الكتاب: أجود التقريرات
المؤلف: تقرير بحث النائيني ، للسيد الخوئي
الجزء: ٢
الوفاة: ١٤١١
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٣٦٩ ش
المطبعة: أهل البيت عليهم السلام
الناشر: مؤسسة مطبوعات ديني - قم
ردمك:
ملاحظات: تقريرات آية الله النائيني

أجود التقريرات
باسمه تعالى
هذا هو الجزء الثاني من تقريرات أبحاث شيخنا الأستاذ الأعظم ومولانا المعلم الأكبر وملجأ
الأمم ومرجع العرب والعجم خاتمة الفقهاء والمجتهدين وحجة الاسلام والمسلمين آية الله تعالى في
العالمين حضرة المولى الميرزا محمد حسين الغروي النائيني متع الله الاسلام والمسلمين بطول بقائه
ومن عليهم بدوام ظله وأيام إفاداته والبحث فيه إنما هو في الأدلة العقلية وقد جادت بها
يد مؤلفه العالم العامل التقي والفاضل الكامل المهذب الصفي حجة الاسلام وباب
الاحكام السيد السند والحبر المعتمد سيدنا حضرة السيد أبي القاسم الخوئي
النجفي أدام الله بركات وجوده ونفع المسلمين بفضله وجوده وأقر الله أعين
كافة الأخيار من أهل العلم بل كافة أهل الدين بإطالة عمره وتكثير
أمثاله كما أقر أعين حضرة آية الله المعظم له أستاذه بشريف
وجوده على ما ترى بيان ذلك بخطه وخاتمه الشريف في
صدر الصفحة الأولى من هذا الجزء زيادة على ما كتبه
تقريظا وبيانا لبعض مراتب هذا المؤلف العالم
الجليل في الصفحة الأولى من الجزء الأول
أيضا بخطه وخاتمه الشريف
آمين اللهم آمين وصلى
الله على محمد وآله
الطاهرين
1352 مطبعة العرفان صيدا 1933
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وعترته الطاهرين ولعنة الله على
أعدائهم أجمعين من الآن إلى يوم الدين وبعد فهذا هو
* (المقصد السادس) *
والكلام فيه إنما هو في الامارات التي تقع أو قيل بوقوعها في طريق الاستنباط عقلا أو نقلا
وقبل الخوض في ذلك لا بد من التكلم في القطع وما يترتب عليه من الاحكام فنقول
اعلم أن البالغ الذي وضع عليه قلم التكليف إذا التفت في مقام الاستنباط إلى حكم شرعي
فإما أن يحصل له القطع أو الظن أو الشك أما القطع فهو حجة من قبل نفسه من غير أن يكون
2

يجعل جاعل أو اعتبار معتبر واما الشك فهو غير قابل للحجية والكاشفية أصلا والوجه فيه ظاهر
واما الظن فهو متوسط بينهما فإن قام دليل على اعتباره فيلحق بالقطع ويكون قطعا تنزيليا وإلا
فيلحق بالشك فيجري في مورده أحد الأصول الأربعة العملية التي لابد من الرجوع إليها في
موارد عدم حصول القطع أو الامارة المعتبرة ومما ذكرناه ظهر ان جعل التقسيم ثلاثيا كما فعله
العلامة الأنصاري (قده) إنما هو باعتبار انقسام حالات المكلف في حد ذاتها إلى ذلك وتمييز
احكام بعضها عن بعض فما عن المحقق صاحب الكفاية (قده) من الاشكال عليه بأنه مستلزم لتداخل
الأقسام فإن الظن المعتبر يلحق بالقطع وغير المعتبر منه يلحق بالشك من الغرائب بداهة ان
التقسيم إنما هو باعتبار ذلك وبيان ان الظن ليس كالقطع والشك بل يلحق بأحدهما مرة وبالآخر
أخرى (ثم) ان الأصول الجارية في مورد الشك وإن كانت كثيرة إلا أن الأصول التي
تستعمل في مقام الاستنباط وتكون جارية في تمام الأبواب منحصرة بحكم الاستقراء في
الأربعة واما موارد جريانها فانحصارها في الأربعة عقلي دائر بين النفي والاثبات والأولى في
تقريبه بحيث يسلم عن الاشكال ان يقال إن الشك اما أن يكون مسبوقا بالحالة السابقة أم لا
وعلى الثاني اما أن يكون جنس الالزام معلوما أم لا وعلى الأول اما أن يكون الامر فيه
دائرا بين المحذورين أم لا فالأول مورد الاستصحاب والثاني مورد البراءة والثالث مورد
التخيير والرابع مورد الاحتياط والغرض من التعرض لموارد الأصول في المقام إنما هو بيان
تلك الموارد بنحو الموجبة الجزئية للإشارة الاجمالية إلى المباحث الآتية واما شرائط جريان
الأصول فبيانها موكول إلى مباحثها إن شاء الله تعالى ومن ذلك يظهر انه لا وقع لا يراد
المحقق المذكور على تقسيم العلامة الأنصاري قدس سرهما بأن الشك في البقاء مع تحقق الحالة
السابقة إن لم يكن من جهة الشك في الرافع لا يكون مجرى للاستصحاب على ما يراه الشيخ
قدس سره من عدم جريان الاستصحاب عند الشك في المقتضي إذ هو نظير ان يورد على
تقسيمنا بأن مورد العلم بالالزام في الجملة في غير موارد دوران الأمير بين المحذورين لا يكون
مجرى للاحتياط مطلقا بل عند عدم انحلال العلم الاجمالي (ثم) انه إذا قيدنا مورد الاستصحاب
بما إذا لوحظ فيه الحالة السابقة كما فعله العلامة الأنصاري (قده) هنا وفي أول البراءة فلا يكون
الاشكال المذكور واردا من أصله حتى يحتاج إلى تكلف الجواب عنه بما ذكرناه إذ ما لم يلحظ
فيه الحالة السابقة الذي هو مورد جريان الأصول الثلاثة الأخيرة يكون أعم مما لا يكون فيه
3

حالة سابقة أو كانت ولم تلحظ كما في موارد الشك في المقتضي على ما هو التحقيق عندنا وعند
العلامة الأنصاري (قده) من عدم حجية الاستصحاب عند الشك في المقتضي على ما سيأتي تفصيله
في محله إن شاء الله تعالى. (ثم) ان انحصار الأصول الجارية في الاحكام الكلية وإن لم يكن
انحصارها في الأربعة عقليا كما أشرنا إليه إلا أن انحصار غير الاستصحاب في الثلاثة عقلي دائر
بين النفي والاثبات وتقريبه ان يقال إن في موارد عدم مراعاة الحالة السابقة اما ان يراعى
أحد طرفي الاحتمال وجودا أو عدما أو لا يعتبر شئ منهما بل يكون التخيير بيد المكلف وعلى
الأول فإما أن يراعى وجود التكليف أو عدمه فهذه أقسام ثلاثة وهي أصالة التخيير والاحتياط
والبراءة ليس إلا (ثم) انه لا اشكال في كون مباحث الامارات والأصول العملية من المباحث
الأصولية واما مباحث القطع ففيها ما يكون كذلك وتقع نتيجتها في طريق استنباط الحكم
الشرعي كمباحث العلم الاجمالي من جهة وجوب الموافقة القطعية أو حرمة المخالفة القطعية ومنها
ما لا يكون كذلك كالبحث عن عدم قابلية حجية القطع لتعلق الجعل بها اثباتا ونفيا ونحو ذلك
(وكيف كان) فبيان احكام القطع إنما هو في ضمن أمور (الأول) انه لا اشكال في أن القطع
إذا تعلق بكل شئ يكون طريقا إليه لا محالة كما أنه لا اشكال في وجوب متابعته فيما إذا تعلق
بتكليف أو موضوع تعلق به التكليف والتعبير بوجوب متابعته وإن كان يوهم كون القطع بنفسه
شيئا حكم عليه بوجوب المتابعة وهذا لا يتحقق في القطع الطريقي فإن حيثية ذاته هي الطريقية
الكاشفية لا أمر زائد عليها إلا أن ذلك من باب ضيق التعبير والمراد وجوب متابعة المقطوع
به عند تعلق القطع به (ثم) ان الحجية والطريقية وإن كانت مجعولة في غير القطع على خلاف بيننا
وبين العلامة الأنصاري (قده) في أنها مجعولة بنفسها أو تتبع منشأ انتزاعها إلا انها في القطع غير
قابلة للجعل التشريعي بداهة ان الجعل التشريعي إنما يتعلق بشئ يكون تكوينه بعين تشريعه
بعد قابلية المحل له كالوجوب للصلاة والطريقية للأمارات الظنية ونحوهما من المجعولات
التشريعية واما الموجودات الخارجية من الجواهر والاعراض فهي لا تكون مجعولة للشارع بما
هو شارع وحيث إن الطريقية والانكشاف إنما هو ذات القطع وحقيقته كما هو الصحيح أو من
لوازمه الذاتية فيستحيل تعلق الجعل التشريعي بها لا محالة ومن ذلك يظهر استحالة تعلق الجعل بنفي
طريقيتها أيضا إذ ما لا يكون قابلا لتعلق الجعل به اثباتا لا يكون قابلا لتعلق الجعل به نفيا
بالضرورة (ثم) ان القطع كما يمكن أن يكون طريقيا محضا كذلك يمكن أن يؤخذ في موضوع حكم
4

شرعي مغاير لمتعلقه أو لحكم متعلقه كما إذا أخذ القطع بالملكية في موضوع جواز الشهادة وهذا
يكون على قسمين (الأول) أن يؤخذ القطع في الموضوع بما انه صفة خاصة ومعلوم بالذات
ونور لنفسه من دون ملاحظة جهة إراءته وكشفه عن المعلوم بالعرض وحينئذ فإما أن يكون
تمام الموضوع هو وجود هذه الصفة في النفس ولا يكون للواقع فيه دخل أصلا كما هو الظاهر
في باب الشهادة فيعبر عن القطع بأنه تمام الموضوع واما أن يكون للواقع دخل في الموضوع أيضا
فيكون الموضوع مركبا من وجوه الصفة النفسانية ومطابقتها للواقع وعند انكشاف الخلاف
ينكشف عدم الموضوع من أول الأمر وفي هذا القسم يكون القطع جزءا للموضوع ومقوما
له (الثاني) ان يؤخذ القطع في الموضوع بما انه كاشف من الواقع وطريق إليه ومنور لغيره
الذي هو المعلوم بالعرض وعليه فلا يمكن اخذ القطع إلا جزءا للموضوع ومقوما له ويستحيل
كونه تمام الموضوع حينئذ بداهة ان معنى كونه تمام الموضوع هو دوران الحكم مداره أصاب
الواقع أم أخطأ وأخذه مع ذلك طريقا إلى الواقع وكاشفا عنه مما لا يجتمعان فتحصل ان أقسام
القطع أربعة (الأول) القطع الطريقي المحض (الثاني) ما يكون مأخوذا في الموضوع على
نحو الصفتية مع كونه تمام الموضوع (الثالث) ما يؤخذ جزءا للموضوع على نحو الصفتية
(الرابع) ما يؤخذ جزءا للموضوع على نحو الكاشفية والطريقية (ثم) ان القطع باقسامه لا يمكن ان
يطلق عليه الحجة في باب الأدلة واما الحجة في باب الأقيسة فلا يمكن اطلاقها على القطع الطريقي
فقط (وتوضيح ذلك) هو ان الحجة تارة تطلق ويراد منها معناها اللغوي وهو ما يحتج به في مقام
الاحتجاج وأخرى تطلق ويراد منها معناها المصطلح عليه عند المنطقي المعبر عنه بالحجة في باب
الأقيسة وثالثة تطلق ويراد معناها المصطلح عليه عند الأصولي المعبر عنه بالحجة في باب
الأدلة اما الحجة بالمعنى الأول فلا اشكال في كون القطع الطريقي من أظهر افراده ومصاديقه
بل ينتهي إلى حجيته حجية كل حجة إذ بالقطع يحكم المولى أو بقيام ما يقطع بحجيته عليه يحتج
المولى على عبده العاصي فيكون قاطعا للعذر كما أن العبد في فرض موافقته لقطعه بالحكم أو بما
قطع بحجيته يحتج على مولاه إذا كان القطع أو الطريق مخالفا للواقع فيكون معذرا له وأما الحجة
في باب الأقيسة فهي عبارة عن الوسط الذي يكون واسطة لاثبات الأكبر للأصغر في الشكل
الأول سواء كان علة لوجوده أو معلولا له أو كانا متلازمين من جهة معلوليتهما لعلة ثالثة
وحيث إن لا علية ولا معلولية بين القطع الطريقي ومتعلقه فلا يمكن جعله وسطا في الشكل
5

الأول فلا يطلق عليه الحجة في اصطلاح المنطقي واما القطع الموضوعي فحيث ان نسبته إلى
حكمه الثابت له كنسبة العلة إلى معلولها ويمكن تشكيل قياس من ضم صغرى وجدانية إلى كبرى
مجعولة شرعية بحيث يكون عنوان المقطوع وسطا في القياس كقولك هذا مما قطع بملكيته لزيد
وكل ما كان كذلك فيجوز الشهادة عليه فيطلق عليه الحجة في باب الأقيسة (وبالجملة) حال
القطع الموضوعي في ترتب جواز الشهادة عليه مثلا كحال الخمر في ترتب حرمة الشرب عليه شرعا
فكما يمكن ترتيب قياس يكون الوسط فيه هو عنوان الخمر ويكون الأكبر هو الحرمة المترتبة عليه
نظير ترتب الحدوث على التغير فكذلك يمكن ترتيب قياس يكون الوسط فيه هو عنوان المقطوع
ويكون الأكبر هو الحكم المترتب عليه شرعا وأما الحجة في باب الأدلة أعني بها ما يكون
مثبتا لمتعلقه بحيث يمكن عند قيامها تشكيل قياس ولو على نحو المسامحة كما تقول هذا مما قامت البينة
على خمريته وكل ما كان كذلك فهو خمر فلا يمكن اطلاقها على القطع مطلقا طريقيا كان أو
موضوعيا أما عدم جواز اطلاقها على القطع الطريقي فلعدم جواز وقوعه وسطا في الشكل الأول
مطلقا حتى يثبت الأكبر للأوسط وأما عدم اطلاقها على القطع الموضوعي فلانه وإن أمكن
كونه وسطا لاثبات الاحكام المتعلقة به إلا أنه لا يمكن كونه وسطا لاثبات متعلقه
حتى يمكن اطلاق الحجة في باب الأقيسة عليه وإنما قلنا إن تشكيل القياس فيما يكون
حجة في باب الأدلة مبني على المسامحة فلان المجعول الشرعي عند قيام البينة مثلا ليس هي
الكبرى الكلية بنفسها كمجعولية الكبرى الكلية في القطع الموضوعي بل المجعول في الحقيقة
كما سيتضح فيما بعد إن شاء الله تعالى انما هو نفس طريقية البينة ونحوها (فتحصل) ان الحجة في
باب الأدلة لا يراد منها إلا ما يكون مثبتا للمتعلق سواء لم يكن هناك علية ومعلولية أصلا أو
كان الحجة كالمعلول بالإضافة إلى الأكبر المحمول في الكبرى كالظواهر فإنها حجة على
المراد الواقعي ونسبتها إلى الإرادة الواقعية نسبة المعلول إلى العلة فإنها هي الموجبة والداعية إلى
القاء كلام كاشف عنها وبهذه الملاحظة يكون هذا القسم من الحجة حجة في باب الأقيسة
أيضا (وبالجملة) القطع الطريقي لا يمكن اطلاق الحجة عليه الا بالمعنى الأول اللغوي والقطع
الموضوعي لا يكون حجة الا في الاصطلاح المنطقي والبينة وأمثالها حجة في باب الأدلة فقط
والظواهر يطلق عليها الحجة بكلا الاصطلاحين باعتبارين (ثم) ان القطع الطريقي لا يفرق
فيه بين افراده ولا يمكن التصرف فيه أصلا لا من جهة الاشخاص ولا من جهة الأزمنة
6

والأسباب لما عرفت من أن طريقيته ذاتية غير قابلة لتعلق الجعل بها اثباتا ونفيا ولا يفرق
أيضا بين تعلقه بنفس الحكم الشرعي أو بمتعلقه أو موضوعه واما القطع الموضوعي فحاله في السعة
والضيق يتبع دلالة الدليل الدال على اخذه في الموضوع نظير بقية الموضوعات المأخوذة في
أدلة الاحكام فربما يدل الدليل على اخذ خصوص قطع من جهة القاطع أو السبب أو غيرهما في
الموضوع وربما يدل على اخذه في الموضوع مرسلا غير مقيد بخصوصية خاصة (وتوضيح ذلك) ان
متعلق القطع اما أن يكون موضوعا من الموضوعات الخارجية أو حكما من الأحكام الشرعية
وعلى الأول فيمكن أن يكون الحكم الشرعي مترتبا على نفس الموضوع الذي تعلق به العلم من
دون مدخلية للعلم في ترتبه أصلا فيكون القطع حينئذ طريقا محضا إلى حكم متعلقه ويمكن أن يكون
مترتبا على الموضوع المعلوم دون نفسه فيكون العلم تمام الموضوع أو جزئه على التفصيل المتقدم
وعلى الثاني فتارة يقع الكلام في الحكم المقطوع به واخرى في حكم آخر مترتب عليه
أما التكلم في الحكم الآخر فحاله حال القسم الأول بعينه فان الحكم الآخر تارة يترتب على
نفس الحكم المقطوع من دون مدخلية لتعلق القطع به فيكون القطع بالإضافة إليه طريقا محضا
لا محالة واخرى يكون مترتبا على الحكم المقطوع بما انه كذلك فيكون القطع مأخوذا في موضوعه
على نحو يكون تمام الموضوع أو جزئه ويجوز تخصيص القطع حينئذ ببعض الافراد دون بعض
كما أنه اخذ قطع المجتهد بالأحكام من الطرق المتعارفة موضوعا لجواز تقليده دون القطع الحاصل
من مثل الجفر والرمل ونحوهما وأما التكلم في الحكم المقطوع به فملخصه ان القطع إن كان
متعلقا بالحكم فلا محالة يكون طريقا إليه ويستحيل كونه مأخوذا في موضوعه لان اخذه في
الموضوع يستلزم تقدمه على حكمه تقدم كل موضوع على ما يترتب عليه من الحكم وفرض تعلقه
به وكونه طريقا إليه كونه متأخرا عنه وتقدم الحكم عليه ففرض تعلقه بحكم اخذ في موضوعه القطع
به يستلزم تقدم الشئ على نفسه ولكن استحالة تقييد موضوع الحكم بالقطع به لا يوجب كونه
مطلقا بالإضافة إلى حالتي العلم والجهل لما بيناه في بحث المطلق والمقيد وغيره وان استحالة
التقييد تستلزم استحالة الاطلاق أيضا فكل تكليف بالإضافة إلى الانقسامات الثانوية الناشئة من
نفس الخطاب لا يعقل فيه إلا الاهمال ولا يمكن اتصافه لا بالتقييد ولا بالاطلاق اللحاظيين
وإنما المتصور هو نتيجة الاطلاق أو التقييد المستفادة من دليل آخر متمم للجعل الأول باعتبار
تقيد الغرض وعدمه ففي متل قصد القربة قد علم تقييد العبادات به بنتيجة التقييد لأجل تقيد
7

الغرض به كما أنه قد علم من أدلة اشتراك التكليف المدعى تواتر اخبارها في كلمات العلامة
الأنصاري (قده) عدم اختصاص الاحكام بخصوص العالمين بها بل يعم الجاهلين أيضا
ولكن ثبت من الأدلة الاختصاص في باب القصر والتمام والجهر والاخفات وان الجاهل
بوجوب القصر لا يجب في حقه القصر كما أن الجاهل بوجوب الجهر أو الاخفات كذلك فيكون
الدليل المستفاد من الدليل المتمم للجعل الأول هو اشتراط وجوب القصر أو الجهر أو الاخفات
بالعلم بالوجوب من باب نتيجة التقييد وإذا أمكن اخذ القطع بالحكم في موضوعه بدليل آخر
فيمكن أخذ القطع بالحكم من سبب خاص مانعا عنه أيضا وهذا كما في القطع القياسي فإن المستفاد
من رواية ابان عدم اعتبار القطع الحاصل من القياس وهذا انما يكون باعتبار تقيد الأحكام الواقعية
بأن لا تكون معلومة من طريق القياس من باب نتيجة التقييد ففي الحقيقة موضوع تلك الأحكام
من لا يكون عالما بها من طريق القياس وهذا ليس تصرفا في ناحية القطع حتى يقال بأن
طريقيته ذاتية غير قابلة لان تنالها يد الجعل نفيا واثباتا بل تصرف في ناحية المقطوع وتخصيصه
بموضوع خاص دون آخر بل لا يبعد أن يكون القطع الحاصل من الجفر والرمل ونحوهما أيضا
كذلك بأن تكون الأحكام الواقعية مختصة من باب نتيجة التقييد بغير العالمين بها من تلك
الطرق الغير المتعارفة فإن دعوى الاجماع على ذلك ليست بكل البعيد (وبالجملة) فأخذ القطع
بالحكم في موضوع نفسه بنحو الشرطية أو المانعية وإن لم يمكن بالنظر إلى الجعل الأول الغير
الممكن فيه إلا الاهمال إلا أن ذلك بالنظر إلى متمم الجعل الناشئ من تقيد الأغراض
أو اطلاقها بمكان من الامكان (والغرض) من جميع ذلك هو دفع ما ربما يورد على شيخنا العلامة
الأنصاري قدس سره في تمثيله للقطع الخاص المأخوذ في الموضوع بالقطع الحاصل من الكتاب
والسنة عند الاخباري وحاصل الايراد هو ان القطع المتعلق بالحكم الشرعي لا محالة يكون
طريقيا محضا ولا وجه لعده من أقسام القطع الموضوعي وحاصل الجواب هو انه يمكن أخذ القطع
بالحكم في موضوعه شرطا أو مانعا لكن لا من باب تقييد الجعل الأول المستحيل بل من
باب نتيجة التقييد المستفادة من المتمم للجعل الأول فإذا أمكن للاخباري إقامة الدليل على
تقييد الأحكام الواقعية بأن لا تكون معلومة من غير الكتاب والسنة فلا مناص عن تصديقه
لما عرفت من عدم المحذور في التقييد بالجعل الثاني أصلا (ثم) ان في قيام الامارات والأصول
المحرزة مقام القطع وجوها بل أقوالا (الأول) قيامها مقام القطع الطريقي المحض دون غيره من
8

الأقسام مطلقا (الثاني) قيامها مقام القطع باقسامه (الثالث) قيامها مقام القطع الطريقي المحض
أو المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية وهذا هو الذي اختاره شيخنا العلامة الأنصاري
وسيد أساتيذنا العلامة الشيرازي قدس سرهما وهو الحق عندنا ولتوضيح ذلك نقدم مقدمات
(الأولى) ان العلم وان اختلف في كونه من مقولة الفعل أو الانفعال أو الكيف أو الإضافة الا
ان الحق ان فيه جهات كل منها إذا أول مراتبه هو استعداد النفس وتأثره من المعدات لإيجاد
صورة في صقعها وهذا هو جهة الانفعال ثم بعد ذلك توجد تلك الصورة في عالم الذهن وهذا
هو جهة الفعل ثم تتصف النفس بكونها واجدة لتلك الصورة والكيفية التي لم تكن واجدة لها قبل
ذلك وهذا هو جهة الكيفية ثم بعد ذلك تكون تلك الصورة المعلومة بالذات للنفس إضافة
بينها وبين الموجود الخارجي الذي هو معلوم بالعرض وهذا هو جهة الإضافة وهذه المراتب وان
لم يكن بينهما تقدم وتأخر خارجي إلا أن كل مرتبة منها متأخرة عن مرتبة سابقة عليها بالرتبة
(ثم) ان المرتبة الأخيرة لها جهتان أحدهما انكشاف المعلوم الخارجي لدى النفس وحضوره
لديها وثانيهما البناء على وجوده وعقد القلب عليه المترتب عليه الترغبة إليه أو الهرب عنه وربما
تختلف الجهة الثانية عن الأولى كما في موارد التشريع والبناء على عدم المعلوم المعبر عنه في
الآية المباركة بالجحود مع اليقين ثم إن ما عدا المرتبة الرابعة التي هي مرتبة تحقق المعلوم
بالعرض أمور تكوينية غير قابلة لان تنالها يد الجعل واما المرتبة الرابعة فهي في القطع ذاتية غير
قابلة للمجعولية وأما في غيره فجعلها بمكان من الامكان على خلاف بيننا وبين شيخنا العلامة
الأنصاري (قده) في أن مجعوليتها هل هي بنفسها أم بتبع الأحكام التكليفية وستعرف في بحث
الاستصحاب امكان مجعوليتها بنفسها واستحالة كونها منتزعة من الأحكام التكليفية ففي مثل
الامارات والطرق الناظرة إلى الواقع يكون المجعول الشرعي هي الجهة الأولى من المرتبة
الرابعة فتكون هي طريقة إلى الواقع كما أن القطع طريق إليه غاية الأمر ان طريقية القطع ذاتية
له وطريقية الامارات مجعولة لها بجعل الشارع ابتداء أو امضاء وفي مثل الأصول المحررة التي
أخذ الشك في موضوعها وليس لها نظر إلى الواقع ولكن حكم الشارع مع فرض الشك بالبناء
على الواقع وبعدم الاعتناء بوجوده كالاستصحاب يكون المجعول الشرعي هي الجهة الثانية من
المرتبة الرابعة وفي كل منهما يكون لأدلة اعتبارهما حكومة على الأدلة الواقعية حكومة ظاهرية
لا واقعية توضيح ذلك ان الحكومة عبارة عن دلالة لعد الدليلين على توسعة موضوع الدليل الآخر
9

أو تضييقه وقد يكون دالا على تضييق حكمه أيضا (والتوسعة) أو التضييق تارة يكونان
في مقام الثبوت والواقع وأخرى في مقام الاثبات والظاهر ففي مثل أدلة لا ضرر ولا حرج
المفيدة لاختصاص الا حكام الشرعية بغير مواردهما تكون الحكومة واقعية ويستفاد منها ان
الا حكام الشرعية لم تجعل في موارد الضرر والحرج واقعا وهذا تضييق بحسب الا حكام
الواقعية كما أن المستفاد من قوله (ع) لا شك لكثير الشك هو اختصاص الشك المأخوذ في أدلة
الشكوك بغير شك من يكثر شكه فيكون موضوع تلك الأدلة ضيقا بحسب الواقع وتكون
الحكومة أيضا واقعية وكذلك قوله صلى الله عليه وآله الطواف بالبيت صلاة وقوله صلى الله عليه وآله الفقاع خمر استصغره
الناس يفيد أن تعميما في أدلة حرمة الخمر وأدلة اشتراط الصلاة بالطهارة من جهة الموضوع واقعا
وهذا بخلاف أدلة حجية الامارات والأصول فإنها لا تفيد تعميما أو تضييقا في الواقعيات بأن
تدل على أن ما قامت البينة على خمريته أو المستصحب الخمرية مثلا حرام واقعا كيف وحجية
الامارات في ظرف الجهل بالواقع والأصول أخذ في موضوعها الجهل به فهي في طول الواقع
فكيف يمكن أن تكون مفيدة للتعميم أو التضييق بحسبه ومن ذلك ظهر ان المناط في الحكومة
الواقعية هو كون الدليل الحاكم في عرض الدليل المحكوم حتى يكون متعمما له أو مضيقا له في
مرتبته وهذا بخلاف ما إذا كان الدليل الحاكم في طول الواقع وفي مرتبة متأخرة عنه فإنه يستحيل
حينئذ كون الحكومة واقعية وتتمحض في كونها ظاهرية كما في حكومة الامارات والأصول
بعضها على بعض أو الامارات بتمامها على الأصول أو الامارات والأصول على الأدلة الواقعية
فإن الحكومة في جميع ذلك ظاهرية والتعميم أو التضيق إنما هو بحسب مقام الاثبات ليس
إلا وبالجملة فحكم الشارع على المكلف بأنه عند قيام الامارة محرز للواقع وفي موارد الأصول
المحرزة بوجوب البناء على كون مواردها هو الواقع يستلزم تعميما أو تضييقا في الأدلة الواقعية
في مقام الاثبات (فإن قلت) تشترك أدلة الشكوك في الصلاة مع أدلة الأصول في كون
الشك مأخوذا في موضوعها فما الفارق بينهما حتى تكون الحكومة في أدلة الأصول ظاهرية
وفي أدلة الشكوك واقعية (قلت) الفرق بينهما هو ان الشك المأخوذ في أدلة الشكوك إنما
أخذ في الموضوع لا من جهة الحيرة في الواقع بل من جهة كونه صفة من الصفات النفسانية
نظير أخذ القطع في الموضوع بما هو صفة ولا ريب ان المكلف باعتبار وجود تلك الصفة وعدمه
ينقسم إلى قسمين وبمقتضى أدلة الشكوك ينقلب الحكم الواقعي ويكون واجد تلك الصفة مكلفا
10

باتيان الركعة المفصولة مثلا وإذا كان الحكم الثابت في حقه واقعيا لا ظاهريا فلا محالة تكون
حكومة الدليل الدال على الغاء شك كثير الشك عليها حكومة واقعية وموجبا لتضييق الموضوع
واقعا وهذا بخلاف أدلة الأصول فإن الشك لم يؤخذ في موضوعها بما هي صفة بل من جهة
التخير في متعلقه فإذا فرض حكم الشارع على شئ بالمحرزية في مورد الأصل فلا محالة يكون
رافعا للتحير من جهة احراز الحكم الواقعي بحكم الشارع ومنه يظهر ان حكومة الأصول بعضها
على بعض وحكومة الامارات عليها أو بعضها على بعض ليست إلا من جهة حكومتها على
الا حكام الواقعية وكون الحكومة فيها ظاهرية إنما هو بهذا الاعتبار لا ان حكم الأصول يكون
محفوظا في الواقع مع حكومة الامارات عليها كيف وقد ذكرنا في بحث الاجزاء وسيجئ إن
شاء الله تعالى ان الا حكام الظاهرية أعني بها حكم الشارع بمحرزية شئ لا يمكن فعليتها
إلا مع وصولها إلى المكلف موضوعا وحكما فإذا فرضنا حكم الشارع بمحرزية الامارة في مورد
الاستصحاب مثلا فيستحيل مع ذلك بقاء الاستصحاب على صفة المحرزية ولا مناص عن
الغاء صفة المحرزية عنه حينئذ ومع ذلك تكون الحكومة ظاهرية فإن حكومتها عليها ليست إلا
من جهة كونها محرزة للواقع ليس إلا وقد عرفت ان هذه الحكومة ظاهرية لا واقعية (الثانية)
ان تنجيز الواقع عند مصادفة الامارة أو الأصل للواقع أو المعذرية عند المخالفة ليسا
بمجعولين بأنفسهما بل هما من لوازم جعل الحجية والطريقية فإن استحقاق العقوبة على مخالفة
التكليف الواصل إنما هو من اللوازم العقلية لها كما أن عدم استحقاق العقاب على مخالفة
التكليف الغير الواصل أيضا كذلك فهما غير قابلين لان تنالهما يد الجعل أصلا فالمجعول في
الحقيقة هو الكاشفية والطريقية للامارة أو الأصل المحرز للواقع وعند تحققهما يكون الواقع واصلا
بنفسه ويكون المخالفة عليها حينئذ مخالفة للتكليف الواصل بنفسه فيترتب عليها استحقاق العقوبة
(نعم) في الأصول الغير المحرزة كاصالة الاحتياط في الأموال والنفوس والاعراض أو في
الشبهة التحريمية على القول بها لا يكون الواقع واصلا بنفسه إذ هو على مجهوليته بعد إيجاب
الاحتياط أيضا إلا أن وجوب الاحتياط لكونه وجوبا طريقيا ناشئا عن اهتمام الشارع بالواقع
ومتمما للجعل الأول يكون وصوله كافيا في استحقاق العقوبة على الواقع إذ الواقع بعد إيجابه
يكون واصلا بطريقه فيصح العقوبة على مخالفته وقد ذكرنا في بعض المباحث السابقة ان متمم
الجعل الأول الناشئ من عدم وفاء الجعل الأول بالغرض تارة يكون واقعيا وفي عرض الجعل
11

الأول وأخرى يكون طريقيا وفي طوله وعلى كل تقدير فالعقاب على مخالفته هو العقاب على
مخالفة الواقع عينا لكون الداعي إلى جعلهما غرضا واحدا فيكونان في حكم تكليف واحد وبالجملة
ما يمكن للشارع جعله في باب الامارات أو الأصول المحرزة ابتداء أو امضاء إنما هو الطريقية
والكاشفية حتى يكونان موجبين لوصول الواقع على ما عرفت من الفرق بينهما وأما استحقاق
العقاب أو المعذرية فهما من اللوازم العقلية للوصول وعدمه وغير قابلين للمجعولية أصلا
(الثالثة) انه ليس معنى حجية الطريق مثلا تنزيل مؤداه منزلة الواقع ولا تنزيله منزلة القطع
حتى يكون المؤدي واقعا تعبدا أو يكون الامارة علما تعبدا بداهة ان دليل الحجية لا نظر له
إلى هذين التنزيلين أصلا وإنما نظره إلى اعطاء صفة الطريقية والكاشفية للامارة وجعل ما ليس
بمحرز حقيقة محرزا تشريعيا (نعم) لابد وأن يكون المورد قابلا لذلك بأن يكون له كاشفية
عن الواقع في الجملة ولو نوعا إذ ليس كل موضوع قابلا لاعطاء صفة الطريقية والمحرزية له فما
يجري على الألسنة بأن ما قامت البينة على خمريته مثلا خمر تعبدا أو ان نفس البينة علم تعبدا
فمما لا محصل له وليس له معنى معقول إذ الخمرية أو العلم من الأمور التكوينية الواقعية التي
لا تنالها يد الجعل تشريعا مضافا إلى أنه لم يرد في آية ولا رواية ان ما قامت البينة على خمريته
خمرا وان الامارة علم حتى يصح دعوى كون المجعول هو الخمرية أو كون البينة علما ولو بنحو
المسامحة من باب والضيق في التعبير وبالجملة ما يكون قابلا لتعلق الجعل التشريعي به كبقية
المجعولات التشريعية هو نفس صفة الكاشفية والطريقية لما ليس كذلك بحسب ذاته من دون
تنزيل للمؤدي منزلة الواقع ولا لتنزيل نفسه منزلة العلم إذا عرفت هذه المقدمات فنقول ان
عمدة ما يتصور أن يكون مانعا عن قيام الامارات والأصول منزلة العلم الطريقي المحض والمأخوذ
في الموضوع على وجه الطريقية هو ما ذكره المحقق صاحب الكفاية (قده) وهو الذي كان
يدور على السنة تلامذة شيخنا العلامة الأنصاري (قده) منذ سنين وحاصله ان في كل تنزيل
لابد من ملاحظة المنزل والمنزل عليه لا محالة وتنزيل الامارة منزلة القطع الطريقي إنما هو
بتنزيل المؤدي منزلة الواقع في الحقيقة إذ المفروض عدم ترتب أثر شرعي على نفس القطع
فيكون لحاظ الامارة والقطع في هذا التنزيل آليا وفانيا في الواقع والمؤدي كما أن تنزيل الامارة
منزلة القطع الموضوعي لابد فيه من لحاظهما استقلالا وباعتبار آثار نفس القطع ولا ريب ان
هذين اللحاظين مع قطع النظر عن عدم امكان تصور الجامع بينهما متنافيان كمال المنافاة ولا
12

