الكتاب: بداية الوصول في شرح كفاية الأصول
المؤلف: الشيخ محمد طاهر آل الشيخ راضي
الجزء: ٥
الوفاة: ١٤٠٠
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق: أشرف على طبعه وتصحيحه : محمد عبد الحكيم الموسوي البكاء
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٥ - ٢٠٠٤م
المطبعة: ستاره
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
ردمك:
ملاحظات:

بداية الوصول
في شرح كفاية الأصول
تأليف
آية الله العظمى
الشيخ محمد طاهر آل الشيخ راضي
(قدس سره)
أشرف على طبعة وتصحيحه
محمد عبد الحكيم الموسوي البكاء
الجزء الخامس
مقدمة 1

الكتاب: بداية الوصول / الجزء الخامس
مؤلف: الشيخ محمد طاهر آل الشيخ راضي (قدس سره)
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
الطبعة: الأولى 1425 ه‍. ق / 2004 م
المطبعة: مطبعة ستاره
عدد النسخ: (1000) نسخه
جميع حقوق الطبع محفوظة ومسجلة للناشر
مقدمة 2

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة 3

المقصد السادس
في الامارات المعتبرة
شرعا أو عقلا
مقدمة 5

المقصد السادس
في بيان الامارات المعتبرة شرعا أو عقلا
وقبل الخوض في ذلك، لا بأس بصرف الكلام إلى بيان بعض ما للقطع من الاحكام (1)، وإن كان خارجا من مسائل الفن (2)، وكان أشبه
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، وصلى الله على محمد وأهل بيته أجمعين
1

بمسائل الكلام، لشدة مناسبته مع المقام (1).
2

فاعلم: أن البالغ الذي وضع عليه القلم (1)، إذا التفت إلى حكم فعلي واقعي أو ظاهري، متعلق به أو بمقلديه، فإما أن يحصل له القطع
4

به، أولا، وعلى الثاني، لابد من انتهائه إلى ما استقل به العقل، من اتباع الظن لو حصل له، وقد تمت مقدمات الانسداد - على تقدير الحكومة - وإلا فالرجوع إلى الأصول العقلية: من البراءة والاشتغال والتخيير، على تفصيل يأتي في محله إن شاء الله تعالى (1).
5

وإنما عممنا متعلق القطع، لعدم اختصاص أحكامه بما إذا كان متعلقا بالاحكام الواقعية، وخصصنا بالفعلي، لاختصاصها بما إذا كان متعلقا به - على ما ستطلع عليه (1) - ولذلك عدلنا عما في رسالة شيخنا العلامة - أعلى الله مقامه - من
9

تثليث الاقسام (1).
وإن أبيت إلا عن ذلك، فالأولى أن يقال: إن المكلف إما أن يحصل له القطع أو لا، وعلى الثاني إما أن يقوم عنده طريق معتبر أو لا، لئلا تتداخل الاقسام فيما يذكر لها من الاحكام، ومرجعه على الأخير إلى القواعد المقررة عقلا أو نقلا لغير القاطع، ومن يقوم عنده الطريق، على تفصيل يأتي في محله - إن شاء الله تعالى - حسبما يقتضي دليلها.
وكيف كان فبيان أحكام القطع وأقسامه، يستدعي رسم أمور (2):
11

الأمر الأول: لا شبهة في وجوب العمل على وفق القطع عقلا، ولزوم الحركة على طبقه جزما، وكونه موجبا لتنجز التكليف الفعلي فيما أصاب باستحقاق الذم والعقاب على مخالفته، وعذرا فيما أخطأ قصورا، وتأثيره في ذلك لازم، وصريح الوجدان به شاهد وحاكم، فلا حاجة إلى مزيد بيان وإقامة برهان.
ولا يخفى أن ذلك لا يكون بجعل جاعل، لعدم جعل تأليفي حقيقة بين الشيء ولوازمه، بل عرضا يتبع جعله بسيطا.
ولذلك انقدح امتناع المنع عن تأثيره أيضا، مع أنه يلزم منه اجتماع الضدين اعتقادا مطلقا، وحقيقة في صورة الإصابة، كما لا يخفى (1).
14

ثم لا يذهب عليك أن التكليف ما لم يبلغ مرتبة البعث والزجر لم يصر فعليا، وما لم يصر فعليا لم يكد يبلغ مرتبة التنجز، واستحقاق العقوبة على المخالفة (1)، وإن كان ربما يوجب موافقته استحقاق
20

المثوبة (1)، وذلك لان الحكم ما لم يبلغ تلك المرتبة لم يكن حقيقة بأمر ولا نهي، ولا مخالفته عن عمد بعصيان، بل كان مما سكت الله عنه (2)،
22

كما في الخبر (1)، فلاحظ وتدبر.
نعم، في كونه بهذه المرتبة موردا للوظائف المقررة شرعا للجاهل إشكال لزوم اجتماع الضدين أو المثلين، على ما يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى، مع ما هو التحقيق في دفعه، في التوفيق بين الحكم الواقعي والظاهري، فانتظر (2).

(1) نهج البلاغة، الحكم 102.
23

الأمر الثاني: قد عرفت أنه لا شبهة في أن القطع يوجب استحقاق العقوبة على المخالفة، والمثوبة على الموافقة في صورة الإصابة (1)، فهل يوجب استحقاقها في صورة عدم الإصابة على التجري بمخالفته، واستحقاق المثوبة على الانقياد بموافقته، أو لا يوجب شيئا (2)؟
24

الحق أنه يوجبه، لشهادة الوجدان بصحة مؤاخذته، وذمه على تجريه، وهتك حرمته لمولاه وخروجه عن رسوم عبوديته (1)، وكونه
25

بصدد الطغيان، وعزمه على العصيان، وصحة مثوبته، ومدحه على إقامته بما هو قضية عبوديته، من العزم على موافقته والبناء على إطاعته (1)، وإن قلنا بأنه لا يستحق مؤاخذة أو مثوبة، ما لم يعزم على المخالفة أو الموافقة، بمجرد سوء سريرته أو حسنها، وإن كان مستحقا للوم أو المدح بما يستتبعانه، كسائر الصفات والاخلاق الذميمة أو الحسنة.
27

وبالجملة: ما دامت فيه صفة كامنة لا يستحق بها إلا مدحا أو لوما، وإنما يستحق الجزاء بالمثوبة أو العقوبة مضافا إلى أحدهما، إذا صار بصدد الجري على طبقها والعمل على وفقها وجزم وعزم، وذلك لعدم صحة مؤاخذته بمجرد سوء سريرته من دون ذلك، وحسنها معه، كما يشهد به مراجعة الوجدان الحاكم بالاستقلال في مثل باب الإطاعة والعصيان، وما يستتبعان من استحقاق النيران أو الجنان (1).
28

ولكن ذلك مع بقاء الفعل المتجرى به أو المنقاد به على ما هو عليه من الحسن أو القبح، والوجوب أو الحرمة واقعا، بلا حدوث تفاوت فيه بسبب تعلق القطع بغير ما هو عليه من الحكم والصفة، ولا يغير جهة حسنه أو قبحه بجهة أصلا (1)، ضرورة أن القطع بالحسن أو القبح لا يكون
31

من الوجوه والاعتبارات التي بها يكون الحسن والقبح عقلا ولا ملاكا للمحبوبية والمبغوضية شرعا، ضرورة عدم تغير الفعل عما هو عليه من المبغوضية والمحبوبية للمولى، بسبب قطع العبد بكونه محبوبا أو مبغوضا له.
فقتل ابن المولى لا يكاد يخرج عن كونه مبغوضا له، ولو اعتقد العبد بأنه عدوه، وكذا قتل عدوه، مع القطع بأنه ابنه، لا يخرج عن كونه محبوبا أبدا (1).
32

هذا مع أن الفعل المتجرئ به أو المنقاد به، بما هو مقطوع الحرمة أو الوجوب لا يكون اختياريا، فإن القاطع لا يقصده إلا بما قطع أنه عليه من عنوانه الواقعي الاستقلالي لا بعنوانه الطارئ الآلي، بل لا يكون غالبا بهذا العنوان مما يلتفت إليه، فكيف يكون من جهات الحسن أو القبح عقلا؟ ومن مناطات الوجوب أو الحرمة شرعا؟ ولا يكاد يكون صفة موجبة لذلك إلا إذا كانت اختيارية (1).
34

إن قلت: إذا لم يكن الفعل كذلك، فلا وجه لاستحقاق العقوبة على مخالفة القطع، وهل كان العقاب عليها إلا عقابا على ما ليس بالاختيار (1)؟
قلت: العقاب إنما يكون على قصد العصيان والعزم على الطغيان، لا على الفعل الصادر بهذا العنوان بلا اختيار (2).
37

إن قلت: إن القصد والعزم إنما يكون من مبادئ الاختيار، وهي ليست باختيارية، وإلا لتسلسل (1).
قلت: مضافا إلى أن الاختيار وإن لم يكن بالاختيار، إلا أن بعض مبادئه غالبا يكون وجوده بالاختيار، للتمكن من عدمه بالتأمل فيما يترتب على ما عزم عليه من تبعة العقوبة واللوم والمذمة (2).
39

يمكن أن يقال: إن حسن المؤاخذة والعقوبة إنما يكون من تبعة بعده عن سيده بتجريه عليه (1)، كما كان من تبعته بالعصيان في صورة المصادفة، فكما أنه يوجب البعد عنه، كذلك لا غرو في أن يوجب حسن العقوبة، فإنه وإن لم يكن باختياره (2) إلا أنه بسوء سريرته وخبث باطنه،
41

بحسب نقصانه واقتضاء استعداده ذاتا وإمكانا، وإذا انتهى الامر إليه يرتفع الاشكال وينقطع السؤال بلم فإن الذاتيات ضروري الثبوت للذات.
وبذلك أيضا ينقطع السؤال عن أنه لم اختار الكافر والعاصي الكفر والعصيان؟ والمطيع والمؤمن الإطاعة والايمان؟ فإنه يساوق السؤال عن أن الحمار لم يكون ناهقا؟ والانسان لم يكون ناطقا؟
وبالجملة: تفاوت أفراد الانسان في القرب منه - جل شأنه وعظمت كبرياؤه - والبعد عنه، سبب لاختلافها في استحقاق الجنة ودرجاتها، والنار ودركاتها، وموجب لتفاوتها في نيل الشفاعة وعدم نيلها، وتفاوتها في ذلك بالآخرة يكون ذاتيا، والذاتي لا يعلل (1).
42

ان قلت: على هذا فلا فائدة في بعث الرسل وانزال الكتب والوعظ والانذار.
قلت: ذلك لينتفع به من حسنت سريرته وطابت طينته لتكمل به نفسه ويخلص مع ربه انسه ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، قال الله تبارك وتعالى: فذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين، وليكون حجة على من
44

ساءت سريرته وخبثت طينته ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة كيلا يكون للناس على الله حجة بل كان له حجة بالغة.
ولا يخفى أن في الآيات والروايات، شهادة على صحة ما حكم به الوجدان الحاكم على الاطلاق في باب الاستحقاق للعقوبة والمثوبة (1)،

