن هذا الحديث لا يوجد في شئ من الأصول المصنفة، وإنما
هو موجود في الشواذ من الأخبار.
ومنها: أن كتاب حذيفة بن منصور - رحمه الله - عري منه، والكتاب
معروف مشهور).
180

أهلية الراوي للرواية
- أهمية الموضوع.
- مشروعية الموضوع.
- تحديد الموضوع.
- المؤهلات.
181

أهلية الراوي للرواية
أهمية الموضوع:
يعتد هذه الموضوع من أهم موضوعات علم الحديث، لأن به، ومن خلال
ما يذكر فيه من مؤهلات، يلزم توافرها في الراوي، يميز ويفرق بين الرواية المعتبرة
والأخرى غير المعتبرة.
ولأن على أساس منه يقوم الرجاليون بمهمة التعديل والتجريح، والتوثيق
والتفسيق، ليعرف في ضوء ما يذكرون من قيم للراوي مدى اعتبار السند وعدم
اعتباره.
وليعرف أيضا مستوى السند من حيث الصحة والحسن والوثاقة والضعف..
وغيرها.
ويستفاد منه أيضا في مجال الترجيح بين الأسانيد من خلال معرفة مستوى
السند من حيث العلو والدنو والتوسط.
إلى غير هذه مما يعرف في مواضعه من بحوث الرجاليين والمحدثين.
مشروعيته:
ويبدو مما ذكره الشهيد الثاني في (البداية 62) تمهيدا لبحث الموضوع أن
تساؤلا قد أثير حول البحث في الموضوع وجوازه من ناحية شرعية، لما في الجرح
للراوي من كشف لمستور وإشاعة لسلوك مقبور.
183

وقد أجاب الشهيد الثاني أنه باستيفاء ووفاء، قال: (وجوز ذلك البحث وإن
اشتمل على القدح في المسلم المستور، واستلزم إشاعة الفاحشة في الذين آمنون،
صيانة للشريعة المطهرة من إدخال ما ليس منها فيها، ونفيا للخطأ والكذب عنها.
وقد روي أنه قيل لبعض العلماء: (أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت
حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة)، فقال: (لأن يكونوا خصمائي أحب إلي من
أن يكون رسول الله (ص) خصمي، يقول لي: لم لم تذب الكذب عن حديثي).
وروي أن بعضهم سمع من بعض العلماء شيئا من ذلك، فقال له: (يا شيخ لا
يغتاب العلماء)، فقال له: (ويحك، هذا نصيحة، ليس هذا غيبة).
وهذا أمر واضح لا مرية فيه، بل هو من فروض الكفاية كأصل المعرفة
بالحديث.
نعم، يجب على المتكلم في ذلك التثبت في نظره وجرحه لئلا يقدح في
برئ غير مجروح بما ظنه جرحا، فيجرح بريئا بسمة سوء يبقى عليه الدهر عارها..
فقد أخطأ في ذلك غير واحد، فطعنوا في أكابر من الرواة، استنادا إلى طعن ورد
فيهم، له محمل، أو لا يثبت عنهم بطريق صحيح.
فمن أراد الوقوف على حقيقة الحال فليطالع كتاب الكشي في الرجال.
وقد كفانا السلف الصالح من العلماء بهذا الشأن مؤنة الجرح والتعديل
غالبا، في كتبهم التي صنفوها في الضعفاء، كابن الغضائري، أو فيهما معا (يعني
الجرح والتعديل) كالنجاشي والشيخ أبي جعفر الطوسي والسيد جمال الدين أحمد
بن طاووس والعلامة جمال الدين بن المطهر والشيخ تقي الدين بن داود وغيرهم.
ولكن ينبغي للماهر في هذه الصناعة، ومن وهبه الله تعالى أحسن بضاعة
تدبر ما ذكروه، ومراعاة ما قرروه، فعله يظفر بكثير مما أهملوه، ويطلع على توجيه
في المدح والقدح قد أغفلوه، كما أطلعنا عليه كثيرا، ونبهنا عليه في مواضع كثيرة
وضعناها على كتب القوم، خصوصا مع تعارض الأخبار في الجرح والقدح، فإنه
وقع لكثير من أكابر الرواة، وقد أودعه الكشي في كتابه من غير ترجيح، وتكلم من
بعده في ذلك، واختلفوا في ترجيح أيهما على الآخر اختلافا كثيرا، فلا ينبغي لمن
184

قدر على البحث تقليدهم في ذلك، بل ينفق ما آتاه الله تعالى، فلكل مجتهد
نصيب، فإن طريق الجمع ملتبس على كثير حسب اختلاف طرقه وأصوله في
العمل بالأخبار الصحيحة والحسنة والموثقة، وطرحها، أو بعضها، فربما لم يكن
في أحد الجانبين حديث صحيح، فلا يحتاج إلى البحث عن الجمع بينهما، بل
يعمل بالصحيح خاصة، حيث يكون ذلك من أصول الباحث، وربما يكون بعضها
صحيحا ونقيضه حسنا أو موثقا، ويكون من أصله العمل بالجميع، فيجمع بينهما
بما لا يوافق أصل الباحث الآخر، ونحو ذلك.
وكثيرا ما يتفق لهم التعديل بما لا يصلح تعديلا، كما يعرفه من يطالع
كتبهم سيما (خلاصة الأقوال) التي هي الخلاصة في علم الرجال).
تحديده:
عنون بعض المؤلفين في علم الحديث هذا البحث ب‍ (من تقبل روايته ومن
ترد)، وعنونه آخر ب‍ (صفات الراوي)، وثالث ب‍ (شروط الراوي).
والمراد بهذه العناوين وأمثالها بيان أهلية الراوي لتحمل الرواية وأدائها.
والأهلية - كما هو معلوم - صلاحية الإنسان للقيام بما أنيط به من مهمة أو
عمل أو وظيفة.
وعليه تكون أهلية الراوي صلاحيته للقيام بحمل الرواية وأدائها بسبب توفر
متطلبات القيام بهذه المهمة لديه.
مؤهلاته:
وهي الصفات التي يلزم الانسان الاتصاف بها ليكون أهلا لتحمل الرواية
وأدائها.
أو هي الشروط التي يجب توافرها في الانسان ليصلح أن يكون راويا يقوم
بمهمة التحمل والأداء.
وهي:
185

- الإسلام:
بأن يكون الراوي مسلما حال أدائه للرواية لا حال تحمله.
قال الشهيد الثاني في (البداية 64): (اتفق أئمة الحديث والأصول الفقهية
على اشتراط إسلام الراوي حال روايته، وإن لم يكن مسلما حال تحمله).
وقال ابنه الشيخ حسن العاملي في (المعالم 352 - 353): (ولا ريب
عندنا في اشتراطه لقوله تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا (وهو شامل للكفر
وغيره.
ولئن قيل باختصاصه في العرف المتأخر بالمسلم، لدل بمفهوم الموافقة
على عدم قبول خبر الكافر، كما هو الظاهر).
2 - العقل:
بأن يكون الراوي غير مجنون.
وهو من القضايا البديهية المتفق عليها في تحقق الأهلية.
3 - البلوغ:
بأن يكون الراوي قد بلغ سن التكليف الشرعي حال أدائه للرواية لا حال
تحمله.
وهو مما تسالمت عليه كلمة علمائنا.
4 - الايمان:
بأن يكون الراوي إماميا.
قال الشيخ العاملي في (المعالم 353): (واشتراطه هو المشهور بين
الأصحاب).
وفي مقابله عند أصحابنا أيضا: تجويز رواية غير الامامي من الفرق الاسلامية
الأخرى، سواء كان من أهل السنة أم من الشيعة، إذ كان موثقا عند علمائنا - كما
مر في تعريف الحديث الموثق.
وهو مذهب الشيخ الطوسي، على تفصيل له في المسألة.
186

وخلاصته:
أ - قبول رواية السني الموثق عندنا - لا في مذهبه - إذا روى عن أحد أئمتنا (ع)،
شريطة أن لا يوجد في رواياتنا ما يخالف روايته.
قال في (العدة 1 / 379 - 380): فأما إذا كان مخالفا في الاعتقاد لأصل
المذهب، وروى مع ذلك عن الأئمة (ع)، نظر فيما يرويه:
1 - فإن كان هناك من طرق الموثوق بهم ما يخالفه، وجب اطراح خبره.
2 - وإن لم يكن هناك ما يوجب اطراح خبره، ويكون هناك ما يوافقه، وجب
العمل به.
3 - وإن لم يكن هناك من الفرقة المحقة خبر يوافق ذلك، ولا يخالفه، ولا يعرف
لهم قول فيه، وجب أيضا العمل به، لما روي عن الصادق (ع)، أنه قال:
(إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما روي عنا، فانظروا إلى ما
رووه (يعني أهل السنة) عن علي (ع) فاعملوا به).
ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث، وغياث بن كلوب،
ونوح بن دراج، والسكوني، وغيرهم من العامة عن أئمتنا (ع) فيما لم ينكروه، ولم
يكن عندهم خلافه).
ب - قبول رواية الشيعي غير الامامي إذا كان موثقا عندنا - لا في مذهبه
بشرط:
1 - أن لا يوجد في رواياتنا ما يخالف روايته.
2 - أن تقترن روايته بما يساعد على
3 - أن يوجد ما يوافق روايته في رواياتنا.
قال - 380 - 381: (وأما إذا كان الراوي من فرق الشيعة، مثل: الفطحية،
والواقفة، والناووسية، وغيرهم، نظر فيما يرويه:
1 - فإن كان هناك قرينة تعضده، أو خبر آخر من جهة الموثوقين بهم،
وجب العمل به.
187

