الكتاب: الأصول المهذبة (المعروف بخلاصة الأصول)
المؤلف: المجتهد التبريزي
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:

الأصول المهذبة
1

بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم يا أخي أني كثيرا ما صاحبت العلماء العظام (دامت بركاتهم) و
كانوا يظهرون التنفر والانزجار من الاطناب في أصول الفقه وكان
يقول بعضهم يا ليت واحدا من الأعاظم (ممن يرجع إليهم) شمر ذيله
لهذا المهم ولخصه وهذبه وخلص طلاب العلوم الدينية من هذا
الضيق والضنك الذي ابتلوا به بسبب إطالته وإني (وإن كنت ممن لا
يعتنى بقوله) توكلت على الله وأقدمت على هذا الامر الذي فيه
رضاء الله ورضاء أوليائه مستعينا به راجيا منه نيل المقصود بفضله
فإنه تعالى كثيرا ما يجري الأمور العظام بأيدي الضعفاء الأذلاء
ليظهر قدرته فمن وقف فيه على ركاكة في - العبارة أو غفلة عن المرام
فليصلحه أو يمر به كريما فإن أول كل شي وابتدأه قد يكثر
فيه الغلط والغفلة ولعل الله يوفق قوما صلحاء من بعد يصلحون و
يهذبون ما أسسته فإن الله على كل شي قدير وكان ذلك في سنة
ثلاثمائة وسبعون بعد الألف من الهجرة النبوية على هاجرها ألف ألف
تحية.
وأنا الأقل غلام حسين تبريزي مقيم مشهد
2

بسم الله الرحمن الرحيم هذا الكتاب المسمى بخلاصة الأصول
للعلامة التحرير جامع المعقول والمنقول حجة الاسلام والمسلمين
الحاج
شيخ غلام حسين المجتهد التبريزي وقد فرغت من نسخته في شوال
1372 وأنا أقل المحصلين سيد جواد علم الهدى خراساني بسم الله
الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين أما بعد فهذه أفكار فطرية يقبلها الذوق السليم الذي لا يشوبه
تقليد ولا يدنسه أهواء (قل هذه سبيلي فمن شاء فليقبل ومن شاء فليعرض) اعلم هداك الله وإيانا إلى الصراط المستقيم أن للناس في
كل شي أميالا وأهواء ولكن الحق أحق أن يتبع وإن صدر ممن لا يعبأ به من الناس فإن الحكمة ضالة المؤمن يغتنمها حيثما وجدها وقد
كان يقول مولانا وأستاذنا الشريعة الأصبهاني طيب الله ورمسه أن الناس في العلوم يميلون إلى كل ما اقتضت أهواؤهم فقد كان في
برهة من الدهر الفضيلة والمنقبة في علم النحو فأقبل إليه الناس وألفوا فيه كتبا وأطنبوا فيه غاية الاطناب واجتهدوا فيه غاية الاجتهاد
حتى ظهر منهم نوابغ في هذا العلم من سيبويه
3

وأخفش وأمثالهما ثم انتقلت الفضيلة والسيادة إلى علم المعاني والبيان فألفوا في هذه الصناعة كتبا مطولة مشروحة بشروح كثيرة
مطنبة فكلما نبغ في هذا العلم نابغ أشاروا إليه بالبنان وأقبل إليه الناس من الصقع ومن كل مكان وهكذا كانت تلك السيادة في برهة
من الأزمنة باقتضاء الأحوال والأمكنة في علم الفلسفة والرياضيات والحكمة وبعد الوحيد البهبهاني قدس سره انتقلت تلك السيادة في
الشيعة إلى علم أصول الفقه الذي كان في بدئه مقدمة للفقه فحاز السبق من ذي المقدمة وظن أنه أعلى وأشرف مننه وأنه الغاية العظمى
والمقصد الأسنى فأقبل المحصلون إليه بجد واشتياق حتى غفل بعضهم عن علم الفقه الذي هو بعد علم الكلام أشرف العلوم وأهمها و
أوجبها فكانوا يشتغلون ويباحثون في المعنى الحرفي شهرين مثلا وفي مقدمة الواجب ستة أشهر وفي موضوع العلم وتعريفه أياما و
أحقابا ويطنبون في تنقيح مباحث الأصول التي أكثرها فطريات وارتكازيات غاية الاطناب وكان لا يكون أحد منهم مجتهدا في هذا
العلم كله إلا بعد تضييع أعوام كثيرة من عمره بل كان اجتهاده بعد صرف عمره في ذلك العلم عشرين سنة مثلا. في ريب وارتياب كما
هو المشهود المحسوس لكل من له أدنى خبروية واطلاع فلذا غفل بعضهم عن الفقه والتفسير والحديث وسائر العلوم المهمة اللازمة
فلو أنهم اقتصروا على مقدميته المحضة كما هو دأب
[1]
علمائنا السابقين رضوان الله عليهم
[1]
ونزيدك وضوحا أن الشيخ الطوسي والمحقق والعلامة والشهيدين وأمثالهم رضوان
4

أجمعين لما وقعوا في ريب وارتياب ونحن نقتصر منها على المباحث اللازمة ونستعين من الله أنه خير معين
(في تعريف أصول الفقه)
1 - فصل لا ريب أن أصول الفقه معناها واضح من معاني مفردات ألفاظها وتعريفها مستفاد من معناها والمقصود
[1]
من تعريفها ليس
ببيان حقائقها وماهياتها بنحو يكون جامعا للافراد ومانعا للأغيار حتى يكون محلا للنقض والابرام بل هو بمنزلة التعريف اللفظي أو
هو عينه للإشارة إجمالا إليه قبل الشروع ويكفينا أن نعلم في بدئها أنها قواعد مهدت
الله عليهم أجمعين قد كانوا مجتهدين جامعين شرائط الاستنباط محققا وما كان علم الأصول في أزمنتهم بهذا الطول والتفصيل بل
الشهيد الثاني قدس الله سره بعد ما حقق في باب القضاء أن الاجتهاد لا يحتاج في مقدماته إلى التطويل وإن صرف العمر في ذلك
تضييع للعمر وبعد ما قال إن كثيرا من مختصرات أصول الفقه كالتهذيب لابن الحاجب يشتمل على ما يحتاج إليه من شرائط الدليل
المدون في علم الميزان استدرك وقال نعم يشترط مع ذلك كله أن يكون له قوة يتمكن بها من رد الفروع إلى أصولها واستنباطها
منها وهذه هو العمدة في هذا الباب وإلا فتحصل تلك المقدمات قد صارت سهلة لكثرة، حققه العلماء فيها وفي بيان استعمالها وإنما
تلك القوة بيد الله يؤتيها من يشأ إلخ. أقول أيها الروح الطيب القدسي إنك حي مرزوق عند الله انظر بالعين التي أعطيكها الله إلى ما
ابتلوا طلاب العلوم الدينية بالتطويلات التي لا طائل فيها وتحصيل المقدمات قد صارت صعبة لكثرة ما طول فيها حتى اختلطوا فيها ما
ليس منها كالفلسفة اليونانية التي لا مساس لها بها فيا أيها الأساتيذ الكرام لخصوا الأصول وهذبوها ما استطعتم إن سعيكم عند الله
مشكورا وعلموها الطلاب بألفاظ عذبة غير مغلقة ومشكلة يجزيكم ربكم جزأ المحسنين
[1]
ونزيدك وضوحا أنه لم تنزل علينا آية محكمة تدل على أن التعريف لا بد أن يكون جامعا للافراد ومانعا للأغيار وفي تفسير اللفظ
لا مانع من العمومية كما في سعدانة نبت بل حسن التعريف وعدمه أنما يكون بكفايته بالمرام العقلائي الذي قصد منه وبعدمها مثلا
5

لاستنباط الأحكام الشرعية عن دلائلها ومداركها ولا يهمنا
[1]
البحث في أوان الشروع أن موضوعها عنوان الدليل أو الكتاب والسنة و
الاجماع والعقل التي يقال لها الأدلة الأربعة وأن الموضوع ما هو وإن تعدد العلوم
المرام العقلائي لمن يقصد أصفهان أو التبريز أو غيرهما للتنزه والتفرج يكفيك أن تعرفه بأن بلدة أصفهان لها باغات وبساتين و
أنهار جارية وفيها أراضي مبسوطة ذات أشجار ملتفة تنزه بها القلوب وتنشط بها النفوس ولا ينافي ذلك كون تبريز أو سائر البلدان
كذلك وهكذا من يقصدها للتجارة أو غيرها من الاغراض فتعرفها من هذه الجهة وقد يتعلق بمعرفتها في الجملة ولن يعلم أنه اسم بلدة
فيقال في هذا المقام إن أصفهان بلدة وقد يتعلق المرام بمعرفتها بجميع مشخصاتها ومميزاتها فلا بد في هذا المقام أن يكون تعريفها
مانعا للأغيار وقد يتعلق بمعرفة ماهيته بأعراضها وخواصها وقد يتعلق بمعرفة ماهيته بحقائقها كما هي حقها ففي أي مورد كان
التعريف كافيا للمرام كان حسنا وإلا فلا فما قاله في الكفاية من كون هذه التعريفات في بداية العلوم أو الأبواب بمنزلة تفسير اللفظ
في غاية الجودة لان المقصود ليس تعريف المبتدئ ومن يشرع في العلوم بحقائقها وجميع مميزاتها بل المقصود تعريفها في الجملة
ليكون على بصيرة في مقام الشروع وكيف يمكن تعريفها لها بجميع مشخصاتها مع أن مهرة الفن يختلفون فيها وقلما يخلو التعارض
من الخدشة، وقد أشار إلى ما ذكر علماء المعقول في بيان أن الحد لا يطلق فقط على بيان الماهية بجنسها وفصلها بل له معان أخر غير
ذلك
[1]
ويدلك على هذا أن مهرة هذا الفن قد اختلفوا في أن موضوعه هو عنوان الدليل أو الأدلة الأربعة (الكتاب والسنة والاجماع والعقل)
من حيث إنها أدلة للفقه والحيثية مشخصة جهة البحث فيها - أو الموضوع هو الحجة للمكلف أو أنه ليس منحصرا بشئ ولا يلزمنا انتزاع
جامع للموضوعات المتكثرة لان وحدة العلم وتعدد العلوم ليس بوحدة الموضوع وتكثره بل بوحدة الغرض وتعدد الاغراض و
المقاصد فإذا كان هذا حال أساتيذ الفن فكيف يكلف من يشرع في علم أصول الفقه أن يحقق قبلا موضوعه ليكون ذلك ميزانا لكل من
سأله أ ما ترى أن صاحب المعالم (قدس الله سره) مع كون كتاب المعالم من الكتب المبسوطة في أصول الفقه في زمانه لم يعرف أصول
الفقه ولم يبين موضوعه في ديباجته بل اكتفى بتعريف الفقه لكونه مقدمة له
6

هل هو بتعدد الموضوعات أم بتعدد الاغراض وأن مسائل
[1]
العلم هي العوارض الذاتية لهذا الموضوع وأن العرض الذاتي ما هو وأن
العرض الغريب ما هو فإن هذه كلها مسائل لا طائل لها فيما نحن فيه فلو أعرض عنها الأساتيذ الكرام لكان أولى وأحق
(فصل في حجية الظواهر)
حجية ظواهر الألفاظ أمر فطري إلهي أودعها معلم البيان لئلا يختل النظام وتتم بها الحجة والبرهان (بيان ذلك) أن الذي جبلت عليه
العقول وفطر عليه بارئها حتى يعرفه الطفل المميز بفطرته في جميع الملل والأقوام وفي جميع الألسنة أن يلقوا مقاصدهم بلغاتهم
المستعملة بينهم والأنبياء عليهم السلام لم يبعثوا إلا بلسان قومهم كما دلت عليه الآية الشريفة (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) و
ما كلموا الناس إلا بما يعرفونه بمقتضى لغاتهم وعرفهم حتى إنهم عليهم السلام لو كانت لهم اصطلاحات مخصوصة لبينوها بما يعرفه
الناس بلغاتهم وعرفياتهم وتوضيح ذلك بذكر مقدمات فطرية (الأولى) أنه لا ريب في أنه إن كان في ضمير أحد أن يطلب الماء مثلا من
ابنه المميز ولم يقل له ولم يطلب منه الماء فذمه بترك إتيان الماء أو ضربه لذلك فيقول له ولده لم تذمني أو تضربني أ قلت لي جئني
بالماء فلم آتك به فاستحق بذلك ذمك أو ضربك فالان أنت تظلمني بمجازاتك لي فالله الذي خلقه أودع في فطرته أن العقاب
[1]
وإن شئت قلت إن مسائل العلم هي محمولات الموضوع ولا تقل العوارض لتبتل بهذه المتاعب التي ابتلوا بها طلاب علوم الدينية
7

بلا بيان قبيح وظلم لا ينبغي صدوره من عاقل (الثانية) لو طلبت منه الماء بلسانه الذي يفهمه وبلغته التي يعرفها عربيا كان أو فارسيا
أو غيرهما ثم لم يأتك بالماء عد نفسه مقصرا بفطرته وإن عاقبته لم يعدك بفطرته مرتكبا للقبيح وليس ذلك إلا لان اللفظ بالنسبة
إلى معناه المستفاد منه لغة وعرفا بيان بالفطرة التي فطر الناس عليها بل ليس من باب بناء العقلا وإن كان بناء العقلا عليها بل لأنه
هو المنشأ لبناء العقلا (الثالثة) أنه لا ريب أن في جميع اللغات أمرا أو نهيا ومطلقا ومقيدا وعاما وخاصا وشرطا ومشروطا وغاية و
مغيا ومستثنى ومستثنى منه وكل الناس يستعملونها ليلا ونهارا في محاوراتهم ويستفاد منها معانيها بالفطرة التي فطر الناس عليها
وبسنته التي أجراها بينهم (سنة الله فلن تجد لسنة الله تبديلا) والأنبياء وأوصياؤهم صلوات الله عليهم جمعيا قد جروا بهذه السنة الإلهية
والوديعة الفطرية لاتمام الحجة وهداية الأمة ولو كان لهم اصطلاح خاص لبينوه بهذه الفطرة السليمة فلذا كان أصحاب نبينا وأئمتنا
صلى الله عليه وآله وسلم يفهمون ما يلقى إليهم من دون أن يدرسوا مباحث الألفاظ في الأصول لان اللغة العربية كسائر اللغات من هذه
الجهة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يبعث إلا بلسان قومه والأوصياء المرضيون لم يكلموا الناس إلا بما يعرفون من لغاتهم و
بهذه تمت الحجة الإلهية البالغة (قل فلله الحجة البالغة فاتضح أن حجية ظواهر الألفاظ أمر فطري إلهي لا حاجة لنا فيها إلى تجشم الأدلة
وتكلفها فإن اتضح في لفظ معناه اللغوي أو العرفي فهو الحجة وهو المبين وإن لم يتضح فهو المجمل والمتشابه ولا يحصل البيان به و
لا تتم به
8

الحجة ولا يحصل به البيان ونحن نجري بهذا المنوال في تحرير مباحث الأصول (وقد أطنبنا هذه المقالة لكونها أساسا لمطالبنا الآتية
3 - فصل قد استدل الإمام عليه السلام في الروايات الصحيحة أو المعتبرة بألفاظ الصلاة والزكاة والصوم والحج الواردة في الكتاب
الكريم أو في السنة النبوية المجردة من القرائن على هذه الصلاة والزكاة والصوم والحج المشروعة والاستدلال لا يصح إلا حيث تكون
هذه الألفاظ ظاهرة في هذه المعاني المعروفة سواء كان بوضع الشارع لها أو بوضعها قبل شرعنا وكونها حقائق لغوية كما قاله في
الكفاية واستشهد عليه بقوله تعالى كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم: وقوله تعالى وأذن في الناس بالحج إلخ وقوله
تعالى (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا الآية) وكيف كان فهي ظاهرة في هذه المعاني المعروفة في كل ما ورد في الكتاب
العزيز والسنة النبوية وهو يكفينا ولا يهمنا البحث فيما زاد عن ذلك فمن تلك الروايات صحيحة معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد
الله عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى ربهم وأحب ذلك إلى الله تعالى عز وجل ما هو فقال عليه السلام ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل
من هذه الصلاة أ لا ترى إلى العبد الصالح عيسى بن مريم عليه السلام قال وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا 2 - ومنها حسنة
زرارة التي كالصحيحة عن أبي جعفر عليه السلام قال بني الاسلام على خمسة أشياء على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية قال
زرارة فقلت وأي شي من ذلك أفضل فقال عليه السلام الولاية أفضل لأنها مفتاحهن
9

والوالي هو الدليل عليهن قلت ثم الذي يلي ذلك في الفضل فقال الصلاة قلت ثم الذي يليها في الفضل فقال الزكاة لأنه تعالى قرنها بها و
بدأ بالصلاة قبلها قلت فما الذي يليها في الفضل قال الحج قلت ما ذا يليه قال الصوم الحديث فقد استدل عليه السلام أفضلية الصلاة
بمعناها المعروفة بأن الله بدأ بها قبل الزكاة وعلى أفضلية الزكاة بأنه تعالى قرنها بها والروايات الدالة على ما ذكرنا كثيرة جدا بل
قد يستفاد من الآية الشريفة التي أشار إليها في صحيحة معاوية بن وهب ومن آية (وأذن في الناس بالحج) إلخ أنها كانت مستعملة في
هذا المعاني قبل شرعنا وإنما كان الاختلاف في الكيفيات نظير اختلاف الكيفيات في شرعنا باختلاف الأحوال والظاهر أن معنى كل
منهما ما هو أعم
[1]
من الصحيح والفاسد وإن كان المقصود حين ما أمر بها هو الصحيح لكنه غير المعنى الذي استعمل فيه اللفظ وبهذا
الاعتبار قد يصح السلب عن غير الصحيح بنحو من التنزيل كما في سائر المفاهيم العرفية والله العالم
[1]
ويؤيد ذلك أو يدل عليه أمور منها تقسيمها إلى الصحيحة والفاسدة والمقسم لا بد أن يكون أعم ومنها أن هذه الألفاظ كما أشرنا
إليه كانت مستعملة في المعاني المخصوصة بها قبل شرعنا وإنما كان الاختلاف في الكيفيات كاختلاف شرعنا في الكيفيات ولم توضع
كهذه المعاني في شرعنا فتكون حقائق شرعية حتى يبحث عنها في أنها وضعت للصحيحة منها أو الفاسدة ومنها أن لصحيحة لها أنواع
مختلفة مثلا لصلاة الصحيحة لها أنواع وأقسام ربما يكون بالكيفية المخصوصة في حال صحيحة وغير صحيحة وحال أخرى وليس لها
مفهوم جامع بجميع مصاديق مختلفة العوارض ومنها أن الصحة والفساد من الأوصاف والأوصاف لا تكون داخلة في أصل المفهوم
10

(الكلام في الحقيقة والمجاز)
4 - فصل كل معنى أو معان لم يحتج استعمال اللفظ فيه أو فيها إلى مئونة التنزيل ودعوى واعتبار وعلاقة فاستعمال اللفظ فيه أو فيها
يكون على نحو الحقيقة فمن لوازم ذلك التبادر وعدم صحة السلب والاطراد في جميع أفرادها وكل معنى أو معان احتاج استعمال
اللفظ فيه أو فيها إلى الاعتبار وتنزيل وعلاقة يكون استعماله فيه أو فيها على المجاز فالأول مثل لفظ الأسد بالنسبة إلى الحيوان
المفترس المعهود والثاني استعماله بالنسبة إلى الرجل الشجاع لتنزيله منزلة الأسد ومن لوازم ذلك صحة السلب وعدم الاطراد في
جميع أفراد الانسان و
والسبب في ذلك أن اللفظ إذا تعين لمعنى لغة أو عرفا لا يحتاج في استعماله في هذا المعنى المعين له في هذه اللغة أو العرف إلى تكلف
ودعوى وتنزيل لأنه المعين له وهو المستفاد منه في اللغة أو العرف ولذا لا يتبادر منه هذا المعنى عند أهل هذه العرف أو اللغة ولا
يصح سلبه عنه عندهم ويكون التبادر وعدم صحة السلب عندهم دليلا لغيرهم على كونه حقيقة فيه عندهم وبهذا يرتفع الاشكال الذي
يورد على جعل التبادر وعدم صحة السلب دليلا على كونه حقيقة فيه من استلزامه الدور المحال وأما إذا استعمل في غير المعنى المعين
له فلا بد أن يكون ذلك لمناسبة وعلاقة يصح بها تنزيله منزلة معناه وجعله هو ادعاء وتنزيله لمشابهة ولعلاقة تقتضي ذلك وإلا كان
استعماله فيه غلطا لأنه ليس معناه وليس بينه وبين معناه علاقة تصلح بها إقامة مقامه والعلائق غير مضبوطة ولا منحصرة تعدد بل
كلما يصلح عند العقلا وأهل العرف أقامه مقامه بهذه العلاقة ويصح بها ادعاؤه أنه هو تنزيلا جاز بها استعماله فيها وليس محتاجا إلى
الوضع وإجازة الواضع كما زعم بعض لعدم الدليل على ذلك ولما كان المعنى المجازي غير المعنى اللغوي أو العرفي وإنما جعل مقامه
ادعاء وتنزيلا فلذا يصح سلبه عنه عندهم ولا يتبادر ذلك من حاق اللفظ عندهم وعلى هذا يصح جعل صحة السلب وعدم التبادر علاقة
المجاز ولا يأتي إشكال الدور الذي أشرنا إليه فيما سبق
11

عدم التبادر ومن لوازم عدم التبادر احتياج استفادة المعنى منه إلى قرينة والله العالم.
الكلام في صحة استعمال في أكثر من معانيه
5 - فصل قد عرفت أن أصول الفقه أنما هي قواعد مهدت لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن مداركها فهذا التعريف والغاية لا بد أن
يكونا ملحوظين في مباحثنا فنقول اللفظ إن كان له
[1]
معاني متعددة في العرف واللغة فإن كانت قرينة على إرادة واحدة منها أو على
إرادة أكثر من معنى واحد كأن يقول المولى إني كلما قلت لك ائتني بعين أريد
[1]
معاني متعددة إلخ قد أحال الاشتراك اللفظي بعضهم وقال إنه نقض للمرام لان المقصود من الوضع التفهيم والتفهم وهو لا يحصل
مع تعدد المعاني وصفا له فهو فكل ما كان من هذا القبيل راجع إلى معنى جامع ولكنك خبير أنه قد يتعلق الغرض العقلائي بالتفهيم و
التفهم الاجمالي هذا مضافا إلى أنه اجتهاد في اللغة مخالف للحس و أنه لا يقصد المعنى الجامع ولا يستعمل فيها غالبا ولا ينظر إليه وقد
لا يكون بينها جامع يناسبها.
وذهب صاحب الكفاية بعد اختيار جوازه ووقوعه إمكان إرادة المعاني المتعددة مستقلا كل منها في استعمال واحد واستدل عليه بما
لا يهمنا ذكره وخلاصة القول فيه أنه لا إشكال في إمكان إرادتها ولو باستعماله في معنى جامع مجازا ولا إشكال في أنه إذا كان للفظ
معاني متعددة لا يكون ظاهرا في واحد منهما بالخصوص فحينئذ فإن لم تكن قرينة على إرادة واحدة منها بالخصوص أو على إرادة
أكثر منها بالخصوص فلا إشكال في إجمال اللفظ وعدم الحكم بشئ منها والرجوع إلى القواعد الأخر وإن نصبت قرينة وكانت
القرينة أيضا مجملة فيسري إجماله إلى إجمال اللفظ وإن كانت القرينة واضحة معينة فيعمل بها وهذا المقدار يكفينا في هذا المقام ولا
يهمنا البحث عن سائر الجهات التي جعلوها مورد البحث وأطالوا فيها وقد كان بعض الأساتيذ كثيرا يقول في الدرس هذا مبحث علمي
وإن لم يكن له فائدة فقهية وليكن نقول الغاية القصوى من أصول الفقه هي هذه ولو لم تكن لمبحث هذه الفائدة فإعراضنا عنه أولى
كما أشار إليه الشهيد الثاني (قدس الله سره)
12

منك الذهب فقط أو قال أريد منك الذهب والجارية كل واحد منهما فاللازم أن يتبع ما دلت عليه القرينة وإن لم تكن قرينة على إرادة
واحدة منها أو أكثر كان اللفظ من المتشابهات ولا تتم به الحجة ولا يحصل به البيان سواء في ذلك المفرد والتثنية والجمع حقيقة فإنه
لا إشكال في أنه يمكن إرادة الأكثر ولو بإرادة عموم المجاز وهذا المقدار يكفينا فيما نحن بصدده ولا يلزمنا البحث في أنه هل يمكن
إرادة معنيين مستقلين في استعمال واحد أولا يمكن أو أنه بطريق الحقيقة أو المجاز أو أنه في المفرد مجاز وفي التثنية والجمع حقيقة
فإنه لا إشكال في أنه يمكن إرادته ولو بإرادة عموم المجاز بأن يريد المسمى بعين مثلا في المثال السابق ولا إشكال أيضا في أنه ليس
ظاهرا في واحدة منها بالخصوص أو في أكثر منها ولو في التثنية والجمع لأنهما وإن كانا ظاهرين في إرادة أكثر من فرد ولكنهما
ليسا ظاهرين في إرادة المعاني المتعددة ولا إشكال أيضا في أنه إذا نصبت قرينة على واحدة أو أكثر أو على إرادة المعاني المتعددة
في المفرد أو التثنية أو الجمع فيتبع ما دلت عليه القرينة وبها يتم البيان والحجة وبدونها يكون من المتشابهات فيجب أن يرجع إلى
المحكمات ولا يبغي تأويلها بالرأي فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله
والله تعالى أعلم
الكلام في أنه هل يجوز إرادة المعنى الحقيقي أو المجازي في استعمال واحد
6 - فصل إن استعمل اللفظ ولم تنصب قرينة على إرادة المعني
13

المجازي وحده أو إرادته مع المعنى الحقيقي فلا إشكال في أنه يحمل على المعنى الحقيقي وإن نصب قرينة على إرادة المعنى المجازي
وحده أو نصبت قرينة على إرادة المعنى المجازي والحقيقي لزم اتباعها على حسب ما دلت عليه القرينة ولا يهمنا البحث في أنه هل
يجوز إرادة المعنى الحقيقي والمجازي في استعمال واحد أو يجوز الاعلى نحو إرادة عموم المجاز بأن يريد مجازا معناها ما شاملا
للمعنى الحقيقي والمجازي كأن يريد بقوله لا أضع قدمي في دار فلان مطلق الدخول الشامل لوضع القدم ولغيره الذي هو المعنى
المجازي وفي أنه على تقدير الجواز هل هو مجاز فيهما أو حقيقة بالنسبة إلى المعنى الحقيقي ومجاز بالنسبة إلى المعنى المجازي لان
الفرض أنه أراد ونصب قرينته على إرادته ولا يلزم التفتيش عن كيفية إرادته بعد ما كانت جائزة في بعض صورها والله العالم
الكلام في المشتقات
7 - فصل لا إشكال في أن اللغة العربية كسائر اللغات التي أرشد الله عباده إليها وجعل من آياته اختلافها (ومن آياته اختلاف ألسنتكم
وألوانكم) فيها أسماء للذوات من دون اعتبار اتصاف الذات بصفة من الصفات وأسماء باعتبار اتصافه بصفة من الصفات وفي كل
اللغات أسماء للفاعل وأسماء للمفعول وأسماء للمعاني وغيرها يعبر عنها بالمشتقات وفي كل اللغات قد يقصد بها الفعلية والشأنية و
الحرفة والصناعة والملكة يعرف كل ذلك جميع أهل اللغة بطبيعتهم الفطرية التي جعلها الله في فطرتهم وبها هداهم ولا شك أن
إطلاقها باعتبار حال التلبس وإن كان ماضيا أو مستقبلا
14

أو حالا حقيقة لا مجاز مثلا إطلاق المقتول على سيد الشهداء عليه السلام أرواحنا فداه باعتبار مقتوليته يوم العاشوراء في الأيام الماضية
والقرون السابقة حقيقة كما أن إطلاق المقتول على من يقتل غدا أو حالا باعتبار حال تلبسه كأن نقول فلان مقتول غدا أو حالا باعتبار
وقوع القتل عليه حالا أو غدا حقيقة وأما إذا أطلق على غير حال التلبس باعتبار تنزيله بنحو من الاعتبارات منزلة حال التلبس كأن يقال
للسيد الشهداء المقتول يوم الاثنين ويوم قبض النبي صلى الله عليه وآله وارتقى إلى أعلى منازل درجات المقربين باعتبار من
الاعتبارات التي يعرفها كل أحد أو أنه المقتول الان بنحو من الاعتبارات فلا شك في كونه تجوزا يحتاج إلى قرينة تدل عليه ولا
يتفاوت في ذلك تفاوت أنواع التلبسات من الفعلية والشأنية والحرفة والصناعة فاتضح أن إطلاق المشتقات باعتبار حال التلبس سواء
كان التلبس ماضيا أو حالا أو مستقبلا حقيقة وباعتبار غير حال التلبس بنحو من الاعتبارات والتنزيلات مجاز سواء كان ذلك ماضيا
أو حالا أو مستقبلا ومن ذلك يعلم أن الاستشهاد على كونه حقيقة في الماضي باستدلال الإمام عليه السلام واستعماله تأسيا بالنبي صلى
الله عليه وآله كما في غير واحد من الاخبار بقوله تعالى لا ينال عهدي الظالمين على عدم لياقة من عبد صنما لمنصب الإمامة تعريضا
بمن تصدى لها ممن عبد الصنم مدة مديدة لا يدل عليه لان الامام لم يستشهد بإطلاق الظالم فعلا على من ظلم سابقا لان صحة الاستدلال
لا يكون مبنيا على إطلاق الظالم فعلا بنحو من الاعتبارات على من كان ظالما سابقا بل مبنى الاستدلال على أن من تلبس بالظلم ولو في
وقت من الأوقات ليس قابلا
15

للإمامة بمقتضى الآية الكريمة وهذا هو الموضوع في الآية وهذا لا ينافي ما ذكرناه.
الكلام في الأوامر
8 - فصل البحث في أن لفظ
[1]
الامر مشترك لفظا بين معان منها الطلب الالزامي وأنه إذا استعمل في مقام الطلب ظاهر في الالزام وأن
ما كان بمعنى الطلب جمعه على أوامر وما كان بمعنى غيره جمعه على أمور كما في قوله تعالى وإلى الله تصير الأمور راجع إلى مباحث
اللغة وليس من مباحث أصول الفقه التي هي القواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية وإنما المهم أن البحث في أن صيغة
الامر بأي لفظ كان هل هو ظاهر في الوجوب لتكون قاعدة في مقام استنباط الاحكام الوجوبية من الأوامر اللفظية فنقول اللغة العربية
كسائر اللغات لها صيغ تستعمل في مقام الطلب في جميع اللغات يعرفها جميع أهل اللسان من كل الملل والأقوام بفطرياتهم المركوزة
فيهم لطفا من الله الذي علمهم البيان حتى يعرفها بتلك الفطرة كبارهم وصغارهم المميزون والشارع لم يحدث طريقة جديدة بل
أرسله الله بلسان قومه (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) واللغة العربية ليست ممتازة منها بطريقة خاصة وإنما الاختلاف في
الألفاظ والصيغ ولا شك أن التركي إذا قال لولده المميز (سو گتي) أو الفارس
[1]
قد عنون بعضهم لمناسبة ما مبحث الطلب والإرادة وأنهما متغايران بناء على ما يقول الأشاعرة أو أنهما متحدان كما تقوله المعتزلة
وأصحابنا ثم انجر كلامه بناء على اتحاد الطلب والإرادة إلى أنه تعالى طلب الأحكام التكليفية وأرادها فحينئذ كيف يتخلف ما أراده الله
وطلبه فالتكاليف الشرعية لا تخلو من أن تكون أرادها الله وطلبها فحينئذ كيف
16