يمكن الجمع بينهما في دليل واحد فلا مناص من كون دليل الحجية متكفلا للتنزيل بذاك اللحاظ
الآلي فلا يكون دليلا على قيام الامارات مقام القطع الموضوعي أو بذلك اللحاظ الاستقلالي
فلا يكون دليلا على قيامها مقام القطع الطريقي (ولا يخفى) ان بناء هذا الاشكال على عدم
التفرقة بين الحكومة الظاهرية والواقعية وتخيل ان دليل الاعتبار إنما يتكفل لاثبات احكام
الواقع للمؤدي أو أحكام القطع للامارة فيكون تعميما في الموضوعات الواقعية أو في العلم المأخوذ
في الموضوع واقعا وأما إذا بنينا على عدم تكفل دليل الحجة والاعتبار للتنزيل أصلا بل غاية
شانه هو اعطاء صفة الطريقية والكاشفية للامارة وجعل ما ليس بمحرز للواقع حقيقة محرزا له
تشريعا فليس هناك تنزيل حتى يترتب عليه الجمع بين اللحاظين المتنافيين والحاصل إذا فرضنا
ان الشارع حكم بوجوب الاجتناب عن الخمر الواقعي وحكم بنجاسته حين ما كان محرزا عند
المكلف فعند قيام البينة على خمرية شئ والمفروض ان الشارع جعل لها صفة المحرزية والكاشفية
فكما انه يترتب عليه وجوب الاجتناب للكون المكلف محرزا للخمر الواقعي فكذلك يترتب عليه
النجاسة أيضا إذا المفروض أن الموضوع لها هو الخمر المحرز وما قامت البينة على خمريته بعد
حكم الشارع بمحرزيتها وطريقيتها يكون كذلك لا محالة غاية الأمر ان موضوع الحكم في
القطع الطريقي هو نفس الواقع وهو محرز بحكم الشارع وفي القطع الموضوعي مركب من جزئين
طوليين بحيث يكون تحقق أحدهما كافيا في تحقق الآخر أيضا فإن الاحراز الذي هو
جزء الموضوع محرز بنفسه والواقع الذي هو الجزء الآخر محرز به ومما ذكرناه يظهر انه لا معنى
للحكم الظاهري إلا الحكم الواقعي المحرز بحكم الشارع وإلا فليس هناك بعث وزجر آخر في
قبال الواقع حتى يكون حقيقة الحكم منقسمة إلى واقعي وظاهري (ثم) لا يخفى ان مرادنا
من القطع المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية ليس كون لفظ القطع مستعملا في مطلق
الكاشف على نحو عموم المجاز ولا كون كاشفيته علة مستنبطة حتى يورد علينا بأن استعمال العلم
في مطلق الكاشف يحتاج إلى قرينة في الكلام وبأن العلة المستنبطة ما لم تكن قطعية لا توجب
سراية الحكم إلى غير الموضوع في القضية ودون اثبات القطع يكون الملاك والعلة هو الكاشفية
خرط القتاد بل المراد منه هو كونه بنفسه مأخوذا في الموضوع بما انه منور لغيره موجب لكون
الموجود الخارجي معلوما بالعرض كما أن الموضوع في القطع الطريقي هو نفس الخمر الواقعي ولكن
الامارة إنما تقوم مقامها لأجل الحكومة الظاهرية وتحقق موضوع الحكم في كلا المقامين في
13

حكم الشارع وبجعله وبعبارة أخرى كما أن ما قامت البينة على خمريته لا يكون حقيقة من افراد
الموضوع لوجوب الاجتناب ولا يكون دليل الاعتبار كاشفا عن عموم موضوع الحكم له واقعا
بناء على عدم كون الحكومة واقعية كما هو الصحيح ومع ذلك يترتب عليه الاحكام ظاهرا لكونها
محرزة للخمر الواقعي بحكم الشارع فكذلك لا يكون نفس البينة من افراد القطع الموضوعي حقيقة
بأن يكون دليل الاعتبار كاشفا عن توسعة الأحكام الثابتة للقطع الموضوعي واقعا ومع ذلك
فحيث ان موضوع الحكم بعد حكم الشارع بالكاشفية والطريقية يكون محرزا بجعل الشارع
فيترتب عليه احكامه أيضا وبالجملة حال تحقق موضوع الحكم في القطع الموضوعي على وجه
الطريقية بعينها حال تحققه في القطع الطريقي فكما ان الموجب له هو حكم الشارع بطريقية
الامارة وكاشفيتها فكذلك الموجب له هو ذلك أيضا (والحاصل) ان تحقق الواقع بعد
قيام البينة مثلا إنما هو من جهة اعطاء الشارع صفة المحرزية والكاشفية البينة التي هي ليست
بمحرزة تامة للواقع فصفة المحرزية إنما هي المجعولة أولا بالذات وكون الواقع محرزا إنما هو
بتبعها فقيامها بعد اتصافها بهذه الصفة المجعولة مقام القطع الوجداني في كونه جزء للموضوع أولى
من قيام المؤدي منزلة الواقع (هذا كله) في القطع المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية
والكاشفية وأما ما أخذ فيه على وجه الصفتية فلا يمكن قيام الامارات أو الأصول مقامه بالنظر
إلى دليل اعتبارها فإن دليل الاعتبار كما عرفت إنما يتكفل لاعطاء صفة الكاشفية والمحرزية
فقط والمفروض ان القطع لم يؤخذ بهذه الجهة موضوعا للحكم والجهة التي بها أخذ في الموضوع
لا يكون دليل الاعتبار ناظرا إليها ومثبتا لها وبعبارة أخرى حال القطع المأخوذ في الموضوع
على نحو الصفتية حال بقية الصفات المأخوذة فيه فكما لا معنى لقيام الامارة مقامها بدليل اعتبارها
فكذلك لا معنى لقيامها مقامه وهذا واضح بأدنى التفات وتأمل ولا يحتاج إلى مزيد توضيح
وبيان (ثم) ان القطع المأخوذ في الموضوع بتلك الجهة الظاهر عدم وجوده في الشرعيات
وتوهم كون القطع المأخوذ في موضوع جواز الشهادة أو في الركعتين الأوليين من هذا
القبيل فاسد فإن قوله صلى الله عليه وآله في باب الشهادة بمثل هذا فاشهد أودع ظاهر في كون القطع مأخوذا
بجهة كشفه عن الواقع كانكشاف الشمس في النهار ولا بما انه من صفات الشاهد وأما أدلة
اعتبار اليقين في الركعتين الأوليين فبعضها وإن كان مشتملا على لفظ اليقين إلا أن الموجود
في البقية هو لفظ الاثبات والاحراز ومن الواضح ان ظاهرهما هو كونه مأخوذا فيه بما انه كاشف
14

لا بما انه صفة خاصة ثم إنه إذ فرضنا قيام دليل خاص على قيام امارة أو أصل مقام القطع
الصفتي كما هو مقتضى رواية حفص الدالة على جواز الشهادة من جهة اليد بناء على كون القطع
المأخوذ في موضوعه مأخوذا فيه على وجه الصفتية فليس قيامهما مقامه من قبيل قيامهما مقام
القطع الطريقي المحض أو المأخوذ في موضوع الحكم على وجه الطريقية لما عرفت من أن
قيامهما مقامه إنما هو من جهة الحكومة الظاهرية المقتضية لترتيب الآثار في مقام الظاهر وأما
قيامها مقام القطع الصفتي فهو أجنبي عن جهة الكاشفية بل هو من باب التعميم في الموضوع
واقعا واسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر الكاشف عن عدم اختصاص الحكم بالموضوع
الأول وعن اشتراك الآخر معه نظير قوله صلى الله عليه وآله الطواف بالبيت صلاة الكاشف عن اشتراط
الطواف كالصلاة بالطهارة الحدثية والخبثية فتكون الحكومة واقعية فالاحكام الثابتة للمقطوع
بعد قيام الدليل على تنزيل الظن منزلته وقيامه مقامه ينكشف ثبوتها للأعم من المقطوع والمظنون
واقعا هذا ولكن الظاهر من عبارة شيخنا العلامة الأنصاري (قده) ان قيام الامارات مقام
القطع الصفتي إنما هو من باب قيامها مقام القطع الطريقي وإنما الفرق بينهما انما هو في أن
الثاني يثبت بنفس دليل الاعتبار بخلاف الأول فإنه يحتاج إلى دليل بالخصوص ولا يكفي
فيه قيام الدليل على اعتبارها بقي الكلام فيما استدل به على قيام الامارات والأصول مقام
القطع بتمام أقسامه وعمدة ما يستدل به على ذلك هو ان دليل الاعتبار إنما يفيد تنزيل المؤدي
منزلة الواقع وبعد قيام الامارة يقطع بكون مؤداها واقعا تعبديا جعليا فأحد جزئي الموضوع
وهو القطع يكون محرزا بالوجدان والجزء الآخر وهو الواقع يكون محرزا بالتعبد فكما يترتب
على آثار الخمر الواقعي على ما قامت البينة على خمريته بالتعبد على خمريته فكذلك يترتب عليه
آثار مقطوع الخمرية بنفس هذا التعبد أيضا وهذا هو الوجه الذي تشبث به المحقق صاحب
الكفاية (قده) في تعليقه على الرسائل في اثبات قيام الامارات مقام القطع الطريقي والموضوعي
بنفس دليل الحجية ثم إنه (قده) بعد ما أورد على نفسه بما حاصله ان القطع المأخوذ جزء
للموضوع هو القطع المتعلق بالموضوع الواقعي فلا يكون تنزيل المؤدي منزلة الواقع كافيا في
تحقق تمام الموضوع بضميمة الوجدان إلى التنزيل التزم باستلزام تنزيل المؤدي منزلة الواقع
حتى بلحاظ كونه جزء للموضوع لتنزيل القطع بالواقع التنزيلي منزلة القطع بالواقع الحقيقي
وبالآخرة قد تمسك باطلاق الدليل للتنزيل من هذه الجهة أيضا وهو (قده) وان عدل عن
15

هذا التقريب في الكفاية إلا أنه لا يخفى ما فيه من الاشكالات الكثيرة إذ يرد عليه أولا ان
هذا التقريب على تقدير تماميته إنما يتوقف على كون مفاد أدلة الاعتبار هو تنزيل المؤدي
منزلة الواقع وقد عرفت ان أدلة الاعتبار لا تتكفل إلا اعطاء صفة الطريقية والمحرزية للامارة
فيكون حال الامارة حال القطع الوجداني غاية الأمر ان الطريقية فيه ذاتية وفي الامارة جعلية
واما تنزيل المؤدي منزلة الواقع فلازمة كما عرفت هي الحكومة الواقعية وهي مستلزمة للتصويب
وكون مؤديات الامارات محكومة بالأحكام الواقعية وعليه فلا يكون لجملة من المباحث
كمبحث الاجزاء ونحوه مجال أصلا إذ بعد كون المؤدي محكوما بالحكم الواقعي فما معنى
انكشاف الخلاف بعد ذلك حتى يتكلم في كونه مجزيا عن الواقع وعدمه (ثانيا) ان تنزيل
المؤدي منزلة الواقع في كونه جزء للموضوع باعتبار الحكم الثابت للمركب يتوقف على كون
الجزء الآخر منزلا في عرضه أو محرزا بالوجدان كذلك مع أن الجزء الآخر وهو القطع
بالواقع الجعلي وتنزيله منزلة القطع بالواقع الحقيقي يتوقف على تنزيل المؤدي منزلة الواقع على
الفرض فيلزم الدور المصرح وبهذا الوجه أشار هو قدس سره في الكفاية أيضا (وثالثا) ان
موضوع الحكم في القضية الحقيقية التي حكم فيها بثبوت الحكم على مفروض الوجود إذا كان
مركبا من جزئين لا يكون أحدهما احرازا فيمكن حينئذ أن يكون أحد الجزئين محرزا في
زمان والجزء الآخر محرزا بعد ذلك بزمان كالكرية والمائية وأما إذا كان أحد الجزئين هو
الواقع والجزء الآخر احرازه فلا يمكن احراز أحد الجزئين أولا واحراز الجزء الآخر بعده
ويستحيل كون الاحراز المتأخر جزء من هذا الموضوع وحيث إن المفروض في المقام هو تركب
الموضوع من الاحراز ومتعلقه فلو كان الجزء الآخر منزلا في عرض الجزء الأول بأن يكون
مشكوك الخمرية منزلا منزلة الخمر الواقعي وكان احراز الخمر الواقعي بالامارة منزلا منزلة القطع بالواقع
فيتم الموضوع حينئذ وأما إذا كان الاحراز المتأخر عن التنزيل وهو القطع بالواقع الجعلي الذي
لامساس له بالواقع الحقيقي منزلا منزلة القطع بالواقع فيستحيل التئامه مع الجزء الأول حتى
يتحقق المركب الذي هو الموضوع للحكم وليت شعري ما الذي دعا هذا المحقق إلى جعل
الجزء الآخر المنزل منزلة القطع بالواقع هو القطع بالواقع الجعلي حتى يرد عليه ذلك ولم لم
يلتزم إلى كون الجزء الآخر المنزل منزلته بالملازمة هو الاحراز الناقص المتعلق بنفس الواقع
حتى يسلم من ذلك (ورابعا) ان تمسكه بالاطلاق لاثبات التنزيل بلحاظ كون المؤدي
16

جزء للموضوع حتى يترتب عليه تنزيل الجزء الآخر عجيب وأعجب منه قياسه ذلك بورود
الدليل الخاص على التنزيل بهذا اللحاظ والوجه في ذلك هو ان الدليل الخاص الوارد في مقام
التنزيل بلحاظ جزء الموضوع لا محالة يكون دليلا ومثبتا للتنزيل بلحاظ الجزء الآخر أيضا صونا
لكلام الحكيم عن اللغوية إذ المفروض عدم ترتب الأثر على جزء الموضوع بنفسه وهذا كما إذا
ورد الدليل بالخصوص على استصحاب الحياة مع عدم اثر مترتب على نفسها بل كان الأثر مترتبا
على لازمها العقلي والعادي فإنه لا مناص حينئذ عن الالتزام بكون التعبد بلحاظ أثر اللازم
لئلا يلزم اللغوية في كلام الحكيم وأين ذلك من اثبات هذا الأثر باطلاق لا تنقض اليقين
بالشك فإن شموله بلحاظ أثر اللازم أول الكلام وكذلك في المقام فإن شمول اطلاق دليل
التنزيل لجزء الموضوع حتى يترتب عليه تنزيل آخر أول الدعوى وبالجملة التمسك بالاطلاق
إنما يصح فيما إذا لم يكن شموله لمقام محتاجا إلى عناية أخرى وأما فيما إذا احتيج إلى ذلك في
الشمول فلا يمكن اثبات تلك العناية به وإلا فلا بد من القول بحجية كل أصل مثبت ومن
الغريب انه (قده) مع عدم ذهابه إلى حجية الأصل المثبت قد صدر منه ما ينافي مبناه في المقام
وفي القول بمحصلية الأقل بجريان حديث الرفع فيما شك في جزئيته أو شرطيته وفيما إذا نسي
الجزء أو الشرط وخامسا إذا أغمضنا عن جميع ما يرد عليه فغاية ما يدل عليه دليل التنزيل هو
كون المؤدي منزلا منزلة الواقع في كونه منكشفا للمكلف وغاية ما يقتضيه الملازمة بين التنزيلين
هو كون الجزء الآخر منزلا منزلة القطع في انكشاف الواقع به وأين ذلك من تنزيل الجزء
الآخر منزلة القطع المأخوذ على وجه الصفتية وهذا يحتاج إلى عناية أخرى لا يتكفل لها دليل
الحجية أصلا بقي هناك شئ وهو ان موضوع الحكم إذا كان مرسلا وغير مقيد بكونه معلوما
فهل يمكن أخذ القطع به في موضوع حكم آخر مثله أو ضده أم لا أما بالنسبة إلى الضد فلا اشكال
في عدم جوازه لما فيه من اجتماع الضدين وامتناع امتثال المكلف في الخارج واما بالنسبة إلى
إلى الحكم المماثل فربما يقال فيه بالجواز نظرا إلى عدم ترتب محذور على ذلك إلا ما يتوهم من
استلزامه لاجتماع المثلين وهو لا يكون بمحذور في أمثال المقام أصلا فإن اجتماع عنوانين في
شئ واحد يوجب تأكد الطلب وأين ذلك من اجتماع الحكمين المتماثلين وقد وقع نظير ذلك في
جملة من الموارد كما في موارد النذر على الواجب وأمثاله ولكن التحقيق هو استحالة ذلك
أيضا فإن القاطع بالخمرية مثلا إنما يرى الخمر الواقعي ولا يرى الزجر عما قطع بخمريته إلا
17

زجرا عن الواقع فليس عنوان مقطوع الخمرية عنده عنوانا آخر منفكا عن الخمر الواقعي ومجتمعا
معه أحيانا حتى يمكن تعلق حكم آخر عليه في قبال الواقع كما في موارد اجتماع وجوب الشئ
في حد نفسه مع وجوب الوفاء بالنذر وأمثاله ومع عدم قابلية هذا العنوان لعروض حكم عليه
في نظر القاطع لا يمكن جعله له حتى يلتزم بالتأكد في موارد الاجتماع هذا كله في أقسام القطع
وقد عرفت ان أقسامه الممكنة أربعة والواقع منها في الشريعة قسمان القطع الطريقي المحض وما
أخذ في الموضوع على جهة الطريقية وقد عرفت ان الصحيح هو قيام الامارات مقام كل من
القسمين بنفس دليل الاعتبار والمفيد لحكومتها على الأدلة الواقعية بالحكومة الظاهرية وأما
الظن فحيث ان طريقيته ليست ذاتية بل لا بد وأن تكون بجعل جاعل كما عرفت فهو ينقسم
إلى قسمين ما يكون حجة مجعولة وما لا يكون كذلك (وتوهم) وجود قسم ثالث فيه
وهو ما يكون حجة من جعلة كالظن الانسدادي على الحكومة بتوهم ان الظن في هذا الحال كالقطع
حال الانفتاح في كون الطريقية من لوازم ذاته وكونه حجة من جعلة بحكم العقل ولا يمكن
استكشاف الحكم الشرعي منه بقاعدة الملازمة أيضا كما أفاده العلامة الأنصاري قدس سره
فاسد فإن حقيقة الظن إذا لم يكن الطريقية من لوازمها فكيف يمكن كونها كذلك بمقدمات
الانسداد وهل يوجب ترتيب مقدمات الانسداد انقلاب الظن عن حقيقته إلى حقيقة أخرى
والمراد من كون الظن حجة على الحكومة ليس هو كونه طريقا منجعلا بل المراد هو ان بطلان
الاحتياط إذا لم يستلزم جعل الشارع طريقا كما يدعيه القائل بالحكومة فلا بد وان تنزل من
الامتثال القطعي الاجمالي إلى الامتثال الظني وبعبارة أخرى لا بد من الاحتياط في خصوص
المظنونات وطرح المشكوكات والموهومات كما أنه إذا لم يمكن الامتثال الظني في أطراف العلم
الاجمالي فلا بد وان نتنزل إلى الاحتمالي لا ان الظن والاحتمال يكونان طريقين إلى متعلقيهما
عقلا في هذا الحال واما عدم استكشاف حكم شرعي بقاعدة الملازمة فليس من جهة كون الطريقية
فيه ذاتية بل من جهة استقلال العقل بالحكم في باب الإطاعة والمعصية من دون أن يكون
مستتبعا لحكم شرعي ثم إن حال الظن في أخذه في الموضوع كحال القطع بعينها في أنه قد يكون
تمام الموضوع وأخرى يكون جزء له وعلى الثاني فإما ان يؤخذ فيه على وجه الطريقية أو على وجه
الصفتية واما على الأول فقد عرفت استحالة كونه موضوعا على وجه الطريقية ثم إن الظن
المأخوذ في الموضوع في تمام أقسامه الثلاثة الممكنة اما أن يكون ظنا معتبرا أو يكون ظنا غير
18

معتبر فيكون الأقسام ستة وتوهم استحالة أخذ الظن الغير المعتبر جزء للموضوع بتقريب انه إذا
لم يكن حجة وطريقا إلى متعلقه فكيف يلتئم منه الموضوع في الخارج فإن الجزء الآخر له وهو
الواقع اما أن يكون محرزا بالظن أو بالقطع اما احرازه بالظن فهو بعد فرض عدم حجيته غير
معقول واما احرازه بالقطع فهو إن كان ممكنا إلا أن اجتماعه مع الظن ليتحقق تمام الموضوع
ويلتئم الجزءان في الخارج مستحيل فإذا لم يمكن القيام الظن الغير المعتبر مع الجزء الآخر فجعله
جزء للموضوع غير معقول مدفوع بعدم انحصار المحرز للجزء الآخر بالقطع وبهذا الظن الغير
المعتبر المأخوذ في الموضوع حتى لا يمكن التئام الجزئين في الخارج بل يمكن احراز الجزء الآخر
بأصل أو امارة خارجية ويلتئم الموضوع حينئذ بضم الوجدان إلى التعبد ويترتب عليه الآثار
المجعولة (ثم) انك قد عرفت سابقا ان أخذ القطع في الموضوع في تمام أقسامه الثلاثة
الممكنة إنما هو باعتبار أخذه في موضوع حكم آخر أجنبي عن حكم متعلقه واما الظن فهو إن كان
معتبرا وطريقا مجعولا إلى متعلقه فحاله حال القطع بعينها فإن متعلقه إذا كان حكما شرعيا أو
موضوعا ذا حكم فيستحيل أخذه في موضوع حكم آخر يضاد حكم المتعلق أو يماثله بيان ذلك
ان الشارع إذا حكم بحرمة الخمر فيكون تلك الحرمة شاملة لصورة الظن بها بنتيجة الاطلاق
كما انها تشمل الخمر المظنون خمريته بالاطلاق اللحاظي فإن انقسام الخمر إلى كونه مظنونا
ومشكوكا ومقطوعا من الانقسامات الأولية التي يمكن لحاظها في مقام الحكم ومع شمول الحرمة
للحرمة المظنونة أو الخمر المظنون خمريته فيستحيل جعل حرمة أخرى أو جعل الوثوب مثلا
لمظنون الحرمة أو لمظنون الخمرية لامتناع اجتماع المثلين والضدين هذا مضافا إلى أن جعل
الحكم المضاد يستلزم تحير المكلف في مقام الامتثال بداهة ان لازم تعلق الظن المعبر بالحرمة
أو الحرام هو لزوم الاجتناب ولازم أخذه موضوعا للوجوب هو الارتكاب والجمع بينهما غير
ممكن فيبقى المكلف متحيرا في مقام الطاعة أو الحرام (وتوهم) امكان الاخذ في موضوع حكم مماثل
باعتبار كون الظن بالحرمة أو الحرام عنوانا آخر فيمكن الحكم لهذا العنوان بنفسه ويكون لازما
ذلك هو تأكد الحكم في مورد الاجتماع قد ظهر فساده مما بيناه في استحالة كون القطع بالحكم
موجبا لحدوث عنوان آخر يكون متعلقا لحكم مماثل وموجبا لتأكد الحكم في مورد الاجتماع وجه
الظهور وهو ان الظن بالحكم أو بموضوع ذي حكم بعد فرض كونه طريقا ومحرز المتعلقة
يكون حاله حال القطع فيما ذكرناه في وجه الاستحالة من أن المحرز للشئ ليس حقيقته إلا
19

ما به ينكشف ذلك الشئ وليس انكشاف الشئ أمر آخر في قبال المنكشف وموجبا لتعنونه
بعنوان آخر بل الظن أسوأ حالا من القطع في بعض الجهات فإن القطع يمكن أن يؤخذ في
موضوع حكم متعلقه من باب نتيجة التقيد والتصرف في الحكم المقطوع دون نفسه لعدم كون
طريقته قابلة للتصرف وهذا بخلاف الظن المعتبر لأنه لا يعقل فيه ذلك إذ المفروض ان طريقيته
جعلية وانها قابلة للتصرف ومع اعطاء الطريقية له كيف يمكن ان يتصرف في الحكم المظنون
بتقييده بعدم كونه مؤدى لهذا الطريق والحاصل انه يمكن للشارع أن لا يعطي صفة الطريقية
للظن القياسي مثلا ولكن مع اعطائها له لا يمكن تقييد حكمه بأن لا يحصل من الظن القياسي
واما في القطع فحيث كان التصرف فيه والغاء الطريقية عنه مستحيلا فلم يكن هناك مناص عن
تقييد الحكم كما عرفته هذا كله في الظن المعتبر وأما الظن الغير المعتبر فيظهر استحالة أخذه في
موضوع الحكم المضاد مما ذكرناه في وجه الاستحالة في اخذ الظن المعتبر موضوعا له فإن الحكم
الواقعي بعد شموله لمورد الظن بالاطلاق الذاتي واللحاظي فيستحيل جعل حكم آخر مضاد
له لا محالة وأما أخذه في موضوع الحكم المماثل تمام الموضوع أو جزء له فلا محذور فيه أصلا
بداهة امكان كون تعلق الظن بالخمر أو كون عنوان مظنون الخمرية بنفسه وإن لم يكن هناك
خمر واقعي موجبا لحرمة أخرى فيما إذا لم يتصف الظن بالمحرزية والطريقية كما هو المفروض
في المقام ومع امكانه فلا مانع من جعلها الموجب للتأكد في مورد الاجتماع لا محالة بالخمرية (فإن قلت)
إذا فرض شمول الخمر الواقعي المفروض حرمته لصورة الظن به أيضا كما مر آنفا فلا محالة
بكون جعل حرمة أخرى له لغوا محضا لا يترتب عليه أثر قلت إذا كان الظن بالخمرية مثلا
تمام الموضوع للحرمة فلا محالة يكون النسبة بينه وبين الخمر الواقعي هو العموم من وجه ويكون
كل من العنوانين بنفسه موجبا لتعلق الحكم به كما في عنواني العالم والهاشمي الموجب كل منهما
لجعل وجوب الاكرام له غاية الأمر هو تأكد الحكم في مورد الاجتماع كما أشرنا إليه وأين
ذلك من اللغوية واما إذا كان الظن بها جزءا لموضوع الحرمة فلكون النسبة بين الموضوعين هو
العموم والخصوص المطلق ربما يتوهم استحالة جعل الحكم للخاص مرة ثانية بعد جعله للعام كما إذا
حكم بوجوب اكرام الفقهاء بعد الحكم بوجوب اكرام العلماء مطلقا إلا أنه توهم فاسد فإن
عنوان الفقيه في المثال وعنوان كون الخمر الواقعي مظنونا في المقام إذا كان فيهما ما يوجب
جعل الحكم لهما بالخصوص فلا مانع عن الجعل الموجب لتأكد الطلب فيهما ويكون فائدة
20

التشريع هو ان المكلف ربما لا يكون له داع إلى امتثال الاحكام الغير المؤكدة الصادرة من
المولى ولكنه لا يتجاسر على مخالفة التكاليف المؤكدة فإذا لم يجعل الوجوب لخصوص اكرام
الفقهاء أو الحرمة لخصوص الخمر المظنون فلا يكون التكليف الأول الشامل لهما بالعموم موجبا
لاطاعته وهذا المقدار يكفي في فائدة التشريع واخراجه عن اللغوية فتحصل من جميع ما ذكرناه
ان الممكن من أقسام الظن المأخوذ في الموضوع ثمانية فإنه اما أن يكون حجة أولا وعلى كلا
التقديرين فإما أن يكون تمام الموضوع أو جزءه وعلى الثاني فإما أن يكون مأخوذا على وجه
الصفتية أو مأخوذا على وجه الطريقية فهذه أقسام ستة ممكنة باعتبار أخذه في موضوع حكم آخر
أجنبي واما أخذه فيه في موضوع حكم مماثل لحكم المتعلق أو مضاد له فقد عرفت ان الممكن
من أقسامه قسمان لا غير (أحدهما) أخذ الظن الغير المعتبر تمام الموضوع للحكم المماثل والثاني
أخذه جزء له وفيما ذكرناه من قيام الامارات والأصول مقام القطع وعدمه غنى عن إعادة
الكلام في أقسام الظن هذا وفي عبارة العلامة الأنصاري قدس سره في المقام تشويش لا يخفى
على من راجعها وقد نقل الأستاذ دام ظله من أستاذ أساتيذنا العلامة الشيرازي قدس سره
تصحيحه لعبارة الكتاب بما يرتفع به التشويش (ثم) لا يخفى أن أخذ الظن في موضوع
حكم من الأحكام الشرعية ليس له عين ولا أثر وإنما كان تعرضنا لاقسامه المعقولة تشريحا
للذهن تبعا للعلامة الأنصاري (قده) فإن قلت أليس اعتبار الوثوق بالعدالة في موضوع جواز
الائتمام من باب أخذ الظن في موضوع الحكم الشرعي ثم إن الظاهر أن اعتباره فيه من باب
أخذه تمام الموضوع وعلى وجه الصفتية ولذا لا يجب إعادة الصلاة عند انكشاف عدم العدالة
بالفسق أو الكفر بعدها فلا بد وان لا يقوم البينة أو الاستصحاب مقامه مع عدم حصول
الوثوق منهما بناء على ما ذكرت من عدم قيام الامارات والأصول مقام ما أخذ في الموضوع
على جهة الصفتية والكاشفية (قلت) الوثوق المأخوذ موضوعا لجواز الائتمام إنما هو الاطمئنان
المعبر عنه بالعلم العادي فأخذه في الموضوع أجنبي عن أخذ الظن فيه وأما حديث قيام الامارات
والأصول مقامه فهو على القاعدة إذ الظاهر أن أخذه فيه من جهة الكاشفية والطريقية إلى
متعلقه وليس في حكم الشارع بالاجزاء عند كشف الخلاف دلالة على أن الموضوع هو نفس
الاحراز كما توهم ذلك في اشتراط الصلاة بالطهارة من جهة حكم الشارع بالاجزاء عند انكشاف
21

وقوعها في الثوب المتنجس بل الصحيح هو ان الحكم بالاجزاء إنما هو لاكتفاء الشارع عن
المأمور به بالمأتي به لمصلحة التسهيل أو غيرها وقد ذكرنا في بحث الاجزاء ما ينفع في المقام
فراجع بقي أمور (الأول) في بيان ان التجري والمخالفة الاعتقادية يترتب عليه ما يترتب
على المعصية والمخالفة الواقعية أم لا وقبل التكلم في ذلك لا بد من التنبيه على أمر وهو انه توهم
بعضهم ان النزاع في المقام إنما يجري في خصوص مخالفة القطع بالواقع المفروض عدم اصابته
وأما مخالفة الطرق الشرعية فلا يجري فيها النزاع لعدم الاشكال والريب في استحقاق
العقاب على مخالفتها وإن كانت غير مصيبة للواقع ومنشأ هذا التوهم هو تخيل ان مخالفة الطرق
الشرعية إنما هي مخالفة للأحكام الظاهرية المجعولة من قبل المولى فلا محالة يترتب عليها استحقاق
العقاب وإن لم يكن هناك أحكام واقعية في مواردها وهذا بخلاف القطع فإن مخالفته في
صورة عدم المصادفة لا يكون مخالفة لحكم واقعي ولا ظاهري فيقع النزاع في أن المخالفة
الاعتقادية التخيلية يترتب عليها ما يترتب على المخالفة الواقعية أم لا (وأنت) بعد ما عرفت
ان المجعول في موارد الطرق الشرعية ليس هي الاحكام البعثية أو الزجرية وإنما هو نفس
صفة الطريقية والكاشفية من دون استتباعها لحكم شرعي تعرف ان حال مخالفة الطريق الوجداني
حال الطريق الجعلي بعينها من دون فرق بينهما أصلا وعليه يكون محل النزاع في المقام أعم من مخالفة
القطع الوجداني والامارات أو الأصول حتى أصالة الاحتياط في موارد العلم الاجمالي أو غيرها وبالجملة
مخالفة مطلق المنجز للحكم على تقدير انكشاف عدم ثبوته في الواقع يكون محل الكلام في
المقام إذا عرفت ذلك فاعلم أنه ربما يحرر المسألة في محل الكلام فرعية وأخرى أصولية وثالثة
كلامية (اما) تحريرها فرعية فباعتبار أن يقع الكلام في اتصاف المخالفة القطعية ولو كان
القطع غير مصادف للواقع بالحرمة وعدمه وأنت بعد ما عرفت ان انكشاف الواقع لا يزيد بنظر
القاطع على الواقع بشئ ويستحيل أن يكون بهذا العنوان محكوما بحكم آخر تعرف بطلان تحريرها
فقهية (واما) تحريرها أصولية فهو من وجهين (الأول) أن يقع النزاع في شمول الخطاب
الواقعي فيما كان له موضوع خارج عن الاختيار كما في لا تشرب الخمر وأمثاله لمقطوع الخمرية
مثلا فيكون مقطوع الخمرية محرما بنفس الدليل الواقعي (الثاني) أن يكون النزاع في أن
عنوان المقطوعية وتعلق صفة القطع بشئ هل يمكن أن يكون من العناوين التي بها يتأكد
الحكم أو يتبدل أم لا (اما) الكلام من الجهة الأولى وابطال توهم شمول الاطلاقات الأولية
22

لعنوان المقطوع يتوقف على بيان مستند الخصم في توهم شمول الاطلاق لذلك فنقول ان من
ذهب إلى شمول الاطلاقات الأولية للمقطوع وإن كان القطع غير مصادف للواقع قد اعتمد
في اثبات مطلوبه إلى مقدمات ثلاث (الأولى) ان الخطابات التي لها موضوع خارجي
لا محالة يكون الحكم فيها بعد فرض وجود الموضوع خارجا كما هو شأن القضايا الحقيقية ويكون
متعلق الحكم حينئذ هي القطعة الاختيارية التي لم تأخذ مفروض الوجود مثلا خمرية المائع
الخارجي في قضية لا تشرب الخمر وصدق الخمر عليه لا بد وأن يكون مفروض الوجود في
الخطاب حتى يكون المتعلق له هو الشرب الاختياري بداهة ان الأمور الغير الاختيارية كخمرية
المايع غير قابلة لتعلق الخطاب بها وعلى ذلك فرعنا بطلان الواجب المعلق وذكرنا ان الزمان
لكونه خارجا عن الاختيار يستحيل كونه قيدا للمطلوب بل لا مناص عن كونه مفروض
الوجود حين الخطاب وتعلق الخطاب بالقطعة الاختيارية ولازم ذلك هو الالتزام باشتراط
الوجوب فإن كل قضية حقيقة ترجع إلى قضية شرطية كما أن كل قضية شرطية ترجع إلى قضية
حقيقية (الثانية) ان العلم وحضور صورة الموجود الخارجي في النفس هو الموضوع والعلة
لتحقق الإرادة التكوينية ضرورة استحالة الانبعاث أو الانزجار عن الموجود الخارجي ما لم
يتصف بصفة المعلومية بداهة أن العطشان لا يعقل تحركه نحو الماء الخارجي ما لم يعلم بوجوده بل
ربما يموت عطشا مع وجود الماء عنده كما أن الانسان لا يفر عن الأسد الخارجي ما لم يعلم بوجوده
ولو ترتب على عدم الفرار افتراسه له وهذا بخلاف القاطع بوجود الماء أو الأسد فإنه يتحرك نحو
الماء ويفر من الأسد وان لم يكن هناك ماء أو أسد في الخارج وكان القطع غير مصيب للواقع
فتحصل ان الموجب للحركة أو الهرب إنما هو نفس صفة العلم ليس إلا ولها موضوعية في تحقق
الإرادة من دون فرق بين أن يكون للصورة النفسانية واقع يطابقها أو لم يكن (الثالثة)
ان الإرادة التكوينية واختيار العبد في الخارج هي التي يكون إرادة المولى محركة لها فكان
المولى عند طلبه يفرض أعضاء العبد أعضاء نفسه ويحرك إرادة العبد نحوها فطلب المولى وارادته
التشريعية هو الموجب لتحقق إرادة العبد واختياره ويترتب على هذه المقدمات ان التكليف
بحسب مقام التعلق وإن كان يتعلق بنفس الموضوع الخارجي إلا أنه في مقام التحريك إنما يحرك
إرادة العبد واختياره في فرض العلم وللصورة النفسانية موضوعية لتحقق الإرادة والمقدار
الممكن من العبد وما هو باختياره إنما هو ترك شرب ما قطع بخمريته والإصابة وعدمها وخمرية
23

المايع الخارجي وعدمها أجنبيتان عن اختيار العبد وارادته فكما ان العاصي اختار شرب الخمر
لقطعه بخمرية المايع الخارجي فكذلك المتجري اختار ذلك أيضا لقطعه بها والجهة الاختيارية
مشتركة بينهما فيكون تحريك التكليف الواقعي مشتركا بينهما لا محالة وهذا معنى ما ذكرناه من
شمول الاطلاقات الواقعية لعنوان المقطوع ولو كان القطع غير مصادف للواقع هذا غاية ما يمكن
ان يقال في تقريب مستند هذا التوهم (وجوابه) ان المقدمة الأولى وإن كانت صحيحة
ولا مناص عن الالتزام بها كما أوضحناها في بحث الواجب المشروط إلا أن المقدمة الثانية
والثالثة ممنوعتان اما منع المقدمة الثانية فلان الإرادة إنما تنشأ من العلم بالموجود الخارجي بما
انه طريق إليه لا بما ان له موضوعية ضرورة ان القاطع بوجود الماء أو الأسد إنما يتحرك أو
يهرب لا من جهة وجود صفة نفسانية بما هي صفة بل من جهة انكشاف الموجود الخارجي بها
والمحرك لها إنما هو الموجود الخارجي لكن لا مطلقا بل بعد الانكشاف وبالجملة القاطع حيث إنه
يرى الواقع يتحرك نحوه لا ان الرؤية بنفسها محركة له وهذا ظاهر وجداني لا يحتاج إلى
زيادة بيان (ثم) ان كون العلم موضوعا للإرادة بحيث يقيد متعلقها ممنوع أيضا بل انكشاف
الواقع عند الشخص داع للحركة الخارجية من دون كونها متقيدة بمتعلق الانكشاف فالعلم
بعداوة زيد بما انه طريق إليها يكون داعيا إلى ضربه وقد يتخلف الداعي عن العمل لا ان العلم
بها يوجب وقوع الضرب على عنوان العدو ضرورة ان الضرب لا يقبل لأن يقع على العنوان
وإنما يقع على الموجود الخارجي ليس إلا كما أن العلم بوجود الخمر خارجا يكون داعيا للخمار
لشربه المايع الخارجي وعند انكشاف الخلاف يكون التخلف من قبيل تخلف الداعي (وأما)
منع المقدمة الثالثة فلان الإرادة التشريعية وإن كانت محركة للإرادة التكوينية ونسبتها إليها
نسبة حركة المفتاح إلى حركة اليد إلا أن كون حركتها مرادة بنحو المعنى الأسمى
الاستقلالي ممنوع بل المراد إنما هو الفعل الصادر بالإرادة والاختيار لأنه هو الذي يترتب
عليه المصلحة أو المفسدة والإرادة تكون مرادة بنحو المعنى الحرفي الغير الاستقلالي (ثم)
لا يخفى أن منع كل واحدة من المقدمتين يكفي في بطلان ما أراد الخصم اثباته ضرورة أنه
إذا منعنا المقدمة الثانية وهي دعوى كون الصورة النفسانية لها موضوعية في تحقق الإرادة
وأثبتنا أن العلم بما هو طريق إلى الواقع يكون داعيا إلى الحركة فبانكشاف الخلاف وتبين
عدم كون الموضوع الخارجي خمرا ينكشف انه لم يكن هناك محرك وانما كان هناك تخيل الحركة
24

