الكتاب: نهاية الأفكار
المؤلف: تقرير بحث آقا ضياء ، للبروجردي
الجزء: ٢
الوفاة: ١٣٨٣
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة - إيران
ردمك:
ملاحظات:

النهاية الأفكار الجزء الثاني
في مباحث الألفاظ تقرير أبحاث العلامة المحقق آية الله العظمى
الشيخ آغا ضيأ الدين العراقي قدس سره تأليف الفقيه المحقق
و الأصولي المدقق الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي طاب ثراه
والثاني مؤسسة النشر الاسلامي (التابعة) لجماعة
المدرسين بقم المشرفة (إيران)
257

المبحث الرابع: في مقدمة الواجب
قد وقع الكلام بين الاعلام في أن إيجاب الشئ يقتضى إيجاب
مقدماته أم لا وذلك بعد الفراغ عن وجوبها عقلا بمناط اللابدية،
فمحل
الكلام انما هو وجوبها شرعا بالوجوب الغيري نظرا إلى دعوى
الملازمة بين إرادة الشئ وإرادة مقدماته، واما وجوبها بالوجوب
الشرعي النفسي فهو أيضا مما لم يتوهمه أحد كالوجوب الشرعي
الطريقي وكيف كان فتحقيق المرام في المقام يحتاج إلى بيان أمور:
الأمر الأول:
قد عرفت أن مورد الكلام في المقام بين الاعلام انما هو وجوب
المقدمة بالوجوب الشرعي الغيري، لا مطلق وجوبها ولو عقليا بمناط
اللابدية، ولا وجوبها الشرعي النفسي أو الطريقي، من جهة ان الأول
منها كما عرفت مورد إطباق الفريقين والأخيرين أيضا مورد
إطباقهم بالعدم خصوصا الأخير منها وهو الطريقي باعتبار عدم تصور
الوجوب الطريقي بالنسبة إلى المقدمة، فمرجع هذا البحث في
الحقيقة عندهم إلى البحث عن الملازمة بين إرادة الشئ وإرادة
مقدماته. ومن ذلك أيضا لا يختص هذا النزاع بخصوص مقدمة
الواجب
بل يجري في مقدمة الحرام والمكروه والمستحب كما هو واضح. كما أن
الظاهر هو عدم اختصاص النزاع بخصوص المقدمات التبعية
غير الواقعة تحت الخطاب المستقل كما لعله يظهر من بعضهم حسب
جعلهم مورد النزاع الوجوب التبعي الغيري الشرعي بل يعم البحث
هذه وما وقع منها مورد الامر وفي حيز خطاب مستقل كالوضوء والغسل ونحوهما
258

لان مجرد وقوعها تحت خطاب أصلي مستقل لا يقتضى وجوبها شرعا بالوجوب الغيري لامكان كون الامر بها في تلك الخطابات
إرشاديا إلى وجوبها العقلي بمناط اللابدية، فتأمل.
الأمر الثاني:
هل المسألة من المسائل الفرعية، أو هي من المسائل الأصولية العقلية، أو من المبادي الاحكامية الراجعة إلى البحث عن لوازم وجوب
الشئ، أو من المسائل الكلامية باعتبار رجوعها إلى البحث عن استحقاق المثوبة على الموافقة والعقوبة على المخالفة؟ فيه وجوه أبعدها
الأخير من جهة وضوح أن المقدمة على القول بوجوبها ليست مما يترتب عليها المثوبة والعقوبة عند الموافقة والمخالفة فان المثوبة و
العقوبة كانتا من تبعات موافقة الواجب النفسي ومخالفته لا من تبعات مطلق الواجب ولو غيريا، وما يرى من استحقاق العقوبة عند
ترك المقدمة فإنما هو من جهة تأدية تركها إلى ترك ذيها الذي هو الواجب النفسي لا من جهة انها مما يقتضى مخالفتها في نفسها مع
قطع النظر عن ترتب ترك ذيها استحقاق العقوبة عليها، كما لا يخفى. ومع لا مجال لعد المسألة من المسائل الكلامية، وحينئذ يدور
الامر بين كونها من المسائل الفرعية أو من المسائل الأصولية أو المبادي الاحكامية.
نعم قد يقال حينئذ بتعين كونها من المسائل الفرعية نظرا إلى ظاهر عنوان البحث وكون المقدمة أيضا فعلا من أفعال المكلف، فيكون
البحث عن وجوبها حينئذ كالبحث عن حكم سائر أفعال المكلف في كونه فرعيا محضا لا أصوليا، وعليه فكان ذكرها في المقام حينئذ
لمحض الاستطراد.
ولكن فيه أن عنوان البحث وإن كان هو البحث عن وجوب المقدمة وعدم وجوبها ولكن المهم المبحوث عنه كما عرفت لما كان ثبوت
الملازمة بين حكم شئ بواحد من الأحكام الأربعة وبين حكم مقدماته بلا نظر إلى خصوص الوجوب، فلا جرم لا تكون من المسائل
الفرعية غي المناسبة لتعرض الأصولي إياها في الأصول، بل عليه تكون المسألة أصولية محضة، إذ البحث عن الملازمة حينئذ كالبحث عن
سائر الأحكام العقلية غير المستقلة فلا ترتبط حينئذ بالمسألة الفرعية.
ومع الغض عن ذلك والاخذ بظاهر عنوان البحث نقول بعدم ارتباطها أيضا بالمسألة الفرعية لان الملاك في المسألة الفرعية، على ما
يقتضيه الاستقراء في مواردها انما هو
259

وحدة الملاك والحكم والموضوع، فكان المحمول فيها دائما حكما شخصيا متعلقا بموضوع وحداني بملاك خاص كما في مثل الصلاة
واجبة في قبال الصوم واجب والحج واجب، ومثل هذا الملاك غير موجود في المقام فلا يكون تعلق الوجوب المقدمة من باب تعلق
شخص حكم بموضوع وحداني بمناط وحداني خاص، بل بعد إن كان عنوان المقدمية من الجهات التعليلية لا التقييدية لا جرم الحكم
المحمول على العنوان المزبور يكون حاكيا عن وجوبات متعددة مختلفة شدة وضعفا بموضوعات عديدة بملاكات متعددة، فكان حال
المقدمة حينئذ بعد كون وجوبها بمناط دخلها في ذيها حال كل واجب يترشح إليه الوجوب من جهة دخله في ترتب المصلحة الخاصة عليه،
فيختلف الوجوب فيها حينئذ حقيقة وملاكا باختلاف ما يترتب على المقدمات نظير اختلاف الوجوبات باختلاف المصالح المترتبة
عليها، وعليه فلا يكون هذا العنوان في المقام حاكيا عن محمول واحد متعلق بموضوع واحد بملاك واحد كما في (الصلاة واجبة، و
الصوم الواجب) بل هو يكون حاكيا ومرآة موضوعا ومحمولا عن موضوعات متعددة محكومة باحكام متعددة بمناطات مختلفة، ومن
المعلوم حينئذ أنه لا يكون في البين حينئذ جهة وحدة في البحث المزبور الا حيثية الملازمة التي عرفت كونها محط النظر والبحث، و
عليه لا يكاد ارتباطها بالمسألة الفرعية بوجه أصلا، مضافا إلى ما عرفت أيضا من عدم اختصاص مورد البحث بخصوص مقدمة الواجب
بل عمومه في مقدمات الحرام والمكروه والمستحب أيضا مع ما لها من الاختلاف بحسب المراتب والمناط، فكان المقام من هذه الجهة
من قبيل البحث عن أن فعل المكلف هل يكون محكوما بالأحكام الخمسة أم لا ومعلوم حينئذ عدم ارتباطها بالمسألة الفرعية، كما هو
واضح.
على أنه ينطبق عليه أيضا ميزان المسألة الأصولية، فان ميزان كون المسألة أصولية كما أفادوه هو ما يكون نتيجتها واقعة في طريق
استنباط الحكم الفرعي على معنى وقوع نتيجتها كبرى في القياس لصغرى يفيد الحكم الفرعي، ومثل هذا الميزان ينطبق على المسألة
كما في قولك: (هذه مقدمة الواجب وكل مقدمة الواجب واجبة فهذه واجبة) كما ينطبق في فرض جعل النزاع في ثبوت الملازمة، غايته انه
على ذلك يحتاج إلى تشكيل قياسين في إنتاج الحكم الفرعي، بخلافه على ظاهر عنوان البحث، فإنه لا يحتاج الا إلى تشكيل قياس واحد.
واما توهم انتقاضه بمثل الشرط المخالف للكتاب والسنة لوقوع نتيجتها أيضا كبرى
260

في القياس في قولك: (هذا شرط مخالف للكتاب وكل ما هو كذلك فاسد فهذا فاسد) مع وضوح كونها من أجلى المسائل الفرعية،
فيدفعه شخصية الحكم المحمول فيها، بخلاف الحكم المحمول في المقام على عنوان المقدمية، ومعه لا وجه لجعل المسألة من المسائل
الفرعية غير المناسبة لتعرض الأصولي إياه في الأصول لمحض الاستطراد.
ثم إن ذلك كله بناء على الاخذ بظاهر عنوان البحث وهو وجوب المقدمة، والا فبناء على الاخذ بما هو المهم في المقام من ثبوت الملازمة
وعدمها فعدم ارتباطها بالمسألة الفرعية أوضح.
وعلى ذلك فهل هي من المسائل العقلية كالبحث عن غيرها من الملازمات أم هي من المبادي الاحكامية باعتبار كونها بحثا عن لوازم
وجوب الشئ وانه هل من لوازم وجوب الشئ وجوب مقدماته أم لا كالبحث عن أن من لوازم وجوب الشئ حرمة ضده، فيه وجهان:
حيث تناسب المسألة كلا منهما، فإنه بعد الفراغ من دلالته الصيغة على الوجوب كما يناسب البحث عن ثبوت الملازمة بين وجوب الشئ
ووجوب مقدمته كذلك يناسب البحث عن لوازم وجوب الشئ وإن كان الأنسب هو الأول، وعليه تكون المسألة من المسائل العقلية
الأصولية - حيث كانت من الأحكام العقلية غير الاستقلالية وكان ذكرها في المقام للمناسبة المزبورة - لا انها كانت لفظية كما ربما
يظهر من بعض كصاحب المعالم (قدس سره) حسب استدلاله على النفي بانتفاء الدلالات، اللهم الا ان يقال في وجه ذلك: بأنه من جهة
كشف الدلالة عن ثبوت الملازمة وعدم الدلالة عن عدم ثبوتها، بتقريب أنه على فرض الثبوت لا محالة يكون اللفظ دالا عليها بنحو
الالتزام فكان البحث حينئذ في دلالة الصيغة على الوجوب وهو بهذا الاعتبار عين البحث عن ثبوت الملازمة بين الإرادتين. ولا يخفى أنه
على ذلك لا يتوجه عليه إشكال الكفاية: بأنه إذا كان نفس الملازمة ثبوتا محل الاشكال لا مجال لتحرير النزاع في مرحلة الكشف و
الاثبات ومقام الدلالة بإحدى الدلالات، لان مقام الدلالة فرع ثبوت أصل المعنى. إذ نقول: بان ما أفيد من عدم المجال لا يراد البحث في
مقام الدلالة مع الاشكال في أصل ثبوت المعنى انما يتم بالنسبة إلى المدلول المطابقي الذي يمكن فيه تخلف الدلالة واما بالنسبة إلى
المدلول الالتزامي فحيث انه لا ينفك ثبوت الملازمة عن دلالة اللفظ عليها بنحو الالتزام فلا يتم هذا الاشكال، إذ عليه يكون البحث عن
دلالة الصيغة عين البحث عن ثبوت الملازمة و
261

يستكشف بنحو الان من دلالة الصيغة عن ثبوت الملازمة ومن عدم دلالتها عن عدم ثبوت الملازمة بين المعنيين. نعم يرد عليه حينئذ أن
مجرد ثبوت الملازمة بين معنيين ما لم يكن اللزوم بنحو البين بالمعنى الأخص لا يرتبط بمقام الدلالة اللفظية حتى تكون المسألة لفظية و
داخلة في مباحث الألفاظ، وعليه ينحصر الامر في المسألة في كونها عقلية محضة وكان ذكرها في مباحث الألفاظ للمناسبة المزبورة،
فتأمل.
الأمر الثالث:
أنهم قسموا المقدمة إلى تقسيمات:
منها تقسيمها بالداخلية والخارجية
وذكروا ان الداخلية هي الأمور المأخوذة في ماهية المأمور به وحقيقته المعبر عنها بالاجزاء، واما الخارجية فهي الأمور الدخيلة في
تحقق المأمور به الخارجة عن حقيقته وماهيته، كما في السبب والشرط والمانع والمعد، على ما يأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى.
فنقول: اما المقدمات الخارجية فسيأتي الكلام فيها في كونها مورد البحث إثباتا ونفيا. اما المقدمات الداخلية فلا إشكال في وجوبها
بالوجوب النفسي الضمني، وانما الكلام في وجوبها بالوجوب الغيري، ومنشأه انما هو الاشكال في أصل مقدمية الاجزاء وتحقق ملاك
المقدمية فيها، وغاية ما قيل أو يمكن ان يقال في وجه مقدمية أجزأ المركب دعوى ان المقدمة هي نفس ذوات الافعال بلا شرط وذا
المقدمة هو الكل الذي عبارة عن ذوات الافعال بشرط الاجتماع بنحو كان للهيئة الاجتماعية أيضا دخل فيه، نظير الهيئة السريرية
الحاصلة من اتصال الأخشاب بعضها ببعض، فان من المعلوم حينئذ ان تلك الذوات بملاحظة معروضيتها للهيئة متقدمة على الكل طبعا،
فتحقق فيها ملاك المقدمية، هذا.
ولكن التحقيق خلافه وانه لا مجال لاعتبار المقدمية في أجزأ المركب من جهة وضوح ان الملاك في مقدمية شئ لشئ انما هو كون
الشئ مما يتوقف عليه وجود الشئ وفي رتبة سابقة عليه، إذ لا يكاد انتزاع هذا العنوان إلا عما تقدم على الشئ رتبة بنحو يتخلل
بينهما الفاء كما في قولك: (وجد فوجد) وقضية ذلك لا محالة هي المغايرة والاثنينية في
262

الوجود بين المقدمة وذيها، والكاشف عن ذلك كان هو الفاء المزبور في قولك: وجد فوجد ومن المعلوم حينئذ انتفاء مثل هذا الملاك
بالنسبة إلى أجزأ المركب نظرا إلى أن المركب لا يكون في الحقيقة الا نفس الاجزاء بالاسر وفي ذلك لا يكون بينها وبين الاجزاء
المغايرة والاثنينية بحسب الهوية أو الوجود بوجه أصلا، ومن هذه الجهة أيضا نقول بعدم المجال لاعتبار المقدمية بين الطبيعي وافراده
كما توهم، لان الطبيعي بعد اتحاده مع فرده خارجا لا مغايرة ولا اثنينية بينهما حتى يجي فيه ملاك المقدمية وصح تخلل الفاء الكاشف
عن اختلاف الرتبة بينهما، كما هو واضح.
نعم لا يعتبر في صحة تخلل الفاء المزبور لزوم المؤثرية والمتأثرية بين الوجودين كما بين العلة والمعلول، بل يجري ذلك في مثل
العارض والمعروض أيضا كما في الصورة السريرية العارضة على الأخشاب المتعددة المتصل بعضها ببعض بالكيفية الخاصة، ولكن
ذلك أيضا غير مرتبط بعنوان الاجتماع والانضمام في المركبات الاعتبارية من جهة ان عنوان الاجتماع وكذا التركب والانضمام انما
كان انتزاعها في المركبات الشرعية عن جهة وحدة الأمر المتعلق بالمتكثرات الخارجية كما أن عنوان الانفراد والاستقلال أيضا كان
انتزاعهما عن تعدد الامر المتعلق بالمتكثرات، حيث إنه من تعلق تكليف واحد بعدة أمور يطرأ عليها وحدة اعتبارية ينتزع بها عنوان
الاجتماع والتركب والانضمام فيقال بأنها مجتمعات تحت وجوب واحد، ومن تعلق تكاليف متعددة بها ينتزع عنها عنوان الانفراد و
الاستقلال في مقام عروض الوجوب فيقال بأنها واجبات متعددة مستقلة وان فرض كونها في الخارج متلازمات الوجود لملازمتها مع
هيئة خارجية كما في أجزأ السرير وبهذه الجهة أيضا يمتاز العمومات المجموعية والاستغراقية حيث إن تمام الميز بينهما انما هو في
وحدة الإرادة القائمة بالمجموع وتعددها، كما هو واضح.
وعلى ذلك فبعد ما لا يمكن أخذ مثل هذه الوحدة الاعتبارية الطارية على المتكثرات الخارجية من قبل وحدة التكليف والوجوب في
متعلق هذا التكليف وموضوعه، فلا جرم في رتبة تعلق الوجوب لا يبقى إلا الذوات المتكثرة الخارجة ولا يكون متعلق الوجوب و
معروضه الا نفس الذوات المتكثرة، ومعه لا يبقى مجال لاعتبار الكلية والجزئية للواجب إذ لا يكون في هذه المرحلة أمر وحداني تعلق
به الوجوب حتى ينتهى الامر إلى مقدمية الاجزاء بوجه أصلا، ولئن شئت فاستوضح ذلك بذوات أمور متعددة في الخارج حيث
263

ترى انها مما لا اقتضاء في ذاتها للتركب والانضمام لولا طرو جهة وحدة عليها من وحدة اللحاظ والمصلحة أو التكليف، نظرا إلى
قابليتها لكونها مستقلات في عالم اللحاظ والمصلحة والتكليف بصيرورة كل واحد منها معروضا للحاظ مستقل ومصلحة مستقلة و
تكليف مستقل، وقابليتها أيضا لكونها منضمات ومجتمعات في عالم اللحاظ والمصلحة والوجوب بتعلق لحاظ واحد ومصلحة واحدة و
تكليف واحد بالجميع، إذ حينئذ بتعلق اللحاظ الواحد أو المصلحة الواحدة والتكليف الواحد يطرأ عليها جهة وحدة اعتبارية في تلك
المرتبة المتأخرة ينتزع بها عنها عنوان الاجتماع والارتباط والانضمام ونحوها من العناوين، كالكلية للمجموع والجزئية لكل واحد
من الذوات، فاعتبار الكلية انما هو بلحاظ ملاحظة اجتماع الذوات بأسرها تحت تكليف واحد، واعتبار الجزئية بلحاظ ملاحظة كل واحد
منها بشرط لا لكن في عالم العروض لا بحسب الخارج، وعلى ذلك فدائما كان العنوانان المزبوران وهما الكلية والجزئية اعتبارين
عرضيين منتزعين عن مرحلة تعلق الإرادة الواحدة بالأمور المتعددة المتكثرة بلا طولية بينهما أصلا.
ومن ذلك البيان يظهر الكلام في الذوات المعروضة للهيئة الخارجية كما في أجزأ السرير، إذ نقول فيها أيضا بعدم كون مناط التركب
في الواجب واستقلاله على مثل هذه الهيئة الخارجية العارضة على ذوات الأخشاب المتعددة، نظرا إلى إمكان كون كل واحدة من ذوات
الأخشاب المزبورة حينئذ تحت مصلحة مستقلة وتكليف مستقل بنحو كان كل واحدة منها واجبة بوجوب نفسي مستقل في قبال الأخرى،
غايته كونها حينئذ متلازمات الوجود في الخارج، كإمكان كون الجميع حينئذ تحت مصلحة واحدة وتكليف واحد، وربما ينتج ذلك في
كيفية التقرب بالامر من جهة الضمنية والاستقلالية وفي وحدة العقوبة والمثوبة وتعددهما في صورة الموافقة والمخالفة، فان ذلك
حينئذ برهان تام على عدم كون مناط التركب والاستقلال في الواجب على مثل هذه الوحدات الخارجية وان تمام المناط في التركب و
الاستقلال في الواجب على وحدة الوجوب المتعلق بالمتكثرات وتعدده وانه من تعلق وجوب واحد على المتكثرات ينتزع عنوان الكلية
للمجموع والجزئية للآحاد وان فرض عدم اجتماعها في الخارج تحت هيئة خارجية، كما أنه بتعلق وجوبات متعددة بها ينتزع عنها
استقلال كل واحد منها في عالم الوجوب وان فرض كونها في الخارج مجتمعات تحت هيئة خارجية.
264

وحينئذ فبعد إن كان مناط التركب في الواجب واستقلاله على وحدة الأمر وتعدده ولا يمكن أيضا أخذ مثل تلك الوحدة الاعتبارية
الناشئة من قبل وحدة الأمر في موضوعه ومتعلقه فكان متعلق الأمر عبارة عن ذوات المتفرقات الخارجية، فلا جرم يبطل القول
بمقدمية الاجزاء، من جهة انه حينئذ لم يكن في البين أمر وحداني تعلق به الوجوب والتكليف حتى يجي توهم المقدمية للاجزاء، إذ لا
يكون الواجب وما تعلق به الوجوب حينئذ الا الذوات المتعددة المتكثرة ولا كان في هذه المرحلة الكلية ولا الجزئية بوجه أصلا.
ثم إن هذا كله بناء على فرض خروج وصف الاجتماع عن الدخل في الملاك والمصلحة. واما بناء على مدخلية حيث وصف الاجتماع أيضا
في المصلحة فقد يتوهم حينئذ تحقق مناط المقدمية في الاجزاء، بتقريب: ان هذه الهيئة الاجتماعية حينئذ نظير الصورة السريرية الحاصلة
من الأخشاب العديدة، فتكون الذوات بملاحظة معروضيتها للهيئة الاجتماعية مقدمة عليها طبعا فتحقق فيها ملاك المقدمية. ولكنه
مدفوع - مضافا إلى ما ذكر من عدم كون مناط التركب على مثل هذه الهيئة الخارجية باعتبار إمكان كون كل واحد من الذوات والهيئة
واجبا بوجوب مستقل - بان غاية ذلك انما هي مقدمية ذوات الاجزاء بالنسبة إلى الهيئة التي هي جز المركب لا بالنسبة إلى نفس
المركب الذي فرضناه عبارة عن ذوات الاجزاء والهيئة الاجتماعية، ففي هذا الفرض أيضا لا يكون معروض الوجوب الا الأمور المتكثرة
التي منها الهيئة الاجتماعية. وبالجملة نقول: بأنه اما ان يجعل الواجب في الفرض عبارة عن خصوص الهيئة الاجتماعية واما ان يجعل
الواجب عبارة عن الذوات والهيئة الاجتماعية، فعلى الأول وإن كان يلزمه مقدمية الذوات للواجب من جهة كونها مما يتوقف عليها الهيئة
الاجتماعية كما في ذوات الأخشاب بالنسبة إلى الصورة السريرية، ولكنه حينئذ خارج عن مفروض البحث عن جهة صيرورة الذوات
حينئذ من المقدمات الخارجية لا الداخلية، وعلى الثاني يكون الواجب عبارة عن الأمور المتكثرة الخارجية التي منها الهيئة إذ حينئذ وان
يطرأ من قبل الهيئة المزبورة وحدة اعتبارية على الذوات المزبورة، ولكنه بعد إن كان معروض الوجوب عبارة من منشأ هذا الاعتبار
وهو الذوات المزبورة والهيئة الخارجية العارضة عليها لكونها هي التي تقوم بها المصلحة دون هذا الأمر الاعتباري، فلا جرم يكون
معروض الوجوب
265

عبارة عن المتكثرات الخارجية لا انه عبارة عن أمر وحداني مركب حتى ينتهى الامر إلى مقدمية الاجزاء للواجب المركب، فينتهى الامر
إلى البحث عن كونها واجبة بالوجوب الغيري للكل والمركب. نعم على هذا الفرض يتصور لذوات الاجزاء مناط المقدمية ولكنه لا
بالنسبة إلى المركب كما هو مفروض البحث بل بالنسبة إلى الهيئة التي هي جز الواجب، وبالنسبة إليها أيضا تكون الاجزاء من
المقدمات الخارجية لا الداخلية كما هو مفروض البحث.
وحينئذ فبمقتضى ما ذكرنا صح لنا بقول مطلق نفى المقدمية في أجزأ المركب الارتباطي سوأ على فرض مدخلية الهيئة الخارجية في
الغرض والمصلحة أو عدم مدخليتها نظرا إلى ما ذكرنا من كون مناط التركب والاستقلال في الواجب على وحدة الوجوب المتعلق
بالمتكثرات وتعدده وخلو معروض الوجوب عن مثل تلك الوحدات الاعتبارية المصلحة لاعتبار الكلية والجزئية والتركب والانضمام
وكونه عبارة عن ذوات المتكثرات الخارجية، إذ حينئذ لا يكون في رتبة سابقة عن تعلق الوجوب والتكليف جهة وحدة تقتضي تعلق
الوجوب بأمر وحداني مركب بما هو مركب بوجه أصلا، لما عرفت من أن هذه الجهة من الوحدة المصححة لاعتبار التركب والانضمام و
الكلية والجزئية للواجب انما هي ناشئة من قبل وحدة التكليف المتعلق بالأمور المتكثرة وهي - مضافا إلى اعتباريتها - من جهة
معلوليتها للتكليف وتأخرها الرتبي عنه من الممتنع أخذها في موضوع التكليف ومتعلقه.
لا يقال: بان ذلك كذلك بالنسبة إلى الوحدة الطارية من قبل الوجوب والتكليف، واما بالنسبة إلى الوحدة الناشئة من قبل وحدة اللحاظ
والمصلحة فلا بأس بأخذها في موضوع التكليف ومتعلقه، وحينئذ فأمكن اعتبار التركب في الواجب بهذا الاعتبار.
فإنه يقال: نعم وان أمكن ذلك ولا يلزم منه المحذور المتقدم من أخذ الشئ المتأخر عن الشئ في رتبة سابقة عليه، ولكن من الواضح
حينئذ ان ما تعلق به الوجوب لا يكون الا عبارة عن ما تقوم به المصلحة واللحاظ وهو لا يكون الا الذوات المتكثرة الخارجية لكونها هي
المؤثرة في الغرض والمصلحة دون العنوان الطاري عليها من قبل وحدة اللحاظ والمصلحة، فلا بد حينئذ من إلغاء هذه الوحدات طرا و
تجريد المتعلق منها حتى الوحدة الاعتبارية الناشئة من قبل وحدة المصلحة واللحاظ بجعله عبارة عن الذوات المتكثرة
266

الخارجية التي تعلق بها اللحاظ والمصلحة، ولازمه لا محالة حينئذ هو بطلان القول بمقدمية الاجزاء، لعدم أمر وحداني حينئذ في البين
تعلق به الوجوب وعدم كون هذا الموطن موطن اعتبار الكلية والجزئية للواجب لما تقدم من كونهما اعتبارين عرضيين منتزعين عن
مرحلة تعلق إرادة واحدة بالأمور المتكثرة الخارجية باعتبار اللحاظ بشرط لا تارة وبشرط شئ أخرى، أي لحاظ كل جز تارة في
خيال نفسه وقبال الغير بنحو لو انضم إليه شئ كان خارجا عنه في عالم عروض الوجوب من جهة قصر اللحاظ عليه فقط، ولحاظه
بشرط شئ أخرى أي لحاظه منضما مع غيره، ولا ففي رتبة قبل الامر والوجوب لا كلية ولا جزئية ولا تركب ولا انضمام في البين
بوجه أصلا.
ومن هذا البيان ظهر أيضا ان مجرد اعتبار الكلية والجزئية في موطن بعد الامر لا يكون أيضا مصححا لمقدمية الاجزاء للمركب بعد
فرض عينية المركب والاجزاء، من جهة ان المقدمية كما عرفت تقتضي الاثنينية والمغايرة مع ذيها في الوجود والطولية بينهما بحسب
المرتبة بنحو يصح تخلل الفاء بينهما وتلك المغايرة الاعتبارية بينهما باعتبار اللحاظ لا بشرط وبشرط لا لا تقتضي المغايرة والطولية
بينهما، كما لا يخفى.
وعليه فاصل هذا التقسيم - أي تقسيم المقدمية بالداخلية والخارجية مما لا مجال له بوجه من الوجوه. نعم انما يتصور المقدمية بالنسبة
إلى الاجزاء في المركبات الحقيقية العقلية التي لها وجود مستقل وصورة مستقلة غير صور الاجزاء كالأجسام الملتئمة من العناصر
الخاصة، فإنها باعتبار انقلاب الاجزاء فيها عما لها من الصور العنصري الخاص إلى الصور الجسمية أو النباتية وصيرورتها مواد لها
أمكن دعوى مقدمية الاجزاء المادية للمركب باعتبار تقدمها عليه وكونها من علل قوامه، واما بالنسبة إلى المركبات الارتباطية الجعلية
فلا مجال لهذا الكلام حتى فيما كان منها تحت هيئة خارجية كالأخشاب العديدة المعروضة للهيئة السريرية حتى مع كون الهيئة أيضا مما
لها الدخل في الغرض والمصلحة، كما في الصلاة حسب ما يستفاد من أدلة القواطع، حيث يستفاد منها ان للصلاة هيئة إتصالية وانها أيضا
مما لها الدخل في غرض النهي عن الفحشاء، فإنه في هذا النحو من المركبات التي لا يكون لها وجود وحداني حقيقي في الخارج لا يكاد
يكون معروض الوجوب فيها الا الذوات المتكثرة الخارجية التي منها الهيئة العارضة عليها، ومعه كيف يمكن اتصاف ذوات الاجزاء فيها
- مع كونها جز - بالمقدمية للمركب، ولعمري
267

ان تمام المنشأ في مصير من صار إلى مقدمية الاجزاء انما هو من جهة الخلط بين المركبات الحقيقية العقلية التي انقلب فيها الاجزاء حال
تركبها عمالها من الصور الخاصة إلى صورة أخرى ثالثة وبين هذا النحو من المركبات الاعتبارية الجعلية ومقايسة إحداهما بالأخرى،
ولكنك بعد ما أحطت خبرا بما ذكرنا تعرف وضوح الفرق بينهما وعدم صحة مقايسة أحدهما بالآخر.
ثم إنه لو بنينا على تحقق مناط المقدمية في أجزأ المركب اما مطلقا أو في خصوص ما كان منها تحت هيئة خارجية مع كون الهيئة أيضا
مما لها الدخل في الغرض والمصلحة حيث قلنا في تلك الصورة بتحقق مناط المقدمية في الاجزاء بالنسبة إلى الهيئة العارضة عليها، نقول
بامتناع اتصافها بالوجوب الغيري بعد فرض ثبوت الوجوب النفسي الضمني لها نظرا إلى محذور اجتماع المثلين في موضوع واحد
الذي هو من المستحيل. واما توهم تأكد الوجوب فيها حينئذ واشتداده فمدفوع بامتناع ذلك مع طولية الحكمين، كما أن توهم إجراء مثل
هذه الطولية حينئذ في رفع المحذور المزبور مدفوع بان الطولية الموجبة لرفع محذور اجتماع المثلين أو الضدين انما هي الطولية في
ناحية الموضوع كما في موارد الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري، حيث كان متعلق أحد الحكمين عبارة عن ذات الشئ ومتعلق الاخر
هي الذات في الرتبة المتأخرة عن الشك بحكمه، واما في فرض وحدة الموضوع وعدم تعدد الرتبة فيه فلا يكاد يفيد مجرد الطولية بين
الحكمين في رفع محذور اجتماع الحكمين المتضادين أو المثلين، لان العقل كما يأبى عن ورود حكمين عرضيين على موضوع وحداني
كذلك يأبى عن ورود الحكمين الطوليين أيضا كما هو واضح فتأمل.
لا يقال: بأنه انما يتوجه المحذور المزبور بناء على تعلق الاحكام بالخارج اما بدوا أو بتوسيط العناوين والصور، واما بناء على تعلقها
بالعناوين والصور الذهنية ولو بالنظر الذي ترى خارجية بلا سرايتها منها إلى الخارج، فلا جرم يرتفع المحذور المزبور، من جهة
تغاير المتعلقين حينئذ، لان لحاظ الجز منفردا لا في ضمن الغير ولحاظه في ظرف الانضمام بالجز الاخر صورتان متغايرتان في
الذهن غير صادقة إحداهما على الأخرى، ومعه فلا بأس بتعلق الوجوب النفسي بإحدى الصورتين والوجوب الغيري بالأخرى.
فإنه يقال: نعم وإن كان المتعلق في الاحكام والإرادات هي العناوين والصور الذهنية فأمكن تعلق الحكمين بالعنوانين المتغايرين ولو
مع اتحادهما بحسب المعنون
268

الخارجي، ولكن نقول: بأنه انما يجدى ذلك في رفع محذور اجتماع المثلين في ظرف اختلاف العنوانين بحسب المحكي والمنشأ أيضا
بنحو كان كل عنوان حاكيا عن منشأ غير ما يحكى عنه الاخر لا في مثل المقام الذي كان المحكي فيهما واحدا بحسب المنشأ أيضا. نعم لو
كان المراد من اعتبار الاجزاء بشرط لا اعتبارها بشرط لا عن الانضمام في الخارج لكان لما أفيد كمال مجال من جهة اختلاف العنوانين
حينئذ بحسب المحكي والمنشأ، ولكن الالتزام بذلك مشكل جدا، من جهة رجوعه حينئذ إلى وجوب المقدمة بشرط عدم الايصال إلى
ذيها، لان اعتبارها بشرط لا عن الانضمام في الخارج عبارة عن اعتبارها بشرط عدم الايصال وهو كما ترى لا يمكن الالتزام به، والا
فبناء على إرادة اعتبارها بشرط لا في عالم عروض الوجوب، فلا جرم يلزمه اتحاد العنوانين بحسب المحكي والمنشأ علاوة عن
اتحادهما بحسب المعنون الخارجي، وعليه يلزمه في صورة الانضمام في الخارج اجتماع الوجوبين في نفس تلك الأجزاء باعتبارين و
هو كما ترى من المستحيل وانه لا يجدى في دفع المحذور مجرد تلك المغايرة الاعتبارية، كما هو واضح.
وحينئذ فعلى كل تقدير الاجزاء المعبر عنها بالمقدمات الداخلية تكون خارجة عن محل النزاع اما لعدم ملاك المقدمية فيها كما هو
التحقيق أو لامتناع اتصافها بالوجوب الغيري بعد وجوبها بالوجوب النفسي.
ثم إن الثمرة بين القولين تظهر في باب الأقل والأكثر الارتباطيين من جهة مرجعية البراءة أو الاشتغال، فإنه على القول بالوجوب
الغيري للاجزاء ربما يتعين الامر في تلك المسألة في المصير إلى الاشتغال نظرا إلى وجود العلم الاجمالي بالتكليف وعدم صلاحية العلم
التفصيلي بمطلق وجوب الأقل أعم من الغيري والنفسي، للانحلال، لمكان تولده من العلم الاجمالي السابق عليه وتحقق التنجز في الرتبة
السابقة. واما على القول بعدم وجوب الاجزاء بالوجوب الغيري اما من جهة انتفاء ملاك المقدمية فيها أو من جهة محذور اجتماع المثلين
فأمكن القول بمرجعية البراءة في تلك المسألة نظرا إلى رجوع الامر حينئذ إلى علم تفصيلي بتعلق إرادة الشارع بذات الأقل ولولا بحده
وهو الخمسة مثلا والشك البدوي في تعلقها بالزائد، واما العلم الاجمالي فإنما هو متعلق بحد التكليف وانه الأقل أو الأكثر كالخط الذي
تردد حده بين الذراع أو الذراعين، ومثل هذا العلم لا أثر له في التنجز لان المؤثر منه انما هو العلم الاجمالي بذات التكليف لا بحده، و
تنقيح الكلام بأزيد من
269

ذلك موكول إلى محله، فالمقصود في المقام مجرد الإشارة إلى ثمرة البحث.
ومن التقسيمات تقسيمها إلى العقلية والشرعية والعادية
فالعقلية هي التي يتوقف عليها الشئ عقلا بنحو يستحيل تحققه بدونها. واما الشرعية فهي التي يتوقف عليها وجود الشئ شرعا لا عقلا
كالطهارة للصلاة. والعادية هي التي يتوقف عليها وجود الشئ عادة وان لم يتوقف عليها عقلا ولا شرعا، كتحصيل العلم في الأزمنة
المتمادية للبلوغ إلى مرتبة الاجتهاد ونصب السلم للصعود على السطح. نعم في الكفاية أورد على التقسيم المزبور وادعى برجوع إلى
العقلية، بتقريب: انه بعد اعتبار الشارع شرطية شئ لشئ كالطهارة للصلاة أو بعد اقتضاء العادة توقف شئ على شئ، لا محالة
يصير التوقف عقليا، من جهة استقلال العقل بعد توسيط الشارع أو قضاء العادة باستحالة تحقق المشروط بدون شرطه واستحالة
الصعود على السطح لغير الطائر بدون نصب السلم مثلا هذا. ولكن نقول: بأنه بعد توسيط جعل الشارع واعتباره أو قضاء العادة وإن كان
الامر كما ذكر من صيرورة التوقف عقليا، إلا أن هذا المقدار لا يقتضى رجوع الشرعية والعادية إلى العقلية، من جهة ان حكم العقل
بالتوقف حكم وارد على المقدمة فارغا عن الإناطة التي هي مناط مقدمية الشئ.
وحينئذ نقول: بأن محط النظر في هذا التقسيم انما هو في أصل تلك الإناطة من كونها تارة ذاتية محضة بلا توسيط شئ من جعل شرعي
أو قضاء عادي وأخرى شرعية محتاجة إلى اعتبار الشارع إياها كالصلاة في ظرف الطهارة فان الإناطة بين الصلاة والطهارة حينئذ
لم تكن ذاتية وانما هي من جهة توسيط جعل الشارع إياها من جهة انه لولا جعل الشارع لم يكن إناطة بين الطهور والصلاة بل كان
العقل يجوز تحقق الصلاة بدون الطهارة، ومجرد دخلها في المصلحة أيضا لا يقتضى إناطة الصلاة بها قهرا لامكان ان لا يعتبرها
الشارع فيها في مقام الامر بها ولو من جهة مصلحة أخرى كمصلحة التسهيل على المكلفين. وهكذا الامر في العاديات فإنه لولا قضاء
العادة لما كان إناطة بنظر العقل بينهما بوجه أصلا لتجويزه تحقق ذيها بدونها كما في علوم المعصومين عليهم السلام حيث
270

انها كانت حاصلة لهم من غير اشتغالهم بتحصيل العلم في مرور الزمان. نعم بعد تحقق الإناطة بتوسيط جعل الشارع أو بتوسيط قضاء
العادة يكون التوقف عقليا، لكن عرفت عدم كون محط النظر من التقسيم المزبور على ذلك وانما محطه في أصل الإناطة بين الوجود، و
عليه فالتقسيم المزبور يكون في محله، كما هو واضح.
ومن التقسيمات تقسيمها إلى مقدمة الوجود ومقدمة الصحة ومقدمة العلم
فالأولى هي ما يتوقف عليه وجود الشئ. والثانية ما يتوقف عليه صحة الشئ بنحو يستحيل اتصاف الذات بها بدونها. والثالثة ما
يتوقف عليه العلم بالشئ كالصلاة إلى أربع جهات عند اشتباه القبلة. ولكن الظاهر عدم كون مقدمة الصحة قسما برأسه لكونها اما
راجعة إلى مقدمة الوجوب أو إلى مقدمة الواجب، من جهة ان دخل الشئ اما ان يكون في اتصاف الذات بالوصف العنواني واما ان يكون
دخله في وجود المتصف فارغا عن أصل الاتصاف فعلى الأول يرجع إلى مقدمة الوجوب وسيأتي إن شاء الله تعالى خروجها عن حريم
النزاع وعلى الثاني يرجع إلى مقدمة الواجب. واما مقدمة العلم فقد يقال بخروجها أيضا عن حريم النزاع، لأنه ليس لنا مورد يكون
تحصيل العلم واجبا شرعا حتى ينازع في وجوب مقدماته، وهو كذلك في غير المعارف الاعتقادية المطلوب فيها المعرفة نفسيا كالعلم
بوجود الصانع وصفاته الثبوتية والسلبية ومعرفة النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام وعقد القلب والانقياد لهم، واما في
الأحكام الشرعية فالامر كما ذكر من خروج مقدمات العلم عن حريم النزاع بناء على التحقيق من عدم وجوب قصد الوجه والتميز شرعا
في الواجبات، إذ حينئذ لا يكون لنا مورد في الأحكام الشرعية كان العلم واجبا شرعا حتى ينازع في وجوب مقدماته.
وذلك اما في مقام فراغ الذمة عند العلم الاجمالي بالتكليف فواضح، لان وجوبه حينئذ لا يكون الا عقليا محضا إرشادا منه إلى عدم
الوقوع في محذور مخالفة التكليف الثابت المنجز بمقتضى العلم الاجمالي.
271

واما وجوب الفحص في الشبهات البدوية الحكمية فكذلك أيضا، فان وجوبه أيضا لا يكون الا عقليا محضا، اما من جهة عدم تحقق
موضوع حكمه بالقبح لاختصاصه بالشك المستقر غير الزائل بالفحص عن وجود التكليف، أو من جهة منجزية احتمال التكليف للواقع
على تقدير وجوده وعدم معذورية المكلف لولا الفحص في رجوعه إلى الأصول النافية، بل حينئذ لو ورد من الشارع حكم فيه
بالوجوب لا يكون حكمه إلا إرشادا محضا كما هو واضح.
ومن ذلك أيضا يظهر الحال فيما ورد من الامر بوجوب التعلم كقوله: (هلا تعلمت) فإنه أيضا لا يكون الا إرشاديا محضا إلى ما يحكم به
العقل من وجوب التعرض للأحكام الصادرة من الشارع والفحص عنها بالمقدار اللازم وعدم جواز الرجوع إلى البراءة والا يتوجه
الجواب عنه أيضا بأنه: (ما عملت بوجوب تحصيل العلم بالأحكام الشرعية) كما أجيب عن عدم العمل بالأحكام الشرعية، فان انقطاع
الجواب حينئذ كاشف عن أن وجوب تحصيل العلم من الارتكازات العقلية، وعليه فلا يكون الامر به الا إرشاديا محضا لا شرعيا مولويا.
وهكذا الكلام في بعض الشبهات الموضوعية الواجب فيها الفحص كما في باب الزكاة ومسألة الاختبار عند اشتباه الدم وتردده بين
العذرة والحيض، فان الفحص في الثاني انما هو من جهة العلم الاجمالي حينئذ بإحدى الوظيفتين: اما وجوب الصلاة والصوم عليها أو
حرمتهما وحرمة الدخول في المسجد، إذ حينئذ يكون وجوب الفحص أيضا واجبا إرشاديا لا مولويا. واما الفحص في الأول فهو وإن كان
على خلاف القواعد الجارية في كلية الشبهات الموضوعية، ولكن نقول بان الامر بالتسبيك حينئذ انما هو من جهة رفع احتمال
التكليف نظرا إلى منجزية الاحتمال المزبور حينئذ للواقع وعدم معذورية المكلف حينئذ لولاه في الرجوع إلى الأصول النافية، كما
ذكرنا تحقق الكلام في ذلك في شبهات البراءة عند التعرض لوجوب الفحص عن الاحكام في صحة الرجوع إلى البراءة، وعليه أيضا لا
يكون وجوب الفحص الا إرشاديا محضا. وهكذا الكلام في الأوامر الواردة في الفحص عن الماء غلوة أو غلوتين في جواز التيمم، فان
ذلك أيضا لا يكون إلا إرشاديا محضا إلى حكم العقل باعتبار حكمه بمقتضى قاعدة الاشتغال بلزوم الفحص لرفع احتمال وجود الماء
في الانتقال إلى التيمم.
272

وحينئذ فبعد ما لا يكون في الشرعيات مورد يكون العلم واجبا شرعيا بالوجوب المولوي، فلا جرم لا يبقى مجال للنزاع في مقدمة العلم
والبحث عن وجوبها شرعا. نعم لو بنينا على وجوب نية الوجه والتميز في الواجبات فباعتبار توقف الوجه والتميز على العلم بوجه
المأمور به ربما يدخل مقدماته حينئذ في حريم النزاع، ولكن بعد إن كان التحقيق هو عدم وجوبها شرعا فلا محالة يخرج مقدمات العلم
بقول مطلق عن حريم النزاع، كما لا يخفى.
ومن التقسيمات: تقسيمها إلى المقتضى والشرط والمانع
وقد عرفوا المقتضى وهو السبب والعلة في لسان الحكم بما يلزم من وجوده الوجود دائما ذاتا، والشرط بما يلزم من عدمه العدم، و
المانع بما يلزم من وجوده العدم. وهذا التعبير يقتضى اختلاف المقتضى مع الشرط والمانع في كيفية الدخل في وجود المعلول وتحققه
وعدم كون الجميع على وزان واحد في ذلك وان مناط دخل كل غير ما هو المناط في الاخر، والا لما كان وجه للعدول في الشرط و
المانع عن التعريف المزبور للمقتضى وهو كذلك، فان ملاك المقدمية في المقتضى عبارة عن حيثية المؤثرية، إذ هو في الحقيقة عبارة
عن معطي الوجود لأنه هو الذي يخرج المعلول من كمونه ويستند إليه وجوده، كما في مثل النار والاحراق، حيث يرى أن ما ينشأ و
يتولد منه الاحراق انما هو النار خاصة. وهذا بخلافه في مثل الشرط والمانع، فان دخلهما فيه لا يكون على نحو دخل المقتضى في كونه
بنحو المؤثرية والمتأثرية بل وانما كان بمناط آخر غير المؤثرية كما ستعرف، كيف ولا إشكال بينهم في أن عدم المانع من المقدمات
ومن أجزأ العلة التامة حسب تفسيرهم إياها بالأمور الثلاثة: المقتضى والشرط وعدم المانع، ويكشف عنه أيضا التزامهم بترشح
الحرمة الغيرية نحو المانع في مثل الصلاة في غير الأكول وبنائهم على جريان (كل شئ لك حلال) في مشكوك المانعية عند الشك في
كون اللباس من المأكول أو غيره، بتقريب اقتضاء القاعدة حلية المشكوك ولو غيريا والترخيص في إيجاد الصلاة فيه.
مع أنه من المستحيل ان يكون دخل عدم المانع في تحقق المعلول بنحو المؤثرية كما في
273

المقتضى، لضرورة انه لا سنخية بين الوجود والعدم، فكيف يمكن دخل العدم المزبور في وجود المعلول بنحو المؤثرية فلا محيص
حينئذ اما من إخراج عدم المانع من المقدمات ومن أجزأ العلة التامة واما من الالتزام بوجه آخر في مناط مقدمية على المانع غير مناط
المؤثرية، بدعوى مدخليته في قابلية المعلول والأثر بلحاظ إضافته إليه للتحقق والانوجاد من قبل موجده ومؤثره، والأول كما ترى
خلاف ما أطبقوا عليه من كون عدم المانع من أجزأ العلة ومن مقدمات وجود المعلول، فتعين الثاني بعد بطلان المؤثرية فيه.
واما توهم ان ذلك انما هو بالنسبة إلى العدم المطلق لا مطلقا حتى بالنسبة إلى العدم المضاف فان الثاني مما له شائبة من الوجود ومن
ذلك يتميز أحدهما عن الاخر كعدم زيد في قبال عدم عمرو والا فلا ميز بين الاعدام فمدفوع بان مجرد إضافة العدم إلى الماهية لا
يصير العدم المزبور وجودا كيف وان المضاف - وهو العدم - بنفسه نقيض الوجود واما المضاف إليه وهو الماهية فائضا غير مقتض
للوجود لان حيثيتها حيثية عدم الاقتضاء للوجود والعدم، ولذا قيل: بان الماهية من حيث هي ليس الا هي لا موجودة ولا معدومة، و
حينئذ لا يبقى في البين الا نفس الإضافة التي هي من الأمور الاعتبارية وأيضا غير مقتضية للوجود. وبالجملة ان إضافة العدم إلى الماهية
ليس الا كإضافة ماهية إلى ماهية أخرى فكما ان إضافة ماهية إلى ماهية لا تقتضي وجودا كذلك في إضافة العدم إليها، بل في إضافة
الماهية إلى الماهية ربما يكون الامر أهون، لكون الماهية بنفسها غير آبية عن الوجود بخلافه في العدم فإنه بنفسه نقيض الوجود و
طارد له، نعم الإضافة المزبورة كما ذكر موجبة لتميز الاعدام بعضها عن بعض كقولك: عدم زيد غير عدم عمرو، ولكن مجرد ذلك لا
يقتضى موجوديته ومؤثريته في الوجود، كما هو واضح.
ومن ذلك وقعوا في حيص وبيص في وجه دخل عدم المانع، فأفاد بعضهم ان مناط الدخل فيه انما هو من جهة منافاة وجوده مع تأثير
المقتضى وحيلولته بينه وبين اثره، كما في رطوبة الخشب المانعة عن تأثير النار في الاحراق الفعلي. ولكن فيه ما لا يخفى، إذ نقول بان
مرجع ذلك إلى جعل المانع من أضداد تأثير المقتضى الذي هو الأثر المترتب عليه، من جهة ان تأثير الشئ عبارة عن عين اثره كالايجاد
والوجود وانما أفرق بينهما بالاعتبار بلحاظ إضافته إلى الفاعل تارة وإلى القابل أخرى، ومثل هذا المعنى كما ترى مناف مع مقدمية
العدم المزبور، لان لازم مضادة وجوده مع تأثير المقتضى واثره هو صيرورة وجوده في
274

رتبة تأثير المقتضى الذي هو اثره، ولازمه بمقتضى انحفاظ الرتبة بين النقيضين هو صيرورة عدمه أيضا في تلك الرتبة وهو كما ترى
مناف مع مقدمية العدم المزبور للأثر وكونه من أجزأ العلة التامة، فلا بد حينئذ في حفظ المضادة المزبورة من إخراج عدم المانع عن
المقدمات والا فمع حفظ المقدمية فيه يستحيل ان يكون وجه دخله بمناط المضادة والمنافاة المزبورة، كما هو واضح.
وأضعف من ذلك جعل مناط دخل عدم المانع جهة منافاة وجوده مع مناط المطلوب ومصلحته، إذ نقول: بان مرجع ذلك أيضا إلى جعل
وجود المانع من أضداد المصلحة المترتبة على المطلوب، ولازمه بمقتضى انحفاظ الرتبة بين النقيضين ان يكون عدمه في رتبة لا حقة
عن المطلوب، وهو كما ترى من المستحيل اجتماعه مع فرض مقدمية عدم المانع للمطلوب لان مقتضى مقدمية العدم المزبور هو كونه
في رتبة سابقة على المطلوب بنحو يتخلل بينهما الفاء المزبور، فكيف يمكن حينئذ جعله من أضداد مصلحة المطلوب نعم لهذا الكلام
مجال بناء على عدم مقدمية عدم المانع، ولكن الالتزام بذلك أيضا كما عرفت مناف لما تسالموا عليه من مقدميته وكونه من أجزأ العلة
التامة بل ولاستدلالهم بدليل الحلية في مشكوك المانعية في مسألة غير المأكول لاثبات الحلية الغيرية والترخيص في إيجاد الصلاة فيه
حتى من القائل المزبور.
وحينئذ نقول: بأنه بعد ما لا يمكن ان يكون دخل عدم المانع في المطلوب بمناط المؤثرية والمتأثرية لاختصاص مثل هذا الدخل
بخصوص السبب والمقتضى وعدم تصوره في الاعدام، ولا بمناط المنافاة والمزاحمة مع المطلوب أو مصلحته، فلا محيص وأن يكون
مناط الدخل فيه وكذا الشرائط بوجه آخر، وليس ذلك الا دعوى دخله في قابلية المعلول والأثر للتحقق والانوجاد من قبل موجده و
مؤثره على معنى دخله في تحدد الطبيعة بحد خاص يكون بذلك الحد قابلا للتحقق، بحيث لولا ذلك الحد الخاص الناشئ من إضافة
الطبيعة إلى العدم المزبور - ككون الشئ في ظرف عدم كذا - لما كان قابلا للتحقق من قبل موجده ومقتضية: ومرجع هذا الدخل في
الحقيقة إلى دخل طرف الإضافة في الإضافة ودخل منشأ الاعتبار في الأمر الاعتباري، ومن المعلوم أيضا كفاية هذا المقدار من الدخل
في مقدمية عدم المانع بنظر العقل للمطلوب وتقدمه الرتبي عليه وصحة تخلل الفاء بينهما في قولك: وجد المانع فعدم المطلوب، وذلك
لما تقدم سابقا بأنه لا
275

يحتاج في صحة تخلل الفاء المزبور بين الشيئين اعتبار المؤثرية والمتأثرية بينهما، ولذلك يصح هذا التخلل فيما بين العارض و
المعروض أيضا مع أنه لا يكون بينهما اعتبار المؤثرية والمتأثرية، بل وفيما بين عدم العلة وعدم المعلول في قولك: (عدم العلة فعدم
المعلول) بل يكفي فيه مجرد التقدم الرتبي لاحد الامرين على الاخر ولو كان ذلك بمناط انحفاظ الرتبة بين النقيضين كما في العلة و
المعلول، فان وجود العلة لما كان في رتبة سابقة على وجود المعلول يكون عدمها أيضا بمقتضى انحفاظ الرتبة بين النقيضين في رتبة
سابقة على عدمه فصح تخلل الفاء بينهما مع أنه لا تأثير بين الاعدام.
وحينئذ نقول في المقام أيضا: بان العدم المزبور من حيث وقوعه طرفا للإضافة ومنشئيته لتحدد الشئ بحد خاص ينال العقل جهة
المقدمية منه ويرى كونه في رتبة سابقة على الحد المزبور بنحو يفصل الفاء المزبور بينهما الكاشف عن اختلاف الرتبة بينهما، كما
كان ذلك أيضا بالقياس إلى بعض الأمور الوجودية ككون الشئ مثلا في ظرف وجود كذا وفي مكان كذا فإنه قد يكون الشئ لا
يكون فيه القابلية للوجود والتحقق ولو مع وجود مقتضية وتماميته في مرحلة اقتضائه الا إذا كان محدودا بحدود خاصة ناشئة تلك
الحدود من إضافته إلى بعض الأمور الوجودية والعدمية، واما دخل مثل هذا الحدود في القابلية المسطورة فهو لا يكون إلا ذاتيا فلا
يعلل بأنه لم وبم، لان مرجع ذلك إلى أن ما هو القابل للتحقق من الأول هو الشئ المحدود.
ومن ذلك أيضا يندفع بعض الاشكالات المتوهمة بالنسبة إلى تأخر وجود الممكنات مع سعة فيض الباري عز اسمه وقدرته على كل
شئ، إذ نقول: بان عمدة الوجه فيه انما هو من جهة عدم قابليته للوجود والتحقق باعتبار مدخلية بعض الأمور في قابليته للوجود
كمرور الزمان ونحوه.
ومن ذلك البيان أيضا ظهر وجه دخل الشرائط وانه لا يكون دخلها إلا كدخل عدم المانع في كونه من قبيل دخل منشأ الاعتبار في الأمر الاعتباري
الراجع إلى دخلها في قابلية الأثر للتحقق باعتبار كونها مما تقوم به الحدود الخاصة التي بها يكون الأثر قابلا للتحقق لا
بدونها، لا ان دخلها كان من قبيل دخل المقتضى بنحو المؤثرية والمتأثرية، ولذلك أيضا لم يعرفوا الشرائط بما عرفوا به المقتضى بل
عرفوه بما يلزم من عدمه العدم، قبال المقتضى الذي يلزم من وجوده الوجود ولو لذاته.
276

ثم إنه لا يفرق فيما ذكرنا بين ان يكون الشرائط راجعة إلى مقام التأثير الفعلي وبين رجوعها إلى مقام أصل الاقتضاء، فإنه على كل
تقدير لا دخل لها الا في حدود الشئ غايته انه على الأول يرجع دخلها إلى قابلية الأثر والمقتضى (بالفتح) للتحقق، وعلى الثاني يرجع
دخلها إلى قابلية المقتضى في اقتضائه للتأثير باعتبار ان ما هو المؤثر من الأول هو الوجود المحدود بالحدود الخاصة، واما دخل هذه
الحدود في القابلية المزبورة في المقتضى فهو كما عرفت لا يكون الا ذاتيا غير معلل بلم وبم.
وعلى ذلك فدخل الشرائط وكذا الموانع لا يكون الا كونها طرفا للإضافة ومحددة للشئ بحدود خاصة، وهذا المقدار من الدخل أيضا
كما عرفت يكفي في نيل العقل جهة المقدمية منها وكونها في رتبة سابقة على المحدود كما هو واضح، ولئن شئت فاستوضح ذلك بمثل
الصلاة التي ورد انها قربان كل تقي وتنهى عن الفحشاء وما اعتبر الشارع فيها من القيود الوجودية والعدمية ككونها عن طهور و
كونها إلى القبلة وفي حال الستر وكونها في ظرف عدم أمر كذائي، إذ لا إشكال حينئذ في أن ما يترتب عليه النهي عن الفحشاء و
الكمال والقرب ليس الا ذات الصلاة التي هي موضوع الامر في خطاب أقيموا الصلاة وان دخل تلك القيود المعتبرة فيها من الطهور و
القبلة والستر وعدم التكتف ونحوها لا يكون إلا في حدود تلك الطبيعة الناشئة تلك الحدود من إضافة الصلاة إلى الأمور المزبورة و
لو من جهة ان ما هو المؤثر في كمال العبد من الأول هي الطبيعة المحدودة بالحدودات الخاصة والذات الواجدة للتقيد بالأمور الخاصة
لا مطلق الطبيعة ولو فاقدة عن التقيدات والإضافات المزبورة، إذ حينئذ يكون مرجع تلك القيود المعتبرة فيها إلى تضيق في دائرة
الطبيعة المزبورة وإخراجها عما لها من الاطلاق ثبوتا في عالم مؤثريتها في القرب والكمال باعتبار تلك التقيدات الحاصلة للطبيعة من
إضافتها إليها، ومن ذلك تكون التقيدات والإضافات طرا داخلة في المطلوب، والقيود نفسها خارجة عنه ومقدمة للمطلوب باعتبار
كونها مما تقوم به تلك التقيدات والإضافات كما اشتهر بان التقيد جز والقيد خارج، من دون فرق فيما ذكرنا بين الشرائط والموانع،
من جهة انه لا نعنى بالمانع الا ما اعتبر عدمه قيدا للمطلوب حسب ما عرفت آنفا.
فعلى ذلك فجميع القيود من الشرائط والموانع سوأ كانت راجعة إلى أصل اقتضاء الشئ أو إلى تأثيره الفعلي واثره يكون مناط دخلها
من باب دخل منشأ الاعتبار في
277

الأمر الاعتباري ودخل ما به الإضافة والتقيد في التقيد، لا من باب المؤثرية والمتأثرية كما في المقتضى، ولا من باب المنافاة و
المزاحمة مع المطلوب أو مناطه.
نعم في العلل الخارجية قد يشتبه الامر بين الملازمات والشرائط وبين الأضداد والموانع كما لعله هو العمدة في ذهاب من ذهب إلى
كون دخل عدم المانع من باب منافاة وجوده مع المطلوب ولكنه بعد التأمل فيما ذكرنا في العلل والمعلولات الشرعية كالصلاة وما
اعتبر فيها من القيود الوجودية والعدمية بالنسبة إلى حيث القرب والنهي عن الفحشاء لا مجال لهذه التجشمات إذ حينئذ يقطع بان دخل
الشرائط والموانع لا يكون الا في الحدود والتقيدات وان ما هو المؤثر لا يكون الا المقتضى خاصة، غايته بما انه محدود بحدود خاصة،
ولكن لا يلزم من ذلك أي من أخذ التقيدات جزا تأثيرها في المعلول وفي الصلاح والفساد، كي يشكل بأنها من جهة كونها أمورا
اعتبارية غير صالحة للمؤثرية في الوجود فلا بد وأن يكون المؤثر هو منشأ اعتبارها، إذ حينئذ نقول: بان ما هو المؤثر والمعطي
للوجود انما هو عبارة عن وجود المحدود، فمن قبل وجوده ينشأ وجود الأثر ومن قبل حده ينشأ حد الأثر، فتدبر.
وقد يتقرب وجه دخل الشرائط بأنه اما متمم للفاعل في فاعلية أو متمم للقابل. ولكن نقول: بأنه على الأول من متمميته للفاعل ان أريد
دخله في حدود الفاعل وفي أصل الاقتضاء والفاعلية - ولو باعتبار انه لولا تلك الحدود الخاصة للشئ لا يكون تاما في اقتضائه في
التأثير - فهو وإن كان صحيحا، ولكنه يرجع إلى ما ذكرناه في وجه دخل الشرائط، فلا يكون ذلك البيان تقريبا آخر في وجه دخل
الشرائط. وان أريد من المتممية للفاعل دخلها في ترتب الأثر وبعبارة أخرى أريد من ذلك كونها من أجزأ المقتضى بحيث عند
وجودها يترتب الأثر عليها وعلى المقتضى معا، فعليه وإن كان دخلها حينئذ بنحو المؤثرية الا انه يلزمه وقوعها في عرض المقتضى لا
من مقدماته وفي رتبة سابقة عليه فيلزمه حينئذ نفى المقدمية عن مثل الطهور والستر والقبلة ونحوها بالنسبة إلى الصلاة التي هي
مقتضية للنهي عن الفحشاء ونفى الوجوب الغيري لها من جهة ان مقدمية الأمور المزبورة للصلاة تقتضي كونها في رتبة سابقة عن
الصلاة، وهو كما ترى مناف لما عليه عامة الأصحاب من مقدمية الأمور المزبورة للصلاة بل مناف أيضا لما يقتضيه لسان أدلة اعتبارها
من نحو قوله، عليه السلام: لا صلاة الا بطهور، ولا صلاة الا إلى القبلة ونحو
278

ذلك، فان هذه الأدلة ينادى بان ما هو الواجب والمأمور به هو الصلاة المتقيدة بكونها عن طهور وإلى القبلة وفي حال الستر ونحو
ذلك وان اعتبار الأمور المزبورة انما هو من جهة كونها مما تقوم به تلك التقيدات، كما هو واضح.
واما على الثاني من متممية الشرائط للقابل، فنقول أيضا: بأنه ان أريد من القابل نفس ماهية الأثر فلا ريب في أنه يرجع حينئذ إلى ما
ذكرنا، من جهة ان قضية دخلها فيه حينئذ ليس إلا في استعداده وقابليته للتحقق عند وجود علته، فلا يكون دخلها حينئذ دخلا تأثيريا بل
انما هو من قبيل دخل طرف الإضافة في الإضافة كما حققناه. وان أريد من القابل المحل الذي يوجد فيه الأثر كالخشب الذي هو محل
الاحراق والنفس التي هي معروضة الكمال بدعوى ان اليبوسة مثلا موجبة لاستعداد الخشب وقابليته لورود الاحراق عليه وكذا الطهور
مثلا بوجوب لاستعداد النفس وقابليتها لورود الكمال عليها من قبل الصلاة، فعلية وان أمكن دعوى كون الشرائط مؤثرات في
الاستعداد والقابلية المزبورة نظرا إلى كون القابلية حينئذ أمرا وجوديا لكونها مرتبة من كمال الشئ، ولكنه حينئذ ينقل الكلام في
دخل القابلية المزبورة في تحقق الأثر وانه هل هو بنحو المؤثرية أو بنحو الدخل في حدوده، إذ حينئذ ما له الدخل في الأثر لا يكون الا
القابلية المزبورة، واما الشرائط الخارجية فإنما هي مقدمة للقابلية التي هي الشرط في الحقيقة في تحقق الأثر، فلا محيص حينئذ بعد
اللتيا والتي ومن المصير إلى كون دخل الشرائط في المعلول من قبيل دخل منشأ الاعتبار في الأمر الاعتباري ودخل ما تقوم به الحدود
في المحدود لا من باب المؤثرية والمتأثرية، كما لا يخفى.
ثم إنه مما ذكرنا من المناط في مقدمية الشرائط والموانع يظهر لك اندفاع الاشكال المعروف في الشرائط المتأخرة وعدم لزوم
انخرام قاعدة عقلية: من لزوم تحقق المعلول قبل وجود علته، إذ نقول: بان ذلك انما يرد إذا كان دخل الشرائط أيضا كالمقتضي بنحو
المؤثرية إذ حينئذ يتوجه الاشكال المزبور في شرطية الوجودات المتأخرة، وإلا فبناء على ما قررناه من كون دخلها من باب دخل منشأ
الاعتبار في الأمر الاعتباري لا يكاد مجال للاشكال المزبور، حيث أمكن حينئذ تصوير الشرطية للوجودات المتأخرة بعين تصويرها
للوجودات المقارنة والمتقدمة، إذ حينئذ كما يمكن ان يكون الشئ بوجوده المقارن محددا للماهية بحد خاص تكون بذلك الحد قابلة
للتحقق عند وجوده مقتضيها كذلك يمكن ذلك في الوجود
279

السابق المعدوم حال وجود الأثر وفي الوجود المتأخر، فيمكن ان يكون الشئ بوجوده السابق المعدوم حين الأثر دخيلا في قابلية الأثر
للتحقق أو في تمامية المقتضى في اقتضائه في التأثير، كإمكان ان يكون الشئ بوجوده المتأخرة دخيلا في القابلية المزبورة نظرا إلى
مدخلية الحدود الخاصة للشئ الحاصلة من إضافته إلى الامر المتقدم أو المتأخر في قابلية للتحقق وترتب الغرض والمصلحة عليه. واما
دخل تلك الحدود في القابلية المزبورة فهو كما عرفت لا يكون الا ذاتيا، لان مرجع ذلك إلى أن ما له القابلية للتحقق من الأزل هي
الطبيعة المحدودة بالحدود الخاصة الناشئة من إضافتها إلى أمر كذائي مقارن أو سابق أو لا حق.
وحينئذ فلو ورد في لسان الدليل إناطة الشئ بأمر متأخر زمانا عن الشئ - كإناطة صحة الصوم للمستحاضة بغسل الليلة المتأخرة و
إناطة صحة العقد والملكية في عقد الفضولي بإجازة المالك في الأزمنة المتأخرة وإناطة الصحة في الصلاة بعدم العجب فيما بعد مثلا -
لما كان مجال للاشكال عليه ورفع اليد عما يقتضيه ظاهر القضية من مدخلية الأمور المتأخرة في صحة الامر السابق حين وجوده و
ترتب الغرض والمصلحة عليه، مدعيا لاستحالة ذلك نظرا إلى تلك القاعدة العقلية الفطرية: من توقف المعلول على وجود علته التامة
التي منها الشرائط وعدم الموانع واستحالة تحقق المعلول قبل وجود علته التامة من المقتضى والشرائط وعدم المانع.
فتمام المنشأ في الاشكال المزبور حينئذ انما هو من جهة تخيل كون الشرائط أيضا مؤثرات في عالم دخلها في الأثر وجعل مناط
المقدمية فيها بعينه هو المناط المتحقق في طرف المقتضى، ولقد عرفت انه على هذا التوهم يستحيل تصور الشرطية للوجودات المتأخرة
بل المتقدمة المعدومة أيضا، والا فبناء على ما عرفت من المناط في مقدمية الشرائط في مرحلة دخلها في المطلوب من كونه من قبيل دخل
منشأ الاعتبار في الأمر الاعتباري كما في عدم المانع فلا بأس بتصوير الشرطية للوجودات المتأخرة، إذ حينئذ كما يمكن ان يكون
الشئ بإضافته إلى أمر مقارن محدودا بحد خاص قابلا للتحقق بذاك الحد كذلك في إضافته إلى أمر سابق معدوم حين وجوده أو
إضافته إلى أمر لاحق موجود في موطنه والجامع هو مدخلية وجود الشئ في موطنه مقارنا كان أو سابقا أو لاحقا في حدود الأثر حسب
إضافته إليه في قابليته للتحقق وترتب الغرض والمصلحة عليه، ومن المعلوم انه على ذلك
280

لا يكاد يلزم انخرام قاعدة عقلية أصلا من لزوم تحقق المعلول والأثر قبل وجود علته ومؤثره، إذ لا مؤثرية ولا متأثرية حينئذ في البين
حتى يتوجه المحذور المزبور وانما غايته هو تأخر ما به الحدود زمانا عن الحدود وهو مما لا ضير فيه بوجه أصلا، كما لا يخفى.
ومن ذلك البيان يظهر لك ضعف ما أفيد أيضا على بطلان الشرط المتأخر كما عن بعض الاعلام، من تقريب: ان تعلق التكاليف
بمتعلقاتها في القضايا الطلبية انما هو على نحو القضايا الحقيقية التي يلزم في فعليتها فعلية متعلقاتها بما لها من الاجزاء والقيود التي لها
تدخل في تحققها، وحينئذ فلا بد أولا من تحقق تلك القيود التي لها دخل في الموضوع حتى يتحقق الموضوع بما له من الحدود و
الخصوصيات فيترتب عليه الوجوب والحرمة ومثل هذا المعنى مناف عقلا مع تأخر القيود المفروض دخلها فيه لضرورة اقتضائه لزوم
مجئ الحكم قبل وجود موضوعه ومتعلقه، لما ذكرنا من عدم تحقق الموضوع خارجا الا بعد تحقق القيود التي لها دخل فيه، وهو كما
ترى من المستحيل.
إذ نقول: بان ما أفيد من لزوم تحقق الموضوع بما له من الاجزاء والتقيدات والحدود قبل مجئ الحكم وإن كان صحيحا، ولكن
المدعى هو تحققه بجميع ما يعتبر فيه من الحدود والتقيدات فعلا بمحض تحقق القيود في مواطنها مقارنا أو سابقا أو لاحقا نظرا إلى
كشف تحقق القيد في موطنه المتأخرة في الواقع عن كون الامر السابق محدودا بالحدود التي بها يترتب عليه الأثر. واما دعوى لزوم
تحقق تلك القيود وما به الحدود المزبورة أيضا في فعلية الحكم فلا دليل يساعد عليه من جهة ان الذي يقتضيه البرهان المزبور انما هو
توقف الحكم في فعليته على فعلية وجود موضوعه بما له من الحدود والإضافات المأخوذة فيه. واما توقفه على فعلية الموضوع بما له من
الحدودات وما به الإضافات والقيود فلا، لان ما هو الداخل في الموضوع لا يكون الا الحدود والتقيدات واما ما به الحدود والتقيد فهي
خارجة عن الموضوع ومع خروجها عنه لا يكاد يقتضى البرهان المزبور لزوم تحققها أيضا في فعلية الحكم، كما هو واضح.
وحينئذ نقول: بأنه بعد ما أمكن ثبوتا شرطية الامر المتأخر للسابق على ما ذكرنا من وقوعه طرفا للإضافة للامر المتقدم فلو ورد دليل
يقتضى بظاهره إناطة شئ بأمر متأخر لا مجال للاستيحاش وصرف الدليل عن ظاهره إلى شرطية التعقب بالامر المتأخر بجعل
التعقب نفسه الذي هو من الأمور المقارنة شرطا كما عن بعض الاعلام تبعا للفصول إذ
281

مثل هذا التكلف ليس منشؤه إلا تخيل انحصار ملاك المقدمية بما في المقتضى من المؤثرية والغفلة عن أن في البين ملاكا آخر متصورا
في المقدمية وهو كون الشئ طرفا للإضافة والحدود، كما كان ذلك قطعا في مثل عدم المانع الذي يستحيل دخله بملاك المؤثرية،
على أن في الالتزام بكون الشرط هو التعقب بالامر المتأخر لا نفس الامر المتأخر في موطنه ما لا يخفى فإنه مضافا إلى منافاة ذلك لما
عليه القائل المزبور من كون التقيدات باعتبار كونها أمورا اعتبارية غير قابلة للمؤثرية في الغرض ولتعلق الامر بها وان الامر و
التكليف لا بد من تعلقه بما هو منشأ اعتبارها وهو الامر المتأخر، نسأل عنه بان دخل ذلك الامر المتأخر في موطنه في التقيد المزبور
المعبر عنه بالتعقيب هل هو بنحو المؤثرية أو على نحو دخل منشأ الاعتبار في الأمر الاعتباري فعلى الأول يعود محذور انخرام القاعدة
العقلية من لزوم تحقق الأثر قبل وجود المؤثر وعلى الثاني نقول بأنه لا داعي حينئذ إلى ارتكاب خلاف الظاهر في تلك القضايا، بل بعد
ما أمكن ان يكون الشئ بوجوده المتأخر في موطنه منشأ لتحقق الإضافة والتقيد المزبور فمن الأول لم لا تجعل الشرط نفس الامر
المتأخر في موطنه وتجعل ظواهر الأدلة على حالها في اقتضائها لكون المنوط به للامر الفعلي هو الشئ بوجوده المتأخر وهل الالتزام
بالتعقب المزبور حينئذ الا من قبيل الفرار من المطر إلى الميزاب؟.
وحينئذ فلا محيص في حل الاعضال المزبور عن الشرائط المتأخرة في الواجبات الشرعية من المصير إلى ما ذكرنا بجعل الشروط طرا
طرفا للإضافات وجعل دخلها في المشروط من قبيل دخل منشأ الاعتبار في الأمر الاعتباري، كما أفاده في الكفاية بأحسن بيان في
شرح شرائط الواجب وان خالف في شرائط الوضع والتكليف فجعل الشرط فيهما عبارة عن الشئ بوجوده علمي اللحاظي الذي هو أمر
مقارن دائما مع المشروط.
ثم إنه مما ذكرنا ظهر حال شرائط الوجوب والتكليف وقيوده أيضا، فان قيود الوجوب بعد إن كانت راجعة إلى مقام الدخل في أصل
الاحتياج إلى الشئ واتصاف الذات بوصفه العنواني بكونه صلاحا ومحتاجا إليه - كما يأتي بيانه في المبحث الآتي في شرح الواجب
المشروط في مثال قيود الواجب الراجعة إلى كون دخلها في تحقق المحتاج إليه ووجود ما هو المتصف بالمصلحة والصلاح فارغا عن
أصل الاتصاف بالوصف العنواني - فلا جرم يكون قضية دخلها أيضا من باب دخل طرف الإضافة في الإضافة ودخل ما به التقيد في
التقيد ومعه أمكن فيها أيضا تصوير الشرطية للامر المتأخر بالنسبة
282

إلى التكليف، بداهة ان قضية كون الشئ شرطا له حينئذ ليس الا كونه بحيث يحصل للشئ بالإضافة إليه خصوصية يكون بتلك
الخصوصية متصفا بكون صلاحا ومصلحة وهذا كما أنه قد يكون بالنسبة إلى المقارن كذلك قد يكون بالنسبة إلى المتقدم والمتأخر
فيمكن ان يكون الشئ بوجوده المتأخر منشأ لإضافة وخصوصية خاصة في الامر السابق توجب اتصافه بتلك الخصوصية بكونه مصلحة
وصلاحا بحيث لولا حدوث المتأخر في موطنه لما كان للسابق تلك الإضافة الموجبة لتعنونه بالوصف العنواني المزبور ومع إمكان
ذلك فلا بأس في تصوير الشرطية في الامر المتأخر بالنسبة إلى الوجوب والتكليف غايته انه يحتاج حينئذ في فعلية الإرادة والتكليف
من القطع بتحقق المنوط به في موطنه حيث إنه مع القطع المزبور يرى كون المتعلق متصفا فعلا بالصلاح ومحتاجا إليه فيتوجه إليه
الإرادة فعلا من دون ان تخرج عن الإناطة أيضا إلى الاطلاق، كما نظيره في العرفيات في مثال شراء اللحم اليوم للضيافة لمن يرد عليه
الضيف في الغد حيث إنه ترى من نفسك مع العلم بورود الضيف عليك في الغد احتياجك فعلا إلى شراء اللحم واتصافه بكونه محتاجا
إليه، ومن ذلك تصير بصرافة طبعك بصدد شرائه وهكذا في إكرامك اليوم من يكرمك في الغد فيما لو كان إكرامه إياك في الغد منشأ
لاتصاف إكرامك اليوم إياه بالمصلحة والصلاح حيث إنه مع العلم بصدور الاكرام منه في الغد ترى احتياجك اليوم إلى إكرامه لما ترى
فيه حينئذ من الصلاح والمصلحة فمن ذلك يتوجه منك الإرادة والاشتياق فعلا إلى إكرامه منوطا بإكرامه الآتي الذي بتحققه في موطنه.
وعلى ذلك فيمكن المصير في شرائطه التكليف أيضا من المقارن والمتقدم والمتأخر إلى كون المنوط به هو نفس الشرط بوجوده في
موطنه مقارنا أو متقدما أو متأخرا من دون احتياج إلى جعل الشرط عبارة عن الشئ بوجوده العلمي اللحاظي - كما أفاده في الكفاية
في التفصي عن الاشكال المعروف حيث جعل الشرط في المتقدم والمتأخر مجرد لحاظه - إذ نقول: بان ذلك انما يتم بالنسبة إلى
مرحلة تعلق الإرادة وفعليتها حيث كان ما له الدخل فيها هو الشئ بوجوده العلمي لا بوجوده الخارجي، كما هو الشأن أيضا في كلية
الغايات. واما بالنسبة إلى مقتضيات الاحكام من المصالح والاغراض فلا شبهة في أن ماله الدخل فيها في اتصفا الشئ بالصلاح و
المصلحة بنحو الشرطية أو غيرها انما كان هو الشئ بوجوده الخارجي لا بوجوده العلمي واللحاظي، بل العلم واللحاظ في ذلك لا يكون
الا
283

طريقا محضا ولذلك قد يتخطى عن الواقع فيكشف عدم تحققه عن فقد العمل المشروط للمصالح، ولذلك ترى المولى الذي يتصور في
حقه الخطأ كالموالي العرفية قد يحصل له الندم على فعله وطلبه بأنه لم أمر به مع كونه في الواقع غير ذي المصلحة، فلو انه كان الدخيل
فيها أيضا هو الشئ بوجوده العلمي كما في الإرادة والاشتياق لما كان وجه لانكشاف الخلاف وكشف فقد الشرط في موطنه المتأخر
عن فقد العمل للمصلحة وحينئذ فكان ذلك برهانا تاما على أن ماله الدخل في مقام المصالح والاغراض هو الشئ بوجوده الخارجي و
كون العلم واللحاظ فيه طريقا محضا، ومعه لا محيص في حل الاعضال المزبور من المصير إلى ما ذكرناه بجعل الشرائط طرا طرفا
للإضافات وجعل دخلها من قبيل دخل منشأ الاعتبار في الأمر الاعتباري.
ولعله إلى ذلك أيضا يرجع ما أفاده في شرح شرائط الواجب والمأمور به في مقام التفصي عن الاشكال المزبور، حيث إن كلامه ظاهر
بل صريح في أن دخل الشروط انما هو باعتبار وقوعها طرفا للإضافات. ولكن الأستاذ دام ظله نسب إليه القول بشرطية اللحاظ في
جميع القيود حتى الراجعة إلى الواجب والمأمور به ولعله من جهة ما سمعه منه مشافهة في درسه الشريف، والا فكلامه في الكفاية ينادى
بظاهره بالتفصيل بين شرائط الوجوب والوضع وبين شرائط الواجب فلاحظ كلامه تعرف ما ذكرناه.
ثم إن هذا كله بناء على عدم إرجاع مثل هذه القيود أيضا إلى المتعلق - كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى في مبحث الواجب المشروط - و
أما بناء على رجوعها أيضا إلى المتعلق كما هو مبنى القول برجوع المشروطات إلى المطلقات فالامر أوضح، من جهة رجوعه حينئذ إلى
ما تقدم من دخل الامر المتأخر في حدود الموضوع وخصوصياته التي بها يكون منشأ للآثار ومتعلقا للغرض بنحو يكشف عدم وجوده
في موطنه المتأخر عن عدم كون السابق محدودا بالحدود التي بها يكون منشأ للآثار. واما توهم استلزام ذلك الوجود الحكم وفعليته
قبل وجود موضوعه بما له من الحدود فقد عرفت الجواب عنه بمنع الاستلزام المزبور نظرا إلى تحقق الموضوع حينئذ بماله من الحدود
والإضافات والتقيدات فعلا بمحض تحقق ما به الحدود في موطنه المتأخر. وما أفاده من كون التكاليف الشرعية بنحو القضايا الحقيقية
أيضا لا يقتضى أزيد من لزوم فعلية الموضوع بما له من الحدود والإضافات في فعلية الكم وتحققه.
284

واما لزوم تحقق ما به الحدود والإضافات أيضا في فعلية الحكم، فلا يقتضيه البرهان المزبور بعد فرض خروج القيد بنفسها عن
الموضوع وكون الداخل فيه هو التقيد بها، ولذلك لا شبهة في صحة التكليف الفعلي بإكرام من يقوم في الغد أو يموت في العام البعد
بنحو خروج القيد ودخول التقيد ولو بنحو القضية الحقيقية وانه يجب على المأمور والمكلف فعلا إكرامه إذا علم ولو باخبار المعصوم
عليه السلام إياه بان زيدا يقوم في الغد أو يموت في العام البعد وليس ذلك الا من جهة فعلية الموضوع حينئذ بما له من الإضافة والتقيد
الخاص بمحض تحقق القيد في الموطن المتأخر.
وحينئذ فالذي يقتضيه التحقيق في حل الاعضال الوارد على الشرائط المتأخرة سوأ في شرائط التكليف أو شرائط الواجب والمأمور به
هو ما ذكرنا من إخراج الشرائط طرا عن كونها معطيات الوجود ومؤثرات وجعلها طرفا للإضافات والتقيدات والمصير إلى كون
دخلها من قبيل منشأ الاعتبار في الأمر الاعتباري، فإنه على ما ذكرنا يندفع الاشكال المزبور من رأسه فيما ورد من الأدلة المقتضية
لشرطية الامر المتأخر للتكليف أو الواجب والمأمور به، فأمكن أخذ حينئذ بظاهرها من الإناطة بالامر المتأخر من دون احتياج إلى
صرف تلك الأدلة عن ظاهرها والتكلف فيها بإرجاعها إلى الشرط المقارن تارة بالالتزام بان الشرط في الحقيقة عبارة عن تعقب
الشئ الحالي بالامر المتأخر لا نفس الامر المتأخر بوجوده في موطنه المتأخر، وأخرى بان الشرط عبارة عن أمر واقعي مقارن مع
المشروط حقيقة وكان الكاشف عنه الامر المتأخر، وثالثة بان الشرط هو الامر المتأخر لكن لا بوجوده الخارجي المتأخر بل بوجوده
العلمي اللحاظي، ورابعة بان الشرط هو الامر المتأخر لكن بوجوده الدهري دون الزماني والالتزام بان تلك المتفرقات بحسب الزمان
مجتمعات في وعاء الدهر، كما هو المنسوب إلى العلامة الشيرازي (قدس سره) وإن كان نفس هذه النسبة عنه بعض الاعلام مدعيا بأني
كنت سألته عن هذه النسبة شفاها فأنكرها وبالغ في الانكار ثم قال بأني انما ذكرت ذلك في أثناء البحث احتمالا لا مختارا. وعلى كل
حال فهذا كله في شرائط التكليف والواجب ولقد عرفت بان تصوير شرط المتأخر فيها بمكان من الامكان.
285

تصوير الشرط المتأخر في الأحكام الوضعية
واما الأحكام الوضعية فهي باعتبار كونها من الاعتبارات الجعلية يكون أمر تصوير الشرط المتأخر فيها أوضح مما في باب التكاليف. و
لتوضيح المرام في المقام لا بد من الإشارة الاجمالية إلى حقيقة الأحكام الوضعية كالملكية والزوجية ونحوهما، فنقول:
اعلم أن الأحكام الوضعية كالملكية والزوجية وإن كانت من سنخ الإضافات والاعتبارات ولكنها لا تكون من سنخ الإضافات الخارجية
المقولية المحدثة لهيئة في الخارج التي قيل بان لها حظا من الوجود وان الخارج ظرف لوجودها، كالفوقية والتحتية والتقابل ونحوها
من الإضافات والهيئات القائمة بالأمور الخارجية كالإضافة الخاصة بين ذوات أخشاب السرير المحدثة للهيئة السريرية في الخارج و
ذلك لما نرى بالعيان والوجدان من عدم كون الملكية كذلك وانه لا يوجب ملكية شئ لشخص احداث هيئة خارجية بينه وبين الشخص
كما يوجبه الإضافات الخارجية، إذ يرى أن المال المشتري بعد صيرورته ملكا للمشتري بواسطة البيع كان على ما له من الإضافة
الخارجية بينه و بين البائع قبل ورود الشراء عليه من دون ان يكون صيرورته ملكا للمشتري منشأ لتغير وضع أو هيئة بينهما في
الخارج أصلا. نعم لا تكون أيضا من سنخ الاعتباريات المحضة التي لا صقع لها الا الذهن ولا كان لها واقعية في الخارج، كالنسب بين
الاجزاء التحليلية في المركبات العقلية كالانسان والحيوان الناطق وكالكلية و الجزئية وكالوجودات الادعائية التنزيلية التي لا واقعية
لها في الخارج وكان واقعيتها بلحاظها واعتبارها.
بل وانما تلك الأحكام سنخها متوسطة بين هاتين فكانت من الإضافات التي لها واقعية في نفسها مع قطع النظر عن لحاظ لاحظ و
اعتبار معتبر في العالم وكان الخارج تبعا لطرفها ظرفا لنفسها ولولا لوجودها، نظير كلية الملازمات، فكما ان الملازمة بين النار و
الحرارة مما لها واقعية في نفسها بحيث كان اللحاظ طريقا إليها لا مقوما لها كما في الاعتباريات المحضة ولذا لو لم يكن في العالم
لاحظ كانت الملازمة المزبورة متحققة كذلك الملكية و الزوجية ونحوهما أيضا فإنها أيضا بعد تحقق منشأ اعتبارها الذي هو الجعل مما
لها واقعية في نفسها حيث كانت مما يعتبرها العقل عند تحقق منشأ اعتبارها
286

بنحو كان اللحاظ طريقا محضا إليها لا مقوما لها، كما هو الشأن في العلقة الوضعية الحاصلة بين اللفظ والمعنى من جهة تخصيص الواضع
أو كثرة الاستعمال فإنها أيضا مما لها واقعية في نفسها غير منوطة بلحاظ لاحظ واعتبار معتبر بل كان اللحاظ والاعتبار بعد تحقق
منشأ اعتبارها الذي هو الوضع طريقا إليها، ومع إبائك عن تسميتك هذه بالإضافة وتقول بان المصطلح منها هي الإضافات الخارجية،
فسمها بالإضافة النحوية أو بغيرها مما شئت، حيث لا مشاحة في الاسم بعد وضوح المعنى.
وبعد ذلك نقول: بان مثل هذه الإضافات النحوية لكونها خفيف المئونة جدا يكفي في اعتبارها وتحققها منشأ اعتبارها فيتحقق بمجرد
جعل الجاعل واعتباره من دون احتياج إلى مئونة زائدة بوجه أصلا، كما في قولك: المال لزيد، فإنه بهذا التخصيص يتحقق الملكية له،
كما كان هو الشأن أيضا في العلقة الوضعية بين اللفظ والمعنى حيث كان تحققها بتحقق منشأ اعتبارها الذي هو وضع الواضع أو كثرة
الاستعمال. وحينئذ فإذا كانت هذه الإضافات من الاعتباريات الجعلية التي قوام تحققها بالجعل، نقول: بأنها لا محالة تكون تابعة لكيفية
جعل الجاعل واعتباره، وحينئذ فمتى اعتبر الجاعل بجعله الملكية السابقة أو المتأخرة أو المقارنة يلزمه تحقق الملكية واعتبارها على
نحو كيفية جعله ولا يمكن اعتبارها بوجه آخر غير ما يقتضيه الجعل.
فعلى ذلك نقول: بأنه لو أنيط أصل جعل الملكية برضا المالك وإجازته بمقتضى قضية (تجارة عن تراض) لا يلزمه ان يكون المجعول و
المحكوم به وهو الملكية أيضا من حين تحقق الرضا، نظرا إلى وضوح كون المحكوم به حينئذ عاريا عن القيد المزبور كما هو الشأن في
كلية شرائط الوجوب في الواجبات المشروطة - كما سنحققه من امتناع رجوعها إلى الموضوع - بل لا بد حينئذ من لحاظ ان المجعول و
المحكوم به في هذا الجعل هو الملكية المقارنة أو الملكية المتأخرة أو المتقدمة، فإذا كان المحكوم به هو الملكية من حين العقد ولو من
جهة اقتضاء الاطلاق لا جرم يلزمه اعتبار الملكية من الحين بمعنى الحكم في ظرف الإجازة بتحقق الملكية حقيقة من حين العقد، ولا
يكون فيه محذور، من جهة ان غاية ما في الباب حينئذ انما هو اختلاف ظرف منشأ الاعتبار وهو الجعل مع ظرف المعتبر وهو الملكية
زمانا، ومثل ذلك مما لا ضير فيه بعد عدم جريان المؤثرية والمتأثرية في الأمور الاعتبارية بالنسبة إلى مناشئها.
287

وعلى ذلك فيمكن لنا الالتزام بالكشف الحقيقي المشهوري من دون لزوم انخرام قاعدة عقلية أصلا، فان مبنى الانخرام انما هو جعل
دخل الشرائط دخلا تأثيريا، وإلا فعلى ما ذكرنا من رجوعها إلى مقام الدخل في القابلية ولو من جهة محدديتها لدائرة الماهيات المنوط
بها القابلية المزبورة، فلا مجال لدعوى انخرام القاعدة أصلا، خصوصا في الاعتباريات الجعلية التي عرفت خروج شرائطها وأسبابها
عن حيز المؤثرية وإمكان اختلاف ظرف الجعل زمانا مع ظرف المجعول، كما في المقام، حيث كان الكشف فيه كما عرفت من باب
تقدم المجعول زمانا على الجعل الذي هو منشأ اعتباره.
ثم لا يخفى عليك ان هذا المعنى من الكشف غير مرتبط بالكشف على مذاق الفصول الذاهب إلى شرطية التعقب بالإجازة المتأخرة، إذ
على ما ذكرنا يكون أصل الجعل حسب اقتضاء إناطة التجارة بالرضا في ظرف الإجازة، ولكن المجعول والمحكوم به انما هو الملكية
من حين العقد، على معنى انه في ظرف الإجازة يتعلق الجعل بالملكية من حين العقد فيتحقق من حين الرضا حقيقة الملكية من حين العقد، و
الا فقبل الإجازة حيثما لا تحقق للجعل كان المال باقيا على ملك البائع حقيقة، فكان الإجازة من حين وجودها موجبة لقلب الملكية السابقة
التي كان للبائع إلى ملكية أخرى للمشتري، لكن ذلك بخلافه على مشرب الفصول، إذ على مسلكه (قدس سره) كان أصل الجعل واعتبار
التجارة والمجعول الذي هو الملكية متحققة للمشتري من حين العقد على تقدير تحقق الإجازة فيما بعد، ومن ذلك على مسلكه لو علم
بتحقق الإجازة من المالك فيما بعد يجوز للمشتري التصرف في المبيع باعتبار كونه ملكا له حقيقة دون البائع، بخلافه على ما ذكرنا،
فإنه لا يجوز له ذلك ولو مع القطع بتحقق الإجازة من المالك في الموطن المتأخر نظرا إلى كونه بعد ملكا للبائع.
ومن ذلك البيان ظهر الفرق بين ما ذكرنا وبين الكشف الحكمي الذي هو مسلك الشيخ (قدس سره) فإنه على الكشف الحكمي يكون
كل من الجعل والمجعول وهو الملكية من حين الإجازة - كما على النقل - إلا أنه تعبدا يترتب عليه أحكام الملكية من حين العقد، بخلافه
على ما ذكرنا، فإنه عليه يكون ترتيب آثار الملكية من حين العقد، من جهة تحقق الملكية حقيقة بهذا الجعل المتأخر من حينه لا من جهة
التعبد الشرعي وتنزيل ما لا يكون ملكا بمنزلة الملك.
نعم على ما ذكرنا ربما يتوجه إشكال، وحاصله: هو لزوم ملكية العين المبيعة في الأزمنة
288

المتخللة بين العقد والإجازة على هذا المعنى من الكشف الحقيقي لمالكين وهما البائع والمشتري، بخلافه على الكشف الحكمي أو
الكشف الحقيقي بمذاق الفصول حيث لا يلزم منه هذا المحذور. ولكنه يندفع هذا المحذور أيضا باختلاف الرتبة بين الملكيتين، حيث كان
ملكية البائع للمبيع في رتبة قبل الإجازة وملكية المشتري لها في الرتبة المتأخرة عنها، ومع هذا الاختلاف بحسب الرتبة لا مانع من
ذلك كما لا يخفى.
ثم إن ذلك كله انما هو بحسب مقام الثبوت ونفس الامر، ولقد عرفت ان كون الشئ شرطا متأخرا للشئ سوأ في الأحكام التكليفية أو
الوضعية بمكان من الامكان بعد إخراج الشرائط عن حيز المؤثرية.
واما بحسب مقام الاثبات والدلالة: ففيما لم يكن في البين قرينة واضحة على مدخلية الشئ المنوط به بوجوده المتأخر أمكن استفادة
الشرط المقارن بمقتضى ظهور الهيئة الكلامية في اتحاد ظرف وجود المنوط به مع ظرف الإناطة، كما هو كذلك في كلية العناوين
الاشتقاقية وغيرها، ولذلك قلنا في مبحث المشتق: بأنه لا بد في استنتاج النتيجة المعروفة في مثل كراهة البول تحت الشجرة المثمرة و
وجوب إكرام العالم من إثبات ظهور الهيئة الكلامية في اتحاد ظرف النسبة وهي إضافة البول إلى الشجرة والاكرام إلى العالم مع
ظرف جرى العنوان وتطبيقه على الذات الملازم لاتصاف الشجرة فعلا بالمثمرية في حال إضافة البول إليه، والا فمع قطع النظر عن
ظهور الهيئة الكلامية في ذلك لا مجال لانتاج النتيجة المعروفة بين القولين في النزاع المعروف في مدلول كلمة المشتق، من جهة احتمال
كون الجري في الحكم بالكراهة فعلا على المصداق المتلبس بالمبدأ سابقا أو المصداق المتلبس به فيما يأتي من الزمان أو المصداق
الحالي. وحينئذ ففي المقام أيضا نقول بان طبق الإناطة بشي وإن كان يلائم ثبوتا مع التقدم والتقارن والتأخر من جهة ما ذكرنا من
عدم اقتضائها الا تقدم المنوط به على المنوط رتبة لا زمانا، الا انه في مرحلة الاثبات ظهور الهيئة الكلامية في اتحاد ظرف المنوط به مع
ظرف الإناطة التي هي عبارة عن نسبة المنوط به إلى الشئ يقتضى كون المنوط به شرطا مقارنا، فبمقتضى هذا الظهور لا بد في جميع
الموارد من المصير إلى استفادة كون المنوط به شرطا مقارنا الا إذا كان هناك قرينة على خلاف الظهور المزبور تقتضي كونه شرطا
متقدما أو متأخرا.
نعم في مثل الرضا والإجازة في بيع الفضولي يمكن ان يقال بعدم اقتضاء البيان المزبور
289

في إناطة التجارة بالرضا في قول (تجارة عن تراض) الا كون الإجازة شرطا مقارنا في أصل الجعل واعتبار المبادلة والحكم بثبوت
التجارة التي هي مضمون عقده، واما اقتضائه لكون المحكوم به وهو الملكية أيضا من حين الإجازة والرضا فلا، وحينئذ فإذا اقتضى
العقد ثبوتها من حينه - ولو من جهة اعتبار العقد علة لوجودها المستتبع لتوجه القصد إلى الملكية من الحين - فلازمه ليس الا الحكم في
ظرف الرضا بثبوت الملكية وتحققها من حين العقد لا من حين الإجازة كما ذكرنا، ولازمه هو المصير في مثله إلى الكشف الحقيقي
دون النقل ودون الكشف الحكمي أو الكشف الحقيقي بمذاق الفصول.
نعم لو كان القيد وهو الرضا في قوله: (تجارة عن تراض) راجعا إلى المحكوم به وهو الملكية لا إلى أصل اعتبار المبادلة والحكم
بثبوت التجارة، يتعين بمقتضى الظهور المزبور في الجملة الكلامية القول بالنقل إذا لم يكن في البين دليل على التنزيل في لزوم ترتب
آثار الملكية من حين العقد، والا فالقول بالكشف حكما بمقتضى دليل التعبد. ولكنك عرفت عدم رجوعه إلا إلى أصل الجعل وان
المجعول وهو الملكية كان عاريا عن القيد المزبور كما هو شأن جميع الواجبات المشروطة، ومعه لا بد من القول بالكشف الحقيقي عند
المشهور لا غير، فتدبر.
تذييل
قد يظهر مما قدمناه سابقا من اختلاف المقدمات في كيفية دخلها في المطلوب - من حيث كونها مؤثرات ومعطيات الوجود تارة كما في
المقتضى، ومعطيات القابلية أخرى باعتبار محدديتها للماهية المنوط بها القابلية المزبورة كما في الشرائط والموانع طرا - اختلافها لا
محالة في مناط ترشح الوجوب الغيري إليها أيضا، فإذا كان للمطلوب حينئذ مقدمات عديدة راجعة بعضها إلى مقام الدخل في التأثير و
بعضها إلى مقام الدخل في حدود الماهية والمطلوب - على اختلاف أنحاء الحدود والإضافات التي بها يكون المطلوب قابلا للتحقق -
فلا جرم يلزمها حينئذ اختلافها بحسب مناط الوجوب الغيري الملازم لاختلافها بحسب الوجوب الغيري المترشح إليها أيضا، فيكون من
تعلق الوجوب النفسي بالمطلوب يترشح وجوبات غيرية متعددة بالنسبة إلى كل مقدمة وجوب مستقل بلحاظ ما فيها من
290

المناط الخاص في قبال المقدمة الأخرى. نعم لو فرض تركب مقدمة من تلك المقدمات من أجزأ متعددة كالوضوء والغسل فحينئذ تكون
أجزأ هذه المقدمة واجبة بوجوب ضمني غيري لا بوجوبات غيرية مستقلة، نظرا إلى أن دخل الجميع حينئذ نحو دخل واحد في المطلوب،
فمن ذلك لا يترشح إليها وجوب واحد غيري، ولازمه حينئذ نحو دخل واحد في المطلوب، فمن ذلك لا يترشح إليها وجوب واحد غيري،
ولازمه صيرورة كل واحد من الاجزاء واجبا بوجوب ضمني لا غيري لا بوجوب غيري استقلالي، كما هو واضح.
ولا يخفى انه على ذلك البيان يندفع الاشكال المعروف على وجوب المقدمات من تقريب: ان مناط ترشح الوجوب الغيري على المقدمة
إن كان هو ترتب الوجود عليه مستقلا يلزمه من فرض تعدد المقدمة عدم وجوب شئ منها باعتبار عدم كون هذه المقدمات شئ منها
مما يترتب عليه الوجود، وإن كان مناط الوجوب الغيري هو ترتب الوجود ولو على مجموع المقدمات في صورة تعددها فحينئذ يلزمه
تعلق وجوب واحد بمجموع المقدمات ولازمه واتصاف كل واحد منها بوجوب ضمني غيري لا بوجوب غيري مستقل، وهو أيضا مما لا
يمكن الالتزام به - لان كل من قال بوجوب المقدمة قال بوجوب كل مقدمة في صورة تعددها مستقلا لا ضمنا - وإن كان مناط الوجوب
الغيري من جهة لزوم الانتفاء عند الانتفاء فعليه وإن كان يصحح هذا اللازم ولكنه يترتب عليه محذور آخر وهو لزوم وجوب كل
واحد من أجزأ المقدمة بوجوب غيري مستقل، لان الاجزاء كل واحد منها مما فيه المناط المزبور وهو الانتفاء عند الانتفاء مع أن ذلك
أيضا كما ترى، فإنه مضافا إلى عدم التزامهم به لعله يكون من المستحيل باعتبار استلزامه حينئذ لاجتماع المثلين، فيها: أحدهما الوجوب
الضمني الغيري باعتبار تعلق الوجوب الغيري بالمجموع، والاخر الوجوب الغيري المستقل باعتبار ما في كل واحد منها من الملاك
المزبور.
وتوضيح الدفع يظهر مما ذكرنا، فإنه على ما ذكرنا من اختلاف المقدمات في مناط الدخل في المطلوب لا يكاد مجال لتوجه الاشكال
المزبور، إذ نقول حينئذ: بأن وجوب كل واحد من هذه المقدمات بوجوب غيري مستقل انما هو باعتبار ما يخصه من الملاك الخاص
المغاير مع الملاك الخاص في المقدمة الأخرى، لأنه باختلاف تلك المناطات يختلف تلك الوجوبات الترشحية أيضا فيتعلق بكل مقدمة
وجوب مغاير مع الوجوب المتعلق بالمقدمة الأخرى، واما عدم وجوب أجزأ المقدمة الا بوجوب ضمني غيري فإنما هو باعتبار قيام
مناط خاص وحداني بالمجموع وعدم تصور نحو دخل على حدة للاجزاء يوجب ترشح
291

الوجوب الغيري المستقل إليها، فتمام المنشأ حينئذ لتوهم الاشكال المزبور انما هو من جهة عدم التفرقة بين المقدمات في مناط دخلها
في المطلوب وتخيل اتحاد الجميع في كيفية الدخل في المطلوب الذي هو مناط ترشح الوجوب الغيري إليها، والا فبناء على ما ذكرنا من
اختلافها في مناط الدخل لا يكاد مجال لأصل الاشكال كما لا يخفى، كيف وانه لو أغمض عما ذكرنا لا يكاد يجدى أيضا ما أفيد في
التفصي عنه - كما في التقريرات - من دعوى المغايرة باعتبار لحاظ الاجزاء منضما تارة ومستقلا أخرى، ووجهه يظهر مما قدمناه
سابقا في بيان امتناع اتصاف الاجزاء في الواجبات النفسية بالوجوب الغيري ولو مع تسليم ملاك المقدمية فيها، فراجع هناك تعرف.
ومن التقسيمات: تقسيمها إلى مقدمة الوجوب ومقدمة الواجب وتقسيم الثاني إلى المعلق والمنجز
ولا إشكال بينهم في خروج مقدمات الوجوب عن حريم النزاع وعدم وجوبها، وهو كذلك من جهة خروج مثل هذه القيود عن حيز
الطلب بمادية من الميل والمحبة أيضا، كما ستطلع عليه.
ولتنقيح المرام في المقام لا بد من بيان مقدمة في شرح اختلاف القيود في كيفية دخلها في المصلحة وعدم كونها على نمط واحد، فنقول:
اعلم بان القيود في دخلها في المصلحة على ضربين: منها ما يكون راجعا إلى مقام الدخل في أصل الاحتياج إلى الشئ واتصاف الذات
بكونها صلاحا ومحتاجا إليها بحيث لولاه لما كاد اتصاف الذات بكونه مصلحة وصلاحا، ومنها ما يكون راجعا إلى مقام الدخل في
وجود المحتاج إليه وتحقق ما هو المتصف بالمصلحة والصلاح فارغا عن أصل اتصافه بالوصف العنواني، كما يوضح ذلك ملاحظة
الاسهال بالقياس إلى وجود المرض وشرب الدواء والمسهل، حيث ترى ان دخل المرض فيه انما هو في أصل اتصاف الاسهال بكون
صلاحا ومصلحة بملاحظة ان اتصافه بكونه صلاحا ومحتاجا إليه انما هو في ظرف تحقق المرض وفوران الاخلاط والا ففي ظرف
صحة المزاج وتعادل الاخلاط لا يكاد يكون فيه المصلحة بل ربما كان فيه كمال المفسدة من جهة أوله إلى تلف النفس، وهذا بخلافه في
شرب الدواء والمسهل
292

فان دخله في ظرف المرض لا يكون الا في وجود ما هو المتصف بكونه مصلحة ومحتاجا إليه فارغا عن أصل الاتصاف بالوصف
العنواني، وحينئذ فكل واحد من المرض وشرب الدواء والمسهل وإن كان دخيلا في مصلحة الاسهال الا ان دخل كل على نحو يغاير
دخل الاخر، من حيث كون دخل أحدهما في أصل الاحتياج واتصاف الأثر بكونه صلاحا ومصلحة مع قطع النظر عن تحققه في الخارج، و
كون دخل الاخر في وجود ما هو المتصف بالمصلحة والصلاح وتحققه فارغا عن أصل اتصافه بالوصف العنواني المزبور.
ومن ذلك البيان ظهر اختلاف مثل هذين القيدين بحسب المرتبة أيضا باعتبار دخل الأول في اتصاف الذات بالوصف العنواني والثاني
في تحقق ما هو المتصف خارجا فان في مثل ذلك لا محالة ما هو من قبيل الأول يكون في رتبة سابقة على ما كان من قبيل الثاني، من
جهة انه بدونه لا يكاد يتحقق موضوع المتصف كي ينتهى إلى مقام دخل قيود وجود المتصف، ولذلك أيضا بدون قيود الاتصاف لا
يكاد يصدق الانتفاء الا بنحو السلب بانتفاء الموضوع، بخلافه في فرض تحقق قيود الاتصاف، إذ حينئذ يكون انتفاء المصلحة بانتفاء
قيود المحتاج إليه من قبيل السلب بانتفاء المحمول، نظرا إلى تحقق الاتصاف بالوصف العنواني بمجرد تحقق قيود الاتصاف، كما هو
واضح.
وبعد ما عرفت ذلك نقول: بأنه بعد كان قيود الوجوب والتكليف من القيود الراجعة إلى أصل اتصاف الذات بالوصف العنواني وبكونها
صلاحا ومصلحة قبال قيود الواجب الراجعة إلى وجود ما هو المتصف فارغا عن أصل الاتصاف بالوصف العنواني فلا محالة يلزمه عدم
وجوب تحصيلها أيضا نظرا إلى خروجها حينئذ عن حيز الطلب والإرادة بل وعن مباديها من الاشتياق والمحبوبية أيضا وصيرورة
الإرادة بمبادئها منوطة بفرض تحققها من باب الاتفاق، نظرا إلى ما يقتضيه حينئذ جبلة النفس وفطرته من عدم كون الانسان بصدد
تحصيل الاحتياج إلى الشئ وجعل نفسه محتاجا إليه، بل وعدم اشتياقه إليه أيضا إلا لأجل رفع احتياج أعظم وصيرورته من مقدمات
وجود محتاج إليه آخر، كما يشهد لذلك المثال المزبور حيث ترى ان الانسان بمقتضى جبلته لا يكون بصدد تحصيل المرض كي به
يتصف الاسهال بالوصف العنواني ويصير في حقه ذا مصلحة وصلاح، بل ولا كان له اشتياق ولا ميل إليه، بل ولعله يكون مبغوضا عنه
فضلا عن
293

الميل والاشتياق إليه، كما نظيره أيضا في مثال العصيان بالنسبة إلى الكفارة وعدم الاتيان بالصلاة في الوقت بالنسبة إلى القضاء في
خارج الوقت بناء على كونه بأمر جديد، وهكذا نظائره في الشرعيات والعرفيات. وهذا بخلافه في قيود المحتاج إليه فارغا عن أصل
تحقق الاحتياج واتصاف الذات بكونها صلاحا ومصلحة فان الانسان بمقتضى جبلته، كان بصدد تحصيلها، الا إذا كان القيد من القيود
غير الاختيارية أو من القيود التي اعتبر في مقدميتها وجودها من باب الاتفاق - كما سنذكرها إن شاء الله تعالى - فان مثل تلك القيود
حينئذ وإن كانت خارجة عن حيز الإرادة الا انها غير خارجة بالنسبة إلى مبادئ الإرادة من الاشتياق والميل والمحبة كما هو واضح.
ومن هذا البيان ظهر أيضا فساد توهم رجوع جميع القيود إلى المتعلق وإرجاع جميع المشروطات إلى المعلقات - كما عن التقريرات -
بجعل منشأ الاختلاف في القيود في الخروج عن حيز الإرادة اختلاف أنحاء وجودها: من أخذ بعضها بنحو يترشح إليها الإرادة وأخذ
بعضها بنحو لا يترشح إليها الإرادة اما لخروجها عن تحت الاختيار أو من جهة دخلها بوجودها من باب الاتفاق أو وجودها الناشئ عن
سائر الدواعي غير دعوة الامر مع اتحاد الجميع في كيفية الدخل في الغرض والمطلوب، توضيح الفساد يظهر مما قدمنا من اختلاف
أنحاء القيود في كيفية دخلها في الغرض والمصلحة، من حيث رجوع بعضها إلى الدخل في أصل الاحتياج واتصاف الذات بكونها مصلحة
وصلاحا، ورجوع بعضها وهو قيود الواجب إلى الدخل في تحقق المحتاج إليه والمتصف بالمصلحة والصلاح فارغا عن أصل اتصاف
الذات بالوصف العنواني، إذ في مثله يكون قيود الواجب باعتبار دخلها في وجود المحتاج إليه وتحقق ما هو المتصف بالوصف العنواني
في رتبة متأخرة عن قيود أصل الاتصاف.
ومعه كيف يمكن أخذ ما هو راجع إلى أصل الاتصاف في ناحية الموضوع في عرض قيود المحتاج إليه، مع أنك عرفت بخروج قيود
الاحتياج والاتصاف عن دائرة الإرادة بمبادئها من الميل والمحبة والاشتياق باعتبار ما يقتضيه جبلة الانسان من عدم كونه بصدد
تحصيل الاحتياج لولا وجود احتياج أعظم في البين، بل وعدم تعلق الميل والاشتياق إليه أيضا، بل وصيرورته مبغوضا عنده، كما في
مثال المرض وفي النذر المترتب عليه وجوب الوفاء بالمنذور حيث كان أصل النذر الذي هو سبب للوجوب مكروها وكذا في
294

العصيان المترتب عليه وجوب الكفارة. وهذا بخلافه في قيود المحتاج إليه والمتصف بالمصلحة والصلاح فإنها وان أمكن خروجها عن
تحت الإرادة اما لعدم كونها اختيارية أو من جهة ان الدخيل في المطلوب هو وجودها من باب الاتفاق أو وجودها الناشئ عن سائر
الدواعي غير دعوة الامر والإرادة، الا انها غير خارجة عن مباديها من الميل والمحبة والاشتياق نظرا إلى ما هو قضية الوجدان من
اشتياق الانسان بمقتضى جبلته وفطرته بعد احتياجه إلى الشئ وصيرورته في حقه ذا مصلحة وصلاح إلى مقدمات وجوده وان فرض
كونها خارجة عن الاختيار، ومن ذلك ترى انه يتمنى وجودها في الليل والنهار لكي ينال بها إلى ما احتاج إليه واتصف في حقه
بالمصلحة والصلاح، وحينئذ فبعد هذا الاختلاف التام بين هذين القسمين من القيود كيف يمكن دعوى رجوع الجميع حتى ما كان منها
دخيلا في أصل اتصاف الذات بالمصلحة والصلاح إلى الموضوع؟ كما لا يخفى.
في تصوير الواجب المشروط على المختار
ثم إنه بعد ما اتضح وجه عدم وجوب تحصيل قيود الوجوب والتكليف لخروجها عن حيز الطلب والإرادة بنحو كان الطلب والإرادة
بماديها منوطة بها يبقى الكلام في أن إناطة الطلب والإرادة بها هل تكون بوجودها خارجا بحيث لا طلب ولا إرادة إلا في ظرف وجود
تلك القيود في الخارج، كما عليه المشهور، من حيث مصيرهم إلى انتفاء الإرادة حقيقة عند انتفاء تلك القيود خارجا؟ أو ان إناطة الطلب و
الإرادة فيها كانت بوجودها لحاظا على نحو الطريقية للخارج وان لم تكن متحققة في الخارج في الواقع؟ فيه وجهان. وفي مثله نقول:
بان الذي يقتضيه التحقيق هو الثاني من كونها تابعة فرض وجود تلك القيود في لحاظه وتصوره على نحو الطريقية إلى الخارج بنحو
يلزمه فعلية الطلب وتحققه قبل تحقق المنوط به في الخارج غايته لا مطلقا بل منوطا بفرض وجوده ولحاظه، لا تابعة وجود تلك القيود
في الخارج حتى لا يكون للطلب وجود الا في ظرف وجود القيود في الخارج. وتنقيح المرام يحتاج إلى بيان مقدمتين:
الأولى: ما شرحناه آنفا من اختلاف القيود في كيفية دخلها في الغرض والمصلحة، من رجوع بعضها إلى مقام الدخل في أصل اتصاف
الذات بالوصف العنواني وكونها صلاحا ومصلحة مع قطع النظر عن مقام تحقق الموضع المتصف في الخارج، ورجوع
295

بعضها إلى مقام الدخل في تحقق الموضوع المتصف في الخارج فارغا عن أصل الاتصاف بالمصلحة، ولقد عرفت أيضا بان كل ما كان
من قبيل الأول يكون خارجا عن حيز الإرادة بماديها من الميل والمحبة والاشتياق ويكون الطلب بمبادئه منوطا بوجوده وان كل ما
كان من قبيل الثاني يكون تحت الطلب بمبادئه الا إذا كان القيد من، القيود غير الاختيارية أو كان الدخيل هو وجوده الاتفاقي فيخرج
حينئذ عن حيز الطلب والإرادة لا عن مباديها من الميل والمحبة والاشتياق.
المقدمة الثانية: لا يخفى عليك ان قيود الاتصاف وإن كان دخلها بالنسبة إلى المصلحة بوجودها الخارجي حيث يستحيل اتصاف الذات
بالمصلحة والصلاح الا في ظرف تحقق هذا القيود في الخارج، إلا أن دخلها بالنسبة إلى الإرادة ومباديها من الميل والمحبة والاشتياق
لا يكون الا بوجودها العلمي اللحاظي لا بوجودها الخارجي، حيث إن الميل والمحبة وكذا الاشتياق والإرادة انما تكون تابعة للعلم بكون
المتعلق ذا مصلحة وصلاح، فمع العلم بكون ذا صلاح ولو من جهة العلم بوجود قيود الاتصاف في الخارج لا محالة يتوجه نحوه الميل و
الاشتياق والإرادة فيحدث في النفس تلك الحالة الانقداحية الموجبة لطلبه وبعثه وان لم يكن كذلك في الواقع ونفس الامر الامر ولا
يكون ذلك الشئ الا ذا مفسدة محضة، كما أنه في صورة العكس والعلم بكونه غير ذي المصلحة أو ذا مفسدة محضة لا محالة لا يكاد
يتعلق به الميل والمحبة والشوق والإرادة وان فرض كونه في الواقع ذا مصلحة محضة، وعلى ذلك فكم فرق بين المصلحة وبين الإرادة
والاشتياق، فان المصلحة باعتبار كونها من الاعراض التي ظرف عروضها واتصافها هو الخارج تحتاج في عروضها إلى تحقق قيود
الاتصاف في الخارج بخلاف الاشتياق والإرادة ونحوهما مما كان ظرف عروضها هو الذهن حيث لا يكون دخل تلك القيود فيها الا
بوجودها اللحاظي دون الخارجي.
كما كان ذلك هو الشأن أيضا بالنسبة إلى معروض الإرادة - كما سيجئ إن شاء الله تعالى - حيث لا يكون المعروض لها أيضا الا
العناوين والصور الذهنية دون الخارج، نظرا إلى أن الخارج انما كان ظرفا لسقوط الإرادة لا لثبوتها، غايته انه لا بنحو يلتفت إلى
ذهنية تلك الصورة ومغايرتها مع الخارج بل بنحو يرى كونها في لحاظها ذلك عين الخارج بلحاظ طريقية لحاظها إلى الخارج من
دون سرايتها منه إلى الخارج، وبهذه
296

الجهة من الاتحاد والعينية بين تلك الصورة الذهنية وبين الخارج أيضا ربما تكتسب تلك الصورة الذهنية لون المصلحة من الخارج
فتتصف بكونها ذات مصلحة فيتعلق بها الإرادة والشوق، وكذا بالعكس فيكتسب الخارج لون المطلوبية والمرادية من تلك الصورة
فيتصف بكونه مرادا ومطلوبا، والا فالمصلحة لا يكاد تقوم الا بالخارج، وكذا الإرادة لا تكاد تتعلق الا بالصور الذهنية، كما هو واضح.
وحينئذ فبعد إن كان ذلك شأن الاشتياق والإرادة من كونها تابعة للعلم بالمصلحة في المتعلق وكونه ذا صلاح لا تابعة لكونه كذلك في
نفس الامر فكان العلم واللحاظ مع كونه طريقا إلى الخارج له موضوعية بالنسبة إلى مرحلة تعلق الاشتياق والإرادة نقول:
بأنه لا بد من لحاظ كيفية العلم بالمصلحة من حيث الإناطة والاطلاق.
وفي ذلك نقول: بأنه لا شبهة حينئذ في فرض إناطة المصلحة بشي في اختلاف كيفية العلم بالمصلحة من حيث الإناطة والاطلاق وانه
كما أنه مع العلم بوجود المنوط به وتحققه في الخارج وفي موطنه يتحقق العلم الفعلي المطلق بالمصلحة في المتعلق ويتبعه أيضا الميل و
المحبة والاشتياق والإرادة، كذلك يتحقق العلم الفعلي أيضا في فرض لحاظ المنوط به طريقا إلى الخارج حيث إنه بعد إحراز أصل
الملازمة والإناطة يلزمه في فرض لحاظ المنوط به العلم بالمصلحة في المتعلق بنحو لو كان في مقام تشكيل القضية يشكلها بنحو القضية
الشرطية فيحكم بالحكم التصديقي في فرض لحاظ المنوط به بتحقق المصلحة في المتعلق ولو مع القطع بعدم تحقق المنوط به إلى الأبد
الملازم للقطع بعدم تحقق التالي إلى الأبد، من دون ان يكون هذا القطع المنوط بفرض وجود القيد منافيا مع القطع المطلق فعلا بالعدم
كما في مثال فساد العالم على تقدير تعدد الألهة وتحقق النهار على تقدير طلوع الشمس، حيث إنه بمقتضى الملازمة بين الوجودين
يتحقق قطع منوط بوجود التالي في فرض وجود المقدم وتحققه، بنحو يوجب تشكيل القضية بنحو الشرطية، كما في قولك:
لو كان فيهما آلهة لفسدتا ولو كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، فتحكم فعلا بالحكم الجزمي بفساد العالم وبوجود النهار لكن لا
مطلقا بل منوطا بفرض تحقق المنوط به ووجوده في الخارج ولو مع القطع الفعلي بعدم تحقق المنوط به للتالي من جهة ان هذا العلم
المنوط لا يلازم العلم بتحقق المنوط به في الخارج بل يجتمع ولو مع القطع بعدمه للتالي الملازم للقطع بعدم تحقق المنوط إلى الأبد ومن
ذلك قلنا بعدم المضادة والمنافاة بين هذا
297