2 - وإن كان هناك خبر آخر يخالفه من طريق الموثوقين، وجب اطراح ما
اختصوا بروايته، والعمل بما رواه الثقة.
3 - وإن كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه، ولا يعرف من الطائفة العمل
بخالفه، وجب العمل به أيضا، إذا كان متحرجا في روايته، موثوقا في أمانته، وإن
كان مخطئا في أصل الاعتقاد.
فلأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحية، مثل: عبد الله بن بكير،
وغيره، وأخبار الواقفة مثل: سماعة بن مهران، وعلي بن أبي حمزة، وعثمان بن
عيسى، ومن بعد هؤلاء بما رواه بنو فضال، وبنو سماعة، والطاطريون، وغيرهم،
فيما لم يكن عندهم فيه خلافه).
ج - وقال في قبول أو رفض روايات الغلاة والمتهمين والمضعفين: (وأما ما
ترويه الغلاة والمتهمون والمضعفون، وغير هؤلاء:
1 - فما يختص الغلاة بروايته.
أ - فإن كانوا ممن عرف لهم حال استقامة، وحال غلو، عمل بما رووه في
حال الاستقامة، وترك ما رووه في حال تخليطهم.
ولأجل ذلك عملت الطائفة بما رواه أبو الخطاب محمد بن أبي زينب في
حال استقامته، وتركوا ما رواه في حال تخليطه.
وكذلك القول في أحمد بن خلال العبرتائي، وابن أبي عذافر، وغير هؤلاء.
ب - فأما ما يرويه في حال تخليطه، فلا يجوز العمل به على كل حال.
وكذلك القول فيما يرويه المتهمون والمضعفون:
1 - فإن كان هناك ما يعضد روايتهم ويدل على صحتها، وجب العمل به.
2 - وإن لم يكن هناك ما يشهد لروايتهم بالصحة، وجب التوقف في
أخبارهم.
فلأجل ذلك توقف المشايخ عن أخبار كثيرة هذه صورتها، ولم يرووها،
واستثنوها في فهارسهم من جملة ما يروونه من التصنيفات).
188

5 - العدالة:
تقدم أن تحدثت عن العدالة، عن مفهومها والخلاف فيه، بما فيه الكفاية.
وذلك عند حديثي عن التعديل.
فلنا - إذن - أن ننتقل إلى الحديث عن طرق معرفة العدالة والجرح.
طرق معرفة العدالة والجرح:
أي كيف نعرف أن هذا الراوي الذي نريد أن نعتمد روايته في الاستنباط
والاستدلال متصف بالعدالة أو غير متصف بها.
ذكر العلماء لذلك ثلاث طرق، هي:
1 - الاستفاضة:
وهي: أن تشتهر عدالة الراوي أو جرحه في أوساط المعنيين بذلك من أهل
الحديث وغيرهم من أهل العلم.
وبالاستفاضة أثبت العلماء عالة (مشايخنا السالفين من عهد الشيخ محمد
بن يعقوب الكليني، وما بعده، إلى زماننا هذا.. فلا يحتاج أحد من هؤلاء المشايخ
إلى تنصيص على تزكية، ولا تنبيه على عدالة، لما اشتهر في كل عصر من ثقتهم
وضبطهم وورعهم، زيادة على العدالة) (1).
2 - البينة:
وهي أن ينص عادلان على تزكية الراوي أو جرحه، بأن يقولا في حقه: ثقة:
وأمثاله، أو يقولا: كذاب وأمثاله.
ويحتاج إلى البينة في معرفة عدالة وجرح الرواة الذين لم تشتهر عدالتهم أو
جرحهم في الأوساط العلمية المعنية، وذلك بأن يرجع إلى الكتب الرجالية الأصول
أمثال: كتب البغداديين: الكشي والنجاشي والطوسي، ومن بعدهم، كتب الحليين:
ابن طاووس والعالمة وابن داود.

(1) البداية 69.
189

3 - شهادة العدل الواحد:
وهي: أن يزكي أو يجرح الرواي عادل واحد.
ذهب إليه المشهور من أصحابنا، استنادا إلى الاكتفاء بالواحد في قبول
الرواية، وتزكية الراوي هنا فرع قبول الرواية، فكما لا يعتبر العدد في الأصل - وهو
قبول الرواية - لا يعتبر في الفرع - وهو تزكية أو جرح الراوي.
وذهب الآخرون إلى عدم الاكتفاء به، لأن التزكية والجرح شهادة،
والشهادة لا بد فيها من التعدد.
(ولقد أجاد الفاضل القمي (ره) حيث قال: إن التزكية من باب الظنون
الاجتهادية لا الرواية والشهادة.
وأن المعيار (هنا) حصول الظن على أي نحو يكون.
وكيف لا، والمزكون لم يلقوا أصحاب الأئمة (ع)، وإنما اعتمدوا على مثل
ما رواه الكشي) (1).
وحصيلة ما تقدم، هي: أنه إذا أفاد تقييم الرجاليين القدامى المذكور في
كتبهم الرجالية المعتمدة، وفي هدي ما يملكه الباحث من وسائل الاجتهاد، الظن
بقيمة الراوي، اعتمد عليه واستند إليه، وقيم الرواية في هديه.
اجتماع الجرح والتعديل:
ويتفرع على مسألتنا السابقة مشكلة ما لو اجتمع في تعريف راو واحد قول
يزكيه وآخر يطعن فيه.
وقد بحثها مؤلفو علم الحديث كعموميات تنطبق على الحوادث اليومية.
وهذا يصح لمن يريد أن يؤسس قواعد لدراسات وأبحاث مستقبلية يقيم
على هديها من يلتقيه من الرواة الأحياء.
ونستفيد منه إذا أردنا معرفة قيمة راو معاصر لنا.

(1) المقباس 2 / 173.
190

أما ونحن نتعامل مع رواة مروا في التاريخ، وليس أمامنا من تقييم
لشخصياتهم، إلا ما ذكر في كتب الرجال، وهو لا يعدو أن يكون من نوع الأخبار
المنقولة، والمستفادة مؤدياتها من قرائن اطلع عليها، أو دارسات قام بها معنيون
بهذا الشأن عاشوا قبل زمن المؤلفين الرجاليين، ولم يصل إلى الرجاليين منهم إلا
نتائجها.
فالحل - على هذا - هو أن نوضح كيفية التعامل مع القيم المذكورة في
كتب الرجال.
ويتم هذا: بأن يقوم التعامل على أساس من معرفتنا لمنهج المؤلف، وطريقته
العلمية في تقييم الرواة.
فمثلا: لو قارنا بين فهرسي النجاشي والطوسي بقراءة كل منهما قراءة ناقدة،
لرأينا النجاشي أكثر تدقيقا وتحقيقا.
وعلى أساس منه نقول: لو تعارض تقييم النجاشي وتقييم الطوسي يقدم
تقييم النجاشي.
وهكذا لو تعارض تقييم الرجاليين البغداديين (الكشي والنجاشي والطوسي)
وتقييم الرجاليين الحليين (ابن طاووس والعلامة وابن داود) يقدم تقييم البغداديين،
لانهم أقاموا تقييماتهم على ما أفادوه من الرجاليين السابقين لجيلهم، وهو أقرب
عهدا وألصق معرفة بسيرة وواقع الرواة.
وأخيرا:
المسألة - في واقعها - اجتهادية - تعتمد على منهج الباحث وطريقته،
والقواعد الأساسية التي توصله إلى هذا.
6 - الضبط:
ويراد به أن يكون الراوي حافظا لما يرويه (متيقظا غير مغفل إن حدث من
حفظه، ضابطا لكتابه، حافظا له من الغلط والتصحيف والتحريف إن حدث منه،
عارفا بما يختل به المعنى إن روى بالمعنى) 1 - في رأي من يجوزه -.

(1) البداية 65 - 66.
191

الرواية عند المرأة:
والحاقا بما تقدم قال الشهيد الثاني في (الدراية 66): (ولا يشترط في
الراوي الذكورة، لأصالة عدم اشتراطها، واطباق السلف والخلف على الرواية عن
المرأة).
ومن هنا ترانا نقرأ في كتب الرجال والتراجم والتاريخ والفهارس أسماء عدد
غير قليل من النساء الراويات والمحدثات وصاحبات الإجازات لهن ومنهن.
ومن هذه الأسماء:
- (من الصحابيات):
1 - أم المؤمنين خديجة بنت خويلد القرشية.
2 - أم المؤمنين أم سلمة بنت أمية بن المغيرة المخزومية، روت عن
النبي (ص) 378 حديثا.
3 - أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر التيمية، روي عنها 2210 حديثا.
4 - أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب العدوية، روى لها
البخاري ومسلم 60 حديثا.
5 - أروى بنت أنيس، روت عن النبي (ص).
6 - أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين.
7 - أسماء بنت عميس الخثعمية.
8 - أم أيمن: بركة بنت ثعلبة الحبشية.
9 - أم حذيفة بن اليمان، روى عنها ابنها حذيفة.
10 - أم الخطاب زوج عثمان بن مظعون، روى عنها ابنها خطاب.
11 - أم سعد بنت سعد بن الربيع الأنصارية، روى عنها داود بن الحصين.
12 - أم سليم بنت ملحان، روت عن النبي (ص)، وروى عنها ابنها وابن
عباس وغيرهما.
192