(1) البقرة: 284. (2) الاسراء: 36. (3) البقرة: 225. (4) الفجر: 22. (5) المائدة: 64.
45

ومعه لا حاجة إلى ما استدل على استحقاق المتجري للعقاب بما حاصله: إنه لولاه مع استحقاق العاصي له يلزم إناطة استحقاق العقوبة بما هو خارج عن الاختيار، من مصادفة قطعه الخارجة عن تحت قدرته واختياره، مع بطلانه وفساده (1)، إذ للخصم أن يقول بأن استحقاق
48

العاصي دونه، إنما هو لتحقق سبب الاستحقاق فيه، وهو مخالفته عن عمد واختيار، وعدم تحققه فيه لعدم مخالفته أصلا، ولو بلا اختيار (1)،
52

بل عدم صدور فعل منه في بعض افراده بالاختيار، كما في التجري بارتكاب ما قطع أنه من مصاديق الحرام، كما إذا قطع مثلا بأن مائعا خمر، مع أنه لم يكن بالخمر (1)، فيحتاج إلى إثبات أن
53

المخالفة الاعتقادية سبب كالواقعية الاختيارية، كما عرفت بما لا مزيد عليه (1).
54

ثم لا يذهب عليك: إنه ليس في المعصية الحقيقية إلا منشأ واحد لاستحقاق العقوبة، وهو هتك واحد، فلا وجه لاستحقاق عقابين متداخلين كما توهم، مع ضرورة أن المعصية الواحدة لا توجب إلا عقوبة واحدة، كما لا وجه لتداخلهما على تقدير استحقاقهما، كما لا يخفى (1).
55

ولا منشأ لتوهمه، إلا بداهة أنه ليس في معصية واحدة إلا عقوبة واحدة، مع الغفلة عن أن وحدة المسبب تكشف بنحو الإن عن وحدة السبب (1).
57

الأمر الثالث: إنه قد عرفت أن القطع بالتكليف أخطأ أو أصاب، يوجب عقلا استحقاق المدح والثواب، أو الذم والعقاب، من دون أن يؤخذ شرعا في خطاب (1)، وقد يؤخذ في موضوع حكم آخر يخالف
58

متعلقه، لا يماثله ولا يضاده، كما إذا ورد مثلا في الخطاب أنه إذا قطعت بوجوب شيء يجب عليك التصدق بكذا (1) تارة بنحو يكون تمام
59

الموضوع، بأن يكون القطع بالوجوب مطلقا ولو أخطأ موجبا لذلك، وأخرى بنحو يكون جزؤه وقيده، بأن يكون القطع به في خصوص ما أصاب موجبا له، وفي كل منهما يؤخذ طورا بما هو كاشف وحاك عن متعلقه، وآخر بما هو صفة خاصة للقاطع أو المقطوع به (1)، وذلك لان
60

القطع لما كان من الصفات الحقيقية ذات الإضافة - ولذا كان العلم نورا
61

لنفسه ونورا لغيره - صح أن يؤخذ فيه بما هو صفة خاصة وحالة مخصوصة، بإلغاء جهة كشفه، أو اعتبار خصوصية أخرى فيه معها، كما صح أن يؤخذ بما هو كاشف عن متعلقه وحاك عنه، فتكون أقسامه أربعة، مضافا إلى ما هو طريق محض عقلا غير مأخوذ في الموضوع شرعا (1).
62

ثم لا ريب في قيام الطرق والامارات المعتبرة - بدليل حجيتها واعتبارها - مقام هذا القسم (1)، كما لا ريب في عدم قيامها بمجرد ذلك الدليل مقام

(1) الكافي ج 1، ص 330.
64

ما أخذ في الموضوع على نحو الصفتية من تلك الاقسام، بل لابد من دليل آخر على التنزيل، فإن قضية الحجية والاعتبار ترتيب ما للقطع بما هو حجة من الآثار، لا له بما هو صفة وموضوع، ضرورة أنه كذلك يكون كسائر الموضوعات والصفات (1).
65

ومنه قد انقدح عدم قيامها بذاك الدليل مقام ما أخذ في الموضوع على نحو نحو الكشف، فإن القطع المأخوذ بهذا النحو في الموضوع شرعا، كسائر ما لها دخل في الموضوعات أيضا، فلا يقوم مقامه شيء بمجرد حجيته، أو قيام دليل على اعتباره، ما لم يقم دليل على تنزيله، ودخله في الموضوع كدخله (1)، وتوهم كفاية دليل الاعتبار الدال على
67

الغاء احتمال خلافه وجعله بمنزلة القطع، من جهة كونه موضوعا ومن جهة كونه طريقا فيقوم مقامه طريقا كان أو موضوعا (1)، فاسد جدا فإن
69

اللحاظ الآخر الاستقلالي، فيكون مثله في دخله في الموضوع، وترتيب ما له عليه من الحكم الشرعي (1).
71

لا يقال: على هذا لا يكون دليلا على أحد التنزيلين، ما لم يكن هناك قرينة في البين (1).
فإنه يقال: لا إشكال في كونه دليلا على حجيته، فإن ظهوره في أنه بحسب اللحاظ الآلي مما لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه (2)، وإنما يحتاج تنزيله بحسب اللحاظ الآخر الاستقلالي من نصب دلالة عليه (3)، فتأمل في
73

المقام فإنه دقيق ومزال الاقدام للأعلام (1).
74

ولا يخفى أنه لولا ذلك، لأمكن أن يقوم الطريق بدليل واحد - دال على إلغاء احتمال خلافه - مقام القطع بتمام أقسامه، ولو فيما أخذ في الموضوع على نحو الصفتية، كان تمامه أو قيده وبه قوامه.
فتلخص مما ذكرنا: إن الامارة لا تقوم بدليل اعتبارها إلا مقام ما ليس مأخوذا في الموضوع أصلا (1).
75

وأما الأصول فلا معنى لقيامها مقامه بأدلتها - أيضا - غير الاستصحاب، لوضوح أن المراد من قيام المقام ترتيب ما له من الآثار والاحكام، من تنجز التكليف وغيره - كما مرت إليه الإشارة - وهي ليست إلا وظائف مقررة للجاهل في مقام العمل شرعا أو عقلا (1).
76

لا يقال: إن الاحتياط لا بأس بالقول بقيامه مقامه في تنجز التكليف لو كان (1).
78

فإنه يقال: أما الاحتياط العقلي، فليس إلا نفس حكم العقل بتنجز التكليف، وصحة العقوبة على مخالفته، لا شيء يقوم مقامه في هذا الحكم.
وأما النقلي، فإلزام الشارع به، وإن كان مما يوجب التنجز وصحة العقوبة على المخالفة كالقطع، إلا أنه لا نقول به في الشبهة البدوية، ولا يكون بنقلي في المقرونة بالعلم الاجمالي (1)، فافهم (2).
79

ثم لا يخفى إن دليل الاستصحاب أيضا لا يفي بقيامه مقام القطع المأخوذ في الموضوع مطلقا، وإن مثل (لا تنقض اليقين) لابد من أن يكون مسوقا إما بلحاظ المتيقن، أو بلحاظ نفس اليقين (1).
81

وما ذكرنا في الحاشية في وجه تصحيح لحاظ واحد في التنزيل منزلة الواقع والقطع، وأن دليل الاعتبار إنما يوجب تنزيل المستصحب والمؤدى منزلة الواقع، وإنما كان تنزيل القطع فيما له دخل في الموضوع بالملازمة بين تنزيلهما، وتنزيل القطع بالواقع تنزيلا وتعبدا منزلة القطع بالواقع حقيقة (1) - لا يخلو من تكلف بل تعسف. فإنه لا يكاد يصح تنزيل
83

جزء الموضوع أو قيده، بما هو كذلك بلحاظ أثره، إلا فيما كان جزؤه الآخر أو ذاته محرزا بالوجدان، أو تنزيله في عرضه، فلا يكاد يكون دليل الامارة أو الاستصحاب دليلا على تنزيل جزء الموضوع، ما لم يكن هناك دليل على تنزيل جزئه الآخر، فيما لم يكن محرزا حقيقة، وفيما لم يكن دليل على تنزيلهما بالمطابقة،
كما في ما نحن فيه - على ما عرفت - لم يكن دليل الامارة دليلا عليه أصلا، فإن دلالته على تنزيل المؤدى تتوقف على دلالته على تنزيل القطع بالملازمة، ولا دلالة له كذلك إلا بعد دلالته على تنزيل المؤدى، فإن الملازمة إنما تدعى بين القطع بالموضوع التنزيلي والقطع بالموضوع الحقيقي، وبدون تحقق الموضوع التنزيلي التعبدي أولا بدليل الامارة لا قطع بالموضوع التنزيلي كي يدعى الملازمة بين تنزيل القطع به منزلة القطع بالموضوع الحقيقي، وتنزيل المؤدى منزلة الواقع كما لا يخفى، فتأمل جيدا (1)، فإنه لا يخلو عن دقة.
87

ثم لا يذهب عليك أن هذا لو تم لعم، ولا اختصاص له بما إذا كان القطع مأخوذا على نحو الكشف (1).
الأمر الرابع: لا يكاد يمكن أن يؤخذ القطع بحكم في موضوع نفس هذا الحكم للزوم الدور (2)، ولا مثله
91

للزوم اجتماع المثلين (1)، ولا ضده للزوم اجتماع
92

الضدين (1)، نعم يصح أخذ القطع بمرتبة من الحكم في مرتبة أخرى منه أو مثله أو ضده (2).
93

وأما الظن بالحكم، فهو وإن كان كالقطع في عدم جواز أخذه في موضوع نفس ذاك الحكم المظنون، إلا أنه لما كان معه مرتبة الحكم الظاهري محفوظة، كان جعل حكم آخر في مورده - مثل الحكم المظنون أو ضده - بمكان من الامكان (1).
94

إن قلت: إن كان الحكم المتعلق به الظن فعليا أيضا، بأن يكون الظن متعلقا بالحكم الفعلي، لا يمكن أخذه في موضوع حكم فعلي آخر مثله أو ضده، لاستلزامه الظن باجتماع الضدين أو المثلين، وإنما يصح أخذه في موضوع حكم آخر، كما في القطع، طابق النعل بالنعل (1).
96

قلت: يمكن أن يكون الحكم فعليا، بمعنى أنه لو تعلق به القطع - على ما هو عليه من الحال - لتنجز واستحق على مخالفته العقوبة، ومع ذلك لا يجب على الحاكم دفع عذر المكلف، برفع جهله لو أمكن، أو بجعل لزوم الاحتياط عليه فيما أمكن، بل يجوز جعل أصل أو أمارة مؤدية إليه تارة، وإلى ضده أخرى، ولا يكاد يمكن مع القطع به جعل حكم آخر مثله أو ضده، كما لا يخفى (1)،
97

فافهم (1).
إن قلت: كيف يمكن ذلك؟ وهل هو إلا أنه يكون مستلزما لاجتماع المثلين أو الضدين؟
99