قال له (آب بيار) أو العربي قال له ائتني بماء يفهم الطفل المميز من العربي والتركي والفارسي مثلا إنه يلزمه إتيان الماء ولم يعذر
نفسه من عدم إتيانه إلا أن يجيزه مولاه في تركه وهذه سنة الله التي أودعها في فطرتهم وبها تتم الحجة ويحصل بها البيان الذي لولاه
يكون العقاب قبيحا مع المخالفة بل لم يعد مخالفة لولاه نعم لو أجاز المولى مع أمره في تركه لم يكن مذموما في تركه فخلاصة الكلام أنه
يلزم حمل الأوامر الواردة في كلام الله والنبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام بمقتضى الفطرة الربانية والسنة الإلهية المودعة
على الالزام واللزوم ما لم نجد في كلامهم ما يصرفنا عن ذلك وما استدلوا به من الروايات والآيات والعرف أساسه هذه الفطرة
الإلهية ولا يلزمنا إثبات العرف أولا ثم إثبات اللغة ثانيا بأصالة عدم النقل نعم يمكن أن يقال إن ذلك لا لان صيغة الامر حقيقة في
الوجوب ومجاز في الندب أو غيره بل لان المولى إذا طلب ممن يليه بأي لفظ كان ولو بلفظ اطلب منك كذا بصيغة المتكلم تلزمه فطرته
أن يأتي بما طلبه مولاه ما لم يكن مأذونا في تركه وذلك مقتضى إطلاق الطلب لا لان الامر كان حقيقة فيه ومجازا في غيره ولذا إن
أمرنا بأمور وأجاز في ترك بعضها ولم يأذن في ترك بعض الاخر لزمنا إتيان تلك البعض ولا يكون ذلك قرينة على استعماله في
الندب أو القدر المشترك وبهذه الفطرة السليمة فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام أوامر النبي صلى الله عليه و
آله والأئمة وكلام الله تعالى من دون أن يستحكموا مباحث الأوامر ويجثوا فيها والله العالم
17

الكلام في أن صيغة الامر بنفسها لا تدل على كونه نفسيا أو غيريا
9 - فصل لا دلالة في صيغة الامر في أي لغة كانت على كون المأمور به مطلوبا نفسيا أو غيريا ولا على كونه توصليا أو تعبديا وإنما
تدل على كونه مطلوبا نعم يمكن أن يقال إن الغيرية بمنزلة القيد للمطلق يحتاج إلى دليل وقرينة تدل عليها ومع عدمها تحمل على
كونه مطلوبا بنفسه وإن لم يكن التعبد به وقصد الامتثال من قيود المأمور به ولكن اعتباره يحتاج إلى البيان وبدونه لا تتم الحجة و
بدونها لا يمكن المؤاخذة من قادر حكيم متعال
(الكلام في كيفيات استعمال صيغة الامر)
10 - فصل كل الناس يستعملون صيغ الأوامر الواردة في لغاتهم بمقتضى فطرياتهم المركوزة من دون أن يعلمهم معلم في مقام التهديد
مثل اعملوا ما شئتم الآية وفي مقام التعجيز (مثل فأتوا بسورة من مثله) وفي مقام الترخيص مثل قوله تعالى كلوا واشربوا، وإنما
المقام قرينة على ذلك فكما أن المقام يكون قرينة على كونها مستعملة في التهديد أو التعجيز كذلك يكون قرينة على الترخيص إذا
وردت في مقام رفع الحذر والقرائن في المقامات قد تكون مختلفة في الوضوح والخفاء فإن اتضحت القرينة فقدتم البيان وإلا فتلحق
بالمتشابهات أو يؤخذ بما دلت عليه الصيغة بنفسها والله العالم
18

(الكلام في المرة و التكرار)
11 - فصل في جميع الألسنة واللغات إذ أمر المولى عبيدهم والسلاطين رعاياهم في مقام تنظيم القوانين وتعيين الدستور يستفاد منه
أنه لا ينحصر بمرة بل يتكرر بحسب تقنينهم ودستورهم ومن هذا القبيل أوامر الصلاة والصوم ولا يدل ذلك على كون الامر مفيدا
للتكرار كما استدل بذلك فإن التكرار فيما كان من هذا القبيل مستفاد من القرائن وكذا قد يستفاد المرة أيضا من القرينة كان قال
المولى لعبده في يوم افتح صندوقي وائتني بالثوب الفلاني فإنه لا يسوغ له أن يفتح كل يوم صندوقه ويأتي بثوبه ولكن إن لم تكن
قرينة مقامية أو حالية ولا مقالية على أحدهما فإنما يستفاد منه طلب نفس الفعل من دون أن يكون مقيدا بالتكرار أو المرة ولكنه إن
أتى به مرة واحدة فقد أتى بما أمره وامتثله وأجزأه وسقط أمره لامتثاله فكفاية المرة لا لكون الصيغة بنفسها دالة عليها حقيقة فيكون
استعماله في التكرار مجازا بل هو أمر بالفعل من دون تقييد وقد امتثل وأجزأ وسقط أمره لامتثاله والله العالم
الكلام في الفور والتراخي
12 - فصل كل الناس باختلاف ألسنتهم ولغاتهم قد يأمرون عبيدهم وأولادهم بصيغتهم المستعملة في ألسنتهم ويشهد حالهم أو
القرائن الحالية تدل على أن مقصودهم أن يفعلوا ما أمروا به على الفور وقد يأمرونهم وتشهد القرائن أن مرادهم أن يفعلوا ما أمروا به
على التراخي فالصيغة بنفسها قابلة للتقييد بكل منهما نعم يمكن أن يقال إن الصيغة بنفسها تدل على طلب الفعل
19

وهو يصح بإطلاقه للفورية والتأخير بحيث إذا استعملت في مقام الفورية أو التراخي لم يكن مجازا ولكن لما كان إيجاد الطلب في
حال التكلم فالعقل لا يجوز للعبد بعد طلب مولاه أن يتسامح بتراخي مطلوبه أياما أو شهورا أو أعواما ما لم يجوز مولاه ويقل له إن
أمرك لا يدل على الفور وأما ما استدل به على الفور من الآيات مثل قوله وسارعوا إلى مغفرة من ربكم الآية وكذا قوله تعالى
فاستبقوا الخيرات فهي بنفسها تدل على أن ما يؤتى به بغير استياق ومسارعة
[من الخيرات وأسباب المغفرة]
فهي بعكس المطلوب
أقوى دلالة ولو فرض دلالتها لكانت الفورية بأمر خارج عن مفاد الصيغة والله العالم
البحث في الاجزاء
13 - فصل
[1]
في اقتضاء الامر الاجزاء أقول لا ريب في أنه إذ أتى العبد ما أمر به المولى كما أمر به لا يعقل أن لا يجزئ فإن أمر المولى
ثانيا كان ذلك أمرا آخر يقتضي امتثالا آخر ولا يتفاوت في ذلك أن يكون ما أمر به المولى
[1]
قبل هذا البحث نزيد مبحثا آخر وهو أن صيغة فعل المضارع المستعملة في مقام الطلب كلفظ يصلي أو يتوضأ هل هي ظاهرة في
الوجوب لكونه المتبادر بعد عدم استعمالها في الاخبار أو ليست بظاهرة فيه بل هي ظاهرة في مطلق الطلب سواء كان استحبابيا أو
وجوبيا لتعدد المجازات فيها وليس الوجوب أقربها فلا تكون ظاهرا فيه بعد عدم كونها مستعملة في معناه المعنى الحقيقي وهو
الاخبار عن وقوع فعل في المستقبل أو الحال قلت هذه الصيغة إذا استعملت في مقام بيان الوظائف الراجعة إلى الصلاة أو الوضوء أو
غيرهما ظاهرة في استمرار هذه الوظيفة وإنها لازمة له وهذا مقتضى الوجوب ولو أغمضنا عن ذلك وقلنا إنها ظاهرة في مطلق
الطلب فقد ذكرنا أيضا أن المولى إذا طلب من عبده شيئا فمقتضى لزوم إطاعته امتثاله وإتيانه ما لم يرخص المولى في تركه فتأمل
20

عنوانا ثانويا أو عنوانا أوليا فكما أنه إذا أمر المولى مثلا بالوضوء التام بعنوانه الأولي وصلى به العبد يكون مجزيا فكذلك إذا أمر
بالوضوء الجبيري أو بالتيمم فأتى به العبد كما أمر به فقد عمل بتكليفه الفعلي وخرج عن العهدة فلو أمر
[1]
به ثانيا لكان أمرا آخر فكذا
كانت الابدال مجزية ويعد العبد في إتيانها مطيعا لأنها الأوامر الفعلية للمولى والتكاليف الفعلية للعبد
[1]
ونزيد استدراكا أن الأوامر الظاهرية التي هي مفاد الامارات الجعلية ليست في الحقيقة أحكاما واقعية ثانوية في قبال الأحكام الواقعية
الأولية بل هي في مورد المصادفة للواقع عين الأحكام الواقعية وليست أحكاما ثانوية واقعية حتى يجتمع المثلان وفي مورد
المخالفة عذر للمكلف لم يحدث بها حكما مخالفا للواقع فالعمل بمفادها في مورد مخالفتها لا يجزئ عن الواقع وليست أحكاما ثانوية
واقعية ليكون امتثالها مجزيا عن الواقع فمن أخبره عدلان بدخول الليل فأفطر لا يجزئ صومه عن الواقع نعم لو قام دليل آخر على
اكتفاء المولى به اكتفى به لهذا لدليل كمن أخل بإحرامه نسيانا أو جهلا حتى جاز الميقات فإنه دل الحديث الصحيح على صحة إحرامه من
حيث أمكن إذا لم يمكن الرجوع إلى الميقات مثلا إذا قامت أمارة أو استصحاب على بقاء الوضوء أو قطع به ثم صلى وانكشف له عدم
بقائه لزم إعادة صلاته التي صلبها به بخلاف إذا توضأ جبيريا ثم برأ فإنه لا يلزم إعادة صلاته نعم في الشرائط التي ليست بشرائط
مطلقا كالطهارة من النجاسات فإنها ليست بشرط مطلقا حتى لو صلى بالنجاسة جاهلا لا يلزم إعادتها فإذا قامت أمارة على الطهارة أو
استصحب الطهارة وصلى بهائم انكشف خلافها لم يلزم إعادتها ومن هذا القبيل الترتيب بين صلاة الظهر والعصر فإنه لو صلى عامدا و
عالما بخلاف الترتيب لم تصح صلاته ولو صلى كذلك ناسيا صحت صلاته فعلى هذا لو قطع بأنه صلى الظهر أو قامت أمارة على ذلك ثم
صلى العصر وانكشف خلافه صحت صلاة العصر فمن اعتقد بوجوب صلاة الجمعة فصلاها ثم صلى العصر جاز أن يقتدي به من لا يعتقد
بوجوب صلاة - الجمعة عينا أو تخيرا أو يحتاط لما ذكرنا من كون صلاة عصره صحيحة حقيقة لان الترتيب ليس بشرط مطلقا كما يدل
على ذلك ما ذكروا في مسألة الاختلاف في اختصاص أول الوقت بالظهر وآخر الوقت بالظهر أن ثمرة ذلك تظهر فيما لو قدم العصر
على - الظهر غير عامد فإن كان في وقت الاختصاص بطل عمله لأنه أحل بالوقت وهو شرط مطلقا ولو كان في وقت المشترك فيصح
لأنه أخل بالترتيب غير عامد وهو ليس بشرط مطلقا وقد ورد في الصحيح أنه لا تعاد الصلاة إلا من خمسة وليس الترتيب من الخمسة
21

وكل من أتى بتكليفه الفعلي وامتثل أمر المولى المتوجه إليه فعلا فقد خرج عن العهدة فلو أمره المولى ثانيا لكان ذلك تكليفا آخر
يحتاج إلى دليل آخر نعم لو كان العبد معذورا بنسيانه أو جهله أو اضطراره في ترك العمل الواقعي كأن يكون معذورا في إفطار الصوم
أو في ترك الصلاة أو في ترك الحج أو غير ذلك لم يكن ذلك مجزيا عن عمله مثلا لو أمرنا بالوضوء والصلاة والحج على طريقة العامة
وكان تكليفنا الواقعي الفعلي هذا النحو من الوضوء والصلاة والحج وعملنا كما أمرنا به فقد أتينا بتكليفنا الواقعي ولو كان واقعيا
ثانويا فلو أمرنا بها ثانيا لكان تكليفا يحتاج إلى أمر آخر بخلاف ما كنا معذورين في ترك الوضوء أو ترك بعض أجزائه أو إفطار
الصوم أو ترك الحج فتركنا كذلك لما كان مجزيا فلذا قلنا لو أفطر تقية من العامة لحكمهم بثبوت الهلال لوجوب القضاء ولكن لو عمل
الحج على طريقتهم لحكمهم بثبوت الهلال لكان مجزيا لأنه عمل بتكليفه الفعلي والله العالم
الكلام في مقدمة الواجب
14 - فصل لا ريب أن أكثر الأمور لا يحصل إلا بمقدمات عديدة اختيارية فإذا أمرت مثلا ولدك الصغير المميز بإتيان الماء وهو لا يمكن
إلا بمقدمات اختيارية من أخذ ظرف الماء وإملائها من المخزن وغيرها فهو بوجدانه وعقله يلزم نفسه بهذه المقدمات الاختيارية
الممكنة لتحصيل المطلوب وليس هنا مطلوبات متعددة وحتى لو أمكن إتيانه بدونها واقتصر على إتيانه لكان ممتثلا نعم لو كان
لبعض المقدمات في نظره
22

خصوصية وبينها كأن قال ائتني بالماء في الظرف البلور كلما طلبت الماء لكان الامر بالماء أمرا به بالتبع وما ذكرنا من الوجدانيات
التي لا يشك ذو طبع سليم فيه وبذلك فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام ما أمروا به من التكاليف
الشرعية ولو توقف هي على مقدمات عقلية أو عادية لاتوا بها في مقام امتثالها ولكن ليست هذه المقدمات واجبات شرعية مولوية ولو
بالتبع إلا أن تكون
[1]
هذه المقدمات مقدمات جعلية شرعية كالطهور فإن لها حينئذ وجوب شرعي تبعي فلذا قال عليه السلام في
الصحيح إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة
تنبيهات
الأول
أن أمر المولى
[2]
بشئ بشرط حصول مقدمة من مقدماته كما أمر بالحج في الشرع في صورت الاستطاعة لم يلزم العقل ولم يحكم
الوجدان بلزوم تحصيله لأنه لم يجب قبل الاستطاعة حتى
[1]
لا يخفى أنه كما يكون لشئ مقدم دخلا في تأثير دواء كذلك قد يكون تأثيره أو رفع بعض مضاره منوطا بشئ مؤخر عنه بزمان و
كذلك أيضا قد يكون بشئ مقدم في نظر الشارع دخلا في كون المأمور به ذا حسن أو ذا مصلحة وقد يكون لشئ آخر مؤخر دخلا في
كونه كذلك فإن الحسن والمصالح يبدل بالاعتبارات والإضافات فيشترط الشارع تقدمه في الأول وفي الثاني تأخره فلذا، لا إشكال
في الشرط المتقدم والمتأخر شرعا فإن شرطيته بجعل المولى والشارع وهو للمصالح والمحاسن التي تتفاوت بالاعتبارات و
الإضافات فلا إشكال في اشتراط صحة صوم المستحاضة بالغسل الليل المتأخرة لو قام عليه دليل فيكون للشرط الشرعي أيضا وجوب
تبعي بواسطة وجوب المأمور به أو هو عينه باعتبار وغيره باعتبار نفسه كالاجزاء
[2]
اعلم أنهم قد قسموا الواجب إلى مطلق ومشروط ولكنهما إضافيان لان كل واجب بالنسبة إلى بعض الشروط ولا أقل بالنسبة إلى
القدرة والعقل والبلوغ مشروط وبالنسبة إلى بعض آخر مطلق
23

يجب تحصيلها وإنما يجب بعد الاستطاعة وحينئذ لا يلزم التحصيل لأنه تحصيل للحاصل ولا واجب قبلها حتى يجب الاتيان بمقدماته.
الثاني
المقدمات على ضربين منها ما يكون مقدمة للوجود ومنها ما يكون مقدمة للعلم واليقين بالامتثال كغسل شي زائد على أعضاء الوضوء
لتحصيل اليقين بغسل العضو فيلزم العقل والوجدان في الأول بإتيان المقدمة لتوقف إتيان ذي المقدمة عليه وفي الثاني لتحصيل اليقين
بالامتثال وللقطع بفراغ الذمة وليس بيانه من وظيفة الفقيه وليس هو من الأحكام الشرعية الفقهية
الثالث
قد يكون أمر سببا وعلة اختيارية لامر غير اختياري وهو المسبب فإذا أمر بالمسبب فقد يقال إنه أمره عرفا بعين السبب الاختياري
فالواجب في الحقيقة هو ذلك السبب الاختياري دون المسبب الذي هو أمر غير اختياري والله العالم
بحث الأضداد
15 - فصل لا ريب أن كل فعل من الافعال له أضداد لا تعد ولا تحصى لا يمكن جمعه مع واحد منها في آن واحد وأنت لو خليت وطبعك
ترى أنك لو أمرت ولدك وعبيدك ومن تلي أمره بفعل من الافعال تطلب منهم صدور هذا الفعل من دون أن تتوجه إلى أضداده الخاصة
التي لا تحصى ولا تعد فلفظ الامر في نفسه لا دلالة فيه على النهي عنها بواحدة من الدلالات وقد يكون فعلان ضدين اجتمع زمانهما في
آن واحد بحيث لا يمكن إتيانهما معا في هذا الان ويكون كل منهما مطلوبا لك كإنقاذ
24

الغريقين في آن واحد بحيث لا يمكن إلا إنقاذ واحد منهما وأنت لا تكلف عبيدك بإنقاذهما لا لقصور فيهما أو في مطلوبيتهما بل لقصور
في الزمان وعدم سعته إلا لواحد منهما فهما في أنفسهما مطلوبان ولكن الزمان لا يسع كليهما فإن لم يكن في أحدهما ترجيح
فالوجدان والعقل الفطري
[الذي يبعث العبد باقتضاء عبوديته بامتثاله لأوامر مولاه]
يخيره في إنقاذ كل منهما ولا يعذره في تركهما و
إن كان رجحان في أحدهما كأن كان أحدهما عالما برا تقيا وقد كان يعلم العبد أن إنقاذه أشد حبا لمولاه فعقله وفطرته يحكم
بتقديمه عليه في مقام الامتثال والانقياد فلو أنه ترك إنقاذهما في هذه المقام كان مسؤولا أيضا بتركهما معا لأنه ترك أمرين كل منهما
مطلوب لمولاه في نفسه وإن ترك الأهم كان مسؤولا أيضا بتركه ولكنه لو أتى بغير الأهم كان آتيا لمطلوبه الاخر الذي لا يكون مهما و
كان صحيحا و موجبا للتقرب إن كان تعبديا وأتى به متقربا إليه وهكذا إن كان زمان أحدهما مضيقا وزمان الاخر موسعا وكان
مطلوبيتهما في أنفسهما في عرض سواء فالعقل الفطري يحكم بلزوم تقديم المضيق لأنه يفوت وقته دون الاخر ولو أنه تركه وأتى
بالموسع فقد خالف في تركه المضيق ولكنه امتثل في إتيان الموسع وإن شئت
[1]
قلت في جميع ذلك بأنه
[1]
لا يخفى عليك أن الله تعالى جل شأنه وعظم سلطانه منزه عن توارد الحوادث عليه وليس هو محلا للحوادث فالطلب والإرادة لا
يتواردان عليه وإنما إنشاء وقرر الاحكام لمصالح يعلمها وإذا تزاحم الحكمان فليس القصور في الحقيقة من جانبها وعدم الامكان
أنما أتى من جهة قصور الوقت وعدم سعته فبكل منهما أتى فقد أتى بما هو مطلوب ومحبوب للمولى بالمعنى الذي ذكرنا وإن كان
العقل يلزمه بأن يأتي بما هو أهم أو بما هو يضيق فافهم
25

يستحيل من المولى الحكيم أن يوجه أمرا بشيئين متزاحمين في أن واحد إلى عبده ولكن الاستحالة لعدم إمكان الامتثال لهما ولكن ذلك
لا ينافي محبوبيتهما في أنفسهما وهو ملاك الامر فيهما والصحة تابعة له فيصح لو أتى بالموسع وترك المضيق كذا يصح لو أتى بغير
الأهم وترك الأهم ومن ذلك اتضح أن الامر بالشئ لا ينهى عن ضده في الأوامر الشرعية وأنه لو أتى بغير الأهم أو بالموسع كما لو
صلى الظهر مثلا مع سعة وقته فيما إذا كان مديونا قادرا على أدائه ولم يرضى صاحب الدين بتركه كانت صلاته صحيحة ولا يلزم منه
اجتماع الأمر والنهي الناشئ عن الامر بأداء الدين في موضوع واحد وهكذا نظائره وقس عليه البواقي تنبيه - قد يعبر عن الضد
بالترك ويقال إن الامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده وهو الترك ويقال له الضد العام ولا يخفى عليك أن الامر بالشئ بصيغة افعل
كأنه عبارة أخرى عن صيغة لا تتركه ولا فائدة مهمة في البحث عن ذلك والله العالم
الكلام في أنه قد تكون المصلحة في نفس الامر دون المأمور به
16 - فصل أنت إذا راجعت نفسك ترى أنك قد تأمر أولادك بأشياء وما تريد وقوعها وإنما تريد، أن تختبرهم وتميز مطيعهم عن
غيرهم وإذا أتوا ببعض مقدماتها تنسخ أمرك وتظهر ما في قلبك وقد تأمرهم بأشياء وأنت تعلم أنهم مطيعون لك في جميع أوامرك
لتظهر شأنهم أو جلالتك لغيرك ثم إذا هيئوا أنفسهم في مقام امتثالك وظهر شأنهم
26

أو جلالتك تنسخ أمرك وقد تأمرهم وتريد، أن يأتوا بما أمروا به فخلاصة الكلام أن مصالح الامر التي يبعثك إليه لا تنحصر في مصالح
المأمور به وقد لا يكون فيه مصلحة وتكون المصلحة في نفس الامر وبها يجوز أمرك وأوامر الشارع الاقدس نظيرها قد تكون
المصلحة في نفس المأمور به كأكثر الواجبات الشرعية وقد تكون المصلحة في نفس الامر كأمر الله تعالى إبراهيم على نبينا وآله و
عليه السلام بذبح ابنه مع أنه لا يريد وقوعه في الخارج فحينئذ يجوز الامر مع علم الامر بانتفاء شرطه ولعل من منع ذلك نظره إلى
الأول ومن أجازه نظره إلى الثاني وبه يرتفع النزاع عن البين ولكن غفل بعضهم عن ذلك وأجاب عن قضيته إبراهيم بما لا يخلوا عن
إشكال والله العالم.
الكلام في متعلق الأمر
17 - فصل كل صغير وكبير إذا طلب شيئا وأمر به فإنما يطلب إيجاد مفهوم ومعنى مطلق أو مقيد لم يوجد فالوجدان يحكم بأن متعلق الأمر
الطبيعة الكلية المطلقة أو المقيدة بقيود يتعلق بها الغرض وليس متعلق الأمر الفرد الخارجي لأنه ما لم يتحقق لم يكن فردا خارجيا
وبعده لا معنى لطلبه لأنه تحصيل للحاصل وأنه يتعلق الطلب بإيجاد المعنى وهذا معنى ما قاله العلماء الأصوليون من أن متعلق الأوامر
الطبائع ويعرف ذلك كل أحد بوجدانه كما استدل بذلك عليه في الكفاية ولا يحتاج ذلك إلى معرفة أصالة الماهية أو الوجود وإنه بناء
على الأول متعلق الأمر نفسها لكن بجعلها نفسها من الأعيان الثابتة وبناء على الثاني
27

متعلق الأمر نفس وجودها باعتبار الإضافة الاشراقية بمعنى إضافة الوجود إليها والأولى أن لا يختلط
[1]
هذه المباحث بمباحث أصول
الفقه التي
[1]
اعلم هداك الله وإيانا على الصراط المستقيم الذي أنعم الله على أوليائه أن الفلسفة - اليونانية التي ترجمت بالعربية في الدولة
العباسية وضل بذلك كثير ممن درسوها وما نجا منهم إلا قليل ممن أتقنوا عقائدهم بالمحكمات الدينية من الآيات الباهرة والأحاديث
المتقنة والفطريات السليمة كانت موهونة عند فقهائنا الربانيين من الأصوليين والمحدثين (رضوان الله عليهم أجمعين) لوجهين أحدهما
ما رأوا من انحراف كثير ممن قروها ودرسوها عن طريقة الأنبياء والمرسلين وأوصيائهم المرضيين واعتقادهم بخلاف ضروريات
الدين من حدوث العالم (وقدمه زمانا بقدم علته كما قاله الحكماء وذهب إليه كبراؤهم ممن أتقنوا بزعمهم الحكمة و الفلسفة كصاحب
المنظومة وغيره ومن ذلك أيضا اعتقادهم بأن عالم الآخرة ليس ماديا وإلا انقلبت الأخرى دنيا كما صرح به صاحب المنظومة في
حاشيتها ومن ذلك قولهم بأن النفس يكون لها مقام خلاقية يخلق بها الحور والقصور بواسطة الأخلاق الحسنة والمعارف الحقة ويخلق
بها العقرب والحيات والنار بركوز الأخلاق السيئة كما زعم صاحب المنظومة وقال إن بذلك يندفع الشبهة التي أوردوها على قوله
تعالى وجنة عرضها السماوات والأرض مع كون الأفلاك منطبقة بعضها على بعض وبعد الفلك التاسع لا خلا ولا ملا وهذه الشبهة
كبيت العنكبوت بنيت على موهومات سطرها المتفلسفون الأولون وأورثوها لقوم آخرين وكم من خرافات تشبه بعضها بعضا نسجها
الضالون المضلون تعالى الله عما يقولون وثمانيهما أن أكثر مباني الفقهية مبتنية على فهم ظواهر الكتاب والسنة وهو لا يلائم كثيرة
لمشرب الفلاسفة والمتفلسفين وقد قلت لمولانا الحائري آقا شيخ عبد الكريم نزيل قم (قدس الله سره الزكي) حين ما لقيته عند
مسافرتي إلى المشهد الرضوي صلوات الله عليه إني سمعت أن جنابكم لا تميلون إلى دراسة المنظومة وأمثالها من الكتب الحكمية ولا
ترضون بأن يدرسوا طلاب العلوم الدينية هذه الكتب ونعم ما تفعلون لان أكثرهم يشتغلون بدرسها قبل أن يستحكموا عقائدهم
الدينية بالدلائل المحكمة فيقعون في ريب وارتياب ولا يقدرون على رد شبهاتهم ويخوضون في عمرانها فيهلكون ويضلون من حيث
لا يشعرون فقال طيب الله مضجعه إن مشرب الفلسفة المتداولة مع قطع النظر عن سقمه وفساده لا يلائم مشرب الفقاهة وبينهما بون
بعيد ونحن مشغولون بفهم الأحكام الإلهية عن الآيات والآثار المعصومية التي أمرنا بالتمسك بهما وبذلك نجاتنا عن الضلالة الدائمة و
الشقاوة الأبدية وقد قال لي سيدنا المعظم آية الله الخوئي دامت بركاته العالية إني كنت برهة من
28

قد عرفت أنها قواعد ممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية عن أدلتها
الكلام في الأحكام الخمسة وما بقي منها بعد نسخها
18 - فصل إن الأحكام الخمسة التي هي الإباحة بمعنى تساوي الطرفين الفعل والترك والاستحباب والوجوب والكراهة والحرمة
أحكام بسيطة يحللها العقل إلى جنس وفصل يرتفع جنسها بارتفاع فصلها إذ قوام الجنس بالفصل وليس في الخارج لهما تركب مادي
بحيث يكونان جزين محسوسين لا يرتفع أحدهما بارتفاع الاخر فليس معنى نسخ الحرمة رفع المنع من الفعل مع بقاء الكراهة أو
الجواز بالمعنى الأعم وكذلك ليس معنى نسخ الوجوب رفع المنع من الترك مع بقاء الاستحباب أو الإباحة فلا يدل بإحدى الدلالات نسخ
الحكم الواجبي على بقاء الجواز أو
الزمان مشتغلا بتدريس الاسفار ثم تنبهت بعون الله ومنه بأن أدنى الضرر والفساد الناشئ منه أن الانسان المشتعل به لا يهتم بالآثار
النبوية والأحاديث الامامية ويزعم أنها قشريات موهونة فتركت تدريسها تمسكا بالأئمة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين والعجب
من بعض المتفلسفين يتمسك بالآيات القرآنية بتجليل الحكمة اليونانية ويزعم بجهالة أو بولعه بها أن الآية الشريفة ويعلمهم الكتاب و
الحكمة ونظائرها تقدسها (سبحان الله) أو ما يتدبر هذا الجاهل بالآيات إلهية أم على قلوب أقفالها يعلم أن القرآن المجيد يبين المراد
من الحكمة فإنها بعد ما بينت الآداب الدينية والاحكام الإلهية والأخلاق الفاضلة قال تعالى في سورة الإسراء ذلك مما أوحى إليك ربك
من الحكمة هذا مضافا إلى أن القرآن المجيد نزل بلسان عربي مبين ونزل بلسان قومه فلا ينزل ولا يحمل على اصطلاح ابتدعوا بعد
مائة سنة أو أزيد حين ما ترجم الكتب اليونانية إلى العربية فخلاصة الكلام أن الحكمة اليونانية التي إثمها أكبر من نفعها ومع ذلك لا
تفيد في رفع الشبهات الحاضرة قد كانت موهونة عند علمائنا الأصوليين والمحدثين ولم يكن دراستها رائجة بينهم حتى خلط بعض
الأعاظم من المتأخرين دامت تأييداتهم شطرا من اصطلاحاتها ومباحثها بأصول الفقه وبذلك راجت بينهم حتى خلطوا عملا صالحا و
آخر سيئا والله يحكم بينهم فيما فيه يختلفون
29

الاستحباب نعم قد يكون في اللفظ قرينة حالية أو مقالية أو لفظية على رفع الالزام وإثبات الجواز فيتبع ما ظهر من اللفظ وقد يكون
في اللفظ إجمال باحتفافه بقرينة مجملة فلا يحكم ببقاء الجنس مع ذهاب فصله لعدم الدليل عليه إلا ما يتوهم من استصحاب الجنس بعد
ذهاب فصله من قبيل استصحاب الكلي بعد ذهاب فرده أو نوعه وهو غير صحيح لعدم الدليل على هذا الاستصحاب والله العالم
الكلام في الحكم الذي موضوعه نفس الطبيعة المطلقة
19 - فصل إن الحكم قد يتعلق بنفس الطبيعة من دون نظر إلى أفرادها الخارجية وإن كان تعلقه بها من حيث الوجود كأكثر الاحكام
التي موضوعها الانسان والرجل والمرأة والذكر و الأنثى والشاة والإبل والبقر في الزكاة فحيث ما وجدت هذه الطبيعة تعلق بها
حكمها ولا نحتاج في ذلك إلى إجراء مقدمات الحكمة وليس هذا من الموارد التي ينصرف فيه المطلق إلى الفرد الكامل أو الافراد
الشائعة أو يحتاج في تعميمه إلى إجراء مقدمات الحكمة وقد يكون موضوع الحكم في الحقيقة الافراد الخارجية وأخذ المطلق في
الموضوع لبيانها كأخبار الحمام الواردة في زمان المعصومين وفي بلادهم فإنها قد اشترط فيها وجود المادة ولا شك أن الحمامات
التي كانت متعارفة في بلادنا مشتملة على أكثر من عشرين كرا مثلا لا يشترط فيها وجود مادة أخرى لها وقد ورد فيها أن ماء الحمام
بمنزلة ماء النهر أو الجاري يطهر بعضه بعضا
30