13 - أم سنبلة الأسلمية، روت عنها أم المؤمنين عائشة.
14 - أم عبد الله بن مسعود، روت عن النبي (ص)، وروى عنها ابنها عبد
الله.
15 - أم فروة الا، صارية، روى عنها ابن أخيها القاسم بن غنام.
16 - أم الفضل: لبابة بنت الحارث الهلالية زوج العباس بن عبد
المطلب، روت عن النبي (ص)، وروى عنها ابناها تمام وعبد الله.
17 - أم الكرام السلمية روت عن النبي (ص).
18 - أم نصر المحاربية.
19 - أم هاني الأنصارية.
20 - جمرة بنت النعمان العدوية.
21 - درة بنت أبي سلمة المخزومية.
22 - سائبة مولاة رسول الله (ص)، روت عنه، وروى عنها طارق بن عبد
الرحمن.
23 - سبيعة الأسلمية، روت عن النبي (ص).
24 - ليلى زوج أبي ذر الغفاري، وت عنها امامة بنت الصلت.
25 - نسيبة بنت كعب الأنصارية: أم عمارة.
- (من التابعيات):
1 - أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر.
2 - أم جميلة السعدية، روت عن أم المؤمنين عائشة.
3 - أم حفص بنت عبيد بن عازب، روت عن عمها البراء بن عازب.
4 - أم حميد بنت عبد الرحمن، روت عن أم المؤمنين عائشة.
5 - أم عمرو بنت خوات بن جبير، روت عن أم المؤمنين عائشة.
6 - أم عيسى بن عبد الرحمن، روت عن أم المؤمنين عائشة.
193

7 - أم كلثوم الليثية، روت عن أم المؤمنين عائشة، وروى عنها عبد الله بن
عبيد الليثي.
8 - أم مسكين بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، روت عن أبي هريرة.
9 - برزة أم الزبير بن عربي، روت عن أم المؤمنين عائشة.
10 - تبالة بنت يزيد، روت عن أم المؤمنين عائشة.
11 - جمانة بنت المسيب بن نجية الفزاري، روت عن حذيفة بن اليمان.
12 - ذفرة بنت غالب الراسبية البصرية، روت عن أم المؤمنين عائشة.
13 - زبيبة بنت النعمان، روت عن أبي هريرة.
14 - زينب بنت كعب زوج أبي سعيد الخدري، وثقها ابن حبان.
15 - زينب بنت نبيط الأنصارية.
16 - سارة بنت عبد الله بن مسعود، روت عن أبيها.
17 - سكينة بنت قريش، روت عن أم المؤمنين عائشة، وروى عنها مسلم
الجرمي.
18 - سلمى مولاة بكر بن وائل، روت عن أم المؤمنين أم سلمة وغيرها.
19 - سمى الأنصارية، روت عن أم المؤمنين أم سلمة.
20 - سيرين بنت عبد الله بن مسعود، روت عن أبيها.
21 - صفية بنت شيبة بن عثمان العبدية، وثقها ابن حبان.
22 - كريمة بنت همام، روت عن أم المؤمنين عائشة، وروى عنها علي
بن المبارك ويحيى بن أبي كثير.
23 - مريم بنت أياس الأنصارية.
24 - هند بنت الحارث، روت عن أم المؤمنين أم سلمة.
25 - هند بنت شريك البصرية، روت عن أم المؤمنين عائشة.
194

- (من الاماميات):
1 - فاطمة الزهراء (ع)، روت عن أبيها.
2 - زينب بنت علي بن أبي طالب (ع).
3 - فاطمة بنت علي بن أبي طالب، روت عن أبيها.
4 - فاطمة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب.
5 - فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، روت عن أبيها، وأخيها
زين العابدين (ع)، وروى عنها ابنها عبد الله بن الحسن المثنى.
6 - فاطمة بنت علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، روت عن عمتها
فاطمة بنت الحسين.
7 - فاطمة بنت محمد الباقر.
8 - فاطمة بنت جعفر الصادق.
9 - فاطمة بن موسى الكاظم.
10 - فاطمة بنت علي الرضا، روت عن فاطمة بنت موسى الكاظم، عن
فاطمة بنت جعفر الصادق عن فاطمة بنت محمد الباقر، عن فاطمة بنت علي زين
العابدين، عن فاطمة بنت الحسين عن أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب عن فاطمة
الزهراء (ع).
11 - أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب.
12 - آمنة بيكم بنت محمد تقي المجلسي.
13 - أسماء بنت عابس بن ربيعة الكوفية، روت عن أبيها، وروى عنها ابن
ماجة.
14 - أم أبيها بنت عبد الله بن جعفر الطيار.
15 - أم الأسود بنت أعين، أخت زرارة، وهي أول امرأة تشيعت من آل
أعين.
195

16 - أم الحسن فاطمة بنت محمد بن مكي الشهيد الأول، أجازها والدها
الشهيد والسيد ابن معية.
17 - أم الحسن بن علي بن زياد الوشاء، روى عنها ابنها الحسن.
18 - أم سلمة والدة محمد بن المهاجر، روى عنها محمد بن أبي عمير
عن الإمام الصادق (ع).
19 - أم فروة فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، أم الإمام الصادق (ع)،
روت عن علي بن الحسين (ع).
20 - أم موسى حبيبة مولاة أمير المؤمنين (ع)، روت عنه (ع).
21 - أم هاني الثقفية، روت عن الإمام الباقر (ع).
22 - حبابة بنت جعفر الأسدية الوالبية أم الندى.
23 - حكيمة بنت موسى الكاظم.
24 - حكيمة بنت محمد الجواد.
25 - حمادة أخت أبي عبيدة الحذاء، روت عن الإمام الصادق.
26 - حميدة أم الإمام موسى الكاظم.
27 - خديجة بنت عمر بن علي بن الحسين، روت عن عمها الإمام الباقر (ع).
28 - الرباب زوج الإمام الحسين.
29 - سعيدة بنت أبي عمير، روت عن الإمام الصادق (ع).
30 - سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب.
31 - علية بنت علي بن الحسين زين العابدين، لها كتاب.
32 - فاطمة بنت السيد رضي الدين علي بن طاووس لها الإجازة من
أبيها.
33 - كلثوم بنت سليم، روت عن الإمام الرضا (ع)، وروى عنها محمد
196

بن إسماعيل بن بزيع.
34 - مارية العبدية.
35 - منة بنت أبي عمير، روت عن الإمام الصادق (ع).
36 - الهاشمية الأصبهانية بنت السيد محمد علي أمين التجار، الفقهية
المجتهدة، لها أجاز الاجتهاد من الاعلام.
- (من غيرهن):
1 - آسية بنت جار الله الشيباني الطبري (796 ه‍ - 835 ه‍)، أجاز لها
الحافظ العراقي وغيره، وأخذ عنها السيوطي، وأجازت هي لشمس الدين محمد بن
عبد الرحمن السخاوي.
2 - آمنة بنت أبي الحرب، من مشيخة أبي طاهر الخطيب الأنباري.
3 - آمنة بنت موسى بن أحمد (ت 860 ه‍) أجازت للسخاوي المتقدم.
4 - آمنة بنت نصر الله الكنانية (770 ه‍ - 853 ه‍) قرأ عليها السخاوي،
وأجاز لها جماعة.
5 - أم أحمد المرسية (ت 850 ه‍). أجازت للسخاوي.
6 - أم البهاء فطامة بنت الحافظ تقي الدين محمد الهاشمية، من
مشايخ السيوطي.
7 - أم الخير بنت يوسف، أخذ عنها السيوطي.
8 - خديجة بنت إسماعيل بن عمر، أجازت للسيوطي.
9 - درة بنت صالح (ت 607 ه‍)، حدثت بالإجازة عن الأرموي.
10 - رقية بنت أحمد، لها إجازة من زينب الشعرية في سنة 669 ه‍.
197

التصحيحات العامة
- تصحيح روايات أصحاب الاجماع.
- تصحيح مراسيل الثلاثة.
- تصحيح أحاديث الكتب الأربعة.
199

يلتقي القارئ المستقرئ لكتب الحديث وكتب الرجال وكتب الفقه
الاستدلالي عبائر تنبئ أنها ضوابط أو قواعد حديثية أفيدت من واقع علمي الرجال
والحديث، إلا أنها لم تدون في كتب الأقدمين بشكل بحوث، وإنما ذكرت على
صورة نتائج لبحوت علمية، طويت صفحاتها فلم تصل إلينا.
وقد حاول علماؤنا المتأخرون، لا سيما المعاصرين منهم دراستها في ضوء
مبادئ وأصول علمي الرجال والحديث، للخروج منها بنتائج مقرونة بأدلتها،
ومستنداتها.
ورأيت - قبل البحث فيها - أن أعنونها بعنوان (التصحيحات العامة) لأنها
- في حقيقتها - هي تصحيح لمجموعة من الأحاديث يضمها إطار خاص.
واخترت منها أهمها مفادا، وأكثرها شمولية، وهي:
- تصحيح روايات أصاحب الاجماع.
- تصحيح مراسيل الثلاثة: ابن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن
محمد بن أبي نصر البزنطي.
- تصحيح أحاديث الكتب الأربعة.
وسأتحدث عن كل واحد منها في حدود ما يتحمله هذا المختصر، مع
التركيز والتوضيح قد الامكان.
201