العلم المنوط بفرض وجود المنوط به وبين العلم الفعلي المطلق بعدم تحقق المنوط في الخارج كما لا يخفى.
نعم قد يتصور في هذا الفرض أيضا العلم الفعلي الغير المنوط بوجود المصلحة في الامر الاستقبالي بنحو يتشكل القضية على نحو القضية
الحملية، لكن مثل هذا العلم لا بد وأن يكون في فرض القطع بتحقق المنوط به في الخارج وفي موطنه، إذ حينئذ يقطع بالقطع المطلق
فعلا بتحقق المصلحة في الامر الاستقبالي، كما في القطع بوجود الحرارة في الغد الناشئ من جهة القطع بتحقق النار فيه، ومن ذلك كان
له ان يخبر بوجوده منوطا بنحو القضية الشرطية نظرا إلى عدم اقتضاء القطع بتحقق المنوط به في الخارج لخروج القضية عن الإناطة
كي لا يتصور فيه العلم المنوط. وهذا بخلافه في صورة عدم القطع بالانطباق في الخارج أو القطع بالعدم فإنه في هذا الفرض لا يكاد
يتصور الا العلم المنوط ولازمه انحصار القضية بالقضية الشرطية، كما هو واضح.
وحينئذ فبعد ما اتضح لك هذه الجهة من تبعية الاشتياق والإرادة للعلم بالمصلحة في المتعلق وفعلية العلم بالمصلحة أيضا منوطا بفرض
القيد ولحاظه في الذهن على نحو الطريقية إلى الخارج نقول: بأنه لا مانع حينئذ من الالتزام بفعلية الاشتياق والإرادة في الواجبات
المشروطة قبل حصول شرطها في الخارج فإنه بعد ما علم منوطا بفرض القيد ولحاظه في الذهن بوجود المصلحة في المتعلق فقهرا
بمقتضى التبعية المزبورة منوطا بفرض القيد ولحاظه يتوجه نحوه الاشتياق والإرادة أيضا من دون حالة منتظرة في البين أصلا كما لا
يخفى. نعم فاعلية مثل هذه الإرادة المنوطة ومحركيتها نحو المراد لا تكون الا في ظرف تحقق القيد خارجا الذي هو ظرف اتصاف
المتعلق بالمصلحة، فيفكك بين فعلية الإرادة وفاعليتها بجعل فعليتها في ظرف الانشاء وفاعليتها في ظرف تحقق القيد في الخارج الذي
هو ظرف الاتصاف بالمصلحة، ونتيجة فعلية الإرادة حال الانشاء انما هي لزوم تحصى بعض المقدمات المفوتة التي لا يمكن تحصيلها
في ظرف تحقق قيد المصلحة في الخارج. نعم لا بد في هذه المرحلة أي مرحلة فعلية الإرادة وفاعليتها بالنسبة إلى مقدماته المفوتة من
القطع بتحقق القيد في موطن الخارج والا فمع قطعه بعدم تحققه للتالي لا يكاد مجال لتحقق الإرادة ولو منوطا، من جهة انه في فرض
القطع بالعدم يقطع بعدم اتصاف
298

الذات في الخارج بالمصلحة ومع قطعه ذلك يستحيل تحقق تلك الحالة الانقداحية الموجبة لطلبه وبعثه.
نعم لو كانت الإرادة عبارة عن مجرد الاشتياق إلى الشئ ولو لم يكن بالغا إلى حد الانقداح أو كان لفرض القيد ولحاظه في الذهن
موضوعية محضة ولم يكن طريقا إلى الخارج كما في قول الشاعر بالفارسية:
اگر عقلت منم بگذر از أين كار كمه كار عاشقى كاريست دشوار
وبعبارة أخرى: ان كنت مولاك فافعل ذلك حيث جعل المنوط به في المثال نفس الفرض لأمكن دعوى فعلية الإرادة المنوطة حتى مع
القطع بعدم حصول القيد في موطن الخارج، ولكنهما كما ترى مخالف للوجدان، وذلك اما الأول فواضح، واما الثاني فكذلك أيضا لان
ما له الدخل في المصلحة بعد إن كان هو الوجود الخارجي لا محالة يكون الفرض واللحاظ أيضا طريقا إلى الخارج ومعه لا يكاد تعلق
الإرادة الفعلية بالشئ ولو منوطا مع القطع بعدم تحقق المنوط به والقيد في موطن الخارج. نعم مع الشك في ذلك أمكن تعلق الإرادة به
رجأ تحقق المنوط به في الخارج ولكن مثل هذا الفرض غير متصور في الأحكام الشرعية بالنسبة إلى الشارع الذي لا يكاد يتصور في
حقه الجهل.
وكيف كان فمن التأمل فيما ذكرنا يظهر لك عدم تمامية ما عليه المشهور من المشروط في القضايا الشرعية الطلبية من عدم فعلية
الإرادة والطلب إلا في ظرف تحقق المنوط به في الخارج.
واما قياس الاحكام الطلبية بالاعراض الخارجية في مثل النار حارة في إناطة فعلية الحرارة بوجود النار وتحققها في الخارج فمدفوع
بالفرق الواضح بين المقامين من حيث كون الخارج في القضايا الخارجية ظرف العروض والاتصاف بخلافه في القضايا الطلبية فإنه
باعتبار كون المحمول فيها من الأوصاف الذهنية لا يكاد يكون ظرف العروض بل الاتصاف فيها الا الذهن وانما كان الخارج ظرفا
لتطبيق ما هو المعروض والمتصف على الموجود الخارجي، وعلى ذلك فلا يرتبط القضايا الطلبية بالقضايا الخارجية كي يتم المقايسة
المزبورة ويصير المنوط به للطلب هو الشئ بوجود الخارجي.
وعليه فلا محيص بمقتضى ما ذكرنا من المصير إلى كون المنوط به للطلب والإرادة عبارة عن فرض القيد ولحاظه والالتزام بفعلية
الإرادة والطلب في ظرف فرض القيد و
299

لحاظه قبل تحققه في الخارج من دون حالة منتظرة في البين إلى ظرف تحقق القيد في الخارج، وبه أيضا يجمع بين ظهور القضايا
الشرطية الطلبية في رجوع القيد إلى الهيئة وبين ظهور الهيئة فيها في الدلالة على فعلية الطلب. نعم محركية هذه الإرادة وفاعليتها نحو
المراد لا تكون الا في ظرف حصول القيد والمنوط به في الخارج الذي هو ظرف اتصاف الذات بالمصلحة، ولكن مثل هذه الجهة أجنبية
عما هو مفاد الانشاء في الخطابات لأنها عبارة عن مرتبة تأثير الخطاب بوجوده عند العقل في وجوب الامتثال لا مرتبة نفس الخطاب
بمضمونه، كما هو واضح.
ومما ذكرنا أيضا ظهر عدم صحة ما أفيد - كما عن بعض الاعلام في تقريب عدم فعلية الإرادة والطلب في الواجبات المشروط الا بعد
حصول شرطها خارجا - بأن الأحكام الشرعية في القضايا الطلبية سوأ كان على نحو القضية الشرطية أو الحملية انما هي من سنخ
القضايا الحقيقية المترتب فيها الحكم على العناوين المقدرة وجوداتها فيحتاج حينئذ في فعلية الحكم فيها إلى فعلية موضوعها بما له من
القيود والا فقبل وجود موضوعها لا يكاد يكون الا فرض الحكم لا حقيقته كما كان ذلك هو الشأن أيضا في الأحكام الوضعية كالملكية
مثلا. كما في العقود التمليكية كالوصية حيث إن حقيقة الملكية انما يكون تحققها وفعليتها بعد تحقق الموت والا فقبل موت الموصى لا
يكون الا فرض الملكية ففي المقام أيضا كذلك فلا يكون مفاد الخطابات في القضايا المشروطة وغيرها من نحو الحج وغيره الا مجعولا
فرضيا بفرض وجود موضوعه الذي هو المستطيع، ولازمه هو إناطة الحكم في فعليته بفعلية وجود موضوعه خارجا بما له من القيود
كإناطة فرضه بفرضه.
إذ نقول: بان القضايا الحقيقية بالمعنى المصطلح الذي يلزم من فرض وجود الموضوع فرض الحكم ومن فعلية الموضوع خارجا فعلية
الحكم أجنبية عن القضايا الطلبية، حيث نقول: بان القضية بالمعنى المصطلح انما تتصور بالنسبة إلى الاعراض الخارجية التي كان
الخارج ظرفا لعروضها واتصافها كما في النار حارة وكما في الأحكام الوضعية كالملكية ونحوها، فإنها باعتبار كونها من الأمور
التي كان الخارج ظرفا لعروضها يوجب لا محالة فرض وجود الموضوع فيها فرض محمولة وفعلية الموضوع فعلية محموله، واما
بالنسبة إلى الإرادة ونحوها من الصفات الذهنية التي كان ظرف عروضها الذهن والخارج ظرف اتصافها، فلا يتصور فيها القضية
الحقيقية بوجه أصلا حتى يناط فعلية الإرادة فيها بفعلية
300

موضوعها، من جهة ان المنوط به والموضوع كما ذكرنا لا يكون الا لحاظ الموضوع وفرضه لا وجوده الخارجي، غايته انه لا بد وأن يكون
الملحوظ الذهني بنحو يرى خارجيا على وجه لا يلتفت إلى ذهنيته، كما هو الشأن أيضا في مثل القطع والظن في تعلقهما
بالموضوع وما أنيط به. وحينئذ فبعد إن كان الموضوع للإرادة والاشتياق هو فرض وجود الموضوع ولحاظه طريقا إلى الخارج فلا
جرم في ظرف فرض وجود الموضوع وفرض وجود المنوط به يتحقق حقيقة الاشتياق والإرادة، لا انه يتحقق من فرضه فرض الاشتياق
وفرض الإرادة، كما هو الشأن أيضا في العلم بالمصلحة على ما بيناه.
ومن ذلك البيان ظهر انه لا يفرق في ذلك بين أخذ القيود في الواجبات المشروطة في ناحية الموضوع أيضا وبين عدم أخذها فيه كما
هو المختار، فإنه على الأول أيضا نقول بأنه في ظرف فرض وجود الموضوع ولحاظه حيثما يعلم بوجود المصلحة فيه يتحقق حقيقة
الاشتياق والإرادة لا فرضه، غاية ما هناك انه لا يكون الاشتياق والإرادة على نحو الاطلاق كما في الواجبات المطلقة بل كان الاشتياق
منوطا بالفرض المزبور، كما في مثال الحج فإنه إذا لاحظ الشارع الحج في ظرف لحاظ الاستطاعة طريقا إلى الخارج يقطع منوطا
بالفرض المزبور بكونه ذا مصلحة محضة ومع قطعه ذلك بمقتضى تبعية الإرادة للعلم بالمصلحة يتوجه نحوه الميل والمحبة والاشتياق
فعلا فيبطله ويريده منوطا بالفرض المزبور، كيف وان الغرض من الانشاء بعد إن كان هو التوصل إلى وجود المراد لا جهة مطلوبيته
نفسا يكون نفس الانشاء الفعلي في الواجبات المشروطة كاشفا قطعيا عن فعلية اشتياقه وإرادته للمطلوب بلحاظ تبعية الإرادة الغيرية
للإرادة النفسية في الفعلية والشأنية وعدم إمكان التفكيك بينهما، وحينئذ فكان ذلك أقوى شاهد وأعظم برهان على ما ذكرنا من
عدم إناطة الطلب في فعليته في القضايا المشروطة بوجود المنوط به وهو الشرط خارجا وأجنبية القضايا الطلبية شرطية كانت أم
حملية عن القضايا الحقيقية التي يلزم من فرض الموضوع فرض الحكم فيها ومن فعليته فعلية وجود الحكم، وإلا فعلى القول بعدم فعلية
الطلب ولا بعد حصول المنوط به في الخارج يلزم اما الالتزام بمطلوبية الانشاء المزبور نفسيا واما الالتزام بالتفكيك بين الإرادة
الغيرية في المقدمات وبين إرادة ذيها في الفعلية، وهو كما ترى فان الأول منهما مخالف للوجدان وكذا الثاني لان تبعية الإرادة
الغيرية للإرادة النفسية في الفعلية والشأنية في الوضوح كالنار على المنار وكالشمس في
301

رابعة النهار وانه لا يمكن فعلية الإرادة الغيرية بدون فعلية الإرادة النفسية لذيها باعتبار رجوعه إلى تحقق المعلول بدون تحقق علته.
فلا محيص حينئذ بمقتضى ما ذكرنا من الالتزام في جميع الواجبات المشروطة بفعلية الطلب فيها قبل حصول شرطها، غايته انه يفكك
فيها كما ذكرنا بين الفعلية وبين الفاعلية فيجعل فاعلية الطلب في ظرف حصول المنوط به في الخارج الذي هو ظرف اتصاف الذات
بالمصلحة.
فتمام المنشأ حينئذ لتوهم عدم فعلية الطلب في المشروطات قبل حصول الشرط في موطن الخارج وجعل القضايا الطلبية من سنخ
القضايا الحقيقية بالمعنى المصطلح انما هو من جهة خلط هذه الصفات الذهنية من الإرادة والاشتياق والمحبة وغيرها بالاعراض
الخارجية التي ظرف عروضها الخارج كالحرارة والبرودة والاحكام المجعولة كالملكية ونحوها مما ظرف عروضها واتصافها هو
الخارج ومقايسة أحدهما بالآخر، ولكنك بعد التأمل فيما ذكرنا في هذه الصفات من عدم احتياجها في فعليتها إلى وجود المتعلق
خارجا لكونها مما ظرف عروضها الذهن وان الخارج ظرف اتصافها ترى أجنبية القضايا الطلبية بقول مطلق عن القضايا الحقيقية و
انها ليست مما يوجب فرض وجود الموضوع فيها فرض الحكم كما في الأحكام الوضعية من نحو الملكية.
نعم لو قيل بان الأحكام التكليفية مجعولة بحقائقها كالاحكام الوضعية في المعاملات لأمكن دعوى كونها من سنخ القضايا الحقيقية التي
كان فرض وجود الموضوع موجبا لفرض محموله وفعلية وجود الموضوع لفعلية محموله، ولكن ذلك أيضا فاسد جدا من جهة وضوح
ان لب الأحكام التكليفية وروحها ليس الا عبارة عن الإرادة الفعلية وإبرازها بإنشاء أو اخبار، وشي منهما لا يكون مجعولا، من جهة
كون أحدهما من مقولة الكيف والاخر من مقولة الفعل، فلم يكن حينئذ شئ يكون من الاعتبارات الجعلية حتى يتعلق به الجعل حتى
يحتاج في فعليته إلى فعلية وجود موضوعه في الخارج كما في الأحكام الوضعية في المعاملات من نحو الملكية ونحوها كما هو واضح.
نعم الذي تحتاج إلى فعلية وجود الموضوع خارجا انما هو مرتبة فاعلية هذه الإرادة المبرزة ومحركيتها بحيث يحتاج إلى تطبيق
الموضوع في الخارج، ولكن هذه المرتبة كما ذكرنا مرتبة تأثير الخطاب في حكم العقل بلزوم الامتثال لا مرتبة نفس الخطاب
بمضمونه فلا يقتضى حينئذ احتياج الإرادة في مقام
302

محركيتها إلى تطبيق الموضوع خارجا إناطة أصل وجودها وفعليتها بوجوده في الخارج.
ثم إن الثمرة بين القولين تظهر في المقدمات الوجودية للواجب فإنه على ما اخترناه من فعلية الإرادة والتكليف في المشروطات يترتب
عليه وجوب الاتيان بالمقدمات الوجودية المفوتة حالا عند العلم بحصول المنوط به والشرط في الخارج فيما بعد، لان الوجوب النفسي
بعد إن كان فعليا بالنسبة إلى ذيها لا جرم يقتضى على الملازمة ترشح الوجوب الغيري إلى مقدماته فيصير مقدماته الوجودية حينئذ
واجبة من الحين بالوجوب الغيري فيجب الاتيان بها مع العلم بحصول المنوط به والشرط في الخارج. وهذا بخلافه على مسلك المشهور
في المشروط فأنه على هذا المسلك لما كان لا يكون التكليف بالنسبة إلى ذيها فعليا الا بعد حصول المنوط به والشرط في الخارج فلا
مجال لدعوى وجوب مقدماته الوجودية من الحين بالوجوب الغيري، فلا بد حينئذ اما من الالتزام بعدم وجوبها رأسا أو الالتزام بكونها
واجبة بالوجوب النفسي التهيئي الفعلي، وهذا ان التزم به المشهور المنكرون لفعلية التكليف في المشروطات قبل حصول شرطها نظرا
إلى دعوى استقلال العقل في نحو هذه المقدمات بوجوب تحصيلها فرارا عن تفويت الواجب في ظرفه، ولكنه مع كونه التزاما بما لا يلزم
لا يخلو عن إشكال واضح، كما سيجئ إن شاء الله تعالى في تنبيهات المسألة.
في تصوير المعلق
ثم إنه من التأمل فيما ذكرنا في الواجب المشروط على المختار يظهر لك إمكان تصوير الواجب المعلق أيضا وهو الذي يكون الوجوب
فيه فعليا مطلقا غير منوط بشي ولكن الواجب فيه مقيد بأمر استقبالي غير اختياري حتى في ظرفه ولو لكونه قهري الحصول والتحقق
في موطنه كالوقت مثلا، كما في الحج في الموسم، أو مقيدا بأمر اختياري لكن لا بمطلق وجوده بل بوجوده الاتفاقي الناشئ من جهة غير
اختيار المكلف، أو بوجوده الناشئ من قبل سائر الدواعي غير دعوة الامر والتكليف، إذ نقول حينئذ بان مثل هذه القيود بعد إن كانت
راجعة إلى مقام الدخل في وجود المحتاج إليه والمتصف بالصلاح والمفسدة لا من أصل الاحتياج واتصاف الذات بالمصلحة والصلاح
كما في قيود التكليف - كالاستطاعة بالنسبة إلى الحج - فلا جرم تبعا للعلم الفعلي بقيام المصلحة التامة المطلقة
303

بالمقيد المزبور يتعلق به الاشتياق الفعلي المطلق البالغ إلى حد الانقداح المعبر عنه بالإرادة أيضا بلا حالة منتظرة في البين ولا إناطة
لها في فعليتها بحصول القيود المزبورة في الخارج، بل ولا بفرضها ولحاظها أيضا بوجه أصلا.
نعم غاية ما هناك هو خروج القيود المزبورة من جهة عدم قابليتها لتعلق الإرادة بها عن حيز التكليف بالايجاد محضا لا عن مباديها
أيضا فكان جميع مبادئ الإرادة من الميل والمحبة والاشتياق متحققة بالنسبة إليها، ولكنها من جهة عدم قابليتها لتعلق الإرادة بها
كانت خارجة عن حيز التكليف بالايجاد، ولكن مجرد خروجها عن حيز التكليف أيضا غير مقتض لإناطة أصل التكليف في فعليته
بحصولها في الخارج - كما في قيود الوجوب في المشروطات على مسلك المشهور - بل ولا بفرضها ولحاظها أيضا، كيف وان قضية
كونها قيودا للواجب ليست الا دخل تقيداتها في المطلوب بنحو الجزئية، وحينئذ فكما ان الامر بالمركب من الاجزاء الخارجي لا يكون
في فعليته بكل جز منوطا بوجود الجز الاخر بل ولا بفرضه ولحاظه أيضا بل كانت الاجزاء في عرض واحد في كونها متعلقا للامر و
التكليف، غاية الأمر انه لا يكون للتكليف المتعلق بها إطلاق يقتضى مطلوبية المركب حتى في ظرف فقد بعض الاجزاء، وذلك أيضا
لمكان توأمية الاجزاء في مشموليتها للطلب ثبوتا وسقوطا أيضا، كذلك المركب من الاجزاء التحليلية وهي التقيدات ففيها أيضا لا يكون
الامر بالمقيد ببعض القيود منوطا في فعليته بحصول قيوده في الخارج ولا بفرضها ولحاظها أيضا من غير فرق في ذلك بين أن يكون
القيد من القيود الاختيارية أو من القيود الغير الاختيارية، غاية الأمر في فرض عدم اختيارية القيد أو فرض كون الدخيل في الغرض هو
وجوده الاتفاقي ولو مع اختياريته يخرج القيد حينئذ عن حيز نفس التكليف بالايجاد، فلا يكون التكليف بالمقيد حينئذ مطلقا بنحو
يقتضى حفظ وجود المقيد على الاطلاق حتى من ناحية ما هو خارج عن اختيار المكلف أو من ناحية ما كان دخله بوجوده من باب
الاتفاق، لا أنه يوجب نفس التكليف الفعلي بالمقيد بقول مطلق قبل حصول قيده كما هو واضح، فيكون مرجع التكليف الفعلي بالمقيد
حينئذ بعد كون قيده خارجا عن الاختيار إلى التكليف بسد باب عدمه فعلا من ناحية ما هو تحت قدرة المكلف واختياره من المقدمات
الوجودية والأضداد في ظرف العلم بانسداد عدمه من ناحية القيود الخارجة عن الاختيار ونتيجة ذلك انما هي لزوم حفظ المقيد فعلا
من قبل
304

مقدماته الوجودية الاختيارية عند العلم بانحفاظه من ناحية القيود الخارجة عن الاختيار كما هو واضح.
وعلى ذلك فحيثما أمكن تصور الواجب المعلق أيضا في قبال المشروط منه فلا جرم يكون الأقسام في الواجب ثلاثة لا انه ينحصر
بالقسمين المطلق والمشروط كما قيل من امتناع المعلق واستحالته، وذلك لما عرفت بما لا مزيد عليه من إمكان تصور قسم ثالث
للواجب أيضا، وراء المطلق المنجز والمشروط، وهو الذي يكون الواجب أمرا استقباليا مقيدا بزمان الاستقبال وكان الوجوب فيه فعليا
مطلقا غير منوط بشي حتى في الفرض واللحاظ، في قبال المشروط المشهور الذي يكون الوجوب فيه منوطا بوجوب الشرط والمنوط
به في موطن الخارج الملازم لعدم فعليته أيضا قبل حصول شرطه في الخارج، وفي قبال المشروط لدى المختار الذي يكون الوجوب
فيه فعليا لكن منوطا بفرض الشئ ولحاظه لا مطلقا كما هو واضح.
ثم إنه قد يقرب وجه إبطال المعلق واستحالته وامتناع تعلق التكليف الفعلي بالامر الاستقبالي قبل حصول ظرفه بان حقيقة الإرادة بعد
ان لم تكن عبارة عن مجرد الميل والمحبة والاشتياق نحو الشئ بل كانت عبارة من تلك الحالة الانقداحية الحاصلة في النفس المستتبعة
لتحريك العضلات نحو المراد فلا جرم تحتاج في فعليتها وتحققها إلى أن تكون في ظرف الاشراف على المراد الذي هو ظرف القدرة
عليه من جهة انه بدونه يستحيل تحقق تلك الحالة الانقداحية الخاصة الموجبة لتحريك العضلات، من غير فرق في ذلك بين الإرادة
التكوينية و التشريعية، فكما انه في الإرادة التكوينية لا يتحقق حقيقة تلك الحالة الانقداحية المحركة للعضلات الا في ظرف إشراف
المريد على العمل وفي ظرف القدرة عليه كذلك أيضا في الإرادة التشريعية، ففيها أيضا لا بد في تحقق الإرادة وفعليتها من كونها في
ظرف إشراف المأمور والمكلف على المراد وفي ظرف القدرة عليه.
ومحصل هذا التقريب انما هو دعوى احتياج الإرادة في فعليتها وتحققها إلى كون المراد مقدورا بلا واسطة في ظرف الإرادة وانه
بدونه لا يكاد تحقق تلك الحالة الانقداحية المعبر عنها بالإرادة بوجه أصلا، فيقال حينئذ بان الامر الاستقبالي لما كان غير مقدور
للمكلف قبل حصول قيده أو ظرفه فلا جرم يمتنع توجيه التكليف الفعلي أيضا نحوه بالايجاد، فمن ذلك لا بد من جعل التكليف الفعلي به
منوطا بحصول قيده الخارج عن
305

الاختيار في الخارج، ومعه يرجع تلك المعلقات إلى المشروط إذ لا نعنى من المشروط الا ما كان الوجوب فيه منوطا بوجود قيده في
الخارج فيبطل حينئذ القول بالمعلق بواسطة امتناع تعلق الوجوب الفعلي بالامر الاستقبالي والمقيد ببعض القيود الغير الاختيارية، ومن
أجل هذا البيان أيضا قيل بلزوم المصير إلى تدريجية فعلية التكليف بالاجزاء في المركبات التدريجية كالصلاة ونحوها وان فعلية
التكليف بكل جز من المركب انما هو في ظرف الاشراف عليه الذي هو ظرف الفراغ عن الاتيان بالجز السابق عليه، لا ان التكليف
بالجميع كان فعليا من الأول، هذا.
ولكنك خبير بما في هذا التقريب، إذ نقول بأنه وإن كان لا بد في صحة توجيه التكليف الفعلي نحو الشئ من كونه مقدورا للمكلف و
بدون القدرة على لا يصح الطلب والبعث إليه فعلا، ولكنه نمنع اعتبار كونه مقدورا له بلا واسطة في ظرف الإرادة، بل نقول بأنه يكفي
في فعلية الإرادة والتكليف بالعمل مطلق القدرة على إيجاده في ظرفه ولو بتوسيط مقدماته، لان قدرته الفعلية على المقدمات هي عين
القدرة على إيجاد العمل في ظرفه، حيث إنه كان له فعلا حفظ المطلوب الاستقبالي بإيجاد مقدماته الوجودية الاختيارية كما كان له عدم
حفظ وتفويته بعدم إيجاده مقدماته الوجودية فعلا، ومن المعلوم حينئذ انه يكفي هذا المقدار من القدرة الفعلية على المطلوب
الاستقبالي في صحة توجيه البعث والتكليف الفعلي نحوه.
كيف وان لازم البيان المزبور من اعتبار القدرة بلا واسطة على العمل في صحة البعث الفعلي هو الالتزام بعدم فعلية التكليف في
الواجبات المطلقة أيضا فيما كان منها يحتاج إلى مقدمات عديدة لأنها أيضا غير مقدورة قبل حصول مقدماتها في الخارج، فلا بد وأن يكون
فعلية التكليف فيها أيضا في ظرف حصول مقدماتها الذي هو ظرف الاشراف على المطلوب وظرف القدرة عليه، ولازمه هو
إنكار الإرادة الغيرية رأسا في كلية الواجبات بالنسبة إلى المقدمات الوجودية لأنه في ظرف عدم حصول المقدمات إذا لم تكن الإرادة
النفسية متحققة بالنسبة إلى ذيها بملاحظة عدم إمكان الانبعاث نحوه فلا جرم يمتنع تصور الإرادة الغيرية أيضا بالنسبة إلى مقدماته
الوجودية، وحينئذ فلا بد من نفى الوجوب الغيري عن تلك المقدمات رأسا والالتزام بكونها واجبة بالوجوب النفسي التهيئي، وهذا و
ان التزم به بعض من سلك مثل هذا المسلك كصاحب تشريح الأصول
306

- فيما حكاه الأستاذ دام ظله - ولكن مثل هذا الالتزام كما ترى لا يمكن المصير إليه وذلك لما فيه من مخالفته لما عليه إطباق العقلا بل
وبداهة الوجدان القاضي بغيرية تلك الإرادة المتعلقة بالمقدمات الوجودية كما في إراداتنا التكوينية المتعلقة بمثل المشي إلى السوق
لشراء اللحم وإلى الحمام للغسل من الجنابة وإلى مسجد الكوفة للصلاة فيه ونحو ذلك، وعليه فيتوجه عليهم الاشكال بأنه إذا كانت تلك
الإرادة المتعلقة بالمقدمات الوجودية إرادة غيرية توصلية بالوجدان لا نفسية وتهيئية فيستحيل انفكاكها عن فعلية الإرادة بذيلها لان
تبعية الإرادة الغيرية للإرادة النفسية في الفعلية والشأنية في الوضوح كالنار على المنار وكالشمس في رابعة النهار.
وحينئذ فبمقتضى هذا البرهان بعد قضاء الوجدان بكون الإرادة المتعلقة بالمقدمات إرادة غيرية توصلية لا محيص من الالتزام بفعلية
الإرادة النفسية بالنسبة إلى ذيها أيضا قبل حصول مقدماته، كي منها يترشح إرادة غيرية نحو مقدماته والمصير إلى كفاية مطلق
مقدورية العمل ولو بالواسطة في صحة توجيه التكليف الفعلي نحوه وعدم احتياجها أي الإرادة في فعليتها إلى اعتبار كونه المتعلق
مقدورا بلا واسطة في ظرف الإرادة والتكليف كي تحتاج إلى لزوم كونها في ظرف الاشراف على العمل، كما هو واضح.
وعلى ذلك نقول بأنه إذا كان ذلك شأن الإرادة في الواجبات المطلقة المنجزة وفي الإرادات التكوينية فأمكن فعلية الإرادة فيها قبل
حصول المقدمات الوجودية فليكن كذلك في الواجبات المعلقة أيضا، فأمكن فيها تعلق الإرادة الفعلية حالا بالمقيد بالقيد الاستقبالي
كالزمان قبل حصوله، فلا تحتاج إلى كونها في ظرف الاشراف على الواجب الذي هو ظرف حصول قيده، كما كان يشهد لذلك أيضا
نفس الانشاء الصادر من المولى حيث إنه بعد إن كان ذلك لأجل التوصل به إلى وجود المراد البعدي لا من جهة مطلوبية الانشاء نفسا فلا
محالة تكون الإرادة المتعلقة به إرادة غيرية توصلية، ومعه بمقتضى عدم انفكاكها عن إرادة ذيها لا بد من الالتزام بكون الإرادة
المتعلقة بالفعل البعدي فعلية حال الانشاء كي منها يترشح إرادة غيرية إلى الانشاء المزبور، نعم غاية ما في الباب ان محركية هذه
الإرادة لنفس المطلوب كانت في ظرف الاشراف عليه الذي هو ظرف حصول قيده، واما قبل ذلك فلا تكون محركيتها الا لمقدماتها
الوجودية كما هو الشأن أيضا في الواجبات المطلقة المنجزة التي تحتاج إلى مقدمات عديدة، حيث كانت الإرادة بحدوثها محركة
307

باعثة نحو مقدمات المطلوب وببقائها إلى حين حصول المقدمات محركة نحو نفس المطلوب، لا انه عند حصول المقدمات يحدث في
النفس حالة أخرى توجب البعث نحو المطلوب، كما هو واضح.
وقد يقرب إبطال المعلق واستحالته بوجه آخر ولو مع تسليم كفاية مطلق المقدورية ولو بالواسطة في صحة التكليف الفعلي بالعمل و
ذلك بتقريب ان المقيد بالقيد الغير الاختياري كالزمان مثلا تبعا لعدم اختيارية قيده قبل حصول قيده غير مقدور للمكلف بقول مطلق لا
بالواسطة ولا بدونها، من جهة وضوح عدم قدرة المكلف والمأمور على الاتيان بالعمل البعدي قبل حصول قيده وظرفه لا بالواسطة و
لا بدونها، فان ما هو مقدور له حينئذ انما كان ذات المقيد لا بوصف كونه مقيدا، وذات المقيد لم تكن مما يترتب عليه الغرض و
المصلحة، بل المترتب عليه الغرض والمصلحة هو المقيد بوصف كونه مقيدا فإذا كان ذلك غير مقدور له قبل حصول قيده في الخارج فلا
جرم يستحيل تعلق التكليف الفعلي بإيجاده ومعه فلا محيص وأن يكون التكليف الفعلي به منوطا بحصول قيده في الخارج. ومن هذه
الجهة أيضا يندفع شبهة الانتقاض المزبور بالواجبات المطلقة التي لها مقدمات وجودية حيث نقول بان صحة التكليف الفعلي في
الواجبات المطلقة قبل حصول مقدماتها الوجودية مع كونه في الحقيقة من البعث إلى أمر متأخر انما هو من جهة كونه مقدورا للمكلف و
لو بواسطة القدرة على مقدماته، حيث إنه من أجل ذلك يصير البعث الفعلي والانبعاث إليه متصفا بصفة الامكان بخلافه في الفعل المتقيد
بأمر غير مقدور كالمتقيد بالزمان المتأخر، حيث إنه باعتبار امتناع تحققه قبل حضور وقته وحصول قيده غير مقدور للمكلف على
الاطلاق حتى بالواسطة، فمن ذلك لا يكاد يصح البعث الفعلي نحوه الا بعد حضور وقته وحصول قيده، بجعل فعلية التكليف منوطة
بوجود القيد في موطن الخارج ولا نعنى من المشروط الا هذا.
وقد يقرب ذلك بعبارة أخرى وهي ان المعتبر في صحة البعث الفعلي نحو الشئ انما هو إمكان انبعاث المكلف إليه وقوعيا علاوة عن
الامكان الذاتي فيقال حينئذ بأنه لا ريب في تحقق هذا المعنى حينئذ في فعل له مقدمات اختيارية غير حاصلة بالفعل، وذلك انما هو من
جهة كونه في نفسه أمرا ممكنا قابلا للوقوع في كل آن ولو في زمان عدم وجود علته، كما في الاحراق، حيث إنه أمر ممكن قابل للتحقق
في كل زمان حتى في زمان عدم حصول علته غير أن عدم
308

تحققه وامتناعه كان من جهة عدم حصول علته لا من جهة امتناعه في نفسه بالامتناع الوقوعي، وحينئذ فإذا كان الامكان الذاتي و
الوقوعي محفوظا فيه مع عدم حصول علته وامتناعه بالغير فلا حرم أمكن البعث الفعلي نحوه أيضا، من جهة ان المعيار في صحة البعث
الفعلي انما كان هو إمكان الانبعاث إليه بالامكان الوقوعي، فإذا أمكن الانبعاث إليه بالامكان الوقوعي أمكن البعث الفعلي نحوه أيضا، و
هذا بخلافه في الفعل المتقيد بالزمان المتأخر فإنه لما كان يمتنع تحققه في نفسه قبل حضور وقته وحصول قيده فلا يكاد اتصاف
الانبعاث إليه بوصف الامكان الوقوعي ومعه لا يكاد يصح البعث الفعلي نحوه أيضا من جهة ما عرفت من الملاك في صحة البعث الفعلي
نحو الشئ وانه إمكان الانبعاث إليه بالامكان الوقوعي، فعلى ذلك الفرق بين فعل له مقدمات وجودية اختيارية غير حاصلة وبين الفعل
المتقيد بأمر غير مقدور كالمتقيد بالزمان المتأخر - من حيث صحة البعث الفعلي في الأول وعدم صحته في الثاني الا بعد حصول
الواجب - انما هو من جهة محفوظية الامكان الوقوعي في الأول وعدم محفوظيته في الثاني، باعتبار امتناع تحققه في نفسه قبل حضور
وقته وحصول قيده، فمن ذلك لا محيص من جعل الطلب في نحو هذه الأمور منوطا بحصول قيده في الخارج كما في المشروطات. هذا
غاية ما أفيد في وجه بطلان المعلق وفي الفرق بينه وبين المطلق الذي له مقدمات اختيارية غير حاصلة بالفعل.
ولكنه كما ترى لا يكاد يجدى شيئا، إذ نقول أولا: بان ما أفيد من الفرق المزبور بالملاك المسطور انما يفيد في مثل الاحراق ونحوه
من الأمور التي لم يكن لها ما يمنع عن قابلية وقوعها في زمان علتها، لا في فعل كل ما له مقدمات اختيارية غير حاصلة بالفعل كالصلاة
ونحوها مما اعتبر فيها الهيئة الخاصة المعهودة التي ينافيها ويضادها بعض الأمور فان مثل الصلاة باعتبار ما لها من الهيئة الاتصالية
المعهودة لا إشكال في كونها مضادة مع فعل مثل الوضوء والغسل ونحوهما كمضادتها مع سائر المنافيات من الافعال التي يوجب
وقوعها في أثنائها خروج تلك الهيئة عن كونها هيئة صلاتية، وعلى ذلك نقول بأنه من الواضح انه مع تلك المضادة لا يكاد اتصاف
الصلاة بالامكان الوقوعي في كل زمان حتى في زمان عدم وجود مقدماتها التي عبارة عن الوضوء والغسل، وحينئذ يتوجه شبهة
الانتقاض بالواجبات المطلقة إذ يقال حينئذ بأنه يكفي في امتناعها الوقوعي تلك المضادة الجائية من قبل ما اعتبر فيها من الهيئة الخاصة
وإن كان في الفعل المتقيد بالزمان المتأخر
309

جهة أخرى زائدة وهي امتناع تحققه بذاته قبل حضور وقته.
وثانيا نقول: بان إمكان الانبعاث نحو المطلوب وإن كان مما لا بد منه عقلا في صحة البعث الفعلي ولكن نقول: بأنه لا دليل على
اعتباره في ظرف التكليف بل يكفي فيه إمكانه في ظرف العمل لان الذي يحكم العقل باستحالته من التكليف بما لا يقدر عليه المكلف
انما هو في مورد خروج الفعل عن المقدورية بقول مطلق حتى في ظرفه لا مطلقا كما هو واضح.
ومع الغض عن ذلك نقول: بأنه انما يجدى ذلك في إبطال المعلق إذا كان المقصود من إثبات المعلق اقتضاء البعث الفعلي نحو الفعل
المتقيد بالزمان المتأخر لحافظية وجود المقيد بقول مطلق حتى من ناحية قيوده الخارجة عن الاختيار ولكنه ليس كذلك، والا لاقتضى
هذا البيان عدم صحة البعث الفعلي نحوه حتى في ظرف حصول قيده من باب الاتفاق من جهة ان مجرد حصول القيد غير الاختياري لا
يوجب صيرورة المقيد بما هو مقيد اختياريا بقول مطلق، بل المقصود اقتضاء التكليف المزبور للامر بسد باب عدمه من قبل ما هو تحت
اختيار المكلف من المقدمات في ظرف انسداد عدمه من ناحية القيود الخارجة عن الاختيار، وعليه نقول: بان ذلك كما أنه يوجب صحة
التكليف بالمقيد بعد حصول قيده في الخارج وكان مرجع التكليف به حينئذ إلى التكليف بسد باب عدمه من ناحية بقية القيود الأخر
الاختيارية كذلك يوجب صحة التكليف الفعلي نحوه أيضا قبل حصول قيده في الخارج نظرا إلى تمكنه فعلا من هذا المقدار من الحفظ
كتمكنه من عدم حفظه أيضا بتفويت تلك المقدمات وعدم إبقاء قدرته إلى ظرف حصول القيد الذي هو ظرف الواجب، وحينئذ فإذا
فرض تمكنه فعلا من حفظ المقيد بالوقت الاستقبالي من قبل المقدمات الاختيارية وكانت المصلحة أيضا تامة في قيامها بالمقيد فعلا فلا
جرم قضية الاشتياق الفعلي إلى المقيد المزبور البعث الفعلي نحوه فيوجب ذلك وجوب الاتيان بما له من المقدمات الاختيارية التي لولا
تحصيلها في الحال لما كان له القدرة على تحصيلها في ظرف الواجب من جهة ترشح الوجوب الغيري حينئذ إلى تلك المقدمات ولا نعنى
من فعلية الوجوب في المعلق قبل حصول قيده الا هذا المقدار.
فعلى ذلك لا يبقى مجال لانكار المعلق والمصير إلى رجوعه إلى المشروط ونفى التكليف الفعلي فيه قبل حصول قيده بمثل البيانات
المزبورة، كيف وان نفس صدور الانشاء من
310

المولى في هذه الموارد - بعد معلومية كونه لأجل التوصل إلى وجود المراد البعدي لا من جهة مطلوبيته نفسا بمقتضى تبعية الإرادة
الغيرية للإرادة النفسية في الفعلية والشأنية واستحالة الانفكاك بينهما - أقوى شاهد وأعظم برهان على فعلية إرادة المطلوب و
تحققها أيضا، كيف وان كثيرا ما لا يكون للمولى إرادة فعلية في ظرف حصول قيد الواجب وذلك لما يعرض عليه من الحالات المنافية
معها كالنوم والغشوة والغفلة ونحو ذلك كما لو قال افعل غدا كذا مع كونه في الغد نائما أو مغشيا عليه، فعلى هذا المسلك يلزم القول
بخلو هذا الانشاء عن الطلب والمصير إلى عدم وجوب شئ على المأمور في ظرف الغد، مع أنه كما ترى، فإنه لا شبهة في أنه يجب عليه
الاتيان بما امره المولى به في الغد وانه لو تركه يصح للمولى ان يعاقبه، ولا يصح له الاعتذار بأنه لم يصدر من المولى طلب ولا بعث
فعلى، لان الانشاء منه غير متكفل للبعث الفعلي وفي ظرف الغد كان المولى نائما غير مريد للفعل بإرادة فعلية، وهكذا فيما لو علق
المولى طلبه بما هو ضده كالنوم والغشوة بقوله:
(ان نمت فافعل كذا في حال نومي وان غشي على فاصنع كذا وأعط زيدا كذا وان مت فافعل كذا) فإنه على ما ذكرنا من عدم فعلية
الإرادة في ظرف الانشاء يلزم عدم وجوب شئ على العبد في الأمثلة المزبورة من جهة عدم ملزم عليه في البين يقتضى وجوب الاتيان
بالمأمور به بعد فرض خلو الانشاء المزبور عن الطلب وانتفائه أيضا بالوجدان في حال النوم والغشوة، مع أنه كما ترى، فان بداهة
الوجدان قاض بوجوب الاتيان عليه بما هو المأمور به في ظرفه واستحقاقه للعقوبة على الترك فيما لو خالف، ومعلوم انه لا يكون له
وجه إلا إنشائه المتكفل لفعلية طلبه ومن ذلك يصح للمولى ان يحتج عليه بذلك بقوله:
(انى بعثتك نحو العمل وطلبته منك بقولي افعل كذا في الغد ان نمت أو غشي علي) كما هو واضح وحينئذ فكان ذلك كله من الموهنات
للقول بإنكار المعلق وإرجاعه إلى المشروط فتدبر.
نعم لو كان لا بد من إنكاره وإرجاعه إلى المشروط، فكان الحري حينئذ إرجاعه إلى المختار من المشروط الذي لا ينافي مع فعلية
الإرادة كما صنعه بعض الاعلام في درره فيلتزم حينئذ بفعلية الإرادة المنوطة بالفرض واللحاظ - كما حققناه - المستتبعة لعدم
محركيتها نحو المطلوب الا في ظرف تحقق الشرط والمنوط به في الخارج مع تأثيرها أيضا في نفس المكلف فعلا بالنسبة إلى
المقدمات المفوتة، وإن كان ذلك أيضا خلاف التحقيق، كما مر
311

سابقا عند بيان اختلاف أنحاء القيود في كيفية دخلها في المطلوب وعدم كونها على نمط واحد، بان قيود المحتاج إليه غير راجعة إلى
الطلب كي يكون الطلب بمبادئه منوطا بوجودها ولو في الفرض واللحاظ، وانما كان ذلك شأن قيود الاحتياج حيث إنها كانت راجعة
إلى الطلب دون المتعلق، من غير فرق في ذلك بين أنحاء القيود من حيث الاختيارية وغير الاختيارية غايته انه في فرض عدم اختيارية
القيد أو دخله بوجوده الاتفاقي تكون خارجة عن الطلب نفسه لا عن مباديه أيضا، ومجرد هذا المقدار من الخروج أيضا عن حيز الطلب
غير مقتض لإناطة الطلب بوجوده ولو في الفرض واللحاظ فضلا عن الخارج، كما هو واضح.
وحينئذ فعلى التحقيق تكون الأقسام في الواجب ثلاثة: أحدها الواجب المنجز، وثانيها المعلق الذي يكون الوجوب فيه فعليا مطلقا غير
منوط بشي ولو في الفرض واللحاظ والواجب مقيدا استقباليا، وثالثها المشروط الذي يكون الوجوب فيه لدى المختار فعليا منوطا
بفرض القيد ولحاظه وغير فعلى لدى المشهور الا بعد حصول الشرط في الخارج في قبال المعلق الذي عرفت فعلية الوجوب فيه و
إطلاقه، فكان الفرق حينئذ بين المعلق وبين المختار من المشروط من جهة إطلاق الإرادة وإناطته والا فهما مشتركان لدى المختار في
فعلية الوجوب والتكليف.
ثم إنه بعد ان ظهر إمكان كل من المعلق والمشروط ثبوتا يبقى الكلام في مقام الاثبات في إمكان كون القيد الواقع في حيز الخطاب من
قيود الطلب والهيئة أو قيود المتعلق وعدم إمكانه.
فنقول: الذي يظهر من جماعة منهم الشيخ (قدس سره) على ما في التقريرات هو المنع عن جواز كون الشرط من قيود الهيئة والطلب،
حيث منع عن جواز كونه من قيود الطلب والتزم بتعين رجوعه إلى المادة والمتعلق ولو مع اقتضاء القواعد العربية خلافه، ولكن
الظاهر بقرينة الاستدلال الآتي اختصاص المنع المزبور بما إذا كان الطلب منشأ لا بمادة الوجوب والطلب بل بالهيئة محضا كقوله (ان
جاءك زيد فأكرمه) والا ففي فرض إنشائه بمادة الوجوب كقوله (ان جاءك زيد يجب عليك إكرامه أو أطلب منك كذا) لا يتوجه المنع
المزبور، كما هو واضح.
وعلى كل حال فعمدة ما أفيد في تقريب امتناع كون الشرط من قيود الهيئة و
312

الطلب ولزوم كونه من قيود المادة وجهان: تارة بما اختاره الكفاية من المسلك في الحروف والهيئات: من جعل معانيها معاني آلية
لمتعلقاتها وجعل الفارق بينها وبين الأسماء من جهة اللحاظ الآلي والاستقلالي بتقريب ان لازم آلية المعنى فيها ومرآتيته هو عدم
جواز تقييده نظرا إلى اقتضاء التقييد لكونه ملحوظا استقلالا واستلزام ذلك لانقلاب المعنى عن كونه معنى حرفيا إلى المعنى الاسمي بل
واستلزامه لاجتماع النظرين أيضا النظر الآلي والاستقلالي، وأخرى بان معاني الهيئات كالحروف معان جزئية لكونها من قبيل الوضع
العام وخاص الموضوع له، فلا إطلاق للفرد الموجود من الطلب المتعلق بالفعل المنشأ بالهيئة حتى يصح تقييده، مع أن تفرع تقيد الشئ
على إطلاقه كالنار على المنار وكالشمس في رابعة النهار هذا.
ولكن يرد على الوجهين المزبورين المنع عن أصل المبنى فإنه قد تقدم في محله ان الحروف وكذا الهيئات معانيها عبارة عن الإضافات
الخاصة والارتباطات القائمة بالطرفين، فكان الفرق حينئذ بينها وبين الأسماء من جهة نفس المعنى والملحوظ لا من جهة اللحاظ الآلي
والاستقلالي كما عليه مسلك الكفاية، كما أنه قد تقدم أيضا عموم الموضوع له فيها كالوضع نظرا إلى تحقق القدر المشترك بين
الإضافات الخاصة من كل سنخ منها، وعليه فلا مانع عن ورود القيد على الهيئة بوجه أصلا، على أنه لو سلم كون المعنى فيها جزئيا و
خاصا فإنما هو باعتبار الخصوصيات الذاتية، وهذا المقدار لا يقتضى خروج المعنى فيها عن الاطلاق وعن قابلية التقييد بالنظر إلى
الطواري والعوارض اللاحقة، ولذلك ترى ان زيدا مع كونه جزئيا وخاصا كان مطلقا بالنظر إلى الحالات والطواري العارضة عليه من
نحو القيام والقعود ونحوهما.
نعم لو أريد من خصوصية المعنى فيه وجزئيته كونه خاصا وجزئيا بقول مطلق على معنى اشتماله على جميع ما يفرض من الخصوصيات
حتى الناشئة من الطواري الخارجية بحيث كان انشاء مدلول الهيئة مساوق انشاء الطلب المقيد لكان لما ذكر من عدم قابلية المعنى في
الهيئة للتقييد كمال مجال، وعليه أيضا لا يكاد يتوجه إشكال الكفاية (قدس سره) بأنه انما يمنع عن التقييد فيما لو أنشأ أولا غير مقيد لا
ما إذا أنشأ من الأول مقيدا بنحو الدالين والمدلولين فإنه غير إنشائه أولا ثم تقييده ثانيا، إذ نقول بأنه على هذا الفرض لا محالة يكون
القيد المزبور من خصوصيات الطلب المدلول بالهيئة حيث كان
313

انشاء مدلول الهيئة مساوق انشاء الطلب المقيد ومعه لا يبقى مجال لتقيده بالقيد المزبور، كيف وانه على فرض عدم كون ذلك من
خصوصياته لا بد وأن يكون المدلول في الهيئة هو الطلب المجامع مع الخصوصية تارة وغير المجامع معها أخرى فيلزم كونه مطلقا من
هذه الجهة وهو خلف بالفرض، لأن المفروض هو كونه جزئيا غير قابل للتقييد. ومن ذلك ظهر عدم المجال لما أفاده أيضا من حديث
تعدد الدال والمدلول لان ذلك انما يكون في فرض تجريد الهيئة عن تلك الخصوصية بجعلها عبارة عن الطلب المجامع معها تارة و
المفارق عنها أخرى كي يكون الدال على ذات الطلب الهيئة وعلى الخصوصية القيد الخارجي والا فمع عدم تجريدها عنها - كما هو
الفرض من أخذ الخصوصية فيها - لا جرم يكون الدال على الذات والخصوصية هو الهيئة فقط، كما هو واضح.
ولكن الذي يسهل الخطب هو بطلان أصل الفرض فان جزئية المعنى في الحروف والهيئات لو قيل بها فإنما هي باعتبار الخصوصيات
الذاتية لا مطلقا حتى بالنظر إلى الخصوصيات الناشئة من الطواري والعوارض الخارجية خصوصا الناشئة منها من الجهات التعليلية
كالعلة والشرط فإنها مما لا يكاد يمكن أخذها في ذات المعنى، ومن ذلك ترى الفرق الواضح بين مثل قوله: أكرم زيدا لعلمه أو إن كان
عالما وبين قوله أكرم زيدا العالم من حيث كون تمام الموضوع للحكم في الأول هو زيدا وفي الثاني زيدا المتقيد بالخصوصية بنحو
خروج القيد ودخول التقيد بحيث كان زيد جز الموضوع والجز الاخر هو التقيد بالعلم والخصوصية، وعليه فلا يمنع مجرد جزئية
المعنى في الهيئة عن تقيدها وإرجاع الشرط إليها فأمكن إثباتا أيضا كل من المعلق والمشروط.
واما ما أفاده (قدس سره) من البرهان الاخر في امتناع كون الشرط من قيود الطلب ولزوم كونه من قيود المتعلق فقد عرفت الجواب
عنه سابقا بأنه من الخلط بين أنحاء القيود بجعل دخلها في المطلوب على نمط واحد وليس كذلك فراجع هناك تعرف.
نعم لو أغمض عن ذلك لا يتوجه عليه إشكال الكفاية بان الشئ المقيد مع العلم بقيام الغرض به كما يمكن ان يبعث إليه فعلا ويطلبه حالا
كذلك يمكن ان يبعث إليه ويطلبه استقبالا وعلى تقدير تحقق شرط متوقع الحصول ولو لأجل مانع في البين عن الطلب والبعث إليه
فعلا قبل حصوله وحينئذ فلا يكون طلبه وبعثه الفعلي الا في ظرف حصول ذلك القيد الملازم لارتفاع المانع، إذ مضافا إلى منافاته مع
ما يقتضيه ظهور القضايا
314

الشرطية في كون المنوط به للطلب هو نفس القيد والشرط لا أمرا آخر ملازما لوجوده كما يقتضى البيان المزبور من جعل الطلب من
تبعات عدم المانع الذي هو ملازم لوجود القيد، نقول بأنه مع تمامية المصلحة في المتعلق وهو المقيد وعدم مزاحمتها مع مفسدة أهم
وجودا لا محالة يكون مجرد الالتفات إلى تلك المصلحة غير المزاحمة مع المفسدة علة تامة للاشتياق التام البالغ إلى حد الإرادة، وفي
مثله لا يكاد يمنع عنه ما ذكر من المانع والمفسدة المزبورة بعد عدم مزاحمتها وجودا مع مصلحة المطلوب، وذلك من جهة ان تلك
المفسدة حسب ترتبها على الإرادة والطلب تكون معلولة للطلب وفي رتبة متأخرة عنه فيستحيل حينئذ مانعيتها عن نفس الطلب فضلا
عن ممانعتها عن مصلحة المطلوب والمتعلق. وتوهم ان المانع حينئذ عن الطلب حقيقة هو العلم بترتب المفسدة على الطلب لا نفس
المفسدة فلا محذور مدفوع بان مانعية العلم انما تكون باعتبار كشفه عن معلومه فكان ما هو المانع بنظر العقل هو نفس المعلوم و
المنكشف دون العلم وحينئذ يتوجه المحذور المزبور بأنه كيف يمكن مانعية ما هو معلول الشئ وفي رتبة متأخرة عنه عن ذلك
الشئ؟ ومن ذلك أيضا نقول بامتناع تبعية الاحكام لمصالح في نفسها وانها لا بد من كونها تابعة لمصالح في متعلقاتها فتصح الكلية
المدعاة بان الواجبات الشرعية ألطاف في الواجبات العقلية وان كل ما حكم الشرع بوجوبه يحكم العقل بحسنه.
ومن ذلك البيان ظهر أيضا عدم صحة ما أفاده من المقايسة المزبورة بما في موارد الأصول والامارات المؤدية إلى خلاف الواقع وفي
الاحكام التي لم يكشف عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا الأئمة عليهم السلام فبقيت إلى زمان القائم عجل الله فرجه الشريف إذ
نقول بان عدم فعلية تلك الأحكام في الموارد المزبورة يمكن ان يكون من جهة مزاحمة مصالحها لمصالح أخرى أهم ولو كانت هي
مصلحة التسهيل أو لمفسدة كذلك بحسب الوجود، فلا يرتبط حينئذ بالمقام المفروض خلو المتعلق فيه عن المفسدة، وحينئذ نقول:
بان المولى بعد ان لاحظ المقيد وعلم بان فيه مصلحة غير مزاحمة مع المفسدة لا جرم يحدث في نفسه الاشتياق التام فيريده فعلا من
دون حالة منتظرة أصلا.
نعم إبراز تلك الإرادة وإظهارها ربما يحتاج إلى عدم المانع إذ لا يكفي فيه مجرد العلم بالمصلحة ولا الاشتياق التام نحوه، ومن ذلك
نرى بالوجدان ان الانسان ربما يشتاق إلى الشئ بل يريده أيضا من عبده بإرادة فعلية ولكن مع ذلك لا يتمكن من إبراز الإرادة و
315

إظهارها خوفا عما يترتب عليه من المفاسد في نظره، كما لو فرض انه كان هناك عدو له يقتله بمحض إظهاره للإرادة أو يحسد عليه
فيضره ونحو ذلك من المفاسد، كما لعله من هذا القبيل ولاية ولى الله عليه السلام حيث كان عدم إظهار النبي صلى الله عليه وآله وسلم
للولاية للناس من أول الأمر لمكان خوفه صلى الله عليه وآله وسلم من أن يرتد الناس عن دينهم لما يرى صلى الله عليه وآله وسلم من
ثقل الولاية عليهم، فمن ذلك أخر إظهارها مدة متمادية مع ما فيها من المصالح أعلاها إلى أن شدد عليه ونزل عليه الآية المباركة: (يا
أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) نعم إذا كان عدم إظهار الإرادة علة تامة لعدم تحقق الوجود في الخارج مع فرض قيام المصلحة
به فحينئذ يستكشف من عدم إظهار الإرادة عدم بلوغها إلى مرتبة الفعلية من جهة كشفه إنا عن ابتلا المصلحة المزبورة فيه بمفسدة
أخرى أهم وجودا كما في الاحكام التي لم يكشف عنها النبي صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومون عليهم السلام وكما في موارد
الامارات والأصول المؤدية إلى خلاف الواقع. ولكن مثل ذلك كما عرفت غير مرتبط بالمقام المفروض خلو مصلحة المتعلق عن الابتلاء
بالمفسدة وجودا خصوصا مع تحقق الانشاء الفعلي أيضا من المولى. وحينئذ فلا يكاد يجدى ذلك لدفع ما أورده الشيخ (قدس سره) في
لزوم صرف القيود عن الهيئة وإرجاع المشروطات إلى المعلقات ثبوتا وإثبات كون الطلب في القضايا الشرطية منوطا بحصول
الشرط وتحققه في الخارج بحيث لا طلب ولا إرادة قبل حصول الشرط خارجا، بل العمدة في الجواب عنه هو الذي ذكرناه من الفرق
بين أنحاء القيود في مقام دخلها في المطلوب وعدم كونها على نمط واحد فراجع تعرف.
وحينئذ فعلى التحقيق بعد ما أمكن كل من المعلق والمشروط ثبوتا وإثباتا أيضا برجوع القيد الواقع في القضية إلى الهيئة تارة والمادة
أخرى فلا جرم يكون المتبع في استفادة انه من أي القبيل هو لسان الدليل، وفي مثله يفرق بين مثل قوله: ان جاءك زيد فأكرمه أو يجب
إكرامه أو قوله: أكرم زيدا ان جاءك الظاهر في إناطة الوجوب بمادته بالمجئ وبين قوله: أكرم زيدا الجائي بنحو القضية الوصفية
الظاهر في إطلاق الوجوب وفي كون الموضوع هو الذات المتقيدة والمتصفة بالوصف العنواني في قبال القضايا الشرطية الظاهرة في أن
تمام الموضوع للحكم في القضية هو نفس الذات محضا.
316

ثم إنه يظهر من بعض الاعلام عدم صحة ما في التقريرات من لزوم صرف القيود عن الهيئة وإرجاعها إلى المادة لدى الشيخ (قدس
سره) حيث قال نقلا عن أستاذه السيد العلامة الشيرازي (قدس سره) بأنه ليس المراد من تقييد المادة لدى الشيخ (قدس سره) ما
يقتضيه ظاهر التقريرات بل المراد هو تقييد المادة من حيث ورود النسبة عليها وبعبارة أخرى المادة المنتسبة، لان الشئ قد يكون
متعلقا للنسبة الطلبية مطلقا من غير تقييد وقد يكون متعلقا لها حين اتصافه بقيد في الخارج، كما في الحج مثلا فإنه مطلقا غير متصف
بالوجوب بل المتصف بالوجوب هو الحج المقيد بالاستطاعة الخارجية فما لم يوجد هذا القيد يستحيل تعلق الطلب الفعلي به وكونه
طرفا للنسبة الطلبية (انتهى).
أقول: وأنت خبير بعدم إجراء مثل هذا الحمل أيضا لدفع ما أورده من الاشكال على المشروط، فإنه ان أريد بالمادة المنتسبة المادة
المتقيدة بمفهوم الانتساب الذي هو معنى اسمي لا حرفي فهو كما عرفت خارج عن محل الكلام - ومن ذلك خصصنا الاشكال من الأول
بما إذا كان الطلب منشأ لا بمادة الوجوب والطلب بل منشأ بالهيئة - وان أريد بها المادة المتقيدة بالنسبة بما هي معنى حرفي ولو بنحو
خروج القيد ودخول التقيد فلا شبهة حينئذ في أنه غير وأف حينئذ بدفع ما ذكر من الاشكال من حيث جزئية المعنى أو مرآتيته فان
النسبة بما هي معنى حرفي حيثما يكون جزئيا ومغفولا عنه بالفرض تمنع عن جواز إرجاع القيد إلى المادة المنتسبة والا فمن الأول
أيضا يجوز إرجاعه إلى نفس الهيئة فلا يحتاج إلى التجشم المزبور - كما هو واضح - وان أريد بها المادة في حال كونها منسوبة إلى
الهيئة لا بما هي متقيدة بالانتساب إليها بنحو دخول التقيد وخروج القيد فهذا غير ما ذكره التقريرات من جهة وضوح انه ليس المراد
من تقيد المادة في كلامه تقيدها بما هي مطلقة وعارية عن ورود النسبة عليها بل المراد هو تقيدها في حال كونها تحت الهيئة لا مطلقة
ولا مقيدة بالانتساب، كما لا يخفى.
تنبيهان:
الأول:
لا ينبغي الاشكال في عدم وجوب تحصيل مقدمات الوجوب وقيوده في المشروط وخروجها عن حريم النزاع، وهكذا الحال في القيود
الوجودية للواجب في المعلق
317

مما أخذ وجودها فيه من باب الاتفاق، فإنها أيضا غير واجبة التحصيل ولو كانت مقدورة للمكلف، والسر في ذلك واضح. وذلك اما
بالنسبة إلى قيود الوجوب في المشروط، فلما تقدم من خروجها عن حيز الإرادة والطلب بمبادئه من الاشتياق والمحبوبية أيضا، واما
بالنسبة إلى القيود الوجودية للواجب في المعلق مما أخذ وجودها فيه من باب الاتفاق ولو مع مقدوريتها فكذلك أيضا، وذلك اما على
القول برجوعه أيضا إلى المشروط فظاهر، واما على المختار فلانها حسب دخلها في وجود المتصف والمحتاج إليه وإن كانت غير
خارجة عن حيز مبادئ الإرادة من المحبوبية والاشتياق حتى مع عدم مقدوريتها ولكن قضية أخذها بوجودها من باب الاتفاق توجب
خروجها حينئذ عن حيز الطلب بنحو يستحيل ترشح التكليف إليها.
واما سائر القيود الوجودية للواجب من المقدمات المفوتة التي لا يقدر على تحصيلها فيما بعد في زمان الواجب في المعلق وفي ظرف
حصول المنوط به والشرط في المشروط، فلا إشكال فيها أيضا في ثبوت الوجوب لها في الحال بحيث يجب على المكلف تحصيلها في
الحال قبل حصول المنوط به والشرط في الخارج. وهذا بناء على ما اخترنا سابقا من فعلية الإرادة والتكليف في المعلق والمشروط
قبل حصول المنوط به والشرط في الخارج في غاية الوضوح، لان مقتضى فعلية الوجوب والتكليف فيهما حينئذ هو ترشح الوجوب
الغيري إلى تلك المقدمات فتصير حينئذ واجبة بالوجوب الغيري المقدمي. واما بناء على القول بعدم فعلية الإرادة والتكليف بهما قبل
حصول القيد في الخارج ففيه إشكال، من جهة انه من المستحيل حينئذ ثبوت الوجوب الغيري لتلك المقدمات في الحال مع عدم فعلية
الوجوب بالنسبة إلى ذيها، فعلى ذلك لو قيل بوجوبها في الحال فلا بد وأن يكون بوجوب نفسي ولو تهيئي لا غيري مقدمة، وهو أيضا
مما يحتاج إلى قيام دليل عليه بالخصوص من إجماع أو غيره يقتضى وجوب تحصيلها بوجوب نفسي تهيئي، وحينئذ فان قام في البين
نص أو إجماع على وجوب تحصيل تلك المقدمات تعبدا فهو وإلا فمقتضى القاعدة - بعد عدم فعلية الوجوب والتكليف بالنسبة إلى ذيها
- هو عدم وجوبها وإن كان أدى تركها في الحال إلى ترك الواجب في ظرفه عند حصول قيده وشرطه من جهة امتناع تحققه في ظرفه
حينئذ بعد ترك تلك المقدمات في الحال.
واما ما أفيد كما عن بعض الاعلام - من ثبوت الوجوب العقلي لها حينئذ بمناط تلك
318

القاعدة العقلية المسلمة، وهي قاعدة ان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا كما في السقوط إلى الأرض لمن ألقى نفسه بالاختيار
من شاهق، بتقريب انه وإن كان بترك تحصيل مقدمات الواجب قبل حصول شرط الوجوب يمتنع حصول الواجب في ظرفه وعند تحقق
شرائط الوجوب، ولكن هذا الامتناع حيثما كان مستندا إلى سوء اختياره لتركه تحصيل مقدماته الوجودية في أول أزمنة الامكان لا
محالة يعاقب على ترك الواجب في ظرفه، فمن ذلك يحكم بداهة العقل بوجوب تحصيل المقدمات في أول أزمنة الامكان لتحصيل القدرة
حتى لا يترتب على تركها فوات الواجب والملاك في ظرفه، فمدفوع بان قضية الامتناع بالاختيار انما لا ينافي العقاب إذا كان الامتناع
ناشئا عن سوء الاختيار لا مطلقا ولو كان ناشئا عن حسن الاختيار بواسطة ترخيص شرعي أو عقلي في البين على الترك، إذ حينئذ لا
ينبغي الاشكال في أنه ينافيه العقاب، كما يكشف ذلك موارد القطع بعدم حصول المنوط به والشرط في الخارج مع مخالفة قطعه للواقع
وحصول الشرط و المنوط به في الخارج، فإنه حينئذ لا إشكال في أنه لو ترك الاتيان بالمقدمات الوجودية المفوتة للواجب فامتنع بذلك
الاتيان بالواجب في ظرفه لا يكاد يترتب عليه العقوبة بوجه أصلا، وهكذا في موارد الجهل بأصل وجوب الامر البعدي حيث لا يترتب
العقوبة على تركه في موطنه بمجرد عدم إتيانه في الحال بالمقدمات الوجودية المفوتة، كما هو واضح.
وحينئذ فإذا كان موضوع العقاب في القاعدة المزبورة عبارة عن الامتناع الناشئ عن سوء الاختيار لا مطلق الامتناع ولولا عن سوء
الاختيار نقول بأنه لا بد حينئذ مع قطع النظر عن تلك القاعدة من إثبات وجوب تلك المقدمات عقلا أو شرعا في الحال كي يترتب على
ترك تحصيلها كون الامتناع امتناعا عن سوء الاختيار فيترتب عليه الحكم باستحقاق العقوبة عيلة بمقتضى القاعدة المزبورة، والا فلا
يمكن إثبات وجوبها وكونه امتناعا عن سوء الاختيار بمقتضى تلك القاعدة من جهة ما فيه من الدور الواضح. وحينئذ نقول بأنه إذا لم
يقم دليل خاص من إجماع أو غيره على كونها واجبة بالوجوب النفسي ولو التهيئي وامتنع أيضا كونها واجبة بالوجوب الغيري
الترشحي من جهة ما هو الفرض من انتفاء التكليف الفعلي بذيلها قبل حصول المنوط به والشرط في الخارج فلا جرم تبقى المقدمات
تحت الترخيص العقلي، وحينئذ فإذا ترك المقدمات المزبورة فامتنع الواجب في ظرفه لأجل تركه تحصيل المقدمات من الأول فلا جرم
لا يكاد يكون الامتناع
319

المزبور امتناعا عن سوء الاختيار حتى يترتب عليه بمقتضى القاعدة المزبورة الحكم باستحقاق العقوبة على التفويت، كما هو واضح. و
حينئذ فمن أين يمكن إثبات وجوب المقدمات المزبورة بمقتضى القاعدة المزبورة حتى أمكن استكشاف وجوبها الشرعي أيضا ولو
بنحو متمم الجعل؟ واما توهم كفاية العلم بتوجه التكليف الفعلي إليه فيما بعد وابتلائه بغرض المولى بعد حصول الشرط في حكم العقل
بلزوم تحصيل المقدمات من الحين واستحقاقه للعقوبة على تفويته بترك تحصيل مقدماته الوجودية من الحين، من جهة انتهاء امتناعه
في ظرفه إلى اختياره، كما يشهد عليه ضرورة الوجودان فيمن يعلم ابتلائه بعد ساعة بعطش شديد في بر لا يكون فيه ماء مع كونه
قادرا في الحال على تحصيل الماء وحفظه لوقت احتياجه إلى الشرب لرفع عطشه، فإنه لا شبهة في أنه يجب عليه تحصيل الماء في وقته و
حفظه إلى وقت احتياجه بحيث لو لم يحصل الماء ولم يحفظه فأصابه من العطش من أصاب يكون مذموما عند العقلا على ما اصابه من
العطش بواسطة عدم تحفظه وعدم تحصيله الماء عند تمكنه منه، ومن المعلوم انه لا يكون له وجه الا وجوبه عليه من الأول.
فمدفوع أيضا بأنه ان أريد بذلك كونه مكلفا من الحين بحفظ الواجب فيما بعد من قبل مقدماته الوجودية الاختيارية فهو صحيح، ولكنه
يرجع إلى ما ذكرناه من فعلية الوجوب والتكليف في المعلق والمشروط قبل حصول المنوط به والشرط في الخارج، من جهة انه لا نعنى
من فعلية الوجوب والتكليف فيهما قبل حصول الشرط الا هذا المقدار وعليه أيضا يكون وجوب المقدمات الوجودية وجوبا غيريا
ترشحيا لا نفسيا تهيئيا، وان أريد انه لا يكون في الحال تكليف فعلى بالنسبة إلى ذيها ولو بهذا المقدار وان فعلية التكليف بقول مطلق
انما يكون فيما بعد وفي ظرف حصول المنوط به والشرط في الخارج إلا أن مجرد العلم بحصول الشرط في الخارج وثبوت التكليف
فيما بعد موجب لوجوب تحصيل مقدماته الوجودية من الحين واستحقاق العقوبة على تفويت الواجب في ظرفه بترك تحصيل مقدماته
الوجودية بلحاظ انتهاء فوت الواجب في ظرفه إلى اختياره، فهو ممنوع جدا، حيث نقول بان ما هو المصحح للعقوبة على تفويت الواجب
انما هو البيان في ظرف التكليف لا مطلقه ولو في القبل، كما هو الشأن أيضا في طرف العكس حيث كان اللا بيان الموضوع لقبح العقوبة
هو خصوص اللا بيان في ظرف التكليف لا مطلق عدم البيان ولو
320

مع انقلابه بالنقيض في ظرف التكليف، ومن ذلك لو علم في الحال بأنه يتوجه إليه تكليف من المولى في الغد لابتلائه بغرض كذا وكذا
ولكنه غفل في الغد عن التكليف فلم يأت بالمأمور به أو انقلب علمه شكا فأجرى البراءة عن التكليف لا يكاد يستحق العقوبة عليه، كما أنه
في فرض العكس لو قطع بعدم التكليف في الغد ثم انقلب قطعه في الغد إلى القطع بالوجود يستحق العقوبة عليه لو خالفه. وحينئذ نقول
بأنه إذا كان المدار في البيان وكذا اللا بيان على البيان في ظرف التكليف فلا جرم بعد فرض عدم التكليف الفعلي بذيلها قبل حصول
الشرط والمنوط به خارجا لا يكاد يجدى مجرد العلم بحصول المنوط به والشرط والمنوط به خارجا لا يكاد يجدى مجرد العلم بحصول
المنوط به والشرط وفعلية التكليف والغرض بذيلها بعد ذلك في وجوب تحصيل مقدماته الوجودية واستحقاق العقوبة على تفويت
الواجب بوجه أصلا الا بإثبات كونه مكلفا من الحين بحفظ الواجب البعدي من قبل مقدماته الاختيارية ومعه يرجع لا محالة إلى ما ذكرناه،
كما هو واضح.
ثم إن هذا كله في غير المعرفة من المقدمات، وما هي فقد يقال - كما عن بعض الاعلام - بأنها تكون واجبة بالوجوب الطريقي لتنجيز
الواقع عند الإصابة كما في سائر الطريق بحث كان العقاب على نفس المخالفة لا على ترك التعلم، ولكن التحقيق خلافه إذ نقول بان
التعلم لا يخلو امره اما ان يكون تركه يؤدى إلى الغفلة عن أصل التكليف في ظرفه، واما ان لا يكون كذلك بل كان بعد يحتمل وجود
التكليف، وعلى الثاني اما ان يتمكن من الاحتياط في ظرفه بالجمع بين المحتملات واما ان لا يتمكن من الاحتياط كما لو دار الامر بين
الوجوب والحرمة في فعل شخصي. فعلى الأول يكون حال التعلم حال المقدمات المعدة التي يلزم من عدم تحصيلها عدم القدرة على
الواجب في ظرفه لأنه بعد تأدية تركه إلى الغفلة عن التكليف يكون غير قادر على الاتيان بالواجب ومعه يكون حكمه حكم سائر
المقدمات المفوتة، طابق النعل بالنعل. واما على الثاني فلا وجه لوجوبه رأسا مع فرض تمكنه من الاحتياط والبناء على صحة عمل
المحتاط التارك لطريقي الاجتهاد والتقليد الا إذا فرض كونه غير معذور في هذا الجهل تكليفا، وعليه يكون وجوبه إرشاديا محضا لا
طريقيا. واما على الثالث فكذلك أيضا حيث إنه لا يكون وجوبه الا إرشاديا محضا لأجل الفرار عن تبعة مخالفة التكليف الواقعي كما في
موارد العلم الاجمالي بالتكليف في الجمع بين المحتملات. فعلى كل تقدير حينئذ لا معنى لدعوى
321

وجوب التعلم بالوجوب الطريقي كما في الطرق بل هو مما يدور امره بين كونه واجبا بملاك المقدمات المعدة التي يترتب على تركها
عدم القدرة على الواجب في ظرفه وبين كونه بملاك الارشاد العقلي لأجل الفرار عن تبعة مخالفة التكليف كما في الجمع بين المحتملات
في موارد العلم الاجمالي في الشبهة المحصورة كما هو واضح.
وكيف كان فعلى ما اخترناه في المشروط والمعلق من فعلية الوجوب فيهما قبل المنوط به والقيد في الخارج ووجوب المقدمات
الوجودية قد يتوجه الاشكال بالنسبة إلى بعض المقدمات الوجودية للواجب كالوضوء والغسل قبل دخول وقت الصلاة حيث يقال بان
لازم القول بفعلية الوجوب والتكليف في المشروطات والمعلقات قبل حصول قيودها في الخارج هو لزوم اتصاف مثل هذه المقدمات
بالوجوب الغيري إما على التخيير فيما لو علم بتمكنه من تحصيل الوضوء والغسل بعد دخول الوقت وإما على التعيين إذا يعلم بعدم
تمكنه من تحصيلهما في ظرف الواجب لولا تحصيلهما في الحال، ولازمه هو الالتزام بوجوب تحصيل الوضوء أو الغسل قبل دخول وقت
الصلاة بل ولزوم إبقائهما إلى ما بعد دخول الوقت إذا فرض كونه متطهرا قبل دخول الوقت، مع أنه لا يكون كذلك من جهة قيام
الاجماع منهم على عدم وجوب تحصيل الطهارة الحدثية قبل الوقت حتى مع العلم بعدم تمكنه من تحصيلها في الوقت وعدم وجوب
إبقائها أيضا إلى ما بعد دخول الوقت. ولكن الجواب عن ذلك انما هو بدعوى ان أصل وجوب الطهور كالصلاة كان منوطا بدخول
الوقت بمقتضى قوله عليه السلام: (إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور) فكان عدم وجوب تحصيل الوضوء والغسل قبل دخول الوقت
من جهة التعليق المزبور الظاهر في أن ما فيه ملاك المقدمية للصلاة هو الطهور بعد الوقت فلا إشكال حينئذ يرد على ما ذكرنا.
واما ما قد يقال: من اقتضاء ذلك حينئذ لعدم جواز الاكتفاء بالطهارة الحاصلة قبل الوقت لأجل غاية أخرى من الغايات إذا فرض بقائها
من باب الاتفاق إلى ما بعد دخول الوقت مع أنه ليس كذلك قطعا، فمدفوع بان ما هو المقدمة انما هو الطهارة بعد الوقت ولو بوجودها
البقائي فلا يعتبر فيها كونها حادثة أيضا بعد الوقت وحينئذ فإذا فرض انه كان متطهرا قبل الوقت فبقيت من باب الاتفاق إلى أن دخل
الوقت يجوز الاكتفاء بها في الدخول في الصلاة، وبعبارة أخرى ما هو المقدمة هو الطهارة بعد الوقت بما هي جامعة بين وجودها
الحدوثي أو وجودها البقائي فيه من باب الاتفاق، ومن ذلك لو فرض بقائها
322

إلى حين دخول الوقت يجب عليه تخييرا أو تعيينا في فرض الانحصار إبقائها وحفظها إلى أن يأتي بالصلاة معها وحينئذ فلا إشكال
يرد في البين من هذه الجهة أيضا.
هذا بالنسبة إلى نفس الوضوء والغسل ولقد عرفت ان عدم وجوبها قبل الوقت انما هو على قواعد التعليق المستفاد من ظاهر قوله عليه
السلام: (إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور) ومن قوله سبحانه: (فإذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) الظاهر في إناطة الوجوب في
الطهور كأصل الصلاة بدخول الوقت. واما سائر مقدماته كتحصيل الماء وحفظه ونحوهما فلا بد من تحصيلها تخييرا أو تعيينا إذا
فرض العلم بعدم التمكن منه في الوقت لولا تحصيلها في الحال، وذلك أيضا على القواعد التي ذكرناها في كلية المقدمات الوجودية، و
عليه أيضا يكون ما ورد على وجوب حفظ الماء قبل الوقت من النصوص على طبق القواعد، لا انه كان ذلك حكما تعبد يا من الشارع، كما
هو واضح.
الأمر الثاني:
لو شك بالشك البدوي في قيدية شئ للوجوب أو الواجب بنحو التعليق أو التنجيز، فإن كان القيد حاصلا بالفعل فلا إشكال حيث لا ثمرة
في البين يترتب عليه، واما إذا كان غير حاصل بالفعل فمقتضى الاطلاق في جميع الصور هو ثبوت الوجوب، وفي الثالثة عدم وجوب
تحصيل المشكوك القيدية. ومع عدم الاطلاق فالبرأة نتيجتها التقييد في الأول ونتيجتها الاطلاق في الأخيرين. هذا إذا كان الشك في
أصل تقيد الوجوب أو الواجب.
واما إذا علم بأصل التقييد ولكنه دار الامر بين كونه قيدا للوجوب أو الواجب، فأصالة الاطلاق تجري في كل من الهيئة والمادة وبعد
التساقط يكون المرجع هو الأصل العملي. ولا ينظر حينئذ في ترجيح أحد الاطلاقين على الاخر إلى حيث الاقوائية كما توهم، لان ذلك
انما يكون فيما لو كان التعارض بين الاطلاقين في نفسهما لا في مثل المقام الذي كان التعارض بينهما لأجل العلم الاجمالي بعروض
التقييد على أحدهما، إذ حينئذ لا يكون مجرد أقوائية أحدهما موجبا لارجاع القيد إلى الاخر فتأمل. هذا إذا كان التقييد في دليل منفصل،
واما لو كان ذلك في دليل متصل فالامر أظهر، إذ حينئذ باتصال الكلام بذلك وصلاحيته للعروض على كل واحد منهما لا ينعقد الظهور
الاطلاقي لواحد منهما، فلا بد حينئذ من الرجوع إلى الأصل العملي، ومقتضاه هو البراءة عن وجوب تحصيل القيد فيما إذا كان الدوران
بين المشروط وبين المطلق المعلق أو المنجز. واما إذا كان الدوران
323

بين المشروط وبين المعلق فلا ثمرة بالنسبة إلى القيد لأنه غير واجب التحصيل على كل تقدير. وكذلك الامر بالنسبة إلى نفس الواجب
وذلك اما في فرض حصول القيد في الخارج فواضح من جهة وجوب الاتيان بالمأمور به والواجب حينئذ على كل تقدير، واما في فرض
عدم حصوله فللعلم بعدم الفائدة في الاتيان حينئذ إما لعدم وجوبه رأسا لو فرض رجوعه إلى الهيئة والوجوب واقعا وإما من جهة
انتفاء قيده على فرض رجوعه إلى المادة والواجب، فعلى كل تقدير يقطع بعدم الفائدة في إيجاده حينئذ، كما هو واضح. ولعله إلى ذلك
أيضا نظر القائل بالعلم بتقييد المادة على كل تقدير من جهة استلزام تقييد الهيئة أيضا لبطلان محل الاطلاق في المادة، لعدم انفكاكها
حينئذ عن وجود قيد الهيئة فتدبر.
ومن التقسيمات تقسيم الواجب إلى النفسي والغيري
فالغيري هو الذي يكون الغرض من إيجابه التوصل به إلى وجود واجب آخر، والنفسي ما لا يكون كذلك كالمعرفة بالله سبحانه و
الصلاة والصوم والحج ونحوها من العباديات والتوصليات.
ثم إن وجود هذين القسمين في الواجبات وإن كان وجدانيا غير قابل للانكار ولكن الظاهر هو كون الغرض من ذلك دفع ما يتوهم
وروده من الاشكال من لزوم ترتب مثوبات و عقوبات كذلك على فعل واجب واحد له مقدمات عديدة نظرا إلى تخيل ان المثوبة و
العقوبة تابعتان لفعل مطلق الواجب وتركه، إذ يستشكل حينئذ بأنه على الملازمة من وجوب المقدمة أيضا يلزم ترتب مثوبات متعددة
على فعل واجب واحد له مقدمات متعددة وعقوبات كذلك على تركه بما له من المقدمات، لأنه ترك واجبات متعددة، فمن أجل ذلك
صاروا بصدد هذا التقسيم فقسموا الواجب إلى الغيري والنفسي للتنبيه على أنه ليس مطلق الواجب مما يترتب عليه فعلا وتركا استحقاق
المثوبة والعقوبة حتى يتوجه الاشكال المزبور وان الذي يترتب عليه ذلك انما هو خصوص الواجب النفسي واما الواجب الغيري فحيث
انه كان وجوبه لأجل التوصل به إلى وجود واجب آخر فلا يكاد يترتب عليه فعلا أو تركا استحقاق المثوبة والعقوبة بوجه
324

أصلا وحينئذ فلا ينافي القول بوجوب المقدمة شرعا وحدة المثوبة والعقوبة على فعل الواجب وتركه كي يكون مجال للاشكال
المزبور، هذا.
أقول: ولكن لا يخفى عليك ما في هذا الجواب والاشكال المزبور، حيث إنه مبنى على كون مدار استحقاق المثوبة والعقوبة على عنوان
الإطاعة والمعصية بموافقة الامر النفسي ومخالفته، والا فبناء على كونهما من تبعات عنوان التسليم للمولى وعنوان الطغيان عليه بما
انه إبراز للجرأة عليه والتمرد عن امره ونهيه الجامعين بين الانقياد والاطاعة والتجري والعصيان - كما هو التحقيق على ما حققناه في
مبحث التجري - فلا مجال لهذا الجواب ولا موقع أيضا للاشكال المزبور، نظرا إلى إمكان الحكم حينئذ بترتب المثوبة والعقوبة على
موافقة الامر الغيري ومخالفته أيضا مع الالتزام بعدم تعدد المثوبة والعقوبة عند تعدد المقدمات بلحاظ كونهما تابعتين في الوحدة و
التعدد لتعدد التسليم والطغيان ووحدتيهما التابعين لوحدة الغرض وتعدده، وذلك انما هو من جهة وضوح انه كما يتحقق عنوان
التسليم والطغيان بموافقة الأوامر النفسية ومخالفتها كذلك يتحقق أيضا بموافقة الأوامر الغيرية ومخالفتها، ومن ذلك بمجرد كونه
في صراط الإطاعة وشروعه في مقدمات المأمور به ترى انه يمدحونه العقلا ويحكمون باستحقاقه الأجر والثواب من دون انتظار
منهم في المدح وحكمهم باستحقاق الأجر والثواب إلى وقت إتيانه بما هو المطلوب النفسي للمولى كما لا يخفى، ومعلوم انه لا يكون له
وجه الا ما ذكرنا من تحقق عنوان التسليم بموافقة الامر الغيري أيضا كتحققه بموافقة الامر النفسي، والا لكان اللازم عدم الحكم
باستحقاق الأجر والثواب فعلا الا بعد إتيانه بما هو المطلوب النفسي. وهكذا الامر في طرف الطغيان فإنه أيضا مما يتحقق بمجرد
شروعه في مقدمات الحرام أو تركه لما هو مقدمة الواجب حيث إنه يصدق عليه بأنه ممن أبرز الجرأة على المولى وصار بصدد التمرد
عن امره ونهيه، ومن أجل ذلك يصير موردا للتوبيخ والذم من العقلا بلا حالة منتظرة أيضا في ذلك إلى وقت فوت الواجب النفسي،
كما فيمن رمى سهما لقتل مؤمن مع كون السهم يبلغ إليه بعد ساعة فإنه من الحين يصير هذا الرامي موردا للذم عند العقلا، كما هو
واضح.
وعلى ذلك نقول: بأنه إذا كان مدار المثوبة والعقوبة على عنوان التسليم الطغيان لا على عنوان الإطاعة والمعصية بموافقة الامر النفسي
ومخالفته وكان التسليم أيضا
325

يتحقق بموافقة الامر الغيري ومخالفته كتحققهما بموافقة الامر النفسي ومخالفته، فلا قصور في الحكم بترتب المثوبة والعقوبة على
الواجبات الغيرية التوصلية أيضا بل وترتب القرب عليها أيضا فيما لو كان الاتيان بها بداعي امرها، ومن ذلك قلنا سابقا في مبحث
قصد القربة باشتراك الواجبات التوصلية مع التعبدية من جهة المقربية نظرا إلى عدم انفكاك الامر بها عن القربة وعدم اتصاف المأتي
به فيها بعنوان المأمور به إلا بإتيانها عن دعوة أمرها، وان تمام الفرق بين التوصلي والتعبدي انما كان من جهة مدخلية حيث القرب في
سقوط الامر وسقوط الغرض في العبادات وعدم مدخليته في التوصليات، من جهة سقوط امرها وحصول الغرض فيها بمحض حصول
العمل وتحققه كيف ما اتفق ولولا عن داع قربي، كما هو واضح.
واما إشكال لزوم تعدد المثوبة والعقوبة في فعل واجب واحد له مقدمات وتركه بترك ما له من المقدمات، فغير وارد، من جهة ما
عرفت من أن وحدة المثوبة والعقوبة تابعة وحدة التسليم والطغيان، وتعددهما التابعين لوحدة الغرض وتعدده، فإذا لا يكون الغرض
حينئذ إلا واحدا لا يكون له الا تسليم واحد وطغيان كذلك، ومعه لا يكاد يترتب عليه الا مثوبة واحدة وعقوبة كذلك وإن كان له
مقدمات عديدة لا تحصى، وعلى ذلك فالتسليم وإن كان يتحقق بمجرد شروع العبد في المقدمة ويستحق عليه المثوبة، ولكنه لما كان
الغرض واحدا فلا محالة يكون التسليم أيضا واحدا ويمتد هذا التسليم الواحد إلى زمان الاتيان بذيلها الذي هو المطلوب النفسي، كما أنه
كذلك أيضا في طرف الطغيان حيث إنه يتحقق بمجرد الشروع في المقدمة ويمتد إلى زمان تحقق الحرام في الخارج، لا انه يتعدد
التسليم والطغيان بتعدد المقدمات حتى يلزمه تعدد المثوبة والعقوبة أيضا كما هو واضح، كوضوح ان استحقاقه للمثوبة والعقوبة على
التسليم والطغيان بشروعه في مقدمات الواجب أو الحرام أيضا انما يكون فيما إذا استمر على ذلك ولم يحصل له البدأ بعد ذلك في
العصيان أو الإطاعة، والا فلو حصل له البدأ بعد ذلك ولم يحصل له البدأ بعد ذلك في العصيان أو الإطاعة، والا فلو حصل له البدأ بعد
ذلك وحصل منه الطغيان بترك الواجب يكون طغيانه ذلك بعكس التوبة من الحين رافعا لما استحقه على تسليمه السابق بحيث كأنه لم
يفعل شيئا ولم يتحقق منه التسليم أصلا مع صدور هذا الطغيان منه، كما أنه في صورة العكس يكون الامر بالعكس. فإذا كان بصدد ترك
الواجب أو فعل الحرام وأتى ببعض المقدمات ثم ندم وأتى بالواجب أو ترك الحرام
326

يكون تسليمه ذلك بإتيان الواجب وترك الحرام رافعا لما استحقه على طغيانه من الحين بحيث كأنه لم يتحقق منه الطغيان أبدا، نعم لو
كان عدم حصول الواجب والمأمور به لا من جهة حصول البدأ له وطغيانه بل من جهة عدم تمكنه منه خارجا لموت أو مرض أو غير ذلك
مع كونه بصدد الامتثال وإتيان المأمور به يدخل ذلك حينئذ في الانقياد فيستحق المثوبة حينئذ على انقياده، كما أنه في فرض العكس
يكون الامر بالعكس فيندرج في التجري، كما هو واضح.
وعلى كل حال فعلى ما ذكرنا من تبعية المثوبة والعقوبة ودورانهما مدار عنوان التسليم والانقياد للمولى وتبعيتهما أيضا في الوحدة
والتعدد مدار تعدد التسليم والطغيان ووحدتهما التابعين لوحدة الغرض وتعدده يظهر لك عدم المجال أيضا لما أفيد في دفع
الاشكال المزبور من تخصيص المثوبة والعقوبة بموافقة الامر النفسي ومخالفته، إذ نقول بأنه لا وجه حينئذ لهذا التخصيص بعد صدق
عنوان التسليم والطغيان على موافقة الامر الغيري ومخالفته أيضا وان مجرد وحدة المثوبة والعقوبة أيضا على فعل واجب واحد و
تركه غير مقتض للالتزام بكونهما من تبعات خصوص موافقة الامر النفسي ومخالفته، بل يلتزم حينئذ بترتبهما أيضا على موافقة الامر
الغيري ومخالفته لمكان تحقق عنوان التسليم والانقياد بذلك، ويدفع الاشكال المزبور من جهة وحدة التسليم والطغيان ووحدة
الغرض بما ذكرناه من البيان ويقال بعدم استحقاقه على فعل واجب له مقدمات الا مثوبة واحدة ولا على تركه بترك ما له من المقدمات
ما لا تحصى الا عقوبة واحدة، كما لا يخفى. وعلى ذلك فلو فرض انه يعطى عن فعل كل مقدمة ثوابا مستقلا فلا بد وأن يكون ذلك من
باب التفضل لا من باب الاستحقاق، كما أنه من ذلك أيضا ما ورد في فضل زيارة مولانا أبي عبد الله الحسين روحي وأرواح العالمين
فداه بأنه لكل قدم ثواب حج وعمرة، وان الامر بقصر الاقدام أيضا انما هو من جهة ان تكثر المقدمات فيزداد بذلك مقام التفضل عليه
بإعطائه ذلك الأجر والثواب العظيم الذي وعد الله زائريه، نسأل الله سبحانه ان يكتبنا من زوار قبره الشريف ويحشرنا معه ولا
يسلب عنا مجاورة قبر أبيه عليه السلام.
وكيف كان فمن التأمل فيما ذكرنا من قابلية الأوامر الغيرية لترتب المثوبة والعقوبة وقابليتها أيضا للمقربية بإتيان متعلقها بداعي
امرها، يظهر لك اندفاع الاشكال المعروف
327

على الطهارات الثلاث التي ثبت عباديتها من بين المقدمات، من تقريب انه كيف المجال لمقربيتها ولترتب المثوبة عليها مع أن الامر
الغيري بما هو أمر غيري من جهة توصليته لا إطاعة له ولا قرب في موافقته ولا مثوبة على امتثاله، إذ نقول بان ذلك كله مبنى على
تخصيص المثوبة والعقوبة والقرب والبعد بموافقة الامر النفسي ومخالفته والا فعلى ما ذكرنا من المدار في استحقاق المثوبة و
العقوبة بكونه على عنوان التسليم للمولى وبالفارسي (فرمانبردأرى از مولى وتن زير بار مولى دادن) فلا جرم يندفع تلك
الاشكالات وذلك: اما إشكال ترتب المثوبة فمن جهة تحقق موضوعه وهو عنوان التسليم كما أوضحناه، واما إشكال المقربية فكذلك
أيضا من جهة تحقق القرب حينئذ بإتيانها بداعي محبوبيتها ومراديتها للمولى ولو بإرادة غيرية.
وعلى ذلك لا يحتاج في التفصي عن الاشكال إلى الجواب عنه تارة بما أفيد في الكفاية من كشف رجحان نفسي في هذه الطهارات
بدعوى ان مقربيتها حينئذ انما هي لكونها في نفسها أمورا عبادية ومستحبات نفسية لا لكونها مطلوبات غيرية وان الاكتفاء بأمرها
الغيري لمكان أنه لا يدعو إلا إلى ما هو عبادة في نفسه، وأخرى بكشف عنوان بسيط يكون هو المأمور به - كما عن الشيخ - بدعوى انه
ربما لا تكون تلك الحركات والسكنات محصلة لما هو المقصود منها من العنوان الذي صارت بهذا العنوان مقدمة وموقوفا عليها، فلا بد
حينئذ في إتيانها بذلك العنوان من حيلة وهي قصد ذلك الامر المقدمي وذلك أيضا لا من جهة اقتضاء الامر الغيري لذلك بل من جهة
الإشارة إلى ذلك العنوان نظرا إلى عدم دعوة هذا الامر إلا إلى ما هو الموقوف عليه فالاتيان بالطهارات حينئذ بقصد امرها كان من
جهة إحراز العنوان الذي لأجله صارت تلك الحركات والسكنات مقدمة و موقوفا عليها، كي يورد عليه بما في الكفاية من إمكان الإشارة
الاجمالية حينئذ إلى ذلك العنوان البسيط بوجه آخر ولو بقصد امرها وصفا لا غاية وداعيا مع كون الداعي إليها شيئا آخر من شهوة أو
غيرها، وعدم وفائه أيضا بدفع إشكال ترتب المثوبة بلحاظ ان قصد الامر لأجل إحراز عنوان المقدمة لا لكون المأمور به مطلوبا على
جهة التعبد به غير موجب لاستحقاق المثوبة عليه من جهة، وثالثة بغير ذلك مما هو مذكور في التقريرات وغيره.
وبالجملة فهذه الأجوبة كلها كما ترى مبنية على عدم قابلية الأوامر الغيرية من جهة
328

توصليتها للمقربية ولاستحقاق المثوبة على موافقتها، والا فعلى ما ذكرنا من قابليتها كالأوامر النفسية لكلا الامرين لا يتوجه أصلا هذا
الاشكال حتى يحتاج إلى تلك الأجوبة.
نعم قد يتوجه هنا إشكال آخر على الطهارات ولو مع البناء على قابلية الامر الغيري كالنفسي للمقربية ولاستحقاق المثوبة على موافقته
وذلك انما هو بتقريب ان الامر الغيري انما يتعلق بالمقدمة فارغا عن كونها مقدمة وموقوفا عليها، والمقدمة في مثل الوضوء والغسل
بعد إن كانت عبادة لا بد من عباديتها في رتبة سابقة على الامر حتى يتعلق بها الامر الغيري، وحينئذ فإذا كانت مقدميتها - بما هي
عبادة - متوقفة خارجا على هذا الامر الغيري يلزم الدور وهو محال. ولكن يدفع هذا الاشكال أيضا بما دفعنا به في مبحث قصد القربة
عن كلية العبادات بالالتزام بأمرين يعلق هذا الامر الغيري بذات الوضوء وذات الغسل باعتبار كونها مما لها الدخل في تحقق ذيها ومما
يتوقف عليها وجود الواجب ولو بنحو الضمنية لأنها أيضا مما يلزم من عدمها العدم مع الكشف أيضا عن تعلق أمر غيري آخر بوصفها و
هو إتيانها بداعي امرها المتعلق بها، فإذا أتى المكلف حينئذ بالوضوء في الخارج بداعي امره الغيري يتحقق الوضوء القربى الذي جعل
مقدمة للصلاة. وعليه أيضا لا يحتاج في الجواب عنه إلى كشف رجحان نفسي في نفس هذه الطهارات كما صنعه في الكفاية كما لا يخفى،
خصوصا مع ما يرد عليه على مسلكه من عدم إجراء تعدد الرتبة لمحذور اجتماع الحكمين المتماثلين أحدهما الرجحان النفسي القائم
بذات المقدمة في رتبة سابقة على الامر الغيري وثانيهما رجحانه الثابت في رتبة متأخرة عن الامر الغيري فتأمل.
وكيف كان فقد يشكل على التقسيم المزبور بلزوم خروج أكثر الواجبات النفسية في الشرعيات بل العرفيات أيضا نظرا إلى غيريتها
بحيث لب الإرادة من جهة انتهائها بالآخرة إلى أمر واحد هو غرض الأغراض الذي هو في الشرعيات تكميل العباد وقربهم إلى المبدأ
الاعلى وفي العرفيات استراحة النفس، كما يتضح ذلك في أمرك بشراء اللحم المعلوم كونه لأجل الطبخ الذي هو لغرض الاكل الذي هو
لرفع الجوع الذي هو لغرض استراحة النفس، وهكذا سائر الواجبات العرفية حيث إنها من جهة انتهائها بالآخرة إلى استراحة النفس
التي هي غرض الأغراض تكون الإرادة المتعلقة بها إرادة غيرية.
329

وقد تصدى في الكفاية لدفع الاشكال، وقال ما حاصله: ان الفرق بينهما من جهة الداعي والباعث فإذا كان الداعي والباعث على طلب
شئ وإرادته المصلحة الكائنة في نفس العمل فالواجب نفسي وإن كان فيه أيضا ملاك المقدمية، واما لو كان الداعي والباعث على
طلبه المصلحة المقدمية فالواجب غيري وإن كان فيه أيضا مصلحة مستقلة فإنه يخرج حينئذ عن كونه نفسيا ويكون واجبا غيريا. ولكنه
كما ترى فإنه لو فرض تصوره في الشرعيات غير جار في الواجبات العرفية المتداولة بين أنفسنا، وذلك من جهة وضوح ان الداعي و
الباعث في جميع الواجبات العرفية هو حيث مقدميتها ومن ذلك ترى انه لو أمرت عبدك بإتيان الماء فسألك عن انك لأي غرض أمرت
بإتيان الماء تقول بأنه لغرض الشرب ولو سأل عن ذلك أيضا تقول بأنه أريد الشرب لغرض رفع العطش وهو لغرض استراحة النفس
التي هي غرض الأغراض، وحينئذ فإذا كان لب الإرادة في جميع الواجبات العرفية غيريا يتوجه الاشكال المزبور بأنه كيف الحال لهذا
التقسيم.
وقد أجيب أيضا عن الاشكال بان حقيقة الإرادة التشريعية بعد ما كانت عبارة عن إرادة الفعل من الغير يكون الواجب النفسي عبارة
عما كان مرادا من المكلف لا لأجل مراد آخر منه، والواجب الغيري ما كان مرادا لأجل مراد آخر منه أيضا، فإذا أراد شراء اللحم من زيد
لغرض الطبخ فإن كان طبخه أيضا مرادا منه يكون ذلك واجبا غيريا وان لم يكن طبخه مرادا منه يكون واجبا نفسيا، وعليه فمثل
الصلاة والصوم والحج ونحوها مما لم يرد من المكلف مصالحها يكون من الواجب النفسي، فيرتفع حينئذ الاشكال المزبور. ولكن فيه
ان الإرادة التشريعية ليست الا عبارة عن إرادة وجود العمل بما انه فعل اختياري للمكلف وان إضافة نشوء كونه منه انما هو من جهة
اقتضاء توجيه التكليف بالايجاد إليه، وذلك أيضا بلحاظ انه - من جهة كونه فعله الاختياري - غير قابل للتحقق الا من قبله والا فلا يكون
المراد بالإرادة التشريعية الا نفس فعل الغير. وعليه نقول: بأنه إذا لا يكون الامر بشراء اللحم من جهة مطلوبية الشراء نفسا مع قطع
النظر عن الطبخ بل كان ذلك من جهة مقدميته لغرض الطبخ الذي هو لغرض الاكل فلا جرم لا تكون هذه الإرادة الا غيرية، ومع يتوجه
الاشكال المزبور من لزوم خروج أكثر الواجبات النفسية كما لا يخفى.
330

وحينئذ فالأولى في الواجب انما هو بجعل التقسيم المزبور بلحاظ مقام التحميل ومرحلة البعث والالزام لا بلحاظ لب الإرادة وعليه
يكون الواجب الغيري هو الذي أمر به لأجل التوصل به إلى وجود واجب آخر ثبت وجوبه بتحميل مستقل، والواجب النفسي ما لا يكون
كذلك، فيرتفع حينئذ الاشكال المزبور في الواجبات النفسية في مثل الصوم والصلاة والحج ونحوها في الشرعيات، ومثل شراء اللحم
وسقي الماء في العرفيات، لأنه فيها لما لم يثبت تحميل وإيجاب على ما يترتب عليها من الأغراض كان إيجابها إيجابا نفسيا بحسب
مقام التحميل، وإن كان غيريا بحسب لب الإرادة على ما عرفت. ولا منافاة أيضا بين غيرية الشئ ومقدميته بحسب لب الإرادة وبين
نفسيته بحسب مرحلة التحميل والايجاب، إذ يمكن ان يكون الشئ مع كونه غيريا بحسب لب الإرادة نفسيا بحسب مقام التحميل. ثم إنه
مما يشهد على ما ذكرنا أيضا من كون التقسيم بلحاظ مقام التحميل لا بلحاظ لب الإرادة تعريفهم الواجب الغيري بما ذكرنا، بأنه ما أمر
به لأجل التوصل إلى وجود واجب آخر لا ما أمر به لأجل التوصل به إلى أمر آخر ولو لم يرد تحميل بالنسبة إليه، كما هو واضح.
ومن التقسيمات تقسيمه أيضا إلى النفسي والتهيئي
والمراد من الواجب التهيئي هو ما كان المقصود من إيجابه التوصل به إلى إيجاب شئ آخر. وعمدة الغرض من هذا التقسيم انما هو
الفرار عن شبهة المقدمات المفوتة للواجبات الموقتة قبل وقتها، فإنهم بعد ان بنوا على عدم فعلية التكليف بالموقت قبل حصول وقته
أشكل عليهم وجوب مقدماته الوجودية قبل حصول الوقت، فمن ذلك التزموا بوجوبها وجوبا تهيئيا فرارا عن محذور وجوب المقدمة
قبل وجوب ذيها، فصاروا في مقام هذا التقسيم، والا فعلى ما ذكرنا من فعلية الوجوب في الموقتات والمشروطات قبل حصول وقتها و
شرائطها لا يحتاج إلى مثل هذا التقسيم، ومن ذلك أيضا لم يكن لهذا القسم من الواجب عين ولا أثر في كلمات القدماء، وانما حدث ذلك
في زمان المتأخرين من جهة شبهة وجوب المقدمات المفوتة في الموقتات والمشروطات قبل حصول وقتها وشرائطها. وعلى كل حال
نقول: بان هذا التقسيم أيضا كسابقه كان بلحاظ مقام التحميل والايجاب المنتزع عن مرحلة إبراز الإرادة وإظهارها، لا بلحاظ لب
الإرادة والاشتياق، والا فبحسب لب الإرادة لا تخلو إرادة الشئ عن النفسية والغيرية، كما لا يخفى.
331

ومن التقسيمات أيضا تقسيمه إلى الأصلي والتبعي
فالأصلي هو ما كان إيجابه مقصودا بخطاب مستقل كالصلاة والوضوء في مثل قوله عليه السلام: (إذا دخل الوقت وجب الصلاة و
الطهور) والتبعي ما كان إيجابه لا بخطاب مستقل بل بتبع خطاب متعلق بأمر آخر. والغرض من هذا التقسيم أيضا انما هو الفرار عما
يورد على القول بوجوب المقدمة بأنه كيف ذلك مع أنه كثيرا ما تكون المقدمة غير ملتفت إليها بل وكثيرا ما يكون الامر قاطعا من باب
الاتفاق بعدم مقدمية الشئ لمطلوبه، كما نظيره كثيرا في العرفيات في مثل الامر بشراء اللحم مع الغفلة عن مقدمية المشي إلى السوق
لذلك، ومع هذه الغفلة كيف يمكن دعوى وجوب المقدمة بقول مطلق، فمن ذلك صاروا بصدد هذا التقسيم لبيان انه لا يلزم في وجوب
الشئ غيريا أم نفسيا ان يكون بإيجاب أصلي وخطاب مستقل بل يكفي فيه كونه تبعا لايجاب أمر آخر عند ثبوت الملازمة بينهما، كما
في المتلازمين في الحكم، حيث إنه بعد ثبوت الملازمة بين الشيئين في الحكم يكون إيجاب أحدهما كافيا عن إيجاب الاخر وصيرورته
موضوعا لحكم العقل بوجوب الامتثال، بلا احتياجه إلى خطاب على حدة. ففي المقام أيضا نقول: بأنه بعد التلازم بين إرادة الشئ و
إرادة مقدماته يكون نفس إيجاب الشئ قهرا مستتبعا لايجاب جميع ما يتوقف عليه الشئ من المقدمات بنحو الاجمال، فتكون كل
واحدة من المقدمات حينئذ واجبة بعين إيجاب ذيها وان لم يكن الامر ملتفتا إليها بنحو التفصيل ولا أوجبها بخطاب أصلي مستقل، و
عليه فيرتفع الاشكال على وجوب المقدمات التي لم تقع بالاستقلال تحت خطاب أصلي مستقل.
ومن ذلك ظهر أيضا ان هذا التقسيم كسابقه انما كان بلحاظ مقام التحميل ومرحلة الايجاب المنتزع عن مقام إبراز الإرادة لا بلحاظ لب
الإرادة ولذلك يجري القسمان في الواجب النفسي أيضا من حيث كون إيجابه وطلبه تارة أصليا كالصلاة والصوم والحج ونحوها، و
أخرى تبعيا كما في المتلازمين في الحكم، وإلا فبحسب لب الإرادة لا مجال للتبعية والأصلية بهذا المعنى، كما هو واضح.
هل الواجب مطلق المقدمة أم لا
وكيف كان فبعد ان ظهر لك هذه الأمور يبقى الكلام في أن المقدمة بناء على وجوبها هل هي واجبة على الاطلاق بلا دخل لحيث قصد
الايصال إلى ذيها ولا إلى البحث إيصالها إليه خارجا، أو انها واجبة بشرط قصد التوصل بها إلى ذيها اما بكون القصد
332

المزبور قيدا للوجوب أو قيدا للواجب - كما هو ظاهر التقريرات - اما مطلقا أو في فرض انحصار المقدمة بالفرد المحرم كما في إنقاذ
الغريق المتوقف على التصرف في مال الغير وأرضه فيعتبر فيه قصد التوصل إلى الواجب في وجوبها وقوعها على صفة الوجوب دون
غيره، أو انها واجبة بشرط الايصال خارجا إلى ذيها - كما عليه الفصول - وذلك أيضا اما بكونه إلى الايصال قيدا للوجوب أو للواجب،
فيه وجوه وأقوال: أقواها في النظر الوجه الأول وسيظهر وجهه من إبطال التفاصيل المزبورة إن شاء الله تعالى.
فنقول: اما عدم اعتبار حيث قصد التوصل ودخله في اتصافها بالوجوب فظاهر، بلحاظ ان ملاك الحكم الغيري انما كان ثابتا لذات
المقدمة وحيثية القصد المزبور كانت أجنبية عن ذلك بالمرة، ومن ذلك لو أتى بالمقدمة لا بقصد التوصل كان إتيانه ذلك محصلا لما
هو غرض الامر بلا كلام، وحينئذ فمع أجنبية القصد المزبور عن ذلك لا يكاد يترشح الوجوب الغيري أيضا الا على نفس ذات المقدمة و
هو واضح، هذا إذا أريد من دخل قصد التوصل في الواجب دخل التقيد به في موضوع الوجوب، واما ان أريد به إناطة موضوع الوجوب
بكونه في ظرف القصد إلى ذي المقدمة، نظير إناطة التجارة بكونها عن تراض الملازم ذلك لاعتبار الموضوع في عالم الجعل في رتبة
متأخرة عن القيد والمنوط به ففساده أفحش بلحاظ استلزامه لكون المقدمة التي هي موضوع الوجوب الغيري في الرتبة المتأخرة عن
القصد المزبور التي هي رتبة وجود ذيها، وهو كما ترى من المستحيل، فان المقدمة لا بد من كونها في رتبة سابقة عن وجود ذيها
فيستحيل حينئذ أخذها في رتبة وجود ذيها كما هو واضح، هذا كله، مضافا إلى ما عرفت من أجنبية القصد المزبور عن ذلك هذا كله فيما
لو أريد كونه قيدا وشرطا للواجب، واما لو أريد كونه قيدا للوجوب فبطلانه أظهر من جهة استلزامه حينئذ لتوجه الايجاب نحو الشئ
في ظرف إرادته للتوصل الملازم لإرادة المقدمة، و مرجعه إلى تعلق الايجاب بالشئ في ظرف وجوده تكوينا لأنه في ظرف إرادة
المقدمة يكون الوجود قهري الحصول والتحقق، وهو كما ترى من المستحيل، من جهة وضوح أن مثل هذا الظرف ظرف لسقوط
الوجوب عنه، فيستحيل كونه ظرفا لثبوته وهو أيضا واضح.
وحينئذ فعلى كل تقدير لا مجال لاخذ قصد التوصل قيدا وشرطا لا للواجب ولا للوجوب، خصوصا بعد ملاحظة سائر الواجبات الشرعية
والعرفية التي تكون إرادتها
333

بحسب اللب غيرية للتوصل بها إلى وجود ما هو المراد والمطلوب النفسي الذي هو غرض الأغراض وغاية الغايات، مع بداهة عدم
اعتبار قصد التوصل فيها حتى في العباديات منها وكفاية الاتيان بها بداعي أمرها في وقوعها على صفة الوجوب وفي مقربيتها.
ومن ذلك اندفع ما قيل في تقريب اعتبار القصد المزبور في الواجب في وقوعه على صفة الوجوب، بأن ذلك لا يكون من جهة تقيد
موضوع الوجوب بذلك بل وانما هو من جهة اقتضاء الغرض الداعي إلى إيجابه، بتقريب ان الغرض من الامر بالمقدمة بعد إن كان هو
التوصل بها إلى ذيها لا مطلوبيتها في ذاتها فالمطلوب الجدي الحقيقي قهرا بحكم العقل يكون عبارة عن نفس التوصل، وحينئذ فلا بد
في وقوعها على صفة الوجوب وصيرورتها مصداقا للواجب بما هو واجب من الاتيان بها عن قصد التوصل بها إلى ذيها، والا فمع عدم
الاتيان بها كذلك لا يكاد وقوعها على صفة الوجوب ومصداقا له وإن كان يجتزئ بها حينئذ وكانت محصلة لغرضه، ففي الحقيقة كان
قضية اعتبار القصد المزبور من جهة قصور الوجوب المتعلق بالمقدمة عن الشمول لها في حال عدم اقترانها بقصد التوصل لا من جهة
تقيد موضوع الوجوب بالقصد المزبور.
وجه الاندفاع يظهر مما عرفت في أكثر الواجبات الشرعية والعرفية التي لا تكون إراداتها بحسب اللب الا غيرية مع وضوح عدم اعتبار
قصد التوصل فيها، لا في وقوعها على صفة الوجوب ولا في مقربيتها، على أن كون الغرض من المقدمة هو التوصل لا يقتضى اعتبار
قصده فيها وقوعها على صفة الوجوب، وان حصول القرب بإتيانها عن قصد التوصل بها إلى ذيها غير موجب لانحصار القرب بذلك، بل
هو كما يتحقق بذلك يتحقق أيضا بإتيانها بداعي امرها ومراديتها للمولى، ومن ذلك نقول بان شأن الأوامر الغيرية كلية انما كان هو
التوسعة في مقام التقرب بإتيان متعلقه عن دعوته، وعيلة فلا مجال أيضا لاثبات اعتبار قصد التوصل في المقدمة في وقوعها على صفة
الوجوب بمثل هذا البيان أيضا كما هو واضح.
ثم إنه من هذا البيان ظهر أيضا حال ما إذا كانت المقدمة منحصرة بالفرد المحرم مع تقديم جانب الوجوب بمقتضى أهمية مصلحة
الوجوب من مفسدة الحرمة كإنقاذ الغريق المتوقف على المشي في الأرض المغصوبة حيث نقول فيه أيضا بان الواجب حينئذ لا يكون الا
ذات المقدمة قصد بها التوصل إلى ذيها أم لم يقصد لعدم دخل حيث قصد
334

التوصل في وقوعها على صفة الوجوب وصيرورتها مصداقا للواجب بما هو واجب، وحينئذ (فما أفيد) كما عن بعض الاعلام من لزوم
قصد التوصل في مثل هذا الفرض مع بنائه على عدم لزومه في غيره بتقريب أن إذ الشارع حينئذ في الغصب مع كونه مبغوضا ذاتا من
جهة أهمية مصلحة الانقاذ من مفسدة فعل الغصب انما يوجب الاذن في الغصب على الاطلاق ولولا بدون قصد التوصل إذا لم تكن في
البين مزية راجحة في الفرد المشتمل على الخصوصية بالنسبة إلى الفرد الفاقد لها، والا فلا بد من الاقتصار في مقام الضرورة على
خصوص ما فيه المزية الراجحة من جهة ان الضرورة انما تتقدر بقدرها فإذا كانت الضرورة تدفع بما فيه تلك المزية الخاصة لا مجال
لاختيار الفرد الآخر الذي لا يكون فيه تلك المزية، وحينئذ في المقام الغصب المقصود به التوصل إلى الانقاذ والغصب غير المقصود به
التوصل إليه وان كانا متساويين من جهة ملاك المقدمية للانقاذ الواجب، ولكن القسم الأول لاشتماله على الخصوصية لما كان فيه مزية
زائدة على القسم الثاني فقهرا بحكم العقل يكون هو المتعين في مقام دفع الضرورة و يكون غيره على حرمته (منظور فيه) إذ نقول بان
ذلك لو تم فإنما هو في مثل الكلي المتواطئ الذي يشتمل كل فرد منه على حصة من الطبيعي غير الحصة المأخوذة في الفرد الآخر كما
قيل بان الطبيعي مع الافراد كالأباء مع الأولاد في أنه مع كل فرد أب من الطبيعي غير الأب الذي يكون مع الفرد الآخر إذ حينئذ بانضمام
الخصوصيات يتعدد الحصص والافراد حقيقة ومع تعددها يتوجه الاشكال بان أهمية مصلحة الانقاذ لا تقتضي الا مطلوبية الجامع بين
الفردين والحصتين وهو انما يقتضى تخيير المكلف بين الفردين إذا لم تكن هناك لاحد الفردين باعتبار الخصوصية المأخوذة فيه
مزية راجحة على الفرد الآخر وإلا يتعين خصوص ما فيه المزية الراجحة، لا في مثل المقام الذي هو من قبيل التشكيكيات إذ في مثله لا
يكاد اقتضاء الخصوصية لتغير في الذات بحيث تباين الذات في حال عدم وجدانها للخصوصية فتكون هناك حصتان وفردان أحدهما
واجد للخصوصية والاخر فاقد لها كما في افراد المتواطئ بل الذات حينئذ حال وجدانها للخصوصية بعينها هي تلك الذات حال فقدانها
لها وانما كان الاختلاف ممحضا في الوجدان والفقدان.
وعلى ذلك نقول بأنه إذا اقتضى أهمية الانقاذ في المثال مطلوبية شخص هذه الذات المحفوظة بين الحالتين وهو الغصب ومغلوبية
مفسدته فلا جرم بعد هذه المغلوبية لا يفرق
335

بين حال وجدانها لخصوصية قصد التوصل وبين حال فقدانها لها، ومعه فلا يتعين عليه قصد التوصل بها إلى الواجب، بل كان له الخيار
حينئذ بين الاتيان بها مقرونة بقصد التوصل وبين الاتيان بها غير مقرونة بذلك كما هو واضح، على أنه مع الإغماض عن ذلك وتسليم
كون المقام من قبيل الكلي والجامع المتواطئ لا من قبيل الجامع التشكيكي نقول بأنه انما يتعين ويجب عليه قصد التوصل إذا كان تلك
المزية القائمة بالخصوصية في نفسها بنحو من الاهتمام بحيث تمنع عن النقيض وتمنع عن تأثير المفسدة في المبغوضية إذ حينئذ يتعين
عليه اختيار الفرد الواجد للخصوصية بحكم العقل جمعا بين الغرض القائم بالجامع وبين الغرض القائم بالخصوصية والا فإذا لم تكن
المزية بالغة إلى مرتبة المنع عن النقيض وعن تأثير المفسدة في المبغوضية فلا جرم كان مقتضى أهمية مصلحة الانقاذ وتأثيرها في
مطلوبية الجامع بين الفردين هو التخيير بينهما، نعم غاية ما هناك حينئذ هو استحباب اختيار الواجد للخصوصية لا انه يتعين عليه ذلك.
ومن هذا البيان ظهر بطلان مقايسة المقام بصورة وجود فرد مباح وعدم انحصار المقدمة بالحرام في لزوم اختيار الفرد المباح، إذ
نقول بان لزوم اختيار الفرد المباح هناك انما كان من جهة اقتضاء تلك المفسدة غير المزاحمة القائمة بالخصوصية فإنها من جهة خلوها
عن المزاحم لما كانت مؤثرة في المبغوضية الفعلية في الخصوصية كان العقل يحكم بمقتضى الجمع بين الغرضين بتعين خصوص الفرد
المباح وتطبيق الجامع عليه، وهذا بخلاف المقام الذي لا يوجد فيه فرد مباح، إذ فيه بعد لا بدية الاتيان بأحد الفردين بمقتضى أهمية
الانقاذ فقهرا يكون نتيجة الامر بالجامع فيهما بعد عدم بلوغ رجحان الخصوصية إلى مرتبة المنع عن النقيض هو التخيير بينهما، كما هو
واضح.
كما أنه من ذلك البيان ظهر أيضا عدم صحة المقايسة بمسألة المتوسط في الأرض المغصوبة التي لها طريقان للخروج عنها أحدهما
أقرب من الاخر من حيث تعين اختيار الأقرب منهما بحكم العقل، إذ نقول بان حكم العقل هناك بلزوم اختيار سلوك الأقرب منهما في
مقام الخروج انما هو من جهة استلزام غيره لزيادة التصرف في مال الغير التي هي محرمة شرعا فلا يرتبط حينئذ بالمقام الذي لا يكون
الامر الواجد فيه كذلك كما لا يخفى.
فلا محيص حينئذ ولو على البناء بكون المقام من قبيل الجامع المتواطئ من المصير إلى التخيير بين الفردين وعدم تعين الفرد
للخصوصية فيسقط القول باعتبار قصد
336

التوصل ولزومه على كل تقدير، هذا كله بالنسبة إلى قصد التوصل.
واما نفس الايصال الخارجي فعدم اعتباره أيضا واضح لو أريد دخله بنحو القيدية للوجوب أو الواجب كما هو ظاهر الفصول، وذلك اما
عدم اعتباره ودخله في الوجوب فظاهر من جهة ان حيثية الايصال والترتب نظير عنوان الموضوعية انما كانت منتزعة عن رتبة
متأخرة عن وجود ذي المقدمة، وحينئذ فإناطة الوجوب المتعلق بها بالوصف المزبور تكون ملازمة لاناطته بوجود موضوعه، وهو من
المستحيل، من جهة كونه حينئذ من تحصيل الحاصل، من دون فرق في ذلك بين ان نقول بمقالة المشهور في الواجب المشروط أو بما
ذكرنا بجعل المنوط به هو الشئ بوجوده العلمي اللحاظي طريقا إلى الخارج، فإنه بعد ما لا بد في مقام الايجاب والإناطة من لحاظه في
ظرف لحاظ قيده فقهرا في هذا الظرف إلى في ظرف القيد يرى كون الوجود متحققا إذ يرى كونه ظرفا لوجود المقدمة الذي هو ظرف
سقوط الامر عنها، ومعه يستحيل كونه ظرفا لثبوت الامر بها كي أمكن البعث نحوها بالايجاد، كما هو واضح، هذا كله بناء على احتمال
كونه قيدا للوجوب.
واما بناء على احتمال كونه قيدا للواجب لا للوجوب كما لعله ظاهر الفصول فلا يخلو اما ان يراد من اعتبار الايصال ودخله كونه على
نحو الظرفية للواجب، بجعل موضوع الوجوب الغيري عبارة عن ذات المقدمة لكن في ظرف الايصال وترتب ذيها عليها الملازم لاعتبار
الذات في عالم معروضيتها للوجوب في رتبة متأخرة عن القيد المزبور نظير قوله تجارة عن تراض الظاهر في أن موضوع الحكم في
جواز التصرف ونحوه هو التجارة الناشئة عن تراضي الطرفين، واما ان يراد من اعتبار الايصال دخله في موضوع الوجوب بنحو
خروج القيد ودخول التقيد كما في سائر المقيدات، حيث كان معروض الوجوب وموضوعه عند التحليل مركبا من أمرين أحدهما ذات
الموضوع والاخر حيثية التقيد بقيد الايصال إلى ذيها، فكان الفرق حينئذ بين ذلك وسابقه انه على الأول يكون معروض الوجوب
الغيري عبارة عن نفس الذات محضة وكان حيث الايصال والترتب المزبور - من جهة أخذه ظرفا - مقدمة لنفس الذات بلحاظ انه بدونه
لا يكاد يتحقق ما هو موضوع الحكم أعني الذات الخاصة بخلافه على الوجه الأخير فإنه عليه كان موضوع الوجوب الغيري عبارة عن
الذات مع وصف التقيد فكان حيث الترتب والإيصال مقدمة بالنسبة إلى أجزأ الموضوع وهو التقيد لا بالنسبة إلى تمام الموضوع حتى
حيثية الذات أيضا.
337