ولا شك أن الحمامات التي في بلادنا عاصمة بنفسها عن النجاسة لكريتها ولا يحتاج إلى تطهير البعض البعض الاخر فما ورد من هذا
القبيل يمكن أن يكون منصرفا إلى الافراد الشائعة وإلا كمل أو يؤخذ بالشمول من باب إجراء مقدمات الحكمة والله العالم
الكلام في الواجب التخييري
20 - فصل لا ريب أنك إذا رجعت وجدانك تجد، أنك قد تأمر أولادك بأشياء وأنواع لانطباقها على كلي واحد وفي الحقيقة أن الذي
تأمر به هو هذا الكلي وإنما أمرت بهذه الأنواع لانطباقها عليها مثلا قد يكون مطلوبك الفاكهة مطلقا لأقرأ ضيفك وتأمر ولدك أو
خدمك إحضار العنب أو الرمان أو التفاح أو البطيخ مخيرا فيها ولكن مطلوبك الفاكهة مطلقا والتخيير فيها نظير التخيير بين أفراد
الواجب الكلي وفي الحقيقة الواجب واحد لا تخيير فيه وإنما التخيير فيها في مقام الامتثال بين الافراد والأنواع وليس هذا من الواجب
التخييري وقد يكون مطلوبك كل واحد من الأنواع بخصوصية مستقلا ولكن لا تريد جميعها إما لعدم الامكان أو للعسر أو لمصالح
أخرى وتخير ولدك أو عبيدك في إتيان واحد منها وهذا هو الواجب التخييري وليس مطلوبك واحد لا بعينه أو واحد منطبقا لكل منها
بل مطلوبك كل منها مخيرا فيها ونظير ذلك في الواجبات الشرعية الواجبات التخييرية فاتضح أن من قال غير ذلك لا وجه له.
تنبيه
قد لا يمكن التخيير بين الأقل والأكثر التدريجي كما
31

في التحديدات مثلا لا يمكن أن يكون الانسان مخيرا في الكر فيما بين سبع وعشرين شبرا وستة وثلاثين أو اثنين وأربعين فإنه إذا
بلغ الماء سبعا وعشرين شبرا مثلا فإما أن يكون كافيا في حصول الكر فما زاد يكون على الاستحباب لو ورد التحديد به أو لم يكن
كافيا فيطرح الخبر الوارد فيه وقد يكون كل منهما محدودا بحدوده مطلوبا مستقلا فيمكن التخيير بينهما والله العالم
البحث في الواجب الكفائي
21 - فصل الواجب الكفائي ما كان المقصود حصوله من كل من خوطب به ولو مرة واحد منهم كإنقاذ الغريق ودفن الموتى وغياث
المضطر فإن تركه كل من خوطب بل كانوا مؤاخذين وإن أتى به واحد منهم سقط عن الكل وإن شاركوا فيه لكان كل منهم مأجورين و
إنكار الوجوب الكفائي إنكار للوجدان والله العالم
البحث في الموسع والمضيق
22 - فصل قد لا يكون للوقت خصوصية في المطلوب فيكون غير موقت وقد يكون له خصوصية فإن كان الوقت حينئذ موسعا فيكون
المكلف مخيرا في إتيانه في أي جز منه شاء مثل صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في أوقاتها وإنكاره سفسطة و
إنكار للوجدان وقد يكون مضيقا كمن لم يدرك من وقت الظهرين إلا بمقدار ثماني ركعات من آخر الوقت وليس معناه تطبيق أول
جز من الواجب بأول جز من الوقت وتطبيق آخره ب آخره حتى يكون محالا أو كالمحال وكل ذلك
32

واقع فضلا عن إمكانه والله العالم.
في الواجب الموقت
23 - فصل لا دلالة للامر الموقت على تعدد المطلوب وإن وجوده مطلوب في نفسه وكونه في الوقت مطلوب آخر بل إنما يدل هو على
مطلوبيته في الوقت ووجوبه بعد وقته سواء كان بعنوان القضاء أولا يحتاج إلى دليل آخر إلا أن يكون الأمر الأول مطلقا والذي دل
على التوقيت لم يكن مقيدا له وإنما دل على مطلوبيته في الوقت فيتمسك بإطلال الدليل الأول على مطلوبيته بعد الوقت والله العالم
في الامر بالواسطة
24 - فصل إن أمر المولى بعض عبيده أن يأمر البعض الاخر بشئ وكان مقصود المولى كونه واسطة في التبليغ وغرضه صدور هذا
الشئ المأمور به فلا إشكال في كونه في الحقيقة أمرا بالثاني ومن هذا القبيل أمر الله تعالى رسوله ونبيه بتبليغ أحكامه وقد يكون
المقصود أمره فقط من دون أن يكون نظر إلى أمر الثاني كما أمرنا الشارع أن نأمر أولادنا بالصلاة وهذا كله مستفادة من القرائن فلا
دلالة في نفس الامر بالامر على كونه أمرا به والله العالم
الكلام في تأكيد الامر
25 - فصل إذا ورد أمر بشئ بعد الامر به قبل امتثاله فتكرار
33

الامر لا يدل عرفا على تكرار المأمور به فإن قال المولى اسقني وقبل الامتثال قال بلا فصل أو مع فصل اسقني فهو لا يدل عرفا على
تكرار المأمور به وكون التأسيس أولى من التأكيد لا يثبت الدلالة العرفية والميزان في دلالة الألفاظ هو الدلالة العرفية لا الترجيحات
الاستحسانية التي لا توجب الدلالة العرفية كقولهم المجاز خير من الاشتراك اللفظي لكونه أكثر منه أو المجاز خير من الاضمار أو هو
خير منه فإن هذه كلها كأمثالها لا طائل تحتها وإن أطنب فيها بعض فافهم ولا تغفل والله العالم
الكلام في للنواهي
26 - فصل في جميع الألسنة واللغات المتداولة فيما بين أصناف البشر نواهي كما لهم أوامر لا اختلاف بينهم إلا من جهة الصيغ والألفاظ
فتارة بمقتضى الاحتياجات أو لحاظ المصالح يأمرون وتارة ينهون ولا يأمرون إلا في مقام البعث إلى الفعل ولا ينهون إلا في مقام
الزجر عنه الذي يعبر عنه بطلب الترك بل يمكن أن يقال إن الحيوانات كلها أو بعضها أيضا يستعملون أصواتا في مقام الطلب من
أولادهم مثلا ويستعملون أصواتا في مقام الزجر كما هو المشاهد المحسوس من بعضهم وفي مقام الطلب يطلبون شيئا وفي مقام
الزجر ينهون عن شي بكيفيات أصواتهم ودعوى أن النهي عبارة عن طلب الكف عن الفعل لان الترك أمر عدمي والاعدام لا ميز فيها
ولا يتعلق بها شي لأنها ليست باختيار الانسان سفسطة
34

مخالفة للبداهة ولان الترك لو لم يكن باختيار الانسان لم يكن الفعل باختياره لان المقدور ما كان الانسان قادرا على فعله وتركه و
جميع أفراد البشر صغيرهم وكبيرهم بل جميع الحيوانات ينهون ولا يطلبون إلا ترك الفعل ولا يتصور أحد منهم الكف أبدا والله
العالم
النهي بإطلاقه يقتضي ترك جميع أفراده
27 - فصل النهي عن فعل بلا قيد يقتضي ترك جميع أفراده الدفعية والتدريجية فلا يحصل الامتثال إلا بتركه مطلقا في جميع الأزمنة ولا
يدل ذلك على كون النهي للتكرار بخلاف الامر فإنه طلب الفعل وهو يحصل بامتثاله مرة فلا يقاس على النهي حتى يقال إنه للتكرار و
الامر نظيره فيلزم أن يكون الامر للتكرار أو يقال إن الامر بالشئ نهي عن ضده والنهي للدوام فالامر أيضا للدوام فإن كل ذلك
مباحث لا طائل تحتها والميزان في الدلالة هو الذي سبق كرارا وبه تتم الحجة والبرهان وعلى الله التكلان
الكلام في اجتماع الأمر والنهي
28 - فصل في اجتماع الأمر والنهي وخلاصة القول فيها أنه قد يكون شخص واحد في آن واحد مقصرا وخاطئا من جهة ومطيعا و
ممتثلا من جهة أخرى كإنقاذ غريق بيده اليمنى مثلا وغرقه الاخر باليسرى فهو
35

هذا الان مطيع وعاص فلا إشكال في إمكانه ووقوعه وإنما الاشكال في أنه هل يمكن أن يكون فعل واحد محرما من جهة وطاعة و
محبوبا من جهة أخرى كأن يكون حركة واحدة إنقاذا لاحد وإهلاكا للاخر فهل يمكن أن يكون هذا الحركة أو التحريك حراما من جهة
وواجبا من جهة أخرى فقد يقال نعم لان المأمور به والمنهي عنه هو الطبائع وقد جمعه المكلف بسوء اختياره في فرد واحد وليس
المأمور به والمنهي عنه الافراد حتى يجتمع الأمر والنهي ولكن هذا لا يخلو عن إشكال ضرورة أن الطبيعة والماهية من حيث هي مع
قطع النظر عن الوجود ليست إلا هي ولا يتعلق بها أمر ولا نهي وإنما يتعلق بها من حيث الايجاد والمفروض وحدة الايجاد فكيف
يكون متعلق الأمر والنهي معا مطلوبا ومبغوضا في أن واحد بعبارة أخرى إذا فرضنا أن الصلاة والركوع والسجود مثلا بعينها كانت
تصرفا في ملك الغير فإما أن تكون هذا الصلاة والركوع والسجود مما أمر به الشارع وطلبه وهي مطلوبة ومحبوبة له فلازم ذلك
تجويز الشارع هذا التصرف الذي يكون في ملك الغير ومعه لا يكون حراما ومنهيا وإما أن تكون هذه الصلاة مبغوضة للشارع فلا
تكون مما أمر به بل الصلاة التي أمر بها الشارع الصلاة التي أسست على التقوى وأنها لا يتقبل إلا من المتقين ولا يصح عمل بلا تقوى
فهذه الصلاة هي تصرف في ملك الغير فتكون فاسدة فلم يجتمع الأمر والنهي وهو المطلوب والله العالم
36

الكلام في دلالة النهي على الفساد وعدم دلالته
29 - فصل هل يدل النهي على الفساد في العبادات والمعاملات أم لا المشهور على أنه يدل على الفساد في العبادات ولا يدل عليه في
المعاملات أما الأول فلان العبادة المنهي عنها لا يتقرب بها إلى الله والعبادة لا بد أن تكون مما يتقرب به إلى الله تعالى فلا يتصور قصد
التقرب بها بعد ورود النهي عنها وبدونه لا يتحقق موضوع العبادة وأما الثاني فلانه لا يلزم في المعاملات قصد التقرب حتى ينافي
النهي ولا ملازمة بين النهي وعدم التأثير والصحة في المعاملات ليست إلا كونها مؤثرة في النقل والانتقال فيمكن أن يكون شي
مبغوضا لله ويكون مفيدا للنقل والانتقال كالبيع وقت النداء يوم الجمعة هذا ولكن العلماء رضوان الله عليهم مع قولهم بأن النهي في
المعاملات لا يدل على الفساد حملوا أكثر النواهي الواردة في البيوع والنكاح على الفساد ولعل السر في ذلك أن المقنن أو المشرع
الحكيم في مقام التقنين أو التشريع إذا نهى عن معاملة فهو باعتبار هذا المقام ظاهر في عدم اعتبار هذه المعاملة عنده إلا أن يكون
النهي لامر خارج كالنهي عن البيع عند النداء يوم الجمعة لايجاب الحضور لصلاة الجمعة وإن شئت قلت إن نبينا إذا بعث لتشريع
الشرائع وشرع شرائع وحكم ونهى عن التصرف في مال الغير والغصب وكانت الملكية الدائرة السائرة فيما بينهم بمعاملات جارية
فيهم فما لم ينههم عن معاملة فمقتضى حكمه ألا يتصرف أحد في
37

مال الغير إلا بإذنه إمضاء معاملاتهم التي بها دور الملكية عندهم إلا أن ينهاهم عن معاملة فإن نهيهم عن معاملة كان نهيه بلحاظ ما ذكرنا
ظاهرا في عدم صحة هذه المعاملة فلذلك كان أغلب ما ورد في الشرع في مقام بيان عدم الصحة وعدم ترتب الأثر على المعاملة بلفظ
النهي وهو يكشف عن ظهوره في الفساد ولو بالقرينة التي ذكرناها والله العالم
البحث في المفاهيم
30 - فصل في المفاهيم وقد أطنبوا في تعريفها وفي النقض والابرام فيها وكلها لا طائل في بحثها وتفسيرها اللفظي المراد منها
معلوم لكل من له أدنى تحصيل وتعلم وفيها مقاصد
المقصد الأول في مفهوم الشرط
وقد اختلفوا فيه على قولين فمنهم من يقول إنه حجة ومنهم من ينكره والأول يرجع إلى أن له مفهوم عرفي يستفاد منه عند أهل العرف
والثاني يرجع إلى إنكاره فنقول إن جميع اللغات والألسنة لها جمل شرطية ولها أداة الشرط وجميع الناس يستعملونها ولا اختلاف إلا
في أداتها وألفاظها وكلهم حتى أطفالهم المميزين يفهمونها بمقتضى فطرتهم التي فطر الله الناس عليها وهو البيان الذي علمه الله
تعالى بعد خلقة الانسان مثلا إذا قال قروي فارسي لولده الصغير المميز بلسانه الفارسي (اگر حسين قباى مرا دوخت به أو پنج تومان
بده) أو قال عرب بدوي لولده الصغير إن خاط الحسين قباي فأعطه دينارا يستفيد منه مراده وإن مفاد لفظه ومفهومه أنه إن لم بخطه
38

لا تعطه فلو أعطاه مع عدم خياطته يذمه ويقول له إني قلت لك إن خاطه فأعطه إن كان عربيا وإن كان فارسيا يقول بلسانه (من به تو
گفته بودم اگر قباى مرا دوخت پنج تومان بده من نگفته بودم بده بدون دوختن) وإن لم يعطه مع عدم خياطته وطالبه الحسين
الخياط الدينار يقول الطفل بمقتضى فطرته إن مولاي قال إن خاطه فأعطه وأنت لم تخطه وإن كان فارسيا يقول (آقاى من به من
گفته هر گاه قباى مرا دوخت بده تو كه ندوخته‌اى) وهكذا جميع اللغات والألسنة سواء كان عبرانيا أو سريانيا أو غيرهما وقد أشرنا
كرارا أن الأنبياء عليهم السلام لم يتكلموا الناس إلا بالبيان الذي علمهم الله تعالى بعد خلقهم كما قال في كتابه العزيز خلق الانسان علمه
البيان وبه تتم الحجة ولا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وبعد بيانهم وهذا معنى حجية مفهوم الشرط ثم إنه لا يستفاد من
الشرط أزيد من ذلك عرفا ولا يستفاد منه عرفا أن هذا الارتباط بين الشرط والجزاء للعلية والمعلولية بينهما أو لكونهما معلولين لعلة
واحدة أو لكونهما متلازمين بل استفادة هذه محتاجة إلى القرائن الأخر كما قد يستفاد من القرينة الأخرى أن الشرط قد ينوب عنه
شرط آخر لا ينتفي الجزاء بانتفاء الشرط الذي وقع في كلامه وقد يستفاد من القرينة أن سوق الشرط لنكتة أخرى لا لانتفاء الجزاء عند
انتفاء الشرط فجميع ما يستدل به على عدم حجية المفهوم من هذا القبيل
39

تنبيهان
إذا تعدد
[1]
الشرط واتحد الجزاء
مثلا إذا قال إذا لم تسمع الاذان فقصر وإذا خفي الجدران فقصر فالمستفاد منه عرفا أن كلا من الشروط يترتب عليه الجزاء فكل منهما
حصل يكتفى به في القصر وإنما يتم إذا لم يحصل واحد منهما وعليه المعول ولا يعتنى بما يقال إن الواحد بما هو واحد لا يرتبط
بالاثنين كما أن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد فإن هذه كلها لا يرتبط بالشروط الشرعية الجعلية التي يمكن كونها ملازما للعلة الواحدة
الحقيقية أو معرفات وعلامات لها والمثال والممثل لو سلم فإنما هو في العلل الطبيعية المحضة لا في العلل الشرعية ولا ما كان المنشأ
فيها هو القدرة والاختيار ولعمري إن خلط هذه المباحث مع ما فيها بمباحث الألفاظ يوجب اختلال الذهن وإثمها أكبر من نفعها.
التنبيه الاخر
إذا تعدد الشرط واتحد سنخ الجزاء كأن قال المولى لخادمه أعط فلانا إذا خلط قباي دينارا ثم قال إذا خاط قميصي أعطه دينارا
فالظاهر عرفا كون كل منهما حكما على حدة إلا أن يدل دليل على التداخل كما في الأغسال وأسباب الوضوء إلا أن يكون الموضوع
عنوانا واحدا جامعا لعنوانين كأن قال أضف عالما وأكرم
[1]
لا يخفى عليك أن هذا إذا لم يكن المجموع من حيث المجموع شرطا فإن الشرط في الحقيقة واحد حينئذ كما إذا قال المولى بعبده إن
خاط زيد قبائي وخاط قميصي فأعط دينارا فإن الجزاء مترتب على خياطتهما وليس الشرط في الحقيقة متعددا ولوضوح ذلك لم
نتعرض له
40

هاشميا فأضاف عالما هاشميا مكرما بإضافته ونظيره أن يقول من صلى بين المغرب والعشاء ركعتين وقرأ في أولاهما وذا النون إلخ
وفي الثانية آية وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلخ وقرأ في قنوته اللهم إني أسألك إلخ وسأل حاجته قضى الله حاجته وغفر له فمن
صلى نافلة المغرب بهذا المنوال فقد أتى بالوظيفتين لصدق العوانين نعم يجوز له أن يفرقهما
المقصد الثاني قد عرفت أن الحجة لا تتم إلا بالبيان
الذي يكون الأغلب باللسان بالنحو الذي يستفاد منه عند أهل اللسان حتى يعرفه كل من هو من أهله ومن البديهي أن إثبات الحكم
لموصوف لا يدل على نفيه لغيره حتى يكون للوصف مفهوم وبذلك يكون حجة فمعنى قولهم أن مفهوم الوصف ليس بحجة أنه ليس
للوصف مفهوم عند أهل العرف واللغة حتى يكون حجة وكذا أن مفهوم اللقب ليس بحجة لأنه ليس للقب مفهوم عند أهل العرف واللغة
نعم قد يكون في تعليق الحكم بالوصف إشعارا بالعلة ولكن الاشعار ليس بيانا تتم به الحجة إلا أن يكون هناك قرينة تدل عليه فيتبع
مدلول القرينة كيف ما دلت عليه القرينة ومن قبيل ذلك مفهوم العدد فإنه لا مفهوم لها إلا ما ورد في مقام التحديدات
[1]
المقصد الثالث قد يكون عند أهل كل لسان حكم
[1]
فإن التحديد بنفسه قرينة على أن العدد المذكور في هذا المقام له مفهوم ومفاد ضرورة على أن العدد المحدود في الواقع لو كان
أقل أو أكثر ولم يذكر في الكلام لكان التحديد به لغوا بل كذبا فمعنى التحديد به إن الحد منحصر به
41

علق على الأدنى ليستفاد منه حكم الاعلى بطريق أولى ويعبر عنه بمفهوم الموافقة كأن يقول الفارسي لولده (فلانى را به گوشه چشمت
توهين مكن وفلانى را با كوچكترين لفظي مرنجان) والعربي يقول لا تقل لفلان أف ولا تنظر إليه نظرة توهين ويستفاد من جميع
ذلك أن المقصود منه عدم تحقيره وتوهينه وإيذائه بكل أنواع التوهينات وتتم بذلك الحجة لكونه بيانا عند العقلا وأهل اللسان و
نظير ذلك في الشرع قوله تعالى ولا تقل لهما أف وفي الحديث لو كانت كلمة أدنى من كلمة أف في مقام الايذاء لنهى الله عنه انتهى و
قد نقلناه لمضمونه وليس من مفهوم الموافقة ما استنبط العلة ويعبر عنها بالمناط القطعي من دون أن تكون عليه دلالة لفظية أو قرينة
حالية ثم قيس على ما نص ما لم ينص بأولوية قطعية عند القائس فإن ذلك من القياس المنهي عنه في الاخبار الشريفة ففي رواية أبان بن
تغلب من الصادق عليه السلام قال قلت قطع إصبعين قال عليه السلام عشرون قلت قطع ثلاثا قال ثلاثون قلت قطع أربعا قال عشرون
قلت سبحان الله يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون ويقطع أربعا فيكون عشرون كان يبلغنا هذا ونحن بالعراق فقلنا إن الذي جاء به
الشيطان قال عليه السلام مهلا يا أبان هذا حكم رسول الله إن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية فإذا بلغ الثلث رجع إلى النصف يا أبان
إنك أخذتني بالقياس والسنة إذا قيست محق الدين لا يخفى عليك أن أبان بن تغلب الذي كان من علماء الشيعة وكبرائهم قد رد الرواية
الحقة الصادقة بمخالفتها للأولوية القطعية عنده وحكم بخلافها لموافقته لها في نظره ولكن
42

الصادق عليه السلام أبطل ما زعمه وجعله من القياس وهكذا جعل الأولوية القطعية بزعم القائس من القياس المنهي عنه في الأخبار الواردة
في مقايسة إبليس وأنه أول من قاس نعم قد يصرح بالعلة ويستفاد منها عرفا أن الحكم يدور مدارها فيعم الحكم ويخصص
فيقال مثلا لا تأكل الرمان لأنه حامض فإنه يستفاد منه أن العلة والمناط هي الحموضة فيعم كل حامض ويخص الحكم أيضا بالرمان
الحامض لا الرمان الحلو وهذا النحو من الاستفادة أيضا من الاستفادة اللفظية بمقتضى الفطرة الارتكازية ومقتضى المفهوم اللغوي نعم
لو استنبط العلة وحكم عليها بالحدس وجعل اسمها المناط القطعي لكان من القياس في الدين ولو فرض حجتيها في بعض الأحيان
لكان ذلك بالنسبة إلى قاطعها لا على غيره ممن يقلده لعدم شمول أدلة التقليد له
المقصد الرابع لا ريب أن كل الناس وجميع العقلا من جميع الملل والأقوام لهم في مقاصدهم غايات
وفي أحكامهم العرفية والمولوية نهايات يفهمونها بألسنتهم مع اختلاف لغاتهم بحروفها الدالة عليها واللغة العربية أيضا من هذه
اللغات التي جعل الله من آياته في الآية الشريفة ومن آياته اختلاف ألسنتكم إلخ لا فرق بينها وبين هذه اللغات على كثرتها إلا في
الألفاظ والأدوات وكل الناس بفطرتهم حتى الأطفال المميزين يفهمون من مفهوم هذه الأدوات أن ما بعد الغاية غير المغيا في الحكم و
المقصد إلا أن يدل دليل آخر على خلاف ظاهره وقد يريد المولى أن يشتغل العبد بفعل إلى الليل مثلا ولكن يريد أن لا يكون في
43

نظره شاقا فيقول له افعل إلى الظهر فإذا اشتغل إلى الظهر فبعده يقول اشتغل إلى الليل وهكذا قد يريد الامراء أن يسوقوا الجيوش إلى
مكان معين في نظرهم ولكن نظرياتهم تقتضي أن لا يفهمونهم فيأمرونهم أن يسيروا إلى مكان قريب وبعد ما ساروا إليه يأمرونهم
إلى مكان آخر حتى يوصلوهم إلى مقاصدهم ولكن كل هذه لمصالح تقتضيها والقرائن تدل عليها فاتضح مما بيناه أن حروف الغاية لها
مفاهيم تدل عليها ما لم يكن قرينة على خلافها
القصد الخامس في الاستثناء
لا شك أنك إذا قلت لولدك لا تشتر اللحم إلا من عمرو يفهم ولدك المميز بطبعه السليم أنك نهيته من شراء اللحم من كل أحد وأجزت له
شراءه من عمرو فيفهم من الاستثناء من النهي والنفي إجازته وإثباته للمستثنى وكذا إذا قلت اشتر اللحم من كل أحد إلا من عمرو يفهم
أنك أجزت له الشراء من كل أحد ما سوى عمرو فيفهم من الاستثناء من الامر والاثبات النهي والنفي من المستثنى وقول أبي حنيفة
بخلاف ذلك لا يوافق الذوق الصحيح والطبع السليم والاستناد في ذلك إلى قوله عليه السلام لا صلاة إلا بطهور وأمثال ذلك سفسطة
لان من المعلوم أن المقصود أن الصلاة إذا تمت جميع أجزائها وشرائطها ولم تكن واجدة للطهور لا تصح ومعه تصح فحينئذ تقيد
الاستثناء من النفي إثباتا
تنبيه
قد أشكلوا في كيفية إفادة كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) التوحيد الحقيقي بأنه إن كان الاستثناء من نفي الوجود فيفيد إثبات الوجود ولا
يفيد نفي إمكان غيره تعالى وإن كان الاستثناء من نفي الامكان
44

فلا يفيد إثبات الوجود له تعالى ولكن الاشكال في غير محله لأن هذه الكلمة المقدسة في قبال المشركين الذين يعبدون من دون الله
آلهة فهو في مقام نفي الوجود المعبود الحق لكل معبود سواه نعم نفي الوجود لكل معبود عند العقلا مستلزم لنفي الامكان لأنه إن كان
جائزا وجوده وجب وجوده لان الله لا يكون إلا واجب الوجود الغني بالذات وكل معبود سواه باطل فنفي وجود إله غيره مستلزم لنفي
إمكانه
تنبيه آخر
في مفهوم أنما وبل والمسند إليه والمعرف باللام وخلاصة القول فيها أنها قد تفيد الحصر ولكنها ليست في أنفسها ظاهرة في ذلك
بل تفيده بمعونة القرائن ولا إشكال في ذلك إذا دلت القرائن الواضحة وبدونها لا تتم الحجة ولا يحصل به البيان والله العالم
البحث في العام والخاص
(31 - فصل في العام والخاص
وفيه مباحث)
المبحث الأول
لا ريب أن في كل لغة من لغات العالم التي علمها الله تعالى لبني آدم ليصلحوا أمورهم ويشكروا ربهم ويظهروا ما في ضمائرهم
بمقتضيات حاجاتهم ألفاظ عموم وألفاظ خصوص يعرفها كل ذي لغة كما يعرفون سائر ألفاظهم من كبيرهم إلى صغيرهم وقرويهم و
بدويهم ولا فرق إلا في ألفاظها مثلا لفظ العموم في اللغة العربية كل وفي الفارسية (همه) وفي التركي (هامو) فاستدلال بعضهم على
أن هذه الألفاظ أنما وضعت للخصوص وإن استعمل في العموم فعلى طريق المجاز بأن الخصوص هو المتيقن أو بأنه أكثر استعمالا من
العموم حتى قيل ما من
45

عام إلا وقد خص فلو قيل إنها وضعت للعموم للزم التجوز في أكثر الاستعمالات فقلنا بأنها وضعت للخصوص تقليلا للمجاز سفسطة من
قدماء الأصوليين واستناد في اللغة إلى الاجتهادات الباردة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
ثم إن معنى العام والخاص لمن عرف اللغة وتفسيرها اللفظي لا يحتاج إليه لأنه ليس لفظ أوضح معنى في اللغة منهما حتى يفسرهما و
ليس المقام مقام بيان الماهية (ويزيدك وضوحا ما في كتب المنطقيين ومن جملتها اللئالئ للسبزواري قال فيه ومن ثم ما في بدو
تعليم شرح للاسم) وليس شرحا الحقيقة حتى يحتاج إلى تعريف الماهية بجنسها وفصلها جامعا للافراد ومانعا للاغيار حتى يكون
محلا للنقض والابرام.
المبحث الثاني قد تتعلق الاغراض العقلائية وتحصل المقاصد بالعموم البدلي
كأن يقول أحد منهم لغلامه أو لخادمه أعط واحدا من كل المتعلمين دينارا فيحصل الامتثال بإعطاء واحد من جميع من كان متعلما دينارا
وقد لا تحصل المقصود إلا بإعطاء مجموعهم من حيث المجموع فيقول أضف جميعهم وكلهم بحيث لا يتخلف واحد منهم فإن نقض واحد
منهم لم يحصل الضيافة من العبد ويسمى ذلك بالعام المجموعي وقد تتعلق بكل فرد فرد منهم ويكون إعطاء كل منهم دينارا تكليفا
مستقلا فيقول أعط كل واحد من المحصلين دينارا فكل من أعطى له فقد امتثل في حقه ويسمى هذا بالعموم الافرادي ولكن هذه كلها
ليست
46

تغييرا في معنى اللفظ بل لفظ العام استعمل في معناه الذي هو العموم وإنما الاختلاف في المقاصد واستفيد ذلك بالقرائن فيحتاج في
ذلك إلى القرائن فإذا لم تكن قرينة يمكن أن يقال إذا كان حكم واحد موضوعه الكل فمقتضاه تعلق الحكم بمجموعهم إلا أن يدل دليل و
قرينة على خلافه ولم يكن في الكلام ظهور في إحداهما بالخصوص فيرجع إلى سائر الدلائل في ذلك.
المبحث الثالث إذا تعلق النهي والنفي بماهية شي فيسري الحكم إلى جميع أفرادها
لان وجود واحد من تلك الماهية ينافي نفيها أو نهيها فلذا كانت لا النافية للجنس والنكرة في سياق النفي مفيدة للعموم لا أن العموم
معناها بل هو من لوازم معناها في كل لسان ولغة ثم إنه قد تجعل نفس الطبيعة من دون نظر إلى أفرادها الخاصة موضوعا لحكم
فيسري الحكم إلى جميع أفراد الطبيعة لان موضوع الحكم أينما وجد وجد الحكم فلذا كان الجنس المعرف باللام يفيد العموم لان اللام
فيها للإشارة إلى نفس الجنس وأن الجنس من حيث هو موضوع للحكم فلذا أفاد العموم وصح الاستثناء كما في الآية الكريمة والعصر
إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا إلخ كما أن الجمع المحلى باللام إذا كانت للإشارة إلى نفس الجميع من دون خصوصيات ملحوظة
في أفرادها سرى الحكم إلى جميع الافراد فلذا كان الجمع المحلى باللام مفيدا للعموم وصح الاستثناء منه فاتضح مما بيناه وجه إفادة
العموم
47

في جميع ما ذكر ولا حاجة لنا إلى التطويل
المبحث الرابع في أن العام المخصص حجة في ما بقي
لا ريب أن الحجية في الدلائل اللفظية ليست باعتبار كونها منصوصة من المعصوم وإن كان لو نص لكان حجة بل باعتبار حصول البيان
بمقتضى الفطرة الارتكازية التي أودعها في الانسان معلم البيان كما سبق في أول الكتاب فكل دليل لفظي كان محل النزاع بين علماء
الاعلام فالمرجع في تنقيح الدلائل وتهذيب المباني هو الذي مر إليه الإشارة غير مرة فنقول إن قلت لولدك الصغير أو خادمك اشتر
اللحم أو الخبز أو الفاكهة أو ما أردت من كل أحد إلا الفلاني وخصصت واحدا من الكسبة لا شك في أنه بمقتضى فطرته السلمية يشتري
ما تريد من كل أحد إلا ممن خصصته وكذا إذا قلت أكرم العلماء إلا من كان معينا للظالم فهو يرى بمقتضى فطرته أن وظيفته الاكرام
لكل العلماء إلا من خصصته وكذا إذا قلت أكرم العلماء من دون استثناء ثم قلت بعد يوم أو يومين ولا تكرم من العلماء من كان معينا
للظالم يحكم وجدانه أن وظيفته الاكرام لجميع العلماء إلا من خصصته بمخصص منفصل فالفطرة السليمة تحكم بأن العام المخصص حجة
فيما بقي وما قالوا في مقابل الارتكازيات التي هي من نعم الله تعالى من أن التخصيص قرينة على إرادة التجوز من العام ومراتب
التجوز متعددة مختلفة وليس في التخصيص قرينة على واحدة منها فلا يكون العام المخصص حجة فيما بقي غفلة عن الفطرة التي فطر
الناس عليها وبها تمت الحجة وعظمت النعمة ولا حاجة لنا إلى
48