تصحيح روايات أصحاب الاجماع
روى الشيخ أبو عمرو الكشي في كتابه المعنون ب‍ (رجال الكشي): أن
علماءنا أجمعوا على تصحيح روايات ثمانية عشر راويا من أصحاب الأئمة (ع).
تسميتهم:
ولأجل هذا الاجماع المومأ إليه سموا ب‍ (أصحاب الاجماع).
أسماؤهم:
وهم ثلاثة مجموعات، كل مجموعة ستة رجال، نزعين على صحبة أربعة
من الأئمة، وكالتالي:
أ - من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (ع):
1 - زرارة بن أعين الشيباني الكوفي.
2 - معروف بن خوبوذ المكي:
3 - بريد بن معاوية العجلي.
4 - الفضيل بن يسار البصري.
5 - محمد بن مسلم الطائفي الكوفي.
6 - أبو بصير عبد الله بن محمد الأسدي.
أو
- أبو بصير ليث بن البختري المرادي.
ب - من أصحاب الإمام الصادق (ع):
1 - جميل بن دراج النخعي.
2 - عبد الله بن مسكان العنزي.
3 - عبد الله بن بكير بن أعين الكوفي.
4 - حماد بن عيسى الجهني.
5 - حماد بن عثمان الناب.
202

6 - أبان بن عثمان الأحمر البجلي.
ج - من أصحاب الإمامين الكاظم والرضا (ع):
1 - يونس بن عبد الرحمن.
2 - صفوان بن يحيى البجلي بياع السابري.
3 - محمد بن أبي عمير الأزدي البغدادي.
4 - عبد الله بن المغيرة البجلي.
5 - أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي الكوفي.
6 - الحسن بن محبوب السراد الكوفي.
أو
- الحسن بن علي بن فضال.
أو
- فضالة بن أيوب الأزدي.
أو
- عثمان بن عيسى الرواسي.
نصوص عبائر الكشي:
1 - قال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله (ع):
(أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر، وأبي عبد
الله (ع)، وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأولين ستة: زرارة، ومعروف بن خربوذ،
وبريد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمد بن مسلم الطائفي.
قالوا: وأفقه الستة زرارة.
وقال بعضهم: مكان أبي بصير الأسدي: أبو بصير المرادي، وهو ليث بن
البختري) (1).

(1) الوسائل 20 / 79: الفائدة السابعة.
203

2 - قال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله (ع):
(أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون،
وأقروا لهم بالفقه من دون أولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم، ستة نفر: جميل
بن دراج، وعبد الله بن مسكان، وعبد الله بن بكير، وحماد بن عيسى، وحماد بن
عثمان، وأبان بن عثمان.
قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه - يعني ثعلبة بن ميمون - أن أفقه هؤلاء جميل
بن دراج، وهم أحدث (1) أصحاب أبي عبد الله - ع -) (2).
3 - قال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا
(ع):
(أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء، وتصديقهم، وأقروا لهم
بالفقه والعلم، وهم ستة نفر أخر، دون الستة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي
عبد الله (ع)، منهم: يونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى بياع السابري،
ومحمد بن أبي عمير، وعبد الله بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن
محمد بن أبي نصر.
وقال بعضهم: مكان الحسن بن محبوب، الحسن بن علي بن فضال،
وفضالة بن أيوب.
وقال بعضهم: مكان فضالة، عثمان بن عيسى.
وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى) (3).
مفاد عبارات الكشي:
وقد اختلفوا في تقدير المعنى الذي يمكن أن يستفاد من هذه العبارات
المذكورة، على ثلاثة أقوال هي:

(1) هكذا هي في (الوسائل)، وأخالها جمع حدث - بكسر الحاء المهملة وسكون الدال المهملة -
وهو الكثير الحديث، الحسن البيان له (انظر: المعجم الوسيط).
(2) م. س 80.
(3) م. ن.
204

1 - أنها تدل على توثيق أصحاب الاجماع وتصديقهم فيما يقولون من
أخبار مثل: (حدثني فلان) أو (سمعت فلانا).. الخ.
2 - أنها تدل على صحة ما يرويه أصحاب الاجماع عن الامام مسندا كان
أو مرسلا، كانت الوسائط بين صاحب الاجماع والامام بمستوى العدالة أو الوثاقة
أو لم تكن.
3 - صحة ما يروى عنهم.
وبتوضيح أكثر:
1 - صاحب الاجماع.
2 - من صاحب الاجماع الإمام.
3 - من الراوي صاحب الاجماع الامام.
فعلى القول الأول يخضع جميع رواة الحديث ما عدا صاحب الاجماع
لمعايير تقييم الرواية، فقد ننتهي إلى أنها معتبرة فتقبل، وقد ننتهي إلى أنها غير
معتبرة فلا تقبل.
وعلى القول الثاني تعتد الرواية من صاحب الاجماع إلى الامام معتبرة،
ولكنها من الراوي إلى صاحب الاجماع تخضع لمعايير التقييم، فقد تكون معتبرة
فتقبل، وقد تكون غير معتبرة فلا تقبل.
وعلى القول الثالث فإن الرواية تعد معتبرة وتقبل، وتستثنى من الاخضاع
لمعايير تقييم الرواية.
وإذا حاولنا أن نعيد استنطاق نصوص الكشي المرتبطة بالموضوع، منطلقين
من أن مفادها واحد.. وهي:
1 - قوله: (أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء).
2 - قوله: (أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم
لما يقولون).
3 - قوله: (أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم).
205

سوف نرى أن النص الأول يدل على تصديقهم، وهو يشمل تصديقهم
أنفسهم بمعنى توثيقهم، وتصديقهم لما يقولون وينقلون.
وهو يعطي مفاد القول الثاني، أيي اعتداد الطريق منهم إلى الامام معتبرا،
أسند أو أرسل، اشتمل على معدلين أو مضعفين.
ولرأينا النص الثاني والنص الثالث يفيدان ما افاده النص الأول.
ويمكن إيضاحه بالتالي:
وهو إذا كان الاسناد من الراوي إليهم معتبرا تعد الرواية معتبرة، لأنهم
مصدقون لما يقولون من اسناد بينهم وبين الامام.
وهو مفاد القول الثاني أيضا.
نوعية الاجماع:
واختلفوا في نوعية الاجماع الذي نقله وذكره الشيخ الكشي في نصوصه
المتقدمة الذكر، على قولين:
1 - أنه الاجماع الشرعي المصطلح عليه في أصول الفقه، وهو الكاشف
عن رأي المعصوم.
ذهب إلى هذا الحر العاملي، قال في (الوسائل 20 / 80 - 81): (فعلم من
هذه الأحاديث الشريفة (يعني نصوص الكشي المتقدمة) دخول المعصوم بل
المعصومين (ع) في هذا الاجماع الشريف المنقول بخبر هذا الثقة الجليل وغيره.
وناهيك بهذا الاجماع الشريف الذي قد ثبت نقله وسنده، قرينة قطعية على
ثبوت كل حديث رواه واحد من المذكورين مرسلا أو مسندا، عن ثقة أو ضعيف أو
مجهول، لإطلاق النص والاجماع).
2 - أنه بمعنى الاجتماع الذي يراد به التسالم والاتفاق على الشئ.
ذكره الميرزا النوري في (المستدرك 3 / 759) بقوله: (إن إجماع العصابة
على صحة أحاديث الجماعة إجماع على اقتران أحاديثهم بما يوجب الحكم
بصحتها).
206

ويؤيد القول الثاني وهو أن الاجماع - هنا - بمعني الاجتماع في الرأي لا
الإجماع على الرأي الكاشف عن دخول المعصوم ضمن المجمعين، ما ورد في
رواية الميرزا النوري في (المستدرك 3 / 757) من قوله (اجتمعت) في النص
الأول مكان (أجمعت).
يضاف إله أن الاجماع بمعناه الشرعي أو الاصطلاحي لم يبرز كدليل
شرعي ومصدر من مصادر التشريع الاسلامي عند الإمامية إلا بعد الغيبة الصغرى،
وبالتحديد في عهد الشيخ المفيد وتلامذته.
فلم تثلث المصادر - تارخيا - إلا من قبل السيد المرتضى في (الذريعة)
والشيخ الطوسي في (العدة).
والشيخ الكشي ناقل الاجماع - هنا - توفي سنة 340 ه‍، ولازم هذا أن يكون
الاجماع الذي نقله عن مشايخه كان في الغيبة الصغرى التي انتهت سنة 329 ه‍.
وهذا يؤيد أنه لم يكن إجماعا شرعيا لوجود الامام، وعدم الحاجة إلى
الاجماع الشرعي ليكشف عن رأي الامام.
الرأي الآخر:
وفي مقابل ما ذكرنا، ذهب آخرون إلى عدم جواز الأخذ بما ذكر من
تصحيح ما يصح عن أصحاب الاجماع.
منهم: أستاذنا السيد الخوئي - قدس سره - في مقدمة كتابه (معجم رجال
الحديث).
وفي هدي ما انتهينا إليه من أن الاجماع الذي نقله الشيخ الكشي لا يعني
الاجماع الشرعي، وإنما هو بمعنى الاجتماع على الرأي الناشئ من وجود قرائن
كانت تساعد على ذلك.
ولأنه منذ ابتداء الغيبة الكبرى حيث أخذت القرائن بالاختفاء لا يمكننا
الأخذ بما أخذ به القدماء، وذلك لاطلاعهم على ما يصلح دليلا عندهم، وعدم
اطلاع المتأخرين عنهم على ذلك.
207