وعلى أي حال نقول: بأنه إن كان المراد من اعتبار حيث الايصال ودخله في الواجب بنحو القيدية اعتباره فيه على الوجه الأول فبطلانه
ظاهر من جهة استلزامه لاخذ موضوع الوجوب الغيري في رتبة متأخرة عن وجود ذيها، وهو كما ترى من المستحيل، حيث إنه ينافي
جدا مقدمية الذات لوجود ذيها، وترتب مثل هذا المحذور عليه انما هو من جهة اقتضاء الترتب المزبور بنحو الظرفية للذات تقدمه عليها
الملازم لتأخر المقدمة رتبة عنه وعن وجود ذيها أيضا وهذا كما عرفت مناف لمقدمية الذات لوجود ذيها وكونها في رتبة سابقة عليه
كما هو واضح، وإن كان المراد من اعتبار الايصال دخله في الواجب على الوجه الثاني فعليه وان يسلم عن هذا الاشكال بلحاظ عدم
اقتضائه حينئذ الا تقدمه على حيث وصف التقيد لا على نفس الذات، فكانت الذات حينئذ محفوظة في رتبة سابقة على ذي المقدمة وعلى
حيثية وصف الايصال والترتب، الا انه يتوجه عليه كونه مخالفا لما يقتضيه الوجدان إذ بداهة الوجدان قاض بأنه لا مدخلية لعنوان
الايصال والترتب فيما هو معروض الوجوب الغيري وان ما هو المعروض للوجوب الغيري لا يكون الا ذات المقدمة لا هي مع التقيد
بوصف الايصال إلى ذيها وان حيثية الايصال انما كانت من الأغراض الداعية إلى إيجابها فكانت من الجهات التعليلية لا من الجهات
التقييدية كما لا يخفى.
ثم إنه أورد عليه أيضا بوجوه آخر لم يتعرض لها الأستاذ:
منها استلزامه لمحذور اتصاف ذي المقدمة مع كونه واجبا نفسيا بالوجوب الغيري ببيان ان أخذ التقيد بالايصال المنتزع عن مرحلة
ترتب ذي المقدمة على المقدمة في موضوع الوجوب يقتضى كونه مشمولا للوجوب الغيري فيجب حينئذ تحصيله كوجوب تحصيل ذات
المقدمة، ولازمه هو صيرورة ذي المقدمة بلحاظ مقدمية التقيد المزبور متصفا بالوجوب الغيري، فيلزمه اجتماع الوجوبين فيه: أحدهما
الوجوب النفسي والاخر الوجوب الغيري بملاك مقدميته للمقدمة، وهو كما ترى من المستحيل، خصوصا في مثل المقام الذي يستلزم
سراية الوجوب من ذي المقدمة بتوسيط مقدمته إلى نفس.
ومنها لزوم اتصاف المقدمة بالوجوب بعدم وجود ذيها وهو من المحال، من جهة ان مثل هذا الصقع هو صقع سقوط الامر عن ذيها
الملازم لسقوطه عنها أيضا فلا يمكن ان يكون صقعا لثبوته
338

ومنها استلزامه لمحذور تقدم الشئ على نفسه وتأخره عن رتبة نظرا إلى ما هو المفروض من مقدمية المقيد لوجود ذي المقدمة و
مقدمية ذي المقدمة لتحقق التقيد المزبور.
ولكن يمكن ان يدفع هذه المحاذير، وذلك: اما المحذور الأول فبدعوى قصور الوجوب الغيري حينئذ في سرايته وعوده إلى ذي
المقدمة بعد سرايته منه إلى المقدمة إذ حينئذ وإن كان ملاك المقدمية متحققا في ذي المقدمة ولكنه بعد قصور الوجوب الغيري وعدم
قابليته لا يكاد اتصاف ذي المقدمة الا بوجوب واحد وهو الوجوب النفسي.
واما المحذور الثاني فدفعه انما هو بدعوى ان معروض الوجوب الغيري، انما كان هو المقيد لكن بالنظر التصوري الذي لا يقتضى
المفروغية في الوجود الخارجي كما في القضايا التقييدية في المركبات الناقصة كزيد القائم الذي يحمل عليه الوجود تارة والعدم
أخرى، كقولك زيد القائم موجود أو معدوم، لا بالنظر التصديقي الذي يقتضى مفروغية موضوعه في الخارج كما في القضايا التصديقية
في المركبات التامة كزيد قائم وعمرو قاعد، والاشكال المزبور انما يتوجه على الوجه الثاني دون الأول فإنه بعد عدم اقتضائه
مفروغية الموضوع في الخارج في لحاظه بشهادة صحة حمل الوجود عليه تارة والعدم أخرى لا يترتب عليه كون صقعه صقع وجود ذي
المقدمة الذي هو صقع سقوط الامر عن المقدمة حتى يتجه الاشكال المزبور، ومن ذلك أيضا يتضح الفرق بين هذا الفرض وبين فرض
كونه قيدا للوجوب الذي قلنا باستحالته لمثل هذا المحذور فان عدم إمكان أخذه قيدا لأصل الوجوب انما هو من جهة احتياج شرائط
الوجوب وقيوده لدخلها في اتصاف الموضوع بالمصلحة والصلاح إلى لحاظها بالنظر التصديقي الذي يقتضى مفروغية وجودها في
الخارج في مقام البعث والتكليف نظرا إلى أنه لولا لحاظها كذلك لا يرى اتصاف الموضوع بكونه صلاحا ومصلحة كي يطلبه ويريده،
وهذا بخلافه في قيود الواجب التي لا يكون دخلها الا في وجود المتصف فارغا عن أصل الاتصاف فإنها حينئذ لا تحتاج في مقام
معروضيتها للوجوب الا إلى اللحاظ التصوري.
اما الاشكال الثالث فله وجه بل لا محيص عنه لو قيل بمقدمية التقيد أيضا كذات المقدمة لما هو الواجب والمطلوب النفسي، ولكنه ليس
كذلك بل ولا يظن أيضا التزام القائل بدخل حيث الايصال والترتب في الواجب به، وذلك من جهة وضوح ان تمام همه من أخذ الايصال
قيدا في الواجب انما هو إثبات ان موضوع الوجوب الغيري و
339

معروضه هي الذات الخاصة دون الذات المجردة عن القيد المزبور مع تسليمه لان ما هو المقدمة وما فيه ملاك الوجوب الغيري عبارة
عن ذات المقدمة، لا هي مع وصف التقيد بالايصال بحيث كان للوصف المزبور دخل في تحقق الواجب كما هو واضح.
وحينئذ فالعمدة في الاشكال عليه هو الذي ذكرنا من مخالفته لمقتضى الوجدان باعتبار ان ترشح الوجوب الغيري انما يكون على ما
فيه المقدمية والتوقف، وما فيه الملاك المزبور بعد، لا يكون إلا ذات المقدمة لا هي مع وصف التقيد بالايصال فلا جرم لا يترشح
الوجوب أيضا الا على ذات المقدمة كما لا يخفى.
ثم إنه قد يقرب القول المزبور أيضا بوجه آخر، وهو ان الغرض من مطلوبية المقدمة وإيجابها حيثما كان هو التوصل بها إلى وجود
ذيها في الخارج فلا جرم يقتضى ذلك تخصيص الوجوب بخصوص المقدمة الموصلة ولا نعنى من اعتبار الايصال إلى الواجب في المقدمة
وفي موضوع الوجوب الغيري الا هذا المعنى من عدم تعدي الوجوب عن المقدمة الموصلة إلى غيرها، ولكن فيه ما لا يخفى، إذ نقول بان
الغرض من الامر بكل مقدمة ليس إلا ما يترتب على وجودها من الملاك وحينئذ فإذا كان دخل كل مقدمة من حيث كونها سادة لباب من
أبواب عدم ذيها في الخارج فلا جرم لا يكاد يكون الغرض من إيجاب كل مقدمة الا ذلك، وفي مثله يستحيل كونه هو التوصل إلى
الوجود وترتب الواجب عليها، كيف وانه بعد مدخلية الإرادة أيضا في تحقق الواجب يستحيل كون الترتب المزبور من آثار مجموع
المقدمات فضلا عن كل واحدة منها، وحينئذ فإذا لم يكن دخل كل مقدمة إلا كونها سادة لباب من أبواب عدم ذيها ولا كان الغرض من
إيجاب كل مقدمة أيضا الا ما يترتب عليها من الحفظ من جهتها لا ترتب الوجود، فلا محيص بمقتضى البيان المزبور من الالتزام بان
الواجب هو نفس ذات المقدمة لا هي بما انها موصلة نظرا إلى وضوح ترتب مثل هذا الغرض حينئذ بمحض تحقق المقدمة في الخارج وان
لم يتحقق بقية المقدمات ولم يترتب عليها ذوها في الخارج أصلا كما لا يخفى.
نعم لنا مسلك آخر في تخصيص الوجوب الغيري بخصوص المقدمة الموصلة لكن لا بمناط تقييد الواجب بالايصال إلى ذيها، كما يقتضيه
ظاهر الفصول، بل من جهة قصور الوجوب الغيري في نفسه عن الشمول للمقدمة إلى في حال الايصال إلى ذيها، نظير ما ذكرناه غير
مرة في الأوامر الضمنية المتعلقة بالاجزاء في المركبات الارتباطية في
340

اختصاص شمولها لكل جز من المركب بحال انضمام بقية الأجزاء أيضا وقصورها بنفسها لضمنيتها عن الشمول لجز عند عدم انضمام
بقية الأجزاء، وذلك انما هو بتقريب ان دخل كل مقدمة وان لم يكن الا سد باب عدم ذيها من قبلها وفي ذلك أيضا لا يفرق بين حال
انفكاكها عن بقية المقدمات الملازم لعدم الايصال إلى ذيها وبين حال عدم انفكاكها عنها، من جهة انه بتحقق كل مقدمة يترتب عليها لا
محالة الحفظ من جهة وسد باب العدم الذي هو ملاك وجوبها الغيري، انضمت إليها بقية المقدمات أم لا، ترتب عليها وجود ذيها في
الخارج أم لم يترتب، الا ان التكليف المتعلق بكل واحد من السدود المزبورة حيثما كان تكليفا انحلاليا ضمنيا - حسب انحلال التكليف
بالواجب إلى تكاليف متعددة متعلقة بالسدود المزبورة - وكان من جهة ضمنيته في تعلقه بالسد من هذه الجهة وتلك الجهة قاصر
الشمول لحال عدم تحقق بقية السدود وعدم انحفاظ المطلوب من الجهة الأخرى على ما هو شأن كلية التكاليف الضمنية في المركبات
الارتباطية فلا جرم نقصها وقصورها ذلك يوجب كون الطلب الغيري المترشح منها إلى المقدمات الموجبة للسدود المزبورة أيضا طلبا
ناقصا غير تام بنحو يقصر في تعلقه بكل مقدمة عن حال انفرادها عن بقية المقدمات الاخر إذ لا يمكن حينئذ ان يكون هذا الطلب الغيري
الناشئ من الطلب الضمني طلبا مستقلا تاما في حد نفسه وقابلا للامتثال على الاطلاق حتى في ظرف عدم تحقق بقية المقدمات للتالي،
مع كون الطلب المترشح منه هذا الطلب الغيري طلبا ناقصا غير تام في نفسه، وفي ذلك أيضا لا يفرق بين ان نقول بكون المقدمات
بأجمعها تحت تكليف واحد أو تحت تكاليف، متعددة بصيرورة كل مقدمة تحت تكليف غيري مستقل، فإنه على كل تقدير لا يكون
المترشح الا تكليفا غيريا ناقصا وذلك: اما على الأول فظاهر لأنه بعد خروج الإرادة التي هي من المقدمات عن حيز التكليف فقهرا
يكون التكليف المتعلق ببقية المقدمات تكليفا ناقصا غير تام واما على الثاني فكذلك لكونه مقتضى ضمنية الطلب المتعلق بالسدود
المزبورة.
وعلى ذلك نقول: بأنه إذ كان التكليف المتعلق بكل مقدمة تبعا للتكليف النفسي الضمني المترشح منه ناقصا غير تام في حد نفسه بنحو
يقصر عن الشمول لحال عدم تحقق بقية المقدمات فلا جرم يوجب نقصه وقصوره ذلك تخصيص المطلوب أيضا بما لا يكاد انفكاكه عن
بقية المقدمات التي منها الإرادة الملازم ذلك مع الايصال إلى وجود ذيها في
341

الخارج، ومعه يكون الواجب قهرا عبارة عن خصوص ما هو ملازم مع الايصال بنحو لا يكاد انفكاكه في الخارج عن وجود الواجب لا
مطلق وجود المقدمة ولو في حال الانفكاك عن الايصال وعن ترتب الواجب عليها، وعليه فالواجب بما هو واجب وان لم يكن مقيدا بقيد
الايصال ولكنه لقصور في حكمه عن الشمول لحال الانفكاك عن بقية المقدمات لا يكون مطلقا أيضا بنحو يشمل حال عدم الايصال إلى
وجود ذيه فهو أي الواجب حينئذ عبارة عن ذات المقدمية بما انها توأمة وملازمة مع الايصال وترتب ذيها عليها، لا بشرط الايصال -
كما هو مقتضى كلام الفصول - ولا لا بشرط الايصال - كما هو مقتضى القول بوجوب المقدمة مطلقا - كما لا يخفى.
ومن ذلك البيان ظهر ان مجرد تمامية المقدمة بذاتها فيما هو ملاك الوجوب الغيري وهو الحفظ من جهة غير مقتض لاتصافها
بالوجوب على الاطلاق ولو في حال انفكاكها عن سائر المقدمات الاخر وعدم إيصالها إلى ذيها، إذ نقول بأنه انما يقتضى ذلك لولا ما
في حكمها من القصور الناشئ من قصور الامر الضمني عن الشمول للسد من جهة ولو مع عدم تحقق بقية السدود والا فمع مثل هذا
القصور في الحكم لا يكاد اتصافها بالوجوب أيضا الا في ظرف اجتماع بقية المقدمات الاخر.
كما أنه من ذلك ظهر حال الغرض الداعي إلى الامر بالمقدمة أيضا فان الغرض من الامر بكل مقدمة وإن كان هو جهة وفائها بما يخصها
من سد باب عدم ذيها من قبلها الا انه من جهة ضمنيته باعتبار تعلقه بمجموع السدود يكون قاصر الشمول في تعلقه بالسد من هذه الجهة
عن حال عدم تحقق بقية السدود، فمن ذلك لا يكاد اقتضائه لايجاب المقدمة إلا في حال تحقق سائر المقدمات الملازم لتحقق بقية
السدود من الجهات الأخر أيضا، وإلا لاقتضى وجوب الاتيان ولو بمقدمة واحدة عند عدم التمكن من الاتيان بسائر المقدمات نظرا إلى
تمامية تلك المقدمات حينئذ ووفائها بما هو ملاك وجوبها الغيري، مع أنه ليس كذلك قطعا فتأمل.
وعلى ذلك فلا يبقى مجال لاثبات وجوبها مطلقا كما أفيد في الكفاية من دعوى انه من المعلوم بداهة سقوط التكليف عن المقدمة بمجرد
الاتيان بها من دون انتظار ترتب ذيها عليها في ذلك بحيث لا يبقى مع الاتيان بها الا طلبه وإيجابه بالنسبة إلى ذيها كما لو لم تكن هذه
بمقدمة أو كانت حاصلة من أول الأمر، وحينئذ فلو اعتبر في اتصافها بالوجوب ترتب
342

ذيها عليها خارجا لما كاد يسقط عنها التكليف بمجرد الاتيان بها، مع أن سقوط التكليف عنها حينئذ في الوضوح كالنار على المنار و
كالشمس في رابعة النهار، كوضوح ان سقوطه عنها أيضا انما كان من جهة الموافقة لا من جهة ارتفاع الموضوع أو العصيان والمخالفة
فسقوط التكليف عنها حينئذ وعدم الامر بها ثانيا بعد الاتيان بها كاشف قطعي عن وقوعها على صفة الوجوب وعدم دخل حيث
الايصال إلى ذيها في ذلك.
إذ نقول: - مضافا بالنقض باجزاء المركبات الارتباطية والمشروطات بالشرط المتأخر المعلوم فيها أيضا عدم وجوب الاتيان ثانيا
بالجز المأتي به من المركب ما دام على صلاحيته للانضمام ببقية الأجزاء مع معلومية عدم سقوط الامر عنه الا بعد لحوق الجز الأخير من
المركب بلحاظ توأمية الأوامر الضمنية المتعلقة بالاجزاء ثبوتا وسقوطا - ان عدم وجوب الاتيان بالجز المأتي به هناك وبالمقدمة في
المقام انما هو من جهة سقوط الامر حينئذ عن المحركية والفاعلية لا من جهة سقوطه بالمرة، فحيث انه لم يكن قصور في طرف المأتي به
أوجب إتيانه سقوط امره عن الفاعلية والمحركية نحو الاتيان ثانيا وثالثا ولكن الامر والتكليف لقصور فيه قد بقي على فعليته إلى
حين لحوق بقية الأجزاء في المركبات وتحقق بقية المقدمات في المقام، ومن ذلك لو فرض خروج المأتي به عن القابلية بالمرة يجب
الاتيان به ثانيا بنفس التكليف الأول، وليس ذلك الا من جهة بقاء التكليف به بعد ذلك على فعليته وكون الساقط مع الاتيان هو مرتبة
محركيته لا مرتبة فعليته، ولا تنافي أيضا بين فعلية الامر والتكليف وعدم فاعليته حيث أمكن التفكيك بينهما ومن ذلك أيضا فككنا
نحن بين فعلية التكليف وفاعليته فيما تصورناه من الواجب المشروط، وعليه فلا مجال للكشف عن وجوب المقدمة على الاطلاق بمحض
سقوط الامر بها عن المحركية والفاعلية بإتيان ذات المقدمة.
بل لا محيص، بمقتضى ما ذكرنا من المصير إلى أن الواجب من المقدمات هو خصوص ما يلازم خارجا مع الايصال وترتب ذيها في
الخارج عليها، فيكون حيثية الايصال على ذلك حينئذ من قبيل العناوين المشيرة إلى ما هو الواجب بأنه عبارة عن الذات الخاصة التوأمة
مع الايصال بنحو لا يكاد انفكاكها في ظرف التطبيق على الخارج عن وجود ذيها وكان أخذه في الموضوع أيضا في قولنا: (الواجب هو
المقدمة الموصلة) لمحض كونه معرفا لما هو الواجب لا من جهة كونه قيدا له كما يقتضيه ظاهر كلام الفصول (قدس سره) كما
343

هو واضح.
نعم قد يقال حينئذ بعدم انفكاك هذا القول عن القول باعتبار قصد التوصل نظرا إلى دعوى احتياج امتثال الامر الغيري حينئذ إلى
تطبيق عنوان الواجب على المأتي به واحتياج التطبيق المزبور إلى قصد التوصل بالمقدمة إلى ذيها أو قصد ذيها، من جهة انه بدون
القصد المزبور لا يكاد تطبيق عنوان الواجب على المأتي به حتى يصح إتيانها بداعي امرها، فمن ذلك لا يكاد انفكاك القول بوجوب
المقدمة الموصلة عن القول باعتبار قصد التوصل، ولكنه مدفوع إذ نقول بان المحتاج إليه في مقام تطبيق عنوان الواجب على المقدمة
انما هو العلم بترتب ذيها عليها خارجا فيكفي حينئذ مجرد العلم بتحقق الواجب فيما بعد في تطبيق الواجب على المأتي به وان لم يكن من
قصده التوصل بالمقدمة إلى ذيها ولا كان أيضا قاصدا ومريدا لذيها حال الاتيان بها بوجه أصلا كما لا يخفى.
بقي الكلام في بيان الثمرة بين القولين
فنقول: قد يقال كما في الفصول: بظهور الثمرة بين القولين في الضد العبادي الذي يتوقف على تركه فعل الواجب بناء على مقدمية ترك
الضد لفعل الضد الواجب كما في الصلاة بالنسبة إلى الإزالة، فإنه على القول بوجوب مطلق المقدمة تقع العبادة فاسدة لا محالة من جهة
كون فعلها حينئذ نقيضا للترك الواجب وصيرورتها حراما ومبغوضا بمقتضى النهي عن النقيض، واما على القول بوجوب المقدمة
الموصلة فلا تبطل بل تصح من جهة خروج فعلها حينئذ عن كونه نقيضا للترك الواجب، نظرا إلى أن الواجب بعد كونه عبارة عن الترك
الخاص فنقيضه لا يكون الا رفعه الذي هو ترك الترك الخاص دون الفعل المطلق، بشهادة إمكان ارتفاع كل من الفعل المطلق والترك
الموصل بالترك المجرد غير الموصل كإمكان ارتفاع كل من الترك الموصل والترك المجرد بالفعل المطلق، مع وضوح امتناع ارتفاع
النقيضين كاجتماعهما، وحينئذ فإذا لم يكن الفعل المطلق نقيضا للترك الموصل بل كان مما يقارن ما هو النقيض، من رفع الترك الخاص
المجامع معه تارة ومع الترك المجرد أخرى، فلا جرم لا يحرم أيضا بمقتضى وجوب الترك الموصل، ومعه تقع صحيحة لا محالة بلحاظ
عدم سراية حرمة الشئ إلى ما يلازمه ويقارنه، هذا.
344

وقد أورد عليه بأنه يكفي في فساد العبادة وبطلانها حينئذ مقدمية فعلها لترك الضد الواجب، فان مقتضى مبغوضية الترك المزبور
حينئذ انما هو مبغوضية ما هو علته، فإذا فرض ان العبادة كانت مقدمة وعلة لترك الواجب فلا جرم تقع مبغوضة ومعه تقع فاسدة من
هذه الجهة، فلا يحتاج حينئذ إلى إثبات كون فعلها نقيضا للترك الواجب كي يشكل بما أفيد بان الفعل المطلق لا يكون نقيضا للترك
الخاص وانما كان مقارنا لما هو النقيض من رفع الترك الخاص المجامع معه تارة ومع الترك المجرد أخرى، ولا يقتضى حرمة شئ
أيضا حرمة ما يلازمه ويقارنه إذ على كل تقدير تقع العبادة حينئذ فاسدة سوأ على القول بوجوب مطلق المقدمة أو القول بوجوب
خصوص المقدمة الموصلة.
ولكن فيه انه مبنى على مقدمية فعل الضد لترك الضد الاخر، وهو في محل المنع، فان القائل بمقدمية الضد انما يدعى فعلية التوقف من
طرف الوجود خاصة لا مطلقا حتى من طرف العدم أيضا، ومن ذلك يمنع استناد الترك المزبور إلى وجود ضده بل يسنده إلى الصارف
وعدم تحقق مقتضية وهو الإرادة، وحينئذ فإذا كان الترك مستندا إلى الصارف وعدم الإرادة لا إلى وجود ضده فلا جرم تكون الثمرة
المزبورة على حالها، حيث لا موجب في البين حينئذ يقتضى حرمة العبادة على القول بالمقدمة الموصلة حتى تقع فاسدة، كما هو واضح.
وحينئذ فالأولى في الاشكال عليه هو المنع عن كون الفعل مما يقارن النقيض وانه بنفسه نقيض للترك الواجب بدعوى ان نقيض المقيد
بعد انحلاله إلى جزين أحدهما ذات الترك والاخر التقيد بالخصوص يتحقق بأحد الامرين: اما بقلب ذات الترك أو بقلب التقيد، فنقيض
الترك كان هو الفعل ونقيض القيد هو عدم التقيد، وحينئذ فإذا تحقق أحد الامرين لا محالة ينطبق عليه النقيض ويصير مبغوضا، كما
هو ذلك أيضا في كلية المركبات، ومن ذلك اشتهر ان المركب كما ينتفي بانتفاء مجموع الاجزاء كذلك ينتفي بانتفاء أحد اجزائه، و
على ذلك نقول بأنه إذا تحقق الفعل الذي هو نقيض ذات الترك فبتحققه ينطبق عليه أول نقيض وبذلك يصير مبغوضا، فيصير فاسدا لا
محالة إذا كان عبادة.
واما الاشكال عليه: بأنه بعد معلومية انه لا يكون لوجود واحد الا نقيض واحد فلا بد من اعتبار جامع في البين هو النقيض حقيقة، وهو
غير متصور في المقام، نظرا إلى
345

عدم تصور الجامع بين الوجود والعدم، فلا بد، حينئذ من جعل النقيض، عبارة عن رفع الترك الخاص الملازم للوجود وإلغاء الفعل
بالمرة عن كونه نقيضا للترك الخاص ومعه تتم الثمرة المزبورة، فمدفوع بأنه كذلك إذا كان وحدة الموضوع ذاتية والا فلو كانت
اعتبارية كما في المقام وفي كلية المركبات فلا جرم حسب تكثر الوجودات يتكثر النقيض أيضا حقيقية، غايته انه من جهة ان المجموع
تحت أمر واحد لا يتصف بالمبغوضية الا أحد النقائض المنطبق عليه أول نقيض، من جهة خروج البقية بعد ذلك عن دائرة المحبوبية
الضمنية بقلب وجود واحد منها بالنقيض.
ولئن شئت قلت: بان المركبات كما أن وحدتها ليس الا بالاعتبار وإلا فهي متكثرات حقيقة كذلك الامر في نقيضها فوحدتها أيضا لا
تكون الا بالاعتبار، وقضية ذلك كما عرفت هي مبغوضية أحد النقائض المنطبق عليه أول نقيض من جهة خروج البقية بعد ذلك عن
دائرة المبغوضية من غير فرق في ذلك بين المركبات الخارجية كالصلاة والحج والوضوء والغسل وبين المركبات التحليلية
كالمقيدات من جهة انه وان لم يكن للمقيد في الخارج الا وجود واحد ولا كان لحيثية التقيد ما بإزاء في الخارج الا ان تعدد الجهات و
الحيثيات فيه لما كانت توجب انحلال الامر به إلى الأوامر المتعددة تكون لا محالة كالمتكثرات الخارجية فيكون لكل حيثية نقيض
مستقل غير أنه كان المتصف بالمبغوضية هو أول نقيض من جهة خروج بقية الحيثيات الاخر بعد ذلك عن دائرة المطلوبية، وعليه نقول
في المقام أيضا بان نقيض ذات الترك الذي هو إحدى الحيثيات المأخوذة في الموضوع بعد إن كان رفعه المساوق للوجود الذي هو
الفعل فقهرا يصير الفعل بمقتضى النهي عن النقيض مبغوضا ومنهيا عنه، ومعه يقع لا محالة باطلا إذا كان عبادة، فيرتفع حينئذ الثمرة
المزبورة، من جهة بطلان الضد العبادي حينئذ على كل تقدير.
ثم إن هذا كله على مسلك أخذ الايصال قيدا للواجب كما عليه ظاهر الفصول (قدس سره) واما على سلكناه في تخصيص الوجوب
بالمقدمة الموصلة من جعل الموضوع عبارة عما لا يكاد انفكاكه عن بقية المقدمات الاخر الملازم قهرا مع الايصال وترتب وجود ذيها
في الخارج فلا بأس باستنتاج النتيجة المزبورة في تصحيح الضد العبادي، إذ نقول حينئذ بان الوجوب المتعلق بالمقدمة بعد كونه ناقصا
غير تام بنحو لا يكاد يشمل الا الترك في حال إرادة الضد الواجب فلا محالة يكون البغض الناشئ من
346

هذا الوجوب الناقص بالنسبة إلى النقيض وهو الفعل أيضا بغضا ناقصا غير تام بحيث لنقصه وقصوره لا يشمل الا الفعل في حال إرادة
الضد، لا مطلق وجوده ولو في ظرف الصارف وعدم إرادة الواجب، وحينئذ فإذا خرج الفعل في ظرف الصارف وعدم الإرادة عن دائر
المبغوضية لاختصاص البغض بالفعل في حال إرادة الواجب ولم يتمكن أيضا من الفعل الا في ظرف الصارف وعدم إرادة الضد الواجب
من جهة امتناع اجتماع إرادة الواجب مع فعل ضده وهو الصلاة فلا جرم يقع الفعل منه غير مبغوض فيقع صحيحا، ومعه يتجه النتيجة
المزبورة.
نعم لو كان نتيجة تعلق الوجوب الناقص بالمقدمة هو البغض التام في طرف النقيض بحيث يقتضى مبغوضية النقيض على الاطلاق لاتجه
الاشكال المزبور فتنتفى الثمرة المزبورة، ولكنه في محل المنع جدا، فإنه كما عرفت لا يكاد اقتضاء تعلق الوجوب الناقص بشي
بالنسبة إلى النقيض إلا البغض الناقص، وحينئذ فلا يبقى في البين الا جهة مقدمية الوجود لترك الضد الواجب الذي هو مبغوض بالبغض
التام، وهذا أيضا مما قد عرفت الجواب عنه باستناد الترك حينئذ دائما إلى الصارف وعدم وجود المقتضى وهو الإرادة لا إلى وجود
الفعل، فان صحة استناد عدم شئ إلى عدم وجود الشرط أو إلى وجود المانع انما يكون في ظرف وجود مقتضية وتحققه، والا ففي
ظرف عدم تحقق المقتضى لا يكاد استناد العدم إلا إلى عدم المقتضى، ومن ذلك ترى انه مع عدم وجود النار لا يكاد صحة استناد عدم
الاحراق إلى وجود المانع وهو الرطوبة مثلا أو إلى عدم تحقق شرطه، بل وانما الصحيح استناده إلى عدم وجود المقتضى وهو النار و
ليس ذلك الا من جهة سبق إن شاء الله تعالى في مبحث الضد، وحينئذ فحيث ان الفعل مسبوق دائما بالصارف وعدم إرادة الضد الواجب
فلا جرم يكون عدم الضد مستندا إلى الصارف دون الفعل ومعه يقع الفعل العبادي قهرا غير مبغوض فيقع صحيحا، هذا.
وقد تظهر الثمرة أيضا بين القولين في ضمان الأجرة على المقدمة فيما لو أمر بالحج أو الزيارة عنه وأخذ المأمور بالمشي فمات قبل
الوصول إلى المقصد، فإنه على القول بوجوب مطلق المقدمة يستحق المأمور الأجرة على ما أتى به من المقدمات من جهة أن الامر بالحج
عنه أمر بمقدماته التي منها المشي وطي الطريق وبذلك يستحق عليه الأجرة على المقدمة،
347

واما على القول بوجوب المقدمة الموصلة فلا استحقاق له للأجرة على المقدمة نظرا إلى عدم كون المأتي به من المقدمات مأمورا به حتى
يقتضى ذلك تضمين الامر للأجرة عليه، وذلك من جهة فرض اختصاص امره بخصوص المقدمة الموصلة ومجرد تخيل المأمور واعتقاده
بكون المقدمة المأتي بها واجبة ومأمورا بها أيضا غير مقتض لضمان الامر، والا لاقتضى تضمينه في غيره من الموارد الأخر كما لو
اعتقد بان زيدا امره بكنس داره فكنس داره بموجب هذا الامر الزعمي، مع أنه كما ترى لا يظن من أحد الالتزام به.
وتظهر الثمرة أيضا في فرض انحصار المقدمة بالفرد المحرم كالمشي في الأرض المغصوبة لانقاذ الغريق، فإنه على القول بوجوب
مطلق المقدمة يكون المشي المزبور واجبا وان لم يترتب عليه الانقاذ، واما على المقدمة الموصلة يقع المشي المزبور حراما مع عدم
الايصال، سوأ قصد به الايصال أيضا أم لم يقصد، غايته انه مع قصد الايصال يكون منقادا كما أنه مع عدم قصد الايصال يكون واجبا إذا
كان ترتب عليه الانقاذ الواجب غايته أنه يكون متجريا حينئذ في فعله كما هو واضح...
ثمرة أصل المسألة
واما ثمرة أصل المسألة فقد يقال بظهورها في موارد: منها في مسألة فيما لو نذر ان يأتي بواجب من الواجبات فإنه على القول بالملازمة
ووجوب المقدمة يحصل البر بإتيان المقدمة بخلافه على القول بعدم وجوبها. ومنها حصول الفسق بترك واجب له مقدمات متعددة
نظرا إلى صدق الاصرار على الحرام الموجب للفسق. ومنها عدم جواز أخذ الأجرة على المقدمة بناء على الملازمة بلحاظ خروجها حينئذ
عن ملكه وعن حيطة سلطانه من حيث الفعل والترك فكان أخذ الأجرة عليها أكلا للمال بالباطل.
ولكن لا يخفى عليك ما في الوجوه، وذلك:
اما الأول فلمنع كونه ثمرة أصولية، إذا هو انما يكون ثمرة لمسألة فرعية لأنه من تطبيق كبرى فرعية وهي كبرى وجوب الوفاء على
المورد وأين ذلك والمسألة الأصولية التي من شأنها وقوع نتيجتها في طريق استنباط الحكم الفرعي الكلي؟ وبالجملة نقول بان
المسألة الأصولية عبارة عما وقع نتيجتها في طريق استنباط الحكم الفرعي الكلي لا في طريق
348

تطبيق الحكم الشرعي الكلي على المورد ومسألة بر النذر انما كانت من قبيل الثاني لا من قبيل الأول فلا تكون حينئذ ثمرة لمسألة
أصولية كما هو واضح.
واما الثاني فلانه بترك مقدمة واحدة يحصل العصيان للواجب، إذ لا يتمكن معه بعد من الواجب، ومعه يخرج بقية المقدمات عن حيز
الوجوب كي يكون تركها حراما فيتحقق الاصرار الموجب لحصول الفسق، مضافا إلى ما عرفت سابقا بأن تعدد العصيان انما يكون
تابعا لتعدد الغرض، فإذا لا يتحقق من ترك الواجب بما له من المقدمات العديدة الا فوت غرض واحد لا يكاد يترتب عليه الا عصيان
واحد.
واما الثالث فلوضوح عدم اقتضاء مجرد وجوب شئ على المكلف عينا أم كفاية لخروجه عن المالية بحيث لا يجوز له أخذ الأجرة بإزائه
ما لم يعتبر كونه على نحو المجانية، ومن ذلك ترى جواز أخذ الأجرة على كثير من الواجبات كالصناعات الواجبة عينا أم كفاية و
كموارد المخمصة التي أمر فيها ببذل الأموال، فان ذلك كله شاهد عدم اقتضاء مجرد الامر ببذل الأعمال والأموال ووجوب إتلافها
لخروجها عن المالية رأسا بحيث كان أخذ العوض بإزائه من أكل المال بالباطل، وحينئذ فيحتاج حرمة أخذ الأجرة عليه إلى قيام دليل
بالخصوص يقتضى إيجاب بذله على نحو المجان كما ورد في مثل الاذان والقضاء ونحوهما، والا فلو كنا نحن ومجرد وجوب العمل
عليه عينا أم كفاية فلا يقتضى هذا المقدار خروجه عن المالية حتى يحرم عليه أخذ الأجرة بإزائه كما هو واضح.
وحينئذ فالأولى جعلها أي الثمرة التوسعة في التقرب، فإنه بناء على الملازمة كما يتحقق القرب بإتيان المقدمة بقصد التوصل بها إلى
ذيها كذلك يتحقق بإتيانها بداعي امرها ومطلوبيتها لدى المولى ولو غيريا بناء على ما عرفت من صلاحية الامر الغيري أيضا للمقربية،
واما على القول بعدم الملازمة فلا يكاد يصح التقرب بالمقدمة الا بإتيانها بقصد التوصل بها إلى ذيها.
وربما يجعل من الثمرة أيضا اجتماع الوجوب والحرمة عند كون المقدمة محرمة مع عدم الانحصار نظرا إلى اندراجه على الملازمة
حينئذ في مسألة اجتماع الأمر والنهي، فيبتني على الخلاف في تلك المسألة، فعلى القول بجواز اجتماع الامر والنهى له الاتيان بالمقدمة
بداعي كونها مرادة للمولى بخلافه على القول بالعدم فإنه لا يندرج في باب الاجتماع حتى يبتنى على الخلاف في تلك المسألة. وأورد
عليه في الكفاية بالمنع عن اندراجه في مسألة
349

الاجتماع على الملازمة بدعوى ان الواجب - بعد كون عنوان المقدمية من الجهات التعليلية لا التقييدية - عبارة عما هو بالحمل الشائع
مقدمة لا عنوانها، وحينئذ فعلى الملازمة يكون المقام من باب النهي عن العبادة أو المعاملة لا من باب الاجتماع كي يكون مبنيا عليه.
ولكن فيه أن المقدمية وإن كانت من الجهات التعليلية لا التقييدية ولكن الواجب بعد كونه في المقام عبارة عن الجامع بين الفردين و
الخصوصيتين، فلا محالة يندرج في مسألة الاجتماع حيث يصير الفرد المحرم حينئذ مجمع العنوانين فكان بأحد العنوانين وهو الجامع
المنطبق عليه متعلقا للحكم الوجوبي وبالعنوان الاخر متعلقا للحكم التحريمي، لا في مسألة النهي عن العبادة أو المعاملة الذي ملاكه
توارد الحكمين على موضوع واحد من جهة واحدة، وهذا واضح بعد معلومية عدم سراية مصلحة الجامع إلى الخصوصية ولا مفسدة
الخصوصية إلى الجامع المزبور ووقوف كل منهما على نفس متعلقه، فإنه في مثله ينحصر التزاحم بين الملاكين في عالم الوجود محضا
والا ففي مقام التأثير في الحب والبغض لا يكون بينهما مزاحمة أصلا كما لا يخفى.
تأسيس الأصل في المسألة
بقي الكلام في تأسيس الأصل في المسألة عند الشك في الملازمة ووجوب المقدمة وليعلم بأن الشك في وجوب المقدمة وإن كان يتصور
على وجوه: تارة من جهة الشك في أصل مقدمية شئ للواجب، وأخرى من جهة الشك في وجوب ذيها مع العلم بأصل المقدمية وأصل
الملازمة، وثالثة من جهة الشك في أصل ثبوت الملازمة بين وجوب شئ ووجوب مقدمته، إلا أن الجهة المبحوث عنها في المقام انما هي
خصوص الجهة الأخيرة التي يكون الشك ممحضا في أصل ثبوت الملازمة نظرا إلى خروج ما عداها عن مفروض الكلام في المقام فنقول
حينئذ:
اما نفس الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها فلا إشكال في أنه لا أصل فيها، فإنها من جهة كونها أزلية وجودا وعدما لا حالة
سابقة لها حتى يجري فيها الاستصحاب، وحديث الرفع أيضا غير جار فيها لعدم كونها أمر شرعيا ولا موضوعا أيضا لاثر شرعي، لان
ترتب فعلية الوجوب عليها حينئذ ترتب عقلي لا شرعي، كما هو واضح.
واما نفس وجوب المقدمة فهو وإن كان مسبوقا بالعدم حيث يكون حادثا بحدوث
350

وجوب ذي المقدمة إلا أنه من جهة عدم قابلية المورد لا يجري فيه الأصل أيضا، لان جريان مثل هذه الأصول انما كان في مورد قابل
للوضع والرفع، ومع كون فعلية الوجوب على الملازمة من اللوازم القهرية لوجوب ذي المقدمة لا يكون المحل قابلا للرفع كي يجري فيه
الأصل فيقتضى عدم فعلية وجوبها، ولئن شئت قلت بالعلم التفصيلي حينئذ بعدم جريان الأصل فيه، اما لعدم وجوبها واقعا على تقدير
عدم ثبوت الملازمة واما لعدم قابلية المورد للرفع على تقدير ثبوت الملازمة كما هو واضح، نعم لو أغمض عن ذلك وقلنا بجريان
الأصل في طرف الوجوب فلا مجال للاشكال عليه من جهة انتفاء الأثر العملي بدعوى انه بعد حكم العقل بلا بدية الاتيان بالمقدمة لا
يترتب على نفي وجوبها ثمرة أصلا من حيث الحركة والسكون، وذلك لامكان الجواب عنه بعدم انحصار الأثر حينئذ بحيث الحركة و
السكون وانه يكفي فيه التوسعة في التقرب بإتيان المقدمة بداعي مراديتها حيث إنه بنفي وجوبها حينئذ يترتب نفى هذا الأثر فيتضيق
بذلك دائرة التقرب. واما توهم عدم كون مثل هذا الأثر حينئذ شرعيا لأنه من كيفيات الإطاعة التي هي من الآثار العقلية فلا يكاد يمكن
إثباتها بمثل هذه الأصول التعبدية، فمدفوع بأنه كنفس الإطاعة من لوازم مطلق وجوب الشئ ولو ظاهرا، هذا.
ولكن مع ذلك كله يشك الاكتفاء بمثل هذا الأثر في جريان الاستصحاب ينشأ من عدم كونه أثرا للمستصحب حتى يجري الاستصحاب
بلحاظه وكونه من آثار نفس الحكم الاستصحابي، إذ حينئذ جريان الاستصحاب بلحاظ مثل هذا الأثر لعله من المستحيل، فلا بد حينئذ
من التماس أثر في البين للمستصحب حتى يكون جريان الاستصحاب بلحاظه، وحيثما لا يكون في البين أثر عملي يترتب على
المستصحب فلا مجال لجريانه بوجه أصلا كما لا يخفى.
أدلة الأقوال في وجوب المقدمة
وإذ عرفت ذلك فلنشرع في الاستدلال على وجوب المقدمة، فنقول:
انه يكفي دليلا على وجوبها الوجدان بان من يريد شيئا ويطلبه يريد بالجبلة مقدماته أيضا بحيث لو التفت إلى المقدمية تفصيلا يجعلها
في قالب الطلب ويطلبها أيضا بطلب مستقل مولوي بقوله ادخل السوق واشتر اللحم، كما أنه يوضح ذلك أيضا لحاظ الإرادات
351

التكوينية حيث ترى انه متى تريد شيئا تريد بالجبلة مقدماته أيضا فمتى تعلق إرادتك بشرب الماء لغرض هو رفع العطش تقصد تحصيله
فتصير بصدد تحصيله بشراء ونحوه وإذا كان تحصيله يتوقف على المشي إلى مكان تقصد المشي إلى ذلك المكان، وهكذا غيره من
المقدمات، بخلاف ما لا يكون مقدمة من الملازمات القهرية كالمشي تحت السماء ونحوه فإنها وإن كانت مما لا بد منه عقلا الا انها غير
مقصودة ولا مرادة في مشيك بوجه أصلا، وحينئذ فإذا كان ذلك شأن الإرادات التكوينية المتعلقة بالاغراض كذلك تكون مثلها
الإرادات التشريعية، حيث لا فرق بينهما الا في كون الأولى محركة لنفس المراد والثانية للمأمور نحو المراد، ففي الإرادات التشريعية
أيضا يلازم إرادة الشئ والبعث نحوه البعث نحو مقدماته بحيث مع الالتفات إلى مقدميتها يجعلها في قالب طلب مثله فيطلبها ويأمر
بإيجادها، بل قد عرفت سابقا بان ذلك مقتضى أكثر الواجبات في العرفيات والشرعيات حيث كان وجوبها بحسب اللب وجوبا غيريا
من جهة انتهائها بالآخرة إلى أمر واحد يكون هو المراد والمطلوب النفسي، وعليه ففي نفس هذا الوجدان والارتكاز غنى وكفاية في
إثبات الوجوب الغيري للمقدمات عن الاستدلال على وجوبها بل ولعله وهو العمدة في الباب.
والا فمع الغض عنه لا يكاد يتم الاستدلال على وجوبها بالبرهان المعروف عن البصري بأنه لو لم تجب لجاز تركها وحينئذ فان بقي
الواجب على وجوبه يلزم التكليف بما لا يطاق والا خرج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا.
وذلك لما فيه بأنه ان أريد من التالي في الشرطية الأولى الإباحة الشرعية فعلية وان صدق الشرطية الثانية حيث لا يمكن بقاء الواجب
على وجوبه مع ترخيص الشارع في ترك مقدمته إلا أن الملازمة حينئذ ممنوعة نظرا إلى عدم اقتضاء مجرد عدم وجوب المقدمة
للترخيص في تركها، وان أريد به مجرد عدم المنع الشرعي عن الترك من جهة عدم اقتضاء فيه للالزام فهو إن كان صحيحا ولكنه نمنع
حينئذ صدق إحدى الشرطيتين وهو لزوم التكليف بما لا يطاق أو خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا، فأنه بعد عدم اقتضاء
مجرد عدم المنع الشرعي عن الترك لخروج الواجب عن القدرة نقول ببقاء الواجب حينئذ على وجوبه ولزوم الاتيان به بإيجاد مقدماته
بمقتضى اللابدية العقلية هذا بناء على إرادة الجواز وعدم المنع الشرعي عما أضيف إليه الظرف في قوله (وحينئذ)، واما لو
352

أريد منه نفس الترك فعليه بعد تقييده بما إذا كان الترك في آخر الوقت بحيث لا يتمكن معه من الواجب نقول بأن الواجب وان لم يبق
على وجوبه حينئذ الا انه حيثما كان ذلك بالعصيان وسوء الاختيار فلا محالة يستحق عليه العقوبة من جهة تمكنه من الاتيان بالواجب و
حكم عقله بلزوم إتيان المقدمة من باب اللابدية إرشادا إلى ما في تركها من العصيان المستتبع للعقوبة.
نعم لو أريد من الجواز اللا حرجية في الفعل والترك شرعا وعقلا يترتب على أحد المحذورين وهو لزوم خروج الواجب عن وجوبه و
لكنك عرفت بالمنع حينئذ عن الملازمة من جهة عدم اقتضاء مجرد عدم الوجوب شرعا جواز تركها شرعا حتى ينافي مع التكليف
بالواجب بل وانما غايته هو عدم كونها محكومة بحكم شرعي وحينئذ فيكفي في لزوم الاتيان بها حكم العقل باللا بدية كما هو واضح.
ومن ذلك البيان ظهر الجواب أيضا عما أفاده بعض لاثبات وجوبها بأنها لو لم تجب بإيجابه يلزم ان لا يكون تارك الواجب المطلق
عاصيا ومستحقا للعقوبة مع أن التالي باطل قطعا فالمقدم مثله، إذ نقول بأنه كذلك لولا كون الترك عن سوء اختياره وحكم عقله بلا
بدية الاتيان إرشادا إلى ما في الترك من العصيان المتتبع للعقوبة كما لا يخفى.
وحينئذ فالعمدة في إثبات وجوبها هو ما ذكرناه من قضية الوجدان والارتكاز في الواجبات العرفية وفي الإرادات التكوينية للانسان
المتعلقة بما له مقدمات، وعليه أيضا لا يفرق في المقدمات بين السبب وغيره من جهة ان ملاك ترشح الوجوب الغيري انما هو كونها مما
لها الدخل في المطلوب وفي حصول الغرض، فإذا كان الشئ مما له الدخل في حصوله وتحققه سوأ كان بنحو المؤثرية كما في
المقتضى أو بنحو الدخل في القابلية أو غير ذلك يترشح إليه الإرادة الغيرية فيصير واجبا بالوجوب الغيري.
وعليه فلا وجه لما ذكروه من التفصيل تارة: بين السبب وغيره بتقريبين تارة بان القدرة لما كانت غير حاصلة على المسببات وحدها
الا في حال انضمام أسبابها إليها فلا جرم لا بد وأن يكون الأسباب أيضا ملحوظة للامر حال التكليف بالمسببات، من جهة بعد اختصاص
التكليف حينئذ بالمسببات وخروج الأسباب بالمرة عن حيز التكليف، وأخرى بان التكليف لما كان لا يمكن تعلقه الا بأمر مقدور
للمكلف ولا يكون المقدور الا الأسباب دون المسببات لأنها من الآثار المترتبة على الأسباب فلا بد من صرفه عنها
353

إلى الأسباب. وأخرى: بين الشرائط الشرعية وغيرها بدعوى وجوب الشرائط الشرعية دون غيرها من تقريب انه لولا وجوبه شرعا
لما كان شرطا حيث إنه ليس مما لا بد منه عقلا أو عادة.
إذ فيه ما لا يخفى، اما التفصيل الأول: فان أريد من عدم اختصاص التكليف بالمسبب في التقريب الأول تعلق التكليف بمجموع المسبب و
السبب ففساده واضح حيث لا يقتضى مجرد عدم القدرة على الشئ الا في حال انضمام أسبابه كون أسبابه أيضا ملحوظة للامر حال
التكليف بحيث يكون تكليفه بمجموع السبب والمسبب، مع أنه على ذلك يكون السبب واجبا بالوجوب النفسي الضمني لا بالوجوب
الغيري الذي هو محل البحث. وان أريد به اقتضاء التكليف بالمسبب حينئذ لتعلق تكليف غيري أيضا بسببه لكونه مما يتوقف عليه وجود
المسبب وبدونه لا يكاد تحققه في الخارج فهو مما لا يفرق فيه بين السبب وغيره، فيجري في جميع المقدمات كانت من معطيات
الوجود أو من معطيات القابلية واما التقريب الثاني للتفصيل المزبور فهو مع كونه إنكارا للتفصيل حقيقة من جهة رجوعه إلى تعلق الامر
النفسي بدوا في هذه الموارد بالسبب، نقول بان المسبب حيثما كان مقدورا للمكلف ولو بسببه يكفي هذا المقدار في صحة التكليف به،
فإنه لا يعتبر في صحة التكليف بالشئ أزيد من القدرة عليه، كانت بلا واسطة أو معها، ومعه لا وجه لصرف التكليف عن المسبب و
إرجاعه إلى سببه كما هو واضح.
واما ما قيل بان العلة والمعلول اما ان يكون لكل منهما وجود ممتاز عن الاخر في الخارج كما في شرب الماء ورفع العطش حيث كانا
أمرين ممتازين وجودا في الخارج واما ان يكونا عنوانين لفعل واحد غايته طوليا لا عرضيا، كالالقاء والاحراق المتصف بهما فعل
المكلف في الخارج حيث كان صدق عنوان الالقاء متقدما على صدق عنوان الاحراق. فان كانا من قبيل الأول ففي مثله يتعلق الإرادة
الفاعلية بالمعلول أولا لقيام المصلحة به ثم تتعلق بعلته وسببه لتوقفه عليها، ونحوه الإرادة التشريعية الامرية فأنها أيضا تتعلق أولا
بالمعلول والمسبب ثم بعلته وسببه فيصير سببه واجبا بالوجوب الغيري المقدمي. واما ان كانا من قبيل الثاني كما في الالقاء و
الاحراق وعنوان الغسل والتطهير ونحوهما فيلزمه كون الامر بالمسبب والمعلول عين الامر بسببه وعلته والامر بالسبب عين الامر
بالمسبب، لأنه في تعلق الامر بالمسبب مأخوذا فيه لا
354

محالة كما أنه في تعلقه بالسبب يكون معنونا بالمسبب، فعلى كل تقدير يكون الامر بكل منهما أمرا بالآخر وفي مثله لا يكاد اتصاف
السبب بالوجوب الغيري بوجه أصلا كما لا يخفى، فمدفوع بان مثل عنوان الالقاء والاحراق عنوانان ممتازان وجودا كل منهما عن الاخر
حيث كان الالقاء الذي هو فعل المكلف سببا لملاصقة الخشب مع النار التي هي سبب لتحقق الحرقة في الخارج، فالحرقة حينئذ لها وجود
مستقل في قبال الالقاء الذي هو من فعل المكلف، نظير حركة اليد وحركة المفتاح اللتين هما وجودان من الحركة إحداهما معلولة
للأخرى، نعم غاية ما هناك انه ينتزع من وجود المعلول عنوانان: أحدهما عنوان الاحراق بالإضافة إلى الفاعل والاخر عنوان الحرقة
بالإضافة إلى نفسه، نظير الايجاد والوجود، ولكن مجرد ذلك لا يقتضى صدق عنوان الاحراق وانطباقه حقيقة على الالقاء الذي هو فعل
المكلف. وعليه فإذا كان العنوانان كل منهما ممتاز وجودا عن الاخر في الخارج فلا محالة يكون حالهما حال شرب الماء ورفع العطش
في اتصاف الالقاء بالوجوب الغيري عند تعلق الامر بالاحراق وعدم كون الامر بالاحراق أمرا حقيقة بالالقاء كما هو واضح.
ثم إن هذا كله إذا كان المسبب والمعلول من آثار فعل المكلف خاصة على معنى كون فعله علة تامة لتحققه بحيث لا يكون لفعل الغير
أيضا واختياره دخل في ترتب المسبب والمعلول وتحققه.
واما إذا كان لفعل الغير واختياره أيضا دخل في تحققه كعنوان حقيقة البيع مثلا الذي هو مترتب على مجموع إيجاب البائع وقبول
المشتري فقد يقال حينئذ بأن التكليف بالمسبب - وهو البيع - حقيقة تكليف بسببه - وهو الايجاب - من جهة خروج المسبب حينئذ بعد
مدخلية قبول المشتري عن حيز قدرة البائع حتى بالواسطة، ذلك لو ورد أمر بشخص ببيع داره لا جرم لا بد بعد خروجه عن حيز قدرته
من صرفه إلى سببه وهو إيجابه الناشئ منه من جهة امتناع بقائه على ظاهره في التعلق بعنوان البيع، ولكنه أيضا مدفوع بأنه كذلك إذا
كان قضية الامر بالبيع أمرا بإيجاده على الاطلاق واما إذا كان أمرا بحفظ وجوده من قبل ما هو تحت قدرته واختياره فلا يلزم إرجاعه
وصرفه عنه إلى سببه، بل يجعل الامر في تعلقه بالمسبب على حاله حينئذ ويقال بأن الواجب هو حفظ وجوده من قبل ما هو تحت
اختياره، كما هو الشأن أيضا في كلية المقيدات ببعض القيود غير الاختيارية،
355

إذ كان مرجع التكليف بها أيضا إلى التكليف بسد باب عدمه وحفظه من قبل ما هو تحت الاختيار في ظرف انحفاظه من قبل سائر
القيود غير الاختيارية وحينئذ فإذا كان الواجب هو حفظ وجود المعلول والمسبب من قبل ما هو فعل اختياري للمكلف وهو إيجابه و
كان هذا المقدار من الحفظ بتوسيط القدرة على الايجاب تحت قدرته واختياره فلا جرم يكون الايجاب الذي هو سبب لهذا المقدار من
الحفظ متصفا بالوجوب الغيري لا بالوجوب النفسي كما توهم فتدبر هذا كله في التفصيل الأول.
واما التفصيل الثاني بين الشرائط الشرعية وغيرها: بدعوى انه لولا وجوبها لما كان شرطا، ففيه أيضا انه ان أريد كون التكليف و
الامر من قبيل الواسطة في الثبوت بالنسبة إلى الشرطية والمقدمية بحيث لولا أمر الشارع لما كان مقدمة وشرطا ففساده واضح من
جهة بداهة ان الامر الغيري انما يتعلق بما هو مقدمة الواجب وشرطه فلو كان مقدميته متوقفة على الامر الغيري بها لدار. وان أريد كون
التكليف والامر من قبيل الواسطة في الاثبات بالنسبة إلى المقدمية والشرطية بحيث يكشف أمر الشارع به عن كونه مقدمة وشرطا في
الواقع، ففيه مع أنه كثيرا ما يكون دليل الشرطية بغير لسان التكليف كما في قوله:
(لا صلاة إلا بطهور، ولا صلاة إلا إلى القبلة) نقول بأنه لا يكون ذلك تفصيلا في المسألة لان مقتضاه حينئذ هو وجوب كل ما يتوقف عليه
الواجب بالوجوب الغيري ولو كان الطريق إلى المقدمية غير أمر الشارع كما هو واضح. ثم إن هذا كله في مقدمة الواجب
مقدمة المستحب والمكروه والحرام
واما مقدمة المستحب:
فحكمها حكم مقدمة الواجب، طابق النعل بالنعل، كما أن مقدمة المكروه حكمها حكم مقدمة الحرام كما سنحرره.
واما مقدمة الحرام:
فلا إشكال بينهم في أنه على الملازمة لا يكون وزانها وزان مقدمة الواجب في اتصاف كل مقدمة من المقدمات بالحرمة الفعلية.
كما في مقدمة الواجب، وان ما هو المحرم لا يكون الا العلة التامة أو الجز الأخير منها الذي لا يبقى معه الاختيار على ترك الحرام، ولعل
هذا التفكيك بين مقدمة الواجب والحرام انما هو من جهة ان المطلوب في الواجب انما كان هو الوجود وهو مما يتوقف تحققه على
حصول جميع المقدمات بحيث بانعدام واحدة منها ينتفي المطلوب فمن ذلك يسرى
356

المحبوبية إلى كل واحدة من المقدمات، بخلافه في طرف الحرام، فإنه بعد إن كان المبغوض فيه هو الوجود يكون المطلوب فيه هو
الترك وحيث إن الترك يتحقق بترك إحدى المقدمات فلا يكون الواجب الا أحد التروك تخييرا، فيتعين ذلك حينئذ في المقدمة الأخيرة
التي لا يبقى معها اختيار ترك الحرام، فإذا وجب ترك المقدمة الأخيرة حينئذ فقد حرم فعلها بمقتضى النهي عن النقيض، ولكن ذلك
أيضا في مثل الافعال التوليدية التي لا يحتاج في اختياريتها إلا إلى إرادة سابقة على المتولد منه، وإلا ففي غيرها مما يحتاج بعد تمامية
المقدمات إلى إرادة محركة للعضلات نحوه كالصلاة مثلا فلا محالة تكون المقدمة الأخيرة فيها هي تلك الإرادة التي هي خارجة عن حيز
التكليف، إذ تكون العلة التامة للحرام حينئذ مركبة من الإرادة وغيرها، وفي مثلها لا يكاد اتصاف شئ من المقدمات بالحرمة بمقتضى
البيان المزبور إذ كان استناد الحرام حينئذ إلى الإرادة وعدم الصارف عنه التي هي أسبق رتبة من غيرها. ومن ذلك نقول أيضا بعدم
حرمة ترك مقدمات الواجب بمقتضى النهي عن النقيض نظرا إلى استناد ترك الواجب دائما ولو في ظرف ترك بقية المقدمات إلى
وجود الصارف وعدم الإرادة من جهة سبقها رتبة على غيره كما سنحققه إن شاء الله تعالى.
ثم إن هذا كله بناء على مسلك المشهور من وجوب مطلق المقدمة. واما على ما ذكرنا من تخصيص الوجوب بالمقدمة الموصلة اما بنحو
التقييد كما عليه ظاهر الفصول واما على ما اخترناه من جعل الواجب ولو بلحاظ قصور في امره عبارة عن الذات التوأمة مع وجود بقية
المقدمات الملازمة للايصال قهرا - فلا إشكال في البين في مثل المقام إذ حينئذ تكون مقدمات الحرام حالها كحال مقدمات الواجب
فتكون كل مقدمة من مقدماته متصفة بالحرمة الغيرية في ظرف انضمامها ببقية المقدمات الملازم لترتب الحرام عليها. ومن ذلك أيضا
نقول بأنه لو أتى بمقدمة الحرام ولولا بقصد التوصل بها إلى المحرم بل بقصد التوصل بها إلى أمر واجب واتفق بعد ذلك ترتب الحرام
عليها كان ما أتى به حراما فعليا في الواقع، كما أنه لو اتفق عدم ترتب الحرام عليها لا يكون ما أتى به حراما وإن كان من قصده التوصل
به إلى الحرام. فالمدار حينئذ في اتصاف المقدمة بالحرمة وعدم اتصافها بها على ترتب الحرام عليها وعدمه.
ثم إن الثمرة بين المسلكين تظهر في التوضي في المصب الغصبي بالماء المباح مع تمكنه
357

من المنع عن وصول ماء الوضوء إلى المصب ولو بجعل كفه مانعا عنه، فإنه على المشهور من تخصيص الحرمة بالجز الأخير يقع وضوئه
صحيحا من جهة ان الجز الأخير من العلة حينئذ انما هو عدم إيجاد الحائل عن وصول الماء إلى المصب الغصبي الذي هو أمر أجنبي عن
وضوئه فيكون هو المحرم والمنهي عنه دون وضوئه، فمن ذلك يقع وضوئه صحيحا من غير فرق بين علمه بذلك من الأول وبين صورة
عدم علمه به، ولكن ذلك بخلافه على ما اخترناه، إذ عليه في ظرف عدم منعه عن وصول الماء إلى المصب يقع أصل وضوئه حراما ومنهيا
عنه فيقع باطلا إذا كان من نيته عدم إيجاد المانع عن وصول الماء إلى المصب. نعم لو لم يعلم بذلك من الأول كما لو كان بانيا من الأول
على احداث المانع عن وصول ماء وضوئه إليه فاتفق بعد ذلك وصول الماء إليه ولو من جهة حصول البدأ له عن احداث المانع يقع
وضوئه صحيحا وإن كان حراما في الواقع، نظرا إلى وضوح عدم اقتضاء مجرد وقوع وضوئه على وجه الحرمة في الواقع لفساد وضوئه
وبطلانه كما هو واضح فتدبر.
358

المبحث الخامس في الضد
قد اختلفوا في أن الامر بالشئ هل يقتضى النهي عن ضده أم لا؟ وقبل الخوض في المرام ينبغي بيان أمرين:
الأول: الظاهر أن المسألة انما هي من المسائل الأصولية من جهة رجوعها إلى البحث عن الملازمة بين وجوب الشئ وحرمة ضده فتكون
كالبحث عن سائر الملازمات فكان ذكرها حينئذ في مباحث الألفاظ مع كونها من المسائل العقلية لمحض المناسبة، ويمكن أيضا أن تكون
من المبادي الاحكامية الراجعة إلى البحث عن لوازم وجوب الشئ وانه هل من لوازمه هو حرمة ضده أم لا، فإنه بعد الفراغ عن
دلالة الصيغة على الوجوب اقتضت المناسبة البحث عن لوازمه بأنه هل من لوازم وجوب الشئ هو حرمة ضده أم لا أو وجوب مقدمته أم لا
كما تقدم. واما احتمال كونها من المسائل الفرعية نظير ما قيل في مقدمة الواجب فبعيد جدا، حيث إنه لا يكاد يناسب ذلك عنوان البحث
المزبور، بخلاف مسألة وجوب المقدمة فإنه يتطرق فيها احتمال كونها مسألة فرعية بمقتضى عنوان البحث، مضافا إلى ما عرفت في
المسألة السابقة من عدم انطباق ميزان المسألة الفرعية عليها وحينئذ فيدور الامر بين كونها من المبادي الاحكامية أو من المسائل
الأصولية العقلية ولكل منهما وجه، وإن كان الا وجه هو الثاني.
الأمر الثاني: في تحرير مفردات عنوان البحث من الأمر والنهي والشي والاقتضاء والضد، فنقول: اما الامر والنهى فالظاهر أن المراد
بهما يعم النفسي والغيري والاصلي والتبعي، كما أن المراد بالشئ أيضا هو ما يعم الفعل والترك كما في تروك الصوم لا انه
359

عبارة عن خصوص الفعل كما ربما يتوهم. واما الثالث فالمراد به هو الاقتضاء في مرحلة أصل الثبوت لا الاقتضاء في مقام الكشف و
الدلالة والاثبات، ولذلك يجري هذا النزاع في الأوامر المستكشفة من الاجماع والعقل أيضا. واما الرابع وهو الضد فالظاهر أن المراد
به هو مطلق المعاند الشامل للنقيض أيضا فإنه تارة يطلق ويراد به معناه الأخص وهو المعاندة بين الشيئين على نحو لا يمكن اجتماعهما
في محل واحد مع جواز ارتفاعهما كالسواد والبياض، وأخرى يطلق ويراد به مطلق المعاند الشامل للنقيض أيضا بنحو لا يجوز
ارتفاعهما أيضا، فكان إطلاقه في المقام بمعناه الأعم الشامل للنقيض لا بمعناه الأخص، نعم ذلك بمعناه الأخص أيضا لا يختص
بالوجوديين كما توهم بل يعمه وما لو كان أحدهما أمرا عدميا كالترك الخاص بالنسبة إلى الفعل المطلق بل وما إذا كانا معا عدميين
كما في صوم يومين مع فرض عدم قدرة المكلف خارجا الا على أحد الصومين.
وإذ عرفت ذلك فاعلم بان الكلام يقع في مقامين: تارة في الضد الخاص، وأخرى في الضد العام بمعنى الترك.
اما المقام الثاني
فسيجئ انه لا إشكال فيه في اقتضاء الامر بالشئ للنهي عن ضده بمعنى الترك والنقيض، وانما الكلام فيه بأنه أي الاقتضاء بنحو العينية
أو التضمن أو الالتزام، وسيجئ تحقيق الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
واما المقام الأول
ففي اقتضاء الامر بالشئ للنهي عن ضده الخاص إشكال بين الاعلام، والبحث فيه في الاقتضاء وعدمه يقع من جهتين:
الأولى: من جهة مقدمية ترك أحد الضدين لوجود الاخر كما عليه مبنى كثير منهم حيث بنوا على حرمة الضد المأمور به بمناط مقدمية
تركه لفعل الضد الواجب.
الثانية: من جهة مجرد التلازم بين وجود أحد الضدين وترك الاخر بدعوى اقتضاء هذا التلازم للتلازم بين حكميهما وصيرورة ترك
الضد واجبا أيضا واقتضاء وجوب الترك بمقتضى النهي عن النقيض لحرمة فعله.
ولا يخفى عليك حينئذ ان النزاع من الجهة الأولى يكون صغرويا محضا، فإنه بعد الفراغ عن الكبرى - وهي التلازم بين وجوب الشئ
ووجوب مقدمته - كان الكلام في إثبات الصغرى وهي مقدمية ترك أحد الضدين لوجود الاخر، بخلافه في النزاع من الجهة الثانية فإنه
يكون في أصل كبرى لزوم اتحاد المتلازمين في الحكم، وإلا فاصل
360

الصغرى - وهو التلازم بين وجود أحد الضدين وترك الاخر - مما لا كلام فيه، فهاتان الجهتان حينئذ متعاكستان في الجهة المبحوث
عنها، وبعد ذلك نقول:
اما الجهة الأولى
فتقريب الاقتضاء انما هو من جهة قضية المنافرة والمعاندة بين الوجودين وعدم اجتماعهما في التحقق، بدعوى اقتضاء تلك المنافرة و
المعاندة لمقدمية عدم الضد لوجود الضد الاخر نظرا إلى وضوح كون عدم المانع من المقدمات ومن أجزأ العلة التامة للشئ، فإذا ثبت
حينئذ مقدمية عدمه لوجود الضد الواجب فلا جرم يجب بوجوب مقدمي غيري بمقتضى كبرى التلازم بين وجوب الشئ ووجوب مقدمته
ومع وجوبه يقع فعله لا محالة بمقتضى النهي عن النقيض حراما ومنهيا عنه، هذا.
وقد أورد عليه بمنع المقدمية نظرا إلى انتفاء السنخية بين الوجود والعدم واستحالة كون العدم من مقدمات وجود الشئ ومن أجزأ
علته، ولكن فيه ما تقدم سابقا من ابتناء هذا الاشكال على اتحاد المقدمات طرا في كيفية الدخل في وجود المعلول ورجوع دخل الجميع
إلى المؤثرية والمتأثرية كما في المقتضى، فإنه على هذا المبنى لا محيص من إخراج عدم المانع بقول مطلق عن المقدمات وعن كونه من
أجزأ العلة التامة نظرا إلى انتفاء السنخية بين الوجود والعدم امتناع تأثير العدم في الوجود، والا فبناء على اختلاف المقدمات في كيفية
الدخل في المعلول ورجوع بعضها إلى كونها معطيات الوجود كما في المقتضى ورجوع بعضها الاخر إلى كونها معطيات الحدود
للوجود والقابلية كما في الشرط وعدم المانع - على ما شرحناه سابقا - فلا مجال للمنع عن مقدمية عدم الضد بالبيان المزبور.
وحينئذ فالأولى هو المنع عن المقدمية بما في الكفاية: من دعوى عدم اقتضاء مجرد المعاندة والمنافرة بين الضدين وعدم الاجتماع
في الوجود لمقدمية عدم أحدهما لوجود الاخر وللتوقف الموجب لتخلل الفاء بينهما الكاشف عن اختلافهما بحسب الرتبة بل وان غاية
ما يقتضيه ذلك انما هو التلازم بين وجود أحدهما مع عدم الاخر، كما هو الشأن أيضا في النقيضين، حيث لا يكاد اقتضاء المنافرة بينهما
لمقدمية ارتفاع أحدهما لثبوت الاخر، كيف وانه لو اقتضى مجرد هذه المنافرة والمعاندة التوقف الموجب لمقدمية عدم أحد الضدين
لوجود الضد الاخر لاقتضى مقدمية عدم الضد الاخر أيضا لوجود هذا الضد، من جهة ان المعاندة والمنافرة كانت من الطرفين، فكما ان
هذا الضد لا يكاد يتحقق الا في
361

ظرف عدم ضده كذلك ذلك أيضا لا يتحقق الا في ظرف عدم ذلك، وهو واضح الاستحالة، من جهة استلزامه لكون الشئ في رتبتين، و
بيان ذلك انا لو فرضنا في مثل الصلاة والإزالة مثلا توقف الإزالة على عدم الصلاة توقف الشئ على عدم مانعه، فلازم التوقف و
المقدمية هو تقدم العدم المزبور على وجود الإزالة، ولازم ذلك بمقتضى حفظ الرتبة بين النقيضين تقدم وجود الصلاة أيضا على الإزالة،
نظرا إلى كونها في رتبة عدمها الذي هو مقدم رتبة على وجود الإزالة، فإذا فرضنا حينئذ بمقتضى المعاندة المزبورة توقف الصلاة أيضا
على عدم الإزالة توقف الشئ على عدم مانعه يلزمه لا محالة بمقتضى حفظ الرتبة بين النقيضين تقدم الإزالة أيضا وجودا وعدما على
وجود الصلاة، ولازمه حينئذ صيرورة كل من الصلاة والإزالة في رتبة متأخرة عن الاخر الملازمة لكون كل منهما في رتبتين، وهو كما
ترى مقطوع استحالته، وحينئذ فكان ذلك برهانا قطعيا على استحالة ما ادعى من المقدمية بين الضدين كما هو واضح، هذا.
وقد أورد على المقدمية أيضا من جهة محذور الدور، بتقريب انه كما يتوقف وجود أحد الضدين على عدم الضد الاخر توقف الشئ على
عدم مانعه كذلك يتوقف العدم المزبور أيضا على وجود هذا الضد توقف عدم الشئ على وجود مانعه، لبداهة ثبوت المعاندة من
الطرفين والمطاردة من الجانبين، وهو دور واضح، من جهة توقف كل منهما حينئذ على الاخر.
وأجيب عن الدور المزبور بان فعلية التوقف انما كانت من طرف الوجود خاصة لا من طرف العدم، بدعوى ان عدم الشئ انما يستند
إلى وجود المانع في ظرف ثبوت المقتضى له مع شراشر شرائطه، وإلا ففي ظرف عدم وجود المقتضى لا يكاد استناده إلا إلى عدم
ثبوت المقتضى له لا إلى وجود المانع، ومن ذلك ترى عدم صحة استناد عدم الاحراق إلى وجود الرطوبة مع عدم وجود النار ان عدم
تحقق شرطه الذي هو المماسة والمحاذاة الخاصة، بخلافه في ظرف وجود أصل النار وتحقق المحاذاة الخاصة ومماسة الجسم مع النار
إذ صح حينئذ استناد عدم الاحراق إلى وجود المانع والرطوبة، وعلى ذلك فحيث أنه تحقق الصارف في المقام عن الوجود فلا جرم في
مثله يكون عدم الضد مستندا إلى عدم الإرادة والصارف الذي هو أسبق رتبة من المانع لا إلى وجود الضد مستندا إلى عدم الإرادة و
الصارف الذي هو أسبق رتبة من المانع لا إلى وجود الضد حتى يلزم الدور، كما هو واضح، هذا.
362

وقد أورد عليه الأستاذ في الدورة السابقة بأنه بعد إن كان المعلول استناده في طرف الوجود إلى مجموع أجزأ العلة من المقتضي و
الشرط وعدم المانع في عرض واحد بتخلل فأ واحد بينهما في قولك: (وجدت العلة بأجزائه فوجد المعلول) لا بتخلل فأين بقولك:
(وجد فوجد المعلول) والا يلزمه خروج مثل عدم المانع عن كونه من أجزأ العلة التامة في التأثير في تحقق المعلول، فلا جرم بمقتضى
حفظ الرتبة بين النقيضين لا بد وأن يكون عدمه أيضا عند انتفاء العلة باجزائها مستندا إلى انتفاء الجميع في عرض واحد بنحو تخلل فأ
واحد على نحو استناد وجوده إلى مجموع أجزأ العلة لا إلى خصوص بعض اجزائها وهو عدم المقتضى، فيبطل حينئذ ما ادعى من
الترتب والطولية بين أجزأ العلة التامة من المقتضى والشرط والمانع في مقام التأثير الفعلي في وجود المعلول، وان ما يرى من عدم
صحة استناد عدم الاحراق في المثال المزبور عند عدم وجود النار وتحقق المحاذاة الخاصة إلى الرطوبة ووجود المانع فإنما هو فيما
إذا أريد استناده إلى خصوص المانع، وإلا فصحة استناده حينئذ إلى عدم المجموع مما لا ريب فيه، كما هو واضح. واما صحة استناده
إلى خصوص عدم المقتضى مع انتفاء الشرط ووجود المانع أيضا فلعله من جهة أقوائية المقتضى حينئذ من بين أجزأ العلة عند العرف في
استناد العدم إليه، والا فبحسب الدقة لا يكون العدم الا مستندا إلى عدم وجود علته التامة التي من اجزائها الشرط والمانع، ومن ذلك
ربما يكون الامر بالعكس في استناد العدم عرفا إلى شئ كما في الخشبة التي تحت البحر، حيث صح استناد عدم إحراقه إلى وجود
الماء عند كونه تحت البحر عرفا، ولا يصح استناده إلى عدم وجود النار، بل ولئن علل عدم إحراقه إلى عدم وجود النار والحال هذه
ترى بأنه يضحك عليه العرف.
وحينئذ فإذا لا يكون أجزأ العلة التامة في عالم التأثير في المعلول الا في عرض واحد ومرتبة واحدة بنحو لا يتخلل بينه وبين المجموع
إلا فأ واحد نقول في المقام أيضا بان العلة التامة لوجود الصلاة إذا كانت هي الإرادة وترك ضدها الذي هو الإزالة حسب ما هو
المفروض من مقدمية الترك للوجود ولم يكن بينهما في مقام التأثير في الأثر ترتب وطولية، بل كان استناده إلى مجموع الامرين في
عرض واحد بتخلل فأ واحد كقولك: (وجدت الإرادة وترك الإزالة فوجدت الصلاة) فلا جرم في طرف العدم أيضا بمقتضى حفظ
الرتبة بين النقيضين لا يكونان الا في مرتبة واحدة، فإذا قلب حينئذ كل من الإرادة و
363

الترك إلى النقيض بقلب الإرادة إلى عدمها والترك إلى الفعل فقهرا يكون العدم مستندا إلى مجموع الامرين من وجود الصارف وفعل
الضد الذي هو المانع، لا انه مستند إلى خصوص الصارف وعدم الإرادة، عليه يتوجه محذور الدور المزبور نظرا إلى فعلية التوقف
حينئذ من الطرفين، كما هو واضح، هذا.
ولكن الأستاذ (دام ظله) أجاب عن ذلك أخيرا، وبنى على الترتب والطولية بين أجزأ العلة التامة من المقتضى والشرط والمانع، و
التزم بتقدم المقتضى على الشرط والمانع رتبة بمقتضى ما بنى عليه من اختلاف أجزأ العلة في كيفية الدخل في وجود المعلول برجوع
بعضها كالمقتضي إلى كونها مؤثرات ومعطيات الوجود، ورجوع بعضها إلى كونها معطيات الحدود للوجود كالشرط وعدم المانع،
فإنه عليه يكون المقتضى باعتبار كونه مؤثرا ومعطيا لأصل الوجود مقدما رتبة على ما يكون دخله في حدوده ولو بنحو دخل منشأ
الاعتبار في الأمر الاعتباري، كتقدم ذات الوجود على حده العارض عليه رتبة، وحينئذ فعند انتفاء المقتضى ووجود المانع لا جرم
يكون العدم مستندا إلى عدم ثبوت المقتضى، ولا مجال لاستناده إلى وجود المانع أو عدم شرطه الا في ظرف ثبوت أصل المقتضى
للوجود، وحينئذ ففي المقام أيضا حيثما كان عدم الإرادة والصارف أسبق رتبة من الشرط والمانع بمقتضى حفظ الرتبة بين النقيضين
فقهرا يكون العدم عند عدم الإرادة مستندا إلى الصارف لا إلى وجود المانع وهو الضد حتى يتوجه محذور الدور المزبور، وهو واضح.
وحينئذ فالعمدة في الاشكال على المقدمية هو ما ذكرنا من لزوم كون الشئ في رتبتين نظرا إلى مقدمية ترك كل واحد من الضدين
بعد كون المطاردة من الطرفين لوجود الضد الاخر، بل ذلك أيضا لازم للاشكال الثاني أيضا نظرا إلى بقاء غائلة الدور وهو لزوم
كون الشئ في رتبتين بعد على حاله وان اندفع فعلية التوقف بالبيان المزبور، كما هو واضح.
وحينئذ فبعد ان ظهر بطلان مقدمية ترك الضد لوجود الضد الاخر فلا جرم لا يبقى في البين الا مجرد التلازم بين وجود أحد الضدين و
ترك الاخر، وفي مثله نقول بان من الواضح أيضا عدم اقتضاء مجرد التلازم بين الشيئين التلازم بين حكميهما أيضا بحيث لا بد وأن يكون
محكوما بحكم ملازمه كي بعد إثبات وجوب الترك بالمناط المزبور يحكم بحرمة نقيضه وهو الفعل بمقتضى النهي عن النقيض،
وذلك لان غاية ما يقتضيه الملازمة
364

المزبورة انما هو عدم كون أحدهما محكوما بما يضاد حكم الاخر لا وجوب كونه محكوما بحكمه، كيف وان دعوى سراية الحكم من
أحد المتلازمين إلى الاخر مما يحكم بخلافها بداهة الوجدان والارتكاز عند طلب شئ والامر به، من حيث وضوح وقوف الطلب والامر
والحب والبغض على نفس متعلقه وعدم سرايتها منه إلى ما يلازمه من الأمور الأخر بوجه أصلا.
وعليه فلا مجال لاثبات حرمة فعل الضد حتى يترتب عليه فساده إذا كان عبادة، لا بمناط التلازم ولا بمناط المقدمية، خصوصا على ما
تقدم منا في المبحث المتقدم من تخصيص الوجوب بالمقدمة الموصلة، فإنه على المقدمية أيضا حينئذ لا يكاد اتصاف فعل الضد المقرون
بوجود الصارف بالحرمة الفعلية من جهة خروجه حينئذ عن دائرة ما هو نقيض الواجب، من غير فرق في ذلك بين ان يكون الضدان مما
لهما ثالث بحيث أمكن تركهما معا أم لا كما هو واضح.
وحينئذ فبعد ان ظهر عدم اقتضاء الامر بالشئ للنهي عن ضده الخاص لا بمناط الملازمة وجدانا ولا بمناط المقدمية برهانا نقول:
فاعلم أن الضدين اما ان يكونا متساويين بحسب الملاك والمصلحة واما لا، بل يكون لأحدهما مزيد على الاخر بحسب الملاك وعلى
التقديرين لا يخلوان من كونهما مضيقين أو موسعين أو مختلفين فهذه صور عديدة وينبغي التعرض لكل واحدة من الصور بما يخصها
من الحكم فنقول:
اما إذا كانا متساويين في الملاك والمصلحة وكانا أيا مضيقين، فإن لم يكن لهما ثالث كما في الحركة والسكون والنوم واليقظة فلا
إشكال في أن الحكم فيهما هو التخيير عملا بمعنى اللا حرجية نظير التخيير بين الفعل والترك في النقيضين، لا التخيير الشرعي بمعنى
الالزام بأحد الفعلين فإنه بعد عدم تمكن المكلف من الجمع بينهما ولا من تركهما معا فقهرا في مثله بعد تساوى الملاكين يحكم العقل
فيهما بالتخيير وعدم الحرج في الفعل والترك، ومعه لا يكاد مجال لالزام شرعي في البين ولو تخييري بوجه أصلا لأنه في ظرف
ترك أحد الضدين يكون الضد الاخر قهري الحصول ومعه لا يبقى مجال إعمال الجهة المولوية بالامر بهما تخييرا، كما هو واضح. ولئن
شئت قلت بان الامر التخييري بشيئين بعد أن كان مرجعه إلى المنع عن ترك المجموع فلا جرم يختص بما إذا تمكن
365

المكلف من ترك كلا الامرين كما في ضدين لهما ثالث، والا ففي مثل المقام المفروض عدم تمكن المكلف من ترك كلا الامرين لا يكاد
مجال للامر التخييري وإعمال الجهة المولوية لا بالنسبة إلى ترك المجموع ولا بالنسبة إلى أحد الفعلين نظرا إلى امتناع الأول في
نفسه وقهرية حصول أحد الفعلين، كما هو واضح. هذا إذا كان الضدان مما ليس لهما ثالث.
وأما إذا كان الضدان مما لهما ثالث بحيث يتمكن المكلف من ترك كلا الامرين معا كما في الامر بإنقاذ الغريقين وكما في مثل الصلاة و
الإزالة ففي مثله لا إشكال في أنه ليس له ترك كلا الامرين معا وانه يجب عليه الاتيان بأحد الامرين مخيرا بينهما لا مجرد التخيير بينهما
عملا كما في الصورة الأولى بلا إلزام شرعي أو عقلي في البين، وذلك من جهة ان الممنوع حينئذ انما هو وجوب كل واحد منهما عليه
بإلزام تعييني على الاطلاق بنحو يقتضى المنع عن جميع أنحاء تروكه حتى الترك في حال وجود الاخر، واما وجوب كل واحد منهما عليه
تخييرا فلا مانع يمنع عنه بعد فرض تمكن المكلف من إتيان أحد الامرين وتمكنه أيضا من ترك الجميع، فإنه حينئذ يكون كمال المجال
لأعمال الجهة المولوية بالامر بهما تخييرا، وهذا بخلافه في الصورة الأولى فإنه فيها من جهة عدم تمكن المكلف من ترك كلا الامرين و
قهرية حصول أحد الامرين عند ترك الاخر لا جرم لا يبقى في مثله مجال الأمر المولوي بأحد الامرين ولو بنحو التخيير بوجه أصلا فهذا
مما لا إشكال فيه ولا كلام، وانما الكلام فيما ينتهى إليه مرجع هذا التخيير وانه هل هو راجع إلى تقييد الطلب في كل من الامرين بعد
الاخر وعصيانه؟ أو راجع إلى غير ذلك؟ بل مثل هذا الكلام لا يختص بالمقام فيجري في كلية التخييرات الشرعية.
فنقول: ان المتصور في ذلك هو أمور:
أحدها: رجوعه إلى تقييد الطلب في كل من الواجبين بعدم الاخر اما بعدمه المحفوظ قبل الامر واما بعدمه المتأخر عن الامر المنتزع عنه
عنوان العصيان الذي هو نقيض الإطاعة.
وثانيها: رجوعه إلى تقييد الواجب في كل منهما بعدم الاخر مع إطلاق الطلب فيهما، وذلك أيضا اما بأخذ القيد في كل منهما مطلق عدم
الاخر بنحو يقتضى وجوب تحصيله واما بأخذه عبارة عن العدم الناشئ من قبل سائر الدواعي غير دعوة الامر غير دعوة الامر والطلب
بحيث
366

لا يقتضى الطلب وجوب تحصيله.
وثالثها: رجوعه إلى وجوب كل واحد منهما على التعيين ولكنه لا بإيجاب تام بنحو يقتضى المنع عن جميع أنحاء تروكه حتى الترك
الملازم مع وجود ضده بل بإيجاب ناقص مقتضاه عدم المنع الا عن بعض أنحاء تروكه وهو الترك في حال ترك الاخر الراجع إلى
إيجاب حفظ الوجود في كل منهما من قبل سائر الجهات في ظرف انحفاظ وجوده من قبل بديله وعدم ضده من باب الاتفاق، إذ الشئ
بعد إن كان له أنحاء من العدم بالإضافة إلى فوت كل مقدمة من مقدماته ووجود كل ضد من أضداده تبعا لحدود وجوده الحاصلة
بالقياس إلى وجود مقدماته وعدم أضداده، فلا جرم بعد خروج أحد تلك الاعدام من حيز التكليف - اما لعدم القدرة أو لغير ذلك كما
في المقام من فرض عدم تمكن المكلف من الجمع بين الوجودين - لا يكون قضية التكليف بالايجاد حينئذ الا وجوب سد بقية الاعدام في
ظرف انسداد عدمه من باب الاتفاق من قبل بديله وضده، ومرجعه إلى كونه أمرا بمتمم الوجود لا بالوجود على الاطلاق بنحو يقتضى
وجوب سد جميع الاعدام حتى العدم الملازم مع وجود ضده، ومرجع ذلك بالآخرة إلى تخصيص الواجب في كل منهما بما يكون ملازما
مع عدم الاخر من دون ان يكون ذلك من جهة تقييد في الواجب ولا في الوجوب، بل من جهة قصور الوجوب في نفسه حينئذ عن الشمول
لغير ذلك، هذا كله بحسب مقام التصور.
واما بحسب مقام التصديق فلا ينبغي الاشكال في أن المتعين منها هو الوجه الأخير، وذلك لما في غيره من عدم خلوه عن المحذور و
ذلك:
اما الوجه الأول من فرض تقييد الطلب في كل منهما بعصيان الاخر أو بعدمه من باب الاتفاق المحفوظ قبل الامر فواضح، إذا الشق الثاني
منه غير دافع لمحذور المطاردة بين الامرين، من جهة بقاء المطاردة بينهما بعد على حاله، بملاحظة تحقق ما هو الشرط فيهما قبل
الاتيان بواحد منهما، واما الشق الأول فهو وان اندفع به محذور المطاردة، نظرا إلى وقوع تأثير كل منهما في رتبة سقوط الاخر إلا أنه
يتوجه عليه حينئذ محذور طولية الامرين وتأخر كل منهما عن الاخر برتبتين حسب إناطة كل منهما بعصيان الاخر.
واما الوجه الثاني من فرض تقييد الواجب في كل منهما بعدم الاخر فهو أيضا بشقيه كذلك، لان مقتضى الإناطة حينئذ هو تأخر كل من
الواجبين رتبة عن عدم الاخر، و
367

لازمه بمقتضى حفظ الرتبة بين النقيضين هو تأخر كل من الوجودين عن الاخر وهو ملازم لكون كل منهما في رتبتين، وهو كما ترى
من المستحيل، خصوصا مع ما يرد على الشق الأول منه من لزوم وقوع المطاردة بين الامرين، بلحاظ اقتضاء إطلاق الامر في كل منهما
لزوم ترك الضد الاخر من باب المقدمة واقتضاء الامر به عدم تركه ولزوم إيجاده، إذ حينئذ يصير كل واحد منهما وجودا وعدما
موردا للتكليف الالزامي وهو محال.
وعليه فبعد بطلان الوجوه المزبورة يتعين الوجه الأخير الذي عرفت رجوعه إلى وجوب كل واحد منهما على التعيين، لكنه لا بإيجاب
تام كي يقتضى النهي عن جميع أنحاء تروكه حتى الترك الملازم مع وجود الاخر بل بإيجاب ناقص بنحو لا يقتضى الا المنع عن بعض
أنحاء تروكه وهو الترك في حال الترك الراجع في الحقيقة إلى إيجاب متمم الوجود لا إيجاب الوجود على الاطلاق، وفي مثله يرتفع
المطاردة بين الامرين، حيث لا تنافي بين هذين الامرين بالضدين بعد كونهما من قبيل متمم الوجود وعدم اقتضائهما لوجوب الحفظ
على الاطلاق كما في الامرين التأمين كما هو واضح. وعليه أيضا لا داعي إلى رفع اليد عن الامرين على الاطلاق والمصير إلى إلزام عقلي
تخييري فيهما بل يؤخذ حينئذ بوجوب كل منهما على التعيين غايته انه من جهة محذور المطاردة والوقوع في ما لا يطاق يرفع اليد عن
إطلاق الامرين واقتضائهما للحفظ على الاطلاق ويصار إلى وجوب كل منهما بإيجاب ناقص راجع إلى إيجاب حفظ المرام من سائر
الجهات في ظرف انحفاظه من قبل ضده من باب الاتفاق، من دون ان يكون ذلك من جهة تقييد في الطلب أو المتعلق بوجه أصلا كما لا
يخفى.
ومن ذلك البيان ظهر الحال في كلية التخييرات الشرعية أيضا إذ نقول برجوع الامر التخييري في جميع الموارد إلى إيجاب كل واحد
من الفردين أو الافراد لكن بإيجاب ناقص بنحو لا يقتضى الا المنع عن بعض أنحاء تروكه وهو الترك في حال الترك الاخر مع كون
الترك في حال وجود الاخر تحت الترخيص كما صنعه صاحب الحاشية (قدس سره) في تعريف الواجب التخييري حيث عرفه بأنه طلب
الشئ مع المنع عن بعض أنحاء تروكه في قبال الواجب التخييري حيث عرفه بأنه طلب الشئ مع المنع عن بعض أنحاء تروكه في قبال
الواجب التعييني الذي مرجعه إلى إيجابه وطلبه مع المنع عن جميع أنحاء تروكه الراجع في الحقيقة إلى كون الواجب في كل واحد من
الفردين التخييريين هي الحصة الملازمة مع عدم الاخر لا مطلق وجودهما على الاطلاق، لا إلى وجوب الجامع بين الفردين
368

كما أفاده بعضهم، ولا إلى وجوب أحد الفردين بلا عنوان أو أحدهما المعين عند الله وهو الذي يختاره المكلف لعلمه سبحانه أزلا بما
يختاره في مقام الايجاد، وذلك لان الأول - مع أنه غير متصور في كثير من الموارد كما في فرض الدوران بين فعل شئ وترك الاخر
وفي الضدين كالصلاة والإزالة مثلا - مخالف لظواهر الأدلة الامرة بكل واحد من الفردين، من جهة وضوح ظهورها في وجوب كل
واحد من الفردين بخصوصيتهما لا بما ان الوجودين، كل منهما مصداق لما هو الواجب وهو الجامع كما هو واضح. واما الثاني فلما فيه
أيضا بان عنوان أحد الفردين بلا عنوان أمر عرضي انتزاعي لا يكون له ما بإزاء في الخارج ولا كان قابلا لقيام المصلحة به فلا يمكن ان
يكون موردا للالزام واما مصداق أحد الفردين والخصوصيتين على نحو النكرة فهو وإن كان قابلا لان يقوم به المصلحة ويصير
موردا للالزام ولكنه أيضا مناف لما يقتضيه ظواهر الأدلة الامرة بكل واحد من الوجودين. واما الثالث فهو أيضا كذلك إذ يكون منافيا
لما اقتضته الأدلة الامرة بكل واحد من الوجودين من جهة ظهورها في وجوب كل واحد من الوجودين بخصوصيته، نعم لا يرد عليه حينئذ
محذور لزوم عدم اتصاف الوجودين بالوجوب في ظرف عصيان المكلف وعدم اختياره لواحد منهما، وذلك من جهة وضوح ان اختيار
المكلف حينئذ طريق إلى ما هو الواجب عند الله لا أنه يكون له موضوعية وهو واضح.
وحينئذ فبعد بطلان الوجوه المزبورة يتعين قهرا ما ذكرنا، إذ عليه تبقى الأدلة على ظاهرها في وجوب كل واحد من الفردين
بخصوصيته غايته انه رفع لليد عما يقتضيه ظهور الوجوب في كل منهما في الوجوب التام وإيجاب حفظ الوجود على الاطلاق بإرجاع
الوجوب فيهما إلى إيجابين ناقصين على نحو لا يقتضى كل منهما بمقتضى النهي عن النقيض الا المنع عن تركه في حال ترك الاخر و
ذلك أيضا لا من جهة تقييد في الطلب أو المتعلق بل من جهة قصور في نفس الوجوبين حينئذ في اقتضاء حفظ الوجودين على الاطلاق
حتى في حال وجود الاخر وهذا القصور أيضا ناش من جهة ما بين ملاكهما من التضاد الموجب لخروج أحد الوجودين عن كونه ذا
مصلحة عند تحقق الاخر، ونتيجة ذلك كما عرفت هو حرمة ترك كلا الوجودين ووجوب الاتيان بأحدهما كما هو واضح.
وكيف كان فمن التأمل فيما ذكرنا في الضدين المتساويين ظهر أيضا حال ما إذا كان أحدهما أهم والاخر مهما فإنه فيهما أيضا أمكن
بالتقريب المزبور الجمع بين
369

الامرين في رتبة واحدة، أمر تام بالأهم وأمر ناقص بالمهم على نحو كان مقتضاه لزوم حفظ المهم من سائر الجهات في ظرف انحفاظه
من باب الاتفاق من قبل ضده الأهم، إذ نقول بان عمدة المحذور في عدم جواز الامر بالضدين كما عرفت انما هو محذور لزوم إيقاع
المكلف فيما لا يطاق بلحاظ اقتضاء كل واحد من الامرين ولو بتوسيط حكم العقل بلا بدية الإطاعة والامتثال لصرف القدرة نحو
متعلقه، إذ حينئذ بعد ان لا يكون للمكلف الا قدرة واحدة ولا يتمكن من الجمع بين الاطاعتين ربما يقع المكلف من ناحية اقتضاء الامرين
في محذور ما لا يطاق وحيث إن ذلك ينتهى بالآخرة إلى الشارع والمولى ربما يصدق ان المولى هو الذي أوقع المكلف في ما لا يطاق،
ولكن نقول بأنه من المعلوم ان هذا المحذور انما يكون إذا كان الامر ان كل واحد منهما تاما بنحو يقتضى حفظ متعلقه على الاطلاق
حتى من ناحية ضده، والا فإذا لم يكونا كذلك بل كانا ناقصين كما تصورناه في المتساويين أو كان أحدهما تاما والاخر ناقصا غير تام
بنحو لا يقتضى الا حفظ متعلقه من قبل مقدماته وسائر أضداده غير هذا الضد فلا محذور أصلا، حيث لا يكون مطاردة بين الامرين في
مرحلة اقتضائهما حتى يكون منشأ لتحير العقل ويصدق ان المولى من جهة امره أوقع المكلف في ما لا يطاق، وذلك لان الامر بالأهم
حسب كونه تاما وان اقتضى حفظ متعلقه على الاطلاق حتى من ناحية ضده فيقتضى حينئذ إفناء المهم أيضا، ولكن اقتضائه لافناء المهم
انما هو بالقياس إلى حده الذي يضاف عدمه إليه لا مطلقا حتى بالقياس إلى بقية حدوده الاخر التي لا تضاد وجود الأهم وحينئذ فإذا لا
يكون الامر بالمهم حسب نقصه مقتضيا لحفظ متعلقه على الاطلاق حتى من الجهة المضافة إلى الأهم بل كان اقتضائه للحفظ مختصا
بسائر الجهات والحدود الاخر غير المنافية مع الأهم في ظرف انحفاظه من باب الاتفاق من قبل الأهم. وبعبارة أخرى كان قضية الامر
بالمهم من قبيل متمم الوجود الراجع إلى إيجاب حفظ المهم من قبل مقدماته وسائر أضداده في ظرف انحفاظه من قبل الضد الأهم من
باب الاتفاق فلا جرم يرتفع المطاردة بينهما، حيث إن الذي يقتضيه الامر بالأهم من إفناء المهم بالقياس إلى الحد المضاف عدمه إليه لا
يقتضى الامر بالمهم خلافه، وما اقتضاه الامر بالمهم من إيجاب حفظ متعلقه من سائر الجهات الأخر لا يقتضى الامر بالأهم إفناءه من
تلك الجهات فأمكن حينئذ الجمع بين الامرين في مرتبة واحدة من دون احتياج إلى الترتب المعروف، كما هو واضح.
370

ولئن شئت فاستوضح ذلك بما إذا لم يكن في البين الا أمر واحد بشي لكن في ظرف تحقق بعض مقدماته أو انعدام بعض أضداده من
باب الاتفاق، كما لو أمر بإيجاد شئ كذائي في ظرف تحقق المقدمة الكذائية، فإنه لا شبهة حينئذ في أن ما اقتضاه مثل هذا الامر انما هو
لزوم حفظ الشئ من قبل سائر المقدمات والأضداد غير تلك المقدمة الكذائية، لا لزوم حفظه على الاطلاق، ومن ذلك لا يكاد يكون
مثل هذا الامر الا أمرا بمتمم الوجود ولازمه قهرا هو خروج الواجب ببعض حدود وجوده عن حيز الالزام وصيرورته بالقياس إلى الحد
المضاف إلى المقدمة الكذائية تحت الترخيص الفعلي بحيث يجوز له تفويت المأمور به من قبل تلك المقدمة كما لو أنيط وجوبه بتحقق
تلك المقدمة، وعليه نقول: بأنه كما لا منافاة بين هذا الالزام وبين الترخيص في الترك بالقياس إلى الحد المضاف إلى المقدمة الكذائية
مثلا وأمكن ان يكون الشئ ببعض حدود وجوده تحت الالزام وببعض حدود وجوده تحت الترخيص كذلك لا منافاة بين هذا الالزام و
بين الالزام على الترك بالقياس إلى الحد المضاف إلى ضده بتبديل الجواز هنا بالالزام أمكن حينئذ ان يكون المهم بالقياس إلى حده
الملازم مع عدم الأهم تحت الالزام فأمكن حينئذ ان يكون المهم بالقياس إلى حده الملازم مع عدم الأهم تحت الالزام بالترك، وبالقياس
إلى سائر حدود وجوده الحاصلة بقياسه إلى سائر المقدمات وعدم بقية الأضداد تحت الالزام بالفعل في ظرف انحفاظ وجوده من قبل
عدم الأهم من باب الاتفاق، إذ في مثل ذلك لا يكاد مجال المطاردة بين الامرين في مرحلة اقتضائهما في صرف القدرة نحو متعلقه، بل و
لا المطاردة أيضا بين الاطاعتين، بلحاظ انه في ظرف إطاعة الأهم لا موضوع لاطاعة الامر بالمهم إذ كان إطاعته خارجا رافعة لعنوان
الإطاعة عن المهم لا لوجودها فارغا عن الاتصاف، وفي ظرف إطاعة المهم كان إطاعة الامر بالأهم، منطردا لمانع سابق كالشهوة مثلا
لا ان إطاعة المهم كانت طاردة لاطاعة الامر بالأهم، ومعه لا وجه لدعوى سقوط الامر عن المهم بقول مطلق في ظرف ثبوته للأهم
بمحض اقتضاء الامر بالأهم إفناء المهم، بصرف القدرة نحو متعلقه، كي نحتاج في إثبات الامر بالمهم إلى الترتب المعروف والطولية
بين الامرين، بل لنا حينئذ بمقتضى البيان المزبور إثبات الامر بالمهم في عرض ثبوت الامر بالأهم وفي رتبته.
نعم لو كان قضية الامر بالأهم حينئذ هو لزوم إفناء المهم بقول مطلق حتى من قبل حدوده المضافة إلى سائر المقدمات وعدم سائر
الأضداد كان اللازم هو المصير إلى سقوط
371

الامر عن المهم على الاطلاق وعدم الامر به ولو ناقصا، ولكنه ليس كذلك قطعا لما عرفت بان القدر الذي يقتضيه الامر بالأهم من طرد
المهم وإفنائه انما هو طرده بالقياس إلى الحد الذي يضاف عدمه إليه لا مطلقا حتى بالنظر إلى بقية الحدود المضافة إلى مقدماته وعدم
سائر أضداده، لأنه بالقياس إلى بقية حدوده الاخر لا يكون مزاحما مع الأهم حتى يقتضى طرده وإفناءه، وحينئذ فإذا فرضنا خروج
المهم بحده المضاف إلى عدم الأهم عن حيز التكليف بالحفظ ولا يقتضي أمره الناقص الا حفظه وسد باب عدمه بالقياس إلى بقية
حدوده الاخر غير المزاحمة للأهم فلا جرم لا يبقى مجال المطاردة بين مقتضى الامرين كي بالجمع بينهما يصدق بأن المولى أوقع
المكلف بأمره في ما لا يطاق، فصح حينئذ الالتزام بثبوت الامر بالمهم في رتبة الامر بالأهم.
لا يقال بأنه كذلك إذا كان قضية الامر بالمهم هو مجرد سد باب عدمه المضاف إلى مقدماته وسائر أضداده ولو لم ينضم إلى تلك
السدود السد من قبل الضد الأهم، وليس كذلك قطعا من جهة وضوح عدم إنتاج هذا المقدار لوجود المهم فان المهم لا بد في تحققه و
وجوده وان ينسد جميع أبواب عدمه حتى عدمه الملازم مع وجود ضده والا فبدونه لا يكاد انتهاء مجرد السد من بقية الجهات إلى
وجوده بوجه أصلا، وعليه فلا بد وأن يكون مقتضى الامر بالمهم على نحو يوجب وصل بقية السدود بالسد المضاف إلى الأهم كي بذلك
يتحقق الوجود، وحيث أن ذلك يلازم قهرا الحفظ من قبل الحد المضاف إلى الأهم، فقهرا يعود محذور المطاردة بين الامرين إذ يكون
قضية الامر بالمهم حسب اقتضائه لتحقق صفة الوصل المزبور هو حفظه من ناحية حده الملازم للأهم، وقضية الامر بالأهم حينئذ هو عدم
حفظه بالقياس إلى ذلك الحد بل وجوب إفنائه فيقع بينهما المطاردة.
فإنه يقال نعم ان المطلوب بالمهم وإن كان هو الحفظ من بقية الحدود الملازم مع الحفظ من جهة الأهم، ولكنه بعد خروج الحفظ من تلك
الجهة عن حيز أمر المهم لرجوع أمره إلى الامر بمتمم الوجود الراجع إلى إيجاب الحفظ من بقية الجهات في ظرف انحفاظه من الجهة
المزبورة من باب الاتفاق فقهرا يرتفع بينهما المطاردة والمزاحمة إذ حينئذ يصير المطلوب بالمهم هو الذات الواجدة للملازمة مع عدم
الأهم من باب الاتفاق، وفي مثله أيضا ربما يكون وصف الوصل بالملزم به من قبل المهم قهري الحصول في ظرف فعلية الامر، من جهة
كونه حينئذ من اللوازم القهرية للحفظ من قبل بقية الحدود كما هو واضح
372

وعليه فلا بأس بالجمع بين الامرين في الضدين على نحو ما عرفت أمر ناقص بالمهم وأمر تام بالأهم، حيث نقول بأن القدر الذي
يقتضيه الأهم من عدم الامر بالمهم بمقتضى المطاردة انما هو عدم الامر به مطلقا على نحو يقتضى حفظ المهم على الاطلاق ومن جميع
الحدود لا عدم الامر به بقول مطلق ولو ناقصا كما هو واضح.
ومن ذلك البيان ظهر أيضا عدم الحاجة إلى التشبث بالترتب والطولية في إثبات الامر التام بالمهم بإناطة امره بعصيان الأهم، وذلك
لأنه وإن كان هذا التقريب أيضا بنفسه تقريبا تاما نفيسا ويرتفع به محذور المطاردة بين الامرين بلحاظ صيرورة الامر بالمهم حسب
إناطته بعصيان الأهم في رتبة متأخرة عن سقوط أمر الأهم الا أنه غير محتاج إليه بعد إمكان الجمع بين الامرين في مرتبة واحدة و
اندفاع محذور المطاردة بينهما بجعل الامر بالمهم أمرا ناقصا غير تام، بل ولئن تدبرت ترى كون مثل هذا التقريب في طول التقريب
الذي ذكرناه وعدم وصول النوبة إلى الامر التام بمقتضى الترتب إلا في فرض عدم إمكان تأثير مصلحة المهم في الامر الناقص في رتبة
الامر بالأهم، وذلك من جهة أنه بعد تأثير المصلحة في الامر الناقص وصيرورة امره في رتبة الامر بالأهم قهرا يلزمه كون سقوطه
أيضا في رتبة سقوط الأهم، وحينئذ فإذا سقط الأهم بالعصيان يلزمه سقوطه عن المهم أيضا ومع سقوطه لا يبقى مجال للامر التام
بالمهم من جهة عدم المقتضى له في هذه الرتبة، فمن ذلك لا بد اما من تأثير المصلحة في رتبة سابقة في الامر الناقص فقط أو بقائه بلا
تأثير في الرتبة السابقة وتأثيره في الامر التام في رتبة متأخرة عن العصيان، وفي مثله من المعلوم أنه عند الدوران يكون المتعين هو
الأول، فان عدم تأثير المصلحة في الامر الناقص في رتبة الأهم و بقائها إلى المرتبة المتأخرة مما لا وجه يقتضيه بعد قابلية المحل وعدم
المانع عن التأثير، بخلافه في تأثيره في الامر التام فان عدم تأثيره فيه اما في مرتبة الأهم فمن جهة المحذور العقلي واما في مرتبة
عصيانه فمن جهة عدم المقتضى له مع فرض تأثيره سابقا في الامر الناقص الساقط في مرتبة سقوط الأهم، ففي الحقيقة يكون مرجع
الدوران بينهما من قبيل الدوران بين التخصيص والتخصص، إذ كان عدم تأثير المصلحة في الامر الناقص من باب التخصيص وفي
الامر التام في الرتبة المتأخرة بعد تأثيره أو لا في الامر الناقص من باب التخصص، وفي مثله من المعلوم ان المتعين هو الثاني من جهة
أولوية التخصص من التخصيص.
373

الكلام في الترتب
نعم لو أغمض عن ذلك كان هذا التقريب في نفسه تقريبا نفيسا تاما في إثبات الامر التام بالمهم وفي رفع محذور المطاردة بين
الامرين، وتوضيح ذلك يحتاج إلى ذكر أمور:
الأول
ان النسبة الواقعة في القضايا على ما مر منا غير مرة على ضربين، فإنه تارة تلاحظ النسبة من حيث خروجها من كتم العدم إلى الوجود و
أخرى تلاحظ من حيث ثبوتها ووقوعها فارغا عن أصل إيقاعها، فهي بالاعتبار الأول تعبر عنها بالنسبة الايقاعية وبالاعتبار الثاني
بالنسبة الوقوعية، كما أن القضية باعتبار اشتمالها على النسبة الأولى تكون من القضايا التامة الملحوظ فيها إيقاع النسبة بين الموضوع
والمحمول أو بين المبدأ والفاعل، كقولك زيد قائم وزيد ضرب، وباعتبار اشتمالها على النسبة بالمعنى الثاني تكون من القضايا
التقييدية والمركبات الناقصة، وحيث إن النسبة بالمعنى الأول تكون مقدمة على النسبة بالمعنى الثاني بملاحظة تفرع الثبوت والوقوع
دائما على الايقاع كانت القضايا التقييدية التوصيفية باعتبار اشتمالها على النسبة الثابتة الوقوعية في رتبة متأخرة عن القضايا التامة و
نتيجة لها.
الأمر الثاني
لا إشكال في أن مقام عروض الإرادة وتأثيرها، انما هو مرحلة النسبة الايقاعية، حيث إنه كان طلب الشئ بعثا نحو الشئ وإرسالا
للفاعل نحو المبدأ بإيجاده وإخراجه من كتم العدم إلى الوجود لا مرحلة النسبة الثابتة الوقوعية، لوضوح ان مثل هذه المرحلة مرحلة
وجود المراد الذي هو مرحلة سقوطه فلا يمكن ان يكون ذلك ظرفا لعروض طلبه وثبوته، كيف وانه مضافا إلى كونه حينئذ من طلب
الحاصل يلزمه كون طلبه في مرتبة وجود مراده، وهو كما ترى من المستحيل، من جهة استحالة أن يكون للشئ سعة وإطلاق يشمل
مرتبة وجود معلوله وبالعكس، بل بعد ان يكون نسبة الإرادة إلى المراد نسبة العلية والمعلولية فقهرا مقتضى تخلل الفاء بينهما هو
محدودية كل منهما بحد خاص غير متجاوز عن ذلك الحد، فيكون مرتبة الإرادة في رتبة قبل الفاء والمراد في رتبة بعد الفاء، وفي
مثله لا يكاد يكون اقتضاء الإرادة وتأثيرها إلا في مرتبة ذاتها التي هي رتبة قبل الفاء دون مرتبة بعد الفاء التي هي رتبة وجود المراد
بل كان مثل هذه الرتبة رتبة سقوطها عن التأثير كما هو واضح.
الأمر الثالث
لا إشكال في أن عنوان الإطاعة انما كان منتزعا عن مرتبة وجود المراد
374

والمقتضى - بالفتح - المتأخر عن رتبة الامر والإرادة، ومثله أيضا عنوان العصيان حيث إن انتزاعه أيضا انما كان عن مرتبة وجود
المقتضى - بالفتح - لأنه نقيض للإطاعة فيكون ذلك أيضا في رتبة متأخرة عن الامر والإرادة، ولازم ذلك كما عرفت هو عدم شمول
الامر والإرادة لمرتبة إطاعته التي هي مرتبة وجود المراد ولا لمرتبة عصيانه، من جهة تأخر رتبتيهما عن رتبته، ومن ذلك يكون
اقتضائه للتأثير دائما في مرتبة قبل العصيان، نعم قضية تقارن العلة زمانا مع المعلول انما هو وجود الامر في زمان الإطاعة والعصيان،
ولكن مع ذلك كل في رتبة نفسه، كما في حركة اليد وحركة المفتاح، حيث أنهما مع تقارنهما زمانا يكون كل منهما في رتبة نفسه
إحداهما قبل الفاء والاخرى بعده، وهو واضح.
وإذا عرفت ذلك نقول:
بان مقتضى إناطة أمر المهم بعصيان الأهم قهرا وقوع امره حسب الإناطة المزبورة في رتبة متأخرة عن العصيان المتأخر عن الامر
بالأهم، ومعه يرتفع لا محالة محذور المطاردة بين الامرين حيث إنه في مرتبة اقتضاء أمر الأهم لا أمر بالمهم حتى يزاحم مع الأهم في
اقتضائه، من جهة أن أمره انما كان في رتبة متأخرة عن العصيان الذي هو متأخر عن الامر بالأهم، وفي مرتبة ثبوت الامر للمهم و
اقتضائه في التأثير لا وجود للامر الأهم ولا اقتضاء له في التأثير حيث كان مثل هذه المرتبة مرتبة سقوطه عن التأثير دون ثبوته، و
عليه فما اجتمع الأمران في مرتبة واحدة حتى يقع بينهما المطاردة والمزاحمة في مرحلة اقتضائهما في التأثير.
واما ما قيل - كما في الكفاية - بأن طلب المهم وان لم يكن في مرتبة طلب الأهم فلا يلزم في تلك المرتبة اجتماع طلبهما الا أنه في
مرتبة طلب المهم كان اجتماع لطلبهما من جهة فعلية الامر بالأهم أيضا في تلك المرتبة بملاحظة عدم سقوطه بعد ما لم يتحقق المعصية،
ومعه يتوجه محذور المطاردة والمزاحمة في تلك المرتبة، فمدفوع بما عرفت في المقدمة الثالثة من استحالة أن يكون لكل أمر إطلاق
وسعة يشمل مرتبة إطاعة نفسه وعصيانه، كيف وأنه إذا فرض أنه لا يكون الامر بالمهم في مرتبة الامر بالأهم لكونه في رتبة متأخرة
عن العصيان المتأخر عن الامر بالأهم فكيف يمكن ان يكون الامر بالأهم في مرتبة الامر بالمهم، ومجرد وجود أمر الأهم وفعليته في
زمان العصيان أيضا لا يقتضى وجوده وفعليته في مرتبته، فضلا عن كونه في المرتبة المتأخرة عن العصيان التي هي رتبة الامر بالمهم،
كما عرفت نظيره في مثل حركة اليد والمفتاح، حيث أنهما مع كونهما
375

متقارنتين زمانا متفاوتتان بحسب المرتبة بنحو يتخلل بينهما الفاء في قولك وجدت فوجدت، وعليه فلا يبقى في البين الا مجرد
مقارنة الامرين زمانا واجتماعهما في زمان واحد، ولكنه بعد اختلافهما بحسب الرتبة وكون المدار في التأثير على الرتبة لا الزمان
كما في كلية العلل والمعلولات لا يكاد يضر حيث اجتماع طلبهما بحسب الزمان، إذ كان اقتضاء كل واحد من الامرين وتأثيره حينئذ في
مرتبة نفسه، فكان تأثير الامر الأهم في رتبة قبل العصيان وتأثير المهم في رتبة بعد العصيان، فتدبر.
ثم إنه مما ذكرنا ظهر لك حال بقية الشقوق والصور من فرض كونهما موسعين أو مختلفين أيضا، فعلى ما ذكرنا من إمكان الجمع بين
الامرين بالضدين إما بنحو ما ذكرنا أو بنحو الترتب لا بأس بإتيان ما هو الموسع منهما بداعي أمره، فإذا كان الموسع عبادة كان
للمكلف التقرب بها بإتيانها بداعي أمرها بلا احتياج في تصحيحها إلى حيث رجحانها الذاتي، نعم لو بنينا على مسلك من يقول باستحالة
الجمع بين الامر بهما ولو في رتبتين أيضا لكان المتعين حينئذ في تصحيحها هو حيث رجحانها الذاتي، من جهة أنه بمزاحمة هذا الفرد
مع المضيق فقهرا بحكم العقل يخرج عن دائرة الطبيعة المأمور بها، ومع خروجه عنها لا جرم يختص الامر أيضا بغيره من الافراد الاخر،
فلا يبقى مجال تصحيحها حينئذ بإتيانها بداعي أمرها.
واما توهم أن الفرد المزاحم مع المضيق بعد كونه كالافراد الباقية في الوفاء بالغرض وعدم كون خروجه من باب التخصيص الكاشف
عن خلوه عن المصلحة والوفاء بالغرض رأسا فأمكن التقرب به بإتيانه بقصد الامر المتعلق بالطبيعة والجامع، فمدفوع بأن داعوية
الامر في التكاليف بعد إن كانت عبارة عن كون الامر علة فاعلية للايجاد فلا جرم بخروج هذا الفرد عن دائرة الطبيعة المأمور بها
يتضيق دائرة الطبيعي المأمور به بما عدا هذا الفرد، ومعه لا يكاد اقتضاء للامر المتعلق بالطبيعة بالنسبة إليه في الداعوية حتى يصح
جعله داعيا ومحركا نحوه بالايجاد، وهذا هو الذي اشتهر بينهم بأن الامر لا يدعو إلا إلى متعلقه من جهة أن داعوية الامر انما هي
باقتضائه للايجاد فمع عدم اقتضاء فيه بالنسبة إلى هذا الفرد يستحيل داعويته نحوه كما هو واضح.
ثم إن هذا كله فيما يتعلق بالضد الخاص.
واما الضد العام بمعنى الترك
فلا إشكال فيه في اقتضاء الامر بالشئ للنهي عنه
376

كما تقدم، وانما الكلام والاشكال في أنه هل هو بنحو العينية أو التضمن أو من جهة الالتزام حيث إن فيه وجوها، وفي مثله كان المتعين
هو الأخير من كونه على نحو الالتزام دون العينية والتضمن.
وذلك اما عدم كونه بنحو العينية فواضح، فإنه لا وجه له إلا توهم ان حقيقة النهي عبارة عن طلب الترك قبال الامر الذي هو عبارة عن
طلب الوجود وان ترك الترك في المقام بعد إن كان عبارة أخرى عن الوجود الذي هو طارد العدم قهرا كان طلب الوجود أيضا عبارة
أخرى عن النهي عن النقيض الذي هو عبارة عن طلب ترك الترك، ومقتضاه حينئذ هو عينية الامر بالشئ مع النهي عن النقيض بحسب
المنشأ وان لم يكن كذلك بحسب المفهوم، ولكنه فاسد جدا، وذلك لما سيجئ من أن حقيقة النهي عن الشئ ليس إلا عبارة عن الزجر
عن الوجود في قبال الامر الذي هو الارسال والبعث نحو الوجود لا أنه عبارة عن طلب الترك كي يلزمه اشتراكه مع الامر في جز
المدلول وهو الطلب فيلزمه عينيتهما في المقام بحسب المنشأ، وعليه فمن الواضح المغايرة التامة بين مدلوليهما علاوة عما كان بين
مفهوميهما من المغايرة، كما هو واضح.
واما عدم كونه بنحو التضمن والجزئية فظاهر أيضا، من جهة ابتناء القول بالجزئية على تركب الوجوب من طلب الفعل مع المنع عن
الترك، وإلا فعلى التحقيق من بساطة حقيقة الوجوب وعدم تركبه لا يبقى مجال دعوى كون الاقتضاء المزبور من جهة التضمن.
وحينئذ يتعين الامر بكونه على نحو الالتزام، نظرا إلى ما هو الواضح من الملازمة التامة بين إرادة الشئ وكراهة تركه بحسب الارتكاز
بحيث لو التفت إلى الترك ليبغضه ويمنع عنه، نعم لا بأس بدعوى العينية بينهما بحسب الانشاء بلحاظ كونه مبرزا عن مبغوضية الترك
كإبرازه عن محبوبية الوجود ومطلوبيته فتدبر.
377