بأن أقرب المجازات إلى الحقيقة هو ما بقي بل الحق أن تخصيص العام ليس إلا كالتقييد نظير ضيق فم الركية أوليس استعمالا في غير ما
وضع له والتخصيص بالمنفصل ليس إلا مثل بيان القيودات بدليل خارج منفصل فهو مثل التقييد بالصفة المتصلة مثل أكرم العلماء
العدول أو من تقديم الأظهر على الظاهر فيما خصص لا رفعا للظاهر وتركا له بالكلية كما قال في الكفاية وكيف كان فمرجعنا هو
الحاكم الذي جعله الله في وجداننا
المبحث الخامس العام إذا خصص بمجمل
فإن كان المخصص متصلا يسري إجماله إلى العام سواء كان إجماله من جهة دورانه بين الأقل والأكثر أو من جهة دورانه بين
المتباينين لان الكلام لا يتم بيانه وظهوره إلا بتمامه فيؤخذ بالمتيقن من العام وإن كان منفصلا وكان إجماله من جهة دورانه بين
المتباينين ولم يكن العام حجة في واحد منهما لأنه إذا خصص بواحد من المتباينين ولم يعلم ولم يشخص واحد منهما لم يكن العام حجة
في واحد منهما وإن كان إجماله من جهة دورانه بين الأقل والأكثر كان العام حجة فيما لم يعلم تخصيصه ولا يسري إجماله إلى العام ثم
إذا كان المخصص مبينا غير مجمل ولكن شك في بعض أفراده أنه من أفراد العام أو الخاص فلا يجوز التمسك بالعام في الفرد
المشكوك فيه لأنه لم يعلم أنه من أفراد الخاص أو العام هذا إذا كان المخصص لفظيا وإن كان لبيا فقد قال في الكفاية إن كان مما يصح
أن يتكل المتكلم عليه إذا كان بصدد البيان في مقام التخاطب فهو كالمتصل حيث لا يكاد ينعقد معه ظهور للعام إلا في الخصوص وإن
لم يكن كذلك
49

فالظاهر بقاء العام في المشتبه على حجيته كظهوره فيه وعلل ذلك بأن الكلام الملقى من السيد حجة وليس إلا ما اشتمل على العام
الكاشف بظهوره عن إرادته للعموم فلا بد من اتباعه ما لم يقطع بخلافه مثلا إذا قال المولى أكرم جيراني وقطع بأنه لا يريد من كان
عدوا له يلزم عليه إكرام من شك في عداوته بالطريقة المعروفة والسيرة المستمرة المألوفة بين العقلا التي هي ملاك حجية أصالة
الظهور انتهي ملخصا لكن يمكن أن يقال إنه إذا قال أكرم جيراني وعلم أنه لا يريد إكرام جيرانه الواقعة في طرف شمال داره أو في
طرف خلفه وشك في شخص أنه من جيرانه الشمالية أو الخلفية لا يجب إكرامه لعدم جريان السيرة العقلائية بالتمسك بالعام في أمثاله
وأما وجوب الاكرام في المثال المذكور فلو سلم فلعله لكون العداوة من الأمور الطارئة الثانوية يلزم في ترتيب حكمها إحرازها
المبحث السادس
فلا يشك أحد أن الخطباء في كل قوم ولسان يخطبون الناس في مقام الارشاد والهداية في أمور المعاش والمعاد ولا يكون مقصودهم
من خطابهم وبياناتهم الحاضرين دون الغائبين أو المشافهين فقط بل مقصودهم في أمثال هذه كل من كان أهلا للخطاب من الحاضر و
الغائب والموجود ومن سيأتي وكذلك العلماء العظام والفلاسفة يؤلفون الكتب والصحائف و يدونون الدفاتر والزبر في كل علم و
فن وحكمة ويخاطبون في مؤلفاتهم بتناسب يقتضيه المقام وليست
50

خطاباتهم مقصورا بمن كان موجودا في زمانهم بل من كان له أهلية الخطاب إلى يوم القيامة وكذلك المقننون من السلاطين وغيرهم
يقننون ويخاطبون في محاوراتهم وكتبهم وكل أحد يعلم ويفهم من صغيرهم وكبيرهم أن مقصودهم من الخطاب ليس المشافهين
حسب فخطاب الله في فرقانه المجيد وكلام الله المنزل من العزيز الحميد لارشاد الناس إلى يوم النشور ليس محصورا بالموجودين في
زمن النزول والمشافهين وليست حجيته لغيرهم من باب الظن أو من باب اشتراك التكليف فلذا قال الإمام عليه السلام إن الآيات
القرآنية لا تموت بموت الاشخاص وقال أيضا إن القرآن طري لا يبلى بمرور الدهور والأعوام ولذا كان دأب الأئمة عليهم السلام
الاستدلال لغير المشافهين الحاضرين بنفس الخطابات القرآنية وخطابات النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة صلوات الله عليهم
في مقام الارشاد والهداية وفي مقام بيان الحق من القوانين الدينية والاحكام الإلهية أيضا من هذا القبيل شاملة لكل من له أهلية الخطاب
إلى يوم فصل الخطاب وفي بعض الأخبار تصريح بذلك وقد أشرنا مرارا إلى أن الكتاب نزل بلسان عربي مبين ليهدي الناس إلى
الصراط المستقيم والنبي والأئمة لم يتكلموا إلا بلسان قومهم وبالطريقة المستمرة التي جرى عليها البيان الذي علمه الله الانسان.
المبحث السابع
لا شك أنا نعلم أن مدارك ديننا وأحكامنا الكتاب والسنة وفيهما العام والخاص والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ وغير ذلك و
قد أمرنا بتحصيل العلم ولا يمكن ذلك إلا بالتفحص
51

والتتبع عن العام والخاص والمطلق والمقيد وغيرها وأيضا قد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالتمسك بالكتاب و
العترة والكتاب له عمومات ومطلقات وما يخصصها ويقيد هما في الأحاديث المروية عن العترة صلى الله عليه وآله ولا يتم التمسك
[1]
بهما إلا بالفحص عن الأحاديث المروية فلذا قد ادعوا الاجماع على وجوب الفحص عما يخصص العام ولم يجوزوا العمل بالعمومات
قبل الفحص عن المخصص ومنشأ الاجماع ما ذكرنا ولا حاجة لنا
[2]
إلى التمسك به
المبحث الثامن إذا تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده
فإما أن يكون قبل إتمام الكلام الأول كأن يقول والمطلقات أزواجهن أحق بردهن فلا إشكال في تخصيص العام به وإنه يكشف عن أنه
لم يبق على عمومه وأن المقصود منه هو الخصوص وإن كان في كلام آخر منفصل فلا إشكال في عدم تخصيصه به وإن كان في كلام
متصل ولكن بعد تمام الكلام الأول كما في قوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قرؤ
[1]
وقد يستفاد صريحا من الروايات الكثيرة المتواترة في ذم من يتمسك بالقرآن من دون تمسك بالأئمة الهداة المهديين صلوات الله
عليهم أجمعين) وهم خلفاء الرحمن وشركاء القرآن في كونهم معه حجة على الناس كما يشهد بذلك حديث الثقلين المسلم عند الفريقين
ويستفاد أيضا من غير واحد من الروايات ذم من تمسك بالعام والمطلق وترك المخصص والمقيد فمن ذلك رواية سليم بن قيس
المروية في أصله وفي الكافي ونحن ننقله عن الكافي لاتصال سلسلتنا إليه بإجازة العلماء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين فليراجع
إلى أوائل المجلد الأول من الكافي
[2]
كما لا حاجة لنا إلى التمسك بالعلم الاجمالي بوجود المخصصات والمقيدات لنبتلى بالاشكالات التي ذكرها في الرسائل
52

إلى قوله وبعولتهن أحق بردهن فإن الضمير في بعولتهن راجع إلى المطلقات الرجعيات فهل يوجب ذلك تخصيص العام الأول أو يبقى
هو على العموم فيه خلاف لان الامر يدور بين تخصيص العام وبين التصرف في الضمير بإرجاعه إلى بعض ما يراد من العام يمكن أن
يقال إن العام بعد تمام ظهوره بتمام الكلام يعمل على عمومه ولا يجوز رفع اليد عن عمومه بعد تمامه بمجرد رجوع الضمير إلى بعض
أنواعه لأنه المتيقن ولا يوجب ذلك إجمالا في ظهوره ولا تخصيصه
المبحث التاسع قد اختلفوا في تخصيص العام بالمفهوم المخالف بعد اتفاقهم على تخصيصه بالموافق
فبعضهم لم يجوزه تمسكا بأن ظهور العام في العموم بالمنطوق وظهور المفهوم في الخصوص ليس بالمنطوق بل بالمفهوم وإنما يقدم
الخاص على العام ويخصص به لكون ظهوره أقوى من ظهور العام في العموم والمفهوم ليس أقوى من المنطوق فلا يقدم عليه ولكن
الانصاف أن أمثال هذه التعليلات الاعتبارية لا اعتبار بها وإنما الاعتبار بالظهور العرفي الذي هو المدار في البيان وبه قوام الحجة و
البرهان ولا شك أنه إذا قال المولى لعبده أكرم العلماء إن لم يفسقوا أو لم يرتكبوا المعاصي جهرة يفهم أنهم أن فسقوا لم يجب إكرامهم
وإنما الواجب إكرام من لم يكن فاسقا منهم وهذا معنى التخصيص ولا فرق في الشرط بين أن يكون في كلام متصل أو في كلام منفصل
كما لا فرق في سائر المخصصات بين اتصالها وانفصالها نعم قد يكون ظهور العام أقوى بحيث يأبى عن التخصيص كأن يكون واردا
في الامتنان فيكون
53

معارضا الخاص بحسب الفهم العرفي ولا ينحصر ذلك في المفهوم فإذا عد العام وللخاص بحسب المتفاهم العرفي متعارضين باعتبار
القرائن والأحوال فيعامل فيها معاملة المتعارضين وإلا يقدم الخاص سواء في ذلك المفهوم وغيره ولا ربط لذلك بالاطلاق والتقييد و
كون حجية الاطلاق بمقدمات الحكمة أو غيرها نعم قد يتعارض في مورد عموم المفهوم بعموم المنطوق وقد يتعارض إطلاق أحدهما
بإطلاق الاخر وقد يتعارض عموم أحدهما بإطلاق الاخر وهذه مباحث أخر لا ربط لها بالمقام والمتبع في ذلك الظهور العرفي إن كان
وإلا يعامل معاملة المجمل في أحدهما أو في كليهما ولا تتم به الحجة ولا يحصل به البيان
المبحث العاشر الاستثناء المتعقب للجمل المتعددة بحيث يصلح له الرجوع إلى الأخيرة فقط والرجوع إلى كلها
هل يرجع إلى الأخيرة فقط أو الكل لا شك أن الأخيرة هو المتيقن ولكن لا ربط له بالظهور فإن لم يكن له ظهور في الأخيرة أو الكل
بحسب القرائن والأحوال كان عموم كل منها بالنسبة إلى مورد الخاص من المتشابهات فيرجع إلى سائر الأدلة إن كانت أو إلى الأصول
العملية ولا تتم به الحجة ولا يؤخذ الله به بمقتضى البيان ثم إن إثبات الظهورات العرفية بالاعتبارات كمثل بيت العنكبوت وإن أوهن
البيوت لبيت العنكبوت ثم إن الحجة أنما هو ظهور الكلام إذ به يظهر المرام لا ظهور اللفظ فإنه قد يكتنف في الكلام ما يصرفه عنه أو
يوجب إجماله فما عن بعضهم من أنه يجب العمل بظهور العام في العموم تعبدا حتى يأتي ما يصرفه عنه
54

قطعا و جعل ذلك مستندا لارجاع الاستثناء إلى الجملة الأخيرة لا يخلوا عن إشكال بل منع
المبحث الحادي عشر لا يخفى عليك إذا تعارضت الحجتان وكان بينهما تباين وتنافي عرفا
فهنا يؤخذ بأقواهما سندا فإن كان إحداهما مقطوعة الصدور والأخرى لم يكن كذلك فتؤخذ بالأولى وتترك الأخرى لان المقطوع لا
يعارضه غيره فإن كان حديث يخالف كتاب الله أو الرواية المتواترة يطرح الحديث ولو كان راويه عدلا واحتمل التأويل والتوجيه في
الكتاب أو الرواية المتواترة أو الحديث فلذا وردت روايات مستفيضة في أن كل حديث يخالف كتاب الله فلا تأخذ به حتى قال عليه
السلام ما جاءك من بر أو فاجر يخالف كتاب الله فلا تأخذ به وإن لم يكن إحداهما مقطوعة فيؤخذ بأقواهما سندا وأصحهما أو
أشهرهما على ما فصل في الروايات الواردة في باب التعارض وإن لم يكن بينهما تباين وتعارض وأمكن الجمع العرفي بينهما بحيث
إذا لو حظا معا لم يكن بينهما في نظر العرف تعارض وتنافي فيأخذ بهما وهنا يصح أن يقال إن الجمع إن أمكن أولى من الطرح لا
الجمع بالتأويلات والتوجيهات التي لا يقبل في نظر العرف مثلا الامر بالشئ وتجويز تركه وكذا النهي عن الشئ وترخيص فعله لا
يتنافيان في نظر العرف فيجمع بينهما بحمل الامر على الرجحان والنهي على المرجوحية بخلاف ما إذا ورد أمر بشئ ونهي عن ذلك
فإنهما يعدان في العرف متعارضين فلا يؤول بينهما بحمل الامر على الترخيص والنهي على المرجوحية وكذا إذا ورد عام وخاص
55

ومطلق ومقيد سواء كانا في كلام واحد أو في كلامين وسواء صدر عن معصوم أو معصومين فإن ما قال أولهم يطابق ما قال آخرهم و
لا يقع منهم سهو وغفلة ويؤخذ بكلتا الحجتين ويجمع بينهما بحمل المطلق والعام على المقيد والخاص ولا يطرح أحدهما لأنه طرح
الحجة مع عدم المنافاة والتعارض فلذا جرت سيرت أصحاب الأئمة والعلماء كلهم على العمل بالمخصصات الواردة في الأحاديث في
قبال عمومات الكتاب مع أنهم علموا وأيقنوا أن الأئمة صلوات الله أجمعين نهوهم عن العمل بالأحاديث المخالفة لكتاب الله والسر في
ذلك أن الخاص لا يعد مخالفا للمقيد ومما أشرنا إليه من أنه بعد القول بعصمتهم يحسب جميع ما صدر عنهم بمنزلة ما صدر عن واحد
منهم في مجلس واحد يرتفع ما قد يشكل بأنه كيف يجمع بين العام والخاص والمطلق والمقيد مع أن الرواة كانوا مختلفين زمانا و
مكانا وكذا الروايات الصادرة عن إمام وكذا الروايات المروية عنهم عليهم السلام كانت مختلفه زمانا ومكانا باختلاف أمكنتهم و
أزمنتهم عليهم السلام وإن شئت قلت إنا مأمورون بالعمل بالروايات الواردة في التعادل والتراجيح أن نأخذ بالمقطوع أو الأصح أو
الأقوى فيما إذا حصل التعارض وصدق التباين والتنافي عرفا فكما يرجع في إحراز الموضوعات العرفية في سائر الأحكام إلى العرف
فيترتب عليها أحكامها فكذا هذا الموضوع فما صدق عليه التباين والتخالف يترتب عليه أحكامه وما لم يصدق يعمل بكليهما عملا بكلا
الدليلين وأخذا بكلتا الحجتين نعم هنا إشكال عويص
56

وهو أنهم ذكروا أن الخاص قد يكون ناسخا وقد يكون مخصصا والعام قد يكون ناسخا وقد يكون مخصصا بالفتح وتفصيل ذلك
أن الخاص قد يرد بعد العام وقد يكون قبله وكل منهما قد يكون قبل العمل وقد يكون بعد العمل فإن كان قبل العمل يكون الخاص
مخصصا بالكسر سواء كان قبل العام أو بعده وأما إذا كان بعد العمل بالعام ورد الخاص أو بعد العمل بالخاص ورد العام يكون
الخاص في الصورة الأولى ناسخا وفي الصورة الثانية منسوخا لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة الذي هو قبيح لا يصدر من
الحكيم فحينئذ إذا ورد الخاص بعد العمل بالعام يكون الخاص ناسخا وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة فعلى هذا يشكل تخصيص
عمومات الكتاب المجيد بالأخبار الواردة عن الأئمة الطاهرين لورودها بعدها تقريبا بمائة سنة أو أزيد ولا يمكن أن نجعلها ناسخة
لها لأنهم اتفقوا على أن الكتاب لا ينسخ بالحديث الوارد عنهم عليهم السلام لأنهم كانوا مبينين الكتاب المجيد لا ناسخين له ويمكن
التفصي عن هذا الاشكال بأن ما قالوا إنما هو في مورد علم أنه قد صدر عام وعمل بعمومه ثم ورد الخاص لا ما إذا لم يعلم ذلك واحتمل
أنه قد صدر العام وبين خاصه في زمان صدوره قبل العمل به ثم اختفي علينا وعلمنا بعده بسنين كثيرة بواسطة معادن الوحي وخزائن
الحكمة ومع هذا الاحتمال لا يحمل التخصيصات الواردة في زمنهم عليهم السلام على النسخ لان النسخ رفع الحكم ويصار إليه فيما إذا
تنافيا الحكمان مع كون أحدهما بعد الاخر وأما إذا كان أحدهما في نظر العرف بمنزلة المبين له
57

كالخاص بالنسبة إلى العام والمقيد بالنسبة إلى المطلق فلا يحمل على النسخ وإنما صرنا إليه في الصورتين السابقين لصون الكلام
الحكيم عن القبح فلذا جرت سيرة العلماء وأصحاب الأئمة على تخصيص الكتاب بما ورد عنهم عليهم السلام ولا يخفى أن هذا وإن كان
يدفع الاشكال ولكن يجعل التشقيقات السابقة قليل الجدوى إذا قلما يتفق عام لا يكون فيه هذا الاحتمال
الكلام في المطلق والمقيد
32 - فصل المطلق والمقيد وفيه مباحث
المبحث الأول:
لا يخفى عليك أن لهذا الأجناس الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى من الانسان والفرس والحجر والمدر والشجر والوبر والمطر و
الرجل والمرأة والبساط والثياب وغير ذلك أسماء وألفاظ في كل اللغات التي منها اللغة العربية يعرفها كل أهل لسان بالبيان الذي
علمهم الخالق جلت عظمته وأنهم يعرفونها بفطرتهم التي فطر الناس عليها ويفهمون أنها إذا لم تقيد بقيد تصدق على كل فرد من
أفرادها فإذا طلبت من خادمك واحدة منها ولم تقيد بقيد فأتى بفرد من أفرادها فقد امتثل بما قلت لان قولك لم يكن بيانا إلا بهذا
لمقدار ولم يكن لك أن تقول لم لم تأت المطلوب المتصف بصفة كذا لأنه يقول إني ما كنت مطلعا على ضمائرك لكي أحصل مرادك و
لفظك لم يكن بيانا لأزيد مما أتيتك فالاخد بإطلاق المطلق ليس من باب ترتيب مقدمات الحكمة التي بينها في الكفاية وقبله صاحب
المعالم
58

أعلى الله مقامه.
وإن شئت قلت إن العقاب بلا بيان والمؤاخذة بلا برهان قبيح لا يصدر عن عاقل فكيف عن حكيم متعال وهذا مما يفهمه الصغير و
الكبير بفطرته وجبلته التي فطر الله الناس عليها كما قلنا في أول الكتاب فإن قلت لولدك جئني بحجر ولم تقيده بالأبيض والأسود و
غيرها من القيودات ولم يكن في المقام قرينة حالية أو مقالية على واحدة من القيود فأتاك بما يقال إنه حجر لم يصح عنك مؤاخذته بأني
كنت طالبا للأبيض المدور أو الأحمر الأملس فلو أخذته بذلك لقال لك ولدك الصغير يا مولاي إني ما كنت أعلم ضميرك إلا ببيانك و
بيانك لم يدل على أزيد مما أتيتك فحجية إطلاق اللفظ والتمسك به مما جبل الله عليه بمقتضى نعمة البيان الذي شرف الله بها الانسان و
لا يحتاج إلى المقدمات التي بينوها وجعلوا حجية الاطلاق منحصرة فيما إذا لم يكن قدر متيقن وفيما إذا كان المولى بصدد البيان نعم
هنا نكتة ينبغي التنبيه عليها وقد أشرنا إليها فيما سبق أن الحكم قد يتعلق بنفس الطبيعة من دون نظر إلى أفرادها الخارجية وإن كان
تعليقه بها من حيث الوجود كأكثر الاحكام التي موضوعها الانسان والرجل والمرأة والذكر والأنثى والشاة والإبل والبقر فحيث ما
وجدت هذه الطبيعة تعلق بها حكمها فيعم من هذه الجهة وبلحاظ العموم يصح الاستثناء كقوله تعالى إن الانسان لفي خسر إلا الذين
آمنوا إلخ فالعموم فيه ليس من جهة الألف واللام بل من الجهة التي ذكرناها وقد يكون موضوع الحكم في الحقيقة الافراد
59

الخارجية وأخذ المطلق في الموضوع ليكون جامعا لها وفي الحقيقة هو بمنزلة المرآة لها كأخبار الحمام الواردة في زمان المعصومين
صلوات الله عليهم فإنها قد اشترط فيها وجود المادة ولا شك في أن الحمامات اللاتي في بلادنا المشتملة على أكرار عديدة عاصمة
بنفسها لكريتها ولا تحتاج إلى تطهير البعض البعض الاخر فما ورد من هذا القبيل يمكن أن يكون في بعض المقامات منصرفا إلى
الافراد الشائعة أو إلى الأكمل أو يؤخذ بالمتيقن في بعضها أو يحكم بالعموم والشمول من باب إجراء مقدمات الحكمة
المبحث الثاني: قد يستعمل المطلق ويراد به المقيد
ويعلم ذلك بقرينة حالية أو مقالية كما تقول لولدك اشتر اللحم وهو يعلم أنك ما تريد لحم الإبل والبقر بل تريد لحم الشاة وقد يراد
المقيد وتنصب على ذلك قرينة متصلة كما تقول أكرم عالما تقيا وقد يكون ما يدل على ذلك قرينة خارجية كما تقول أكرم العالم و
تقول بعد حين ولا تكرم إلا عالما عادلا ففي كل ذلك لا يستعمل اللفظ إلا في معناه الموضوع له وإنما القيد علم بدلالة أخرى وهذه سنة
متبعة في جميع الألسنة واللغات يعرفها كل أهل لسان بفطرتهم التي فطر الناس عليها.
وإنما العلماء الأصوليون شرحوا ما أودع الله في الفطرة لتشريح الأذهان ومن البديهي أن أهل اللسان في كل لغة أنما يقيدون بقرينة
خارجية مع اتحاد الحكم فلو كان ما يدل على القيد حكما آخر كما
60

قال أكرم العالم ثم قال بعد حين أضف العالم العادل فإن الاكرام حكم والضيافة حكم آخر فهو لا يكون قرينة على التقييد ولا يدل عليه
وكذا تكون قرينة مع اتحاد الموضوع بخلاف ما لو قال أكرم العالم وأكرم التاجر العادل فكلامه الثانوي لا يكون قرينة على تقييد
الكلام الأول لان موضوعه غير موضوعه وإنما التقييد بالقرينة الخارجية لا يكون إلا بدلالة واضحة فأينما وجدت ودلت بدلالة يفهمها
أهل العرف واللسان يتبع وقيد المطلق بها وإلا فلا وقد أشرنا كرارا أن الشارع لم يكلم الناس إلا بالبيان الذي علمه الله الانسان وكل
نبي لم يبعث إلا بلسان قومه ومما ذكرنا يعلم أن أكثر الروايات الواردة في الآداب والمستحبات لا تكون في الأغلب مطلقاتها مقيدة
بمقيداتها كأكثر الروايات الواردة في فضيلة الدعاء بطور الاطلاق لا تكون مقيدة بفضائل الدعاء الواردة في أوقات مخصوصة أو في
أمكنة خاصة وكأكثر الروايات الواردة في فضيلة زيارة الحسين عليه السلام لا تكون مقيدة بفضائل الزيارات الواردة في أوقات
مخصوصة مثل عرفة وأربعين وغيرهما فإنه لا منافاة بينهما حتى يجمع بينهما بتقييد أحدهما بالأخرى فلذا قالوا إن قاعدة الاطلاق و
التقييد لا يجري في المستحبات
المبحث الثالث: قد يكون المطلق آبيا عن التقييد
لوروده في مقام الامتنان أو لغيره من القرائن فيحمل المقيد على بيان أفضل الافراد أو على بيان أحد أفراد الواجب التخييري فإن لم
يمكن ذلك في أنظار أهل العرف من الجمع بل كانا عرفا من المتنافيين فيعمل على
61

قاعدة الترجيح السندي إن كان بينهما ترجيح وإلا فيعمل بينهما معاملة المتعارضين.
المبحث الرابع قد قالوا إن المقيد لو ورد بعد العمل بالمطلق فيحمل على كونه ناسخا
لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة الذي اتفقوا على قبحه فعلى هذا يشكل تقييد مطلقات الكتاب والسنة النبوية بالأحاديث الشريفة
المروية عن الأئمة الهادية الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين بل يمكن جريان الاشكال في نفس الأحاديث الشريفة بأن أكثر المطلقات
قد ورد لاشخاص متفرقة في بلاد متعددة ومقيداتها وردت لاشخاص آخرين والأولون قد عملوا بإطلاقها ولم يطلعوا على مقيداتها و
الآخرون لم يظفروا بمطلقاتها ويمكن التفصي عن هذا الاشكال بنحو ما بيناه في العام ونزيدك على ما سبق أنه إذا قال المولى لغلامه
ائتني بالماء ولم تكن له قرينة حالية على أن مطلوبه الماء البارد أو غيره فإن أتى غلامه بما يقال له الماء كان ممتثلا ومجزيا فلو آخذه
مولاه بأنك لم لم تأتني بالماء البارد وعاقبه عليه كان ذلك مؤاخذا بلا برهان ومعاقبا بلا بيان فإذا قال بعد ائتني بالماء البارد فلا بد
له أن يأتي بما أمر به مولاه وإلا لما كان ممتثلا ويستحق أن يعاقب لو أتى بالماء الحار فالتمسك بالمطلق ليس من باب مقدمات التي
ذكروها بل من باب أن التكليف بالمقيد أمر زائد لا يجوز عليه العقاب بلا بيان فإذا بين ارتفع العذر فإذا أمرنا بالتمسك بالقرآن و
بالعترة و
62

مقيدات مطلقات الكتاب من الأحاديث المعتبرة المروية عن العترة فتمت الحجة علينا وهكذا إذا فرضنا أن قول المعصومين صلوات الله
عليهم أجمعين لواحد كقولهم لجميع العالم فلذا أمر وهم بنشر الروايات وبكتبها فقولهم للرواة كقولهم بعينه لنا فإذا ورد مطلق في
رواية وكان راويها من أهل مكة مثلا وورد مقيدها في رواية أخرى ولو كان راويه من أهل الكوفة مثلا لزم علينا الاخذ بالمقيد لتمام
الحجة ولا يلزمنا أن نعلم أنه هل كان الراوي الذي سمع المطلق أو الحاضرون الذين كانوا سمعوا الآيات هل كانوا عالمين بالمقيدات أم
لا ومما بيناه أيضا يظهر جواب إشكال آخر على التمسك بمطلقات القرآن المجيد فيما إذا لم يرد مقيدها بأن التمسك بالمطلق أنما يصح
إذا وجدت مقدمات قاعدة الحكمة ومن جملتها كونها في مقام البيان ولم يعلم كونها في مقام البيان فإن تمسكنا بالمطلقات ليس من
الجهة التي ذكروها بل من الجهة التي ذكرناها والله العالم
الكلام في المجمل والمبين
33 - فصل اللفظ إن لم يكن في دلالته إجمال وإبهام بل كان واضح الدلالة والمعنى فهو المبين وبه تتم الحجة وينقطع العذر وإن كان
في دلالته إجمال وتشابه وكان معناه ذو وجهين أو وجوه سواء كان ذلك بحسب أصل اللغة كمختار ومحمار وأمثالها مما يحتمل اسم
الفاعل واسم المفعول أو كان ذلك بسب اختفاء القرائن الدالة على المقصود بعد
63

العلم بعدم إرادة المعنى الحقيقي أو من جهة اختلاف النسخ أو تشابه في الكتب كما في كلمة لا سبق حيث يحتمل فتح الباء وسكونها فلا
يجوز تعيين معناه بالرأي والظن والحدس ولا تتم به الحجة فإن كان بين المعنيين أو المعاني قدر متيقن أو حصل العلم الاجمالي
بالتكليف فيتبع وإلا فلا يقوم به البرهان فيكون كأن لم يكن فيرجع إلى المحكمات والمبينات والله العالم
الكلام في النسخ
34 - فصل النسخ معناه واضح وكما جاز للحكيم نسخ الشرائع السابقة بشريعة نبينا باقتضاء المصالح والمفاسد وتغييرها بحسب
الأزمنة فكذا يجوز في الشريعة الواحدة بحسب تغير المصالح كما وقع في شريعتنا في مواضع متعددة قد بين في محلها ولا خلاف ولا
إشكال في ذلك وهل يجوز النسخ قبل العمل قيل لا لأنه يمتنع الجهل من البارئ بالمصالح أو المفاسد والتغيير بحسب الأزمنة أنما
يكون بعد العمل وقبل العمل إن كانت مصلحة في جعله فلا يصح نسخه وإلا فلا يصح جعله ولكن يمكن أن يقال إن المصلحة قد تكون
في نفس الامر أو النهي كأن يريد المولى اختباره وإظهار شأنه وامتثال عبده لغيره بواسطة تهيئه له فإذا أعد نفسه لامتثاله وهيأها له
بإتيان مقدماته ينسخه المولى ثم إنه قد تكون المصلحة في تبديله بالأخف أو الأشد فالنزاع في ذلك قليل الجدوى فيما نحن بصدده و
هو أن نبحث في القواعد الممهدة
64

لاستنباط الأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية فإعراضنا عنه أولى وأحرى فهنا نختم الكلام بهذه الآية الشريفة وتمت كلمة ربك
صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وقد تم الجز والأول من كتاب خلاصة الأصول بعون الملك العلام
كلمة قيمة فيها نصيحة لاخواني الذين دون الطبقة العليا
يا إخواني إن هذا لكتاب بفصح عن اطلاعي بمطالب الأصول كلها وإن الابتكار أمر عسير ومع ذلك لم أجسر أن أكتب رسالة أحرر
فيها آرائي وقد طلبوا مني كرارا فإياكم أن تحملوا أثقال غيركم على ظهوركم هذا مضافا إلى أن تكثر الرسائل العملية وتكثر الدعاة
إليها فيها مفاسد عظيمة فيها غير مخفية
65

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين قضايا وجدانية انتظمت في فصول يحكم بها العقل السليم والفطرة الموهوبة التي فطر الناس
عليها لتكمل النعمة وتتم بها الحجة لئلا يكون للناس على الله حجة.
الكلام في عدم اعتبار الظن رأسا وهو كالشك
1 - فصل إن الظن كما قال الله عز وجل لا يغني من الحق شيئا وهو والشك في عدم الاعتبار من حيث نفسه وفي عدم الايصال إلى
الواقع سيان فإذا قامت الدلائل القطعية على اعتبار اليد والبينة وخبر الثقة وقول أهل الخبرة والثقة أو ظواهر الكتاب والسنة فالعمل
على هذه الدلائل اليقينية لا على الظن الحاصل منها فمن طعن على علمائنا الأصوليين بأنهم يعملون بالظن ويقولون بحجيته وقد قال الله
تعالى في كتابه إن هم إلا يظنون وإن الظن لا يغني من الحق شيئا وهذه قضية طبيعية لا يقبل التخصيص فقد غفل عن مرادهم فإنهم
يقولون بأنه إذا قام الدليل القطعي على اعتبار اليد مثلا وأن الشارع جعل قول ذي اليد وإن لم يفد الظن حجة لمصالح التي كانت في
نظره فعملنا في الحقيقة على هذا الدليل القطعي لا على الظن الحاصل منه وإنما عبروا عن هذا بالأدلة الظنية إشارة إلى أنها في نفسها لا
يفيد اليقين بالواقع وعبروا بالظن النوعي لان
66

الدليل أنما قام على اعتبار اليد أو ظواهر اللفظ وإن لم يفد الظن الشخصي ويمكن أن يقال إن النزاع في الحقيقة بين الأصوليين و
بعض الأخباريين لو كان فهو لفظي والمرجع عندهم جميعا في الحقيقة هو اليقين وعليه العمل عند كلهم والله العالم
في حجية القطع
2 - فصل إذا قطع العبد بحكم مولاه فقد انقطع العذر وتمت الحجة وبمجرده انتظم عنده صغرى وكبرى أما الصغرى فهي أن هذا حكم
مولاي وأما الكبرى فهي ما حكم به عقله ووجدانه من أن كل ما حكم به مولاه يجب عليه امتثاله فالقطع قاطع للعذر بنفسه وتتم الحجة
بذاته فحجيته ليس بجعل جاعل نعم للمولى أن ينهى عن اتباعه في مورد أو موارد بلحاظ المصالح الواقعية التي يترتب عليها الاحكام
الحقيقية وإن كان يرى القاطع بنظره أنه رفع اليد عن الحكم الواقعي ولا يكاد يذعن عليه السلام ببقاء الحكم والنهي عن اتباع القطع
معا فالنهي عن اتباع القطع يتصور من المولى وإن كان بوجوده انقطع عذر العبد وتتم به الحجة لمولاه مثلا إنك لو علمت أنه كثيرا ما
يقطع خادمك عدوك أنه صديقك ويقطع صديقك أنه عدوك فيهين صديقك أو يكرم عدوك لخطائه في قطعه وهو لا يعلم فتقول له
بعد ما (قلت أكرم صديقي ولا تكرم عدوي) لا تتبع في ذلك قطعك بنفسه بل لو قال لك ولدي فلان إن هذا عدو لي فلا تكرمه وإن هذا
صديق لي فأكرمه فيجب لك اتباع قطعك
67