قلت: لا بأس باجتماع الحكم الواقعي الفعلي بذاك المعنى - أي لو قطع به من باب الاتفاق لتنجز - مع حكم آخر فعلي في مورده بمقتضى الأصل أو الامارة، أو دليل أخذ في موضوعه الظن بالحكم بالخصوص، على ما سيأتي من التحقيق في التوفيق بين الحكم الظاهري والواقعي (1).
الأمر الخامس: هل تنجز التكليف بالقطع - كما يقتضي موافقته عملا - يقتضي موافقته التزاما، والتسليم له اعتقادا وانقيادا؟ كما هو اللازم في الأصول الدينية والأمور الاعتقادية، بحيث كان له امتثالان وطاعتان، إحداهما بحسب القلب والجنان، والأخرى بحسب العمل بالأركان،
100

فيستحق العقوبة على عدم الموافقة التزاما ولو مع الموافقة عملا، أو لا يقتضي؟ فلا يستحق العقوبة عليه، بل إنما يستحقها على المخالفة العملية. الحق هو الثاني، لشهادة الوجدان الحاكم في باب الإطاعة والعصيان بذلك، واستقلال العقل بعدم استحقاق العبد الممتثل لامر سيده إلا المثوبة دون العقوبة، ولو لم يكن متسلما وملتزما به ومعتقدا ومنقادا له (1)، وإن كان
101



(1) النمل: الآية: 14.
102

ذلك يوجب تنقيصه وانحطاط درجته لدى سيده، لعدم اتصافه بما يليق أن يتصف العبد به من الاعتقاد بأحكام مولاه والانقياد لها، وهذا غير استحقاق العقوبة على مخالفته لامره أو نهيه التزاما مع موافقته عملا، كما لا يخفى (1).
104

ثم لا يذهب عليك، إنه على تقدير لزوم الموافقة الالتزامية، لو كان المكلف متمكنا منها تجب، ولو فيما لا يجب عليه الموافقة القطعية عملا، ولا يحرم المخالفة القطعية عليه كذلك أيضا لامتناعهما، كما إذا علم إجمالا بوجوب شيء أو حرمته، للتمكن من الالتزام بما هو الثابت واقعا، والانقياد له والاعتقاد به بما هو الواقع والثابت، وإن لم يعلم أنه الوجوب أو الحرمة (1).
105

وإن أبيت إلا عن لزوم الالتزام به بخصوص عنوانه، لما كانت موافقته القطعية الالتزامية حينئذ ممكنة، ولما وجب عليه الالتزام بواحد قطعا، فإن محذور الالتزام بضد التكليف عقلا ليس بأقل من محذور عدم الالتزام به بداهة، مع ضرورة أن التكليف لو قيل باقتضائه للالتزام لم يكد يقتضي إلا الالتزام بنفسه عينا، لا الالتزام به أو بضده
تخييرا (1).
106

ومن هنا قد انقدح أنه لا يكون من قبل لزوم الالتزام مانع عن إجراء الأصول الحكمية أو الموضوعية في أطراف العلم (1) لو كانت جارية، مع
107

قطع النظر عنه (1)، كما لا يدفع هنا محذور عدم الالتزام به، بل الالتزام بخلافه لو قيل بالمحذور فيه حينئذ أيضا إلا على وجه دائر، لأن جريانها موقوف على عدم محذور في عدم الالتزام من جريانها، وهو موقوف على جريانها بحسب الفرض (2).
109

اللهم إلا أن يقال: إن استقلال العقل بالمحذور فيه إنما يكون فيما إذا لم يكن هناك ترخيص في الاقدام والاقتحام في الأطراف، ومعه لا محذور فيه، بل ولا في الالتزام بحكم آخر (1) إلا أن الشأن حينئذ في جواز جريان
111

الأصول في أطراف العلم الاجمالي، مع عدم ترتب أثر عملي عليها، مع أنها أحكام عملية كسائر الاحكام الفرعية، مضافا إلى عدم شمول أدلتها لأطرافه، للزوم التناقض في مدلولها على تقدير شمولها، كما ادعاه شيخنا العلامة أعلى الله مقامه (1)، وإن كان محل تأمل ونظر،
113

فتدبر جيدا (1).
114

الأمر السادس: لا تفاوت في نظر العقل أصلا فيما يترتب على القطع من الآثار عقلا، بين أن يكون حاصلا بنحو متعارف، ومن سبب ينبغي حصوله منه، أو غير متعارف لا ينبغي حصوله منه، كما هو الحال غالبا في القطاع، ضرورة أن العقل يرى تنجز التكليف بالقطع الحاصل مما لا ينبغي حصوله، وصحة مؤاخذة قاطعه على مخالفته، وعدم صحة الاعتذار عنها بأنه حصل كذلك، وعدم صحة المؤاخذة مع القطع بخلافه، وعدم حسن الاحتجاج عليه بذلك (1)، ولو مع التفاته إلى كيفية
115

حصوله (1). نعم ربما يتفاوت الحال في القطع المأخوذ في الموضوع شرعا، والمتبع في عمومه وخصوصه دلالة دليله في كل مورد، فربما يدل على اختصاصه بقسم في مورد، وعدم اختصاصه به في آخر، على اختلاف الأدلة واختلاف المقامات، بحسب مناسبات الاحكام والموضوعات، وغيرها من الامارات (2).
116

وبالجملة القطع فيما كان موضوعا عقلا لا يكاد يتفاوت من حيث القاطع، ولا من حيث المورد، ولا من حيث السبب، لا عقلا - وهو واضح - ولا شرعا، لما عرفت من أنه لا تناله يد الجعل نفيا ولا إثباتا (1)، وإن نسب إلى بعض الأخباريين أنه لا اعتبار بما إذا كان بمقدمات عقلية، إلا أن مراجعة كلماتهم لا تساعد على هذه النسبة، بل تشهد بكذبها، وأنها إنما تكون إما في مقام منع الملازمة بين حكم العقل بوجوب شيء وحكم الشرع بوجوبه، كما ينادي به بأعلى صوته ما حكي عن السيد الصدر في باب الملازمة، فراجع (2).
117

وإما في مقام عدم جواز الاعتماد على المقدمات العقلية، لأنها لا تفيد إلا الظن، كما هو صريح الشيخ المحدث الأمين الأسترآبادي - رحمه الله -
118

حيث قال في جملة ما استدل به في فوائده على انحصار مدرك ما ليس من ضروريات الدين في السماع عن الصادقين عليهم السلام.
الرابع: إن كل مسلك غير ذلك المسلك - يعني التمسك بكلامهم عليهم الصلاة والسلام - إنما يعتبر من حيث إفادته الظن بحكم الله تعالى، وقد أثبتنا سابقا أنه لا اعتماد على الظن المتعلق بنفس أحكامه تعالى أو بنفيها وقال في جملتها أيضا - بعد ذكر ما تفطن بزعمه من الدقيقة - ما هذا لفظه وإذا عرفت ما مهدناه من الدقيقة الشريفة، فنقول: إن تمسكنا بكلامهم (عليهم السلام) فقد عصمنا من الخطأ، وإن تمسكنا بغيره لم نعصم عنه، ومن المعلوم أن العصمة عن الخطأ أمر مطلوب مرغوب فيه شرعا وعقلا، ألا ترى أن الامامية استدلوا على وجوب العصمة بأنه لولا العصمة للزم أمره تعالى عباده باتباع الخطأ، وذلك الامر محال، لأنه قبيح، وأنت إذا تأملت في هذا الدليل علمت أن مقتضاه أنه لا يجوز الاعتماد على الدليل الظني في أحكامه تعالى (1).. انتهى موضع الحاجة من كلامه، وما مهده من الدقيقة هو الذي نقله شيخنا العلامة أعلى الله مقامه في الرسالة، وقال في فهرست فصولها أيضا الأول: في إبطال
119

جواز التمسك بالاستنباطات الظنية في نفس أحكامه تعالى شأنه، ووجوب التوقف عند فقد القطع بحكم الله، أو بحكم ورد عنهم عليهم السلام، انتهى.
وأنت ترى أن محل كلامه ومورد نقضه وإبرامه، هو العقلي غير المفيد للقطع، وإنما همه إثبات عدم جواز اتباع غير النقل فيما لاقطع.
وكيف كان، فلزوم اتباع القطع مطلقا، وصحة المؤاخذة على مخالفته عند إصابته، وكذا ترتب سائر آثاره عليه عقلا، مما لا يكاد يخفى على عاقل فضلا عن فاضل (1)، فلابد فيما يوهم خلاف ذلك في الشريعة من المنع عن حصول العلم التفصيلي بالحكم الفعلي لأجل منع بعض مقدماته الموجبة له، ولو إجمالا، فتدبر جيدا (2).
120

الأمر السابع: إنه قد عرفت كون القطع التفصيلي بالتكليف الفعلي علة تامة لتنجزه، لا تكاد تناله يد الجعل إثباتا أو نفيا، فهل القطع الاجمالي كذلك؟ فيه إشكال (1)،
ربما يقال: إن التكليف حيث لم ينكشف به تمام الانكشاف،
121

وكانت مرتبة الحكم الظاهري معه محفوظة، جاز الاذن من الشارع بمخالفته احتمالا بل قطعا (1)، ومحذور مناقضته مع
122

المقطوع إجمالا انما هو محذور مناقضة الحكم الظاهري مع الواقعي في الشبهة غير المحصورة، بل الشبهة البدوية، ضرورة عدم تفاوت في المناقضة بين التكليف الواقعي والاذن بالاقتحام في مخالفته بين الشبهات أصلا، فما به التفصي عن المحذور فيهما كان به التفصي عنه في القطع به في الأطراف المحصورة أيضا، كما لا يخفى، وقد أشرنا إليه سابقا، ويأتي إن شاء الله مفصلا. نعم كان العلم الاجمالي كالتفصيلي في مجرد الاقتضاء، لا في العلية التامة، فيوجب تنجز التكليف أيضا لو لم يمنع عنه مانع عقلا، كما كان في أطراف كثيرة غير محصورة، أو شرعا كما في ما أذن الشارع في الاقتحام فيها (1)، كما هو ظاهر كل شيء فيه
125

حلال وحرام، فهو لك حلال، حتى تعرف الحرام منه بعينه (1).
127

وبالجملة: قضية صحة المؤاخذة على مخالفته، مع القطع به بين أطراف محصورة وعدم صحتها مع عدم حصرها، أو مع الاذن في الاقتحام فيها، هو كون القطع الاجمالي مقتضيا للتنجز لا علة تامة (1).
128

وأما احتمال أنه بنحو الاقتضاء بالنسبة إلى لزوم الموافقة القطعية، وبنحو العلية بالنسبة إلى الموافقة الاحتمالية وترك المخالفة القطعية (1)، فضعيف
129

جدا. ضرورة أن احتمال ثبوت المتناقضين كالقطع بثبوتهما في الاستحالة، فلا يكون عدم القطع بذلك معها موجبا لجواز الاذن في الاقتحام بل لو صح معها الاذن في المخالفة الاحتمالية صح في القطعية أيضا (1)،
130