فالمسألة في حدود ما رأينا مسألة اجتهادية، لابد فيها من الاطلاع على
الدليل ومعرفة مدى صلاحيته للاستدلال به والدلالة على المدعى.
تصحيح مراسيل الثلاثة
والثلاثة هم:
1 - محمد بن أبي عمير الأزدي البغدادي (ت 217 ه‍).
وصفه النجاشي بأنه جليل القدر، عظيم المنزلة فينا وعند مخالفينا.
وقال القمي: (كان أوثق الناس عند الخاصة والعامة، وأنسكهم نسكا،
وأورعهم، وأعبدهم، وأدرك أبا الحسن موسى والإمامين بعده (ع).
وكان من أصحاب الاجماع، جليل القدر، عظيم الشأن، وأصحابنا يسكنون
إلى مراسيله، لأنه لا يرسل إلا عن ثقة) (1).
2 - صفوان بن يحيى البجلي الكوفي (ت 210 ه‍).
قال النجاشي: ثقة، ثقة، عين، روى أبوه عن أبي عبد الله (ع)، وروى هو
عن الرضا (ع)، وكانت له عنده منزلة شريفة.
وقال الشيخ الطوسي: أوثق أهل زمانه عند أهل الحديث، وأعبدهم (1).
وتقدم أن الكشي عده في أصحاب الاجماع.
3 - أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي الكوفي (ت 221 ه‍).
قال الشيخ الطوسي: ثقة، لقي الرضا (ع)، وكان عظيم المنزلة عنده (2).
ومر أن الشيخ الكشي عده في أصحاب الاجماع.
ويراد ب‍ (التصحيح) - هنا: أن هؤلاء الثلاثة إذا أرسلوا حديثا إلى الامام،
يؤخذ به، ويعتد حديثا معتبرا، ولا يخضع لمعايير تقييم الحديث المرسل.

(1) الكنى والألقاب 1 / 199 - 200.
(2) معجم الرجال الحديث 9 / 124.
(3) م. س 2 / 231.
208

وأول من ذكر هذا هو الشيخ الطوسي في (العدة 1 / 386) في معرض
كلامه عن ترجيح أحد الروايتين على الآخر، قال: (وإذا كان أحد الراويين مسندا
والآخر مرسلا، نظر في حال المرسل، فإن كان ممن يعلم أنه لا يرسل إلا عن ثقة
موثوق به، فلا ترجح لخبر غيره على خبره.
ولأجل لك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير وصفوان بن
يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر، وغيرهم من الثقات، الذين عرفوا بأنهم لا
يروون ولا يرسلون إلا ممن يوثق به، وبين ما أسنده غيرهم.
ولذلك عملوا بمرسلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم).
ويستفاد من هذا النص:
1 - إن اعتداد المرسل معتبرا لا يقتصر على إرساله من قبل هؤلاء الثلاثة،
وإنما يشمل كل ثقة علم أنه لا يرسل إلا عن ثقة.
2 - إن العلماء استفادوا من كلمة (الطائفة) من عبارة (سوت الطائفة) دلالتها على الاجماع.
ومن هنا تكون مسألتنا هذه كسابقتها أعني مسألة روايات أصحاب الاجماع.
ومن المظنون قويا أن الاجماع الذي أومأ إليه الشيخ الطوسي بقوله (سوت الطائفة)
هو الاجماع الذي نقله الكشي، وخاصة أن هؤلاء الثلاثة هم من أصحاب - الاجماع - كما تقدم.
وان ذكر هؤلاء الثلاثة بالخصوص في نص الشيخ الطوسي المذكور في
أعلاه جاء من باب المثال، وذكر الشاهد.
ويؤيد هذا تعميمه الحكم لكل ثقة علم أنه لا يرسل إلا عن ثقة.
ويترتب على هذا أن المسألتين مسألة واحدة.
ومع القول بتعددهما فالاجماع الذي أشار إليه الشيخ الطوسي ليس هو
الاجماع الشرعي التعبدي، وإنما هو اجتماع على الرأي، وذلك لما ذكرناه سالفا
209

من أن الاجماع الشرعي لم يبرز بشكل مصدر ودليل إلا في عهد الشيخ المفيد
وتلامذته، والشيخ الطوسي يشير إلى أن الاجماع كان قبل هذا العهد.
وعليه تكون هذه المسألة - هي الأخرى - مسألة اجتهادية، يتوقف أمرها
عند الباحث على معرفة الدليل ومعرفة مدى دلالته.
تماما كما ذكرنا في المسألة السابقة.
تصحيح أحاديث الكتب الأربعة
الكتب الأربعة:
1 - الكافي، أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي (ت 329 ه‍).
2 - من لا يحضره الفقيه، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى
بن بابويه القمي (ت 381 ه‍).
3 - تهذيب الأحكام، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه‍).
4 - الاستبصار، أبو جعفر الطوسي أيضا.
تحرير المسألة:
يراد بالتصحيح - هنا - اعتداد جميع ما في الكتب الأربعة من أحاديث
رويت عن أهل البيت (ع) معتبرة ومقطوعا بصدورها عن الأئمة.
والمسألة هذه وقعت موقع الخلاف بين علمائنا، وطال البحث فيها، وطال
معه النقاش حولها.
ونقطة الخلاف - في واقعها - هي: هل أن تصريحات المشايخ الثلاثة هي
شهادة منهم بصحة أحاديثهم وتوثيق رواتها، فيؤخذ بها بناء على قبول شهادة العدل
الواحد في مثل هذه المقام، أو أنها اجتهاد منهم قائم على منهج خاص بهم، فلا
يكون حجة في حق غيرهم.
(قال السيد في (المفاتيح): إن إخبار الكليني بصحة ما دونه في الكافي
210

كما يمكن أن يكون باعتبار علمه بها، وقطعه بصدورها عن الأئمة (ع)، فيجوز
الاعتماد عليها - والحال هذه - كسائر أخبار العدول، كذلك يمكن أن يكون
باعتبار اجتهاده، وظهورها عنده ولو بالدليل الظني، فلا يجوز إذن الاعتماد عليه،
فإن ظن المجتهد لا يكون حجة على مثله، كما هو الظاهر من الأصحاب، بل ومن
العقلاء وحيث لا ترجيح للاحتمال الأول وجب التوقف) (1).
ومبدأ هذا، هو ما أثاره الميرزا محمد أمين الاسترآبادي الاخباري في كتابه
الموسوم ب‍ (الفوائد المدنية)، قال فث ص 181: (الفصل التاسع في تصحيح
أحاديث كتبنا، بوجوه تفطنت بها بتوفيق الله الملك العلام، ودلالة أهل الذكر (ع)،
وبجواز التمسك بها، لكونها متواترة النسبة إلى مؤلفيها).
وذكر اثني عشر وجها في الاستدلال على صحة أحاديث الكتب الأربعة.
أهمها وأقواها الوجوه التي ضمنها تصريحات المشايخ الثلاثة مؤلفي الكتب الأربعة
في خطب كتبهم، باعتقادهم صحة ما فيها من أحاديث رووها عن الأئمة (ع).
وتابعة على هذا جمع من علمائنا، وجلهم من الأخباريين، فالحر العاملي
- مثلا - عقد الفائدة السادسة من خاتمة كتاب (الوسائل) لهذا، قال في 20 / 61:
(الفائدة السادسة في ذكر شهادة جمع كثير من علمائنا بصحة الكتب المذكورة
وأمثالها، وتواترها، وثبوتها عن مؤلفيها، وثبوت أحاديثها عن أهل العصمة - ع).
ثم ذكر ما قاله كل واحد من المشايخ الثلاثة من الاعتقاد بصحة ما رواه في
الكتاب عن أهل البيت (ع).
وواصل - بعد هذا - نقل أقوال العلماء الآخرين.
وفي (الفائدة التاسعة) ذكر اثنين وعشرين وجها للدلالة على قطعية صدور
ما في الكتب الأربعة وأمثالها من كتب أصحابنا القدماء عن أهل البيت (ع)، ومن
ضمنها ما ذكره الميرزا الاسترآبادي.

(1) دراسات في الحديث والمحدثين 135 - 136.
211

وأيضا أهمها وأقواها تصريحات لمشايخ الثلاثة في خطب كتبهم
باعتقادهم صحة ما فيها من مرويات عن أهل البيت (ع).
وكان سبب هذه الإثارة هو تنويع الأخبار من قبل السيد ابن طاووس،
والتأكيد عليه من قبل تلميذه العلامة الحلي، حيث ساعد هذا مساعدة فاعلة على
فتح باب النقاش في المسألة، ودراستها دراسة موسعة، بسبب ما حدث من تطور
لواقع الامامية بعد غيبة الإمام المهدي (ع)، واختفاء القرائن التي كانت تلقي
الأضواء على الأحاديث في قبولها أو رفضها، وفقدان النسبة الكبيرة من الأصول
الأربعمائة.
يقول الشيخ الطريحي: (وتعليله على ما ذكره بعض المتأخرين بأنه لما
طالت الأزمنة بين من تأخر والصدر السالف، وآل الحال إلى اندراس بعض كتب
الأصول المعتمدة، بتسلط حكام الجور والضلال، والخوف، من إظهارها
وانتساخها، وانضم إلى ذلك اجتماع ما وصل إليهم من كتب الأصول في الأصول
المشهورة في هذا الزمان، فالتبست الأحاديث المأخوذة من الأصول المعتمدة
بالمأخوذة من غير المعتمدة، واشتبهت المتكررة في الأصول بغير المتكررة،
وخفي عليهم - قدس الله أرواحهم - كثير من تلك الأمور
التي كانت سبب وثوق
القدماء بكثير من الأحاديث، ولم يمكنهم الجري على أثرهم في تمييز ما يعتمد
عليه عما لا يركن إليه، فاحتاجوا إلى قانون تتميز به الأحاديث المعتبرة عن غيرها،
والموثوق بها عما سواها، فقرروا لنا - شكر الله سعيهم - ذلك الاصطلاح الجديد،
وقربوا علينا البعيد، ووضعوا الأحاديث الواردة في كتبهم الاستدلالية، بما اقتضاه
ذلك الاصطلاح من الصحة والحسن والتوثيق) (1).
فلابد - والحال هذه - ومن باب الاحتياط للدين، ولصيانة السنة الشريفة أن
يدخلها ما ليس منها، من إعادة النظر في واقع المرويات.
وكان الميرزا الاسترآبادي ومن تابعه من الأخباريين لا يرون لهذا التطور في
واقع الامامية أي تأثير مهم يدعو إلى إعادة النظر.