لو لم ينهك مولاك فهو قاطع للعذر بنفسه لو لم ينه عنه مولاه فمجرد حجيته بنفسه لا يوجب أنه ليس قابلا للنفي والله العالم
الكلام في عدم إحاطة العقل بأسرار الأحكام الإلهية ومصالحها
3 - فصل قد وردت أخبار كثيرة في مدح العقل وحسن الاتكاء عليه وأنه النعمة العظمى حتى عقد في الكافي بابا لذلك أو كتابا له و
مدح الله في كتابه الذين يرجعون إلى عقولهم ويتفكرون في آيات كثيرة وسماهم أولى الألباب وذم من لا يعقل ولا يرجع إلى عقله و
مع ذلك قد وردت روايات مستفيضة أو متواترة في ذم من يعتمد في الأحكام الشرعية على عقل ويفتي به فما وجه التوفيق بينهما الذي
ينبغي أن يقال إن الأمور الدينية على ثلاثة أنواع منها ما لا سبيل فيه إلا العقل وهو المرجع وإليه ألم آب كإثبات الصانع جلت عظمته و
إثبات علمه وحكمته وإثبات النبوة العامة فإن حجية النقل بعد معرفة الصانع ومعرفته حجيته بالبرهان اللامع والنور الساطع فلذا لم
يتمسك في القرآن المجيد وفي الأحاديث الشريفة في قبال الملحدين إلا بالدلائل العقلية الفطرية ومنها ما يمكن الاستدلال فيه بالدلائل
النقلية وبالبرهان العقلي كلزوم أصل المعاد والجزاء فإنه يدل عليهما الدلائل النقلية والدلائل العقلية التي أشار إليها القرآن الكريم
كقوله تعالى أ فحسبتم أنما خلقناكم عبثا وكقوله تعالى أ يحسب الانسان أن يترك سدى وكقوله تعالى
68

أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ومنها ما لا يدركه عقولنا ولا سبيل لعقولنا إليه وإنما
المرجع فيها الأدلة النقلية الصحيحة كقولنا إن الأئمة الهادية اثنا عشر صلوات الله عليهم أجمعين للأحاديث الصريحة المتواترة المروية
عن النبي صلى الله عليه وآله وأوصيائه وكقولنا إن الأئمة التسعة من ولد الحسين وإن الحسن والحسين إمامان مع كونهما أخوين ولا
يجتمع الإمامة في أخوين إلا فيهما صلوات الله عليها فإنه لم يدل دليل عقلي ولا برهان فطري عندنا على لزوم كون الأئمة التسعة من
ولد الحسين وأنه لا يكون الإمامة في الأخوين إلا في الحسن والحسين بل قلنا بذلك للأحاديث المتواترة الصريحة ومن هذا القبيل
أسرار الأحكام الشرعية الفرعية وعللها فإن لها مصالح راجعة إلى النوع وإلى الشخص وإلى الدنيا والأخرى ولا يحيط بها كما هو
حقها إلا علام الغيوب فلا حق لاحد أن يحكم فيها بحدسه ورأيه وعقله لان العقل لا يدركها كما هو حقها ولا يحيط بها فالأخبار الواردة
في ذم علماء العامة مثل أبي حنيفة وأمثاله الذين كانوا يفتون بعقولهم وبآرائهم ولا يرجعون إلى أولياء الله وحججه كلها من هذا
القبيل وإشارة إلى أنكم لو كنتم تدركون الاحكام بعقولكم لما احتجتم إلى الرسل والأنبياء في ذلك وفي الحقيقة الأئمة الهداة صلوات
الله عليهم كشفوا النقاب ورفعوا الحجاب عن وجوه الحقائق وأن عقولكم لا تصل إلى الأحكام الإلهية ولا يحيط بها لا أنكم تدركونها و
تصل إليها عقولكم ومع ذلك لا يجوز لكم أن تستندوا إليها ولعمري إن هذا لهو الحق المبين فمن
69

نكب عنه فقد أعرض عن النهج المستقيم فلا تكون أقواله وفتاويه حجة وخلاصة القول أن شرف الانسان وما به امتيازه عقله وبه
سعادته في دنياه وآخرته وبعد ما علمنا بإرشاد الأئمة وبالدلائل الواضحة أن عقولنا لا يحيط بأسرار الأحكام الإلهية فعقلنا يحكم بأنه
لا نفتي ب آرائنا ولا نستند فيها بعقولنا الناقصة عن إدراكها فلو استندنا فيها بها وسمينا ما صورناه دليلا عقليا فإنما سمينا الجهل عقلا
نعوذ بالله من الزيغ والزلل والله العالم
الكلام في حجية بالقطع مطلقا
4 - فصل إذا حصل القطع بحكم المولى فقد انقطع العذر وتمت الحجة سواء قطع بحكمه تفصيلا كأن علم بوجوب أمر بعينه أو قطع
بحكمه إجمالا سواء كان الاجمال في متعلق الخطاب كأن علم بوجوب الصلاة إلى القبلة وكانت القبلة مترددة بين الجهات الأربع أو كان
الاجمال في نفس الخطاب بعد العلم بتوجه الخطاب كأن علم بتوجه خطاب الصلاة إليه وكان مترددا بين الظهر وبين الجمعة فكلما
حصل العلم بالتكليف ارتفع العذر ويلزم العقل والوجدان بامتثاله وإطاعته بحيث يكون جازما بأنه امتثله وأطاعه نعم إذا رأى المولى
مصلحة في تجويز ارتكاب أحد الطرفين وترك الاخر كأن أجاز لمن تحير في القبلة أن يصلي إلى إحدى الجهات لمصلحة عنده ولو
كانت المصلحة في تسهيل الامر على المكلف جاز عليه اتباعه ولا يلزم التفتيش عليه في أن المصلحة ما هي وأنها كانت متداركة مصلحة
الواقع فيما لو ترك الواجب الواقعي أو ارتكب الحرام
70

الواقعي بتجويز المولى ارتكاب أحد الطرفين وترك غيره فإن هذا اللحاظ أنما هو وظيفة المولى لا وظيفة العبد ولا يلزم عليه تعيين
التكليف للمولى ثم لا يخفى عليك أن حكم العقل بوجوب اتباع العلم وتنجيز التكليف به أمر إرشادي كأوامر الإطاعة الواردة في الكتاب
لا يترتب على مخالفته إلا ما يترتب على مخالفة أمر المولى ونهيه وليس أمرا شرعيا مستقلا في قبال الأوامر والنواهي المستقلة فلذا لم
يتعرض علماؤنا السابقون رضوان الله عليهم لشقوق العلم الاجمالي وموارده وإنما تعرض لها المتأخرون قدس سرهم ولعل تشخيص
موارده وتنجز التكليف بإرشاد العقل ليس من الفقه وليس من وظائف الفقيه والله العالم
قد يكون القطع جز الموضوع وقد يكون تماما الموضوع
5 - فصل الحكم المولوي قد يكون موضوعه صرف الامر الواقعي فبالعلم به يتشكل صغرى وكبرى في نفسه فيقال هذا مثلا واجب من
طرف المولى وكلما وجب من طرفه يجب امتثاله بإتيانه فهذا يجب إتيانه امتثالا للمولى فبذلك ينقطع العذر وتتم الحجة كما ذكرناه و
قد يكون موضوعه نفس العلم وهو أيضا على قسمين فمنه ما يكون موضوعا من جهة أنه صفة خاصة من دون لحاظ كاشفية كمن نذر أن
يتصدق بدرهم كلما قطع بحكم من الأحكام الشرعية ومنه ما يكون موضوعا بلحاظ كاشفيته عن الواقع كأن يكون قول أهل الخبرة عن
قطع وإخبار الشاهدين عن علم حجة لغيره فعلم أهل الخبرة والشاهد جز لموضوع وجوب رجوع
71

الغير إليها ففي هذين القسمين يتبع في تعميم الموضوع وتخصيصه دليل هذا الحكم الذي جعل العلم موضوعا أو جز موضوع بخلاف
الأول فإنه في نفسه إذا كان كاشفا صرفا قاطع للعذر وبنفسه تتم الحجة ولا يحتاج إلى جعل يتبع دليله فيختص بسبب دون سبب و
بموضوع دون آخر نعم للمولى أن يرخص في ترك اتباعه أو ينهى عنه في بعض الموارد لبعض الخصوصيات والمصالح التي في نظره
وإن كان في نظر القاطع أنه رفع اليد عن حكمه في هذا الموارد وإلا كان في نظره متناقضا ولا يصدر المتناقض من الحكيم كما
أشرنا إليه فيما سبق والله العالم
في السعادة والشقاوة التي أشار إليها في الكفاية
6 - فصل لا ريب أن الله تعالى خلق الانسان على طبائع مختلفة كما هو المشهود المحسوس ودلت عليه الأحاديث الشريفة وأن الناس
معادن كمعادن الذهب والفضة وأنما جعلهم على طبائع مختلفة وغرائز شتى لأنه حكيم يعلم مصالح خلقه ولا يخلق إلا ما هو الأحسن و
الأصلح في نظام خلقه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ونحن نرى بالحسن والعيان أن أولادنا على طبائع شتى من طفوليتهم ومن
أوان تميزهم فبعض منهم سخي بالذات وبعض منهم بخيل وبعض منهم حليم وبعضهم بخلاف ذلك وهكذا سائر الصفات وقد سئل عن
الامام عمن كان حسنا خلقه بطبعه ومن كان حسنا بتحمله أيهما أعظم أجرا فقال عليه السلام الثاني أعظم أجرا من الأول ولكن هذه
الصفات الطبيعية ليست مما يتخلف وليست
72

الذات علة تامة لها بل كانت مقتضية لها وقد رأينا كثيرا قد تغيرت أخلاقهم السيئة بالأخلاق الحسنة بواسطة مزاولة الأعمال الصالحة و
الرياضات الشرعية والمواعظ الحسنة والرفقاء والأخلاء المتقين وقد يكون بالعكس فلو كان من الذاتيات التي لا يختلف ولا يتعلل
كإنسانية الانسان وفروسية الفرس لبطل الثواب والعقاب ولزم الجبر وكان لغوا قولهم لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الامرين هذا
كله مع أنه خلاف الحس والعيان والله العالم
في أن العقاب والذم على أمر اختياري
7 - فصل لا ريب أن العقاب واللوم أنما يتوجه على أمر اختياري لا على الغرائز الطبيعية التي أودعها الله في الطبيعة لمصالح يعلمها لا
يحيط بها إلا خالقها نعم إذا صدر عن عبد فعل تمردا واستكبارا أو عصيانا ومخالفة باعتقاد منه أنه مبغوض مولاه يستحق أن يلومه
مولاه لهذا الفعل الصادر عنه بعنوان التمرد والعصيان فلو عاقبه على ذلك لم يكن مخالفا للعدل والحكمة في أنظار العقلا بل يمكن أن
يقال إن العقاب واللوم أنما هو في قبال التمرد وإظهار العصيان وإلا فليس مصادفة الواقع وعدمها في يد الفاعل نعم الآثار المترتبة
شرعا على نفس الواقع كالديات والقصاص والحدود لا يترتب عليه فيما إذا خالف الواقع فإن من قتل إنسانا أو جرحه باعتقاد أنه زيد
ثم بان خلافه لم يكن لزيد أن يقتصه أو يأخذ منه الدية لأنه إنما جرحه أو قتله باعتقاد أنه زيد وكذا من
73

جامع زوجته باعتقاد أنها أجنبية ثم بان خلافها لم يستوجب الحد أو الرجم والله العالم
في اعتبار قصد الامتثال وعدمه
8 - فصل لا يخفى عليك أن كيفية الامتثال وما يعد به العبد ممتثلا ومطيعا مما يرجع به إلى العرف والعقلاء إلا أن يعتبر المولى فيه
قيدا فإذا أتى العبد ما طلبه المولى بأي نحو كان فقد حصل مطلوبه وسقط عن ذمته أمره فإن قصد امتثال أمر المولى فقد استحق ثواب
المولى وإلا فلا نعم لو قال المولى له إنه لا بد لك من إتيانه بقصد التقرب ونية الوجه من الوجوب أو الندب أو غيرهما فلا بد للعبد من
اتباعه وما شك في ذلك وفي حصول غرض المولى بدونه فلا يلزم على العبد رعايته لان غرض المولى لا يعلم إلا من قبله مما لم يبين
لعبده تقبح عليه مؤاخذته لقبح العقاب من الحكيم بلا حجة وبيان وبينة وبرهان إلا أن يكون حصول ما أمر به المولى بعنوانه بقصده
بعنوانه كلزوم تعيين صلاة الصبح مثلا فيما إذا ترددت بين صلاة الصبح ونافلتها أو نافلة أخرى أو غيرها فإنه ما لم يقصدها بعنوانها
لم يحصل ما أمر به المولى فعلى هذا لا يلزم في العبادات مطلقا قصد الوجوب أو الندب الوصفي أو الغائي ولا سائر الوجوه مما لا يتوقف
صدق امتثال الامر بالعبادات المأمور بها عليها لعدم الدليل عليه لا من الكتاب ولا من السنة ولا من سائر الأدلة ولا يضر أيضا الامتثال
الاجمالي ولو بالتكرار فلو احتاط في الشرائط والاجزاء
74

بإتيانها بواجباتها ومستحباتها يجزئ ولو مع إمكان تشخيصها بالرجوع إلى أدلة الواجبات والمستحبات وهكذا لو احتاط بالتكرار
مع إمكان التعيين فتارك التقليد والاجتهاد إذا احتاط مع معرفته طرق الاحتياط لا مانع منه عقلا وشرعا ولو مع توقف الاحتياط على
التكرار:
وأما ما يقال إن التكرار مع إمكان الامتثال بالتعيين يعد لغوا خصوصا مع كثرته فيه أولا أن اللغو والعبث أنما يكون إذا لم يتعلق به
غرض عقلائي وثانيا أن اللغو والعبث أنما هو في كيفية الامتثال وهو لا ينافي صدق الامتثال
[1]
والله العالم
في حجية ما يستفاد بحسب اللغة من ألفاظ الآيات الشريفة من القرآن
9 - فصل اعلم أن من الناس قد أفرطوا ومنهم قد فرطوا، ومنهم قد سلكوا الطريقة الوسطى التي هي المثلي، وهذه سبيل العلماء
الراشدين الذين هداهم الله إلى الصراط المستقيم أما الأولون فقد زعموا أنهم عالمون بجميع ما في الكتاب العزيز لأنه أنزل بلسان
عربي مبين لعل الناس يعقلون وأنه يسره الله للذكر لعلهم يتذكرون وقد ادعوا هؤلاء أن المتشابه ما لا يعلم حقيقته كالجن والملك لا ما
لا يعلم معناه وقد
[1]
ونزيدك أن ما يصدق به امتثال الحكم الشرعي عرفا ليس هو بنفسه من الاحكام الشرعي وليس بيانه من وظيفة الفقيه فلذا لم
يعنون أمثال هذا في كتب المتقدمين رضوان الله عليهم
75

قالوا إنه لا تشابه في معناه وإنه يفسر بعضه بعضا وما دروا أن علم القرآن بحر عميق لا يحيط به إلا الله وخلفاؤه وحججه بتعليمه لأنه
كتاب من الله العزيز العليم لان يستفيد منه جميع خلقه بحسب مراتبهم فما استفاد منه النبي والأئمة عليهم السلام فوق ما يستفيده الناس
فلذا جعل فيه رموزا وإشارات كالم - وحمعسق - فهذه أسرار بين الله وأحبائه كما أشار إليه في الأحاديث الشريفة وقد جعل فيه
محكمات واضحات لعلهم يذكرون وآيات بينات لعلهم يعقلون وفيه آيات متشابهات كقوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة
فإن الله عز وجل لا يحيط به بصر ولا يحيط به مكان ولا يرى في الدنيا ولا في الآخرة كما صرح به في الآية المحكمة لا تدركه الابصار
وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير فالذين في قلوبهم زيغ يؤولون هذه الآيات ب آرائهم ومن فسر القرآن برأيه فقد ضل وأضل
وأما من كان على هدى من ربه فيقف عنده حتى يصل إليه من خلفاء الله بيانه وقد ورد عن الرضا عليه السلام أن المقصود من النظر إلى
الله النظر إلى خلفاء الله ولعل السر في إنزال الآيات المتشابهات ما أشرنا إليه أولا وهو أن يعلم الناس أنهم محتاجون إلى النبي و
خلفائه لكي تتم الحجة ويتضح السبيل كما أشير إليه في الأحاديث الشريفة أو أن الكلام الفصيح البليغ يقع فيه استعارات وكنايات لا
يخلوا من تشابه في وجوهها هذا مضافا إلى أن كشف الحقائق في بعض الأمور لا يتناسب الحكمة في زمن نزول الآيات فيلزم في الحكمة
أن تكون الآيات النازلة فيه متشابهة لئلا تكون
76

معثرة في مقام التبليغ مثلا لو صرح الحكيم تعالى في خلقة الأرض والشمس والقمر بأن الأرض تدور حول الشمس والقمر تدور حول
الأرض لكان معثرة في تبليغ البينات ولقام الناس كلهم بتكذيبه مع أنه لا فائدة مهمة في التصريح بذلك فلا بدو لا مناص بحسب الحكمة
من أن تكون هذه الآيات متشابهة من هذه الجهة لئلا تخالف معتقدات الأولين بحسب مزاعمهم وتتضح الحقيقة للآخرين وتتم الحجة من
رب العالمين لكل الناس أجمعين وأيم الله أن هذا لمن أعظم إعجاز القرآن المبين كما هو واضح لمن له طبع سليم وفهم مستقيم لان
البشر لا يقدر في أمثال هذه الأمور كلها بمثل آيات لا تخالف أهواء الأولين وينطبق على عقائد المستكشفين المتأخرين كما أن إنزاله
بنحو يستفيد منه جميع البشر بحسب مراتبهم ودرجاتهم من الآيات الواضحة والبينات الباهرة لا ينكره إلا من اتبع هواه وأضله الله على
علم وكان من الخاسرين.
وأما تفسير المتشابهات بما لا يعلم حقيقته كالملك والروح والجن والقيمة ففيه أولا أنه تفسير بالرأي ومن فسر القرآن برأيه فليتبوأ
مقعده من النار.
وثانيا أنه لا يساعده العرف واللغة لأن عدم العلم بحقيقة الشئ وكنهه لا يجعل اللفظ بالنسبة إلى مفاده متشابها والتشابه فيه أنما
يكون باعتبار كونه ذا وجهين أو وجوه فإن من الواضح أن عدم - العلم بحقيقة الفرس والشجر والحجر والانسان وأمثالها لا يجعل
ألفاظها
77

من المتشابه.
وثالثا أنه لو كان كذلك لكان أكثر القرآن الذي ذكر فيه اسم الله عز وجل ويوم القيامة والوعد والوعيد بالنعم الأخروية من
المتشابهات لان حقائقها وكنهها غير معلومة وهذا لم يقل به أحد
[1]
ورابعا أن عدم العلم بحقيقة بعض الموضوعات لا يجعل الآية من
المتشابهات.
وخامسا أنا نرى أن في القرآن آيات ذو وجوه ك آية يد بر الامر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما
تعدون الآية والآيات التي استدل بها على كون الهداية والضلالة والكفر والايمان من الله وكذا الآيات التي استدل بها المجسمة و
أرباب الضلال ولا يعلم تفسير ذلك إلا بالرجوع إلى المحكمات من الآيات الصريحة و
[1]
ونزيدك أنا لا نعلم حقيقة أكثر الأشياء فلو كان المتشابه ما لا يعلم حقيقته للزم أن تكون أكثر الآيات لو لم يكن كلها من
المتشابهات فعن المجلد الأول للاسفار عن الشيخ أبي علي سينا في تعليقاته أن الوقوف على حقائق الأشياء ليس في قدرة البشر ونحن
لا نعرف من الأشياء إلا الخواص واللوازم والاعراض ولا نعرف الفصول المقومة لكل واحد منها الداخلة على حقيقته بل نعرف أنها
أشياء لها خواص وأعراض فإنا لا نعرف حقيقة ولا العقل ولا النفس ولا الفلك ولا النار والهواء والماء والأرض ولا نعرف أيضا
حقائق الاعراض ومثال ذلك أنا لا نعرف حقيقة الجوهر بل إنما عرفنا شيئا له هذه الخاصية وهو أنه الموجود لا في موضوع وهذا ليس
حقيقته ولا تعرف حقيقة الجسم بل نعرف شيئا له هذه الخواص وهي الطول والعرض والعمق ولا نعرف حقيقة الحيوان بل إنما نعرف
شيئا له خاصية الادراك والعقل فإن المدرك الفعال ليس هو حقيقة الحيوان بل خاصته ولازم له والفصل الحقيقي لا ندركه إلخ وهذا
الكلام جيد متين ومنه يعلم فساد تفسير المتشابه بما لا يعلم حقيقة
78

الأحاديث الشريفة الواضحة وإنكار ذلك مخالفة ومكابرة للعيان وأما المفرطون فقد قالوا إن الكتاب العزيز ليس بحجة علينا لأنا لا
نفهم معناه وعلم الكتاب كله عند الأئمة عليهم السلام ولا يجوز لنا استنباط الاحكام عن الآيات الشريفة القرآنية لان القرآن لا يعرفه إلا
من خوطب به وهو النبي وأوصياؤه صلى الله عليه وآله واحتج هؤلاء بوجوه منها الأخبار الواردة في عدم جواز تفسير القرآن بالرأي
وفيه أن العمل بظواهر الآيات الشريفة وبيان معانيها بمقتضى العرف واللغة ليس تفسيرا بالرأي فإن من قال لعبده ائتني بالماء فأتى
العبد بالماء امتثالا له لم يفسره برأيه وهكذا من بين معناه المستفاد في اللغة العربية لغيره من الفارسي والتركي وغيرهما بلغتهم لا
يقال إنه فسره برأيه وإنما التفسير بالرأي هو حمل الكلام الذي يحتمل وجوها على أحد معانيه برأيه بلا قرينة لغوية أو عرفية بل
بحدسه وما وافق برأيه أو حمل الكلام الذي له معنى بحسب اللغة والعرف على خلاف ما يستفاد منه برأيه وبما استحسنه من فكره و
حدسه ولعمري إن هذا واضح لا تعتريه شبهة ومنها الأخبار الدالة على اختصاص علم القرآن بالأئمة وأنهم صلوات الله عليهم هم
الوارثون له عن النبي صلى الله عليه وآله وأنهم هم أهل الذكر الذي أمر الله بالرجوع إليهم وفيه أنا نقر ونشهد أن علم الكتاب كله
لديهم وأنه لا يعلم الكتاب الذي ما فرط الله فيه من شي وفيه علم ما كان وما يكون وفيه تبيان كل شي إلا محمد صلى الله عليه وآله
وآل محمد عليهم السلام الذين هم معادن حكمة الله وخزنة وحي الله وحملة سر الله وذلك لا ينافي
79

العمل بالآيات البينات التي فيها هدى للناس وأنها نزلت بلسان عربي مبين لعلهم يعقلون وأنها يسرت للذكر لعلهم يتذكرون وهكذا
لا ينافي العمل بالظواهر التي هي واضحة بحسب العرف واللغة ولا يخالفها سنة قائمة وكذا لا ينافي بيان معانيها المستفادة منها
بحسب اللغة العربية ولو سلم أن ظواهر هذه الأخبار المشار إليها يمنع عن ذلك فهي لا تعارض بالأدلة القطعية التي سنذكرها أنها
صريحة في وجوب العمل بكتاب الله والاهتداء بأنواره والاستشفاء به وفيه شفاء لكل الأمراض ومن أكبر الداء ومن جعله أمامه قاده
إلى الجنة وأن من جعله خلفه ساقه إلى النار فإن من البديهيات التي لا ريب فيها أن ظواهر الاخبار بل الآيات كقوله تعالى جاء ربك و
قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة لا تعارض الأدلة القطعية فكذا هذه الأخبار لا تعارض الأدلة القطعية فاتضح أن اليمين و
الشمال مضلة والجادة الوسطى هي الطريقة الحسنى لان علم القرآن كله متشابهه ومحكمه ورموزه وأسراره مخصوص بأوليائه و
خلفائه الذين هم أبواب علمه وخزنة سره فمن ادعى ذلك من غيرهم فقد عاند وكابر وادعى مقاما شامخا من غير بينة ولا برهان فلذا
ذم الأئمة عليهم السلام أبا حنيفة وقتادة وأمثالهما ممن استقلوا ب آرائهم وحسبوا أنهم علماء عالمون بكتاب الله ومستغنون ب آرائهم
عن أوصياء رسول الله ففسر والقرآن ب آرائهم فضلوا وأضلوا ولكن ذلك لا يقتضي أن لا نستفيد من القرآن من محكمه وظاهره و
عامه وخاصه شيئا كيف وقد يسره الله للذكر فقال في آيات عديدة ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مذكر
80

الآية ولو كان ما زعموا صادقا لكان قول الله (والعياذ بالله) كذبا لأنهم يقولون إن القرآن ما يسر للذكر ولا نعلم شيئا إلا من بعد
تفسيره من الأئمة عليهم السلام فلا معنى لقوله فهل من مذكر وأيضا قال الله تعالى قد جاءكم بصائر من ربكم وما لا يفهم منه لا يوجب
البصيرة فالبصيرة على قولهم من الرواية الواردة في تفسيره لا من القرآن وأيضا لو كان ما زعموا صادقا لما كان القرآن عربيا بينا
لعلنا نعقل كما صرح به القرآن ولما ذم الذين لا يتدبرون القرآن في قوله أ فلا يتدبرون القرآن أم على قلوبهم أقفالها لان ما لا يعلم
معناه لا يمكن التدبر فيه ولما كان هو شفاء وهدى بل الشفاء والهدى في الروايات الواردة في تفسيره أو غيره ولكان الذين يمرون
على آيات الله صما وعميانا مورد المدح والتجليل لأنهم بزعم هؤلاء قد أصابوا عن الحق وقالوا إنا لا نفهم من القرآن شيئا بل نرجع
إلى الروايات فوظيفتنا أن نمر عليها صما وعميانا ثم إن هذه الآيات الشريفة وأمثالها قطعية الدلالة على المراد بأي نحو فسر فليس
الاستدلال على حجية ظواهر القرآن بالآيات الظاهرة في حجيتها ليكون دورا ومع ذلك لنا حجج واضحة وبراهين ساطعة أخرى على
ما قلنا منها أن أعظم معجزات نبينا صلى الله عليه وآله هو القرآن وبه تحدى على أعدائه وأتم الحجة على الناس كافة وقال صلى الله
عليه وآله إن زعمتم أني افتريته فأتوا بمثله أو بعشر سور أو بسورة واحدة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين
فلو أنهم كانوا لا يفهمون من القرآن شيئا لقالوا إنك تقول إنا لا نفهم منه شيئا فكيف تحدى به علينا
81

فهل يصح أن يقول فرانسوي لفارسي يفهم من الفرانسة شيئا إنك لا تقدر على مثل ما ألفته بلساني فذلك دليل على أنه من عند الله و
أيضا من جملة وجوه إعجاز القرآن الفصاحة والبلاغة وهما لا يعلم ولا يعرف كل منهما إلا بعد العلم بالمعاني.
ومنها أن القرآن كان يحتج على الدهرية واليهود والنصارى ويرد عقائدهم بالدلائل الفطرية وهكذا يحتج على منكري المعاد ويزد
عليهم بالبراهين الساطعة فلو لا أنهم كانوا لا يعرفون القرآن بلغتهم العربية لما صح احتجاجهم بالقرآن وبآياتها وهؤلاء ما كانوا
يقرون بالنبي عليه السلام حتى يلتزموا حضوره ويسألون عن تفسيرها ومنها أنه وردت روايات مستفيضة أو متواترة في عرض
الروايات الواردة على كتاب الله فما جاء من بر أو فاجر يخالف القرآن فاللازم علينا رده فلو أننا لا نفهم من الكتاب شيئا لما صح
عرضناها عليه لان عرضنا عليه فرع معرفتنا إياه ومنها ما ورد أيضا في مورد التعارض والتنافي بين الأحاديث من قبول الحديث
الموافق ورد غيره فلو لا كنا عارفين بمعاني الآيات الشريفة لم نعرف الموافق من غيره ومنها أن النبي صلى الله عليه وآله أمر في
الحديث المتفق عليه بين العامة والخاصة بالتمسك بالقرآن كما أمرنا بالتمسك بالعترة الهادية فكما أن من تمسك بالقرآن وحده و
قال حسبنا كتاب الله وترك العترة فقد ضل وأضل فكذا من تمسك بالعترة فقط وترك القرآن فقد خالف قول نبيه وأيضا لو لم
نعرف من القرآن شيئا وكانت وظيفتنا التمسك بالعترة لم
82

يأمرنا نبينا بالتمسك بالقرآن ومن لا يعرف منه شيئا فكيف يمكنه التمسك له.
ومنها أن أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام كانوا يحتجون على مخالفيهم في الإمامة بالقرآن ولو كان علم القرآن في آياته وبيناته
مخصوصا بالنبي صلى الله عليه وآله وأوصيائه لقال مخالفوهم بأنا لا نفهم من القرآن شيئا فكيف يكون حجة علينا ومنها أن الإمام قال
في الحديث المروي من أخذ ولايتنا من القرآن لم يضل بالفتن وإلا فلا يؤمن فلو أن القرآن لم يعرف منه شي إلا بتفسير الإمام عليه السلام
فالتمسك به في معرفة الامام يكون دوريا ومنها أخبار كثيرة متفرقة دالة على إرجاع الأئمة عليهم السلام أصحابهم إلى
القرآن و الاستفادة منه والتدبر في آياته وبالجملة الأدلة القطعية الدالة على جواز الاستفادة من القرآن كثيرة فلذا جرت سيرة
المسلمين من زمان النبي صلى الله عليه وآله إلى زماننا هذا على التمسك ب آياته والاستدلال بها فما دل على خلافها مطروح أو مؤول و
الله العالم
الكلام في الاجماع
10 - وفيه فصلان - الفصل الأول في كيفية تحصيله فنقول إن الأصل في الاجماع كما قال شيخ المشايخ العظام (الشيخ مرتضى
الأنصاري قدس سره) هو الأصل عند العامة وهم الأصل له فنقول لهم إن المراد من الاجماع إن كان اتفاق كل أمة محمد صلى الله عليه و
آله من جميع البلدان والأمصار في عصر واحد على أمر واحد فذلك لم يتفق لاحد في عصر من
83

الاعصار بل في خلافة الأول الذي هو أسس الأساس لهم في هذا الامر لم يقع الاجماع من أهل المدينة فكيف بإجماع أمة محمد صلى الله
عليه وآله في جميع الأمصار أو علمائهم وأمرائهم الذين يعبر عنهم بأهل الحل والعقد فإن جماعة كانوا متحصنين في بيت علي عليه
السلام ولم يكونوا راضين بخلافته كما أن سعد بن عبادة وأتباعه لم يجمعوا عليها ولم يرضوا بها فما المجوز على إكراههم قبل وقوع
الاجماع والاتفاق على كره وإجبار لا فائدة فيه وإن كان المراد من الاجماع اتفاق جماعة في بلد من البلدان فذلك يوجب التناقض و
التضاد وينجر إلى اختلال النظام والهرج والمرج وسفك الدماء والفساد فقد وقع في كثير من الأزمنة اختلاف بين الأقوام في البلدان
وانجر إلى التشاجر كما اجتمع أهل الحل والعقد في الحجاز على ابن الزبير وفي الشام ونواحيها على عبد الملك وفي الكوفة على
المختار واتفق حروب بينهم حتى كانت الغلبة لعبد الملك ومع هذا نقول أيضا لمن يدعي الاجماع في غير الضروريات والمنصوصات
بالنصوص القطعية الصريحة إن الاطلاع على آراء علماء مملكة من الممالك الاسلامية في عصر واحد متعسر أو متعذر فإن كثيرا من
العلماء يعسر الاطلاع على اجتهادهم فإن العلماء المحققين ذوي أفكار صائبة قد يكونون منزوين غير معروفين وبعد الاطلاع على
اجتهادهم يعسر الاطلاع على أقوالهم فإذا عسر الاطلاع على أقوال علماء مملكة واحدة لعدم العلم باجتهادهم أو أقوالهم فلا يمكن الاطلاع
على أقوال جميع العلماء من جميع الممالك والأمصار والقرى فإذا لم يكن ذلك فكيف يمكن العلم بأقوال جميع
84