فافهم (1).
ولا يخفى أن المناسب للمقام هو البحث عن ذلك، كما أن المناسب في باب البراءة والاشتغال - بعد الفراغ هاهنا عن أن تأثيره في التنجز بنحو الاقتضاء لا العلية - هو البحث عن ثبوت المانع شرعا أو عقلا وعدم ثبوته، كما لا مجال بعد البناء على أنه بنحو العلية للبحث عنه هناك أصلا كما لا يخفى (2).
131

هذا بالنسبة إلى إثبات التكليف وتنجزه به، وأما سقوطه به بأن يوافقه إجمالا (1)، فلا إشكال فيه في التوصليات (2).
133

وأما في العباديات فكذلك فيما لا يحتاج إلى التكرار، كما إذا تردد أمر عبادة بين الأقل والأكثر (1)، لعدم الاخلال (2) بشيء مما يعتبر أو يحتمل اعتباره في حصول
134

الغرض منها، مما لا يمكن أن يؤخذ فيها، فإنه نشأ من قبل الامر بها، كقصد الإطاعة والوجه والتمييز (1) فيما إذا
136

أتى الأكثر (1)، ولا يكون إخلال حينئذ إلا بعدم إتيان ما احتمل جزئيته
137

على تقديرها بقصدها (1)، واحتمال دخل قصدها في حصول الغرض
138

ضعيف في الغاية وسخيف إلى النهاية (1).
وأما فيما احتاج إلى التكرار، فربما يشكل من جهة الاخلال بالوجه تارة، وبالتمييز أخرى، وكونه لعبا وعبثا ثالثة.
وأنت خبير بعدم الاخلال بالوجه بوجه في الاتيان مثلا بالصلاتين المشتملتين على الواجب لوجوبه، غاية الأمر أنه لا تعيين له ولا تمييز فالاخلال إنما يكون به، واحتمال اعتباره أيضا في غاية الضعف، لعدم عين منه ولا أثر في الاخبار، مع أنه مما يغفل عنه غالبا، وفي مثله لابد
139

من التنبيه على اعتباره ودخله في الغرض، وإلا لأخل بالغرض، كما نبهنا عليه سابقا.
وأما كون التكرار لعبا وعبثا، فمع أنه ربما يكون لداع عقلائي، إنما يضر إذا كان لعبا بأمر المولى، لا في كيفية إطاعته بعد حصول الداعي إليها، كما لا يخفى (1)، هذا كله في قبال ما إذا تمكن من القطع تفصيلا
140

بالامتثال (1).
142

وأما إذا لم يتمكن الامن الظن به كذلك، فلا إشكال في تقديمه على الامتثال الظني لو لم يقم دليل على اعتباره، إلا فيما إذا لم يتمكن منه، وأما لو قام على اعتباره مطلقا، فلا إشكال في الاجتزاء بالظني (1)،
143

كما لا إشكال في الاجتزاء بالامتثال الاجمالي في قبال الظني، بالظن المطلق المعتبر بدليل الانسداد، بناءا على أن يكون من مقدماته عدم وجوب الاحتياط، وأما لو كان
من مقدماته بطلانه لاستلزامه العسر المخل بالنظام، أو لأنه ليس من وجوه الطاعة والعبادة، بل هو نحو لعب
145

وعبث بأمر المولى فيما إذا كان بالتكرار، كما توهم، فالمتعين هو التنزل عن القطع تفصيلا إلى الظن كذلك.
وعليه: فلا مناص عن الذهاب إلى بطلان عبادة تارك طريقي التقليد والاجتهاد، وإن احتاط فيها، كما لا يخفى (1).
146

هذا بعض الكلام في القطع مما يناسب المقام، ويأتي بعضه الآخر في مبحث البراءة والاشتغال، فيقع المقام فيما هو المهم من عقد هذا المقصد، وهو بيان ما قيل باعتباره من الامارات، أو صح أن يقال.
وقبل الخوض في ذلك ينبغي تقديم أمور:
أحدها: إنه لا ريب في أن الامارة غير العلمية، ليست كالقطع في كون الحجية من لوازمها ومقتضياتها بنحو العلية، بل مطلقا (1)، وأن
151

ثبوتها لها محتاج إلى جعل أو ثبوت مقدمات وطروء حالات موجبة لاقتضائها الحجية عقلا، بناءا على تقرير مقدمات الانسداد بنحو الحكومة (1)، وذلك لوضوح عدم اقتضاء غير القطع للحجية بدون
152

ذلك (1) ثبوتا بلا خلاف، ولا سقوطا (2) وإن كان ربما يظهر فيه من بعض المحققين
153

الخلاف والاكتفاء بالظن بالفراغ، ولعله لأجل عدم لزوم دفع الضرر المحتمل (1)، فتأمل (2).
155

ثانيها: في بيان إمكان التعبد بالامارة غير العلمية شرعا، وعدم لزوم محال منه عقلا، في قبال دعوى استحالته للزومه (1)، وليس الامكان بهذا المعنى، بل مطلقا أصلا متبعا عند العقلاء، في مقام احتمال ما يقابله من الامتناع (2)، لمنع كون سيرتهم على ترتيب آثار الامكان عند
156

الشك فيه (1)، ومنع حجيتها - لو سلم ثبوتها - لعدم قيام دليل قطعي على اعتبارها (2)، والظن به لو كان فالكلام الآن في إمكان التعبد بها
158

وامتناعه، فما ظنك به (1)؟ لكن دليل وقوع التعبد بها من طرق إثبات إمكانه، حيث يستكشف به عدم ترتب محال من تال باطل فيمتنع مطلقا،
159

أو على الحكيم تعالى، فلا حاجة معه في دعوى الوقوع إلى إثبات الامكان، وبدونه لا فائدة في إثباته، كما هو واضح (1).
161

وقد انقدح بذلك ما في دعوى شيخنا العلامة - أعلى الله مقامه - من كون الامكان عند العقلاء مع احتمال الامتناع أصلا (1)، والامكان في
162

كلام الشيخ الرئيس كلما قرع سمعك من الغرائب فذره في بقعة الامكان، ما لم يذدك عنه واضح البرهان، بمعنى الاحتمال المقابل للقطع والايقان (1)، ومن الواضح أن لا موطن له إلا الوجدان،
163

فهو المرجع فيه بلا بينة وبرهان. وكيف كان (1)، فما قيل أو يمكن أن يقال في بيان
164

ما يلزم التعبد بغير العلم من المحال، أو الباطل ولو لم يكن بمحال (1)

(1) ابن قبة هو محمد بن عبد الرحمن بن قبة أبو جعفر الرازي المذكور في كتب الرجال، وهو من علمائنا الاجلاء صاحب كتاب الانصاف في الإمامة وغيره. (منه قدس سره)
165

أمور (1):
166

أحدها: اجتماع المثلين من إيجابين أو تحريمين مثلا فيما أصاب، أو ضدين من إيجاب وتحريم (1) ومن إرادة
168

وكراهة ومصلحة ومفسدة ملزمتين (1) بلا كسر وانكسار في البين (2) فيما
171

أخطأ (1)، أو التصويب (2) وأن لا يكون هناك غير مؤديات الامارات أحكام (3).
ثانيها: طلب الضدين فيما إذا أخطأ وأدى إلى وجوب ضد الواجب (4).
172

ثالثها: تفويت المصلحة أو الالقاء في المفسدة فيما أدى إلى عدم وجوب ما هو واجب، أو عدم حرمة ما هو حرام، وكونه محكوما بسائر الاحكام (1).
175

والجواب: إن ما ادعي لزومه، إما غير لازم، أو غير باطل (1)، وذلك لان التعبد بطريق غير علمي (2) إنما هو بجعل
176

حجيته (1)، والحجية المجعولة غير مستتبعة لانشاء أحكام تكليفية بحسب ما أدى إليه الطريق، بل إنما تكون موجبة لتنجز التكليف به إذا أصاب،

(1) بحار الأنوار ج 2. عن الكشي ص 136.
177

وصحة الاعتذار به إذا أخطأ، ولكون مخالفته وموافقته تجريا وانقيادا مع عدم إصابته، كما هو شأن الحجة غير المجعولة، فلا يلزم اجتماع حكمين مثلين أو ضدين، ولا طلب الضدين ولا اجتماع المفسدة والمصلحة ولا الكراهة والإرادة، كما لا يخفى (1).

(1) كمال الدين، ص 484 تحقيق علي أكبر الغفاري.
178

وأما تفويت مصلحة الواقع، أو الالقاء في مفسدته فلا محذور فيه أصلا، إذا كانت في التعبد به مصلحة غالبة على مفسدة التفويت أو الالقاء (1).
180

نعم لو قيل باستتباع جعل الحجية للاحكام التكليفية، أو بأنه لا معنى لجعلها إلا جعل تلك الأحكام (1)، فاجتماع حكمين وإن كان يلزم، إلا
181



(1) بحار الأنوار: ج 2، ص 246. عن الكشي، ص 136.
(2) الكافي ج 1 ص 330.
182

أنهما ليسا بمثلين أو ضدين، لان أحدهما طريقي عن مصلحة في نفسه موجبة لانشائه الموجب للتنجز، أو لصحة الاعتذار بمجرده (1) من دون إرادة
184

نفسانية أو كراهة كذلك متعلقة بمتعلقه (1) فيما يمكن هناك انقداحهما، حيث إنه مع المصلحة أو المفسدة الملزمتين في فعل، وإن لم
187

يحدث بسببها إرادة أو كراهة في المبدأ إلا على، إلا أنه إذا أوحى بالحكم الشأني من قبل تلك المصلحة أو المفسدة إلى النبي، أو ألهم به الولي، فلا محالة ينقدح في نفسه الشريفة بسببهما، الإرادة أو الكراهة الموجبة للانشاء بعثا أو زجرا، بخلاف ما ليس هناك مصلحة أو مفسدة في المتعلق، بل إنما كانت في إنشاء الامر به طريقيا. والآخر واقعي حقيقي عن مصلحة أو مفسدة في متعلقه، موجبة لإرادته أو كراهته، الموجبة لانشائه بعثا أو زجرا في بعض المبادئ العالية، وإن لم يكن في المبدأ الا على إلا العلم بالمصلحة أو المفسدة - كما أشرنا - فلا يلزم أيضا اجتماع إرادة وكراهة، وإنما لزم إنشاء حكم واقعي حقيقي بعثا وزجرا، وإنشاء حكم آخر طريقي، ولا مضادة بين الانشائين فيما إذا اختلفا ولا يكون من اجتماع المثلين فيما اتفقا، ولا إرادة ولا كراهة أصلا إلا بالنسبة إلى متعلق الحكم الواقعي (1)،
188

فافهم (1).
نعم يشكل الامر في بعض الأصول العملية، كأصالة الإباحة الشرعية، فإن الاذن في الاقدام والاقتحام ينافي المنع فعلا، كما فيما صادف الحرام (2)، وإن كان الاذن فيه لأجل مصلحة فيه،
191