(1) جامع المقال 36 - 37.
212

علينا من أجل أن نقف على جلية الأمر، وتلبية لمقتضيات البحث من
ناحية منهجية أن نذكر مواضع الاستشهاد من مقدمات كتبهم، ثم نحاول استنطاقها
لمعرفة مؤدياتها، أو ما يظهر منها على الأقل.
وهي:
1 - من خطبة الكافي:
(وقلت: إنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف، يجمع من جميع فنون
علم الدين، ما يكتفي به المتعلم، ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم
الدين، والعمل به، بالآثار الصحيحة عن الصادقين (ع).
هذا هو موضع الاستشهاد الذي استفيد منه تصريح الشيخ الكليني بأن ما
في كتابه (الكافي) هو من (الآثار الصحيحة عن الصادقين).
وناقش استاذنا السيد الخوئي - قدس سره - هذه الاستفادة بقوله:
(وأما ما ذكر من شهادة محمد بن يعقوب بصحة جميع روايات كتابه وأنها
من الآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام، فيرده:
أولا: إن السائل إنما سأل محمد بن يعقوب تأليف كتاب مشتمل على
الآثار الصحيحة عن الصادقين سلام الله عليهم، ولم يشترط عليه أن لا يذكر فيه
غير الرواية الصحيحة، أو ما صح عن غير الصادقين عليهم السلام، ومحمد بن
يعقوب قد أعطاه ما سأله، فكتب كتابا مشتملا على الآثار الصحيحة عن الصادقين
عليهم السلام في جميع فنون علم الدين، وإن اشتمل كتابه على غير الآثار
الصحيحة عنهم عليهم السلام، أو الصحيحة عن غيرهم أيضا استطرادا وتتميما
للفائدة، إذ لعل الناظر يستنبط صحة رواية لم تصح عند المؤلف، أو لم تثبت
صحتها.
ويشهد على ما ذكرناه: أن محمد بن يعقوب روى كثيرا في الكافي عن
غير المعصومين أيضا ولا بأس أن نذكر بعضها:
213

1 - ما رواه عن علي بن إبراهيم، عن بعض أصحابه، عن هشام بن
الحكم، قال: (الأشياء لا تدرك إلا بأمرين...) (1).
2 - ما رواه بسنده عن أبي أيوب النحوي قال: (بعث إلي أبو جعفر
المنصور في جوف الليل...) (2) ورواه أيضا عن علي بن إبراهيم عن أبيه، عن
النضر بن سويد (3).
3 - ما رواه بسنده عن أسيد بن صفوان صاحب رسول الله صلى الله عليه
وآله، قال: (لما كان اليوم الذي قبض فيه أمير المؤمنين عليه السلام ارتج الموضع
بالبكاء) (4).
4 - ما رواه بسنده عن إدريس بن عبد الله الأودي، قال: (لما قتل الحسين
عليه السلام، أراد القوم أن يوطئوه الخيل) (4).
5 - ما رواه بسنده عن الفضيل، قال: (صنايع المعروف وحسن البشر
يكسبان المحبة) (6).
6 - وما رواه بسنده عن ابن مسكان عن أبي حمزة، قال: (المؤمن خلط
عمله بالحلم...) (7).
7 - ما رواه بسنده عن اليمان بن عبيد الله، قال: (رأيت يحيى بن أم
الطويل وقف بالكناسة...) (8).

(1) الكافي: الجزء 1، الكتاب 3، باب ابطال الرؤية 9، الحديث 12.
(2) الكافي: الجزء 1، الكتاب 4، باب الإشارة والنص على أبي الحسن موسى عليه السلام، 70،
الحديث 13.
(3) الكافي: الجزء 1، الكتاب 4، باب الإشارة والنص على أبي الحسن موسى عليه السلام 70،
الحديث 14.
(4) الكافي: الجزء 1، الكتاب 4، باب مولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه 112، الحديث 4.
(5) الكافي: الجزء 1، الكتاب 2، باب مولد الحسين بن علي عليهما السلام 115، الحديث 8.
(6) الكافي: الجزء 2، الكتاب 1، باب حسن البشر 50، الحديث 5.
(7) الكافي: الجزء 2، الكتاب 1، باب الحلم 55، الحديث 2.
(8) الكافي: الجزء 2، الكتاب 1، باب مجالسة أهل المعاصي 163، الحديث 16.
214

8 - ما رواه بسنده عن إسحاق بن عمار، قال: (ليست التعزية إلا عند
القبر...) (1).
9 - ما رواه بسنده عن يونس، قال: (كل زنا سفاح، وليس كل سفاح
زنا...) وهو حديث طويل عقد محمد بن يعقوب له بابا مستقلا (2) وأيضا روى
بسنده عن يونس، قال: (العلة في وضع السهام على ستة لا أقل ولا أكثر) وأيضا
قال: (إنما جعلت المواريث من ستة أسهم...) (3) وقد جعل لهما أيضا محمد بن
يعقوب بابا مستقلا.
10 - ما رواه بسنده عن إبراهيم بن أبي البلاد، قال: (أخذني العباس بن
موسى...) (4).
11 - ما رواه عن كتاب أبي نعيم الطحان، رواه عن شريك، عن إسماعيل
بن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، عن زيد بن ثابت أنه قال: (من قضاء الجاهلية
أن يورث الرجال دون النساء) (5).
12 - ما رواه بسنده عن إسماعيل بن جعفر، قال: (اختصم رجلان إلى
داود عليه السلام في بقرة...) (6).
وثانيا: لو سلم أن محمد بن يعقوب شهد بصحة جميع روايات الكافي
فهذه الشهادة غير مسموعة، فإنه إن أراد بذلك أن روايات كتابه في نفسها واجدة
لشرائط الحجية - فهو مقطوع البطلان، لأن فيها مرسلات وفيها روايات في
إسنادها مجاهيل، ومن اشتهر بالوضع والكذب، كأبي البختري وأمثاله. وإن أراد

(1) الكافي: الجزء 3، الكتاب 3، باب التعزية وما يجب على صاحب المصيبة 70، الحديث 3.
(2) الكافي: الجزء 5، الكتاب 3، باب تفسير ما يحل من النكاح وما يحرم 191، الحديث 1.
(3) الكافي: الجزء 7، الكتاب 2، باب العلة في أن السهام لا تكون أكثر من ستة 11، الحديث 1،
2.
(4) الكافي: الجزء 6، الكتاب 6، باب الأشنان والسعد 134، الحديث 5.
(5) الكافي: الجزء 7، الكتاب 2، باب بيان الفرائض في الكتاب 2.
(6) الكافي: الجزء 7، الكتاب 6، باب النوادر 19، الحديث 21.
215

بذلك أن تلك الروايات وإن لم تكن في نفسها حجة، إلا أن دلت القرائن الخارجية
على صحتها ولزوم الاعتماد عليها، فهو أمر ممكن في نفسه، لكنه لا يسعنا
تصديقه، وترتيب آثار الصحة على تلك الروايات غير الواجدة لشرائط الحجية،
فإنها كثيرة جدا.
ومن البعيد جدا وجود امارة الصدق في جميع هذه الموارد، مضافا إلى أن
إخبار محمد بن يعقوب بصحة جميع ما في كتابه حينئذ لا يكون شهادة، وإنما
هو اجتهاد استنبطه مما اعتقد أنه قرينة على الصدق. ومن الممكن أن ما اعتقده
قرينة على الصدق لو كان وصل إلينا لم يحصل لنا ظن بالصدق أيضا، فضلا عن
اليقين.
وثالثا: إنه يوجد في الكافي روايات شاذة لو لم ندع القطع بعدم صدورها
من المعصوم عليه السلام فلا شك في الاطمئنان به. ومع ذلك كيف تصح دعوى
القطع بصحة جميع روايات الكافي، وأنها صدرت من المعصومين عليهم السلام.
ومما يؤكد ما ذكرناه من أن جميع روايات الكافي ليست بصحيحة: أن
الشيخ الصدوق - قدس سره - لم يكن يعتقد صحة جميع ما في الكافي وكذلك
شيخه محمد بن الحسن بن الوليد على ما تقدم من أن الصدوق يتبع شيخه في
التصحيح والتضعيف.
والمتحصل أنه لم تثبت صحة جميع روايات الكافي، بل لا شك في أن
بعضها ضعيفة، بل إن بعضها يطمأن بعدم صدورها من المعصوم عليه السلام. والله
أعلم ببواطن الأمور) (1).
على أننا لو واصلنا قراءة خطبة الكافي لرأينا فيها ما يدل على أن الشيخ
الكليني لم يعتقد بصحة جميع ما في كتابه، وإنما كان يرجو أن يكون الأمر كما
أراده السائل لتأليف الكتاب، وذلك بقوله: (وقد يسر الله - وله الحمد - تأليف ما
سألت، وأرجو أن يكون بحيث توخيت، فمهما كان فيه من تقصير، فلم تقصر نيتنا
في إهداء النصيحة إذ كانت واجبة لاخواننا وأهل ملتنا).