فلو سلمنا ان الإرادة التكوينية هي التي يتعلق بها الإرادة التشريعية بنحو المعنى الأسمى
إلا أن المحرك هو نفس التكليف الواقعي المشروط بوجود موضوعه واقعا وهو مفقود في
المتجري على الفرض كما انا لو سلمنا هذه المقدمة ولكن التزمنا بكون متعلق الإرادة التشريعية
هو الفعل الارادي دون نفس الإرادة والاختيار بنحو المعنى الأسمى كما عرفت
فلا يكون المتجري مشتركا مع العاصي ضرورة انه بانكشاف الخلاف في فرض التجري ينكشف
ان متعلق الإرادة التكوينية وهو شرب المايع الخارجي لم يكن متعلقا للإرادة التشريعية
إذ المفروض تعلقها بنفس شرب الخمر الواقعي وهو غير متحقق والمتحقق إنما هو إرادة الشرب
واختياره المفروض عدم كونها متعلقة للإرادة التشريعية (والحاصل) ان دعوى اشتراك
المتجري والعاصي في كون التكليف الواقعي شاملا لهما في مقام التحريك الخارجي تتوقف
على اثبات كون العلم هو العلة التامة والموضوع لتحقق الإرادة بما هو صفة نفسانية وعلى اثبات
كون الإرادة التكوينية بنفسها متعلقة للإرادة التشريعية بنحو المعنى الأسمى دون الفعل الارادي
وقد عرفت فسادهما بما لا مزيد عليه فلا يبقى للدعوى المذكورة مجال أصلا (وأما) التكلم
من الجهة الثانية فملخصه ان يقال إنه بعد الفراغ عن عدم الاشكال في أن العناوين الطارئة على
شئ ربما توجب تأكد حكمه أو تبدله في الجملة وقع النزاع والكلام في أن تعلق القطع بشئ هل
هو من تلك العناوين بأن يكون تعلق القطع بخمرية شئ مثلا موجبا لتحقق مفسدة فيه يترتب
عليها حكم شرعي أم لا والتحقيق في المقام ان يقال إنه لا اشكال في عدم تغير الموضوع عما
هو عليه بتعلق القطع بخلافه ضرورة انه لا يخرج الماء الخارجي عما هو عليه في الخارج
ولا يكون ذا مفسدة بتعلق القطع بكونه خمرا كما أنه لا اشكال في عدم تغير الشرب الخارجي
عما هو عليه ولا يكون متصفا بالقبح بمجرد القطع المذكور لما ذكرنا من أن انكشاف الشئ
لا يزيد عليه بشئ فشرب الماء الخارجي على ما هو عليه من الإباحة الواقعية وعدم القبح في فعله
وفي تركه بعد تعلق القطع بخمريته أيضا كما أنه لا اشكال في أن تعلق القطع بخمرية المايع
الخارجي يوجب القبح الفاعلي بإرادة شربه والا لخرج المتجري عن كونه متجريا على المولى وكونه
في مقام معصيته انما الاشكال في أن القبح الفاعلي هل يستتبع خطابا شرعيا مولويا بترك هذا
الشرب أم لا ويقع الكلام في ذلك تارة من جهة استتباع القبح الفاعلي لسراية الحرمة الثابتة
للخمر الواقعي إلى مقطوع الخمرية أيضا واخرى من جهة استتباعه لحكم آخر ثابت لنفس هذا
25

العنوان أما استتباعه لسراية الحكم الأولي الثابت لنفس الخمر إلى مورده فهو غير معقول فإن
القبح الفاعلي في مرتبة متأخرة عن التكاليف الواقعية ضرورة ان ثبوت الحرمة للخمر الواقعي
هو الموجب للقبح الفاعلي في شرب مقطوع الخمرية ولو كان القطع بها مخالفا للواقع وما كان في
مرتبة متأخرة عن التكليف الواقعي لا يمكن استتباعه له وتوهم امكان استتباعه له بنتيجة الاطلاق
قياسا باستتباعه التضييق في الحكم الواقعي من باب نتيجة التقييد كما في موارد اجتماع الأمر والنهي
بناء على الجواز وكون التركب بينهما انضماميا فإنا قد ذكرنا في ذلك المبحث ان متعلقي
الأمر والنهي وان كانا مختلفين خارجا الا ان ذلك لا يوجب صحة المأمور به إذا كان عبادة
في صورة العلم بجهة الحرمة فإن القبح الفاعلي الناشي عن اتحاد وجود المأمور به مع المنهي عنه
في مقام الايجاد والتأثير يوجب عدم امكان التقرب بهذا الفرد فيكون الفرد المتصف بالقبح
الفاعلي خارجا عن اطلاق المأمور به بنتيجة التقييد فإذا أمكن كون القبح الفاعلي موجبا
للتضييق من باب نتيجة التقييد فيمكن كونه موجبا للتوسعة من باب نتيجة الاطلاق أيضا
مدفوع بوجود الفارق بين المقامين فإن التضييق في باب اجتماع الأمر والنهي إنما هو لأجل
منافاة القبح الفاعلي مع قصد التقرب فلا محالة يتقيد المأمور به بغير صورة وجود القبح الفاعلي
من باب نتيجة التقييد واما القبح الفاعلي في المقام فهو أمر آخر مباين للقبح الفعلي الموجب
للحرمة في مرتبة سابقة عليه والمفروض عدم تحقق ذلك الموجب في مورد التجري فلو كان القبح
الفاعلي أيضا موجبا لخطاب مولوي فلا بد وأن يكون موجبا لخطاب آخر غير الخطاب الأولي
الناشئ عن القبح الفعلي الغير المتحقق في مورد التجري والتحقيق امتناع ذلك أيضا فإنا قد
ذكرنا سابقا ان تعلق القطع بشئ ذي حكم يستحيل أن يكون موجبا لجعل حكم آخر على
هذا العنوان لاستلزامه اجتماع المثلين بنظر القاطع فلا يمكن أن يكون هذا الحكم المستلزم للحال
بنظر القاطع محركا له إلى الامتثال وما كان كذلك يستحيل جعله فعنوان المقطوعية وإن كان
من العناوين الطارئة على الشئ إلا أن العنوان الطارئ إذا كان هو الانكشاف فهو لا يزيد
عن المنكشف في نظر المكلف حتى يوجب جعل حكم آخر له في قبال الحكم الأولي ليترتب على
ذلك تأكد الحكم في مورد الاجتماع ولو أغمضنا عن هذا المحذور فلا مانع من استتباع القبح
الفاعلي لحكم آخر ثابت لنفس عنوان المقطوع في قبال الحكم الواقعي الثابت لنفس الموضوع
الواقعي وأما ما أفيد في وجه الاستحالة من أن القطع حيث إنه لا يكون ملحوظا استقلاليا في
26

نظر القاطع ولا يكون الفعل صادرا عن المكلف الا بعنوانه الأولي الاستقلالي دون عنوانه
الطاري الآلي ضرورة ان القاطع بخمرية المايع الخارجي انما يشربه بما انه خمر لا بما انه مقطوع
الخمرية بل يكون هذا العنوان مغفولا عنه وغير ملتفت إليه غالبا فلا يمكن أن يكون متعلقا
لحكم شرعي إذ المتعلق له لابد وأن يكون من الأفعال الاختيارية فمدفوع بأن الموضوع
الخارجي انما يكون ملتفتا إليه بالقطع فصفة القطع حاضرة للنفس بذاتها والموضوع الخارجي
يكون حاضرا لها بها ولا ريب ان صدور الفعل بهذا العنوان اختياري وملتفت إليه غاية الأمر
انه بالارتكاز لا بالتفصيل وهذا لا ضير فيه والا لما كان عنوان المقطوع قابلا لتعلق
الحكم به أصلا ولو كان ذلك حكما آخر أجنبيا عن حكم متعلقه مع أنه لا اشكال فيه ولا ريب
وانكاره يستلزم هدم جميع ما ذكرناه في القطع الموضوعي مع أن هذا القائل ملتزم بها أيضا
(ثم) انه ظهر مما ذكرناه فساد توهم ان ملاك استحالة جعل الحكم لعنوان الناسي وهو ان
الحكم الثابت لهذا العنوان يستحيل فعليته فإنه مع عدم الالتفات إلى الموضوع يستحيل فعلية
الحكم ومحركيته له ومع الالتفات إليه ينقلب الموضوع إلى ضده جار في المقام أيضا فإن من لم
يلتفت إلى القبح الفاعلي وكون قطعه مخالفا للواقع يستحيل فعلية الحكم في حقه ومع الالتفات
إليه ينقلب الموضوع إلى ضده وجه الظهور ان المدعى إذا كان هو استتباع القبح الفاعلي في
خصوص المتجري لخطاب متعلق به بخصوصه فيرد عليه ما ذكر ويصبح القياس بالناسي في
استحالة جعل الحكم له لكنه خلاف الواقع والمفروض فإن القبح الفاعلي مشترك بين العاصي
والمتجري وعلى تقرير استتباعه لحكم آخر يكون هذا الحكم ثابتا في حق كل منهما وإذا كان
القبح الفاعلي مشتركا بينهما فلا محالة يكون الحكم التابع له ثابتا لكلي عنوان المقطوع به كان
القطع مصادفا للواقع أم لم يكن ولا ريب ان هذا العنوان مما يلتفت إليه المتجري وعلى تقدير
استتباعه لحكم آخر يمكن له الانبعاث عنه مع الالتفات إلى موضوعه وأين ذلك من النسيان
المستحيل ان يلتفت إليه مع بقائه على حاله وبالجملة القبح الفاعلي الموجود في التجري إن كان
صالحا للاستتباع لخطاب شرعي فالقبح الفاعلي الموجود في فرض العصيان يكون صالحا له
بالأولية والأولوية فلا يكون الخطاب مختصا بخصوص المتجري حتى يلزم من الالتفات إلى
موضوعه انقلابه إلى ضده (وأما) التكلم من الجهة الثالثة وهي الجهة الكلامية فحاصله انه
ذهب جماعة إلى أن المتجري يستحق العقاب بعين ذاك الملاك الذي يوجب استحقاق العاصي
27

واما توهم كون المتجري مستحقا له بملاك آخر يختص به فلم يذهب إليه أحد ودون اثباته خرط
القتاد وعمدة ما يستدل به على كون المتجري مستحقا للعقاب بملاك استحقاق العاصي له هو
ما اعتمد عليه سيد أساتيذنا العلامة الشيرازي قدس سره وأوضح مرامه في ضمن مقدمات أربع
* (الأولى) * انه لا اشكال في أن وظيفة المولى هو جعل الاحكام وايصالها إلى المكلفين
بالطرق المتعارفة من انزال الكتب وارسال الرسل وأمرهم بتبليغها إلى أوصيائهم وأمرهم
بالتبليغ إلى الرواة وهكذا إلى أن ينتهي الاحكام إلى المكلفين بها وبالوصول إليهم ينتهي
سلسلة البعث ويحكم العقل بوجوب الانبعاث عنها وحكم العقل بذلك أعني حكمه بوجوب الطاعة
وحسنها وقبح المعصية وحرمتها حكم استقلالي يستحيل وجود حكم شرعي في مورده إذ
المفروض ان مرتبة حكمه هي مرتبة الانبعاث ففرض البعث في هذه المرتبة خلف محال
فوجوب الانبعاث عن تكاليف المولى المنحل إلى وجوب الطاعة وحرمة المعصية هو الوجوب
الذاتي الذي ينتهي إليه وجوب كل واجب كما أن طريقية القطع كانت ذاتية واليها كانت تنتهي
طريقية كل طريق والوجه في ذلك هو ان هذا الوجوب لو لم يكن ذاتيا لما وجب امتثال
حكم من الأحكام الإلهية ضرورة ان وجوب الانبعاث عنها لو كان مجعولا غير ذاتي لكان
وجوب الانبعاث عن هذا الوجوب محتاجا إلى جعل آخر وهكذا فيدور أو يتسلسل وهذا
بخلاف ما إذا كان غير مجعول وكان ذاتيا فيكون وجوب كل واجب شرعي بعد وصوله
إلى المكلف داخلا في هذه الكبرى العقلية ويجب اطاعته بحكم العقل * (الثانية) * انه قد
ظهر مما ذكرناه ان حكم العقل بحسن الطاعة وقبح المعصية يغاير الأحكام العقلية الاخر مثل
حكمه بقبح التشريع وقبح التصرف في مال الغير ونحو هما في أن مرتبة هذا الحكم العقلي هي مرتبة
المعلول من الحكم الشرعي ضرورة ان مرتبة الانبعاث من البعث هي مرتبة المعلول من العلة
واما مرتبة بقية الأحكام العقلية فمرتبتها من الأحكام الشرعية مرتبة العلة من معلولها فإن حكم
العقل بقبح التشريع وقبح التصرف في مال الغير بضميمة قاعدة الملازمة بين حكم العقل والشرع
يكونان مثبتان للحكم الشرعي فيكونان في مرتبة العلة للحكم الشرعي بحرمة التشريع وحرمة
التصرف في مال الغير (ثم) ان هناك فرقا بين هذا الحكم العقلي الذي هو في مرتبة المعلول
وبين بقية الأحكام العقلية التي هي في مرتبة العلة من جهة أخرى وحاصل هذا الفرق هو ان
هذا الحكم العقلي لا يكون ثابتا إلا في مورد احراز الحكم الشرعي بطريق عقلي أو شرعي واما في
28

موارد الشك أو الظن الغير المعتبر فلا يكون بل يكون تلك الموارد محكومة بحكم عقلي آخر وهو
حكمه بقبح العقاب بلا بيان وهذا بخلاف بقية الأحكام العقلية فإنها كما تثبت في موارد الظن
والشك أيضا فإن العقل لا يفرق بين مورد العلم بعدم صدور التكليف من المولى وبين
مورد الشك في صدوره في حكمه بقبح التشريع فيهما كما أنه لا يفرق بين موارد العلم بكون
المال مالا للغير وبين موارد الشك في ذلك في حكمه بقبح التصرف فيه (نعم) بين حكمه
بقبح التشريع في موارد عدم العلم بعدم الصدور وبين حكمه بقبح التصرف عند الشك في كون
المال مالا للمتصرف فرق أيضا فان حكمه بقبح التشريع في موارد الشك حكم واقعي ناشئ عن
الملاك الذي به حكم العقل بالقبح في موارد العلم بعدم الصدور فإن قبح التشريع إنما هو لكونه
تصرفا في سلطان المولى بغير اذنه وهو مشترك بين موارد العلم والشك فحكمه بالقبح في
الموردين بملاك واحد مشترك بينهما وأما حكمه بقبح التصرف في موارد الشك في كون التصرف
فيه مالا للمتصرف فهو حكم طريقي ناشئ عن الاهتمام بالواقعيات فالملاك فيه غير الملاك في حكمه
بالقبح عند احراز كونه مالا للغير والفرق بين المقامين بذلك يستتبع ثمرات تظهر لك فيما بعد
ذلك إن شاء الله تعالى * (الثالثة) * ان العلم المأخوذ في موضوع حكم العقل بوجوب الطاعة
وحرمة المعصية لا بد وأن يكون هو تمام الموضوع صادف الواقع أم لا ضرورة انه لو كان
موضوعه هو العلم المصادف لكان احراز المصادفة الذي هو الجزء الآخر للموضوع لازما في حكمه
بالوجوب وعليه فلا يجب امتثال تكليف واصل من قبل المولى أصلا لاحتمال ان لا يكون
هذا الاحراز مورد الحكمة لاحتمال انكشاف الخلاف فيه وهذا يستلزم سد باب حكم العقل
بوجوب الطاعة وحرمة المعصية بالكلية وبالجملة فما يمكن أن يكون موضوعا للحكم العقلي هو نفس
الاحراز ليس الا واما تخصيصه بفرد دون فرد فغير معقول وموجب للمحذور المذكور
* (الرابعة) * ان الملاك لحكمه بوجوب الطاعة إذا استحال كونه هو القبح الفعلي والا لزم
استحقاق العقاب في موارد الجهل أيضا فلا بد وأن يكون الملاك له هو القبح الفاعلي لانحصار
الملاك في أحدهما وعدم قابلية شئ آخر للملاكية وإذا كان هو الملاك فلا بد من الالتزام باستحقاق
المتجري للعقاب كالعاصي لثبوت القبح الفاعلي في كليهما وما يختص بالعاصي من القبح
الفعلي قد عرفت كونه أجنبيا عن الملاك واستحالة كونه موجبا لاستحقاق العقاب ولا يخفى
عليك ان لازم هذه المقدمات وإن كان هو استحقاق المتجري للعقاب بملاك استحقاق
29

العاصي له الا ان المقدمة الثالثة والرابعة منها محل نظر بل منع (اما) المقدمة الثالثة فلان
العلم وانكشاف الواقع وإن كان هو الموضوع في هذا الحكم العقلي كما عرفت في المقدمة الثانية
الا انه غير متحقق في باب التجري والمتحقق في مورده هو الجهل المركب وانى لهم باثبات سراية
أحكام العلم للجهل ولسنا ندعي ان احكام العلم ثابت لفرد دون فرد بل ندعي عدم ثبوت احكام
العلم لغيره وبالجملة ان ما يقتضيه وظيفة العبودية هو لزوم انبعاث العبد عن البعث الواصل إليه
واما لزوم انبعاثه عن البعث التخيلي فلا يحكم به العقل أصلا لعدم كون ترك هذا الانبعاث ظلما
للمولى وحركة على خلاف ارادته ورضاه والمتجري في حال كونه متجريا وإن كان يرى
مخالفته محكومة بالقبح العقلي إلا أن من جهة عدم احتماله لعدم المصادقة وتخيله انه يخالف البعث
الواصل من المولى وبعد انكشاف الخلاف ينكشف انه لم يكن هذا المخالفة محكومة بالقبح لعدم
كونه معصية ومخالفة للبعث الواصل والحاصل ان حكم العقل بوجوب الطاعة وحرمة المعصية
انما هو بملاك العبودية والمولوية وان العبد لا بد وان ينبعث عن البعث الواصل من المولى وينزجر
عن زجره الواصل وهذا الملاك غير متحقق في موارد التجري قطعا ووجود ملاك آخر في
مورد التجري يوجب استحقاق العقاب مع أنه خلاف المدعى قد عرفت ان دون اثباته خرط
القتاد (واما المقدمة الرابعة) فلان ملاك استحقاق العقاب وان لم يكن هو القبح الفعلي
كما افاده قدس سره الا ان ذلك لا يستلزم كون القبح الفاعلي الموجود في صورة التجري
ملاكا له أيضا بيان ذلك ان القبح الفاعلي المتحقق في فرض العصيان ليس أمر مغاير للقبح
الفاعلي الواصل إلى المكلف بل نفس القبح الفعلي بعدم فرض علم المكلف به يوجب اتصاف
الفعل بالقبح الفاعلي وهذا هو الملاك في استحقاق العقاب واما القبح الفاعلي الموجود في التجري
فهو مغاير لهذا المعنى من القبح الفاعلي وإنما هو مجرد كشف الفعل عن سوء السريرة وشقاوة
الفاعل وأين ذلك من القبح الفاعلي الموجود في فرض العصيان واثبات كونه ملاكا لاستحقاق
العقاب أيضا يحتاج إلى مؤونة أخرى وامامه برهان آخر وقد عرفت ان دون اثباته خرط القتاد
فتحصل من جميع ما ذكرناه ان التجري لا يكون مستتبعا للقبح الفعلي ولا يكون القبح الفاعلي
الموجود في مورده مستتبعا لخطاب مولوي ولا موجبا لكون التجري في حكم المعصية في استحقاق
العقاب وبعد ذلك لا يبقى مجال للبحث عن كونه محكوما بالحرمة الشرعية فقهيا وهل يمكن اثبات
الحرمة لموضوع آخر أعم من التجري المبحوث عنه في المقام ومن اتيان مقدمات الحرام بقصد
30

التوصل إليه ومن ايجاد بعض المقدمات لصدور الحرام من الغير أم لا (ربما) يقال بأن نية
السوء التي يكون لها مظهر عملي في الخارج تكون محرمة شرعا ويستدل على ذلك بالاجماع
وبالاخبار ولا يخفى عدم تمامية هذه الدعوى لوضوح عدم قيام الاجماع على هذه الكبرى
الكلية (نعم) لا يبعد قيامه على بعض المسائل الجزئية لكن كونها من قبيل المقام ممنوعة
(منها) حكمهم بحرمة تأخير الصلاة لمن ظن تضيق الوقت ولو انكشف بعد ذلك سعته
ومنها حكمهم بوجوب اتمام الصلاة لمن ظن بالخطر في السفر لكون السفر معصية ولو انكشف
بعد ذلك كون الطريق مأمونا وجه المنع هو ان حكمهم في المسألة الأولى بتحقق المعصية
ليس من جهة حرمة التجري وإنما هو لأجل ان خوف تضيق الوقت ولو لم يكن هناك ظن
بالضيق أيضا هو تمام الموضوع لوجوب البدار وأين ذلك من التجري المبحوث عنه في المقام
وأما حكمهم بوجوب الاتمام لمن ظن الخطر في الطريق فهو مبني على وجوب دفع الضرر المظنون
عقلا وتوضيح الحال فيه هو ان الظن قد يتعلق بالضرر الأخروي وأخرى بالضرر الدنيوي
لا اشكال في أنه إذا تعلق بالضرر الأخروي يكون العقل حاكما بوجوب دفعه ارشادا إلى عدم
الوقوع فيه ولا يكون هذا الحكم مستتبعا لخطاب مولوي فإنه من فروع حكمه بوجوب الطاعة
وحرمة المعصية لان الملاك في حكمه بذلك هو دفع العقاب ولا يفرق في ذلك بين كونه
مقطوعا أو مظنونا أو مشكوكا وأما حكمه بوجوب دفع الضرر الدنيوي المظنون بل المشكوك
فلا مانع من استتباعه لخطاب مولوي شرعي إلا أن كون مخالفته معصية حكمية ليكون داخلا
في باب التجري يتوقف على كون حكمه بذلك طريقيا مغايرا لحكمه بوجوب دفع الضرر المقطوع
وهذا غير مسلم بل الظاهر أن حكمه بوجوب دفع الضرر المقطوع وغيره بملاك واحد وهو
قبح القاء النفس فيما لا يؤمن من ضرره كما ربما يدعى كون ذلك هو الظاهر من قوله تعالى
ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وعليه فلا يتصور هنا انكشاف خلاف في موضوع هذا الحكم إذ
تمام الموضوع له هو نفس عدم الامن من الضرر وأين ذلك من باب التجري وبالجملة فساد
توهم قيام الاجماع على تلك الكبرى الكلية المنطبقة على موارد التجري أيضا الناشئ من حكمهم
في هذين الفرعين من الموضوع بمكان ولا يحتاج إلى أزيد من ذلك من البيان (واما)
الأخبار الدالة على ثبوت العقاب بنية السوء فهي متعارضة باخبار أخر دلت على العفو عنها والجمع
بينهما بحمل الطائفة الثانية على النية المجردة وحمل الطائفة الأولى على النية مع الاظهار وإن كان
31

جمعا حسنا الا انه يتوقف على وجود شاهد من الاخبار وعمل جمع من الأصحاب على طبقه
والا فهو جمع تبرعي لا يمكن كونه منشأ للفتوى نعم يمكن أن تكون الرواية الواردة في دخول
القاتل والمقتول كليهما في النار من جهة تحقق القتل من أحدهما والإرادة من الآخر التي هي
العمدة في اخبار الباب دالة على حرمة نية السوء إذا وقعت الحركة على طبقها لكن لا مطلقا بل في
خصوص ما إذا كان المانع عن عدم تحقق المعصية أمرا خارجيا حائلا بين الشخص وبين
المعصية وبها يخصص اخبار العفو عن نية المعصية وتحمل على غير تلك الصورة ولكن مع ذلك
لا يمكن الحكم بحرمة التجري إذ المتجري وإن كان ناويا للسوء إلا أنه لم يقع منه في الخارج
قصد نحوه بل كان ما فعله تصديا خياليا وغاية ما أمكننا ان نحكم بحرمته هو ما إذا كان التصدي
حقيقيا كما هو مورد الرواية الدالة على الحرمة لا ما إذا كان خياليا كما في المقام وينبغي التنبيه على
أمور (الأول) انه ربما يشكل على الأخبار الدالة على العفو عن نية السوء بأنها تنافي قاعدة
اللطف فإنها تقتضي تبعيد المكلف عن المعصية وتقريبه إلى الطاعة والعفو اللازم ينافي ذلك إذ
لا يكون بعده رادع للمكلف عن نية المعصية وبمثله يشكل على ما دل على العفو عن الصغاير في
فرض الاجتناب عن الكبائر ولكنه لا يخفى فساد الاشكال في كلا المقامين أما في المقام فلان
الناوي للمعصية لا يتحقق منه النية بما انها نية بنحو المعنى الاسمي حتى تكون الأخبار الدالة
على العفو عنها موجبة لتحققها من المكلف بل تحقق النية منه إنما يكون باعتبار كونها فانية في
المنوي وبنحو المعنى الحرفي الالتفات إلى قبح المعصية وإلى ترتب العقاب عليها يكفي في
الرادعية عن تحقق النية ولو مع القطع بعدم ترتب العقاب على نفسها وبعبارة أخرى جعل
العقاب على المنوي وما يصدر من المكلف خارجا كما أنه يكفي في كونه رادعا عن تحقق نفسه
في الخارج كذلك يكفي في كونه رادعا عن تحقق نيته فإن الملتفت إلى قبح المنوي مع التزامه
بعدم ارتكاب القبيح لا يتحقق منه نية لا محالة وأما في مسألة العفو عن الصغائر فلان العفو
عنها إذا كان مطلقا وغير متعلق على شئ لكان للاشكال المذكور من كونه منافيا لقاعدة
اللطف مجال واسع وأما إذا كان معلقا على الاجتناب عن الكبائر فكونه منافيا لها يتوقف على
امكان الوثوق من المرتكب لها بأنه لا يرتكب كبيرة أصلا حتى يكون مأمونا من العقاب
حين ارتكابها وحصول هذا الوثوق من البعد بمكان يليق بالمستحيل العادي ومع عدم
حصوله لا يمكن أن يكون العفو المعلق مؤمنا له حين الارتكاب حتى يكون منافيا لقاعدة
32

اللصف (الثاني) انا قد ذكرنا في صدر المبحث ان التكلم في التجري لا يختص بخصوص
مورد القطع بل يجري في موارد الأصول والامارات مطلقا محرزة كانت أو غير محرزة ولكنه
لا يخفى ان حجية الامارات أو الأصول إذا كانت من باب السببية فيمكن تحقق التجري
من جهتين (الأولى) من جهة الواقع (الثانية) من جهة المخالفة للحكم الظاهري وتوضيح
ذلك أنه إذا دامت البينة على خمرية مايع خارجي فالشارب له تارة يشربه من جهة عدم مبالاته
بشرب الخمر وأخرى لعدم مبالاته بمخالفة البينة من جهة عدم بنائه على كونها حجه وإلا فلو
كانت الخمرية مقطوعة عنده لما تحقق منه الشرب خارجا اما التجري من الجهة الأولى فلا يكون
إلا بالإضافة إلى الحكم الواقعي واما بالإضافة إلى الجهة الثانية فكونه تجريا يتوقف على انكشاف
عدم جعل الشارع للبينة حجة وإلا فيكون الشرب معصية حقيقية ويخرج بذلك عن مبحث
التجري والحاصل ان شرب المايع الذي قامت الحجة على خمريته عند المكلف كما يكون
تجريا بالإضافة إلى الواقع فيما إذا انكشف عدم الخمرية بعد الارتكاب كذلك يكون تجريا
بالإضافة إلى الحكم الظاهري المقطوع جعله من قبل الشارع المنكشف خلافه بعد ذلك بانكشاف
عدم اعطاء الشارع لها صفة الحجية واما بناء على كون الحجية من باب الطريقية كما هو المختار
عندنا فليس هناك حكم ظاهري مجهول في موارد قيام الحجة الشرعية أصلا حتى يمكن فرض
التجري بالإضافة إليه في قبال الواقع فيتمحض التجري عند قيام الحجة عند المكلف على
خمرية مايع مثلا في التجري بالإضافة إلى الواقع ليس الا (ثم) لا يخفى ان في موارد الأصول
والامارات النافية للتكليف وان أمكن الاحتياط وكان حسنا ما على ما سيجئ إن شاء الله تعالى
من عدم منافاة وجود الحجة على العدم مع حسن الاحتياط الا ان من لم يحيط واقتحم فيها إذا
كان في اقتحامه مستند إلى الحجة الموجودة فيها فلا يتحقق منه التجري ويكون معذورا ولو
انكشف وقوعه في المخالفة الواقعية واما إذا لم يكن الاقتحام استنادا إلى الحجة الشرعية بل
لرجاء تحقق المعصية منه كمن شرب المايع المحكوم بعدم الخمرية برجاء كونه خمرا فلا ريب في
حسن مؤاخذته إذا كان الاقتحام موجبا لتحقق المخالفة الواقعية فان المخالفة الواقعية انما يقبح
العقاب عليها إذا كانت مستندة إلى حجة شرعية أو عقلية واما في غير ذلك فلا موجب لقبحه
وسيجئ تفصيل الكلام في ذلك في مبحث البراءة إن شاء الله تعالى بل لو بينا على استحقاق
المتجري للعقاب فلا ريب في حسن المؤاخذة في المقام ولو لم يكن الاقتحام موجبا لتحقق
33

المخالفة الواقعية (وبالجملة) حال من لا يستند في اقتحامه إلى حجة شرعية أو عقلية حال من لم
يكن عنده حجة أصلا في أنه مع وجود المخالفة الواقعية يستحق عقاب العاصي ومع عدمها يستحق
عقاب المتجري وصرف وجود الحجة مع عدم الاستناد عليها لا يوجب رفع العقاب عن المرتكب
بل يمكن ان يقال بأشدية العصيان أو التجري عند قيام الحجة النافية مع عدم الاستناد إليها من
العصيان أو التجري في موارد القطع بالمخالفة فان الاقدام على مخالفة المولى وعصيانه حتى في
الموارد المحتملة رجاء لتحقق المعصية لا ينشأ الا عن سوء سريرة أقوى من سوء السريرة
الموجودة في موارد القطع بالمخالفة فالعقاب عليه في فرض المصادفة وعدمها يكون أولي من
العقاب على المعصية أو التجري الموجودين في موارد القطع (الثالث) ان صاحب الفصول
(قده) بعد ما ذهب إلى قبح التجري في حد ذاته التزم بانقسامه إلى الأحكام الخمسة باعتبار
مزاحمة قبحه في بعض الموارد بالمصلحة الواقعية ففي مثل ما إذا تجرى العبد بعدم قتل من قطع
بعداوته للمولى التزم بعدم القبح بل بالحسن فيما إذا انكشف كونه ابنا للمولى (ثم) انه ذكر
في بعض كلماته انه إذا صادف التجري المعصية الواقعية تداخل عقابهما وحاصل ما ذكره فيحل
إلى دعاو ثلاث (الأولى) ان قبح التجري يمكن زواله بعروض عنوان آخر موجب لحسنه
فيختلف حاله في الحسن والقبح باختلاف الوجوه من الاعتبارات (الثانية) ان مصادفة
مورد التجري لمحبوب المولى واقعا من جملة الوجوه التي بها يرتفع قبح التجري (الثالثة) ان
في صورة مصادفة التجري للمعصية الواقعية يتداخل عقابهما وكل هذه الدعاوي فاسدة اما
الدعوى الأولى فيبطلها ان الافعال باعتبار كونها حسنة أو قبيحة بحكم العقل على إقامة ثلاثة
فان منها ما ليس فيه اقتضاء الحسن والقبح أصلا ويحتاج في اتصافه بهما إلى عروض عنوان
خارجي عليه وهذا كالمباحات فإنها لا تتصف بالحسن والقبح في حد ذواتها (نعم) إذا عرض
لها عنوان محسن أو مقبح فهي تتصف بالحسن أو القبح (ومنها) ما يكون فيه اقتضاء الحسن
أو القبح لكن لا يمتنع ان يعرض له عنوان آخر يغيره عما هو عليه وهذا كالصدق والكذب
فان الأول مقتض للحسن وما لم يكن هناك جهة أخرى كالاضرار بمؤمن مثلا فيتصف
بالحسن كما أن الثاني فيه اقتضاء القبح وما لم يعرض له جهة محسنة كانجاء مؤمن أو دفع فتنة مثلا
فيتصف بالقبح فالصدق مع بقاء عنوانه يمكن ان يتصف بالقبح لعروض عنوان آخر كما أن الكذب
مع كونه كذبا يمكن ان يتصف بالحسن لأمر خارجي (ومنها) ما يكون علة تامة للحسن أو
34

القبح ولا يمكن فيه الانفكاك أصلا وهذا كالعدل والظلم فإنهما مع بقائهما على عنوانهما يستحيل
ان يتغيرا عما هما عليه (نعم) يمكن أن يكون بعض العناوين مخرجا للشئ عن كونه عدلا
أو ظلما كما في ضرب اليتيم فإنه إذا كان بعنوان التأديب يخرج عن كونه ظلما ويكون عدلا في
حقه لا انه يتصف بالحسن مع بقائه على كونه ظلما وكما في حكم الشارع بأخذ المال من الكافر
الحربي فان الشارع بعد الغائه مالكيته وجعل ما يملكه هنيئا للمسلمين لا يكون الاخذ منه بالغلبة
والقهر ظلما في حقه (ولا يخفى) ان عنوان التجري على المولى وكشفه عن سوء سريرة العبد
لا يمكن ان يعرض له جهة أخرى محسنة فإنه كالمعصية الحقيقة في كونه ظلما على المولى فكما انه
لا يمكن اتصاف المعصية الحقيقية بالحسن أصلا فكذلك يكون التجري أيضا (وبالجملة)
القبح الفاعلي الموجود في التجري انما هو من لوازم ذاته ويستحيل انفكاكه عنه ابدا
(واما) الدعوى الثانية فيبطلها انا ولو سلمنا امكان عروض عنوان موجب لارتفاع
قبح التجري الا ان المصادفة مع محبوب المولى واقعا لا يمكن أن يكون من هذا القبيل فان
الأمور الغير الاختيارية كما لا يمكن أن تكون معروضة للحسن أو القبح فكذلك لا يمكن أن تكون
من العناوين المزيلة للحسن أو القبح ضرورة ان ضرب اليتيم لا للتأديب لا يمكن ان يقع
حسنا ولو ترتب عليه الأدب خارجا كما أن الكذب لا يرتفع عنه قبحه بمجرد مصادفته لانجاء
مؤمن أو دفع فتنة واقعا ومصادفة مورد التجري مع ما هو محبوب المولى واقعا لكونها خارجة
عن الاختيار يستحيل كونها دافعة لقبح التجري وموجبة لحسنه ولذا اعترف (قده) بمعذورية
من لم يتحر على مولاه وبعدم فعله القبح لو اتى بما هو مبغوض للمولى واقعا فكما ان المبغوضية
الواقعية لا توجب قبحا في ترك التجري على المولى فكذلك لا توجب المحبوبية الواقعية حسنا في
التجري فان (قلت) إذا كان دخل الأمور الواقعية الخارجة عن الاختيار في اتصاف
الفعل بالحسن أو القبح محالا فلما ذا أنكرت استحقاق المتجري للعقاب مع أن المصادفة الواقعية في
العاصي وعدم المصادفة في المتجري خارجان عن الاختيار فكما أمكن دخل المصادفة الواقعية
في استحقاق العقاب وفي صدور القبيح منه خارجا فكذلك يمكن دخل المصادفة مع محبوب
المولى رافعا للقبيح عن التجري (قلت) المستحيل انما هو دخل الأمور الغير الاختيارية في
اتصاف شئ بالحسن أو القبح وكونها مزيلة ورافعة لهما كما في المقام واما كونها موجبة لعدم تحقق
القبيح فلا محذور فيه أصلا وما التزمناه هناك انما هو من هذا القبيل لا القسم الأول فانا قد ذكرنا
35