المبحث السادس
قد اختلفوا في جواز أمر الامر مع العلم بانتفاء شرطه وعدم جوازه على قولين، وقد نسب القول بالجواز إلى الأشاعرة، ولكن الظاهر أن
المراد من الشرط المنتفي انما هو شرط وجود المأمور به لا شرط نفس الامر، لان ذلك مما لا مجال للنزاع فيه، إذ لا ينبغي الاشكال
في عدم جوازه حتى من الأشاعرة المنكرين للتحسين والتقبيح العقليين، نظرا إلى رجوعه حينئذ إلى البحث عن جواز تحقق المعلول
بدون علته التامة، وهو كما ترى لا يتوهمه من له أدنى شعور، هذا إذا أريد من الانتفاء الانتفاء بقول مطلق، واما لو أريد انتفاء شرط
بعض مراتب الامر فهو أيضا مما لا ينبغي الاشكال في جوازه، فإنه إذا كان للامر مراتب من حيث الانشاء والفعلية والتنجز أمكن لا
محالة الامر به بمرتبة إنشائه مع انتفاء شرطه بالنسبة إلى مرتبة فعليته أو مرتبة تنجزه أو الامر به بمرتبة فعليته مع انتفاء شرط مرتبة
تنجزه، إذ لا محذور عقلا يترتب عليه كي يصار لأجله إلى عدم جوازه وامتناعه، كيف وان الدليل على إمكانه حينئذ هو وقوعه في
العرفيات والشرعيات كما في موارد الأصول والامارات المؤدية إلى خلاف الواقع، بل ولعل كثيرا من الاحكام بعد واقفة على مرتبة
إنشائها ولم تصل إلى مرتبة فعليتها إلى أن يقوم الحجة عجل الله تعالى فرجه كما لعله من ذلك أيضا قوله عليه السلام: (ان الله سبحانه
سكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا إلخ) وحينئذ فيتعين إرادة انتفاء شرط وجود المأمور به، وعليه أيضا ينبغي تخصيص مورد
النزاع بالانتفاء الموجب لسلب قدرة المأمور على الامتثال وإتيانه واجدا لشرطه لا مطلق الانتفاء ولو المستند إلى اختيار المكلف مع
تمكنه من تحصيله، فان ذلك أيضا مما لا
378

مجال للنزاع فيه، إذ لا إشكال في جواز ذلك كما في تكليف الجنب بالصلاة عند دخول الوقت مع تمكنه من تحصيل الطهارة، ومن ذلك
كان الواجب عليه حينئذ تحصيل شرطها الذي هي الطهارة، فإنه لولا وجوب الصلاة عليه لما كان الواجب عليه تحصيل الطهارة، وهو
واضح بعد وضوح كون وجوب الطهارة عليه وجوبا غيريا ترشحيا من وجوب ذيها.
وعليه فيرجع هذا النزاع إلى النزاع المعروف بين الأشاعرة وغيرهم من جواز تعلق التكليف بالمحال وعدم جوازه من جهة رجوع
التكليف بالمشروط حينئذ مع انتفاء شرط المأمور به وعدم تمكن المكلف من تحصيله إلى التكليف بالمحال وبما لا يقدر عليه المكلف،
فيندرج حينئذ في ذلك النزاع الذي أثبته الأشاعرة حسب زعمهم الفاسد من إنكار التحسين والتقبيح العقليين وتجويزهم على الله
سبحانه تكليف عباده بما لا يقدرون عليه. وربما يبتنى ذلك أيضا على النزاع المتقدم في مسألة وحدة الطلب والإرادة وتغايرهما،
بجعل الطلب عبارة عن معنى قابل للتعلق بالمحال مع كونه موضوعا لحكم العقل بوجوب الامتثال، كما هو ظاهر استدلالهم بالمغايرة،
إذ حينئذ على القول بالاتحاد كما هو التحقيق يكون عدم جوازه من جهة كون التكليف بنفسه محالا لا من جهة انه تكليف بالمحال، نظرا
إلى وضوح استحالة تعلق الإرادة الفعلية بالممتنع، بخلافه على القول بالمغايرة فان المحذور فيه انما هو من حيث كونه تكليفا بالمحال
وبما لا يقدر عليه المكلف، وفي مثله نقول بأنه على القول بالمغايرة وتسليم هذا المبنى الفاسد لا بأس بالقول بالجواز في المقام، و
لكن الذي يسهل الخطب هو فساد أصل المبنى لما عرفت في محله من اتحاد حقيقة الطلب والإرادة وانه لا يتصور معنى آخر يكون هو
الطلب في قبال الإرادة بحيث كان موضوعا للحكم بوجوب الامتثال وكان قابلا أيضا للتعلق بالمحال، وعليه فكان التحقيق في المقام
هو عدم جوازه من جهة ما عرفت من كون مثل هذا التكليف بنفسه محالا، كما هو واضح.
379

المبحث السابع (في أنه هل الامر والطلب متعلق بالوجود أو الطبيعي)
وقبل الخوض في المرام ينبغي بيان ما هو مركز التشاجر والكلام بتمهيد مقدمتين:
فنقول:
المقدمة الأولى:
لا إشكال في أنه على كلا القولين في المسألة لا بد عند طلب شئ والامر به من لحاظ موضوع الطلب وتصوره وإحضاره في الذهن، كي
بذلك يتمكن من طلبه والبعث إليه والا فبدونه يستحيل تحقق الطلب والبعث إليه وهو واضح.
الثانية:
ان من المعلوم ان لحاظ الطبيعة يتصور على وجوه: منها لحاظها بما هي في الذهن ومحلاة بالوجود الذهني، ومنها لحاظها بما هي شئ
في حد ذاتها، ومنها لحاظها بما هي خارجية بحيث لا يلتفت إلى مغايرتها واثنينيتها مع الخارج ولا يرى في هذا اللحاظ التصوري إلا
كونها عين الخارج ومتحدة معه بحيث لو سئل بأنه أي شئ ترى في هذا اللحاظ يقول بأنه ما أرى الا الخارج وإن كان بالنظر
التصديقي يقطع بخلافه فيرى كونها غير موجودة في الخارج.
وفي ذلك نقول: بان من الواضح أيضا انه ليس المقصود من تعلق الامر بالطبيعي عند القائل به هو الطبيعي بما هو موجود في الذهن من
جهة وضوح انه بهذا الاعتبار مع كونه كليا عقليا غير قابل للصدق على الخارج لا يكون مما تقوم به المصلحة حتى يتعلق به الامر و
الطلب، فلا يتوهم أحد حينئذ تعلق الطلب والامر به بهذا الاعتبار كما لا يخفى، كوضوح عدم كون المقصود أيضا هو الطبيعي بالاعتبار
الثاني من جهة وضوح ان الطبيعة بهذا الاعتبار ليست إلا هي فلا تكون هي أيضا مركب المصلحة حتى يتعلق بها الامر والطلب، بل وانما
المقصود من ذلك عند القائل به هو الطبيعي بالاعتبار الثالث الذي يرى كونها عين الخارج.
وعليه فمركز النزاع بين الفريقين في أن معروض الطلب وموضوعه هو الطبيعة أو الوجود انما هو في الطبيعي بالاعتبار الثالث
فالقائل بالطبيعي يدعي تعلق الطلب والامر بنفس الطبيعي والعناوين بما هي ملحوظة كونها خارجية لا بمنشأ انتزاعها وهو الوجود
380

لا بدوا ولا بالسراية، والقائل بالوجود يدعي عدم تعلقه الا بالمعنون الخارجي الذي هو منشأ انتزاع العناوين والصور الذهنية. وإذا
عرفت ذلك نقول: إن الذي يقتضيه التحقيق هو الأول من تعلق الامر والطلب بنفس الطبيعة لكن بما هي مرآة إلى الخارج وملحوظة
بحسب اللحاظ التصوري عين الخارج لا بالوجود الخارجي كما كان ذلك هو الشأن في سائر الكيفيات النفسية من المحبة والاشتياق بل
العلم والظن ونحوها أيضا، كما يشهد لذلك ملاحظة الجاهل المركب الذي يعتقد بوجود شئ بالقطع المخالف للواقع فيطلبه ويريده
أو يخبر بوجوده وتحققه في الخارج، إذ نقول بأنه لولا ما ذكرنا من تعلق الصفات المزبورة بالعناوين والصور الذهنية بما هي
ملحوظة خارجية يلزم خلو الصفات المزبورة عن المتعلق في مثل الفرض المزبور، فإنه بعد مخالفة قطعه للواقع لا يكون في البين شئ
تعلق به تلك الصفات، مع أن ذلك كما ترى من المستحيل جدا، لوضوح أن هذه الصفات من العلم والظن والمحبة والاشتياق والإرادة
كما كان لها إضافة إلى النفس من حيث قيامها بها كذلك لها إضافة أيضا إلى متعلقاتها بحيث يستحيل تحققها بدونها، بل وقد يقطع
الانسان ويذعن بعدم تحقق شئ كذائي في الخارج إلى الأبد ومع ذلك يشتاق إليه غاية الاشتياق ويتمنى وجوده كقولك (يا ليت
الشباب لنا يعود) فان ذلك كله كاشف تام عن تعلق تلك الصفات المزبورة بنفس العناوين والصور الذهنية لا بمنشأ انتزاعها و
المعنون الخارجي وهو الوجود، غايته بما هي ملحوظة بحسب النظر التصوري عين الخارج لا بما انها شئ في حيال ذاتها بحيث يلتفت
عند لحاظها إلى مغايرتها مع الخارج، ولئن شئت فاستوضح ما ذكرنا بالرجوع إلى الأكاذيب المتعارفة بين الناس في ألسنتهم ليلا و
نهارا فإنه لا شبهة في أن الذي يخبر كذبا بثبوت القيام لزيد في قوله زيد قائم مثلا لا يلاحظ ولا يرى من زيد والقيام والنسبة بينهما
في لحاظه ونظره الا زيد أو القيام الخارجيين والنسبة الخارجية بينهما، لا المفهوم منها بما انه شئ في قبال الخارج، ولا الوجود
الحقيقي الخارجي، لأنه حسب إذعانه وتصديقه مما يقطع بخلافه وإلا يخرج اخباره بقيامه عن كونه كذبا كما هو واضح.
وعلى ذلك فلا محيص من المصير في كلية تلك الصفات من العلم والظن والحب والبغض والاشتياق والإرادة ونحوها إلى تعلقها
بنفس العناوين والصور الذهنية، غايته بما هي حاكية عن الخارج كما شرحناه، لا بمنشأ انتزاعها والمعنون الخارجي لا بدوا ولا
381

بالسراية بتوسيط العناوين والصور، كيف وان الخارج بعد كونه ظرفا لسقوط الإرادة والطلب يستحيل كونه ظرفا لثبوتهما،
فيستحيل حينئذ تعلق الإرادة والطلب بالمعنون الخارجي ولو بالسراية بتوسيط العناوين والصور، من جهة رجوعه حينئذ إلى طلب
الحاصل المحال كما هو واضح. وإرجاعه - كما في الكفاية - إلى إرادة صدور الوجود من المكلف وجعله بسيطا بنحو مفاد كان التامة
الذي هو عبارة عن إيجاده وإفاضته لا إلى طلب ما هو صادر وثابت في الخارج حتى يكون من طلب الحاصل المحال، كما ترى، فإنه
بعد إن كان الايجاد وجعل الشئ بسيطا معلولا للطلب وفي رتبة متأخرة عنه بنحو يتخلل بينهما الفاء الكاشف عن اختلافهما بحسب
الرتبة كقولك أردت إيجاد الشئ فأوجدته يستحيل وقوعه موضوعا للطلب ومتعلقا له.
فعلى ذلك لا يبقى مجال جعل المتعلق للطلب في الأوامر عبارة عن الوجود أو صرف الايجاد وإفاضته بمعنى جعله بسيطا - كما في
الكفاية والفصول - من إشراب الوجود في مدلول الهيئة مع جعلهم المادة عبارة عن نفس الطبيعة من حيث هي، وذلك لما عرفت ما فيه
من امتناع تعلق الطلب بالخارج وبالوجود ولو بمعنى جعله بسيطا لا بدوا ولا بالسراية بتوسيط العناوين والصور، خصوصا مع ما
يلزمه من لزوم تجريد الهيئة عن الوجود في نحو قوله أوجد الصلاة نظرا إلى ما هو الواضح من عدم انسباق الوجود في المثال مرتين في
الذهن تارة من جهة المادة وأخرى من جهة الهيئة، والالتزام فيه بالمجاز أيضا كما ترى.
ولعمري ان عمدة ما دعاهم إلى مثل هذا الالتزام انما هو لحاظهم الطبيعي بما أنه شئ في حيال ذاته وفي الخارج وعدم تصورهم إياه
مرآة إلى الخارج بنحو ما ذكرنا، فمن ذلك أشكل عليهم بان الطبيعة من حيث هي ليست الا هي فلا يمكن ان يتعلق بها الامر والطلب و
لان الطلب انما يتعلق بما يقوم به الأثر والمصلحة والأثر والمصلحة بعد ان لم تكن قائمة الا بالوجود والماهية الخارجية لا يتعلق الطلب
أيضا الا بالوجود والماهية الخارجية فالتجأوا من هذه الجهة إلى إشراب الوجود في مدلول الهيئة وجعلوه متعلقا للطلب فرارا عن
الاشكال المزبور، وإلا فعلى ما ذكرنا من الاعتبار الثالث للطبيعة وهو لحاظها خارجية لا يكاد مجال لهذا الاشكال حتى يحتاج في
التفصي عنه إلى إشراب الوجود في الهيئة، إذ عليه نقول بأن المصلحة حسب كونها من الاعراض الخارجية وان لم تكن قائمة الا بالخارج
إلا أن الطبيعي بهذا الاعتبار بعد ما لم يكن مغايرا مع الخارج بل
382

كان بينهما الاتحاد والعينية بالاعتبار المزبور يلزمه قهرا صيرورة كل من الخارج والصور الذهنية متلونا بلون الاخر في مرحلة
الاتصاف، فمن ذلك تتصف الصور الذهنية بلحاظ الاتحاد المزبور بكونها ذات مصلحة، كاتصاف الخارج أيضا بالمرادية والمطلوبية،
نظير باب الألفاظ بالنسبة إلى معانيها من حيث سراية صفات كل منهما إلى الاخر لأجل ما كان بينهما من الاتحاد، ففي الحقيقة كان هذا
الاتحاد موجبا لنحو توسعة في دائرة النسبة في مقام الاتصاف في صدق المطلوبية والمرادية على الخارج وصدق ذي الأثر والمصلحة
على الصور الذهنية، وإلا ففي مرحلة العروض لا يكون المعروض للطلب الا العناوين والصور الذهنية كما أنه في طرف المصلحة أيضا لا
يكون المعروض لها الا الوجود والماهية الخارجية.
بل وعلى هذا البيان أيضا أمكن المصالحة بين الفريقين بإرجاع القول بالوجود إلى الطبيعة بالاعتبار الثالث الملحوظة خارجية في قبال
الاعتبار الثاني لها وهو لحاظها بما هي شئ في حيال ذاتها، إذ على هذا الاعتبار لما كان لا يرى من الطبيعة في ذلك اللحاظ الا الوجود
ولا يرى بينهما المغايرة صح ان يقال بان الامر متعلق بالوجود لا بالماهية من حيث هي بإرادة هذا الوجود الزعمي التخيلي لا الوجود
الخارجي ولو بجعله بسيطا، فيتحد القولان من جهة رجوعهما حينئذ إلى أمر واحد ولكن ذلك أيضا بالنسبة إلى كلمات السابقين الذين
لم يتعرضوا لتفصيل المسألة وأوكلوها إلى ما هو المرتكز في الأذهان، والا ففي كلمات المتأخرين المتعرضين لتفصيل المسألة
كصاحب الفصول والكفاية (قدس سرهما) على ما عرفت من مصيرهم إلى إشراب الوجود في مدلول الهيئة في الأوامر لا يجري هذا
التوجيه، ولكن قد عرفت أيضا سخافة أصل المبنى في نفسه وعدم إمكان المصير إلى تعلق الطلب بالوجود الخارجي الذي هو نتيجة
الطلب ولو بمعنى جعله بسيطا بنحو مفاد كان التامة الذي هو عبارة عن إيجاده وإفاضته على حسب ما تقدم بيانه مفصلا.
نعم لو كان المقصود من الوجود الذي جعلوه متعلقا للطلب في الأوامر هو مفهوم الوجود مرآة إلى الخارج على نحو ما قلناه في الطبيعي
لا مصداقه وحقيقته الخارجية لكان يسلم عن هذه الاشكال، إذ لا يترتب عليه حينئذ محذور طلب الحاصل ولا محذور تعلق الطلب و
الامر بأمر متأخر عنه رتبة، ولكن نقول بأنه مع بعد ذلك في نفسه لا داعي
383

حينئذ إلى مثل هذا الالتزام بل من الأول يصار إلى أن المتعلق هو الطبيعي غايته بما هو مرآة إلى الخارج، كيف وانه ليس في البين ما
يقتضى المصير إلى الالتزام المزبور لا من طرف المادة، كما هو واضح، ولا من طرف الهيئة أيضا لأنها على ما تقرر في محله لا تدل الا
على نسبة إرسالية بين المبدأ والفاعل أو طلب ما تدل عليه المادة فأين حينئذ مفهوم الوجود وأين الدال عليه؟ خصوصا مع ما يرد عليه
من لزوم تكرر الوجود وانسباقه مرتين في الذهن في مثل قوله أوجد الصلاة تارة من جهة المادة وأخرى من ناحية الهيئة، مع أنه كما
ترى والالتزام في مثل ذلك بالتجريد أوهن، لوضوح انه لا يكاد يرى فرق في مدلول الهيئة بين قوله صل وبين قوله أوجد الصلاة، على أنه
كثيرا ما يكون العنوان المأخوذ في حيز الطلب من العناوين العرفية الانتزاعية كما في المثال من قوله أوجد الصلاة وقوله أعدم
الطبيعة ونحو ذلك مما لا يمكن فيها إشراب حيث الوجود من الهيئة، كما هو واضح.
وعليه فلا محيص من إلغاء الوجود عن البين بالمرة والمصير إلى أن المتعلق للطلب والامر هي نفس العناوين والصور الذهنية بما انها
ملحوظة خارجية دون المعنونات الخارجية، من غير فرق في ذلك بين كون العنوان من العناوين الانتزاعية أو من الطبائع المتأصلة
كالصلاة والصوم ونحوهما.
ومن ذلك نقول أيضا بأن حق تحرير عنوان البحث هو تحريره بأنه إذا تعلق الامر بعنوان هل يسرى منه إلى منشأ انتزاعه الذي هو
المعنون الخارجي أو انه يقف الطلب والامر على نفس العنوان ولا يتعدى عنه إلى المعنون الخارجي، لا تحريره بما هو الشائع بان
الطلب متعلق بالوجود أو الطبيعي من جهة ما عرفت بأنه كثيرا ما يكون المتعلق من العناوين الانتزاعية التي لا يمكن فيها إشراب الوجود
في الهيئة كما في الطبائع المتأصلة، كما هو واضح.
المبحث الثامن
في أنه إذا تعلق الامر بعنوان فهل يسرى إلى افراده ومصاديقه على نحو يكون الافراد بما لها من الحدود الفردية والخصوصيات
الشخصية تحت الطلب والامر أم لا وعلى الثاني من عدم سرايته إلى الخصوصيات الفردية فهل يسرى إلى الحصص المقارنة لخواص
384

الافراد كما في الطبيعة السارية أم لا بل الطلب والامر يقف على نفس الطبيعي والقدر المشترك بين الحصص؟ وتوضيح المرام هو أنه
لا إشكال في أن الطبيعي إذا كان له افراد يكون كل فرد منه مشتملا على مرتبة من الطبيعي غير المرتبة التي يشتمل عليها الفرد الآخر
ومن ذلك يتصور للطبيعي مراتب عديدة حسب تعدد الافراد مغايرة كل مرتبة منه باعتبار محدوديتها بالحدودات الفردية مع المرتبة
الأخرى، كما في الانسان حيث أنه كان الانسانية الموجودة في ضمن زيد بملاحظة محدوديتها وتقارنها لخواصه غير الانسانية
الموجودة في ضمن عمرو المقارنة لخواصه، فهما حصتان ومرتبتان من الانسانية إنسانية قارنت خواص زيد وإنسانية قارنت خواص
عمرو، وهكذا، من غير أن ينافي ذلك أيضا اتحاد تلك الحصص بحسب الذات والحقيقة وكون الجميع تحت جنس واحد وفصل فارد من
حيث صدق حيوان ناطق على الجميع وعلى كل واحدة من الحصص كما لا يخفى، ومن ذلك أيضا قيل واشتهر بأن الطبيعي مع الافراد
كنسبة الاباء مع الأولاد، لا كنسبة الأب الواحد مع الأولاد وان مع كل فرد أبا من الطبيعي غير ما يكون مع الابن الاخر مع اتحاد تلك
الاباء - على اختلافها وتباينها بحسب المرتبة - بحسب الحقيقة والذات واندراج الجميع تحت جنس واحد وفصل فارد وبهذه الجهة
أيضا ترى اشتمال هذه الحصص كل واحدة منها على جهات وحيثيات شتى ينتزع بها منها عناوين مقوماتها العالية كالجوهرية و
الجسمية والنامية والحساسية والحيوانية، كما في زيد الذي هو فرد الانسان حيث يشتمل على جميع حدود مقوماته العالية من الجوهرية
والجسمية إلى أن يبلغ إلى جهة الانسانية التي هي جهة مشتركة بينه وبين عمرو وخالد مع زيادة جهة أخرى فيه التي بها امتيازه عن
عمرو وخالد، وكذلك الانسان بالنسبة إلى الحيوان والجسم النامي والمطلق والجوهر، وهكذا كل سافل بالنسبة إلى عالية فأنه لا بد
من اشتماله على جميع مقوماته العالية مع زيادة جهة فيه بها امتيازه عن سائر الحصص المشاركة معه في جنسه وفصله القريبين، وهو
معنى قولهم بان كل ما هو مقوم للعالي مقوم للسافل أيضا ولا عكس، وعليه أيضا اعتبارهم في التعريف الحقيقي للشئ بلزوم الاخذ
بجميع مقوماته من الداني والعالي والأعلى.
وإذ عرفت ذلك فلنرجع إلى المقصود من سراية الامر من الطبيعي الملحوظ فيه صرف
385

الوجود إلى أفراده ومصاديقه وعدم سرايته، وفي ذلك نقول بان التحقيق في المقام هو القول الثاني من وقوف الطلب على نفس
الطبيعي وعدم سرايته لا إلى الخصوصيات الفردية ولا إلى الحصص الموجودة في ضمن الافراد المقارنة لخواصها، إذ نقول بأنه يكفي
في الدليل لذلك الوجدان عند طلب شئ والامر به كما في طلبك الماء للشرب، فإنه قاض بداهة بأنه لا يكون المطلوب الا صرف
الطبيعي والقدر المشترك بين الحصص من دون مدخلية في ذلك للحصص، فضلا عن الخصوصيات الفردية كمأ الكوز والجرة والحب
ونحو ذلك، ولذلك لو عرض عليك تلك الحصص وهذه الخصوصيات لكنت تنفي الجميع وتقول بأن المطلوب انما كان صرف الطبيعي
والقدر المشترك دون الحصص ودون خصوصيات الافراد، كيف وأن الطلب حسب معلوليته للمصلحة لا يتعلق الا بما تقوم به المصلحة
فمع قيام المصلحة بصرف الطبيعي والجامع وعدم سرايتها إلى الحدود الفردية ولا إلى الحصص المقارنة لخواصها يستحيل سراية
الطلب إلى الحدود الفردية أو الحصص المقارنة لخواصها، على أن لازم ذلك هو صيرورة كل واحد من الافراد والحصص واجبا تعيينيا
لكونه مقتضى سراية الطلب إليها، وهو كما ترى، لا يظن توهمه من أحد وحينئذ فيكون ذلك كله برهانا تاما على وقوف الطلب حسب
تبعيته للمصلحة على نفس الجامع وعدم سرايته إلى الحصص الفردية فضلا عن سرايته إلى الحدود الفردية، كما هو واضح.
ثم إن ما ذكر من عدم سراية الطلب إلى الحصص وخروجها عن دائرة المطلوبية انما هو خروجها بالقياس إلى الحيثية التي بها امتياز
هذه الحصص الفردية بعضها عن البعض الاخر المشارك معها في الجنس والفصل القريبين، واما بالنسبة إلى الحيثية الأخرى التي بها
اشتراك هذه الحصص وامتيازها عن افراد النوع الآخر المشاركة معها في جنسها القريب، وهي الحيثية التي بها قوام نوعيتها، فلا بأس
بدعوى السراية إليها، بل ولعله لا محيص عنه من جهة ان الحصص بالقياس إلى تلك الحيثية واشتمالها على مقومها العالي ليست الأعين
الطبيعي والقدر المشترك، ومعه لا وجه لدعوى خروجها عن المطلوبية كما لا يخفى، فعلى ذلك تكون الحصص المزبورة كل واحدة
منها بالقياس إلى بعض حدودها وهي حدودها الطبيعية تحت الطلب والامر وبالقياس إلى حدودها الخاصة تحت الترخيص وخارجة
عن دائرة المطلوبية، لا أنها على الاطلاق تحت الطلب والامر كما في
386

الطبيعة السارية ولا خارجة كذلك عن دائرة الطلب ونتيجة ذلك هو رجوع التخيير بين الحصص والافراد أيضا إلى التخيير الشرعي لا
العقلي كما قيل، إذ بعد ان لم تكن قضية عدم السراية على ما بيناه الا خروج الحصص عن دائرة الطلب بالقياس إلى حدودها الخاصة و
الجهة التي بها امتياز بعض هذه الحصص عن البعض الاخر المشارك معها في جنسها وفصلها القريبين، لا مطلقا حتى بالقياس إلى
حدودها الطبيعية التي هي القدر المشترك بينها، بل كانت الحصص بالقياس إلى هذه الجهة تحت الطلب والامر، فقهرا يلزمه صيرورتها
موردا للوجوب التخييري، حيث أنه كانت الحصص حينئذ ببعض حدودها تحت الالزام الشرعي وببعض حدودها الأخرى تحت
الترخيص، ومرجع ذلك على ما بيناه مرارا إلى وجوب كل واحدة منها بإيجاب ناقص بنحو لا يقتضى الا المنع عن بعض أنحاء تروكه، و
هو الترك في حال ترك البقية، مع كون الترك في حال الوجود تحت الترخيص، ومقتضاه هو تحقق الإطاعة والامتثال بإيجاد فرد
واحد منها والعصيان بترك الجميع.
وعلى ذلك فلا يبقى مجال للالتزام بخروج الافراد عن تحت الالزام الشرعي والمصير فيها إلى التخيير العقلي كما في الكفاية وغيرها،
بل لا بد من إرجاع التخيير فيها إلى التخيير الشرعي، نعم لو قلنا بوقوف الطلب في تلك الواجبات على نفس الطبيعي وصرف الجامع و
عدم سرايته إلى الحصص الفردية حتى بالقياس إلى حدودها الطبيعية التي هي القدر المشترك بينها لاتجه القول فيها بالتخيير العقلي
إذ لا يبقى مجال حينئذ لدعوى وجوب الحصص والافراد بالوجوب الشرعي، ولكن عمدة الكلام فيه حينئذ في أصل المبنى، والوجه فيه
هو ما عرفت من أن الحصص من حيث حدودها الطبيعية لا تكون الا عين الطبيعي والقدر المشترك بينها، غايته انها كانت محفوظة في
ضمن الافراد نظير ما تصورناه في مبحث الوضع من القسم الاخر في تصور عموم الوضع والموضوع له، ومعه لا وجه لدعوى خروجها
عن حيز الطلب، كما لا يخفى.
واما ما قيل بأن الطلب بعد تعلقه بالعناوين والصور الذهنية لا بالمعنونات الخارجية يستحيل سرايته إلى الحصص الفردية من جهة ان
الحصص بصورها الذهنية حينئذ مباينة مع الطبيعي ولو كانتا ملحوظتين خارجيتين فهما حينئذ صورتان متباينتان في الذهن ومع
تباينهما يستحيل سراية الطلب من إحداهما إلى الأخرى، فمدفوع بأنه كذلك
387

إذا لا يكون الطبيعي مأخوذا لا بشرط وإلا فقضيته بعد لحاظهما خارجيتين واتحادهما خارجا بحسب المعنون والمنشأ كانت هي
السراية لا محالة.
كاندفاع ما قيل أيضا بان صرف الطبيعي بعد ما كان انطباقه على خصوص أول وجود فلا جرم في ظرف الانطباق لا مجال لدعوى
السراية بلحاظ كونه ظرف سقوط الطلب لا ثبوته، واما في ظرف قبل الانطباق فكذلك أيضا من جهة انه حينئذ كما يكون قابلا
للانطباق على أول وجود كذلك يكون قابلا أيضا للانطباق على ثاني الوجود وثالثة، وفي مثله لا مجال لدعوى السراية إلى واحد
منهما. وجه الاندفاع: هو انا نفرض الكلام في ظرف قبل الانطباق ونقول بان كل واحد من هذه الافراد إذا فرضناه غير مسبوق في
وجوده بفرد آخر فقهرا ينطبق عليه أول وجود وفي مثله يسرى إليه الطلب من جهة انطباق الطبيعي عليه حينئذ من دون احتياج في
سراية الطلب إلى الانطباق الفعلي عليه في الخارج حتى يتوجه المحذور المزبور، وعليه لا يبقى مجال التشكيك في سراية الطلب إلى
الحصص من حيث حدودها الطبيعية بمثل هذه البيانات، كما هو واضح.
واما الانتقاض حينئذ بمورد العلم الاجمالي من حيث وقوف العلم مع كونه أيضا من صفات النفس كالإرادة على نفس الجامع وعدم
سرايته إلى الخصوصيات، بشهادة الشك التفصيلي الوجداني بالنسبة إلى كل واحد من الطرفين، فمدفوع أيضا بأنه ان أريد بذلك عدم
سرايته إلى الطرفين بخصوصيتهما فهو مسلم ولكنه غير ضائر بما نحن بصدده، إذ نحن أيضا نسلم ونقول بخروج الحصص الفردية
بحدودها الخاصة التي بها امتياز بعض تلك الحصص عن البعض الاخر، فلا يتوجه حينئذ الانتقاض المزبور. وان أريد بذلك عدم سراية
العلم إلى الطرفين على الاطلاق حتى بحدودهما الجامعي فهو ممنوع جدا، بل نقول فيه أيضا بالسراية إلى الطرفين لكن بحدودهما
الجامعي على نحو ما عرفت في الطبيعي وافراده، فتأمل.
وعلى ذلك فالطلب المتعلق بالطبيعة ان لوحظ بالقياس إلى نفس الطبيعة اللا بشرطية التي هي القدر المشترك بين الحصص يكون طلبا
تعيينيا، وان لوحظ بالقياس إلى الحصص المقارنة مع الخصوصيات يكون طلبا تخييريا ومرجعه على ما عرفت إلى تعلق طلب ناقص
بكل واحدة من الحصص الفردية بنحو لا يقتضى الا المنع عن بعض أنحاء تروكه، وهو الترك من ناحية حدودها الطبيعية التي بها
اشتراك هذه الحصص بعضها مع
388

بعض آخر، وحيث إن الترك من هذه الجهة ملازم مع ترك بقية الحصص صح ان يقال بان ترك كل واحدة من الحصص في ظرف ترك
البقية كان تحت المنع وفي ظرف وجود حصة منها كان تحت الترخيص، ونتيجته على ما عرفت هو تحقق الإطاعة والامتثال بإيجاد
فرد واحد وتحقق العصيان بترك جميع الافراد.
بل وعلى ما ذكرنا أيضا أمكن المصالحة بين الفريقين بإرجاع القول بالسراية إلى الحصص إلى السراية إليها بحدودها المقومة لنوعها،
لا مطلقا حتى بحدودها الخاصة التي بها امتياز حصة عن أخرى، وإرجاع القول بعدم السراية أيضا إلى عدم السراية إلى الحصص لكن
بحدودها الخاصة، لا مطلقا حتى بالقياس إلى حدودها المقومة لنوعها إذ عليه يتوافق القولان ويرتفع النزاع من البين، كما هو واضح،
فتأمل.
المبحث التاسع في أنه إذا نسخ الوجوب يبقى الجواز أم لا
والظاهر أن المراد بالجواز المتنازع فيه هو خصوص الجواز الاقتضائي الذي هو في ضمن الوجوب والاستحباب والإباحة لا الأعم منه
والجواز اللا قتضائي الناشئ من عدم المقتضى للشئ فعلا أم تركا، من جهة وضوح أن مثل هذا المعنى من الجواز بعد ورود الدليل على
وجوبه مما يقطع بارتفاعه فلا معنى حينئذ للنزاع في بقائه بعد نسخ الوجوب، كما هو واضح. وإذ عرفت ذلك نقول بأن الكلام في المقام
في بقاء الجواز وعدمه يقع تارة في أصل إمكان بقائه ثبوتا، وأخرى فيما يقتضيه الأدلة إثباتا فهنا مقامان:
اما المقام الأول:
فلا ينبغي الاشكال في أنه لا ملازمة بين ارتفاع الوجوب وبين ارتفاع جوازه، وذلك من جهة انه بعد إن كان له مراتب عديدة من حيث
أصل الجواز والرجحان الفعلي وحيث الالزام والمنع عن النقيض فلا جرم أمكن ان يكون المرتفع لأجل دليل النسخ هو خصوص جهة
إلزامه ومنعه عن النقيض مع بقاء رجحانه الفعلي غير المانع عن النقيض على حاله، كإمكان ارتفاعه حتى بمرتبة رجحانه الفعلي أيضا مع
بقائه على الجواز بمعنى تساوى فعله وتركه، كإمكان ارتفاعه حتى بمرتبة جوازه أيضا، وحينئذ فأمكن ثبوتا بقاء كل واحد من هذه
المراتب بعد ارتفاع الوجوب بدليل النسخ من
389

غير أن يكون برهان عقلي على امتناعه بوجه أصلا، وعلى هذا البيان أيضا لا يحتاج في إثبات الرجحان الفعلي عند ارتفاع حيث المنع
عن النقيض إلى تكلف إقامة الدليل على قيام الفصل الاستحبابي مقامه، من جهة أنه بعد كونه من قبيل التشكيكيات فلا جرم بذهاب
مرتبة منه يلزمه تحدده قهرا بالمراتب الباقية نظير مرتبة خاصة من الحمرة الشديدة التي إذا زالت مرتبة منها باجزاء الماء عليها تبقى
مرتبة أخرى منها محدودة بحد خاص، وعليه فيكفي ذهاب خصوص جهة منعه عن النقيض في الحكم ببقاء رجحانه واستحبابه من دون
احتياج إلى قيام دليل عليه بالخصوص بوجه أصلا، كما لا يخفى.
وحينئذ فإذا أمكن ثبوتا بقاء أصل جوازه ورجحانه الفعلي ولم يقم دليل عقلي على امتناعه
يبقى الكلام في المقام الثاني
في أنه هل قضية دليل النسخ رفع الوجوب بجميع مراتبه أو بخصوص مرتبة إلزامه وجهة منعه عن النقيض كي يلزمه بقائه بمرتبة
رجحانه الفعلي غير المانع عن النقيض؟ وفي مثله قد يقرب الثاني بدعوى ان القدر المتيقن الذي يقتضيه دليل الناسخ انما هو رفع
خصوص جهة إلزامه ففيما عداه يؤخذ حينئذ بدليل المنسوخ ويحكم بمقتضاه باستحبابه، نظير ما إذا ورد دليل على وجوب شئ و
دليل آخر على عدم وجوبه فكما انه هناك يجمع بينهما فيؤخذ بظهور دليل الوجوب في مطلق الرجحان ويرفع اليد عن ظهوره في
الالزام وجهة المنع عن النقيض كذلك في المقام أيضا فإذا لم يكن لدليل النسخ دلالة على أزيد من رفع الوجوب فلا جرم يؤخذ بظهور
دليل المنسوخ في مطلق رجحانه وبذلك يثبت استحبابه، حيث لا نعنى من الاستحباب الا ذلك.
ولكن فيه ان هذا الجمع انما يصح في غير الحاكم والمحكوم واما فيهما فلا يتأتى مثل هذا الجمع بل لا بد من الاخذ بدليل الحاكم ورفع
اليد عن دليل المحكوم وإن كان ظهوره أقوى بمراتب من دليل الحاكم. وفي المقام بعد إن كان دليل النسخ ناظرا بمدلوله اللفظي إلى
مدلول دليل المنسوخ بلحاظ تعرضه لرفع الحكم الثابت بدليله فلا جرم بمقتضى نظره وحكومته هذه لا يبقى مجال لملاحظة دليل
المنسوخ وأقوائية ظهوره من ظهوره بل في مثله لا بد من الاخذ بدليل الناسخ ورفع اليد عما يقتضيه دليل المنسوخ وإن كان ظهوره
أقوى بمراتب من ظهوره، وعليه أيضا لا يبقى مجال استفادة الاستحباب بمثل البيان المزبور بل لا بد حينئذ من التماس دليل آخر في
البين، كما هو واضح. ولعل مثل ذلك هو
390

العمدة أيضا في عدم ملاحظتهم لقاعدة الجمع المزبور في المقام مع بنائهم على إعمالها كثيرا في الفقه بنحو صار من الجموع المتعارفة،
هذا.
اللهم الا ان يقال بمزاحمة المحكوم في المقام مع أصل حكومة دليل الناسخ ومقدار نظره حيث يصرفه إلى خصوص جهة الالزام وحيث
المنع عن الترك وفي مثله لا يتأتى ما ذكر من لزوم تقديم دليل الحاكم ولو كان أضعف ظهورا، من جهة ان ذلك انما هو في ظرف
ثبوت أصل حكومته وقوة نظره، بل لا بد حينئذ من لحاظ التعارض بينهما وحينئذ إذا فرضنا أقوائية دليل المنسوخ في مطلق الرجحان
من ظهور دليل الناسخ في النظر إلى جميع المراتب فلا جرم توجب مثل هذه الاقوائية لصرف دليل الناسخ إلى خصوص مرتبة الالزام و
جهة المنع عن النقيض.
وحينئذ فلئن خودش في ذلك فلا بد من الخدشة في أصل المطلب بدعوى قوة ظهور دليل الناسخ في نظره إلى رفع جميع مراتب الحكم،
كما لعله ليس ببعيد أيضا لظهوره في رفعه لأصل الحكم الثابت بدليل المنسوخ بما له من المراتب. وعليه لا يبقى مجال للاخذ بظهور
دليل المنسوخ في مطلق الرجحان لاثبات الاستحباب، نعم لو فرضنا إجمال دليل الناسخ في نفسه وتردده بين رفع خصوص جهة إلزامه
أو رفعه حتى بمرتبة رجحانه وجوازه ففي مثله لا بأس بدعوى الرجوع إلى دليل المنسوخ لاثبات مطلق الرجحان لولا دعوى سراية
إجماله إليه أيضا، فتدبر.
واما الاستصحاب فيبتني جريانه على أن يكون المشكوك عرفا من مراتب ما هو المتيقن سابقا بحيث على تقدير بقائه يعد كونه عرفا
بقاء لما علم بتحققه سابقا لا كونه أمرا مباينا معه وحادثا غيره، والا فلا مجال لجريان الاستصحاب أيضا من جهة عدم اتحاد القضية
المتيقنة مع المشكوكة عرفا، فتدبر.
المبحث العاشر
إذا تعلق الامر بأحد الشيئين أو الأشياء على وجه التخيير فالمرجع فيه كما عرفت إلى وجوب كل واحد منها لكن بإيجاب ناقص بنحو لا
يقتضى الا المنع عن بعض أنحاء تروكه وهو الترك في حال ترك البقية، من غير فرق في ذلك بين ان يكون هناك غرض
391

واحد يقوم به كل واحد منهما ولو بملاحظة ما هو القدر الجامع بينهما أو أغراض متعددة بحيث كان كل واحد منهما تحت غرض مستقل
وتكليف مستقل وكان التخيير بينهما من جهة عدم إمكان الجمع بين الغرضين اما من جهة التضاد بين متعلقيهما كما في المتزاحمين، أو
من جهة التضاد بين نفس الغرضين في عالم الوجود بحيث مع استيفاء أحد الغرضين في الخارج لا يبقى مجال لاستيفاء الاخر، أو في
مرحلة أصل الاتصاف بحيث مع تحقق أحد الوجودات واتصافه بالمصلحة لا تتصف البقية بالغرض والمصلحة، حيث أن مرجع الجميع إلى
تعلق وجوب ناقص بكل واحد من الوجودات بنحو لا يقتضي الا المنع عن بعض أنحاء تروكه وهو الترك في حال ترك البقية، لا تعلق
الوجوب التام بكل واحد منها مشروطا بعدم الاخر، ولا وجوب أحد الوجودات لا بعينه، أو أحدها المعين عند الله نعم غاية ما هناك من
الفرق بين الصور المزبورة انما هو من جهة وحدة العقوبة وتعددها عند ترك الجميع، حيث إنه في بعضها كالصورة الأولى والأخيرة لا
يترتب على ترك الجميع الا عقوبة واحدة، وفي بعضها الاخر كالصورة الثانية والثالثة تترتب عقوبات متعددة حسب وحدة الغرض و
تعدده.
لا يقال بأنه مع المضادة المزبورة لا يكاد يستند إلى المكلف عند تركه للجميع الا فوت أحد الأغراض، من جهة فوات البقية عليه على كل
تقدير، ومعه كيف يمكن استحقاقه للعقوبات المتعددة، وبعبارة أخرى ان استحقاق العقوبة لا بد وأن يكون على ما هو تحت قدرة
المكلف واختياره فإذا لم يكن للمكلف حينئذ - بمقتضى المضادة المزبورة بين المتعلقين أو الغرضين في عالم الوجود - الا القدرة على
تحصيل أحد الغرضين لا جرم لا يترتب على تركه للجميع أيضا الا عقوبة واحدة.
فإنه يقال نعم وإن كان لا قدرة للمكلف على الجمع بين الغرضين ولكن مجرد ذلك لا يمنع عن استحقاقه للعقوبات المتعددة عند ترك
الجميع، من جهة تمكنه حينئذ من الاتيان بأحد الوجودين وإخراج البقية عن حيز الوجوب الفعلي، فتأمل.
لا يقال علي ذلك في الصورة الأخيرة أيضا لا بد من الالتزام بتعدد العقوبة فما وجه التفرقة بينها وبين غيرها؟.
إذ يقال بان عدم الالتزام فيها بتعدد العقوبة انما هو من جهة عدم صدق ترك المتصف بالمصلحة الا على أحد التروك نظرا إلى ما كان
بينها من المضادة في أصل
392

الاتصاف بالمصلحة، وبالجملة ان ترتب العقوبة انما هو على ترك الشئ في ظرف الفراغ عن اتصافه بكونه تركا لما فيه الغرض و
المصلحة، ومثل هذا المعنى انما يصدق في الصورة الثانية والثالثة، واما في الصورة الأخيرة فلا يكاد صدق ترك المتصف الاعلى أحد
التروك فمن ذلك لا يكاد يترتب على تركه للجميع الا عقوبة واحدة، فتأمل.
بقي الكلام في التخيير بين الأقل والأكثر
حيث إنه قد يقال بامتناعه واستحالته نظرا إلى أنه بإتيان الأقل ووجوده ولو في ضمن الأكثر يتحقق الواجب لا محالة ويحصل الغرض
ومع حصول الغرض وتحقق الواجب به يكون الزائد عليه لا محالة زائدا عن الواجب فيكون خارجا عن دائرة الوجوب فلا يمكن حينئذ
تعلق الوجوب به، ولكن فيه انه كذلك إذا كان الأقل مأخوذا بنحو اللابشرط من جهة الزيادة وليس كذلك بل نقول بأنه مأخوذ على نحو
بشرط لا بحيث كان لحده أيضا دخل في الواجب وفي حصول الغرض، وعليه فيرتفع الاشكال المزبور حيث لا يكون الآتي بالأكثر
حينئذ آتيا بالأقل بحده في ضمنه حتى يتوجه الاشكال المزبور، من غير فرق في ذلك بين ان يكون للأقل الكائن في ضمن الأكثر وجود
مستقل بحيث كان هناك تخلل سكون في البين كما في التسبيحات أم لا كما في مثل الخط الطويل الذي رسم دفعة، وذلك من جهة أنه
بالتجاوز عن حد الأقل الذي فرض كونه تسبيحة واحدة أو نصف ذراع من الخط مثلا ينتفي الأقل ويكون المأتي به من أوله إلى آخره
امتثالا للامر بالأكثر دون الأقل، كما هو واضح.
نعم قد يشكل على ما ذكرنا أيضا بأن الأكثر بعد ان أخذ لا بشرط من طرف الزيادة وقد وجب الاتيان بذات الأقل أيضا على كل تقدير
فلا جرم لا يبقى طرف التخيير إلا نفس الحدين وهما الوقوف على الأقل أو التعدي والتجاوز عنه وحينئذ فحيث أنه مع الاتيان بذات
الأقل لا محيص له من أحد الحدين ولا يمكنه ترك كليهما يندرج لا محالة في التخيير العملي العقلي بمناط اللا حرجية نظير التخيير بين
النقيضين أو الضدين اللذين ليس لهما ثالث لا في التخيير الشرعي من جهة عدم المجال حينئذ لأعمال المولوية بالامر التخييري نحو
الحدين، لما ذكرنا غير مرة بان مرجع الامر التخييري بأحد الامرين انما هو إلى النهي عن تركهما معا وهو انما يصح في مورد يتمكن
المكلف من ترك كلا الامرين والا فمع عدم تمكنه من ذلك ولا بدية إتيانه بأحد الامرين عقلا يكون الامر بإتيان أحد
393

الفردين لغوا محضا، فعلى ذلك حينئذ يتسجل الاشكال بأنه كيف المجال للتخيير الشرعي بين الأقل والأكثر مع كون ذات الأقل واجبة
الاتيان على كل تقدير وكون التخيير بين الحدين أيضا عقليا محضا بمناط اللا حرجية، هذا.
ولكن يمكن التفصي عن هذا الاشكال أيضا بأن ما هو طرف التخيير حينئذ انما كان هو الأقل بما هو متقيد بحد الأقلية، فكان لحيث
التقيد أيضا دخل في موضوع الوجوب وفي مثله معلوم بداهة كمال المجال لتعلق الأمر المولوي التخييري بأحد الامرين اما الأقل أو
الأكثر، وحينئذ فتمام الخلط انما هو من جهة إلغاء حيث التقيد بحد الأقلية عن موضوع الوجوب ولحاظ ذات الأقل عارية عن التقيد
المزبور فمن ذلك استشكل بان ذات الأقل حينئذ بعد إن كانت واجبة الاتيان على كل تقدير لا على تقدير دون تقدير فلا جرم لا يبقى
في البين الا نفس الحدين الذين عرفت بأنه لا يكون التخيير فيهما إلا تخييرا عقليا بمناط اللا حرجية، وإلا فبناء على ملاحظة مجموع
الذات مع التقيد المزبور لا يبقى مجال للاشكال المزبور أصلا، من جهة وضوح ان الأقل حينئذ بوصفه لا يكون واجب الاتيان على كل
تقدير، كما هو واضح. وعلى ذلك فمن أخذ الأقل بشرط لا ومحددا بحد الأقلية يرتفع تلك الاشكالات بأجمعها على التخيير بين الأقل و
الأكثر، نعم على ذلك يكون مرجع التخيير المزبور إلى التخيير بين المتباينين نظرا إلى مباينة الأقل حينئذ ولو بحده مع الأكثر، فتدبر.
المبحث الحادي عشر في الواجب الكفائي
وهو سنخ من الوجوب متعلق بفعل كل واحد من آحاد المكلفين، ومرجعه كما في الواجب التخييري إلى تعلق وجوب ناقص بفعل كل
واحد من المكلفين بنحو لا يقتضى الا المنع عن بعض أنحاء تروكه، وهو تركه في حال ترك بقية المكلفين، غير أن الفرق بينهما هو
توجه التكليف هناك إلى المكلف بكلا شقي التخيير من جهة كونه نتيجة التكليف التعييني بالجامع بخلافه في المقام حيث إنه بعد عدم
قدرة شخص مكلف واحد على كلا الشقين لا يكاد يصح توجيه التكليف التعييني إليه بالجامع بمعناه الاطلاقي القابل للانطباق على فعل
نفسه وفعل غيره، ومن ذلك لا يكون التكليف المتوجه إلى
394

كل مكلف الا تكليفا ناقصا متعلقا بشق واحد ولا يكون امره الناقص الا أمرا واحدا بل ولئن تأملت ترى جريان الشقوق المتصورة في
الواجب التخييري في المقام أيضا من حيث تعلق غرض وحداني تارة بجامع فعل المكلفين القابل للانطباق على فعل كل واحد من
آحادهم، وأخرى تعلق أغراض متعددة بفعل كل واحد من المكلفين مع كونها بنحو لا يكاد حصول الغرض في واحد مع حصوله وتحققه
في الاخر نظرا إلى ما كان بين تلك الأغراض حينئذ من المضادة اما في مرحلة الوجود والتحقق واما في مرحلة أصل الاتصاف بالغرض
والمصلحة، حيث إن مرجع الجميع كما عرفت إلى تعلق وجوب ناقص بفعل كل واحد من المكلفين، ففي جميع الصور كان المكلفون كل
واحد منهم مكلفا بالايجاد ولكن بتكليف ناقص بنحو لا يقتضى الا المنع عن الترك في حال ترك البقية ونتيجة ذلك انما هو سقوط
التكليف بفعل بعضهم عن الجميع واستحقاقهم جميعا للعقوبة عند إخلالهم بالامتثال مع امتثال الجميع أيضا واستحقاقهم للمثوبة لو أتوا
بالمأمور به دفعة واحدة، نعم هذا الأخير مخصوص بالفرض الأول وهو فرض قيام الغرض الوحداني بالجامع فان قضيته حينئذ هو
تحقق الامتثال بفعل الجميع فلا يجري في بقية الفروض لأنه فيها حسب مضادة تلك الأغراض القائمة بأفعالهم اما بحسب الوجود أو
الاتصاف لا يكاد انتهاء النوبة إلى امتثال الجميع مع إتيانهم دفعة واحدة حتى يترتب عليه استحقاقهم أجمع أيضا للمثوبة بل ومقتضى
بطلان الترجيح بلا مرجح حينئذ هو عدم حصول الغرض وعدم تحقق الامتثال من واحد منهم أيضا، كما لا يخفى، هذا.
ولكن الذي يسهل الخطب هو ان ما ذكرناه من الفروض الاخر في الواجب الكفائي مجرد فرض وبيان إمكان جريان فروض الواجب
التخييري في الكفائي أيضا، وإلا فما هو الواقع في الواجبات الكفائية طرا انما هو خصوص الفرض الأول، وعليه فكما أنه بإخلالهم
بالامتثال يستحق الجميع العقوبة كذلك بإتيانهم جميعا للمأمور به دفعة واحدة يتحقق الامتثال من الجميع ويستحق الجميع المثوبة، نعم
على فرض وقوع ما عدا الفرض الأول فيها أيضا يبقى الكلام في أنه هل يمكن فيها تصوير إناطة التكليف بكل واحد منهم بعدم إتيان
البقية كي يلزمه المصير إلى كون التكليف المتوجه إلى كل مكلف تكليفا تاما منوطا بعدم إتيان البقية أم لا يمكن فينحصر تكليفهم - كما
في الواجب التخييري - بالتكليف الناقص حسب ما عرفت، وفي ذلك كان التحقيق هو الثاني، وذلك فإنه ان أريد من
395

الإناطة إناطة كل واحد من التكاليف بعصيان البقية فعدم إمكانه واضح، من جهة ما يلزمه حينئذ من تأخر كل واحد من هذه التكاليف عن
الاخر برتبتين، وهو من المستحيل كما عرفت، وان أريد إناطة كل واحد منها بعدم البقية أي العدم السابق على الامر والتكليف فكذلك
أيضا، إذ حينئذ وان لم يرد عليه المحذور المتقدم من جهة وقوع التكاليف حينئذ في رتبة واحدة الا انه بعد تحقق المنوط به بالنسبة إلى
الجميع يلزمه ان يكون كل واحد منهم مكلفا بتكليف فعلى تام بالايجاد، ومثل هذا المعنى بعد فرض مضادة تلك المصالح والاغراض و
امتناع اجتماعها في الوجود والتحقق يكون من المستحيل، لاستحالة البعث الفعلي التام نحو أمور يمتنع اجتماعها في التحقق، فمن ذلك
لا محيص في المقام أيضا - كما في الواجب التخييري - من إرجاع تلك التكاليف إلى التكليف الناقص بجعل التكليف المتوجه إلى كل
مكلف تكليفا ناقصا على نحو لا يقتضى الا المنع عن الترك في حال ترك بقية المكلفين ونتيجة ذلك كما عرفت انما هو سقوط التكليف
عن الجميع بفعل البعض منهم مع استحقاق الجميع للعقوبة عند إخلالهم جميعا بالواجب والمأمور به، كما هو واضح.
المبحث الثاني عشر، في الواجب الموقت
وهو الذي كان للزمان دخل فيه شرعا، وفي قباله غير الموقت وهو الذي لا يكون للزمان دخل فيه شرعا وإن كان مما لا بد منه فيه
عقلا.
ثم إن قضية دخله فيه شرعا تارة تكون من جهة كونه قيدا للهيئة وللطلب وأخرى من جهة كونه قيدا للمادة وللمتعلق الراجع إلى مقام
الدخل في وجود المحتاج إليه والمتصف فارغا عن أصل الاتصاف والاحتياج، حيث إنه يجري فيه كلا الاحتمالين كما في غيره من القيود الأخر
، نعم لو بنينا على عدم إمكان المعلق واستحالته في نفسه لكان المتعين في المقام هو إرجاعه عقلا بقول مطلق إلى الهيئة والطلب
ولو كان بحسب ظاهر القضية راجعا إلى المتعلق والمادة حتى في ما لو كان دخله في المصلحة من قبيل الدخل في وجود المتصف و
المحتاج إليه، غير أن الفرق حينئذ بينه وبين سائر المشروطات من جهة الإناطة حيث كان إناطة الطلب به في المقام عقلية وفي سائر
المشروطات شرعية. وأما
396

بناء على المختار من إمكان المعلق أيضا كالمشروط فيجري فيه كلا الاحتمالين كما في غيره من القيود، فيكون قيدا للهيئة وللطلب تارة
وللمتعلق أخرى.
ثم إن الزمان المأخوذ في الواجب ظرفا إن كان بقدر الواجب لا أوسع فمضيق كالصوم مثلا، وإن كان أوسع منه فموسع وأمثلته كثيرة
كالصلوات اليومية وصلاة الكسوف والخسوف ونحوها. واما كونه أضيق من الواجب فغير ممكن من جهة امتناع التكليف بما لا يسعه
وقته وظرفه مع إرادة إيجاد الواجب بتمامه في ذلك الوقت وهو واضح، نعم لا بأس به لو أريد إيجاده فيه ولو ببعض اجزائه لا بتمامه و
لكن ذلك حينئذ خارج عن الفرض نظرا إلى أن الموقت حينئذ انما هو الواجب ببعض أجزائه لا بتمامه ومن أوله إلى آخره.
واما الاشكال في إمكان الموسع أيضا فمدفوع بما عرفت من وقوعه الذي هو أدل على إمكانه، كالأمثلة المزبورة، ومرجعه إلى
مطلوبية الكلي الجامع بين الافراد التدريجية المنتجة للتخيير بين الافراد المزبورة. وفي كون مثل هذا التخيير عقليا أو شرعيا وجهان
أوجههما الثاني، كما تقدم بيانه مفصلا، فراجع.
نعم يبقى الكلام حينئذ في اقتضاء الامر بالموقت مع الاخلال به في الوقت لوجوبه في خارج الوقت وعدمه، وفي ذلك نقول: إن مجمل
الكلام فيه ان قضية دليل الموقت اما أن تكون على نحو وحدة المطلوب بحيث يستفاد منه كون التقييد بالوقت بلحاظ أصل المطلوب لا
بلحاظ تمامه، واما أن تكون على نحو تعدد المطلوب بحيث يستفاد منه كون التقييد به بلحاظ تمام المطلوب لا أصله، واما ان لا يستفاد
منه شئ من الوجهين بل كان مجملا من هذه الجهة ومرددا بين التقييد في أصل المطلوب أو تمامه.
فإن كان من قبيل الأول فلا إشكال في عدم اقتضاء الامر بالموقت لوجوب الاتيان به في خارج الوقت مع الاخلال به في الوقت، لولا
دعوى اقتضائه لعدم وجوبه.
كما أنه على الثاني أيضا لا إشكال في اقتضائه وجوب الاتيان به في خارج الوقت بعكس القسم الأول من غير فرق في ذلك بين ان يكون
التوقيت بدليل متصل أو منفصل واما إن كان من قبيل الثالث فإن كان بدليل متصل بالكلام فلا إشكال أيضا في عدم اقتضاء دليل
الواجب لوجوبه في خارج الوقت، من جهة انه باتصاله به يوجب إجماله إجمالا لدليل الموقت أيضا، ومعه لا يبقى له ظهور حتى يصح
التمسك به لاثبات الوجوب بعد انقضاء الوقت، نعم لو كان التوقيت حينئذ بدليل منفصل وكان لدليل
397

الواجب أيضا إطلاق بان فرض كونه في مقام البيان من هذه الجهة لا في مقام أصل المشروعية لكان قضية إطلاقه حينئذ هو ثبوت
الوجوب في خارج الوقت أيضا ولكن ذلك أيضا مجرد فرض، إذ نقول أولا بظهور دليل التوقيت في وحدة المطلوب وفي كون التقييد
به بلحاظ أصل المطلوب لا بلحاظ تمامه وعلى فرض عدم ظهوره وإجماله من تلك الجهة لا يكون لدليل العبادة في تلك الموقتات من
نحو قوله: (أقيموا الصلاة) إطلاق يصح التمسك به لاثبات الوجوب في خارج الوقت لأنها طرا على ما حقق في محله في مبحث الصحيح و
الأعم كانت واردة في مقام أصل المشروعية لا في مقام البيان من تلك الجهات، وعليه فلا يبقى مجال التمسك بدليل الموقتات في
العبادات لاثبات الوجوب في خارج الوقت، بل لا بد حينئذ من قيام دليل عليه بالخصوص والا فلو كنا نحن ونفس تلك الأدلة لا يمكننا
إثبات الوجوب به بعد انقضاء الوقت كما هو واضح.
نعم لو شك ولم يعلم من دليل الموقت بان التقييد بالوقت كان بلحاظ أصل المطلوب أو بلحاظ تمام المطلوب ربما كان مقتضى الأصل و
هو الاستصحاب بقائه في خارج الوقت أيضا إذ حينئذ يشك عند ذهاب الوقت في ذهاب أصل المطلوبية أو ذهاب مرتبة منه مع بقائه
ببعض مراتبه الاخر فيستصحب حينئذ بقائه ولو ببعض مراتبه، نظير الاستصحاب الجاري في اللون الخاص إذا شك في ذهابه من رأسه
أو ذهابه ببعض مراتبه مع بقائه ببعض مراتبه الاخر، ومعه فلا يجري فيه أصالة البراءة عن الوجوب، هذا.
ولكن الذي يسهل الخطب هو ما عرفت من ظهور الأدلة في وحدة المطلوب وفي كون التقيد بالوقت بلحاظ أصل المطلوب لا تمامه و
حينئذ فلا بد في إثبات وجوب القضاء في خارج الوقت وفاقا للمحققين من قيام دليل عليه بالخصوص وإلا فلا يكفيه نفس الأمر الأول،
كما هو واضح.
نعم ربما ينافي ما ذكرنا ظهور مادة القضاء في التدارك المقتضى لوفاء المأتي به في خارج الوقت ببعض مراتب مصلحة الموقت، حيث إن
لازمه هو قيام المصلحة من الأول بالجامع بين الفرد الواقع في الوقت والفرد الواقع في خارجه، ولازمه هو تعلق الأمر الأول أيضا من
الأول بالجامع بين الفردين لا بخصوص الفرد الواقع في الوقت، ولازمه أيضا ان يكون وجوب الاتيان به في خارج الوقت بنفس الأمر الأول
لا بأمر جديد، ولكنه يندفع ذلك بأنه وإن كان الامر كذلك الا انه نقول بان فردية المأتي به في خارج الوقت للجامع
398

لما كانت في طول الافراد الواقعة في الوقت وفي رتبة متأخرة عن سقوط الامر والتكليف عنها، فقهرا مثل هذه الطولية توجب تضيقا
في دائرة الطبيعة المأمور بها بالامر الأول بنحو يخرج عنها مثل هذا الفرد، فمن ذلك يحتاج في إثبات وجوبه بعد عدم شمول الأمر الأول
له إلى أمر آخر يقتضى وجوبه في خارج الوقت، وعليه فلا تنافي بين القول بان القضاء بأمر جديد وبين ما يقتضيه ظهور مادة
القضاء في الوفاء ببعض مراتب مصلحة الموقت، كما لا يخفى.
المبحث الثالث عشر في أنه هل الامر بالامر بشي أمر بذلك الشئ حقيقة أم لا
وتحقيقه أن يقال بان كلا الوجهين ثبوتا أمر ممكن، حيث إنه يمكن أن يكون الامر بالامر بشي لا لأجل التوصل به إلى وجود ذلك
الشئ في الخارج بل لأجل مطلوبية أمر الأمر الثاني نفسيا كما أنه يمكن ان يكون ذلك لأجل التوصل إلى وجود ذلك الشئ في الخارج
فحيث انه كان ذلك الشئ مطلوبا له أمر بالامر به، الا انه في مقام الاثبات كان الظاهر من نحو تلك القضايا ولو بملاحظة قضية
الارتكاز هو الثاني من كون الامر بالامر بشي لمحض التوصل إلى الوجود، لا من جهة مطلوبية أمر الأمر الثاني نفسيا وان لم يترتب
عليه الوجود في الخارج.
وعلى ذلك فلا بأس باستفادة شرعية عبادة الصبي مما ورد من أمر الأولياء بأمر الصبيان بإتيان العبادات، نعم هذا المقدار من
الشرعية أيضا لا يفي بإثبات وفاء المأتي به حال الصغر بمصلحة الواجب كي يلزمه الاجتزاء به عن فعل الواجب فيما لو كان بلوغه بعد
الفراغ عن العبادة أو في أثنائها، من جهة ان القدر الذي يستفاد من قضية الامر بالامر انما هو كون فعلهم في حال عدم البلوغ مشروعا
وواجدا للمصلحة، واما كون هذه المصلحة من سنخ تلك المصلحة الملزمة الثابتة في حال البلوغ فلا، ومن هذه الجهة أيضا تشبث بعضهم
للاجتزاء به وعدم وجوب الإعادة بعد البلوغ بإثبات المشروعية من جهة نفس الخطابات الأولية، وحاصله انما هو دعوى شمول إطلاق
الخطابات في التكاليف مثل أقيموا الصلاة ونحوه للصبي الذي يبلغ بعد يوم أو نصف يوم أو ساعة، حيث إن
399

دعوى انصرافها عن مثل هذا الصبي أيضا كما ترى بعيدة غايته، إذ لا يكاد يفرق العرف في شمول تلك الخطابات بين البالغ سنه إلى
خمس عشرة سنة كاملة وبين من نقص سنه من ذلك بيوم أو نصف يوم أو ساعة واحدة، بل كان العرف يرى شمول تلك الخطابات لكل
منهما وحينئذ فإذا شمل تلك الخطابات لمثل هذا الصبي يتعدى عنه بمقتضى عدم الفصل إلى من هو دون ذلك في العمر إلى أن يبلغ في
طرف القلة إلى ست أو سبع سنين فيستفاد من ذلك حينئذ ان الصبي المميز والمراهق كالبالغ في كونه ممن شرع في حقه العبادة على
نحو مشروعيتها في حق البالغين من حيث اشتمال عباداته على المصالح الملزمة، غاية الأمر بمقتضى دليل (رفع القلم) يرفع اليد عن جهة
إلزام التكليف ويقال بأنه غير مكلف بالايجاد بتكليف لزومي في حال عدم بلوغه، ونتيجة ذلك انما هو سقوط التكليف عنه بالايجاد
لو فرض بلوغه في أثناء العبادة أو بعد الفراغ عنها، نظرا إلى استيفائه بفعله حينئذ قبل البلوغ لتلك المرتبة من المصلحة الملزمة الداعية
على الامر والتكليف هذا. ولكن فيه انه لا قصور في هذا التقريب لاثبات المشروعية بالمعنى المزبور لولا دعوى كون اعتبار البلوغ
في أذهان المتشرعة بمقتضى دليل (رفع القلم) ونحوه في الارتكاز بمثابة يكون من القرائن الخاصة الموجبة لصرف الخطابات إلى
خصوص البالغين، كما لعله ليس ببعيد أيضا والا فلا مجال لاثبات مثل هذا النحو من الشرعية أيضا حتى يترتب عليه الاجتزاء به عن فعل
الواجب بعد البلوغ فيما لو كان بلوغه في أثناء العبادة أو بعد الفراغ عنها، كما لا يخفى.
المبحث الرابع عشر
إذا ورد أمر بشي بعد الامر به قبل امتثاله كقوله: صل، صل، ففي كون الأمر الثاني تأكيدا للامر الأول فلا يجب الا الاتيان بالشئ مرة
واحدة أو تأسيسا فيجب الاتيان به متكررا وجهان، بل قولان، مقتضى إطلاق المادة في صرف الطبيعي هو الحمل على التأكيد فإنه من
جهة عدم قابليته للتكثر غير قابل لتعلق الطلب التأسيسي به مرتين الا مع التقيد بوجود ثم وجود، كما أن مقتضى إطلاق الهيئة هو كونه
للتأسيس الموجب للاتيان به متكررا، فيدور الامر حينئذ بين رفع اليد عن أحد الاطلاقين اما عن إطلاق المادة في
400

صرف الطبيعي بحمله على الطبيعة المهملة أو وجود واما من رفع اليد عن إطلاق الهيئة وظهورها في التأسيس مع إبقاء إطلاق المادة في
صرف الطبيعي على حاله، وفي مثله قد يقال بلزوم الحمل على التأكيد ترجيحا لاطلاق المادة على الهيئة باعتبار كونها معروضة للهيئة
وفي رتبة سابقة عليها، إذ يقال حينئذ بجريان أصالة الاطلاق فيها في رتبة سابقة بلا معارض. ولكن يدفعه ان المادة كما كانت
معروضة للهيئة وفي رتبة سابقة عليها كذلك الهيئة أيضا باعتبار كونها علة لوجود المادة في الخارج كانت في رتبة سابقة عليها
فمقتضى تقدمها الرتبي عليها حينئذ هو ترجيح إطلاقها على إطلاق المادة. وبالجملة نقول: بأنه بعد إن كان لكل من الهيئة والمادة نحو
تقدم على الاخر فلا وجه لملاحظة حيث تقدم المادة عروضا وترجيح إطلاقها على إطلاق الهيئة، بل لنا حينئذ دعوى تعين العكس بحسب
إنظار العرف نظرا إلى عدم اعتنائهم بحيث تقدم المادة على الهيئة في مقام العروض بعد ما يرون كون الهيئة علة لوجود المادة في
الخارج وفي رتبة سابقة عليها، إذ حينئذ يجري فيها أصالة الاطلاق في رتبة سابقة فلا بد معه حينئذ من التصرف في المادة برفع اليد
عما هو قضية إطلاقها في الطبيعة الصرفة، هذا. ولكن مع ذلك لا تخلو المسألة من إشكال ينشأ من جهة ما عرفت من وجود ملاك التقدم
حينئذ في كل واحدة منهما نعم مع الشك وعدم ترجيح أحد الاطلاقين على الاخر كان مقتضى الأصل هو التأكيد لأصالة البراءة عن
التكليف الزائد.
ثم إن هذا كله إذا لم يكن هناك ذكر شرط أو سبب في البين والا فمقتضى قوة ظهور الشرط في السببية التامة على الاستقلال ربما كان
هو لزوم الاتيان بالشئ مكررا، كما سيجئ إن شاء الله تعالى في مبحث المفاهيم.
401

المقصد الثاني في النواهي
وفيه أيضا مباحث،
المبحث الأول
الظاهر أن مفاد الهيئة في النهي عبارة عن الزجر عن الطبيعة المعبر عنه بالفارسية ب (بازداشتن) قبال الامر الذي يكون مفاد الهيئة فيه
عبارة عن البعث إلى الطبيعة والارسال نحوها، مع كون مفاد المادة فيهما عبارة عن صرف الطبيعة لكنه بما هي ملحوظ كونها خارجية
لا بما هي هي ولا بما هي موجودة في الذهن كما عرفت بيانه مفصلا وبهذا الاعتبار - أي: اعتبار الطبيعة خارجية أيضا - صح إضافة كل
منهما إلى الوجود بجعل الامر عبارة عن الارسال والبعث إلى الوجود والنهي عبارة عن الزجر عن الوجود، وإلا فمتعلقهما في الحقيقة
لا يكون الا الطبيعة، كما تقدم بيانه. وعليه تكون الهيئة في كل من الأمر والنهي مغايرا مع الاخر بتمام المدلول حيث كان مدلول الهيئة
في الامر عبارة عن البعث والارسال إلى الوجود وفي النهي عبارة عن الزجر عن الوجود، لا انه كان التغاير بينهما في بعض المدلول و
جزئه، كما يقتضيه كلام الفصول حسب إشرابه الوجود في مدلول الهيئة في الامر والترك في مدلول الهيئة في النهي، وجعله مدلول
الهيئة في الامر عبارة عن طلب وجود الطبيعة وفي النهي عبارة عن طلب ترك الطبيعة. إذ ذلك مضافا إلى ما عرفت سابقا من عراء
الهيئة في الأوامر أيضا عن هذه الجهة وعدم دلالتها الا على النسبة الارسالية بين المبدأ والفاعل، نقول بان ذلك مخالف لما هو مقتضى
الوجدان والارتكاز أيضا فان في مثل قوله: (لا تضرب) لا يكاد ينسبق من الهيئة فيه الا الزجر والمنع عن الضرب وإيجاده في الخارج،
لا انه ينسبق منها طلب ترك
402

طبيعة الضرب، كما هو واضح.
وعليه أيضا لا يبقى مجال للاشكال المعروف في الترك: بان الترك ومجرد ان لا يفعل لكونه أمرا عدميا خارج عن تحت قدرة المكلف
واختياره فلا يصح ان يتعلق به البعث والطلب وإن كان فيه ما فيه أيضا يظهر وجهه من جهة ان كون الترك كذلك أزلا لا يوجب خروجه
عن تحت المقدورية بقول مطلق حتى بحسب البقاء والاستمرار الذي عليه مدار التكليف وحينئذ فإذا كان الترك بحسب البقاء تحت
قدرته حيث كان له في كل آن قلبه بالنقيض وهو الفعل فأمكن لا محالة تعلق الطلب والبعث به، كما هو واضح.
ثم لا يخفى عليك انه كما أن لحاظ الطبيعي في الأوامر يتصور على وجهين: تارة على نحو السريان في ضمن الافراد المنتج لمطلوبية
الحصص الفردية كلها وانحلال التكليف المتعلق بالطبيعي إلى التكاليف المتعددة حسب تعدد الحصص وأخرى لحاظه بنحو صرف
الوجود المنتج لمطلوبية أول وجود الطبيعي، كذلك تصورا يتأتى هذان الوجهان في النواهي أيضا ففيها أيضا قد يكون المأخوذ في حيز
النهي الطبيعة بما هي سارية في ضمن الافراد وقد يكون المأخوذ فيه هو صرف وجودها المنطبق على أول وجودها كما يتصور ذلك
في العرفيات في مثل النهي عن أكل الفوم لأجل ما فيه من الرائحة الكريهة الموجبة لتنفر طباع العامة واشمئزازهم حيث إنه في مثله
ربما يتحقق تمام المبغوض في الواقعة الواحدة بصرف الوجود منه المنطبق على أول وجود الاكل منه ويخرج ثاني وجود الاكل منه في
تلك الواقعة عن تحت المبغوضية إذا فرض عدم كونه سببا لازدياد تلك الرائحة الكريهة، نعم قل ما يتفق وجود هذا القسم في النواهي
النفسية في الشرعيات بل العرفيات أيضا ولئن لوحظ وتأمل يرى عدم وجود هذا القسم في النواهي خصوصا في الشرعيات حيث إن
المبغوض فيها طرا انما كان من قبيل الوجود الساري لا صرف الوجود، ومن ذلك لا يسقط التكليف بعصيان واحد أو بالاضطرار إلى
المخالفة مرة واحدة ولو عند إطلاقها حتى أنه أوجبت هذه الجهة ظهورا ثانويا لها في الحمل عليها عند إطلاقها بخلافه في الأوامر فان
المنصرف منها عند إطلاقها انما كان هو صرف الطبيعي دون الوجود الساري منه.
ومن أجل ذلك وقعوا في حيص وبيص بأنه كيف هذا التفكيك بين الأوامر والنواهي وانه إن كان الحمل على صرف الوجود كما في
الأوامر من جهة اقتضاء مقدمات الحكمة فكيف لا توجبه في النواهي أيضا حيث يحمل فيها على الوجود الساري ولو مع إطلاقها؟
403

وإن كان الحمل على الوجود الساري من جهة خصوصية في النواهي تقتضي الحمل على ذلك على خلاف ما اقتضته الحكمة، فهي منفية
بالفرض من جهة وضوح ان قضية النهي لا تكون الا الزجر عن تلك الطبيعة التي تعلق بها الامر مقيدة كانت أو مطلقة ومجرد الاختلاف
بينهما بالايجاب والسلب أيضا غير موجب للتفرقة المزبورة، كما لا يخفى.
وقد أجيب عن ذلك بوجوه غير نقية عن الاشكال: منها ان منشأ الحمل على الوجود الساري في النواهي من جهة كون طبع المفسدة في
القيام بالشئ كلية قيامها به بوجوده الساري في ضمن تمام الافراد بخلافه في الأوامر حيث إن طبع المصلحة في قيامها بالشئ قد يكون
بصرف وجوده وقد يكون بوجوده الساري، وفيه ما لا يخفى فإنه بعد ما يتصور في العرفيات قيام المفسدة أيضا بصرف وجود الشئ
كما في أكل الفوم وأكل الأشياء المضرة التي لا يفرق فيها بين القليل والكثير والدفعة والدفعات لا مجال لدعوى هذه الكلية حيث أمكن
في النواهي الشرعية أن تكون المفسدة فيها على نحو صرف الوجود.
ومنها: دعوى كونه من جهة الغلبة حيث إن كل ما يرى من النواهي يرى كونه من قبيل الوجود الساري دون صرف الوجود، وفيه أيضا
انه وإن كان لا سبيل إلى إنكار ذلك الا ان الكلام في ذلك النهي الصادر في بدو الشريعة بأنه ما وجه حمله عند الاطلاق وعدم القرينة
على الوجود الساري على خلاف الأوامر.
ومنها: ان الحمل على الوجود الساري في النواهي انما هو من جهة اقتضاء الاطلاق ومقدمات الحكمة، نظرا إلى دعوى اختلاف نتيجة
مقدمات الحكمة باختلاف خصوصيات الموارد وعدم كونها على حد سوأ في الجميع، وان من الخصوصيات الموجبة لاختلاف نتيجة
الاطلاق خصوصية المورد بحسب الايجاب والسلب فتوجب هذه الخصوصية للحمل على صرف الوجود في الأوامر وعلى الوجود الساري
في النواهي.
وفيه ان ما ذكر من اختلاف نتيجة الاطلاق والحكمة بحسب اختلاف خصوصيات الموارد متين جدا ولكنه ليس منه الاختلاف بحسب
الايجاب والسلب جدا، فان مثل هذه الجهة لا توجب اختلافا بينهما فيما هو قضية الاطلاق في المتعلق الواحد في مثل قوله اضرب وقوله لا
تضرب، كما هو واضح.
ومنها: ان الحمل على الوجود الساري في النواهي انما هو من جهة كونه مقتضى إطلاق الهيئة والطلب فيها، بدعوى ان مقتضى إطلاق
الهيئة والطلب في كل من الأمر والنهي
404

انما كان هو الارسال الموجب لبقاء الطلب بعد الايجاد أيضا الا ان الاكتفاء بإيجاد واحد في الأوامر انما كان من جهة تقديم إطلاق المادة
فيها في صرف الوجود على قضية إطلاقها وذلك أيضا بملاحظة ما يلزمه من فرض العكس - بعد عدم تعين مرتبة خاصة - من التكرار
الموجب للوقوع في محذور العسر والحرج، وهذا بخلافه في النواهي فإنه فيها لما لا يلزم هذا المحذور قدم فيها إطلاق الهيئة - ولو
بملاحظة كونها علة لوجود المادة في الخارج - على إطلاق المادة في صرف الوجود، وفيه ان مجرد لزوم العسر والحرج لا يقتضى
تقديم إطلاق المادة على إطلاق الهيئة في الأوامر والاكتفاء بإيجاد واحد في تحقق الامتثال وسقوط التكليف وذلك من جهة إمكان
التحديد حينئذ بما يرتفع معه العسر والحرج المزبوران وحينئذ فإذا فرض تقدم إطلاق الهيئة على إطلاق المادة من جهة قضية عليتها
لوجود المادة في الخارج يلزمه تقديم إطلاقها على إطلاقها في الأوامر أيضا والمصير إلى لزوم الايجاد متكررا إلى أن يبلغ حد العسر
والحرج.
ومنها: ان لزوم التكرار والدوام والاستمرار في النهي انما هو من جهة انه لا يكاد يصدق ترك الطبيعي عقلا والانزجار عنه الا بترك
جميع افراده الدفعية والتدريجية، إذ حينئذ لا بد في مقام الإطاعة وامتثال النهي من ترك الطبيعي بما له من الافراد الدفعية والتدريجية
والا فمع تحقق فرد واحد لا يكاد يصدق الامتثال والطاعة بل يصدق العصيان والمخالفة وهذا بخلافه في الأوامر فإنه بعد ما كان
وجود الطبيعي بوجود فرد واحد يكتفى في مقام الإطاعة بإيجاد فرد واحد من جهة تحقق تمام المطلوب وهو الطبيعي بوجود واحد.
وفيه انه ليس الكلام في مقام الإطاعة إذ لا شبهة في أنه لا بد في مقام امتثال النهي عن الطبيعة من ترك جميع افراده الدفعية و
التدريجية، بل وانما الكلام في طرف العصيان والمخالفة في اقتضاء النهي لزوم ترك بقية الافراد حتى بعد العصيان نظرا إلى اقتضائه
لكون المبغوض هو الوجود الساري دون صرف الوجود وحينئذ فلا يفيد ما ذكر لدفع الاشكال المزبور كما هو واضح، هذا.
وقد تصدى شيخنا الأستاذ دام ظله لدفع الاشكال بوجه آخر حيث أفاد بما حاصله ان مبنى الاشكال وأصله انما نشأ من جهة توهم كون
مقتضى الاطلاق وقرينة الحكمة هو الطبيعة الساذجة الصرفة الغير القابلة للانطباق الا على أول وجود، إذ حينئذ يتوجه الاشكال بأنه إذا
كان طبع الاطلاق في الأوامر عند عدم التقيد بالسريان ونحوه يقتضى
405

مطلوبية صرف الطبيعي المنطبق على أول وجود وبذلك يكتفى في مقام الإطاعة وسقوط الامر بإيجاد فرد واحد من جهة انطباق تمام
المطلوب وهو الطبيعي الصرف عليه كذلك طبع الاطلاق في النهي عند عدم التقيد بالسريان ونحوه يقتضى أيضا كون المبغوض هو
صرف الطبيعي المنطبق على أول وجود، ولازم ذلك هو عدم لزوم ترك بقية الافراد عند العصيان والمخالفة بإيجاد فرد واحد بلحاظ
انطباق ما هو تمام المبغوض عليه مع أنه ليس كذلك فما وجه التفرقة حينئذ بين الأمر والنهي؟ وإلا فبناء على كون مقتضى الاطلاق و
قرينة الحكمة عند عدم التقيد في كل من الأمر والنهي هو الحمل على الطبيعة المهملة التي هي مدلول اللفظ بما هي جامعة بين الطبيعة
الصرفة والطبيعة السارية لا يكاد يتوجه الاشكال المزبور، إذ حينئذ يكون الفرق بين الأمر والنهي في اقتضاء الأول للاكتفاء بإيجاد
فرد واحد واقتضاء الثاني لعدم إيجاد شئ من الافراد واضحا، حيث إن الاكتفاء بفرد واحد في الأوامر انما هو من جهة تحقق ما هو تمام
المطلوب وهو الطبيعة المهملة بوجود فرد واحد فمن ذلك يسقط الامر ويتحقق الامتثال بذلك.
واما في النواهي فعدم الاكتفاء بذلك انما هو من جهة اقتضاء طبع الاطلاق المزبور لعدم إيجاد الطبيعة المهملة مطلقا ولو في ضمن ثاني
الوجود وثالثة. ومن ذلك حينئذ يستفاد ان ما هو المبغوض وما فيه المفسدة هو الطبيعي بوجوده الساري لا بصرف وجوده المنطبق
على أول وجود ولازم ذلك أيضا هو لزوم الانزجار عن جميع افراد الطبيعي ولو مع العصيان والمخالفة.
أقول: وفيه نظر ينشأ من أن الاكتفاء في الأوامر بإيجاد فرد واحد في سقوط الامر وتحقق الامتثال إن كان من جهة انطباق ما هو
المطلوب وهو الطبيعة المهملة عليه يلزمه القول به في طرف النهي أيضا فلا بد فيه أيضا من المصير إلى عدم لزوم ترك بقية الوجودات
عند المخالفة بلحاظ تحقق ما هو تمام المبغوض وهو الطبيعة المهملة بمجرد العصيان والمخالفة بإيجاد فرد واحد، والا فلا وجه
للاكتفاء بإيجاد فرد واحد في الأوامر أيضا بل لا بد فيه أيضا كما في النواهي من دعوى مطلوبية الطبيعة المهملة على الاطلاق ولو في
ضمن ثاني الوجود وثالثة، فتأمل.
406

المبحث الثاني: في اجتماع الأمر والنهي
قد اختلفوا في جواز اجتماع الأمر والنهي في وجود واحد بجهتين ولكونه مجمع العنوانين على أقوال ثالثها الجواز عقلا والامتناع
عرفا وتوضيح المقصد يقتضى رسم أمور:
الأول:
لا يخفى عليك ان المسألة حيث كانت نتيجتها مما تقع في طريق الاستنباط تكون من المسائل العقلية الأصولية، لا من مباديها الاحكامية،
فإنه مضافا إلى بعده لا يناسب أيضا ظهور عنوان البحث وهو جواز الاجتماع وعدم جوازه وإلا لاقتضى تحرير عنوانه بالبحث عن
لوازم الوجوب والحرمة، ولا من المسائل الكلامية أيضا، إذ ذلك مضافا إلى ما عرفت من النتيجة نقول بان المهم عند الفريقين بعد إن كان
في سراية النهي إلى متعلق الأمر وموضوعه عند وحدة المجمع وجودا وعدمه يكون مرجع البحث إلى البحث عن أصل اجتماع
الحكمين المتضادين وعدمه في موضوع واحد ومن المعلوم حينئذ عدم ارتباط ذلك بمسألة التكليف بالمحال كي يندرج بذلك في
المسائل الكلامية المتنازع فيها بين الأشاعرة وغيرهم، إذ حينئذ على السراية يكون التكليف بنفسه محالا حتى بمبادئه من الاشتياق و
المحبوبية باعتبار كونه من اجتماع الضدين في موضوع واحد لا انه تكليف بالمحال وبما لا يقدر عليه المكلف، كما لا يخفى. واما
احتمال كونها من المسائل الفرعية فبعيد غايته عن ظاهر عنوان البحث المزبور حيث لا يكاد مناسبته مع كونها مسألة فرعية. وهذا
بخلاف مسألة مقدمة الواجب فان الجهة المبحوث عنها في تلك المسألة حيث كانت وجوب مقدمة الواجب شرعا أمكن فيها اندراجها في
المسألة الفرعية وإن كان التحقيق في ذلك المقام أيضا خلافه كما عرفت.
ثم إنه مما ذكرنا ظهر أيضا كون المسألة عقلية محضة حيث كانت من الملازمات العقلية الغير المستقلة فكان ذكرها في المقام حينئذ
لمحض المناسبة لا انها لفظية كما ربما يوهمه التعبير بالامر والنهي الظاهرين في الطلب بالقول ولذلك يجري هذا النزاع فيما لو كان
ثبوت الوجوب والحرمة بغير اللفظ من إجماع ونحوه أيضا، واما القول بالامتناع العرفي فليس المقصود منه دلالة اللفظ على الامتناع
بل المقصود منه هو كون الواحد ذي الوجهين واحدا بنظر العرف وإن كان اثنين بحسب الدقة العقلية كما هو واضح.
407

الثاني من الأمور
المراد من الواحد المبحوث عنه في العنوان هو مطلق ما هو مندرج تحت العنوانين اللذين تعلق بأحدهما الامر وبالاخر النهي وإن كان
كليا كالصلاة في المغصوب حيث إنها باعتبار صدقها على كثيرين تكون كليا ومع ذلك يكون ذا وجهين ومجمعا للعنوانين لا الواحد
السنخي الذي لا يكون مجمعا للعنوانين كما في السجود لله وللشمس والقمر ونحو ذلك مما تعدد فيه متعلق الأمر والنهي وجودا.
بل ولئن تأملت ترى اختصاصه أيضا بالواحد الكلي وعدم شموله لما يعمه والشخصي كشخص الصلاة الواقعة في هذا الغصب، إذ ذلك
أيضا وإن كان مجمعا للعنوانين ولو بتوسيط كلي عنوان الصلاة في الغصب الا ان المناسب للمسألة بعد كونها أصولية لا فقهية هو
خصوص الكلي دون ما يعمه والشخصي، كما هو واضح. نعم لو قيل بكونها أي المسألة من المبادي الاحكامية لا من المسائل الأصولية
لأمكن دعوى تعميم المراد لما يعم الكلي والشخصي، ولكن ذلك أيضا لولا دعوى انصراف العنوان إلى ما هو مجمع العنوانين ومصداق
لهما بلا واسطة، فان مصداقية شخص هذه الصلاة الواقعة في الغصب للكليين بعد إن كان بتوسيط كلي الصلاة في الغصب فقهرا بمقتضى
الانصراف المزبور يختص الواحد المبحوث عنه في العنوان بالواحد الكلي ولا يكاد يعمه والواحد الشخصي كما لا يخفى، بل قد يقال
حينئذ بعدم إمكان شمول العنوان ولو مع قطع النظر عن الانصراف لما يعم الكلي والشخصي نظرا إلى عدم إمكان كون الواحد
الشخصي مصداقا للجامع في عرض الكل فتدبر.
الثالث من الأمور
لا يخفى عليك ان عمدة النزاع بين الفريقين في هذه المسألة انما هو في سراية النهي إلى موضوع الامر ومتعلقه عند وحدة المجمع
وجودا أو عدمه، فكان القائل بالجواز يدعى عدم السراية والقائل بالامتناع يدعى السراية، ومن هذه الجهة يكون تمام البحث بين
408

الفريقين صغرويا محضا وإلا فعلى فرض السراية المزبورة لا يكاد يظن من أحد الالتزام بالجواز، كما أنه في فرض عدم السراية و
تعدد المتعلقين في المجمع لا يظن من أحد الالتزام بالامتناع، ومن ذلك ترى ان القائل بالجواز تمام همه إثبات عدم السراية اما بنحو
مكثرية الجهات أو من جهة تعدد حدود الشئ أو غير ذلك، وحيث كان كذلك نقول: إن مدرك القول بالجواز على ما يأتي بيانه مفصلا
تارة يكون من حيث مكثرية الجهات بنحو يكون الوجود الواحد مجمع الجهتين ومركز الحيثين فيكون إحدى الجهتين معروض الامر و
الأخرى معروض النهي غايته انه كان المركزان موجودين بوجود واحد من غير فرق عنده بين كون متعلق الأمر صرف وجود الشئ أو
الوجود الساري ولا بين كون متعلقه هو الطبيعي أو الافراد بدوا أو بتوسيط السراية إليها من الطبيعي.
وأخرى يكون مبنى الجواز من جهة وقوف الامر على نفس الطبيعي وعدم سرايته إلى الفرد ولا إلى الوجود خارجا وان لم يكن
اختلاف بين العنوانين بحسب المنشأ ولا كان تكثر جهة في البين أصلا كما على المسلك المتقدم.
وثالثة يكون من جهة اختلاف أنحاء حدود الشئ الواحد بنحو ينتزع من مراتب وجود شئ واحد من كل حد ومرتبة عنوان غير ما
ينتزع من المرتبة الأخرى منه كما عرفت تحقيقه في مبحث الواجب التخييري حيث قلنا فيه بإمكان ان يكون الشئ الواحد مع وحدته
وجودا وماهية ببعض حدوده تحت الالزام وببعض حدوده تحت الترخيص فيكون الشئ على هذا المسلك مع وحدته وجودا وجهة
ببعض حدوده تحت الامر وببعض حدوده الاخر تحت النهى.
وإذ عرفت ذلك نقول بأنه بعد هذا الاختلاف في مسالك الجواز وتعدد المشارب المزبورة فيه، لا وجه لتحديد مركز النزاع في عنوان
المسألة بصورة اختلاف العنوانين حقيقة وتباينهما منشأ.
كما أنه لا وجه أيضا لتحرير المسألة باجتماع الامر والنهى الظاهرين في الفعلية في وجود واحد ولو بجهتين، حيث إن ذلك مما لا يكاد
يصح على شئ من المشارب المزبورة.
وذلك: اما على مشرب مكثرية الجهات فظاهر لوضوح ان تكثر الجهة انما كان يجدى في رفع محذور اجتماع الضدين لا في رفع
محذور التكليف بالمحال وما لا يطاق فلا يكاد يمكن حينئذ اجتماع الامر الفعلي ولو بجهة مع النهي الفعلي بجهة أخرى في المجمع مع
كون
409

الجهتين متلازمتين وجودا، وذلك من غير فرق بين كون متعلق الأمر هو الوجود الساري المنتج لوجوب الحصص الفردية كل واحدة
منها على التعيين أو صرف الوجود المنتج للوجوب التخييري في الافراد، إذ كما أنه لا يمكن الامر التعييني بالمجمع ولو بجهة مع النهي
عنه بجهة أخرى ملازمة معها وجودا من جهة كونه من التكليف بالمحال وبما لا يطاق كذلك أيضا لا يمكن الامر التخييري به مع النهي
المزبور الموجب لمبغوضية الوجود من جهة ان مرجع التخيير كما عرفت انما هو إلى كون ترك هذا المجمع بلا بدل منهيا عنه ومثل هذا
المعنى لا يكاد يجامع النهي عنه الموجب لمبغوضية وجوده المستتبع لمحبوبية تركه ولو، لا إلى بدل، واما الالتزام باشتراط المندوحة
حينئذ في تصحيحها فعلية الأمر والنهي فهو كما ترى حيث لا يكاد يجدى وجود المندوحة حينئذ في تصحيحها على مثل هذا المسلك بل
انما يجدى ذلك على مسلك من سلك الجواز من جهة عدم سراية الامر من الطبيعي إلى الفرد.
ومن هذا البيان ظهر لك الحال أيضا على مسلك مكثرية حدود الشئ واختلاف أنحاء حفظ وجوده فإنه على هذا المسلك أيضا لا يكاد
يمكن اجتماع الأمر والنهي الفعليين في شئ واحد باختلاف أنحاء حدوده من جهة استلزامه للتكليف بالمحال وإن كان معروض
التكليفيين مختلفين من جهة ما عرفت من أن مثل هذا الاختلاف في الحدود انما كان يجدى في رفع محذور اجتماع الضدين لا في
محذور التكليف بما لا يطاق.
واما اشتراط المندوحة فلقد عرفت عدم إجرائه على هذا المسلك أيضا في رفع غائلة التكليف بالمحال.
نعم انما يجدى ذلك على مسلك من سلك الجواز من جهة عدم سراية الامر من الطبائع إلى الافراد والتزامه بعدم وجوب الفرد بالوجوب
التخييري الشرعي ولكنه على هذا المسلك أيضا لا يكاد انتهاء النوبة إلى اجتماع الأمر والنهي الفعليين في المجمع. إذ لم يتعلق حينئذ أمر
شرعي بالمجمع ولو تخييرا لا بدوا ولا بتوسيط السراية من الطبيعي حتى يكون فيه اجتماع الأمر والنهي كما هو واضح.
وحينئذ فعلى جميع هذه المسالك والمشارب المزبورة في الجواز لا يصح تحرير عنوان المسألة باجتماع الأمر والنهي الظاهرين في
الفعلية بوجه أصلا كما لا يخفى، هذا.
ولكن الذي يسهل الخطب في المقام هو كون المهم عند القائل بالجواز على جميع المسالك والمشارب المزبورة عبارة عن تصحيح
العبادة في المجمع، وحيث انه أي التصحيح
410

المزبور غير مبتن على فعلية الامر والتكليف في المجمع بل يكفي فيه مجرد رجحانه الغير المنوط بالقدرة كما هو كذلك أيضا في مثل
الضد العبادي المبتلى بالأهم فلا يحتاج إلى إثبات فعلية الامر والتكليف في المجمع كي يتوجه الاشكال المزبور ويبتنى على بعض
المسالك وهو مسلك عدم السراية، مع أنه على فرض الاحتياج إلى الامر الفعلي أيضا في تصحيح العبادة أمكن إثباته بنحو الترتب، كما لا
يخفى.
الرابع من الأمور في الفرق بين المسألة وبين مسألة النهي في العبادات
فنقول: قد يقال كما في الفصول في الفرق بين المسألتين ما هذا لفظه وعبارته: اعلم أن الفرق بين المقام والمقام المتقدم وهو ان الأمر والنهي
هل يجتمعان في شئ واحد أو لا ما في المعاملات فظاهر واما في العبادات فهو ان النزاع هناك فيما إذا تعلق الأمر والنهي
بطبيعتين متغايرتين بحسب الحقيقة ولو كان بينهما العموم المطلق وهنا فيما إذا اتحدتا حقيقة وتغايرتا بمجرد الاطلاق والتقييد بان
تعلق الامر بالمطلق والنهي بالمقيد (انتهى) ولكنه فاسد لما عرفت من اختلاف المباني والمشارب في الجواز إذ نقول حينئذ بعدم
تماميته على جميع المشارب المزبورة حتى مشرب مكثرية الحدود إذ عليه يجري هذا النزاع ولو مع اتحاد المتعلقين حقيقة كقوله (صل
ولا تصل في مكان كذا) حيث تكون الصلاة حينئذ ببعض حدودها تحت الامر وببعض حدودها الأخرى تحت النهي ومن ذلك قلنا بعدم
احتياج مثل هذا المسلك إلى اختلاف العنوانين بحسب الجهة والمنشأ كما في مسلك تعدد الجهة وانه يكتفى فيه بمجرد اختلاف أنحاء
حدود شئ واحد وجهة فاردة.
وفي الكفاية: ان الفرق بين المسألتين هو ان الجهة المبحوث عنها في المقام في أصل سراية كل من الأمر والنهي إلى متعلق الاخر لاتحاد
متعلقيهما وجودا وعدم سرايته من جهة تعددهما جهة، بخلاف مسألة النهي في العبادات، فان الجهة المبحوث عنها في تلك المسألة انما
هي في اقتضاء النهي لفساد العبادة بعد الفراغ عن تعلقه بها والتوجه إليها فلا يرتبط حينئذ إحدى المسألتين بالأخرى، نعم على القول
بالسراية والامتناع وتقديم جانب النهي يكون المقام من صغريات المسألة الآتية حيث يبحث فيها حينئذ عن اقتضاء ذلك النهي لفساد
العبادة وعدمه هذا، ولكن فيه ما لا يخفى إذ نقول بأنه لا وجه لجعل المسألة
411

على الامتناع وتقديم جانب النهي من صغريات تلك المسألة الآتية لضرورة وضوح الفرق مع ذلك بين المسألتين حيث إن الفساد في
المقام على الامتناع وتقديم النهي انما كان مستندا إلى العلم بالنهي لا إلى النهى بوجوده الواقعي بل في الحقيقة يكون الفساد في المقام
حينئذ من جهة انتفاء قصد القربة من جهة انه مع العلم بالنهي لا يكاد يتحقق القرب المعتبر في صحة العبادة، بخلافه في المسألة الآتية
حيث إن الفساد فيها انما كان مستندا إلى نفس النهي بوجوده الواقعي ومن ذلك لا يكاد يفرق فيها بين العلم بالنهي أو الجهل به فتفسد
العبادة على كل حال ومن المعلوم انه لا يكون الوجه فيه الا من جهة انتفاء الملاك والمصلحة فيها وكشف النهى عنها عن تخصيص
الملاك والمصلحة من الأول بما عدا هذا الفرد المنهي عنه من الافراد الاخر ومن ذلك يندرج تلك المسألة في مسألة تعارض الدليلين و
تكاذبهما، من جهة تكاذب الدليلين حينئذ وتمانعهما في أصل الملاك والمصلحة أيضا مضافا عن تمانعهما في مقام الحكم فلا بد حينئذ
من إعمال قواعد التعارض فيهما بالرجوع إلى المرجحات السندية، وهذا بخلاف المقام حيث إنه باعتبار وجود الملاكين فيهما يندرج
في صغريات مسألة التزاحم ولو على الامتناع أيضا نظرا إلى تحقق المزاحمة حينئذ بين الملاكين في عالم التأثير في الرجحان و
المرجوحية كما يكشف عنه حكمهم بصحة العبادة في الغصب مع الغفلة أو الجهل بالموضوع أو الحكم عن قصور لا عن تقصير ولو مع
البناء على تقديم جانب النهي حيث إنه لولا ذلك لما كان وجه لحكمهم بالصحة مع الجهل بالموضوع أو الحكم بل لا بد من الحكم
بالبطلان وفساد العبادة مطلقا كما هو واضح، ومن ذلك نقول أيضا في المقام بلزوم الرجوع فيه إلى قواعد باب التزاحم فيقدم ما هو
الأقوى من الملاكين في مقام التأثير في الرجحان والمرجوحية وإن كان أضعف سندا من غيره، لا إلى قواعد باب التعارض والترجيح
بالمرجحات السندية من حيث العدالة والوثوق، كما هو واضح.
ومن ذلك البيان ظهر فساد ما أفيد كما عن بعض الاعلام (دام ظله)
] 1 [
على ما قرر من اندراج مورد التصادق في المقام على الامتناع في
صغرى باب التعارض نظير العامين من
] 1 [
قد توفي رحمه الله يوم السبت عند ارتفاع النهار في السادس والعشرين من شهر جمادى الأولى سنة 1355.
(المؤلف) ومراد المؤلف (قدس سره) من هذا البعض هو المحقق النائيني قدس سره الشريف (المصحح).
412

وجه كالعالم والفاسق فيما لو ورد الامر بإكرام العالم والنهي عن إكرام الفاسق، بدعوى ان التزاحم انما يكون بين الحكمين في عالم
صرف قدرة المكلف على الامتثال بعد الفراغ عن أصل تشريع الاحكام حسب ما تقتضيه الملاكات، كما في الضدين مثلا، وفي مورد
اتفاق اتحاد متعلق الحكمين في الوجود مع كون المتعلقين متغايرين بالذات ومختلفين بالهوية، واما التزاحم بين الملاكين في عالم
تشريع الاحكام وجعلها فهو غير مرتبط بباب التزاحم بل هو مندرج في صغرى باب التعارض الذي ملاكه تنافي الدليلين باعتبار
مدلوليهما في مقام الجعل والتشريع.
إذ فيه ما لا يخفى، إذ نقول: بأنه لا وجه لما أفيد الا الجمود بظاهر لفظ تزاحم الحكمين والا فلا نعنى نحن من باب التزاحم إلا صورة
الجزم بوجود الملاكين والغرضين في المورد مع ضيق خناق المولى من تحصيلهما الذي من نتائجه لزوم تقديم أقوى الملاكين منها وإن كان
أضعف سندا من الاخر، ومنها لزوم تقديم ما لا بدل له بحكم العقل في التأثير في فعلية حكمه وتشريعه ما له البدل، ومنها تقديم
المطلق منهما بحكم العقل على المشروط بالقدرة، ومنها غير ذلك من نتائج باب التزاحم، كما أنه لا نعنى من باب التعارض إلا صورة
عدم إحراز الملاكين والغرضين في المورد بل صورة العلم بعدم وجود الغرض في أحد الموردين الذي من نتائجه أيضا الرجوع إلى
قواعد التعارض من الترجيح بالمرجحات السندية بالأعدلية والأوثقية ونحوهما والتخيير في الاخذ بأحد الخبرين عند فقد المرجحات
أو تساوى الخبرين فيها بمقتضى اخبار العلاج، وعلى ذلك فكل مورد أحرز فيه وجود الغرضين كان ذلك داخلا في باب التزاحم و
يجري عليه أحكامه من غير فرق في ذلك بين ان يكون تزاحم الغرضين والملاكين في عالم تأثيرهما في الرجحان والمرجوحية كما في
المقام على الامتناع، أو كان التزاحم بينهما في عالم الوجود ومقام التأثير في فعلية الحكمين. وكل مورد لم يحرز فيه وجود الملاكين و
الغرضين على الاطلاق بل أحرز عدم وجود الملاك والغرض في أحد الموردين يكون ذلك من باب التعارض الذي من حكمه الاخذ
بالأرجح سندا من حيث العدالة والوثوق.
وعليه نقول: بأنه بعد ان أحرز في المقام وجود الملاكين والغرضين على الاطلاق في المجمع ولو على القول بالامتناع بشهادة أعمالهم
فيه نتائج باب التزاحم وحكمهم بصحة الصلاة مع الجهل بالغصبية أو بحرمته فلا وجه لاخراج
413

مورد التصادق على الامتناع عن باب التزاحم وإدراجه في صغريات باب التعارض على خلاف مشى القوم في ذلك، الا إذا كان لك
اصطلاح خاص في ذلك، هذا.
مع أنه نقول بان ما أفيد من الضابط في بيان الفرق بين البابين وجعله التزاحم باعتبار تنافي الحكمين في مقام الامتثال وفي عالم
صرف قدرة المكلف على الامتثال بعد تشريع الاحكام وجعلها على طبق ما اقتضته الملاكات انما يتم بناء على كون القدرة أيضا كالعلم
من شرائط تنجز الخطابات والتكاليف، والا فبناء على ما هو التحقيق - وعليه أيضا بناء الأصحاب - من الفرق بين القدرة والعلم من
رجوع القدرة ولو بحكم العقل إلى كونها شرطا لأصل فعلية الخطاب والتكليف في مرحلة سابقة عن تنجزه، بخلاف العلم فإنه باعتبار
كونه في رتبة لاحقة عن الخطاب غير صالح لتقييد أصل مضمون الخطاب فلا بد فيه من رجوعه إلى كونه من شرائط تنجزه لا من شرائط
نفسه، فلا جرم عند عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما لا تنتهي النوبة () إلى مقام تشريع الحكمين على الاطلاق حتى في مثل الضدين
نظير عدم تشريع إطلاق الحكمين في مجمع العامين من وجه ولازمه حينئذ هو المصير إلى دعوى اندراجه أيضا في صغرى باب
التعارض مع أنه كما ترى لا يكاد التزامه به.
واما دعوى الالتزام حينئذ بكون القدرة أيضا كالعلم من شرائط تنجز التكليف لا من شرائط أصل التكليف وفعليته فمدفوعة بأنه مع
كونه خلاف التحقيق مناف أيضا لما ذهب إليه هو (قدس سره) في مبحث الضد من الالتزام بالترتب في تصحيح الامر بالضدين فإنه لولا
كونها شرطا ولو بحكم العقل في أصل توجيه التكليف الفعلي إلى المكلف لما يحتاج في إثبات فعلية الامر بالضدين إلى تكلف الترتب
بجعل أحد الامرين منوطا بعصيان الامر بالأهم وفي الرتبة المتأخرة عن سقوطه كما هو واضح وحينئذ فيتجه عليه الاشكال المزبور
من لزوم مصيره في مثل الضدين والمتلازمين اللذين يلازم امتثال أحدهما مخالفة الاخر إلى الاندراج في صغرى باب التعارض من جهة
امتناع تشريع حكمين فعليين يلزم من امتثال أحدهما مخالفة الاخر ولزوم كون الحكم الفعلي في مقام الجعل والتشريع على طبق أحد
الملاكين.
414

واما دعوى الالتزام بذلك حينئذ في فرض كون التلازم دائميا كاستقبال القبلة واستدبار الجدي في قطر العراق دون ما لو كان
التلازم اتفاقيا فيدفعها منع الفارق بينهما حيث إنه لو كانت القدرة من شرائط نفس التكليف السابق عن مرحلة تنجزه لا يكاد يفرق في
الاستحالة بين العجز الدائم أو الحاصل من باب الاتفاق فكما انه يمتنع أصل تشريع الحكمين في فرض كون العجز دائميا، كذلك يمتنع
إطلاق تشريع الحكمين على الثاني أيضا بنحو يشمل مورد العجز من باب الاتفاق نظير امتناع تشريع الحكمين على الاطلاق في العامين
من وجه الشامل للمجمع، إذ لا فرق بينهما حينئذ إلا من جهة كون الممتنع على الأول أصل تشريع الحكمين وفي الثاني إطلاق تشريعهما،
وحينئذ فلا بد من إدراج مورد العجز الحاصل من باب الاتفاق أيضا في باب التعارض بين الاطلاقين، لا التفكيك بينهما بإدراج العجز
الدائمي في صغرى باب التعارض والعجز الاتفاقي في صغرى باب التزاحم، وتوهم ان التفكيك المزبور حينئذ من جهة لغوية أصل
التشريع في العجز الدائمي بخلافه في العجز الاتفاقي حيث يحسن معه أصل تشريع الحكمين ويحسن معه الخطابان أيضا يدفعه ان لازم
ذلك هو الالتزام بمثله في الجهل أيضا فلا بد فيه من الفرق بين الجهل بالخطاب وعدم العلم به للتالي وبين غيره لا بالتزام تقييد
الخطاب به في الأول دون الثاني مع أنه كما ترى حيث إن العلم والجهل باعتبار كونهما في رتبة متأخرة عن الخطاب غير صالحين
لتقيد مضمون الخطاب بهما، كما هو واضح. وسيأتي مزيد بيان لذلك في تنبيهات المسألة إن شاء الله تعالى.
الخامس من الأمور
ان العناوين المنتزعة عن وجود واحد تارة يكون اختلافها في صرف كيفية النظر
بلا اختلاف فيها بحسب المنظور والمنشأ نظير الاختلاف من حيث الاجمال والتفصيل كالانسان وحيوان ناطق حيث كان الاختلاف
بينهما ممحضا بصرف كيفية النظر من حيث الاجمال والتفصيل والا وفي الحقيقة لا يكون المنظور فيهما الا شيئا واحدا، ونظير
الاختلاف بنحو اللا بشرطية والبشرط لائية كما بين الهيولي والجنس بناء على انتزاعهما عن جهة واحدة إذ حينئذ يكون تمام الفرق
بينهما من جهة كيفية النظر من
415

حيث اللا بشرطية والبشرط لائية فإذا لوحظ تلك الجهة بشرط لا بنحو يرى كونها في قبال الغير يكون مفهوم الهيولي، وإذا لوحظت لا
بشرط - بأن لوحظ ذاتها المحفوظة بين الحدين بلا لحاظ حد في الملحوظ بنحو يرى كونها في قبال الغير - يكون مفهوم الحيوان.
وأخرى: يكون اختلافها من جهة اختلاف في منظورها
لا انه كان الاختلاف بينها ممحضا بصرف كيفية النظر وذلك أيضا تارة بنحو يحكى كل عنوان عن جهة خارجية متأصلة ولو كانت من
المحمولات بالضميمة كعناوين الأوصاف الحاكية عن الكم والكيف والفعل والأين ونحو ذلك، وأخرى بنحو يحكى كل عنوان عن جهة
غير متأصلة في الخارج وذلك أيضا على قسمين: فان المحكي حينئذ تارة يكون عبارة عن الإضافات والنسب الخارجية التي كان لها
أيضا نحو خارجية اما بالالتزام بحظ من الوجود لها كما قيل، واما بان الخارج كان ظرفا لنفسها ولولا لوجودها وبالجملة كانت من
الأمور التي لها واقعية ولا تنوط في واقعيتها بلحاظ لاحظ واعتبار معتبر بل لو لم يكن في العالم لاحظ ومعتبر كان لمثل تلك الأمور
جهة واقعية كما في الفوقية والتحتية وأمثالهما، وأخرى عبارة عن الأمور الاعتبارية المتأصلة ولو في عالم الاعتبار وبالجملة كانت
من الاعتباريات التي لها واقعية عند تحقق مناشئها بحيث كان اللحاظ طريقا إليها كالملكية والزوجية ونحوهما لا انها متقومة باللحاظ
والاعتبار كي تنوط واقعيتها بلحاظ لاحظ واعتبار معتبر كالاعتباريات المحضة. ثم إن العنوانين المختلفين في المنشأ المنتزعين من
مجمع واحد مع إمكان انفكاكهما في غير المنشأ تارة: يكون اختلافهما في تمام المنشأ، على وجه يكون منشأ انتزاع كل عنوان بتمامه
غير المنشأ في الاخر، كما لو كانا من مقولتين أحدهما من مقولة الفعل والاخر من مقولة الأين مثلا، نظير الصلاة والغصب بناء على كون
الصلاة من مقولة الفعل والغصب من مقولة الأين بجعله عبارة عن إشغال المحل بالفعل لا عبارة عن الفعل الشاغل للمحل، ونظير
عناوين المشتقات بناء على عدم أخذ الذات فيها وكونها عبارة عن نفس المبدأ الملحوظ لا بشرط كالعالم والفاسق ونحوهما.
وأخرى: يكون اختلافهما في جز المنشأ مع اشتراكهما في الجز الاخر نظير عناوين المشتقات بناء على أخذ الذات فيها بنحو يكون
مصب الحكم مجموع المبدأ والذات، إذ حينئذ يكون اختلاف العنوانين كالعالم والفاسق في جز المنشأ والا فهما مشتركان في
416

جهة الذات الحاكية عن جهة واحدة، ومثل ذلك كل مورد لا يكون الجامع في العنوانين بسيطا ومأخوذا من مقولة واحدة بل كان مركبا
من الذات مع عارضها أو من مقولتين أحدهما الفعل مثلا والاخر من مقولة أخرى كالاين أو غيره من الإضافات فإنه في مثله يكون
المجمع باعتبار ذاته وجهة فعله واجدا للحدين وباعتبار النسبيات الاخر واجدا للاضافتين أحدهما مقوم أحد الجامعين والاخر مقوم
الجامع الاخر كما في مثل الغصب والصلاة بناء على كونهما من مقولة الفعل المنضم ببعض الإضافات الاخر بجعل الصلاة عبارة عن
الافعال الخاصة المقرونة بالإضافات المعهودة من الترتيب والموالاة ونشوها عن قصد الصلاتية، والغصب عبارة عن الفعل الشاغل
لمحل الغير في حال عدم رضاه الجامع بين الركوع والسجود وبين غيره من الافعال الاخر الأجنبية عن الصلاة فإنه في مثله يكون
الغصب والصلاة لا محالة من قبيل العنوانين المشتركين في جز المنشأ الممتازين في الجز الاخر حيث كانا مشتركين في مقولة و
مختلفين في مقولة أخرى من الإضافات والنسبيات الأخرى.
وثالثة: يكون اختلافهما في صرف الحد المأخوذ فيهما مع اتحادهما ذاتا بل ومرتبة أيضا في خصوص المجمع وان اختلفا مرتبة في
غيره نظير الجامع المأخوذ بين زيد وعمرو المنتزع من تحديد الانسان في عالم الاعتبار بحد خاص لا يكاد انطباقه الا عليهما وجامع
آخر بين زيد و خالد المنتزع من تحديد الانسان بحد لا يكون انطباقه الا عليهما فحينئذ يكون زيد مع وحدته ذاتا وجهة ومرتبة مجمع
الجامعين بمعنى وقوعه بين الحدين الشامل أحدهما لعمرو بلا شموله لخالد والاخر لخالد بلا شموله لعمرو مع كون النسبة بين
الجامعين المزبورين بنحو العموم من وجه. ومن ذلك ظهر ان مجرد اختلاف العنوانين المنتزعين من مجمع واحد مع إمكان انفكاك
أحدهما عن الاخر في غير المجمع لا يقتضى لزوم كونهما من مقولتين وكون التركيب بينهما انضماميا لا اتحاديا، وذلك من جهة ما
عرفت من إمكان كونهما من مقولة واحدة حينئذ وكان الاختلاف بينهما من جهة الحد محضا كما مثلنا بالجامع المأخوذ بين زيد وعمرو
من تحديد الانسان بحد خاص لا ينطبق الا عليهما وجامع آخر بين زيد وخالد منتزع من تحديد الانسان بحد آخر لا ينطبق الا عليهما،
فان زيدا حينئذ مع وحدته ذاتا يكون مجمع الجامعين من جهة وقوعه بين الحدين الشامل أحدهما لعمرو بلا شموله لخالد والاخر لخالد
بلا شموله لعمرو، وهكذا لو فرض جامع بين الضرب
417

والاكل منتزع من تحديد الفعل بحد لا ينطبق الا عليهما وجامع آخر كذلك بين الأكل والشرب حيث كان الاكل حينئذ مجمع الجامعين
بمعنى كونه واجدا للحدين المأخوذين من مقولة الفعل الشامل أحدهما للضرب دون الشرب والاخر للشرب دون الضرب مع كونهما من
مقولة واحدة وكون التركيب فيه اتحاديا لا انضماميا، كإمكان كون العنوانين أيضا مشتركين في مقولة ومختلفين في مقولة أخرى كما
في العالم والفاسق بناء على أخذ الذات في المشتق وتركب حقيقته من المبدأ والذات حيث إن العنوانين حينئذ في المجمع وان اختلفا
ببعض الجهات الا انهما اشتركا في جهة الذات الحاكية عن جهة واحدة وحيثية فاردة.
وعليه فلا يبقى مجال المصير في مثل الصلاة والغصب المنتزعين من فعل المكلف إلى لزوم كونهما من مقولتين متغايرتين بمحض
اختلاف العنوانين وتعدد حقيقتهما كما عن بعض الاعلام (قدس سره) فيما أسسه في مقدمات مرامه من دعوى ان العنوانين العرضيين
بينهما العموم من وجه المنتزعين من وجود واحد لا يمكن ان يكونا من مقولة واحدة بل لا بد وان يكونا من مقولتين مختلفين أحدهما
من مقولة الفعل مثلا والاخر من مقولة أخرى كالاين ونحوه مستنتجا من ذلك ان الصلاة بعد إن كانت من مقولة الفعل فلا بد وأن يكون
الغصب من مقولة الأين وكونه عبارة عن إشغال المحل بالفعل لا الفعل الشاغل للمحل ليكون كلاهما من مقولة واحدة ويكون التركيب
بينهما اتحاديا. وذلك لما عرفت من الاشكال فيه بان مجرد اختلاف العنوانين العرضيين المنتزعين من مجمع واحد مع إمكان انفكاكهما
عن الاخر في غير المجمع لا يقتضى كونهما من مقولتين متغايرتين وكون التركيب بينهما انضماميا، بل حينئذ كما يمكن كونهما من
مقولتين مختلفتين كذلك يمكن أيضا كونهما من مقولة واحدة بحيث كان التركيب بينهما اتحاديا في المجمع وكان الاختلاف بينهما في
الحد محضا كما في المثال المتقدم من فرض الجامعين أحدهما بين زيد وعمرو المنتزع من تحديد الانسان بحد لا يكاد انطباقه الا
عليهما وجامع آخر بين زيد وخالد منتزع من تحديد الانسان بحد لا يكاد انطباقه الا عليهما خاصة كإمكان كونهما مشتركين في بعض
المنشأ وفي مقولة ومختلفين في مقولة أخرى أيضا، إذ حينئذ نقول بأنه من الممكن حينئذ ان يكون كل من الصلاة والغصب من مقولة
الفعل غايته منضما ببعض النسبيات الاخر فتكون الصلاة مثلا عبارة عن الافعال المخصوصة المقترنة بالإضافات المعهودة من
418

الترتيب والموالاة ونشوها عن قصد الصلاتية الجامعة بين كونها في الدار المغصوبة أو في غيرها والغصب عبارة عن الفعل الشاغل
لمحل الغير بدون اذنه ورضاه الجامع بين أفعال الصلاة وغيرها من الافعال الاخر. ومن المعلوم حينئذ انه مع إمكان ذلك لا محالة لا
يكون برهان عقلي يقتضى كون الغصب من مقولة الأين، وعبارة عن إشغال المحل بالفعل في فرض كون الغصب من مقولة الفعل، كما
هو واضح. نعم يمكن أيضا ان يكون الغصب بحسب العرف أو اللغة عبارة عن إشغال المحل بالفعل ومن مقولة الأين، ولكن مثل هذا
النزاع راجع إلى الوضع اللغوي فلا يرتبط بمقام اللابدية العقلية المدعاة، كما لا يخفى.
و بالجملة فالمقصود من هذا التطويل هو بيان عدم اقتضاء مجرد اختلاف العنوانين المنتزعين من وجود واحد بحسب المنشأ لكونهما
من مقولتين بحيث كان المحكي من كل عنوان مقولة غير ما يحكى عنه العنوان الآخر نظرا إلى ما عرفت من إمكان اشتراكهما في مقولة
واختلافهما في مقولة أخرى، بل وإمكان كونهما من مقولة واحدة وحقيقة فاردة مع كون الاختلاف بينهما ممحضا بصرف الحد المأخوذ
فيهما أو بحسب المرتبة كما في الأجناس بالقياس إلى فصولها والقرأة بالقياس إلى الجهر بها الذي هو منتزع عن مرتبة من الصوت
الزائد عن أصل القراءة.
ومن هذا البيان ظهر أيضا عدم صحة ابتناء القول بجواز الاجتماع على كون التركيب بين العنوانين في المجمع انضماميا لا اتحاديا بل و
انما المدار كله في ذلك - كما سيجئ إن شاء الله تعالى - على اختلاف العنوانين وتغايرهما بتمام المنشأ على معنى كون المحكي في كل
عنوان غير المحكي في العنوان الآخر وعدم اختلافهما كذلك، فإذا كان العنوانان متغايرين بتمام المنشأ نقول فيه بالجواز من غير فرق
بين كونهما من مقولتين ممتازتين الملازم لكون التركيب بينهما في المجمع انضماميا أو من مقولة واحدة كما في الأجناس بالقياس إلى
فصولها والقرأة بالقياس إلى الجهر بها، حيث نقل بأنه من الممكن حينئذ كون إحدى الجهتين من هذا الوجود الوحداني وهي الجهة
الحيوانية تبعا لقيام المصلحة بها محبوبة والجهة الأخرى منه وهي الجهة الناطقية مبغوضة ومتعلقة للنهي من دون سراية الحكم من
إحدى الحيثيتين إلى الحيثية الأخرى، وهكذا في مثال القراءة وحيثية الجهر بها حيث يمكن الالتزام فيه بجواز الاجتماع من جهة إمكان
كون أصل
419