(1) معجم رجال الحديث 1 / 89 - 92.
216

ورجاؤه - هنا - ليس من باب التواضع، وإنما هو إيماء لواقع لم يخرج منه
بيقين قاطع، وإنما بذل كل ما في وسعه من الطاقة لتحقيق ما سأله السائل، فرجا
أن يكون قد وفق لذلك.
ولو كان جازما بأن قد حقق للسائل ما سأله، لصرح بذلك لأن الأمر هنا مما
تترتب عليه آثار شرعية، ولكنه - رضوان الله عليه - لظنه، - ولا أقل من احتماله -
بأن فيه ما لا يكون بمستوى المطلوب منه، كرواياته عن غير أهل البيت، والضعفاء
والمجاهيل والوضاعين، وهو يعرف ذلك عين المعرفة لأنه من علماء الرجال،
وممن ألف في الرجال، وبخاصة أن القرائن التي يمكن أن يكون قد اقترنت بشئ
منها، وساعدت على قبولها من قبل المتقدمين على زمانه، لم تكن قد بقيت إلى
زمانه.
يقول السيد الحسني: (إن قول الكليني: (وقد يسر لي الله تأليف ما سألت،
وأرجو أن يكون بحيث توخيت) ظاهر في أنه اعتمد على اجتهاداته ودراسته في
انتقاء الأحاديث التي دونها في الكافي) (1).
2 - من خطبة الفقيه:
(ولم أقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى
إيراد ما أفتي به، وأحكم بصحته، وأعتقد فيه أنه حجة بيني وبين ربي - تقدس
ذكره وتعالت قدرته - وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول
وإليها المرجع).
ونصه هذا واضح وصريح في أنه يعتقد بصحة ما في كتابه، ويراه حجة بينه
وبين الله تعالى.
وهو ظاهر في أنه اجتهاد منه، اعتمد فيه منهجه الخاص، الذي يحدده
استاذنا السيد الخوئي في اتباعه لشيخه محمد بن الحسن بن الوليد القمي في
التضعيف والتصحيح، وأنه لا ينظر هو إلى حال الراوي نفسه، وأنه ثقة أو غير ثقة،

(1) دراسات في الحديث والمحدثين ط 2 ص 138.
217

وذلك استنادا إلى قول الشيخ الصدوق نفسه في (الفقيه: باب صوم التطوع وثوابه)
ونصه: (وأما خبر صلاة يوم غدير خم والثواب المذكور فيه لمن صامه، فإن شيخنا
محمد بن الحسن كان لا يصححه ويقول: إنه من طريق محمد بن موسى
الهمذاني، وكان غير ثقة، وكل ما لم يصححه ذلك الشيخ - قدس الله روحه - ولم
يحكم بصحته من الأخبار فهو عندنا متروك، غير صحيح).
والاجتهاد غير الشهادة حيث تكون حجة على الغير، وهو لا يكون كذلك،
يقول استاذنا السيد الخوئي: (إن إخبار الشيخ الصدوق عن صحة رواية وحجيتها
إخبار عن رأيه ونظره، وهذا لا يكون حجة في حق غيره).
3 - من خطبة التهذيب:
(وأذكر مسألة، مسألة فاستدل عليها، إما من ظاهر القرآن، أو من صريحه، أو
فحواه، أو دليله، أو معناه، وإما من السنة المقطوع بها، من الأخبار المتواترة، أو
الأخبار التي تقترن إليها القرائن التي تدل على صحتها، وإما من إجماع المسلمين
إن كان فيها، أو إجماع الفرقة المحقة، ثم أذكر بعد ذلك ما ورد من أحاديث
أصحابنا المشهورة في ذلك، وأنظر فيما ورد بعد ذلك مما ينافيها ويضادها، وأبين
الوجه فيها، إما بتأويل أجمع بينها وبينها، أو أذكر وجه الفساد فيها، إما من ضعف
إسنادها، أو عمل العصابة بخلاف متضمنها، فإذا اتفق الخبران على وجه لا ترجيح
لأحدهما على الآخر بينت أن العمل يجب أن يكون بما يوافق دلالة الأصل، وترك
العمل بما يخالفه، وكذلك إن كان الحكم مما لا نص فيه على التعيين حملته
على ما يقتضيه الأصل، ومهما تمكنت من تأويل بعض الأحاديث من غير أن أطعن
في إسنادها فإني لا أتعداه، وأجتهد أن أروي في معنى ما أتأول الحديث عليه
حديثا آخر يتضمن ذلك المعنى، إما من صريحه، أو فحواه، حتى أكون عاملا على
الفتيا والتأويل بالأثر، وإن كان هذا مما لا يجب علينا لكنه مما يؤنس بالتمسك
بالأحاديث، وأجري على عادتي هذه إلى آخر الكتاب، وأوضح إيضاحا لا يلتبس
الوجه علي أحد ممن نظر فيه).
وهذا النص - على طوله - ليس فيه أي تصريح من مؤلفه بأن ما في كتابه
218

كله صحيح، بل الظاهر منه أن في كتابه ما ليس بصحيح، كما في عبارته (أو أكذر
وجه الفساد فيها إما من ضعف إسنادها أو عمل العصابة بخلاف متضمنها).
4 - من خطبة الاستبصار:
كتاب الاستبصار هو تجريد من كتاب التهذيب، أي مستخلص منه، كما
ذكر هذا المؤلف في مقدمته، بقوله: (وسألوني تجريد ذلك وصرف العناية إلى
جمعه وتلخيصه).
ومنهج المؤلف فيه منهجه في كتاب التهذيب، كما نص على هذا بقوله:
(وأجري في ذلك على عادتي في كتابي الكبير المذكور).
فكما لا يوجد في كتاب التهذيب ما يدل على اعتقاد المؤلف بصحة جميع
ما فيه من أحاديث، لا يوجد هذا في كتاب الاستبصار أيضا.
والنتيجة: هي أن ما في الكتب الأربعة لا يختلف عما في غيرها من كتب
الحديث من لزوم إخضاعه لقواعد تقييم الراوي والرواية.
219

كيفية تحمل الحديث وطرق نقله
- التحمل والأداء.
- النقل.
- أهلية التحمل.
- طرق نقل الحديث.
221

التحميل والأداء:
تردد أمامنا ونحن نقرأ موضوع (أهلية الراوي للرواية) لفظا (التحمل)
و (الأداء) كلفظين من ألفاظ لغة علم الحديث، وعرفنا هناك:
1 - أن التحمل يعني تلقي الراوي للحديث من الراوي الآخر الذي ألقاه
إليه، ثم الحفظ له من قبل الراوي المتلقي، سواء كان ذلك الحفظ استظهارا وعن
ظهر قلب، أو كتابة وتدوينا.
فالتحمل - إذن - يعني الحمل، ولكن علماء الحديث اختاروا لفظ التحمل
مصطلحا، ولم يختاروا لفظ الحمل، لأن التحمل - لغة - حمل في مشقة، ومن
غير شك أن حمل الحديث فيه شئ من المشقة لما فيه من وجوب الاحتياط له
من أن يدخله أو يشوبه شئ ليس منه.
2 - وأن الأداء يعني إلقاء الراوي للحديث لراو آخر يتلقاه منه.
النقل:
من المعلوم بداهة أن الحديث يمثل السنة الشريفة التي هي ثاني مصدر من
مصادر التشريع الاسلامي.
والتشريع الاسلامي هو لجميع المسلمين الحاضر منهم والآتي مستقبلا
حتى نهاية هذه الحياة.
223

ولأجله لابد من نقل الحديث من جيل لآخر.
ولكي يأتي النقل سليما وضع العلماء ضوابط لهذا تتمثل في أمور، هي:
- أهلية التحمل.
- أهلية الأداء.
- طرق النقل.
ولأنا أوضحنا أهلية الأداء في (أهلية الراوي للرواية) نقتصر - هنا - على بينان
الأمرين الآخرين.
وفي ضوء ما تقدم، نستطيع أن نعرف نقل الحديث بإيصال الحديث من
راو إلى آخر، بغية استمراره باسناده مع أجيال المسلمين.
أهلية التحمل:
ويراد بها الصفات أو الشروط التي يلزم توافرها في من يريد تحمل
الحديث، وهي:
1 - العقل:
كما تقدم في شروط الراوي، أن اشتراط العقل في الراوي من الأمور
البديهية، وذلك لأن تحمل الحديث مسؤولية، والمسؤولية لا تناط شرعا وقانونا إلا
بعاقل لإدراكه لذلك.
2 - التمييز:
ويراد به - كما يعرفه الشهيد الثاني - (أن يفرق (من يريد الرواية) بين
الحديث الذي هو بصدد روايته، وغيره، إن سمعه من أصل مصحح) (1).
واعتبر هذا الشرط في التحمل بالسماع، وما يماثله من طرق نقل الحديث.
3 - الضبط:
تقدم تعريفه في شروط الراوي.