لا لأجل عدم مصلحة أو مفسدة ملزمة في المأذون فيه (1)، فلا محيص في
192

مثله (1) إلا عن الالتزام بعدم انقداح الإرادة أو الكراهة في بعض المبادئ العالية أيضا، كما في المبدأ الاعلى، لكنه لا يوجب الالتزام بعدم كون التكليف الواقعي بفعلي، بمعنى كونه على صفة ونحو لو علم به المكلف لتنجز عليه، كسائر التكاليف الفعلية التي تتنجز بسبب القطع بها، وكونه فعليا إنما يوجب البعث أو الزجر في النفس النبوية أو الولوية، فيما
193

إذا لم ينقدح فيها الاذن لأجل مصلحة فيه (1).
194

فانقدح بما ذكرنا أنه لا يلزم الالتزام بعدم كون الحكم الواقعي في مورد الأصول والامارات فعليا (1)، كي يشكل تارة بعدم لزوم الاتيان
196

حينئذ بما قامت الامارة على وجوبه، ضرورة عدم لزوم امتثال الاحكام الانشائية ما لم تصر فعلية ولم تبلغ مرتبة البعث والزجر، ولزوم الاتيان به مما لا يحتاج إلى مزيد بيان أو إقامة برهان (1).
197

لا يقال: لا مجال لهذا الاشكال، لو قيل بأنها كانت قبل أداء الامارة إليها إنشائية، لأنها بذلك تصير فعلية، تبلغ تلك المرتبة (1).
فإنه يقال: لا يكاد يحرز بسبب قيام الامارة المعتبرة على حكم إنشائي لا حقيقة ولا تعبدا، إلا حكم إنشائي تعبدا، لا حكم إنشائي أدت إليه الامارة، أما حقيقة فواضح، وأما تعبدا فلان قصارى ما هو قضية حجية الامارة كون مؤداها هو الواقع تعبدا، لا الواقع الذي أدت إليه الامارة (2)،
198

فافهم (1).
200

اللهم إلا أن يقال: إن الدليل على تنزيل المؤدى منزلة الواقع - الذي صار مؤدى لها - هو دليل الحجية بدلالة الاقتضاء (1)، لكنه لا يكاد يتم إلا إذا لم يكن للاحكام بمرتبتها الانشائية أثر أصلا، وإلا لم تكن لتلك الدلالة مجال، كما لا يخفى (2).
201

وأخرى بأنه كيف يكون التوفيق بذلك؟ مع احتمال أحكام فعلية بعثية أو زجرية في موارد الطرق والأصول العملية المتكفلة لاحكام فعلية، ضرورة أنه كما لا يمكن القطع بثبوت المتنافيين، كذلك لا يمكن احتماله. فلا يصح التوفيق بين الحكمين، بالتزام كون الحكم الواقعي - الذي يكون مورد الطرق - إنشائيا غير فعلي (1)، كما لا يصح بأن الحكمين ليسا في
202

مرتبة واحدة بل في مرتبتين، ضرورة تأخر الحكم الظاهري عن الواقعي بمرتبتين، وذلك لا يكاد يجدي، فإن الظاهري وإن لم يكن في تمام مراتب الواقعي، إلا أنه يكون في مرتبته أيضا. وعلى تقدير المنافاة لزم اجتماع المتنافيين في هذه المرتبة (1)، فتأمل فيما ذكرنا من التحقيق في
التوفيق، فإنه دقيق وبالتأمل حقيق.
203

ثالثها: إن الأصل فيما لا يعلم اعتباره بالخصوص شرعا ولا يحرز التعبد به واقعا، عدم حجيته جزما، بمعنى عدم ترتب الآثار المرغوبة من الحجة عليه قطعا، فإنه لا تكاد تترتب إلا على ما اتصف بالحجية فعلا، ولا يكاد يكون الاتصاف بها، إلا إذا أحرز التعبد به وجعله طريقا متبعا، ضرورة أنه بدونه لا يصح المؤاخذة على مخالفة التكليف بمجرد إصابته، ولا يكون عذرا لدى مخالفته مع عدمها، ولا يكون مخالفته تجريا، ولا يكون موافقته بما هي موافقة انقيادا، وإن كانت بما هي محتملة لموافقة الواقع كذلك إذا وقعت برجاء إصابته، فمع الشك في التعبد به يقطع بعدم حجيته وعدم ترتيب شيء من الآثار عليه، للقطع بانتفاء الموضوع معه (1)، ولعمري هذا واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان أو إقامة
206

برهان (1).
208

وأما صحة الالتزام بما أدى إليه من الاحكام، وصحة نسبته إليه تعالى (1)، فليسا من آثارها، ضرورة أن حجية الظن عقلا - على تقرير

(1) يونس الآية: 59.
209



(1) وسائل الشيعة: ج 18، ص 11 / 6، باب 4 من أبواب صفات القاضي.
210

الحكومة في حال الانسداد - لا توجب صحتهما، فلو فرض صحتهما شرعا مع الشك في التعبد به لما كان يجدي في الحجية شيئا ما لم يترتب عليه ما ذكر من آثارها، ومعه لما كان يضر عدم صحتهما أصلا، كما أشرنا إليه آنفا. فبيان عدم صحة الالتزام مع الشك في التعبد، وعدم جواز الاسناده إليه تعالى غير مرتبط بالمقام، فلا يكون الاستدلال عليه بمهم، كما أتعب به شيخنا العلامة - أعلى الله مقامه - نفسه الزكية، بما أطنب من النقض والابرام، فراجعه بما علقناه عليه، وتأمل.
وقد انقدح - بما ذكرنا - أن الصواب فيما هو المهم في الباب ما ذكرنا في تقرير الأصل، فتدبر جيدا (1).
211

إذا عرفت ذلك، فما خرج موضوعا عن تحت هذا الأصل أو قيل بخروجه يذكر في ذيل فصول.
فصل
لا شبهة في لزوم اتباع ظاهر كلام الشارع في تعيين مراده في الجملة، لاستقرار طريقة العقلاء على اتباع الظهورات في تعيين المرادات، مع القطع بعدم الردع عنها، لوضوح عدم اختراع طريقة أخرى في مقام الإفادة لمرامه من كلامه، كما هو واضح (1).
214

والظاهر أن سيرتهم على اتباعها، من غير تقييد بإفادتها للظن فعلا (1)، ولا بعدم الظن كذلك على خلافها قطعا، ضرورة أنه لا مجال
216

عندهم للاعتذار عن مخالفتها، بعدم إفادتها للظن بالوفاق، ولا بوجود الظن بالخلاف (1).
217

كما أن الظاهر عدم اختصاص ذلك بمن قصد إفهامه، ولذا لا يسمع اعتذار من لا يقصد إفهامه إذا خالف ما تضمنه ظاهر كلام المولى، من تكليف يعمه أو يخصه، ويصح به الاحتجاج لدى المخاصمة واللجاج، كما تشهد به صحة الشهادة بالاقرار من كل من سمعه ولو قصد عدم إفهامه، فضلا عما إذا لم يكن بصدد إفهامه (1)، ولا فرق في ذلك بين الكتاب المبين وأحاديث سيد المرسلين والأئمة الطاهرين.
218

وإن ذهب بعض الأصحاب إلى عدم حجية ظاهر الكتاب (1)، إما بدعوى اختصاص فهم القرآن ومعرفته بأهله ومن خوطب به، كما يشهد به ما ورد في ردع أبي حنيفة وقتادة عن الفتوى به (2).
221



(1) الوسائل ج 18، ص 29 / 27، باب 6 من أبواب صفات القاضي.
(2) الوسائل ج 18، ص 136 / 25، باب 13 من أبواب صفات القاضي.
222

أو بدعوى أنه لأجل احتوائه على مضامين شامخة ومطالب غامضة عالية، لا يكاد تصل إليه أيدي أفكار أولي الانظار غير الراسخين العالمين بتأويله، كيف؟ ولا يكاد يصل إلى فهم كلمات الأوائل إلا الأوحدي من الأفاضل، فما ظنك بكلامه تعالى مع اشتماله على علم ما كان وما يكون وحكم كل شيء (1).
أو بدعوى شمول المتشابه الممنوع عن اتباعه للظاهر، لا أقل من احتمال شموله لتشابه المتشابه وإجماله (2).

(1) آل عمران: الآية 7. (2) الفتح: الآية 29.
223



(1) المائدة: الآية 4.
224

أو بدعوى أنه وإن لم يكن منه ذاتا، إلا أنه صار منه عرضا، للعلم الاجمالي بطروء التخصيص والتقييد والتجوز في غير واحد من ظواهره، كما هو الظاهر (1).
225

أو بدعوى شمول الأخبار الناهية عن تفسير القرآن بالرأي، لحمل الكلام الظاهر في معنى على إرادة هذا المعنى (1).
ولا يخفى أن النزاع يختلف صغرويا وكبرويا بحسب الوجوه، فبحسب غير الوجه الأخير والثالث يكون صغرويا، وأما بحسبهما فالظاهر أنه كبروي، ويكون المنع عن الظاهر، إما لأنه من المتشابه قطعا أو احتمالا، أو لكون حمل الظاهر على ظاهره من التفسير بالرأي (2)، وكل هذه
226

الدعاوى فاسدة: أما الأولى، فإنما المراد مما دل على اختصاص فهم القرآن ومعرفته بأهله اختصاص فهمه بتمامه بمتشابهاته ومحكماته، بداهة أن فيه ما لا يختص به،
كما لا يخفى.
وردع أبي حنيفة وقتادة عن الفتوى به إنما هو لأجل الاستقلال في الفتوى بالرجوع إليه من دون مراجعة أهله، لا عن الاستدلال بظاهره مطلقا ولو مع الرجوع إلى رواياتهم والفحص عما ينافيه، والفتوى به مع اليأس عن الظفر به، كيف؟ وقد وقع في غير واحد من الروايات الارجاع إلى الكتاب والاستدلال بغير واحد عن آياته (1).
228

وأما الثانية، فلان احتوائه على المضامين العالية الغامضة لا يمنع عن فهم ظواهره المتضمنة للاحكام وحجيتها، كما هو محل الكلام (1).