هناك ان الموجب للعقاب هو القبح الفعلي مع كونه محرزا عند الفاعل ومن المعلوم ان عدم
المصادفة الواقعية توجب عدم تحقق القبيح من المكلف لا انها توجب ارتفاع القبح عما هو
متصف به في حد نفسه وكم فرق بين كون الامر الغير الاختياري رافعا للقبح وكونه مانعا
عن تحقق القبيح خارجا وما أنكرناه في المقام هو الأول دون الثاني (واما الدعوى) الثالثة
فيرد عليها انا إذا بنينا على استحقاق المتجري للعقاب بملاك استحقاق العاصي له فليس في
مورد العصيان الا ملاك واحد للعقاب فأين عقابان حتى يتداخلان وإذا بنينا على استحقاق
المتجري له بملاك اخر يحض به في قبال ملاك استحقاق العاصي له فكيف يمكن فرض المصادفة
في صورة التجري حتى يكون هناك ملاكان لاستحقاق العقاب فيلتزم بتداخلهما وكيف كان
فلا نعقل معنى محصلا لتداخل العقابين في فرض المصادفة الا ان يريد من المصادفة مورد
التجرد لحرام آخر كما إذا قطع المتجري بخمرية مايع فشربه فظهر كونه مغصوبا وحينئذ فان
بنينا على جواز العقاب على جنس الحرام المعلوم وإن كان المكلف مخطئا في فصله كما هو المختار
عندنا على ما سيجئ تفصيله في بحث الاشتغال أو بنينا على جواز العقاب على نفس الحرام الواقعي
وهو الغصب في الفرض المزبور بعد معلومية حرمة الفعل الخارجي ولو بعنوان آخر فلا محالة
يتحقق المعصية بالإضافة إلى جنس الحرام المعلوم أو بالإضافة إلى الحرام الواقعي ويتحقق التجري
بالإضافة إلى خصوصية الخمر المعلوم للمكلف فيجتمع المعصية والتجري في محل واحد باعتبارين
واما إذا بنينا على عدم صحة العقاب على جنس الحرام المعلوم ولا على الفرد الواقع الموجود في
ظرف القطع بفرد آخر خطأ لما اجتمع المعصية والتجري حتى في الفرض المزبور (الأمر الثاني)
في تحقيق قاعدة الملازمة وما ذهب إليه الأخباريون من عدم اعتبار الدليل العقلي في الأحكام الشرعية
وهذه المسألة وان وقع فيها ما وقع من الاضراب وكثرة النقض والابرام في كلماتهم الا
انه لا حاجة لنا إلى ذكرها وتمييز الصحيح منها من سقيمها فان روح المراد وحقيقة المطلب انما
تتضح بالبحث عن جهات أربع (الجهة الأولى) في بيان ان الأحكام الشرعية هل هي تابعة
للمصالح والمفاسد أم لا والمخالف في هذه المسألة هم الأشعرية ولهم في ذلك قولان (الأول)
ان الاحكام بأجمعها جزافية والشارع له ان يأمر بكل ما يريد وينهي عن كل ما يريد وليس
هناك مصلحة ومفسدة أصلا وهذه الطائفة أنكروا وجود الحسن والقبح بالكلية والتزموا بعدم
قبح الترجيح بلا مرجح ولا ريب ان هذا القول مناف لضرورة العقل والوجدان لكن
36

الالتزام به ممن لا يلتزم بالعقل وينكر كل بديهي ليس بعزيز (الثاني) ان الاحكام انما
جعلت لمصلحة اقتضت التشريع وحفظا لتلك المصلحة لا بد من ايجاب أمور وتحريم أمور
وحيث إن الافعال بعضها مشتملة على المصلحة وبعضها الآخر على المفسدة فهما صارتا مرجحتين
في ايجاب ما فيه المصلحة وتحريم ما فيه المفسدة والا فليست المصلحة أو المفسدة بنفسهما
مناطين لجعل الواجب أو الحرمة وهذا القول ربما مال إليه بعض العدلية تبعا لهم ولا يخفى اشتراك
هذا القول مع القول الأول في الفساد فان الضرورة قاضية بعدم المصلحة في جعل المكلفين في
الكلفة الا إيصال المصالح إليهم وتبعيد المفاسد عنهم والا فأي مصلحة تقتضي جعلهم في
الكلفة مع عدم رجوع المنفعة إليهم هذا وقد تواترت الاخبار معنى بمضمون قوله صلى الله عليه وآله ما من
شئ يقربكم إلى الجنة ويبعدكم عن النار الا وقد امرتكم به وما من شئ يقربكم إلى النار ويبعدكم
عن الجنة الا وقد نهيتكم عنه الصريح في انبعاث الاحكام عن المصالح والمفاسد في الافعال
وكيف كان فلا ريب في أن مناطية المصالح والمفاسد للأحكام ضرورية لا يمكن انكارها
وسيجئ إن شاء الله تعالى في الجهة الرابعة بعض المغالطات الواقعة في هذا المقام والكشف عنها
(ثم) لا يخفى ان انكار قبح الترجيح بلا مرجح المختص بالأشاعرة انما هو مع عدم وجود
المرجح أصلا وعليه بنوا انكار تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد كما عرفت انفا واما الترجيح
في الفرد مع وجود المصلحة في النوع من دون مرجح في خصوص ذلك الفرد فهو ليس
تقبيح ضرورة ان العاقل لا يفوت المصلحة الثابتة في النوع بعدم وجود المرجح في خصوص
فرد من افراده وقد بينا تفصيل هذا المطلب ونقلنا عن الفخر الرازي كلاما لطيفا في هذا
المقام في بحث الطلب والإرادة فراجع (الجهة الثانية) في بيان ان العقل هل يدرك الحسن
والقبح بعد الفراغ عن اثبات أنفسهما أم لا والتحقيق ان يقال إن العقل وان لم يكن له ادراك
جميع المصالح والمفاسد الا ان انكار ادراكه لهما في الجملة وبنحو الموجبة الجزئية مناف للضرورة
أيضا ولولا ذلك لما ثبت أصل الديانة ولزم افحام الأنبياء إذ اثبات النبوة العامة فرع ادراك
العقل لقاعدة وجوب اللطف كما أن اثبات النبوة الخاصة بظهور المعجزة على يد مدعيها فرع
ادراك العقل قبح اظهار المعجزة على يد الكاذب ومع انكار ادراك العقل للحسن والقبح بنحو
السالبة الكلية كيف يمكن اثبات أصل الشريعة فضلا عن فروعها (الجهة الثالثة) في بيان ان
حكم العقل بعد تسليم ادراكه للحسن أو القبح بنحو الموجبة الجزئية هل يكون ملازما لثبوت
37

الحكم الشرعي أم لا (ربما) يقال بعدم الملازمة فان ادراك العقل لمناط الحكم من الحسن
أو القبح لا يلزم عدم وجود ما يكون مزاحما له في مورده إذ يحتمل أن يكون هناك جهة أخرى
خفيت على العقل والشارع الحكيم على الاطلاق لاطلاعه على الجهة المخفية على العقل لم يحكم
على طبق حكمه ومع هذا الاحتمال كيف يمكن القول بملازمة الحكمين دائما وأنت خبير
بفساده فان محل الكلام انما هو فيما إذا استقل العقل بحكم ووجود هذا الاحتمال في مورد حكمه
خلف واضح ضرورة عدم امكان الاستقلال بحكم مع احتمال وجود المزاحم ومحل الكلام انما
هو في مورد لا يتطرق هذا الاحتمال ومع عدم تطرقه الا ريب في استكشاف الحكم الشرعي
بعد فرض تبعيته للمصلحة أو المفسدة بحكم العقل فيكون الملازمة ثابتة من الطرفين (ثم)
ان صاحب الفصول (قده) ذهب إلى انكار الملازمة من الطرفين واستدل عليه بوجوه
يرجع بعضها إلى دعوى وجود الحكم الشرعي مع عدم وجود الملاك في مورده وبعضها إلى
دعوى وجود الملاك مع عدم وجود الحكم الشرعي في مورده منها وجود الأوامر الامتحانية
في الشريعة مع عدم وجود الملاك في متعلقاتها (وفيه) ان المأمور به في الأوامر الامتحانية
انما هو فعل بعض المقدمات وهو مشتمل على المصلحة واما توجيه الامر إلى ذي المقدمة فهو من
جهة الايهام لمصلحة فيه والا فهو ليس بمأمور به حقيقة (ومنها) انه ثبت لنا في الشريعة موارد
لم يحكم الشارع فيها على طبق الملاكات الموجودة فيها كما هو مقتضى قوله صلى الله عليه وآله لولا أن أشق
على أمتي لامرتهم بالسواك بل امرنا بالسكوت فيما سكت الله عنه في قوله صلى الله عليه وآله اسكتوا عما
سكت الله عنه فان الله لم يسكت عنها نسيانا الخ فإذا أمكن تخلف الحكم الشرعي عن الملاك ولو
في مورد واحد فبمجرد ادراك العقل لحسن شئ أو قبحه لا يمكن استكشاف الحكم الشرعي
في ذلك المورد بل لا بد من السكوت فيه (وفيه) ان محل الكلام انما هو في مورد لا
يتطرق فيه احتمال المزاحم مثل المشقة ونحوها إذ معه لا يمكن استقلال العقل حتى يستكشف به
الحكم الشرعي (ومنه) يظهر فساد توهم دخول المقام في موارد الامر بالسكوت فان في
موارد الاستقلال يكون الحكم الشرعي واصلا بطريق الرسول الباطني ولا فرق في وصول
الحكم بين أن يكون بتوسط الرسول الظاهري أو الباطني بل الوصول بتوسط الثاني لكونه قطعيا
يكون أقوى من الوصول بتوسط الرسول الظاهري فإنه في غالب الموارد لا يكون إلا ظنيا
وبالجملة السكوت انما يتحقق في موارد عدم وصول الحكم واما موارد الوصول فلا معنى لتوهم
38

دخولها في الاخبار الآمرة بالسكوت أصلا (ومنها) انه لا اشكال في النهي عن العمل
ببعض الطرق كالظن القياسي كما أنه لا اشكال في الامر بالعمل ببعضهما الاخر مع أن الأول
ربما يكون مصادفا للواقع فيكون في مورده ملاك الحكم بوجوب العمل به والثاني ربما لا يكون
مصادفا للواقع فلا يكون في مورده الملاك وعلى التقديرين يلزم تخلف الحكم عن الملاك
(وجوابه) يظهر مما ذكرناه من أن المدعي عدم امكان تخلف الحكم عن الملاك التام
واما تخلفه في فرض مزاحمة الملاك بملاك آخر أقوى كما في موارد القياس فما لا ينكر واما توهم
وجود الحكم في موارد الامارات المعتبرة الغير المصادفة للواقع مع عدم وجود الملاك فيها فيدفعه
ان الملاك المفقود فيها انما هو ملاك جعل الحكم الواقعي واما الملاك لجعل الحكم الظاهري واعطاء
صفة الطريقية لها فهو موجود في فرض عدم المصادفة أيضا (ومنها) انه لا ريب في أن
الملاك والمصلحة في العبادات انما يترتب على اتيانها بقصد قربى لا على مجرد وجوداتها في الخارج
ومن المعلوم ان الأوامر فيها لا تتعلق الا بأنفسها من دون اعتبار قصد القربة فيها فما فيه
الملاك يستحيل تعلق الامر به وما تعلق به الامر لا يكون واجدا للملاك على الفرض (وجوابه)
إن المأمور به فيها إنما هو الفعل المأتي به بداعي القربة لكنه لا بأمر واحد بل بأمرين فإن
ما لا يمكن فيه استيفاء الغرض بأمر واحد لا بد من استيفائه بأمرين وأين ذلك من تخلف
الحكم عن الملاك ومن أراد الاطلاع على تفصيل الكلام فليراجع ما ذكرناه في بحث التعبدي
والتوصلي (ومنها) انه لا ريب في أن الملاك ربما يكون في بعض الافراد دون بعض ومع
ذلك يجعل الحكم على كلي يشملهما وهذا كما في باب العدة فان مصلحة حفظ الأنساب وعدم
اختلاف المياه اقتضت تشريع حكم العدة مطلقا حتى فيما لا يلزم فيه من عدم العدة اختلاف
المياه فقد تخلف الحكم في تلك الموارد عن الملاك (وفيه) ان الالتزام يجعل الحكم الكلي
لمصلحة في بعض الافراد الغير الممتازة عن الافراد الاخر عين الالتزام بوجوب تبعية الحكم
للملاك غاية الأمر ان المصلحة الداعية إلى الجعل ربما تكون مصلحة نوعية وأخرى شخصية وأين
ذلك من الالتزام بعدم تبعية الحكم للملاك كما هو المدعى (ومنها) ان التقية إذا كانت في
نفس الحكم دون المتعلق كما إذا أمر الإمام عليه السلام بشئ لحفظ دم نفسه سلام الله عليه
بنفس الامر من دون أن يكون هناك مصلحة في المأمور به فقد تخلف الحكم عن الملاك
(وفيه) ان المصلحة إذا كانت في نفس الانشاء بان يكون التقية في نفس الامر لا أن تكون
39

التقية مأمورا بها فهو لا يكون بأمر حقيقة بل هو مجرد تكلم بلفظ المصلحة في نفس التكلم
وأين ذلك من تخلف الحكم عن الملاك (وبالجملة) فما ذهب إليه قدس سره من امكان
انفكاك الحكم عن الملاك وبالعكس واستدلاله على ذلك بهذه الوجوه الضعيفة لم يكن مترقبا
منه قدس سره وكيف كان فلا ريب بعد اثبات تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد وبعد اثبات
امكان ادراك العقل لهما في الجملة في ثبوت الملازمة من الطرفين (الجهة الرابعة) فيما ذهب
إليه الأخباريون في المقام والجواب عنه ولا يخفى أن كلماتهم فيه وإن كانت مختلفة جدا إذ ظاهر
كلام بعضهم انكار الملازمة بين الحكم العقلي والشرعي وظاهر بعض آخر منهم عدم جواز
الاستدلال بالأدلة العقلية الظنية على الأحكام الشرعية مع دعوى عدم امكان حصول القطع
بها من غير الطرق الشرعية ومظاهر جماعة أخرى منهم عدم حجية القطع بالحكم الحاصل من
غير الطرق الشرعية الا ان الذي يجتمع عليه كلماتهم هو دعوى لزوم توسط الأوصياء
سلام الله عليهم في التبليغ فكل حكم لم يكن فيه وساطتهم فهو لا يكون واصلا إلى مرتبة
الفعلية والباعثية وإن كان ذلك الحكم واصلا إلى المكلف بطريق آخر وهذا الذي يدعونه
من كون التبليغ بوساطة حجج الله تعالى مأخوذة في موضوع الاحكام وإن كان أمرا ممكنا من
باب نتيجة التقييد على ما بينا توضيح ذلك في نظائر المقام مرارا الا أن الكلام معهم في ذلك في
مقام الاثبات وإقامة الدليل على المدعي وما يمكن ان يستدل لهم على ذلك امران (الأول)
هو احتمال مدخلية وساطتهم عليهم السلام في فعلية الاحكام والعقل بعد احتمال ذلك يستحيل
أن يستقل على وجه الجزم بشئ حتى يحكم بملازمة الحكم الشرعي له ويرد هذا الوجه أن العقل
بعد ما أدرك المصلحة الملزمة في شئ كالكذب المنجي للنبي أو لجماعة من المؤمنين مثلا
وأدرك عدم مزاحمة شئ آخر لها وأدرك الأحكام الشرعية ليست جزافية وانما هي لأجل ايصال
العباد إلى المصالح وتبعيدهم عن المفاسد كيف يعقل ان يتوقف في استكشاف الحكم الشرعي
بوجوبه ويحتمل مدخلية وساطتهم صلوات الله وسلامه عليهم بل لا محالة يستقل بحسن هذا
الكذب ويحكم بمحبوبيته والحاصل ان المدعي هو تبعية الحكم الشرعي لما استقل به العقل من
الحسن أو القبح وبعد الاستقلال لا يبقى مجال لهذا الاحتمال أصلا (الثاني) الأخبار الكثيرة
التي لا يبعد تواترها معنى الدالة على وجوب الرجوع إلى الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم
أجمعين ووجوب الاعتقاد بهم وعدم الاعتناء بالعقل في الأحكام الشرعية ولا يخفي ان هذه
40

الاخبار على كثرتها على طائفتين (الأولى) الأخبار الدالة على عدم قبول الأعمال بل
على عدم صحتها ممن لا يعتقد بإمامتهم صلوات الله عليهم وكون هذه الأخبار أجنبية عما هو
محل الكلام في المقام ظاهر لا يحتاج إلى البيان (الثانية) الأخبار الدالة على وجوب اخذ
الاحكام منهم (ع) وعدم الاعتناء على الادراكات العقلية وظاهر هذه الطائفة انها في مقام
الردع عما يفعله أئمة النفاق والكفر عليهم لعائن الله من الاستقلال في الفتوى بآرائهم الفاسدة
المبنية على العمل بالأقيسة والاستحسانات الظنية من دون الرجوع إلى أئمة الهدى صلوات
الله عليهم بل ربما كانوا يعارضونهم وأين ذلك ممن يعتقد بإمامتهم ويرجع في مقام الفتوى إلى
كلماتهم والاخبار الصادرة عنهم صلوات الله عليهم وربما يتفق له استقلال عقله بحسن شئ أو متجه
ويستكشف من ذلك ادائهم صلوات الله عليهم بطريق الآن لما ثبت عنده من تبعية الاحكام
للمصالح والمفاسد وعدم كونها جزافية كما يدعيها الأشاعرة من دون شعور فإذا لم يكن هناك
دليل من الشرع على تقييد الأحكام الواقعية بكونها مبلغة تبليغهم صلوات الله عليهم من باب نتيجة
التقييد ولم يكن هو محملا في حد ذاته فلا يبقى ما يمنع عن استقلال العقل بشئ وعن ملازمة حكم
الشرع له لا عقلا ولا نقلا * (الأمر الثالث) * ذهب بعض الأساطين في كشف غطائه
إلى عدم الاعتبار بقطع كثير القطع كعدم الاعتبار بظن كثير الظن وشك كثير الشك والتحقيق
ان يقال إن الشك المأخوذ في موضوع أدلة الشكوك من جهة انصرافه إلى الشك المتعارف لا يكون
شاملا للشك الغير المتعارف ومقتضى القاعدة الأولية عند حصول الشك الغير المتعارف هو بطلان
العمل لاستلزامه الشك في انطباق المأمور به على المأتي به خارجا الا ان الأدلة الدالة على
عدم اعتبار شك من يكثر شكه قد دلت على اكتفاء الشارع عن المأمور به بما يؤتى به في
الخارج مع الشك المذكور وبها خرجنا عن مقتضى القاعدة الأولية (واما) الظن المأخوذ
في لسان الدليل فهو ينصرف إلى الظن المتعارف وعليه يكون الظن الغير المتعارف الحاصل مما
لا ينبغي حصول الظن منه محكوما باحكام الشك لا محالة فيختلف حاله باختلاف الموارد
فيفرق بين الظن المتعلق بالركعتين الأخيرتين وبين المتعلق بالأوليين وكذا ان يفرق بين
حالتي تعلقه بالافعال قبل تجاوز المحل وبعده واما القطع فهو إن كان مأخوذا في الموضوع فلا ريب
انه ينصرف إلى القطع المتعارف ولا يترتب على القطع الحاصل مما لا ينبغي حصول القطع منه
الا الأحكام الثابتة له الا ان القاطع لا يلتفت إلى كون قطعه غير متعارف والا لزال قطعه
41

لا محالة بل الظان لا يلتفت بذلك فلا يكون الانصراف الثابت في الدليل مفيدا لهما أصلا وإذا
كان هذا حال القطع المأخوذ في الموضوع مع فرض انصرافه إلى المتعارف فكيف يعقل عدم
اعتبار القطع الطريقي مع عدم جريان دعوى الانصراف فيه لأن المفروض ان طريقيته
ذاتية وليست ثابتة له بجعل شرعي حتى يمكن فيه دعوى الانصراف إلى خصوص قسم دون قسم آخر
* (الأمر الرابع) * لا ريب في أن العلم الاجمالي كالعلم التفصيلي في انكشاف متعلقه به في
الجملة الا انه من جهة كونه مثوبا بالجهل وقع الكلام في أنه هل هو مثله في اثبات التكليف
وتخبيره أو في اسقاطه والفراغ عنه أم لا ولا يخفى ان البحث في مرحلة الاثبات وإن كان
سابقا في الرتبة على البحث في مرحلة الاسقاط الا ان شيخنا العلامة الأنصاري (قده) حيث
قدم البحث عن الاسقاط على البحث عن الاثبات لنكتة تظهر لك فيما بعد إن شاء الله تعالى
فنحن نقتفي اثره في ذلك فنقول لا ريب في صحة الاكتفاء بالامتثال الاجمالي ولو مع التمكن
عن الامتثال التوصيلي في التوصيليات إذ المفروض سقوط الامر فيهما بمجرد وجود المأمور به
خارجا من دون ان يعتبر فيه شئ اخر فإذا فرض تحققه في الخارج ولو في ضمن أمور متعددة
فيسقط الامر لا محالة ومن ذلك يظهر ان الامر في باب العقود والايقاعات أيضا كذلك
فإذا أوجد المكلف في ضمن أمور متعددة ما هو سبب للملكية عند الشارع فيترتب الملكية عليه
لا محالة وتوهم ان التردد في السبب ينافي قصد الانشاء المعتبر في تحقق الملكية فساده غني
عن البيان (واما) الامتثال الاجمالي في العبادات فقد يكون مع التكرار فيهما وقد يكون
بدونه اما ما لا يحتاج فيه إلى التكرار فلا ينبغي الاشكال في جوازه ولو مع التمكن عن الامتثال
القطعي التفصيلي فإنه لا مانع عنه الا توهم لزوم قصد الوجه ومعرفته في صحة العبادة الغير
المتحققين في فرض الامتثال الاجمالي (ولا يخفى) ان اعتبارهما في صحة العبادة وإن كان
هو مختار جملة من المتكلمين بل اعتبر بعضهم أمور أخر في صحتهما أيضا الا ان ذلك لا بد
وأن يكون بدليل عقلي أو نقلي وكلاهما مفقودان (اما العقل) فهو لا يحكم الا بلزوم الإطاعة
والانبعاث عن بعث المولى خارجا ولا يحكم بلزوم أزيد من ذلك في مقام الإطاعة جزما
(واما الدليل) النقلي فهو بعد عدم وجدانه مع كثرة الابتلاء بالعبادات من الصدر الأول
إلى زماننا مقطوع العدم إذ عدم الوجدان مع كون الواقعة في محل الابتلاء لا سيما بهذه الشدة
من الابتلاء وعدم وجود داع إلى الاخفاء عادة بل مع وجود (الداعي) إلى الاظهار كما
42

في المقام دليل قطعي على عدم الوجود فحيث انه ليس من اعتبار قصد الوجه ومعرفته في الاخبار
والآثار عين ولا اثر فيحصل لنا القطع بعدم اعتبارهما شرعا ومع عدم اعتبارهما في صحة العبادة
لا عقلا ولا شرعا لا يكون هناك مانع آخر عن جواز الامتثال الاجمالي (فان) قلت
اعتبارهما في صحة العبادة وان لم يدل عليه من الكتاب والسنة شئ الا انه ادعى عليه الاجماع
في كلمات جملة من الأكابر ولا ريب ان دعواهم الاجماع في مسألة يكون دليلا عليها وان لم
نقل بحجته الاجماع المنقول في حد نفسه (قلت) نعم الا انه لم يظهر لنا دعواهم الاجماع
على اعتبارهما من جهة كونهم فقهاء حتى ينكشف بها رأي المعصوم عليه السلام ومن المحتمل
قويا ان دعواهم على الاجماع اعتبارهما من جهة كونهم من أهل الكلام ومستندهم في ذلك
هو العقل وإذا كان المستند هو العقل فقد عرفت انه لا يحكم بأزيد من وجوب إطاعة المولى
والانبعاث عن بعثه ولا يبقى حينئذ لدعوى الاجماع في المسألة اثر أصلا (بل) عدم
العثور على دليل شرعي يدل على اعتبارهما في صحة العبادة مع كثرة الابتلاء بها كما عرفت
يكون دليلا قطعيا على أن دعواهم الاجماع مستندة إلى ذهابهم على اعتبارهما فيها عقلا وليست
مستندة إلى جهة فقاهتهم (ثم) انا لو تنزلنا عن دعوى القطع بعدم الاعتبار فغاية ما هناك
هو احتمال اعتبارهما فيها شرعا (وعلى) ما هو المختار عندنا من جريان البراءة في غير الشك
فيما يعبر في الطاعة عقلا سواء كان الشك في اعتبار أصل قصد القربة واعتبار أمر آخر بعد الفراغ
عن اعتباره يكون المورد مجرى لها (نعم) لو بنينا على ما بنى عليه شيخنا العلامة الأنصاري
(قده) من لزوم الرجوع إلى الاشتغال عند الشك في اعتبار أمر آخر بعد الفراغ عن اعتبار قصد
القربة وكون المأتي به عبادة لم يمكن الرجوع إلى البراءة في المقام ولكنا ذكرنا في بحث التعبدي
والتوصلي وسيجئ في مبحث البراءة إن شاء الله تعالى عدم الفرق في الرجوع إلى البراءة بين
كون الشك في أصل اعتبار قصد القربة وبين الشك في اعتبار أمر آخر بعد الفراغ عن اعتباره
(ثم لا يخفى) ان القائلين باعتبار قصد الوجه ومعرفته مع الاختلاف بينهم في أن المعتبر هل
هو أحدهما أو كلاهما معا اتفقوا على أن الاعتبار انما هو في فرض التمكن واما في صورة عدم
التمكن فلا ريب في عدم الاعتبار والا لا نسد باب الاحتياط في العبادات مطلقا وهذا ما لا
(يلزم) أحد من القائلين باعتبارهما فضلا عن غيرهم (ثم إن) الامتثال الاجمالي في مورد
دون ان الامر بين الأقل والأكثر يتصور على انحاء ثلاثة الأول أن يكون مطلوبيته ما
43

يشك في جزئيته مفروغا عنها وكان الشك في الالزام به لكونه جزء للعبادة وعدمه (الثاني)
أن يكون الشك في أصل المطلوبية ومع ذلك يشك في كونه جزء للعبادة الواجبة (الثالث)
أن يكون الجزء المعلوم جزئيته مرددا بين المتباينين كان يشك في أن الجزء المعلوم جزئيته هل
يعتبر فيه الجهر أو الاخفات (اما القسم) الأول فقد عرفت انه لا مانع عن الاحتياط فيه
ولو مع التمكن من الامتثال التفصيلي الا توهم اعتبار معرفة الوجه أو نيته في صحة العبادة
وحيث عرفت ان الصحيح هو عدم اعتبارهما فيها فلا يبقى اشكال في جوازه (واما القسم)
الثاني فلا اشكال في جواز الاحتياط فيه مع التمكن من الامتثال التفصيلي أيضا إذ الامتثال
الاحتمالي وإن كان في طول الامتثال التفصيلي على ما ستعرف إن شاء الله تعالى الا ان ذلك
في غير مورد دوران الامر بين الأقل والأكثر فان المحرك للمكلف في موارد الدوران
المذكور انما هو شخص الإرادة المتعلقة بالعبادة وللمكلف ان يأتي بما يشتمل على المشكوك
جزئيته بداعي امتثال شخص تلك الإرادة سواء كان الامتثال في الواقع بمجموع الاجزاء
المأتي بها في الخارج أو بغير هذا المشكوك جزئية وعلى كل تقدير فالامتثال انما هو بداعي الامر
المتعلق بشخص العبادة (واما) القسم الثالث فيجوز الاحتياط فيه بتكرار الجزء في
العبادة فيقصد بهذا العمل المشتمل على الجزء الواقع امتثال شخص الإرادة المتعلقة بالعبادة ويكون
الجزء الزائد ذكرا مطلقا لا يضر بها (واما) الاحتياط في العبادة فيما يحتاج إلى التكرار كما
إذا علم المكلف بوجوب صلاة الظهر أو الجمعة يوم الجمعة فلا اشكال في حسنه مع عدم التمكن
من الامتثال التفصيلي (واما) مع التمكن منه فالحق عدم جوازه لا لما افاده المحقق
العلامة الأنصاري (قده) من كون التكرار في مقام الإطاعة لغوا ولعبا بأمر المولى حتى يورد
عليه بأنه غالبا يكون بداع عقلائي بل لان الإطاعة بالمعنى الأخص المعتبر في العبادات فقط وهو
الانبعاث عن بعث المولى والتحرك عن تحريكه خارجا لا يتحقق مع الامتثال الاجمالي بداهة
ان المحرك لخصوص صلاة الظهر أو الجمعة يستحيل أن يكون هو إرادة المولى وبعثه فإن
المفروض الشك في تعلقها بكل منهما بل المحرك انما هو احتمال تعلق الإرادة بكل منهما ومع
التمكن من التحرك عن نفس الإرادة يستقل العقل بعدم حسن التحرك عن احتمالها فإن
مرتبة الأثر متأخرة عن مرتبة العين فكل ما أمكن التحرك عن نفس الإرادة في مقام الإطاعة
فلا حسن في التحرك عن احتمالها (وبالجملة) فالإطاعة بالمعنى الأعم المشترك بين العباديات
44

والتوصليات وهو ايجاد المأمور به خارجا وان علم بتحققها بعد الاتيان بالصلاتين الا ان
الإطاعة بالمعنى الأخص المعتبر في العبادات لا تتحقق مع التمكن من التحرك عن نفس
الإرادة بالتحرك عن احتمالها والعقل يستقل بعدم حسن الاحتياط والتحرك عن الاحتمال
مع التمكن عن الانبعاث عن نفس الإرادة ولو تنزلنا عن ذلك فحيث ان كون الامتثال
الاحتمالي في عرض الامتثال التفصيلي لم يقم عليه دليل فلا محالة نشك في كونه في عرضه
ومقتضى القاعدة حينئذ هو عدم جواز الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي ولا مجال للتمسك بحديث
الرفع في رفع هذا الشك لان مورد جريانه هو ما إذا كان المشكوك من الأمور التي وضعها
ورفعها بيد الشارع امضاء أو تأسيسا واما الأمور المشكوك اعتبارها في الطاعة العقلية فلا يكون
حديث الرفع متكفلا لرفعها (وبالجملة) الأمور التي اعتبرها العقل في الطاعة أو يحتمل اعتبارها
فيها عقلا وإن كانت قابلة للتصرف شرعا كان يحكم الشارع بدليل مخصوص بكون الامتثال
الاحتمالي في عرض الامتثال التفصيلي وليس وزان ذلك وزان ما لا يقبل للتصرف الشرعي
أصلا كطريقية القطع وأمثالها إلا أن حديث الرفع ليس ناظرا الا على رفع الأحكام المجعولة
شرعا امضاء أو تأسيسا فيكون قاصرا عن الشمول لما يحتمل اعتباره في الطاعة عقلا وبذلك
يفرق بين المقام وبين الشك في اعتبار نية الوجه ومعرفته في صحة العبادة فان الشك هناك
لرجوعه إلى الشك في اعتبار أمر زائد على ما هو معتبر عند العقل شرعا يكون مورد الحديث
الرفع بخلاف المقام فإن الشك فيه راجع إلى اعتبار أمر في الطاعة العقلية ضرورة ان حسن
الاحتياط من الاحكام التي يستقل العقل بها ومع الشك في تحققه لا يمكن التمسك بحديث
الرفع الناظر إلى رفع الأحكام المجعولة الشرعية امضاء أو تأسيسا وإذا لم يمكن التمسك بحديث
الرفع فمقتضى قاعدة الاشتغال هو عدم جواز الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي مع التمكن من
الامتثال التفصيلي ولا يفرق في ذلك بين كون الشبهة حكمية كما في المثال الذي ذكرناه
وبين كونها موضوعية كما إذا تردد الماء بين ما يعين يعلم كون أحدهما ماء ورد فمع التمكن من
تعيين الماء خارجا والتوضي به لا يجوز الامتثال الاجمالي والوضوء منهما إذ ما لم يعلم وجود الماء
متميزا عن غيره لما أمكن الانبعاث عن شخص الإرادة المتعلقة بالتوضي من الماء بل لا محالة
يكون الانبعاث عن احتمالها وقد عرفت ان الانبعاث عن الاحتمال انما هو في طول الانبعاث
عن شخص الإرادة وانه مع الشك في ذلك لا مجال للتمسك بالبراءة ولا بد من القول
45

بالاشتغال (ثم) انه قد ظهر مما ذكرناه عدم جواز الاحتياط في الشبهة البدوية قبل الفحص
في خصوص العبادات أيضا (وتوضيح) ذلك ان الشك في التكليف في الشبهة البدوية
اما أن يكون قبل الفحص أو بعده وعلى كل تقدير فإما أن تكون الشبهة حكمية أو موضوعية
وفي تمام الأقسام اما أن يكون المشكوك عباديا أو توصليا لا اشكال في جواز الاحتياط في
التوصليات مطلقا لما عرفت من أن الغرض فيها انما هو وجود المأمور به خارجا ولا ريب ان
الاحتياط محرز له فيكون التكليف به ساقطا لا محالة واما في العبادات فإن لم يكن الشك فيها
منجزا للتكليف كما إذا كان بعد الفحص في خصوص الشبهة الحكمية أو مطلقا في الشبهة الموضوعية
فلا ريب في حسن الاحتياط والاتيان برجاء المطلوبية عقلا واما إذا كان الشك منجزا له على
تقدير وجوده واقعا كما في الشبهة الحكمية قبل الفحص فالحق فيه عدم جواز الاحتياط ولزوم الفحص
لما عرفت من أن الامتثال التفصيلي والتحرك عن نفس إرادة المولى متقدم رتبة على الامتثال
الاحتمالي وان حسن الاحتياط في العبادات انما هو في فرض عدم التمكن من الامتثال التفصلي
فمع الشك في امكان الانبعاث عن نفس الإرادة لاحتمال الوصول إليها بالفحص فلا محالة
يكون حسن الاحتياط مشكوكا أيضا وقد عرفت ان مقتضى القاعدة عند الشك في حسن
الاحتياط هو الاشتغال لا البراءة ومعه فلا بد من الفحص والتحرك عن نفس الإرادة على
تقدير الوصول إليها والتحرك عن احتمالها على تقدير عدمه (نعم) إذا كان الشك في
خصوص التكليف الالزامي بعد الفراغ عن أصل المطلوبية فلا ريب في حسن الاحتياط قبل
الفحص أيضا والوجه فيه ظاهر بعد ما عرفت من أن الصحيح هو عدم اعتبار نية الوجه ومعرفته
في صحة العبادة إذ المانع عن حسن الاحتياط على هذا التقدير منحصر بتوهم اعتبار نية الوجه
ومعرفته في صحتها وحيث عرفت ان الصحيح هو عدم اعتبارهما فيها فلا يكون هناك مانع آخر
عن حسنه (هذا) كله فيما إذا تمكن المكلف من الامتثال التفصيلي القطعي واما إذا لم يتمكن الا
من الامتثال التفصيلي الظني فإن كان الظن مما ثبت اعتباره بدليل خاص فحاله حال القطع الوجداني
ضرورة انه في مرتبته في جواز العمل به إذ لا ريب في جواز العمل بالظن الخاص مع انفتاح باب العلم
أيضا فإذا كان هو في مرتبته والمفروض تأخر مرتبة الامتثال الاجمالي عن مرتبة الامتثال التفصيلي القطعي
فلا محالة يتأخر مرتبة الامتثال الاجمالي عن مرتبة الامتثال التفصيلي الظني الثابت اعتباره بدليل
خاص أيضا هذا مضافا إلى أن الظن إذا كان معتبرا من قبل الشارع باعطاء صفة الكاشفية والطريقية
46