(1) الدراية 82.
224

واعتبر شرطا - هنا أيضا - في المميز إذا لم يسمع الحديث من أصل
مصحح.
طرق نقل الحديث:
التزم العلماء بهذه الطرق وألزموا بها بين الراوي، لا بين الراوي
الأول والمعصوم، لأن الطريق الذي كان بينهما السماع.
وعدها بعضهم سبعة طرق، وآخر ثمانية طرق بإضافة الوصية، التي أدخلها
الأول ضمن الاعلام، وهي:
1 - السماع:
يقال: سمع له، وإليه، وسمع لحديثه، وإلى حديثه، سمعا وسماعا، بمعنى:
أصغى وأنصت.
فالسماع: هو الاصغاء لحديث المتحدث.
وبالمعنى نفسه استعمل مصطلحا - هنا - مع إضافة: حفظ الحديث،
استظهارا أو كتابة.
ويريدون به سماع التلميذ من الشيخ.
ويكون هذا على طريقتين، هما: الاملاء والتحديث.
أ - الاملاء:
وهو أن يملي الشيخ الحديث على التلميذ سواء أكان إملاؤه من حفظه أم
من كتابه، والتلميذ يكتب عنه.
يقال: أملى الشيخ على التلميذ حديثه، بمعنى: قاله، له، فكتبه عنه.
ويقال: استملى التلميذ الحديث من شيخه، أي: سأله أن يمليه عليه.
ب - التحديث:
وهو أن يحدث الشيخ بالحديث، سواء أكان ذلك من حفظه أم من كتابه،
والتلميذ يسمع منه.
225

2 - القراءة:
وهي أن يقرأ التلميذ الحديث الذي يرويه الشيخ على الشيخ نفسه، أو أن
يقرأه شخص آخر، والتلميذ يسمع.
ولا يفرق بين أن تكون القراءة عن حفظ واستظهار التلميذ أو القارئ أو
تكون من كتاب.
ويشترط فيها إقرار وإمضاء الشيخ بصحة ما قرئ عليه.
وتسمى هذه الطريقة ب‍ (العرض) أيضا، لأن التلميذ يعرض الحديث على
شيخه ليعرف منه مدى سلامة ضبطه له في السند والمتن.
3 - المناولة:
وهي أن يناول (يعطي) الشيخ تلميذه أو الشخص الذي يريد أن يروي عنه،
يناوله كتابه في الحديث.
وتنقسم إلى قسمين:
أ - المناولة المقرونة بالإجازة:
وهي أن الشيخ عندما يناول كتابه إلى تلميذه أو لمن يريد أن يرويه عنه،
يصرح له ويشافهه بإجازته، وإذنه له بروايته، كأن يقول: (هذا سماعي أو روايتي
فاروه عني) أو يقول: (أجزت لك روايته عني) وأمثالهما.
ب - المناولة المجردة عن الإجازة:
وهي أن الشيخ عندما يناول كتابه إلى التلميذ أو الراوي لا يشافهه بالإجازة،
وإنما يقول له: (هذا سماعي) أو (هذه روايتي)، ويقتصر على هذا، ويكتفي به.
4 - الكتابة:
وهي أن يكتب الشيخ حديثه بخطه، أو بخط آخر، مع وجود إمارة تدل على
أمر الشيخ له بالكتابة.
ثم يرسل المكتوب إلى من يريد أن يرويه عنه.
وهي على قسمين أيضا:
226

أ - الكتابة المقرونة بالإجازة:
وهي أن يكتب الشيخ إلى من يريد رواية الحديث المكتوب عنه ما يدل
على إجازته له بروايته.
ب - الكتابة المجردة من الإجازة:
وهي التي لم تقترن كتابة، بما يفيد الإجازة بالرواية.
5 - الإعلام:
(وهو أن يعلم الشيخ الطالب أن هذا الكتاب أو الحديث روايته أو سماعه
من فلان، مقتصرا عليه، من غير أن يقول: (اروه عني) أو (أذنت لك في روايته)،
ونحوه) (1).
6 - الوصية:
وهي أن يوصي الراوي عند سفره أو موته لشخص بأن يروي عنه كتابه في
الحديث، أو كتابا آخر من مروياته.
7 - الوجادة:
جاء في (المعجم الوسيط: مادة وجد): (الوجادة (في اصطلاح المحدثين):
اسم لما أخذ من العلم من صحيفة، من غير سماع ولا إجازة ولا مناولة).
ثم عقب برمز (مو) الذي يشار به إلى أن الكلمة من المولد اللغوي.
ويقول الشهيد الثاني: (ولده العلماء بلفظ الوجادة لما أخد من العلم من
صحيفة، من غير سماع ولا إجازة ولا مناولة، حيث وجدوا العرب قد فرقوا بين
مصادر (وجد) للتمييز بين المعاني المختلفة) (2).
وعدد (المعجم الوسيط) تلك المعاني بالتالي:
- وجد فلان يجد وجدا: حزن.

(1) الدراية 106.
(2) الدراية 107.
227

- وجد عليه موجدة: غضب.
- وجد به وجدا: أحبه.
- وجد فلان وجدا وجدة: صار ذا مال.
- وجد مطلوبه وجدا ووجدا وجدة ووجودا ووجدانا: أدركه، يقال: وجد
الضالة.
- وجد الشئ كذا: علمه إياه، يقال: وجدت الحلم نافعا.
والوجادة: أن يجد الراوي كتابا أو حديثا مكتوبا لراو لم يسمعه منه، وليس
لديه إجازة لروايته عنه، ولم يناوله راويه إياه (فيقول: (وجدت أو قرأت بخط فلان،
أو في كتاب فلان بخطه: حدثنا فلان..) ويسوق باقي الاسناد والمتن، أو يقول:
(وجدت بخط فلان عن فلان.. الخ)..) (1).
8 - الإجازة:
يقال: أجاز الشيخ تلميذه، وأجاز له، بمعنى: أذن له في الرواية عنه.
ويقال: استجاز التلميذ شيخه، أي: طلب منه الإجازة.
فالإجازة: تجويز وإذن بالرواية.
وعرفها شيخنا الطهراني في (الذريعة 1 / 131) ب‍ (الكلام الصادر عن المجيز
المشتمل على إنشائه الاذن في رواية الحديث عنه بعد اختباره إجمالا بمروياته).
وتنقسم الإجازة إلى قسمين:
أ - شفهية:
وهي أن يقول الشيخ المجيز لطالب الإجازة منه: (أجزت " رواية مسموعاتي
ومروياتي) أو (أجزت لك أن تروي عني مسموعاتي ومروياتي).
ب - تحريرية:
وهي أن يكتب الشيخ المجيز لطالب الإجازة منه كتابا بذلك.

(1) م. س 108.
228

والاجازات التحريرية منها:
1 - الإجازة المختصرة:
وهي التي تقتصر على ما يفيد الاذن بالرواية فقط، كأن يكتب المجيز
(أجزت فلانا أو لفلان أن يروي عني ما صحت لي روايته) وأمثال هذه.
2 - الإجازة المتوسطة:
وهي التي يذكر فيها المجيز اسنادا كاملا عن أسانيده، تبركا وتيمنا بإيصال السلسلة بعرى أهل البيت (ع).
3 - الإجازة الكبيرة:
وهي التي يذكر فيها المجيز جميع مشايخه في الإجازة وأسانيدهم إلى
المعصومين، مع الترجمة لكل واحد من الشيوخ، وفوائد أخرى اقتضاها المقام.
ومن الإجازات الكبيرة:
1 - إجازة العلامة الحلي لأبناء زهرة الحلبيين، ذكرها الشيخ المجلسي
في (بحار الأنوار 107 / 6).
2 - إجازة الشيخ العاملي صاحب المعالم للسيد نجم الدين الحسيني
وولديه، ذكرت أيضا في (بحار الأنوار 109 / 3).
3 - إجازة المحدث البحراني صاحب الحدائق المعنونة ب‍ (لؤلؤة البحرين
في الإجازة لقرتي العين) طبعت في الهند، وفي النجف بتحقيق السيد محمد
صادق بحر العلوم.
4 - إجازة السيد عبد الله الجزائري المعنونة ب‍ (الإجازة الكبرة)، نشرت
في قم بتحقيق محمد السماحي الحائري وإشراف الدكتور السيد محمود
المرعشي وتقديم السيد المرعشي النجفي - قدس سره -.
5 - إجازة السيد حسن الصدر الكاظمي الموسومة ب‍ (بغية الوعاة في
طبقات مشايخ الإجازات).
- وغيرها.
229

وفائدة الإجازة كما يلخصها شيخنا الطهراني هي:
1 - اتصال أسانيد الكتب والروايات، وصيانتها عن القطع والارسال.
2 - التيمن بالدخول في سلسلة حملة أحاديث آل الرسول (ص)، والتبرك
بالانخراط في سل " العلماء الأعلام ورثة الأنبياء والخلفاء عنهم (ع).
وكذلك يستفاد من مراجعة الإجازات المدونة، وبخاصة الكبيرة منها، في
معرفة سير وتراجم الرواة والعلماء وأسماء الكتب والمكتبات ودور العلم، والمراكز
العلمية، وبيئاتها، وعصورها.. وإلى كثير من أمثال هذه.
والحمد لله رب العالمين
230