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 435.
229

وأما الثالثة، فللمنع عن كون الظاهر من المتشابه، فإن الظاهر كون المتشابه هو خصوص المجمل، وليس بمتشابه ومجمل (1).
230

وأما الرابعة، فلان العلم إجمالا بطروء إرادة خلاف الظاهر، إنما يوجب الاجمال فيما إذا لم ينحل بالظفر في الروايات بموارد إرادة خلاف الظاهر بمقدار المعلوم بالاجمال (1) مع أن دعوى اختصاص
232

أطرافه بما إذا تفحص عما يخالفه لظفر به، غير بعيدة، فتأمل جيدا (1).
وأما الخامسة، فيمنع كون حمل الظاهر على ظاهره من التفسير، فإنه كشف القناع ولإقناع للظاهر، ولو سلم، فليس من التفسير بالرأي،
235

إذ الظاهر أن المراد بالرأي هو الاعتبار الظني الذي لا اعتبار به، وإنما كان منه حمل اللفظ على خلاف ظاهره، لرجحانه بنظره، أو حمل المجمل على محتمله بمجرد مساعدة ذاك الاعتبار عليه، من دون السؤال عن الأوصياء (1)، وفي بعض الأخبار إنما هلك الناس في المتشابه، لأنهم
236

لم يقفوا على معناه، ولم يعرفوا حقيقته، فوضعوا له تأويلا من عند أنفسهم بآرائهم واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء فيعرفونهم (1).
237

هذا مع أنه لا محيص عن حمل هذه الروايات الناهية عن التفسير به على ذلك، ولو سلم شمولها لحمل اللفظ على ظاهره، ضرورة أنه قضية التوفيق بينها وبين ما دل على جواز التمسك بالقرآن، مثل خبر الثقلين، وما دل على التمسك به، والعمل بما فيه، وعرض الاخبار المتعارضة عليه، ورد شروط المخالفة له، وغير ذلك، مما لا محيص عن إرادة الارجاع إلى ظواهره لا خصوص نصوصه (1)، ضرورة أن الآيات
238

التي يمكن أن تكون مرجعا في باب تعارض الروايات أو الشروط، أو يمكن أن يتمسك بها ويعمل بما فيها، ليست إلا ظاهرة في معانيها، وليس فيها ما كان نصا، كما لا يخفى (1).
ودعوى العلم الاجمالي بوقوع التحريف فيه بنحو: إما بإسقاط، أو بتصحيف وإن كانت غير بعيدة (2)، كما يشهد بعض الأخبار ويساعده

(1) النساء: الآية 3.
240

الاعتبار (1)، إلا أنه لا يمنع عن حجية ظواهره، لعدم العلم بوقوع الخلل فيها بذلك أصلا.
241

ولو سلم، فلا علم بوقوعه في آيات الاحكام، والعلم بوقوعه فيها أو في غيرها من الآيات غير ضائر بحجية آياتها، لعدم حجية ظاهر سائر الآيات، والعلم الاجمالي بوقوع الخلل في الظواهر إنما يمنع عن حجيتها إذا كانت كلها حجة (1)،
242

وإلا لا يكاد ينفك ظاهر عن ذلك، كما لا يخفى (1)، فافهم (2).
244

نعم لو كان الخلل المحتمل فيه أو في غيره بما اتصل به، لأخل بحجيته، لعدم انعقاد ظهور له حينئذ، وإن انعقد له الظهور لولا اتصاله (1).
246

ثم إن التحقيق أن الاختلاف في القراءة بما يوجب الاختلاف في الظهور مثل (يطهرن) بالتشديد والتخفيف، يوجب الاخلال بجواز التمسك والاستدلال، لعدم إحراز ما هو القرآن، ولم يثبت تواتر القراءات، ولا جواز الاستدلال بها، وإن نسب إلى المشهور تواترها، لكنه مما لا أصل له، وإنما الثابث جواز القراءة بها، ولا ملازمة بينهما، كما لا يخفى (1).
248

ولو فرض جواز الاستدلال بها، فلا وجه لملاحظة الترجيح بينها بعد كون الأصل في تعارض الامارات هو سقوطها عن الحجية في خصوص المؤدى، بناءا على اعتبارها من باب الطريقية، والتخيير بينها بناءا على السببية، مع عدم دليل على الترجيح في غير الروايات من سائر الامارات (1)، فلابد من الرجوع حينئذ إلى الأصل أو العموم، حسب
250

اختلاف المقامات (1).
252

فصل
قد عرفت حجية ظهور الكلام في تعيين المرام: فإن أحرز بالقطع وأن المفهوم منه جزما - بحسب متفاهم أهل العرف - هو ذا فلا كلام (1)، وإلا
253

فإن كان لأجل احتمال وجود قرينة فلا خلاف في أن الأصل عدمها (1)، لكن الظاهر أنه معه يبنى على المعنى الذي لولاها كان اللفظ ظاهرا فيه ابتداء، لا أنه يبنى عليه بعد البناء على عدمها، كما لا يخفى (2)،
255

فافهم (1).
وإن كان لاحتمال قرينية الموجود فهو، وإن لم يكن بخال عن الاشكال - بناءا على حجية أصالة الحقيقة من باب التعبد - إلا أن الظاهر
257

أن يعامل معه معاملة المجمل (1)، وإن كان لأجل الشك فيما هو الموضوع له لغة أو المفهوم منه عرفا، فالأصل يقتضي عدم حجية الظن فيه، فإنه
258

ظن في أنه ظاهر، ولا دليل إلا على حجية الظواهر (1).
نعم نسب إلى المشهور حجية قول اللغوي بالخصوص في تعيين الأوضاع (2)، واستدل لهم باتفاق العلماء بل العقلاء على ذلك، حيث
260

لا يزالون يستشهدون بقوله في مقام الاحتجاج بلا إنكار من أحد، ولو مع المخاصمة واللجاج، وعن بعض دعوى الاجماع على ذلك.
وفيه: أن الاتفاق - لو سلم اتفاقه - فغير مفيد، مع أن المتيقن منه هو الرجوع إليه مع اجتماع شرائط الشهادة من العدد والعدالة.
والاجماع المحصل غير حاصل، والمنقول منه غير مقبول، خصوصا في مثل المسألة مما احتمل قريبا أن يكون وجه ذهاب الجل لولا الكل، هو اعتقاد أنه مما اتفق عليه العقلاء من الرجوع إلى أهل الخبرة من كل صنعة فيما اختص بها.
والمتيقن من ذلك إنما هو فيما إذا كان الرجوع موجبا للوثوق والاطمئنان، ولا يكاد يحصل من قول اللغوي وثوق بالأوضاع، بل لا يكون اللغوي من أهل خبرة ذلك، بل إنما هو من أهل خبرة موارد الاستعمال، بداهة أن همه ضبط موارده، لا تعيين أن أيا منها كان
261

اللفظ فيه حقيقة أو مجازا، وإلا لوضعوا لذلك علامة، وليس ذكره أولا علامة كون اللفظ حقيقة فيه، للانتقاض بالمشترك (1).
262

وكون موارد الحاجة إلى قول اللغوي أكثر من أن تحصى، لانسداد باب العلم بتفاصيل المعاني غالبا، بحيث يعلم بدخول الفرد المشكوك أو خروجه، وإن كان المعنى معلوما في الجملة (1) لا يوجب اعتبار قوله، ما
265

دام انفتاح باب العلم بالاحكام، كما لا يخفى، ومع الانسداد كان قوله معتبرا إذا أفاد الظن، من باب حجية مطلق الظن، وإن فرض انفتاح باب العلم باللغات بتفاصيلها فيما عدا المورد (1).
266

نعم لو كان هناك دليل على اعتباره، لا يبعد أن يكون انسداد باب العلم بتفاصيل اللغات موجبا له على نحو الحكمة لا العلة (1).
لا يقال: على هذا لا فائدة في الرجوع إلى اللغة (2).
فإنه يقال: مع هذا لا تكاد تخفى الفائدة في المراجعة إليها، فإنه ربما يوجب القطع بالمعنى، وربما يوجب القطع بأن اللفظ في المورد ظاهر في
267

معنى - بعد الظفر به وبغيره في اللغة - وإن لم يقطع بأنه حقيقة فيه أو مجاز، كما اتفق كثيرا، وهو يكفي في الفتوى (1).
فصل
الاجماع المنقول بخبر الواحد حجة عند كثير ممن قال باعتبار الخبر بالخصوص، من جهة أنه من أفراده، من دون أن يكون عليه دليل بالخصوص، فلابد في اعتباره من شمول أدلة اعتباره له، بعمومها أو إطلاقها. وتحقيق القول فيه يستدعي رسم أمور (2):
268

الأول: إن وجه اعتبار الاجماع، هو القطع برأي الامام عليه السلام، ومستند القطع به لحاكيه - على ما يظهر من كلماتهم - هو علمه بدخوله عليه السلام في المجمعين شخصا، ولم يعرف عينا، أو قطعه باستلزام ما يحكيه (1)
270

لرأيه عليه السلام عقلا من باب اللطف (1)، أو عادة (2) أو اتفاقا من جهة
271

الحدس برأيه، وإن لم تكن ملازمة بينهما عقلا ولا عادة (1)، كما هو طريقة المتأخرين في دعوى الاجماع، حيث إنهم مع عدم الاعتقاد
272

بالملازمة العقلية ولا الملازمة العادية غالبا وعدم العلم بدخول جنابه عليه السلام في المجمعين عادة، يحكون الاجماع كثيرا (1)، كما أنه يظهر
274

ممن اعتذر عن وجود المخالف بأنه معلوم النسب، أنه استند في دعوى الاجماع إلى العلم بدخوله عليه السلام (1) وممن اعتذر عنه بانقراض عصره، أنه استند إلى قاعدة اللطف.
هذا مضافا إلى تصريحاتهم بذلك، على ما يشهد به مراجعة كلماتهم، وربما يتفق لبعض الأوحدي وجه آخر من تشرفه برؤيته عليه السلام
275

وأخذه الفتوى من جنابه، وإنما لم ينقل عنه، بل يحكي الاجماع (1) لبعض دواعي الاخفاء (2).
276

الأمر الثاني: إنه لا يخفى اختلاف نقل الاجماع، فتارة ينقل رأيه عليه السلام في ضمن نقله حدسا كما هو الغالب، أو حسا وهو نادر جدا، وأخرى لا ينقل إلا ما هو السبب عند ناقله، عقلا أو عادة أو اتفاقا، واختلاف ألفاظ النقل أيضا صراحة وظهورا وإجمالا في ذلك، أي في أنه نقل السبب أو نقل السبب والمسبب (1).
277

الأمر الثالث: إنه لا إشكال في حجية الاجماع المنقول بأدلة حجية الخبر، إذا كان نقله متضمنا لنقل السبب والمسبب عن حس، لو لم نقل بأن نقله كذلك في زمان الغيبة موهون جدا (1)، وكذا إذا لم يكن متضمنا
278

له، بل كان ممحضا لنقل السبب عن حس، إلا أنه كان سببا بنظر المنقول إليه أيضا عقلا أو عادة أو اتفاقا، فيعامل حينئذ مع المنقول معاملة المحصل في الالتزام بمسببه بأحكامه وآثاره (1).
279

وأما إذا كان نقله للمسبب لا عن حس، بل بملازمة ثابتة عند الناقل بوجه دون المنقول إليه ففيه إشكال، أظهره عدم نهوض تلك الأدلة على حجيته، إذ المتيقن من بناء العقلاء غير ذلك (1)،
280

كما أن المنصرف من الآيات والروايات ذلك (1)، على تقدير

(1) الحجرات: الآية 6.
282

دلالتهما (1)، خصوصا فيما إذا رأى المنقول إليه خطأ الناقل في اعتقاد
283

الملازمة، هذا فيما انكشف الحال (1).
وأما فيما اشتبه، فلا يبعد أن يقال بالاعتبار، فإن عمدة أدلة حجية الاخبار هو بناء العقلاء، وهم كما يعملون بخبر الثقة إذا علم أنه عن حس، يعملون به فيما يحتمل كونه عن حدس، حيث إنه ليس بناؤهم إذا أخبروا بشيء على التوقف والتفتيش، عن أنه عن حدس أو حس، بل العمل على طبقه والجري على وفقه بدون ذلك، نعم لا يبعد أن يكون بناؤهم على ذلك، فيما لا يكون هناك أمارة على الحدس، أو اعتقاد الملازمة فيما لا يرون هناك ملازمة (2).
284