القراءة تبعا لقيام المصلحة بها محبوبا وحيثية الجهر المنتزع عن مرتبة من الصوت الزائد عن أصل القراءة مبغوضة ومنهيا عنها مع
وضوح كون التركيب بين العنوانين في أمثال ذلك اتحاديا لا انضماميا.
السادس من الأمور
لا يخفى عليك ان العناوين المأخوذة في حيز الخطابات تارة: تكون من قبيل الجهات التعليلية وأخرى تكون من قبيل الجهات التقييدية
ومرجع الأولى إلى خروج العنوان المزبور بنفسه عن كونه موضوعا للحكم وكونه من العناوين المشيرة إلى ما هو موضوع الحكم و
متعلقه وسببا لطرو الحكم عليه نظير عنوان المقدمية الذي هو من العناوين المشيرة إلى الدوات الخاصة الخارجية الموقوف عليها في
الواجب كالطهارة والستر والقبلة ونحوها ومن ذلك أيضا كلية العناوين الاعتبارية المحضة التي من جهة اعتباريتها غير قابلة لتعلق
الطلب بها وكان الطلب تبعا لقيام المصلحة متعلقا بمنشأ اعتبارها، كما أن مرجع الثانية إلى كون ذلك العنوان المأخوذ في حيز الخطاب
موضوعا بنفسه في القضية للحكم اما تماما أو جز لا كونه مرآة إلى أمر آخر يكون هو الموضوع حقيقة للحكم في القضية ومن ذلك كلية
القضايا التوصيفية من نحو قوله: أكرم زيدا الجائي الظاهر في مدخلية عنوان المجئ أيضا بنحو القيدية في موضوع الحكم ومتعلقه،
قبال القضايا الشرطية من نحو قوله: أكرم زيدا ان جاءك، أو ان جاءك زيد فأكرمه، الظاهر في أن تمام الموضوع للاكرام الواجب هو
ذات زيد من غير مدخلية لعنوان المجئ في الموضوع ولو بنحو القيدية وانه انما كان علة وسببا لوجوب أكرمه وحينئذ فتمام المعيار
في كون العنوان المأخوذ في حيز الخطاب من قبيل الجهات التعليلية أو التقييدية على ما ذكرناه، لا ان المعيار فيه على كون التركيب بين
العنوانين في المجمع اتحاديا أو انضماميا، وذلك لوضوح انه لا تلازم بين كون العنوانين من قبيل الجهات التعليلية وبين كون التركيب
بينهما في المجمع اتحاديا ولا بين كونها من قبيل الجهات التقييدية وبين كون التركيب بينهما في المجمع اتحاديا ولا بين كونها من
قبيل الجهات التقييدية وبين كون التركيب بينهما انضماميا، وذلك من جهة انه من الممكن حينئذ ان يكون العنوانان من قبيل الجهات
التعليلية، ومع ذلك يكون التركيب بينهما انضماميا لا اتحاديا، كإمكان كونهما من الجهات التقييدية ومع ذلك يكون
420

التركيب بينهما اتحاديا كما عرفت في مثال الجنس والفصل بل القراءة بالقياس إلى الجهر بها. وعليه فما أفيد كما عن بعض الاعلام
(قدس سره) كما في التقرير - من أن العنوانين المنتزعين من وجود واحد إذا كانا من قبيل الجهات التعليلية لا بد وأن يكون التركيب
بينهما اتحاديا، وإذا كانا من الجهات التقييدية لا بد وأن يكون التركيب بينهما انضماميا لا اتحاديا - منظور فيه.
السابع من الأمور
لا يخفى ان الطبيعي والفرد وان كانا متغايرين مفهوما وفي عالم التصور حيث كانا صورتين متباينتين في الذهن بحيث لا يكاد
انتقال الذهن في المقام لحاظ الطبيعي وتصوره إلى الفرد، وبهذه الجهة أيضا لا يكاد سراية الحكم المتعلق بالطبيعي والكلي إلى الفرد،
إلا على مبنى سخيف: من تعلق الاحكام بالخارجيات، والا فعلى المذهب الحق كما حققناه في محله: من تعلق الاحكام بالعناوين وبالصور
الذهنية يستحيل سراية الحكم من كل صورة في نظر إلى الصور الموجودة في نظر وتصور آخر، الا ان الفرد لما كان يحكى عما يحكى
عنه عنوان الكلي وزيادة مفقودة في الكلي فكانا متحدين في جهة ومختلفين في زيادة الفرد لخصوصية زائدة عن الطبيعي وكانت
الصور أيضا في مقام تعلق الاحكام بها مأخوذة بنحو لا ترى الا خارجية، فقهرا تلك الجهة الواحدة الخارجية فيهما بعد قيام المصلحة بها
بأي صورة تتصور أو شكل يتشكل توجب التلازم بين الصورتين المتحدتين في الجهة الخارجية في تعلق الإرادة والكراهة أيضا، فيتعلق
الحكم المتعلق بالطبيعي بالفرد أيضا لكن من حيث الطبيعي المحفوظ في ضمنه لا بتمامه حتى بمشخصاته الفردية وحينئذ فإذا كان
الامر متعلقا بالطبيعة السارية كالنهي فقهرا يسرى الحكم المزبور من الطبيعي إلى الحصص المحفوظة في ضمن الافراد من الطبيعي
دون الخصوصيات الزائدة عنها، بمعنى ان كل فرد إذا لوحظ كان الطبيعي المحفوظ في ضمنه متعلقا للإرادة أو الكراهة بالتقريب
المزبور، لا انه بمحض النظر إلى الطبيعي والكلي يسرى حكمه إلى الفرد أيضا وذلك لما عرفت من أن الطبيعي والفرد مفهومان
متغايران في الذهن، فيستحيل في هذا النظر سراية الحكم من أحد المفهومين إلى الاخر، هذا إذا كان الامر متعلقا بالطبيعة السارية.
421

وأما إذا كان متعلقا بصرف وجود الطبيعي الغير القابل للانطباق الاعلى أول وجود فكذلك أيضا، غاية الأمر انه في فرض تعلق الحكم
بالطبيعة السارية يكون الحصص المحفوظة في ضمن كل فرد بتمام حدودها مشمولة للحكم، ومن ذلك يصير كل فرد بما انه مصداق
للطبيعي واجبا تعيينا، بخلافه في فرض تعلقه بصرف وجود الطبيعي الجامع بين الافراد فان مشمولية الحصص الفردية حينئذ للوجوب
انما يكون ببعض حدودها أعني حدودها المقومة لطبيعتها واما الحدود المقومة لشخصية الحصة المحفوظة في كل فرد التي هي مقسمة
للطبيعي لا مقومة له فهي خارجة عن حيز الوجوب ومرجع ذلك كما عرفت في مبحث الواجب التخييري إلى لزوم سد باب العدم في كل
حصة وفرد من قبل حدود عاليها المقومة لطبيعتها دون حدودها المقومة لشخصيتها المقسمة لطبيعتها الراجع ذلك إلى وجوب كل فرد
من الافراد لكن بوجوب ناقص بنحو لا يقتضى المنع الا عن بعض أنحاء تروكه وهو الترك الملازم لترك بقية الحصص الأخرى، ونتيجة
ذلك كما عرفت سابقا هي صيرورة الافراد المزبورة واجبة بوجوب تخييري شرعي لا بوجوب تخييري عقلي محض كما هو مبنى القول
بوقوف الطلب على نفس الطبيعي والجامع وعدم سرايته منه إلى الافراد أصلا، فتدبر.
الثامن من الأمور
التزاحم بين المصلحة في الشئ ومفسدته تارة يكون في مقام التأثير في الرجحان والمرجوحية ومن حيث إيراث الحب والبغض، و
أخرى يكون التزاحم بينهما في عالم الوجود والتحقق بحيث يدور الامر بين وجود المفسدة وفوت المصلحة وبالعكس، فعلى الأول لا
ينبغي الاشكال في أن الأثر للأقوى منهما ولا يلاحظ في هذه المرحلة مقام مزاحمتها في عالم الوجود، وان فرض إمكان دركهما معا و
لو في ضمن فردين، وحينئذ فلو فرض قيام مصلحة أهم بصرف الطبيعي والجامع فقهرا بمقتضى ما عرفت في المقدمة السابقة من
سراية المحبوبية من الجامع إلى الفرد ولو ببعض حدوده يصير الفرد بحدوده المقومة لعالية تحت المحبوبية الفعلية وتلغو المفسدة
المزبورة عن التأثير في المبغوضية فيه بالقياس إلى هذا الحد لمكان أهمية المزبورة واما بالقياس إلى حدوده المقومة
422

لشخصيته فحيث انه لا تزاحمها المصلحة تبقى المفسدة القائمة بالفرد بجميع حدوده على حالها فتؤثر في مبغوضية الفرد في حدوده
المقومة لشخصيته فيصير الفرد المزبور حينئذ ببعض أنحاء حدوده وهو الحد الجامعي المستلزم لحفظه في ظرف عدم بديله بمقتضى
أهمية المصلحة تحت المحبوبية الفعلية وببعض حدوده الاخر وهو الحد المقوم لشخصية الحصة تحت المبغوضية الفعلية هذا بالنسبة إلى
مقام مزاحمة الملاكين في عالم التأثير في الحب والبغض.
واما بالنسبة إلى مقام مزاحمتهما الملاكين في عالم الوجود فحيث انه أمكن حفظ كلا الغرضين ولو في ضمن وجودين فلا جرم يرجح
العقل جانب المفسدة المهمة ومبغوضية الفرد من ناحية حدوده المشخصة على المصلحة الأهم المؤثرة في محبوبيته من ناحية حدوده
الجامعي جمعا بين الغرضين، وبهذه الجهة تصير الإرادة الفعلية على وفق المفسدة المهمة ولو كانت في أدنى درجة الضعف والمصلحة
في أعلى درجة القوة من غير أن يلاحظ في ذلك درجات المصلحة والفسدة وتأثيراتهما في المحبوبية والمبغوضية بوجه أصلا، الا إذا
فرض وقوع المزاحمة بينهما في عالم الوجود أيضا بحيث لا يتمكن من الجمع بين الغرضين فيؤثر الأقوى درجة منهما ويكون الإرادة
الفعلية أيضا بحكم العقل على وفقه، والا فمع عدم صدق المزاحمة بينهما حقيقة في هذه المرحلة وإمكان الجمع بينهما ولو في ضمن
وجودين فلا محالة يكون الترجيح بحكم العقل في لزوم الجمع بين الغرضين مهما أمكن للمفسدة المهمة وتكون الإرادة الفعلية أيضا
على وفقها وإن كانت في أدنى درجة الضعف حتى البالغة إلى حد الكراهة.
ومن هذا البيان ظهر حل الاعضال في العبادات المكروهة أيضا فإنه بمقتضى ما ذكرنا أمكن الالتزام فيها بالكراهة المصطلحة فيما لو
كان الامر متعلقا بالجامع المنتج لوجوب كل فرد تخييرا، والنهي متعلقا بالطبيعة السارية، كالأمر بالصلاة الجامعة بين الصلاة في
الحمام وبين الصلاة في غيره من الأمكنة مع النهي التنزيهي عن الصلاة في الحمام أو في موضع التهمة مثلا، وذلك انما هو بالتفكيك بين
حدود الفرد من حيث حدوده الجامعة وحدوده المشخصة له بالتقريب المتقدم من دون حاجة إلى الالتزام فيها بأقلية الثواب أو غيرها
من المحامل الاخر، كما هو واضح.
ثم إن هذا كله فيما لو كان الامر متعلقا بصرف الطبيعي الجامع بين الافراد.
واما لو كان الامر متعلقا بالطبيعة السارية كالنهي بحيث يقتضى مطلوبية كل واحدة من الحصص على نحو التعيين، فلا جرم لا يكاد يتم
التفكيك المزبور بين مقام تأثير الملاكين
423

في الرجحان والمرجوحية وبين مقام تأثيرهما في الايجاد، نظرا إلى أن المفسدة حينئذ كما تقتضي مبغوضية الفرد بتمام حدوده
كذلك المصلحة أيضا تقتضي محبوبية الفرد بتمام حدوده وفي مثله لا محالة يكون الأثر للأقوى منهما حتى في عالم الوجود أيضا
مصلحة كانت أو مفسدة، والوجه فيه واضح، لان المزاحمة حينئذ كما تكون بينهما في عالم التأثير في الحب والبغض، كذلك تكون
المزاحمة بينهما في عالم الوجود أيضا، وفي مثله يكون الأثر لما هو الغالب منهما، ومن ذلك أيضا لا يجري ما ذكرنا في النواهي
التنزيهية في موارد يكون الامر بنحو الطبيعة السارية إذ لا يمكن الالتزام فيها بالكراهة المصطلحة بالتقريب المتقدم، بل بعد الفراغ عن
صحة العبادة لا بد من المصير إلى محامل أخر: اما بصرف النهي عن ظاهره والحمل على أقلية الثواب، أو بصرفه عن نفس العبادة إلى
حيثية إيقاعها وكينونتها في وقت كذا ومكان كذا نظير النهي عن جعل الماء للشرب في كأس كثيف، أو غير ذلك من المحامل الاخر.
في بيان ما هو الحق في المسألة
وحيث اتضح لك هذه الأمور فنقول: ان اختلاف العنوانين لو كان في صرف كيفية النظر لا في المنظور فلا ينبغي الاشكال فيه في عدم
جواز الاجتماع، وذلك لوضوح ان المنظور بعد ما كان فيهما واحدا ذاتا وجهة لا يكاد يتحمل طرو الصفتين المتضادتين المحبوبية و
المبغوضية، من غير فرق في ذلك بين ان نقول بتعلق الاحكام بالخارجيات أو بالعناوين والصور الذهنية، وذلك لان الصور وإن كانت
متغايرة ولكنها بعد ما كانت مأخوذة بنحو لا ترى الا خارجية وكان المنظور فيهما واحدا ذاتا وجهة فقهرا يرى المنظور فيهما غير
قابل لطرو الصفتين المتضادتين عليه وهما المحبوبية والمبغوضية، ومن ذلك أيضا نقول بامتناع اتصاف أجزأ المركب بالوجوب
الغيري مع فرض كونها واجبة بوجوب الكل نفسيا، وعدم إجراء مجرد الاختلاف في النظر فيها من حيث اللا بشرطية والبشرط لائية في
رفع محذور اجتماع المثلين بعد اتحاد الذات الملحوظة في ضمن الاعتبارين.
ومثله في عدم الجواز ما لو كان العنوانان من العناوين الاعتبارية المحضة الغير القابلة لقيام المصالح بها فإنه في مثل ذلك أيضا يكون
مركب المصالح والحب والبغض هي الذات المعروضة لها، وانها في ظرف وجود منشأها كانت من الجهات التعليلية
424

لمصلحة الذات المعروضة لها وحينئذ فإذا كانت الذات المعروضة لها واحدة ذاتا وجهة فقهرا تأبى عن ورود الصفتين المتضادتين عليها
من الحب والبغض والإرادة والكراهة.
واما لو كان اختلاف العنوانين في المنظور لا في صرف كيفية النظر، فإن كان الاختلاف بينهما بتمام المنشأ على وجه يكون منشأ
انتزاع كل بتمامه غير المنشأ في الاخر ففي مثل ذلك لا بأس بالالتزام بجواز الاجتماع، من غير فرق في ذلك بين كون العنوانين من
مقولتين مختلفتين أو من مقولة واحدة، كما في الأجناس بالقياس إلى فصولها، وكذا القراءة بالقياس إلى الجهر بها، إذ حينئذ بعد تغاير
الجهتين أمكن تعلق الحكمين المتضادين بوجود واحد على وجه يكون مركب كل حكم جهة غير الأخرى، ومجرد وحدة الوجود في
الخارج وعدم قابليته للتقسيم وللإشارة الحسية خارجا غير مانع عن ورود الحكمين المتضادين عليه، بعد حل العقل إياه في مقام
التحليل بجهة دون جهة ومرتبة دون أخرى، إذ حينئذ من جهة هذا التحليل العقلي يتميز معروض الحكمين بنحو يرتفع التضاد من البين،
فكان معروض أحد الحكمين جهة ومرتبة غير معروض الحكم الاخر. ومن غير فرق أيضا بين كون التركيب في المجمع انضماميا أو
اتحاديا، ولا بين كون العنوانين من قبيل الجهة التعليلية أو التقييدية، ولا بين القول بوقوف الطلب على الصور أو سرايته إلى
الخارجيات، ولا بين كون الامر متعلقا بصرف الطبيعة أو بالطبيعة السارية، فإنه على جميع تلك التقادير مهما اختلف معروض الحكمين
ذاتا أو جهة أو مرتبة - كما لو كان معروض أحد الحكمين هو حدوث الشئ ومعروض الاخر بقائه - يصار فيه بالجواز على جميع
التقادير حتى على القول بتعلق الاحكام بالخارجيات، من جهة انه باختلاف المعروضين يرتفع غائلة محذور التضاد من البين، كما هو
واضح. هذا كله فيما لو كان اختلاف العنوانين بتمام المنشأ.
واما لو كان اختلافهما ببعض المنشأ بان كانا مشتركين في جهة أو مقولة وممتازين في جهة أو مقولة أخرى ففي مثله لا بد من المصير
إلى عدم الجواز بالنسبة إلى الجهة المشتركة بينهما، من جهة عدم تحملها لطرو الصفتين المتضادتين عليها، المحبوبية والمبغوضية،
فمن ذلك لا بد وأن يكون الأثر لما هو الأقوى منهما مناطا مصلحة أو مفسدة، من غير فرق بين ان يكون الامر كالنهي متعلقا بالطبيعة
السارية أو بالجامع وبصرف وجودها.
الا على مسلك من يقول بوقوف الطلب على نفس الطبيعي والجامع وعدم سرايته إلى
425

الافراد بوجه أصلا ولو من حيث حدودها الطبيعية، بخيال ان الطبيعي والفرد صورتان متباينتان في الذهن والامر بعد تعلقه بالصور
لا بالخارجيات لا يتعدى بوجه من الوجوه إلى الافراد، وان الافراد حينئذ انما كانت واجبة بوجوب تخييري عقلي لا بوجوب تخييري
شرعي، وأيضا إن صرف الطبيعي والجامع بعد ما كان غير قابل للانطباق الا على أول وجود فلا جرم قبل الانطباق لا يكون هناك
أول وجود حتى يسرى إليه الحكم وكذلك بعد الانطباق، نظرا إلى أن مثل هذا الظرف ظرف لسقوط الطلب عن الطبيعي فلا يمكن كونه
ظرفا لثبوته فمن ذلك يستحيل سراية الطلب إلى الفرد، فإنه على هذا المسلك لا بأس بالالتزام بصحة العبادة بإتيان هذا الفرد بداعي
الامر بالطبيعي، بل على هذا المسلك يخرج المسألة عن فرض اجتماع الأمر والنهي في وجود واحد من جهة ان الوجود والفرد على ذلك
لا يكون الا مبغوضا محضا، كما هو واضح.
ولكنك قد عرفت في المقدمة السابقة فساد المسلك المزبور وان التحقيق هو سراية الحكم من الطبيعي والجامع إلى الافراد بالتقريب
المتقدم في شرح السراية، وعليه فلا بد من المصير إلى عدم جواز الاجتماع بالنسبة إلى الجهة المشتركة بينهما نظرا إلى عدم قابليتها
لطرو الصفتين المتضادتين عليها سوأ فيه بين ان يكون الامر أيضا كالنهي متعلقا بالطبيعة السارية أو كان متعلقا بصرف وجودها
المنتج لمحبوبية الافراد تخييرا إذ كما أن مبغوضية الشئ بجميع حدوده تنافي محبوبيته التعيينية كذلك تنافي أيضا محبوبيته التخييرية
فان مرجع كون الشئ محبوبا تخييريا إلى كون تركه لا إلى بدل مبغوضا ومنهيا عنه وهو مما ينافي بداهة مبغوضيته التعيينية
الملازمة لمحبوبية تركه ولولا إلى بدل، كما هو واضح.
وحينئذ فبعد ما امتنع الاجتماع بالنسبة إلى الجهة المشتركة بين العنوانين ولم تتحمل لطرو الصفتين المتضادتين عليها من المحبوبية و
المبغوضية، فلا جرم في مقام التأثير كان الأثر لما هو الأقوى منهما ملاكا مصلحة أو مفسدة، وحينئذ لو كان الأقوى هو النهي فقهرا
تصير الجهة المشتركة بجميع حدودها بمقتضى المفسدة الغالبة مبغوضة محضا لا محبوبة.
واما لو كان الأقوى هو الامر، فإن كان متعلقا بالطبيعة السارية فكذلك أيضا حيث إنه تصير الجهة المشتركة حينئذ بجميع حدودها
بمقتضى المصلحة الغالبة محبوبة محضا لا مبغوضة عكس الصورة الأولى وإن كان متعلقا بصرف الطبيعي والجامع ففي هذا الفرض
يمكن الجمع بين الرجحان الفعلي والمرجوحية الفعلية بالنسبة إلى الجهة
426

المشتركة وذلك لما تقدم في المقدمة الثامنة من أن مقتضى المصلحة الأهم في الجامع المستتبع للسراية إلى الفرد حينئذ انما هو التأثير
في رجحان الفرد ومحبوبيته بالقياس إلى بعض أنحاء حدوده وهو حدوده الجامعي لا مطلقا حتى بالقياس إلى حدوده المشخصة. و
حينئذ فإذا فرض قيام المفسدة المغلوبة بالفرد بجميع حدوده حسب تعينها فلا جرم المقدار الذي تزاحمها المصلحة الأهم في الجامع في
عالم التأثير انما هو بالقياس إلى حدوده الجامعي المقومة لعاليه. واما بالقياس إلى حدوده المشخصة المقومة لسافله فحيث انه لا
تزاحمها المصلحة الأهم فقهرا تبقى المفسدة المهمة على حالها فتؤثر في مبغوضية الفرد من حيث حدوده المشخصة فيصير الفرد والجهة
المشتركة حينئذ ببعض أنحاء حدوده وهو حده الجامعي المستتبع لحفظه في ظرف عدم بديله بمقتضى المصلحة الأهم في الجامع تحت
الرجحان والمحبوبية الفعلية، وببعض حدوده الاخر وهو حده المشخص له المقوم لسافله تحت المرجوحية والمبغوضية الفعلية،
بمقتضى خلو المفسدة المهمة عن المزاحم بالقياس إلى مثل هذه الحدود ويخرج عن كونه محبوبا فعليا على الاطلاق ومبغوضا فعليا
كذلك، كما هو واضح.
ثم إن ذلك كما عرفت بالنسبة إلى مقام تزاحم الملاكين في عالم التأثير في الرجحان والمرجوحية.
واما بالنسبة إلى مقام التزاحم في عالم الوجود فحيث انه أمكن استيفاء كلا الغرضين ولو بإيجاد المأمور به في ضمن فرد آخر فلا جرم
كان التأثير بحكم العقل للمفسدة المهمة المغلوبة ويقيد بحكم العقل دائرة فعلية إرادة الطبيعة بما عدا هذا الفرد وان لم يكن كذلك في
عالم التأثير في الرجحان والمحبوبية، فيصير الفرد المزبور حراما فعليا ويجب الاتيان بالطبيعي في ضمن فرد آخر، جمعا بين الحقين
وحفظا للغرضين، وإن كان لو أتى بالطبيعي في ضمن هذا الفرد بداعي رجحانه الفعلي من حيث حده الجامعي كان ممتثلا ومطعيا من
تلك الجهة وعاصيا من جهة أخرى.
وبالجملة فالمقصود هو عدم ملاحظة حيثية أهمية مصلحة الجامع في هذا المقام عند التمكن من استيفائها في ضمن فرد آخر وانه يقدم
حينئذ تلك المفسدة المهمة المغلوبة القائمة بالخصوصية على المصلحة الأهم في الجامع، ولو كانت في أدنى درجة الضعف حتى البالغة
إلى درجة الكراهة وكانت المصلحة في أعلى درجة القوة. وعمدة النكتة في ذلك
427

انما هي عدم صدق المزاحمة والدوران حينئذ بين الغرضين في الوجود بلحاظ إمكان الجمع بينهما بإتيان الطبيعي والجامع في ضمن
غير هذا الفرد والا فمع صدق المزاحمة في هذا المقام أيضا لا إشكال في أن التأثير للأقوى منهما كما في فرض انحصار الطبيعي بهذا
الفرد وكذا في فرض قيام المصلحة أيضا كالمفسدة بالطبيعة السارية.
ومن ذلك البيان ظهر أيضا حل الاشكال في الكراهة في العبادات فيما كان لها البدل، حيث إنه بمقتضى البيان المزبور أمكن الالتزام
بفعلية الكراهة المصطلحة في الفرد ولو من حيث حدوده المشخصة مع الالتزام أيضا بصحة العبادة بلحاظ رجحانها ذاتا بمقدار يقتضى
رجحان حفظ الفرد المزبور من ناحية حدود الطبيعي. نعم فيما لا بدل لها من العبادات لا يجري البيان المزبور من جهة وقوع المزاحمة
حينئذ بين الأمر والنهي في الفرد بجميع حدوده، فلا بد فيها اما من الحمل على أقلية الثواب والرجحان، أو صرف النهي عن ظاهره إلى
إيقاع العبادة في الأوقات المخصوصة، نظير النهي عن إيقاع جوهر نفيس في مكان قذر، بجعل المبغوض كينونة العبادة في وقت كذا لا
نفسها، حتى لا ينافي المبغوضية مع محبوبية العمل ورجحانه المقوم لعباديته.
وعلى ذلك فكم فرق بين الجواز بهذا المعنى وبين الجواز بالمعنى المتقدم بمسلك مكثرية الجهات، حيث إنه على الأول يكفي في جواز
الاجتماع مجرد تغاير العنوانين بتمام المنشأ على نحو يكون منشأ انتزاع كل عنوان بتمامه مغايرا مع منشأ انتزاع الاخر من غير فرق
بين ان يكون الامر متعلقا بالطبيعة السارية أو بصرف وجودها ولا بين أقوائية ملاك الامر في نفسه أو أقوائية ملاك النهي، بخلافه على
مسلك اختلاف أنحاء حدود الشئ فان الجواز بهذا المعنى يحتاج أولا إلى عدم كون الامر متعلقا بالطبيعة السارية بل بصرف الطبيعي و
الجامع المنتج للوجوب التخييري في الافراد بالتقريب المتقدم في المقدمة السابعة. وثانيا إلى أهمية مصلحة الجامع من المفسدة التعيينية
في الفرد.
ثم إنه مما ذكرنا ظهر الحال في المفاهيم الاشتقاقية المأخوذة في حيز الحكم بنفسها أو بعنوان إيجادها، حيث إنه يختلف مصب الحكم
حسب الاختلاف في مفهوم المشتق، فعلى القول بأخذ الذات فيه وتركبه من المبدأ والذات فلا جرم يكون العنوانان في المجمع من قبيل
العنوانين المختلفين في بعض المنشأ والمشتركين في البعض الاخر، من جهة اشتراك عنوان العالم والفاسق حينئذ في جهة الذات
الحاكية عن جهة واحدة وحيثية
428

فاردة، وفي مثله لا بد من المصير إلى الامتناع بمقتضى ما تقدم، لا الجواز، الا في فرض تعلق الامر بصرف الطبيعي والجامع مع فرض
أهمية المصلحة الجامعية أيضا من المفسدة التعيينية في الفرد، فيصار حينئذ إلى الجواز بمقتضى البيان المتقدم.
واما على القول ببساطة المشتق وعدم أخذ الذات فيه فان قلنا بالفرق بين المشتق ومبدئه باعتبار اللا بشرطية والبشرط لائية وجعلنا
مصب الحكم بهذا الاعتبار نفس المبدأين فالعنوانان من قبيل العنوانين المختلفين بتمام المنشأ وفي مثله كان الحكم هو الجواز من جهة
اختلاف المتعلقين بتمام الحقيقة، واما ان قلنا بعدم كفاية مجرد اعتبار اللا بشرطية في كون مصب الحكم هو المبدأ - بشهادة عدم صحة
جعله مصب الحكم في مثل أطعم العالم وقبل يد العالم وأكرم العالم، ولو مع اعتبار اللا بشرطية الف مرة - وان مصب الحكم ومحطه
انما كان عبارة عن نفس الذات غايته بما هي متجلية بجلوة العلم والقيام والقعود ونحو ذلك - على نحو كان المبدأ ملحوظا في مقام
الحكم تبعا للذات وإن كان بحسب اللب من الجهات التعليلية لمصلحة الذات - فلا جرم يكون العنوانان في مقام الحكاية عن محط الحكم
من قبيل حكاية المفهومين عن جهة واحدة وحيثية فاردة وفي مثله لا بد من المصير إلى الامتناع من جهة استحالة طرو الصفتين
المتضادتين على جهة واحدة وحيثية فاردة، كما هو واضح.
مسألة الصلاة في محل مغصوب
بقي الكلام في مسألة الغصب والصلاة التي هي معركة الآراء بين الأصحاب بعد الفراغ عن اختلافهما حقيقة، في أنه هل هما حاكيان عن
الجهتين الخارجيتين الممتازتين بتمامهما في المجمع على نحو كان منشأ انتزاع كل بتمامه جهة غير الجهة التي ينتزع عنها الاخر؟ أم
هما مشتركان في جهة خارجية وممتازان في جهة أخرى كذلك نظير العالم والفاسق بناء على القول بتركب المشتق من المبدأ والذات؟
ومبنى الخلاف انما هو الخلاف في خروج الأكوان عن حقيقة الصلاة والغصب وعدم خروجها عن حقيقتهما.
فعلى المختار من عدم خروج الأكوان عن حقيقة الصلاة والغصب وان الصلاة عبارة عن الافعال الخاصة من القيام والركوع والسجود
المقرونة ببعض الإضافات و النسبيات
429

الاخر من الترتيب والموالاة ونشوها عن قصد الصلاتية، وكذا الغصب عبارة عن الفعل الشاغل لمحل الغير في حال عدم رضاه الجامع
بين الركوع والسجود وبين غيرهما من الافعال الاخر الأجنبية عن الصلاة فالعنوانان مشتركان في جهة وممتازان في جهة أخرى من
جهة اشتراكهما حينئذ في نفس الأكوان وامتيازهما في الخصوصيات الزائدة من الإضافات المقومة للصلاتية والإضافات المقومة
للغصبية، ومقتضى ذلك كما تقدم هو المصير إلى عدم جواز الاجتماع في المجمع في تمام العنوانين في الجهة المشتركة بينهما وهي
نفس الأكوان، مع الالتزام بجواز الاجتماع بالنسبة إلى الجهتين الممتازتين القائمتين بالأكوان المقومة إحداهما للصلاتية والاخرى
للغصبية.
واما على القول بخروج الأكوان عن حقيقة الصلاة أو الغصب اما بجعل الصلاة عبارة عن الأوضاع الواردة على الأكوان الخاصة بجعلها
عبارة عن مقولة الوضع، مع جعل الغصب عبارة عن الفعل الشاغل لمحل الغير بدون اذنه ورضاه، أو عن مقولة الأين بجعله عبارة عن
إشغال المحل بالفعل مع جعل الصلاة من مقولة الفعل فالعنوانان ممتازان في المجمع بتمام حقيقتهما، ومقتضاه كما تقدم هو المصير إلى
جواز الاجتماع.
وحينئذ فلا بد من تنقيح هذه الجهة فنقول: والتحقيق حينئذ هو ما عرفت من عدم خروج الأكوان عن حقيقة الصلاة والغصب وذلك فان
القول بكون الصلاة من مقولة الوضع وانها عبارة عن الأوضاع الواردة على الأكوان من الاستقامة والتقوس والانحناء مع خروج نفس
الأكوان عن حقيقة الصلاة بعيد جدا، فإنه مع الإغماض عن أن القراءة عبارة عن نفس الحركة لا عن الخصوصيات الواردة عليها نقول: بان
ظاهر المنساق من العناوين المزبورة من نحو القيام والركوع والسجود هو كونها عبارة عن نفس الأكوان الخاصة دون الأوضاع
الواردة عليها، ومن ذلك أيضا لا يكتفى في القيام الواجب في الصلاة بصرف احداث هيئة القيام من دون وقوع ثقله على الأرض ونحوها
في حال الاختيار فتأمل، كبعد القول بان الغصب من مقولة الأين وانه عبارة عن إشغال المحل بالفعل لا الفعل الشاغل لمحل الغير فان
الظاهر هو عدم فهم العرف من الغصب إلا نفس التصرفات الشاغلة لا مجرد إشغال المحل بها كيف ومع الإغماض عن ذلك وتسليم
كون الغصب عبارة عن نفس الحيطة على الشئ نقول: بأنه يكفينا حينئذ العمومات الناهية عن التصرف في مال الغير بدون اذنه ورضاه
المعلوم انصرافه في الأذهان إلى نفس التصرفات الشاغلة حركة وسكونا من
430

جهة انطباق عنوان التصرف المنهي عنه في عموم عدم جواز التصرف حينئذ على نفس الأكوان الخاصة من القيام والقعود والركوع و
السجود وحينئذ فإذا كانت الصلاة أيضا عبارة عن نفس الأكوان الخاصة غايته مقرونة ببعض الإضافات والنسبيات الاخر من الترتيب
والموالاة ونشوء كونها عن قصد الصلاتية، فلا جرم تصير الصلاة والغصب من قبيل العنوانين المشتركين في بعض الجهة دون بعض،
من جهة اشتراكهما حينئذ في نفس الأكوان التي هي جهة واحدة ومقولة فاردة، وفي مثله لا بد كما عرفت من المصير إلى عدم الاجتماع
بالنسبة إلى نفس الأكوان مع الالتزام بالجواز في الجهات الزائدة عن الأكوان من الخصوصيات والإضافات القائمة بها المقومة بعضها
للصلاتية وبعضها للغصبية.
على أن مجرد الالتزام بان الغصب من مقولة الأين مع الالتزام بان الصلاة من مقولة الفعل لا يجدى أيضا فيما هو المهم من تصحيح الصلاة،
فان الأكوان على ذلك تصير سببا للغصب المنهي عنه عموم (لا يجوز التصرف في مال الغير الا بإذنه) فكانت محرمة حينئذ بالحرمة
الغيرية ومع حرمتها تقع فاسدة من هذه الجهة من جهة اندراجها في باب النهي عن العبادة وإن كان بينهما فرق من حيث تحقق ملاك
الأمر والنهي في المقام دونه في ذلك المقام، كما هو واضح. ولكن التحقيق في المقام هو ما عرفت من عدم خروج الأكوان عن حقيقة
الصلاة ولا عن حقيقة الغصب وانه كما أن الصلاة عبارة عن الأكوان الخاصة بضميمة بعض الإضافات الخاصة كذلك الغصب أيضا -
حسب ما هو المنصرف منه لدى العرف من العمومات الناهية عن التصرف في مال الغير بدون رضاه - عبارة عن نفس الافعال الشاغلة
حركة وسكونا المنطبقة على الأكوان الخاصة فيكونان حينئذ مشتركين في نفس الأكوان التي هي جهة واحدة وحيثية فاردة و
ممتازين في الخصوصيات الزائدة من الإضافات الخاصة المقومة بعضها للصلاتية وبعضها للغصبية.
ومقتضى ذلك هو لزوم المصير إلى عدم الجواز بالنسبة إلى نفس الأكوان التي هي جهة مشتركة بينهما في المجمع مع الجواز بالنسبة
إلى الجهتين الزائدتين القائمتين بالأكوان المقومة إحداها للصلاة والاخرى للغصب، نعم لما كان المفروض حينئذ أهمية مفسدة الغصبية
من مصلحة الصلاة باعتبار كونها من حقوق الناس فلا جرم يقع الأكوان الخاصة من القيام والركوع والسجود موردا لتأثير المفسدة
الأهم في المبغوضية الفعلية فتقع مبغوضا صرفا لا محبوبا ومعه تبطل الصلاة لا محالة لعدم المجال حينئذ للتقرب بها بإيجادها.
431

اللهم الا ان يقال حينئذ بأنه يكفي في تصحيحها التقرب بالجهات الزائدة عن الأكوان فيتقرب حينئذ بجعل الأكوان صلاة لان ما هو
المبغوض حينئذ انما كان تلك الأكوان بعناوينها الأولية وبما هي قيام وركوع وسجود لا بما انها صلاة بهذا العنوان الطاري عليها
الناشئ من قصد الصلاتية بها. وحينئذ فبعد إن كانت هذه الخصوصيات القائمة بالأكوان موردا لتأثير المصلحة المهمة في المحبوبية
الفعلية بمقتضى خلوها عن المزاحم فيها فلا جرم أمكن التقرب بحيثية كونها صلاة فيتقرب بحيثية صلاتية الأكوان لا بنفسها وإيجاد
تمام حقيقة الصلاة ويكتفى أيضا في التقرب بمثلها في العبادة من دون احتياج في صحتها إلى التقرب بتمام حقيقتها كي يشكل من جهة
مبغوضية نفس الأكوان، ومع الشك في احتياج العبادة في القرب إلى أزيد من هذا المقدار فالأصل هو البراءة عن المقدار الزائد، بناء
على ما هو التحقيق من جريانها في الشك في أصل قربية العمل وتعبديته أو توصليته نعم بناء على مرجعية الاحتياط في أصل المسألة عند
الشك في التعبدية والتوصلية بالتقريبات المذكورة في محله لا بد من الاحتياط في المقام أيضا والمصير إلى عدم كفاية القرب بالمقدار
المزبور في صحة العبادة، هذا.
ولكن مع ذلك لا تخلو المسألة عن إشكال فان الظاهر هو تسالم الأصحاب على عدم كفاية القرب بالمقدار المزبور في صحة العبادة و
احتياجها إلى التقرب بتمام حقيقتها وحينئذ فإذا فرضنا مبغوضية الأكوان المزبورة من جهة أهمية مفسدة الغصب لكونه من حقوق
الناس فلا جرم لا يبقى مجال للتقرب بتمام حقيقة الصلاة فتفسد العبادة حينئذ لا محالة، كما هو واضح، نعم لو أغمض عن ذلك وقلنا
بكفاية التقرب بحيثية صلاتية الأكوان والجهات الزائدة عنها لما كان مجال للاشكال عليه بان تلك الجهات الزائدة من الإضافات
الخاصة المقومة للصلاتية والغصبية انما هي من الاعتباريات المحضة الخارجة عن حيز المصلحة والمفسدة وان ما هو مركب المصلحة و
المفسدة انما هو المصادر الخارجي الذي هو نفس الكون ومعه يكون ما في الخارج مبغوضا محضا بتمامه لا ببعضه، إذ يمكن دفعه بما
عرفت في المقدمة الخامسة من عدم كون هذا النحو من الإضافات المقولية من قبيل الإضافات الاعتبارية المحضة التي لا يكون لها واقعية
بل هي بلحاظ خارجيتها في نفسها حينئذ كانت قابلة لان تكون مركب المصالح والمفاسد أو استقلالا من غير فرق في ذلك بين ان
نقول بحظ من الوجود لها أيضا - كما قيل - أم لا، لأنها حينئذ كانت من قبيل
432

حدود وجود الشئ الذي بحده الخاص تقوم به المصالح والمفاسد ومعه لا يبقى مجال إلغائها عن التأثير في الصلاح والفساد بالمرة و
إلحاقها بالأمور الاعتبارية المحضة التي لا يكون لها واقعية في الخروج عن حيز الصلاح والفساد، وحينئذ فلو لا الاجماع المزبور على
عدم كفاية هذا المقدار من القرب من صحة العبادة واحتياجها إلى التقرب بتمام حقيقتها أمكن تصحيح العبادة بمقتضى القاعدة
بالمقدار المزبور من القرب، كما هو واضح، وكيف كان فهذا كله في اجتماع الأمر والنهي وتميز موارد الجواز والامتناع على المسالك
المزبورة.
وقد تلخص من جميع ما ذكرنا ان المختار هو جواز الاجتماع في فرض اختلاف العنوانين وتغايرهما بتمام المنشأ على نحو كان منشأ
انتزاع كل عنوان بتمامه غير ما ينتزع عنه العنوان الآخر، من غير فرق بين كون العنوانين من مقولتين كعناوين الأوصاف الحاكية عن
الكم والكيف والأين أو من مقولة وواحدة، كان التركيب بينهما في المجمع اتحاديا أو انضماميا، ومن غير فرق بين كون الامر كالنهي
متعلقا بالطبيعة السارية أو بصرف وجودها، ولا بين تعلق الامر بالعناوين والصور الذهنية أو بالمعنونات الخارجية، ولا بين وقوف
الطلب على نفس الطبيعي أو السراية إلى الافراد، وعدم جواز الاجتماع فيما لم يكن تغاير العنوانين بهذا النحو سوأ كان اختلافهما في
صرف كيفية النظر دون المنظور، أو كان اختلافهما في المنشأ وفي المنظور أيضا لكن لا بتمامه بل بجز منه، إذ حينئذ بالنسبة إلى
الجهة المشتركة بينهما يتوجه محذور اجتماع الضدين وهما الحب والبغض في أمر وحداني، ولقد عرفت أيضا ان مثل الصلاة والغصب
الذي هو معركة الآراء من هذا القبيل حيث إنه بعد عدم خروج الأكوان عن حقيقتهما كان اختلافهما في جز المنشأ خاصة، لا في تمامه كما
هو مقتضى القول بخروج الأكوان عن حقيقة الغصب أو القول بخروجها عن حقيقة الصلاة بجعلها عبارة عن الأوضاع الواردة على
الأكوان، ولا كان اختلافهما أيضا بالاعتبار مع اتحادهما حقيقة في تمام المنشأ كما يظهر من الكفاية () من حيث عده الصلاتية والغصبية
من الاعتباريات الصرفة الخارجة عن حيز المصلحة والمفسدة هذا كله على مسلك مكثرية الجهات جوازا ومنعا.
433

كما أنه على مسلك عدم سراية الامر من الطبيعي إلى الفرد كان المتجه هو المصير إلى الجواز في كل مورد كان الامر متعلقا بالطبيعي و
الجامع والنهي بفرد من افراده وإن كان المبنى خلاف التحقيق، كما مر بيانه وشرح السراية في المقدمة السابعة.
واما على مسلك اختلاف أنحاء حدود وجود الشئ الوحداني الجاري حتى في صورة وحدة عنوان المتعلق في الأمر والنهي كقوله: صل و
قوله: لا تصل في الدار المغصوبة أو في الحمام فقد عرفت ان المختار على هذا المسلك أيضا هو الجواز في كل مورد كان المطلوب من
الامر هو صرف الطبيعي والجامع دون الطبيعة السارية مع أقوائية المصلحة الجامعية من المفسدة التعيينية في الفرد وإلا فالمتجه هو
عدم جواز الاجتماع، ومن ذلك لا يكاد يجدى هذا المسلك أيضا للجواز في مثال الغصب والصلاة الذي هو معركة الآراء وذلك انما هو
من جهة ما يعلم من مذاق الشرع من أهمية مفسدة الغصب ولو من جهة كونه من حقوق الناس إذ حينئذ يخصص دائرة رجحان الطبيعي و
الجامع عقلا بما عدا هذا الفرد فيصير الفرد الغصبي بتمام حدوده مورد تأثير المفسدة الأهم التعيينية في المبغوضة الفعلية وهذا بخلافه
في فرض أهمية مصلحة الجامع فإنه في هذا الفرض يكون التأثير للمصلحة الأهم فيمكن حينئذ الالتزام بجواز الاجتماع بالتفكيك بين
أنحاء حدود الفرد المزبورة بالتقريب المتقدم.
بل وعلى هذا التقريب أيضا عرفت حل الاعضال في العبادات المكروهة أيضا، حيث جمعنا بين صحة العبادة وبين ظهور النواهي
المتعلقة بها في الكراهة المصطلحة بالالتزام بفعلية الكراهة في الفرد ولو ببعض حدوده مع الالتزام بصحة العبادة أيضا لمكان
رجحانها ذاتا بمقدار يقتضى حفظ وجودها من قبل حدودها الطبيعي لا مطلقا حتى من قبل حدودها الشخصية، ولكن مثل ذلك كما
عرفت انما هو في العبادات المكروهة التي لها بدل كالصلاة في الحمام مثلا، واما ما لا بدل لها منها كصوم يوم عاشوراء والصلوات
المبتدئة في الأوقات المخصوصة في أول طلوع الشمس وعند غروبها ونحو ذلك مما كان امره من قبيل الوجود الساري فلا يتم هذا
التقريب، إذ في مثل ذلك يقع التزاحم قهرا بين الأمر والنهي في الفرد بجميع حدوده، ومن ذلك لا بد فيها اما من صرف تلك النواهي عن
ظاهرها إلى حيث إيقاع العبادة في الأوقات الخاصة، نظير النهي عن إيقاع جوهر نفيس في مكان قذر، فكان المبغوض حينئذ هو
كينونة الصلاة في أوقات خاصة لا نفسها، واما من حمل الكراهة
434

فيها على أقلية الثواب والرجحان، وإن كان المتعين هو الوجه الأول نظرا إلى عدم ملائمة أقلية الرجحان مع مداومة الأئمة عليهم السلام
على الترك.
نعم هنا وجهان آخر ان تفصي بكل منهما في الكفاية () لدفع الاشكال: أحدهما دعوى قيام مصلحة أخرى أقوى على عنوان منطبق على
الترك فكان رجحان تركها حينئذ لمكان ما في نفس الترك حينئذ من المصلحة الأهم بملاحظة ذاك العنوان المنطبق عليه وثانيهما
دعوى قيام مصلحة أقوى على عنوان وجودي ملازم مع تركها، فكان النهي عن إيجادها حينئذ في الحقيقة كناية عن الامر بذلك العنوان
الملازم مع الترك، حيث اكتفى في الامر به بالنهي عما هو نقيض ملزومه.
ولكن لا يخفى ما في كلا الوجهين: اما الأول فلان مقتضى أرجحية الترك بعد فرض انطباق العنوان المزبور عليه واتحاده معه هو ان
يكون نقيضه وهو الفعل بمقتضى اقتضاء الامر بالشئ للنهي عن نقيضه مرجوحا فعليا ومع صيرورة الفعل الذي هو نقيض الترك
مرجوحا يتوجه الاشكال المزبور بأنه كيف المجال لصحة العبادة مع مرجوحيتها الفعلية؟ واما الثاني فلكونه مخالفا لما يقتضيه ظهور
النهي من التعلق بنفس العمل لا بما يلازمه من أمر آخر، كما هو واضح.
بقي التنبيه على أمور
الأمر الأول:
لا يخفى عليك انه لا اختصاص لنتيجة هذه المسألة بالعبادات بل كما انها تجري في العبادات كذلك تجري في المعاملات أيضا، كما لو
آجر نفسه على خياطة ثوب أو طحن حنطة بمعناهما المصدري فخاطه أو طحنها في مكان مغصوب حيث إنه تقع الخياطة وكذا الطحن
بملاحظة كونهما أداء لحق الغير مأمورا بالايجاد، وبملاحظة كونه غصبا وتصرفا في مال الغير بدون رضاه كان منهيا عن الايجاد. و
حينئذ فبناء على جواز الاجتماع كان له إيجاد الخياطة والطحن في مكان مغصوب وبإتيانه يقع العمل وفاء لعقد الإجارة نظرا إلى
خروج محل الإجارة حينئذ عن المبغوضية وبقائه على ماليته فيصير حينئذ وفاء
435

قهرا بعقد الإجارة، نعم على ذلك لا بد في صحة أصل الإجارة من وجود المندوحة من جهة انه بدون المندوحة لا قدرة له على الوفاء وهي
شرط صحة الإجارة فمن ذلك يبطل الإجارة حينئذ لانتفاء شرط صحتها الذي هو القدرة على الوفاء، ومن هذه الجهة يفرق العبادات عن
المعاملات، حيث إنه في العبادات لا يحتاج إلى اعتبار قيد المندوحة الا من جهة ما عرفت من أن المهم عنده انما هو محذور اجتماع
الضدين الذي هو بنفسه من التكليف المحال، بخلافه في المعاملات حيث إن الاحتياج إلى قيد المندوحة من جهة أصل صحة المعاملة.
واما بناء على الامتناع وتغليب جانب النهي فحيث انه تسرى المبغوضية إلى الخياطة فقهرا تصير مبغوضة ومحرمة ومعه تخرج شرعا
عن المالية فلا يصلح مثلها للوقوع وفاء بعقد الإجارة وحينئذ فلو كان المحل باقيا بعد ذلك فلا إشكال، حيث يجب الاتيان بالخياطة في
غير المكان المغصوب والا فيبطل الإجارة لعدم بقاء المحل للوفاء.
هذا إذا كانت الإجارة على نفس الخياطة والطحن بما انهما عمل له واما لو كانت الإجارة عليهما بما انهما نتيجة عمله وفعله ففي هذا
الفرض صحت الإجارة مع المندوحة ويقع الطحن والخياطة أيضا وفاء للمعاملة بلا إشكال، نظرا إلى عدم سراية المبغوضية حينئذ
إليهما وبقائهما على ماليتهما لخروجهما حينئذ حقيقة عن فرض اجتماع الأمر والنهي في وجود واحد كما هو واضح.
الأمر الثاني:
قد عرفت سابقا ان المسألة كانت من صغريات باب التزاحم دون التعارض ولو على الامتناع ومن ذلك لا بد من إحراز الملاك و
المقتضى لكل واحد من الحكمين على الاطلاق حتى في المجمع كي يحكم عليه على الجواز بكونه محكوما بحكمين من المحبوبية و
المبغوضية والإرادة والكراهة، وعلى الامتناع بأقوى الملاكين لو كان أحدهما أقوى ولا فبحكم آخر غيرهما مثلا. ولقد عرفت أيضا
بيان الفرق بين باب التزاحم والتعارض وان المدار في باب التزاحم انما هو على تزاحم الملاكين في مقام التأثير في الرجحان و
المرجوحية أو في عالم الوجود ومرحلة فعلية الإرادة والكراهة كما في المتضادين وجودا، ومنه باب الاجتماع بناء على الجواز خصوصا
مع عدم المندوحة، لا على تزاحم الحكمين في مقام الامتثال كما توهم والا فكما عرفت لا يكاد ينتهى النوبة إلى مقام تزاحم الحكمين حتى
في المتضادين اللذين يلازم امتثال أحدهما عصيان الاخر إلى علي فرض
436

جعل القدرة من شرائط تنجز التكليف لا من شرائط أصل التكليف وفعليته، وإلا فعلى فرض كونهما من شرائط أصل التكليف وفعليته
كما هو التحقيق لا يكاد يكون مجال لوقوع المزاحمة بين الحكمين الفعليين حتى في المتضادين وجودا من جهة وضوح استحالة تشريع
الحكمين حينئذ على الاطلاق في المتضادين، نظير امتناع تشريع إطلاق الحكمين في مجمع العامين من وجه فلا بد على هذا الملاك حينئذ
من إدراج جميع هذه الموارد في باب التعارض مع أنه كما ترى. وحينئذ فلا محيص من الالتزام بما ذكرناه من المعيار بجعل المناط في
باب التزاحم على تزاحم الملاكين من المفسدة والمصلحة في عالم التأثير في إيراث الحب والبغض كما في باب الاجتماع على الامتناع،
أو تزاحمهما في عالم الوجود ومقام فعلية الإرادة والكراهة كما في المتضادين وجودا، ومنه باب الاجتماع على الجواز، وإن كان
الحكم الفعلي دائما على طبق أحد الملاكين في قبال باب التعارض الذي ملاكه تكاذب الدليلين في مرحلة أصل الاقتضاء.
وعليه فكل مورد أحرز ولو من الخارج وجود الملاك والمقتضى لكل واحد من الحكمين كان ذلك من باب التزاحم الذي من لوازمه هو
الاخذ بما هو الأقوى والاهم منهما ملاكا وإن كان أضعف سندا من الاخر نعم يخرج عن ذلك صورة إناطة المصلحة في قيامها بالشئ
بعدم تأثير المفسدة في المرجوحية، كما في كلية التكاليف المشروطة بالقدرة شرعا عند مزاحمتها مع ما لا يكون القدرة فيه الا شرطا
عقليا، كما في الحج الواجب في فرض انحصار المركوب بالدابة المغصوبة مثلا حيث إنه في هذا القسم لا يلاحظ جهة أقوائية المفسدة في
مقام تقديمها على المصلحة، بل حينئذ يقدم المفسدة على المصلحة في مقام التأثير في المرجوحية الفعلية ولو كانت أضعف بمراتب من
المصلحة، وذلك من جهة استحالة مزاحمة المصلحة التعليقية مع المفسدة التنجيزية، لان مانعيتها دورية فتبقى المفسدة المزبورة في
رتبة تأثيرها بلا مزاحم فتؤثر في المبغوضية ولو كانت في أدنى درجة الضعف وكانت المصلحة في أعلى درجة القوة وحينئذ فينحصر
باب التمانع الذي يكون جهة تأثير كل من الملاكين تابع الأهمية والأقوائية بما عدا تلك الصورة، كما هو واضح.
كما أن كل مورد لم يحرز وجود المقتضى والملاك لكل من الحكمين كان من باب التعارض الذي من حكمه هو الرجوع بعد العجز عن
الجمع بينهما إلى المرجحات السندية.
ثم إنه بعد ما اتضح لك ما هو كبرى المسألة وتميز ثبوتا عن كبرى باب التعارض
437

يبقى الكلام في تشخيص صغريات باب التزاحم عن صغريات باب التعارض، وان مقتضى ظهور الخطابين عند عدم قيام قرينة قطعية
من إجماع أو غيره على وجود الملاكين في المجمع هل هو كونه من باب التزاحم مطلقا؟ أو من باب التعارض كذلك؟ أو يفصل بين
صورة تعدد عنوان المأمور به والمنهي عنه وبين صورة وحدة عنوان المأمور به والمنهي عنه؟ كما في إكرام والهاشمي فيما لو تعلق
الامر مثلا بإكرام العالم والنهي بإكرام الهاشمي.
فنقول: اما فرض تعدد عنوان المأمور به والمنهي عنه حقيقة كالغصب والصلاة قضية إطلاق الخطابين حينئذ الكاشف عن وجود الملاك
والمصلحة في موضوعيهما على الاطلاق حتى في المجمع بل وفي حال العجز عن موضوعهما وجدانا أيضا، كما كان ذلك هو الشأن أيضا
في كلية الخطابات. ومن ذلك أيضا ترى بنائهم على كشف قيام المصلحة بمتعلق التكاليف على الاطلاق حتى في حال العجز عن امتثالها
من مثل تلك الخطابات مع الجزم باختصاص فعلية التكليف بحال القدرة، من غير تخصيص للمصلحة أيضا بحالها الا في فرض أخذ
القدرة أيضا قيدا في حيز الخطاب كما في الحج، وحينئذ فإذا كان قضية إطلاق الخطابين هو الكشف عن وجود الملاك في موضوعهما
على الاطلاق حتى في المجمع، فقهرا يندرج في باب التزاحم الذي من حكمه هو الاخذ بأقوى الملاكين منهما.
نعم هنا إشكال معروف وهو ان طريق كشف المصلحة في المتعلق انما كان حيث ظهور الخطاب في فعلية التكليف والا فلا دلالة له على
وجود المصلحة في المتعلق أو قيام الرجحان به في قبال دلالته على فعلية التكليف، وحينئذ فإذا فرض سقوط دلالته على فعلية التكليف
بمقتضى حكم العقل بتخصيص فعلية التكليف بحال القدرة وعدم العجز فلا جرم مع سقوط دلالته هذه لا يبقى مجال الكشف عن قيام
المصلحة في المتعلق على الاطلاق حتى في حال العجز وعدم القدرة، ومعه أين الطريق بعد لكشف المناط والمصلحة في المتعلق على
الاطلاق؟ ولكن يدفع هذا الاشكال بأنه انما يتم ذلك فيما لو كان حكم العقل باشتراط القدرة في الارتكاز بمثابة يكون من القرائن
الحافة بالكلام الكاسرة لظهور اللفظ نظير قرينة الحكمة فإنه حينئذ كما أفيد لا يبقى مجال الكشف عن وجود الملاك والمصلحة من
إطلاق الخطاب، لان دلالة الخطاب والهيئة على قيام المصلحة في المتعلق لما كانت بالالتزام فرع دلالته على فعلية التكليف وبعد
سقوطه دلالته
438

على فعلية التكليف بمقتضى القرينة العقلية فقهرا لا يبقى له الدلالة على قيام المصلحة أيضا الا في حال القدرة، ولكن ذلك في محل المنع
جدا، بل نقول: بأنه من قبيل القرائن المنفصلة الغير الكاسرة لظهور اللفظ وان مانعيته انما هو عن حجيته لا عن أصل ظهوره، وعليه
نقول: بان القدر الممنوع بحكم العقل حينئذ انما هو حجية الخطاب بهيئته في فعلية التكليف في حال العجز وعدم القدرة، فيبقى ظهوره
في الدلالة على قيام المصلحة في المتعلق على الاطلاق على حاله، فيؤخذ بظهوره ذلك ويحكم بوجود الملاك في متعلق الخطابين على
الاطلاق حتى في المجمع، من دون احتياج حينئذ إلى التشبث بإطلاق المادة والمتعلق لكشف المصلحة حتى في حال العجز عن الامتثال
كي يقال بان المادة بعد ما أخذت موضوعة للهيئة في الخطاب فمقتضى طبع الموضوعية هو كونها سعة وضيقا بمقدار سعة الهيئة و
ضيقها، وحينئذ فمع تضيق دائرة الهيئة واختصاصها بحال القدرة وعدم العجز لا يكون للمادة سعة إطلاق في قبال الهيئة العارضة لها
حتى يتشبث بإطلاقها، كما هو واضح.
ومما ذكرنا ظهر أيضا عدم صحة مقايسة هذا الحكم العقلي في المقام بمثل قرينة الحكمة التي هي من الارتكازيات في مقام المخاطبات
في كونها موجبة لانصراف الهيئة إلى صورة القدرة وعدم العجز وذلك فان قرينة الحكمة بملاحظة كونها من شؤون اللفظ في مقام
المخاطبات تعد من قبيل القرائن اللفظية الحافة بالكلام، وهذا بخلافه في حكم العقل باشتراط القدرة في فعلية التكليف، حيث إنه لا
يكون بمثابة قرينة الحكمة حتى يكون ذلك أيضا من شؤون الألفاظ كالحكمة، بل ولا كان في الارتكاز أيضا بمثابة لا يحتاج إلى تأمل
من العقل حتى يعد بذلك من القرائن الحافة الكاسرة لظهور الهيئة، بل هو من جهة احتياجه إلى نحو تأمل من العقل يكون من القرائن
المنفصلة الغير المانعة الا عن حجية الظهور لا عن أصل الظهور، وعليه فبعد عدم انثلام ظهور الهيئة بمقتضى حكم العقل باشتراط القدرة
في التكليف الفعلي فلا محالة يؤخذ بظهورها في الدلالة على قيام المصلحة في المتعلق على الاطلاق حتى في حال العجز.
هذا كله فيما لو تعدد عنوان المأمور به والمنهي عنه، ومثله بل أوضح منه ما لو تباينا وجودا أيضا مع تلازمهما خارجا فإنه أيضا مندرج
في باب التزاحم بالبيان المزبور.
واما لو اتحد عنوان المأمور به والمنهي عنه كإكرام العالم والهاشمي حيث كان متعلق الأمر والنهي عنوانا واحدا وهو الاكرام فمقتضى
ما ذكرنا وإن كان هو إعمال قواعد
439

التزاحم فيه أيضا الا ان ظاهر الأصحاب في مثله على إعمال قواعد التعارض، ولعل النكتة في الفرق بين الفرضين هو ان في فرض تعدد
عنوان المأمور به والمنهي عنه لا يكون العقل مانعا بدوا عن فعلية عن فعلية التكليف بالعنوانين بل وانما الممنوع فيه هو فعلية التكليفين
في ظرف التطبيق في المجمع، حيث يرى بعد التطبيق كونهما من التكليف بما لا يطاق، فمن ذلك يخرج عن كونه من القرائن الحافة
الكاسرة لظهور الهيئة. وهذا بخلافه في صورة وحدة عنوان المأمور به والمنهي عنه كما في العامين من وجه كإكرام العالم والهاشمي
فإنه في هذا الفرض يكون العقل بدوا مانعا عن فعلية التكليفين بعنوان وحداني وعن اجتماع المحبوبية والمبغوضية فيه، إذ يرى كون
أصل التكليف به بالفعل تارة وبالترك أخرى من التناقض، ومن هذه الجهة يكون من قبيل القرائن المتصلة الحافة، فيوجب كسر صولة
ظهور الخطابين في الفعلية، ومعلوم انه مع انثلام الظهور المزبور لا يبقى مجال كشف المناطين فيه، فمن ذلك لا بد فهي من إعمال
قواعد التعارض، إذ يكفي في إجراء قواعد التعارض فيه مجرد عدم إحراز كونه من باب التزاحم كما هو واضح، هذا.
وقد يوجه نكتة الفرق بين الفرضين بوجه آخر وحاصله: دعوى ان إعمال قواعد التعارض في فرض وحدة عنوان المأمور به والمنهي
عنه انما هو من جهة ما يقتضيه العقد السلبي في كل من الخطابين، بتقريب ان كل واحد من الخطابين في الفرض المزبور كما يكشف عن
وجود مناطه فيه - أي في متعلقه - كذلك يكشف عن عدم وجود مناط آخر فيه غير مناطه، وحينئذ فحيث ان متعلق الخطابين عنوان
واحد فقهرا يقع التكاذب بين العقد الايجابي في كل منهما مع العقد السلبي في الخطاب الاخر بنحو يوجب تقديم كل خطاب إلغاء الاخر
بالمرة حتى من جهة دلالته على وجود مناط فيه، فمن ذلك لا بد فيه من إعمال قواعد التعارض بينهما، وهذا بخلافه في فرض تعدد
عنوان المأمور به والمنهي عنه، فإنه في هذا الفرض لا ينتهى النوبة إلى مقام معارضة الخطابين حيث لا يقتضى تقديم شئ من الخطابين
حينئذ إلغاء الاخر عن الدلالة على وجود المناط في متعلقه بوجه أصلا، فمن هذه الجهة يؤخذ بظهور كل من الخطابين في الدلالة على
وجود الملاك والمصلحة في متعلقه حتى في المجمع ويجري عليه بعد ذلك قواعد باب التزاحم، هذا.
ولكن يمكن الخدشة في هذا التقريب بمنع التنافي بين الخطابين في فرض وحدة عنوان المأمور به والمنهي عنه أيضا وذلك من جهة
إمكان ان يكون الشئ الوحداني
440

بجهتين تعليليتين واجدا للمصلحة والمفسدة، فيكون ذا مصلحة من جهة وذا مفسدة من جهة أخرى، وأمثلته كثيرة جدا، ومعلوم حينئذ
انه مع إمكان ذلك ثبوتا لا يبقى مجال دعوى العقد السلبي للخطابين حتى ينتهى الامر إلى معارضته مع العقد الايجابي في الاخر. و
حينئذ فالعمدة في الفرق بين الفرضين هو ما ذكرنا من كون منع العقل بدويا في فرض وحدة عنوان لمأمور به والمنهي عنه بخلافه في
فرض تعدد عنوان المأمور به والمنهي عنه، فان منعه انما يكون بملاحظة مقام تطبيق العنوانين على المجمع الوحداني لا ان منعه يكون
بدويا كما في الفرض الأول.
وكيف كان فمن التأمل فيما ذكرنا في العامين من وجه وحدة عنوان المأمور به ظهر لك الحال في صورة الامر بالمطلق والنهي عن
المقيد كقوله: صل، وقوله: لا تصل في الدار المغصوبة، حيث إنه ثبوتا وان أمكن كونه من باب التزاحم الا انه إثباتا لا بد فيه من إعمال
قواعد التعارض نظرا إلى كشف دليل الخاص حينئذ في فرض أقوائية عن تضيق دائرة التكليف في طرف العام بغير المقيد بجميع
مراتبه، فتدبر.
واما لوازم البابين:
فمنها كما عرفت هو الرجوع في باب التعارض بعد اليأس عن الجمع إلى قواعد التعادل والترجيح بخلافه على التزاحم فإنه فيه لا بد من
ملاحظة ما هو الأعم مصلحة كانت أو مفسدة فيقدم الأقوى ملاكا على غيره وإن كان أضعف سندا من غير أن يلاحظ فيه جهة أقوائية
السند بل ولا الدلالة أيضا الا إذا فرض كون الأقوى دلالة أقوى ملاكا أيضا فيقدم حينئذ ما هو الأقوى دلالة على غيره لمكان كشف قوة
دلالته حينئذ عن قوة ملاكه، فتدبر.
ومن لوازم التعارض والتخصيص أيضا هو عدم قيام المصلحة واقعا الا بالمقيد ويتبعه أيضا فساد العمل الفاقد لقيد واقعا من دون
إناطة بالعلم بالمصلحة أو الجهل بها، بخلافه على التزاحم فان من لوازمه قيام المصلحة واقعا بنفس المطلق وإن كان حكمه الفعلي مقيدا
بعدم وجود المزاحم الأهم، ومن لوازم هذا المعنى هو عدم تبعية الفساد واقعا مدار فقد قيد الحكم الفعلي بل يكون تبعيته حينئذ مدار
العلم به وعدمه، فمع الجهل يكون المأتي به صحيحا واقعا من جهة وجدانه لما هو الملاك والمصلحة ووفائه بغرض المولى، ومن ذلك
أيضا بنوا في مثل الغصب والصلاة ولو على الامتناع وتغليب النهي على صحة العبادة مع الجهل بالغصبية مطلقا أو الجهل بالحرمة إذا
كان عن قصور، ومعلوم انه لا يكون ذلك
441

إلا من جهة واجدية المأتي به حينئذ للملاك والمصلحة إذ المانع عن صحته حينئذ انما كان هو فعلية نهيه وتنجزه عليه وتأثيره في
مبعدية الفاعل وبعد فرض معذورية المكلف من جهة جهله يقع العمل صحيحا قهرا، لا يقال: هذا كذلك في غير العبادات واما فيها
فبملاحظة احتياج صحتها إلى قصد القربة المنوط بوجود الامر الفعلي القائم بالعمل المأتي به بداعيه ومحبوبيته فلا يتم ذلك حتى في
ظرف الجهل المزبور، وذلك لان الجهل المزبور حينئذ غير رافع لتأثير المفسدة الأهم في المبغوضية الفعلية ومع هذه الجهة من التأثير
لا يبقى مجال تأثير المصلحة المهمة المغلوبة في رجحان العمل ومحبوبيته وفعلية الامر المتعلق به، ومعه فأين أمر فعلى قائم بالمأتي به
يوجب التقرب به كي يصير العمل لأجله صحيحا؟ ففي الحقيقة تمام المنشأ للفساد حينئذ انما هو من جهة انتفاء مقتضى الصحة وهو
التقرب لا من جهة وجود المانع وهو فعلية النهي وتنجزه حتى يقال: بأنه في ظرف الجهل المزبور لا تأثير للنهي في المنجزية ومبعدية
الفاعل عن ساحة القرب إلى المبدأ الاعلى عز شأنه.
فإنه يقال: نعم ان ذات العمل حينئذ وإن كان مبغوضا فعلا بمقتضى تأثير المفسدة الأهم ومع هذه الجهة من التأثير لا يبقى مجال تأثير
المصلحة المهمة المغلوبة فيه في المحبوبية الفعلية، الا انه نقول: بأنه لا بأس حينئذ في تأثير المصلحة المهمة في حسنه من حيث صدوره عن
الفاعل، إذ المانع عن تأثيره في حسنه حتى من حيث صدوره عن الفاعل انما كان هو حيث تنجز نهيه وبعد سقوط تنجزه لمكان جهله
فقهرا تؤثر المصلحة في حسنه من تلك الجهة ويتبعه أيضا الامر الفعلي فيتقرب حينئذ بداعي امره ولو من حيث إضافة صدوره إلى
الفاعل. ولئن خودش فيه أيضا بامتناع موردية العمل ولو بلحاظ إضافة صدوره إلى الفاعل لتأثير المصلحة في الرجحان والمحبوبية
الفعلية مع كونه مبغوضا بالبغض الفعلي بمقتضى تأثيره المفسدة الأهم الغالبة، نظرا إلى استلزامه لاجتماع الضدين فيه من المحبوبية و
المبغوضية بملاحظة اتحاد الوجود والايجاد حقيقة، وان ما هو الصالح لان يكون موردا لتأثير المصلحة في الرجحان والمحبوبية انما
هو حيث إضافة العمل إلى الفاعل فقط مع خروج المضاف عن مورديته لتأثير المصلحة، ومثل هذا المقدار غير واف بالتقريب المعتبر
في صحة العبادة من جهة ان ظاهرهم هو احتياج العبادة في صحتها إلى التقرب بذات العمل لا بحيث إضافته إلى الفاعل، نقول: بأنه نمنع
توقف القرب على فعلية الامر بالمأتي به و
442

رجحانه الفعلي، إذ نقول بان من أنحاء القرب أيضا إتيان العمل بقصد التوصل به إلى غرض المولى. ومن المعلوم حينئذ ان مثل هذا
المعنى مما يتمشى من المكلف حتى مع الجزم بعدم الامر الفعلي بل ومع الجزم بكونه مبغوضا فعلا ما لم يكن العمل مبعدا له، كما في
المضطر بالغصب لا عن سوء الاختيار، وحينئذ فإذا أتى بالعمل في ظرف الجهل المزبور بداعي التوصل به إلى غرض المولى وكان
العمل أيضا من جهة وجدانه للمصلحة وافيا بغرض المولى فقهرا بنفس إتيانه بالقصد المزبور يتحقق القرب ويصح منه العبادة. مع أنه
على فرض الاحتياج إلى الامر الفعلي أيضا نقول: بأنه بعد احتمال فعلية الامر ومطلوبيته يكفي في التقرب بالعمل إتيانه برجاء كونه
مأمورا به بالايجاد من دون احتياج إلى الجزم بالامر أصلا، كما هو واضح. هذا في الجهل البسيط.
واما في مورد الجهل المركب فيكفي أيضا في الداعوية وفي تحقق القرب اعتقاد الامر الفعلي وان لم يكن في الواقع أمر أصلا فان ما له
الدخل بتمامه في الداعوية والمحركية انما كان هو العلم بالامر لا هو بوجوده الواقعي، وحينئذ فإذا علم بالامر وجدانا أو تعبدا لقيام
أمارة عليه كان علمه ذلك تمام العلة لتحقق الدعوة، ومع إتيانه بالعمل بداعيه يتحقق القرب المتوقف عليه صحة العبادة قهرا، من جهة
تحقق ما هو علته وهي الدعوة، فيترتب عليه حينئذ صحة العبادة وان لم يكمن هناك أمر فعلى متعلق بالعمل في الواقع.
لا يقال: كيف ذلك مع أنه خلاف ما بنوا عليه من احتياج العبادة في صحتها إلى قيام الامر الفعلي بها في الواقع كما يشهد عليه حكمهم
بفساد العبادة عند خلوها عن الامر واقعا.
فإنه يقال: كلا، وان اعتبارهم لوجود الامر انما هو باعتبار كشفه عن وجود المصلحة في متعلقه وبلوغه إلى مرحلة وفاء بالغرض
الفعلي نظرا إلى عدم طريق آخر إلى كشف المناط والمصلحة فيه الا امره وبعثه لا من جهة دخله في التقرب المعتبر في صحة العبادة،
كما هو واضح.
الأمر الثالث
في الاضطرار إلى الغصب فنقول: الاضطرار إلى الغصب تارة يكون لا عن سوء اختيار المكلف وأخرى يكون عن سوء اختياره، وعلى
التقديرين تارة يقطع بزوال العذر قبل خروج الوقت وأخرى يقطع ببقاء اضطراره إلى آخر الوقت وثالثة يشك في ذلك، وعلى
التقادير تارة يكون الغصب مجموع الفضاء والأرض وأخرى يكون الغصب
443

هو خصوص الأرض دون الفضاء وثالثة بالعكس، فهذه صور متصورة في الاضطرار إلى الغصب، وبعد ذلك نقول:
اما الصورة الأولى وهي ما لو كان الاضطرار إلى الغصب لا عن سوء اختياره، فبناء على جواز الاجتماع لا إشكال، حيث إن له حينئذ
الاتيان بالصلاة التامة الاجزاء والشرائط مطلقا، سوأ فيه بين علمه ببقاء اضطراره إلى آخر الوقت أو علمه بزواله قبل خروج الوقت، و
سوأ فيه بين كون الغصب مجموع الفضاء والأرض أو الأرض خاصة دون الفضاء أو العكس، واما على الامتناع وتقديم جانب النهي - و
لو لكونه من حقوق الناس - فإن كان الغصب مجموع الأرض والفضاء وقد علم أيضا ببقاء اضطراره إلى آخر الوقت فلا إشكال أيضا
حيث إن له حينئذ الاتيان بالصلاة في الغصب بما لها من الاجزاء والشرائط نظرا إلى معلومية عدم استلزام صلاته حينئذ لزيادة تصرف
في الغصب غير ما اضطر إليه وهذا واضح بعد وضوح عدم التفاوت في شاغليته للمكان بين حالة سكونه وحركته وقيامه وقعوده، نعم
قد يناقش في المقام أيضا في أصل صحة الصلاة بنحو ما مر في صورة الجهل بالغصبية ولكنك عرفت الجواب عنه بما لا مزيد عليه هذا
إذا كان الغصب هو مجموع الفضاء والأرض، واما لو كان الغصب هو خصوص الأرض دون الفضاء فمقتضى القاعدة في هذا الفرض هو
تقليل الغصب مهما أمكن ولازمه هو وجوب الاتيان بالصلاة حينئذ قائما موميا لسجوده نظرا إلى ما يلزم من وضع جبهته على الأرض من
الغصب الزائد، بل ذلك أيضا هو الذي يقتضيه الجمع بين ما دل على أن الصلاة لا تترك بحال وبين ما دل على حرمة التصرف في مال
الغير، بل ولولا استلزام العسر والحرج لكان اللازم هو الاقتصار في قيامه على رجل واحد من جهة كونه أقل تصرفا من القيام على
رجلين.
ومن ذلك ظهر الحال في فرض كون الغصب هو خصوص الفضاء دون الأرض حيث إن اللازم بمقتضى القاعدة هو وجوب الاتيان
بصلاته مستلقيا على ظهره جمعا بين ما دل على أن الصلاة لا تترك بحال وبين عموم حرمة التصرف في مال الغير، هذا.
ولكن ظاهر الأصحاب رضوان الله عليهم هو وجوب الاتيان بصلاة المختار عند كون الاضطرار لا عن سوء اختياره حيث إن ظاهرهم
هو عدم الفرق بين فرض كون الغصب
444

مجموع الفضاء والأرض وبين كونه خصوص الأرض أو الفضاء وان له في جميع الفروض المزبورة الاتيان بالصلاة التامة الاجزاء و
الشرائط من القيام والركوع والسجود والتشهد، ولعل ذلك منهم لمكان قيام السيرة على كونه مختارا حينئذ في قيامه وقعوده و
اضطجاعه واستلقائه خصوصا مع ما يلزم من العسر والحرج من بقائه على كيفية واحدة من القيام أو القعود، كما أنه يشهد لذلك أيضا
خلو كلمات الأصحاب عن التعرض حينئذ لمقدار الجائز من الحركات والسكنات والا لكان اللازم عليهم التعرض لذلك وبيان مقدار
الجائز من الحركات والسكنات، خصوصا في فرض كون الغصب هو الأرض خاصة دون الفضاء أو العكس، هذا. ولكن مع ذلك في غير
صورة الحرجية يشكل الحكم بجواز الاتيان بصلاة المختار حتى في فرض غصبية الأرض وإباحة المكان في قبال عموم حرمة التصرف
في مال الغير، خصوصا مع إمكان حمل كلامهم على ما هو الغالب من فرض غصبية الأرض والفضاء معا، كإمكان منع قيام السيرة أيضا
على الاطلاق على كونه مختارا في الحركات والسكنات حتى في غير صورة الحرجية، فتأمل. ثم إن هذا كله في فرض العلم ببقاء
اضطراره إلى آخر الوقت.
واما لو فرض علمه بزوال اضطراره قبل خروج الوقت وتمكنه من الاتيان بالصلاة في مكان بماح ففي جواز بداره بالصلاة حينئذ و
الاكتفاء بها وعدم جواز إشكال، أقواه العدم، نظرا إلى تمكنه حينئذ من الاتيان بصلاة المختار التامة الاجزاء والشرائط في غير الغصب.
نعم في فرض غصبية مجموع الفضاء والأرض لا بأس بجواز بداره وإتيانه بصلاة المختار قاصدا التقرب به بقصد التوصل به إلى غرض
المولى بناء على كفاية ذلك في القرب المعتبر في العبادة، وهذا بخلافه في فرض غصبية خصوص الأرض أو الفضاء حيث إنه حينئذ لا
مجال لاتيانه بصلاة المختار في مكان مغصوب، لما عرفت من استلزامه لازدياد التصرف في مال الغير. واما الاجماع المدعى سابقا
فغير جار في الفرض أيضا من جهة اختصاصه بفرض عدم تمكنه من الاتيان بالصلاة في غير الغصب، ولا أقل من كونه هو القدر المتيقن
منه فيبقى الفرض تحت القواعد التي مقتضاها وجوب الاتيان مهما أمكن بصلاة المختار التامة الاجزاء والشرائط، وحينئذ فإذا فرض
عدم تمكنه من الاتيان بصلاة المختار في الغصب يجب عليه الصبر والاتيان بها في غير الغصب.
بل ومن ذلك البيان ظهر الاشكال في فرض غصبية مجموع الفضاء والأرض أيضا
445

بناء على عدم كفاية مجرد الاتيان بالعمل بقصد التوصل به إلى غرض المولى في القرب المعتبر في العبادة واحتياجه إلى التقرب
بالعمل بقصد الامر الفعلي أو رجحانه الفعلي، إذ حينئذ من جهة خروج الأكوان عن دائرة المحبوبية بمقتضى أهمية مفسدة الغصب لا يكاد
تمكنه من التقرب بتمام العمل فمن ذلك لا بد له من الصبر إلى أن يزول اضطراره فيتمكن من التقرب بالعمل بداعي امره ورجحانه
الفعلي، كما هو واضح.
واما صورة الشك في زوال اضطراره قبل الوقت فيلحق بالعلم ببقائه إلى آخر الوقت بمقتضى الاستصحاب فيما لو كان اضطراره
الموجب لسقوط التكليف عنه شرعيا بمقتضى حديث الرفع لا عقليا محضا، والا فلا مجال للاستصحاب لانتفاء الأثر الشرعي حينئذ، كما
هو واضح.
بقي الكلام فيما لو تمكن من الخروج
وقد كان الوقت مضيقا أيضا بنحو لا يتمكن من إيجاد الصلاة في خارج الغصب في أنه هل يجب عليه الاتيان بصلاته حينئذ في حال
الخروج بحيث لو ترك الخروج وأتى بصلاته في حال استقراره تبطل صلاته، أولا، بل كان له الاتيان بصلاته أيضا في غير حال الخروج
وان إثم بتركه للخروج بملاحظة ما يترتب عليه من الغصب الزائد عن المقدار المضطر إليه؟ فيه وجهان: أقربه الثاني، وذلك انما هو
لوجود المقتضى لصحة صلاته وانتفاء المانع، اما الأول فواضح من جهة فرض وجدان المأتي به حينئذ للملاك والمصلحة، واما الثاني
فكك أيضا إذ المانع المتصور حينئذ لا يكون الا فعلية نهيه وتنجزه وهو بالفرض ساقط حسب اضطراره في تلك الساعة سوأ على
تقدير اختيار الخروج في تلك الساعة أو البقاء في الغصب، وبالجملة نقول بأنه بعد اضطراره في تلك الساعة إلى ارتكاب الغصب وعدم
التفاوت في شاغليته للمكان في تلك الساعة بين حال سكونه وبقائه وبين حال حركته وخروجه كان له اختيار البقاء في تلك الساعة
وجعل كونه كونا صلاتيا. نعم في فرض اختيار البقاء يلازم بقائه فيه الغصب الزائد في الساعة الثانية، ولكن مجرد ذلك غير مقتض
للنهي عن كونه البقائي في الساعة الأولى كي يقع بذلك مبعدا له، إلا على القول باقتضاء الامر بالشئ للنهي عن ضده:
واما توهم مقدمية البقاء حينئذ لارتكاب الغصب الزائد فمدفوع بمنع المقدمية فان البقاء انما هو ملازم للغصب الزائد بلحاظ المضادة
بين الكونين أي الكون في الغصب
446

والكون في خارجه لا انه مقدمة له، وعليه فلا يكون استتباع البقاء للغصب الزائد الا بصرف الملازمة الخارجية، وإذا فرضنا حينئذ عدم
اقتضاء الامر بالشئ للنهي عن ضده وملازمه فقهرا لا يقع الكون البقائي منه حرام ولا مبعدا له.
وأم توهم ان البقاء وان لم يكن مقدمة للغصب الزائد الا ان له نحو تقدم عليه ولو ذاتا نظير تقدم حدوث الشئ على بقائه وهذا المقدار
كان يكفي في المقدمية وفي نيل العقل الحرمة بالنسبة إليه، فمدفوع بأنه لو سلم ذلك نمنع كفايته في ترشح الحرمة إليه حيث لا عموم
لكبرى الملازمة يعم مطلق ما هو مقدم على الشئ ولولا يكون من علل وجوده.
وعليه فلا مانع عن صحة صلاته فيما لو ترك الخروج وأتى بالصلاة في حال الاستقرار وان إثم على ما يلزمه من الغصب الزائد في
الساعة الثانية.
اللهم الا ان يمنع عما ذكرنا بالمنع عن أصل جواز تطبيق اضطراره على الكون البقائي، بدعوى انه انما يكون له الخيار في تطبيق
اضطراره على أي فرد شاء فيما لم يكن هناك ما يقتضى تعين تطبيقه على فرد خاص والا فلا مجال لتطبيقه الا على ما تعين تطبيقه عليه،
وفي المقام حيث ما كان يستتبع الكون البقائي لازدياد الغصب فقهرا مثل هذا المعنى موجب لترجيح الكون الخروجي عليه بحكم العقل
ومعه يتعين تطبيق اضطراره عليه لا على الكون البقائي، ولكنه أيضا مدفوع، بان مجرد وجوب اختيار الكون الخروجي بحكم العقل
أيضا غير موجب لحرمة ضده الذي هو الكون البقائي بل ولا لكونه أزيد مفسدة من غيره كي يقال بلزوم ترك ما فيه المفسدة الزائدة،
نعم غاية ما هناك ان يستتبع البقاء ارتكاب الغصب في الساعة الأخرى وهو أيضا على ما عرفت غير موجب لكون بقائه وسكونه أزيد
مفسدة من خروجه، كما هو واضح.
وكيف كان فهذا كله فيما لو كان اضطراره إلى الغصب لا عن سوء اختياره.
واما لو كان اضطراره عن سوء اختياره كما لو دخل أرض الغير من غير رضاه فتعذر عليه الخروج ففيه أيضا يتأتى الصور المزبورة:
ففيما لو علم بزوال اضطراره قبل خروج الوقت بحيث يتمكن من إتيان الصلاة في غير الغصب فلا إشكال، حيث إنه يتعين عليه الاتيان
بالصلاة في خارج الغصب ولا يجوز له البدار بالصلاة في الغصب، بل ولئن صلى فيه كانت صلاته فاسدة، بملاحظة مبغوضية الأكوان و
مبعديتها له من جهة تنجز النهي السابق، من غير فرق في ذلك بين ان
447

يكون الغصب مجموع الفضاء والأرض أو كان الغصب خصوص الفضاء دون الأرض أو بالعكس.
كما أنه علم ببقاء اضطراره إلى آخر الوقت فلا إشكال أيضا في وجوب الصلاة عليه في الغصب بمقتضى ما دل على أن الصلاة لا تترك
بحال.
وانما الكلام في أن صلاته حينئذ هل هي صلاة المختار التامة المشتملة على الركوع والسجود والقيام والقرأة أو ان تكليفه حينئذ هو
صلاة الغرقى بإشارات قلبية في فرض غصبية مجموع الفضاء والأرض؟ فنقول: قد يقال حينئذ بالثاني نظرا إلى دعوى كونه مقتضى
الجمع بين ما دل على أن الصلاة لا تترك بحال وبين ما دل على حرمة التصرف في مال الغير، فان مقتضى عموم حرمة التصرف في مال
الغير حينئذ هو خروج الأكوان عن الجزئية ومقتضاه هو انتهاء صلاته إلى إشارات قلبية كما في صلاة الغريق بناء على كون قرأته أيضا
تصرفا في الغصب، ولكن نقول بان حسن جدا لولا قيام الشهرة على خلافه، حيث إن ظاهر الأصحاب هو كون تكليفه حينئذ هي الصلاة
التامة للمختار المشتملة على القيام والركوع والسجود والقرأة خصوصا في فرض كون الغصب مجموع الفضاء والأرض. ولعل ذلك
منهم من جهة دعوى خروج هذا الكون البقائي حينئذ من الأول عن تحت النهي، بتقريب ان ما يجب عليه اختياره الموجب لتنجز نهيه من
الأول انما هو ترك الغصب بترك الدخول فيه لأنه هو الذي كان مقدورا له، واما تركه من غير جهة ترك الدخول كالطيران إلى السماء
في ظرف الدخول فحيث انه كان مضطرا إليه من الأزل في علم الباري عز اسمه فلا يكون منهيا عنه من جهة ان النهي انما يتعلق بما هو
تحت قدرة المكلف واختياره لا بما هو خارج عن تحت قدرته واختياره، ومن هذه الجهة أيضا قلنا سابقا بأنه إذا كان للشئ حدود
بالإضافة إلى مقدماته وعدم أضداده لا يكاد يصح توجيه التكليف إليه بالايجاد أو الترك على الاطلاق بنحو يقتضى حفظ الوجود من
جميع الجهات ومن ناحية جميع المقدمات والأضداد الا في فرض تمكنه من الحفظ من جميع الجهات، والا فمع خروج بعض المقدمات أو
الأضداد عن تحت قدرته لا يكاد يكون التكليف بالايجاد بالنسبة إليه الا تكليفا ناقصا يوجب الحفظ من ناحية ما هو تحت قدرته و
اختياره في ظرف انحفاظه من قبل الأمور الخارجة عن تحت الاختيار. وعلى ذلك يقال في المقام بأنه بعد إن كان للغصب نحوان من
الترك أحدهما الترك بترك الدخول فيه
448

وثانيهما تركه من غير جهة ترك الدخول كالطيران في السماء في ظرف الدخول وكان الثاني مما اضطر إليه من الأزل في علم الباري
عز اسمه فقهرا ما هو المنهي عنه لا يكون الا ذاك النحو من الترك الاختياري وإلا فالترك الاخر من جهة اضطراره إليه أزلا لا يكون
منهيا عنه أصلا وحينئذ فإذا دخل الغصب بسوء اختياره فقد سقط نهيه المنجز عليه بالعصيان وبدخوله فيه صار مستحقا للعقاب، واما
بعد دخوله فيه لا يكون له تكليف بترك الغصب من الأزل لاضطراره إليه فإذا لم يكن مكلفا بترك الغصب حينئذ من غير جهة ترك
الدخول فلا يكون صدوره عنه مبعدا أيضا ومع عدم كونه مبعدا فله الاتيان بالصلاة التامة المشتملة على القيام والركوع والسجود كما
في الاضطرار لا عن سوء الاختيار حرفا بحرف، هذا.
ولكن مع ذلك لا تخلو المسألة عن إشكال ينشأ من كفاية مطلق المقدورية ولو بالواسطة في توجيه التكليف بشي إلى المكلف فيقال
حينئذ بأنه بعد إن كان له القدرة على ترك البقاء في الغصب ولو بتركه للدخول فيه كان هذا المقدار كافيا في توجه النهي عن الكون
البقائي إليه وتنجزه عليه فيكون البقاء فيه حينئذ كالدخول منهيا عنه من الأزل قبل الدخول فيه، وعليه فبالدخول وان سقط نهيه
المنجز عليه الا انه حيثما كان بالعصيان يبقى تبعته فيوجب كون ما يصدر عنه من الأكوان مبغوضا ومبعدا له ولازمه هو خروج تلك
الأكوان عن الجزئية للصلاة فينتهى أمر صلاته حينئذ إلى إشارات قلبية في فرض غصبية مجموع الفضاء والأرض دون الصلاة التامة
للمختار، وحينئذ فان تمت السيرة والاجماع المدعى في المقام على كون تكليفه صلاة المختار التامة فهو والا فلا بد بمقتضى القواعد
كما عرفت من المصير إلى كون وظيفته نظير صلاة الغرقى بإشارات قلبية في ركوعه وسجوده.
نعم لو تاب حينئذ أمكن دعوى وجوب صلاة المختار التامة نظرا إلى أن التوبة كانت مزيلة لاثر العصيان السابق وتجعله كان لم يكن
فكان كمن اضطر إلى الغصب لا عن سوء الاختيار. ولكن الأستاذ دام ظله استشكل في ذلك أيضا مدعيا لان التوبة انما تجدي في رفع
أثر العصيان إذا لم يكن المكلف في حال التوبة مشغولا بالعصيان، وفي المقام لما كان مشغولا بارتكاب الغصب حال التوبة فلا تجديه
في الخروج عما تقتضيه القواعد.
وكيف كان فما ذكرنا ظهر الحال أيضا فيما لو ضاق الوقت وتمكن من الخروج حيث
449

انه يتعين عليه حينئذ الاتيان بصلاته في حال الخروج بإشارات قلبية، لولا السيرة المزبورة، والا فيما لا تزاحم مع خروجه فيقرأ ويركع
ماشيا موميا بسجوده ولا ينتهى النوبة في هذا الفرض إلى الصلاة في حال السكون والاستقرار.
واما نفس خروجه فهو كما عرفت لا يكون الا منهيا عنه بالنهي السابق كالبقاء فيه لا أنه يكون مأمورا به. إذ لا وجه لدعوى كونه مأمورا
به الا توهم مقدميته للتخلص عن الغصب الزائد، وهو كما عرفت في غير محله، فان الحركة لا تكون إلا عبارة عن تبدل كون بكون آخر
فهي حينئذ عبارة عن ضد البقاء المستتبع للغصب الزائد وهو غير موجب لمحبوبية الحركة التي هي ضد السكون والبقاء. نعم لو كانت
الحركة عبارة عما به تبدل أحد الكونين بالآخر لا نفس تبدل كون بكون لكان لما ذكر من المقدمية كمال مجال إذ كانت الحركة حينئذ
علة لافراغ الكون في الغصب وتبدله بالكون في خارجه ولكنه محل منع جدا بل هي لا تكون الا عبارة عن نفس تبدل كون بكون آخر
وعليه فلا تكون الحركة الا ضد السكون والبقاء الملازم للغصب الزائد ومثله أيضا غير موجب لسراية المحبوبية إليها وحينئذ فلا يبقى
في البين الا لزوم الخروج عقلا إرشادا منه إلى اختيار ما هو أقل القبيحين، كما هو واضح.
هذا تمام الكلام في اجتماع الأمر والنهي.
المبحث الثالث في اقتضاء النهي للفساد
قد وقع الخلاف بين الاعلام في أن النهي الشئ يقتضى فساد ذلك الشئ وأم لا
وقبل الشروع في المقصود ينبغي تقديم أمور:
الأول:
قد مر سابقا وجه الفرق بين هذه المسألة والمسألة السابقة ومحصل الفرق بينهما هو رجوع البحث في المقام حسب ما هو ظاهر العنوان
إلى اقتضاء النهي بوجوده الواقعي للفساد بملاحظة كشفه ولو بالملازمة العرفية عن عدم الملاك والمصلحة في متعلقة، ومن ذلك يدور
الفساد وعدمه على الاقتضاء مدار وجود النهي واقعا وعدمه، كان المكلف عالما بالنهي أم جاهلا به، وهذا بخلافه في تلك المسألة حيث إن
الفساد فيها على الامتناع انما
450

يدور مدار العلم بالنهي لا مدار النهي بوجوده الواقعي النفس الامري، ومن ذلك أيضا عرفت بنائهم على صحة عبادة الجاهل القاصر أو
الناسي إذا أتى بها في مكان مغصوب، وعليه فلا تكون لاحدى المسألتين مساس بالأخرى بوجه من الوجوه، ومعه لا يبقى مجال لما أفيد
كما في الكفاية () من جعل نتيجة المسألة السابقة على الامتناع وتقديم جانب النهي من صغريات هذه المسألة، كيف وقد عرفت ان
الفساد في تلك المسألة انما هو من جهة خلو المتعلق عن الملاك والمصلحة ومن ذلك لو قام دليل على الصحة في قبال النهي لوقع بينهما
التكاذب ويرجع فيهما إلى قواعد باب التعارض، ومثل ذلك ينافي جدا بنائهم على صحة صلاة الجاهل بالغصبية، كما هو واضح.
الأمر الثاني
قد يقال كما عن القوانين - على ما حكى - بتخصيص محل النزاع بما إذا كان هناك ما يقتضى الصحة من عموم أو إطلاق بحيث لولا
النهي يحكم بصحته، بتقريب انه لولا ذلك لما كان وجه للنزع في اقتضاء النهي للفساد، لان الفساد حينئذ غير مربوط باقتضاء النهي،
من جهة انه لولا النهي كان محكوما أيضا بالفساد، ولكنه غير وجيه، إذ نقول بان الجهة المبحوث عنها في المقام على ما يقتضيه ظاهر
العنوان هو الحكم بالفساد من جهة دلالة النهي وكشفه عن عدم الملاك والمصلحة في متعلقه، وقضية ذلك هو عدم الحكم بالفساد واقعا
عند عدم النهي لا الحكم بالصحة كي يحتاج إلى إحراز المقتضى للصحة من عموم أو إطلاق أو غيرهما.
واما ما أفيد من عدم الثمرة حينئذ نظرا إلى لزوم الحكم بالفساد حينئذ ولو على تقدير عدم النهي بمقتضى أصالة عدم المشروعية.
فمدفوع بظهورها فيما إذا قام دليل بالخصوص على الصحة فإنه على الأول يتعين الاخذ بدليل الصحة من جهة حكومته على أصالته
بخلافه على الثاني حيث إن يقع بينهما المعارضة فيرجع فيهما إلى قواعد باب التعارض.
الأمر الثالث
لا يخفى عليك ان المراد بالشئ في عنوان المسألة يعم العبادات والمعاملات لا انه مخصوص بالعبادات، والمراد من المعاملة هو ما في
قبال العبادات مطلق ما لا يلزم في صحته قصد القربة الشامل للمعاملات بالمعنى الأخص ولغيرها، كالنهي عن
451

أكل الثمن والمثمن، نعم يختص ذلك بالأمور القابلة للاتصاف بالصحة تارة وبالفساد أخرى فيخرج حينئذ ما لا يكون كذلك كعناوين
المسببات ونحوها مما كان امرها يدور بين الوجود والعدم فتأمل فان الفساد حينئذ انما كان في قبال الصحة التي هي بمعنى التمامية
وترتب الأثر المقصود من الشئ عليه فهو عبارة عن نقصان الشئ بمعنى عدم ترتب الأثر المقصود منه عليه فلا يجري حينئذ بالنسبة
إلى نفس الآثار ونحوها مما يدور امره بين الوجود والعدم وكذا يخرج أيضا من الأسباب ما لا يكاد ينفك الأثر عنها كبعض أسباب
الضمان.
واما المراد من العبادة فهي التي لو أمر بها لكان امرها أمرا عباديا بحيث لا يكاد سقوطه الا بإتيان متعلقه على نحو قربي، لا ما هو
عبادة ذاتا كالسجود والركوع ونحوهما مما جعل كونه آلة للخضوع والتذلل، نظرا إلى عدم كون العبادات كلها من هذا القبيل، ولا ما
أمر به فعلا لأجل التعبد به من جهة استحالة تعلق النهي الفعلي بما هو عبادة ومأمور به فعلا، ولا ما لا يعلم انحصار الغرض منه في شئ
كي ينتقض طردا وعكسا بأنه رب واجب توصلي لا يعلم انحصار الغرض منه في شئ ورب واجب تعبدي قد علم انحصار الغرض منه.
واما الاقتضاء في المقام فهو كما عرفت عبارة عن الاقتضاء بحسب مقام الاثبات باعتبار كشف النهي عن عدم ملاك الامر والمصلحة
في متعلقه لا الاقتضاء بحسب مقام الثبوت والا فمن الواضح عدم الملازمة عقلا بين حرمة الشئ وانتفاء ملاك الامر والمصلحة في
متعلقه، وعليه تكون المسألة من المسائل اللفظية لا من المسائل العقلية، كما هو واضح.
واما النهي فظاهرهم اختصاصه بالنهي المولوي التحريمي، دون ما يعمه والنهي التنزيهي، باعتبار ان غاية ما يقتضيه النهي التنزيهي
انما هو الدلالة على وجود حزازة في الشئ وهذا المقدار غير موجب لفساده، ولكن ذلك انما هو بناء على ما اخترناه سابقا من جواز
اجتماع المحبوبية والمبغوضية في عنوان واحد بالتفكيك بين أنحاء حدود شئ واحد، واما بناء على غير ما اخترناه من عدم إمكان
اجتماع المحبوبية والمبغوضية ولو تنزيها في عنوان واحد فيشكل جدا تخصيص النزاع بالنواهي التحريمية واما النهي التحريمي
الغيري فالظاهر منهم هو دخوله أيضا في محل النزاع كما يشهد
452

لذلك جعلهم فساد العبادة ثمرة النزاع في مسألة اقتضاء الامر بالشئ للنهي عن ضده الخاص على المقدمية.
نعم هذه الثمرة تختص بخصوص العبادات فلا تجري في المعاملات ولكنه أيضا غير ضائر بعموم النزاع كما لا يخفى، هذا، ولكن
الأستاذ دام ظله منع عن أصل دخول النواهي التحريمية في محل النزاع وبنى على خروجه عن مورد الكلام بين الاعلام، وقد أفاد في
وجه ذلك بوجهين:
الأول: عدم المجال لتوهم دلالته واقتضائه للفساد مطلقا سوأ في المعاملات أو العبادات، اما المعاملات فواضح، من جهة وضوح عدم
اقتضاء مجرد النهي المولوي عن معاملة وحرمتها تكليفا لفسادها وضعا، ومن ذلك لم يتوهم أحد فساد المعاملة في مورد نهى الوالد أو
الحلف على عدم البيع ونحوه واما العبادات فكك أيضا وذلك فان الفساد المتصور فيها لا يخلو اما ان يكون من جهة انتفاء الملاك و
المصلحة فيها وعدم ترتب الغرض عليها واما ان يكون من جهة الخلل في القربة الموجب لعدم سقوط الامر عنها، اما الفساد من الجهة
الأولى فواضح انه غير مترتب على النهي حيث لا اشعار فيه فضلا عن الدلالة على عدم المصلحة في متعلقه، بل غاية ما يقتضيه انما هي
الدلالة على وجود المفسدة في متعلقه، واما الدلالة على عدم المصلحة فيه ولو من جهة أخرى فلا، وهو واضح بعد وضوح عدم الملازمة
بين مجرد حرمة الشئ وبين عدم ملاك الامر والمصلحة فيه، نعم لو كان بين المصلحة والمفسدة أيضا مضادة كما بين المحبوبية و
المبغوضية بحيث لا يمكن اجتماعهما في موضوع واحد ولو بجهتين تعليليتين لكان المجال لدعوى دلالة النهي ولو بالالتزام على عدم
وجود المصلحة في متعلقه ولكنه لم يكن كذلك لما عرفت من إمكان اجتماعهما في عنوان واحد بجهتين تعليليتين، ونظيره في
العرفيات كما في مثل وضع العمامة على الرأس لمن كان له وجع الرأس في مجلس فيه جماعة من المؤمنين الأخيار، حيث إن كون العمامة
على الرأس مع كونه فيه كمال المفسدة بلحاظ وجع الرأس كان فيه أيضا كمال المصلحة بلحاظ كونه نحو إعزاز وإكرام للمؤمنين و
كون تركه هتكا وإهانة لهم، وعليه فلا يبقى مجال دعوى دلالة النهي واقتضائه للفساد من هذه الجهة، واما الفساد من الجهة الثانية فهو
وإن كان لا محيص عنه مع النهي ولكنه أيضا مترتب على العلم بالنهي لا على نفس وجود النهي ولو لم يعلم به المكلف، فتمام العبرة في
الفساد في هذه المرحلة على مجرد العلم بالنهي، فإذا
453

علم بالنهي كان علمه ذلك موجبا لعدم تمشي القربة منه الموجب لفساد عبادته وان لم يكن في الواقع نهى أصلا، كما أنه مع عدم العلم به
يتمشى منه القربة وتصح منه العبادة وإن كان في الواقع نهى كما عرفت في مثال الجهل بالغصب أو الجهل بالحرمة عن قصور، مع أن
قضية ظاهر العنوان هو ترتب الفساد على نفس النهي الواقعي.
الوجه الثاني: انه لو سلم كون الفساد المفروض في محل الكلام هو الفساد من تلك الجهة الأخيرة لما كان معنى لانكاره من أحد في
العبادات بعد تسلمهم على لزوم قصد القربة فيها، وعلى ذلك، فلا مجال لإرادة النهي المولوي التحريمي من لفظ النهي في عنوان البحث،
كما أنه لا مجال أيضا لإرادة النهي الارشادي منه لأنه أيضا مما لا إشكال في دلالته على الفساد في العبادات والمعاملات بل لا بد وأن يكون
المراد منه في العنوان طبيعة النهي في نفسه فيكون مرجع النزاع حينئذ إلى النزاع في أن النهي المتعلق بالشئ عبادة كانت أم
معاملة مولوي تحريمي كي لا يقتضى الفساد أم نهى إرشادي إلى خلل فيه حتى يوجب الفساد هذا.
ولكن قد يناقش على البيان المزبور بان ما أفيد من خروج النهي المولوي التحريمي عن محل النزاع وإرجاع محل البحث إلى النزاع
الصغروي خلاف ظاهر الكلمات، فان الظاهر من كلماتهم بل المصرح به في كلام بعضهم تخصيص النزاع بخصوص النهي المولوي
التحريمي كما يشهد لذلك تفصيل بعضهم في الاقتضاء للفساد وعدمه بين العبادات والمعاملات، حيث إنه لولا ذلك لما كان وجه
للتفصيل المزبور، بل ويشهد له أيضا استدلالهم كثيرا في الفقه على فساد العبادة بكونها حراما ومنهيا عنها، وهكذا في مسألة اقتضاء
الامر بالشئ للنهي عن ضده الخاص على مبنى مقدمية ترك الضد لفعل ضده، فان ذلك كله كاشف عن كون المراد من النهي في العنوان
هو خصوص النهي المولوي التحريمي، وعليه لا بد وأن يكون النزاع في الاقتضاء وعدمه في اقتضاء النهي إثباتا، ودلالته ولو
بالالتزام عرفا على عدم ملاك الامر والمصلحة في متعلقه بدعوى انه وان لم يكن ملازمة عقلا بين حرمة الشئ ووجود المفسدة فيه و
بين فقدانه لملاك الامر والمصلحة - نظرا إلى ما تقدم من إمكان اجتماع المصلحة والمفسدة في عنوان واحد بجهتين تعليليتين - الا انه
مع ذلك يرى العرف بينهما الملازمة فيرى من النهي كونه ذا مفسدة محضة، ومن ذلك لو ورد في القبال أمر يقتضى الصحة يقع بينهما
التكاذب ويرجع فيها إلى قواعد باب
454

التعارض، والا فلو لا ذلك لما كان وجه للمعارضة بينهما والرجوع إلى قواعد التعادل والترجيح، بل لا بد وأن يكون بينهما المزاحمة
بملاحظة اقتضاء كل من الأمر والنهي بمدلولهما الالتزامي لقيام المصلحة والمفسدة فيه، مع أنه ليس كذلك قطعا، وحينئذ فنفس هذا
التعارض والتكاذب بينهما كاشف عن اقتضاء كل من الأمر والنهي عرفا بالالتزام لعدم قيام ملاك آخر فيه غير ملاكه، كما هو واضح،
ولكن يدفع ذلك اما الاشكال الأول فبأن ما يرى من حكم الأصحاب بفساد العبادة مع النهي فإنما هو من جهة الخلل في القرب المعتبر
في صحة العبادة كما يكشف عنه استدلالهم كثيرا على الفساد بانتفاء التقرب وعليه أيضا جرى تفصيلهم بين العبادات والمعاملات،
فحيث ان قصد القربة مما لا بد منه في صحة العبادة ومع النهي لا يكاد تمشي القربة من المكلف، بخلافه في المعاملة، اقتضى ذلك
التفصيل المزبور، ولكنه كما عرفت غير مرتبط باقتضاء النهي المولوي في نفسه للفساد من جهة عدم الملاك.
واما الاشكال الثاني فبما مر في المبحث المتقدم بان ما يرى من التعارض بينهما عند ورود أمر في القبال فإنما كان ذلك من جهة ذلك
الارتكاز العقلي بعدم جواز اجتماع المحبوبية والمبغوضية في عنوان واحد حيث إنه بمقتضى هذا الارتكاز يرى العرف بينهما التكاذب
في تمام مدلوليهما حتى في دلالتهما على المصلحة والمفسدة فيعامل معهما معاملة التعارض لا من جهة اقتضاء النهي المولوي لعدم قيام
ملاك الامر والمصلحة في متعلقه رأسا ولو مع قطع النظر عن المعارض فتأمل.
نعم في الفرض المزبور كما سيجئ لا بد أيضا من الحكم بالفساد ولكنه لا من جهة اقتضاء النهي المولوي لذلك بل من جهة عدم إحراز
الملاك والمصلحة فيه لأنه في العبادات لا بد في صحتها من إحراز الملاك والمصلحة فيها فمع الشك فيها في الملاك يشك قهرا في
مشروعيتها فتنفى بأصالة عدم المشروعية.
وعليه فلا محيص من إخراج النهي المولوي التحريمي كالارشادي عن حريم النزاع وإرجاع البحث المزبور في دلالة النهي على الفساد
وعدم دلالته عليه إلى البحث الصغروي بان النهي المتعلق بعنوان عبادة كانت أم معاملة مولوي تحريمي كي لا يقتضى الفساد أم
إرشادي إلى خلل فيه حتى يقتضى الفساد فتدبر.
الأمر الرابع:
لا يخفى عليك انه لا أصل في المسألة يعول عليه عند الشك وحينئذ لو كان
455

هناك ظهور عرفي فهو والا يبقى المدعى بلا دليل. نعم الأصل في المسألة الفرعية كما عرفت كان هو الفساد، سوأ فيه العبادات أو
المعاملات، حيث كان الأصل في المعاملات عدم ترتب النقل والانتقال، وفي العبادات عدم المشروعية عند الشك في الملاك فيها.
وإذ تمهد هذه الأمور فاعلم أن الكلام يقع في مقامين:
الأول في العبادات
فنقول: النهي متعلق تارة بعنوان العبادة كالنهي عن الصلاة والصوم للحائض وأخرى بجزئها كالنهي عن قراءة السور العزائم في
الصلاة، وثالثة بشرطها كالنهي عن التستر بالحرير ونحوه مثلا، ورابعة بوصفها الملازم كالجهر والاخفات في القراءة، وخامسة
بوصفها المفارق كالغصبية لاكوان الصلاة المنفكة عنها، وعلى التقادير فالنهي اما ان يكون مولويا، واما إرشاديا إلى خلل في العبادة،
اما لعدم الملاك فيها أو من جهة اقتران ملاكها بالمانع كالنهي عن التكتف في الصلاة أو من جهة كونه مخلا بغيره كالنهي عن الصلاة في
الصلاة مثلا. واما ان يكون في مقام دفع توهم الوجوب الفعلي أو المشروعية الفعلية أو الاقتضائية فهذه أنحاء صور النهي المتعلق
بالعبادة، وربما يختلف النتيجة حسب اختلاف الصور، فلا بد حينئذ من بيان ما للصور المزبورة من اللوازم والآثار.
فنقول: اما إذا كان النهي متعلقا بعنوان العبادة وكان مولويا محضا فهو كما عرفت غير مقتض لفساد العبادة الا من جهة قضية الاخلال
بالقربة الموقوفة على العلم به، والا فمن جهة فقد انها للملاك والمصلحة لا دلالة عليه بوجه من الوجوه، لان غاية ما يقتضيه النهي المزبور
بما انه نهى مولوي تحريمي انما هو الدلالة على قيام المفسدة في متعلقه، واما الدلالة على عدم وجود ملاك الامر والمصلحة فيه ولو من
جهة أخرى فلا. نعم مع الشك في الملاك كان مقتضى الأصل هو الفساد، ولكنه غير مرتبط باقتضاء النهي المولوي لذلك، كما هو واضح.
وأوضح من ذلك ما لو كان النهي في مقام دفع توهم الوجوب الفعلي، وذلك من جهة وضوح ان غاية ما يقتضيه مثل هذا النهي انما هي
الدلالة على عدم وجوبه، واما دلالته على عدم استحبابه ورجحانه فلا، فضلا عن الدلالة على عدم الملاك والمصلحة فيه أو الدلالة على
وجود المفسدة في متعلقه، وحينئذ لو كان في البين عموم أو إطلاق يثبت رجحانه
456

واستحبابه فهو، وإلا فالأصل يقتضى الفساد، لما عرفت من أنه لا بد في صحة العبادة من إحراز رجحانها، فمع الشك في رجحانها و
مشروعيتها كان مقتضى الأصل هو عدم مشروعيتها.
وكذا الكلام فيما لو كان النهي في مقام دفع توهم المشروعية الفعلية كما في النهي عن النافلة في وقت الفريضة، فإنه أيضا لا يقتضى
فساد العبادة من جهة عدم الملاك إذ لا يقتضى أزيد من عدم المشروعية الفعلية وعدم الرجحان والمحبوبية الفعلية في العمل، ولا
ملازمة بين عدم المشروعية الفعلية وبين عدم الملاك والمصلحة فيه، وعليه فلو قام دليل على وجدان العمل للملاك في هذا الفرض
يندرج في صغريات المسألة السابقة، واما لو لم يقم دليل على ذلك كان الأصل فيه هو الفساد بالبيان المتقدم.
واما لو كان النهي في مقام دفع توهم المشروعية الاقتضائية، ففي هذا الفرض كان النهي يقتضى الفساد من جهة دلالته حينئذ على انتفاء
الملاك والمصلحة فيه.
ومثل ذلك ما لو كان النهي إرشاديا إلى خلل في العبادة لانتفاء الملاك رأسا، أو اقترانه بالمانع كالصلاة متكتفا، حيث إنه كان النهي
أيضا موجبا لفسادها من دون اقتضائه للحرمة والمبغوضية، نعم لو كان قضية النهي المزبور هو الارشاد إلى كونه مخلا بغيره كالنهي
عن الصلاة في الصلاة ففي هذا الفرض بالنسبة إلى العمل الذي وقع فيه العمل المنهي كان النهي دالا على فساده، واما بالنسبة إلى نفس
هذا العمل الذي نهى عن إتيانه فلا دلالة على فساده، وحينئذ فلا بد ان يلاحظ العمل الذي أخل به بإتيان العبادة في أثنائه، فإن كان غير
الفرضية فلا إشكال، إذ لا يكون إبطاله حينئذ حراما حتى يحرم ما أوجد في أثنائه، واما إن كان من الفرائض التي يحرم إبطالها فيحرم
قهرا ما أوجد في أثنائه بالحرمة الغيرية فيندرج حينئذ في صغريات المسألة السابقة، فيفسد مع العلم بالنهي بناء على الامتناع وتقديم
جانب النهي.
هذا كله حال النهي المتعلق بعنوان العبادة، وقد تلخص بان مجرد تعلق النهي بعنوان العبادة غير موجب لفسادها ما لم يكن فيه جهة
إرشاد إلى خلل فيها اما من جهة عدم الملاك فيها أو من جهة اقتران ملاكها بالمانع.
واما النهي المتعلق بجز العبادة ففيه أيضا الصور المزبورة من كونه تارة ممحضا في المولوية، وأخرى إرشادا إلى خلل في الجز، و
ثالثة في مقام دفع توهم الواجب الفعلي،
457

أو المشروعية الفعلية، أو الاقتضائية.
فالنهي المولوي فيه أيضا غير مقتض لفساد الجز الا من جهة الخلل في القربة الذي عرفت انه مترتب على العلم بالنهي لا على النهي
الواقعي.
واما النهي الارشادي أو الواقع في مقام دفع توهم المشروعية الاقتضائية فهو موجب لفساده ولكنه بمعنى عدم وقوعه جز للعبادة والا
فلا يقتضى بطلان أصل العبادة، بل ولو قلنا حينئذ بفساد العبادة لا بد وأن يكون من جهة النقيصة عند الاقتصار عليه، أو يكون من جهة
الزيادة العمدية بناء على استفادة مبطلية مطلق الزيادة العمدية. نعم لو كان النهي في مقام الارشاد إلى كونه مخلا بأصل العبادة أيضا
كما في النهي عن قراءة العزائم في الفريضة - على ما هو قضية التعليل في قوله عليه السلام: بأنها زيادة في المكتوبة - كان مقتضيا
لبطلان العبادة.
واما النهي المتعلق بالشرط ففيه أيضا الصور المزبورة، فالنهي المولوي فيه أيضا غير مقتض لفساده الا إذا كان فيه جهة إرشاد إلى خلل
فيه فيفسد وبفساده يفسد المشروط أيضا في فرض الاقتصار على الشرط المنهي بلحاظ انتفاء المشروط بانتفاء شرطه.
واما النهي المتعلق بوصفها المقارن كالجهر في القراءة مثلا فهو أيضا غير مقتض لفسادها ما لم يكن فيه جهة إرشاد إلى كونه مخلا
بالعبادة.
وعلى ذلك لا بد للفقيه من ملاحظة خصوصيات الموارد والقرائن الخاصة لاحراز ان النهي مولوي محض أو إرشادي، والا فمع خلو
المورد عن القرينة كان النهي ظاهرا في المولوية، ولكن ظاهر الأصحاب في غير النواهي النفسية عند عدم القرينة على بعض المحتملات
هو الحمل على الارشاد إلى المخلية والمانعية من غير فرق بين الجز أو الشرط أو الوصف، ولعله من جهة ظهور ثانوي في النواهي
الغيرية في الارشاد إلى المانعية والمخلية بلحاظ ورودها في مقام بيان كيفية العبادة وحدودها، كما كان ذلك هو الشأن أيضا في
الأوامر المتعلقة بالاجزاء والشرائط فتدبر.
واما لو تعلق النهي بالوصف المفارق، فإن كان النهي متعلقا بعنوان والامر بعنوان آخر كالنهي عن الغصب وعن النظر إلى الأجنبية و
الامر بالصلاة فأوجدهما المكلف في وجود واحد فهو يندرج في المسألة السابقة، واما لو كان النهي عن الوصف من قبيل قوله:
لا تغصب في صلاتك، ففيه أيضا يجري ما ذكر في الجز والشرط من لزوم الحمل
458

على الارشاد إلى المخلية، الا إذا قام هناك ما يقتضى الخلاف كما في المثال، حيث إنه بملاحظة ارتكاز مبغوضية الغصب والتصرف في
مال الغير ولو في غير حال الصلاة لا بد من حمل النهي على المولوية ومبغوضية الغصب بالبغض النفسي، بصرفه عما هو ظاهره من
الظهور الثانوي إلى ما يقتضيه طبع النهي من الظهور في الحرمة المولوية، وعليه يندرج أيضا في المسألة السابقة كما أوردناه هناك و
قلنا بأنه لا وجه لاخراجه عن محل النزاع بتخصيص مورد النزاع بما لو كان بين المتعلقين العموم من وجه.
هذا كله في المقام الأول.
واما المقام فالكلام فيه في النهي المتعلق بالمعاملة
وملخص الكلام فيه هو عدم اقتضاء مجرد النهي عنها للفساد ما لم يكن في مقام الارشاد إلى خلل فيها، وذلك من جهة وضوح عدم
الملازمة بين حرمة المعاملة ومبغوضيتها وبين فسادها وعدم ترتب النقل والانتقال، حيث إنه بعد عدم توقف صحة المعاملة و
مؤثريتها في النقل والانتقال علي رجحانها أو عدم مبغوضيتها فقهرا يمكن صحة المعاملة ومؤثريتها في النقل والانتقال ولو مع كونها
مبغوضية ومحرمة، من غير فرق في ذلك بين ان يكون النهي متعلقا بالسبب وهو العقد، أو بالمسبب وهو النقل والانتقال، أو بالتسبب
الشئ المسبب بالسبب، فعلى جميع التقادير لا دلالة للنهي بما انه نهى مولوي على الفساد خصوصا على الأخيرين حيث إنه يمكن دعوى
اقتضائهما للصحة نظرا إلى معلومية انه لولا ترتب المسبب وتحققه لما كان مجال للنهي عنه، وحينئذ ينحصر وجه الفساد بما إذا كان
للارشاد إلى خلل فيها. نعم لو كان النهي التحريمي عن لوازم المعاملة كالنهي عن أكل الثمن والمثمن والتصرف فيهما ففي مثل ذلك
كان النهي مستلزما للفساد من جهة استلزام حرمة التصرف في العوضين لعدم نفوذ المعاملة وإلا ففي غير تلك الصورة لا اقتضاء للنهي
التحريمي للفساد بوجه أصلا.
واما توهم منافاة حرمة المعاملة ومبغوضيتها مع الجعل تأسيسا أو إمضاء لما بيد العرف، فمدفوع بمنع التنافي بينهما، من جهة إمكان
أن تكون المعاملة ممضاة ومؤثرة في النقل والانتقال علي تقدير تحققها ومع ذلك كانت محرمة. وحينئذ فلا يستلزم مجرد تخصيص
الجواز التكليفي أو تقييده تخصيص دليل الجواز الوضعي المثبت لصحة المعاملة، ولو كانا ثابتين بدليل واحد، كما لو قلنا بان مثل عموم
(الناس مسلطون) مثبت للجواز
459

الوضعي والتكليفي حيث إنه بدليل النهي يخصص عمومه من جهة الجواز التكليفي دونه من جهة الجواز الوضعي أيضا، كما هو واضح. نعم
لو كان قضية النهي هو مبغوضية المعاملة بشراشر وجودها حتى بالقياس إلى حدودها الراجعة إلى الجعل والامضاء لكان لدعوى
التنافي المزبور كمال مجال، ولكن من الواضح عدم قابلية مثل هذا المعنى لتعلق النهي المولوي به، فان المعاملة بهذا المعنى خارج عن
تحت قدرة المكلف فعلا وتركا، فلا يمكن حينئذ تعلق النهي المولوي بها، بل وانما القابل لتعلق النهي به انما هو التوصل إلى وجود
المعاملة من ناحية سببه في ظرف تحقق أصل الجعل من الشارع، لأنه هو الذي يكون تحت قدرته واختياره فعلا وتركا، ومعلوم حينئذ
ان مبغوضية المعاملة من تلك الجهة غير منافية مع إرادة الجعل والامضاء، من جهة إمكان أن تكون المعاملة مبغوضية ومحرمة إيجادها
من المكلف، ومع ذلك كانت صحيحة ومؤثرة فيما هو الأثر المقصود منها، وهو النقل والانتقال، نعم قد يكون النهي دالا على الارشاد
إلى عدم الامضاء وعدم النفوذ في بعض الموارد، ولكن ذلك أيضا بمقتضى بعض القرائن الخارجية كما في البيع الربوي مثلا وفي بيع
المصحف بالكافر. وحينئذ فعلى ذلك لا بد في مقام الحكم بفساد المعاملة من جهة النهي من إحراز كونه في مقام الارشاد إلى عدم
الجعل والامضاء وإلا فطبع النهي لا يقتضى الا المولوي التحريمي الذي عرفت عدم اقتضائه للفساد.
هذا إذا كان النهي متعلقا بعنوان المعاملة، أو بالسبب، أو بالتسبب بالسبب إلى وجود المعاملة.
واما لو كان النهي متعلقا باجزاء السبب وشرائطه فيكون كما في العبادات محمولا على الارشاد لبيان الكيفية اللازمة في السبب وما
هو المانع والمخل بالمعاملة، الا ان الفرق بينهما وبين العبادات حينئذ كان في الأصل الجاري فيها عند الشك في مولوية النهى و
إرشاديته، فإنه في العبادات يفصل بين صورة تعلق النهي بعنوان العبادة وبين صورة تعلقه باجزائه وشرائطه، فكان الأصل في الأول
عند الشك في المشروعية عدمها، وفي الثاني المحتمل المانعية فيه كان الأصل هو البراءة عنها والصحة، بخلافه في المعاملات، فإنه على
كل تقدير كان الأصل هو عدم المشروعية وعدم نفوذ نظرا إلى عدم جريان البراءة فيها حينئذ لا عقلا ولا نقلا حتى يصح الحكم بنفوذ
المعاملة وصحتها، وذلك من جهة ان البراءة العقلية مجراها العقوبة، ولا إلزام في المعاملة حتى تنفي العقوبة المحتملة من جهة الشئ
المشكوك المانعية والمخلية، واما البراءة النقلية فمجراها الامتنان، ولا امتنان
460