العلماء أو المجتهدين من الأولين والآخرين إن أريد من الاجماع اتفاقهم فاتضح من ذلك حال الاجماعات المنقولة في غير الضروريات
والمنصوصات بالنصوص الصريحة القطعية وفيها لا حاجة إليه ومن ذلك يظهر أيضا أن الاجماع المحصل في أكثر المسائل غير حاصل
والمنقول ليس بحجة لأنه مبتن على الحدس الذي لا يفيد علما ولا عملا والله العالم
الكلام في وجوه حجية الاجماع
11 - الفصل الثاني في وجوه حجية الاجماع
قد استدل عليها بطرق ثلاثة.
الأول
ما اعتمد عليه المحقق والعلامة وصاحب المعالم ومن يحذو حذوهم (رضوان الله عليهم) وهو أن الأمة إذ اجتمعت على قول فلا يكون
قول المعصوم خارجا عنه لأنه هو سيدها ورئيسها ومدرك الحجية هو قول الإمام فكل جماعة قلت أو كثرت وكان قول الإمام في
جملتهم كان إجماعهم حجة فلذا من قال بهذا القول قال إنه لا يضر مخالفة الشخص المعلوم نسبه لأنه يعلم أن قول الإمام عليه السلام في
الباقين لكن هذا في الحقيقة إنكار لحجية لاجماعات المتداولة بين العلماء من أول زمان الغيبة الكبرى إلى يومنا هذا لأنه من المحقق
المعلوم أن أحدا من العلماء لم يحصل قول المعصوم بنحو لا يعلم شخصه ولكن علم بكونه عليه السلام في جملة العلماء الذين حصل
أقوالهم ولم يتفق لاحد من المدعين للاجماع هذا العلم بالحس والمشاهدة - ولقد أجادوا (رضوان الله عليهم) في حسن
85

التعبير وأثبتوا بهذا الكلام اللطيف حقانية مذهبهم وبطلان دعاوي مخالفيهم بأنكم قد بنيتم أساس خلافة خليفتكم على ما نقلتم عن
النبي صلى الله عليه وآله من أنه قال لا يجتمع أمتي على خطأ فلو كان هذا النقل صحيحا كان أول دليل على بطلان ما ادعيتم لان من
جملة أمة النبي صلى الله عليه وآله علي عليه السلام وهو لم يبايع ولم يرض بخلافة الأول ما دامت فاطمة حية صلوات الله عليها وبعدها
لم يبايع إلا كرها وكان يشكو من كونها بخلاف رضاه كما شهدت به التواريخ والخطبة الشقشقية
الثاني
ما ذكره الشيخ وأتباعه وهو أن الأمة إذا أطبقت على قول في عصر ولم يكن في كتاب العزيز والأحاديث ما يدل على خلافه تعين أن
يكون حقا وإلا لوجب على الامام لطفا أن يظهر خلافه ولو بإعلام بعض ثقاته حتى تؤدي الحق لئلا يكون كل الأمة على خلافه وبهذا
الطريق اعتمد من يقول بأنه إذا انقرض عصر المخالف لا يضر خلافه فقد كانوا يعتذرون عن مخالفة بعض فيما نقلوه من الاجماع بأن
عصره قد انقرض ولكن هذه الطريقة لم يرتضها العلماء المتأخرون وأجابوا عنه أولا بأنه يمكن أن تكون المصلحة في عدم إظهاره و
يكونون معذورين في مخالفة الواقع في حكم أو أحكام وثانيا بأن اللطف لا يقتضي أكثر من إرسال المرسل وتبليغهم الاحكام على
نحو المتعارف وثالثا بأن كثيرا من المصالح فاتنا بسبب غيبة إمام زماننا فلتكن هذه المصلحة أيضا منها.
الثالث
ما اعتمد عليه أكثر المتأخرين من علمائنا رضوان الله
86

عليهم أجمعين وهو استكشاف قول المعصوم أو الدليل المعتبر من اتفاق علمائنا الاعلام فإنا إذا علمنا يقينا أنهم لم يكونوا تابعين
للأهواء ولا للتقليد بل لم يكونوا منقادين إلا ما وصل إليهم من مولاهم ولم تكن المسألة مما يعتمد فيه على الأصول والقواعد والآراء و
الحدسيات أو الدلائل العقلية ومع ذلك قد اتفقوا على الفتوى فإن ذلك يكشف عن قول الإمام عليه السلام وقد وصل إليهم ولم يصل
إلينا أو عن دليل معتبر لو وصل إلينا لاعتمدنا عليه كما يستكشف آراء سائر رؤساء المذهب من أقوال أتباعهم إذا كانوا متبعين لهم بل
يستكشف من اتفاق جماعة من أصحابهم إذا كانوا متابعين قولهم كما قد يستكشف من اتفاق جماعة من علمائنا الذين كان دأبهم الجمود
على متون الاخبار مع الوثوق التام بأفهامهم وعلو مقامهم ثم إن هذا الاستكشاف يختلف باختلاف المسائل والأشخاص وليس له ميزان
تنضبط وهذا في الحقيقة ليس اعتمادا على الاجماع وقولا بالحجية فيه فإنه إذا قطع بقول المعصوم أو الدليل المعتبر من أي سبب كان
فقد تمت الحجة وانقطع العذر كما إذا حصل الوثوق بصحة الحديث من القرائن والأحوال أو من جهة اعتماد المشهور عليه والعمل به و
قد تم ميزان الحجية في الحديث الذي هو الوثوق بصدوره فلذا قالوا إن شهرة العمل بالحديث لا سيما إذا كانوا من المتقدمين الذين
كانوا عارفين بصحة الأحاديث وبقرائن صدورها جابرة لضعف الرواية كما أن إعراضهم عن رواية صحيحة السند موهن لها لعدم
حصول الوثوق بها الذي معيار هو الحجية في الرواية كما سيجئ
87

القول في حجية الخبر الواحد في الجملة في قبال من ينفي حجيته
ثم إنه لا يهمنا البحث في أن هذه المسألة من مسائل أصول الفقه من جهة أن البحث فيه بحث عن أحوال السنة التي هي من موضوعات
أصول الفقه لان معنى حجية الخبر أن السنة تثبت بالخبر الواحد لكي يشكل بأن البحث فيه في الحقيقة بحث في أن ما شك أنه قول
المعصوم هل هو حجة علينا بسبب أخبار الثقة أو لا فهذا بحث عن أحوال هذا المشكوك وليس بحثا عن أحوال السنة أو أن البحث عن
دليلية الدليل أو حجية أمر بحث عن أحوال الدليل أو الحجة وموضوع علم الأصول هو الدليل والحجة حتى يشكل بأن إحراز الموضوع
ليس من مباحث العلم لان بعد ما علمنا أن علم الأصول قواعد ممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية وعلمنا أن البحث عن حجية
الخبر من جملة هذه القواعد لان أكثر الاحكام يبتني على هذه القاعدة فلا يهمنا البحث بعد ذلك أنها من أحوال الدليل أو الحجة أو السنة
لكي نحتاج إلى دفع الاشكالات الواردة.
فنقول لا ريب في حجيتها في الجملة لان من البديهيات الأولية أن الأنبياء عليهم السلام وكذا أوصياءهم من زمان آدم عليه السلام إلى
زمن الخاتم صلى الله عليه وآله بلغوا الأوامر والنواهي الإلهية إلى أكثر الأمم بتوسط الثقات وأخذ من آمن بهم الأحكام الإلهية بتوسط
من يوثق به من
88

الرواة ولم يبلغ واحد منهم بنفسه المقدسة جميع الأحكام إلى جميع الرعايا والأمم من الرجال والنسأ ومن يسكن القرى والبلدان أو
البوادي لان ذلك لم يكن ممكنا بطريق العادة وما جرت طريقتهم في التبليغ الاعلى العادة المرسومة العقلائية ولم يكونوا يبلغون
الأحكام الإلهية على جميع من آمن بهم بطريق الاعجاز وخرق العادة وهكذا لم يكن في حيز الامكان العادي أن يبلغ كل الاحكام
جزئياتها وكلياتها على كل فرد فرد على نحو التواتر ويخبر على كل من آمن كل حكم مائة من الرواة مثلا على نحو يفيد التواتر لكل
منهم فإن ذلك أشكل من الأول بل كانت السنة المحمودة من لدن زمن آدم إلى خاتم أن يأخذ والاحكام بتوسط الثقات بواسطة أو
وسائط فمن يدعي انفتاح باب العلم في زمان الأئمة عليهم السلام وانسداده في زماننا إن كان يدعي أن كل واحد من الناس من جميع
القرى والبوادي كان له أن يأخذ تكليفه الشرعي من أول الطهارة إلى آخر الديات من المعصوم نفسه فهو مدع لما يخالف العيان وإن
كان يدعي أن أكثر الاحكام كان يصل إليهم بتوسط الثقات بواسطة أو وسائط فهذا موجود في زماننا هذا فإن أكثر الاحكام المروية
في الكتب الأربعة طرقها محفوظة مبينة أحوال رواتها في كتب الرجال وأكثر تكاليفنا ثابتة بالروايات الموثوقة بها بحيث لو عملنا
فيما سواها بالأصول العلمية الثابتة ما لزم محذور فخلاصة الكلام أن سنة الله التي لا تجد لها تبديلا قد جرت على تبليغ الرسل و
الأوصياء الأحكام الإلهية بواسطة الثقات لا غلب الأمم في
89

أكثر الاحكام والاخذ من أنفسهم المقدسة لم يكن إلا لقليل من الناس بالنسبة إلى غيرهم وكذا التواتر لم يكن إلا في قليل من الاحكام
بالنسبة إلى غيرها لقليل من الناس والخبر المحفوف بالقرينة القطعية بالنسبة إلى غيره أيضا قليل فهذه السنة الإلهية لم يتغير ولم
يتبدل بحمد الله بسبب بعدنا عن زمان الأئمة عليهم السلام بواسطة حفظ الثقات والحفاظ الناقلين للآثار فحجية الخبر الواحد في الجملة
في مقابل الانكار المطلق مثل اليقينيات التي لا مرية فيه وهذا المقدار يكفينا في المقام والله العالم
الكلام في شرائط حجية الرواية
12 - فصل هل يشترط العدالة في الناقل أو يعتبر الوثوق بصدقه الذي يستفاد من الأخبار الكثيرة التي يمكن أن يقال بتواترها معنى هو
كفاية الوثوق بصدقه وقد نرى أيضا عمل علمائنا عملوا في مسألة - التيمم في وجوب طلب الماء غلوة سهم أو سهمين برواية السكوني
العامي ولا مستند لهم في هذه المسألة غيرها مع أنهم أفتوا به بلا خلاف معروف بينهم وكذا في حرمة مس الجنب اسم الله تعالى عملوا
لموثقة عمار الساباطي وهو فطحي المذهب وقد عمل بها وأفتى بها المشهور لولا الكل ونظائر ذلك كثيرة وعن الشيخ نقل اتفاق
الطائفة على العمل بخبر عبد الله بن بكير وسماعة وعثمان بن عيسى وبني فضال مع عدم عدالتهم لفساد مذهبهم مع أن العسكري
قال في حق بني فضال بعد السؤال عن العمل بما رووا في كتبهم خذوا ما رووا وذروا ما رأوا وقال
90

الشيخ أبو القاسم حسين بن روح (رضوان الله عليه) في حق كتب الشلمغاني أقول فيه ما قال العسكري في كتب بني فضال وأيضا قد
أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن جماعة وعدوهم من أصحاب الاجماع وفيهم فطحي وواقفي.
وأما الاستدلال على اشتراط العدالة ب آية النبأ الدالة صريحا على لزوم التبين في خبر الفاسق فالجواب عنه بأن التبين يحصل بتحصيل
الوثوق بصدقه فإذا حصل الوثوق فقد حصل التبين وإلا من العقلائي وبه يحصل المقصود هذا مع أن في مورد الآية لا يعمل بخبر الواحد
العدل قطعا لأنه من الموضوعات التي لا يثبت إلا بالبينة والله العالم
الكلام في أنه يكفي الوثوق ولو كان غير نقي السند
13 - فصل قد عرفت أن المعيار في حجية الرواية هو الوثوق بصدورها فحينئذ لا يلزم في الرواية المروية أن تكون أسنادها كلها معدلة
بعدلين في كتب الرجال مع أن قبول تعديلهم إن كان من باب الشهادة وقيام البينة فيشكل بأن المعتبر في الشهادة والبينة أن تكون
شهادتهم من باب الحس وشهادة أئمة الرجال ليست من هذا القبيل وإن كان من باب الرجوع إلى أهل الخبرة فلا يلزم فيه التعدد و
شروط الشهادة والبينة.
ثم إنه إذا كان المناط والملاك في حجية الخبر هو الوثوق فالوثوق
91

إذا حصل باعتماد المشهور عليه سيما إذا كان المعتمدون عليه من قدماء علمائنا المطلعين على قرائن صدور الاخبار والمنجمدين عليها
والذين لا يتجاوزون عن ظواهرها ولا يفتون إلا بما فيها كان الخبر حجة لحصول الوثوق به ولو كان غير نقي السند فلذا قالوا إن
ضعف الخبر ينجبر بالشهرة كما أن إعراض المشهور عن خبر مع أنه كان بمرئى منهم ومسمع يوجب عدم الوثوق به ولو كان نقي
السند صحيح الاسناد بل كلما ازداد صحة ازداد وهنا لان العلماء العارفين بإسناد الخبر إذا أعرضوا عن خبر صحيح أو أصح مع اطلاعهم
وعلمهم بسنده يكشف عن وهن فيه فلا أقل من عدم الوثوق بصدوره فلا يكون حجة والله العالم
في عدم حجية الخبر إذا لم يكن له أثر عملي
14 - فصل لا يخفى عليك أنه إذا لم يكن لشئ أثر عملي من الخارج بل إذا حصل اليقين والاعتقاد به التزم بمقتضى عقيدته وإلا فلا ولا
يكون الخبر الواحد الموثوق به أو الصحيح حجة إذا لم يكن له أثر عملي كما إذا قام الخبر الصحيح مثلا على أن له ملكا في عرشه كذا و
كذا فإنه ليس له أثر عملي في الخارج يترتب عليه والتزم به وإلا فلا واليقين ليس مما يتعبد به فإن الله لا يكلف باليقين إلا بعد أن
يوجد أسبابه والخبر الواحد الصحيح ولو كان في أعلى مراتب الصحة لا يفيد اليقين لأنه لا أقل من أن يحتمل الاشتباه في العدل في
ضبط كلام المعصوم وفي معدلين في تعديلهم ومن ذلك يعلم أن الخبر الواحد لا يكون حجة في أصول العقائد وما يطلب
92

اليقين لما ذكرنا من أن اليقين لا يكون تعبديا وأن الله لا يكلف باليقين ما لم يوجد أسبابه فلذا ذكرنا في مباحثنا الكلامية أنا لسنا
حاضرين بدفع شبهات المخالفين وجواب إشكالاتهم التي يوردونها على بعض الروايات لان أكثر الروايات التي يشكلون عليها كخبر
استقرار الأرض على رأس البقر وحمل الحوت لها ضعيفة السند وعلى فرض صحتها لا حجية فيها في إثبات العقائد فلو صح الاشكال
في أمثال هذه الرواية فإنما رد للخبر لا لمن ينقل عنه فافهم والله العالم
فيما خالف القرآن من الاخبار
15 - فصل قد وردت روايات كثيرة في رد الروايات المخالفة للقرآن ولا شك أن المراد من مخالفة الرواية للقرآن أن يكون بينهما
بحسب العرف واللغة تخالف بحيث يعدان من المتخالفين لا أن لا يحتمل التوجيه في واحد منهما فإن ذلك لا يوجد ولا أن يكون بينهما
عموما وخصوصا وإطلاقا وتقييدا فإنما لا يعدان من المتخالفين فلا إشكال في تخصيصه أو تقييده بالخبر الصحيح والله العالم
الكلام في الأصول العملية
وهي التي يرجع إليها بعد الفحص واليأس عن الأدلة الاجتهادية التي عمدتها الكتاب والسنة والمهم منها البراءة والاحتياط والتخيير و
الاستصحاب والله العالم
93

الكلام في شرائط الرجوع إلى أصل البراءة
16 - فصل في أصل البراءة فيما شك الوجوب أو الحرمة ولم تقم الحجة على لزوم الفعل في الأول ولزوم الترك في الثاني لا ريب أن
من البديهيات الأولية الذي لا يشك فيه ذو مسكة أن العقاب بلا بيان والعذاب بلا حجة وبرهان قبيح عند كل العقلا بل هو من
الفطريات المودعة الموهوبة للانسان يلتفته الطفل المميز بالفطرة التي فطر الله عليها فلو كان في قلبك طلب الماء من ابنك الصغير و
لم تنبهه له ثم عاقبته بعدم إتيان الماء يعدك ظالما ومرتكبا للقبح وإلى ذلك أشار الكتاب العزيز في آياته الشريفة ورسلا مبشرين
ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل قل فلله الحجة البالغة (وقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقوله
تعالى لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى وتدل عليه أحاديث كثيرة متفرقة في موارد شتى ومن يقول
بوجوب الاحتياط لا يمكن له أن ينكره وإنما يقول بوجوب الاحتياط لقيام البيان بزعمه على وجوب الاحتياط في الشبهة الحكمية
التحريمية أو فيها و في الشبهة الحكمية الوجوبية وإلا فلو قيل له إنا لو فرضنا أنه لم تقم الحجة على وجوب الاحتياط فهل يعذب الله بلا
برهان لقال (سبحان الله) هو أعدل ولا يظلم أحدا ولا يعذبه بدون الحجة ثم إنه لا فرق في ذلك بين إن لم يبين المولى أصلا أو بين و
لكن لم يصل إليه البيان ولم تقم الحجة عليه فالمهم
94

هو التعرض لما دل على وجوب الاحتياط بزعمه والجواب عنه واحتج لذلك بالكتاب والسنة والعقل أما الكتاب فبالآيات الناهية عن
القول بغير علم والآية الناهية عن الالقاء في التهلكة وبالآيات الامرة بالتقوى، والجواب أن القول بأن الله عادل لا يظلم ولا يعذب بغير
بيان ليس قولا بغير علم وأي علم أحكم وأعلى من اليقين بحكمة البارئ وعدله ولطفه وكيف يناسب لطفه وحكمته وعدله أن لا يتم
الحجة ويأخذ عباده بالجور ولا نحكم في الشبهات الوجوبية والحرمتية بالإباحة الواقعية تحرصا بغير علم بل نعوذ بالله من ذلك بل
نقول لو كان ما اشتبه واجبا وحراما واقعا لا يعذبنا الله على مخالفته بلطفه وبعدله وبرحمته فلذا كنا آمنين مطمئنين فليس ارتكاب ما
لا يعلم حرمته أو ترك ما لا يعلم وجوبه إلقاء النفس إلى التهلكة وليس هو أيضا خلاف التقوى المأمور به لان الله لا يعذب ولا يضل قوما
بعد ما هداهم حتى يبين لهم ما يتقون والله العالم،
الكلام في السنة
أما السنة فقد استدل بطوائف منها ما دل على وجوب التوقف فيما لا يعلم بحكمه وجوابه أنا لا نحكم بأن حكمه عند الشارع الوجوب و
الحرمة بل نحن من المتوقفين فيه ولا منافاة بين ذلك وبين أن نقول إن الله لا يعذبنا بالترك في الأول وبالفعل في الثاني لان الله
عادل لا يعذب
95

قوما حتى يبين لهم ما يتقون هذا مع أن هذه الروايات صادرة فيما أمكن المراجعة إلى الامام مثل أن يقول المقلد بالفتح لمقلده بالكسر
إذا لم تعلم بفتواي فقف عنده ولا تحكم فيه برأيك وحدسك أو قياسك فلا تدل على ما نحن فيه ومنها ما دل على من ترك الشبهات لم
يقع في المحرمات فيجتنب عن الشبهات لئلا يقع في المحرمات وهذه الأخبار كلها إرشادية واردة في مقام رجحانية مطلق الاجتناب و
الاحتياط وكيف وهي شاملة للشبهات الحكمية والموضوعية والوجوبية وغيرها بالاتفاق ودلالة السنة الصريحة لا يجب الاحتياط في
جميع ذلك هذا مضافا إلى معارضته بالاخبار الدالة على أن الناس في سعة ما لا يعلمون أو أن ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع
عنهم أو أنه رفع عن الناس تسعة فمنها ما لا يعلمون أو أنه كل شي مطلق حتى يرد فيه نهي أو أن كل امرئ ارتكب أمرا بجهالة فلا شي
عليه وفيها الصحيح وغيره والظاهر من أكثرها أن الناس لم تكلفوا بالاحتياط فيما لا يعلمون بل رخص لهم فيه في سعة فيجب حمل ما
دل على الاجتناب عن الشبهة لئلا يقع في المحرمات أو المهلكة وما دل على الاحتياط في الشبهات على مطلق الرجحان الذي لا ينافي
الاستحباب بل يمكن أن يقال إن أخبار الاحتياط والاجتناب أعم شمولها للموارد التي يجب الاحتياط كصور العلم الاجمالي والعلم
بالاشتغال وهذه الأخبار أخص فتخصص تلك بهذه ولو أغمضنا عن جميع ذلك فالاخبار من الطرفين متعارضة وبذلك
96

لا تقوم الحجة ولا يحسن العقاب فلا يكون حرج علينا فيما لم نعلم ولم نقم الحجة عليه فاتضح من جميع ذلك أنه لا حرج في الشبهات
الحكمية الابتدائية وجوبية أو غيرها وأما ما استدل من الدليل العقلي من أن في ارتكاب الشبهة احتمال الضرر ففيه أنه لا احتمال للضرر
والعقاب مع العلم بأن المولى عدل حكيم لا يجور واحتمال الضرر الدنيوي ليس بحيث يوجب الخوف العقلائي الذي يلزم الاحتراز منه لا
سيما إذا رخص المولى في ارتكابها كما هو مفاد الأحاديث الكثيرة والله العالم
الكلام في مورد أصل البراءة
17 - فصل قد تبين مما ذكرنا أن أصل البراءة أنما يجزئ فيما لم يكن فيه بيان من الشارع فإذا كان فيه بيان من الشارع فقد ارتفع
الموضوع وذلك البيان قد يكون بواسطة الدليل الاجتهادي المعتبر كظاهر القرآن أو الرواية المعتبرة وقد يكون أصل موضوعي أو
حكمي يعتبر كالاستصحاب الذي دلت الروايات المعتبرة على حجيته كما سيأتي في محله فإذا شك في حلية حيوان أو حرمته للشك في
تذكيته حكم بعدم التذكية لان الله تعالى حكم بالحلية فيما إذا ذكي لقوله تعالى إلا ما ذكيتم فما لم يحرز التذكية لم يحكم بالحلية فأصالة
البراءة لا تجري مع الحكم الشرعي بعدم التذكية ولا يلزم إحراز كونه ميته فإن موضوع الحرمة عدم التذكية لا كونه ميتة مع أنه يمكن
أن يقال إن الميتة شرعا
97

هو ما لم يذك وهذا الموضوع يحرز بالأصل فخلاصة الكلام أن البيان إذا حصل بأي نحو كان لا يكون محلا لقبح العقاب بلا بيان ولا
يكون مما حجب الله فيكون موضوعا ومرفوعا عنا فمورد أصالة البراءة أنما هو فيما لم يمكن دليل اجتهادي أو أصل معتبر على خلافها
بل على وفاقها أيضا والله العالم
الكلام في حسن الاحتياط عقلا
18 فصل لا إشكال في حسن الاحتياط ما لم ينجر إلى الوسواس كما دلت عليه الروايات المعتبرة والأدلة القطعية نعم قد يشكل في تحقق
موضوعه في العبادات لان العبادة ما كانت قصد القربة معتبرا فيها فما لم يحرز الامر بشئ لم يمكن قصد التقرب ومع إحراز الامر به
لا معنى للاحتياط لان الاحتياط أنما هو في ما لم يعلم أمر المولى به وإنما يؤتى به لعله يصادف ما أمر به المولى والامر بالاحتياط لا
يقوم هذا الموضوع لان قصد التقرب أنما هو بإتيان المحتاط به ولم يعلم الامر به لا بأوامر الاحتياط حتى يقصد التقرب بها ويمكن أن
يجاب عن ذلك بأنا نمنع لزوم قصد التقرب في العبادات حتى يحتاج إلى إحراز الامر بل العبادة ما كانت إتيانها بعنوان الخضوع و
الانقياد لله فإذا احتمل كون شي مما أمر به المولى من العبادات فأتى به انقيادا وخضوعا له وصادف الواقع فقد حصل ما طلبه المولى و
هذا المقدار يكفي في تحقق موضوع الاحتياط في العبادات وحسن الاحتياط
98

في حسن الاحتياط مطلقا
19 - فصل لا فرق في حسن الاحتياط عقلا أو نقلا بين ما كان ما قامت حجة على عدم الوجوب أو الحرمة أو أمارة معتبرة على أنه ليس
فردا للحرام أو الوجوب وبين ما لم تقم لان الامارة أو الحجة لا ترتفع الاحتمال هذا ولكن الاحتياط في بعض الموارد كالدماء والفروج
أهم كما أن الاحتياط في بعض المحتملات أو الاحتمالات أحسن وقد يتعارض الاحتياطات فيقدم الأهم أو الأقوى نعم قد يكون الاحتياط
مثارا للوسوسة أو الحرج أو اختلال النظام وموجبا لتفويت الآداب الشرعية فلا يكون محبوبا ومرضيا عند الله
لا يجب الاجتناب عن أفراد المشكوكة
20 فصل النهي عن ماهية لا يكون بيانا بالنسبة إلى الافراد المشكوكة فلا يوجب العقاب لو ارتكبها خصوصا مع قوله عليه السلام في
الصحيح كل شي لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه وقوله عليه السلام في الموثق كل شي لك على هذا يعني الحلية حتى تقوم به البينة
إلى آخر ما نقل بمعناه فلا يجب الاجتناب عن الافراد المشكوكة والله العالم
في دوران الامر بين المحذورين
21 فصل إذا دار الامر بين الوجوب والحرمة ولم تقم الحجة
99

على أحدهما بعينه لم يكن للمولى بمقتضى العدل والحكمة العقاب عليه لأنه عقاب بلا بيان وعذاب بلا برهان والعلم بأحدهما لا أثر له
لأنه لا بد من الفعل أو الترك فاحتمال الموافقة حاصل بلا اختيار والموافقة القطعية لا يمكن ففي كل فن الفعل والترك لا حرج عليه و
الأدلة اللفظية الدالة على معذورية الجاهل تدل عليه أيضا هذا إذا لم يكونا تعبديين أو أحدهما تعبديا وإلا فقد قال شيخ المشايخ مرتضى
الأنصاري بأنه لا يجوز طرحها والرجوع إلى الإباحة لأنها مخالفة قطعية بل يجب الاتيان بأحدهما تقربا ولكن هذا لا ينافي التخيير
بين الفعل والترك بأن يترك لله أو يفعل لله لعدم الترجيح ثم إن التخيير هنا لعدم قيام الحجة على أحدهما وقبح العقاب بلا بيان على
خصوص كل منهما وعدم إمكان الخلو عن الفعل أو الترك معا وأما ما يقال من ترجيح جانب الحرمة لان دفع المفسدة أولى من جلب
المنفعة فمضافا إلى أن في ترك الواجب أيضا تفويت مصلحة لازمة يكون فواتها مفسدة ورب واجب أهم من حرام ويكون في مورد
المعارضة مقدما عليها مردود بأن الترجيح بأمثال ذلك لا يعتمد عليه في قيام الحجة ولا يحصل به البيان والله العالم
دوران الامر في الشبهة الوجوبية بين المتباينين
22 فصل إذا علم التكليف وشك في المكلف به فإما أن يكون التكليف المعلوم وجوبيا سواء كان الشبهة موضوعية أو حكمية أو كان
100

التكليف المعلوم هو الحرمة والأول إما أن يكون المكلف به المردد فيه بين المتباينين أو بين الأقل والأكثر الارتباطيين
فيقع الكلام في مقامات.
المقام الأول دوران الامر في الشبهة الوجوبية بين المتباينين
سواء كانت الشبهة حكمية كما إذا علم وجوب الصلاة يوم الجمعة وكان مرددا بين صلاة الجمعة وبين صلاة الظهر أو كانت الشبهة
موضوعية كما إذا علم أنه نذر بوط إحدى الزوجين معينة ولكن نسيها وأمكن وطؤهما ولا ريب أنه إذا علم التكليف فقد تمت الحجة
بالنسبة إليه لأنه لا حجة أعلى من اليقين ولا بيان أوضح من العلم فلا يصح ترك الصلاتين معتذرا بعدم العلم بوجوب كل منها معينا كما لا
يؤمن من العقاب بالاتيان بإحداهما ما لم يرد ترخيص من المولى بالاكتفاء لأنه قد علم باشتغال ذمته بإحدى الصلاتين ولا يجوز عند
العقل بعد تمام الحجة الاكتفاء بالاحتمال ولا تجري أدلة البراءة من النقل والعقل هنا لان العقاب بعد تمام الحجة لا يقبح وأدلة رفع ما لا
يعلمون وكون الناس في سعة منه لا يدل على رفع التكليف المعلوم المردد فيه المكلف به بين الامرين نعم للمولى أن يرخص في ترك
إحداهما والاكتفاء بواحدة منهما بمقتضى المصلحة التي يراها في نظره لكن ما لم يرد من المولى ترخيص لا يصح عند العقل الاكتفاء
بإحداهما لأنه أخذ باحتمال في قبال اليقين والله العالم
المقام الثاني في الشبهة الوجوبية مع دوران الامر بين الأقل والأكثر الارتباطيين
101

فنقول إذا شك في جز من أجزأ الصلاة مثلا أنه واجب أو مستحب هل يجب الاحتياط قيل نعم لأنه علم باشتغال الذمة بالصلاة ولا
يحصل اليقين بالبراءة إلا بإتيان الأكثر وهو ما اشتمل عليه وقال الشيخ المرتضى الأنصاري قدس سره إن العلم باشتغال الذمة ينحل
إلى معلوم بالتفصيل وهو الأقل لأنه يعلم أنه واجب إما في نفسه أو مع الأكثر فعلى كلا التقديرين هو يعلم أنه واجب وإنما يشك في
وجوب الأكثر وهو ما اشتمل على الجز أو وجوب جز المشكوك فيجري فيه أصل البراءة واستشكل عليه في الكفاية بأن هذا الانحلال
يستلزم المحال بداهة توقف لزوم الأقل فعلا لنفسه أو في ضمن الأكثر على تنجز التكليف مطلقا ولو كان متعلقا بالأكثر فلو كان
لزومه كذلك مستلزما لعدم تنجزه إلا إذا كان متعلقا بالأقل كان خلفا مع أنه يلزم من وجود عدمه لاستلزامه عدم تنجز التكليف على كل
حال المستلزم لعدم لزوم الأقل مطلقا المستلزم لعدم الانحلال وما يلزم من وجود عدمه محال ثم قال بعد أن استشكل وأجاب أن هذا
بحسب حكم العقل وأما النقل فالظاهر أن عموم حديث الرفع قاض برفع جزئية ما شك في جزئيته فبمثله يرتفع الاجمال والتردد عما
تردد أمره بين الأقل والأكثر فيعين الأول هذا ولكن يمكن أن يقال إن الاجزاء التي لا يعلم وجوبها وجزئيتها إلا من قبل المولى إذا
قامت الحجة وتم البيان في جملة منها ولم يعلم سواها فلو عاقبه المولى على ما سواها بدون بيانه لعده العقلا مؤاخذا بدون بيان و
معاقبا بلا برهان بخلاف ما لو عاقبه على ما علم منها وإن شئت قلت إنه إذا صدق
102