له فهو يكون قطعا بالجعل فيستقل العقل بتقدم الامتثال التفصيلي بهذا القطع الجعلي على الامتثال
الاجمالي وقد عرفت ان مقتضى القاعدة على تقدير الشك أيضا هو الاشتغال دون البراءة
وعليه فلا يجوز الاحتياط مع التمكن من الامتثال الظني التفصيلي أيضا (نعم) إذا عمل
المكلف على طبق الظن فلا بأس باتيان الطرف الآخر المحتمل رجاء مثلا إذا علم المكلف
بوجوب صلاة الظهر أو الجمعة في يوم الجمعة فالاحتياط باتيان الصلاتين وإن كان لا يحسن
قبل الامتثال التفصيلي مع التمكن منه الا انه إذا تفحص عن الأدلة بنى على وجود خصوص
صلاة الظهر مثلا واتى بها فيحسن في حقه الاحتياط باتيان صلاة الجمعة رجاء لادراك الواقع
فإن الدليل الظني لا يوجب رفع موضوع الاحتياط وهو الاحتمال الوجداني كما كان في القطع
الوجداني كذلك فغاية ما يقتضيه دليل الحجية هو الغاء احتمال الخلاف والعمل على طبقه في قبال
الامارة من دون اعتناء بها واما الغاء احتماله مطلقا حتى بعد العمل على طبق الامارة وسقوط
مقتضاها فلا يتكفل له الامارة أصلا وهذا هو السر في احتياط العلامة الأنصاري قدس سره
في بعض موارد الاحتياط بالجمع بين القصر والاتمام بتقديم الاتمام على القصر واحتياط تلميذه
العلامة الشيرازي قدس سره في تلك الموارد بتقديم القصر على الاتمام فإن الشيخ قدس سره
من جهة رجحان الاتمام في نظره في تلك الموارد احتياط بتقديمه على القصر ولكن العلامة الشيرازي
(قده) من جهة رجحان القصر في نظره احتاط بتقديمه على الاتمام (واما) إذا كان الظن مما
لم يثبت اعتباره الا بدليل الانسداد ففي تقديم العمل به على الامتثال الاجمالي وعدمه تفصيل وتوضيح
ذلك هو أن الاختلاف في كون نتيجة الانسداد على نحو الكشف أو الحكومة إنما نشأ عن الاختلاف
في كيفية ترتيب مقدماته وإلا فكيف يعقل ان يترتب على مقدمات معينة الكشف مرة والحكومة
أخرى وسيتضح في محله انشاء الله تعالى انا إذا أخذنا في مقدماته بطلان العمل بالاحتياط
وعدم جواز الامتثال الاجمالي فيكون النتيجة هو الكشف لا محالة بمعنى ان العقل يكشف عن أن
الشارع جعل الظن حجة عند تمامية هذه المقدمات واما إذا أخذنا في مقدماته عدم وجوب
الاحتياط فلا محالة بحكم العقل بأنه عند تعذر الامتثال التفصيلي وعدم وجوب الامتثال الاجمالي
لابد من الامتثال الظني ولا يجوز الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي فحكم العقل على الكشف يكون
علة ومثبتا للحكم الشرعي وكاشفا عنه نظير آية النبأ الكاشفة عن حجية خير الواحد وعلى
الحكومة يكون واقعا في سلسلة المعلول للحكم الشرعي وفي مرتبة الامتثال وحيث فرضنا
47

من مقدماته بطلان الامتثال الاجمالي لقيام الاجماع عليه أو غيره على الكشف وعدم وجوبه
على الحكومة فلا محالة يتقدم الامتثال الظني التفصيلي على الامتثال الاجمالي على الكشف واما
على الحكومة فيكون كلاهما في عرض واحد في مقام الامتثال بحكم العقل (فإن) قلت قد
ذكرت سابقا ان الملاك في تقديم العمل بالظن الخاص على الامتثال الاجمالي هو ان العمل
بالظن الخاص في عرض العمل بالعلم والمفروض تقديم الامتثال التفصيلي العلمي على الامتثال
الاجمالي فيكون العمل بالظن الخاص مقدما عليه أيضا وعليه فحيث ان العمل بالظن المطلق
على الكشف ليس في عرض العمل بالعلم بل هو مترتب على عدم التمكن منه فلا بد من كون العمل
به في عرض الامتثال الاجمالي فلا وجه للتفصيل بين الكشف والحكومة في ذلك قلت ما ذكرناه
في وجه تقدم العمل بالظن الخاص على الامتثال الاجمالي من كونه في عرض العمل بالعلم
التفصيلي انما كان برهانا صوريا والا فروح البرهان على ذلك هو ان الشارع بعد اعطائه صفة
الكاشفية والطريقية للظن وأمره بالغاء احتمال الخلاف يكون حال الظن هو حال العلم في حكم
العقل بعدم حسن الاحتياط مع التمكن من العمل به ولا أقل من الشك في ذلك الموجب لعدم
جواز الاحتياط وهذا الملاك جار في الظن المطلق على الكشف أيضا فيكون حكمه حكم الظن
الخاص في عدم حسن الاحتياط مع التمكن من العمل به فقد ظهر مما ذكرناه انه لا وجه لتعجب
العلامة الأنصاري (قده) من ذهاب المحقق القمي قدس سرهما إلى تقدم العمل بالظن على
الامتثال الاجمالي مع أنه (قده) ممن ذهب إلى حجية الظن من باب الانسداد فإن المحقق
القمي (قده) وإن كان يرى حجية الظن من باب الانسداد الا انه من القائلين بالكشف بل
من المصرين عليه وقد عرفت ان مقتضى القاعدة على هذا القول هو تقدم العمل بالظن على
الامتثال الاجمالي (هذا كله) في المقام الأول وهو جواز الامتثال بالعلم الاجمالي واما
المقام الثاني وهو كون العلم الاجمالي مثبتا للتكليف ومنجزا له فيقع الكلام فيه تارة من جهة
لزوم الموافقة القطعية واخرى من جهة حرمة المخالفة القطعية (اما الجهة) الأولى فالمتكلف
للبحث عنها هو مبحث البراءة والاشتغال فلا بد من عقد البحث في المقام من الجهة الثانية فنقول
البحث عن هذه الجهة وان كنا ترددنا فيه في الدورة السابقة في كونه أصوليا أو كلاميا الا ان
الحق هو كون هذه المسألة ذات جهتين وكون الجهة الكلامية من مبادي الجهة الأصولية
فان البحث عن الجهة الكلامية انما هو في أن العلم الاجمالي إذا تعلق بحكم فهل هو كالعلم التفصيلي
48

في كونه مقتضيا لاستحقاق العقوبة على المخالفة أو حاله حال الشك البدوي في أن العقاب
معه على المخالفة عقاب بلا بيان الثابت قبحه بحكم العقل واما البحث عن الجهة الأصولية فهو
في انحفاظ مرتبة جعل الحكم الظاهري وعدمه معه إذا عرفت ذلك (فنقول) اما الجهة
الكلامية فالحق فيها هو كون العلم الاجمالي كالعلم التفصيلي في كونه موجبا لاستحقاق العقوبة
على المخالفة (واما) ما ربما يقال من أنه لا محذور في ارتكاب تمام الأطراف تدريجا لعدم
علم المكلف بالمخالفة والعصيان عند ارتكابه لكل واحد من الأطراف والعلم بحصول
المخالفة بعد ارتكاب تمام الأطراف لم يقم دليل على محذور فيه إذ العقل إنما يحكم بقبح المعصية
وهو عبارة عن المخالفة المعلومة فالعلم له دخل في موضوع حكم العقل بالقبح وهذا مفقود في
ارتكاب تمام أطراف المعلوم بالعلم الاجمالي وليس هناك موجب آخر للقبح (ففيه) ان القائل
بعدم جواز ارتكاب تمام الأطراف لا يدعى وجود المحذور فيه من جهة العلم بالمخالفة الطارئ
بعد ارتكاب تمام الأطراف بل هو يدعي ان العلم الاجمالي بوجود التكليف موجب لوصول
التكليف إلى العبد ومخرج للعقاب على مخالفته عن كونه عقابا بلا بيان ضرورة ان أصل التكليف
بما هو واصل إلى المكلف تفصيلا والمشكوك إنما هو كل واحد من خصوصية الأطراف والعقاب
إنما هو على مخالفة ذلك التكليف الواصل لا على خصوصية كل واحد من أطراف العلم وإذا
كان أصل التكليف واصلا إلى المكلف فلا محالة يجب اتيان كل واحد من الأطراف أو تركها
من باب المقدمة ولا يبقى مجال للقول بان الجهل بكل واحد من خصوصية الأطراف موجب
لكون العقاب على المخالفة عقابا بلا بيان إذ المصحح للعقاب على ما بيناه هو مخالفة أصل التكليف
الجامع بين الأطراف المعلوم للمكلف تفصيلا لا الخصوصية المجهولة والذي يدلك على كفاية
معلومية هذا المقدار من التكليف في استحقاق العقوبة وفي امكان الانبعاث عنه هو ان
لا اشكال في توجيه الخطاب على المكلف بنحو لا يقتضي أزيد من هذا المقدار من الوصول إلى
المكلف وفي صحة العقاب على مخالفته وفي امكان الانبعاث عنه كما إذا حكم الشارع بوجوب
صلاة الظهر أو العصر تخييرا أو بحرمة أحد الفعلين كذلك أو بوجوب أحد الفعلين وحرمة
الآخر تخييرا بينهما أيضا وهذا هو الميزان في تنجيز العلم الاجمالي ولزوم الانبعاث عنه كما سيتضح
انشاء الله تعالى (واما الجهة) الأصولية فالحق فيها عدم انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري مع العلم
الاجمالي بالنسبة إلى المخالفة القطعية وغاية ما يمكن ان يقرب به انحفاظ مرتبة جعل الحكم
49

الظاهري مع العلم الاجمالي هو ان يقال إن العلم في موارد العلم الاجمالي إنما تعلق بالجامع وهذا
المقدار هو الذي لا يمكن جعل الحكم الظاهري على خلافه وأما كل واحد من الأطراف فهو بعد على
المجهولية والجهل هو الموضوع لجعل الحكم الظاهري فإذا علم بوقوع قطرة من البول في أحد إنائين
المقطوع طهارة كل منهما سابقا فيستصحب طهارة كل واحد واحد منهما وإن كان أصل خطاب
لا تشرب الجامع بينهما معلوما ولكن فساد هذا التقريب من الوضوح بمكان فإن الكلام يقع تارة
في تقييد الأحكام الواقعية والالتزام باختصاصها بموارد العلم التفصيلي حتى لا يكون في
موارد العلم الاجمالي فضلا عن المشكوك البدوي حكم واقعي أصلا واخرى في صحة جعل
الحكم الظاهري مع عدم التصرف في الحكم الواقعي أصلا (أما) تقييد الأحكام الواقعية بموارد
العلم التفصيلي بها فهو وإن كان ممكنا في حد نفسه من باب نتيجة التقييد على ما عرفت تفصيله
سابقا إلا أن الشأن في قيام الدليل على ذلك ولم يقم الدليل على التقييد إلا في موارد الجهر
والاخفات والقصر والاتمام ويمكن أن يكون الأخبار الدالة على جواز اخذ المال المشتبه ممن
عنده الحلال والحرام في غير الخراج والمقاسمة الثابت حليتهما ولو مع العلم التفصيلي دالة على تقييد
حرمة التصرف في أموال الغير إذا كان يد أحد عليها بما إذا كانت معلومة تفصيلا ففي موارد
الشبهة المحصورة وإن كان مقتضى القاعدة الأولية هو لزوم الاجتناب الا ان هذه الأخبار دلت
على جواز التصرف فيها لمن يعطيها الجائر ما لم يعلم حرمتها تفصيلا ولا منافاة بين الالتزام بذلك
في خصوص تلك الأموال وبين وجوب الاحتياط في موارد الشبهة البدوية في الأموال كما هو
ظاهر ولكن الشأن في عمل المشهور بهذه الاخبار وعدمه والمسألة محررة في الفقه تفصيلا وأما صحة
جعل الحكم الظاهري في مورد العلم الاجمالي مع عدم التصرف في الواقع أصلا فالحق عدمها في
الأصول التنزيلية مطلقا وفي غيرها إذا لزم من جريان الأصول المخالفة العملية فالمحذور في
جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي أحد أمرين على سبيل منع الخلو أحدهما لزوم التناقض
من جريانه وهذا لا يتحقق إلا في موارد الأصول التنزيلية (ثانيهما) لزوم المخالفة
القطعية وهذا لا يتحقق الا في موارد العلم بثبوت التكليف لا نفيه (وتوضح) ذلك ان
الأصل الجاري في أطراف العلم الاجمالي اما أن يكون من الأصول المحرزة ومتكفلا للتنزيل
أم لا وعلى كل من التقديرين فاما أن يكون العلم الموجود المخالف لمؤدى الأصل مثبتا للتكليف
أو نافيا له فالصور أربع أما الصورة الواحدة منها وهي ما إذا كان العلم نافيا للتكليف مع كون
50

الأصل غير متكفل للتنزيل فلا مانع من جريان الأصل فيها وهذا كما إذا علم اجمالا بملكية أحد
المالين له أو بزوجية إحدى الامرأتين له أو بمهدورية دم أحد الشخصين فان الأصول الجارية
في تلك الموارد وهي أصالة حرمة التصرف في الأموال وأصالة حرمة ترتيب آثار الزوجية
وأصالة حرمة القتل غير متكلفة للتنزيل حتى يلزم من جريانها المناقضة للمعلوم بالاجمال الموجود
في مواردها ولا العلم الاجمالي مثبت للتكليف فيها حتى يلزم من الأصول الجارية المخالفة
له مخالفة عملية فكلا المحذورين المذكورين مرتفعان في هذه الصورة واما بقية الصور فالمحذور
من جريان الأصل في بعضها لزوم المخالفة العملية فقط وفي بعضها خصوص لزوم التناقض
وفي بعضها كلاهما معا ففيما كان الأصول الجارية في أطراف العلم الاجمالي من الأصول
النافية ولكنها لم تكن من الأصول المحرزة كما إذا علم بوقوع قطرة من البول في أحد الإنائين
الغير المعلوم حالتهما السابقة فيلزم من اجرائها تجويز المخالفة القطعية ليس الا إذ المفروض ان
الأصل القابل للجريان في أطراف العلم في المثال ليس إلا أصالة الطهارة وحيث انها ليست من
الأصول المحرزة فلا تكون مناقضة للنجاسة المعلومة اجمالا إلا أنه يلزم من جريانها في كل
من الطرفين تجويز المخالفة القطعية للنجاسة المعلومة في البين اجمالا وفيما إذا كانت الأصول
من الأصول المثبتة وكانت من الأصول المحرزة أيضا فيلزم من اجرائها في أطراف العلم الاجمالي
التناقض ليس الا كما إذا علم بطهارة أحد الإنائين المعلوم نجاستها سابقا فان الحكم ببقاء نجاسة
كل من الإنائين وان لم يلزم منه مخالفة عملية لتكليف معلوم إلا أنه يناقض الحكم بالطهارة
المعلومة في البين اجمالا فلا يكون قابلا للتعبد في نظر المكلف فلا يمكن جعله وفيما إذا كانت من
الأصول المحرزة النافية للتكليف كما إذا علم بنجاسة أحد الإنائين المعلوم طهارتهما سابقا فيلزم
من جريانها في الأطراف المناقضة وتجويز المخالفة القطعية معا ثم إن ترتب تجويز المخالفة القطعية
على جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي فيما إذا كان نافيا للتكليف المعلوم في البين وبطلان
هذا اللازم من الوضوح بمكان لا يحتاج معه إلى بيان واما لزوم التناقض من جريان الأصول
المحرزة في أطراف العلم الاجمالي فربما يقال بعدمه نظرا إلى أن مجرى الأصل إنما هو كل واحد
واحد من الأطراف المفروض عدم العلم بتحقق المعلوم بالاجمال فيه فمرتبة جعل الحكم
الظاهري محفوظة والمناقضة اللازمة من مخالفة مفاد الأصول للمعلوم بالاجمال هي المناقضة
المتحققة في موارد الشبهات البدوية أيضا نعم لو كان كل واحد من الأطراف بحيث علم تحقق
51

المعلوم بالاجمال فيه لما كان هناك مجال لجريان الأصل وكان مناقضة مفاد الأصل للمعلوم من
باب مناقضة الترخيص مع العلم التفصيلي لكن أين ذلك من المقام الغير المعلوم وجود المعلوم
بالاجمال في كل من الأطراف مثلا إذا علم بطهارة أحد الإنائين المعلوم بنجاسة كل منهما سابقا
فإن كان مفاد استصحاب النجاسة فيهما هو النبأ على عدم وقوع النجاسة فيهما رأسا فلا اشكال
في مناقضة ذلك للطهارة المعلومة في البين اجمالا ولكنه ليس كذلك بل مفاد الأصل هو الحكم
بنجاسة كل واحد واحد من الإنائين مع قطع النظر عن الآخر وأين ذلك من المتناقضة المذكورة
(ولكنه) لا يخفى فساد ذلك إذ الأصل الجاري في كل واحد واحد من الأطراف وان
لم يكن ناظرا إلى الأصل الجاري في الطرف الآخر إلا أنه كيف يمكن الجمع بين مؤدى
الأصلين في حكم الشارع والبناء على طهارة كل منهما في زمان واحد مع العلم بحكمه بنجاسة
أحدهما واقعا مع أنه ليس الجمع بين المؤديين الا عين نفي الحكم للمعلوم بالاجمال في البين
والحاصل ان مؤدى كل من الأصلين وان لم يكن مناقضا للمعلوم بالاجمال بنفسه إلا أنه
مع ضم مؤدى الأصل الآخر إليه في حكم الشارع يكون مناقضا له لا محالة (وبهذا)
يظهر ان المانع ليس منحصرا بقصور أدلة الأصول عن شمولها لأطراف العلم الاجمالي بحسب
مقام الاثبات والدلالة نظرا إلى أن العلم بمخالفة أحد الأصلين للواقع يكون مانعا عن شمول
دليل الأصل لمورديهما نظير قصور الدليل اللفظي كالعموم عن الشمول مع العلم بالتخصيص
في الجملة بل مناقضة مؤدى الأصلين للحكم المعلوم في البين في مقام التشريع بنفسها مانعة عن جريان
الأصل في الطرفين مع قطع النظر عن مقام الدلالة والاثبات (بقى) هناك شئ وهو
ان عدم جريان الأصل في تمام أطراف العلم الاجمالي هل هو من جهة عدم المقتضى له أو من
جهة وجود المانع مع تمامية المقتضى يمكن ان يقال إن مفاد الأصول إذا كان هو الحكم الظاهري
الطبعي الاقتضائي الغير المنافي لحكم فعلي آخر في خلافه نظير حلية لحم الغنم في حد ذاته بالقياس
إلى لحم الأرنب الغير المنافية للحرمة من جهة أخرى كما إذا كان الغنم مغصوبا أو موطوءا فلا
ريب في وجود المقتضى حينئذ في تمام أطراف العلم الاجمالي إلا أن وجود العلم بالخلاف
يكون مانعا عن فعليته (واما) إذا كان مفاده هو الحكم الفعلي العملي كان عدم الجريان
لعدم تمامية المقتضى مع العلم بالخلاف (ولكن) التحقيق فساد هذا الترديد (إذ)
من الظاهر أن مفاد الأصول إنما يكون حكما فعليا موجبا لمعذورية المكلف أو تنجز الواقع عليه
52

وليس من الحكم الاقتضائي في مفادها عين ولا اثر أصلا بل الظاهر هو الفرق بين الأصول
التزيلية وغيرها بان يلتزم بعدم تمامية المقتضى في الأصول التنزيلية نظرا إلى ما عرفت من
عدم تمامية موضوع الأصل في مجموعها مع وجود العلم بالخلاف بالتقريب المتقدم وهذا بخلاف
الأصل الغير التنزيلي فإن العلم الاجمالي لا ينافي جريانه في تمام الأطراف وإلا يكون جاريا
مع العلم بالخلاف حتى في مورد الأصل المثبت للتكليف على خلاف المعلوم بالاجمال بل المانع
من الجريان هو لزوم المخالفة القطعية في موارد الأصول النافية ومع قطع النظر عن هذا المانع لم
يكن بأس في جريانها أصلا (ثم) انه قد أشرنا سابقا إلى أن الميزان في تنجيز العلم الاجمالي
وعدم جواز الرجوع إلى الأصول انما هو قابلية نفس التكليف بالمعلوم بالاجمال بما هو كذلك
مع قطع النظر عن خصوصيات أطرافه للبعث حتى يجب مراعاته في تمام الأطراف من باب
المقدمة وإلا فقد عرفت ان العقاب على مخالفة التكليف المتخصص بخصوصية طرف لا يخرج
عن كونه عقابا بلا بيان وعلى ذلك فيختص تنجيز العلم الاجمالي بما إذا أمكن المخالفة القطعية
ولو كان بفعل أحد الطرفين وترك الآخر ومع عدم امكانها كما في دوران الامر بين المحذورين
يستحيل تنجيز العلم الاجمالي للحكم المعلوم بالاجمال إذ الالزام المتعلق بالجامع بين الفعل
والترك الذي هو المعلوم للمكلف يستحيل أن يكون قابلا للباعثية لان أحدهما بنفسه حاصل
لاستحالة اجتماع النقصين وارتفاعهما فلا يمكن البعث نحوه ولا يترتب على مثل هذا العلم أثر
أصلا ولا يمكن للشارع أو العقل الحكم بالتخيير أيضا إذا الحكم بالتخيير انما مقصور فيما إذا لم يكن
في مرتبة سابقة عليه تخيير تكويني قهري على ما هو مقتضى المناقضة بينهما ومعه لا معنى للحكم
به كما هو ظاهر (ولكن) لا يخفى ان الميزان المذكور إنما هو بالقياس إلى طرف المخالفة
القطعية (واما) عدم امكان الموافقة القطعية فلا يكون مانعا عن تنجيز العلم الاجمالي لامكان
الانبعاث بترك المخالفة القطعية وان لم يمكن الموافقة كذلك وقوام هذا الميزان إنما هو بوجود
شرطين (الأول) أن يكون الواقعة المعلوم فيها وجود الالزام في الجملة واقعة واحدة غير
متكررة وإلا فلو كانت الواقعة متكررة كما إذا حلف على وطئ امرأة معينة وحلف على ترك
الأخرى فيها فاشتبهت الامرأتان فإن كلا منهما وان دار أمره بين الوجوب والحرمة إلا أنه
يتمكن المكلف من المخالفة القطعية حينئذ بالجمع بينهما فعلا أو تركا فلا بد حينئذ من الاكتفاء
بالموافقة الاحتمالية رعاية للعلم الاجمالي وهكذا الامر فيما إذا تعلق الحلف بامرأة معينة في ليلتين
53

ولكن شك في تعلقه بالفعل أو الترك فإن الفعل حينئذ في ليلة والترك في الأخرى مخالفة قطعية
للمعلوم بالاجمال (الثاني) ان لا يكون أحد التكليفين معينا تعبديا وإلا فلو كان الوجوب أو الحرمة
على تقدير وجود كل منهما تعبديا لكان الفعل بلا قصد القربة في الأول والترك كذلك في الثاني
مخالفة قطعية (وربما) يقال بتأثير العلم الاجمالي في دوران الامرين المحذورين من جهة الالتزام
حيث إن في الاخذ بالفعل أو الترك من دون الالتزام بالوجوب أو الحرمة مخالفة للتكليف المعلوم اجمالا
التزاما (وأنت) خبير بفساد هذا القول فإن المراد من الموافقة الالتزامية إن كان هو التصديق
والتدين بما جاء النبي صلى الله عليه وآله من الاحكام الفرعية فمرجع ذلك إلى تصديق نبوته
صلى الله عليه وآله وإن كان من جاء به فهو من عند الله وهو لا يستلزم الالتزام بكل واحد واحد
من الاحكام تفصيلا (وان) كان المراد منها هو الالتزام بكل واحد واحد من الاحكام
على التفصيل فان أراد القائل بلزومه حرمة التشريع والالتزام بخلاف الحكم الواقعي مسندا له
إلى الشارع فهو حق (لكنه) أجنبي عن لزوم الالتزام بكل حكم على التفصيل (وان)
أراد لزومه بنفسه بحيث يكون لكل واجب مثلا اطاعتان ومعصيتان إحداهما من حيث العمل
والاخرى من حيث الالتزام (فلا) دليل عليه لا عقلا ولا نقلا (وان) كان المراد
من لزومها هو وجوب الاتيان بالعبادات بقصد التعمد والامتثال بأن يؤتى بها بداعي الامر
مثلا فهو وإن كان حقا (الا) أجنبي عن محل الكلام أيضا (وبالجملة) لا دليل على
لزوم الموافقة الالتزامية بالمعنى الذي يكون مربوطا بالمقام ويمكن جعل العلم الاجمالي فيه مؤثرا
من تلك الجهة مع أنه على تقدير وجود الدليل عليه لا يكون بمثمر في خصوص المقام إذ وجوب
الالتزام على تقدير تسليمه لا محالة يكون مشروطا بالامكان ومع عدمه كما في المقام فلا محالة
يكون ساقطا (توضيح) ذلك ان الالتزام بما هو حكم الله واقعا على ما هو عليه من الوجوب
أو الحرمة وإن كان ممكنا الا انه لا ينافي عدم تأثير العلم الاجمالي من حيث العمل رأسا
وكون المكلف على تخييره التكويني القهري اللازم لاستحالة اجتماع النقيضين وارتفاعهما واما
الالتزام بخصوص الوجوب أو الحرمة فمع انه لا دليل عليه يكون تشريعا محرما شرعا وقبيحا
عقلا فما هو الممكن في المقام غير مفيد وغيره ساقط لا محالة (بقي هناك) جهات ينبغي
التعرض لها (الأولى) انه قد ظهر مما ذكرناه عن عدم تأثير العلم الاجمالي في موارد دوران الامر
بين المحذورين حتى في التخيير عقلا وشرعا انه لا مجال لجريان الأصول النافية فيها إذ لا
54

يترتب عليها اثر في مقام العمل غير التخيير العملي الحاصل بنفسه مع قطع النظر عن جريانها ومع
عدم ترتب اثر عملي عليها لا معنى لجريانها كما هو ظاهر (الثانية) انه قد ظهر مما ذكرناه
في بيان عدم انحفاظ الحكم الظاهري مع العلم الاجمالي وان العلم بوجود التكليف الجامع
بين الأطراف يمنع من جريان الأصول فيها ان عدم انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري انما هو
بالقياس إلى المخالفة القطعية إذ الأصل المصادم للمعلوم بالاجمال انما هو الأصل الجاري في
تمام الأطراف (واما) الأصل الجاري في بعض الأطراف معينا أو غير معين فهو غير
مصادم للمعلوم بالاجمال بالضرورة ومرتبة الحكم الظاهري معه موجودة فعدم جريان الأصل
فيه انما هو بضميمة بطلان الترجيح بلا مرجح فحكم العقل بلزوم الموافقة القطعية بالاتيان بتمام
الأطراف في الشبهة الوجوبية واجتناب كلها في الشبهة التحريمية متوقفة على مقدمتين (إحداهما)
عدم انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري بالقياس إلى المعلوم الجامع بين الأطراف مع قطع النظر عن
الخصوصيات (الثانية) بطلان الترجيح بلا مرجح والا فمع قطع النظر عن المقدمة الثانية
لا يحكم العقل الا بعدم جريان الأصول في مجموعها الا في كل واحد منها ويترتب على ذلك أنه
لو وجد رافع للمقدمة الثانية من جهة حكم الشارع بالترخيص في بعض الأطراف لما كان
هناك موضوع لحكم العقل لا أنه يكون تخصيصا في حكم العقل (والحاصل) ان هم العقل
بعد ثبوت التكليف بالعلم الوجداني انما هو الفراغ عن عهدته بنحو لا خصوص الاتيان بمتعلقه
الواقعي فكما ان الاتيان بتمام الأطراف في الشبهة الوجوبية وتركها في الشبهة التحريمية موجب
له فكذلك رعاية العلم الاجمالي في بقية الأطراف التي لم يرخص الشارع فيها تركا أو فعلا
موجب له فإن حكم الشارع في مقام الامتثال في بعض الأطراف بأنه ليس هو المحرم الواقعي
أو ان المحرم الواقعي غيره أو بأنه يجوز الاكتفاء في مقام الامتثال بالامتثال الاحتمالي كما في
موارد قاعدتي التجاوز والفراغ يوجب قطع العقل بالفراغ في هذا المقام ومعذوريته عن مخالفة
التكليف الواقعي لو كانت نظير ما إذا كان أحد أطراف العلم الاجمالي لا بعينه مضطرا فيه
فإنه لا يوجب ارتفاع أثر العلم الاجمالي الا في خصوص ما تختاره المكلف خارجا ومع رعاية
العلم الاجمالي في الطرف الآخر يقطع العقل بعدم العقوبة ولو كان التكليف في محل اختياره
(نعم) بين المقام ومورد الاضطرار إلى أحد الأطراف لا بعينه فرق من جهة أخرى وهي
ان الاضطرار حيث إنه رافع للتكليف الواقعي في نفس الامر فلا محالة يكون التكليف الواقعي
55

في مورد الاضطرار المذكور متوسطا في الفعلية بحسب نفس الامر بمعنى أن التكليف لو كان
في غير ما يختاره في مقام الاضطرار يكون فعليا ومنجزا على المكلف (واما) إذا كان في
الطرف المختار فيكون ساقطا من أصله بالاضطرار وهذا بخلاف المقام فإن الأصل الجاري في
بعض الأطراف لا يوجب ارتفاع الحكم عنه واقعا على تقدير وجوده بل غايته اثبات حكم
ظاهري في مورده موجب لمعذورية المكلف من مخالفته فيكون التوسط في مقام الامتثال الموجب
للتوسعة في مرحلة الفراغ بجواز الاكتفاء بما لم يرد فيه ترخيص في مقام الامتثال (نعم)
الأصول الجارية في مرحلة الاشتغال كاصالة البراءة ونحوها لا تكون جارية حتى في بعض
الأطراف لفرض ثبوت الاشتغال بالمعلوم بالاجمال على ما هو عليه فلا محل لجريان الأصل في
رفعه (فتلخص) ان الأصول الجارية في مرحلة الاشتغال لا تجري في أطراف العلم
الاجمالي ولو في بعضها والأصول الجارية في مرحلة الفراغ محرزة كانت أم غير محرزة لا تجري
في تمام الأطراف لمصادمتها مع المعلوم اجمالا وعدم انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري معه وتجري
في بعض الأطراف دون بعض فقد صح ما أفاده العلامة الأنصاري (قده) من كون العلم
الاجمالي علة تامة لحرمة المخالفة القطعية ومقتضيا لوجوب الموافقة كذلك فإن مراده (قده)
من كونه علة تامة بالإضافة إلى حرمة المخالفة القطعية هو ما ذكرناه من عدم انحفاظ مرتبة
الحكم الظاهري معه في تمام الأطراف ومن كونه مقتضيا بالإضافة إلى وجوب المواثقة القطعية
هو انحفاظه معه في بعضها بجعل أصل جار في مرحلة الفراغ والامتثال وإن لم يمكن جعل الأصل
الجاري في مقام الاشتغال فيه أيضا نعم ظاهر عبارته (قده) حيث قال يجوز للشارع ترخيص
بعض الأطراف بجعل الطرف الآخر بدلا عن الواقع تخصيص الأصل الجاري في بعض الأطراف
بالأصل المحرز وقد عرفت انه لا تختص به بل مطلق الأصول الجارية في مرحلة الامتثال
والفراغ تكون جارية فيه كما عرفت (ومن جميع) ما ذكرناه تعرف فساد ما أفاده المحقق
صاحب الكفاية (قده) من انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري مع العلم الاجمالي فرتب عليه تجويز
الشارع في مورده للمخالفة الاحتمالية بل القطعية وان العلم الاجمالي بالقياس إلى حرمة المخالفة
القطعية مقتض يتوقف تأثيره على عدم المانع عقلا كما في موارد الشبهة الغير المحصورة أو شرعا
كما في موارد الشبهة المحصورة على ما هو ظاهر قوله (ع) كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك
حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه إلى أن قال وأما احتمال انه بنحو الاقتضاء بالنسبة إلى الموافقة
56

القطعية وبنحو العلية بالنسبة إلى المواثقة الاحتمالية وترك المخالفة القطعية فضعيف جدا ضرورة
ان احتمال ثبوت المتناقضين كالقطع بثبوتهما في الاستحالة إلى آخر ما أفاده (قده) إذ قد
ظهر لك ان العلم الاجمالي بالإضافة إلى متعلقه الجامع بين الأطراف حكمه حكم التفصيلي بل هو
هو بعينه إذ العلم الاجمالي ليس الا ضم علم بشك والا فلا ترديد في متعلق العلم بما هو كذلك
فكما انه لا مجال لتوهم انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري مع العلم التفصيلي فكذلك لا مجال لتوهمه
مع العلم الاجمالي فيما هو معلوم به وكما أن حكم العقل بالاشتغال مع العلم التفصيلي لم يكن مقتضيا
لإيجاد ما هو متعلق العلم بخصوصه لما عرفت من أن هم العقل هو الفراغ عن عهدة التكليف
بإيجاد ما هو متعلقه واقعا أو في حكم الشارع كما في موارد قاعدة الفراغ فكذلك حكمه به مع العلم
الاجمالي أيضا كذلك فيجوز للشارع الترخيص في بعض أطرافه والاكتفاء في مقام الامتثال
بغيره ومع ذلك كيف يمكن انكار علية العلم الاجمالي بالإضافة إلى حرمة المخالفة القطعية والقول
بأنه مقتض حتى بالإضافة إليها وأما ما افاده بعد ذلك من قياس جريان الأصل في أطراف
العلم الاجمالي بجريانها في أطراف الشبهة الغير المحصورة والشبهات البدوية ثم اعتراضه على نفسه
والجواب عنه على ما في بعض النسخ بقوله لا يقال التكليف فيهما ليس بفعلي فإنه يقال كيف
المقال في موارد ثبوته في أطراف غير محصورة أو في الشبهات البدوية ففي غاية السقوط إذ
فعلية التكليف كما مر منا مرارا إنما هو بوجود موضوعه مع تمام قيوده وخصوصياته وفي مقابلة
الحكم الانشائي المجعول على نهج القضايا الحقيقية كان في الخارج له موضوع أو لم يكن ومن
الضروري ان العلم اجماليا كان أو تفصيليا إذا تعلق بنفس الحكم الشرعي مع قطع النظر عن
وجود موضوعه وتعلقه بالمكلف لا يترتب عليه اثر أصلا بل المؤثر إنما هو العلم المتعلق بالحكم
الفعلي بالمعنى الذي ذكرناه وهو موجود في الشبهة المحصورة دون غيرها بدوبة كانت أو غير
محصورة وتوهم مناقضة نفس الحكم الواقعي مع قطع النظر عن تعلق العلم به مع الحكم الظاهري
سنتعرض لدفعه في محله إن شاء الله تعالى (الثالثة) قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه ان
تأثير العلم الاجمالي يتوقف على سقوط الأصل في أطرافه بالمعارضة إذ لو جرى الأصل في بعض
الأطراف بلا معارض كما إذا علم أو قام امارة على نجاسة أحد الإنائين بالخصوص ثم علم اجمالا
بوقوع قطرة من النجس في أحدهما على الاجمال لما كان هذا العلم مؤثرا في شئ إذ وقوع
النجاسة في الطرف الثابت نجاسته بالخصوص لا يترتب عليه اثر ووقوعه في الطرف الآخر
57

مشكوك يجري فيه الأصل بلا معارض فمرجع هذا الاشتراط إلى اعتبار كون العلم الاجمالي
علما بالحكم على كل تقدير ومع قيام الحجة على ثبوت ما هو من سنخ العلوم بالاجمال لا يكون
هناك علم بالتكليف الزائد من دون فرق بين أن يكون المثبت للتكليف علما وجدانيا تفصيلا
أو إمارة معتبرة أو أصلا شرعيا أو علما اجماليا آخر كما إذا علم بنجاسة أحد الإنائين لا بعينه ثم
علم اجمالا بوقوع قطرة أخرى مرددة بين وقوعه في أحد هذين الإنائين أو في اناء آخر فإن
الأصل بالإضافة إلى الاناء الآخر بلا معارض لعدم العلم الاجمالي بتكليف آخر غير المعلوم
أولا (الرابعة) يعتبر في تأثير العلم الاجمالي أن يكون التكليف المعلوم متعلقا بشخص واحد
على كل تقدير حتى يكون جريان الأصل بالقياس إليه في أحد الطرفين معارضا بجريانه في الطرف
الآخر فلو علم بتكليف مردد بين تعلقه بأحد الشخصين لما ترتب عليه اثر أصلا إذ الحكم المتعلق
بشخص آخر أجنبي من غيره فيكون مرجع هذا العلم إلى الشك في ثبوت التكليف لكل منهما
فيجري الأصل بالقياس إلى كل منهما بلا معارض نعم لو كان ثبوت التكليف لشخص آخر
موضوعا لخطاب متعلق به لكان العلم الاجمالي بتعلق التكليف اما بنفسه أو بغيره المفروض
موضوعيته لخطاب متعلق به لكان العلم مؤثرا لا محالة هذا بحسب الكبرى واما بحسب الصغرى
فهو مثل ما إذا علم أحد الشخصين بجنابة نفسه أو صاحبه لوجدان المني في الثوب المشترك بينهما
خاصة فبالنسبة إلى وجوب الغسل لا أثر للعلم الاجمالي إذ وجوب الغسل على كل منهما أجنبي
عن الآخر فكل منهما شاك في وجوبه عليه ويجري الأصل فيه بلا معارض واما بالنسبة
إلى تكميل عدد المصلين في صلاة الجمعة فحيث ان اللازم على كل منهم احراز صحة صلاته
وصلاة الباقين ولو بالأصل حتى يتم العدد المعتبر فيها فعلم واحد منهم بجنابة نفسه أو جنابة
صاحبه المكمل العدد يكون موجبا لبطلان الصلاة لا محالة لان أصالة عدم جنابة نفسه في مثل
الفرض معارضة بأصالة عدمها في صاحبه نعم يجوز لكل منهما استيجار صاحبه لكنس المسجد
ونحوه مما يحرم على الجنب مع دخول نفسه أيضا كما أنه يجوز لغيرهما استيجارهما لذلك مع علمه
بجنابة أحدهما إذ المدار في بطلان الإجارة هو كون العمل محرما على الأجير منجزا حتى
يخرج العمل عن قدرته وملكه تشريعا ومع عدم تنجز الحرمة عليه وبقاء العمل تحت قدرته كما
هو المفروض في المقام فلا مانع من صحة اجارته بل لو علم تفصيلا جنابة شخص يجوز اجارته
لذلك مع جهله بها لعدم تنجز الحرمة عليه مع الجهل (واما) ايتمام أحدهما بالآخر أو الثالث
58