في المقام في إثبات الصحة برفع المشكوك المانعية، من جهة استلزامه لوجوب الوفاء الذي هو خلاف الامتنان في حقه. لا يقال: إن ذلك
كذلك في مثل دليل الرفع ونحوه مما كان مسوقا في مقام الامتنان لا في مثل دليل الحلية مما لا يكون كذلك وحينئذ لولا دعوى
اختصاصه بالحلية التكليفية لا بأس بدعوى جريانه واقتضائه لنفوذ المعاملة باجزائه في نفس المعاملة حيث إنه باقتران المعاملة
بمشكوك المانعية والمخلية يشك في حليتها وضعا ونفوذها في النقل والانتقال فبدليل الحلية يثبت كونها حلالا وضعا ومؤثرا في
النقل والانتقال، فإنه يقال: نعم ولكنه من جهة اختصاصه بخصوص الحلية التكليفية غير جار في المعاملات حتى يقتضى صحة المعاملة و
نفوذها، ومن ذلك أيضا لم يتوهم أحد من الأصحاب جريان هذه الأدلة في أبواب المعاملات لاثبات الصحة فيها، بل ومع الشك أطبقوا
على جريان أصالة الفساد ومن المعلوم انه لا يكون ذلك الا من جهة اختصاصه بالحلية التكليفية، كما هو واضح.
هذا كله حسب ما تقتضيه القواعد، ولقد عرفت عدم اقتضاء النهي المولوي التحريمي للفساد مطلقا، سوأ بين تعلقه بالمسبب أو السبب
أو بالتسبب به إلى المسبب، وان المقتضى له انما هو النهي الارشادي.
واما حسب النصوص الخاصة فقد يقال: بدلالتها على ملازمة النهي للفساد كالخبر المروي في الكافي والفقيه عن زرارة عن الباقر عليه
السلام قال: سألته عن مملوك تزوج بغير اذن سيده فقال: عليه السلام ذاك إلى سيده، إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما، قلت:
أصلحك الله ان الحكم بن عيينة (عتيبة) وإبراهيم النخعي وأصابهما يقولون: ان أصل النكاح فاسد ولا تحل إجازة السيد له، فقال عليه
السلام: انه لم يعص الله سبحانه وانما عصى سيده، فإذا أجازه فهو له جائز () بتقريب دلالة الرواية على أن النكاح لم يكن مما حرمه الله
حتى يقع فاسدا ولا يصلحه إجازة السيد، فتدل حينئذ على ملازمة النهي المولوي للفساد في المعاملات، ولكن فيه ان الظاهر من المعصية
المنفية بقرينة المقابلة انما هو عدم كونه مما لم يمضه الله ولم يشرعه له كما كان ذلك هو المراد أيضا من معصية السيد حيث أريد منها
عدم إجازة
461

السيد له وعدم إعطائه السلطنة في النكاح في قبال اذنه بذلك، فان مقتضى المولوية والعبدية هو عدم نفوذ تصرفات العبد في شئ الا
بإجازة واذن من سيده ومولاه، فكان المراد حينئذ من قوله عليه السلام: انه لم يعص الله سبحانه إلخ، هو ان النكاح ليس مما لم يشرعه
الله في حقه بحسب أصل الشرعي حتى يقع باطلا وانما كان عدم التشريع والامضاء من قبل سيده فإذا أجاز جاز ونحن نقول أيضا
باستتباع مثل هذا النحو من المعصية للفساد بلا مجال لانكاره من أحد، ومما يؤيد ذلك بل يشهد عليه أيضا من عدم كون المراد من
المعصية هو مخالفة النهي التحريمي قضية عدم انفكاك معصية السيد عن معصية الله من حيث وجوب إطاعته على العبد شرعا وجوبا
تكليفيا كما في إطاعة الوالد، فإنه لولا ما ذكرنا كان اللازم في المقام هو فساد النكاح المزبور مع أنه خلاف ما تضمنه الرواية من الحكم
بالصحة.
ومن هذه الجهة أيضا استدل بعضهم بهذا الرواية على عدم دلالة النهي التحريمي على الفساد بتقريب ما عرفت من الملازمة بين معصية
السيد وبين معصية الله، وإن كان لا يخلو ذلك أيضا عن إشكال، لامكان دعوى ان صحة النكاح ونفوذه بعد إجازة السيد انما هو من
جهة ارتفاع معصية الله حسب تبعيتها لمعصية سيده عند إجازة السيد له، والا فقبل إجازة السيد له بمقتضى كونه عصيانا للنهي التكليفي
لا يكون النكاح صحيحا فعليا ومؤثرا في تحقق علقة الزوجية بل وانما غايته حينئذ كونه صحيحا شأنيا، وعليه فلا مجال للاستدلال
بهذه الرواية على عدم دلالة النهي التحريمي على الفساد هذا.
ولئن قيل بان المقصود من اقتضاء النهي التكليفي للفساد وعدم صحة المعاملة انما هو فسادها وعدم صحتها ولو شأنا وحينئذ
فبمقتضى الملازمة بين معصية السيد وبين معصية الله تكليفا تكون الرواية لا محالة حسب تضمنها للصحة دالة على عدم اقتضاء النهي
التكليفي للفساد، ومن ذلك لا بد وأن يكون المراد من عصيان الله الموجب لفساد النكاح بعد عدم انفكاك معصية السيد عن معصية الله
تبارك وتعالى هو العصيان الوضعي دون العصيان التكليفي، نقول: بأنه كذلك إذا كان العصيان المتحقق في الفرض راجعا إليه سبحانه
من جهة كونه مخالفة لتكليف من تكاليفه بحيث يستحق العقوبة من قبله، وليس الامر كذلك بل العصيان في المقام انما هو راجع إلى
مخالفته لمقتضى حق المولوية المجعول من قبله سبحانه لسيده، من جهة ان مقتضى المولوية هو عدم جواز تصرف العبد في شئ الا
462

بإذنه ورضاه، فلا يكون مثل هذا العصيان حينئذ راجعا إليه سبحانه كعصيانه لتكاليفه كالصلاة والصوم ونحوهما، حتى يوجب
استحقاق العقوبة ويوجب فساد المعاملة. وحينئذ فلو ادعى أحد اقتضاء النهي المولوي التحريمي لفساد المعاملة لا مجال للاستدلال
بالرواية المزبورة في القبال على عدم دلالة النهي التكليفي للفساد كما لا يخفى، فتأمل. نعم كما لا دلالة لها على عدم اقتضاء النهي
للفساد لا دلالة لها أيضا على اقتضائه للفساد من جهة ما عرفت من ظهورها في إرادة العصيان الوضعي بمعنى عدم المشروعية، فتدبر.
ومن الاخبار التي استدل بها للفساد رواية ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال من طلق ثلاثا في مجلس فليس
بشي، من خالف كتاب الله عز وجل رد إلى كتاب الله عز وجل ()، وبمضمونه أيضا روايات كثيرة () ولكن الجواب عنها يظهر مما
سبق حيث إن مخالفة الطلاق ثلاثا في مجلس واحد لكتاب الله والسنة انما هي من جهة كونه مما ردع الله عنه ولم يشرعه في كتابه، و
نحن نقول بالفساد فيما كان من هذا القبيل.
ثم إن المحكي عن أبي حنيفة والشيباني انما هو دلالة النهي التكليفي على الصحة، وقد حكى عن الفخر موافقتهما في ذلك.
وهو كذلك في المعاملات فيما لو كان النهي عنها بلحاظ الآثار، من جهة وضوح اعتبار القدرة على المتعلق في النهي كما في الامر، فإذا
كانت المعاملة فاسدة من جهة النهي يلزم عدم كونها مقدورا للمكلف، ومعه لا يكاد يصح توجيه النهي إليه عن إيجادها وحينئذ فوجود
النهي عن المعاملة بالفرض يقتضى كونها مقدورة له، ومقدوريتها له تقتضي صحتها وهو المطلوب، هذا إذا كان النهي عن المعاملة
بلحاظ المسبب أو بلحاظ التسبب بها إليه، واما لو كان النهي عنها بلحاظ السبب فهو غير مقتض لصحتها وترتب الآثار عليها إذ لا يلزم
من مجرد مقدورية السبب ترتب الأثر عليه، كما هو واضح.
واما في العبادات فما كان منها عبادة ذاتية كالركوع والسجود ونحوهما من الأمور الموضوعة لان تكون آلات للخضوع فكذلك أيضا
فإنها كانت مقدورة وكانت مع النهي باقية على وصفها العبادي، فيتمكن من الاتيان بها صحيحة مع النهي، حيث كان صحتها عبارة
أخرى عن تحقق ذواتها، نعم غاية ما هناك هو عدم وقوعها مقربة له من جهة
463

احتياج مثل هذا النحو من العبادة في مقربيتها إلى عدم كونها مبغوضة للمعبود له.
واما ما كان منها عبادة من جهة قصد القربة المتوقفة عباديتها على الامر بها أو رجحانها فلا يلزم من النهي عنها صحتها، بل في مثله
يستحيل تعلق النهي بها بوصف كونها عبادة فعلا، فالنهي حينئذ انما يكون متعلقا بذات الشئ بما له من الاجزاء والشرائط غير الوصف
الناشئ من قبل الامر به نعم لو أريد من الصحة حينئذ الصحة التي يدعيها القائل بالوضع للصحيح: من كون الشئ واجدا لجميع الاجزاء و
الشرائط وكونه وافيا بالغرض على تقدير الامر به، لكان لدعواه كمال مجال، ولكنه لا ينتج ما هو المطلوب من الصحة الفعلية، كما هو
واضح.
بقي الكلام في النهي التشريعي،
في أنه هل يوجب فساد العبادة أو المعاملة أم لا؟ ولتوضيح المرام ينبغي بيان حقيقة التشريع في الاحكام فنقول: ان حقيقة التشريع بعد
إن كانت من سنخ البناء القلبي الذي هو من أفعال الجوانح دون الفعل الخارجي الذي هو من أفعال الجوارح فتارة في مقام التشريع يبنى
الانسان على وجوب شئ أو حرمته لكن لا بما انه من الدين، نظير القوانين المجعولة من طرف السلطان بين الرعية وأخرى يبنى على
وجوب شئ أو حرمته في الدين بما انه مشرع، وذلك بان يدعى نفسه شارعا كالنبي صلى الله عليه وآله ثم في مقام شارعيته يجعل
الشئ الفلاني واجبا أو حراما أو غير ذلك، وثالثة يبنى على وجوب شئ أو حرمته في الدين بما انه هو الحكم المنزل من الله سبحانه
بتوسيط رسوله من دون ادعائه الشارعية لنفسية، وعلى التقادير تارة يخبر أو يعمل على طبق تشريعه، وأخرى لا يخبر ولا يفتى
بذلك ولا كان له عمل على طبق ما شرعه، كما لو كان تشريعه في حكم عمل غيره الذي هو أجنبي عنه، ثم على التقدير الأخير تارة
يكون تشريعه في أصل الحكم الشرعي وأخرى في تطبيقه على المصداق الخارجي، فهذه صور متصورة في التشريع.
وبعد ذلك نقول: اما القسم الأول فلا مجال لدعوى كونه قبيحا عقلا ومحرما شرعا فان مجرد البناء والالتزام على وجوب الشئ لا بما
انه من الدين والشرع لا يقتضى كونه قبيحا عقلا ومحرما شرعا بوجه أصلا وإن كان قد عمل على طبق ما شرعه فضلا عما لو لم يكن
له عمل على طبقه.
واما القسم الثاني فكذلك أيضا من حيث تشريعه وبنائه على وجوب شئ أو حرمته
464

نعم انما يكون المحرم في هذا القسم هو حيث ادعائه الشارعية لنفسه، حيث إنه من أكبر المعاصي وكان العقل أيضا مستقلا بقبحه.
كما أنه لا ينبغي الاشكال أيضا في قبح القسم الثالث وحرمته إذ كان فضوليا في أمر المولى وكان اخباره بذلك أيضا افتراء عليه. نعم
يبقى الكلام حينئذ في أن حكم العقل بالقبح في المقام هل هو بنحو يستتبع حكمه أيضا باستحقاق العقوبة كما في حكمه بقبح المعصية
لكونها ظلما على المولى. حتى لا يكون المورد قابلا للحكم المولوي الشرعي، أو انه بنحو لا يستتبع للحكم باستحقاق العقوبة كما في
حكمه بقبح الظلم حتى يكون المورد قابلا للحكم المولوي الشرعي وكان المجال أيضا لاستكشاف الحكم الشرعي بقاعدة الملازمة بناء
على تماميتها؟ وفي مثله لا يبعد دعوى كونه من قبيل الثاني إذ نقول: بان التشريع وإن كان نحو ظلم على المولى لكونه تصرفا في
سلطانه بحيث يستقل العقل بقبحه، الا انه لا يكون بمثابة يستتبع الحكم باستحقاق العقوبة كما في العصيان، بل هو من هذه الجهة نظير
الظلم على النفس الذي يحكم العقل فيه بالقبح من دون حكمه باستحقاق العقوبة عليه، وعليه فكان كمال المجال لدعوى كونه محكوما
بالحرمة المولوية الشرعية بمقتضى الملازمة، ولكن حيث إن روح التشريع وحقيقته من سنخ البناء آت القلبية من غير دخل فيه للاخبار
أو الفتوى على طبقه بل ولا للفعل الخارجي الجوارحي، بشهادة تعلق التشريع بحكم فعل الغير كالتشريع في إيجاب الصلاة والصوم
على الحائض والنفساء، فلا جرم ما هو المحرم بالحرمة التشريعية أيضا لا يكون الا نفس البناء القلبي الذي هو من فعل الجوانح دون
العمل الخارجي أو الافتاء بشي، كما هو واضح.
وحينئذ فما أفيد من حرمة الافتاء والعمل الخارجي بالحرمة التشريعية أيضا بتخيل ان التشريع عبارة عن الفعل الصادر عن البناء
المزبور كان الفعل هو الافتاء بشي أو العمل الخارجي دون نفس البناء القلبي مجردا عن العمل والافتاء ودون الفعل الخارجي مجردا
عن كون نشوه عن البناء المزبور، وان الفعل الناشئ عن البناء القلبي هو مصداق التشريع المحرم، منظور فيه، لما عرفت من أن روح
التشريع وحقيقته ليس الا عبارة عن نفس البناء القلبي، وان العمل والافتاء كالاخبار به خارج عن حقيقة التشريع، حيث كان مرجع
الافتاء إلى كونه إظهارا وإبرازا لذلك البناء القلبي كالاخبار، ومرجع العمل إلى كونه امتثالا لما شرعه بحسب بنائه على الوجوب أو
الحرمة،
465

وعليه فلا يكاد يوجب حرمة التشريع حرمة الافتاء والعمل الخارجي الجوانحي، حتى يوجب فساده إذا كان عبادة، ولو مع فرض
انكشاف مشروعية المأتي به واقعا وتبين كون ما بنى على وجوبه أو جزئية باعتقاد حرمته ومانعيته واجبا شرعا وجز للمأمور به
واقعا وفرض كون تشريعه في تطبيق المأمور به على المصداق لا في مقام الامر الشرعي.
ومن ذلك البيان ظهر أيضا بطلان ما أفيد بان ذات العمل وان لم يكن قبيحا ومبغوضا حينئذ الا انه من حيث صدوره من المكلف كان
قبيحا ومبغوضا، ومعه لا يكون قابلا للتقرب به، وجه البطلان يظهر مما سبق من كون المحرم هو البناء القلبي الذي هو من فعل
الجوانح وخروج العمل بقول مطلق عن موضوع التشريع المحرم، كيف ومع الغض عن ذلك نقول: بان ما هو القبيح حينئذ انما كان حيث
إضافة العمل إلى الفاعل دون نفسه، وفي مثله لا بأس بالتقرب بذات العمل بعد فرض كونه راجحا واقعا وكون تشريعه أيضا في تطبيق
ما هو المأمور به على المصداق الخارجي لا في ناحية الامر الشرعي فتأمل، وعلى فرض سراية القبح والمبغوضية إلى ذات العمل ولو
بدعوى اتحاد الوجود والايجاد وكون الاختلاف بينهما بالاعتبار، نقول إنه وإن كان يلزمه حينئذ فساد العبادة، لكن يلزمه أيضا
المصير إلى الفساد في المعاملة أيضا بناء على ما سلكه القائل المزبور من اقتضاء النهي عن المعاملة لفسادها، من جهة اقتضاء النهي
لخروج المعاملة عن حيطة قدرة المكلف وسلطانه، إذ حينئذ بمقتضى هذا النهي التشريعي يخرج العمل عن حيطة قدرته وسلطانه بنحو
كان له الفعل والترك، ومع خروجه عن حيطة قدرته وكونه أجنبيا عنه لا جرم يبطل المعاملة، فلا يصح حينئذ التفكيك بين العبادات و
المعاملات في اقتضاء النهي التشريعي لفساد، هكذا أفاده الأستاذ دام ظله في بحثه، ولكن أقول: بان التأمل في كلمات القائل المزبور
يقتضى عدم ورود هذا الاشكال عليه حيث إنه قدس سره انما يدعى خروج النقل أو العمل عن حيطة قدرة المكلف وسلطانه بالنهي أو
الامر فيما لو كان النهي أو الامر متعلقا بالشئ بمعناه الاسم المصدري لا مطلقا ولو كان المنهي عنه هو الشئ بمعناه المصدري، وعليه
فإذا كان المنهي عنه في المقام - على ما صرح به في التقرير - حيث إضافة إصدار العمل من المكلف بهذا العنوان لا نفس الصادر فلا
يكون فيه جهة مبغوضية أصلا، فلا جرم يلزم الالتزام بعدم الفساد في المعاملة، واما التزامه بالفساد في العبادات فإنما هو من جهة
اعتباره في
466

صحة العبادة رجحان العمل في نفسه وعدم اتصافه بالقبح الفاعلي، فحيث ان الفعل المشرع به في المقام يصدر عنه مبغوضا وقبيحا
بالقبح الفاعلي ولم يكن قابلا للتقرب من هذه الجهة التزم فيها بالفساد، هذا.
ولكن الذي يهون الامر هو فساد أصل هذا المبنى لما تقدم من أن ما هو القبيح والمبغوض انما كان هو البناء القلبي لأنه حقيقة التشريع
وروحه وان الافتاء وكذا العمل على طبق هذا البناء فخارج عن حقيقة التشريع، وفي مثله لا يكاد سراية الحرمة والمبغوضية منه إلى
نفس العمل بوجه أصلا، ولو بحيث إضافة إصداره من الفاعل. وعلى ذلك نقول: بأنه لو شرع وبنى على وجوب شئ أو جزئيته أو
شرطيته في العبادة جهلا أو معتقدا بالخلاف، وعمل أيضا على طبق ما شرع جز أو شرطا أو مانعا، فتبين بعد، كون المشرع به
مطابقا للواقع بحيث لم يقع منه إخلال في عمله بما هو الواجب والمأمور به في حقه، فلا جرم تصح عبادته ما لم يكن هناك إخلال بالقربة
من جهة الامر، بان كان تمام داعيه على الاتيان هو الامر الشرعي الحقيقي وكان تشريعه ممحضا في تطبيق المأمور به على المأتي، وإلا
فتبطل من جهة الاخلال بالتقرب، هذا إذا تبين كون العمل المشرع به مطابقا للواقع.
واما تبين الخلاف ففيه صور: فعلى فرض مانعية الجز أو الشرط المشرع به في الواقع فلا محالة تبطل العبادة لمكان إيجاد المانع فيها،
كما أنه كذلك أيضا فيما لو بنى على مانعية شئ للصلاة ولم يأت به فتبين كونه جز أو شرطا في الواقع فإنه تبطل العبادة في هذا
الفرض أيضا لمكان النقيصة، واما على فرض عدم جزئية ما بنى على جزئيته أو شرطيته واقعا فيبنى البطلان وعدمه على مبطلية
الزيادة.
وعلى أي حال فمجرد التشريع في العبادة لا يقتضى البطلان، بل الفساد والبطلان لا بد وأن يكون من جهة أخرى كمحذور الزيادة أو
النقيصة أو غير ذلك، هذا في العبادات، وهكذا في المعاملات فيدور الفساد فيها مدار الاخلال خارجا بما هو المعتبر فيها شرطا أو
شطرا أو مانعا، وهو واضح.
467

المقصد الثالث في المفاهيم
اعلم أنه قد عرف المفهوم بتعاريف: منها انه ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق باعتبار كونه مدلولا التزاميا للفظ، ولتنقيح المقال لا بد
من بيان ما للازم من الأقسام كي به يتضح ما هو المراد منها من المفهوم المصطلح في المقام
فنقول: ان اللزوم على مراتب وأقسام:
منها أن تكون الملازمة بين الامرين بمرتبة من الخفاء،
بحيث يحتاج الانتقال إلى اللازم إلى الالتفات التفصيلي بأصل الملازمة بينهما كي ينتقل الذهن بعده إلى اللازم، وبعبارة أخرى كانت
الملازمة في الخفاء بنحو تحتاج في الانتقال إليها إلى تدقيق النظر، ومن ذلك جميع ما يصدر من أرباب العلوم من الاشكالات العلمية في
أخذ بعضهم بعضا بما يقتضيه لازم كلامه من التوالي الفاسدة، حيث إنه لولا خفاء الملازمة على صاحب الكلام لما يصدر منه ما يلزم من
التوالي الفاسدة من كذا وكذا.
ومنها أن تكون الملازمة واضحة في الجملة
بنحو كيفي في الانتقال إلى اللازم مجرد تصور الملزوم والملازمة، من دون احتياج إلى دقيق النظر في أصل الانتقال إلى الملازمة، و
من ذلك دلالة الآيتين على كون أقل الحمل ستة أشهر.
ومنها أن تكون الملازمة في الوضوح بمثابة كانت ارتكازية ومألوفة في الأذهان،
بحيث يكفي في الانتقال إلى اللازم مجرد تصور الملزوم بلا احتياج إلى الالتفات بالملازمة تفصيلا أم إجمالا، ومن ذلك أكثر الكنايات
كالحاتم والجود، وأنوشيروان والعدالة، ونحو ذلك، فهذه أقسام ومراتب للزوم، ولئن شئت فعبر عن الأول باللزوم الغير البين، و
عن الثاني بالبين بالمعنى الأعم، وعن الثالث بالبين بالمعنى الأخص.
468

وبعد ذلك نقول: إن التعريف المزبور وإن كان يشمل جميع الأقسام المزبورة، حيث ينطبق على الجميع التعريف المزبور بأنه ما دل
عليه اللفظ لا في محل النطق، الا انه نقول بان المراد من المفهوم المصطلح في المقام ما هو من قبيل القسم الأخير الذي كانت الملازمة في
غاية الوضوح بنحو يكفي في الانتقال إلى اللازم مجرد تصور الملزوم من دون احتياج في الانتقال إليه إلى الانتقال إلى الملازمة بينهما
والالتفات إليها تفصيلا أو إجمالا، لا مطلق ما يلازم الشئ ويستتبعه، وعليه فيخرج من المفهوم المصطلح ما يكون من قبيل الأولين
كالآيتين ونحوهما مما لم يكن اللزوم فيه من البين الأخص، بحيث يحتاج في الانتقال إليه إلى الالتفات بالملازمة تفصيلا أم إجمالا ولا
يكفيه مجرد تصور الملزوم.
نعم على ذلك يدخل في التعريف المزبور باب الكنايات كالحاتم والجود ونحوه مما كان اللزوم فيه من البين الأخص ومع ذلك لا
يكون من المفهوم المصطلح، فمن ذلك عرفوه بوجه آخر، تارة بأنه حكم لغير مذكور، وأخرى بأنه حكم غير مذكور لازم لحكم مذكور،
حيث إن الغرض من العدول إلى هذا التعريف انما هو إخراج المفردات كالحاتم والجود، وتخصيص المفهوم المصطلح بالقضايا وإن كان
الأولى حينئذ تعريفه بأنه قضية غير مذكورة اما بحكمها أو بموضوعها لازمة لقضية مذكورة، ووجه أولوية ذلك سلامته عما أورد
على التعريفين المزبورين، حيث أورد على الأول بلزوم خروج مفهوم الشرط الذي هو من أجلى المفاهيم عن التعريف، نظرا إلى كون
الموضوع فيه مذكورا في القضية اللفظية حيث كان الموضوع في طرف المفهوم في قوله (ان جاءك زيد فأكرمه) هو زيد المذكور في
القضية، وعلى الثاني بلزوم خروج مفهوم الموافقة في نحو قوله (لا تهن عبد زيد) الدال على حرمة إهانة زيد بالأولوية، وهذا بخلافه
على ما ذكرنا من الترتب حيث إن فيه جمعا بين الجهات.
وعلى أي حال فيعتبر في المفهوم المصطلح ان يكون الحكم المعلق في القضية اللفظية هو سنخ الحكم والطبيعة المطلقة دون شخص
الحكم، والا فيخرج عن المفهوم المصطلح المتنازع فيه، ومن ذلك أيضا بنوا على خروج القضايا المتكفلة لاثبات شخص الحكم عن
حريم النزاع، معللين، بان انتفاء شخص الحكم المذكور في القضية عند انتفاء بعض القيود المعتبرة فيه يكون عقليا، فلا مجال للنزاع
فيها في ثبوت المفهوم وعدمه، كما لا يخفى.
ومن هذا البيان ظهر أيضا ان مركز التشاجر والنزاع في المقام في ثبوت المفهوم وعدمه
469

لا بد وأن يكون ممحضا في ناحية عقد الحمل في القضية، في أن الحكم المنشأ في القضية الشرطية أو الوصفية أو غيرهما هل هو سنخ
الحكم والطبيعة المطلقة منه كي يلزمه انتفائه رأسا عن غير مورد وجود القيد أو انه شخص الحكم أو الطبيعة المهملة كي لا ينافي ثبوت
شخص حكم آخر في غير مورد وجود القيد؟ فكان القائل بثبوت المفهوم للقضية يدعى ان الحكم المعلق في القضية اللفظية هو سنخ
الحكم والطبيعة المطلقة والقائل بعدم المفهوم يدعى خلافه وانه لا يدل عقد الحمل في القضية الا على الطبيعة المهملة، مع تسالم
الفريقين في ظهور عقد الوضع في القضايا - اسمية كانت أم فعلية أو غيرهما - في كون القيود المأخوذة فيها بخصوصياتها دخيلة في
ترتب الحكم كما هو ديدنهم في كلية العناوين المأخوذة في الخطابات، حيث كان بنائهم على دخلها بخصوصياتها في ترتب الحكم لا بما
أنها مرآة إلى أمر آخر، ولا بما انها مصداق للجامع بينها وبين غيرها، لا انه كان مورد النزاع في ناحية عقد الوضع كما يظهر من
الكفاية () وغيرها، من جعل مركز التشاجر في ناحية عقد الوضع في القضية حيث قال: بان من يقول بالمفهوم في مثل الجملة الشرطية لا
بد له من إثبات دلالة الجملة الشرطية على ترتب الجزاء على الشرط بنحو ترتب المعلول على علته المنحصرة واما القائل بعدم المفهوم
فهو في فسحة من ذلك، لان له منع دلالتها على اللزوم تارة بل على مجرد الثبوت عند الثبوت ولو من باب الاتفاق، ومنع دلالتها على
الترتب أو على نحو الترتب على العلة ثانيا، أو على العلة المنحصرة ثالثا، بعد تسليم اللزوم والعلية.
وذلك لما عرفت من أن ظهور القضايا في مدخلية العنوان المأخوذ فيها لترتب الحكم بخصوصيته مما لا يكاد ينكر عند أحد منهم أصلا،
فلا يمكن ان يكون النزاع بينهم حينئذ في المقام في ناحية عقد الوضع في الدلالة على العلية أو بنحو الانحصار، بل لا بد وأن يكون
النزاع ممحضا في المقام في ناحية عقد الحمل خاصة كيف وانه لولا مفروغية الظهور المزبور عندهم لما كان وجه لفهمهم التنافي عند
إحراز وحدة المطلوب بين قوله: أعتق رقبة، وبين قوله: أعتق رقبة مؤمنة، وحملهم المطلق على المقيد، وذلك من جهة إمكان ان يكون
موضوع الحكم بوجوب العتق حينئذ هو مطلق الرقبة الجامع بين المؤمنة وغيرها وان ذكر الايمان
470

من جهة كونه أحد المصاديق أو أفضلها، وحينئذ فنفس فهمهم التنافي بينهما في المثال شاهد ما بيناه من التسالم في ظهور عقد الوضع
في القضايا كلية على أن العنوان المأخوذ فيها مما له الدخل بخصوصيته الشخصية في ترتب الحكم، إذ حينئذ بعد ظهور دليل المقيد في
دخل الايمان بخصوصيته في وجوب العتق وإحراز وحدة المطلوب ولو من الخارج، يقع بينهما التعارض فيحتاج إلى حمل المطلق منهما
على المقيد، وهكذا في قوله: أكرم زيدا، وقوله:
أكرم عمرا، حيث إنه مع العلم بوحدة المطلوب يقع بينهما التعارض، ومعلوم انه لا يكون له وجه الا ظهور كل من الدليلين في مدخلية
خصوصية العنوان، وان كل عنوان بخصوصيته تمام الموضوع للحكم، لا بما انه مصداق للجامع وان الواجب انما هو إكرام الانسان، و
على ذلك نقول: بأنه بعد تسلم هذا الظهور في عقد الوضع في كلية القضايا فلا جرم لا يبقى مجال النزاع في المقام في المفهوم وعدمه إلا
في طرف عقد الحمل في القضية، في أنه هل هو السنخ والطبيعة المطلقة أو الشخص والطبيعة المهملة؟ فمع إحراز كون المحمول هو
الحكم السنخي فلا جرم بمقتضى الظهور المزبور في عقد الوضع في دخل الخصوصية يستفاد انتفاء الحكم بانتفاء الخصوصية.
ومما يشهد لما ذكرنا أيضا تصريحاتهم كما سيجئ بخروج القضايا المتكفلة لشخص الحكم عن حريم النزاع وعن المفهوم المصطلح،
وتعليلهم لذلك بان انتفاء شخص الحكم بانتفاء موضوعه أو بعض قيوده عقلي غير قابل للنزاع فيه في البقاء وعدمه. إذ نقول: بأنه لولا
الظهور المزبور في دخل الخصوصية لكان من المحتمل ان يكون هناك فرد علة أخرى توجب بقاء ذلك الحكم الشخصي، بان كان العلة
في الحقيقة للحكم الشخصي هو الجامع بينهما وان المذكور في القضية أحد فردي الجامع، ومن المعلوم انه مع تطرق هذا الاحتمال لا
مجال لجعل الانتفاء فيه عقليا عند الانتفاء الا بتسلم الظهور المزبور في عقد الوضع.
وعليه نقول: بأنه إذا كان ذلك يوجب انتفاء الحكم الشخصي عند الانتفاء فليكن الامر كذلك في الحكم السنخي أيضا، فمع إحراز الحكم
السنخي فقهرا بمقتضى الظهور المزبور في دخل الخصوصية يلزمه عقلا انتفاء الحكم بانتفاء الخصوصية من دون احتياج إلى إثبات
العلية المنحصرة، واما توهم عدم كفاية هذا المقدار في الحكم بانتفاء الحكم السنخي لولا إثبات انحصار العلة، بدعوى انه بدونه يحتمل
ان يكون هناك علة أخرى توجب شخصا آخر من الحكم مثله، ومعه فلا يمكن الحكم بانتفاء السنخ بهذا المقدار الا
471

بإثبات انحصار العلة، فمدفوع بان ذلك كذلك فيما لو كان الحكم المحمول في القضية بنحو الطبيعة المهملة والا ففي فرض كونه بنحو
الطبيعة المطلقة فلا جرم لا يفرق بينهما بل توجب قضية الظهور المزبور حينئذ في دخل الخصوصية لزوم انتفاء الحكم السنخي عند
انتفاء الخصوصية، وعلى ذلك فلا محيص حينئذ من صرف النزاع في المقام في ثبوت المفهوم وعدمه عن عقد الوضع في القضية و
إرجاعه إلى طرف عقد الحمل، بان المحمول هو الطبيعة المهملة حتى لا يلزمه الانتفاء عند الانتفاء أو هو السنخ والطبيعة المطلقة حتى
يلزم الانتفاء عند الانتفاء؟ من دون احتياج إلى إثبات العلية المنحصرة.
ومن ذلك نقول: بأنه لا بد للقائل بالمفهوم في كل قضية شرطية أو وصفية أو غائية أو غيرها من إثبات كون المحمول في تلك القضية
هو السنخ، اما من جهة دلالة القضية عليه ولو بالاطلاق أو من جهة القرائن الخارجية، كي يستفاد المفهوم بضم ظهور عقد الوضع في
القضية في دخل الخصوصية، وإلا فبدون إثبات هذه الجهة لا يكاد يصح له الاخذ بالمفهوم والحكم بالانتفاء عند الانتفاء ولو مع إثباته
انحصار العلة، هذا، ولكن أقول: بأنه لا يخفى عليك ان مجرد ظهور عقد الوضع في دخل العنوان بخصوصيته في ترتب الحكم السنخي
غير مجد أيضا في استفادة الانتفاء عند الانتفاء إلا بضم قضية إطلاق ترتب الحكم والجزاء عليه في الترتب عليه بالخصوص بنحو
الاستقلال، والا فبدونه يحتمل ان يكون هناك علة أخرى تقوم مقامه عند انتفائه، ومع هذا الاحتمال لا يمكن الاخذ بالمفهوم في القضية،
كما هو واضح. وحينئذ فإذا احتجنا إلى قضية إطلاق ترتب الجزاء في الحكم بالانتفاء عند الانتفاء - كما اعترف به الأستاذ أيضا - نقول
بأنه ملازم قهرا مع انحصار العلة فلا يستغنى حينئذ في الحكم بانتفاء السنخ عن إثبات انحصار العلة، كما لا يخفى.
ثم اعلم بان السنخ والطبيعة المطلقة تارة يراد به المعنى القابل للانطباق على الافراد المتكثرة، كالانسان مثلا بالقياس إلى افراده و
مصاديقه المتكثرة، حيث إن إطلاقه انما هو بمعنى قابلية انطباقه وصدقه في الخارج على افراده من زيد وعمرو وبكر وخالد وغير
ذلك من الافراد، وأخرى يراد به ما يقتضى حصر الكلي والطبيعي بفرده ومصداقه الخاص نظير قولك: انما العالم زيد، مريدا به حصر
تلك الطبيعة لزيد وعدم ثبوت مصداق آخر
472

لغيره. وإذ عرفت ذلك نقول: إن المراد من السنخ والطبيعة المطلقة في المقام انما هو السنخ بالمعنى الثاني لا هو بالمعنى الأول، فالمراد
هو ان المتكلم في قوله: ان جاء زيد فأكرمه، مثلا بصدد حصر هذا السنخ من الحكم بفرده الخاص وإلا فهو باعتبار المعنى الأول غير
معقول لأنه من المستحيل إطلاق الحكم في المثال المزبور بنحو يشمل وجوب الاكرام الثابت لعمرو وخالد، ضرورة ان شخص الحكم
الثابت لموضوع غير قابل للثبوت لموضوع آخر، وهو واضح.
إرشاد في طريق استخراج المفهوم
اعلم أن الحكم إذا كان له إضافات متعددة بالقياس إلى موضوعه وقيده وشرطه وغايته ونحو ذلك، فطريق استخراج المفهوم من كل
جهة شرطا أو وصفا أو غاية انما هو باعتبار لحاظ الحكم سنخا بالإضافة إلى تلك الجهة لا باعتبار لحاظه سنخا على الاطلاق، حيث إنه
من الممكن ان يكون المتكلم في مقام تعليق السنخ ومقام الاطلاق بالإضافة إلى قيد، مع كونه في مقام الاهمال بالقياس إلى قيد آخر، و
على ذلك فلو ورد حكم معلق على شرط، ومرتب على لقب، ومنوط على وصف، ومغيا بغاية خاصة، كقوله: جاء زيد راكبا إلى يوم
الجمعة يجب إكرامه، ففي مثله كان لهذا الحكم إضافات متعددة: إضافة إلى شرطه وهو المجئ، وإضافة باللقب وهو زيد، وإضافة إلى
قيده ووصفه، وإضافة إلى الغاية الخاصة، وحينئذ فإذا فرضنا ان المتكلم كان في مقام إطلاق الحكم وإناطته من حيث السنخ بالإضافة
إلى كل واحد من الشرط واللقب والوصف والغاية فلا جرم يلزمه استخراج مفاهيم متعددة حسب تعدد الإضافات، فمن إضافته إلى
المجئ يستفاد مفهوم الشرط فيحكم بانتفاء سنخ وجوب الاكرام عن زيد عند عدم المجئ وإن كان راكبا، ومن إضافته إلى موضوعه
يستفاد مفهوم اللقب ويحكم بانتفاء سنخ وجوب الاكرام عن غير زيد ولو كان غيره جائيا راكبا إلى يوم جمعة، ومن إضافته إلى قيده
يستفاد مفهوم الوصف ويحكم بانتفاء سنخ الوجوب عن زيد عند انتفاء الوصف ولو كان جائيا إلى يوم الجمعة، ومن إضافته إلى
الغاية يستفاد مفهوم الغاية ويحكم بانتفاء سنخ وجوب الاكرام عنه عند
473

عدم مجيئه إلى يوم الجمعة، ولو كان جائيا راكبا بعد يوم الجمعة، واما إذا لم يكن المتكلم في مقام الاطلاق وإناطة الحكم من حيث
السنخ إلا بالإضافة إلى بعض تلك القيود، مع كونه في مقام الاهمال بالإضافة إلى بعضها الاخر، ففي مثله يلاحظ المفهوم بالقياس إلى ما
اعتبر كونه سنخا بالإضافة إليه شرطا أو وصفا أو غاية، فإذا كان المتكلم في مقام تعليق السنخ بالإضافة إلى المجئ وهو الشرط مثلا
كان المستفاد منه هو انتفاء سنخ وجوب الاكرام عن زيد عند انتفاء المجئ، ولكنه حيث لم يعتبر الحكم من حيث السنخ بالإضافة إلى
موضوعه ووصفه وغايته فلا تدل القضية على انتفاء حكم وجوب الاكرام عن غير زيد ولا عنه عند انتفاء وصفه أو غايته، كي لو ورد
دليل على وجوب إكرامه عند انتفاء وصفه أو غايته يقع بينهما التعارض. نعم ذلك الحكم الشخصي ينتفي بانتفاء كل واحد من القيود، و
لكنه غير المفهوم المصطلح، فان المصطلح من المفهوم انما هو انتفاء سنخ هذا الحكم وعدم ثبوت شخص حكم آخر في غير مورد
الوصف والغاية. وعلى كل حال فلا بد في طرف المفهوم من حفظ القضية المنطوقية وتجريدها من خصوص ما أنيط به الحكم السنخي
دون غيره.
نعم قد يقع الاشكال في أصل تصور الحكم السنخي واستفادته من القضايا. وتنقيح المرام في ذلك هو ان الحكم المنشأ في القضايا
الشرطية أو غيرها اما ان يكون بمادة الوجوب، كقوله: ان جاء زيد يجب إكرامه، واما ان يكون بصيغة الوجوب.
فعلى الأول لا ينبغي الاشكال في إمكان تصور الحكم السنخي بل واستفادته من تلك القضايا.
واما الاشكال عليه بان الحكم المنشأ بهذا الانشاء الخاص حينئذ انما كان حكما شخصيا حقيقتا ومن خصوصياته حصوله وتحققه بهذا
الانشاء الخاص وتعلقه وبالشرط الخاص، وعليه فلا يتصور جهة سنخية للحكم حتى يكون من حيث السنخ معلقا على الشرط أو الوصف،
فيلزمه انتفاء الحكم السنخي عند الانتفاء فمندفع بان مثل هذه الخصوصيات بعد ما كان نشوها من قبل الاستعمال المتأخر عن المعنى و
المنشأ، فلا جرم غير موجب لخصوصية المعنى المنشأ وعليه فكان المعنى المنشأ حينئذ معنى كليا، وقد علق على الشرط أو الوصف، و
كانت الخصوصيات الناشئة من قبل الاستعمال من قبل الاستعمال من لوازم وجوده، لا انها تكون مأخوذة فيه يصير المعنى لأجلها جزئيا،
كما هو واضح.
واما على الثاني فقد يشكل في أصل استفادة الحكم السنخي من الهيئة، ومنشأه
474

هو الاشكال المعروف في الحروف والهيئات من حيث خصوص الموضوع له فيها، بتقريب ان الحروف وكذا الهيئات لما كانت غير
مستقلة بالمفهومية لكون معانيها من سنخ النسب والارتباطات الذهنية المتقومة بالطرفين، فلا محالة كانت جزئية وغير قابلة للاطلاق
الفردي والصدق على الكثيرين، ومعه فلا يتصور الحكم السنخي في مفاد الهيئة في الصيغة حتى يعلق على الشرط أو الوصف فيترتب
عليه الحكم بانتفاء السنخ عند الانتفاء.
بل ومن ذلك قد يشكل أيضا في صحة أصل الإناطة والتعليق وإرجاع القيد في القضايا الطلبية إلى الهيئة في نحو قوله: ان جاء زيد
فأكرمه، بدعوى ان صحة الإناطة والتقييد فرع إمكان إطلاق الهيئة، ومع فرض خصوصية المعنى في الحروف والهيئات يستحيل
التقييد أيضا، فمن ذلك لا بد من إرجاع تلك القيود في نحو هذه القضايا إلى المادة، هذا.
ولكن الاشكال الثاني كما ترى واضح الدفع ولو على القول بخصوص الموضوع له في الحروف والهيئات، وذلك من جهة وضوح ان
المقصود من خصوص الموضوع له وجزئية المعنى في الحروف والهيئات انما هو جزئية باعتبار الخصوصيات الذاتية التي بها امتياز
افراد نوع واحد بعضها من بعض، لا مطلقا حتى بالقياس إلى الحالات والخصوصيات الطارية عليه من إضافته إلى مثل المجئ والقيام و
القعود، فكان المراد من عدم كلية المعنى في الحروف هو عدم كليته من جهة الافراد، وانها موضوعة لاشخاص الارتباطات الذهنية
المتقومة بالمفهومين، وكونها من قبيل المتكثر المعنى، ومن المعلوم بداهة ان عدم كلية المعنى في الحروف والهيئات وجزئية
الموضوع له فيها من هذه الجهة غير مناف مع إطلاقه بحسب الحالات، وعليه فكما ان للمتكلم إيقاع النسبة الارسالية في استعمال الهيئة
مطلقة وغير منوطة بشي من مثل المجئ وغيره بقوله أكرم زيدا كذلك كان له إيقاعها من الأول منوطة بالمجئ ونحوه بقوله ان جاء
زيد فأكرمه. ومن ذلك أيضا أوردنا على الشيخ (قدس سره) في مبحث الواجب المشروط وقلنا بان مجرد خصوصية الموضوع له في
الحروف والهيئات لا يقتضى تعين إرجاع القيود الواقعة في القضايا الشرطية إلى المادة وصرفها عما تقتضيه القواعد العربية إلى
الهيئة.
نعم انما لهذا الاشكال مجال بناء على مسلك آلية معاني الحروف وجعل الفارق بينها وبين الأسماء من جهة اللحاظ من حيث الالية و
الاستقلالية، كما أفاده في الكفاية،
475

حيث إن لازم آلية المعنى فيها حينئذ هو كونه غير ملتفت إليه عند الاستعمال، من جهة كونه ملحوظا باللحاظ العبوري المرآتي، ولازم
ذلك لا محالة هو امتناع التقييد رأسا، بلحاظ ان صحة التقييد فرع الالتفات إلى المعنى، فمع فرض عدم الالتفات إليه عند الاستعمال فلا
جرم يمتنع تقييده، أيضا، ولكن عمدة الاشكال على ذلك في أصل هذا المبنى لما ذكرنا فساده في محله وقلنا بان معاني الحروف وكذا
الهيئات انما هي من سنخ الارتباطات الذهنية المتقومة بالطرفين وان الفرق بينها وبين الأسماء انما هو من جهة ذات المعنى والملحوظ
لا من جهة كيفية اللحاظ فقط، وعليه فلا مجال لهذا الاشكال من هذه الجهة أيضا، كما هو واضح.
وحينئذ يبقى الكلام في الاشكال الأول في أصل استفادة الحكم السنخي بل وتصوره ثبوتا بملاحظة جزئية الموضوع له في الحروف و
الهيئات، وفي ذلك نقول: بأنا وان أجبنا عن ذلك سابقا بكلية المعنى فيها، من جهة ما تصورناه في مبحث الحروف من القسم الاخر من
عموم الوضع والموضوع له في الحروف غير عام الوضع والموضوع له المشهوري، ولكن التأمل التام فيه يقتضى عدم إجراء هذا النحو
من الكلية لدفع هذا الاشكال، والوجه فيه هو ان ذلك المعنى العام والقدر المشترك الذي تصورناه لما لا يمكن تصوره، وإحضاره في
الذهن إلا في ضمن إحدى الخصوصيات، فلا جرم لا يكاد يمكن ان يوجد في ذهن المتكلم عند استعمالها، بمثل قوله: الماء في الكوز أو
زيد على السطح وسرت من البصرة إلى الكوفة، الا اشخاص النسب الخاصة والارتباطات المخصوصة كما هو ذلك على القول بخصوص
الموضوع له فيها أيضا، وفي مثله يتوجه الاشكال المزبور بان الموجود في ذهن المتكلم عند استعمال الهيئة بقوله: أكرم زيدا ان جاءك،
بعد ان لم يكن الا شخص نسبة وربط خاص قائم بالطرفين فلا جرم لا يتصور له الاطلاق الفردي حتى يتصور فيه السنخ فيكون هو
المعلق على الشرط أو الوصف المذكور في القضية فينتج الانتفاء عند الانتفاء، وحينئذ فهذا النحو من عموم الوضع والموضوع له في
الحروف غير مجد لدفع الاشكال في المقام لأنه بحسب النتيجة كالقول بخصوص الموضوع له فيها.
فعلى ذلك فلا بد من التصدي لدفعه بوجه آخر غير ذلك فنقول: ان قصارى ما يمكن ان يقال في دفع الاشكال وجهان:
أحدهما: ما أفاده الأستاذ دام ظله في الدورة السابقة، وحاصله هو ان دلالة الهيئة
476

على الطلب في قوله (افعل) بعد ما كانت بالملازمة، من جهة كونه أي الطلب ملزوما للنسبة الارسالية التي هي مدلول الهيئة، لا مدلولا لها
بالمطابقة، كما هو مختار الكفاية، وكان المهم أيضا إثبات السنخ والاطلاق في طرف الحكم والطلب، فلا بأس حينئذ بلحاظ الاطلاق و
التقييد بالنسبة إلى ذلك الطلب الملازم مع الارسال، ولو على القول بخصوص الموضوع له في الحروف والهيئات، من جهة انه لا ملازمة
بين خصوصية المدلول في الهيئة مع خصوصية ما يلازمه، فأمكن ان يكون المدلول في الهيئة جزئيا وخاصا، ومع ذلك يكون ملزومه و
هو الطلب كليا، وحينئذ فإذا كان المهم في المقام هو إثبات السنخ في طرف الحكم والطلب فأمكن إثبات السنخ من غير طريق الهيئة و
لو بمثل الاطلاق المقامي ونحوه.
الوجه الثاني: ما أفاده دام ظله أخيرا، وتقريبه انما هو بدعوى ان مفاد الحروف وكذا الهيئات وإن كان جزئيا، لكونها عبارة عن
اشخاص الارتباطات الذهنية المخصوصة المتقومة بالطرفين، إلا انها تبعا لكلية طرفيها أو أحد طرفيها قابلة للاتصاف بالكلية، كما في
قولك: الانسان على السطح والماء في الكوز والسير من البصرة إلى الكوفة، في قبال قولك:
زيد على السطح وهذا الماء في هذا الكوز وسرت من النقطة الكذائية من البصرة إلى النقطة الكذائية من الكوفة، فان السير وكذا
البصرة في قولك (السير من البصرة) لما كان كليا وقابلا للانطباق في الخارج على الكثيرين كالسير من أول البصرة ووسطها و
آخرها فقهرا تبعا لكلية هذين المفهومين تتصف تلك الإضافة والربط الواقع بينهما أيضا بالكلية، وهكذا في قولك: الانسان على السطح
أو الماء في الكوز، حيث إنه تبعا لكلية الطرفين تتصف تلك النسبة والربط والاستعلائية أو الظرفية بالكلية، فينحل إلى الروابط
المتعددة، فيصدق في الخارج على زيد الكائن على السطح، وعلى عمرو الكائن على السطح وهكذا، ولا نعنى من كلية المعنى الا كونه
قابلا للانطباق في الخارج على الكثيرين، ويقابله قولك:
زيد على السطح، حيث إن ذلك الربط الخاص حينئذ تبعا لجزئية المتعلق غير قابل للانطباق في الخارج على الكثيرين. وحينئذ فعلى هذا
البيان صح ان يقال: بان تلك النسب والروابط التي هي مفاد الحروف والهيئات بنفسها لا تتصف بالكلية والجزئية، بل وانما اتصافها
بالكلية والجزئية تابع كلية طرفيها أو أحدهما، فمتى كان أحد طرفيها كليا قابلا للصدق في الخارج على الكثيرين فلا جرم تبعا لكليته
تلك الإضافة والربط القائم
477

أيضا تتصف بالكلية، كما كان ذلك هو الشأن أيضا في التكاليف الكلية الانحلالية، كقوله: يجب إكرام العالم ويحرم شرب الخمر، حيث إن
كلية التكليف حينئذ انما هي باعتبار كلية متعلقه، فإذا كان متعلقه كليا فلا جرم تبعا لكلية متعلقه يتصف الحكم أيضا بالكلية، وينحل
حسب تعدد افراده متعلقه في الخارج إلى تكاليف متعددة، والا فالحكم المنشأ في مثل قوله: أكرم العالم ويحرم شرب الخمر، لا يكون
الا شخص حكم وشخص إرادة متعلقة بموضوعه، وهو الاكرام المضاف إلى العالم والشرب المضاف إلى الخمر. وعلى ذلك ففي المقام
أمكن استكشاف الحكم السنخي من الهيئة في الصيغة بإجراء الاطلاق في ناحية المادة المنتسبة بما هي معروضة للهيئة، إذ حينئذ من
إطلاقها يستشكف الحكم السنخي، فإذا أنيط الحكم السنخي حينئذ بمثل الشرط أو الوصف في القضية بقوله ان جاء زيد فأكرمه أو أكرم
زيدا العادل، فقهرا بانتفاء القيد بعد فرض ظهوره في الدخل بخصوصيته واقتضاء إطلاق ترتب الجزاء على في ترتبه عليه بالاستقلال
يلزمه انتفاء الحكم السنخي، كما هو واضح.
وكيف كان فبعد ان ظهر لك طريق استكشاف المفهوم في القضايا بحسب الكبرى يبقى الكلام في صغريات المفاهيم.
مفهوم الشرط
فنقول ان من المفاهيم مفهوم الشرط في نحو قوله إن جاء زيد يجب إكرامه حيث إنهم اختلفوا في دلالة ان وأخواتها من أدوات الشرط
على الانتفاء عند الانتفاء وعدم دلالتها عليه ونقول في تنقيح المرام انه لا ينبغي الارتياب في أن القضية الحملية في مثل قوله: أكرم زيدا،
مع قطع النظر عن ورود أداة الشرط عليها بطبعها لا تقتضي أزيد من كون المتكلم في مقام إثبات حكم وجوب الاكرام لزيد بنحو
الطبيعة المهملة، واما اقتضائها لكونه بصدد إثبات سنخ الحكم والطبيعة المطلقة وفي مقام حصر الطبيعي في هذا الفرد في تلك القضية
فلا، لان ذلك مما يحتاج إلى عناية زائدة عما يقتضيه طبع القضية، ومن ذلك يحتاج إلى قيام قرينة عليه بالخصوص، والا فمع عدم
القرينة عليه فلا يقتضى طبع القضية الحملية الا مجرد ثبوت المحمول مهملا للموضوع.
ولذلك أيضا ترى بنائهم على عدم المفهوم في القضايا اللقبية وعدم اقتضائها انتفاء
478

سنخ الحكم المحمول على الاطلاق عن غير الموضوع المذكور في القضية، كي لو ورد دليل آخر على ثبوت شخص حكم آخر لعمرو لوقع
بينهما المعارضة، ومن المعلوم انه لا يكون ذلك الا من جهة ما ذكرناه من عدم اقتضاء القضية الحملية بطبعها في نحو قوله: أكرم زيدا مع
قطع النظر عن القرائن الخارجية الا مجرد ثبوت الحكم والمحمول لزيد بنحو الطبيعة المهملة الغير المنافي مع ثبوت شخص حكم آخر
من هذا السنخ للعمرو والبكر.
نعم لما كان مقتضاه حينئذ هو ثبوت هذا الحكم والمحمول على الاطلاق لزيد، فلا جرم يلزمه إطلاق الحكم المزبور من جهة حالات
الموضوع من القيام والقعود ونحو ذلك، فكان مقتضى إطلاقه هو ثبوته له على الاطلاق وفي جميع الحالات الطارية عليه من القيام و
القعود والمجئ ونحوه، ولئن شئت قلت إنه لما كان لموضوعه إطلاق بحسب الحالات من المجئ وغيره يلزمه قهرا إطلاق في طرف
الحكم المترتب عليه أيضا بحسب تلك الحالات بحيث يلزمه عدم جواز ثبوت وجوب آخر أيضا لذلك الموضوع في حال القيام أو القعود
من جهة ما يلزمه حينئذ بعد هذا الاطلاق من لزوم محذور اجتماع المثلين، من غير أن ينافي إطلاق الحكم والمحمول من تلك الجهة مع
إهماله المفروض من الجهة المزبورة، إذ مثل هذا النحو من الاطلاق في الحكم يجتمع مع إهماله من جهة الافراد بل ومع شخصيته أيضا،
كما هو واضح.
وحينئذ فإذا كان ذلك مقتضى طبع القضية الحملية فكان قضية إطلاقها في ثبوت الحكم المحدود الشخصي لموضوعه على الاطلاق وفي
جميع الحالات هو حصر الطبيعي بهذا الفرد المحمول في القضية، بلحاظ ما عرفت من استلزام إطلاق هذا الحكم الشخصي لجميع الحالات
عدم ثبوت فرد آخر منه لموضوعه في بعض الحالات نقول: بان طبع أداة الشرط الوارد عليها أيضا في نحو قوله: ان جاء زيد يجب
إكرامه لا يقتضى الا مجرد إناطة النسبة الحكمية بما لها من المعنى الاطلاقي بالشرط وهو المجئ لان ما هو شأن الأداة انما هو مجرد
إناطة الجملة الجزائية بما لها من المعنى الذي يقتضيه طبع القضية الحملية بالشرط وحينئذ فإذا كان مقتضى طبع القضية الحملية أو
الانشائية في مثل قوله أكرم زيدا، هو ثبوت حكم شخصي محدود لزيد على الاطلاق الملازم لانحصاره وعدم فرد آخر منه في بعض
الحالات وكان قضية الأداة على ما هو شأنها إناطة تلك الجملة بما لها من المعنى بالشرط وهو المجئ في قوله: ان جاء زيد فأكرمه، فلا
جرم بعد ظهور الشرط في دخل الخصوصية بمقتضى ما بيناه يلزمه قهرا انتفاء وجوب الاكرام عن
479

زيد عند انتفاء المجئ وعدم ثبوت وجوب شخص آخر له في غير حال المجئ من جهة ان احتمال ذلك مما ينافي ما تقتضيه طبع الجملة
من ثبوت ذلك الوجوب لزيد على الاطلاق وفي جميع الحالات التي منها عدم المجئ من جهة ما يلزمه من محذور اجتماع المثلين. واما
احتمال التأكد حينئذ فيدفعه أيضا ظهور القضية في محدودية الحكم بحد شخصي مستقل، فإذا فرضنا حينئذ انحصار الوجوب بهذا الفرد
من الحكم الشخصي الثابت في القضية المنطوقية فقهرا بمقتضى الإناطة يلزمه عقلا انتفاء سنخ وجوب الاكرام عن زيد عند انتفاء
المجئ، ولا نعنى من المفهوم الا ذلك. نعم لو كان قضية الأداة مضافا إلى إناطة الجزاء بالشرط هو إخراجه عما تقتضيه طبع الجملة
الحملية من الاطلاق بحسب الحالات لكان للاشكال في الانتفاء عند الانتفاء كمال مجال، ولكنه كما ترى بعيد جدا، فان شأن الأداة على
ما عرفت لا يكون الا مجرد ربط إحدى الجملتين وإناطتها بما لها من المعنى والمدلول بجملة أخرى، بلا اقتضائها لاهمال القضية و
إخراجها عما يقتضيه طبعها من الظهور الاطلاقي الموجب لانحصار الطبيعي في الشخصي، كما لا يخفى.
ولا يخفى عليك انه على هذا البيان لا يحتاج في إثبات المفهوم في القضايا الشرطية إلى إتعاب النفس لاثبات العلية المنحصرة، كي يمنع
تارة بمنع اقتضاء الشرط العلية بل مجرد الثبوت عند الثبوت، وأخرى بمنع العلية المنحصرة على فرض تسليم اقتضاء أصل العلية، فان
ذلك كله منهم ناش عن عدم التفطن بوجه استفادة المفهوم في القضايا الشرطية وعدم ملاحظة ما يقتضيه طبع القضايا الانشائية و
الحملية من الظهور الاطلاقي الموجب لحصر الطبيعي في قوله: أكرم زيدا في حكم شخصي محدود بحد خاص، وإلا فنفس ذلك كاف في
استفادة المفهوم، من جهة ان لازم إناطة مثل هذا الحكم الشخصي حينئذ هو لزوم انتفاء ذلك عند الانتفاء، وحيث انه فرض انحصار
الطبيعي أيضا بهذا الشخص بمقتضى الظهور الاطلاقي، فقهرا يلزمه انتفاء الحكم السنخي بانتفائه، من دون احتياج إلى إثبات العلية
المنحصرة، وهو واضح.
ثم إنه لو أغمضنا عن ذلك البيان وبنينا على مقالة المشهور في استفادة المفهوم في القضايا الشرطية فهل للقضية الشرطية دلالة على
التلازم بين المقدم والتالي أم لا؟ وعلى تقدير الدلالة فهل تدل على الترتب بينهما بنحو العلية أو العلية المنحصرة أم لا؟.
فنقول: انه وان لم يتعرض الأستاذ لذكر هذا البحث بل اكتفى في إثبات المفهوم
480

بما حررناه من البيان المتقدم ولكنه لا بأس بالتعرض لبيان هذه الجهة جريا على طبق ممشى القوم فنقول: اما دلالة القضية الشرطية
على التلازم بين المقدم والتالي، بل وعلى كون اللزوم بينهما بنحو العلية والمعلولية، فالظاهر هو كونها في غاية الوضوح، كما يشهد
به الوجدان ويوضحه المراجعة إلى العرف وأهل المحاورة واللسان في نحو هذه القضايا، حيث ترى انهم يفهمون منها الترتب بين
المقدم والتالي بنحو العلية فضلا عن اللزوم بينهما، وعليه فدعوى المنع عن الدلالة على اللزوم أو الترتب بنحو العلية في غاية السقوط.
نعم لدعوى المنع عن اقتضائها للترتب بنحو العلية المنحصرة كمال مجال، من جهة احتمال فرد علة أخرى تقوم مقامها عند انتفائها، و
حينئذ فللقائل بالمفهوم إثبات هذه الجهة وسد باب الاحتمال المزبور كي يصح له الحكم بالانتفاء عند الانتفاء.
فنقول: انه قد استدل للدلالة على ذلك بأمور: منها انصراف إطلاق العلاقة اللزومية إلى أكمل افرادها وهو اللزوم بين المقدم والتالي
بنحو العلية المنحصرة، وأورد عليه في الكفاية () تارة بمنع كون الأكملية منشأ للانصراف، وأخرى بمنع كون اللزوم بينهما أكمل مما
إذا لم يكن بانحصار، من جهة ان الملازمة لا تكون الا عبارة عن إضافة خاصة بين الشيئين، ومن المعلوم انه لا يكاد يختلف تلك الإضافة
بالشدة والضعف في صورة الانحصار وعدمه، بل هي على ما هي عليها، كان بينه وبين شئ آخر أيضا ملازمة أم لا.
ولكن يمكن ان يقال بان أشدية الملازمة حينئذ مع الانحصار انما هي من جهة ما يلزمه أيضا من الانتفاء عند الانتفاء، بخلافه مع عدم
الانحصار، فان الملازمة حينئذ كانت بينهما من طرف الوجود الخاصة، ومعلوم حينئذ ان العرف يرون الملازمة بينهما على النحو الأول
أشد من الملازمة على النحو الثاني، وحينئذ لو فرضنا الإغماض عن عدم منشئية هذه الأكملية للانصراف فلا جرم يصح الاستدلال بهذا
الوجه لاثبات الانحصار.
بل ومن ذلك أيضا ظهر صحة التمسك بإطلاق الملازمة بمقدمات الحكمة، نظير التمسك بالطلاق الطلب لاثبات الوجوب لكونه أكمل
افراد الطلب، بدعوى ان مقتضى الحكمة حينئذ هو الحمل على أكمل افراد اللزوم وهو اللزوم بين المعلول والعلة المنحصرة، فتأمل.
481

ومنها إطلاق الشرط بتقريب اقتضائه لانحصاره في مقام التأثير، وانه تمام المؤثر في الجزاء، سبقه أو قارنه أمر آخر أم لا، من جهة انه
مع عدم الانحصار لا يكون التأثير مستندا إليه خاصة فيما لو سبقه أو قارنه أمر آخر، بل التأثير على الأول كان مستندا إلى الامر السابق،
وعلى الثاني إلى المجموع لا إليه فقط أو الجامع بينهما، فكان اللازم حينئذ تقييده بان لا يسبقه أو يقارنه آخر، فإطلاقه حينئذ وعدم
تقييده بذلك كاشف عن انحصاره في مقام التأثير وهو المطلوب. وقد أورد عليه أيضا في الكفاية () بمنع الاطلاق كذلك نظرا إلى
دعوى ندرة تحققه بل عدم تحققه، ولكن فيه تأمل واضح.
ومنها: إطلاق الشرط أيضا بتقريب اقتضائه كونه بنحو التعين وانه لا يكون له بديل يقوم مقامه عند انتفائه، والا كان اللازم تقييده
بمثل (أو كذا) فعدم تقييده كاشف عن إطلاقه من هذه الجهة، ومقتضاه هو كونه بنحو التعين، نظير اقتضاء إطلاق الوجوب كونه تعيينا
لا تخييريا وبذلك يثبت المطلوب وهو الانحصار في العلية. وأورد عليه أيضا في الكفاية بان التعين في الشرط ليس يغاير نحوا فيما لو
كان متعددا، كما كان في الوجوب حيث إنه يغاير نحوا فيما لو كان له عدل فيحتاج في الوجوب التخييري إلى العدل، ومقتضى إطلاقه
هو كونه بنحو لا يكون لا عدل، وهذا بخلافه في الشرط واحدا كان أم متعددا حيث إن دخله في المشروط على نحو واحد لا يتفاوت
الحال فيه ثبوتا كي يتفاوت عند الاطلاق إثباتا، وكان الاطلاق مثبتا لنحو لا يكون له عدل، واما ما يرى من الاحتياج إلى ذكر العدل مع
التعدد فإنما هو من جهة بيان التعدد لا من جهة نحو الشرطية وكونه مع الانحصار بنحو يغاير كونه مع التعدد وبينهما فرق واضح. و
لكن فيه انه لا وجه لهذا الاشكال بعد تسليم أصل الاطلاق فان معنى تعين الشرط انما هو كونه مؤثرا بالاستقلال بخصوصيته الشخصية
في المشروط، ولازم ذلك هو ترتب الانتفاء عند انتفائه على الاطلاق، كان هناك أمر آخر لا، فإذا أثبت ذلك حينئذ قضية الاطلاق وكان
الحكم أيضا سنخيا، فقهرا يلزمه الانتفاء عند الانتفاء، نعم لو كان الحكم شخصيا أو ملحوظا بنحو الطبيعة المهملة لم يلزمه انتفاء الحكم
بقول مطلق عند انتفائه، من جهة إمكان ان يكون هناك علة أخرى توجب شخص حكم آخر مثله عند انتفائه فتدبر.
482

بقي التنبيه على أمور
الأول:
انهم ذكروا ان المفهوم المصطلح انما هو انتفاء سنخ الحكم المعلق على الشئ شرطا كان أو وصفا أو غاية عند انتفاء ذلك الشئ لا
انتفاء شخص الحكم، لان انتفاء شخص الحكم عند انتفاء موضوعه أو بعض قيوده عقلي، فلا يتمشى الكلام في مثل ذلك بان للقضية
الشرطية دلالة على الانتفاء عند الانتفاء، ولا ربط له بالمفهوم المصطلح، وغرضهم من ذلك انما هو دفع ما ربما يورد عليهم من
الاشكال في باب الوصايا والأقارير والأوقاف والنذر ونحو ذلك، بأنه كيف المجال لدعوى إنكار المفهوم مع أنه لا إشكال في دلالة
هذه القضايا على الانتفاء عند الانتفاء، فدفعوا الاشكال بان الحكم المعلق في مثل هذه القضايا انما يكون حكما شخصيا لا سنخيا فمن
ذلك لا يرتبط بالمفهوم المصطلح الذي هو معركة الآراء. ولكن نقول: بان هذا التفصي انما يتم فيما لو كان الوجه في إنكار المفهوم عند
منكريه من جهة عقد الحمل في القضية: من دعوى عدم كون الحكم المعلق هو السنخ والطبيعة المطلقة بل هو الطبيعة المهملة، والا فإذا
كان إنكارهم ذلك راجعا إلى طرف عقد وضع القضية، كما صنعه في الكفاية وغيرها، من حيث جعل مركز النزاع في طرف عقد الوضع
ومنع اقتضاء القضية لانحصار العلة، فكان للاشكال كمال مجال كما بيناه سابقا، إذ يقال حينئذ بأنه كما أنه في موارد الحكم السنخي
يحتمل وجود علة أخرى غير المذكور في القضية، ومن أجل هذا الاحتمال لا يحكم بانتفاء السنخ عند الانتفاء، كذلك في موارد شخص
الحكم أيضا يحتمل فرد علة أخرى في البين بحيث كانت العلة للحكم الشخصي هو الجامع بينهما، ومعلوم انه حينئذ لا مجال للحكم بلزوم
الانتفاء عند الانتفاء وجعل الانتفاء فيه عقليا كما هو واضح، فتأمل.
الأمر الثاني:
انه يعتبر في المفهوم في القضايا الشرطية بل الغائية والوصفية أيضا حفظ الموضوع في طرف المفهوم وتجريده عن خصوص الشرط
في القضايا الشرطية وعن الوصف في الوصفية، ففي مثل قوله: ان جاء زيد يجب إكرامه، لا بد من حفظ زيد في طرف المفهوم وتجريده
عن خصوص الشرط وهو المجئ، كي يكون الحاصل على المفهوم هو عدم وجوب إكرام زيد عند انتفاء المجئ، والا فمع عدم بقاء
الموضوع عند انتفاء المنوط به لا يكون
483

انتفاء الحكم من المفهوم المصطلح، فمن ذلك تخرج القضايا المسوقة لبيان تحقق الموضوع عن المفهوم المصطلح كقوله: ان وجد زيد
فأطعمه، وان ركب الأمير فخذ ركابه، وان رزقت ولدا فاختنه، ونحو ذلك من القضايا التي كان انتفاء الحكم فيها عند الانتفاء من
السالبة بانتفاء الموضوع
الأمر الثالث فيما لو تعدد الشرط واتحد الجزاء
وتنقيح الكلام فيه يقع فيه مقامين:
الأول: ما لو كان الجزاء واحدا غير قابل للتعدد بتعدد الشرط لا وجودا ولا مرتبة، كما في وجوب القصر المترتب على خفاء الاذان و
الجدران في قوله: إذا خفي الاذان فقصر، وإذا خفي الجدران فقصر، حيث إن الجزاء في مثل هذا الفرض ليس قابلا للتكرر وجودا بل و
لا للتأكد أيضا عند خفائهما. ونحوه قوله: إذا نمت فتوضأ، وإذا بلت فتوضأ بناء على عدم قابليته للتأكد وجوبا.
الثاني: ما لو كان الجزاء واحدا بحسب الحقيقة ولكنه كان قابلا للتعدد والتكرر وجودا كما في الكفارة المترتبة على الافطار وعلى
الظهار في قوله: ان ظاهرت فكفر وان أفطرت فكفر.
اما المقام الأول:
فملخص الكلام فيه هو ان الجزاء في مثل قوله إذا خفي الاذان فقصر وإذا خفي الجدران فقصر، لما كان واحدا شخصيا غير قابل للتكرر
وجودا ولا مرتبة لقيام الاجماع والضرورة على عدم تعدد القصر عند تعدد الأسباب وخفائهما بل وعدم تأكد وجوبه فلا جرم يقع
المعارضة بين الشرطين، حيث لا يمكن إبقاء ظهور كل منهما على حاله في الاقتضاء لترتب الجزاء على بالاستقلال، فيعلم إجمالا بمخالفة
ظهورهما للواقع فمن ذلك لا بد من التصرف في ناحية عقد الوضع في الشرطين، اما برفع اليد عن قضية إطلاقهما في الاستقلال في
التأثير بتقييد كل منهما بحال وجود الاخر وجعل الشرط هو مجموع خفاء الاذان والجدران، واما برفع اليد عن ظهورهما في الانحصار
وفي الدخل بعنوانهما الخاص، اما بجعل الشرط هو الجامع والقدر المشترك بينهما أو تقييد كل منهما في اقتضائه لترتب الجزاء عليه
بعدم كونه مسبوقا بوجود الاخر لو فرض عدم جامع بينهما، كي يكون لازمه وجوب القصر بخفاء أول الامرين وانتفائه بانتفائهما معا.
واما احتمال تقييد المفهوم في كل منهما بمنطوق الاخر كما في الكفاية () فهو - مع أنه
484

راجع بحسب النتيجة إلى ما ذكرنا - كما ترى، لضرورة ان المفهوم في نفسه غير قابل للتقييد، لأنه من اللوازم العقلية للقضية اللفظية
حسب مالها من الخصوصيات الموجبة لذلك، فكان مرجع تقييده حينئذ مع إبقاء القضية اللفظية المنطوقية على حالها بما لها من
الخصوصية إلى نحو تفكيك بين الملزوم ولازمه، وهو كما ترى من المستحيل جدا.
وحينئذ ففي مقام التوفيق يدور الامر بين رفع اليد عن أحد الظهورين، اما عن ظهور الشرطين في الاستقلال بجعل الشرط مجموع خفاء
الاذان والجدران، كي يكون لازمه وجوب القصر عند خفاء الامرين معا وانتفاء وجوبه عند خفاء أحدهما، واما عن ظهورهما في الدخل
بعنوانها الخاص بجعل الشرط الجامع بينهما، أو عن قضية ظهور إطلاقهما في الانحصار المقتضى لترتب الوجوب عليه وان سبقه آخر،
كي يلزمه وجوب القصر بمجرد خفاء أحدهما، وفي مثله نقول: بأنه وإن كان الظهوران كلاهما بمقتضى الاطلاق، ولكن أمكن دعوى
تعين الثاني وترجيح ظهور الشرطين في الاستقلال على ظهورهما في الدخل بعنوانها الخاص وفي الانحصار، إذ على هذا الفرض كان
ظهور كل واحد من الشرطين في الاستقلال في التأثير على حاله، بخلاف العكس، فإنه علاوة عما يلزمه من رفع اليد عن ظهور الشرطين
في الاستقلال يلزمه أيضا رفع اليد عن ظهورهما في الانحصار، وواضح حينئذ انه عند الدوران كان المتعين هو الأول، لان الضرورة
تتقدر بقدرها، وعليه فكان المدار في وجوب القصر على خفاء أو الامرين منهما. نعم لو خودش في ذلك ولم يرجح أحد الظهورين على
الاخر فلا جرم يسقطان عن الحجية، للعلم بمخالفة أحدهما للواقع، وبعد تساقطهما كان المرجع هو الأصل، وهو أصالة التمام إلى حد
يعلم بخفائهما معا، كما أنه في طرف الإياب كان الأصل مقتضاه وجوب القصر إلى حد لا يخفى عليه واحد منهما وهو واضح. هذا كله في
المقام الأول.
واما المقام الثاني:
وهو ما لو تعدد الشرط واتحد الجزاء سنخا بحيث كان قابلا للتكرر وجودا كقوله: ان بلت فتوضأ وان نمت فتوضأ، بناء على كونه من
المثال، وكقوله:
ان أفطرت فكفر وان ظاهرت فكفر، ففي عدم التداخل ووجوب الاتيان بالوضوء والكفارة متكررا حسب تعدد الشرط مطلقا، أو
التداخل وعدم وجوب الاتيان الا دفعة واحدة كذلك، أو التفصيل بين صورة تحقق الشرط الثاني بعد امتثال الأول أو قبله فعدم التداخل
على الأول والتداخل على الثاني، أو التفصيل بين فرض اتحاد الشروط في الجنس
485

وبين فرض اختلافهما فالتداخل على الأول وعدمه على الثاني وجوه، بل أقوال.
وتحقيقه ان يقال: إن ظاهر الجملة الشرطية فيهما لما كان هو حدوث الجزاء عند كل شرط، ومقتضاه كان هو لزوم تعدد الوضوء و
الكفارة وجودا عند تعدد الشروط، وكان الاخذ بما يقتضيه ظاهر الشرطين مع ظهور المتعلق في الجزاء في صرف الوجود الغير القابل
للتعدد والتكرر غير ممكن جدا، لاستلزامه لاجتماع الوجودين في وجود واحد، فلا جرم يقع بينهما التنافي، حيث يعلم إجمالا بمخالفة
أحد الظهورين للواقع اما ظهور المتعلق في صرف الوجود أو ظهور الشرطين، وفي مثله لا بد من التصرف في أحد الظهورين، ورفع
اليد اما عن ظهور المتعلق في الصرف وحمله على وجود ووجود، أو عن ظاهر الشرطين في اقتضائهما الاستقلال في التأثير في الجزاء،
نعم لما كان طرف المعارضة لظهور الجزاء بدوا بمقتضى العلم الاجمالي هو مجموع الشرطين فلا جرم لا يكاد يبقى مجال انتهاء الأمر
في هذا المقام إلى ملاحظة التعارض بين الشرطين والتصرف فيهما بإحدى الوجوه المتقدمة، كما يظهر من الكفاية، لضرورة انه انما
ينتهى الامر إلى ذلك في فرض تحكيم ظهور الجزاء في الوحدة وصرف الوجود على ظهور الشرطين، حيث إنه بعد هذا التحكيم يقع
تعارض بالعرض بين نفس الشرطين، فيحتاج إلى رفع التعارض من البين بالتصرف فيهما بإحدى الوجوه المتقدمة، والا ففي فرض
عدم تحكيم ظهور الجزاء وحمله على الطبيعة المهملة القابلة للتعدد فلا يكاد يتصور تعارض بينهما حتى يحتاج إلى التصرف فيهما، كما
في المقام الأول، من جهة وضوح إمكان إبقاء كلا الشرطين حينئذ على ظاهرهما في الاستقلال واقتضائهما التعدد في الجزاء كما هو
واضح، وعليه نقول: إن التعارض بعد ما كان بدوا بين ظهور الجزاء في الصرف وبين مجموع الشرطين بمقتضى العلم الاجمالي فلا
جرم في مقام التوفيق لا بد من رفع اليد عن أحد الظهورين اما عن ظهور الجزاء في صرف الوجود أو عن ظهور الشرطين في الاستقلال،
وفي مثله نقول: إن الذي يقتضيه التحقيق هو لزوم تحكيم ظهور الشرطين في الاستقلال على ظهور الجزاء في صرف الوجود ولزوم
التصرف فيه بحمله على التعدد ووجود بعد وجود، وذلك لما يلزمه من كونه أقل محذورا من العكس، حيث إنه على تقدير تحكيم
ظهوره على ظهور الشرطين يلزمه رفع اليد عن ظهور كل واحد من الشرطين في الاستقلال، فيحتاج إلى ارتكاب خلاف ظاهرين، وهذا
بخلافه في طرف العكس، حيث إنه لا يلزمه إلا ارتكاب خلاف ظاهر واحد، ومن المعلوم أيضا انه
486

عند الدوران يتعين ما هو أقل محذورا من الاخر، فان ارتكاب خلاف الظاهر بنفسه محذور وهو يتقدر بقدره، هذا كله، خصوصا بعد
ملاحظة تبعية الجزاء ثبوتا للشرط بلحاظ كونه من علل وجوده، فان هذه التبعية توجب تبعيته له عرفا أيضا في المقام الاثبات والدلالة،
فتوجب أولوية التصرف في الجزاء عند الدوران على التصرف في ناحية سببه وعلته، من جهة اقتضائه أقوائية ظهوره من ظهوره، كما
هو واضح.
وعليه فيبطل القول بالتداخل على الاطلاق وجواز الاكتفاء بوجود واحد، فان مبناه انما هو من جهة تحكيم ظهور الجزاء في صرف
الوجود على ما يقتضيه ظهور الشرطين، وبعد تعين التصرف في ظهوره بمقتضى تحكيم ظهور الشرطين عليه لا يبقى مجال توهم
التداخل وجواز الاكتفاء بوجود واحد على الاطلاق.
نعم بعد ما ظهر من لزوم تحكيم قضية الشرطين ولزوم التصرف في الجزاء بحمله على التعدد يبقى الكلام في أن قضية ذلك هل هو
لزوم التصرف في خصوص الحكم وهو الوجوب مع إبقاء موضوعه ومتعلقه وهو الوضوء أو الكفارة - كما في المثال - على حاله من
الظهور في صرف الوجود؟ كي يلزمه المصير إلى التفصيل المزبور بين ما قبل الامتثال وما بعده بالتداخل في الأول وعدمه في الثاني،
نظرا إلى أنه بعد الاخذ بظهور المتعلق في صرف الوجود لا يكاد يكون قضية تعدد الشرط قبل الامتثال الا تأكد الطلب بالنسبة إلى
المتعلق، بخلافه فيما بعد الامتثال، فإنه يوجب قهرا تعدد الوجوب، أو ان قضية ذلك هو لزوم التصرف في المتعلق أيضا وحمله على
وجود فوجود حسب تعدد الشروط؟ كي يلزمه المصير إلى عدم التداخل على الاطلاق ولزوم الاتيان بالكفارة متعددا حسب تعدد
الشروط، من جهة اقتضاء كل شرط وجودا للكفارة، أو ان مقتضاه هو لزوم التعدد في ناحية متعلق المتعلق أيضا؟ فكان الواجب في مثل
قوله: ان جاء زيد يجب إكرام العالم وان جاء عمرو يجب إكرام العالم، هو إكرام العالمين، ولا يكتفى بإكرامين لعالم واحد، بخلاف
سابقه، فإنه عليه يكتفى بإكرامين لعالم واحد في نحو المثال - فيه وجوه:
ولكن الأقوى أوسطها، وذلك لا لما أفيد - كما عن بعض الأعاظم () - في تقريب ذلك باقتضاء كل شرط وجودا للمتعلق وان تعدد
الوجوب انما هو جهة كونه مقتضى
487

تعدد الوجود، لكي يورد عليه بان اقتضاء الشرط للوجود بعد ما لم يكن بنحو التكوين بل بنحو التشريع فمرجعه لا محالة إلى كونه منشأ
لقيام المصلحة بالوجود واتصافه بكونه ذا مصلحة، وحينئذ فبعد إمكان قيام مصالح متعددة بوجود واحد شخصي بجهات مختلفة فلا
مجال لاستفادة تعدد الوجود خارجا بمحض تعدد الشروط، من جهة إمكان ان يكون كل شرط حينئذ مؤثرا في قيام شخص من المصلحة
بوجود المتعلق، بل ذلك من جهة ظهور كل شرط في ترتب حكم محدود مستقل عليه، حيث إن قضية تعدد الشرط حينئذ انما هو تعدد
الحكم بحسب تعدده، ولازمه بعد امتناع اجتماع المثلين في موضوع واحد هو لزوم المصير إلى تعدد الوجود في الموضوع والمتعلق
أيضا، فتعدد الوجود حينئذ في الحقيقة انما هو لكونه من لوازم تعدد الوجوب واستقلاله الناشئ ذلك من جهة تعدد الشرط، نظرا إلى
اقتضاء كل شرط لوجوب خاص محدود بحد مستقل، لا من جهة اقتضاء كل شرط بدوا وجودا وان تعدد الوجوب من جهة كونه من
تبعات تعدد الوجود كما على المسلك الأول.
وعلى ذلك فيبطل القول بالتفصيل في التداخل وعدمه بين ما قبل الامتثال وما بعده، من جهة ان القول بالتداخل وتأكد الوجوب فيما
قبل الامتثال مما ينافي لا محالة ما يقتضيه ظهور كل شرط في ترتب حكم خاص محدود مستقل على الاطلاق، فقضية الاخذ بظهورهما
في استقلال الحكم حينئذ كما عرفت هو وجوب المصير إلى عدم التداخل ولزوم الاتيان بالجزاء متكررا حسب تعدد الشرط وتكرره،
واما جواز الاكتفاء بإكرامين لعالم واحد في مثل قوله: ان جاء زيد يجب إكرام العالم وان جاء عمرو يجب إكرام العالم، وعدم لزوم
التعدد في متعلق المتعلق وإكرام العالمين، فإنما هو من جهة عدم الدليل على ذلك، من جهة ان غاية ما يقتضيه قضية تعدد الحكم انما هو
التعدد في ناحية موضوعه ومتعلقه، نظرا إلى ما يقتضيه امتناع اجتماع الحكم المتماثلين في موضوع واحد، واما اقتضائه التعدد في
متعلق متعلقه أيضا فلا، خصوصا بعد كونه كثيرا ما غير محتاج إلى المتعلق، كما في قوله: ان أفطرت فكفر وان ظاهرت فكفر، نعم قد
يتفق الاحتياج إلى لزوم التعدد في متعلق المتعلق أيضا فيما لو كان الواجب من قبيل الاطعام ونحوه، فإنه في مثل هذا الفرض ربما
يحتاج إلى التعدد في طرف المتعلق أيضا، نظرا إلى توقف صدق التعدد في الاطعام عرضيا لا طوليا على تعدد الشخص، كما هو واضح.
فتلخص مما ذكرنا ان التحقيق في المسألة بحسب القواعد هو ما عليه المشهور من عدم
488

التداخل مطلقا ولزوم الاتيان بالجزاء متكررا حسب تعدد الشروط وتكرره، دون القول بالتداخل الذي مبناه هو التصرف في ناحية
الشرط وعقد الوضع في القضية، ودون القول بالتفصيل بين ما قبل الامتثال وما بعده الذي مبناه على التصرف في ناحية الحكم و
الطلب ورفع اليد عن ظهور كل شرط في اقتضائه ترتب حكم محدود مستقل عليه، وذلك لما عرفت بما لا مزيد عليه من هدم المبنى
فيهما، من جهة قوة ظهور كل شرط في الاستقلال في العلية لترتب الجزاء واقتضاء كل لجزاء مستقل، حيث إن مقتضاه حينئذ هو عدم
التداخل ووجوب الاتيان بالجزاء متكررا حسب تكرر الشرط، من غير فرق بين حدوث الشرط الثاني قبل امتثال الأول أو بعده، بل ولا
بين فرض اتحاد الشروط في الجنس أو اختلافهما أيضا.
حيث إنه لا وجه لمثل هذا التفصيل إلا توهم ظهور القضية الشرطية في كون المؤثر في الجزاء هو الشرط بصرف وجوده المنطبق على
أول وجود دونه بوجوده الساري، بدعوى ان الشروط المتعددة حينئذ إن كانت من نوع واحد كما لو بال مكررا أو أفطر كذلك
فالتأثير لا محالة كان مستندا إلى الجامع والقدر المشترك المنطبق على أول وجود، ويلزمه كون الوجود الثاني منعزلا عن فعلية
التأثير فيترتب عليه القول بالتداخل وعدم وجوب الاتيان بالجزاء متكررا واما إذا لم تكن من نوع واحد فيلزمه عدم التداخل ووجوب
الاتيان بالجزاء متعددا، من جهة اقتضاء كل شرط حينئذ حسب ما يقتضيه ظاهر القضية لجزاء مستقل، ولكنه مدفوع بمنع الظهور
المزبور في باب العلل والأسباب، كما في المقام، لولا دعوى ظهورها في التأثير بنحو الوجود الساري، كيف وان حال العلل والأسباب
الشرعية من هذه الجهة انما هو كالعلل والأسباب التكوينية العقلية، فكما ان قضية السببية والمؤثرية الفعلية في العلل التكوينية لا تختص
بصرف الوجود المنطبق على أول وجود، بل جار في الوجود الساري في ضمن الافراد المتعاقبة، ومع فرض قابلية المحل يكون كل
وجود منه مؤثرا فعليا، كما في النار، حيث إن كل وجود منها كانت مؤثرة في الاحراق، كذلك الامر في العلل الشرعية، فكانت تلك أيضا
مؤثرة بوجودها الساري في ضمن الافراد المتعاقبة، ومن المعلوم أيضا ان قضية ذلك عند قابلية المحل للتعدد هو تعدد المسبب بتعدد
أسبابه، كما في فرض اختلاف الأسباب في الجنس، وعليه فلا محيص من المصير بمقتضى القواعد إلى ما عليه المشهور من عدم التداخل
489

على الاطلاق، كما هو واضح.
هذا كله فيما لو كان الجزاء واحدا سنخا وكان قابلا للتعدد والتكرر بتعدد شرطه وسببه، وقد عرفت ان رجوع التداخل وعدمه فيه
إلى التداخل في الأسباب وعدمه من حيث اقتضاء كل سبب لجزاء مستقل وعدمه، وعرفت أيضا ان التحقيق فيه هو عدم التداخل ولزوم
الاتيان بالجزاء متعددا.
واما لو كان الشرط واحدا والجزاء أيضا واحدا سنخا لا شخصا، كقوله: ان أفطرت فكفر، فهل قضية ذلك أيضا هو كون الشرطية بنحو
الوجود الساري في ضمن الافراد كي يلزمه تعدد الجزاء وجودا حسب تعدد افراد الشرط خارجا؟ أو بنحو صرف الوجود حتى لا يلزمه الا
وجود واحد وان تعدد افراد الشرط؟ فيه وجهان: أظهرهما الأول كما تقدم وجهه آنفا.
واما لو تعدد الشرط وتعدد الجزاء أيضا اما عنوانا كالاكرام والاطعام، أو من ناحية ما تعلق به موضوع الخطاب كإكرام العالم و
الهاشمي، حيث كان الاكرام في ذاته حقيقة واحدة، وانما الاختلاف فيه باعتبار إضافته إلى عنوان العالم والهاشمي، ففي مثله يقع الكلام
في أنه في مورد تصادق العنوانين هل يتداخل الأمران؟ فيجوز الاكتفاء بإكرام واحد في المجمع بداعي الامرين، أم لا يتداخلان؟ فيجب
تعد الاكرام، وهكذا في مثال الاكرام والاطعام، فلا يجوز الاكتفاء بالاطعام الواحد وان صدق عليه الاكرام أيضا. ومرجع التداخل في
هذه المسألة إلى التداخل في المسبب، بعد الفراغ عن عدم التداخل في الأسباب، واقتضاء كل سبب لجزاء، بخلاف التداخل في المسألة
السابقة، فان التداخل فيها انما كان في الأسباب وعدم اقتضاء الأسباب المتعددة إلا جزأ واحدا ثم إن منشأ الاشكال في المقام انما هو
من جهة مجذور اجتماع المثلين، حيث إنه بعد تحكيم ظهور الشرطين في اقتضاء كل منهما لترتب جزأ مستقل ووجوب محدود بحد
خاص، يتوجه الاشكال بأنه على التداخل في المجمع، يلزمه اجتماع الوجوبين فيه وصيرورة ذاك الاكرام الشخصي محكوما بوجوبين
مستقلين.
نعم قد يتوهم إشكال آخر عليه وهو لزوم التنافي بين مفهوم أحد الشرطين ومنطوق الاخر فيما لو تحقق أحد الشرطين وانتفى الاخر،
من حيث اقتضاء كل منهما بمفهومه انتفاء
490

سنخ الحكم بقول مطلق حتى في المجمع عند الانتفاء ولو مع تحقق الاخر. ولكنه كما ترى، إذ مضافا إلى عدم ابتناء المسألة في المقام
بالمفهوم وجريانه في شخص الحكم أيضا نمنع التنافي بينهما، إذ نقول: بان غاية ما يقتضيه قوله: ان جاء زيد فأكرم عالما، انما هو
انتفاء سنخ وجوب الاكرام في المجمع عند الانتفاء من حيث العالمية لا مطلقا ولو بلحاظ كونه هاشميا، ولا منافاة بين ان يكون زيد مثلا
واجب الاكرام من حيث كونه هاشميا وبين كونه غير واجب الاكرام من حيث كونه عالما.
وحينئذ فكان العمدة هو الاشكال الأول، وفي مثله نقول: بان العنوانين المتصادقين على مجمع واحد تارة من قبيل الجنس والفصل
كالحيوان والناطق، وأخرى من قبيل العامين من وجه المتصادقين في مجمع واحد عند الاجتماع، فان كانا من قبيل الجنس والفصل فلا
إشكال في التداخل وفي انه لا يلزم منه محذور أصلا، إذ حينئذ بعد اختلاف العنوانين بحسب الحقيقة والمنشأ فقهرا يكون مركب كل
حكم جهة غير الجهة الأخرى التي هي مركب الحكم الاخر، ومعه فلا يلزم من القول بالتداخل محذور أصلا، كما هو واضح. واما ان كانا
من قبيل العامين من وجه كما في مثال إكرام العالم والهاشمي فيبتني على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه، فعلى القول
بالجواز في مثله ولو بدعوى كفاية هذا المقدار من المغايرة في رفع المحذور فلا إشكال في التداخل في المقام، واما على القول بعدم
الجواز كما هو التحقيق في نحو المثال، بلحاظ وحدة الحقيقة في الجهة المشتركة وهو الاكرام، ففيه إشكال جدا، لاستلزامه اجتماع
الحكمين المتماثلين في ذات الاكرام الذي هو مجمع الإضافتين، مع كونه حقيقة واحدة وحيثية فاردة، واما الحمل على التأكد حينئذ و
رفع اليد عن الاستقلال الحكمين فهو وان يرتفع به المحذور المزبور ولكنه مخالف لما يقتضيه ظاهر الشرطين في اقتضاء كل لوجوب
مستقل، وإلا لما كان وجه للمصير إلى عدم التداخل في المسألة السابقة، وحينئذ فبعد تحكيم ظهور الشرطين لا بد فرارا عن المحذور
المزبور من المصير إلى عدم التداخل حتى في مورد التصادق أيضا هذا.
ولكن مع ذلك بناء الأصحاب في مثله على التداخل وجواز الاكتفاء بإكرام واحد في المجمع في سقوط الخطابين. اللهم الا ان يقال حينئذ
بكفاية التعدد في الحكم في المجمع في الجملة في حفظ ظهور الشرطين في الاستقلال، بدعوى ان الواجب في قوله: أكرم عالما وأكرم
هاشميا وإن كان هو الاكرام المضاف إلى عنوان العالم والهاشمي بحيث كان
491

لحيثية الإضافة أيضا دخل في موضوع الحكم، إلا أن قضية الحكم في تعلقه بالاكرام المضاف هو مشمولية الإضافة المزبورة أيضا للحكم
ولو ضمنا، فلا بأس في مثله بالمصير إلى التأكد برفع اليد عن استقلال الحكمين وتعددهما في المجمع بالإضافة إلى ذات الاكرام التي
هي جهة مشتركة بين الإضافتين مع حفظ استقلالهما بالقياس إلى الإضافتين المزبورتين، فان الذي ينافيه قضية الظهور المزبور انما
هو رفع اليد عن تعدد الحكمين واستقلالهما في المجمع على الاطلاق، حتى بالقياس إلى الإضافتين، واما رفع اليد عن ذلك في الجملة في
خصوص ذات الاكرام التي هي جهة مشتركة بين الإضافتين فلا، وعلى ذلك فيتم قول المشهور من جواز الاكتفاء بإيجاد واحد في
المجمع ومورد التصادق في سقوط الامرين وعدم وجوب تعدد الاكرام في سقوطهما وامتثالهما، نعم لا بد حينئذ في سقوط الامرين
من أن يكون الايجاد الواحد بداعي كلا الامرين، وإلا يكون الساقط خصوص ما قصد منهما، ما لم يكن الاخر توصليا وإلا فيسقطان معا.
ثم إنه مما ذكرنا ظهر الحال فيما لو كان الجزاء واحدا بحسب الصورة ومتعددا بحسب الحقيقة، ما في الغسل: على ما يظهر من بعض
النصوص من قوله عليه السلام: إذا اجتمعت عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد () الظاهر في أنها أي الأغسال مع اتحادها صورة
مختلفات بحسب الحقيقة وقابلية التصادق على الواحد، حيث إن قضية الاجتزاء بغسل واحد عن المتعدد حينئذ انما هو من جهة تصادقها
على الواحد، نعم ربما كان قضية إطلاقها حينئذ هو جواز الاكتفاء بالواحد عن المتعدد، ولو مع عدم قصد البقية.
ومن هذه الجهة ينافي ما ذكرنا من لزوم قصد الجميع في جواز الاكتفاء بالواحد وعدم سقوط الامر عن البقية مع عدم قصد امتثال
الجميع، ولكنه يمكن دفع ذلك أيضا بدعوى تقييد تلك المطلقات بخصوص غسل الجنابة، كما في خبر حريز ونحوه
] 1 [
فيقال حينئذ بان
] 1 [
ليس في ما رأينا من اخبار الباب ما كان الراوي فيه عن المعصوم عليه السلام حريزا، نعم هو واقع في جملة من اسناد اخبار الباب.
كما في موثق حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا حاضت المرأة وهي جنب أجزأها غسل واحد. ونحوه مرسل جميل بن
دراج. فراجع الوسائل، الباب 43 من أبواب الجنابلة
[
المصحح
.]
492

جواز الاكتفاء بغسل الجنابة عن ما عداه من غسل الحيض والنفاس ومس الميت ونحوها انما هو من جهة ان الجنابة من أكبر الاحداث
التي تندك في ضمنها سائر الاحداث نظير اندكاك السواد الضعيف في ضمن السواد الشديد، فإنه حينئذ مع زوالها بغسلها لا يبقى حدث
حتى ينتهى بعد الغسل منها إلى الامر بالغسل لسائر الاحداث، ففي الحقيقة سقوط الامر بالغسل عن الحيض والنفاس ونحوهما مع غسل
الجنابة انما هو من جهة عدم بقاء المحل والموضوع - وهو الحدث - مع غسل الجنابة، لا من جهة وقوع غسل الجنابة امتثالا للامر بسائر
الأغسال تعبدا مع عدم قصد عنوانها حتى يتوجه الاشكال المزبور، فتأمل. وهذا بخلاف غسل غير الجنابة، فإنه من جهة عدم وفائه
بزوال الحدث بجميع مراتبه لا يكتفى به في سقوط غسل الجنابة إلا بقصدها أيضا، كما يشهد له أيضا ما في الصحيح عن أبي عبد الله و
أبي الحسن عليهما السلام في رجل يجامع المرأة فتحيض قبل ان تغتسل من الجنابة قال عليه السلام غسل الجنابة عليها واجب () الظاهر
في عدم كفاية ما تأتى به من غسل الحيض عن غسل الجنابة ولزوم الاتيان بغسلها أيضا ليرتفع به تمام مراتب الحدث، فتأمل، وتمام
الكلام في هذا المقام موكول إلى محله في الفقه.
ثم إن هذا كله فيما لو أحرز تعدد الجزاء عنوانا واختلافه بحسب الحقيقة ولو بمعونة قرينة خارجية كما في الأغسال. واما لو لم يحرز
ذلك واحتمل تعدده بحسب الحقيقة، كما في الكفارة المترتبة على الافطار والظهار، فهل مقتضى القواعد في هذه الصورة هو الحمل
على تعدد العنوان والحقيقة كي يندرج في موضوع البحث المتقدم عند التصادق، ويقال فيه بالتداخل، أو الحمل على وحدة الحقيقة؟ فيه
وجهان: أظهرهما الثاني، إذ نقول: بان اختلاف الحقيقة في الجزاء لا بد وأن يكون بأحد الامرين، اما من جهة الاختلاف ذاتا كالظهرية و
العصرية أو من جهة الإضافة إلى الشروط. اما الجهة الأولى: فهي منتفية في المقام من جهة عدم الطريق إلى اختلاف الحقيقة ذاتا فيه و
كون الكفارة المترتبة على الافطار بذاتها غير الكفارة المترتبة على الظهار، واما الجهة الثانية: فكذلك أيضا من جهة ظهور مثل هذه
القضايا الشرطية في كون الشروط من الجهات التعليلية للحكم لا من الجهات التقييدية للموضوع، كي يكون لاضافتها دخل في الموضوع.
ومن ذلك نفرق
493

بين القضايا التوصيفية في نحو قوله: أكرم زيدا الجائي، وبين القضايا الشرطية في نحو قوله:
أكرم زيدا ان جاءك، حيث نقول بدخول التقييد بالمجئ على الأول في الموضوع حيث كان الموضوع لوجوب الاكرام هو زيد المتقيد
بالمجئ، بخلافه على الثاني حيث كان تمام الموضوع لوجوب الاكرام هو ذات زيد بلا أخذ جهة زائدة فيه في موضوعيته للحكم، وانما
المجئ كان علة للحكم بوجوب إكرامه، وعلى ذلك فحيث انه كان الظاهر من القضايا الشرطية في مثل قوله: ان ظاهر فكفر وان
أفطرت فكفر، هو كون الظهار والافطار من الجهات التعليلية لوجوب الكفارة لا من الجهات التقييدية للموضوع فلا جرم لا يبقى مجال
أخذ الإضافات المزبورة في طرف الموضوع، وهو الكفارة، ومعه فلا يبقى مجال الحمل على تعدد الحقيقة واختلافها بمحض قابلية
الجزاء لذلك، كما هو واضح، وعليه ففي نحو هذه القضايا لا بد من القول بعدم التداخل ولزوم الاتيان بالجزاء متعددا على حسب تعدد
الشرط.
فتلخص مما ذكرنا ان لنا صورا ثلاثا: الأولى: ما تكرر الشرط واتحد الجزاء شخصا بحيث لم يكن قابلا للتكرر كما في القصر في قوله:
إذا خفي الاذان فقصر وإذا خفي الجدران فقصر، وقد عرفت انه لا بد فيه من التداخل في السبب ولزوم التصرف في عقد الشرط بأحد
الوجودين المتقدمين، الثانية: ما لو تكرر الشرط ولكنه اتحد الجزاء سنخا لا شخصيا بحيث كان قابلا للتعدد وجودا، وقد عرفت رجوع
القول بالتداخل المطلق في هذا القسم أيضا إلى التداخل في الأسباب وان التحقيق فيه هو عدم التداخل ولزوم الاتيان بالجزاء متعددا
حسب تعدد الشرط، الثالثة: ما لو تعدد الشرط وتعدد الجزاء أيضا عنوانا وحقيقة وان اتحد صورة مع قابليتها للتصادق على وجود
واحد، وقد عرفت رجوع التداخل في هذا القسم إلى التداخل في المسبب فارغا عن عدم التداخل في السبب واقتضاء كل سبب لجزاء
مستقل وان التحقيق فيه هو التداخل عند التصادق وفي المجمع وجواز الاكتفاء بإيجاد واحد في المجمع وسقوط الامرين فيما لو كان
الايجاد بداعيهما، وإلا فالساقط هو خصوص ما قصد الاتيان بداعيه لولا اقتضائه لا فنأ موضوع آخر - كما في غسل الجنابة - أو كون
الاخر توصليا يسقط بمجرد الانطباق القهري ولولا عن قصد الامتثال فتدبر.
بقي الكلام فيما يقتضيه الأصل العملي عند الشك في التداخل وعدمه فنقول: قد عرفت ان الشك في التداخل وعدمه تارة يكون من جهة
احتمال التداخل في الأسباب واحتمال
494

كون المؤثر هو الجامع بينهما المنطبق على أول وجود، وأخرى من جهة احتمال تأكد الوجوب، كما هو قضية القول بالتفصيل المتقدم، و
ثالثة من جهة احتمال تصادق العناوين المتعددة على مجمع واحد. فإن كان الأول فلا إشكال في أن مقتضى الأصل هو جواز الاكتفاء
بوجود واحد وعدم وجوب الزائد عن وجود واحد لأصالة البراءة عن التكليف الزائد، واما على الثاني فقد يقال بان مقتضى الأصل فيه
أيضا هو البراءة عن الزائد لعدم العلم بالتكليف بالنسبة إلى الوجود الثاني بعد احتمال تأكد الوجوب بالنسبة إلى وجود الأول، ولكن
التحقيق خلافه، إذ نقول بأنه انما يرجع إلى البراءة فيما لو كان الشك في أصل التكليف الزائد، وفي المقام لا يكون كذلك، حيث إنه يعلم
تفصيلا بتأثير كل شرط في مرتبة من التكليف، وانما الشك في تعلقهما بوجود واحد أو بوجودين، وبعبارة أخرى يعلم تفصيلا بأنه من
قبل كل شرط توجه إلزام إلى المكلف، وانما الشك في تعلقهما بوجود واحد فيلزمه تأكد الوجوب فيه أو بوجودين مستقلين، وفي مثله
لا محيص إلا من الاحتياط من جهة انه في الاكتفاء بإيجاد واحد يشك في الخروج عن عهدة ذاك التكليف الناشئ من قبل الشرط الثاني،
لاحتمال تعلقه بوجود آخر، فلا بد حينئذ من الاحتياط، تحصيلا للقطع بالفراغ عما ثبت الاشتغال به، وهذا بخلافه في الصورة الأولى
حيث إنه بعد احتمال كون التأثير مستندا إلى الجامع المنطبق على أول وجود يشك في أصل توجه الالزام والتكليف من قبل الشرط
الثاني، فيندرج في الأقل والأكثر، ويرجع فيه إلى البراءة، ومن ذلك البيان ظهر الحال في الصورة الثالثة أيضا فان المرجع فيه أيضا
عند الشك في التداخل من جهة احتمال تصادق العنوانين على الواحد هو الاشتغال لا غير، كما هو واضح.
الأمر الرابع:
لا إشكال في أنه تعتبر في مقام أخذ المفهوم مراعاة جميع ما اعتبر في المنطوق من القيود المأخوذة في الشرط والجزاء في المفهوم
أيضا، ومن ذلك يكون المفهوم في مثل قوله:
ان جاء زيد راكبا فأكرمه يوم الجمعة، هو انتفاء هذا الحكم الخاص، وهو وجوب الاكرام يوم الجمعة عن زيد عند انتفاء الشرط المزبور
بما له من القيود، إذ كان المفهوم ان لم يجئ زيد راكبا فلا تكرمه يوم الجمعة، كما أن المفهوم في قوله: ان جاء زيد فأكرم مجموع
الجماعة، هو انتفاء وجوب إكرام الجماعة من حيث المجموع عند انتفاء المجئ الغير المنافي لوجوب إكرام بعضهم، وهذا مما لا كلام
فيه. وانما الكلام فيما لو كان الجزاء حكما عاما
495

أصوليا ثابتا لافراد الطبيعة بنحو الاستغراق، كقوله: ان جاء زيد فأكرم كل عالم، وقوله إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شئ، في أن
قضية المفهوم هل هو السلب الكلي في الأول والايجاب الكلي في الثاني، أو هو السلب الجزئي والايجاب الجزئي؟ ومبنى الخلاف في
المسألة ان قضية إناطة هذا الحكم العام وتعليقه بالشرط في قوله: الماء إذا بلغ قدر كر إلخ، هل هو تعليق وإناطة شخصي غير قابل
للانحلال إلى تعليقات متعددة بتعدد افراد النجاسات، أو هو تعليق سنخي منحل إلى تعليقات متعددة؟ حيث إنه على الأول يلزمه كون
المفهوم منه هو الايجاب الجزئي الغير المنافي مع عدم منجسية بعض النجاسات عند عدم بلوغه كرا، بخلافه على الثاني فإنه يلزمه كون
مفهومه بنحو الايجاب الكلي، منه جهة ان لازم انحلال التعليق هو انحلال القضية الشرطية إلى قضايا متعددة حسب تعدد النجاسات، و
لازمه عقلا هو استخراج مفاهيم متعددة عند عدم بلوغه كرا.
وربما يبتنى الخلاف في المسألة على أن المعلق على الشرط في نحو المثال هو الحكم العام أو عموم الحكم، بدعوى لزوم كون المفهوم
على الأول هو الايجاب الكلي، بخلافه على الثاني، فإنه لا يكون إلا بنحو الايجاب الجزئي، ولكنه كما ترى، إذ نقول: إنه على الثاني من
تعليق العمومية وان لم يكن المجال إلا للايجاب الجزئي، بلحاظ عدم اقتضائه حينئذ في طرف المفهوم إلا انتفاء هذه العمومية الغير
المنافي مع عدم منجسية بعض النجاسات، الا انه نقول: بأنه على الأول لا يتعين كونه بنحو الايجاب الكلي، بل هو بمقتضى ما بيناه قابل
لإفادة الايجاب الجزئي أيضا، ومع قابليته لذلك في فرض كون المعلق هو الحكم العام فلا يصح ابتناء الخلاف المزبور على تعليق الحكم
العام أو عموم الحكم، بل ولعل التأمل التام يقضى أيضا بكون النزاع المزبور في فرض تعليق الحكم العام - ولو بملاحظة كونه مقتضى
طبع مثل هذه القضايا - من حيث ظهورها في كون المنوط هو النسبة الحكمية في القضية في قوله: أكرم كل عالم، دون حيث العمومية و
الاستيعاب الذي هو من شؤون موضوع العام ومن كيفياته القائمة به، حيث إن تعليق هذه الجهة يحتاج إلى نحو عناية زائدة وتعقل ثانوي
بلحاظ نحو العمومية.
وعليه فلا بد من لحاظ هذه الجهة في أن إضافة الحكم العام بشرطه في قوله: الماء إذا بلغ قدر كر إلخ، هل هو من قبيل إضافته إلى
موضوعه، فكانت بتعليق سنخي حتى يلزمه انحلاله إلى تعليقات متعددة وقضايا شرطية عديدة حسب تعدد افراد الموضوع، من مثل
496

إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه بول، وإذا كان قدر كر لا ينجسه غائط، ولا دم، وهكذا... فيلزمه استخراج مفاهيم متعددة من كل قضية
مفهوما؟ أو بإناطة وتعليق شخصي غير منحل إلى تعليقات متعددة كي يلزمه كون مفهومه هو انتفاء هذا الحكم، وهو عدم منجسية كل
شئ له، عند عدم بلوغه كرا الغير المنافي مع عدم منجسية بعض النجاسات؟ وفي مثل لا يبعد ان يقال بالأول، نظرا إلى دعوى ظهور
القضية حينئذ في كون نسبة الحكم المزبور إلى شرطه إلى بعينه على نحو كيفية تعلقه بموضوعه الملازم لكونه بتعليق سنخي منحل إلى
تعليقات متعددة، وعليه فقهرا تكون النتيجة في طرف المفهوم بنحو الايجاب الكلي لا الايجاب الجزئي، فتدبر، هذا تمام الكلام فيما
يتعلق بمفهوم الشرط.
مفهوم الغاية
ومن المفاهيم مفهوم الغاية وقد اختلف كلماتهم في أنه هل التقييد بالغاية يقتضى انتفاء سنخ الحكم عما بعد الغاية، بل وعن الغاية أيضا
بناء على خروجها عن المغيا، كي لو ورد دليل على ثبوت الحكم فيما بعد الغاية يلاحظ بينهما التعارض؟ أو انه لا يقتضى ذلك؟ ولكن
الذي يقتضيه التحقيق هو الأول، وذلك لعين ما ذكرنا في مفهوم الشرط، إذ بعد ما يستفاد انحصار الحكم بمقتضى الاطلاق الجاري فيه
في نحو قوله: أكرم زيدا، بذلك الطلب الشخصي المنشأ في القضية وعدم ثبوت شخص طلب آخر عند مجئ الليل أو قدوم الحاج، فقهرا
في فرض إناطة تلك النسبة الحكمية في القضية بالغاية، بقوله: أكرم زيدا إلى الليل أو حتى يقدم الحاج - كما هو ظاهر طبع القضية من
رجوع الغاية فيها إلى النسبة الحكمية لا إلى خصوص الموضوع أو المحمول - يلزمه ارتفاع سنخ الحكم عند تحقق الغاية، ولا نعنى من
المفهوم الا هذا.
نعم لو كانت الغاية في القضية قيدا للموضوع أو للحكم لكان للمنع عن الدلالة على ارتفاع سنخ الحكم عما بعد الغاية كمال مجال، وذلك
اما على الأول فلما يأتي إن شاء الله تعالى في الوصف. واما على الثاني فلا مرجعه إلى ثبوت حكم خاص محدود بحد مخصوص من الأول
لزيد، ومن المعلوم بداهة عدم منع ذلك عن ثبوت شخص حكم آخر له بعد انتهاء
497

أمد الحكم الأول، كما هو واضح، ولكن الذي يسهل الخطب هو ظهور القضايا الغائية كلية في نفسها في رجوع الغاية فيها إلى النسبة
الحكمية وان وجوب إكرام زيد في قوله:
أكرم زيدا إلى أن يقدم الحاج، هو المغيا بالغاية التي هي قدوم الحاج، وعليه فلا جرم تكون القضية دالة على انتفاء سنخ وجوب الاكرام
عن زيد عند الغاية، من جهة ان احتمال ثبوت شخص وجوب آخر له فيما بعد الغاية مما يدفعه قضية الاطلاق المثبت لانحصاره في ذلك
الفرد من الطلب الشخصي، وهو واضح.
بقي الكلام في أن الغاية هل هي داخلة في المغيا أم خارجة عنه؟ حيث إنه قد اختلف فيه كلماتهم، وربما ينسب الثاني إلى المشهور. وقد
يظهر من بعضهم التفصيل بين الغاية المدلول عليها بحتى ونحوه وبين الغاية المدلول عليها بإلى، فالدخول في الأول دون الثاني، بل
ربما يظهر منهم أيضا تخصيص الخلاف بالغاية المدلول عليها بإلى ونحوه مع جعل الغاية في نحو حتى مفروغ الدخول، كما في قولك:
أكلت السمكة حتى رأسها.
ولكن التحقيق هو خروجها عن المغيا مطلقا، والوجه فيه ظاهر إذ الغاية للشئ عبارة عما ينتهى إليه وجود الشئ ولا يتعدى عنه
فيستحيل حينئذ دخولها في الشئ.
وبالجملة نقول: بان مفاد الحروف لما كان عبارة عن النسب والارتباطات المتقومة بالطرفين، فلا جرم في قولك: سرت من البصرة
إلى محل كذا، ما هو طرف تلك الإضافة الغائية المدلول عليها بإلى انما كان هو الجز الأخير من السير الذي هو منتهى وجوده والجز
الأول من ذلك المحل الذي هو في الحقيقة حد وجوده، وفي مثله من المستحيل دخول الغاية في المغيا، كما هو واضح.
بقي الكلام في أنه هل يعتبر في المفهوم ان يكون الحكم المعلق بالشرط أو الغاية بنحو أمكن ثبوته للموضوع عند انتفاء القيد كي يكون
قضية اعتباره بنحو السنخ لدفع توهم ثبوت فرد آخر منه في غير مورد وجود القيد، أو انه لا يعتبر ذلك بل يكفي في المفهوم اعتباره
بنحو السنخ وان لم يمكن ثبوته في غير مورد القيد لمكان انحصاره بفرد خاص، فيكون مثل قوله عليه السلام كل شئ لك حلال حتى
تعلم أنه حرام، وكل شئ طاهر حتى تعلم أنه قذر، من المفهوم المصطلح؟ فيه وجهان، أظهرهما الثاني، ولكن الذي يسهل الخطب هو
عدم ترتب فائدة على هذا النزاع من جهة انتفاء الحكم على أي تقدير في نحو هذه الموارد عند
498

تحقق الغاية، كان ذلك من باب المفهوم المصطلح أو غيره، وهو واضح.
مفهوم الوصف
ومن المفاهيم مفهوم الوصف حيث اختلف فيه كلماتهم في ثبوت المفهوم وعدمه، والظاهر هو اختصاص النزاع بالوصف الأخص من
موصوفه بحيث كان قابلا للافتراق من طرف الموصوف، كالعلم والعدالة والفسق ونحو ذلك، دون الوصف المساوي والأعم، كما هو
واضح، وعلى كل حال فالظاهر هو عدم ثبوت المفهوم لنحو هذه القضايا الوصفية بحسب طبعها ما لم يكن في البين قرينة عليه من حال
أو مقال، إذ لا دلالة للقضية بطبعها على كون الحكم المعلق على الوصف هو السنخ كي يقتضى انتفائه عند انتفاء القيد، بل وانما غايتها
الدلالة على مجرد ثبوت الحكم للمقيد بنحو الطبيعة المهملة الغير المنافي لثبوت فرد آخر مثله في غير مورد القيد، كما كان ذلك هو
الشأن أيضا في القضايا اللقبية حيث لا فرق بينهما من هذه الجهة الا من جهة كون الموضوع في القضايا الوصفية عبارة عن أمر خاص
مقيد بقيد خاص.
واما ما ذكرنا من قضية الاطلاق في الحكم المثبت لانحصاره في شخص الفرد المنشأ في الشرط والغاية فغير جار في المقام، من جهة
القطع بعدم إطلاقه كذلك في المقام وفي القضايا اللقبية، إذ من الممتنع حينئذ إطلاق الحكم في قوله: يجب إكرام زيد أو زيد القائم،
بنحو يشمل جميع افراد وجوب الاكرام حتى الثابت لعمرو، ومع امتناع إطلاقه كذلك ثبوتا لا مجال لكشفه إثباتا، وهذا بخلافه في
الشرط والغاية، فان إطلاق الحكم فيهما انما هو بحسب الحالات دون الافراد، فإذا اقتضى قضية الاطلاق في الحكم ثبوت ذلك الحكم
الشخصي للموضوع في جميع الحالات من القيام والقعود والمجئ ونحوه وأنيط ذلك الحكم أيضا بالشرط أو الغاية، فقهرا يلزمه عقلا
انتفائه بانتفاء المنوط به شرطا أو غاية، وهذا بخلافه في القضايا الوصفية واللقبية، حيث إنه بعد أخذ الوصف قيدا في الموضوع لا
مجال للاطلاق الحالي للحكم، فلا بد حينئذ وأن يكون السنخ والاطلاق فيه بلحاظ الافراد، فإذا فرض حينئذ امتناع إطلاقه من هذه الجهة،
فلا جرم لا يبقى مجال لدعوى دلالة القضية الوصفية على المفهوم والانتفاء عند الانتفاء، بل لا بد حينئذ في إثباته من قيام قرينة خارجية
عليه.
499

من حال أو مقال تقتضي كونه في مقام التحديد ومقام حصر الحكم، والا فلو كنا نحن ونفس القضية الوصفية لا يكاد اقتضائها بحسب
طبعها الا مجرد ثبوت المحمول للمقيد بنحو الطبيعة المهملة الغير المنافي لثبوت شخص حكم آخر لذات المقيد عند ارتفاع القيد.
واما توهم ان ذلك مقتضى قضية التقيد بالوصف من جهة ظهوره في دخله في اختصاص الحكم بمورده والا يلزم لغوية ذكره في القضية،
فمدفوع بمنع اللغوية، إذ فائدته حينئذ تضيق دائرة الموضوع في القضية وبيان انه هو الذات المتقيدة بقيد كذائي، وحينئذ فإذا فرض
عدم كون الحكم المحمول في القضية الا بنحو الطبيعة المهملة فلا يمكن الحكم بانتفاء الحكم على الاطلاق عند انتفاء القيد وعدم ثبوت
شخص حكم آخر مثله للذات. نعم انما كان لهذا الكلام مجال فيما لو كان القيد والوصف بحسب اللب من الجهات التعليلية لثبوت الحكم
للذات، ولكنه أيضا خلاف ما تقتضيه القضايا الوصفية من الظهور في كون الوصف من الجهات التقييدية الراجعة إلى أخذ التقيد بها في
ناحية موضوع الحكم.
لا يقال: إنه وإن كان الامر كذلك الا ان إناطة الحكم وتعليقه بالوصف الذي هو أمر عرضي في نحو قوله: أكرم زيد العادل، دون ذات
الموصوف ودخل العنوان العرضي في موضوع الحكم تكشف عن أن ماله الدخل في ترتب الحكم على الذات انما هو ذلك العنوان
العرضي، ولازم ذلك لا محالة هو انتفاء سنخ الحكم المحمول في القضية عند انتفاء الوصف، والا فلو فرض ثبوت شخص حكم آخر مثله
للذات في مورد فقد الوصف يلزمه ان يكون ماله الدخل في ترتب الحكم هو ذات الموصوف، وفي مثله يلزم لغوية ذكر القيد، فإنه يقال:
بأنه لو تم هذا التقريب فإنما هو في نحو المثال المزبور حيث إنه بعد عدم مناسبة حكم وجوب الاكرام لعنوان الفسق يتوجه الكلام بأنه
لولا دخل الوصف في اختصاص الحكم بمورده يلزم ان يكون المقتضى لثبوته هو ذات الموصوف، من جهة فرض عدم مناسبة الحكم
بوجوب الاكرام لعنوان فسقه، فيتجه حينئذ دعوى عدم صحة الاستناد إلى العنوان العرضي، كما هو الشأن أيضا في آية النبأ حيث أمكن
بالتقريب المزبور استفادة المفهوم من جهة الوصف نظرا إلى ما تقتضيه مناسبة الحكم والموضوع من اختصاص وجوب التبين بالنبأ
المضاف إلى الفاسق وعدم ملائمته مع عدالة الراوي، لا مطلقا حتى فيما لا يكون كذلك مما كان الوصف من قبيل القيام والقعود و
نحوهما كما في قوله: أكرم زيدا
500