الصلاة مثلا على ما علم الاجزاء وأتى بها صدق أنه امتثل بأمر المولى بالصلاة فلو كان لها شرط أو جز آخر لكان على المولى بيانه و
إلا لم يكن له مؤاخذته وعقابه وقد أشرنا في مباحث الألفاظ أن التمسك بالاطلاق لا يحتاج في الأكثر إلى إجراء مقدمات الحكمة بل إذا
صدق الماهية وامتثل بما أمر فيها فقد سقط عنه التكليف فلو كان له شرط أو جز غير ما علم لكان على المولى بيانه بمقتضى عدله
فظهر أن أدلة البراءة عقلا ونقلا تكفي في نفي جزئية وشرطية ما لم يعلم منها وإلا فلو أغمضنا وقبلنا ما استشكله صاحب الكفاية
لامكن الاشكال في عموم الأدلة النقلية لأنها لا تنفي ما علم إجمالا من التكليف بل هو يقتضي الامتثال المبرئ للذمة لكي يأمن من العقاب
هذا بالنسبة إلى الأكثر والأقل الارتباطين وأما الأقل والأكثر الاستقلاليين فهو داخل في الشبهة الوجوبية ابتدأ بالنسبة إلى الأكثر فلا
حاجة إلى ذكره مستقلا
تنبيه إذا شك في مانعية شي في الصلاة أو شرطيته من جهة الشبهة الحكمية
فالامر كما بيناه بل الامر فيهما أوضح لعدم دخالتهما في صدق الماهية المأمور بها بدون لحاظها فلو كان تكليف من ناحيتها فإنما هو
أمر زائد لقبح العقاب من المكلف بالكسر على المكلف بالفتح من دون بيان ولو كانت الشبهة موضوعية بعد العلم بوجوب أمر شرطا
لزم اليقين بحصوله لتحصيل اليقين بالامتثال بعد العلم بالاشتغال وأما لو كانت الشبهة موضوعية بعد العلم بمانعية شي كما لو شككنا
في ما لبسناه حين الصلاة أنه من المأكول لحمه أو لا بعد العلم بمانعية غير المأكول كما
103

إذا أحرزنا من الدلائل الشرعية أن ليس ما لا يؤكل لحمه مانع شرعا من صحة الصلاة فمقتضى حديث الرفع وغيره عدم البأس به فلذا
قلنا إن الصلاة في اللباس المشكوك لا بأس فيه ويمكن التمسك بقاعدة قبح العقاب بلا بيان فإن المنع من غير المأكول لا يكون بيانا
بالنسبة إلى المشتبه كما أن النهي عن الخمر مثلا لا يكون بيانا بالنسبة إلى الافراد المشكوكة منه
المقام الثالث فيما شك في المكلف به مع العلم بالتكليف في الشبهة التحريمية الحكمية أو الموضوعية
ولا شك أنه إذا علم بالتكليف فقد ارتفع الاشتباه بالنسبة إليه وتمت الحجة وبين التكليف فلا بد من الامتثال وإلا فللمولى أن يعاقب
عليه نعم في بعض الموارد التي لا يعلم في الحقيقة بتوجه التكليف إليه لا تتم الحجة بالنسبة إليه كما إذا علم أن آنية معينة من إنائه وإناء
الأمير نجس فإنه لو كان النجس ظرف الأمير لم يتوجه التكليف إليه لأنه خارج عن محل ابتلائه ومع هذا العلم لا يعلم بتوجه التكليف إليه
ولا تتم عليه الحجة ولا يحصل البيان بالنسبة إليه فهو مع هذا العلم كالشاك البدوي في عدم قيام الحجة عليه وعدم حصول البيان
بالنسبة إليه فلذا قالوا لو كان أحد أطراف العلم الاجمالي خارجا عن ابتلائه لما كان العلم الاجمالي منجزا ولما وجب الاحتياط ولا
تجري قاعدة الاشتغال وهكذا لو كانت أطراف العلم غير محصورة بحيث لا يعد عند العقلا هذا العلم مع هذه الأطراف الغير المحصورة
متما للحجة وقائما به البيان بالنسبة إلى أطرافه بل قد تعد رعايته مع هذا مستهجنا أو
104

موجبا للعسر أو لغير ذلك فلذا قالوا إن أطراف العلم لو كانت غير محصورة لم يجب اتباعه ولكن لما كان هذا غير معنون في النصوص
فلا يلزم علينا تحقيقه وبيان الضابطة له بل المعيار والميزان هو ما كان كثرة الأطراف بحيث كان هذا العلم في نظر العقلا غير منجز
للتكليف أو مستهجنا عند العقلا رعايته أو كان بحيث يوجب رعايته العسر والحرج المنفيين في الدين.
وبالجملة العلم بالتكليف الفعلي المتوجه إليه يوجب إتمام الحجة وإلا فمجرد العلم بالنجاسة والخمرية والحرمة لا يوجب العلم بتوجه
التكليف إليه وقد قالوا أيضا إنه لو اضطر إلى ارتكاب أحد الأطراف ثم حصل العلم له بأنه أو الطرف الآخر نجس أو حرام لم يوجب
الاجتناب لأنه باضطراره جاز ارتكاب الطرف المضطر إليه وحصول العلم نجاسة أو حرمة لا يؤثر بالنسبة إليه شيئا وبالنسبة إلى
الطرف الآخر كالشك البدوي نعم لو كان الاضطرار بعد توجه التكليف إليه يمكن أن يقال إنه لا يؤثر في جواز ارتكاب الغير المضطر
إليه فخلاصة الكلام أنه إذا علم بالتكليف الفعلي المتوجه إليه واشتبه في طرفين أو أطراف فقد تمت الحجة واشتغلت الذمة فيلزمه العقل
بالانقياد للمولى وامتثال حكمه لكن للمولى أن يجوز ارتكاب طرف أو أطراف بحسب المصالح التي عنده ولا أقول كما قال بعض بأن
حجية العلم سواء كان إجماليا أو تفصيليا بالذات ليست قابلة للنفي والاثبات ولكن أقول ما لم يجوز المولى لا يكون معذورا في ارتكابه
نعم قد يتخيل من بعض النصوص الصحيحة
105

أنه قد أجيز بارتكاب ما لم يعلم حرمته بعينه وذلك كقولهم عليهم السلام كل شي ذلك حلال حتى تعرف أنه حرام بعينه وكل شي فيه
حلال وحرام فهو لك جلال حتى تعرف الحرام منه بعينه ولكن لا يمكن العمل بظاهرها لأنه يستلزم تحليل المحرمات في أكثر الموارد
كمن يعلم مثلا أن أحدا من الامرأتين أخت له أو زوجة أبيه ومع ذلك لو تزوج كلا منهما قال إني لا أعلم حرمة كل واحد منهما بعينه أو علم
أن واحدا من الإناءين خمر فشرب كلا منهما واعتذر بأني لا أعلم حرمة كل واحد منهما وهكذا جميع المحرمات يرتكبها ويعتذر بمثل
ذلك فيلزم تخليل المحرمات الكثيرة العظيمة فلا بد أن يحمل هذين الخبرين على الموارد التي يعلم إجمالا بوجود الحرام فيها ولكن
كانت أفراده وأطرافه مما لم يكن محل الابتلاء كأكثر المعاملات التي نعامل مع أهل السوق ولكن نعلم بوجود الحرام في أكثرها وأغلب
مواردها إما من قبيل الشبهة المحصورة أو من قبيل الاشتباه الكثير في الكثير ولكن أفراده ليست محل ابتلاء لنا إلا الفرد الذي يقع في
أيدينا ولا نعلم إجمالا بوجود الحرام فيه ولذا قال الإمام عليه السلام في رواية - مسعدة بن صدقة كل شي لك حلال حتى تعلم أنه حرام
بعينه فتدعه من قبل نفسه وذلك مثل الثوب يكون عليك ولعله سرقة أو العبد يكون عندك ولعله حر قد باع نفسه أو قهر فيه أو خدع
فبيع أو امرأة تحتك وهي أختك والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البينة.
106

في دوران الامر بين المحذورين
قد سبق هذا 23 - فصل إذا دار الامر بين الوجوب والحرمة سواء كانت الشبهة حكمية أو موضوعية ولم يكن ترجيح قطعي لأحدهما فلا
يصح تعيين أحدهما بالخصوص فلا بد من أن يحكم بالتخيير بين الفعل والترك لأنه إذا لم تقم الحجة على الوجوب أو الحرمة لا يجوز
العقاب على واحد منهما ولا يخلو الانسان من الفعل والترك فلا يعاقب على واحد منهما وأما ما قيل من تقديم جانب الحرمة فيلزم
الترك لان رفع المفسدة أولى من جلب المنفعة ففيه أن بهذه الاستحسانات لا تقوم الحجة مع أن في الوجوب مصلحة ملزمة تكون فواتها
مفسدة
دوران الامر بين التعيين والتخيير
24 فصل إذا دار الامر بين التعيين والتخيير فقد يقال بأن التعيين كلفة زائدة يكون العقاب عليها بلا بيان فمقتضى الأصل عدمه ولكن
يمكن أن يقال إن ذلك لا يوجب الاجتزاء بالمشكوك والتخيير بينه وبين ما احتمل تعيينه فسقوط التكليف اليقيني وحصول اليقين
بالامتثال بالتكليف اليقين لا يتحقق إلا بالاتيان بما احتمل تعيينه
في بيان شروط الأصول العملية
25 (فصل في شروط أصل البراءة والاحتياط والتخيير)
107

الاحتياط
فيمكن أن يقال بأن العقل والنقل قد دل على حسنه فيحسن الاحتياط ما لم يوجب العسر والحرج واختلال النظام أو الوسواس أو ترك
الأمور المرغوبة الشرعية من تزاور الاخوان الديني ومعاشرتهم وإجابة دعواتهم نعم يمكن
[1]
أن يستفاد من بعض الأخبار أن
التضييق بالاحتياط في الموضوعات الخارجية لا يناسب بالشريعة السمحة السهلة التي بعث بها خاتم النبيين صلوات الله عليهم أجمعين
وأما أصالة البراءة
في الشبهات الموضوعية
فلا يشترط فيها الفحص والتجسس بلا إشكال ويدل عليه الأحاديث الشريفة وأما الشبهات الحكمية فلا إشكال في عدم التمسك
بالبراءة قبل الفحص عقلا ونقلا أما الأول فلانه ما لم يحرز عدم البيان لا تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان التي هي المستند لأصالة
البراءة العقلية أما الثاني فللأحاديث المستفيضة الامرة بتحصيل العلم والدالة على أنه الفريضة على كل مسلم ثم إن ظاهر بعض هذه الأخبار
هو أن تحصيل العلم واجب شرعا على كل مسلم في نفسه وإن كانت الحكمة فيه كونه مقدمة للامتثال كما يظهر من بعض آخر و
بذلك يندفع بعض ما أورد على وجوبه المقدمي بأن الواجب المشروط والموقت لا يجبان قبل الشرط والوقت وبعد الوجوب قد لا
يتمكن من تحصيل العلم فيفوت ذي المقدمة
[1]
وذلك كبعض الأخبار الدالة على أن الوضوء من فضل ماء المسلمين أحب من الوضوء من ماء كوز مخمر لان الشريعة سمحة سهلة و
كبعض الأخبار الدالة على أن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بالاجتناب عن اللحم أو الجلد المشترى من سوق المسلمين
108

بعدم التمكن من تحصيل العلم هذا مع أنه يمكن أن يقال بأن الايجاب في الموقت وتوجه الخطاب فعلي وحالي وإن كان الوجوب في
الاستقبال وبعد الوقت ولذلك يجب تحصيل مقدمات الحج في عام الاستطاعة قبل الوقت مع أن الوجوب أنما هو في الوقت ولذلك أيضا
يحب تحصيل المقدمات التي يفوت الموقت إذا لم يحصلها قبل الوقت فيستحق العقاب بذي المقدمة إذا ترك المقدمة التي يعلم بفوات ذي
المقدمة إذا لم يحصلها قبل الوقت لان الفوات جاء من قبله وباختياره فات ذو المقدمة بعدم إتيانه بمقدمته هذه بالنسبة إلى العقوبة لو
ترك الفحص والتعلم
وأما بالنسبة إلى الاحكام
فلا إشكال في وجوب الإعادة في صورة المخالفة لان جزئية شي أو شرطيته مثلا لا تقيد بالعلم بهما لان الجزئية والشرطية ما لم
تتحقق لم يتصور العلم بهما ولكن لا مانع بأن يكتفي المولى بما أتى به العبد في حال جهله ويسقط عنه التكليف سواء عاقب مع ذلك
بترك تعلمه أو لم يعاقب فلا إشكال في صحة عبادة الجاهل المقصر في صورتي الجهر والاخفات والاتمام في موضع القصر فلا يرد ما
اعترض في الكفاية بقوله إن قلت كيف يحكم بصحتها مع عدم الامر بها وكيف يصح الحكم باستحقاق العقوبة على ترك الصلاة التي
أمر بها إذا تمكن عما أمر بها كما هو ظاهر إطلاقاتهم بأن علم بوجوب القصر أو الجهر بعد الاتمام والاخفات وقد بقي من الوقت
بمقدار إعادتها قصرا أو جهرا ضرورة أنه لا تقصير هاهنا يوجب استحقاق العقوبة فإن الصحة أنما هي لاكتفاء المولى بها ومن المعلوم
أنه لا يكتفى بها إلا إذا اقتضت المصلحة
109

ذلك ولا دليل في النصوص الدالة على الاكتفاء على العقوبة بمخالفة الواقع حتى فيما إذا أمكن الاتيان بهما في الواقع فيمكن أن يقال
بعدم العقوبة واستحقاقها في هذه بالنسبة إلى الجهل بالجزئية أو الشرطية.
أما نسيانهما أو نسيان الجز أو الشرط فيمكن أن يقال بالصحة في الصلاة فيما عدا الأركان بحديث لا تعاد الصلاة إلا من خمسة وفي
غيرها أيضا بحديث الرفع فيما إذا كان عموم أو إطلاق يدل على الجزئية والشرطية فضلا عما لم يكن لكن هذا إذا عممناه لجميع الآثار
التي يمكن رفعها كما دلت عليه الصحيحة الأخرى ثم إن هذا لا ينافي ثبوت الآثار التي موضوعها النسيان أو الخطأ أو الغفلة فإنها لا
يتعقل رفعها بحديث رفع الخطأ والنسيان.
ثم إنهم ذكروا لأصل البراءة شرطين آخرين
أحدهما أن لا يكون موجبا لثبوت حكم شرعي آخر
ولا يخفى عليك أن أصل البراءة الذي منشؤه قبح العقاب بلا بيان لا يحكم به إلا بمعذورية الجاهل وعدم العقاب عليه لو كان في الواقع
حكم وجوبي أو تحريمي ولا يحكم بعدمها واقعا حتى يترتب عليه آثار أخر واقعية فلو كان للمعذورية آثار فلا بد أن يحكم بها فلا
معنى لهذا الاشتراط
ثانيهما أن لا يكون موجبا للضرر على آخر
وفيه أن كل مورد يكون فيه الضرر الذي لم يجوزه الدين المبين بما دل على نفي الضرر فيه من الأحاديث الشريفة فقد حصل البيان و
تمت الحجة وارتفع الجهل و
110

ارتفع الموضوع فلا يبقى محل للاشتراط إلا أن يكون مقصودهم من الاشتراط هذا المعنى تجوزا وتسامحا ومع ذلك فالأولى أن يقال
إن أصل البراءة أنما يجري فيما لم يكن دليل يبين التكليف ويرتفع به العذر ومع وجود الدليل يرتفع موضوع الأصل وسنبين في
مبحث الاستصحاب أن الأدلة الاجتهادية واردة على الأصل لكونها بيانا في موردها فلا مجرى لأصالة البراءة مع وجوده وحيث انتهى
الكلام إلى هنا وتمت مباحث البراءة والاشتغال والتخيير بعون الله وتوفيقه فلا بأس بالإشارة إلى قاعدة الضرر على الاختصار
الكلام في قاعدة الضرر
فنقول أما مدركها
فنصوص مستفيضة منها ما في موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أن سمرة بن جندب كان له عذق في حائط رجل من الأنصار و
كان منزل الأنصاري بباب البستان وكان سمرة يمشي إلى النخلة ولا يستأذن فكلمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاءه فأبى سمرة فجاء
الأنصاري إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فشكا إليه فأخبر بالخبر فأرسل رسول الله وأخبره صلى الله عليه وآله بقول الأنصاري
وما شكاه فقال إذا أردت الدخول فاستأذن فأبى فساومه حتى بلغ من الثمن ما شاء الله فأبى أن يبيعه فقال لك بها عذق في الجنة فأبى
أن يقبل صلى الله عليه وآله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للأنصاري اذهب فاقلعها وارم بها إليه فإنه لا ضر ولا ضرار.
وفي رواية أخرى مثل ذلك (إلا أن فيها بعد الاباء) قال صلى الله عليه وآله ما
111

أراك يا سمرة إلا مضارا اذهب يا فلان فاقلعها وارم بها وجهه وقد نقل تواتر الاخبار بنفي الضرر عن فخر المحققين قدس سره ومع
استفاضتها وعمل المشهور بها وتوثيق بعضها وادعاء تواترها المعنوي عن مثل الفخر لا وجه للخدشة في سندها للاطمئنان أو القطع
بصدور نفي الضرر عن النبي صلى الله عليه وآله
وأما الكلام في معناه
فيقع في جهتين الجهة الأولى في معنى الضرر والضرار الثانية في معنى الواقع فيه أما الأولى فالضرر معناه واضح عرفا ولغة والنبي
صلى الله عليه وآله لم يتكلم إلا بما يعرفه أهل العرف واللغة وأما الضرار فقد يقال إنه بمعنى الجزاء على الضرر وفيه أنه لا يطلق على
الجزاء الضرار الذي هو المصدر من باب المفاعلة مع أنه ليس بمنفي شرعا وقد يقال إنه بمعنى المضارة بين الاثنين كما هو مقتضى
الأصل في باب المفاعلة ولكن الظاهر من قوله في الرواية الأخرى إنك رجل مضار أن المقصود ليس المضارة بمعنى المفاعلة فالظاهر
أنه بمعنى الضرر جي به تأكيدا ولو فرض أنه بمعنى المضارة التي نقع بين الاثنين فلا يفيد أيضا معنى زائدا عن نفي الضرر عن كل
منهما وهو مستفاد من معنى نفي الضرر أيضا والله العالم
ثم إنه يقع البحث أيضا في مقامات
الأول في معنى نفي الضرر
مع أنه ليس بمنفي حقيقة فمنهم من قال إن المراد نفي الحكم الضرري ومنهم
112

من قال إن المراد نفي الضرر الغير المتدارك ومنهم من قال إن المراد من النفي النهي وقد قال صاحب الكفاية إن الظاهر منه نفي
الضرر ادعاء بلحاظ نفي الآثار كما هو في نظائره نحو لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ولا صلاة إلا بطهور فإن الظاهر منهما
نفيها ادعاء بلحاظ نفي الحكم والصفة لا نفي الحكم أو الصفة بتقدير واحد منهما فإنه لا يناسب البلاغة ويمكن أن يقال الظاهر من نفي
الضرر نفي الحكم حقيقة لا باعتبار التقدير لان دين الاسلام في الحقيقة عبارة عن العقائد الحقة والاحكام الإلهية ولا ضرر حقيقة فيها
لأنه لم ينشأ حكم ينشأ منها الضرر فوجود الضرر فيها مثلا أنما يكون بإيجاب وضوء يوجب الضرر أو غسل ينشأ منه أو صوم يضر فنفي
الضرر في الاسلام في الحقيقة أنما هو باعتبار عدم جعل هذه الأحكام التي يولد الضرر فبعدم جعلها ينتفي الضرر حقيقة في الاسلام
المقام الثاني في لحاظ النسبة بين أدلة الضرر وأدلة سائر الأحكام
فنقول أدلة سائر الأحكام ناظرة إلى الأحكام الثابتة لموضوعاتها بعناوينها الأولية وأدلة الضرر ناظرة إلى العنوان الثانوي الطارئ
عليها فلا تعارض بينهما ولا يلاحظ نسبة العموم بينها وبين سائر الأدلة حتى يقال إن بينهما عموم من وجه وليست أدلة نفي الضرر و
العسر والحرج وأمثالها بمنزلة المفسر لسائر الأدلة حتى يقال إنها حاكمة عليها إلا أن يراد بالحكومة ما قلنا مثلا أدلة الوضوء والغسل
وأمثالهما موضوعاتها العناوين الأولية بذاتها وهذه العناوين موضوعات طارئة لها أحكام
113

باعتبار هذه العناوين الثانوية فلا تعارض بينهما
المقام الثالث إذا تعارض العناوين الثانوية بعضها مع بعض
ولم يظهر من دليل خارج ترجيح أحدهما على الاخر فيتساقطان فيرجع إلى القواعد الأخرى إلا أن يكونا من باب تزاحم المحرمين أو
الواجبين فيرجح أهمهما وأقواهما وإذا تعارض الضرران بالنسبة إلى الغير بحيث كان كل واحد منهما غير جائز في أنفسهما فيكونان
من باب تزاحم المحرمين الذين اضطر إلى ارتكاب واحد منهما وإذا تعارض ضرر نفسه مع ضرر غيره كأن كان عدم تصرفه في ملكه
ضررا على نفسه وتصرفه ضررا على غيره فلا يدل نفي الضرر على ترجيح واحد منهما فيرجع إلى القواعد الأخرى المستفاد من قوله
عليه السلام الناس مسلطون على أموالهم وأمثاله
المقام الرابع
أن أدلة نفي الضرر ونفي الخطأ ونفي النسيان ونفي الحرج لا ينفي الاحكام التي موضوعاتها هذه العناوين بل ينفي الأحكام الثابتة
للموضوعات الأولية بواسطة طرو هذا العناوين الثانوية لان الحكم لا ينفي عن موضوع نفسه - قد تمت الرسالة في البراءة والاحتياط و
التخيير وقاعدة الضرر على نحو الاقتصار والتهذيب فمن وجد فيه خلل فليصلحه بلطفه وإلا فليصفح عنه كريما والله العالم بحقائق
الأمور
الكلام في تعريف الاستصحاب
25 فصل في الاستصحاب وهو الحكم ببقاء حكم أو موضوع
114

شك في بقائه بعد اليقين بوجوده السابق وقد أطالوا في تعريفه وفي النقض والابرام فيه والحق ما قاله صاحب الكفاية إن هذه كلها لا
طائل تحتها وتعريفه من قبيل شرح الاسم فهو كالتفسير اللفظي لا يقدح فيه عدم كونه مانعا للاغيار وكذا لا طائل في البحث في أنه
كيف ينطبق بمسائل أصول الفقه
وإنما المهم هو البحث عن حجيته
فنقول قد اختلفوا في حجيته على أقوال فمنهم من قال بحجيته في الموضوعات دون الاحكام ومنهم من قال بحجيته مطلقا ومنهم من
نفاها مطلقا ولا فائدة مهمة لنا أيضا في نقل مدارك الأقوال وفي النقض والابرام والأقوى حجيته مطلقا
وأقوى ما نعتمد عليه فيما نختاره هو ما روي مستفيضا
عن معادن الوحي والأئمة الهدى الذين هم مصابيح الدجى عليهم السلام فقد ورد في روايات صحيحة عن زرارة أنه عليه السلام قال ولا
ينقض اليقين بالشك وهي ظاهرة في كون قوله عليه السلام هذا في مقام بيان كبرى كلية ارتكازية فطرية أمضاها الشارع وليس هو
مخصوصا بمورده ويقوى هذا الظهور مع ماله من الظهور في نفسه ورود هذا اللفظ في موارد متعددة فمعناه بناء على هذا أنه إذا تيقن
بموضوع أو حكم كان سابقا ثم شك في بقائه فلا ينقض يقينه برفع اليد عنه بل يعمل بمقتضى يقينه بترتيب آثار الموضوع إن كان
المشكوك الموضوع وبالعمل بنفس الحكم إن كان المشكوك الحكم ولا يختص ذلك بالشك في طرو المانع مع إحراز المقتضى بناء
على أنه بعد إحراز المقتضى مما له في نفسه استحكام فيكون أقرب إلى النقض بل يعم الشك في المقتضى لان اليقين من حيث نفسه
كالعهد له استحكام
115

فيصدق النقض عليه إذا لم يحكم بترتيب آثاره السابقة من حيث مرآتيته آليته ونحن نذكر من هذه الصحاح واحدة تيمنا وتبركا فمن
أراد الاطلاع عليها كلها فليراجع الكفاية أو الوسائل منها صحيحة زرارة قال قلت له الرجل ينام وهو على وضوءا يوجب الخفقة و
الخفقتان عليه الوضوء قال عليه السلام يا زرارة قد ينام العين ولا ينام القلب والاذن وإذا نامت العين والاذن فقد وجب الوضوء قلت
فإن حرك في جنبه شي وهو لا يعلم قال لا حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجي من ذلك أمر بين وإلا فإنه على يقين من وضوئه ولا
ينقض اليقين بالشك أبدا ولكن تنقضه بيقين آخر ولا يضر إضمار الرواية لان الاضمار أنما حصل من تقطيع الاخبار من مصنفي الكتب
الأربعة التي جمعت وألفت من أصول أصحاب الأئمة التي دونوا فيها ما ورد عنهم صلوات الله عليهم أجمعين وقد علم مما ذكرناه أن
الاستصحاب يجري في الموضوعات والاحكام مطلقا وفي الشك في المانع وفي الشك في المقتضي فلا نتعرض لباقي الأقوال و
الاستدلال عليها والنقض والابرام كما لا نتعرض لسائر الاخبار والأدلة التي استدل بها على ما اخترناه لكفاية ما أشرنا إليه عنها و
لان أكثرها لا تخلو عن خدشة ثم اعلم وفقك الله لما يحب ويرضى أن صاحب الكفاية بعد ما فرغ عن إثبات حجية الاستصحاب عنون
الأحكام الوضعية وجعلها على أقسام ثلاثة. منها ما لا يكاد يتطرق الجعل التشريعي لاتبعا للتكليف ولا استقلالا ومنها ما لا يكاد الجعل
التشريعي إلا تبعا ومنها ما
116

يمكن الجعل فيه استقلالا بإنشائه وتبعا للتكليف بكونه منشأ لانتزاعه وإن كان الصحيح انتزاعه من إنشائه وكون التكليف من آثاره و
أحكامه وجعل الأول السببية والشرطية والمانعية لما هو سبب التكليف وشرطه ومانعه ورافعه واستدل عليه بأن اتصافها بها لا
يكون إلا لما عليها من الخصوصية المستدعية لذلك تكوينا للزوم أن يكون في العلة بأجزائها من ربط خاص به كانت مؤثرة في معلولها
لا في غيره ولا غيرها فيه وإلا للزم أن يكون كل شي مؤثرا في كل شي وهذه الخصوصية لا توجد بالانشاء التشريعي نعم توجد
بالايجاد التكويني تبعا لايجاد موضوعه فإن دلوك الشمس مثلا قبل قوله أقم الصلاة لدلوك الشمس أما واجد لهذه الخصوصية أو فاقد
فإن كان واجد فلا يوجد بهذا القول لأنه تحصيل الحاصل وكذا إن كان غير واجد فلا يوجد بمجرد إنشائه التشريعي ومنه يتضح عدم
انتزاع السببية له حقيقة من إيجاب الصلاة عنده لعدم اتصافه بها بذلك ضرورة نعم لا بأس بإطلاق السبب عليه مجازا أقول أما الأسباب
والشروط والموانع والروافع التكوينية من الاحكام والتكاليف ليست من الأحكام الوضعية التي هي محل البحث للاعلام وأما الأسباب
والشروط والموانع الشرعية للتكاليف فقد قالوا إنها ليست في الحقيقة عللا حقيقة وإنما هي معرفات و علامات ولا شك أن الشارع
جعل الاستطاعة شرطا للحج بمعنى أنه ما لم يستطع لم يجب عليه الحج والجنابة وغيرها سببا لوجوب الغسل بمعنى أنه إذا حصلت هذه
الأسباب وجب غسل جنابة وأمثالها وللصلاة مثلا فما لم توجد هذه
117

لم يجب الغسل فبوجودها أنما وجب الغسل فالسببية والشرطية والمانعية التكوينية ليست من الأحكام الشرعية والتقسيم إلى الوصفي
والتكليفي أنما هو في الحكم الشرعي لا الأعم من التكويني والشرعي هذا ثم إنه جعل من القسم الثالث الحجية والقضاوة والولاية و
النيابة والحرية والرقية والزوجية والملكية إلى غير ذلك حيث إنها وإن كانت من الممكن انتزاعها من الأحكام التكليفية التي تكون
في مواردها ومن جعلها بإنشاء أنفسها إلا أنه لا يكاد الشك في صحة انتزاعها من مجرد جعله تعالى أو من بيده الامر من قبله بل دلالتها
بإنشائها بحيث يترتب عليها آثارها كما يشهد به ضرورة صحة انتزاع الملكية والزوجية والطلاق والعتاق بمجرد العقد أو الايقاع
ممن بيده الاختيار بلا ملاحظة التكاليف والآثار ولو كانت منتزعة لما كاد يصح اعتبارها إلا بملاحظتها وللزم أن لا يقع ما قصد و
وقع ما لم يقصد كما لا ينبغي أن يشك في عدم صحة انتزاعها من مجرد التكليف به في موردها فلا ينتزع الملكية من إباحة التصرفات و
لا الزوجية من جواز الوطئ فانقدح بذلك أن مثل هذه الاعتبارات أنما تكون مجعولة بنفسها يصح انتزاعها بمجرد إنشائها كالتكليف لا
مجعولة بتبعه ومنتزعة عنه انتهى ما ذكره في هذا القسم وهو حق لا مرية فيه وجعل من القسم الثاني الجزئية والشرطية والمانعية و
القاطعية لما هو جز المكلف به وشرطه ومانعه وقاطعه حيث إن
118

اتصاف شي بجزئية المأمور به أو شرطيته أو غيرهما لا يكاد يكون إلا بالامر بجملة أمور مقيدة بأمر وجودي أو عدمي ولا يكاد
يتصف شي بذلك أي كونه جز أو شرطا للمأمور به إلا بتبع ملاحظة الامر بما يشتمل عليه وما لم يتعلق الامر بها كذلك لم يتصف
بالجزئية والشرطية فإن إنشاء الشارع الجزئية أو الشرطية وجعل الماهية وأجزائها قبل ذلك ليس إلا تصوير ما فيه المصلحة المهمة
الموجبة للامر بها فبمجرد التصور لا يتصف بها وإن اتصف بالجزئية أو الشرطية للمتصور ولا تتصف بالجزئية والشرطية للمأمور
به ما لم يقع الامر بشئ مشتمل عليها وبعد الامر كذلك يتصف بها بلا حاجة إلى جعلها وبدون الامر كذلك لا يتصف بها وإن اتصف
بالجزئية للمتصور أو لذي المصلحة انتهى قلت ما ذكره أن شيئا لا يتصف بالجزئية أو الشرطية للمأمور به ما لم يقع الامر بشئ مشتمل
عليها وبعده يتصف بها بلا حاجة إلى جعلها حق بالنسبة إلى عنوان المأمور به كما أن نفس الصلاة لا يتصف بعنوان المأمور به إلا بعد
الامر بها ولكنها في نفسها موضوعة من الموضوعات لا بد من تحققها قبل وقوع الامر بها والمراد من تحققها ليس وجودها الخارجي
لان الامر بالوجود الخارجي تحصيل الحاصل بل تحققها الموضوعي ولا شك أنها من المجعولات المركبة وليست من الماهيات الغير
المجعولة ولا من الماهيات البسيطة فجعل الماهية المركبة عين جعل أجزائها وشرائطها وهو قبل الامر والامر بها كاشف عن جعل
أجزائها ومن المعلوم أن الصلاة من المجعولات الشرعية وكذا أجزاؤها فكما
119