بهما في صلاة واحدة أو صلاتين فإن بنينا على اعتبار احراز المأموم صحة صلاة إمامه كما هو
الظاهر فلا يجوز شئ من ذلك واما إذا بنينا على أن المعتبر هو احراز نفس الامام صحة
صلاة نفسه وإن كان باعتقاد المأموم باطلا فلا يترتب على مثل هذا العلم الاجمالي أثر أصلا
والوجه فيهما ظاهر ونظير ذلك هو استيجارهما لما يكون مشروطا بالطهارة كالصلاة والطواف فإنه
إذا بنينا في صحة الإجارة على اعتبار صحة العمل عند الأجير فلا يكون العلم الاجمالي مانعا عن
صحة الإجارة واما إذا بنينا على اعتبار احراز الصحة لدى المستأجر ولو بالأصل فيكون العلم
الاجمالي منجزا لا محالة (الخامسة) يعتبر في تأثير العلم الاجمالي أن لا يكون موضوع
الحكم المتعلق به العلم مقيدا بالتميز الخارجي والمعلومية التفصيلية ضرورة انه لو كان كذلك لما
كان العلم الاجمالي المتعلق به علما بالحكم إذ المفروض عدم تمامية موضوعه في الخارج وعليه
فإذا جعل مالان من جنس واحد عند ودعي فإما أن يكون كل منهما مفروزا متميزا في
الخارج عن غيره أو لا وعلى الأول فلا ريب في أنه إذا تلف أحدهما وتردد صاحبه بين
مالكيهما يرجع إلى القرعة إذ المفروض اختصاص التألف بأحدهما وغيره بالآخر فلا بد في
التعيين من الرجوع إليها واما على الثاني بأن فرضنا الاختلاط بينهما اتفاقا فحيث ان موضوع
المالية عند العرف مقيد بالتميز ولذا يحكمون بالشركة عند اختلاط أحد الجنسين بالآخر اختيارا
أو قهرا كما في اختلاط اللبن باللبن والحنطة بالحنطة فتلف مقدار منهما عند الودعي يحسب عليهما
ويقسم الباقي بالنسبة وكل منهما يكون مالكا لما في يده حقيقة فلو اجتمعا عند ثالث يجوز جعلهما
ثمنا لجارية مثلا ولا معنى لدعوى ان يقال انا نعلم تفصيلا بعدم انتقال الجارية إليه للعلم الاجمالي
بعدم انتقال تمام الثمن إليه من مالكه لما عرفت من أن عدم تميز مال كل منهما خارجا الغير
المنافي لتميز اجزائه بحسب نفس الامر يوجب زوال الملكية الشخصية ويبدلها إلى الإشاعة فكل
مقدار وقع في يد كل منهما يكون مالكا له في نفس الامر فأين علم اجمالي بعدم الانتقال المذكور
(ومن) هنا يظهر ان الرواية الواردة في مسألة الودعي من تنصيف الدرهم على صاحب الدرهم
والدرهمين ليس على خلاف مقتضى قواعد العلم الاجمالي حتى نحتاج إلى اعمال ما تكلفه
شيخنا العلامة الأنصاري (قده) من الالتزام بالصلح القهري بل الظاهر أن اختلاط الدراهم
وعدم تميزها خارجا وإن كانت متميزة في نفس الامر أوجب زوال الملكية الشخصية عن كل
من المالكين وانقلابها إلى الإشاعة فالتقسيم على القاعدة وكل منهما يكون مالكا لما يأخذه بعد
59

تلف أحد الدراهم واقعا فاجتماعهما عند شخص لا يوجب علمه بعدم انتقال مجموع المال إليه من
مالكه حتى يتولد منه علم تفصيلي في بعض الموارد ولكن التحقيق ان الرواية لا تنطبق على هذه
الجهة إذ المفروض فيها تقسيم الدرهم نصفين واعطاء نصف إلى صاحب الدرهمين حتى يكون
عنده درهم ونصف واعطاء النصف الآخر إلى صاحب الدرهم الواحد مع أن مقتضى الإشاعة
وتبدل الملكية الشخصية هو تقسيم الدرهمين الباقيين أثلاثا لا أرباعا إذ التقسيم لا بد وأن يكون
بنسبة أصل المال لا غيرها وسيتضح تطبيقها على القاعدة في الجهة الآتية إن شاء الله تعالى
(السادسة) يشترط في تنجيز العلم الاجمالي أن لا يكون الاجمال والاشتباه موجبا لتعقب
أمر يستلزم تبدل المعلوم بالاجمال عما هو عليه إلى ما يرتفع معه العلم الاجمالي كحكم الحاكم
والحلف والاقرار على ما سيتضح إن شاء الله تعالى والفرق بين هذا الشرط وسابقه هو أن نفس
الاجمال قد يكون موجبا لارتفاع المعلوم بالاجمال وزوال العلم وقد لا يكون بنفسه موجبا
لذلك بل يكون أمر آخر في مورده موجبا له والجامع هو زوال العلم الاجمالي وتبدل المعلوم عما
هو عليه اما بنفس الاجمال أو لأمر آخر في مورده ومعه لا يبقى موضوع لتوهم جواز
المخالفة القطعية كما هو واضح ثم إن ما يوجب تبدل المعلوم في طرف الاجمال قد يكون حكم
الحاكم كما في موارد التداعي في تعيين الثمن أو المثمن مع تعارض البينتين أو مع عدم البينة أصلا
فإنه بعد التحالف ينفسخ العقد ويرجع كل مال إلى صاحبه الأول فإذا كان البايع يدعي بأن
المبيع كان هو العبد والمشتري يدعي كونه الجارية فالعلم الاجمالي بخروج العبد أو الجارية عن
ملك البايع إلى ملك المشتري وإن كان موجودا إلى آن حكم الحاكم الموجب لانفساخ العقد
إلا أنه يرتفع بعده بتبدل معلومه إذ بعد الانفساخ يكون كل من العبد والجارية ملكا للبايع
حقيقة فليس هناك مخالفة للعلم التفصيلي ولا الاجمالي أصلا وكذلك الامر في صورة التداعي
في الثمن أيضا ومن هذا القبيل ما إذا كان التداعي في عين خارجي مع العلم الاجمالي بكونها
لأحدهما مع عدم اختصاص أحدهما باليد أو البينة فإن حكم الحاكم بالتنصيف يوجب ملكية
كل منهما للنصف حقيقة فيرتفع العلم الاجمالي بأن تمام العين الخارجي اما لهذا أو لذاك إذ حكم
الحاكم وإن كان له جهة طريقية إلا أنه ما لم ينقض يكون له جهة موضوعية أيضا فيحصل به حكم
واقعي ثانوي في ظرف عدم النقض واما حكم الإمام عليه السلام بالتنصيف في مورد تلف أحد
الدراهم عند الودعي فإن قلنا بأنه لا يحتاج إلى حكم الحاكم كما إذا حملناه على صورة الخلط بين
60

الدراهم التي قد عرفت ان مقتضى القاعدة فيها هو حصول الشركة بين مالك الدرهمين ومالك
درهم واحد فيكون الحكم على خلاف القاعدة والموجب لتبدل المعلوم بالاجمال حينئذ هو حكم
الشارع بالصلح القهري بينهما ومن هذه الجهة لم يعمل بها جماعة وضعفوها بالسكوني وان قلنا
بالاحتياج إليه وحملناه على صورة عدم الخلط وتداعي كل من المالكين بالنسبة إلى الموجود
مع عدم البينة لكل منهما فيكون التنصيف حينئذ على القاعدة أعمالا لكل من الدعويين بالنسبة
إلى نصف المدعي فيكون الموجب للتبدل هو حكم الحاكم وعلى كل حال لا يكون الرواية موجبة
لمخالفة علم تفصيلي ولا اجمالي (وقد يكون) الموجب للتبدل هو الاقرار كما إذا أقر بعين
خارجي لزيد ثم أقر بها لعمرو فإن الحكم بأخذ العين لزيد وقيمتها لعمرو وإن كان مخالفة للعلم
بكذب أحد الاقرارين إلا أن الاقرار مع اشتماله على جهة الطريقية لكونه اخبارا عن حق
سابق لا إنشاء له مشتمل على جهة الموضوعية أيضا من جهة وجوب انفاذ اقرار كل أحد عليه
فيثبت الملكية الثانوية مع عدم انكشاف الخلاف تفصيلا نظير القول بالسببية في باب الطرق
المستلزمة لجعل الاحكام الثانوية على طبقها في ظرف عدم انكشاف الخلاف تفصيلا ومع ثبوت
الملكية الثانوية يتبدل المعلوم بالاجمال ويرتفع العلم الاجمالي من البين (وقد يكون) الموجب
للتبدل هو الحلف كما في العين الموجودة في يد اثنين يدعي كل منها تمامها له فبالتحالف يكون
كل منهما مالكا لنصفها حقيقة فيرتفع العلم الاجمالي فتلخص مما ذكرناه ان الفروع التي ذكروها
نقضا في المقام ليس شئ منها صالحا لذلك وان المخالفة القطعية للمعلوم بالاجمال غير قابل
لترخيص الشارع فيها أصلا واما ذهاب بعض إلى الرجوع إلى الأصل في مسألة اختلاف الأمة
على قولين ولم يكن مع أحدهما دليل ولو كان مخالفا لهما المفروض موافقة أحدهما للواقع أو
التخيير الواقعي على ما استظهر من كلام القائل به المعلوم مخالفته للواقع أيضا فلا يكون نقضا في
المقام أيضا إذ لعل القائل بهما لا يرى بأسا في مخالفة العلم الاجمالي فكيف يجعل ذلك نقضا على
من يقول بذلك ويرى استحالة تجويز المخالفة القطعية (بقي هناك) شئ وهو ان المعلوم
بالاجمال قد يدور أمره بين أن يكون مانعا بوجوده الواقعي أو بوجوده التنجزي الواصل كما
إذا علمنا بنجاسة ثوب أو غصبيته فعلى تقدير نجاسته واقعا يكون عدم وقوع الصلاة فيه معتبرا
واقعا وعلى تقدير غصبيته فإن قلنا بامتناع اجتماع الأمر والنهي وسراية كل منهما إلى متعلق
الآخر فالامر يكون كذلك أيضا على ما حققنا في محله من أن لازم ذلك هو التقييد الواقعي
61

فيكون خارجا عن محل الفرض وإن قلنا بالجواز من هذه الحيثية فلا محالة يكون اعتبار عدم
الغصبية من جهة المزاحمة المشروطة بالعلم والوصول ويكون الصلاة صحيحة مع الجهل بالغصبية
على القاعدة كما هو المختار عندنا فهل القاعدة في مثل ذلك تقتضي تأثير العلم الاجمالي من تمام
الجهات أو يختص تأثيره بمقدار المزاحمة ويكون الأصل جاريا بالنسبة إلى المقدار الزائد ففي مثل
المثال يكون عدم جواز الصلاة في الثوب المفروض عامدا متيقنا واما بطلانها فيه ناسيا فيبتني
على تأثير العلم الاجمالي حتى في غير جهة المزاحمة الحق هو عدم تأثيره إلا بمقدار المزاحمة فلو
صلى فيه ناسيا صحت صلاته ولو انكشف نجاسته بعد ذلك واقعا وذلك لان غاية ما يتوهم
كونه مانعا عن الرجوع إلى الأصل بالنسبة إلى المقدار الزائد على المزاحمة هو توهم ان العلم
الاجمالي إذا تعلق بأحد الحكمين فيكون كل واحد منهما ثابتا في الواقع منجزا بهذا العلم
ولازم ذلك هو تنجز النجاسة الواقعية على تقدير وجودها في مثل الفرض ولازمه عدم جواز
الرجوع إلى أصالة الطهارة بالنسبة إلى المقدار الزائد وبطلان الصلاة الواقعة فيه ولو نسيانا وجوابه
ان تنجز كل من الحكمين على تقدير وجوده إنما يكون إذا لم يشتركا في اثر وكان أحدهما
مختصا بالأثر الآخر إذ في مثل ذلك يكون الأثر المشترك متيقنا في البين والأثر الآخر
مشكوكا بدويا فيكون من دوران الامر بين الأقل والأكثر وفي مثله لا بد من الرجوع
إلى الأصل في المقدار المشكوك لا محالة وفي مثل فرض المقام حيث إن أثر المزاحمة مشترك بين
النجاسة والغصبية وإنما يزيد النجاسة على أثر زائد وهو بطلان الصلاة في ظرف النسيان وذلك
الأثر مشكوك بدوي يجري الأصل بالقياس إليه بلا معارض وبذلك ظهر انه يشترط في تأثير
العلم الاجمالي أمر آخر زائد على ما ذكر وهو ان لا يكون المعلوم بالاجمال مرددا بين أن يكون
مانعيته لأجل المزاحمة وبين أن يكون لأجل اعتبار عدمه واقعا وإلا فينحصر تأثيره بمقدار المزاحمة فقط
(هذا تمام) الكلام في احكام القطع فلنرجع إلى البحث عن الامارات المعتبرة عقلا أو شرعا أو التي
قيل باعتبارها كذلك والكلام فيه يقع في مقامين (الأول) في امكان التعبد بالامارة
الغير العلمية (الثاني) في وقوعه والمراد من الامكان المبحوث عنه في المقام هو الامكان
التشريعي بمعنى ان التعبد بالامارة هل يلزم منه محذور في عالم التشريع أم لا وليس المراد منه
الامكان التكويني المختص بالأمور الخارجية حتى يبحث في أن الأصل العقلائي هل هو
الحكم بالامكان حتى يثبت الامتناع أم لا كما هو واضح (اما المقام الأول) فلم ينسب
62

الخلاف فيه إلا إلى ابن قبة القائل باستحالة التعبد بالامارة الغير العلمية ولم ينقل عنه في كتب
الأصول والكلام إلا ذلك (فاعلم) ان القائل بالاستحالة اما أن يكون نظره إلى لزوم
المحذور من التعبد بالامارة الغير العلمية من ناحية الملاك واما أن يكون نظره إلى لزومه من ناحية
الخطاب (أما) توهم المحذور من ناحية الملاك فغاية ما يمكن أن يقال في تقريبه هو ان
الأحكام الشرعية لا محالة تكون تابعة لملاكاتها نظير تبعية المعاليل لعللها على ما أوضحنا الحال
في ذلك سابقا وحيث إن الامارة الغير العلمية ربما تكون مصيبة وأخرى مخطئة فإذا قامت على
حكم غير الزامي وفرضنا كون الحكم الواقعي الزاميا وجوبيا كان أو تحريميا فيلزم من التعبد بها
وجعلها حجة تفويت الملاك الواقعي الملزم إذ لو لم يكن ملزما لما أمكن استتباعه لحكم الزامي كما
هو واضح ومع فرض كونه ملزما كيف يمكن للشارع تفويته بجعل امارة على خلافه وبالجملة
فرض جعل الامارة حجة مع فرض كون الحكم الواقعي الزاميا ناشئا عن ملاك ملزم نقض
للغرض وهو قبيح بالضرورة والى هذا يشير ما نقل عن الخصم من أن التعبد بالامارة الغير
العلمية مستلزم لتحليل الحرام وهو قبيح كما أن الامارة إذا قامت على حكم الزامي وجوبي أو
تحريمي وفرضنا الحكم الواقعي غير الزامي يلزم من التعبد بها وإيجاب العمل على طبقها كون
الحكم الالزامي من دون ملاك يقتضيه إذ المفروض ان الفعل الذي أدى الامارة إلى وجوبه
أو تحريمه عار عن الملاك الملزم فجعل الحكم الالزامي له بجعل الامارة حجة يستلزم عدم تبعية
الاحكام للمصالح أو المفاسد وهذا غير معقول كما عرفت واليه يشير ما نقل عنه من أن التعبد
بالامارة الغير العلمية مستلزم لتحريم الحلال وهو قبيح (والحاصل) ان الامارة إذا كانت
مخالفة للحكم الواقعي يلزم من جعلها حجة يجب العمل على طبقها اما كون الحكم الالزامي
مجعولا من دون ملاك واما تفويت الملاك الملزم وكلاهما قبيحان (والجواب) عن ذلك
ان المانع عن حجية الامارة الغير العلمية ان أراد امتناعها حتى في صورة انسداد باب العلم وعدم
امكان الوصول إلى الواقعيات وان أمكن تحصيل القطع بها ولو كان مخالفا للواقع فإن ذلك
يرجع إلى انسداد باب العلم كما هو ظاهر فلا ريب انه مع تعذر العلم وبقاء التكاليف الواقعية
وبطلان الاحتياط لعدم ابتناء أساس الشرع عليه فلا مناص عن العمل بالطرق الظنية حفظا
للواقعيات لكونها أقرب إلى العلم من غيرها ضرورة دوران الامر حينئذ بين العمل بها وادراك
الواقعيات في الجملة وبين الغائها بالكلية أو العمل بما يكون خطأه أكثر من الطرق الظنية ولا
63

اشكال في تعين الأول وكون ادراك الواقعيات ولو ظنا ملاكا ملزما لجعل الطرق الظنية
حجة ولو لم تكن مصيبة للواقع دائما لكن الظاهر أن القائل بالاستحالة لم يرد صورة الانسداد
وإنما أراد استحالة التعبد بها في فرض الانفتاح وامكان الوصول إلى الواقعيات (وعليه)
فنقول ان استحالة التعبد بها في فرض الانفتاح تتوقف على أن يكون إصابة العلوم الحاصلة
للمكلف للواقعيات أكثر من إصابة الطرق الغير العلمية لها واما إذا كانت الإصابة والخطأ
فيهما على حد سواء أو كان إصابة الطرق العلمية لها أكثر فلا يلزم من التعبد بها محذور أصلا
ضرورة انه لا يلزم منه حينئذ تفويت ملاك من قبل الشارع أزيد مما يكون فائتا في صورة
تحصيل العلم حتى يكون قبيحا وحيث انه لم يثبت كثرة خطأ الطرق الغير العلمية بالإضافة
إلى العلوم الوجدانية الحاصلة للمكلف فلا يمكن الحكم بالاستحالة ومعه فلا اشكال في وجوب
الاخذ بظاهر كل دليل دل على حجية امارة غير علمية (فإن قلت) أليس القائل بالاستحالة
يدعيها في فرض الانفتاح وامكان الوصول إلى الواقعيات ومعه كيف يمكن احتمال كون خطأ
العلوم الوجدانية مساويا لخطأ الطرق الغير العلمية فضلا عن احتمال أكثريته إذ فرض كون
العلوم الوجدانية مخالفة للواقع فرض الانسداد كما أفاده العلامة الأنصاري قدس سره والتزم
لأجله بالقبح في فرض الانفتاح (قلت) معنى فرض الانفتاح هو فرض امكان الوصول
إلى الواقعيات وهذا أعم من أن يتحقق فعلية الوصول إليها فإذا فرضنا ان المكلف يتمكن
من أخذ الاحكام من نفس الإمام عليه السلام مشافهة ولكنه لا يفعل ذلك وإنما يعتمد كثيرا
على السؤال من جماعة يحصل له القطع بالحكم من اخبارهم فيعمل به فإذا علم الشارع بخطأ
كثير من علومه وقلة خطأ طريق غير علمي بالإضافة إليها فله أن يجعل ذلك الطريق
حجة عليه ويحكم برجوعه إليه مع فرض انفتاح باب العلم وامكان الوصول إلى الواقعيات فلا
موجب للالتزام برجوع هذا الفرض إلى الانسداد ولا للالتزام بالقبح في فرض الانفتاح
(فإن قلت) ايجاب التعبد بالامارة الغير العلمية في الفرض الذي ذكرته وان لم يكن قبيحا
إلا أن ذلك يرجع إلى أن الشارع في ايجابه التعبد بها اعمل جهة علمه بالغيب وهو علمه بكثرة
خطأ العلوم المتعارفة الحاصلة للمكلف عن الخطأ الموجود في مورد الامارة ومن المعلوم ان
اعمال جهة العلم بالغيب خارج عن الوظيفة الشارعية وكلامنا في المقام متمحض في الامكان
والاستحالة في تشريع التعبد بها من حيث الشارعية ليس إلا فلا بد من الاعتراف بالقبح من
64

تلك الحيثية لا محالة (قلت قد ذكرنا مرارا ان العلم بالملاكات إنما هو وظيفة الشارع فكما ان
احراز الملاك في التعبديات يختص بالشارع دون غيره فليكن العلم بكثرة خطأ العلوم الوجدانية
في المقام الذي هو من قبيل العلم بالملاكات مختصا به أيضا وأين ذلك من اعمال جهة العلم
بالغيب الخارج عن وظيفته بل نقول هذا الاشكال على تقدير تسليمه إنما يختص بخصوص ما إذا
جعل الشارع حجية امارة ابتداء وهذا فرض غير واقع في الشريعة واما إذا كان جعله عبارة عن
امضائه لما جعله العقلاء حجة معتبره عندهم في عرض الطرق العلمية لما يرون ان اصابته للواقع
ليست بأقل من اصابتها فالاشكال مندفع من أصله (وتوهم) ان الطرق غير العلمية وان
سلمنا ان خطأها ليس بأكثر من الخطأ المتحقق في موارد الطرق العلمية إلا أنه لا ريب في
كون الطرق العلمية أقرب منها إلى الواقع وأبعد خطأ فلا يعقل جعلها حجة مع التمكن منها
(مدفوع) بأن أقربية الطرق العلمية بالإضافة إلى غيرها على تقدير تسليمها لا توجب ردع
العقلاء عن ما جرى عليه بناؤهم العملي ما لم يكن مخالفة الطرق الغير العلمية أكثر من مخالفة
الطرق العلمية فإن مجرد الأقربية من دون لزوم تفويت الملاكات الواقعية لا يقتضي الردع
كما هو ظاهر (ثم) انه إذا سلمنا أقربية الطرق العلمية عن غيرها وقلة خطاها بالإضافة إليها
لكن ذلك لا يوجب ردع العقلاء عما جرى عليه طريقتهم من العمل بالطرق الغير العلمية ما لم
يكن الخطأ فيها بمرتبة توجب تفويت الواقعيات كثيرا كما في القياس واما إذا كان الخطأ الزائد
فيها قليلا بأن يكون نسبة الخطأ الثابت في موارد الامارة إلى الخطأ الموجود في موارد الطرق
العلمية نسبة العشرة إلى التسعة فهو لا يوجب الردع وإلزام المكلفين بتحصيل الطرق العلمية
فإن مصلحة التسهيل يزاحم بها ما في امضاء طريقة العقلاء من تفويت الواقع أحيانا فإنها من
المصالح النوعية المهمة التي يكون رعايتها مقدمة على رعاية المصالح الشخصية التي تفوت أحيانا
عند العمل بالامارة وتقديم المصالح النوعية على المصالح الشخصية لا مانع عنه بل هو واقع في
الشرع كثيرا كما في حكم الشارع بجواز قتل المسلمين إذا تترس بهم الكفار في الحرب فإن
حكمه بجواز قتلهم وإن كان فيه تفويت المصلحة الشخصية إلا أنه لا يزاحم بالمصلحة النوعية
الثابتة في اعلاء كلمة الاسلام وغلبة المسلمين (فإن قلت) إن كان المراد من مصلحة
التسهيل الثابتة في امضاء الطريقة العقلائية المصلحة التي يكون تفويتها والزام المكلفين بتحصيل
العلم الوجداني موجبا للعسر والحرج عليهم فلا اشكال في تقدم ذلك على المصالح الشخصية
65

وجواز امضاء الشارع لطريقتهم لكن هذا خارج عن المفروض في المقام فإن ذلك يرجع إلى
دعوى الانسداد فإن المراد منه انسداد باب العلم على المكلفين من دون لزوم عسر وحرج في
تحصيله وإن كان المراد منها ما لا يكون تفويتها موجبا لهما فكيف يكون رعايتها متقدمة على رعاية
المصالح الشخصية والحاصل ان مجرد التسهيل على المكلفين من دون لزوم الحرج في تركه
لا يمكن أن يكون داعيا لتفويت المصالح الشخصية وأما التسهيل الموجب تركه للحرج فرعايته
وإن كانت مقدمة على رعاية المصالح الشخصية إلا أن فرضه في المقام خلف إذ المفروض في
محل الكلام هو امكان جعل الطرق في حال الانفتاح قلت التسهيل المدعى في المقام وإن لم يكن
ما يوجب تركه للعسر والحرج إلا أنه لا مانع من كون مصلحته داعية للمولى لامضاء الطرق
العقلائية (ودعوى) عدم قابليتها للمزاحمة مع فوت المصالح الشخصية مع كون الدين مبنيا
على السماحة والسهولة ممنوعة فإن مثل هذه المصلحة العامة ربما يكون في نظر الشارع أهم من
المصالح الشخصية كما في غيرها وفرق واضح بين العسر المأخوذ موضوعا لرفع التكاليف الثابتة
لمتعلقاتها وبين المشقة الداعية للمولى إلى جعل حكم من الاحكام (وبالجملة) فرق بين كون
الحرج علة للتشريع وبين كونه موضوعا للحكم المجعول والملاك في الأول هو لزوم العسر ولو
نوعا وفي الثاني لزوم الحرج في كل شخص وقد مر في بعض المباحث السابقة توضيح ذلك فراجع
(فإن قلت) سلمنا عدم المحذور في التعبد بالامارة الغير العلمية من ناحية تفويت الملاك الملزم
ولو في فرض الانفتاح ولكن اشكال لزوم تحريم الحلال الراجع إلى لزوم جعل الحكم من دون
ملاك يقتضيه باق بحاله فإن الامارة إذا أدت إلى حرمة شئ أو وجوبه وفرض كون الحكم
الواقعي هي الإباحة فجعلها حجة حينئذ لم ينشأ من ملاك ملزم بناء على الطريقية المحضة
التي بناء الاشكال والحكم بالاستحالة عليها واما بناء على السببية والموضوعية فالاشكال غير
وارد من رأسه حتى يحتاج إلى تكلف الجواب عنه (قلت) لو كان حكم الشارع بوجوب
ما أدت الامارة إلى وجوبه أو بحرمة ما أدت إلى حرمته حكما واقعيا فلا بد وان ينشأ عن ملاك
ملزم يقتضيه كما هو الحال في بقية الاحكام الالزامية على ما هو التحقيق عندنا من تبعية الاحكام
للمصالح والمفاسد في المتعلقات واما إذا كان حكما ظاهريا ناشئا من تحفظ الشارع على احكامه
الواقعية الموجودة في جملة من موارد الطرق الغير العلمية الغير الممتازة عن موارد خطئها فلا يلزم
كونه ناشئا عن ملاك ملزم في كل مورد مورد بل يكفي وجود الملاك في جعل نوعها حجة وهذا
66

نظير ما ذكرناه سابقا من أن مصلحة حفظ الأنساب وعدم اختلاط المياه اقتضت جعل العدة
ولكنا نعلم من الخارج عدم توقفه في بعض الموارد عليها إلا أن اشتباه الموارد وعدم تميز بعضها
عن بعض أوجب إيجاب العدة على الجميع وهذا أجنبي عن كون الحكم مجعولا بلا ملاك هذا
كله بناء على الطريقية المحضة واما بناء على الموضوعية والسببية وان المصالح الفائتة في صورة
خطأ الامارة يتدارك بمصلحة في العمل بها فالامر أوضح وتوضيح ذلك ان السببية يتصور على
وجوه ثلاثة (الأول) أن يكون قيام الامارة سببا لحصول مصلحة في المؤدى موجبة
لجعل الحكم على طبقه ولا يكون للفعل مع قطع النظر من قيام الامارة حكم أصلا فيكون
الأحكام الواقعية مختصة بالعالمين ولا يكون للجاهل حكم واقعا وظاهرا غير الحكم الناشئ
من قبل الامارة والقول بمثل هذه السببية مستلزم للتصويب الأشعري الذي دل الاجماع
والأخبار الدالة على وجود الأحكام المشتركة بين العالم والجاهل على بطلانه (الثاني) أن يكون
الأحكام الواقعية تابعة لمصالح ومفاسد في نفس الافعال مع قطع النظر عن قيام الامارة
وعدمه إلا أن قيام الامارة على الخلاف كان موجبا لحدوث مصلحة في المؤدى غالبة على
مصلحة الواقع فيكون الحكم الفعلي مختصا بغير من قام عنده الامارة على الخلاف كما يختص
الأحكام الواقعية بغير موارد الضرر والحرج وهذا القول وان لم يستلزم عدم وجود الحكم
المشترك من أول الأمر إلا أنه يوجب تقييد الأحكام الواقعية واختصاصها بمن لم يقم الامارة
عنده على الخلاف بالآخرة وهذا هو التصويب المعتزلي المشترك مع الأول في البطلان وإن لم
يكن مثله في الشناعة فإن الاجماع والاخبار كما يدلان على وجود الأحكام المشتركة من أول الأمر
فكذلك يدلان على بقائها بحالها وفعليتها وعدم تغيرها عما هي عليها لقيام الامارة على
خلافها (الثالث) أن لا يكون قيام الامارة سببا لتغيير في الأحكام الواقعية أصلا إلا أنه
كان هناك مصلحة في سلوك الامارة والعمل على طبقها يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع
عند الخطأ وهذا القسم من السببية هي التي قال بها جماعة من العدلية وهي لا تستلزم التصويب
أصلا فلا مانع من الالتزام بالسببية بهذا المعنى وتدارك المصالح الفائتة من جعل الامارة حجة
في ظرف الانفتاح حتى لا يلزم قبح من تفويتها (فإن قلت) إذا بنينا على قبح التفويت مع
عدم التدارك فلا يمكن الالتزام بتداركها بالمصلحة السلوكية على تقدير المخالفة أيضا مثلا إذا
فرضنا ان الواجب الواقعي هو صلاة الجمعة يوم الجمعة وقامت الامارة على وجوب صلاة الظهر
67

يومها وكان هناك مصلحة في سلوك تلك الامارة فاما ان لا يكون مصلحة السلوك غالبة على
مصلحة صلاة الجمعة وموجبة لاضمحلالها أو يكون غالبة عليها كذلك وعلى الثاني فإما ان يبقى
الحكم الواقعي على حاله أو يزول بقيام الامارة على الخلاف والأول من الشقوق الثلاثة مستلزم
لكون الحكم الواقعي هو التخيير بين وجوب صلاة الجمعة والظهر لفرض اشتمال كل منهما على
مقدار من المصلحة الداعية إلى الايجاب والشق الثاني مستلزم لبقاء الحكم الواقعي من دون
ملاك يقتضيه والشق الثالث مستلزم للتصويب والتوالي الثلاثة كلها فاسدة (قلت) لو كانت
المصلحة السلوكية قائمة بفعل صلاة الظهر وفي عرض مصلحة الواقع كما كان الامر في السببية
المعتزلية كذلك لكان للترديد بين الشقوق الثلاثة مجال واسع واما إذا كان تلك المصلحة في
نفس السلوك من دون ان يؤثر في نفس الفعل شيئا وفي طول المصلحة الواقعية من دون
أن يكون لها مساس بها أو بالحكم الناشئ من قبلها فلا مجال للترديد المذكور أصلا بيان ذلك
ان المصلحة السلوكية ليس المراد منها هو اعطاء المولى للعبد شيئا من كيسه مجانا عند فوات
الواقع بالعمل بالامارة كما أنه ليس المراد منها هو حصول مصلحة في نفس الفعل بعد قيام
الامارة على وجوبه بل المراد منها ان في نفس السلوك واستناد العبد في العمل بها مصلحة تختلف
باختلاف مقدار السلوك المستلزم لفوات مصلحة الواقع مثلا إذا كان الواجب الواقعي الفائت
بالعمل بالامارة فوريا مضيقا ولم يشرع فيه القضاء فسلوك الامارة المؤدية إلى خلافه موجب
لفواته على المكلف بالكلية فلا بد من كون السلوك مشتملا على مقدار من المصلحة الموجبة
لتدارك جميع ما فات من مصلحة الواجب الواقعي وأما إذا كان مما شرع فيه القضاء وانكشف
الخلاف بعد ذلك فسلوك الامارة ينتهي إلى هذا الحد وهو لا يوجب إلا فوات المصلحة الوقتية
دون أصلها فيكون المتدارك هي أيضا كما أنه إذا كان الواجب موسعا وانكشف الخلاف في
الوقت فحيث ان سلوك الامارة محدود بهذا المقدار فيكون اشتماله على المصلحة التداركية بمقدار
فوت الفضيلة فقط دون المصلحة القائمة بأصل الواجب (وبالجملة) كما أن مقدار سلوك
الامارة يختلف باختلاف الموارد بانكشاف الخلاف في الوقت أو في خارجه مع مشروعية القضاء
أو عدمها أو لا ينكشف إلى آخر العمر أصلا فكذلك يختلف المصلحة القائمة به أيضا وبذلك
يظهر فساد ما أورد على شيخنا العلامة الأنصاري (قده) من عدم تعقل اختلاف المصلحة القائمة
بالسلوك باختلاف انكشاف الخلاف في الوقت أو في خارجه أو عدم انكشافه أصلا وان الالتزام
68

بذلك يرجع إلى دعوى اعطاء الشارع من كيسه بدل الفائت مجانا وجزافا فإنك قد عرفت
أن اختلاف المصلحة إنما نشأ من اختلاف نفس السلوك بحسب المقدار وكل مقدار منه يشتمل
على مقدار من المصلحة المغايرة لما يشتمل عليه الآخر وأين ذلك من دعوى التدارك المجاني
الجزافي وقد ذكرنا في بحث الاجزاء معنى المصلحة السلوكية وعدم ترتب القول بالاجزاء على
القول بالسببية مطلقا بل لازم القول بمثل هذه السببية هو عدم الاجزاء كما في القول بالطريقية
بعينه نعم السببية بالمعنى الملازم للتصويب تستلزم القول بالاجزاء لا محالة كما أفاد الشهيد (قده)
من أن القول بالاجزاء في موارد الطرق من فروع القول بالتصويب فراجع ذلك المبحث حتى
يظهر لك حقيقة الامر (إذا عرفت) ذلك فنقول إذا كان الامر بالعمل على طبق الامارة
وسلوكها والبناء على أن مؤداها هو الواقع مع كونها طريقا محضا إليه من دون استتباعها لمصلحة
في الفعل غالبة على مصلحة الواقع أو مساوية لها ناشئا عن مصلحة في نفس السلوك وتطبيق
العمل على طبق الامارة على أن مؤداها هو الواقع فليست المصلحتان في مرتبة واحدة
حتى يقع بينهما الكسر والانكسار فيترتب عليه المحاذير الثلاثة المذكورة بل المصلحة
السلوكية مترتبة على وجود حكم واقعي أخبر الامارة عنه وفي مرتبة متأخرة
عنه فضلا عن المصلحة الداعية إلى جعله فكيف يمكن أن تكون هي مزاحمة لتأثير
المصلحة الواقعية في جعل الحكم الواقعي وليست الامارة خالية عن المصلحة بالكلية حتى
يلزم من جعلها حجة تفويت الواقع بلا تدارك بل هناك مصلحة في السلوك والعمل على طبق
الامارة على أن مؤداها هو الواقع يتدارك بها مصلحة الواقع عند فواتها على تفصيل قد عرفت
فلو أغمضنا عن حل الاشكال بناء على الطريقية المحضة فلنا ان نلتزم بالسببية بهذا المعنى
بلا محذور فيه أصلا (فإن قلت) ان المصلحة السلوكية إذا لم تكن قائمة بنفس الفعل حتى
يقع المزاحمة بينها وبين مصلحة الحكم الواقعي الملازم للتصويب المجمع على بطلانه فاما أن تكون
هي قائمة بالامر على تطبيق العمل على الامارة أو بنفس التطبيق المتفرع على حجيتها ضرورة انها ما لم
تكن حجة يكون تطبيق العمل عليها تشريعا محرما فكيف يمكن أن يكون مشتملا على مصلحة
يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع والالتزام بالأول منهما ينافي ما مر من تبعية الاحكام
للمصالح والمفاسد في المتعلقات والالتزام بالثاني مستلزم للدور فإن الامر بالتطبيق يتوقف على
وجود مصلحة فيه والمفروض ان وجود المصلحة فيه يتوقف على الامر أيضا فيدور (قلت)
69