القائم أو القاعد، فإنه في أمثال ذلك لا يكاد مجال للتقريب المزبور لاستفادة المفهوم، كما هو واضح.
مفهوم الاستثناء
ومن المفاهيم مفهوم الاستثناء فيما لو استثنى بإلا ونحوها، كقوله: أكرم القوم الا زيدا وجاءني القوم الا زيدا، ولا ينبغي الاشكال في
دلالته على انحصار سنخ الحكم الثابت في القضية بالمستثنى منه وخروج المستثنى من ذلك، ومن ذلك اشتهر بينهم بان الاستثناء من
النفي إثبات ومن الاثبات نفى، حتى أنه من شدة وضوحه اشتبه على بعض فتوهم ان الدلالة المزبورة كانت من جهة المنطوق، ولكنه
فاسد قطعا، من جهة ان القدر الذي يتكفله القضية المنطوقية انما هو مجرد إثبات الحكم سلبا أو إيجابا للمستثنى منه، واما إثبات نقيض
ذلك الحكم الثابت للمستثنى فهو انما يكون بالمفهوم، من جهة كونه من لوازم انحصار سنخ الحكم بالمستثنى منه. وعلى كل حال فلا
إشكال في دلالة القضية على خروج المستثنى عن حكم المستثنى منه. ومن ذلك لو ورد دليل في القبال على إثبات الحكم للمستثنى يقع
بينهما التعارض، كما في قوله: أكرم القوم الا زيدا مع قوله: أكرم زيدا. وحينئذ فلا يصغى لما حكى عن أبي حنيفة من منع الدلالة محتاجا
بمثل قوله: لا صلاة الا بطهور، من دعوى لزوم صدق الصلاة على الواجد للطهور ولو كان فاقدا لبقية شرائطها من الستر والقبلة و
نحوهما، مع أنه يمكن ان يقال: بان الملحوظ في هذا التركيب انما هو الصلاة الواجدة لجميع ما اعتبر فيها من الاجزاء والشرائط عدا
الطهور، وقضية ذلك في طرف المفهوم هو تحقق حقيقة الصلاة الواجدة لجميع ما اعتبر فيها في مورد تحقق الطهور، فلا إشكال حينئذ
في البين.
بقي شئ تعرض له في الكفاية () وغيرها، وهو الاشكال المعروف في كلمة التوحيد، وحاصله ان خبر (لا) في قول (لا اله إلا الله) اما ان
يقدر ممكن واما ان يقدر موجود، وعلى أي تقدير لا دلالة لها على التوحيد، فإنها على الأول لا تدل على وجوده سبحانه من
501

جهة أعمية الامكان، وعلى الثاني لا تنفي إمكان غيره سبحانه، ولكنه مندفع بان المراد من (اله) في قوله (لا اله إلا الله) بعد إن كان
الواجب الوجود الذي يجب وجوده بذاته فلا جرم يتم دلالتها على المطلوب وهو التوحيد على كل تقدير، اما في فرض تقدير ممكن
فظاهر نظرا إلى الملازمة العقلية بين إمكانه ووجوده سبحانه، واما في فرض تقدير موجود فكك أيضا من جهة دلالتها أيضا بالملازمة
العقلية على نفى غيره ولو إمكانا، لان إمكان غيره مساوق لوجوب وجوده، فعدم وجود غيره سبحانه دليل عدم إمكانه، كما هو واضح.
مفهوم الحصر
ومن المفاهيم مفهوم الحصر فيما جي بأنما ونحوه من أداة الحصر، كقوله: انما زيد قائم وانما يجب إكرام زيد، ولا إشكال في دلالتها
على المفهوم من جهة اقتضائها حصر سنخ الحكم المحمول في القضية بالموضوع.
ومثل ذلك في الدلالة على المفهوم كلمة بل الاضرابية فيما جي للاعراض عن حكم ما سبق لا غلطا أو سهوا، إذ يستفاد منها اختصاص
سنخ الحكم بما يتلوها.
واما التعريف المسند كقوله: زيد الصديق، وتقديم ما حقه التأخير كقوله: الصديق زيد والعالم زيد، فقد يقال بدلالته أيضا على المفهوم
- كما عن جماعة - نظرا إلى دعوى ظهوره في الحصر، ولكن الظاهر هو اختلافه بحسب الموارد من حيث الدلالة على الحصر في مورد
وعدم دلالته في الاخر، خصوصا الأول من جهة إمكان ان يكون التعريف للعهد، فلا بد حينئذ في استفادة الحصر من ملاحظة الموارد و
المقامات الخاصة، فإن كان هناك قرينة على ذلك من حال أو مقال أو غيرهما فهو، والا فلا.
مفهوم اللقب
ومن المفاهيم مفهوم اللقب، والحق فيه عدم المفهوم، لما تقدم وجهه سابقا بان غاية ما يقتضيه تلك القضايا انما هو مجرد إثبات
المحمول بنحو الطبيعة المهملة للموضوع، فيحتاج حينئذ في استفادة المفهوم إلى قيام قرينة على كون المتكلم في مقام التحديد و
الحصر في قوله: أكرم زيدا.
502

مفهوم العدد
ومن المفاهيم مفهوم العدد، والحق فيه أيضا عدم الدلالة على المفهوم، الا إذا أحرز من الخارج ان المتكلم كان في مقام التحديد، وحيث
انه لم يكن في البين قرينة نوعية عامة على ذلك فلا جرم يحتاج في استفادة المفهوم إلى القرائن الخاصة، فلا بد حينئذ من لحاظ الموارد
الخاصة والمقامات المخصوصة المقتضية لذلك، هذا تمام الكلام في المفهوم والمنطوق.
503

المقصد الرابع في العموم والخصوص
وفيه جهات من البحث:
الجهة الأولى
لا يخفى عليك ان العموم والخصوص كالاطلاق والتقييد انما كان من صفات المعنى ومن العوارض الطارية عليه وان اتصاف اللفظ بهما
انما كان بتبع المعنى، من جهة ما كان بينهما من العلاقة والارتباط الخاص. ثم إن حقيقة العموم عبارة عن الإحاطة والاستيعاب للافراد
بنحو العرضية أو البدلية، لكن لا مفهوم الإحاطة بل ما هو واقع الإحاطة ومصداقها الذي هو منشأ انتزاع هذا المفهوم الذي هو في الحقيقة
معنى حرفي.
واما الاشكال عليه حينئذ بلزوم عدم جواز إجراء أحكام الاسم على الألفاظ الموضوعة للعموم كلفظ كل وجميع ومجموع ونحوها، من
الاخبار عنها وبها ونحوهما من الاحكام المختصة بالأسماء، مع أنه لا يكون الامر كذلك قطعا، حيث نرى صحة إجراء الاحكام المزبورة
عليها بالاخبار عنها وبها وجعلها فاعلا ومفعولا ونحو ذلك فمدفوع، فإنه انما يتجه الاشكال المزبور فيما لو كان المدلول المطابقي
للفظ كل وتمام وجميع هو نفس الإحاطة والاستيعاب، ولكنه ليس كذلك، بل نقول بان مدلولها المطابقي عبارة عن معنى اسمي
يلزمها الإحاطة والاستيعاب والشمول، وهو مقدار كم المدخول وتحدده بأعلى المراتب الذي لازمه الاستيعاب. فالمدلول في لفظ كل و
تمام وجميع من قبيل مداليل الأسامي الموضوعة للكميات والمقادير، نظير باقي الكسور كالنصف والربع والثلث، فكان لفظ الكل مثلا
يبين مقدار كم المدخول بكونه أعلى المراتب في قبال البعض المحدد لدائرته بالبعض، ولازم ذلك، كما عرفت، عقلا هو الإحاطة و
الاستيعاب لجميع الافراد المندرجة
504

تحته. وحينئذ فصحة إجراء أحكام الأسماء عليها انما هو من جهة ما ذكرنا، لا من جهة ان المدلول فيها هو مفهوم الإحاطة والشمول أو
مصداقها، كي يتوجه عليه على الأول بلزوم الترادف بين لفظ الكل ولفظ الإحاطة، وعلى الثاني بلزوم عدم جواز إجراء أحكام الأسماء
عليها، كما هو واضح.
وعلى كل حال فلا ينبغي الارتياب في أن حقيقة العموم - وهو الإحاطة والاستيعاب للافراد بنفسها - من المعاني الواقعية التي لا تحتاج
في تصورها إلى تحقق شئ آخر من الجهات الخارجة عن هذا المعنى من حكم أو مصلحة أو غير ذلك، بل لو لم تكن تلك الجهات
الخارجية أيضا كان المجال لتصور هذا المعنى وهو الإحاطة والشمول للافراد، ومن هذه الجهة نقول أيضا بعدم اقتضاء مجرد
الاستيعاب للافراد والإحاطة والشمول لشئ من الاستغراقية والمجموعية، وان مثل هذين الامرين انما هو من الاعتباريات الطارية
على العموم بنحو العرضية المقابل للبدلية بملاحظة أمر خارجي في البين من مثل الحكم والمصلحة، وان الاستغراقية انما هي بملاحظة
كون الملحوظ بنحو الاستيعاب متعلقا لاحكام متعددة ومصالح كذلك حسب تعدد الافراد، في قبال المجموعية التي هي أيضا بملاحظة
كون الملحوظ بنحو الاستيعاب متعلقا لحكم واحد شخصي غير قابل للانحلال ومصلحة كذلك، ففي الحقيقة اعتبار المجموعية و
الاستغراقية انما هو بلحاظ كيفية تعلق الحكم بالعموم، والا فمع قطع النظر عن ذلك لا يكاد يكون الفرق بينهما في عالم المفهوم ومقام
تصوره أصلا ولقد أجاد في الكفاية () حيث فرق بين نحوي العموم من جهة كيفية تعلق الحكم بالعموم، وجعل التقسيم بالاستغراقي و
المجموعي بلحاظ كيفية تعلق الحكم بالعموم من كونه تارة بنحو يكون كل فرد موضوعا على حدة للحكم، وأخرى بنحو يكون الجميع
موضوعا لحكم واحد مع كون العموم فيهما بمعنى واحد وهو إحاطة المفهوم بجميع ما يصلح لان ينطبق عليه.
نعم ما أفاده (قدس سره) من إلحاق العام البدلي أيضا بهما في كونه أيضا من جهة كيفية تعلق الحكم بالعموم، غير وجيه، فان الظاهر هو
ان الفرق بين البدلي وبين الاستغراقي والمجموعي من جهة كيفية العموم ولحاظه تارة بنحو الاستيعاب للافراد
505

بنحو العرضية وأخرى بنحو البدلية، لا من جهة كيفية الحكم كما في الاستغراقي والمجموعي، كما أفيد، حيث إنه فيهما انما يلاحظ سير
الطبيعي وشموله للافراد بنحو العرضية في مقام التطبيق، بحيث لو عبر عنها تفصيلا لكان يعطف بعضها على بعض بقوله هذا وذاك و
ذاك الاخر. بخلافه في العام البدلي، فإنه فيه أيضا وإن كان يرى في مقام اللحاظ سريان الطبيعي وشموله للافراد، الا انه لا بنحو
العرضية بل على نحو البدلية، كقولك: رجل أي رجل في قبال قولك: كل الرجال وجميع الرجال، ومن ذلك لو عبر عنه تفصيلا لكان
ذلك بمثل قوله: هذا أو ذاك، وعلى ذلك فنفس العام البدلي أيضا قبال الاستيعاب بنحو العرضية من المعاني الواقعية الغير المحتاجة إلى
تحقق أمر خارجي من حكم أو مصلحة، بل لو لم يكن حكم أيضا كان له الواقعية. وعليه فتقابل العموم البدلي مع ذين العمومين وهما
الاستغراقي والمجموعي انما هو بلحاظ تقابل مقسمهما معه، لا بلحاظ تقابل كل واحد منهما، حتى يكون ما به الامتياز فيه أيضا من سنخ
ما به الامتياز فيهما، كما لا يخفى.
ومما ذكرنا انقدح أيضا فساد ما أفيد - كما عن بعض الاعلام فيما حكى عنه - من أن إطلاق العموم على العام البدلي انما هو من باب
المسامحة، والا فلا يكون ذلك بعام حقيقة، حيث لا يكون متعلق الحكم فيه الا واحدا وان العمومية فيه انما هي في البدلية، وتوضيح
الفساد هو ان البدلية في مثل هذا العام انما كان في مقام التطبيق، والا ففي عالم العموم والشمول كانت الافراد بأجمعها تحت اللحاظ في
عرض واحد، كما هو مفاد قولك: جئني برجل أي رجل حيث إن لفظة أي تدل على استيعاب جميع الافراد عرضا، غايته على نحو يكون
التطبيق فيه تبادليا لا عرضيا، كما في العام الاستغراقي والمجموعي، ومن المعلوم ان مجرد كون التطبيق فيه تبادليا لا عرضيا لا
يقتضى خروجه عن العمومية والاستيعاب لجميع الافراد. كما لا يخفى.
وعلى كل حال فلا ريب في عدم ارتباط أسامي العدد من مثل العشرة ونحوها بالعموم والشمول، بل مثل هذه المعاني انما هي من
الاعتباريات الطارية على مداليل الاعداد وان أسامي العدد من هذه الجهة نظير الطبائع الصرفة في كونها مركز طرو هذه الاعتبارات و
مورد هذه الأطوار، غير أن الفرق بينها وبين الطبائع هو ان نسبة الطبائع إلى الآحاد المعروضة للعموم في دائرتها في نحو قوله: أكرم
كل عالم من قبيل نسبة الكلي إلى الفرد، بخلافه في أسامي الاعداد فإنها لكونها عبارة عن مراتب الكم المنفصل للشئ يكون
506

نسبتها إلى الآحاد المندرجة فيها المعروضة لهذه الطواري في مثل قولك: كل العشرة، من قبيل نسبة الكل إلى الجز دون الكلي والفرد
نعم انما يكون فيما لو كان نظر العموم فيها إلى مصاديق العشرة الراجع إلى إفادة كل عشرة عشرة، حيث إن نسبتها حينئذ إلى
المصاديق كانت من قبيل نسبة الكلي إلى الفرد، من جهة انها بهذا الاعتبار كأحد الطبائع الصادقة على القليل والكثير، فكان طرو
العموم عليها حينئذ بعين طروه على الطبائع.
ومن ذلك البيان ظهر الكلام في التثنية والجمع أيضا، حيث إن مدلوليهما عبارة عن مرتبة خاصة من الكم القائم بالطبيعي اما بتحديد
حديها كما في التثنية وجمع القلة، أو بتحديد حدها الأقل كما في جمع الكثرة، فكانت كأسامي الاعداد في نسبتها إلى الآحاد المندرجة
فيها المعروضة للعموم والخصوص، وفي مركزيتها لطرو هذه الطواري، حيث كانت قابلة لطرو الخصوص والعموم عليها بنحو
المجموعية والاستغراقية والبدلية، من غير فرق في ذلك بين التثنية والجمع.
نعم الفرق بينهما انما هو من جهة أخرى وهي ان التثنية لما كان لا إبهام فيها في مرتبة كمها ففي طرو العموم عليها في مثل أكرم كلا
من الرجلين أو جميع الرجلين لا يحتاج إلى تعين آخر في مدلولهما. بخلافه في طروه على الجمع فإنه بملاحظة ما فيه من الابهام بين
مراتب الجمع المختلفة آحادها لا بد من اعتبار تعين بين هذه المراتب حتى يقتضى العموم الاستيعاب في الآحاد المندرجة تحتها، ومن
ذلك نحتاج في فرض كون نظر العموم إلى الآحاد المندرجة تحت مصاديق الجمع لا إلى نفس مصاديق الجمع إلى الحمل ولو بقرينة
الحكمة على الفرد الا على من افراد الجمع والمرتبة القصوى من مراتبه، من جهة ان هذه المرتبة مما لها نحو تعين بالذات بخلاف بقية
المراتب الاخر، ولازم ذلك اقتضاء العموم الاستيعاب في الآحاد المندرجة تحت أقصى الافراد وأعلى المراتب لا الآحاد المندرجة تحت
بقية المراتب، من جهة ان قرينة الحكمة انما تقتضي الحمل على ما لاحد فيها من مراتب الكم، ولا يكون ذلك الا أعلى المصاديق وأقصى
المراتب، من دون ان يكون ذلك أيضا من باب انسلاخ الجمع عن مدلوله ومعناه، بل من باب إرادة العموم بالنسبة إلى الآحاد المندرجة
تحت الفرد الا على من افراد الجمع وأقصى مراتبه، هذا كله إذا كان العموم ناظرا إلى الآحاد المندرجة تحت مصاديق الجمع، واما لو كان
العموم ناظرا إلى نفس مصاديق الجمع لا إلى الآحاد المندرجة تحتها، كما في قوله: أكرم كل جماعة، الناظر
507

إلى كل جماعة جماعة، فان أريد من المصاديق ما هو القابل للتكرر بنحو لا يلزم التداخل في الحكم يؤخذ بأقل الافراد القابل للتكرر في
جميع الدوائر، فيحمل قوله: أكرم كل جماعة، على كل ثلاثة منها من جهة ان هذا المعنى مما له نحو تعين بالذات، بخلاف بقية المصاديق
كالأربعة والخمسة والستة وما فوقها، فإنها أيضا وإن كانت قابلة للتكرر الا انه لا تعين في واحد منها حتى يحمل عليها، بخلاف أقل
الافراد من الجمع وهو الثلاثة فان له نحو تعين بالذات، واما ان أريد من المصاديق ما هو القابل للتداخل في الحكم أيضا ففي مثله يؤخذ
بجميع المراتب من الثلاثة والأربعة والخمسة وما فوقها، ويحكم بالتداخل في الحكم.
ومن هذه الجهة ظهر جهة فرق آخر بين التثنية والجمع، حيث إنه في التثنية لا يتصور العموم باعتبار الوجه الأخير، بل العموم المتصور
فيها - كما في أسامي الاعداد - يتصور بأحد الوجهين الأولين من الوجوه الثلاثة المتصورة في الجمع، بخلاف الجمع، فان العموم فيه
باعتبار كون مفهومه معنى تشكيكيا محفوظا بين جميع المراتب من الأقل والأكثر يتصور على وجوه ثلاثة: من حيث كون العموم تارة
ناظرا إلى الآحاد المندرجة تحت مصاديق الجمع، وأخرى إلى نفس مصاديق الجمع، مع كونه على الثاني تارة بإرادته من المصداق ما هو
القابل للتكرر كي لا يلزم التداخل، وأخرى بإرادته من المصداق ما هو القابل للتداخل والتأكد في الحكم، وإن كان مثل هذا الفرض
بعيدا في نفسه بل غير واقع من جهة بعده عن أذهان العرف وأهل اللسان.
ثم إن هذا كله فيما لو أحرز كون نظر العموم إلى الآحاد المندرجة تحت المصاديق، أو إلى نفس مصاديق الجمع، واما ان لم يحرز كون
العموم بلحاظ المصاديق، فيحمل على إرادة العموم بلحاظ الآحاد المندرجة تحتها، ويدفع احتمال كونه بلحاظ نفس المصاديق، بشمول
إطلاق الجمع لصورة انحصار افراده بأقلها وهو الثلاثة، من جهة ان شمول إطلاقه لصورة انحصار الافراد والآحاد بالثلاثة ينافي لا
محالة مع احتمال كون العموم بلحاظ نفس المصاديق، حيث إنه لا يبقى حينئذ مجال للعموم الا بلحاظ الافراد المندرجة تحت المصاديق،
غاية الأمر بما ذكرنا يحمل على أقصى الافراد وأعلى المراتب أقل كانت أم أكثر من جهة تعينه بالذات، كما هو واضح.
508

الجهة الثانية
لا شبهة في أن للعام صيغة تخصه، كلفظ كل وتمام وجميع وأي وما يرادفها في أي لغة ك (همه) و (هر) بالفارسية. وذلك للتبادر حيث إن
من الواضح تبادر العموم والاستيعاب منها. وكون التخصيص شايعا حتى قيل (بأنه ما من عام الا وقد خص) لا يستلزم الوضع
للخصوص أو القدر المشترك بينهما كما لا يخفى، بل ولئن تأملت ترى بان نفس الاحتياج إلى التخصيص في قولك: كل عالم، قرينة
وضعها للعموم وانها بحيث يستفاد منها الاستيعاب والشمول لولا التخصيص، وعليه فلا يصغى إلى ما قيل من الوضع للخصوص في
الألفاظ المدعى كونها موضوعة للعموم، حيث إن في وضوح المسألة غنى وكفاية عن إقامة البرهان على العموم وإبطال ما أقيم على
كونها للخصوص، وحينئذ فلا إشكال من هذه الجهة ولا كلام.
وانما الكلام في أن قضية هذه الأداة المدعى دلالتها على العموم وضعا - كلفظ كل وتمام وجميع - هل هو الاستيعاب والشمول لجميع
ما يصلح انطباق المدخول عليه من الافراد، أم لا، بل كان قضية عمومها تابعا لما يراد من المدخول فيها من حيث الاطلاق والتقييد و
نحوهما؟ قال في الكفاية ما محصله: ان دلالة لفظ كل ونحوه على العموم وإن كانت بالوضع لكن دائرة شمول العام بالنسبة إلى قلة
الافراد وكثرته تابعة لما يراد من المدخول من حيث الاطلاق والتقييد، فإذا كان المدخول مأخوذا بنحو الاطلاق والسريان فالشمول و
العموم كان بلحاظ افراد المطلق، كما أنه لو كان المدخول مقيدا ببعض القيود كما لو أراد من العالم في قوله: أكرم كل عالم، العالم
العادل أو العالم النجفي فلا جرم يكون العموم بالنسبة إلى الافراد في دائرة المقيد لا المطلق، فعلى كل حال ما هو المدلول للفظ كل و
نحوه من ألفاظ العموم انما هو الاستيعاب والشمول في دائرة ما يراد من المدخول، وعلى ذلك ففي مثل قوله: أكرم كل عالم، فلا بد في
الحكم بالاستيعاب بالنسبة إلى جميع ما يصلح انطباق المدخول عليه من الافراد - بناء على مسلك السلطان من الوضع للطبيعة المهملة
القابلة للاطلاق والتقييد - من إحراز كون المراد من المدخول هو الطبيعة بنحو الاطلاق والارسال، ولو كان ذلك من جهة قرينة
الحكمة، والا فمع عدم إحراز هذه الجهة واحتمال كون المراد من المدخول وهو العالم الطبيعة المقيدة لا يبقى مجال
509

الحكم بالاستيعاب بالنسبة إلى جميع ما ينطبق عليه المدخول من الافراد، بل ربما كان اللازم حينئذ الاخذ بالقدر المتيقن وهو
الاستيعاب بالنسبة إلى آحاد المقيد لا المطلق، هذا.
ولكن لا يخفى عليك ان المدخول في مثل قوله: كل عالم، وان لم يدل على مسلك السلطان إلا على الطبيعة المهملة، فيحتاج استفادة
الارسال والاطلاق منه إلى قرينة الحكمة، الا انه بعد دلالة الكل بالوضع حسب الفرض على الإحاطة والاستيعاب في الافراد ربما يستغنى
به عن مقدمات الحكمة من جهة قيامه حينئذ مقامها، حيث إنه بوروده على مفهوم العالم في قوله: أكرم كل عالم، يثبت به ما يفي به
مقدمات الحكمة من الاستيعاب لجميع ما يصلح انطباق المدخول عليه من الافراد، من دون احتياج معه إلى جهة زائدة من قرينة الحكمة أو
غيرها، نعم ما أفيد من الاحتياج إلى الحكمة انما يتم بالنسبة إلى النكرة الواقعة في حيز النهي أو النفي، نظرا إلى عدم كون مفاد النفي
في مثل قوله: لا رجل في الدار، الا سلب النسبة، وعدم كون مفاد المدخول أيضا على مسلك السلطان الا الطبيعة المهملة، ولا مفاد الهيئة
التركيبية الا إيقاع النسبة بين الموضوع والمحمول، فيحتاج استفادة العموم حينئذ منه إلى قرينة الحكمة في المدخول لاثبات ان
المدخول بنحو الارسال والاطلاق كان موردا للنفي.
وهكذا الكلام في الجمع المحلى باللام كقوله: أكرم العلماء، حيث إن استفادة العموم بالنسبة إلى جميع الافراد في مثله منوطة بقرينة
الحكمة، من جهة ان القدر المستفاد من الهيئة العارضة على المادة، وهي هيئة الجمع، انما هو تقيد الطبيعي بما فوق الاثنين، واما انه أي
مرتبة من مراتب الجمع وانه الأربعة أو الخمسة أو العشرة أو العشرون أو غير ذلك من مراتب الجمع فيحتاج تعينها إلى قرينة، ولو
كانت هي مقدمات الحكمة، فيرفع بها ما فيه من الابهام بالنسبة إلى تلك المراتب المختلفة آحادها، وتعينه بأعلى المراتب وأقصاها التي
لا تكون فوقها مرتبة، وهذا بخلافه عند ورود لفظ الكل على الجمع كقوله: أكرم كل العلماء أو جميع العلماء، حيث إنه بلفظ الكل أو
الجميع يستغنى عن مقدمات الحكمة من جهة وفائه بما تفي به مقدمات الحكمة.
ومن ذلك البيان ظهر الحال في المفرد المحلى باللام حيث إن استفادة العموم منه لا بد وأن تكون بقرينة تقتضي كون المدخول فيه
بنحو السريان في ضمن الافراد، والا فمع قطع النظر عن القرينة الخارجية لا يكاد يصح استفادة العموم
510

و السريان منه، من جهة ان اللام فيه لا تقتضي حسب وضعها الا الإشارة إلى المدخول، و اما بكونه بنحو السريان في ضمن الافراد فلا،
كما هو واضح.
ثم إن الظاهر هو اختلاف الألفاظ الحاكية وعدم كونها على وزان واحد من حيث حكاية بعضها عن نفس العموم والاستيعاب المحفوظ
في رتبة الذات السابقة عن الحكم كما في لفظ العام بل ولفظ الكل بشهادة صحة استعمالها في مورد العموم الاستغراقي والمجموعي بلا
عناية أصلا، وحكاية بعضها عن الاستيعاب للافراد بملاحظة تعلق الحكم بها كما (في الجميع) الحاكي عن خصوصية الاستغراقية قبال
(المجموع) الحاكي عن خصوصية المجموعية، حيث إن مثل هذه الألفاظ كانت حاكية عن خصوصية الموضوعية المتأخرة رتبة عن الحكم
وعن كيفية تعلق الحكم بالافراد، نعم لا يبعد دعوى ظهور لفظ الكل أيضا في الحكاية عن خصوصية الاستغراقية مضافا إلى حكايتها عن
نفس العموم والاستيعاب المحفوظ في رتبة الذات السابقة عن الحكم، حيث يستفاد من قوله: أكرم كل عالم، استقلال كل واحد من
الافراد في الموضوعية لحكم مستقل. واما (أي) فهو كما عرفت في قبال هذه الألفاظ يحكى عن العموم البدلي المحفوظ في مرتبة الذات
السابقة عن الحكم.
ثم إن الكل يدخل على المفرد والجمع المنكرين والمعرفين كما في قولك: كل رجل وكل رجال وكل الرجال، فيفيد الاستغراق بحسب
الافراد عند دخوله على المفرد والجمع المنكرين، والاستغراق بحسب المرتبة في دخوله على المفرد والجمع المعرفين كقوله: كل العالم
وكل العلماء، ففي الأول يتحدد دائرة المدخول وهو الطبيعي من بين المراتب، ويخرجه عما كان له من الابهام في المراتب، ويعينه
بأعلى المراتب التي لازمها الشمول لجميع الآحاد المندرجة تحتها، كما كان ذلك أيضا على الثاني، حيث إنه على ما عرفت يخرجه عما له
من الابهام في المراتب ويعينه بأعلى مراتب الجمع وأقصى المصاديق التي لها التعين بالذات وتفيدها قرينة الحكمة، ولازمه هو الشمول
لجميع الآحاد المندرجة تحت المرتبة العليا.
واما الجميع والمجموع والتمام فهي انما تدخل على المفرد والجمع المحلى باللام ولا تدخل على غير المحلى باللام مفردا أو جمعا،
حيث لا يقال: جميع رجل وجميع رجال ولا مجموع رجل ومجموع رجال ولا تمام رجل وتمام رجال، بل وانما يقال ذلك في هذه
الألفاظ
511

مع اللام وهو واضح.
الجهة الثالثة
قد اختلف كلماتهم في حجية العام المخصص في الزائد عن المقدار المعلوم من التخصيص وعدم حجيته، وتوضيح المقال يستدعى بيان
أقسام صور التخصيص لكي يعلم ما هو محل الكلام وانه في أي قسم من أقسامه فنقول:
اعلم أن صور التخصيص على أنحاء، من جهة ان المخصص اما ان يكون متصلا أو منفصلا، وعلى التقديرين تارة يكون مبينا بحسب
المفهوم والمصداق كليهما، وأخرى مجملا بحسب المفهوم، وثالثة يكون مبينا بحسب المفهوم دون المصداق، ورابعة بعكس ذلك.
ثم إنه على تقدير الاجمال تارة يكون إجماله وتردده بين الأقل والأكثر، وأخرى بين المتباينين، ثم المخصص أيضا تارة يكون لفظيا
وأخرى لبيا، فهذه أقسام صور التخصيص وأنحائه. وبعد ذلك نقول:
اما إذا كان المخصص متصلا وكان مبينا بحسب المفهوم والمصداق أيضا كقوله:
أكرم جميع العلماء أو كل عالم الا زيدا، فلا ينبغي الاشكال في حجية العام وجواز التمسك به في البقية، وذلك اما على القول بوضع هذه
الأسامي لاستيعاب افراد ما يراد من المدخول فظاهر، فإنه عليه لا يلزم المجازية أيضا في العموم بمقتضى التخصيص، حتى يقال بتردد
الامر في المجاز بين بقية المراتب ولا تعين لمرتبة خاصة منها واما على القول - الاخر من وضعها لاستيعاب المدخول لجميع ما يصلح
للانطباق عليه من الافراد فكك أيضا، من جهة ان قضية التخصيص بالمتصل حينئذ وإن كان هو الكاسرية لظهوره في الاستيعاب في
جميع المراتب، فلا يكون له ظهور معه في الاستيعاب لجميع ما ينطبق عليه المدخول من الافراد، ولكن نقول ببقاء ظهوره حينئذ على
حاله بالنسبة إلى بقية المراتب الاخر، من جهة ان الخاص انما يمنع عن ظهور العام حينئذ بمقدار اقتضائه، وهو لا يكون الا المرتبة
العالية، واما غيرها من بقية المراتب فتبقى على حالها من الظهور الذي يقتضيه العام. ولا نعنى بذلك ان هناك ظهورات متعددة بحسب
المراتب، حتى يشكل بأنه كيف ذلك مع أنه لا يكون للفظ واحد الا ظهور واحد وإراءة واحدة،
512

ومع ارتفاعه بمقتضى احتفافه بالقرينة لا يبقى له ظهور آخر في بقية المراتب، بل وانما المقصود هو ان هذه الدلالة والظهور في
استيعاب الافراد له مراتب عديدة وحدود كثيرة حسب التحليل العقلي ومن دون مدخلية لجهة الانضمام فيها ان القدر الذي يقتضيه
القرينة المتصلة من الكاسرية لظهوره انما هو كسر صولة ظهوره بالنسبة إلى تلك المرتبة العالية لا مطلقا حتى بالنسبة إلى بقية المراتب
الاخر المندكة في ضمنها، ومن المعلوم حينئذ انه بعد عدم مدخلية حيثية الانضمام في إراءته عن المراتب الاخر يتعين بقية المراتب الاخر
بمقتضى ظهوره الوضعي أو الاطلاقي، فهو نظير الخط الطويل الذي قطع منه قطعة من حيث بقاء البقية بعد على حالها، على ما كانت
عليها قبل قطع تلك القطعة، وإن كان قد تبدل حده بحد آخر أقصر من الحد الأول، ونظير المرآة التي وضعت لإراءة جماعة فوجد
حائل في البين يمنع عن إراءتها لبعض منها، من حيث بقاء إراءتها على حالها بالنسبة إلى البقية، ففي المقام أيضا كذلك، حيث إن لفظ
الكل مثلا بمقتضى وضعه كان له الظهور في الاستيعاب بالنسبة إلى كل مرتبة مرتبة ولو في ضمن المرتبة العالية، وبعد انعدام ظهوره
في المرتبة العالية بمقتضى القرينة المتصلة يتحدد ظهوره بمرتبة أخرى دون تلك المرتبة، لا انه ينعدم ظهوره من رأس حتى بالنسبة
إلى بقية المراتب أيضا، وعليه فبعد بقاء ظهوره في بقية المراتب فلا مانع من التمسك بأصالة العموم في البقية فيما شك فيه في الخروج
زائدا عن المقدار المتيقن، من دون احتياج حينئذ إلى إثبات تعين الباقي من باب أقرب المجازات، حتى يشكل بان المدار في الأقربية إلى
المعنى الحقيقي ليس هو الأقربية بحسب الكم والمقدار وانما هو بحسب زيادة الانس، ولا إلى إثباته أيضا من جهة اقتضاء عقد الاستثناء
لذلك - كما ادعى - من دعوى ان الاستثناء، كما تكون قرينة صارفة عن إرادة المعنى الحقيقي، كذلك تكون قرينة معينة لتعين ما دون
المرتبة العالية من بين المراتب، فان ذلك أيضا مبنى على الالتزام بانعدام أصل الظهور بمجرد قيام القرينة المتصلة على العدم بالنسبة
إلى المرتبة العالية، وهو كما ترى مما لا وجه له.
ثم إنه بعد ما عرفت من ظهور العام، بعد التخصيص بالمتصل، في البقية فلا يهمنا البحث في أن استعمال العام حينئذ هل كان في معناه
الحقيقي وهو الشمول لتمام افراد المدخول أم لا؟ وان أمكن أيضا دعوى كونه على نحو الحقيقة، بالفرق بين الإرادة الجدية والإرادة
الاستعمالية، بتقريب كونه مستعملا أيضا حينئذ في معناه الحقيقي، وهو الشمول
513

لتمام افراد المدخول، ولكنه في مقام الجد أريد منه ما عدا الفرد الخارج، ولكن الذي يسهل الخطب هو عدم الطريق لاثبات هذه الجهة،
كعدم الطريق أيضا لاثبات المجازية.
واما أصالة الحقيقة فهي أيضا غير جارية، لعدم ترتب أثر عملي عليها بعد العلم بعدم كون المراد الجدي هو المعنى، كما هو واضح. هذا
كله فيما لو كان المخصص متصلا وكان مبينا بحسب المفهوم والمصداق كليهما.
واما لو كان مجملا بحسب المفهوم أو المصداق كقوله: أكرم العلماء الا الفساق منهم، وتردد الفاسق من جهة الشبهة في المفهوم بين
المرتكب للكبائر أو عمومه لمرتكب الصغائر أيضا، أو من جهة الشبهة في المصداق بان تردد مصاديق الفاسق المبين المفهوم مثلا بين
الخمسة والعشرة، فلا ينبغي الاشكال فيه أيضا في سقوط العام عن الحجية وعدم جواز التمسك به في المشتبه مفهوما أو مصداقا، من
دون فرق في ذلك بين ان يكون التردد والاجمال بين الأقل والأكثر كما في المثال المزبور، أو بين المتباينين كما قوله: أكرم كل عالم
الا زيدا، مع تردد الخارج من جهة الشبهة في المفهوم زيد بن عمرو وبين زيد بن بكر، أو من جهة الشبهة في المصداق بين كونه هذا
الشخص أو ذاك الشخص الاخر ولو مع تبين المفهوم فيه، كما لو علم بان الخارج هو زيد بن عمرو ولكنه تردد بين كونه هذا الشخص
أو ذاك الاخر، حيث إنه في جميع هذه الصور لا مجال للتمسك بالعام في المشتبه. وعمدة الوجه في ذلك انما هو من جهة سراية إجمال
المخصص حينئذ إلى عموم العام، حيث إنه باتصاله به يوجب كسر صولة ظهوره في العموم وتحديد دائرته بمقدار اقتضائه، وحينئذ فإذا
فرض إجماله وتردده بين الأقل والأكثر أو المتباينين فقهرا يسرى إجماله إلى العام أيضا من جهة كونه من قبيل اتصاله بما يصلح
للقرينية عليه، ومعه فلا يبقى له ظهور حتى يتمسك به فيما شك كونه من افراد المخصص. نعم لا بأس بالتمسك به بالنسبة إلى ما يعلم
خروجه عن دائرة الخاص من الافراد الاخر، فإذا شك في خروجها من جهة مخصص آخر يؤخذ بعموم العام بالنسبة إليها، هذا كله فيما
لو كان الخاص متصلا بالعام.
واما لو كان منفصلا عن العام ففيه أيضا يتأتى الصور المزبورة: فإذا كان الخاص مبينا بحسب المفهوم والمصداق كليهما فالحكم فيه
كما في الخاص المتصل المبين بحسب المفهوم والمصداق، من حجية العام وجواز التمسك به في الباقي، بل الحكم فيه أوضح من فرض
514

اتصال المخصص، وذلك من جهة استقرار الظهور حينئذ للعام وعدم انثلامه بقيام القرينة المنفصلة على الخلاف كما في الخاص
المتصل، حيث إن غاية ما يقتضيه التخصيص بالمنفصل انما هو المانعية عن حجية ظهوره المستقر في العموم لا عن أصل ظهوره، وذلك
بملاك أقوى الحجتين، ومن ذلك ربما يقدم ظهور العام على ظهوره فيما لو كان العام أقوى ظهورا منه. وعلى ذلك فكان اللازم هو
اتباع ظهوره في العموم في غير مورد قيام الحجة على الخلاف، وهو واضح.
واما لو كان الخاص حينئذ مجملا بحسب المفهوم، فإن كان الاجمال والتردد بين الأقل والأكثر، كما لو ورد انه يجب إكرام كل عالم، و
ورد بدليل منفصل انه لا يجب إكرام الفساق من العلماء ويحرم إكرامهم، وتردد الفاسق من جهة إجمال المفهوم بين المرتكب للكبائر
أو الصغائر أيضا، ففي مثله يقتصر في الخروج عن العموم على المتيقن وهو المرتكب للكبائر، واما بالنسبة إلى المرتكب للصغائر
فيؤخذ بالعموم، والسر فيه واضح، حيث إنه بعد استقرار ظهور العام وعدم انثلامه بقيام القرينة المنفصلة على الخلاف لا بد من الاخذ
بظهور العام في المقدار الزائد عن المتيقن من التخصيص، من جهة رجوع الشك فيه حينئذ إلى الشك في أصل التخصيص، فان رفع اليد
عن أصالة العموم حينئذ مع فرض إجمال المخصص طرح للحجة المعتبرة بلا وجه، هذا إذا كان الشك في خروج المشكوك وهو
المرتكب للصغائر عن حكم العام ممحضا من جهة الشك في اندراجه تحت عنوان المخصص وهو الفاسق واقعا بحيث على تقدير عدم
اندراجه تحته وفرض وضعه لخصوص المرتكب للكبائر يقطع بمشموليته لحكم العالم.
واما لو لم يكن الشك فيه ممحضا بذلك بل كان مما يشك فيه في مشموليته لحكم العام ولو على تقدير خروجه عن تحت عنوان
المخصص واقعا، بحيث كان الشك في وجوب إكرامه من جهتين: تارة من جهة الشبهة الحكمية وانه على تقدير عدم كون المرتكب
للصغائر مندرجا تحت عنوان الفاسق هل يشمله حكم العام أم لا بل كان خارجا أيضا عن حكمه، وأخرى من جهة الشبهة المصداقية
] 1 [
و
انه هل المرتكب للصغيرة فاسق أم
] 1 [
مراده (قدس سره) بحسب الظاهر من الشبهة المصداقية هي الشبهة المفهومية في المخصص - كما يشهد به تفسيره لها بقوله وانه
هل المرتكب للصغيرة فاسق أم آه وحيث كان مرجع هذه الشبهة ان يشك في مصداقية
515

لا بل الفاسق بحسب وضعه موضوع لخصوص مرتكب الكبيرة؟ ففي مثله بالنسبة إلى الشبهة الحكمية وهي الشبهة من الجهة الأولى لا
إشكال في الاخذ بالعموم، نعم انما الكلام في جواز الاخذ به بالنسبة إلى الشبهة المصداقية، وهي الشبهة من الجهة الثانية، حيث إنه قد
يشكل في جواز التمسك بالعام من هذه الجهة، بتقريب ان الشبهة من تلك الجهة لما كانت في طول الشبهة من الجهة الأولى، فمع تطبيق
أصالة العموم من الجهة الأولى ورفع الشك به من جهة الكبرى لا مجال لتطبيقها ثانيا من الجهة الثانية لرفع الشك به من جهة الصغرى،
نظرا إلى أن الظهور الواحد لا يتحمل لتطبيقين طوليين، وحينئذ فمع فرض تطبيقه على أصل الكبرى يستحيل تطبيقه ثانيا على
الصغرى. وهذا بخلافه في فرض تمحض الشك بالجهة الثانية وفرض العلم باندراجه في العام على تقدير كون الفاسق هو خصوص
المرتكب للكبيرة فإنه حينئذ كان لتطبيقه على تلك الجهة كمال مجال لأنه حينئذ لا يحتاج إلى تطبيقه في كبرى المسألة حتى يتوجه
الاشكال المزبور، هذا، ولكن يمكن دفع الاشكال المزبور بما دفعناه به الاشكال المعروف في حجية الاخبار مع الواسطة، حيث إن
الاشكال في المقامين واحد، والجواب عنه أيضا واحد، فراجع تلك المسألة وعليه فلا مجال للاشكال فيه من هذه الجهة فكان المتبع
حينئذ هو أصالة العموم في غير مورد قيام الحجة الأقوى على الخلاف. هذا كله إذا كان إجمال المفهوم من جهة تردده بين الأقل والأكثر.
واما لو كان إجماله من جهة تردده بين المتباينين، ففي مثله يسقط العام عن الحجية بالنسبة إلى كل واحد من الخصوصيتين فلا يكون
بحجة في واحدة منهما، وذلك فان العام حينئذ وإن كان على ظهوره من دون سراية الاجمال إليه من الخاص المنفصل، إلا أنه لما كان
يساوي ظهوره بالنسبة إلى كل واحد من زيدين اللذين يعلم بخروج أحدهما عن تحته بمقتضى دليل المخصص، لا يكون بحجة فعلية في
واحد منهما، فيصير بحكم المجمل من حيث السقوط عن الحجية نعم لا بأس بالأخذ بالعموم بالنسبة إلى ما عدا الفرد الخارج، وهو الفرد الآخر
المعين في الواقع، لكن بشرط ان يكون مما يحتمل دخوله في العام وخروجه عنه من جهة احتمال مخصص آخر لا نعلمه، وإلا فمع
العلم بدخوله تحت العام وعدم
المرتكب للصغيرة لعنوان الفاسق عبر عنه بالشبهة المصداقية وكيف كان فهو على خلاف الاصطلاح الشائع
[
المصحح عفي عنه
.]
516

مخصص آخر لا مجال لأصالة العموم بالنسبة إليه، من جهة انتفاء الشك الذي به قوام جريان دليل التعبد بالظهور، واما ثمرة ذلك فإنما
هي دخول ذلك الفرد الآخر بإجراء أصالة العموم فيه في العلم الاجمالي، فيحكم عليه بقواعده المقررة في محله.
نعم قد يتوهم جواز التمسك بأصالة العموم حينئذ بالنسبة إلى كل واحد من الفردين المعلوم خروج أحدهما بمقتضى الخاص المجمل، في
مورد كان مفاد دليل الخاص هو نفى الالزام، كما لو كان مفاد العام هو وجوب الاكرام لكل واحد من العلماء وكان مفاد الخاص هو
عدم وجوب الاكرام بالنسبة إلى زيد المردد بين زيد بن عمرو وزيد بن بكر، نظير جريان الأصلين المثبتين في الطرفين في مورد
العلم الاجمالي بنفي الالزام في أحدهما، بتقريب ان مانعية العلم الاجمالي عن جريان الأصول في الطرفين انما هو من جهة استلزامها
المخالفة العملية للتكليف الفعلي المعلوم، والا فالعلم الاجمالي بنفسه لا يكاد يمنع عن جريان الأصول في الأطراف، من جهة ما تقرر في
محله من اختلاف المتعلق فيهما، وكون المتعلق للعلم الاجمالي هو العنوان الاجمالي المعبر عنه بأحد الفردين وإحدى الخصوصيتين، و
متعلق الشك هو كل واحد من العناوين التفصيلية، وحينئذ فبعد ان فرض عدم استلزامه لمحذور المخالفة العملية في المقام فلا جرم
يجري أصالة العموم بالنسبة إلى كل واحد من زيدين وبمقتضاها يحكم بوجوب إكرام كل واحد منهما، كما كان هو الشأن أيضا في
الأصلين المثبتين في مورد العلم الاجمالي بنفي التكليف.
ولكنه توهم فاسد نظرا إلى الفرق الواضح بين المقامين حيث إن الامارات باعتبار حجيتها في مداليلها الالتزامية يمنع عن جريانها في
أطراف العلم الاجمالي، بملاحظة انتهاء الأمر فيها بهذه الجهة إلى التعارض كما في الخبرين القائمين أحدهما على وجوب صلاة الجمعة
يوم الجمعة والاخر على وجوب صلاة الظهر فيه، مع العلم بعدم وجوب الصلاتين على المكلف. وهذا بخلافه في الأصول فإنها من جهة
عدم حجية مثبتاتها لا يكاد انتهاء الأمر فيها من نفس جريانها في أطراف العلم الاجمالي إلى التعارض كما في الامارات، فمن ذلك لا
بأس بجريانها و التعبد بها في كل واحد من أطراف العلم الاجمالي عند عدم استلزامه للمخالفة العملية للتكليف المعلوم. هذا مما أفاده
الأستاذ في إبدأ الفرق بين المقامين.
ولكن أقول: بأنه لا يحتاج في المنع عن جريان أصالة العموم في الطرفين إلى التشبث
517

بمسألة المدلول الالتزامي في الامارات، إذ مع الغض عن ذلك كان المجال أيضا للمنع عن جريان أصالة العموم في الطرفين، وذلك انما
هو بدعوى ان عدم جريان أصالة العموم في الطرفين انما هو من جهة منافاة العلم الاجمالي عقلا مع قضية طريقية الامارات وكاشفيتها
عن الواقع، من جهة انه مع العلم الاجمالي المزبور يقطع بمخالفة أحد الطريقين للواقع، ومع هذا القطع يستحيل التعبد بهما في الطرفين
للاستطراق إلى الواقع.
وهذا بخلافه في الأصول فان حجيتها لما لم تكن من باب الطريقية والكاشفية عن الواقع، بل من باب التعبد المحض في ظرف الجهل و
استتار الواقع، فأمكن حينئذ التعبد بها في الطرفين في مورد العلم الاجمالي بالخلاف ما لم يلزم من جريانها المخالفة العملية للتكليف
المعلوم في البين، فتدبر. هذا كله فيما لو كان الخاص مجملا بحسب المفهوم.
واما لو كان إجماله المصداق مع تردده بين الأقل والأكثر
ففي جواز التمسك بالعام فيما يحتمل كونه من افراد الخاص وعدم جوازه خلاف بين الاعلام، والأول وهو الجواز هو المنسوب إلى
المشهور من قدماء الأصحاب، وربما فصل بين المخصص اللفظي واللبي بالجواز في الثاني دون الأول ولعله هو المشهور بين
المتأخرين. ولكن التحقيق كما ستعرف هو عدم الجواز مطلقا.
ثم إن غاية ما قيل في تقريب القول بالجواز هو دعوى وجود المقتضى وعدم المانع عنه.
اما الأول فمن جهة شمول العام وانطباقه على المشكوك نظرا إلى استقرار ظهوره وعدم انثلامه بالتخصيص بالمنفصل.
واما الثاني فمن جهة ان مانعية الخاص ومزاحمته للعام انما كانت بمقدار حجيته، وحينئذ فإذا فرض عدم حجيته الا بالنسبة إلى ما علم
كونه من افراده ومصاديقه دونه بالنسبة إلى ما شك كونه من افراده، فقهرا فيما اشتبه كونه من افراده يرجع إلى العموم فيحكم عليه
بحكمه لعدم قيام حجة فيه على خلافه.
وقد أورد عليه بان العام وان لم يرتفع ظهوره في العموم بواسطة الخاص المنفصل، ولا كان الخاص أيضا حجة فيما اشتبه كونه من
افراده، فلا يكونن خطاب لا تكرم الفساق دليلا على حرمة إكرام من شك في فسقه من العلماء من حجة الشك في أصل اقتضاء تطبيقه على
المشكوك الا ان عدم جواز الاخذ بالعام حينئذ انما كان من جهة اقتضاء قضية التخصيص حتى في المنفصل لاحداث عنوان إيجابي أو
سلبي في ناحية الافراد الباقية تحت
518

العام الموجب لانقلاب العنوان المأخوذ في العام وهو العالم مثلا في قوله: أكرم كل عالم، عن كونه تمام الموضوع لوجوب الاكرام إلى
كونه جز الموضوع، من جهة صيرورة الموضوع حينئذ بعد ورود الدليل على حرمة إكرام الفساق من العلماء عبارة عن العالم المقيد
بكونه عادلا أو غير فاسق، ومن الواضح على ذلك عدم جواز التمسك بالعموم في المشتبه كونه من افراد الخاص، لأن الشك في كونه من
افراد الفساق يلازم الشك في ذلك العنوان الايجابي أو السلبي المأخوذ في موضوع حكم العام، ومع هذا الشك فلا يكاد يصح التمسك فيه
بالعام، من جهة كونه من التمسك بالعام مع الشك في أصل تطبيق عنوان العام على المورد هذا.
ولكن فيه منع اقتضاء التخصيص كالتقييد لاحداث عنوان سلبي أو إيجابي في ناحية الافراد الباقية تحت العام، وقياسه بباب التقييد و
الاشتراط الموجب لتعنون الموضوع بوصف وجودي أم عدمي مع الفارق جدا، فان شأن التخصيص سوأ في المتصل أو المنفصل في
قوله: أكرم العلماء الا زيدا أو عمرا، مثلا انما هو مجرد إخراج بعض الافراد أو الأصناف عن تحت حكم العام وتخصيصه بالافراد الباقية،
من دون اقتضائه لاحداث عنوان إيجابي أو سلبي في ناحية الافراد الباقية في مقام موضوعيتها للحكم، بل هذه الافراد الباقية بعد
التخصيص كانت على ما كانت عليها قبل التخصيص في الموضوعية للحكم العام بخصوصياتها الذاتية، فهو أي التخصيص في الحقيقة
بمنزلة انعدام بعض الافراد أو الأصناف بموت ونحوه، فكما ان خروج من مات منها لا يوجب تعنون الافراد الباقية بعنوان وجودي أو
سلبي بل كانت الافراد الباقية على ما هي عليها قبل خروج من خرج بالموت من كونها تمام الموضوع للحكم، كذلك أيضا في التخصيص
فلا يوجب ذلك أيضا احداث عنوان سلبي أو إيجابي في الافراد الباقية ولا تغيرا فيها في موضوعيتها للحكم بالانقلاب عن كونها تمام
الموضوع إلى جزئه، ومجرد اختصاص حكم العام حينئذ في قوله: أكرم العلماء، بعد التخصيص، بغير دائرة الخاص من بقية الافراد أو
الأصناف لا يكون من جهة تعنون الافراد الباقية بعنوان خاص في مقام موضوعيتها للحكم، بل وانما ذلك من جهة ما في نفس الحكم من
القصور الناشئ من جهة تضيق دائرة الغرض والمصلحة عن الشمول ثبوتا لغير الافراد الباقية، وهذا بخلافه في باب التقييد والاشتراط،
حيث إن قضية التقييد بشي تعنون موضوع الحكم بوصف وجودي أم عدمي غير حاصل قبل توصيفه به، كما في قوله: أكرم العالم وقوله
أعتق الرقبة، حيث إنه بورود دليل
519

التقييد بكونها مؤمنة ينقلب الذات عن كونها تمام الموضوع إلى جز الموضوع، فيصير الموضوع عبارة عن الرقبة المقيدة بالايمان،
بنحو خروج القيد ودخول التقيد.
وبالجملة فرق واضح بين باب التخصيص والتقييد حيث إنه في الأول لا يكاد يكون قضية التخصيص الا مجرد إخراج بعض الافراد أو
الأصناف عن دائرة موضوع العام الموجب لحصر لحكم العام ببقية الافراد أو الأصناف من دون اقتضائه لتغيير في ناحية الافراد الباقية
في مقام موضوعيتها للحكم، بخلاف الثاني حيث إن شأن دليل التقييد والاشتراط انما هو توصيف الموضوع بوصف خاص وجودي أم
عدمي، وبذلك يوجب إخراجه عما عليه قبل التقييد من التمامية في الموضوع إلى جزئه، وعليه فنقول بأنه لا مجال بعد هذا الفرق
لمقايسة أحد البابين بالآخر بوجه أصلا.
ثم إنه مما يشهد لما ذكرنا من الفرق بين البابين إطباقهم على عدم جواز التمسك بدليل المطلق في موارد الشك في مصداق القيد،
كالشك في طهارة الماء وإطلاقه، حيث لم يتوهم أحد جواز التمسك حينئذ بالاطلاق ما دل على جواز التوضي بالماء لاثبات جواز
الوضوء بما شك في طهارته أو إطلاقه، بخلاف موارد الشك في مصداق المخصص في العام، حيث إن فيها خلافا بين الاعلام بل المشهور
من القدماء كما قيل على جواز التمسك بالعام. ومن المعلوم انه لا يكون الوجه في ذلك الا ما أشرنا إليه من الفرق بين البابين، والا فلو
كان مرجع التخصيص أيضا كالتقييد إلى احداث عنوان سلبي أو إيجابي في ناحية الافراد الباقية تحت العام لما كان وجه لاختلافهم في
جواز الرجوع إلى العام في المقام مع إطباقهم على عدم جواز الرجوع إلى دليل المطلق عند الشك في مصداق القيد، كما لا يخفى.
ثم إن هذا كله في بيان الفرق بين كبرى البابين بحسب مقام الثبوت. واما بحسب مقام الاثبات واستظهار انه أي مورد من باب
التخصيص وأي مورد من باب التقييد والاشتراط فلا بد في استفادة أحد الامرين من المراجعة إلى كيفية السنة الأدلة. وفي مثله نقول:
بان ما كان منها بلسان الاستثناء كقوله: أكرم العلماء الا زيدا، فلا إشكال في أنه من باب التخصيص حيث إنه لا يستفاد من نحو هذا
اللسان أزيد من تكفله لاخراج زيد عن العموم المزبور وحصر حكم العام بما عدا زيد من الافراد الاخر، كما أن ما كان منها بلسان
الاشتراط كقوله: يشترط ان يكون كذا وان لا يكون كذا، أو بلسان نفى الحقيقة عند فقدان أمر كذائي كقوله: لا صلاة الا بطهور ولا
رهن الا مقبوضا، فلا إشكال أيضا
520

في كونها من باب التقييد، واما ما كان منها بلسان لا تكرم الفساق من العلماء أو لا يجب إكرام الفساق منهم كما هو الغالب في
التخصيصات بالمنفصل فهو قابل لكلا الامرين حيث يصلح لان يكون من باب التقييد، فيقيد به العنوان المأخوذ في العام في قوله: أكرم
العلماء، بكونهم عادلين أو غير فاسقين، كصلاحيته أيضا لان يكون من باب التخصيص الغير الموجب الا لحصر الحكم في قوله: أكرم
العلماء، بما عدا الفساق من الافراد الاخر، من دون اقتضائه لتعنون الافراد الباقية بكونهم عادلين أو غير فاسقين، وان كانوا في الواقع
ملازمين مع العدالة قهرا، وحينئذ فقد يقال في مثله بدوران الامر بين رفع اليد عن أحد الظهورين اما ظهور عنوان الموضوع في
الاطلاق واما ظهور العام في العموم، وان المتعين في مثله هو رفع اليد عن ظهوره في الاطلاق مع الاخذ بظهوره في العموم بالنسبة إلى
كل فرد من افراد العالم، ولا أقل من تصادم الظهورين، فتكون النتيجة حينئذ كالتقييد في عدم جواز التمسك بالعام عند الشك في
مصداق المخصص. ولكنه مدفوع بمنع الدوران بينهما، فإنه بعد القطع بخروج افراد الفساق عن دائرة حكم العام، وهو وجوب الاكرام،
اما رأسا على التخصيص واما من جهة انتفاء القيد على التقييد، فلا جرم لا يترتب أثر عملي على أصالة العموم بالنسبة إليهم، حتى يجري
العموم بلحاظه، ومعه فلا مجرى لأصالة العموم بالنسبة إلى كل فرد من العلماء حتى الفساق منهم، وحينئذ فمع عدم جريان أصالة العموم
وسقوطها عن الحجية فقهرا تبقى أصالة الاطلاق فيه بلا معارض، ونتيجة ذلك قهرا هو التخصيص لا غير، كما هو واضح، وعلى كل حال
فبعد ما اتضح وجه الفرق بين باب التخصيص وبين باب التقييد والاشتراط بحسب الكبرى، وكون التخصيص من قبيل انعدام بعض
الافراد أو الأصناف بموت ونحوه في عدم اقتضائه لاحداث عنوان سلبي أو إيجابي في ناحية الافراد الباقية لكي ينقلب عن كونها تمام
الموضوع للحكم إلى جزئه، ظهر لك عدم صحة ما أفيد من التقريب المزبور في وجه عدم جواز التمسك بالعام في المشتبه كونه من
افراد المخصص ومصاديقه، من دعوى عدم الجزم بانطباق عنوان الموضوع بعد تقييده على المورد، نظرا إلى الشك الوجداني حينئذ في
جزئه الاخر وعدم صلاحية أصالة العموم لاحراز ذلك الجز المشكوك، إذ نقول بان هذا التقريب يتم في فرض ان يكون التخصيص
أيضا كالتقييد موجبا لتعنون عنوان العام بأمر وجودي أو عدمي، وإلا فعلى ما عرفت من الفرق
521

بين البابين لا يكاد مجال لهذا الاشكال أصلا، حيث إنه بعد عدم انقلاب عنوان العام عن كونه تمام الموضوع للحكم إلى جز الموضوع
فلا جرم يكون أصل تطبيق العنوان على المورد عند الشك جزميا، وفي مثله يتجه الاستدلال المزبور للقول بالجواز، بتقريب انه بعد
الجزم بانطباق عنوان العام على المورد واحتمال مطابقة ظهوره للواقع في الزائد عن الافراد المعلومة الفسق، ولو من جهة احتمال
كونهم عدولا، يشمله دليل التعبد بالظهور الامر بإلغاء احتمال الخلاف، فان المدار في التعبد بالظهور انما هو على مجرد احتمال مطابقة
الظهور للواقع، وحينئذ فكما انه عند احتمال مطابقة الظهور للواقع في زيد العالم المشكوك فسقه وعدالته من جهة الشبهة الحكمية و
احتمال خروج الفساق الداخل فيهم زيد على تقدير فسقه عن تحت حكم العام لأجل مخصص خارجي لا يعلمه المكلف تجري أصالة
الظهور، وبمقتضاها يحكم بوجوب إكرام زيد المشكوك فسقه وعدالته، كذلك الامر فيما لو كان احتمال مطابقة الظهور للواقع من
جهة الشبهة المصداقية واحتمال كون المشتبه عادلا في الواقع، فإنه في مثله أيضا يشمله دليل التعبد بالظهور الامر بإلغاء احتمال
الخلاف.
نعم في المقام بالنسبة إلى الشبهة الحكمية لما قام حجة أقوى على الخلاف يرفع اليد عن حجية ظهوره، واما بالنسبة إلى الشبهة
المصداقية فحيث انه لم يعلم بمخالفة ظهوره للواقع من جهة احتمال كون المشتبه عدلا ولم تقم حجة أيضا على الخلاف من جهة فرض
الشك في انطباق دليل الخاص على المورد فيؤخذ بظهوره ويحكم عليه بحكمه.
واما توهم اختصاص حجية الظهور بما لو كان الشك في مخالفة الظهور للواقع من جهة الشبهة الحكمية دون الشبهة الموضوعية، بدعوى
ان الرجوع إلى أصالة الظهور انما هو في الشبهات التي كان رفعها وإزالتها من شأن المتكلم دون غيرها مما ليس من شأن المتكلم
إزالتها، وبذلك ينحصر حجية الظهور في موارد الشبهات الحكمية، لأنها هي التي كان إزالة الشبهة فيها من وظائف المتكلم، ولا تعم
الشبهات المصداقية، نظرا إلى عدم كون مثل هذه الشكوك مما إزالتها من شأن المتكلم حتى يصح الرجوع إلى الظهور في رفع الشبهة
فيها، فمدفوع بأنه وإن كان الامر كذلك بالنسبة إلى كل شبهة شخصية على التفصيل، ولكنه لا مانع من جعل أمارة كلية لتميز الموارد و
تشخيص حكم الصغريات، فان ذلك أيضا من شأن الشارع ووظائفه، كما في موارد اليد والبينة والسوق وغيرها.
وبالجملة نقول بان ما أفيد من عدم كون إزالة الشبهة في الصغريات
522

من شأن الشارع ووظائفه، ان أريد ذلك بالنسبة إلى كل شبهة شخصية بنحو التفصيل فهو مسلم ولكنه لا ينتج المطلوب من سقوط
أصالة الظهور عن الحجية في الشبهات المصداقية، من جهة عدم كون أصالة الظهور من هذا القبيل، وانما هي من قبيل جعل أمارة كلية
لتشخيص الصغريات وان أريد به خروج الشبهات الموضوعية كلية على الاطلاق عن موارد التمسك بالظهور، بدعوى عدم كون إزالة
الاشتباه فيها من شأن الشارع ووظائفه على الاطلاق، ولو بنصب أمارة كلية عليها للمكلف لكي يرجع إليها عند جهله وتحيره فهو
ممنوع جدا بشهادة جعل البينة واليد والسوق ونحوها حجة عند اشتباه الموارد في الموضوعات، وعليه نقول:
بان من الامارات الكلية أيضا لتميز الوارد وتشخيص حكم الصغريات عند الجهل والاشتباه أصالة العموم، فمتى تحتمل مطابقتها للواقع
ولو من جهة الشبهة في المصداق، ولم تقم حجة أقوى على خلافها يجب التعبد بظهوره و إلغاء احتمال الخلاف، هذا.
ولكن مع ذلك فالتحقيق في المقام هو عدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية، إذ نقول: بان ما ذكر من التقريب المزبور
للجواز مبنى على أن يكون مدار الحجية في الظهورات على الدلالة التصورية المحضة التي هي عبارة عن مجرد تبادر المعنى وانسباقه
إلى الذهن من اللفظ عند سماعه الناشئ من جهة العلم بالوضع المجامعة مع القطع بعدم كون المتكلم في مقام الإفادة والجد بالمراد
أيضا، كما في الألفاظ الصادرة عن الساهي والنائم، حيث إنه مع القطع بعدم كون اللافظ في مقام الإفادة والجد بالمراد يتبادر المعنى و
ينسبق إلى الذهن بمجرد سماع اللفظ، فعلى هذا المسلك يتجه التقريب المزبور للجواز من جهة تحقق موضوع الحجية وهو الظهور
التصوري مع احتمال المطابقة للواقع، وإلا فعلى ما هو التحقيق من كون مدار الحجية في أصالة الظهور على الدلالة التصديقية والكشف
النوعي عن المراد فلا يكون مجال لدعوى حجية أصالة العموم و الظهور الا في موارد الشبهات الحكمية الناشئة من جهة احتمال مخالفة
الظهور للواقع من جهة الشك في أصل التخصيص وأصل القرينية، والوجه فيه واضح بعد معلومية تبعية حصول التصديق بالمراد من
اللفظ قطعا أو ظنا لاحراز كون المتكلم بكلامه في مقام الإفادة ومقام الجد بالمرام المتوقف ذلك على التفاته بجهات مرامه و
خصوصياته، إذ حينئذ يختص حصول التصديق النوعي بالمراد من اللفظ بما إذا كان هناك غلبة نوعية على التفات المتكلم
523

بجهات مرامه وخصوصياته، فيختص ذلك حينئذ بخصوص ما لو كان الشك في مخالفة الظهور للواقع من جهة الشبهة في الحكم الراجعة
إلى الشك في التوسعة وتضييق دائرة مراد المتكلم. واما فيما عدا ذلك من موارد كون الشك في المخالفة من جهة الشك في مصداق
المخصص فحيثما لا يكون هناك غلبة نوعية فيها على التفاوت المتكلم، بل ربما كان الامر بالعكس من حيث كون الغالب هو غفلة
المتكلم وجهله بالحال، بشهادة ما نرى من وقوع التردد والاشتباه كثيرا للمتكلم في تطبيق مرامه على الصغريات، فلا يكاد حصول
التصديق النوعي بالمراد حتى يكون مشمولا لدليل التعبد، فتكون نتيجته جواز الرجوع إلى العام في الشبهات المصداقية للمخصص، بل
ولو قلنا بان مدار الحجية في الظهورات على الظهور الفعلي والدلالة التصديقية الفعلية كان الامر في عدم جواز التمسك بأصالة العموم
عند الشك في مصداق المخصص أظهر، من جهة وضوح انتفاء الدلالة والتصديق الفعلي بالمراد مع تلك الغلبة النوعية على غفلة المتكلم و
عدم التفاته في مقام التطبيق على الصغريات، وإن كان أصل المبنى مما يبعد الالتزام به، من جهة ما يلزمه من عدم حجية الظهورات في
موارد قيام الظن الفعلي الغير المعتبر على الخلاف، وهو مما لا يمكن الالتزام به.
وحينئذ فلا بد من تنقيح هذه الجهة بان حجية أصالة العموم ونحوها هل هي من باب الظهور التصوري المساوق لتبادر المعنى من اللفظ
وانسباقه إلى الذهن المجامع ولو مع الجزم بعدم كون المتكلم في مقام الإفادة ومقام الجد بالمراد الواقعي، أو انه من باب الظهور
التصديقي المفيد للظن بالمراد ولو نوعا وان لم يفده فعلا لمانع خارجي؟ وذلك بعد القطع بعدم كونه من جهة التعبد المحض، بشهادة
بنائهم على عدم حجية الظهورات مع الاتصال بما يصلح للقرينية، بل ولا من باب الظن الفعلي بالمراد كما عليه بعضهم، بشهادة ما عرفت
من بنائهم على عدم إضرار قيام الظن الغير المعتبر على الخلاف.
فعلى الأول من كون مدار الحجية على الظهور التصوري المساوق لانسباق المعنى إلى الذهن، فلا محيص كما عرفت من القول بجواز
التمسك بالعام فيما شك كونه من افراد المخصص ومصاديقه، نظرا إلى وجود المقتضى حينئذ للحجية وعدم المانع عنها، حيث إنه بعد
انطباق عنوان العام على المورد وعدم قيام حجة على الخلاف، نظرا إلى فرض عدم حجية الخاص بالنسبة إليه بلحاظ الشك في انطباق
عنوانه عليه، فلا جرم
524

يشمله دليل التعبد بالظهور الامر بإلغاء احتمال الخلاف، من غير فرق في ذلك بين كون المخصص لفظيا أو لبيا.
واما على الثاني: فلازمه كما عرفت هو المصير إلى عدم الجواز من جهة ما عرفت من اختصاص هذا المعنى - أي إفادة الظهور للتصديق
النوعي بالمراد - بما إذا كان هناك غلبة نوعية على التفات المتكلم وعدم غفلته عن جهات مرامه الملازم ذلك للاختصاص بما إذا كان
الشك في مخالفة الظهور للواقع من جهة الشبهة الحكمية الراجع إلى الشك في التوسعة والتضييق في دائرة المراد الواقعي في كبرى
الحكم، دون ما لو كان الشك في المخالفة والمطابقة من جهة الشبهة الموضوعية الراجعة إلى الشك في تطبيق الكبرى وما هو المراد
الواقعي على المصاديق والصغريات، وذلك من جهة انتفاء تلك الغلبة النوعية في هذا المقام، لوضوح انه لا غلبة نوعية على التفات
المتكلم بتطبيق مرامه على المصاديق والصغريات لولا دعوى كون الغلبة بالعكس، على ما نرى ونشاهد بالوجدان من غفلة المتكلم و
جهله وتردده كثيرا في تطبيق ما هو المرام على المصاديق والصغريات، إذ حينئذ لا يكون مجال لدعوى جواز الاخذ بأصالة العموم فيما
شك كونه من افراد المخصص ومصاديقه، حيث إنه لا يكون للفظ ظهور تصديقي ودلالة تصديقية ولو نوعية بالنسبة إلى الصغريات و
مقام التطبيق على المصاديق، حتى يشمله دليل التعبد من هذه الجهة، ففي الحقيقة عدم حجية أصالة العموم فيما شك كونه من افراد
المخصص كان من جهة عدم المقتضى للتعبد، وهو الظهور التصديقي، لا من جهة وجود المانع، حتى يدفع بان دليل المخصص لما كان
تطبيقه على المورد مشكوكا لا يكون له صلاحية للمانعية عن التمسك بالعموم، ولئن شئت قلت بان عدم جواز التمسك بالعام في
الشبهات المصداقية انما هو من جهة الشك في انطباق عنوان العام بما هو حجة على المورد، حيث إنه بعد اقتضاء الدليل المخرج لقصر
حكم العام في قوله: أكرم العلماء، على ما عدا الفساق مثلا، فقهرا عند الشك في كون المورد من مصاديق الفساق الخارج عن دائرة
موضوع حكم العام يشك في انطباق ما هو المراد الواقعي على المورد، وفي مثله لا يبقى مجال لتوهم جواز الرجوع إلى العام في
المشتبه كما هو واضح، وحيث إن التحقيق في المسألة - كما حقق في محله - هو الثاني من كون مدار الحجية في الظهورات على الدلالة
التصديقية لا الدلالة التصورية المساوقة لانسباق المعنى إلى
525

الذهن، فلا جرم كان الأقوى هو عدم جواز التمسك بالعام فيما شك في كونه من افراد المخصص ومصاديقه، بل وكذلك الامر فيما لو
شك في ذلك ولم يحرز من طريقة العقلا ان مدار الحجية على الظهور التصوري أو الظهور التصديقي، حيث إنه بعد ما لم يكن في البين
إطلاق لفظي، نظرا إلى كون الدليل عليه هو السيرة وبناء العقلا، فلا بد من الاخذ بما هو الأخص وهو الدلالة التصديقية المعبر عنها
بالظهور النوعي، من جهة كونه هو القدر المتيقن من بناء العقلا على الاخذ بالظهورات، ومقتضاه كما عرفت هو لزوم المصير إلى عدم
جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية، من غير فرق في ذلك بين كون المخصص لفظيا أم لبيا، لان مناط عدم الجواز انما هو
انتفاء الدلالة التصديقية، وعليه لا يفرق بين كون الخاص لفظيا أم لبيا، كما أنه على المسلك الأول في حجية أصالة الظهور أيضا لا يفرق
بين لفظية المخصص ولبيته، من جهة ما عرفت من جواز التمسك بالعام على هذا المسلك ولو مع كون المخصص لفظيا. وحينئذ
فالتفصيل بين فرض كون المخصص لفظيا وبين كونه لبيا - كما عن بعض - ساقط على كل حال. بل اللازم على المسلك الأول في حجية
أصالة الظهور هو المصير إلى الجواز مطلقا حتى في المخصص اللفظي، كما أن اللازم على المسلك الثاني هو المصير إلى عدم الجواز
كذلك حتى في المخصص اللبي.
ثم إنه مما ذكرنا ظهر أيضا عدم صحة التشبث بقاعدة المقتضى والمانع لاثبات حكم العام في المشكوك، بتقريب ان العام المنفصل عنه
المخصص من جهة ظهوره واستقرار دلالته النوعية على المراد كان فيه اقتضاء الحجية وان الخاص المنفصل انما كان يزاحم حجيته في
مقدار دلالته لا أصل ظهوره وحينئذ فعند الشك في فرد في كونه من مصاديق الخاص وعدمه يؤل إلى الشك في وجود المزاحم وعدمه
مع القطع بوجود المقتضى للحجية، وهو الظهور، وفي مثله لا بد بحكم العقل من الجري على طبق المقتضى إلى أن يظهر الخلاف، كما
كان هو الشأن أيضا في كل واجب احتمل مزاحمته مع أهم منه كالصلاة والإزالة مثلا، فكما انه هناك لا يعتنى باحتمال وجود المزاحم بل
يجري على طبق المهم ويحكم بوجوب الاتيان به كذلك في المقام أيضا، ففي المقام أيضا كان المقتضى للحجية وهو الظهور والدلالة
النوعية متحققا وانما الشك في وجود المزاحم بالنسبة إلى المشكوك، فلا بد من الجري على طبق المقتضى والحكم على المشكوك بحكم
526

العام إلى أن ينكشف الخلاف، حيث لا فرق بين المقامين، غير أن المزاحمة هناك كانت في الحكم الفرعي وفي المقام في الحكم الأصولي
وفي مرحلة الحجية.
وجه الفساد يظهر مما عرفت من المسلكين في وجه حجية أصالة الظهور، إذ نقول: بأنه على المسلك الأول من كفاية مجرد الظهور
التصوري في التعبد والحجية فان المقتضى للحجية وهو الظهور وإن كان متحققا، ولكنه بعد عدم حجية الخاص في المشكوك من جهة
الشك في انطباق عنوانه عليه يقطع بعدم المزاحم له، ومع القطع بعدم المزاحم لا يكاد ينتهى النوبة إلى القاعدة المزبورة بوجه أصلا،
كما لا يخفى. واما على المسلك الثاني من عدم كفاية مجرد الظهور التصوري في التعبد والحجية واحتياجها إلى الظهور التصديقي و
لو نوعا فلا تحقق للمقتضى حينئذ حتى ينتهى الامر إلى القاعدة، من جهة ما عرفت من أنه لا يكون حينئذ للعام ظهور ودلالة تصديقية
بالنسبة إلى مقام التطبيق على المصاديق والصغريات حتى يشملها دليل التعبد والحجية، فعلى كل من المسلكين لا مجال للقاعدة
المزبورة بوجه أصلا، كما لا يخفى.
تنبيه
لا يخفى عليك ان المرجع بعد سقوط العام عن الحجية فيما شك كونه من مصاديق الخاص لفظيا أو لبيا انما هو الأصول العملية وحينئذ
لو كان هناك أصل حكمي من استصحاب وجوب أو حرمة ونحوه فلا إشكال، واما الأصل الموضوعي فيبتني جريانه على ما تقدم من
المسلكين في التخصيصات من أن قضية التخصيص هل هي كالتقييد في اقتضائه لاحداث عنوان إيجابي أو سلبي في الافراد الباقية بعد
التخصيص الموجب لتقيد موضوع الحكم في نحو قوله: أكرم كل عالم، بالعالم العادل أو العالم الغير الفاسق، أم لا؟ بل وان قضيته مجرد
إخراج بعض الافراد أو الأصناف عن تحت حكم العام الموجب لقصر حكم العام ببقية الافراد أو الأصناف من دون اقتضائه لاحداث عنوان
إيجابي أو سلبي في موضوع حكم العام في الافراد أو الأصناف الباقية، وان فرض ملازمة تلك الافراد الباقية بعد خروج الفساق مثلا من
باب الاتفاق مع العدالة أو عدم الفسق.
فعلى المسلك الأول لا بأس بجريان الأصل الموضوعي في المشتبه حيث يحرز به كونه من افراد العام، فيحكم عليه بحكمه بعد إحراز
جزئه الاخر وهو العالمية بالوجدان، نظير
527

سائر الموضوعات المركبة التي يحرز بعضها بالأصل وبعضها بالوجدان، ففي المقام أيضا إذا جرى استصحاب العدالة أو عدم الفسق
في الفرد المشكوك فبانضمام الاحراز الوجداني للجز الاخر وهو العالمية يحرز ما هو موضوع حكم العام وهو العالم العادل أو العالم
الذي لم يكن فاسقا فيحكم عليه بحكمه.
واما على المسلك الثاني الذي هو المختار فلا مجال لجريان الأصل الموضوعي المزبور من جهة عدم ترتب أثر شرعي عليه حينئذ فإنه
على هذا المسلك لا يكون لمثل هذه العناوين دخل في موضوع الحكم والأثر ولو على نحو القيدية حتى يجري فيها استصحابها، بل و
انما موضوع الأثر حينئذ عبارة عن ذوات تلك الافراد الباقية بخصوصياتها الذاتية من دون طرو لون عليها من قبل دليل المخصص،
غاية الأمر هو اقتضاء خروج افراد الفساق مثلا لملازمة الافراد الباقية بعد التخصيص عقلا مع العدالة أو عدم الفسق، ومن المعلوم في
مثله حينئذ عدم إجراء قضية استصحاب العدالة أو عدم الفسق للمشكوك لاثبات كونه من الافراد الباقية الملازمة مع عدم الفسق، إلا على
القول بالمثبت، وحينئذ فعلى هذا المسلك لا بد من الرجوع في المشكوك إلى الأصول الحكمية الجارية فيه من استصحاب وجوب أو
حرمة أو غيرهما، وإلا فلا مجال للتشبث بالأصول الموضوعية لاندراج المشكوك فيه في موضوع العام والحكم عليه بحكمه نعم لو كان
مفاد الدليل الخاص نقيضا لحكم العام كما لو كان مفاد العام وجوب إكرام العلماء وكان مفاد الخاص عدم وجوب إكرام الفساق من
العلماء ففي مثله أمكن إثبات وجوب الاكرام الذي هو حكم العالم بمقتضى استصحاب عدم الفسق، من جهة انه باستصحابه يترتب عليه
نقيض اللا وجوب الذي هو عبارة عن وجوب الاكرام. وهذا بخلافه في فرض كون مفاد الخاص عبارة عن حرمة الاكرام التي هي ضد
لحكم العام، حيث إنه في مثله لا يكاد يمكن إثبات وجوب الاكرام باستصحاب العدالة أو عدم الفسق لان غاية ما يقتضيه الأصل المزبور
حينئذ انما هو عدم حرمة إكرام الفرد المشكوك لا وجوب إكرامه الا على النحو المثبت كما هو واضح.
بقي الكلام في جواز التمسك بعموم العام لاخراج ما شك في كونه من مصاديق العام
عن تحت العام مع القطع بخروجه عن حكمه وعدم جوازه واختصاصه بما لو كان الشك في خروج فرد عن حكم العام بعد القطع
بفرديته له، حيث إن فيه خلافا بين الاعلام،
528

ولكن التحقيق هو عدم الجواز، نظرا إلى أنه لا يكون لنا دليل لفظي على الحجية حتى يصح الاخذ بإطلاقه في مثل المقام، حيث إن العمدة
في الباب انما هي السيرة وبناء العقلا، وبعد عدم العلم باستقرار بنائهم على حجية أصالة العموم في مثل المقام لا بد من الاقتصار على
ما هو المتيقن منها، وهو لا يكون الا في موارد الشك في خروج ما هو من افراد العام ومصاديقه قطعا عن حكم العام، ومن العجب ان
صاحب الكفاية (قدس سره) - مع اشكاله في المقام () ومنعه عن جواز التمسك بالعام فيما شك في كونه من افراد العام بمنع قيام
السيرة على التمسك بأصالة العموم مطلقا - تمسك به في مسألة الصحيح والأعم () حيث استدل لاثبات الوضع لخصوص الصحيح بعموم
الأدلة المثبتة للآثار من نحو قوله عليه السلام: الصلاة معراج المؤمن، وانها قربان كل تقي، وانها تنهى عن الفحشاء والمنكر، بتقريب
دلالتها بعكس النقيض على أن كل ما لا يكون معراج المؤمن وناهيا عن الفحشاء والمنكر فليس بصلاة، فراجع. وعلى كل حال فالتحقيق
في المسألة كما عرفت هو ما أفاده (قدس سره) في المقام من عدم الحجية الا في موارد الشك في الخروج عن العام حكما مع اليقين
بدخوله فيه موضوعا.
الجهة الرابعة
لا إشكال في عدم الاخذ بأصالة العموم والاطلاق الا بعد الفحص التام عن المخصص والمقيد واليأس عن الظفر بهما والوجه في ذلك
امران: أحدهما: وهو العمدة حيث المعرضية للتخصيص، كما هو كذلك في العمومات الواردة في الكتاب والسنة، فإنه لا بد حينئذ في كل
عام من الفحص التام عن مخصصاته بحيث يخرج المورد عن المعرضية للتخصيص وتطمئن النفس بأنه غير مخصص، بل ذلك غير
مختص بباب العمومات والمطلقات فيجري في كل ظاهر كان في معرض إرادة خلافه بإقامة القرينة على الخلاف، كما في الظواهر
الصادرة عن المعصومين عليهم السلام، ففيها أيضا لا بد من الفحص التام
529

عن القرينة بمقدار يخرج المورد عن المعرضية لإرادة الخلاف، والا فقبل الفحص لا يجوز الاخذ بها، لعدم قيام السيرة على الحجية
حينئذ قبل الخروج عن المعرضية، ولدليل (هلا تعلمت)؟ () المقتضى لعدم معذورية المكلف التارك للفحص.
وثانيهما: من جهة العلم الاجمالي بتقريب انه يعلم إجمالا بورود مخصصات كثيرة فيما بأيدينا من الاخبار لهذه العمومات الواردة في
الكتاب والسنة، فيجب الفحص حينئذ عن مخصصات تلك العمومات بمقتضى العلم الاجمالي المزبور. ولكن يرد عليه ان لازم ذلك هو
جواز الرجوع إلى العمومات الباقية بعد الظفر بمقدار يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليه نظرا إلى صيرورة الشك في البقية حينئذ
بدويا، كما أن لازمه أيضا في فرض عدم الظفر بمقدار المعلوم بالاجمال هو عدم جواز الاخذ بالعمومات ولو بعد الفحص التام عن
مخصصاتها من جهة بقاء المانع وهو العلم الاجمالي حينئذ على حاله، مع أنهما كما ترى لا يكاد يلتزمون بشي منهما، فان ظاهرهم هو
وجوب الفحص عن المخصص بالنسبة إلى كل واحد من العمومات، مع تخصيص المنع عن الاخذ بالعمومات بما قبل الفحص عن
المخصص، وحينئذ فالأولى في التشبث بهذا التقريب لاثبات المدعى وهو وجوب الفحص والمنع عن الاخذ بالعمومات الا بعد الفحص
التام عن مخصصاتها هو تقييد العلم الاجمالي المزبور بقيد خاص وهو كون المخصص المعلوم بالاجمال على نحو لو تفحصنا عنه
لظفرنا به، بدعوى ان العلم الاجمالي وإن كان بمخصصات كثيرة لتلك العمومات فيما بأيدينا من الاخبار، ولكنه لا على نحو الاطلاق بل
على نحو لو تفحصنا عنها بالمقدار المتعارف فيما بأيدينا من كتب الاخبار لظفرنا بها، فإنه على هذا التقريب يتم المدعى ويسلم عن
الاشكال المزبور، من جهة ان عدم الظفر بالمخصص على هذا التقريب بالفحص يكشف عن خروج العام المتفحص عنه من الأول عن
الطرفية للعلم الاجمالي، وحينئذ فلا بد على هذا التقريب أولا من الفحص التام عن المخصص بالنسبة إلى كل واحد من العمومات حتى
يظفر بالمخصص أو يخرج بواسطة الفحص وعدم الظفر عن الطرفية للعلم الاجمالي، هكذا أفاده الأستاذ دام ظله في بحثه.
ولكن أقول: بأنه غير خفي عدم إجراء مثل هذا التقريب أيضا لدفع الاشكال الأول
530

وهو لزوم جواز الاخذ ببقية العمومات بلا فحص مع الظفر بمقدار المعلوم بالاجمال من المخصصات، وذلك من جهة وضوح ان المعلوم
بالاجمال بعد ما كان محدودا كمه ومقداره بالضرورة بحد خاص لا يتجاوز عنه كما في كلية الأقل والأكثر، فلا جرم الظفر بذلك
المقدار يوجب قهرا ارتفاع العلم الاجمالي من البين وصيرورة الشك في الزائد بدويا، ومعه يلزم جواز الاخذ ببقية العمومات بلا فحص،
نعم انما يجدى هذا التقريب لدفع الاشكال الثاني وهو لزوم عدم جواز الاخذ بالعمومات ولو بعد الفحص عند عدم الظفر بمقدار
المعلوم بالاجمال، والا فهو غير دافع للاشكال الأول، وحينئذ فالعمدة في إثبات وجوب الفحص على الاطلاق والمنع عن الرجوع إلى
أصالة العموم الا بعد الفحص التام هو الوجه الأول وهو المعرضية للتخصيص.
ثم إن هذا كله في أصل وجوب الفحص، واما لمقدار اللازم منه فهو على الوجه الأول كما عرفت بمقدار يخرج المورد عن المعرضية بحيث
تطمئن النفس بأنه غير مخصص، والظاهر هو تحقق الوثوق بالخروج عن المعرضية بالفحص عن المخصص بالمقدار المتعارف فيما
بأيدينا من الكتب، حيث إنه بهذا المقدار من الفحص يحصل الوثوق بل العلم العادي بأنه غير مخصص، كما أن مقداره على مسلك مانعية
العلم الاجمالي أيضا هو الفحص بالمقدار المتعارف عما هو من دائرة العلم المزبور من كتب الاخبار، فإنه بهذا المقدار من الفحص يحصل
الوثوق والعلم العادي بخروجه عن الطرفية للعلم الاجمالي، فيجوز الاخذ معه حينئذ بأصالة العموم، من دون احتياج إلى تحصيل القطع
بالخروج عن الطرفية للعلم الاجمالي فتدبر.
الجهة الخامسة
في أنه هل الخطابات الشفاهية تختص بالحاضرين المشافهين أو انها تعم الغائبين بل المعدومين أيضا؟ فيه خلاف بين الاعلام، وتنقيح
المرام في المقام هو ان الخطابات الواردة في الكتاب والسنة على أنحاء:
منها: ما كان من قبيل: قوله: يجب على الحاضر كذا وعلى المسافر كذا وعلى المستطيع كذا ونحو ذلك مما كان المخاطبة بنفس
المواجهة من دون توسيط أداة خطاب في البين.
531

ومنها: ما كان من قبيل قوله: يا أيها الناس ويا أيها الذين آمنوا ونحو ذلك، مما كان الخطاب بأداة النداء وكان موضوع الخطاب
عنوانا عاما قابلا للانطباق على الموجود والمعدوم.
ومنها: ما كان من قبيل قوله: يجب عليكم كذا وقوله: كتب عليكم الصيام ونحو ذلك، مما كان التخاطب بأداة الخطاب وكان المكلف
بالتكليف نفس المخاطب.
اما القسم الأول منها
فلا ينبغي الاشكال في شمولها للغائبين بل المعدومين، بل الظاهر هو خروج مثل هذا القسم عن حريم النزاع وعن مورد النفي و
الاثبات بينهم، كيف وانه لا وجه لتوهم اختصاص مثل هذا القسم من الخطابات بخصوص المشافهين وعدم شموله للغائبين والمعدومين
بعد عموم العنوان وعدم ما يوجب الاختصاص بالحاضرين، ومن ذلك ترى انه قد يكون المكلف والمقصود بالخطاب غير المخاطب
في مجلس الخطاب، كما في قولك لمن حضرك من الرجال: يجب على النساء كذا.
واما الاشكال في أصل شمول التكاليف المستفادة من الخطابات للمعدومين في زمن الخطاب، نظرا إلى لا بدية وجود المكلف عقلا في
صحة توجيه التكليف إليه، فمدفوع بأنه كذلك في التكاليف الفعلية المستتبعة للبعث والزجر، فإنها هي التي يحكم العقل باستحالة
توجيهها نحو المعدوم فعلا، واما الغير البالغة إلى تلك المرتبة فلا محذور فيها، ضرورة انه لا مانع من توجيه التكليف على وفق ما
تقتضيه الحكمة والمصلحة قانونا نحو الموجود والمعدوم حين الخطاب، ليصير فعليا منجزا عند اجتماع الشرائط وفقد الموانع، كقوله:
يجب على المستطيع كذا وعلى المسافر كذا، كما هو واضح.
واما القسم الثالث
فالظاهر أنه لا إشكال أيضا في خروجه عن محل النزاع، وعدم شموله الا لخصوص الموجودين الحاضرين حال الخطاب، وذلك من جهة
وضوح ان الخطاب الحقيقي يستدعى وجود المخاطب فعلا، لعدم صحة المخاطبة مع غير الموجود حال الخطاب بل ومع الغائب عن
مجلس الخطاب أيضا، وحينئذ فإذا فرضنا ان المكلف هو المخاطب بالخطاب، فقهرا يلازم ذلك اختصاص التكليف الذي هو مضمون
الخطاب أيضا بخصوص الحاضرين وعدم شموله للغائبين، فضلا عن المعدومين حال الخطاب، واما توهم انه في الخطاب الحقيقي يكفي
وجود المخاطب ولو ادعاء ولا يعتبر فيه وجود المخاطب حقيقة، فمدفوع بأنه في الموجود الادعائي لا يكون الخطاب أيضا إلا ادعائيا،
من جهة ما
532

عرفت من عدم صحة الخطاب الحقيقي بقصد التفهيم الا إلى الموجود الحقيقي، كما هو واضح.
وحينئذ فينحصر محل النزاع ومورد النفي والاثبات بالقسم الثاني
الذي يكون موضوع الخطاب فيه من العناوين العامة القابلة للانطباق على الموجود والمعدوم حين الخطاب، كقوله: يا أيها الناس ويا
أيها الذين آمنوا، حيث إن مقتضى عموم المتلو هو الشمول للغائبين والمعدومين أيضا كما أن مقتضى ظهور الأداة في الخطاب الحقيقي
هو الاختصاص بخصوص الحاضرين المشافهين، فيدور الامر حينئذ بين الاخذ بظهور الأداة في الخطاب الحقيقي وتخصيص عموم ما
في التلو بخصوص الحاضرين، وبين الاخذ بعموم ما وقع في التلو وحمل الأداة على الخطاب الايقاعي، وفي مثله قد يقال في تعميم
الحكم المتكفل له الخطاب للغائبين والمعدومين بوجوه:
منها: ما أفاده في الكفاية () من دعوى ان ظهور تلك الأدوات في الخطاب الحقيقي انما كان من جهة الانصراف، والا فهي موضوعة
للخطاب الايقاعي الانشائي، وان الاختلاف انما كان ممن جهة الدواعي، فالمتكلم ربما يوقع النداء لكن لا بداعي الخطاب الحقيقي، بل
بدواع أخرى كالتحسر والتأسف كقوله أ يا كوكبا ما كان أقصر عمره، وربما يوقعه بداعي الخطاب الحقيقي كما كان ذلك هو الشأن
أيضا في التمني والترجي ونحوهما، فإنها موضوعة للايقاعي منها لا لخصوص الحقيقي منها، وحينئذ فإذا كان ظهورها في الخطاب
الحقيقي من جهة الانصراف دون الوضع نقول: بان الانصراف إلى الخطاب الحقيقي انما يكون إذا لم يكن هناك ما يمنع عنه كما في
المقام، حيث يكفي في المانعية عمومية ما وقع في التلو، خصوصا بعد ملاحظة عدم اختصاص الاحكام الملقى من الشارع غالبا في نحو
هذه الخطابات من نحو قوله: يا أيها الناس اتقوا، ويا أيها الذين آمنوا، بخصوص من حضر مجلس الخطاب، وعليه فيؤخذ في مثل هذه
الخطابات بعموم العنوان المتلو للموجود والمعدوم حال الخطاب، ويحمل الخطاب على الخطاب الايقاعي الانشائي من دون استلزام
قضية العمومية أيضا لاستعمال كلمة (يا) في غير معناها الحقيقي. ولكن فيه ان ظهور اليا في الخطاب الحقيقي بمقتضى الانصراف أو
الغلبة أو غير ذلك انما كان
533

ظهورا مستقرا، فيزاحم حينئذ مع ظهور المتلو في العموم، فيوجب تخصيصه بالحاضرين، خصوصا مع احتمال مدخلية قيد الحضور في
التكليف المتكفل له الخطاب، حيث يكفي في القرينية عليه نفس الخطاب.
ومنها: ان اليا وإن كان ظاهرا في الخطاب الحقيقي وضعا أو انصرافا ويحتاج إلى وجود المخاطب حين الخطاب، الا انه يكفي في صحة
الخطاب مطلق الموجودية ولو ادعاء، بادعاء المعدوم بمنزلة الموجود، فان ذلك أمر متداول عند أهل اللسان في محاوراتهم و
استعمالاتهم، ومن ذلك ترى كثيرا انهم يدعون ما لا شعور له بمنزلة ذي الشعور ويخاطبون معه، كقوله: (أيا جبلي نعمان بالله خليا)
بل يثبتون للوجود الادعائي آثار الوجود الحقيقي كما في (أنشبت المنية أظفارها) ونحو ذلك من الاستعمالات المتداولة ففي المقام
أيضا إذا ادعى المعدوم منزلة الموجود يصلح معه المخاطبة، فلا محذور حينئذ في شمول الخطابات للمعدومين. ولكن فيه انه وان لم
ينكر وقوع مثل هذه الادعاءات في نحو تلك الاستعمالات ولكنه بعد عدم صلاحية المعدوم للخطاب الحقيقي فلا محالة يكون الخطاب
أيضا ادعائيا من جهة ان الخطاب الحقيقي بقصد التفهيم يستحيل توجيهه نحو المعدوم حال الخطاب. على أنه لو أغمض عن ذلك وقلنا
بصحة الخطاب الحقيقي نحو الموجود الادعائي لا يكاد يفيد أيضا في المطلوب من شمول الخطابات للمعدومين في زمان الخطاب، من
جهة ان ذلك كما ذكر يحتاج إلى ادعاء المعدوم بمنزلة الموجود الحقيقي، ومثل ذلك مما لا طريق إلى إحرازه، إذ لم يعلم بان الشارع
في خطابه ادعى المعدومين بمنزلة الموجود، ومعه يشك لا محالة في شمول الحكم المتكفل له الخطاب للمعدومين، خصوصا بعد احتمال
مدخلية قيد الحضور أيضا في التكليف، كما في وجوب صلاة الجمعة والعيدين ونحوهما، واما قضية إطلاق الخطاب فهو أيضا غير منتج
لاثبات ذلك، من جهة عدم تكفله لاحراز موضوعه، وعليه فكيف يمكن دعوى التعميم للغائبين والمعدومين؟ ومنها: دعوى تساوى
الموجود والمعدوم في خطاباته سبحانه، لاحاطته سبحانه بالموجود حال الخطاب والموجود في الاستقبال إلى يوم القيامة، وفيه
أيضا ما أفاده في الكفاية () بان إحاطته سبحانه وتعالى بالموجود في الحال والاستقبال لا يقتضى
534

صلاحية المعدوم للمخاطبة، وعدم صحة المخاطبة الحقيقية معهم أيضا لا يقتضى نقصا في ناحيته سبحانه بوجه أصلا، كما لا يخفى.
ثم إنه من التأمل فيما ذكرنا أيضا من احتمال مدخلية قيد الحضور ظهر عدم إجراء قاعدة الاشتراك أيضا في إثبات التعميم للمعدومين،
وذلك من جهة ان الذي تقتضيه القاعدة المزبورة انما هو نفى مدخلية الخصوصيات الذاتية، كخصوصية الزيدية والعمرية والبكرية. و
اما الخصوصيات العرضية الصنفية كخصوصية الحضور وكونهم موجودين في زمان الخطاب فلا يكون من شأن القاعدة إلغائها ونفيها،
ومن ذلك أيضا ترى اختصاص بعض الأحكام كوجوب صلاة الجمعة بل وصلاة العيدين وإقامة الحدود - على قول - بحال الحضور، و
حينئذ فمع احتمال مدخلية خصوصية الحضور في تكليف الحاضرين الموجودين في زمان صدور الخطاب، فلا مجال للتشبث بقاعدة
الاشتراك لاثبات الحكم المتكفل له الخطاب في حق المعدومين أيضا، كما هو واضح.
وحينئذ فالأولى في إثبات تعميم الحكم المتكفل له الخطابات للمعدومين هو التشبث بعموم الناس أو المؤمنون الواقع في حيز الخطاب،
بدعوى ان الخطاب من جهة ظهوره في الخطاب الحقيقي وإن كان غير شامل عقلا لغير الحاضرين في مجلس الخطاب الا ان مقتضى
عموم العنوان الواقع في التلو هو شمول الحكم المتكفل له الخطاب لغير الحاضرين أيضا من الغائبين والمعدومين، حيث لا منافاة بين
اختصاص الخطاب بخصوص الحاضرين في مجلس الخطاب وبين عموم الحكم المتكفل له الخطاب لغير الحاضرين، بل قد عرفت إمكان
الحكم والتكليف بغير الحاضرين المخاطبين بالخطاب، كما في قوله مخاطبا لجماعة من الرجال: يجب على الحائض من النساء كذا و
كذا.
واما ما ذكرنا من احتمال مدخلية قيد الحضور في التكليف فيدفعه قضية الاطلاق، حيث إن مقتضاه هو عدم مدخلية قيد الحضور في
التكليف المستفاد من الخطاب.
واما توهم ان الاخذ بالاطلاق في نفى مدخلية القيد انما يصح فيما لو كان القيد المحتمل دخله من القيود المفارقة كالقيام والقعود ونحو
ذلك، لا في مثل القيود الملازمة الغير المفارقة كما في المقام.
وذلك لأنه في نحو هذه القيود لا يلزم من عدم بيانها إخلال للمتكلم بغرضه، كي
535

بعدم بيان دخلها في الغرض يتم الاطلاق، بخلاف القسم الأول فإنها من جهة قابليتها للانفكاك ففي فرض دخلها في الغرض يجب إقامة
البيان على دخلها في الغرض، والا يلزم الاخلال بالغرض الذي هو مستحيل من الحكيم، فيستكشف من عدم بيانه عدم دخلها في
المطلوب، وعليه فإذا كان قيد الحضور المحتمل دخله من القيود اللازمة الغير المفارقة عن الموجودين الحاضرين في زمن الخطاب،
بحيث لا يلزم من عدم ذكره وبيانه على تقدير دخله إخلال بالغرض، فلا جرم لا يتم أمر الاطلاق كما لا يخفى.
فمدفوع بأنه كذلك إذا لم يكن القيد المحتمل دخله في القيود الخفية المغفول عنها غالبا، والا فمع فرض كونه غير ملتفت إليه بحسب
الغالب فلا يكاد يفيد مجرد وجدان القيد في الاكتفاء به عن ذكره وبيانه، بل لا بد من إقامة البيان على دخله في غرضه ومطلوبه لئلا
يأخذ المكلف بإطلاق كلامه حتى في غير مورد وجود القيد، والا لأخل بغرضه ومرامه.
وبهذه الجهة أيضا قلنا بصحة التمسك بالاطلاق لنفي دخل مثل قصد القربة والوجه والتميز في العبادة، بملاحظة كونها من القيود
الخفية المغفول عنها غالبا. ففي المقام أيضا نقول: بان قيد الحضور وإن كان من القيود الملازمة الغير المنفكة عن الموجودين في زمان
الخطاب، ولكن لما كان مغفولا عنه وغير ملتفت إليه غالبا فعلى تقدير دخله في التكليف لا بد للمولى من بيانه والتصريح بدخله في
مرامه ومطلوبه، كي لا يأخذ المكلفون بإطلاق الحكم والتكليف الذي هو مفاد الخطاب، ولا يصح له الاكتفاء عن ذكره وبيانه بوجدان
المخاطبين في مجلس الخطاب للخصوصية، وإلا لأخل بغرضه ومرامه. وحينئذ فعلى ذلك فنفس الخطاب وإن كان غير قابل للشمول
الغير الحاضرين في مجلس الخطاب إلا أن الحكم المتكفل له الخطاب بمقتضى عموم العنوان الواقع في التلو يعم الغائبين والمعدومين
أيضا.
بل ومن ذلك البيان ظهر صحة التمسك بقاعدة الاشتراك أيضا في إثبات التعميم وذلك انما هو بإجراء أصالة الاطلاق أولا في حق
الموجودين المخاطبين في نفى احتمال مدخلية خصوصية قيد الحضور ثم تسرية الحكم بقاعدة الاشتراك القاضية بعدم مدخلية
الخصوصيات الذاتية في حق غيرهم من الغائبين، حيث إنه بمقتضى هاتين القاعدتين يثبت التكليف المستفاد من الخطابات في حق غير
المشافهين ولو كان الخطاب بمثل قوله:
يجب عليكم كذا وكذا.
536

ويمكن استفادة التعميم من وجه آخر، وهو استفادته من جهة نفس الخطاب وظهوره في الكشف عن المصلحة المطلقة وعن فعلية
التكليف بالنسبة إلى كل من وجد وبلغ من افراد المكلفين، بتقريب ان عدم صحة توجيه الخطاب الحقيقي إلى المعدوم لما لم يكن من
جهة وضع الأداة، بل ولا من جهة قرينة متصلة لفظية أو عقلية ارتكازية بل كان ذلك من جهة قرينة عقلية غير مرتكزة، بلحاظ ان حكمه
بعدم صحة توجيه الخطاب الحقيقي نحو المعدوم انما هو بعد التفاته إلى أن المواجهة بالخطاب الحقيقي لا بد لها من طرف موجود ذي
شعور، فلا جرم يكون من قبيل القرائن المنفصلة الغير الكاسرة لظهور الخطاب، نظير حكمه باشتراط القدرة في صحة توجيه التكليف،
وفي مثله فيؤخذ بظهور الخطاب في الكشف عن المصلحة المطلقة في الفعل وعن فعلية التكليف بالنسبة إلى كل من وجد وبلغ من افراد
المكلفين، كما يؤخذ بظهور الهيئة في الكشف عن المصلحة في المتعلق حتى في حال العجز وعدم القدرة، وبهذا التقريب أيضا أمكن
استفادة التعميم لغير المشافهين في الحكم الذي هو مفاد الخطاب وإن كان نفس الخطاب بمقتضى تلك القرينة العقلية لا يعم غير
المشافهين، ولكن الأستاذ لم يتعرض لبيان هذا التقريب بل اقتصر على بيان التقريب الأول.
ثم إن الفرق بين التقريبين هو انه على التقريب الأول يختص استفادة التعميم بما لو كان الخطاب مصدرا بأداة النداء، مثل قوله: يا أيها
الناس ويا أيها الذين آمنوا، بخلاف التقريب الأخير الذي ذكرناه، فإنه عليه أمكن استفادة التعميم ولو كان التخاطب بأداة الخطاب،
كقوله: كتب عليكم الصيام ونحوه، كما هو واضح.
ثم إنه لو أبيت عن ذلك كله نقول بأنه يكفي في تعميم الحكم المتكفل له الخطاب القرينة النوعية العرفية على إلغاء مثل هذه الخصوصيات
في التكاليف الشرعية، حيث إنه من جهتها يقطع بأنه لا مدخلية لخصوصية الحضور في التكليف وان توجيه التكليف إلى الحاضرين انما
هو من جهة كونهم من افراد المكلفين لا من جهة خصوصية حضورهم.
ومن ذلك أيضا ترى بناء الأصحاب رضوان الله عليهم على إلغاء مثل تلك الخصوصيات في التكاليف الشرعية المستفادة من الخطابات
الواردة في الكتاب والسنة، حيث لم يتوهم أحد اختصاص حرمة النقض في مثل قوله عليه السلام لزرارة: (لا ينبغي لك ان تنقض اليقين
بالشك) بخصوص زرارة، وكذا في قوله عليه السلام لزينب بنت
537

جحش: (تغتسل) في الاختصاص بها دون غيرها، وهكذا غير ذلك من الخطابات المتكفلة للأحكام الشرعية، بل ولعل مثل تلك القرينة
النوعية السارية في جميع الخطابات هي المدرك أيضا لقاعدة الاشتراك المعروفة، والا فلا دليل عليها بالخصوص فتأمل. واما الاجماع
فمدركه أيضا تلك القرينة النوعية وعليه فلا ينبغي الاشكال في عدم اختصاص الاحكام المتكفلة لها الخطابات بخوص المشافهين و
شمولها للغائبين والمعدومين أيضا، وإن كان نفس الخطاب الحقيقي يقصر عن الشمول لغير الحاضرين من جهة تلك القرينة العقلية
المتقدم ذكرها، كما لا يخفى.
بقي الكلام فيما قيل من الثمرة بين القولين وهي ثمرتان:
الأولى:
حجية ظهور الخطابات لغير المشافهين من الغائبين والمعدومين كالمشافهين بناء على الشمول وعدم حجيته بناء على الاختصاص
بالمشافهين، نظرا إلى دعوى احتمال إرادة المتكلم خلاف الظاهر واتكاله في تفهيم مرامه على قرينة حالية أو مقالية معهودة بينه وبين
المخاطب.
الثانية:
صحة التمسك بالاطلاقات وظهور الخطابات القرآنية لكل من وجد وبلغ من المعدومين على التعميم وعدم صحته على الاختصاص
بالمشافهين حيث إنه على اختصاص الحكم بالمشافهين يحتاج إثبات تعميمه للمعدومين بمقتضى الاطلاق إلى إحراز الاتحاد مع
المشافهين في الصنف حتى يحكم بقاعدة الاشتراك بالاشتراك معهم في الحكم، والا فمع عدم إثبات الاتحاد لا يكاد يفيد التشبث
بالاطلاقات وظهور الخطابات في التعميم للمعدومين، وحيث انه لا دليل على ذلك ولا تقتضيه أيضا قاعدة الاشتراك من جهة ما تقدم
من عدم اقتضائها الا نفى مدخلية الخصوصيات الذاتية دون الخصوصيات العرضية كخصوصية الحضور ونحوه، فلا جرم بعد احتمال
عدم الاتحاد مع المشافهين لا مجال لاثبات الحكم وتعميمه للمعدومين.
والفرق بين الثمرتين واضح، فان الكلام في الأولى في صحة التمسك بظواهر الخطابات وجوازه بالنسبة إلى غير المشافهين و
المخاطبين بالخطاب وعدم صحته، نظرا إلى احتمال إرادة المتكلم خلاف الظاهر واتكاله في تفهيم مرامه من خطابه على قرينة
معهودة بينه وبين المخاطبين، من غير نظر إلى اشتراك غير المشافهين مع المشافهين في الحكم والتكليف أو اختصاصه بخصوص
المخاطبين، ومن ذلك يجري هذا الكلام حتى في موارد عدم الاتحاد
538

في الصنف كما في تمسك المجتهد بالظاهر لاثبات حكم صنف غير شامل له كتمسكه بظهور ما دل على الحكم المتعلق بالنساء لاثبات
الاحكام المختصة بهن. ففي الحقيقة يكون البحث من الجهة الأولى، وحجية ظهور الخطابات كلية لغير المخاطبين المقصودين بالافهام،
من جملة المقدمات في البحث للثمرة الثانية حيث إنه يحتاج في الثمرة الثانية إلى إثبات حجية الظهورات للمعدومين كي يتمسكوا
بالظاهر لاثبات حكمه للموجودين ثم إثباته لنفسهم بمقتضى قاعدة الاشتراك بعد إحراز الاتحاد في الصنف، وهذا بخلافه في الثمرة
الثانية، فان الكلام فيها في صحة التمسك لكل من وجد وبلغ من المعدومين بالظواهر على التعميم، وعدم صحته على الاختصاص، و
احتياج التعميم إلى قاعدة الاشتراك وإحراز الاتحاد في الصنف. وعلى كل حال فالثمرة الأولى منهما مبنية على القول بحجية الظهورات
لخصوص من قصد افهامه، والا فبناء على عدم الاختصاص بمن قصد افهامه كما هو التحقيق أيضا فلا مجال لهذه الثمرة، حيث إنه كان
لغير المشافهين أيضا الاخذ بظهور الخطابات في استفادة مرام المتكلم من خطابه، خصوصا مع ما عرفت من منع كون المشافهين
مخصوصين بكونهم مقصودين بالافهام من الخطابات المتكفلة للأحكام الشرعية، بل وان جميع الناس إلى يوم القيامة كانوا كذلك وان
لم يعمهم الخطابات.
واما الثمرة الثانية: فهي أيضا غير ظاهرة من جهة ما بينا سابقا من اقتضاء الاطلاقات نفى مدخلية قيد الحضور في تكليف الحاضرين
باعتبار كونه من القيود المغفول عنها غالبا، واما ما قيل: من عدم الاحتياج إلى ذكره والتنبيه عليه بعد كونه من القيود اللازمة
للمشافهين، فلا يلزم من عدم ذكره في دخله في التكليف إخلال منه بغرضه فمدفوع بان مجرد ذلك غير مجد في دفع محذور نقض
الغرض بعد كونه من القيود المغفول عنها غالبا، خصوصا بعد فرض كون المتكلم في مقام بيان مرامه على الاطلاق، حتى بالنسبة إلى
غير المشافهين، بل لا بد حينئذ من بيانه والتصريح بمدخلية قيد الحضور في تكليف الحاضرين لئلا يأخذ غير الحاضرين بإطلاق تكليف
الحاضرين ويستكشفوا من الخطاب المتوجه إليهم تكليف أنفسهم، هذا كله مع إمكان منع كون خصوصية الحضور من القيود اللازمة غير
المنفكة عن الحاضرين من جهة وضوح عدم كون قيد الحضور في زمان الخطاب أو النبي مثلا من القيود اللازمة
539

الغير المفارقة عن اشخاص الحاضرين مجلس الخطاب، بل وانما ذلك من قبيل الأوصاف المفارقة، من جهة جواز كون المخاطبين
فاقدين للحضور في أثناء عمرهم. وحينئذ فإذا جرى أصالة الاطلاق في نفى اعتبار قيد الحضور في تكليف الحاضرين فصح تمسك
المعدومين لا محالة بظهور الخطابات لاثبات تعميم الحكم، حيث إنه بإجراء أصالة الاطلاق في حق المشافهين ينفى احتمال مدخلية
خصوصية الحضور ثم ينفى احتمال دخل الخصوصيات الذاتية بقاعدة الاشتراك، فيستفاد من أجل هاتين القاعدتين تعميم التكليف
المستفاد من الخطاب لكل من وجد وبلغ من المعدومين، ومعه فينتفى الثمرة المزبورة أيضا، من جهة انه على كل تقدير يصح تمسك
المعدومين بإطلاقات الخطابات القرآنية وغيرها.
ومن ذلك كان الحري هو إسقاط هذا البحث من رأسه حيث إنه لا يزيد اغتشاشا في الأذهان الصافية، وإلا فلا إشكال في جواز التمسك
بالاطلاق الواردة في الكتاب والسنة للمعدومين كالمشافهين، كما عليه أيضا ديدن الأصحاب من الصدر الأول إلى زماننا هذا، حيث لا
يزال يتمسكون عند الشك في مدخلية شئ في التكليف بالاطلاقات الواردة في الكتاب والسنة، فكان مثل هذه التشكيكات تشكيكات
في البديهيات، كما هو واضح.
الجهة السادسة
اختلفوا في أن الاستثناء الواقع عقيب الجمل المتعددة هل هو راجع إلى الجميع أو إلى خصوص الأخيرة؟ وذلك بعد الفراغ منهم على
مرجعية الأخيرة لكونها القدر المتيقن في المرجعية، وظاهر عنوان البحث يقتضى تخصيص النزاع بما لو كان المخصص متصلا، بان
كان الخاص والجمل المتعددة في كلام واحد، وإلا ففي فرض انفصاله وكونهما في كلامين مستقلين لا مجال لعنوان البحث بالاستثناء
ولا لدعوى القطع بمرجعية الأخيرة بكونها القرد المتيقن من التخصيص، إذ حينئذ يكون نسبة المخصص إلى الأخيرة وإلى غيرها على
حد سوأ، فيحتاج تعين الأخيرة كغيرها إلى قرينة معينة، والا فيسقط الجميع عن الحجية من جهة العلم الاجمالي بتخصيص الجميع أو
إحداها المرددة بين الأخيرة وغيرها، فلا بد حينئذ من الحكم عليها بالاجمال.
540

ولكن محل الكلام كما عرفت حسب عنوانهم البحث بالاستثناء انما هو في فرض اتصال المخصص، وعليه فلا كلام في مرجعية الأخيرة
لكونها القدر المتيقن من التخصيص وانما الكلام في رجوعه إلى غيرها من الجمل الاخر، والكلام فيه أيضا يقع تارة في أصل إمكان
رجوعه إلى الجميع ثبوتا، وأخرى في وقوعه وترجيح احتمال الرجوع إلى الجميع على احتمال عدمه بعد الفراغ عن أصل إمكان رجوعه
إلى الجميع، فهنا مقامان:
اما المقام الأول:
فقد يقال بعدم إمكان رجوعه إلى الجميع باعتبار استلزامه لمحذور استعمال إلا في إخراجات متعددة باستعمال واحد، ولزوم هذا
المحذور انما هو من جهة خصوصية الموضوع له والمستعمل فيه في الحروف والهيئات. ولكن فيه انه - مضافا إلى منع أصل المبنى كما
قررناه في محله من عموم الموضوع له والمستعمل فيه في الحروف كالوضع - لا يكاد يتم فيما لو كان الاستثناء بغير الحروف من
الأسماء الموضوعة للاخراج كغير وسوى وعدا وخلا ونحو ذلك، حيث إنها باعتبار عمومية الموضوع له فيها يمكن رجوعها إلى
الجميع باستعمالها في طبيعة الاخراج غايته احتياجه في إرادة الخصوصيات إلى تعدد الدال والمدلول.
وعلى فرض كون الاستثناء بمثل إلا وتسليم خصوص الموضوع له فيها نقول: بان ما ذكر من المحذور انما يتوجه إذا أريد كل واحدة
من الإضافات الخروجية من اللفظ بالاستقلال والا ففي فرض لحاظ المجموع بلحاظ واحد فلا محذور يرد عليه، وبيان ذلك هو ان
المعاني الحرفية بعد ما كانت من سنخ النسب والإضافات المتقومة بالطرفين ففي مثل الفرض تارة يلاحظ في مقام الاستعمال الإضافة
الخروجية بين شئ وبين أمور متعددة بنحو يكون كل واحد من تلك الأمور طرفا للإضافة في لحاظه بالاستقلال ويلزمه استقلال كل
واحد من تلك الإضافات الاخراجية في مقام اللحاظ وأخرى يلاحظ الإضافة الاخراجية بينه وبين مجموع أمور متعددة بجعل المجموع
طرفا للإضافة في لحاظه، نظير ملاحظة نسبة التقابل بين الشئ وصف من العسكر من حيث لحاظ نسبة التقابل تارة بينه وبين كل
واحد من افراد ذاك الصف بالاستقلال، وأخرى لحاظها بينه وبين مجموع الصف.
وبعد ذلك نقول: بان الاشكال المزبور انما يتوجه على الفرض الأول من لحاظ إخراجات متعددة على الاستقلال، والا فعلى الفرض
الثاني من لحاظ الجمل المتعددة
541

بمجموعها طرفا للإضافة الاخراجية فلا يتوجه الاشكال، حيث إنه عليه لا يكون في البين الا إضافة واحدة شخصية قائمة بالمخرج و
مجموع الجمل، ولا يكون الأداة أيضا الا مستعملة في إخراج واحد شخصي ومجرد تعدد المخرج منه والمخرج مثلا خارجا حينئذ لا
يوجب تعددا في الإضافة الاخراجية القائمة بالمجموع، كما هو واضح. وعليه فلا مجال للاشكال في إمكان رجوع الاستثناء إلى الجميع
بمثل البيان المزبور.
وحينئذ فالأولى في الاشكال في المقام هو الاشكال عليه من جهة المستثنى في مثل قوله: أكرم العلماء والشعراء والتجار الا زيدا، مريدا
به خروج زيد عن كل واحد من العمومات، حيث إنه يلزمه حينئذ إرادة معان متعددة من لفظ واحد وهو زيد، ومن هذه الجهة يتعين
رجوعه إلى الأخيرة لا غيرها، هذا.
ولكن يمكن ان يدفع ذلك أيضا بإرادة المسمى بزيد من اللفظ المزبور ولو كان بعيدا في نفسه، حيث إنه عليه يكون زيد مستعملا في
معنى كلي له مصاديق متعددة، غايته انه يحتاج إلى توسيط دوال أخر على إرادة الخصوصيات، ولكن مع ذلك كله يبعد جدا الحمل على
المسمى، فلا محيص في مثله بعد بعد الحمل المزبور من تعين رجوعه إلى خصوص الأخيرة.
ثم إن ذلك أيضا إذا لم يكن في البين من هو مجمع العناوين الثلاث، والا فمع وجوده فلا بأس بإخراجه من الجميع، كما لو فرض كون
المسمى بزيد منحصرا في زيد بن عمرو وكان ذلك مجمعا للعناوين الثلاث، حيث إن في هذا الفرض يصح إخراجه من الجمل المتعددة،
من دون استلزامه لمحذور أصلا ولا احتياج إلى التأويل بالمسمى، كما هو واضح.
ومن ذلك ظهر الحال أيضا فيما لو كان الاستثناء من قبيل النصف كالفساق مثلا حيث يجوز رجوعه حينئذ إلى الجميع أيضا من غير
استلزامه لمحذور استعمال اللفظ في أكثر من واحد.
ثم إنه بعد الفراغ عن أصل إمكان رجوع الاستثناء المتعقب لجمل متعددة إلى الجميع
يبقى الكلام في المقام الثاني
في مقام إثبات ذلك واستظهاره، وفي ذلك نقول: إنه قد عرفت ان الأخيرة هي القدر المتيقن في المرجعية لأنه على كل تقدير يعلم
بتخصيصها، واما غير الأخيرة فلا ظهور للكلام يقتضى رجوعه إليه، وفي مثله لو بنينا على حجية أصالة
542