أن نفس الصلاة مجعولة قبل الامر بها ليتحقق الماهية فكذلك أجزاؤها قبل الامر بها إذا عرفت هذا فقد اتضح لك أنه لا فرق في الحكم
التكليفي والوضعي مطلقا من جهة جريان الاستصحاب فيه أو في موضوعه
فلنشرع في التنبيهات التي ذكروها
(الأول)
لا ريب أن قاعدة الفراغ وإن الشك لا يعبأ به إذا شك بعد ما فرغ كسائر القواعد المعتبرة على خلاف الاستصحاب كقاعدة حمل
المعاملات والعقود الصادرة عن المسلمين أو مطلقا على الصحة وكقاعدة اليد مقدمة على الاستصحاب فإن معنى اعتبارها تقدمها على
الاستصحاب وإلا لما كان لها مورد وإن شئت عبرت عن ذلك بالحكومة وقلت إنها حاكمة على الاستصحاب فإذا شك بعد الصلاة أنه
كانت متطهرة قبل الصلاة أو لا فيحكم بصحة صلاته التي صلاها ويتطهر للصلاة التي لم يصلها لان قاعدة الفراغ أنما تجري بالنسبة
إلى ما صلاها لا ما لم يصلها فيستصحب الحدث نعم لو التفت قبل الصلاة ثم غفل عنها بعد ما كان مكلفا بالتطهير لم تجر قاعدة الفراغ
لان موردها ليس ما كان غافلا عن التكليف الفعلي بعد ما كان متوجها إليه قطعا
(الثاني)
إذا قامت أمارة معتبرة بالأدلة اليقينية على حكم من الاحكام أو على موضوع من الموضوعات ثم شككنا في زواله لما كان ينبغي أن
ننقض يقيننا الذي كنا عاملين به لما عرفت في أول الرسالة من أنه أنا لا نعمل إلا باليقين ولا نحكم أبدا بالظن فإن الظن لا يغني من الحق
شيئا فإذا قامت الأدلة التيقنية على اعتبار أمارة وعلمنا يقينا أنه حكم الشارع
120

وحكم بالعمل بمؤداها ولو كان معنى الحكم الظاهري أنها عذر عند المخالفة وعين الحكم الواقعي عند الإصابة وشككنا في زواله لما
كان ينبغي أن ننقض يقيننا السابق وينبغي لنا أن نستصحب ما حكم به الشارع لو شككنا في زواله ولا يلزم علينا أن نتكلف ونقول
كما قال صاحب الكفاية يكفي في صحة الاستصحاب الشك في بقاء شي وإن لم يحرز ثبوته فيترتب عليه آثار البقاء فيما شك في بقائه
على تقدير الثبوت لأنه لا يقين بالحكم في مورد الامارات بناء على ما اختاره من أن الاحكام الظاهرية ليست في الحقيقة أحكاما فعلية في
قبال الواقع وإنما هي في مورد تصادفها عين الأحكام الواقعية وفيما لم يتصادف عذر
(الثالث)
لا ريب أن وجود الكلي بوجود فرده وقوام كل جنس بفصله فلا يصح استصحاب الكلي بعد ذهاب فرده بواسطة احتمال قيام فرد آخر
مقامه ولا استصحاب الجنس بعد ذهاب فصله لاحتمال قيام فصل آخر مقامه لان كلا منهما لو فرض فإنما هو حادث آخر وموجود على
حدة شك في وجود حدوثه والموجود الأول قد زال يقينا فلا يستصحب فلا يصح استصحاب المرجوحية بعد نسخ الحرمة يقينا ولا
استصحاب الرجحان بعد نسخ الوجوب قطعا وتوهم أن الوجوب والحرمة هو شدة الطلب وشدة النهي فالفرد الباقي على فرض بقائه
عين السابق فإذا شك جرى الاستصحاب مدفوع بأنه على فرض صحته ليس في نظر العرف عين السابق فإنما هو تدقيق لا عبرة به في
مفاد الألفاظ وفي صدق نقض اليقين الواقع في الاخبار نعم لو شك في بقاء كلي من جهة فرده المردد بين الموجود في السابق بين
الذاهب قطعا وبين الباقي قطعا وكان للكلي آثار استصحب
121

ذلك الكلي للشك في زواله من جهة تردد الموجود السابق بين الزائل قطعا وبين الباقي قطعا وقد يكون أيضا الافراد المتدرجة في
الوجود يعد في نظر العرف وجودا واحدا فيستصحب الماء مثلا لصدق الشك في بقائه عرفا كالماء الجاري الذي يشك في بقاء جريانه
فإن الافراد المتدرجة في الوجود منه ولو كان يزول آنا ف آنا ولكنها في نظر العرف وجود واحد يشك في زواله فيمكن أن يقال
جريان باستصحاب الماء إذا شك في بقائه
(الرابع)
يمكن استصحاب الليل والنهار والشهر ما لم يعلم بانقضائها كما يدل عليه قوله عليه السلام صم للرؤية وأفطر للرؤية إما لان الزمان و
إن كان من الأمور الغير القارة ينعدم آنا ف آنا إلا أنه ما لم يخلل بينهما فصل يعد عرفا وجودا واحدا فإذا شك في انقضاء هذا الوجود
المتدرج يصدق عليه الشك في البقاء فيكون مشمولا لاخبار الاستصحاب ويمكن أن يقال إن الليل والنهار والشهر كون واحد ووجود
واحد في نظر العرف وفي الحقيقة لأنها عبارة عن الحركة الوسطية بين المبدأ والمنتهى فإذا شك في بقائها فيكون بالنظر العرفي و
بالنظر الدقيق موردا للاستصحاب وبالجملة المعيار في الاستصحاب هو تحقق موضوعه عرفا والشك في البقاء بعد اليقين به فيترتب
عليه أحكامه ومن ذلك يعلم أن الفعل الموقت في الأدلة الشرعية إذا شك في بقاء وقته يستصحب وأما الشك فيه بعد الوقت فإنه لا يصدق
عليه الشك في البقاء فلا يستصحب بعد الوقت لان ما قطع غير ما شك فليس هو شكا في البقاء
122

(الخامس)
لا ريب أن صدق الشك في البقاء وعدم نقض اليقين بالشك أنما يكون مع اتحاد الموضوع في استصحاب الحكم والموضوع فلو شككنا
في وجود زيد مثلا فلا يثبت هو ولا آثاره باستصحاب بقاء وجود عمرو وأيضا كما لا يجوز استصحاب الحكم المقيد في الدليل بوقت
بعد انقضاء وقته فكذا لا يجوز استصحاب الحكم المترتب على موضوع معنونا بعنوان في دليل هذا الحكم بعد فقدانه وفي الحقيقة أنما
جعل الموضوع هذا العنوان فإذا فقد فلا يستصحب الحكم لأنه ليس في الحقيقة استصحاب الحكم الأولي لان بقاء الحكم ببقاء موضوعه و
مع فقدان موضوعه لا معنى لبقائه ولو ثبت فإنما هو نظير الحكم الأولي ولا يجوز هذا إلا بدليل آخر وإلا فيكون قياسا
(السادس)
كما يثبت بالاستصحاب الأحكام المطلقة أي الاحكام التي لم يقيد بشرط فكذا يثبت به الاحكام المعلقة والمقيدة بشرط بعد وجود
شرطه مثلا لو علمنا وجوب الحج لزيد لو كان مستطيعا ولكن لم يكن مستطيعا ثم حصل الاستطاعة وفرضنا أننا شككنا في بقاء هذا
الحكم في زمن الاستطاعة فيستصحب بقاؤه فيحكم بوجوب الحج عليه ومن هذا القبيل الشك في العصير الزبيبي إذا غلا فإنه لا شك أن
العصير العنبي لو غلا يحرم ولكن إذا شككنا في بقاء هذا الحكم في ما إذا صار زبيبا فيستصحب حكمه ونحكم عليه بالحرمة في صورة
غليانه لان الاحكام المستصحبة لا فرق فيها بين الأحكام المطلقة أو المقيدة بالشرط بعد وجوده نعم لو كان الموضوع في دليل إلى
الحكم بالحرمة أو لا هو عنوان العنب وبعد
123

تبدله بالزبيب انتفى الموضوع المأخوذ في الدليل فلا يكون من الاستصحاب بشئ وهذا غير ما نحن فيه والمعيار في اتحاد الموضوع
واتحاد القضيتين هو نظر العرف فإذا كان الموضوع في الدليل عنوانا خاصا فلا تتحد القضيتان مع انتفاء العنوان الخاص كما لا اتحاد
في القضيتين إذا قيدت القضية الأولى بوقت خاص ثم شك بعده
(السابع)
يسمع كثيرا أن أصل المثبت ليس بحجة ومعناه أنه إذا كان للمستصحب لوازم عادية أو عقلية فلا يحكم بثبوت هذه اللوازم حتى يترتب
عليه آثار هذه اللوازم مثلا لو كان لبقاء زيد لوازم عادية أو عقلية من وجود الحية والأولاد وغيرها فلا يحكم باستصحاب حياة زيد
بثبوت اللحية له والأولاد والزوجة له حتى يترتب عليه آثارها بل يحكم فقط بثبوت الآثار الشرعية لحياة زيد ولبقائه من عدم تقسيم
أموال له وإنفاق زوجته من ماله وبثبوت الإرث له لو مات من أقاربه أحد إلى غير ذلك من الآثار الشرعية للمستصحب وذلك لان
العمدة فيما استندنا إليه في حجية الاستصحاب هو الاخبار الشريفة الناهية عن نقض اليقين بالشك اللاحق وهو أنما يدل على لزوم
ترتب الآثار الشرعية للمستصحب إن كان موضوعا وترتب نفس الحكم إن كان المستصحب حكما وبعبارة أخرى هذه الأخبار تدل
على إنشاء الاحكام المماثل للاحكام الأولى في استصحاب الاحكام ولاحكام المستصحب في استصحاب الموضوعات ولا يدل على أزيد
من ذلك من الحكم بترتب الأحكام الشرعية للوازم العادية أو العقلية
124

للمستصحب ولا دليل على حجيته من باب الظن ولا على حجيته كالامارات الشرعية من البينة وغيرها حتى يترتب عليها مطلق الآثار
نعم لو كان لنفس الحكم الثابت بالاستصحاب آثار عقلية من لزوم اتباعه واستحقاق العقاب بمخالفته وإتمام الحجة به تترتب هذه الأحكام
والآثار لأنها آثار ولوازم ثابتة لنفس الحكم الثابت بالاستصحاب واللوازم لا ينفك عن ملزوماتها فلذا لو استصحب عدم
الوجوب أو عدم الحرمة يترتب عليه عدم العقاب عليه فلا يصح الاشكال بأنه ليس من الآثار الشرعية للحكم المستصحب.
(الثامن)
أن الأصول الحقة والعقائد الدينية من التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد التي طلب الله فيه اليقين قد نصب عليها الدلائل اليقينية وإلا
فليس اليقين مما يتعبد فيه وهو لا يحصل ما لم يكن له دلائل توصل إليه فليست حجة فيها إلا الدلائل القطعية فلا يصح الاستدلال فيها
بالأمارات الشرعية من الاخبار والظواهر اللفظية فضلا عن الأصول العملية كالاستصحاب لان أقصى ما دل عليه دلائل اعتبارها هو
ترتيب الآثار العملية على مؤداها ولا دليل على وجوب الالتزام بمفادها مع قطع النظر عن اليقين بمؤداها وقد عرفت أن الله لا يكلف
باليقين إلا بعد نصب البينات الواضحة التي توصل إليه وأما استدلال الكتابي في قبال الحجة الإلهية الباهرة صلوات الله عليه) بأن نبوة
عيسى مسلمة بيننا وبينكم فعليكم بإثبات نبوة نبيكم ليس راجعا إلى الاستصحاب الذي هو من الاحكام الفرعية الثابتة التي لا نقول بها
إلا بعد ما ثبت عندنا حجية الاخبار المروية
125

عن أئمتنا صلوات الله عليهم بل معناه أن نبوة عيسى من اليقينيات التي بيننا وبينكم فهي لا تحتاج إلى الاثبات أنما المحتاج إلى الاثبات
نبوة نبيكم فعليكم الاثبات.
وجوابه أولا أنه إنما اعتقدنا بنبوة عيسى بتصديق نبينا وقرآنه فتصديق عيسى فرع تصديق نبينا وإلا فليس لنا دليل يقيني يوصلنا
إليه وأنتم إن كنتم تعتقدون بنبوته لتصديق نبينا المكرم صلى الله عليه وآله فيلزم عليكم الاعتقاد أولا بنبوته صلى الله عليه وآله وإن
كنتم تستندون فيه بدليل آخر فبينوه وما كنتم تبينونه وثانيا أن المسمى بعيسى في الدنيا كثير ونحن لا نعتقد بنبوة كلهم وإنما
نعتقد بنبوة عيسى الذي أخبر بنبوة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وهذه الأجوبة التي ذكرناها استفدناها من بركة ما قاله ثامن
الحجج صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه
(التاسع)
أنه لا يرفع عن اليقين السابق ولا ينقض إلا باليقين كما ورد في النص الصحيح فلو كان ظن على خلافه من دون أن يقوم دليل على
اعتباره فهو والشك سيان لأن الشك في اللغة والعرف يشتمل الظن مع أنه قد نص الإمام عليه السلام على ما في الصحيح أن اليقين لا
ينقض إلا
126

باليقين نعم لو قامت أمارة معتبرة على خلافه فينقض بها لان الدليل القطعي إذا قام على اعتبارها ففي الحقيقة أنما نعمل باليقين فاليقين
ينقض باليقين فإن شئت قلت إن دليل اعتبارها بتنزيلها منزلة اليقين حاكم أو كالحاكم على دليل اعتبار الاستصحاب نعم الاستصحاب
بدليل اعتباره حاكم أو وارد على أصالة البراءة لأنها فيما إذا لم يكن بيان من المولى والاستصحاب بدليل اعتباره بيان منه.
(العاشر)
لو تعارض استصحابان كان في أحدهما الشك مسببا عن الاخر كما إذا شك في طهارة الثوب النجس المغسول بالماء المستصحب
طهارته فإن الشك في طهارة الثوب مسبب عن طهارة الماء فإذا استصحب طهارته فلا يبقى محلا للشك في طهارة للثوب لأنه مغسول
بالماء المحكوم فيه بالطهارة شرعا فيكون نقض اليقين بنجاسة الثوب سابقا باليقين بطهارته شرعا فلا يكون استصحاب نجاسته
معارضا باستصحاب طهارة الماء ولو كانا في عرض واحد وكان العمل بهما مخالفا للتكليف الفعلي المعلوم إجمالا كما إذا علم بوقوع
قطرة من البول في أحد الإناءين المملوين بالماء فإن العلم بالتكليف الفعلي المنجز أعني وجوب الاجتناب عن النجس اليقين يمنع عن
إجراء الاستصحاب من كليها وفي واحد منهما لان الأول مخالفة قطعية للتكليف المعلوم بينهما والثاني مع أنه ترجيح بلا مرجح مخالفة
احتمالية للتكليف المنجز ونظيره في التكاليف المستقلة العلم بوجوب واحدة من صلاة الظهر أو الجمعة في يوم الجمعة فلا يجوز إجزاء
أصالة عدم وجوب الظهر وأصالة عدم وجوب الجمعة ولا
127

يجوز أيضا أصالة عدم الوجوب في واحدة منهما بعينه لأنها ترجيح بلا مرجح ومخالفة احتمالية للتكليف المنجز وأما إذا كان التعارض
بعدم إمكان العمل بهما لا للعلم بمخالفة أحدهما الواقع كاستصحاب وجوب أمرين حدث بينهما التضاد في زمان الاستصحاب فهو
كتزاحم واجبين يقدم أهمهما أو يخير.
(الحادي عشر)
لو توارد حادثان على محل واحد وكانا هما أو آثارهما متضادين فلا يحكم بواسطة إعادة عدم حدوثه في زمان الاخر وأصالة عدم
حدوثه في زمان ذلك بتقارنهما أو تأخر كل واحد منهما بالخصوص أو تقدمه مثلا في الغريقين أو الحريقين وأمثالهما لو كانا أبا وابنا
إذا لم يعلم تقارن موتهما أو تأخر واحد منهما بالخصوص فأصالة عدم موت الأب في زمان موت الابن لا يثبت تقدم موت الابن وتأخر
موت الأب حتى يرثه الأب منه وكذا العكس ولا تقارنهما حتى يتوارثان لان الاستصحاب والأصول العملية لا يثبت به موضوع من
الموضوعات الخارجية نعم يمكن أن يقال في المثال المذكور إن أصالة حياته في زمان موت الاخر يقتضي إرثه منه شرعا فجريان
الأصل في كل من الطرفين يقتضي إرثه منه شرعا وهو يقتضي توارثهما فالنقل الوارد في إرث كل منهما الاخر ليس على خلاف القاعدة
فيتعدى إلى غير مورده نعم لو كان لخصوص التقدم والتأخر أثر لا يثبت ذلك بواسطة الاستصحاب المذكور كما لا يثبت به التقارن
هذا ولكن الحكم بالتوارث بواسطة الاستصحاب مع قطع - النظر عن النص يوجب العلم بمخالفته الواقع لأنهما إن كانا متقارنين في
128

المورث فلا توارث بينهما لان الإرث في صورة حياة الوارث عند موت المورث وإن لم يكونان متقارنين بل يكون أحدهما في الواقع
مقدما فالحكم بتوريثه خلاف الواقع فالحكم بتوارثهما لا بد أن يقتصر على مورد النص
(الثاني عشر)
لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب في مقام دلالة مثل العام على خلافه لان ظهور اللفظ من الامارات المعتبرة المقدمة على
الاستصحاب وغيره من الأصول العلمية لكن الاشكال قد يقع إذا خصص العام بزمان في أن ما بعد هذا الزمان هل يتمسك بالعام أو
الاستصحاب والأولى أن يقال إن العام إذا كان أفراده الاشخاص لا الأزمان ثم خصص فرد منها وكان زمان منه متيقن الحكم تم شك
فحينئذ يستصحب حكم الفرد المخصص لأن الشك حينئذ ليس في التخصيص بل في بقاء حكم الفرد المخصص أما إذا كان العام أفراده
الأزمنة وخصص زمان منها ثم شك فيما بعدها فالأصل يقتضي عدم التخصيص هذا إذا لم يكن في الدليل المخصص التقييد بوقت وإلا
فالاستصحاب لا يجري في الأول أيضا فليكن هذا آخر كلامنا في الاستصحاب فمن عثر على ما فيه فليصلح أو يصفح عنه كراما ونسأل
من الله أن ينفعنا وإخواننا المؤمنين به إنه ولي حميد
في التعادل والتراجيح
26 فصل في المتعارضين لا يخفى عليك أنه إذا كان دليل يدل على حكم موضوعه بالعنوان الأولي ودليل آخر يدل على حكم موضوعه
بالعنوان الثانوي كدليل نفي العسر والحرج ودليل نفي الضرر بالنسبة إلى ما يدل على الأحكام المترتبة على الموضوعات بعناوينها
الأولية
129

الواقعية فلا تعارض بينهما لاختلاف موضوعهما فلذا لا يلاحظ التعارض بين أدلة نفي الضرر والحرج وأدلة الاحكام فتقدم الأولى على
الثانية ولو كان بينهما عموم من وجه ومن هذا القبيل أدلة التقية بالنسبة إلى أدلة الاحكام وكذا إذا كان دليل حكم رافعا لموضوع حكم
فلا تعارض بين أدلتهما كأدلة البراءة والتخيير والاحتياط بالنسبة إلى دلائل الاحكام فإن موضوع الأدلة الأولى عدم البيان وعدم قيام
الحجة فإذا قامت الحجة وتم البيان فقد ارتفع الموضوع فلا يكون بينهما تعارض وكذا إذا كان دليل الحكم الثانوي رافع لموضوع
الحكم الأولي حكما كأدلة الامارات بالنسبة إلى أدلة الاستصحاب فإن موضوعها الشك اللاحق بعد اليقين السابق وأدلة الاحكام بمقتضى
دليل اعتبارها يجعل الشك كلا شك فلا شك حكما بعد قيام الخبر الصحيح أو دليل من ظاهر القرآن مثلا وإن شئت قلت ما دل على
الاحكام بعد قيام الدليل على اعتباره يدل على الحكم الثابت للموضوع بعنوانه الأولي الذاتي وما دل على الأصول من الدلائل اللفظية
يدل على الأحكام الثابتة على الموضوعات المجهولة الطارئة عليها الجهل وقد يكون دليل الحكم الثاني ناظرا إلى دليل الحكم الأولي
حتى كأنه بمنزلة المفسر له فحينئذ لا يقع بينهما التعارض أصلا حتى يحتاج إلى الترجيح بحسب السند أو الدلالة وعبر عن ذلك شيخ
المشايخ (الشيخ الأنصاري) قدس سره بأن الأول حاكم على الثاني والله العالم
في الجمع بين المتعارضين
27 فصل إذا ورد عام وخاص ومطلق ومقيد وأمر وترخيص أو نهي وترخيص فإن كانا بحيث عدا في نظر العرف غير متعارضين بل
كان الخاص
130

في نظر العرف قرينة على أن المراد من العام ما سواه وأن المراد بالمطلق هو المقيد وأن المراد بالامر الرجحان الغير المنافي
للترخيص جمع بينهما وعمل بكليهما فإذا لم يكونا كذلك بأن كان العام آبيا عن التخصيص والمطلق آبيا عن التقييد بحيث عدا في نظر
العرف من المتعارضين ولم يكن في نظرهم أحدهما قرينة للاخر لا يجوز لنا ارتكاب التأويل بحدسنا وبرأينا في أحدهما أو في كليهما
بل لا بد لنا من أعمال المرجحات الثابتة لو كانت وإلا فيتعارضان ويتساقطان أو يتخير بينهما وكذا جميع الأدلة التي كانت بينها
تعارض فما قرع سمعك من أن الجمع مهما أمكن أولى من الطرح أنما يصح إذا ساعد العرف بهذا الجمع وإلا فيترتب عليه الاحكام
المنصوصة للمتعارضين بعد صدق المتعارضين عليهما والله العالم
في تعارض الخبرين
28 - فصل إذا فرض أن الدليل القطعي الصدور عارض خبرا صحيحا في الدلالة بحيث عدا في نظر العرف من المتخالفين أخذ بالدليل
القطعي وطرح الخبر ولم يصح الجمع بينهما بالتأويل الحدسي في أحدهما أو في كليهما ولذا أمروا صلوات الله عليهم في الأخبار المستفيضة
أو المتواترة بطرح الاخبار المخالفة للقرآن حتى قال عليه السلام ما جاءك من بر أو فاجر يخالف كتاب الله فلا تأخذ به و
المراد من هذه المخالفة ليس المخالفة التي لا يحتمل فيهما أو في أحدهما التأويل لان ذلك قلما يوجد بل المراد المخالفة التي يعد في
نظر العرف تخالفا وتعارضا فيلزمنا أن نطرح الاخبار المخالفة للقرآن المجيد ولا ترتكب التأويل في القرآن والحديث وإذا فرض
أن دليلين نقليين قطعيي الصدور
131

تعارض ظاهراهما ومدلولاهما بحيث عدا عرفا متعارضان ومتخالفان ولم تكن قرينة بخصوصها على صرف ظهور أحدهما أو كليهما
لم يجز لنا أن نجمع بينهما بحدسنا ورأينا بل يلزم علينا في مورد التعارض التوقف والرد إلى أئمة الهدى وفي مقام العمل يعمل
بالقواعد الشرعية المقررة وإذا حكم العقل بحكم قطعا ثم عارضه ظاهر دليل قطعي كالقرآن والأحاديث المتواترة فضلا عن الحديث
الصحيح فلا بد من توجيه الدليل النقلي الذي حكم بخلافه العقل وتأويله فإن علمناه بدلائل أخرى نحكم بها وإلا فنكون من المتوقفين
مثلا الدليل القطعي يحكم بأن الله تعالى لا يرى ولا يحيط به مكان ولا يجوز عليه الانتقال من مكان إلى مكان فلا بد لنا صرف الآية
المباركة في قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربهما ناظرة عن ظاهرها وهكذا الآية الشريفة وجاء ربك ولا يجوز لنا الحكم بأن
الله يرى في الآخرة أو يحيط به مكان لظواهر هذه الآيات وأمثالهما فإن علمنا تفسير هذه الآيات الكريمة بواسطة الأحاديث الشريفة
الواردة عن الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين كما ورود في التفسير عن الرضاء صلوات الله أن المراد من النظر إلى الله النظر
إلى أولياء الله كما أن زيارتهم زيارة الله نحكم ونفسر بما ورد عنهم صلوات الله عليهم وإلا فنكون في تفسيرها من المتوقفين ولا
يجوز لنا تفسيرها ب آرائنا ما لم يكن عليه قرينة أو شاهد من كتاب الله أو سنة رسوله هذا ولكن لا يجوز لنا الرجوع إلى عقولنا في فهم
فلسفة الاحكام وملاكها وأسرارها ثم الحكم بها لان عقولنا قاصرة عن إدراكها ولا يدركها إلا الله
132

ومعادن وحيه كما نبه عليه أئمتنا الهداة المهديين صلوات الله عليهم فلا يجوز رفع اليد عن الاحكام الدينية والأوامر المقدسة الإلهية
بواسطة الاستحسانات العقلية والآراء الفلسفية بل اللازم علينا العمل بظواهر الآيات الشريفة والأحاديث الواردة في الأحكام الإلهية
رزقنا الله التسليم والانقياد نعوذ بالله من التقول على الله والله العالم
في شرائط التعارض
29 - فصل إذا تعارض خبر أن بحيث عدا متخالفين متنافيين فإما أن يكون أحدهما جامعا لشرائط الحجية كان يكون أحدهما موثوقا به
دون الاخر ولو كان ذلك بإعراض المشهور عنه أو يكون أحدهما مخالفا للقرآن دون الاخر الموثوق به فيأخذ بالحجة دون الاخر فإن
ما ليس حجة لا يتعارض ما كان حجة ويمكن أن يكون من هذا القبيل ما كان مخالفا للعامة إذا تعارض ما كان موافقا لهم لأنا إذا وثقنا
بصدور المخالف الذي من شرائط حجيته الوثوق بصدوره ووثقنا أيضا بصدور الموافق نثق أيضا بصدوره على جهة التقية فلا تتم
شرائط حجية ظهور الألفاظ لان من جملة شرائط حجية ظهور اللفظ أن يكون المتكلم في مقام بيان مراده وأصالة عدم صدور كلامه
تقية وإنما هي لبناء العقلا بفطرتهم المركوزة على حمل كلام المتكلم على بيان مراده وذلك أنما يكون إذا لم يوثق بصدوره على غير
ذلك الوجه فيمكن أن يكون الأخبار الواردة في ترجيح المتعارضين بموافقة القرآن أو بالشهرة أو بمخالفة العامة إشارة إلى هذا المعنى
الذي قلناه فلا يعارض إطلاق أخبار التخيير التي منها ما في الكافي في الموثق
133

أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه أحدهما يأمره بأخذه والاخر ينهاه
كيف يصنع قال يرجئه من يخبره فهو في سعة حتى يلقاه كما لا تعارض بين أخبار التخيير وبين ما دل على التوقف حتى يلقى الامام
لان ذلك بقرينة هذا الخبر الموثق وغيره محمول على صورة إمكان الرجوع كما لا يعارض أخبار التخيير ما في مقبولة ابن حنظلة التي
رواها المشايخ الثلاثة بأسانيدهم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة إلى أن قال فإن كان كل رجل
يختار رجلا من أصحابنا فرضينا أن يكونا الناظرين في حقهما و اختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم قال الحكم ما حكم به
أعدلهما و أصدقهما في الحديث وأورعها ولا يلتفت إلى ما حكم به الاخر قال قلت فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد
منهما على الاخر إلخ فإن المنازعة في دين أو ميراث وفي مورد الحكم بينهما لا يقبل التخيير ولا محل له والعجب من بعض الأعاظم أنه
استدل بهذا الحديث على وجوب التقليد للأعلم وغفل عن أنه في مورد الحكم والاختلاف ولا يدل ذلك على وجوب الرجوع إلى الأعلم
في مقام الرجوع والعمل بالتكاليف الشخصية لا سيما مع عدم العلم بالخلاف فاتضح من جميع ذلك أنه لو اختار إحدى الحجتين في مقام
تعارض الخبرين الجامعين لشرائط الحجية ما كان به بأس ولكن لو اختار بما فيه المرجحات المنصوصة فقد أخذ بالأحوط والأولى و
الله العالم.
في الجمع العرفي بين الاخبار
30 - فصل قد عرفت أن التعارض أنما يكون فيما إذا لم يكن جمع
134

عرفي وأما إذا كان بينهما جمع كذلك كأن يكون أحدهما نصا والاخر ظاهرا أو يكون أحدهما أظهر والاخر ظاهرا بحيث كان أحدهما
في نظر العرفي إذا لوحظا معا قرينة للاخر ولم يعدا في نظر العرف متعارضين بل يحمل الظاهر على الأظهر أو النص فهنا الجمع أولى
من الطرح وأما إذا كانا في نظر العرف متعارضين ولكن أمكن الجمع بالتأويل في أحد الدليلين أو في كليهما فهنا ليس الجمع أولى من
الطرح لأنه يصدق موضوع التعارض حينئذ فيترتب عليه أحكامه وقد ذكر بعض الأصوليين وجوها للتراجيح في موارد مختلفة كما إذا
دار الامر بين تقييد المطلق وتخصيص العام وكذا بين المجاز والاضمار والمجاز والاشتراك أو بين المجاز والتخصيص أو التقييد و
لا دليل عليها ما إذا لم يكن بسببها ظهور عرفي في معنى وقد يكون له بحسب المقامات ظهور عرفي فيتبع وكذا إذا دار الامر بين أحد
التخصيصين كما في العامين من وجه ولم يكن أحدهما أظهر من الاخر بالنسبة إلى مورد الاجتماع فلا يقدم أحدهما على الاخر فيكون
أحدهما بالخصوص حجة في مورد الاجتماع بل يرجع إلى القواعد الشرعية قد تمت النسخة الشريفة المسماة بخلاصة الأصول ومنه
الهداية وعليه التكلان.
تنبيه:
قد صفحنا صفحا جميلا عن تصحيح ما وقع من سقط الهمز والتشديد لان كثيرا منهما وأمثالهما معلوم لأهل الفضل ولا ينظر كتابنا هذا
إلا من كان منهم وأرجو منهم أن يصفحوا عن الاغلاط الواقعة في الطبع فإنها مع قلتها معلومة
135

تنبيه آخر مهم
من البديهيات التي لا ريب فيها أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ولا يكلف الناس بما يوجب اختلال النظام أو يوجب الحرج: ولا ريب أن
الناس ليسوا بمكلفين كلهم أن يعرفوا تكاليفهم الشرعية الفرعية عن الأدلة ومداركها المقررة لان ذلك يوجب الحرج الشديد بل اختلال
النظام بل لا يمكن لبعضهم.
فاللازم أن يشتغل من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين ويرجع جاهلهم إلى فقيههم لما ارتكز في عقولهم من بارئهم أن يرجع جاهلهم
إلى عالمهم في كل فن وعلم وبهذا تمت الحجة عليهم ولولاه لما تمت الحجة على العموم بالأدلة اللفظية لأنهم لا يقدرون على معرفة
معانيها وشرائط حجيتها والتفحص عما يعارضها ولو قدروا عليها لكانوا قادرين على الاستنباط ومعرفة كل الاحكام أو بعضها بل
إنما تمت الحجة بالدليل الذي جعل الله في عقولهم بجبلتهم التي جبلهم الله عليها.
ولكن هذا الدليل لا يفرق بين الحي والميت إذا كانا متساوين أو كان الميت أفقه وقد قال بعض الاعلام إنا خرجنا من هذا الدليل في
التقليد الابتدائي بالاجماع المدعى في كلام جمع من الاعلام واستشكل في - الاجماع بعض الأساطين بأن الاجماع في مثل المقام الذين
استند المجمعون إلى وجوه لا يكشف عن قول المعصوم واستند هو دام ظله بظهور الأدلة اللفظية في وجوب الرجوع إلى الحي ولا
يخلو عن تأمل لأنها لا تنفي غيره إذ اقتضى الدليل الذي به تمت الحجة وكيف كان فالقدر المتيقن في الرجوع الابتدائي هو الحي ولكن
لا إشكال في البقاء ولي عليه دلائل أخرى أيضا ولكن هذه المسألة ومباحث الاجتهاد والتقليد ليست من مباحث أصول الفقه فلذا لم
نذكرها
136