هذا لكن الاجماعات المنقولة في ألسنة الأصحاب غالبا مبنية على حدس الناقل أو اعتقاد الملازمة عقلا (1)، فلا اعتبار لها ما لم ينكشف
286

أن نقل السبب كان مستندا إلى الحس، فلابد في الاجماعات المنقولة بألفاظها المختلفة من استظهار مقدار دلالة ألفاظها (1)، ولو بملاحظة حال
288

الناقل (1) وخصوص موضع النقل، فيؤخذ بذلك المقدار ويعامل معه كأنه المحصل، فإن كان بمقدار تمام السبب، وإلا فلا يجدي ما لم يضم إليه مما حصله أو نقل له من سائر الأقوال أو سائر الامارات ما به تم (2)، فافهم (3).
289

فتلخص بما ذكرنا: أن الاجماع المنقول بخبر الواحد، من جهة حكايته رأي الامام عليه السلام بالتضمن أو الالتزام، كالخبر الواحد في الاعتبار إذا كان من نقل إليه ممن يرى الملازمة بين رأيه عليه السلام وما نقله من الأقوال، بنحو الجملة والاجمال، وتعمه أدلة اعتباره (1)، وينقسم بأقسامه، ويشاركه في أحكامه، وإلا لم يكن مثله في الاعتبار من جهة الحكاية (2).
وأما من جهة نقل السبب، فهو في الاعتبار بالنسبة إلى مقدار من الأقوال التي نقلت إليه على الاجمال بألفاظ نقل الاجماع، مثل ما إذا
نقلت على التفصيل، فلو ضم إليه مما حصله أو نقل له من أقوال السائرين أو سائر الامارات - مقدار كان المجموع منه وما نقل بلفظ الاجماع بمقدار السبب التام، كان المجموع كالمحصل، ويكون حاله كما
290

إذا كان كله منقولا، ولا تفاوت في اعتبار الخبر بين ما إذا كان المخبر به تمامه، أو ما له دخل فيه وبه قوامه، كما يشهد به حجيته بلا ريب (1) في
291

تعيين حال السائل، وخصوصية القضية الواقعة المسؤول عنها، وغير ذلك مما له دخل في تعيين مرامه عليه السلام من كلامه (1).
وينبغي التنبيه على أمور:
الأول: إنه قد مر أن مبنى دعوى الاجماع غالبا، هو اعتقاد الملازمة عقلا، لقاعدة اللطف، وهي باطلة (2)، أو اتفاقا بحدس رأيه عليه السلام من
292

فتوى جماعة، وهي غالبا غير مسلمة (1)، وأما كون المبنى العلم بدخول الامام بشخصه في الجماعة، أو العلم برأيه للاطلاع بما يلازمه عادة من
296

الفتاوى، فقليل جدا في الاجماعات المتداولة في السنة الأصحاب، كما لا يخفى، بل لا يكاد يتفق العلم بدخوله عليه السلام على نحو الاجمال في الجماعة في زمان الغيبة (1)، وإن احتمل تشرف بعض الأوحدي بخدمته ومعرفته أحيانا (2)، فلا يكاد يجدي نقل الاجماع إلا من باب نقل السبب
297

بالمقدار الذي أحرز من لفظه، بما اكتنف به من حال أو مقال، ويعامل معه معاملة المحصل (1).
الثاني: إنه لا يخفى أن الاجماعات المنقولة، إذا تعارض اثنان منها أو أكثر، فلا يكون التعارض إلا بحسب المسبب، وأما بحسب السبب فلا تعارض في البين، لاحتمال صدق الكل (2)، لكن نقل الفتاوى على الاجمال بلفظ الاجماع حينئذ، لا يصلح لان يكون سببا، ولا جزء
298

سبب، لثبوت الخلاف فيها (1)، إلا إذا كان في أحد المتعارضين خصوصية موجبة لقطع المنقول إليه برأيه عليه السلام لو اطلع عليها، ولو مع اطلاعه
300

على الخلاف، وهو وإن لم يكن مع الاطلاع على الفتاوى على اختلافها مفصلا ببعيد، إلا أنه مع عدم الاطلاع عليها كذلك إلا مجملا بعيد (1)،
302

فافهم (1).
الثالث: إنه ينقدح مما ذكرنا في نقل الاجماع حال نقل التواتر، وأنه من حيث المسبب لابد في اعتباره من كون الاخبار به إخبارا على الاجمال بمقدار يوجب قطع المنقول إليه بما أخبر به لو علم به (2)، ومن
303

حيث السبب يثبت به كل مقدار كان اخباره بالتواتر دالا عليه، كما إذا أخبر به على التفصيل، فربما لا يكون إلا دون حد التواتر، فلابد في معاملته معه معاملته من لحوق مقدار آخر من الاخبار، يبلغ المجموع ذاك الحد (1).
306

نعم، لو كان هناك أثر للخبر المتواتر في الجملة - ولو عند المخبر - لوجب ترتيبه عليه، ولو لم يدل على ما بحد التواتر من المقدار (1).
308

فصل
مما قيل باعتباره بالخصوص الشهرة في الفتوى (1)، ولا يساعده
309

دليل (1)، وتوهم دلالة أدلة حجية خبر الواحد عليه بالفحوى، لكون الظن الذي تفيده أقوى مما يفيده الخبر (2)، فيه ما لا يخفى، ضرورة عدم
310

دلالتها على كون مناط اعتباره إفادته الظن، غايته تنقيح ذلك بالظن، وهو لا يوجب إلا الظن بأنها أولى بالاعتبار، ولا اعتبار به، مع أن دعوى القطع بأنه ليس بمناط غير مجازفة (1).
311

وأضعف منه، توهم دلالة المشهورة والمقبولة عليه، لوضوح أن المراد بالموصول في قوله في الأولى خذ بما اشتهر بين أصحابك وفي الثانية ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به، المجمع عليه بين
313

أصحابك، فيؤخذ به هو الرواية، لا ما يعم الفتوى، كما هو أوضح من أن يخفى (1).

(1) عوالي اللآلي ج 4، ص 133.
314



(1) الكافي ج 1، ص 68.
316

نعم بناءا على حجية الخبر ببناء العقلاء، لا يبعد دعوى عدم اختصاص بنائهم على حجيته، بل على حجية كل أمارة مفيدة للظن أو الاطمئنان (1)،
319

لكن دون إثبات ذلك خرط القتاد (1).
320

فصل
المشهور بين الأصحاب حجية خبر الواحد (1) في الجملة بالخصوص،
321

ولا يخفى أن هذه المسألة (1) من أهم المسائل الأصولية، وقد عرفت في أول الكتاب أن الملاك في الأصولية صحة وقوع نتيجة المسألة في طريق
322

الاستنباط، ولو لم يكن البحث فيها عن الأدلة الأربعة، وإن اشتهر في ألسنة الفحول كون الموضوع في علم الأصول هي الأدلة، وعليه لا يكاد يفيد في ذلك - أي كون هذه المسألة أصولية - تجشم دعوى أن البحث عن دليلية الدليل بحث عن أحوال الدليل، ضرورة أن البحث في المسألة ليس عن دليلية الأدلة، بل عن حجية الخبر
الحاكي عنها (1)، كما لا يكاد يفيد
323

عليه تجشم دعوى أن مرجع هذه المسألة إلى أن السنة - وهي قول الحجة أو فعله أو تقريره - هل تثبت بخبر الواحد، أو لا تثبت إلا بما يفيد القطع من التواتر أو القرينة (1)؟. فإن التعبد بثبوتها مع الشك فيها لدى الاخبار
325

بها ليس من عوارضها، بل من عوارض مشكوكها، كما لا يخفى (1)، مع أنه لازم لما يبحث عنه في المسألة من حجية الخبر، والمبحوث عنه في
326

المسائل إنما هو الملاك في أنها من المباحث أو من غيره، لا ما هو لازمه، كما هو واضح (1).
327

وكيف كان فالمحكي عن السيد والقاضي وابن زهرة والطبرسي وابن إدريس عدم حجية الخبر (1)، واستدل لهم بالآيات الناهية عن اتباع غير العلم (2) والرويات الدالة على رد ما لم يعلم أنه قولهم عليهم السلام، أو لم يكن عليه شاهد من كتاب الله أو شاهدان، أو لم يكن موافقا للقرآن إليهم، أو على بطلان ما لا يصدقه كتاب الله، أو على أن ما لا يوافق كتاب الله زخرف، أو على النهي عن قبول حديث إلا ما وافق

(1) الاسراء: الآية 36. (2) يونس: الآية 36.
330

الكتاب (1) أو السنة، إلى غير ذلك والاجماع المحكي عن السيد في مواضع من كلامه، بل حكي عنه أنه جعله بمنزلة القياس، في كون تركه معروفا من مذهب الشيعة.
331

والجواب: أما عن الآيات، فبأن الظاهر منها أو المتيقن من إطلاقاتها هو اتباع غير العلم في الأصول الاعتقادية، لاما يعم الفروع الشرعية (1)،

(1) النجم: الآية 27 - 28.
332



(1) الاسراء: الآية 36.
333

ولو سلم عمومها لها، فهي مخصصة بالأدلة الآتية على اعتبار الاخبار (1).
334

وأما عن الروايات، فبأن الاستدلال بها خال عن السداد فإنها أخبار آحاد (1).
336

لا يقال: إنها وإن لم تكن متواترة لفظا ولا معنى، إلا أنها متواترة إجمالا، للعلم الاجمالي بصدور بعضها لا محالة (1).
فإنه يقال: إنها وإن كانت كذلك، إلا أنها لا تفيد إلا فيما توافقت عليه، وهو غير مفيد في إثبات السلب كليا، كما هو محل الكلام ومورد النقض والابرام، وإنما تفيد عدم حجية الخبر المخالف للكتاب والسنة (2)،
337

والالتزام به ليس بضائر (1)، بل لا محيص عنه في مقام المعارضة (2).
وأما عن الاجماع، فبأن المحصل منه غير حاصل، والمنقول منه للاستدلال به غير قابل، خصوصا في المسألة، كما يظهر وجهه للمتأمل، مع أنه معارض بمثله، وموهون بذهاب المشهور إلى خلافه.
وقد استدل للمشهور بالأدلة الأربعة (3):
339

فصل
في الآيات التي استدل بها: فمنها: آية النبأ، قال الله تبارك وتعالى: [إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا] (1). ويمكن تقريب الاستدلال بها من
340

وجوه (1): أظهرها أنه من جهة مفهوم الشرط، وأن تعليق الحكم بإيجاب التبين عن النبأ الذي جيء به على كون الجائي به الفاسق، يقتضي انتفاؤه

(1) الحجرات: الآية 6.
341

عند انتفائه (1).
343

ولا يخفى أنه على هذا التقرير لا يرد: أن الشرط في القضية لبيان تحقق الموضوع فلا مفهوم له، أو مفهومه السالبة بانتفاء الموضوع (1)،
345