العموم من باب التعبد فلا إشكال في أن لازمه جريان أصالة العموم بالنسبة إلى ما عدا الأخيرة، من جهة الشك في أصل التخصيص
بالنسبة إليها. واما لو بنينا على حجيتها من باب الظهور فيشكل جريان أصالة العموم فيها، من جهة ان اتصالها بما يصلح للقرينية يوجب
إجمالا فيها فلا يبقى لها ظهور حتى يتمسك بها عند الشك في تخصيصها، فلا بد حينئذ من الحكم عليها بالاجمال والرجوع فيها إلى ما
تقتضيه الأصول العملية من استصحاب ونحوه، فيما لم تكن الدلالة في طرف العام بالوضع وفي المستثنى بالاطلاق ومقدمات الحكمة،
وإلا فيؤخذ فيها بأصالة العموم ولا يعتنى إلى احتمال تخصيصها برجوع الاستثناء إلى الجميع، وتوضيح ذلك هو ان الدلالة في كل من
العمومات والاستثناء المتصل بها اما أن تكون بالوضع، واما بالاطلاق ومقدمات الحكمة، وثالثة تكون الدلالة في العام بالوضع وفي
الاستثناء بالاطلاق، ورابعة بعكس ذلك.
فعلى الأولين تسقط العمومات عن الحجية، لتصادم الظهورات، ولا بد من الرجوع إلى الأصول العملية من استصحاب ونحوه، من جهة
اختلاف الحال حينئذ حسب اختلاف الحالة السابقة، من حيث العلم بكونه محكوما بحكم العام تارة وبحكم الخاص أخرى والجهل بالحالة
السابقة ثالثة.
وعلى الثالث لا بد من الاخذ بالعام وعدم الاعتناء باحتمال رجوع الخاص إليه، ولا مجال حينئذ أيضا لتوهم إجمال العام باتصاله
بالخاص المحتمل رجوعه إليه، من جهة ان ذلك انما هو في فرض صلاحية الخاص المتصل للقرينية عليه، وبعد فرض كون الدلالة فيه من
جهة الاطلاق لا يكاد صلاحيته للقرينية على العام، بل الامر حينئذ بالعكس، فان العام من جهة كون الدلالة فيه بالوضع يصلح للبيانية عليه،
فينفى موضوع الاطلاق في طرف الخاص، لكونه من قبيل الدليل بالنسبة إليه، كما هو واضح.
ولئن شئت قلت بان ظهور العام في العموم بعد كونه بالوضع ظهور تنجيزي غير معلق على شئ بخلاف الخاص، فان ظهوره لما كان
بالاطلاق ومقدمات الحكمة يكون تعليقيا منوطا بعدم ورود بيان على خلافه، وفي مثله يكون الأثر قهرا للظهور التنجيزي، فيقدم على
الظهور التعليقي من جهة صلاحيته للبيانية عليه، بخلاف العكس فان صلاحية هذا الظهور التعليقي للقرينية على الظهور التنجيزي دوري،
ففي مثله لا يكاد تصل النوبة مع
543

هذا العام إلى الظهور الاطلاقي في طرف الخاص، حتى يجي فيه احتمال الصلاحية للقرينية على العام، وهو ظاهر.
وعلى الرابع يجي فيه احتمال صلاحية الخاص للقرينية والبيانية للعمومات عند عدم ظهوره في الرجوع إلى الجميع، فلا بد من الحكم
في غير الأخيرة من سائر الجمل بالاجمال والرجوع فيها إلى الأصول العملية من استصحاب ونحوه، هذا كله في الخاص المتصل بالجمل
المتعددة.
واما الخاص المنفصل عنها فقد عرفت عدم تعين مرجعية الأخيرة في مثله، من جهة تساوى الأخيرة وغيرها في المرجعية، وعليه فعند
الدوران في رجوعه إلى بعضها أو إلى الجميع يسقط الجميع عن الحجية، من جهة العلم الاجمالي، ولا بد من الحكم عليها أي على الجميع
بحكم الاجمال والرجوع إلى الأصول العملية، من غير فرق في ذلك بين كون الدلالة في كل واحد من العمومات والخاص المنفصل
بالوضع، أو بالاطلاق، أو كون الدلالة في طرف العمومات بالوضع وفي طرف الخاص بالاطلاق، أو بالعكس، وذلك لما سيجئ إن شاء
الله تعالى من أن عدم البيان الذي هو مقوم الاطلاق انما هو عدم البيان في الكلام الذي وقع به التخاطب لا عدم البيان على الاطلاق ولو
في كلام آخر منفصل عن الكلام الذي وقع به التخاطب، فإذا فرض حينئذ وقوع العام والخاص في كلامين مستقلين فقهرا يستقر الظهور
الاطلاقي للمطلق منهما، من غير صلاحية ما كان بالوضع منهما للقرينية والبيانية عليه، ومع استقرار الظهور فيه فقهرا بمقتضى العلم
الاجمالي يتصادم الظهوران ويتساقطان عن الحجية، ومعه لا بد من الرجوع إلى ما يقتضيها الأصول العملية فتدبر.
الجهة السابعة
إذا تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض افراده فهل يوجب ذلك تخصيصه به أم لا؟ فيه خلاف بين الاعلام. وليكن الكلام فيما لو كان العام
مستقلا فيما حكم عليه في الكلام كقوله سبحانه: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء إلى قوله: وبعولتهن أحق بردهن) وإلا فإذا
لم يكن كذلك بان كان العام قد ذكر توطئة لحكم الضمير كقوله:
والمطلقات أزواجهن أحق بردهن، فلا شبهة في تخصيصه به، كما أنه لا بد وأن يكون محل
544

الكلام فيما لو كان العام والكلام الذي يتصل به الضمير في كلام واحد، على نحو كان الكلام المشتمل على الضمير من توابع ما اشتمل
على العام، من جهة عدم تصور فرض استقلال كل من العام والضمير الراجع إليه في الكلام، على معنى كونهما في كلامين مستقلين، نعم
لا بأس بذلك في مثل أسماء الإشارة حيث أمكن فرض كونهما في كلامين مستقلين كإمكان فرضهما في كلام واحد وقع به التخاطب.
وعلى أي حال فحيثما لا يمكن إبقاء العام على ظهوره في العموم مع حفظ ظهور الضمير في المطابقة مع المرجع من جهة العلم بمخالفة
أحد الظهورين للواقع يدور الامر بين التصرف في العام وتخصيصه بما أريد من الضمير الراجع إليه، بحمله على خصوص الرجعيات لا
الأعم منها ومن البائنات، وبين التصرف في الضمير: اما بنحو الاستخدام بإرجاعه إلى بعض ما هو المراد من المرجع، واما بنحو المجاز
في الاسناد بإرجاعه إلى تمام المرجع توسعا.
وفي مثله قد يقال - كما في الكفاية وغيرها - بتقديم أصالة الظهور في العام على أصالة الظهور في الضمير في التطابق مع المرجع،
لكونه أي العام مما شك فيه في المراد مع العلم بأصل الوضع، حيث يحتمل فيه كون المراد منه هو خصوص الرجعيات أو الأعم منها ومن
البائنات، فيجري فيه أصالة الظهور، بخلافه في الضمير، فإنه لا شك فيه في المراد من جهة العلم بإرادة خصوص الرجعيات، وانما الشك
في كيفية الاستعمال، وفي مثله لا مجرى فيه لأصالة الظهور والحقيقة، فان القدر المتيقن من السيرة وبناء العقلا على الحجية انما هو
في صورة الشك في المراد لا في صورة الشك في كيفية الاستعمال مع القطع بالمراد، ومن ذلك أيضا قلنا بعدم جريان أصالة الظهور و
العموم لاخراج ما يقطع بخروجه عن حكم العام عن موضوعه، اقتصارا على المتيقن من السيرة وبناء العقلا على الحجية، وحينئذ فإذا لا
يجري أصالة الظهور في طرف الضمير، بملاحظة معلومية المراد منه بالإرادة الجدية من كونه خصوص الرجعيات، فلا دوران في البين
بين أصالة الظهورين، فتجري أصالة الظهور حينئذ في طرف العام، ويتصرف في الضمير اما بنحو الاستخدام أو بنحو المجاز في
الاسناد. ولئن شئت قلت: ان عدم جريان أصالة الظهور في طرف الضمير انما هو من جهة انتفاء الأثر عليه بخلافه في طرف العام فإنه
مما يترتب عليه الأثر فتجري أصالة الظهور فيه دون الضمير.
ولكن يدفع ذلك بأنه وإن كان لا مجرى لأصالة الظهور في طرف الضمير، فلا دوران
545

بين أصالة الظهور في الضمير في التطابق وبين أصالة الظهور في العام، الا ان مجرد ذلك لا يقتضى جريانها في طرف العام، فإنه لا أقل
من صلاحية الضمير باعتبار اتصاله بالكلام للقرينية على العام، من جهة احتمال كون استعماله على طبق وضعه، وفي مثله من المعلوم انه
لا يبقى مجال ظهور للعام في العموم، حتى يجري فيه دليل التعبد بالظهور، نعم لو كان العام والضمير في كلامين مستقلين - كما قلنا
بتصويره في مثل أسماء الإشارة - أو قلنا بحجية أصالة العموم من باب التعبد المحض لكان للقول بجريان أصالة الظهور في العام كمال
مجال، ولكنك عرفت عدم تصور فرض استقلال العام والضمير في الكلام، وعدم كونه مدار الحجية في أصالة الحقيقة على التعبد، بل
على الظهور التصديقي النوعي، وعليه فالضمير حسب اقترانه بالعام يكون مما يصلح للقرينة على العام، ومعه فلا يمكن له ظهور في
العموم حتى يشمله دليل التعبد الامر بإلغاء احتمال الخلاف، كما لا يخفى.
الجهة الثامنة
اختلفوا في جواز تخصيص العام بالمفهوم المخالف وعدم جوازه، كقوله عليه السلام:
(خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ) () وقوله عليه السلام: (إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ) () وذلك بعد الوفاق منهم ظاهرا على
تخصيصه بالمفهوم الموافق.
ولكن تحقيق القول فيه هو ان العام وما له المفهوم مطلقا تارة يكونان في كلام واحد وقع به التخاطب وأخرى في كلامين مستقلين، و
على التقديرين فالدلالة فيهما تارة تكون بالوضع وأخرى بالاطلاق وقرينة الحكمة، وثالثة بالوضع في العام وبالاطلاق في المفهوم،
ورابعة بعكس ذلك.
فعلى الأولين
لا بد من الحكم عليهما بالاجمال والرجوع إلى الأصول العملية، الا إذا كان أحدهما أقوى من الاخر فيقدم على الاخر، من غير فرق في
ذلك بين كون العام وما له المفهوم في كلام واحد وفي كلامين مستقلين، إذ على الأول فظاهر، لعدم استقرار الظهور في واحد منهما
حينئذ بعد صلاحيته كل منهما للقرينة على الاخر وتساويها في الوضع
546

والاطلاق، وعلى الثاني أيضا كذلك من جهة تصادم الظهورين وصيرورتهما بحكم المجمل في عدم حجية واحد منهما، حيث إنه لا بد
حينئذ من الحكم عليهما بالاجمال والرجوع إلى الأصول العملية، الا إذا كان في البين ما يوجب قوة في أحدهما فيوجب استقرار ظهوره
لو كانا في كلام واحد أو أقوائيته لو كانا في كلامين مستقلين. ولكن في مثل ذلك حيث لا ضابط كلي لذلك، من جهة اختلافه باختلاف
خصوصيات المقامات والمناسبات بين الاحكام وموضوعاتها، لا يمكن تأسيس قاعدة كلية سارية في جميع الموارد في تقديم أحدهما
على الاخر، بل لا بد من لحاظ القرائن الخاصة وخصوصيات الموارد الخاصة من مناسبات الحكم والموضوع ونحوها، فربما توجب قوة
في العام، وأخرى في المفهوم سوأ في ذلك أيضا بين الموافق والمخالف.
وعلى الثالث
من فرض كون الدلالة في العام بالوضع وفي المفهوم بالاطلاق: فان كانا في كلام واحد فلا إشكال في الاخذ بالعام ورفع اليد عن
المفهوم، بل لا دوران حينئذ حيث إنه مع الظهور الوضعي للعام لا يبقى مجال للظهور الاطلاقي في المفهوم، حتى يجي فيه احتمال
التخصيص، فان الظهور الاطلاقي من جملة مقدماته عدم البيان على خلافه، والعام بعد كون الدلالة فيه بالوضع صالح للبيانية، فيرتفع به
موضوع الاطلاق.
واما لو كانا في كلامين مستقلين فقد يقال: بأنه أيضا كذلك وانه يقدم العام الوضعي عليه نظرا إلى تنجيزية الظهور الوضعي في العام و
تعليقيته في الخاص والمفهوم، وإناطته بعدم البيان على خلافه.
ولكنه فاسد لما تقدم، وسيجئ بان عدم البيان الذي هو مقوم الاطلاق انما هو في الكلام الذي وقع به التخاطب لا عدم البيان بقول
مطلق ولو إلى الأبد بكلام منفصل آخر عن الكلام الملقى إلى المخاطب في مقام تخاطبه، ومن ذلك ترى أخذ العرف وأهل المحاورة
بظهور الكلام الملقى إليهم عند عدم نصب المتكلم قرينة على الخلاف في تخاطبه، من غير حالة منتظرة منهم في الاخذ بالظهور
الاطلاقي بأنه لعله يأتي البيان من قبله تخاطبه، من غير حالة منتظرة منهم في الاخذ بالظهور الاطلاقي بأنه لعله يأتي البيان من قبله في
الأزمنة الآتية بعد شهر أو شهرين أو سنة أو غير ذلك، ومن المعلوم انه لا يكون ذلك الا من جهة استقرار الظهور الاطلاقي للمطلق عند
عدم نصب المتكلم قرينة على المراد في كلامه الذي أوقع به التخاطب. وعليه فإذا فرض كون العام وما له المفهوم في كلامين مستقلين
فقهرا يستقر الظهور الاطلاقي للمطلق في قبال الظهور الوضعي للعام، من غير
547

صلاحية الظهور الوضعي في العام للقرينية والبيانية عليه بنحو يرتفع موضوع الاطلاق، وفي مثله لا مجال لتقديم ظهور العام عليه
بمقتضى البيان المزبور، بل بعد استقرار الظهور في الطرفين يقع بينهما المزاحمة فلا بد من الحكم عليهما بحكم الاجمال والرجوع إلى
الأصول العملية ان لم يكن أقوائية في أحدهما، والا فيؤخذ بما هو الأقوى والأظهر منهما، ويرفع اليد عن ظهور الاخر كما هو واضح.
ومن ذلك البيان ظهر حكم الفرض الرابع أعني فرض كون الدلالة في المفهوم بالوضع وفي العام بالاطلاق فإنه في فرض كونهما في
كلام واحد يقدم المفهوم على العام، من جهة تنجيزية ظهوره وتعليقية ظهور العام، وفي فرض كونهما في كلامين مستقلين يحكم
عليهما بحكم الاجمال بمقتضى البيان المتقدم، الا إذا كان أحدهما أقوى من الاخر فيؤخذ به ويرفع اليد عن ظهور الاخر، فتدبر.
الجهة التاسعة
اختلفوا في جواز تخصيص العموم الكتابي بالخبر الواحد وعدم جوازه بعد الاتفاق منهم على تخصيصه بالخبر المتواتر. ولكن التحقيق
هو الجواز، للسيرة المستمرة من الأصحاب من قديم الأزمان إلى زماننا هذا على تخصيص العمومات الكتابية بالخبر الواحد الغير
المحفوف بالقرائن القطعية كتخصيص غيرها به، وعدم صلاحية ما تمسك به المانعون للمانعية، تارة بقطعية العام الكتابي سندا وظنية
سند الخبر فلا دوران بينهما من جهة عدم مقاومة الظني مع القطعي، وأخرى بما ورد من الأخبار الكثيرة القطعية على طرح ما لا يوافق
الكتاب أو يخالفه من نحو قوله عليه السلام: (ما خالف قول ربنا لم أقله، () أو فاضربه على الجدار، () أو زخرف () على اختلاف ألسنتها،
بدعوى ان المخالفة تعم المخالفة بنحو العموم من وجه والمطلق، فيجب حينئذ طرح ما يخالف العموم الكتابي من الاخبار الآحاد، إذ فيه
548

ما لا يخفى:
اما الأول
فبأنه لا دوران بين سند العام الكتابي وسند الخاص الظني حتى يقال بعدم مقاومة الظني للمعارضة مع القطعي، بل ولا دوران أيضا
بين دلالتهما، من جهة معلومية أقوائية الدلالة في الخاص من العام في العموم، كيف وان لازمه عدم جواز تخصيص العام المتواتر السند
بالخبر الواحد، مع أنه ليس كذلك قطعا، بل وانما الدوران انما كان بين دلالة العام الكتابي وسند الخاص الظني، وفي مثله يكون
الدوران والمعارضة بين الظنيين من جهة ظنية دلالة العام أيضا، لا بين القطعي والظني، فكان الخاص حينئذ بسنده يعارض دلالة العام
الكتابي لا سنده حتى يتوجه الاشكال المزبور، ولا بدلالته من جهة ما عرفت من أقوائية ظهوره من ظهور العام، ومن ذلك يقدم عليه بلا
كلام مع القطع بصدوره، كما يكشف عنه إطباقهم على جواز تخصيصه بالمتواتر والمحفوف بالقرينة القطعية.
واما الوجه الثاني
ففيه أيضا منع إطلاق تلك النصوص وشمولها للمخالفة بنحو العموم المطلق بل ومن وجه أيضا، بل نقول باختصاصها بمقتضى
الانصراف بخصوص المخالفة بنحو التباين الكلي، كيف وانه من المقطوع صدور اخبار كثيرة مخالفة للكتاب بنحو العموم المطلق ومن
وجه، فلا بد حينئذ من الالتزام بالتخصيص بما صدر عنهم عليهم السلام من الاخبار المخالفة بنحو العموم المطلق ومن وجه، وهو كما
ترى من إباء هذه الأخبار بملاحظة ما اشتمل عليها من التعبيرات عن التخصيص، فان قوله عليه السلام: (ما خالف قول ربنا لم أقله، أو
زخرف، أو فاضربه على الجدار) ونحوها مما لا يكاد يتحمل التخصيص، فلا محيص حينئذ بقرينة صدور مثل هذه الأخبار المخالفة
بنحو العموم من وجه والمطلق عنهم عليهم السلام من حملها على خصوص المخالفة بنحو التباين الكلي لو فرض إطلاق فيها.
كما أن ما دل منها على طرح ما لا يوافق أيضا لا بد من الحمل على ذلك، لو لم نقل باختصاصها بمورد تعارض الخبرين ومقام ترجيح
أحدهما على الاخر.
ثم إن كل ذلك أيضا في فرض صدق المخالفة عرفا على المخالفة بنحو العموم المطلق، والا فمع عدم صدق المخالفة على مثل ذلك عرفا
يخرج موضوعا عن تلك الأخبار.
وحينئذ فعلى كل حال لا مجال للتشكيك في جواز تخصيص العام الكتابي بالخبر الواحد بمثل البيانات المزبورة بل لا بد بمقتضى
القواعد المقررة في محله من تخصيصه به كتخصيصه
549

بالخبر المتواتر والمحفوف بالقرائن القطعية.
نعم بعد ما ظهر ان الدوران في المقام كان بين سند الخاص الظني وبين دلالة العام الكتابي لا بين سنديهما ولا بين دلالتيهما يبقى
الكلام في ترجيح أصالة التعبد بالسند في الخاص على أصالة التعبد بالدلالة في طرف العام القطعي، ووجه تقديمه عليه بأنه من جهة
الحكومة - كما قيل - بدعوى مسببية الشك في حجية الظهور في العام عن الشك في صدور الخاص الاظهر في قباله، باعتبار ان موضوع
الحجية في أصالة الظهور هو الظهور الذي لم يرد أظهر في قباله أو من جهة الورود بمناط المزاحمة وتقديم أقوى الحجتين أو بمناط
آخر. وقد أشبعنا الكلام في ذلك مفصلا في مبحث التعادل والترجيح فراجع هناك تعرف.
الجهة العاشرة
إذا ورد عام وخاص متخالفان، ففي كون الخاص ناسخا أو منسوخا أو مخصصا للعام وجوه.
وقد يقرب قاعدة كلية في تنقيح ذلك وتعيين كونه ناسخا للعام أو منسوخا به أو مخصوصا له، وهي اعتبار كون الخاص واردا قبل
حضور وقت العمل بالعام واعتبار كون الناسخ واردا بعد حضور وقت العمل بالعام لا قبله حيث يقال حينئذ بان الخاص إن كان مقارنا
مع العام أو واردا بعده قبل حضور وقت العمل بالعام يتعين كونه مخصصا للعام وبيانا له، لا ناسخا له، من جهة انه يعتبر في النسخ ان
يكون رافعا لحكم ثابت فعلى من جميع الجهات، وقبل حضور وقت العمل بالعام لا يكون حكم فعلى في البين حتى يكون قضيته رفع
الحكم الثابت، فمن ذلك يتعين فيه كونه مخصصا للعام وبيانا له لا ناسخا. واما إن كان وروده بعد حضور وقت العمل بالعام يتعين
كونه ناسخا له، لا مخصصا وبيانا له، فان مقتضى كونه بيانا هو لزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو قبيح بل محال، لأنه نقض
للغرض الذي هو محال من الحكيم واما لو كان ورود الخاص قبل ورود العام ففيه يحتمل الأمران، حيث يحتمل كونه مخصصا للعام و
يحتمل كونه منسوخا به. هذا ملخص ما أفيد في وجه التفصيل بين صورة ورود الخاص قبل
550

حضور وقت العمل بالعام أو بعده.
وقد عرفت ابتنائه على تسليم مقدمتين: الأولى قبح تأخير البيان عن وقت حضور عمل المكلف بالعام، والثانية اعتبار كون النسخ رفعا
للحكم الفعلي على الاطلاق، حيث إنه على تقدير تمامية هاتين المقدمتين لا بد من التفصيل المزبور وملاحظة كون الخاص واردا قبل
حضور وقت العمل بالعام أو بعده، بالالتزام بالتخصيص في الأول وبالنسخ في الثاني.
ولكن كلتا المقدمتين ممنوعة وذلك: اما المقدمة الأولى
- وهي قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة - فان أريد من وقت الحاجة وقت حاجة المولى إلى بيان مرامه فقبحه مسلم لا إشكال فيه بل
هو محال، من جهة استلزامه نقض الغرض الذي هو من المستحيل في حق الحكيم، ولكن صغراه في المقام ممنوعة، حيث نمنع تعلق غرض
الشارع في مثل تلك العمومات ببيان المرام الواقعي، ومجرد احتياج المكلف إلى العمل لا يقتضى كون وقت حاجته هو وقت حاجة
المولى، من جهة جواز التفكيك بينهما. وان أريد بذلك وقت حاجة المأمور والمكلف ولو لم يكن وقتا لحاجة المولى إلى البيان فقبحه
غير معلوم بل معلوم العدم، حيث إنه من الممكن كون المصلحة في إلقاء ظهور العام إلى المكلف على خلاف المرام الواقعي ليأخذ به و
يتكل عليه حجة وبيانا إلى أن يقتضى المصلحة بيان المرام الواقعي، كيف وانه كفاك في ذلك ما في موارد التعبد بالأصول والامارات
المؤدية على خلاف الواقعيات مع تمكن المكلف من تحصيلها بالاحتياط أو بالسؤال عن الأئمة عليهم السلام بل وكثير من الاحكام التي
بقيت تحت الحجاب إلى قيام الحجة عجل الله فرجه مع احتياج العباد إليها، ومن المعلوم حينئذ انه مع إمكان ذلك واحتمال وجود المانع
عن إبراز المرام النفس الامري اما مطلقا أو إلى وقت خاص أو قيام المصلحة الأهم في عدم الابراز لا مجال لاثبات كون الخاص المتأخر
عن وقت العمل بالعام ناسخا لا مخصصا، بل حينئذ كما يحتمل فيه كونه ناسخا يحتمل أيضا كونه مخصصا. نعم لو قيل بان وقت حاجة
المأمور ووقت العمل بالعام هو بعينه وقت حاجة المولى إلى بيان المرام النفس الامري وهو الخصوص لاتجه الحمل على النسخ في
الخاص المتأخر، ولكن دون إثباته خرط القتاد، لما عرفت من عدم السبيل إلى هذه الدعوى بعد احتمال وجود مانع أو مزاحم أقوى في
البين اقتضى إخفاء الواقعيات بإلقاء الظهور إلى المكلف على خلافها اما إلى
551

الأبد أو إلى وقت خاص بعد العمل بالعام.
واما المقدمة الثانية
ففيها أيضا ان كون النسخ رفعا للحكم الثابت وإن كان لا سبيل إلى إنكاره، ولكن نقول بأنه لا يلزمه كون ذلك الحكم الثابت فعليا على
الاطلاق، بل يكفي في صحته كونه رفعا لحكم ثابت في الجملة ولو بمرتبة إنشائه الحاصل بجعل الملازمة بينه وبين شرطه وسببه، كما
في الواجبات المشروطة، كيف وان النسخ في الشرعيات كالبداء في التكوينيات المتصور في الموقتات والمشروطات بالنسبة إلى
المخلوقين، وحينئذ فكما انه يصح في الاحكام العرفية نسخ الحكم في الموقتات والمشروطات قبل حصول شرطها، ويكفى في صحته
مجرد كونه رفعا لما هو المنشأ بالانشاء السابق، ولو كان ذلك مجرد احداث الملازمة بين الامرين، كذلك في الأحكام الشرعية، فيكفي
في صحته أيضا مجرد كونه رفعا لما تحقق بالانشاء السابق ولو لم يكن حكما فعليا على الاطلاق، بل كان عبارة عن صرف قضية تعليقية
ومحض الملازمة بين وجود شئ ووجوب أمر كذا، إذ لا فرق بينهما الا من جهة انه في العرفيات عبارة عن ظهور الواقع بعد خفائه من
جهة ما يبدو لهم لما يرون فيه من المفاسد أو المزاحمة لما هو الأهم بخلافه في الشرعيات فإنه من جهة علمه سبحانه بعواقب الأمور و
إحاطته بالواقعيات عبارة عن إظهار الواقع بعد اختفائه لمصلحة تقتضيه. ومن ذلك نقول: بان باب النسخ أشبه شئ بباب التورية و
التقية، في كونه من باب التصرف في الجهة، من حيث إظهاره سبحانه حكما بنحو الدوام والاستمرار لمصلحة تقتضيه، مع علمه سبحانه
بنسخة فيما بعد حسب ما يرى في علمه من المصالح المقتضية لذلك، وعليه فصح أن يقول: إن جاء وقت كذا يجب كذا، ثم يقول بعد حين
قبل مجئ الوقت: نسخت ذلك الحكم، فكان المرفوع هو تلك الملازمة الثابتة بين وجوب شئ ومجئ وقت كذائي، ونتيجة ذلك هو
عدم وجوب ذلك الشئ عليه عند تحقق الوقت الكذائي. ثم إن ذلك أيضا بناء على المشهور في المشروطات من عدم فعلية التكليف فيها
الا بعد حصول المنوط به والشرط خارجا، والا فبناء على ما اخترناه من فعلية الإرادة والتكليف فيها بجعل المنوط به هو الشئ في
فرضه ولحاظه طريقا إلى الخارج فلا يحتاج إلى جعل المرفوع هو الملازمة، حيث كان المرفوع حينئذ هو الحكم الفعلي المنوط، بل لو
قلنا برجوع المشروطات إلى المعلقات بإرجاع القيود الواقعة في الاحكام إلى الواجب والمأمور به كان الامر أظهر، من جهة فعلية
الإرادة المطلقة الغير المنوطة بشي حتى في فرضه ولحاظه
552

فتأمل.
وعلى ذلك فلا يبقى مجال للتفصيل المزبور بين فرض ورود الخاص قبل حضور وقت العمل بالعام أو بعده، فإنه على كل تقدير يتأتى
فيه احتمال النسخ والتخصيص كما في الفرض الثالث، فلا بد حينئذ بعد جريان احتمال النسخ والتخصيص في كل من المفروض الثلاثة
من ترجيح أحد الاحتمالين على الاخر.
وقبل الشروع في بيان ترجيح أحد الامرين، نذكر ما يقتضيه الأصل العملي في المسألة عند الشك فنقول: اما إذا كان الخاص مقدما على
العام بحيث يحتمل كونه منسوخا بالعام الوارد بعده أو مخصصا وبيانا له، فمع الدوران يجري استصحاب حكم الخاص، من جهة الشك
في ارتفاعه لاحتمال كونه مخصصا للعام لا منسوخا به، فيستصحب، واما إذا كان الخاص واردا بعد العام، بحيث يحتمل فيه الناسخية و
المخصصية، فتارة يكون حكم الخاص المتأخر نقيضا لحكم العام، كما لو كان حكم العام هو وجوب إكرام العلماء، وكان حكم الخاص
عدم وجوب إكرام الفساق منهم، وأخرى يكون حكمه ضدا لحكم العام، كان كان حكم الخاص في الفرض المزبور حرمة إكرام الفساق
منهم أو كراهته.
فعلى الأول يجري فيه أيضا حكم التخصيص بمقتضى الأصل العدمي قبل ورود العام، من جهة انه قبل ورود العام يعلم بعدم وجوب
إكرام الفساق من العلماء، وبورود العام وهو قوله: أكرم العلماء، يشك في وجوب إكرامهم من جهة احتمال كون الخاص المتأخر
مخصصا للعام وبيانا له في عدم دخول الفساق منهم من الأول تحت حكم وجوب الاكرام، فيستصحب الحالة السابقة وهي عدم وجوب
إكرامهم فينتج حكم التخصيص دون النسخ. واما على الثاني فلا أصل يجري في البين من جهة القطع التفصيلي بانتقاض الحالة السابقة
على كل تقدير اما بوجوب الاكرام بمقتضى العام على فرض الناسخية واما بحرمة الاكرام الثابت للخاص على فرض المخصصية، فعلى
كل تقدير فلا شك فيه في البقاء حتى يجري استصحاب العدم السابق على العام، كما أنه بالنسبة إلى حكمه الفعلي أيضا مقطوع بحرمته
على تقدير المخصصية والناسخية. نعم لو كان مفاد العام هو وجوب الاكرام أو حرمته وكان مفاد الخاص المتأخر استحباب الاكرام أو
كراهته أمكن دعوى جريان حكم التخصيص بمقتضى استصحاب عدم المنع السابق، حيث إنه بالأصل المزبور مع ضميمة رجحانه الفعلي
أو المرجوحية الفعلية أمكن إثبات الكراهية أو الاستحباب، فتأمل.
553

هذا هو مقتضى الأصول العملية عند الشك وعدم ترجيح أحد الاحتمالين على الاخر، ولقد عرفت ان مقتضاها جريان حكم التخصيص في
جميع صور المسألة عدا فرض تضاد الحكم الثابت للخاص مع الحكم الثابت للعام.
واما مقام الترجيح فقد يقال: بترجيح احتمال التخصيص على احتمال النسخ، بتقريب ان التخصيص أكثر وأشيع من النسخ حتى قيل من
جهة كثرته وشيوعه: بأنه ما من عام الا وقد خص، وبان النسخ في الحقيقة تخصيص في الأزمان قبال التخصيص في الافراد، ومع
الدوران يقدم الثاني على الأول لكونه أكثر من تخصيص الأزمان. ولكن فيه ما لا يخفى. فإنه أولا نمنع كون النسخ من باب التخصيص
في الأزمان الراجع إلى باب التصرف في الدلالة، بل هو كما عرفت أشبه شئ بباب التقية الراجع إلى التصرف في الجهة قبال التخصيص
الراجع إلى مقام التصرف في الدلالة، كما يكشف عنه أيضا صحة النسخ بزمان يسير عقيب قوله: أكرم زيدا في كل زمان، مصرحا
بعمومه الازماني، حيث يرى بالوجدان انه يصح له نسخ ذلك الحكم بعد يوم أو ساعة، بقوله: نسخت ذلك الحكم، من دون استهجان أصلا،
مع عدم صحة ذلك بنحو التخصيص من جهة كونه من تخصيص الأكثر المستهجن، حيث إن نفس ذلك أقوى شاهد وأعظم بيان على عدم
ارتباط النسخ بباب التخصيص في الأزمان وكونه من سنخ الأكاذيب والتقية الراجعة إلى مقام التصرف في الجهة دون الدلالة، وثانيا
منع اقتضاء مجرد الشيوع والأكثرية لترجيح التخصيص والتصرف الدلالي على النسخ والتصرف الجهتي، والا لاقتضى ذلك تقديم
التقية على غيرها عند الدوران بينها وبين غيرها، نظرا إلى شيوع التقية في زمان صدور هذه الأخبار، مع أنه لا يكون كذلك، حيث إن
بنائهم على عدم الاعتناء باحتمال صدور الخطاب تقية الا في بعض الموارد الخاصة التي كان الأصل الجهتي فيها موهونا في نفسه، كما
في مسألة طهارة الكتابي، ومسألة حلية أكل ذبائحهم وطهارتها، ومسألة عدم تنجس الماء القليل بملاقاة النجاسة، بل ومنع أصل أكثرية
التخصيص من غيره، أيضا، فان لنا فرض الكلام في الخصوصيات الواردة في صدر الشريعة وبدوها، ولئن قيل بان الأكثرية و
الاشيعية انما هي بلحاظ الاحكام العرفية لا بلحاظ خصوص الخطابات الشرعية حتى يتوجه الاشكال المزبور، يقال إنه من الممنوع أيضا
أكثرية التخصيص في الاحكام العرفية من النسخ لولا دعوى أكثرية النسخ فيها بلحاظ جهلهم بالموانع
554

والمزاحمات الواقعية النفس الامرية، ولا أقل من عدم كون التخصيص فيها في الكثرة بمثابة يوجب أنس الذهن به كي يوجب الحمل عليه
في الخطابات الشرعية عن الدوران والترديد. وبالجملة فالمقصود من هذا البيان انما هو المنع عن كون وجه تقديم التخصيص على
النسخ من باب الأكثرية والاشيعية، والا فربما نحن نساعد أيضا على أصل المدعى من تقديم التخصيص على النسخ عند العرف والعقلاء
بحسب ارتكازاتهم في الخطابات الشرعية والاحكام العرفية الجارية بنياتهم.
وقد يقرب وجه تقديم التخصيص على النسخ بما قرب في وجه تقديم أصالة السند والجهة على أصالة الظهور والدلالة، من دعوى ان
الأصل الجاري في السند كما كان في رتبة سابقة على أصالة التعبد بالظهور لكونها منقحة موضوعها، كذلك الأصل الجاري في الجهة
أيضا، بلحاظ ان موضوع الجهة في الظهور هو الكلام الصادر عن المعصوم عليه السلام عن داعي الجد لبيان حكم الله الواقعي، لا للتقية و
نحوها، وانه لولا إحراز أصل صدور الكلام عن الإمام عليه السلام وإحراز جهة صدوره وكونه لبيان الحكم الواقعي لا ينتهى النوبة إلى
مقام التعبد بظهوره ودلالته، فبذلك يكون أصالة التعبد بالصدور والجهة في رتبة سابقة على أصالة التعبد بالظهور والدلالة، لكونهما
منقحتي موضوعها، باعتبار كون الأول مثبتا لأصل الموضوع وهو كون الكلام صادرا عن الإمام عليه السلام، والثاني لكيفية صدوره و
كونه لبيان الحكم الواقعي لا للتقية ونحوها، وعليه فعند الدوران بين التصرف الدلالي و التصرف الجهتي يقدم الأصل الجهتي على
الأصل الدلالي، من جهة تقدمه عليه رتبة في المشمولية لدليل الاعتبار. وبذلك يقال في المقام أيضا بان النسخ بعد إن كان سنخه من باب
التقية الراجع إلى التصرف في الجهة، لا من باب التخصيص في الأزمان الراجع إلى التصرف الدلالي، فمع الدوران في العام بين كونه
منسوخا بالخاص المتأخر أو مخصصا به يقدم الأصل الجاري في جهته على الأصل الجاري في ظهوره ودلالته، من جهة جريان أصالة
الجهة فيه حينئذ في الرتبة السابقة بالمزاحم، و معه لا بد من رفع اليد عن ظهوره ودلالته في العموم بمقتضى ما في القبال من الخاص
الاظهر، من غير فرق في ذلك بين الظهور الخاص في ثبوت حكمه على فرض المخصصية من بدو الشريعة أو عدم ظهوره فيه بل ظهوره
في ثبوت حكمه في زمان صدوره، وإن كان على الأخير لا ثمرة عملية في البين، من جهة القطع بحجية العام على كل تقدير إلى زمان
555

صدور الخاص ولزوم الاخذ بالخاص من حينه ورفع اليد عن العام على كل تقدير أيضا سوأ على الناسخية أو المخصصية، هذا.
ولكن قد يورد على هذا التقريب بعد إجراء هذا المقدار من الترتب والطولية لتقديم الأصل الجهتي على الأصل الدلالي عند الدوران،
بدعوى انه كما لا مجال للتعبد بظهور الكلام بدون إحراز أصل صدوره وجهته كذلك لا مجال أيضا للتعبد بسنده وجهته مع عدم
ظهوره وإجماله، حيث لا يترتب عليهما أثر عملي في البين حتى يجري فيهما أصالة التعبد، بل وانما ترتبه على ظهور الكلام الصادر عن
الإمام عليه السلام لأجل بيان الحكم الواقعي، وعلى ذلك فكان كل من السند والجهة والدلالة مما له الدخل في ترتب الأثر على الخبر في
عرض واحد، حيث كان ترتب الأثر عليه ووجوب المعاملة معه معاملة الواقع منوطا بسد أمور ثلاثة: أحدها احتمال عدم صدوره، وثانيها
احتمال صدوره لا لأجل بيان حكم الله الواقعي بل لأجل التقية ونحوها، وثالثها احتمال كون المراد غير ما هو ظاهره، وفي ذلك يكون
مجموع الأمور الثلاثة من قبيل العلة المركبة لترتب الأثر وهو وجوب العمل، بحيث بانتفاء أحدها ينتفي الأثر المقصود من التعبد
بالبقية، وحينئذ فإذا كان كل من أصالة السند والجهة والدلالة في عرض واحد بالنسبة إلى ترتب الأثر والنتيجة فقهرا لا يبقى مجال
تقديم أحدها على الاخر في المشمولية لدليل الاعتبار بمحض تقدمها الطبعي.
ولكن يمكن دفع ذلك بان الامر وإن كان كما ذكر من احتياج كل من التعبد بالسند والجهة والدلالة في الجريان إلى جريان التعبد
بالآخر، ولكن نقول: بان ذلك غير قادح في تقدم الأصل الجهتي على أصالة الظهور بعد اختلاف نحوي التوقف والاحتياج فيهما، و
كون التوقف والاحتياج في بعضها من جهة عدم إحراز الموضوع، وفي البعض الاخر من جهة عدم الأثر ولغوية التعبد بدونه، حيث إن
من المعلوم حينئذ ان الأصل الجهتي لكونه منقح موضوع الأصل الدلالي وفي رتبة سابقة عليه مقدم لا محالة على الأصل الدلالي في مقام
الدوران في المشمولية لدليل الاعتبار، فلا بد حينئذ من رفع اليد عن أصالة الظهور والدلالة، وذلك أيضا ينطبق على ما عليه ديدن
الأصحاب من تقديم التصرف الدلالي على التصرف الجهتي ولو بنحو التقية مع كثرتها وشيوعها في زمن الأئمة عليهم السلام.
وعليه فحيث ان باب النسخ كان من سنخ التورية والتقية في كونه من قبيل التصرف في الجهة لا من قبيل التصرف في الدلالة فعند
الدوران بين كون الخاص مخصصا للعام أو ناسخا
556

له يقدم التخصيص على النسخ ويحكم بكونه مخصصا له لا ناسخا، هذا.
ولكن مع ذلك كله فالتحقيق هو عدم إثمار هذا الترتب والطولية بين الأصل الجهتي والدلالي لشئ بوجه أصلا، وذلك:
اما في مقام الدوران بين التصرف الدلالي والتقية: فمع استلزام الأصل الجهتي لطرح الدلالة رأسا فظاهر، من جهة لغوية التعبد بالجهة
حينئذ مع انتفاء أصل الدلالة، واما مع عدم استلزامه لذلك وإمكان الاخذ بالعام ولو ببعض مدلوله فبأنه وإن كان يجري الأصل الجهتي
ويؤخذ بالعام مثلا في بعض مدلوله بلا كلام لكنه لا يتوقف هذا المقدار على ما ذكر من الترتب والطولية بينهما، من جهة وضوح كون
الامر كذلك ولو على القول بالعرضية، من جهة العلم التفصيلي حينئذ بخروج مقدار من المدلول عن تحت الحجية سوأ على تقدير
التخصيص أو التقية، واما فيما عدا هذا المقدار من المدلول فحيثما لا تنافي بين الأصلين يؤخذ بهما، فيترتب عليهما وجوب العمل على
طبقه سوأ فيه بين طولية الأصلين أو عرضيتهما هذا إذا كان الدوران بين التقية والتخصيص.
واما إذا كان الدوران بين النسخ والتخصيص كما في المقام، فإن كان الخاص مقدما على العام وقد احتمل فيه كونه مخصصا للعام أو
منسوخا به، ففي ذلك يقع التعارض بين الأصل الجهتي في الخاص المقدم وبين الأصل الدلالي في العام المتأخر، وحيث انه لا يكون
لأحدهما تقدم رتبي على الاخر كما في فرض اعتبارهما في دليل واحد فلا جرم ينتهى الامر فيهما بعد المعارضة إلى التساقط، وفي
مثله يكون المرجع هو استصحاب حكم الخاص. واما إن كان الخاص متأخرا عن العام فإن كان ذلك قبل حضور وقت العمل بالعام فلا
ثمرة تترتب على كونه ناسخا أو مخصصا، من جهة انه على كل تقدير يكون العمل على طبق الخاص المتأخر من حين صدوره، واما إذا
كان صدوره بعد حضور وقت العمل بالعام بمدة فتارة لا يكون له ظهور في ثبوت مدلوله من الأول من حيث ورود العام وأخرى كان
له هذا الظهور، فعلى الأول فلا دوران في البين بين الأصلين إذ كما أنه يجري فيه الأصل الجهتي كذلك يجري فيه الأصل الدلالي أيضا إلى
حين ورود الخاص، ومعه يكون المتبع هو أصالة العموم إلى حين ورود الخاص، ومن حين ورود الخاص يكون العمل على طبق الخاص
المتأخر سوأ كان ناسخا أو مخصصا، واما على الثاني من فرض اقتضاء الخاص المتأخر على تقدير كونه مخصصا ولو من جهة إطلاقه
لثبوت حكمه من حين ورود
557

العام، كما كان ذلك شأن أغلب الخصوصيات، ففي مثله وان دار الامر بين التصرف في ظهور العام وبين التصرف في جهته وكان
يثمر أيضا فيما قبل ورود الخاص من الأزمنة المتقدمة من جهة القضاء والكفارة لو كان الواجب مما يترتب على تركه ذلك، الا ان طرف
المعارضة بدوا لما كان هو إطلاق الخاص المتأخر في ثبوت مفاده من أول الأمر، من جهة منافاته بالضرورة مع قضية ظهور العام في
العموم، فلا جرم ينتهى الامر فيهما إلى التساقط، ومع سقوط أصل الظهور في العام عن الحجية في العموم يجري عليه قهرا حكم
التخصيص. ولئن شئت قلت بان أصل الجهة في العام في مثل الفرض من جهة إناطته بجريان أصالة الظهور في العام وشمول عمومه
لزيد أيضا في نحو قوله: أكرم كل عالم - إناطة الشئ بموضوعه - كان غير جار على كل تقدير من جهة وضوح عدم المجال للتعبد
بالجهة بالنسبة إلى زيد مع عدم التعبد بعموم العام وشموله له، فيكون حينئذ طرف المعارضة قضية إطلاق الخاص المتأخر في ثبوت
حكمه على تقدير التخصيص من حين ورود العام، ومع التعارض وسقوط أصالة الظهور في العام عن الحجية فقهرا يجري عليه حكم
التخصيص، ولا بد فيه من الرجوع إلى الأصول التي توافق بحسب النتيجة مع التخصيص تارة، كما في فرض كون مفاد العام هو وجوب
إكرام العلماء ومفاد الخاص عدم وجوب إكرام زيد العالم، وأخرى مع النسخ، كما في فرض كون مفاد العام عدم وجوب إكرام العلماء
ومفاد الخاص وجوب إكرام زيد حيث إن قضية البراءة عن القضاء مثلا حينئذ توافق النسخ، هذا.
ولكن الذي يسهل الخطب عدم ترتب أثر عملي على مثل هذا الفرض بالنسبة إلينا بعد تأخر زماننا عن زمان العام والخاص، من جهة
وضوح انه على كل تقدير كان الواجب علينا الاخذ بالخاص والعمل على طبقه ناسخا كان أو مخصصا. نعم في الخاص المتقدم كان له
ثمرة مهمة من حيث كونه مخصصا للعام المتأخر أو منسوخا به، ولكنك عرفت فيه أيضا ان اللازم فيه هو الرجوع إلى استصحاب حكم
الخاص من جهة معارضة الأصل الجهتي في الخاص حينئذ مع الأصل الدلالي في العام المتأخر وتساقطهما فتدبر. هذا تمام الكلام في
العام والخاص.
558

المقصد الخامس في المطلق والمقيد
وقد عرف المطلق بأنه ما دل على شايع في جنسه، والظاهر أن المراد من الجنس في المقام هو السنخ، لا الجنس المصطلح عند
المنطقيين: أي الكلي المقول على كثيرين مختلفين في الحقيقة في جواب ما هو، قبال النوع، ولا ما هو المصطلح منه عند النحويين: أي
الماهيات الكلية المقصورة بأسامي الأجناس، كيف وان من المعلوم صحة إطلاقه على الافراد المعينة الشخصية بلحاظ الحالات الطارية
عليها، كما في زيد، حيث إنه مع شخصيته يكون مطلقا بلحاظ حال القيام والقعود والمجئ وغيرها من الحالات، فكان ذلك حينئذ
شاهدا على أن المراد من الجنس المأخوذ في تعريفه هو مطلق السنخ الصادق على الذوات الشخصية الخارجية ولو بلحاظ تحليل الذوات
الشخصية إلى حصص سارية في ضمن الحالات المتبادلة، وعلى الحصص السارية في ضمن افراد الطبيعي كالحيوان والانسان مثلا، غير أن
الفرق بينهما هو استقلال كل حصة من حصص الطبيعي في عالم الوجود، بخلافه في الحصص السارية من الذوات الشخصية بلحاظ
الحالات المتبادلة حيث إنها موجودات بوجود واحد ومجتمعات تحت حد واحد في الخارج، ولا يكون التعدد فيها الا بحسب التحليل، و
لكن مجرد هذا المقدار من الفرق لا يضر بما هو المطلوب من شمول تعريف المطلق لمثله، كما لا يخفى. فكان المراد من المطلق حينئذ
في المقام ما هو المعبر عنه بالفارسية ب (رهاى در مقام انطباق) الغير الممنوع عن الصدق على ما هو من سنخه، في قبال المقيد المعبر
عنه بالفارسية ب (بسته در مقام انطباق) الممنوع عن الصدق على هو من سنخه، فان تقيد الشئ ببعض القيود كتقيد زيد بالقيام يمنع
عن شيوع الحصة المحفوظة
559

في ضمنه بالنسبة إلى ما كان من سنخه من بقية الحصص، ومن ذلك لا يصدق زيد القائم بلحاظ توصيفه بالقيام على زيد القاعد، وإن كان
هو أيضا مطلقا باعتبار ما في ضمنه من الحصص بلحاظ الحالات المتبادلة الطارية كالضحك والتكلم والكتابة وغيرها، وهو
واضح.
واما الشياع فالمراد به تارة هو سريان الطبيعة في ضمن جميع الافراد، وهو المعبر عنه في اصطلاح بعضهم بالعموم السرياني، و
أخرى قابلية الطبيعي للانطباق على القليل والكثير انطباقا عرضيا. والمطلق بالمعنى الأول يطلق غالبا على المواد المأخوذة في طي
النواهي النفسية، كقوله: لا تشرب الخمر، وفي طي الأحكام الوضعية، كقوله: أحل الله البيع ونحوه، حيث إنه وإن كان نحو ضيق في
الطبيعة حينئذ باعتبار عدم الانطباق إلا على الكثير، الا انه من جهة لحاظ سريانها في ضمن الافراد كان له إطلاق، في قبال المقيد بقيد
خاص غير قابل للانطباق الا على المقيد. وبالمعنى الثاني يطلق غالبا على المواد المأخوذة في طي كثير من الأوامر، والمطلق بهذا
المعنى أوسع دائرة من المطلق بمعنى السريان، من جهة عدم اعتبار تقيده بشي من الخصوصيات حتى خصوصية السريان، فكان من
جهة إرساله وعدم تقيده بشي من الخصوصيات الوجودية والعدمية مجامعا مع كل خصوصية ونقيضها وقابلا للانطباق على القليل و
الكثير، ومثل هذا المعنى هو المعروف عندهم باللابشرط المقسمي.
ثم إنه بعد بعد ما اتضح لك هذه الجهة، يبقى الكلام فيما هو مركز التشاجر والنزاع في مداليل أسماء الأجناس بين المشهور من القدماء و
بين السلطان في أنها هل هي الطبيعة المطلقة المأخوذة لا بشرط وعلى وجه الارسال؟ أو هي الطبيعة المهملة المجامعة مع التقيد و
الاطلاق كما عليه السلطان؟ وفي ان المراد من الطبيعة المهملة ما هو؟ وقبل الخوض في المقصود ينبغي بيان أمرين لكي ينكشف بهما
الحجاب عن وجه المرام:
الأول
انه لا شبهة في أن للماهية تصورات بحسب التعلق الأولي: منها: تعقلها مقيدة ومع الضميمة والشرط، كالانسان الملحوظ معه خصوصية
الزيدية وكالرقبة الملحوظ معها خصوصية الايمان مثلا ونحو ذلك من الخصوصيات والضمائم، وقد شاع التعبير عن ذلك بالماهية
بشرط شئ، وربما عبر عنه أيضا بالمخلوطة قبال المجردة. ومنها: تعقلها مجردة وبلا شرط وضميمة، وهذا على قسمين: تارة
اعتبارها بقيد التجرد عن جميع القيود والخصوصيات، وأخرى اعتبارها بنفسها مجردة من غير اعتبار قيد التجرد عن الخصوصيات
560

فيها، فكان تجردها حينئذ من جهة عدم تعدي اللحاظ عن ذات الماهية إلى شئ آخر معها، وبعبارة أخرى: الملحوظ في هذا القسم عبارة
عما هو مصداق المجرد لا الطبيعة متقيدة بقيد التجرد عن الخصوصيات، بخلاف سابقه فإنه قد اعتبر فيه قيد التجرد عن الخصوصيات،
وقد عبروا عن الأول باللابشرط القسمي وعن الثاني باللابشرط المقسمي، وقالوا بامتناع صدق الأول وانطباقه على الخارجيات
لكونه كليا عقليا لا موطن له الا في الذهن، بخلاف الثاني فإنه من جهة عدم اعتباره مقيدا بقيد التجرد كان قابلا للانطباق على الخارج و
للصدق على القليل والكثير. ومنها اعتبارها بنحو السريان في ضمن جميع الافراد الملازم لعدم انطباقها إلا على الكثير دون القليل.
ولكن من الواضح أيضا لزوم ان يكون في البين أمر واحد في هذه الاعتبارات يكون هو الجامع، والمقسم لهذه الأقسام في قولك:
الماهية اما أن تكون كذا واما أن تكون كذا، وان لم يمكن تصوره مستقلا، وذلك من جهة وضوح مباينة كل واحدة من هذه الاعتبارات
في الذهن مع الاعتبار الاخر حتى الماهية المجردة على النحو الثاني، فإنها أيضا في ظرف اعتبارها كذلك تباين الماهية المقيدة و
المأخوذة بنحو السريان بحيث لا يكاد انطباقها في ظرف اعتبارها كذلك على المقيدة، وإن كانت تنطبق على مصداقها وما بإزائها
خارجا، ومن ذلك أيضا ترى بناء المشهور على كون استعمال لفظ المطلق في المقيد مجازا، وليس ذلك الا من جهة ما ذكرنا من تباين
كل من المطلق والمقيد بحسب الاعتبار مع الاخر، وعليه فلا يمكن أن تكون الماهية المجردة المعبر عنها في مصطلحهم باللابشرط
المقسمي هي المقسم حقيقة في هذه الاعتبارات، بل لا بد وأن يكون ما هو المقسم لها عبارة عن القدر المشترك بين تلك الاعتبارات. و
المرجع للضمير في التقسيم في قولك الماهية اما أن تكون كذا واما أن تكون كذا، وان لا يمكن تعقله مستقلا ولا كان له وجود في
الذهن بحسب التعقل الأولى إلا في ضمن تلك الاعتباريات المختلفة، نظير المادة المأخوذة في المشتقات المحفوظة في ضمن الصيغ
الخاصة والهيئات المخصوصة، وذلك لان كلما يتصور ويوجد في الذهن من الصور حسب التعقل الأولى لا يخلو من كونها اما صورة
واحدة للقيد والخصوصية أو فاقدة لها، فلا صورة ثالثة في البين مستقلا في ذلك الوعاء تكون هي الجامع والقدر المشترك بين الواجد
والفاقد الا بالتحليل العقلي حسب التعقل الثانوي، بتحليل كل صورة إلى ذات وخصوصية، ولو كانت الخصوصية هي خصوصية التجرد
والفقدان.
561

ولئن شئت فاستوضح ذلك بالطبيعي في الخارج، فإنه كما لا يكون للطبيعي وجود مستقل في الخارج، بل كان وجوده في ضمن افراده،
كذلك الجامع في المقام، فلا يكون له في الذهن أيضا وجود الا في ضمن الصور الخاصة، ولا يكون له وجود مستقل الا بالتحليل العقلي
حسب التعقل الثانوي، بتحليل كل صورة إلى ذات وخصوصية، كتحليل الموجود الخارجي إلى ذات وهو الطبيعي وخصوصية، غايته ان
الفرق بينهما هو ان التحليل في الموجود الخارجي كان بحسب التعقل الأولى وفي الصور الذهنية بحسب التعقل الثانوي، كما هو واضح.
وعلى ذلك فما أفادوه في الطبيعة المجردة المطلقة من التعبير عنها باللابشرط المقسمي، بجعلها مقسما لهذه الاعتبارات، وجعل
القسمي هي الطبيعة المتقيدة بقيد التجرد عن جميع الخصوصيات، منظور فيه، من جهة ما عرفت من عدم كون المجردة مقسما حقيقة
لتلك الاعتبارات، وان المقسم لها حقيقة انما هو القدر المشترك المحفوظ في ضمن المجردة وغيرها الذي لا يكون له في الذهن وجود
منحاز مستقل الا بحسب التعقل الثانوي.
الأمر الثاني
لا إشكال ظاهرا في أن المراد من الماهية المطلقة لدى المشهور في نحو مداليل أسامي الأجناس انما هو القدر المشترك بين الماهية
المجردة المعبر عنها عندهم باللابشرط المقسمي وبين الطبيعة المأخوذة بنحو السريان في ضمن جميع الافراد كالمواد المأخوذة في
طي النواهي، لا ان المراد هو خصوص الطبيعة المجردة التي من شأنها قابلية الانطباق على القليل والكثير، كيف ولازم ذلك هو المصير
إلى المجاز في موارد إرادة الساري منها، مع أنه كما ترى لا يظن منهم الالتزام به، فان المشهور كما بنوا على كونها حقيقة في الطبيعة
المطلقة المعبر عنها باللابشرط المقسمي كذلك بنوا على كونها حقيقة في المأخوذة بنحو السريان في ضمن جميع الافراد، وانما خصصوا
المجازية في خصوص المقيدة ببعض الخصوصيات، في قبال السلطان القائل بوضعها للطبيعة المهملة وكونها حقيقة مطلقا حتى في
المقيدة. وعلى ذلك فبعد اختلاف الاعتبارين: اعتبار المجردة والسارية وبطلان الاشتراك اللفظي لا بد لهم من الالتزام بوضعها للقدر
المشترك بينهما، كما لا يخفى. وإذا عرفت ذلك نقول: إن المراد من الماهية المهملة لدى السلطان ومن تبعه انما هو القدر المشترك بين
ما يقبل الانطباق على القليل والكثير كالطبيعة المطلقة وبين ما لا يقبل الانطباق إلا على الكثير أو القليل كالطبيعة السارية والمقيدة،
فكان دعوى السلطان
562

على أن أسامي الأجناس كالرقبة مثلا كانت موضوعة للقدر المشترك المحفوظ في جميع تلك الاعتبارات المختلفة الذي هو المقسم
الحقيقي لها من دون دخل شئ من تلك الخصوصيات حتى خصوصية التجرد والاطلاق في الموضوع له فيها أصلا وان استفادة
الخصوصيات انما كانت بدوال أخر، في قبال المشهور القائلين بوضعها للطبيعة المجردة القابلة للانطباق على القليل والكثير أو للقدر
الجامع بينها وبين الطبيعة السارية. ومن ذلك يحتاج مثل السلطان ومن تبعه في هذا المسلك إلى التشبث بقرينة الحكمة في استفادة
معنى الشياع والاطلاق عند الاطلاق، باعتبار ملائمة قضية الوضع مع إرادة كل من المطلق والمقيد، بخلاف المشهور فإنهم يغنيهم قضية
وضع اللفظ للمعنى الاطلاقي عن التشبث بقرينة الحكة.
وحينئذ فحيث اتضح ذلك نقول بأنه لا ينبغي التأمل في أن التحقيق هو ما عليه السلطان من الوضع لنفس الماهية المهملة والقدر الجامع
المحفوظ بين جميع تلك الصور المختلفة من المجردة والمقيدة والمأخوذة على نحو السريان، كما يشهد له قضية الارتكاز والوجدان
في كونها على نحو الحقيقة في جميع الموارد، عند إرادة الخصوصيات بدوال أخر لا من نفس اللفظ باستعماله في الخصوصيات، حيث
يرى أن استعمال الرقبة مثلا في الرقبة المؤمنة مع إرادة الخصوصية بدال آخر، بعينه كاستعمالها في المجردة عن قيد الايمان، من دون
احتياج إلى رعاية عناية في البين أصلا، وان المقصود من الرقبة في قولك: أعتق رقبة، هو المراد والمقصود منها في استعمالها في
المقيدة في قولك الرقبة المؤمنة، بلا ارتكاب تجوز وعناية في البين، حيث إن ذلك كاشف ان الموضوع له هو المعنى الجامع والقدر
المشترك بين المطلقة والمقيدة، كيف وقد عرفت ان المشهور لا بد لهم أيضا من الالتزام بالوضع للقدر المشترك بين الطبيعة الشائعة
بنحو السريان وبين الطبيعة الصرفة القابلة للانطباق على القليل والكثير، من جهة ما عرفت من مباينة الماهية بكل واحد من الاعتبارين
في عالم اعتبارها معا للاخر. وعليه فبعد لا بدية الالتزام بالقدر الجامع بين نحوي الاعتبارين المزبورين: أي اعتبار الشياع، بمعنى
السريان، والشياع بمعنى القابلية للانطباق على القليل والكثير، يتوجه الاشكال بأنه لم لم يحدد دائرة الجامع بما يعم المقيد بل يقتصر
في تحديده بما هو في ضمن الشياعين فتدبر.
فلا بد حينئذ بعد عدم وجه وجيه للتخصيص بذلك من الالتزام بما عليه السلطان (قدس سره) من الوضع للماهية المبهمة والقدر
المحفوظ بين المقيدة وبين الشياعين. هذا كله في
563

أسامي الأجناس كالانسان والأسد.
واما علم الجنس كأسامة فهو أيضا من هذه الجهة كاسم الجنس، فعند المشهور كان موضوعا للطبيعة المطلقة، وعند السلطان ومن تبعه
للطبيعة المهملة، وانما الكلام في أنه هل فيه مزية زائدة على اسم الجنس من حيث التعين بالإشارة الذهنية كما عليه المشهور أيضا،
بشهادة المعاملة معها معاملة التعريف ولو بدون أداته؟ أم لا، بل كان كاسم الجنس وكان التعريف فيه لفظيا لا معنويا؟ فيه وجهان
ثانيهما مختار الكفاية، حيث قال () ما محصله: ان التحقيق انه موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ كونه متعينا بالتعين الذهني، وان
التعريف فيه كان لفظيا محضا لا معنويا، كالتأنيث اللفظي في غيره، والا لما صح حمله على الافراد وانطباقه على الخارجيات، من جهة
رجوع التقيد المزبور حينئذ إلى التقيد بالوجود الذهني المانع عن الصدق على الخارجيات، فيحتاج حينئذ إلى التجريد في مقام الحمل
على الافراد عن تلك الخصوصية والمصير إلى المجاز، مع أنه كما ترى، حيث يرى بالوجدان صحة حمله على الافراد وصدقه على
الخارجيات من دون تجريد ورعاية عناية مجاز أصلا، خصوصا مع بعد الوضع لمعنى يحتاج إلى التجريد عن الخصوصية دائما عند
الاستعمال، فان مثل هذه الجهة مما لا ينبغي صدوره عن جاهل فضلا عن الواضع الحكيم، هذا.
ولكن فيه انه بعد كون الإشارة الذهنية إلى الشئ غير وجوده في الذهن - لكون الإشارة الذهنية إلى الشئ عبارة عن توجه النفس إليه
في ظرف الفراغ عن وجوده في الذهن، بشهادة صحة تصور أمور متعددة في الذهن والإشارة إلى بعضها بأنه أحسن من ذلك - نقول
بأنه من الممكن حينئذ الفرق بين اسم الجنس وبين علم الجنس بحسب المعنى، بدعوى ان الأول موضوع لنفس الطبيعة المطلقة أو المهملة
على اختلاف المسلكين، والثاني موضوع للطبيعة بما انها معروضة للإشارة الذهنية ولولا متقيدة بها، وبعبارة أخرى الموضوع له في
علم الجنس هو حصة من الطبيعي تعلقت بها الإشارة الذهنية بلا أخذ جهة التقيد بها في مدلوله ومعناه، وعليه فالفرق بين اسم الجنس و
علمه كان بحسب المعنى حيث إنه كان لاسم الجنس سعة إطلاق يشمل ما يشار إليه من الحصص وما
564

لا يشار إليه منها، بخلافه في علم الجنس، فإنه لما اعتبر فيه كونه حصة من الطبيعي وقعت معروضة للإشارة فقهرا لم يكن له تلك السعة
من الاطلاق بنحو يشمل ما لا يشار إليه من الحصص، بل يختص بالحصص المعروضة للإشارة، كما أنه من جهة عدم أخذ التقيد بالإشارة
فيه كان قابلا للحمل على الافراد وللانطباق على الخارجيات. وبالجملة فعلى هذا البيان أمكن دعوى الفرق بين علم الجنس واسمه
بالمصير إلى ما عليه المشهور من أهل العربية من كون التعريف في علم الجنس معنويا. ثم إن ذلك كله بحسب مقام أصل الثبوت.
واما في مقام الاثبات والتصديق بأحد المسلكين فهو راجع إلى اللغة ويتبع التبادر ونحوه، مع أنه لا يكون البحث فيه بمهم أيضا في
كون التعريف فيه لفظيا أو معنويا، من جهة عدم ترتب ثمرة مهمة عليه، كما هو واضح.
ثم إنه مما ذكرنا ظهر الحال في الجنس المحلى باللام أيضا، حيث إنه يمكن دعوى كون اللام فيه موضوعا للتعريف ومفيدا للتعين من
دون اقتضائه للمنع عن صحة انطباقه على الخارج كي يلزمه التجريد في مقام الحمل على الافراد، كما لا يخفى. نعم في مثل (هذا الرجل لا
بأس بدعوى كون اللام فيه للزينة، كما في الحسن والحسين، وذلك أيضا انما هو من جهة ما يلزمه من لزوم تحقق الاشارتين في آن
واحد إلى الطبيعة، الذي هو من المستحيل، بملاك استحالة استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد، فتأمل. فلا بد حينئذ من جعل اللام
لمحض الزينة، ولكن لا يلزمها كونها للزينة على الاطلاق حتى في غير مورد تعين المدخول بمثل هذا ونحوه، حيث إنه من الممكن حينئذ
الالتزام بكونها مفيدة للتعريف وتعين المدخول عند عدم تعينه من جهة أخرى. وحينئذ فاللازم هو إثبات هذه الجهة من وضع اللام لغة
للتعريف وتعين المدخول، ولا يبعد دعوى كونه كذلك بحسب اللغة من جهة ما هو المتبادر والمنساق منه في مثل قولك: الرجل و
الأسد، والحيوان. والامر سهل.
ومن مصاديق المطلق النكرة، وهي عبارة عن الطبيعة المتقيدة بإحدى الخصوصيات، على أن يكون الاحد بيانا ومقدرا لكم القيد، وانه
إحدى الحصص قبال التمام وبالبعض والعشرة والعشرين ونحوها، من دون ان يكون عنوان الاحد بنفسه قيدا للطبيعة بوجه أصلا، و
إلى ذلك أيضا نظر من عبر عنها بالفرد المنتشر حيث كان المقصود
565

منه هو الطبيعة المتقيدة بخصوصية كمها ومقدرها الواحد، لا ان القيد هو هذا العنوان كما يظهر من الكفاية ()، من حيث إرجاعه النكرة
إلى الطبيعة المتقيدة بعنوان الواحد بما هو هذا المفهوم، كيف وان لازمه هو عدم خروجها عن قابلية الانطباق بانطباق عرضي على
القليل والكثير، لان مثل هذا العنوان أيضا عنوان كلي كأسامي الأجناس، وتقيده بمفهوم الواحد لا يوجب خروجه عن القابلية للانطباق
عرضا على القليل والكثير، وإن كان قضية التقيد المزبور تضيق دائرته من جهة أخرى، مع أنه كما ترى، فان شأن النكرة انما هو عدم
الانطباق على المتكثرات الا بانطباق تبادلي. وهذا بخلاف ما لو كان الاحد بيانا ومقدرا لما هو كم القيد، وانه إحدى الحصص، وكان
القيد نفس الحصص والخصوصيات، فان لازم ذلك هو عدم صلاحيتها للانطباق على المتكثر الا بنحو البدلية دون العرضية. وبالجملة
فرق واضح بين ان يكون عنوان الواحد بنفسه قيدا للطبيعة وبين ان يكون مقدرا لكم القيد وكان القيد هي الخصوصيات، حيث إنه على
الأول يصدق الطبيعة المتقيدة بالواحد على الكثيرين بانطباق عرضي، بخلافه على الثاني من فرض كونه مقدرا لكم القيد، فإنه عليه لا
يصدق على الكثيرين الا بانطباق تبادلي، والنكرة المعبر عنها بالفرد المنتشر في قوله (رجل بنحو التنكير انما كانت من قبيل الثاني
دون الأول كما هو واضح.
ثم إنه ما يترتب على المسلكين هو تحقق الامتثال على مسلك أخذ عنوان الوحدة قيدا للطبيعة بأزيد من واحد فيما لو أتى في مقام
الامتثال بعشر واحدات دفعة واحدة، فإنه على هذا المسلك يتحقق الامتثال بالجميع، بخلافه على مسلك أخذ عنوان الواحد مقدرا لكم ما
هو القيد، فإنه عليه يتحقق الامتثال الا بواحد منها.
ومن لوازم ذلك أيضا هو دخول الخصوصيات طرا تحت الطلب دونه على المسلك الأول حيث كانت الخصوصيات عليه من لوازم
المطلوب وخارجة عنه. وربما يثمر هذه الجهة فيما لو قصد الخصوصية في مقام الامتثال، فإنه على المسلك الأول يكون تشريعا في
قصده من جهة خروجها عن حيز المطلوبية، بخلافه على المسلك الثاني، فإنه لا يكون فيه تشريع، بل ويتحقق القرب به أيضا.
وعلى كل حال فالنكرة التي قلنا برجوعها إلى الطبيعة المتقيدة بخصوصية كمها
566

ومقدرها الواحد لا يفرق فيها ولا يختلف مدلولها بين وقوعها في حيز الطلب كقوله: جئني برجل وبين وقوعها في حيز الاخبار كقوله:
جاء رجل من أقصى المدينة، بل هي في الموردين كانت مستعملة في معناها الحقيقي، غايته انه في الثاني قد علم المراد منها بدال آخر
خارجي، وانه حبيب النجار مثلا.
ثم اعلم أن الحمل على الاطلاق لا يختص بالألفاظ المطلقة الغير المقيدة بشي من الخصوصيات، بل يجري في كل ما يمكن ان يفرض لها
الاطلاق والارسال ولو بجهة من الجهات، وعليه فيجري مقدمات الاطلاق في النكرة أيضا، فإنها وإن كانت مقيدة بإحدى الخصوصيات،
و لكنها من غير تلك الجهة لما كانت يمكن ان يفرض لها الاطلاق والارسال، فعند الشك في مدخلية بعض الخصوصيات الأخر فيها
تجري فيها مقدمات الاطلاق، بل وقد عرفت جريان الاطلاق حتى في نحو الاعلام الشخصية أيضا بلحاظ ما يفرض لها من الاطلاق و
الارسال بلحاظ الحالات، كما لا يخفى.
وكيف كان فبعد ان اتضح وجه الفرق بين المسكين نقول بأنه على مسلك المشهور من وضع الألفاظ للطبيعة المطلقة لا بد بمقتضى
الوضع من الحمل على الاطلاق والارسال عند عدم القرينة على التقييد، من دون احتياج إلى التمسك بقضية مقدمات الحكمة، واما على
مسلك السلطان ومن تبعه من الوضع للطبيعة المهملة والجامع المحفوظ بين تلك الصور المجردة الفاقدة للخصوصية والواجدة لها،
فحيث ان وضع اللفظ بنفسه غير مقتض للحمل على الاطلاق والارسال من جهة ملائمته مع التقيد أيضا بنحو تعدد الدال والمدلول،
فيحتاج في استفادة الاطلاق والشياع إلى ضم قرينة الحكمة التي هي مؤلفة على التحقيق - كما سنذكرها إن شاء الله - من أمور:
منها: كون المتكلم بمدلول لفظه في مقام البيان على مرامه لا في مقام الاهمال والاجمال.
ومنها: عدم نصبه قرينة على التقييد وإرادة الخصوصية.
ومنها: عدم وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب أو مطلقا ولو من الخارج على وجه يأتي إن شاء الله تعالى.
حيث إنه باجتماع هذه الأمور يتم أمر الاطلاق ويستكشف منها عدم تقيد موضوع طلبه بشي من الخصوصيات وانه مأخوذ في اعتباره
على نحو الاطلاق
567

والارسال، وبانتفاء بعضها ينتفي أمر الاطلاق.
نعم ربما يختلف تلك المقدمات بحسب اللوازم أيضا فان المقدمة الأولى مما ينتفي بانتفائها موضوع الاطلاق بحيث لا يكاد وقوع
المعارضة بينه وبين ما في القبال من مطلق آخر ولو مع إحراز وحدة المطلوب، بل يقدم ذلك المطلق الاخر عليه بلا كلام، بخلاف
المقدمة الثانية، فان انتفائها موجب لوقوع المعارضة بينه وبين ما في القبال من مطلق آخر، فينتهى الامر فيهما إلى مقام الجمع أو
الترجيح.
وكيف كان فقبل الشروع في شرح مقدمات الاطلاق ينبغي بيان ان نتيجة تلك المقدمات هل هي الحمل على الطبيعة المطلقة الصرفة
التي من شأنها عدم قابلية انطباقها الا على أول وجود الطبيعي، كما قيل؟ أو الحمل على الطبيعة المهملة وما هو المقسم للطبيعة الصرفة
والمقيدة والمأخوذة بنحو السريان في ضمن جميع الافراد التي من شأنها سعة قابلية الانطباق على القليل والكثير من الافراد العرضية
والطولية؟ حيث إن فيه وجهين أظهرهما الثاني، فان غاية ما يمكن ان يقال في تقريب الوجه الأول هو دعوى ان كون المتكلم في مقام
بيان المراد وعدم نصبه للقرينة على الخصوصية والتقييد يقتضى ان ما اعتبره في لحاظه هو تلك الصورة المجردة الفاقدة لجميع
القيود والخصوصيات حتى خصوصية السريان في ضمن الافراد أعني الطبيعة الصرفة التي من شأنها قابلية الانطباق على القليل والكثير
عرضيا، ومن لوازمها سقوط الطلب والامر عنها بأول وجودها كما في أغلب المواد المأخوذة في حيز الأوامر، من غير مدخلية في ذلك
في مقام طلبه أيضا لشئ من الخصوصيات، والا كان اللازم عليه البيان على مدخلية الخصوصية بمقتضى برهان استحالة نقض الغرض.
ولكن يدفعه ان كينونة المتكلم في مقام بيان مراده بعد إن كانت بتوسيط لفظه وإظهار ان مدلوله تمام مراده، فلا جرم قضية ذلك بعد
عدم نصب القرينة على دخل الخصوصية هو الاخذ بما هو مدلول لفظه الذي هو عبارة على هذا المسلك عن الطبيعة المهملة والمعنى
اللابشرط المقسمي المحفوظ في ضمن جميع الأقسام من الصور والاعتبارات المتقدمة التي من شأنها سعة الانطباق على الافراد العرضية
والطولية، لا الحمل على الطبيعة المطلقة الصرفة التي من شأنها عدم قابلية الانطباق الا على أول وجود كما هو واضح، كيف وان لازم
ذلك هو المصير إلى اختلاف نتيجة الحكمة بوقوع الطبيعي في حيز الامر أو النهى، والالتزام بكونها منتجة في الأوامر لصرف الطبيعي
المنطبق على أول وجوده وفي النواهي للطبيعة
568

السارية من جهة ما هو المعلوم من انحلالية التكليف غالبا فيها خصوصا في النواهي النفسية الشرعية فإنه لم يوجد فيها مورد يكون
النهي فيه من قبيل صرف الوجود مع أنه كما ترى يبعد الالتزام به جدا. وهذا بخلافه على ما ذكرنا فإنه لا يلزمه اختلاف نتيجة الحكمة
بوقوع الطبيعي في حيز الامر أو النهى، بل النتيجة على هذا المسلك في جميع الموارد عبارة عن معنى وحداني، وهو ذلك المعنى
اللابشرط المقسمي المحفوظ في ضمن جميع الأقسام والصور المتقدمة الذي من شأنه الانطباق على الافراد العرضية والطولية ولو
بتوسيط انطباقه على الطبيعة الصرفة والمأخوذة بنحو السريان.
غاية ما هناك ان الفرق حينئذ بين الأوامر والنواهي - من حيث سقوط التكليف بأول وجود في الأول، وعدم سقوطه وانحلالية التكليف
إلى تكاليف متعددة في الثاني واقتضائه لامتثالات متعددة - انما كان من جهة المصلحة والمفسدة القائمة بالطبيعي من حيث الشخصية
والسنخية، فحيث ان الغالب في الأوامر هو كون المصلحة فيها على نحو الشخص، وكان من لوازم شخصيتها عقلا حصولها وتحققها
بتمامها بأول وجود الافراد، بخلافه في طرف النواهي، فان الغالب في المفاسد فيها هو كونها على نحو السنخ الموجب لمبغوضية
الطبيعي مهما وجد وفي ضمن أي فرد تحقق من الافراد العرضية والطولية بالبغض المستقل، أوجب ذلك الفرق المزبور بين الأوامر و
النواهي.
وبالجملة فتمام الفرق على هذا المسلك انما هو من جهة المصلحة والمفسدة القائمة بالطبيعي من حيث الشخصية والسنخية، والا ففي
طرف معروض المصلحة والمفسدة لا يكاد اختلاف نتيجة الحكمة بحسب الموارد، فإنه على كل تقدير وفي جميع الموارد عبارة عن
ذاك المعنى اللابشرط المقسمي المحفوظ في جميع الأقسام من الاعتبارات المتقدمة الذي عرفت انطباقه على القليل والكثير وعلى
الافراد العرضية والطولية، غاية الأمر في فرض كون المصلحة والمفسدة على نحو الشخص يسقط التكليف عن الطبيعي بامتثال واحد
فعلا أو تركا، من جهة تحقق تمام المصلحة حينئذ بإيجاد واحد. واما في فرض قيام سنخ المصلحة والمفسدة بالطبيعي فلا يسقط
التكليف عن الطبيعي رأسا بامتثال واحد، بل لا بد من امتثالات متعددة، من جهة اقتضاء المصلحة السنخية لمطلوبية الطبيعي مهما وجدت
ولو في ضمن الافراد الطولية. ففي الحقيقة الاكتفاء بأول وجود في موارد قيام شخص المصلحة أو المفسدة انما هو من جهة القصور في
التكليف والمصلحة عن الشمول للوجود بعد الوجود،
569

لا من جهة القصور في ناحية المتعلق في قابلية الانطباق على ثاني الوجود وثالثه ورابعه، وبينهما فرق واضح. وهذا بخلافه على
المسلك الأول فإنه عليه لا مجال للتفرقة بين الأوامر والنواهي من جهة المصلحة والمفسدة من حيث الشخصية والسنخية، وذلك لان
مقتضى الطبيعة الصرفة بعد إن كان هو الانطباق على خصوص أول وجود فلازمه انما هو سقوط التكليف رأسا بإتيان أول وجود، من
غير فرق فيه بين كون المصلحة والمفسدة على نحو الشخص أو السنخ، من جهة حصول تمام السنخ حينئذ تبعا للمتعلق بأول وجود، فلا
بد حينئذ من المصير في الفرق المزبور بين الأوامر والنواهي إلى اختلاف نتيجة الحكمة وانها في الأوامر هي الطبيعة الصرفة وفي
النواهي بملاحظة القرينة النوعية هي الطبيعة السارية كما هو واضح، فتدبر.
وحيثما اتضح هذه الجهة فلنشرع في
شرح مقدمات الاطلاق
فنقول:
اما المقدمة الأولى
التي هي عمدتها وهي كون المتكلم في مقام البيان فتارة يراد به كون المتكلم في مقام بيان تمام مرامه بوصف التمامية بأعم من كلام
به التخاطب وبكلام آخر له ولو منفصلا عن ذلك، في مقابل السلب الكلي، وهو ما إذا لم يكن في مقام البيان رأسا بل في مقام الاهمال
والاجمال، وبعبارة أخرى كون المتكلم في مقام بيان مرامه الواقعي بلفظه أو به وبكلام آخر منفصل عن هذا الكلام، وأخرى يراد به
كون المتكلم في مقام بيان مراده بإعطاء الحجة إلى المخاطب على المراد بلفظ به التخاطب أو به وبما يتصل به من كلام آخر على نحو
يعد المجموع عرفا وكلاما واحدا، لا مجرد كونه في مقام الجد لبيان المرام الواقعي النفس الامري، في قبال إهماله من رأس ولو لم
يكن في مقام إعطاء الحجة والظهور على المراد إلى المكلف.
وربما يختلف هذان المعنيان بحسب اللوازم أيضا، فإنه على الأول لو ورد في قباله عام وضعي منفصل يلزمه تقديم ذلك العام الوضعي
عليه بلا كلام ورفع اليد به عن أصل ظهوره الاطلاقي وذلك بلحاظ ان أصل ظهوره في الاطلاق وفي كونه تمام المراد حينئذ منوط و
معلق بعدم بيان المتكلم جز مرامه بكلام آخر فيما بعد، والا فمع وجود البيان على بعض مرامه فيما بعد لا يكاد يكون له هذا الظهور
الاطلاقي، فكان أصل ظهوره في الاطلاق وكونه تمام المراد حينئذ من لوازم عدم مجئ القيد ولو بالأصل، وفي مثله من المعلوم انه
بالظفر بكل بيان وحجة على القيد يرتفع هذا الأصل بالمرة، كارتفاع اللا بيان الذي هو
570

موضوع حكم العقل بالقبح بوجود البيان على التكليف، وعليه فلا يبقى مجال توهم المعارضة بينهما بوجه أصلا، وهذا بخلافه على
الثاني فان قضية كون المتكلم في مقام إعطاء الحجة حينئذ انما كان ملازما مع ظهور لفظه في الاطلاق الكاشف عن كونه تمام المراد،
بظهور فعلى تنجيزي، من جهة ان إعطاء الحجة على المراد حينئذ لا يكون الا بإعطاء الظهور الكاشف عنه، والا فلا يكون في البين حجة
غيره، وحينئذ فمتى لم ينصب في كلام به التخاطب قرينة على القيد والخصوصية، فلا جرم يلزمه استقرار الظهور الاطلاقي للفظه، ومع
استقرار الظهور الاطلاقي فيه يقع لا محالة التعارض بينه وبين ما في القبال من المقيدات المنفصلة، وفي مثله لا يلاحظ قضية وضعية
الظهور اللفظي في المقيدات المنفصلة في تقديمها على ظهوره الاطلاقي، بل بعد استقرار الظهور الاطلاقي فيها أيضا لا بد من ملاحظة
أقوى الظهورين منهما وتقديمه على الاخر، وهذا بخلافه على الأول فإنه عليه لا مجال لتوهم المعارضة بينهما بل لا بد من تقديم
الظهورات الوضعية في المقيدات المنفصلة على ظهوره الاطلاقي من جهة صلاحيتها للبيانية عليه ورافعيتها لأصل ظهوره الاطلاقي، و
الوجه فيه ما عرفت بان عدم البيان على القيد فيما بعد على ذلك كان مقوم أصل انعقاد الظهور الاطلاقي فيه، فمع مجئ البيان بالوجدان
والظفر بالحجة على القيد يرتفع هذا الأصل بالمرة، وبارتفاعه لا يكاد يكون ظهور إطلاقي لكلامه بوجه أصلا حتى يلاحظ التعارض
بينهما، كما لا يخفى.
لا يقال: بان ذلك كذلك لولا ظهور حال المتكلم في المشي على طبق ما اقتضته الجبلة الأولية والفطرة الارتكازية من إبرازه تمام
مقاصده بلفظ به التخاطب لا به وبكلام آخر منفصل عن هذا الكلام، فإنه لا إشكال في أن الجبلة والفطرة في كل متكلم بكلام به
التخاطب تقتضي كونه بصدد إبراز تمام مرامه الواقعي بمدلول لفظه الملقى إلى المخاطب على نحو كان مدلول لفظه تمام مراده بوصف
التمامية، لا في مقام الاهمال رأسا، ولا في مقام بيان مجرد ان المدلول هو المراد ولو لم يكن تمام المراد بوصف التمامية بل كان ذلك
جز مراده، وجزئه الاخر شئ يذكره فيما بعد بكلام آخر غير هذا الكلام، فان ذلك كله وان أمكن في نفسه، حيث لا محذور في ذكر
المتكلم جز مرامه بهذا الكلام وجزئه الاخر بكلام منفصل آخر فيما بعد، وبعبارة أخرى لا محذور في كينونة المتكلم في بيان تمام
مرامه لكن بأعم من هذا الكلام وكلام آخر فيما بعد، الا انه خلاف ما تقتضيه الجبلة الأولية والارتكاز
571

الفطري، ومن ذلك ترى بأنه لا يرتاب أحد في الخطابات الشفاهية في الحمل على الاطلاق في قوله: ادخل السوق واشتر اللحم ونحو
ذلك، والكشف عن كون مدلول اللفظ تمام المراد، من دون اعتناء باحتمال كون المدلول جز المراد في حكمه وان جزئه الاخر شئ
يذكره فيما بعد بكلام آخر، وعلى ذلك فإذا كان الظاهر من حال المتكلم كونه على طبق تلك الجبلة من كونه بصدد بيان تمام مراده
بكلام به التخاطب في قوله: أعتق رقبة مثلا، ولم يقم متصلا بكلامه ذلك ما يدل على اعتبار قيد فيها من الايمان أو الكتابة أو غيرها، فلا
جرم في مثله الجبلة المسطورة تقتضي ظهور لفظه في الاطلاق الكاشف عن كونه تمام المراد، من دون احتياج في ذلك إلى التشبث
بأصالة عدم مجئ القيد فيما بعد، بل نفس ظهور الحال يكفي في إطلاق المرام، وحينئذ فمع استقرار الظهور الاطلاقي لكلامه بمقتضى
المقدمات المزبورة عن الجبلة المسطورة قهرا يلزمه التعارض بينه وبين ما في القبال من المقيدات المنفصلة، من جهة كشف ذلك حينئذ
عن كون المدلول تمام المرام وكشف المقيدات المنفصلة عن كون المدلول من الأول جز المرام لا تمامه الملازم لعدم كون المتكلم من
أول الأمر على طبق الجبلة من بيان تمام مرامه بلفظ به التخاطب، وعليه فلا فرق بين التقريبين من جهة انه على كل تقدير يستقر
الظهور الاطلاقي للفظه، ولا ينثلم ظهوره بقيام دليل منفصل فيما بعد على القيد، سوأ فيه على تفسير البيان بإعطاء الحجة والظهور
على المراد أو تفسيره ببيان المرام الواقعي النفس الامري بلفظ به التخاطب.
فإنه يقال بعد الفرق الواضح في المقام بين مسلك المشهور من وضع اللفظ للاطلاق كسائر الحقائق، وبين مسلك السلطان (قدس سره)
من حيث استتباع المقدمة المزبورة بالجبلة المسطورة على الأول لمطابقة اللفظ الظاهر في نفسه لواقع مرامه لا لأصل انعقاد الظهور،
من جهة اقتضاء الوضع فيه لأصل انعقاد الظهور، بخلافه على مسلك السلطان حيث كانت الجبلة المزبورة مقومة لأصل انعقاد الظهور
الاطلاقي للفظ نقول بان من المعلوم حينئذ ان إحراز هذا الظهور وجدانا فرع إحراز الجبلة المسطورة كذلك، والا فمع عدم إحراز
الجبلة واحتمال عدم كون المتكلم فعلا في مقام بيان تمام مرامه بهذا الكلام واحتمال مجئ القيد فيما بعد لا مجال لانعقاد الظهور
الاطلاقي على هذا المسلك، وعليه فمرجع إحراز تلك الجبلة بظهور حال المتكلم، مع احتمال كونه على خلاف الجبلة والارتكاز وجدانا،
بعد إن كان إلى أصالة عدم المانع عن الجبلة، الراجعة
572

إلى أصالة عدم كونه في مقام بيان تمام مرامه بكلام آخر غير هذا الكلام فلا جرم بمجرد مجئ البيان على القيد يلزمه لا محالة ارتفاع
هذا الأصل بالمرة، لان مرجع أصالة عدم البيان على القيد التي يناط بها ظهور اللفظ انما هو إلى عدم الحجة عليه ولو بلفظ آخر منفصل
عن هذا اللفظ، فمع الظفر بكل بيان وحجة على القيد فيما بعد يرتفع لا محالة هذا الأصل الحاكم بكون المتكلم في مقام بيان تمام مرامه
بهذا اللفظ، ومع ارتفاعه لا يبقى مجال للظهور الاطلاقي في طرف المطلق حتى يعارض الظهور التنجيزي في طرف المقيدات المنفصلة،
وذلك أيضا من غير فرق بين فرض إحراز القيد بالكشف القطعي أو إحرازه بالكشف الظني، فإنه على كل تقدير يكون الظفر بكل
بيان وحجة على القيد رافعا حقيقة الأصل المزبور الذي به قوام الظهور المزبور. نعم لو كان الارتكاز والجبلة المزبورة في المقام
كسائر الحقائق وعلى مسلك المشهور مستتبعا لمطابقة اللفظ الظاهر في نفسه لواقع مرامه ورافعا لاحتمال إرادة خلاف الظاهر لا
مقوما لأصل الظهور، أو كان ظهور اللفظ في مقام إناطته منوطا بعدم وجود القيد واقعا لا بعدم الحجة والبيان عليه الذي هو موضوع
قبح العقاب بلا بيان لكان لدعوى المعارضة بين ظهور حال المتكلم الكاشف عن عدمه واقعا مع دليل القيد الكاشف عن وجوده كذلك
كمال مجال، وإلا فمع فرض تسليم إناطة أصل ظهوره بعدم الحجة وبيان القيد ولو فيما بعد فلا يبقى مجال دعوى المعارضة بين ظهور
الحال مع دليل القيد، بل مهما ظفر بالحجة على القيد فيما بعد يقطع بمخالفة الظهور للواقع.
وبالجملة نقول: إن موضوع حكم العقل بعدم نقض الغرض الذي هو مفاد مقدمات الحكمة انما هو كون المتكلم في مقام البيان وعدم
إقامة حجة على مدخلية قيد في مرامه، إذ لو أقام حجة عليه لا يلزم عليه نقض غرض بوجه أصلا، وحينئذ فمهما ظفرنا بحجة على القيد
فيما بعد يلزمه ارتفاع موضوع حكم العقل، من جهة انقلاب اللا بيان بوجود البيان، كما هو واضح. وعليه فلا بد من تنقيح هذه الجهة بان
البيان الذي هو عمدة تلك المقدمات عبارة عن إعطاء الحجة والظهور على المراد، كي يلزمه المعارضة مع المقيدات المنفصلة بالتقريب
المتقدم، أو هو عبارة عن كون المتكلم في مقام الجد لبيان تمام مرامه الواقعي بلفظ به التخاطب حتى يلزمه تقديم المقيدات المنفصلة
عليه.
ثم إن من لوازم هذين المعنيين أيضا هو عدم إضرار القدر المتيقن الخارجي بالاطلاق
573

على الأول وإضراره به على الثاني، من جهة عدم محذور نقض غرض عليه في فرض إرادة التقييد واتكاله عليه بيانا وحجة على القيد،
بخلافه على الأول فإنه لما كان لا يوجب مثله انثلاما لظهور اللفظ كما في كلية القرائن المنفصلة لا يكاد يصح له الاكتفاء بذلك القدر
المتيقن الخارجي في فرض عدم إرادة الاطلاق من لفظه، كما هو واضح.
وحيث إن بنائهم طرا على عدم الاعتناء بوجود القدر المتيقن الخارجي في المضرية بالاطلاق. فالأقوى منهما هو المعنى الأول، مضافا
إلى كونه هو الغالب في هذه الخطابات خصوصا الخطابات الشرعية المتكفلة للأحكام الشرعية، فإنها طرا بصدد إعطاء الحجة على
المراد إلى المكلف ليكون له بيانا وحجة في الموارد المشكوكة في نفى ما شك في اعتباره وجودا أم عدما في المأمور به إلى أن يظهر
الخلاف، كما كان ذلك هو الشأن أيضا في إلقاء العمومات اللفظية وسائر الحقائق، فان المقصود منها طرا انما هو مجرد إعطاء الحجة
على المراد إلى المكلف، لان يتكل بها بيانا على التكليف وجودا وعدما في مقام العمل عند الشك في القرينة أو التخصيص، فتدبر.
واما المقدمة الثالثة:
وهي انتفاء القدر المتيقن مطلقا ولو من الخارج أو في خصوص مقام التخاطب فالاحتياج إليها في صحة الاخذ بالاطلاق وعدمه أيضا
مبني على أن المراد من البيان في المقدمة الأولى هو كون المتكلم في مقام بيان تمام مراده على وجه يعلم المخاطب أيضا بان المدلول
تمام المراد، أو مجرد كونه في مقام بيان تمام مراده بنحو لا يشذ عنه شئ، بلا نظر إلى فهم المخاطب بأنه تمام المرد، فعلى الأول لا
يحتاج إلى تلك المقدمة ولا يكاد يضر وجود القدر المتيقن ولو في مقام التخاطب بقضية الاطلاق، ما لم يصل إلى حد الانصراف
الكاشف عن دخل الخصوصية في المطلوب، فان مجرد القطع بكونه مرادا لا يقتضى عدم كون غيره مرادا أيضا، بل على فرض إرادة
المتكلم للقيد لا بد بمقتضى برهان نقض الغرض من نصب البيان على مدخلية الخصوصية، والا فليس له الاكتفاء بمحض كونه القدر
المتيقن في مقام التخاطب، واما على الثاني من كونه في مقام بيان تمام مرامه من دون تعلق غرضه بفهم المخاطب أيضا بان مدلول
اللفظ تمام المراد بوصف التمامية فلازمه الاحتياج إلى عدم وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب وعدم جواز التعدي عنه مع وجوده
إلى غيره، فإنه على تقدير إرادة المقيد حينئذ لا يلزم من عدم بيانه نقض غرض في البين كما يلزم في الصورة الأولى، ومعه لا طريق
إلى إحراز الاطلاق حتى
574

يتعدى عن القدر المتيقن إلى غيره، كما هو واضح.
ولكن التحقيق حينئذ هو الثاني، وذلك من جهة ان غاية ما تقتضيه تلك المقدمات بمقتضى برهان نقض الغرض انما هو عدم إخلال
المتكلم بما هو واقع مرامه في خطابه، واما من حيث فهم المخاطب أيضا بأنه تمام المراد فلا، لان ذلك أمر زائد قلما يتفق تعلق الغرض
به، وعليه فمع احتمال إرادة المتكلم للمقيد وهو المتيقن واتكاله في ذلك على حكم العقل بلزوم الاخذ به لا مجال للاخذ بالاطلاق، حيث
لا يلزم من إرادته بالخصوص محذور نقض غرض في البين، وهذا بخلافه في الفرض الأول فإنه بعد فرض تعلق غرضه بمعرفة
المخاطب أيضا بكون المدلول تمام المراد لا بد له في فرض إرادته للمقيد من نصب بيان عليه، والا فمجرد القطع بدخول القدر المتيقن
في المطلوب وكونه مرادا للمتكلم لا يقتضى القطع بكونه تمام المراد بوصف التمامية إلا مع بلوغه إلى حد الانصراف الكاشف عن دخل
الخصوصية، فعلى ذلك فلا إشكال في الاحتياج إلى المقدمة الثالثة، وهي انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب.
واما إضرار القدر المتيقن الخارجي وعدم إضراره فقد عرفت ابتنائه أيضا على كون البيان في المقام بمعنى إعطاء الحجة على المراد
أو بمعنى كون المتكلم في مقام الجد بإبراز مرامه الواقعي. وقد عرفت أيضا ان التحقيق هو الأول وانه لا يضر مجرد وجود القدر
المتيقن ولو من الخارج بالأخذ بالاطلاق.
ثم لا يخفى عليك انه مع وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب وإن كان لا مجال للاخذ بالاطلاق، بل كان اللازم هو الاقتصار عليه و
عدم التعدي عنه إلى غيره، إلا أنه لا يوجب التقيد بالخصوص حتى يلزمه معارضته مع مطلق آخر في قباله، بل وانما غايته هو مانعيته
عن الاخذ بإطلاق ذلك، وهو واضح.
ثم إن من القرائن المانعة عن الاخذ بالاطلاق كما عرفت هو الانصراف، ولكنه لا مطلقا بل البالغ منه إلى حد مبين العدم أو المضر
الاجمالي دون ما يوجب التشكيك البدوي، وتوضيح ذلك هو ان للانصراف مراتب متفاوتة شدة وضعفا، حسب زيادة ما يوجبه من
أنس الذهن الناشئ من كثرة الاطلاق وغلبة الاستعمال وغير ذلك.
فمن تلك المراتب ما يوجب التشكيك البدوي الزائل بالتأمل والتدقيق كما في انصراف الماء في الكوفة مثلا إلى الفرات، فإنه لا يوجب الا
مجرد التشكيك البدوي الذي
575

يزول بأدنى تأمل وتدبر.
ومنها: ما يكون أنس الذهن بمرتبة يوجب الشك المستقر بنحو لا يزول بالتأمل والتدبر أيضا، كما في القدر المتيقن.
ومنها: ما يكون أنس الذهن بمثابة يكون كالتقيد اللفظي، فهذه مراتب ثلاثة:
فالمرتبة الأولى: منها هي المعبر عنها بالتشكيك البدوي وهي لا توجب شيئا ولا تمنع عن الاخذ بالاطلاق.
والثانية: هي المضرة الاجمالية فتمنع عن الاخذ بالاطلاق خاصة كما في القدر المتيقن في مقام التخاطب.
والثالثة: هي المعبر عنها بمبين العدم، باعتبار اقتضائها لتحديد دائرة المطلوب وتقيده بالخصوصية الموجبة لصلاحيته للمعارضة مع
ما في القبال من مطلق آخر، فيفترق حينئذ هذه المرتبة مع المرتبة السابقة وهي المضرة الاجمالية، من حيث عدم اقتضاء المضر الاجمالي
الا مجرد الاضرار بالاطلاق والمنع عن التمسك به، بخلاف هذه المرتبة، فإنها مضافا إلى منعها عن الاطلاق توجب تحديد دائرة المراد و
المطلوب وتقيده بالخصوصية كالتقييدات اللفظية.
ثم إن الانصراف إلى الخصوصية أيضا تارة يكون على الاطلاق من دون اختصاصه بحال دون حال، وأخرى يكون مخصوصا بحال دون
حال آخر كحال الاختيار والاضطرار وغير ذلك، كما لو كان من عادة المولى مثلا أكل البطيخ في الحضر وأكل ماء اللحم في السفر،
فان المنصرف من امره حينئذ بإحضار الطعام في حضره شئ وفي سفره شئ آخر، لا انه كان المنصرف إليه شيئا واحدا في جميع تلك
الأحوال.
ومن ذلك أيضا انصراف وضع اليد مثلا على الأرض، حيث إن المنصرف منه في حال الاختيار والتمكن ربما كان هو الوضع بباطن
الكف لا بظاهرها، وفي حال الاضطرار وعدم التمكن من وضع باطن الكف كان المنصرف منه الوضع بظاهر الكف، ومع عدم التمكن
من ذلك هو الوضع بالساعد، وهكذا، كل ذلك بملاحظة ما هو قضية الجبلة والفطرة من وضع الانسان باطن كفيه على الأرض في حال
القدرة في مقام الوصول إلى مقاصده، وبظاهرهما عند العجز وعدم التمكن من ذلك، وبالساعدين عند العجز من ذلك أيضا.
وعليه فلا بأس بالتمسك بإطلاقات أو أمر المسح باليد في وجوب المسح بظاهر الكفين مع
576

عدم التمكن عن المسح بباطنها، بل وجوبه ببقية اليدين عند تعذر المسح بظاهر الكفين أيضا كما هو المشهور.
فلا يرد عليه حينئذ ان المنصرف من الامر بالمسح باليد لو كان هو المسح بباطن الكفين بحيث كان بمنزلة التقييد اللفظي لما كان وجه
لدعوى وجوبه بظاهرهما مع العجز عن المسح بباطنهما، من جهة ان مقتضى الانصراف المزبور بعد كونه بمنزلة التقييد اللفظي حينئذ
انما كان سقوط وجوب المسح رأسا، فيحتاج إثبات وجوبه بظاهر الكفين إلى دليل خاص، والا فلا يجديه إطلاقات أوامر المسح باليد.
إذ نقول بان ذلك انما يتم فيما لو كان الانصراف المزبور أو لا بنحو الاطلاق، والا فمع فرض اختصاصه بحال القدرة وعدم العجز لا
مجال لهذا الاشكال، بل حينئذ كما يتمسك بإطلاق أوامر المسح عند التمكن لوجوب المسح بباطن الكفين، كذلك يتمسك به أيضا لوجوبه
بظاهرهما في حال عدم التمكن من المسح بباطنهما، من دون احتياج في إثبات وجوبه بظاهر الكفين إلى قيام دليل خاص عليه، كما لا
يخفى.
ثم اعلم أنه إذا كان للمطلق جهات فلا بد في الاخذ بالاطلاق من كل جهة من إحراز كون المتكلم في مقام البيان من تلك الجهة والا فلا
يكفي مجرد كون المتكلم في مقام البيان من جهة من الجهات في الاخذ بالاطلاق مطلقا ولو من غير تلك الجهة، بل بعد إمكان كونه في
مقام الاهمال لا بد من الاقتصار في الاخذ بالاطلاق على الجهة المعلومة التي كان المتكلم بالنسبة إليها في مقام البيان وعدم التعدي عنها
إلى غيرها، الا إذا كانت الجهة المهملة من اللوازم الغالبية للجهة المعلومة التي كان المتكلم بالنسبة إليها في مقام البيان، بحيث يوجب
الحكم بالاهمال فيها من هذه الجهة صرف الاطلاق إلى الموارد النادرة، فإنه في مثل ذلك ربما يلازم الاطلاق من هذه الجهة الاطلاق من
غير تلك الجهة أيضا فيؤخذ حينئذ بإطلاقه من الجهتين، وعلى ذلك فيمكن الاخذ بإطلاق ما دل على طهارة سؤر الهرة حتى من جهة
الحالات من حيث طهارة فم الهرة وعدم طهارة فمها وتلطخها بالنجاسة، بدعوى ان سوق الكلام وإن كان من جهة افراد السؤر دون
الحالات ولكنه لما كان الاهمال من جهة نجاسة فم الهرة وطهارته موجبا لحمل إطلاق طهارة سؤرها على المورد النادر، بملاحظة انه
قلما يتفق خلو فم الهرة عن النجاسة ولو في زمان، فيوجب حينئذ حمل إطلاق طهارة سؤرها على الموارد النادرة
577

التي لم يتلطخ فمها بالنجاسة أو تلطخ بها ولكنه صار طاهرا بالماء الكر أو الجاري ونحوهما، فقهرا في مثله يلازم الاطلاق من تلك
الجهة الاطلاق في الجهة المهملة فيؤخذ حينئذ بإطلاق الطهارة من الجهتين.
وحينئذ فلا بد أولا من ملاحظة جهات القضية وان الكلام مسوق لبيان أي واحدة من الجهات، ثم بعد ذلك ملاحظة تلك الجهات المهملة
التي لم يحرز كون المتكلم بالنسبة إليها في مقام البيان بأنها من اللوازم الغير المنفكة العقلية أو الغالبية للجهات المطلقة أم لا، هذا كله
في أصل كبرى المسألة.
واما تشخيص صغريات ذلك فموكول إلى نظر الفقيه حيث لا ضابط كلي لذلك يؤخذ به في جميع الموارد، وانما ذلك يختلف باختلاف
خصوصيات الموارد حسب ما تقتضيه القرائن الخاصة ومناسبات الحكم و الموضوع ونحو ذلك، فمن ذلك لا بد للفقيه من بذل الجهد في
تشخيص صغريات ذلك بملاحظة خصوصيات الموارد أو القرائن الخاصة فيها من مناسبات الحكم و الموضوع ونحو ذلك، فتدبر.
تتمة
إذا ورد مطلق ومقيد فاما ان يكونا متوافقين في الايجاب والسلب أو متخالفين. اما إذا كانا متوافقين وكانا مثبتين كقوله: أعتق رقبة و
أعتق رقبة مؤمنة فاما ان يحرز ولو من الخارج كونهما بنحو وحدة المطلوب أو تعدده، واما ان لا يحرز شئ منهما.
فعلى الأول فان أحرز كونهما على نحو وحدة المطلوب فلا إشكال في المعارضة بينهما، فلا بد حينئذ اما من حمل المطلق على المقيد و
اما من حمل المقيد على بيان أفضل الافراد برفع اليد عن ظهوره في دخل الخصوصية، وان أحرز كونهما على نحو تعدد المطلوب على
معنى كون مطلق الرقبة الجامع بين الواجدة للايمان والفاقدة له مطلوبا، والرقبة المتقيدة بقيد الايمان مطلوبا آخر فلا تعارض بينهما،
حيث يؤخذ بكل واحد منهما، ونتيجة ذلك هو سقوط كلا التكليفين بإيجاد المقيد في مقام الامتثال، وبقاء التكليف بالمقيد في صورة
الاقتصار على المطلق.
واما على الثاني من عدم إحراز أحد الامرين من وحدة المطلوب وتعدده والشك في
578

ذلك فلا إشكال أيضا في أن مقتضى الأصل هو الحمل على تعدد المطلوب، لأنه مع احتمال كونهما بنحو تعدد المطلوب لم يحرز التنافي
بينهما حتى يحتاج في مقام العلاج إلى حمل المطلق على المقيد، فكان نفس الشك في كونهما على نحو وحدة المطلوب واحتمال كونهما
بنحو تعدد المطلوب كافيا في عدم ترتيب آثار وحدة المطلوب بينهما، وهذا مما لا إشكال فيه ظاهرا.
وانما الكلام في أن طبع ظهور القضية في مثله يقتضى أي الامرين منهما؟ وفي مثله نقول: بان كل واحد من الامرين في قوله: أعتق رقبة
وأعتق رقبة مؤمنة، لما كان له ظهور في إرادة مستقلة محدودة بحد خاص متعلقة بصرف وجود الشئ الذي هو غير قابل للتعدد و
التكرر، وكان الجمع بين ظهور الامرين في الاستقلال وبين ظهور المتعلق في صرف الوجود غير ممكن عقلا، من جهة استحالة توارد
الحكمين المتماثلين كالضدين على موضوع واحد، فلا بد في مقام العلاج من رفع اليد عن أحد الأمور الثلاثة:
اما عن ظهور المتعلق في الصرف بحمله على وجود ووجود ليختلف متعلق الحكمين.
واما عن ظهور الامرين في الاستقلال والتعدد بجعل المنكشف منهما إرادة واحدة لا إرادتين، ليكون النتيجة وحدة المطلوب، فيجمع
بينهما اما بحمل المطلق على المقيد أو حمل المقيد على أفضل الافراد، فيكون المنكشف في الامر بالمطلق على الأول عين الإرادة الضمنية
في طرف الامر بالمقيد، وعلى الثاني يكون المنكشف في الامر بالمقيد عين الإرادة المكشوفة في طرف المطلق مع زيادة الندبية مثلا.
واما من رفع اليد عن استقلال الامرين في الحد خاصة مع حفظ أصل ظهورهما في تعدد الإرادة والطلب، فيحمل بعد إلغاء الحدود
الخاصة فيهما على التأكيد في المجمع.
ولكن في مقام الترجيح لا ينبغي إشكال في أن أردأ الوجوه هو الوجه الأول، حيث إن رفع اليد عن ظهور المتعلق فيهما في صرف الوجود
والمصير إلى لزوم تعدد الوجود في مقام الامتثال بعيد جدا، وحينئذ فيدور الامر بين الوجهين الآخرين: من رفع اليد اما عن أصل ظهور
الامرين في الاستقلال ذاتا والمصير إلى كون المنكشف من الانشاءين إرادة واحدة فينتج وحدة المطلوب، واما من رفع اليد عن
خصوص الحدود مع إبقاء أصل ظهور الامرين في الاستقلال على حاله كي ينتج تعدد المطلوب والتأكد في المجمع، وفي مثله لا يبعد
دعوى تعين الأخير من جهة أهونية التصرف في الحد من التصرف
579

في ظهور الامرين في تعدد الإرادة، خصوصا مع إمكان منع أصل ظهور الامرين في استقلالهما في الحد من جهة ان غاية ما يقتضيه
الظهور المزبور انما هو الكشف عن تعدد أصل الإرادة والطلب واما محدوديتهما بحدين مستقلين فلا.
وبالجملة نقول بان التصرف في ظهور الامرين في تعدد الإرادة وإن كان ممكنا في نفسه، من حيث إنه يكون الانشاء في باب التكاليف
كالانشاء في باب العقود في اقتضائه السببية لتحصل مضمونه في الخارج حتى يلزمه تعدد المسبب عند تعدد السبب، بل وانما ذلك كان
من قبيل الاخبار كاشفا عن الإرادة وحاكيا عنها، فأمكن ان يقال حينئذ بعدم كشف الانشاءين في المقام عن أزيد من إرادة واحدة. و
لكنه مع ذلك كله عند الدوران بين التصرفين كان التصرف الأخير وهو التصرف في الحد أهون من التصرف في ظهور الامرين في
تعدد الإرادة.
ثم إن ما ذكرنا من الدوران بين الوجوه المزبورة انما هو على المبنى المختار من استقرار الظهور للمطلق وعدم انثلامه بقيام القرينة
المنفصلة على الخلاف، وإلا فبناء على المبنى الاخر الذي تقدم شرحه فلا محالة يكون دليل المقيد حاكما عليه، فلا بد من التقييد، ومعه
فلا ينتهى النوبة إلى مقام الدوران بين الوجوه المتقدمة، اللهم الا ان يقال بأنه كذلك فيما لو كانت الدلالة في المقيد المنفصل وضعيا والا
فبناء على كون الدلالة فيه أيضا من جهة الاطلاق وقرينة الحكمة فلا، من جهة ان التعليق حينئذ كان من الطرفين ومعه لا وجه لتقديم
دليل المقيد وتحكيمه على المطلق، والمقام انما كان من قبيل الثاني، حيث إنه كما كان ظهور المطلق في استقلال الطلب من جهة مقدمات
الحكمة كذلك ظهور دليل المقيد أيضا: في قوله أعتق رقبة مؤمنة، في أول مرتبة الإرادة كان من جهة الاطلاق، بحيث لو تم ظهور الأول
لا بد من حمل الثاني على المرتبة الأكيدة من الإرادة، ومعه لا وجه لتقديم دليل المقيد وتحكيمه على ظهور المطلق وحمل الامر المتعلق
به على الامر الضمني.
اللهم الا ان يدفع ذلك ويقال بان ظهور كل أمر في أول مرتبة الطلب ظهور وضعي لا إطلاقي، فتدبر.
ثم إن هذا كله بناء على عدم ثبوت المفهوم للمقيد واما بناء على ثبوت المفهوم له فقد يقال بأنه لا إشكال حينئذ في التقييد. ولكن فيه
إشكال: إذ نقول بأنه انما يلزم التقييد فيما لو كان القيد بحسب ظهور القضية راجعا إلى أصل الوجوب، والا فبناء على ظهور رجوعه إلى
المرتبة الأكيدة من الوجوب أو احتمال رجوعه إليها فلا يلزم التقيد، من غير فرق في
580

ذلك بين القول بثبوت المفهوم والقول بعدمه.
وبالجملة نقول: بأنه على فرض ظهوره في رجوع القيد إلى أصل الحكم لا بد من التقييد، قلنا بالمفهوم أم لم نقل، وعلى فرض عدم
ظهوره في ذلك ورجوعه إلى المرتبة الأكيدة من الحكم أو تردده بين الامرين فلا يحكم بالتقييد وان قلنا بالمفهوم، فعلى كل تقدير لا
ينفع قضية القول بالمفهوم في إثبات التقييد، كما هو واضح. وعلى كل حال فهذا كله فيما لو كان لسان دليل المقيد بنحو قوله: أعتق
رقبة مؤمنة.
واما لو كان لسانه بنحو قوله: يجب أن تكون الرقبة مؤمنة أو ما يفيد ذلك، فلا يبعد في مثله دعوى ظهوره في مطلوبية الايمان فيها
مستقلا من باب المطلوب في المطلوب.
كما أنه لو كان بلسان الاشتراط كقوله: فليكن الرقبة مؤمنة، لا بد من التقييد من جهة ظهوره حينئذ في مدخلية قيد الايمان في المطلوب.
وعلى ذلك لا بد حينئذ من ملاحظة كيفية لسان دليل المقيد في أنه بنحو قوله: أعتق رقبة مؤمنة، أو بنحو قوله: يجب أن تكون الرقبة
مؤمنة، الظاهرة في كونه من باب المطلوب في المطلوب، أو بنحو الارشاد إلى الاشتراط، فعلى الأول يتأتى فيه الوجوه المتقدمة، وعلى
الثاني يؤخذ بظهور كل واحد من المطلق والمقيد ولا تعارض ولا تنافي بينهما، وعلى الثالث لا بد من التقييد وحمل المطلق على المقيد
فتدبر. هذا كله في المثبتين.
واما المنفيان كقوله: لا تعتق الرقبة ولا تعتق الرقبة المؤمنة، فلا إشكال في عدم التنافي بينهما بل في مثله ربما كان ذلك مؤكدا في
الحقيقة للاطلاق لا منافيا له، الا على فرض القول فيه بالمفهوم، فيلحق حينئذ بالمتخالفين من جهة اقتضائه حينئذ بمفهومه لعدم حرمة
المطلق، ومثله ما لو كانا بنحو قوله: لا يجب عتق الرقبة ولا يجب عتق الرقبة المؤمنة، فان ذلك أيضا على فرض المفهوم كان ملحقا
بالمتخالفين، وعلى فرض عدم المفهوم كان مؤكدا للاطلاق لا منافيا له، هذا، ولكن في عد المثال الأول مثالا للمنفيين نحو خفاء ينشأ
من كونه أشبه بالمثبتين، كما هو ظاهر. وعلى كل حال فهذا كله في المتوافقين في الايجاب والسلب.
واما المتخالفان فهو يتصور على وجهين: الأول ما كان التخالف بينهما على وجه التناقض بنحو الايجاب والسلب كقوله: أعتق رقبة ولا
يجب عتق الرقبة المؤمنة، وذلك
581

أيضا بأحد النحوين: اما بنحو كان الحكم في طرف المطلق إثباتا وفي طرف المقيد نفيا كما في المثال المزبور، واما بعكس ذلك
كقوله: لا يجب عتق الرقبة ويجب عتق الرقبة المؤمنة. فإن كان الأول ففيه احتمالات: احتمال التقييد كما هو الظاهر وعليه العرف، و
احتمال نفى الوجوب الأكيد لا نفى أصل الوجوب، واحتمال رجوع النفي إلى خصوص القيد، ومع الدوران وعدم الترجيح قد عرفت ان
الحكم هو عدم التقييد، وإن كان الثاني فالمتعين كان هو التقييد.
الثاني ان يكون التخالف على وجه التضاد كقوله: أعتق رقبة ويحرم عتق الرقبة الكافرة، أو بالعكس كقوله: يحرم عتق الرقبة ويجب
عتق الرقبة المؤمنة، وحكم هذا القسم في الصورتين أيضا هو التقييد وتخصيص الوجوب في الصورة الأولى بما عدا الافراد الكافرة و
الحرمة في الصورة الثانية بما عدا الافراد المؤمنة.
نعم يحتمل أيضا رجوع الحكم في هذا القسم في الصورتين إلى ذات القيد على معنى اختصاص الحكم في طرف المقيد بذات القيد، نظير
الامر بالجامع مع النهي عن بعض الخصوصيات أو بالعكس، وعليه فيبتني على مسألة الاجتماع، فعلى القول بالجواز خصوصا في الفرض
فلا تنافي بينهما أصلا، من جهة اختلاف المتعلق حقيقة حينئذ في الأمر والنهي وكونه في أحدهما هو الطبيعي والجامع وفي الاخر هو
القيد والخصوصية، واما على القول بعدم الجواز حتى في مثل الفرض يقع بينهما التنافي. ولكن قد عرفت ان الجمع العرفي في نحوه هو
التقييد لا غير. هذا تمام الكلام في المطلق والمقيد. والحمد لله رب العالمين.
582

المقصد السادس في المجمل والمبين
وقد عرف المجمل بتعاريف: منها: ان المجمل عبارة عما لا يكون بحجة ولا يستطرق به إلى الواقع فيقابله المبين وهو الذي يستطرق
به إلى الواقع.
ومنها: ولعله هو الظاهر أنه عبارة عما لا يكون له الدلالة والظهور في معنى خاص والمبين في قباله وهو الكلام الذي كان له الدلالة و
الظهور على المعنى. والمراد من الدلالة والظهور انما هو الدلالة التصورية التي هي بمعنى انسباق المعنى من اللفظ في الذهن عند
إطلاقه، لا الدلالة التصديقية التي هي موضوع الحجية، ولعله إليه أيضا يرجع ما في الفصول من تعريفه بأنه عبارة عما دل على معنى لم
يتضح دلالته. وعليه فيخرج المهملات طرا لأنها ليس لها معنى أصلا، والظهور والدلالة فرع أصل وجود المعنى للفظ، كما أنه يخرج
أيضا عن هذا التعريف الألفاظ الظاهرة التي قام على خلافها القرينة الخارجية المنفصلة، كالعمومات المخصصة بالمنفصل، وموارد
تعارض الظهورين المنفصلين، ويدخل ذلك كله في المبين، من جهة ان مجرد قيام القرينة الخارجية على عدم إرادة الظاهر منه على هذا
التعريف لا يخرجه عن المبين. وهذا بخلافه على التعريف الأول فإنه عليه يدخل الموارد المزبورة في المجملات نعم يدخل فيه
المشتركات اللفظية بل المعنوية والكلام المحفوف بالقرينة المجملة ونحوها مما لا يكون له ظهور في معنى وان علم من الخارج ما
أريد منه، هذا.
ولكن الذي يسهل الخطب هو عدم ترتب ثمرة مهمة على هذا النزاع، لان موضوع الحجية بعد ما كان عبارة عن الظهور التصديقي
الملازم لاحراز كون المتكلم في مقام الإفادة
583

والاستفادة، فلا جرم كان تمام العبرة في مقام الحجية والاستطراق وجودا وعدما على هذا الظهور، قلنا بكون المجمل عبارة عما لا
يستطرق به إلى الواقع وكون موارد تعارض الظهورين المنفصلين من المجملات حقيقة، أو بكونه عبارة عما لا يكون له ظهور ودلالة
على المعنى المراد بالظهور التصوري وان الموارد المزبورة مبينات حقيقة ولكنها محكومة بحكم الاجمال، من جهة انه ليس لنا حكم في
آية أو رواية كان مترتبا على العنوانين المزبورين حتى يصح لأجله النزاع والنقض والابرام في تعريفهما، كما هو واضح.
ومن ذلك ظهر عدم المجال أيضا لما أفادوه من النقض والابرام في بعض الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة في أنها من المجملات أو
المبينات، ك آية السرقة، وآية تحريم الأمهات، وقوله: لا صلاة الا بطهور، ونحو ذلك، من حيث حكم بعضهم بإجمال اليد في الآية و
ترددها بين الكف والزند والمرفق، وحكم بعض آخر بعدم الاجمال فيها، وهكذا في آية تحريم الأمهات، وقوله: لا صلاة الا بطهور، و
ذلك لما عرفت من عدم ترتب ثمرة مهمة على ذلك بعد كون مدار الحجية في باب الظهورات وجودا وعدما على الظهور التصديقي، هذا،
مع إمكان دعوى كون الأمثلة المزبورة أيضا من المبينات بالمعنى الذي شرحناه، نظرا إلى ظهور اليد في المجموع حسب الظهور
التصوري الذي بمعنى الانسباق، وظهور استناد تحريم الأمهات والأخوات إلى خصوص وطيها، وحلية البهيمة إلى أكلها، وظهور النفي
في لا صلاة الا بطهور في نفى الحقيقة، وعليه فكانت الأمثلة المزبورة من قبيل المبينات من غير أن يضر بذلك قيام القرينة في بعضها
على الخلاف كما في آية السرقة، حيث علم من الخارج بعدم إرادة مجموع اليد في الآية المباركة، وعدم إرادة نفى الحقيقة مثلا في
تركيب لا صلاة الا بطهور ونحوه، وذلك من جهة ما عرفت مرارا من عدم اقتضاء القرائن المنفصلة كلية لكسر صولة الظهورات رأسا و
جعلها حقيقة من المجملات بل وانما غايتها اقتضائها لعدم حجيتها.
تنبيه:
لا يخفى عليك ان الاجمال والتبيين في الكلام امران إضافيان بالنسبة إلى الاشخاص فربما يكون الكلام مجملا بالإضافة إلى شخص
لمكان جهله وعدم معرفته بالوضع أو من جهة تصادم ظهوره عنده بما يصلح للقرينية عليه من الأمور المحفوفة بالكلام، ومبينا عند
شخص آخر لعلمه ومعرفته بالوضع وعدم تصادم ظهوره بما حف به بنظره، وهو واضح.
584

هذا تمام الكلام في مباحث الألفاظ على ما تيسر لنا من تحرير ما استفدناه بفهمنا القاصر. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
وقد وقع الفراغ عن تسويده في التاسع عشر من ربيع المولود على يد الأقل محمد تقي البروجردي ابن عبد الكريم عفى الله عنهما إن
شاء الله تعالى بجاه محمد وآل محمد سنة 1356. باسمه تعالى لقد فوض إلي أمر تصحيح النسخة الأصل من حيث رعاية أصول اللغة
العربية فأجلت النظر فيها وصححت ما وجدت منها غير موافق لتلك الأصول، إلا ما زاغ عنه البصر، مراعيا لكمال الأمانة وربما غيرت
بعضا طفيفا من الألفاظ بما لا يخرج عن حد الاصلاح أو التزيين.
ومن اليقين رضى المؤلف قدس سره وابتهاجه به رزقنا الله تعالى الاخلاص في القول والعمل بمحمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم
أجمعين.
قم المشرفة - محمد مؤمن 20 - 9 - 1362
585