نختار الشق الثاني قولك انه مستلزم للدور نجيب عنه تارة بالنقض بباب العبادات فإن الالتزام
بكون المصالح فيها ثابتة لنفس الأوامر ينافي مذهب العدلية والالتزام بكونها في الافعال يستلزم
الدور فإن الفعل فيها من دون الامر يقع تشريعا محرما فكيف يمكن أن يكون مشتملا على
مصلحة ملزمة بل المصلحة الملزمة متفرعة على نفس الامر فتوقف الامر عليها كما هو مقتضى
مذهب العدلية مستلزم للدور فما يكون التفصي به هناك يتفصى به في المقام أيضا واخرى بالحل
في كلا المقامين وتوضيح ذلك انما هو ببيان مقدمة وهي ان الحجية لها مراتب ثلاث (الأولى)
مرتبة جعلها وصرف انشائها لشئ وهذه المرتبة من الحجية كانشاء بقية الاحكام لا تتوقف على
علم واحراز من المكلف أصلا (الثانية) مرتبة احرازها ووصولها إلى المكلف موضوعا وحكما
التي بها يكون الأحكام الواقعية واصلة إلى المكلف ويكون الحجة وسطا لاثبات متعلقها
(الثالثة) مرتبة الاستناد إليها في مقام العمل وهذه المرتبة هي التي توجب معذورية المكلف
عند مخالفته للأحكام الواقعية وسيأتي في بحث البراءة والاشتغال ان مجرد وجود طريق معتبر
على خلاف الحكم الواقعي مع عدم احراز المكلف أو مع عدم الاستناد إليه لا يوجب المعذورية
فلو احتمل التكليف واقتحم في الشبهة قبل الفحص وصادف احتماله للواقع لعوقب على مخالفته
وإن كان هناك طريق دل على إباحة الفعل بحيث لو تفحص المكلف عنه لظفر به وكذلك لو
كان ذلك الطريق واصلا إلى المكلف ولكن لم يستند المكلف إليه في مقام العمل بل اقتحم
الشبهة لعدم مبالاته بمخالفة التكليف الواقعي فإذا كانت المعذورية دائرة مدار المرتبة الثالثة فلا
بأس بكون المصلحة السلوكية قائمة بهذه المرتبة أيضا دون نفس الفعل حتى يلزم التصويب
ودون الامر حتى ينافي مذهب العدلية (إذا عرفت) ذلك فنقول كما أن معنى توقف
الأوامر العبادية على وجود المصلحة في متعلقاتها على مذهب العدلية ليس كون الفعل في
حد ذاته مشتملا على مصلحة ملزمة من قطع النظر عن الامر ضرورة انه يقع حينئذ تشريعا
محرما كما عرفت بل معناه ان في ذوات الافعال مصالح ملزمة هي مقتضيات نفس الافعال
لكنها لا تتحقق في الخارج إلا بعد ورود الامر وصدورها بداع قربي فهي في مرتبة الاقتضاء
علل للأوامر وداعية إلى جعلها وفي مرتبة فعليتها وتحققها متوقفة عليها فلا دور فكذلك المصلحة
السلوكية القائمة بالمرتبة الثالثة من الحجة هي علة لجعل الطريق في مرتبة الاقتضاء ومتوقفة
عليه خارجا في مرتبة التحقق والفعلية فجهة التوقف في كل منهما مغايرة لجهة التوقف في
70

الآخر والموجب للزوم الدور هو توقف كل من الطرفين على الآخر من جهة واحدة كما هو
واضح (وبالجملة) فالاشكال الوارد في المقام هو بعينه الاشكال الوارد في باب العبادات
والجواب مشترك بين المقامين (ثم) لا يخفى ان عبارة العلامة الأنصاري (قده) بحسب
النسخ الأولية كان مفادها كون المصلحة السلوكية قائمة بنفس السلوك وتطبيق العمل على
الامارة والعدول إلى جعل المصلحة في الامر إنما هو لأجل اشكال اورده بعض تلامذته
قدس سرهما عليه فأمر (قده) بتصحيح العبارة فصححوه بزيادة لفظ الامر في العبادة والاشكال
الذي اورد عليه وان لم ينقل لنا بشخصه الا انه لا يبعد أن يكون الاشكال الذي تعرضنا
له آنفا واجبنا عنه بحمد الله تعالى وبينا ان الالتزام بالمصلحة السلوكية المختلفة باختلاف انكشاف
الخلاف لا يمكن الا بالالتزام بكونها قائمة بنفس السلوك حتى تختلف باختلافه وان الالتزام
بالمصلحة في نفس الامر ينافي مذهب التحقيق من تبعية الاحكام لمصالح ومفاسد في
متعلقاتها ولكنه مع ذلك يمكن توجيه المراد من العبارة بأن لا يكون المراد منها ما هو ظاهرها
من كون المصلحة في نفس الامر بل يكون المراد منها هو كون المصلحة في نفس السلوك
كما اخترناه ولكن المصلحة السلوكية حيث إنها تتوقف على كون الطريق حجة حتى يصح الاستناد
إليه والحجية عنده قدس سره منتزعة عن الحكم التكليفي وهو ايجاب العمل على طبق الامارة
فعبر بكون المصلحة السلوكية في الامر مسامحة وكيف كان فقد اتضح عدم المحذور من جعل
الطريق من ناحية الملاك على الطريقية المحضة والسببية (واما توهم) المحذور من ناحية
الخطاب فقد قيل في تقريبه ان الامارة إذا قامت على وجوب شئ في الواقع وفرضنا ايجاب
الشارع العمل على طبقه فاما أن تكون موافقة للواقع أو مخالفة له ولازم الأول هو اجتماع
المثلين كما أن لازم الثاني هو اجتماع الضدين ولكنه لا يخفى ان اشكال اجتماع المثلين كما أشرنا
إليه مرارا لا يكون اشكالا في شئ من المقامات ضرورة ان لازم كون الفعل الواحد واجبا
من جهتين بل مستحبا من جهة وواجبا من جهة أخرى هو تأكد الطلب وكونه ناشئا عن
ملاك أقوى من الملاك الموجود في كل واحدة من الجهتين وأين ذلك من اجتماع المثلين
المشترك مع اجتماع الضدين في الاستحالة واما اشكال لزوم اجتماع الضدين في فرض المخالفة
فقد أجيب عنه بوجوه (الأول) ما يظهر من عبارة العلامة الأنصاري (قده) في باب
التعادل والترجيح وهو المنقول عن جماعة أخرى من اختلاف موضوعي الحكم الظاهري
71

والواقعي فإن موضوع الأول منهما هو الشئ بعنوان كونه مشكوكا وهذا بخلاف موضوع
الحكم الواقعي فإن موضوعه نفس الفعل وذاته واشتراط وحدة الموضوع في التضاد كما في
التناقض ربما يكون من الواضحات (وفيه) أولا ان هذا الجواب على تقدير تماميته إنما
يختص بخصوص موارد الأصول من جهة اخذ الشك في موضوعها وأما الامارات فموضوعها
نفس الفعل من غير تقييد بالجهل بالحكم الواقعي وكونها حجة حال الجهل غير اخذ الجهل في
موضوعها والا لما بقي فرق بين الامارة والأصل ولا يكون لها حكومة عليه كما هو ظاهر
(وثانيا) ان الأحكام الواقعية وإن كانت ثابتة لنفس الافعال من دون تقييدها بحال الجهل
الا انها لا تخلو في نفس الامر من اختصاصها بخصوص العالمين من باب نتيجة التقييد أو ثبوتها
للجاهلين أيضا بنتيجة الاطلاق وحيث إن الأول منهما مستلزم للتصويب المجمع على بطلانه
فلا محالة يتعين الثاني ويلزم منه كون الجاهل محكوما بحكمين متضادين (الوجه الثاني) ان
الحكم الواقعي وإن كان ثابتا لعين ما ثبت له الحكم الظاهري الا انه لا منافاة بينهما فان اختلاف
المحمول يوجب ارتفاع التضاد كما في التناقض فالوجوب الواقعي إنما يضاد الحرمة الواقعية دون
الظاهرية وبالعكس وهذا الوجه أفسد من سابقه إذ بعد فرض كون الحكم الظاهري حكما حقيقيا
بعثيا أو زجريا كيف يمكن اجتماعه مع حكم آخر على خلافه ومجرد تسميته أحدهما بالواقعي
والآخر بالظاهري لا يوجب رفع التنافي بين الحكمين المتخالفين (الوجه الثالث) ما افاده
المحقق صاحب الكفاية (قده) في تعليقته على الرسائل من حمل الأحكام الواقعية على الاحكام
الشأنية والاحكام الظاهرية على الأحكام الفعلية وربما عبر عن الأحكام الواقعية بالأحكام
الانشائية وصرح بأن المنافاة انما تكون بين الحكمين الفعليين ليس الا (وفيه) ان
المراد من الحكم الشاني ما هو فهل هو عبارة عن ثبوت الحكم في مرتبة ثبوت ملاكه ومقتضيه
بحيث لا يكون الحكم الواقعي حكما حقيقة وإنما الموجود في الواقع هو ملاكه أو انه عبارة عن سنخ
حكم موجود في الواقع ولكنه ليس بحكم فعلي بل اقتضائي فإن كان المراد منه هو الأول فلازمه
عدم وجود حكم واقعي مشترك بين العالم والجاهل وهذا عين القول بالتصويب المجمع على بطلانه
وإن كان المراد هو الثاني فلا نتعقل له معنى محصلا إلا بأن يراد من الاحكام الشأنية الأحكام المجعولة
على طبق المقتضيات الغير المنافي لعروض عنوان آخر موجب لزوالها كما في موارد الضرر
أو الحرج أو يراد منها الأحكام المجعولة الغير الملحوظ فيه عروض العناوين الطارية بنحو
72

الاهمال والأول منهما يقتضي زوال الحكم الواقعي بطرق المانع وهو قيام الامارة على
الخلاف فيكون الحكم الواقعي بحسب النتيجة مختصا بغير من قام عنده الامارة على الخلاف
وهذا عين القول بالتصويب والثاني منهما غير معقول في حد نفسه فإن الاهمال إنما يعقل في
مرحلة الاثبات ومقام البيان دون مقام الثبوت والجعل من الملتفت إلى الانقسامات الأولية
أو الثانوية فالحكم الواقعي بحسب مقام الثبوت اما أن يكون ثابتا لكل مكلف أعم من أن يقوم
عنده الامارة على الخلاف من باب نتيجة الاطلاق أو يختص بغيره من باب نتيجة التقييد لازم
الأول منهما هو اجتماع الحكمين المتخالفين في موضوع واحد ولازم الثاني هو التصويب المجمع
على بطلانه (وبالجملة) الالتزام بالحكم الشأني في المقام بالمعنى المعقول مستلزم التصويب وبمعنى
آخر غير مستلزم له غير معقول ولا يبعد أن يكون مراده (قده) من الحكم الشأني هو الانشائي
حتى يرجع التعبيران إلى مفاد واحد وعليه (فنقول) ان الأحكام المجعولة في الشريعة على
ما حققناه في بحث الواجب المشروط ليست الا احكاما فعلية حقيقية على موضوعاتها المقدر
وجوداتها فهي قبل وجود موضوعاتها يستحيل أن تكون فعلية كما انها بعد وجود موضوعاتها
يستحيل ان لا تكون كذلك (وبالجملة) حال الموضوعات بالإضافة إلى احكامها حال العلل
بالإضافة إلى معاليلها فكما يستحيل وجود المعلول من دون وجود علته وبالعكس فكذلك يستحيل
وجود الموضوع من دون فعلية حكمه وبالعكس إذ بعد فرض كون الحكم المجعول حكما لموضوع
خاص فتحقق أحدهما من دون وجود الآخر يرجع إلى الخلف والمناقضة وإن شئت توضيح
الحال في هذا المقام فارجع إلى المبحث المذكور وعلى ذلك فلا يخلو الحال من أن موضوع
الحكم الواقعي اما أن يكون مقيدا بغير من قامت عنده الامارة على الخلاف أو يكون مطلقا
إليه والالتزام بالأول منهما وإن كان يوجب عدم فعلية المجعول في حقه إذ المفروض تقييد
موضوعه بقيد مفقود عند قيام الامارة على الخلاف إلا أن لازم ذلك هو القول بالتصويب
واختصاص الأحكام الواقعية بغيره والالتزام بالثاني يقتضي الالتزام بفعلية الحكم الواقعي أيضا
لما عرفت من أن فعلية الحكم يستحيل أن يتخلف عن فعلية موضوعه بتمام قيوده فالالتزام
بعدم تقيد الأحكام الواقعية بغير من قام عنده الامارة على الخلاف مع القول بعدم فعليتها عند
قيام الامارة أو الأصل على الخلاف يرجع إلى الخلف والمناقضة وان لا يكون ما فرضناه موضوعا
تام للحكم موضوعا تاما له (وحاصل) الكلام ان فعلية الحكم لا بد وأن تكون على طبق
73

إنشائه ليس إلا فإن كان عدم قيام الامارة أو الأصل على الخلاف مأخوذا في الموضوع في
مقام الانشاء والجعل فلا بد وأن يكون له دخل في فعليتها لا محالة إلا أن لازم ذلك هو القول
بالتصويب المجمع على بطلانه وإلا فيستحيل عدم فعلية الحكم الواقعي مع قيام الامارة على
الخلاف حتى إذا بنينا على أن الأحكام المجعولة في الشريعة من قبيل القضايا الخارجية بأن يكون
القضايا المتكفلة لبيان الاحكام اخبارات عن انشائات عديدة عند وجود كل واحد واحد
من الموضوعات الخارجية فإن قيام الامارة على الخلاف حينئذ اما أن تكون مانعة عن جعل
الحكم في حق من قامت الامارة عنده أم لا فعلى الأول يلزم التصويب وعلى الثاني يلزم
اجتماع الحكمين المتنافيين وبالجملة فعلية الحكم الواقعي لا تنفك عن تحققه فلا بد من الالتزام أما
بخلو الواقع عن الحكم في حق من قام عنده الامارة على الخلاف أو بفعليته والأول مستلزم
للتصويب والثاني يوجب اجتماع الحكمين المتضادين فإن أراد قدس سره من الحكم الانشائي
الحكم الفعلي ومن الحكم الفعلي الحكم المنجز حتى يرجع ملخص دعواه إلى عدم المنافاة بين الحكم
الفعلي الغير المنجز وبين الحكم المنجز فيرد عليه ان مرتبة التنجز ليست نفسها قابلة للجعل ولا من
مراتب الحكم المجعول وإنما هي مرتبة وصول الحكم المجعول وتنجزه إنما هو من احكام العقل
فالحكم المجعول هو الذي بوصوله يكون منجزا على المكلف أي مما يستحق العقاب على مخالفته
والتنافي إنما هو بين نفس الحكمين الفعليين بحسب جعل الشارع سواء كان كلاهما واصلين إلى
المكلف أو كان الواصل أحدهما فقط أو لم يصل شئ منهما أصلا فتحصل مما ذكرناه أن مقتضى
مذهب العدلية هو كون الأحكام الواقعية فعلية في حق الجاهلين بها كالعالمين لعدم تقيد
موضوعاتها بالعلم ولا بالجهل ومعه فالالتزام بحكم فعلي آخر في مورد الامارة أو الأصل على خلافه
مستلزم لاجتماع الحكمين المتضادين فالتحقيق في الجواب ان يقال إن موارد الاحكام الظاهرية
التي توهم مناقضتها مع الأحكام الواقعية على أقسام ثلاثة * (القسم الأول) * موارد الامارات
والطرق المؤدية إلى مخالفة الأحكام الواقعية التي في مواردها * (القسم الثاني) * موارد
الأصول التنزيلية كالاستصحاب ونحوه التي يكون مقتضاها منافيا للحكم الواقعي كما إذا فرضنا
كون الحكم الواقعي في مورد استصحاب الحلية الوجوب أو الحرمة * (القسم الثالث) *
موارد مخالفة الأصول الغير التنزيلية كالبراءة الشرعية ونحوها للواقع والتخلص عن الاشكال
في كل واحد من الأقسام يتوقف على معرفة المجعول الشرعي فيه حتى يظهر عدم مضادته للحكم
74

الواقعي الثابت في مورده (فنقول) ان مقتضى التحقيق ان المجعول في باب الامارات
والطرق كما أشرنا إليه في بعض مباحث القطع انما هو المرتبة الثانية من العلم الطريقي وهي المحرزية
والوسطية في الاثبات دون الأحكام التكليفية البعثية أو الزجرية على ما سيجئ في بحث
الاستصحاب من كون الأحكام الوضعية في غير الجزئية والشرطية والسببية والمانعية مما تنالها
بأنفسها يد الجعل تشريعا وليست هي منتزعة من الأحكام التكليفية وسيتضح هناك إن شاء الله
تعالى ان بعض الأحكام الوضعية وإن أمكن لنا تصوير ما يكون منشأ لانشراعه إلا أن
بعضها الآخر مما لا يمكن فيه تصوير ذلك أبدا فإذا كان الحكم الوضعي بنفسه قابلا للجعل
كالحكم التكليفي ولم يكن هناك مقتض لتخصيص المجعول الشرعي بخصوص الحكم التكليفي فلا
مانع من كون المجعول باب الطرق والامارات نفس صفة المحرزية والوسطية في الاثبات
إذ هي نظير الملكية والزوجية والرقية وغيرها في كونها قابلا للاعتبار ممن بيده الاعتبار فكما ان
اعتبار الملكية من الشارع اعتبار صحيح يترتب عليه آثار كثيرة فكذلك اعتبار المحرزية للطريق
فيترتب عليه ما يترتب على الاحراز الوجداني من كونه منجزا للواقع ومن كونه قائما قامه فيما إذا
أخذ جزأ للموضوع على جهة الطريقية على ما فصلنا الكلام في ذلك سابقا ومما يدل على أن
المجعول في باب الطرق محض صفة المحرزية ليس إلا أنه ليس في الشريعة طريق مجعول ابتدائي
ابدا وإنما الطرق الشرعية هي التي يعتمد عليها العقلاء في أمور معاشهم ومعادهم لما يرونها طرقا
متقنة نظير العلم الوجداني ولا يعتنون باحتمال مخالفة الطريق للواقع بل يفرضون هذا الاحتمال
كالعدم حتى فيما إذا كان في احتمال مخالفة الطريق خطر مالي أو عرضي أو نفسي فاحتمال ان
عملهم بها لعله من جهة حصول العلم لهم منها كاحتمال ان عملهم بها من باب الرجاء واحتمال ادراك
الواقع مخالف للوجدان وإذا كانت الطرق المجعولة طرقا عقلائية ولم يكن للشارع بالإضافة
إليها تصرف إلا امضائها فلا بد وأن يكون المجعول محض صفة الطريقية والمحرزية ضرورة ان
جعل الأحكام التكليفية في موارد تلك الطرق غير محتمل من العقلاء بالكلية بل شأنهم إنما هو
الغاء احتمال الخلاف الموجود في موارد تلك الطرق وجعله كالعدم والمعاملة معها معاملة الطرق
العلمية فلو سلمنا ان لاحتمال كون الحجية منتزعة من الحكم التكليفي مجالا واسعا على تقدير كون
الطرق مجعولات شرعية ابتدائية لكنه ليس له مجال على تقدير كونها مجعولات امضائية
كما هو الواقع وعلى ذلك يكون حال الامارات حال العلم الوجداني بعينه في أنه ليس في مواردها
75

احكام تكليفية غير الأحكام الواقعية حتى يتحقق المضادة بينهما فكما لا موجب لتوهم المضادة
في صورة تخلف العلوم الوجدانية وخطأها فكذلك لا موجب لتوهمها في صورة مخالفة الامارات
ولا فرق بينهما إلا في أن الامارات محرزة للواقع بحكم الشارع والعلوم الوجدانية محرزة لها
تكوينا وهذا لا يكون فارقا فيما هو المهم في المقام كما هو ظاهر (وبالجملة) الاشكال إنما
يتوجه على من ذهب إلى عدم استقلال الحجية بالمجعولية وإنما هي تنتزع في الحكم التكليفي وبعد
البناء على كونها بنفسها قابلة للجعل من دون أن يكون في موردها حكم تكليفي غير الأحكام الواقعية
يندفع الاشكال ويكون انتفاء التضاد بين الحكم الواقعي والظاهري من باب السالبة
بانتفاء الموضوع ومما ذكرناه من أن المجعول في باب الامارات إنما هي نفس صفة المحرزية
والوسطية في الاثبات وحالها حال العلم في أنها على تقدير المصادفة توجب تنجز الحكم الواقعي
وصحة العقاب على مخالفته لكونه من الأحكام العقلية لوصول الحكم الفعلي وعلى تقدير المخالفة
تكون معذرة للعبد في مخالفته للتكليف الواقعي يظهر لك فساد ما أفاده المحقق صاحب
الكفاية (قده) من كون المجعول نفس المنجزية والمعذرية من دون اعتبار صفة أخرى في البين
فإن المنجزية والمعذرية من الأحكام العقلية الصرفة المترتبة على وصول الحكم وعدمه فمن دون
اعتبار صفة المحرزية والوسطية في الاثبات كيف يمكن ترتبها على وجود الامارة ومع اعتبارها
يكون ترتبها قهريا غير قابل للجعل الشرعي (تتميم) لا يخفى ان شيخنا العلامة الأنصاري (قده)
وإن ذهب إلى كون الأحكام الوضعية مطلقا منتزعة من الأحكام التكليفية إلا أنه قد أشرنا
سابقا إلى أن بعض الأحكام الوضعية وإن كان يمكن القول بانتزاعيته تصورا نظرا إلى
وجود حكم تكليفي في مورده غير قابل الانفكاك عنه كما في اللزوم الملازم لوجوب الوفاء بالعقد
فيمكن القول بكونه منتزعا من وجوب الوفاء بالعقد الشامل لما بعد الفسخ أيضا كما أفاده قدس
سره في بحث الخيارات إلا أن بعضها الآخر مما لا يتطرق فيه هذا الاحتمال رأسا ومن
هذا القبيل الحجية فان أي حكم تكليفي فرض في مورد الحجة الشرعية فلا محالة يكون ساقطا
بالعصيان ولا يكون له اطلاق بالإضافة إليه ولازم ذلك أن يكون الحجية المنتزعة منه مرتفعة بسقوطه
ضرورة ان كل أمر انتزاعي يدور مدار منشأ انتزاعه ومن الضروري ان الحجية لا تدور مدار
إطاعة العبد ولا تسقط بعصيانه فالمكلف عمل بمقتضى الامارة أو لم يعمل بنى على كون مؤدى
الامارة هو الواقع أو لم يبن تكون الامارة حجة في حقه فيستكشف من ذلك انها مجعولة
76

بالاستقلال وغير منتزعة من حكم تكليفي أصلا وأحسن ما قيل في بيان ما يمكن أن يكون
منشأ لانتزاعها هو ما أفاده (قده) في بحث الانسداد في مقام الرد على المحقق صاحب الحاشية
القائل باختصاص حجية الظن الثابتة بدليل الانسداد بخصوص الظن بالطريق حيث قال وفيه
ان تفريغ الذمة عما اشتغلت به اما بفعل نفس ما أراده الشارع في ضمن الأوامر الواقعية واما
بفعل ما حكم حكما جعليا بأنه نفس المراد وهو مضمون الطرق المجعولة فتفريغ الذمة بهذا
على مذهب المخطئة من حيث إنه نفس المراد الواقعي بجعل الشارع لا من حيث إنه شئ مستقل
في مقابل المراد الواقعي فضلا عن أن يكون هو المناط في لزوم تحصيل العلم واليقين والحاصل
ان مضمون الأوامر الواقعية المتعلقة بأفعال المكلفين مراد واقعي حقيقي ومضمون الأوامر
الظاهرية المتعلقة بالعمل بالطرق المقررة ذلك المراد الواقعي لكن على سبيل الجعل لا الحقيقة
انتهى محل الحاجة من كلامه قدس سره وحاصل ما يستفاد من كلامه زيد في علو مقامه هو
ان الحجية إنما تنتزع من حكم الشارع بكون مؤدي الطريق هو الواقع والمجعول بالاستقلال
هو حكمه بالهوهوية والحجية متنزعة عنه وعليه فليس هناك حكم آخر في قبال الواقع يكون
مضادا له في صورة المخالفة ولكن ما افاده قدس سره خال من التحصيل أيضا فإن الواجب
الواقعي إذا كان هو صلاة الجمعة مثلا وقامت الامارة على وجوب صلاة الظهر فحكم الشارع
بكون الظهر هو الواجب الواقعي اما أن يكون اخبارا محضا وهو غير معقول واما أن يكون
انشاء وعليه فاما أن يكون حكمه بذلك لأجل تنزيله صلاة الظهر منزلة صلاة الجمعة واثبات
الوجوب الواقعي لها فهو عين القول بالتصويب وانقلاب الواقع عما هو عليه بقيام الامارة على
خلافه أو لأجل حكمه بوجوب الجري العملي على طبق الامارة فينتفي الفرق حينئذ بين
الأصول والامارات لاشتراك الأصول معها في هذا الحكم لا محالة (وبالجملة) ان الحكم
بكون صلاة الظهر هو الواجب الواقعي لا بد وأن يكون بلحاظ أثر فإن كان ذلك الأثر ثبوت
الوجوب الواقعي لها فهو مستلزم للقول بالتصويب المعتزلي وإن كان لزوم الجري على طبقها عملا
في ظرف الجهل بالواقع فلا يبقى فرق بين الامارة والأصل حتى يحكم بحكومة الأولى على الثاني
بل يكونان حينئذ في عرض واحد من دون حكومة في البين وحاصل الكلام أنا لا نتعقل حكما
تكليفيا قابلا لانتزاع صفة الحجية منه أو لا وعلى تقدير تعقله فهو بعيد عن الأذهان العرفية فلا
يمكن كونها منتزعة منه وعلى فرض عدم بعده عنها لا داعي إلى الالتزام بذلك بعد كون الطرق
77

بنفسها كاشفة عن الواقع كشفا غير تام وقابلة لان تنالها يد الجعل بتتميم جهة كشفها وجعلها
محرزة للواقع وواسطة لاثبات متعلقاتها كما كان هذا المعنى في العلم الوجداني تكوينا والالتزام
بانحصار المجعول في خصوص الأحكام التكليفية لا ملزم له أصلا وسيجئ لذلك زيادة توضيح
في محله إن شاء الله تعالى هذا تمام الكلام في الامارات والطرق ومنه يظهر الحال في الأصول
التنزيلية أيضا فانا قد ذكرنا في بعض مباحث القطع ان المرتبة الرابعة من القطع الطريقي التي هي
مرتبة الاحراز لها جهتان (إحديهما) انكشاف الواقع (وثانيهما) الجري العملي على طبق
المنكشف والمجعول في باب الامارات هي الجهة الأولى من تلك المرتبة والمجعول في باب
الأصول الجهة الثانية منها فالأصول المحرزة تشترك مع الامارات في أن المجعول في مواردها
ليست هي الأحكام التكليفية البعثية والزجرية حتى يتوهم لزوم اجتماع الضدين أو النقيضين وانما
المجعول هي الوسطية في الاثبات من حيث انكشاف الواقع في الامارات ومن حيث الجري
العملي في الأصول التنزيلية المترتب عليه تنجز الواقع عند الإصابة والمعذرية عنه عند الخطأ
فالأصول التنزيلية وسط بين الامارات والأصول الغير التنزيلية فمن حيث اشتراكها مع
الامارات في أن المجعول فيها هي الوسطية في الاثبات على ما عرفت تقوم مقام العلم الطريقي
والمأخوذ في الموضوع على الوجه الطريقية ومن حيث اشتراكها مع الأصول الغير التنزيلية في
أخذ الشك في موضوعها لا يكون مثبتاتها حجة على ما سيجئ توضيحه في محله إن شاء الله
تعالى (والحاصل) انه لا فرق بين الأصول التنزيلية والامارات إلا في أن الشك أخذ
موضوعا للأولى دون الثانية وإلا فمن حيث كون المجعول فيها هي المرتبة الرابعة من العلم
الطريقي وهي مرتبة الاحراز فهما على حد سواء نعم بين الامارات والأصول فرق آخر من
حيث عدم تعقل كون الحجية في الامارات منتزعة من الحكم التكليفي في مواردها كما عرفت
وامكان تعقل ذلك في الأصول بأن يقال بانتزاعية الحجية عن حكم الشارع بجعل مورد الأصل
هو الواقع من حيث الجري العملي لكن الصحيح كما عرفت ان المجعول فيها أيضا هي الوسطية في
الاثبات وكون الأصل محرزا للواقع من حيث الجري العملي بل يمكن أن يقال باستحالة كون
الحجية فيها منتزعة من الحكم التكليفي أيضا فانا إذا فرضنا مخالفة مؤدى الأصل للواقع فحكم
الشارع بجعل مؤداه هو الواقع ليس له معنى معقول إلا اعطاء الحكم الواقعي للمؤدى وهذا
يرجع إلى التصويب المعتزلي المجمع على بطلانه فإذا كان مؤدى الأصل وجوب صلاة الجمعة
78

وكان الواجب الواقعي صلاة الظهر فهل هناك معنى معقول لحكم الشارع بجعل صلاة الجمعة هو
الواجب الواقعي إلا اعطاء الوجوب الواقعي له المستلزم للتصويب الباطل فما هو الموجب لاستحالة
كون الحجية في الامارات منتزعة عن الحكم التكليفي يكون موجبا لاستحالته في الأصول
التنزيلية أيضا فتحصل مما ذكرناه ان حال الأصول التنزيلية حال العلم الوجداني بعينه في أنه مع
المصادفة يكون مؤداه نفس الواقع ومع الخطأ لا يكون حكم شرعي أصلا إلا تخيلا واعتقادا
(وأما الأصول) الغير التنزيلية فحيث انها ليست ناظرة إلى الواقع أصلا فلا يمكن أن يكون
المجعول فيها الوسطية في الاثبات ونفس صفة الطريقية بل لا بد من الالتزام بكونه فيها هي
الأحكام التكليفية تحريمية كانت كما في موارد النفوس والاعراض بل الأموال في الجملة أو لا
كما في موارد أصالة الإباحة في الشبهات البدوية وعليه فلتوهم لزوم اجتماع الضدين عند مخالفة
الأصل للواقع مجال واسع فلا بد في دفعه من بيان ان الأحكام التكليفية في مواردها
متأخرة رتبة عن التكاليف الواقعية وليس بينهما منافاة أصلا فنقول ان التضاد بين الحكمين
إنما يعقل إذا كانا متحدين في الرتبة حتى يلزم من فرض وجود أحدهما عدم الآخر ومن فرضهما
معا اجتماع النقيضين وأما إذا فرض ان جعل أحد الحكمين متفرع على جعل الآخر وعند فرض
وجوده فيستحيل التضاد بينهما ضرورة عدم استلزام وجود أحدهما حينئذ عدم الآخر وانتفائه
وهذا هو مراد سيد أساتيذنا العلامة الشيرازي قدس سره من عدم كون الحكم الظاهري منافيا
للحكم الواقعي لترتبه عليه لا ما يتوهم من أن موضوع الحكم الظاهري وهو الشك متأخر عن
الحكم الواقعي فيكون الحكم الظاهري متأخرا من الواقعي بمرتبتين وبهذا يرتفع المنافاة بين
الحكمين كما يرتفع التنافي بين الطلبين المتعلقين بالمتضادين بأخذ عصيان أحدهما في موضوع
الاخر الموجب لتأخرهما في الرتبة فإن فساد هذا التوهم من الوضوح بمكان إذ تجويز الترتب لم
يكن مبتنيا على ذلك بل على أن طلب الأهم يستحيل أن يكون متعرضا لحال عصيانه لا بالاطلاق
اللحاظي ولا بالاطلاق الذاتي وإنما كان انحفاظه فيها باعتبار هدم ذلك الخطاب لتقدير العصيان
من دون تعرضه لشئ على هذا التقدير وطلب المهم ليس فيه اقتضاء عصيان الأهم حتى يتنافيا
وإنما هو يقتضي شيئا آخر على هذا التقدير فما يقتضيه كل من الخطابين يكون الآخر أجنبيا عنه
بالكلية وأين ذلك من مثل المقام فإن المفروض فيه هو اطلاق الحكم الواقعي لحال الشك فيه
نتيجة الاطلاق والمفروض وجود الحكم الظاهري في حال الشك فيلزم اجتماع الحكمين
79

المتنافيين والحاصل ان مرادنا من الترتب في المقام هو ترتب نفس الحكم الظاهري على الواقعي
الرافع للتنافي بين الحكمين ولتوضيح ذلك نقدم مقدمات (الأولى) ان الأحكام الواقعية
وإن كانت عامة لحال الشك فيها من باب نتيجة الاطلاق إلا انها تكون كذلك بما ان الشك
صفة من الصفات وحالة من حالات المكلف وهو من هذه الجهة لم يؤخذ في موضوع أصل من
الأصول وإنما أخذ فيها بما انه موجب لتحير المكلف من حيث العمل وهذا واضح جدا (الثانية)
ان كل تكليف كان قاصرا عن القيام بالملاك الموجب لجعله لابد فيه من جعل المتمم وهذا
على أقسام إذ قد يكون التكليف المجعول متمما في عرض التكليف الأول وهذا كوجوب
قصد القربة على ما عرفت تفصيل الحال فيه في محله وأخرى يكون النتيجة المترتبة على جعل
المتمم متحدة مع الوجوب المقدمي وهذا كإيجاب المقدمات المفوتة قبل وقت الواجب كما
في وجوب الغسل قبل الفجر لمن يجب عليه صوم الغد (وثالثة) يكون نتيجته الوجوب
الطريقي الموجب لتنجز التكليف الواقعي عند الإصابة وهذا كإيجاب الاحتياط الموجب لتنجز
الواقع في ظرف الشك (ورابعة) يكون ثمرته وجوب الفحص كما في موارد الشك في
القدرة والجامع بين الجميع هو قصور الجعل الأول عن القيام بالملاك والاحتياج إلى جعل آخر
(الثالثة) ان حكم العقل والشرع بالبراءة والاحتياط ليس على نحو واحد إذ العقل ليس من
شأنه إلا إدراك حسن العقاب المترتب عليه وجوب الاحتياط أو قبحه المترتب عليه الترخيص
. إلا فليس من شأنه الترخيص أو التحريم وهذا بخلاف الشارع فإنه الحاكم بالترخيص أو التحريم ابتداء إذ الحكم إنما هو من
شأنه ويترتب على حكمه بالإباحة والحرمة قبح العقاب وحسنه (والحاصل) ان قبح العقاب
والترخيص أو حسن العقاب والحرمة أو إيجاب الاحتياط وإن كانا متلازمين إلا انهما يختلفان
بالأصالة والتبعية بحسب حكم العقل والشرع (إذا عرفت) ذلك فنقول لا ريب في
مضادة الأحكام الواقعية بعضها مع بعض وفي مضادة إيجاب الاحتياط مع رفع المجهول شرعا
وفي مضادة الإباحة الظاهرية مع الحرمة كذلك وفي مضادة حكم العقل بقبح العقاب مع
حكمه بصحة العقاب وحسنه وأما إيجاب الاحتياط مع الإباحة الظاهرية أو رفع المجهول شرعا
مع الحرمة الظاهرية فتضادهما باعتبار استلزام إصالة الإباحة لرفع المجهول أو استلزام الحرمة
الظاهرية لعدم رفعه فالتضاد بينهما بالعرض لا بالذات كما لا ريب في عدم مضادة حكم العقل
بقبح العقاب بلا بيان مع الحرمة الواقعية أو حكمه بحسن العقاب مع الإباحة الواقعية إنما الاشكال
80