فافهم (1).
نعم لو كان الشرط هو نفس تحقق النبأ ومجئ الفاسق به، كانت القضية الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع، مع أنه يمكن أن يقال: إن القضية ولو كانت مسوقة لذلك، إلا أنها ظاهرة في
348

انحصار موضوع وجوب التبين في النبأ الذي جاء به الفاسق، فيقتضي انتفاء وجوب التبين عند انتفائه ووجود موضوع آخر (1)،
349

فتدبر (1).
ولكنه يشكل بأنه ليس لها هاهنا مفهوم، ولو سلم أن أمثالها ظاهرة في المفهوم، لان التعليل بإصابة القوم بالجهالة المشترك بين المفهوم والمنطوق، يكون قرينة على أنه
ليس لها مفهوم (2).
350

ولا يخفى أن الاشكال إنما يبتني على كون الجهالة بمعنى عدم العلم، مع أن دعوى أنها بمعنى السفاهة وفعل ما لا ينبغي صدوره من العاقل غير بعيدة.
ثم إنه لو سلم تمامية دلالة الآية على حجية خبر العدل (1)، ربما أشكل شمول مثلها للروايات الحاكية لقول الامام عليه السلام بواسطة أو

(1) هود: الآية 46.
352



(1) النساء: الآية 17.
353

وسائط (1)، فإنه كيف يمكن الحكم بوجوب التصديق الذي ليس إلا بمعنى وجوب ترتيب ما للمخبر به من الأثر الشرعي بلحاظ نفس هذا الوجوب، فيما كان المخبر به خبر العدل (2) أو عدالة المخبر، لأنه وإن
354

كان أثرا شرعيا لهما، إلا أنه بنفس الحكم في مثل الآية بوجوب تصديق خبر العدل حسب الفرض (1).
356

نعم لو أنشأ هذا الحكم ثانيا، فلا بأس في أن يكون بلحاظه أيضا، حيث إنه صار أثرا بجعل آخر، فلا يلزم اتحاد الحكم والموضوع، بخلاف ما إذا لم يكن هناك إلا جعل واحد (1)،
357

فتدبر (1).
358

ويمكن ذب عن الاشكال (1)، بأنه إنما يلزم إذا لم يكن القضية طبيعية، والحكم فيها بلحاظ طبيعة الأثر، بل بلحاظ أفراده، وإلا فالحكم بوجوب التصديق يسري إليه سراية حكم الطبيعة إلى أفراده، بلا محذور لزوم اتحاد الحكم والموضوع (2).
359

هذا مضافا إلى القطع بتحقق ما هو المناط في سائر الآثار في هذا الأثر - أي وجوب التصديق - بعد تحققه بهذا الخطاب، وإن كان لا يمكن أن يكون ملحوظا لأجل المحذور (1)، وإلى عدم القول بالفصل بينه وبين سائر
361

الآثار، في وجوب الترتيب لدى الاخبار بموضوع، صار أثره الشرعي وجوب التصديق (1)، وهو خبر العدل، ولو بنفس الحكم في الآية به (2)، فافهم (3).
362

ولا يخفى أنه لا مجال بعد اندفاع الاشكال بذلك للاشكال في خصوص الوسائط من الاخبار، كخبر الصفار المحكي بخبر المفيد مثلا، بأنه لا يكاد يكون خبرا تعبدا إلا بنفس الحكم بوجوب تصديق العادل الشامل للمفيد، فكيف يكون هذا الحكم المحقق لخبر الصفار تعبدا مثلا حكما له أيضا (1)، وذلك لأنه إذا كان خبر العدل ذا أثر شرعي حقيقة
363

بحكم الآية وجب ترتيب أثره عليه عند إخبار العدل به، كسائر ذوات الآثار من الموضوعات، لما عرفت من شمول مثل الآية للخبر الحاكي للخبر بنحو القضية الطبيعية، أو لشمول الحكم فيها له مناطا، وإن لم يشمله لفظا، أو لعدم القول بالفصل، فتأمل جيدا (1).
364

ومنها: آية النفر، قال الله تبارك وتعالى: [فلولا نفر من كل فرقة منهم] طائفة الآية، وربما يستدل بها من وجوه (1):
أحدها: إن كلمة (لعل) وإن كانت مستعملة على التحقيق في معناه الحقيقي، وهو الترجي الايقاعي الانشائي، إلا أن الداعي إليه حيث يستحيل في حقه تعالى أن يكون هو الترجي الحقيقي، كان هو محبوبية التحذر عند الانذار، وإذا ثبت محبوبيته ثبت وجوبه شرعا، لعدم الفصل، وعقلا لوجوبه مع وجود ما يقتضيه، وعدم حسنه، بل عدم إمكانه بدونه (2).

(1) التوبة: الآية 122.
367

ثانيها: إنه لما وجب الانذار لكونه غاية للنفر الواجب، كما هو قضية كلمة (لولا) التحضيضية، وجب التحذر، وإلا لغا وجوبه (1).
370

ثالثها: إنه جعل غاية للانذار الواجب، وغاية الواجب واجب (1). ويشكل الوجه الأول، بأن التحذر لرجاء إدراك الواقع وعدم الوقوع في محذور مخالفته، من فوت المصلحة أو الوقوع في المفسدة، حسن، وليس

(1) طه: الآية 44.
372

بواجب فيما لم يكن هناك حجة على التكليف، ولم يثبت ها هنا عدم الفصل، غايته عدم القول بالفصل (1).
373

والوجه الثاني والثالث بعدم انحصار فائدة الانذار بإيجاب التحذر تعبدا، لعدم إطلاق يقتضي وجوبه على الاطلاق، ضرورة أن الآية مسوقة لبيان وجوب النفر، لا لبيان غايتية التحذر، ولعل وجوبه كان
374

مشروطا بما إذا أفاد العلم (1) لو لم نقل بكونه مشروطا به، فإن النفر إنما يكون لأجل التفقه وتعلم معالم الدين، ومعرفة ما جاء به سيد المرسلين
375

صلى الله عليه وآله وسلم، كي ينذروا بها المتخلفين أو النافرين (1)، على الوجهين في تفسير الآية، لكي يحذروا إذا أنذروا بها، وقضيته إنما هو وجوب
378

الحذر عند إحراز أن الانذار بها، كما لا يخفى (1).
379

ثم إنه أشكل أيضا، بأن الآية لو سلم دلالتها على وجوب الحذر مطلقا فلا دلالة لها على حجية الخبر بما هو خبر، حيث إنه ليس شأن الراوي إلا الاخبار بما تحمله، لا التخويف والانذار، وإنما هو شأن المرشد أو المجتهد بالنسبة إلى المسترشد أو المقلد (1).
381

قلت: لا يذهب عليك أنه ليس حال الرواة في الصدر الأول في نقل ما تحملوا من النبي صلى الله عليه وعلى أهل بيته الكرام أو الامام عليه السلام من الاحكام إلى الأنام، إلا كحال نقلة الفتاوى إلى العوام.
ولا شبهة في أنه يصح منهم التخويف في مقام الابلاغ والانذار والتحذير بالبلاغ، فكذا من الرواة، فالآية لو فرض دلالتها على حجية نقل الراوي إذا كان مع التخويف، كان نقله حجة بدونه أيضا، لعدم الفصل بينهما جزما، فافهم (1).
382

ومنها: آية الكتمان، إن الذين يكتمون ما أنزلنا... الآية.
383

وتقريب الاستدلال بها: إن حرمة الكتمان تستلزم وجوب القبول عقلا، للزوم لغويته بدونه (1)، ولا يخفى أنه لو سلمت هذه الملازمة

(1) البقرة: الآية 159.
384

لا مجال للايراد على هذه الآية بما أورد على آية النفر، من دعوى الاهمال أو استظهار الاختصاص بما إذا أفاد العلم، فإنها تنافيهما، كما لا يخفى (1)،
385

لكنها ممنوعة، فإن اللغوية غير لازمة، لعدم انحصار الفائدة بالقبول تعبدا، وإمكان أن تكون حرمة الكتمان لأجل وضوح الحق بسبب كثرة من أفشاه وبينه، لئلا يكون للناس على الله حجة، بل كان له عليهم الحجة البالغة (1).
387

ومنها: آية السؤال عن أهل الذكر فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. وتقريب الاستدلال بها ما في آية الكتمان (1).

(1) النحل: الآية 43. (2) الأنبياء: الآية 7.
389

وفيه: إن الظاهر منها إيجاب السؤال لتحصيل العلم، لا للتعبد بالجواب (1).
390

وقد أورد عليها: بأنه لو سلم دلالتها على التعبد بما أجاب أهل الذكر، فلا دلالة لها على التعبد بما يروي الراوي، فإنه بما هو راو لا يكون من أهل الذكر والعلم، فالمناسب إنما هو الاستدلال بها على حجية الفتوى لا الرواية (1).
391

وفيه: إن كثيرا من الرواة يصدق عليهم أنهم أهل الذكر والاطلاع على رأي الامام عليه السلام كزرارة ومحمد بن مسلم ومثلهما، ويصدق على السؤال عنهم أنه السؤال عن أهل الذكر والعلم، ولو كان السائل من أضرابهم، فإذا وجب قبول روايتهم في مقام الجواب بمقتضى هذه الآية، وجب قبول روايتهم ورواية غيرهم من العدول مطلقا، لعدم الفصل جزما في وجوب القبول بين المبتدئ والمسبوق بالسؤال، ولا بين أضراب زرارة وغيرهم ممن لا يكون من أهل الذكر، وإنما يروي ما سمعه أو رآه (1)
392

فافهم (1).
ومنها: آية الاذن ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين فإنه تبارك وتعالى مدح نبيه بأنه يصدق المؤمنين، وقرنه بتصديقه تعالى (2). وفيه:
393



(1) التوبة: الآية 61.
394

أولا: إنه إنما مدحه بأنه أذن، وهو سريع القطع، لا الاخذ بقول الغير تعبدا.
وثانيا: إنه إنما المراد بتصديقه للمؤمنين، هو ترتيب خصوص الآثار التي تنفعهم ولا تضر غيرهم، لا التصديق بترتيب جميع الآثار، كما هو المطلوب في باب حجية الخبر (1)، ويظهر ذلك من تصديقه للنمام بأنه ما
395

نمه، وتصديقه لله تعالى بأنه نمه (1)، كما هو المراد من التصديق في قوله عليه السلام فصدقه وكذبهم، حيث قال - على ما في الخبر - يا أبا محمد كذب
397

سمعك وبصرك عن أخيك: فإن شهد عندك خمسون قسامة أنه قال قولا، وقال: لم أقله، فصدقه وكذبهم فيكون مراده تصديقه بما ينفعه
398

ولا يضرهم، وتكذيبهم فيما يضره ولا ينفعهم، وإلا فكيف يحكم بتصديق الواحد وتكذيب خمسين (1)؟ وهكذا المراد بتصديق المؤمنين في
399

قصة إسماعيل، فتأمل جيدا (1).
400