في مضادة أصالة الإباحة أو الحكم برفع المجهول مع الحرمة الواقعية أو إيجاب الاحتياط مع
الإباحة الواقعية والحق عدم المضادة بينهما إذ الأحكام الواقعية الشاملة لصورة الشك فيها
من باب نتيجة الاطلاق حيث إنها بنفسها لا تكون قابلة للمحركية والباعثية في حال الشك إذ
المحركية والباعثية تتوقفان على وصول الحكم بنحو من انحاء الوصول ومع عدمه يكون المكلف
في حيرة وضلال (فتارة) تكون ملاكاتها من الأهمية بمرتبة تقتضي جعلا آخر في ظرف الشك
يوجب كون الحكم الواقعي واصلا بطريقه ومتنجزا ولو مع الجهل به كما في موارد إيجاب
الاحتياط أو إصالة الحرمة (وأخرى) لا تكون تلك الملاكات مقتضية إلا لجعل نفس
الأحكام الواقعية من دون أن تستتبع لجعل آخر في ظرف الجهل أما في القسم الأول فلا ريب
ان حكم الشارع بوجوب الاحتياط أو إصالة الحرمة كما في موارد الفروج والدماء والأموال في
الجملة الراجعة إلى إيجاب الاحتياط بالدقة إذا الحكم بها أيضا ينشأ من الاهتمام بالأحكام
الواقعية في مواردها يوجب تنجز الواقع في ظرف الإصابة وصحة العقوبة على مخالفته إذ
الحكم الواقعي وإن لم يكن واصلا بنفسه بعلم أو امارة أو أصل محرز إلا أنه واصل بطريقه وهو
إيجاب الاحتياط فيتم موضوع صحة العقاب وهي مخالفة الحكم الواصل وفي موارد عدم
الإصابة يكون حكما صوريا لا يترتب على مخالفته شئ إلا على القول باستحقاق العقاب على
التجري (وبالجملة) مرتبة أصالة الحرمة أو إيجاب الاحتياط هي مرتبة تنجز الأحكام الواقعية
وهي مترتبة ومتفرعة على مرتبة جعل نفس الاحكام فيستحيل أن يكون الحكم المجعول في
هذه المرتبة مضادا للحكم الواقعي المترتب عليه هذا الجعل (وأما) في القسم الثاني فللشارع
أن لا يجعل حكما في هذه المرتبة أصلا بل يوكل المكلف إلى استقلال عقله بقبح العقاب بلا بيان
المستلزم للترخيص العملي وله أن يحكم بالإباحة الظاهرية أو رفع المجهول سواء كان المورد بحيث
لو لم يحكم الشارع بذلك لحكم العقل بقبح العقاب أو كان بحيث لو لم يكن حكم من الشارع
لحكم العقل بلزوم تحصيل الفراغ اليقيني كما في موارد الشك بين الأقل والأكثر الارتباطيين
على تفصيل يأتي في محله إن شاء الله فكما ان حكم العقل بقبح العقاب لا يكون مضادا
مع الحرمة الواقعية فكذلك حكم الشارع بالإباحة لا يكون مضادا له إذ مرتبة هذا الحكم مرتبة
المعذر عن الحكم الواقعي وهي مرتبة على رتبة أصل الجعل الواقعي فكيف يعقل مضادتهما والحاصل
ان مرتبة جعل الاحكام في موارد الأصول الغير التنزيلية لكونها في مرتبة التنجز أو المعذرية
81

المتفرعة على جعل الأحكام الواقعية تأبى عن تحقق التضاد بينهما ولسنا ندعي ان المجعول في تلك الموارد انما هو نفس
صفة المنجزية والمعذرية حتى يقال إن التنجز والمعذرية المساوقين لصحة العقاب وعدمها من
الأمور الغير القابلة لتعلق الجعل الشرعي به بل نقول إن المجعول الشرعي إنما هو إصالة
الإباحة أو إيجاب الاحتياط الواقعين في مرتبة التنجز والمعذرية من حيث تفرعهما على أصل
جعل الأحكام الواقعية وقد ذكرنا سابقا ان حكم العقل بصحة العقاب المترتب عليه المنع العملي
المرادف لايجاب الاحتياط أو بقبح العقاب المترتب عليه الترخيص العملي مع حكم الشارع
بإيجاب الاحتياط أو الترخيص متعاكسان فإن الحكم بالإباحة أو الاحتياط إنما هو من شؤون
الشارع ليس إلا وصحة العقاب أو قبحه يترتبان عليهما وهذا بخلاف حكم العقل فإنه ليس إلا
بمعنى الادراك المتعلق بحسن العقاب أو قبحه والمنع أو الترخيص العمليان يترتبان عليه فتحصل
مما ذكرناه ان حكم الشارع بالإباحة الظاهرية إنما تنافي حكمه بالحرمة كذلك المساوقة لايجاب
الاحتياط وأما الإباحة الظاهرية مع الحرمة الواقعية أو إيجاب الاحتياط مع الحلية الواقعية فلا
منافاة بينهما أصلا (فإن قلت) ان ما ذكرت من عدم تضاد الأحكام الواقعية مع الظاهرية
في الأصول الغير التنزيلية لتعدد مرتبتهما إنما ينفع في خصوص الأحكام التكليفية واما في مثل
الأحكام الوضعية كالطهارة والنجاسة فلا محالة يتحقق المنافات بينهما مثلا إذا حكم الشارع
بالطهارة ظاهرا مع كون الشئ محكوما بالنجاسة واقعا أو بالعكس كما إذا قلنا بأصالة النجاسة في
الدماء وفرضنا طهارة المشكوك واقعا فلا محالة يكون الحكمان متنافيين (قلت) ان ذلك
انما يرد على مذهب من يرى كون النجاسة والطهارة من الأمور الواقعية التي كشف الشارع
عنها كما يظهر ذلك من بعض عبارات العلامة الأنصاري قدس سره وأما بناء على ما اخترناه من
كونهما من الأحكام المجعولة وان مجرد كون النظافة والقذارة العرفية من الأمور الواقعية لا يقتضي
كون الطهارة والنجاسة أيضا من هذا القبيل بل هما قابلان لتعلق الجعل الشرعي بهما كالاحكام
التكليفية فحالها حال الأحكام التكليفية بعينها مثلا النجاسة الواقعية وإن كانت فعلية بوجود
موضوعها الا انها ما لم تحرز في الخارج لا تكون متنجزة باعتبار آثارها التكليفية فللشارع أن
يجعل المنجز أو المعذر في هذه المرتبة فلا مضادة بين الحكمين لتعدد مرتبتهما ومنه يظهر حال
الحكم بالنجاسة مع الطهارة الواقعية هذا تمام الكلام في الجمع بين الاحكام الظاهرية والواقعية
ولا بأس بتنقيح أمرين يتضح بهما ارتفاع اشكال التضاد والتناقض من أصله (الأول) انه
82

وقع الكلام في أن استحقاق العقاب عند مخالفة إيجاب الاحتياط أو إصالة الحرمة هل هو
مترتب على مخالفة هذا الخطاب الطريقي أو على مخالفة نفس التكليف الواقعي (الثاني) انه
مع فرض كون استحقاق العقاب على مخالفة نفس الخطاب الطريقي فهل هو يترتب على
مخالفته مطلقا أو عند مصادفة الواقع فقط أما الأمر الأول فالحق فيه ان استحقاق العقاب
إنما يترتب على مخالفة الحكم الطريقي دون الحكم الواقعي وذلك لان حكم العقل بقبح العقاب
بلا بيان غير قابل للتخصيص بمورد دون آخر فمع الجهل بالحكم الواقعي وعدم وصوله إلى المكلف
لا وجدانا ولا بحكم الشارع كما في موارد الامارات والأصول التنزيلية فلا محالة يحكم العقل
بقبح العقاب على مخالفته ومن الواضح ان الحكم الواقعي في موارد إيجاب الاحتياط أو إصالة
الحرمة لا يكون واصلا ومحرزا عند المكلف بل هو بعد على مجهوليته فكيف يصح العقاب على
مخالفته نعم نفس إيجاب الاحتياط أو أصالة الحرمة يكون محرزا عنده فيصح العقاب على
مخالفته (فإن قلت) إذا كان ايجاب الاحتياط مثلا ناشئا عن ملاك الحكم الواقعي ومتمما
لجعله فلا محالة يكون وصوله وصولا للحكم الواقعي ولا يفرق في نظر العقل بين وصول
الشئ بنفسه أو بطريقه (قلت) ايجاب الاحتياط وإن كان ناشئا عن الملاك الواقعي ومتمما
للجعل الأول إلا أن صحة العقاب كما عرفت مرارا تدور مدار مخالفة التكليف الواصل ومع
الشك في وجود التكليف الواقعي ولو علم بوجوب الاحتياط كيف يعقل وصول الحكم الواقعي
بل الواصل انما هو نفس الطريق ليس إلا وهذا معنى قولنا الحكم الواقعي واصل بطريقه
واتصاف الواقع بالوصول من باب وصف الشئ بحال متعلقه وإلا فالحكم الواقعي الموجود في
مورد ايجاب الاحتياط غير متصف بالوصول أصلا وبالجملة ايجاب الاحتياط ليس كالامارات
أو الأصول المحرزة حتى يكون الحكم الواقعي الموجود في مورده واصلا بنفسه من جهة اعطاء
الشارع صفة المحرزية للامارة أو الأصل بل هو باق على مجهوليته من دون فرق بين حال قبل
إيجاب الاحتياط وبين حال بعده وانما الواصل هو نفس هذا الحكم الطريقي ليس إلا فلا بد
وأن يكون العقاب على مخالفته (وأما الأمر الثاني) فهو انه وقع النزاع بعد البناء على ترتب
استحقاق العقاب على مخالفة الطريق الواصل دون الواقع في ترتبه عليها مطلقا أو في خصوص
ما إذا كان الطريق مصادفا للواقع واما في صورة عدم المصادفة فاستحقاق العقاب على المخالفة
يتوقف على استحقاق المتجري للعقاب فإن قلنا به فيوجب مخالفة الطريق استحقاق العقاب
83

مطلقا اما على المعصية أو على التجري وإلا ففي صورة الإصابة خاصة الحق هو الثاني وان
استحقاق العقاب إنما هو على مخالفة الطريق الواصل لا مطلقا وتوضيح ذلك انما يتوقف على
رسم مقدمة أشرنا إليها فيما تقدم وهي ان كل تكليف لا يكون وافيا بنفسه للملاك والغرض
الداعي إلى تشريعه فلا بد معه من جعل المتمم إلا أن النتيجة المترتبة على جعله على أقسام
(الأول) أن يكون النتيجة المترتبة عليه تقييد المأمور به بقيد من جزء أو شرط فيكون
جعل المتمم في عرض التكليف الواقعي ويتحد معه في الحقيقة وهذا كما في قصد القربة فإن الغرض
المترتب على فعل العبادة بقصد القربة لما لم يمكن استيفائه بأمر واحد فلا بد هناك من جعلين
أحدهما يتعلق بذات العبادة والآخر بإتيانها بقصد القربة فيكون نتيجة الامرين ومفادهما
تقيد المأمور به بقصد القربة جزءا أو شرطا فيكون عصيان أحدهما متحدا مع عصيان الآخر
(الثاني) أن يكون النتيجة المترتبة عليه هو إيجاب المقدمات التي لا يمكن أن تتصف بالوجوب
المقدمي من قبل وجوب ذيها وهذا كما في المقدمات المفوته كالاغتسال قبل الفجر فيما وجب
صوم الغد فانا قد ذكرنا في محله ان التكليف بالصوم حيث إنه قاصر عن ايجاب مقدمته قبل
الوقت ولا يمكن للمولى استيفاء عرضه بأمر واحد فلا بد له من جعلين إحديهما يتعلق بالمقدمة
والآخر بذيلها فيكون نتيجة جعل المتمم هو ايجاب المقدمة فلا يترتب على مخالفته عقاب
سوى ما يترتب على مخالفة ذي المقدمة بترك مقدمته (الثالث) أن يكون النتيجة المترتبة
عليه هو جعل الطريق وايصال الواقع بطريقه فيما لا يمكن محركية الحكم الواقعي وباعثيته للمكلف
في الخارج وهذا يكون في عدة موارد (منها) ايجاب الفحص في الشبهات الحكمية وبعض
الشبهات الموضوعية (ومنها) ايجاب الفحص عن القدرة فيما إذا شك فيها (ومنها) ايجاب
التعلم قبل وقت الواجب المشروط به (ومنها) ايجاب الاحتياط وأصالة الحرمة في الاعراض
والدماء والأموال في الجملة والجامع في هذا القسم من متمم الجعل هو كون المتمم خطابا
طريقيا لرعاية الحكم الواقعي المشكوك من جهة عدم امكان استيفاء نفسه بما هو الغرض منه
فالملاك في جعل المتمم في هذا القسم ليس هو الملاك لجعل الحكم الواقعي بل أحدهما في طول
الآخر فان الملاك قبل الحكم الواقعي انما هو نفس المصلحة أو المفسدة الموجودتين في متعلقه
وهذا بخلاف ملاك جعل المتمم فإنه ليس إلا رعاية التكليف الواقعي وايصاله إلى المكلف بطريقه
من جهة اهتمام الشارع بعدم تحقق مخالفته حتى حال الشك فيه وعدم قابليته للمحركية ولأجل
84

ذلك قد بنينا على أن الحكم الطريقي انما هو في طول الواقعي وليس في مرتبته حتى يلزم اجتماع
الضدين في صورة عدم المصادفة (وأما) ملاك جعل المتمم في القسمين الأولين فهو عين
الملاك الباعث للجعل الأولي كما هو ظاهر (إذا عرفت) ذلك فنقول إذا كان الغرض من
ايجاب الاحتياط أو أصالة الحرمة هو حفظ الأحكام الواقعية الموجودة في مواردهما وايصالها
إلى المكلف بطريقها من باب تتميم الجعل فلا محالة لا يكون مثل هذين الحكمين حكما
حقيقة الا في صورة الإصابة مع الواقع واما في فرض المخالفة فليس هناك الا صورة يتخيل
كونها حكما (فان قلت) قد مر فيما سبق ان أخصية ملاك الجعل لا توجب اختصاص
الحكم المجعول على موارد وجود الملاك فيها بل يعم الحكم لصورتي وجود الملاك وعدمه لما مر
مرارا من أن المعصية والطاعة انما تدوران مدار التكليف لا الملاك فوجود الملاك وعدمه أجنبيان
عن تحقق المعصية أو الطاعة وهذا كما في باب العدة فان ملاك تشريعها وإن كان حفظا الأنساب
وعدم اختلاط المياه الا انه لعدم تميز الافراد التي يتحقق فيها هذا الملاك عن الافراد الاخر
الفاقدة له خارجا جعل حكم العدة على نحو العموم لاهتمام الشارع بهذا الملاك حتى لا يفوت في
شئ من الموارد وعلى ذلك يترتب ان الغرض من ايجاب الاحتياط وإن كان هو حفظ
الواقعيات الموجودة في موارده وهو أخص من المجعول ضرورة انه لا يتحقق الا في صورة
المصادفة الا ان ذلك لا يوجب اختصاص الحكم المجعول بموارد وجود الملاك فكما أنه يكون
حكما حقيقة في صورة المصادفة فكذلك في فرض المخالفة (قلت) إذا كان الغرض أخص
من الحكم المجعول فإن كان الغرض من قبيل الملاكات أعني المصالح والمفاسد كما في باب
العدة فلا محالة لا يوجب أخصية الغرض قصر المجعول بموارد وجود الملاك مع عدم تميزه خارجا
ضرورة ان الملاك الأخص حينئذ يكون موجبا لجعل الحكم بنحو العموم حفظا للغرض الواقعي
المتحقق في بعض الموارد واما إذا كان الغرض منه هو حفظ التكاليف الواقعية ورعايتهما تتميما
للجعل وايصالا لها بطريقها حتى يكون التكليف الواقعي متحدا مع التكليف الطريقي في مقام
الباعثية والمحركية فلا محالة ينحصر الحكم المجعول بموارد الإصابة دون الخطأ بداهة انه مع
عدم التكليف الواقعي كيف يعقل جعل المتمم وإيصال الواقع ففرض المتممية والإيصال يتوقف
على وجود الواقع وهو لا يكون الا مع الإصابة ويترتب على ذلك أمران (الأول) عدم
استحقاق العقاب على مخالفة الطريق الا في فرض المصادفة وهو الذي أردنا اثباته في المقام
85

(الثاني) عدم ثبوت حكم حقيقي في فرض عدم المصادفة حتى يتوهم مناقضته للحكم الواقعي
المفروض عدم اصابته له فيكون حال ايجاب الاحتياط أو أصالة الحرمة حال الأصول المحرزة
في عدم تحقق علم شرعي مجعول في فرض عدم الإصابة واما أصالة الإباحة أو البراءة الشرعية
فهما وإن لم يكن حالهما حال إيجاب الاحتياط في تتميم الجعل وإيصال الواقع بالطريق الا انه
قد عرفت ان مرتبتهما من الحكم الواقعي مرتبة حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان فإن مرجع
أصالة الإباحة إلى عدم جعل المنجز للحكم الواقعي في مرتبة الشك على تقدير وجوده الواقعي
الغير القابل للمحركية وجعل ما يكون معذرا على هذا التقدير وقد عرفت ان هذه المرتبة متأخرة
عن مرتبة الحكم الواقعي ويستحيل تحقق التضاد أو التناقض مع اختلاف المرتبتين (المقام
الثاني) في وقوع التعبد بالامارات الغير العلمية وقبل الخوض في ذلك لا بد من تأسيس
الأصل في المقام حتى يكون هو المعول في ظرف الشك (فنقول) ان الحجية وإن كانت من
الأحكام المجعولة كالوجوب والحرمة وأمثالهما وتشترك معها في استحالة أخذ العلم بها في موضوعها
في مرحلة الانشاء والجعل الا أنها تفارقها في أنها ما لم تصل إلى المكلف لما يترتب عليها أثر أصلا
لما عرفت من أنه ليس معنى الحجية إلا الوسطية في الاثبات أو ما في حكمها ومن المعلوم ان
فعلية هذا المعنى وترتب الأثر عليه لا يكون الا في ظرف الاحراز ومقام الاثبات وإلا فصرف
إنشاء الحجية لشئ مع عدم وصوله إلى العبد لا يوجب وقوعه وسطا في الاثبات وهذا بخلاف
بقية الأحكام المجعولة فإنها بوجوداتها الواقعية ولو لم تصل إلى المكلف ربما يترتب عليها آثار
كثيرة ولأجل ذلك يكون الشك في انشاء الحجية لامارة خاصة موجبا للقطع بعدم وقوعه
وسطا في الاثبات وعدم استناد مؤداه إلى الشارع ومن ذلك يظهر ان محل الكلام في المقام
ليس هو العمل بالظن في العاديات التي لا مساس لها بالشارع كما أن العمل بمتعلق الظن بما
انه مظنون كذلك فإنه نحو من الاحتياط ولا اشكال في حسنه لو لم يكن هناك مانع عنه بل محل
الكلام هو الاتيان بمتعلق الظن بإلغاء جهة الظن واسناده إلى الله تبارك وتعالى بأن يؤتى
بالفعل بما انه واجب أو يترك بما انه حرام حتى يكون الظن متمخضا في الوسطية في الاثبات
ليس إلا إذا عرفت ذلك فاعلم أن المثبت لعدم جعل الحجية الواقعية إذا كانت مشكوكة لابد
وأن يكون أمرا ناظرا إلى الواقع وهو منحصر في الأدلة الخاصة الدالة على الغاء الشارع لبعض
الامارات وعدم اعطاء صفة الحجية له وفي الأدلة العامة الدالة على عدم حجية الظن والامارة
86

الغير العلمية وفي استصحاب عدم الحجية (أما) الأدلة الخاصة فلا اشكال في جواز التمسك
بها لذلك في مواردها كالأدلة الدالة على عدم حجية القياس في الأحكام الشرعية (أما
الأدلة) العامة ففي جواز التمسك بها لاثبات عدم حجية أي امارة غير علمية شك في حجيتها
اشكال وجه الاشكال ان موضوع تلك الأدلة انما هو الظنون التي لم يعتبر الشارع لها صفة
الحجية والوسطية في الاثبات وأما هي فخارجة عن موضوعها على نحو الحكومة على ما سيجئ
بيانه في محله إن شاء الله تعالى فإذا شك في اعتبار الحجية لامارة خاصة فيكون التمسك بها
لاثبات عدم حجيتها تمسكا بالعموم في الشبهة المصداقية وهو غير جائز على ما أوضحناه سابقا
وأما التمسك بالاستصحاب فإن بنينا على عدم جريانه في الاحكام الكلية المشكوك حدوثها
في الشريعة فلا ريب في عدم جريانه في المقام واما إذا بنينا على جريانه فيها فلا يمكن التمسك به
لاثبات عدم الحجية في مورد الشك أيضا لا لان العقل يحكم بعدم الحجية في ظرف الشك
فلا يكون فائدة في اجراء الاستصحاب كما ربما ينسب ذلك إلى شيخنا العلامة الأنصاري قدس
سره إذ حكم العقل بذلك انما هو في مرتبة متأخرة عن الحكم الشرعي وحكم الشرع بعدم
الحجية يكون رافعا لموضوع حكم العقل فكيف يمكن أن يكون الحكم العقلي مانعا عن الحكم
الشرعي بل لان الحجية وإن كانت من الأحكام الشرعية إلا أن مفاد الاستصحاب لكونه
جريا عمليا على طبق اليقين السابق يحتاج إلى أثر عملي في مورده حتى يمكن الجري على طبقه
والذي يمكن أن يكون أثرا عمليا لعدم الحجية أحد شيئين على سبيل منع الخلو (الأول) عدم
استناد مؤدى الامارة إلى الشارع وبعبارة أخرى عدم كون الامارة وسطا في الاثبات
(الثاني) حرمة اسناده إليه لغير التشريع الثابت حرمته بالأدلة الأربعة اما جريان الاستصحاب
لاثبات عدم الاستناد وعدم كون الامارة وسطا في الاثبات فهو غير ممكن فإن عدم وقوع
الامارة وسطا لاثبات متعلقه في ظرف الشك يكون محرزا بالوجدان لما عرفت من أن معنى
الحجية معنى يتقوم بالوصول والاحراز ومع عدم الوصول إلى المكلف يكون الوسطية في الاثبات
مقطوع العدم ومعه يكون التمسك بالاستصحاب لاثبات ذلك بالتعبد تحصيلا للحاصل بل من
أردء انحائه فإنه من قبيل تحصيل الحاصل الوجداني بالتعبد وهو غير معقول واما التمسك به
لاثبات حرمة الاسناد إلى الشارع فهو غير ممكن أيضا فانا إذا بنينا على أن حكم العقل بقبح
التشريع من قبيل الأحكام العقلية الثابتة للمقطوع والمشكوك بملاك واحد كما هو كذلك
87

فإن قبح التشريع إنما هو لكونه تصرفا في سلطان المولى بغير إذنه وهو مشترك بين صورتي
القطع بعدم الحكم والشك فيه فلا يكون حرمة الاسناد من آثار عدم الحجية حتى يمكن جريان
الاستصحاب فيها لاثباتها ولا من آثار احراز عدم الحجية حتى يبتني جريان الاستصحاب في
المقام على جواز قيام الاستصحاب مقام العلم المأخوذ جزء للموضوع بل من آثار نفس عدم
احراز الحجية الموجود وجدانا وأما إذا بنينا على أن حكم العقل بقبحه من قبيل الأحكام العقلية
الثابتة للواقع وللمشكوك بملاكين نظير حكم العقل بقبح التصرف في مال الغير من باب الظلم
وحكمه بقبح التصرف فيما شك في كونه مال الغير رعاية لعدم الوقوع في القبيح الواقعي فلا
محالة يكون المشكوك بما هو موضوعا للقبح في عرض الواقع ومعه يكون التمسك بالاستصحاب
لاثبات الحرمة من قبيل تحصيل الحاصل أيضا فإن القبح الواقعي إذا كان محرزا بوجود
موضوعه وهو الشك وجدانا فالتمسك بالاستصحاب لاثباته تعبدا تحصيل الحاصل بل من أردء
انحائه كما عرفت والحاصل ان التمسك بالاستصحاب إنما يصح فيما إذا كان الأثر المرغوب
مترتبا على الواقع حتى يثبت بالاستصحاب تعبدا وأما إذا كان مترتبا على نفس الشك أو عليه
وعلى الواقع فلا يمكن جريان الاستصحاب قطعا وبما ذكرناه نمنع عن جريان استصحاب البراءة
حال الصغر والجنون واستصحاب التكليف عند الاتيان ببعض أطراف العلم الاجمالي كما سنوضحه
في محله إن شاء الله تعالى (فإن قلت) إذا لم يجر الاستصحاب لاثبات عدم الحجية لعدم
ترتب ثمر عملي على جريانه فلا يكون الدليل الخاص مثبتا لعدم الحجية أيضا بداهة ان وجود
الأثر العملي مما يحتاج إليه في حجية الامارات أيضا (قلت) الفارق بين الأصل والامارة
هو ان الشك مأخوذ في موضوع الأول ومفروض الوجود في جريانه بخلاف الثاني فان
موضوعه هو الموضوع للأحكام الواقعية وهو ذات المكلف مع قطع النظر عن كونه واجدا لصفة
الشك نعم الشك مورد لا انه موضوع لها وأيضا الجري العملي هو المجعول في الأصل وأما
المجعول فيها فهو المحرزية ويتبعها الجري العملي ولذا يكون مثبتات الامارة حجة دون الأصول
وعلى هذين الفرقين يتفرع ان قيام الامارة على عدم حجية امارة يعدم موضوع الشك في
الحجية ويكون عدم تحقق الاستناد إلى المولى لعدم الجعل واقعا بمقتضى الامارة لا لأجل
الشك فيه حتى يكون التعبد بالامارة لاثبات عدم الحجية تحصيلا للحاصل (وبالجملة) عدم
تحقق الاستناد المسبب عن الشك في رتبة متأخرة عن عدم تحقق الاستناد المسبب عن عدم
88

الجعل والامارة يكون مثبتا لعدم الجعل ورافعا لموضوع الشك فكيف يقاس بالاستصحاب
المترتب على الشك وجاريا مع فرض وجوده مع أنه لا أثر له إلا الجري العملي الحاصل بنفس
الشك على ما عرفت (دفع وهم) ربما يقال بأن معنى الحجية إذا كان أمرا يتقوم بالوصول
كما بنينا عليه المنع عن جريان استصحاب عدم الحجية فلا بد وأن يكون العلم بها مأخوذا في
موضوعها ولو من باب نتيجة التقييد ولازم ذلك هو القطع بعدم الحجية عند عدم العلم بها ولقد
أجبنا عن هذا الاشكال في الدورة السابقة باستلزامه للدور فإنه يرجع بالآخرة إلى توقف
الحجية على العلم بها المتوقف عليها فكما لا يمكن تقييد الحجية بالعلم بها لحاظا فكذلك لا يمكن
تقييدها به من باب نتيجة التقيد أيضا وملاك الاستحالة مشترك بين التقييدين ولكن التحقيق
يقتضي بطلان هذا الجواب فإن المتوقف على العلم بالحجية انما هو حقيقة الحجية والوسطية في
الاثبات والعلم بالحجية لا يتوقف على ذلك بل على انشائها لموضوعها ومن المعلوم ان الحجية المنشأة
ليست بحقيقة الوسطية في الاثبات المترتبة على العلم فيتغاير الموقوف والموقوف عليه ونظير ذلك
ما ربما يقال من أن تمامية البيع يتوقف على القبول والشراء مع أن القبول فرع تحقق البيع فيدور
والجواب عنه أيضا بمثل ما ذكرناه فان المتوقف على القبول هو حقيقة البيع والقبول لا يتوقف
عليها بل على البيع الانشائي الصادر عن البايع فالموقوف غير الموقوف عليه وهذا الذي ذكرناه
في بطلان الجواب يصلح لدفع التوهم أيضا لان تقوم حقيقة الحجية بالوصول ملازم للقطع بعدمها
عند الشك لا لتقيد موضوع الحجية الانشائية الواقعية بالعلم حتى يقطع بعدمها في ظرف الشك
فيها وما ذكرناه من حجية الامارة الخاصة الدالة على عدم الحجية الواقعية مبني على عدم تقيد
الحجية الواقعية بالعلم بها لا مع عدم تقيد حقيقة الحجية بالوصول فالمغالطة انما نشأت من تسرية
أحكام الحجية الحقيقية بالحجية الانشائية وتخيل أن توقف الأولى بالوصول يستلزم تقيد موضوع
الثانية به من باب نتيجة التقييد كما هو المتوهم (بقي هناك) أمران لا بأس بالإشارة إليهما
(الأول) ان حكم العقل بقبح التشريع ليس كحكمه بحسن الطاعة وبقبح المعصية مما يقع في
سلسلة معلولات الحكم الشرعي كي لا يمكن استتباعه للحرمة الشرعية بل هو واقع في سلسلة
العلل للحكم الشرعي وفي مرتبة ادراكه للمصالح والمفاسد فلا محالة يترتب عليه الحرمة الشرعية
وقد ذكرنا سابقا ان الملاك في استتباع الأحكام العقلية للأحكام الشرعية وعدمه إنما هو وقوعه
في سلسلة علله أو معلولاته (الثاني) انا قد ذكرنا في بحث النهي عن العبادة ان الحرمة
89

التشريعية من عوارض الفعل الخارجي وما يصدر من المكلف خارجا لا من عوارض البناء
القلبي من دون مساس لها بالافعال الخارجية فالفعل الصادر بعنوان التشريع أو الافتاء بهذا
العنوان يقع مبغوضا وقبيحا وان لم يكن ذات الفعل كذلك واختلاف الافعال في الحسن
والقبح باختلاف الدواعي لصدورها من الوضوح بمكان لا يحتاج معه إلى إقامة برهان ومزيد
بيان فليس حال الدواعي حال العلم بالمبغوضية أو المحبوبية في عدم اختلاف حال الفعل الخارجي
به في الحسن والقبح على ما أوضحناه في بحث التجري (إذا عرفت) ذلك فاعلم أن ما قيل
باعتباره بالخصوص من الامارات الغير العلمية وإن كانت كثيرة وسنتكلم في كل واحد منها
مستقلا إن شاء الله تعالى إلا أن عمدة ما يهمنا اثباته من الامارات الغير العلمية هي حجية
الظواهر وسند الاخبار فإن عمدة ما يتوقف عليه استنباط معظم الأحكام الشرعية هو إثبات
حجية سند الاخبار والظواهر والمنع عن حجية إحديهما هو الأساس لمقدمات الانسداد والمحقق
القمي قدس سره حيث منع عن حجية سند الاخبار وظواهرها بنى على حجية الظن الانسدادي
فالكلام فعلا يقع في حجية الظواهر بالخصوص وقبل الخوض في ذلك لا بد من تمهيد مقدمة وهي
ان البحث في الظواهر تارة يكون في الصغرى وأخرى في الكبرى أما البحث عن الكبرى فلا
ريب في أنه بحث أصولي إذ الميزان في ذلك كما ذكرناه في أول الكتاب هو أن يكون نتيجة
البحث كبرى كلية إذا انضم إليها صغرياتها أنتجت نتيجة فقهية ولا ريب ان البحث عن حجية
الظواهر كذلك فإنه بعد الفراغ عن حجيتها إذا انضم إليها صغرى من صغرياتها تكون النتيجة
مسألة فقهية وتوهم ان المسألة الأصولية لا بد وأن تكون باحثة عن أحوال الأدلة بعد الفراغ
عن دليليتها والبحث عن حجية الظواهر بحث عن الدليلية فيكون من المبادي قد عرفت
ما فيه في أول الكتاب فانا قد ذكرنا هناك ان الالتزام بكون موضوع علم الأصول هي ذوات
الأدلة فضلا عن الالتزام بكونه هي الأدلة بوصف كونها كذلك بلا ملزم بل كل مسألة تكون
بحيث تنتج نتيجة فقهية بضم صغريها إليها فهي من المسائل الأصولية سواء كان البحث فيها عن
أحوال الأدلة أو لم تكن (وأما البحث) عن الصغرى فهو على قسمين فإنه تارة يكون
من جهة المفاهيم الافرادية لأجل تعيين وضع الواضع وأخرى من جهة المفاهيم التركيبية لأجل
القرائن العامة كالبحث عن ظهور الامر الواقع عقيب الحظر في الوجوب وعدمه ونظائره
(وأما البحث) في القسم الأول فهو من شأن اللغوي ليس إلا نعم البحث عن حجية قول
90

اللغوي في تعيين الأوضاع كالبحث عن الرجال لتعيين الصغرى في باب السند من المبادي
لكن حيث إن البحث عن الرجال له علم مخصوص فلا يتكلم عنه في علم الأصول (وأما البحث)
عن حجية قول اللغوي فلم يكن معنونا في محل آخر فيبحث عنه في علم الأصول وسيجئ
الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى (وأما البحث) في القسم الثاني فما كان منه مذكورا في
علم آخر كما ذكر البحث عن جملة مما يفيد الحصر في علم المعاني فهو والا فيذكر في علم الأصول
لكونه من المبادي أيضا وقد أشبعنا الكلام في هذا القسم في الجزء الأول من هذا الكتاب
فراجع ثم إن ظهور لفظ في معنى قد يكون باعتبار دلالته على معناه الافرادي المسماة بالدلالة
التصورية (وأخرى) باعتبار الدلالة على المعنى التركيبي المسماة بالدلالة التصديقية (أما)
الدلالة التصورية فلا ريب في أنها تابعة للعلم بالوضع وليس لعدم القرينة في الكلام دخل فيها
أصلا فالعالم بوضع لفظ خاص لمعنى مخصوص ينتقل عند سماعه إلى ذلك المعنى ولو نصب المتكلم
قرينة على عدم ارادته (وأما) الدلالة التصديقية فهي بمعنيين فإنها تارة بمعنى ظهورا للفظ
فيما قاله المتكلم بحيث لو أراد السامع النقل بالمعنى لفعل وأخرى بمعنى ظهور الكلام فيما أراده
بحيث يكون حجة قاطعة للعذر أما الدلالة التصديقية بالمعنى الأول فلا ريب في أنها تتقوم بعدم
ما يكون قرينة في الكلام أو يحتمل قرينيته إذ بوجود القرينة المتصلة ينقلب الظهور التصديقي
إلى ما يقتضيه القرينة وبوجود ما يصلح للقرينية لا ينعقد للكلام ظهور أصلا ويكون من
المجملات (وأما) القرينة المنفصلة فهي لا تكون هادمة لهذا الظهور بل يهدم المرتبة الثانية من
الدلالة التصديقية وهي مرتبة الحجية والكشف عن مراد المتكلم واقعا وقد أوضحنا ذلك في
بعض مباحث العموم والخصوص فراجع (إذا تمهد) ذلك فاعلم أن أصل حجية الظهور في
الجملة مما هو مسلم بين الكل وعليه يدور المدنية والالتيام بين الأنام وإنما وقع الاشكال في
بعض جزئياته (فمنهم) من أشكل في حجية ظواهر الكتاب بخصوصها (ومنهم) من قيد
حجية الظواهر بمن قصد افهامه دون غيره (ومنهم) من قيدها بوجود الظن بالوفاق
أو بعدم الظن بالخلاف فينبغي عقد البحث في مقامات ثلاثة (أما المقام) الأول فالمخالف
فيه الأخباريون الذين ادعوا عدم حجية ظواهر الكتاب والسند لهم في ذلك أمران (الأول)
الأخبار المتواترة الواردة في المقام وقد أنهاها في الوسائل إلى مأتين وخمسين حديثا (الثاني)
العلم الاجمالي بوجود مخصصات ومقيدات وقرائن منفصلة في الاخبار المروية عن الأئمة
91

المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ومن المعلوم ان مع هذا العلم الاجمالي لا يمكن العمل
بالظهورات الكتابية والحق في المقام هو القول بعدم خروج ظواهر الكتاب عن قاعدة
حجية الظواهر بالخصوص فإن الأخبار الواردة في المقام على كثرتها على قسمين (فطائفة)
منها في مقام النهي عن التفسير بالرأي والاعتماد في تعيين المرادات من الكتاب على الاستحسانات
والآراء الظنية كما كان ذلك مرسوما بين المخالفين (وطائفة) منها في مقام المنع عن
العمل بالظواهر والاستقلال في الفتوى من دون مراجعة الأئمة صلوات الله عليهم ومن
الواضح ان كلتا الطائفتين أجنبيتان عما هو المهم في المقام من جواز العمل بالظهور الكتابي بعد
مراجعة التفسير وعدم العثور على ما يكون قرينة على خلاف الظاهر في كلمات الراسخين في العلم
صلوات الله عليهم أجمعين (واما) العلم الاجمالي فمقتضاه عدم العمل بتلك الظهورات قبل
الفحص عما يكون صارفا لها ونحن نسلم ذلك وإنما المدعى هو جواز العمل بها بعد الفحص بالمقدار
اللازم منه وقد تعرضنا لأصل وجوب الفحص ومقداره في بحث العموم والخصوص فراجع
ثم على تقدير ظهور تلك الأخبار في عدم جواز العمل بالظهور الكتابي مطلقا فلا بد وان تحمل
على ما ذكرناه جمعا بينها وبين الأخبار الكثيرة الدالة على وجوب الرجوع إلى الكتاب والعمل
على طبقه وعرض الاخبار والشروط على الكتاب الصريحة في جواز العمل بالظهور الكتابي فيكون
المنهي بعد الجمع بين الاخبار هو الاستقلال في الفتوى وعدم الرجوع إلى كلمات الطاهرين بل
المعارضة معهم كما كان يصنعه علماء الجور في تلك الأزمنة (وأما المقام الثاني) فالمخالف
فيه هو المحقق القمي قدس سره حيث ادعى (قده) اختصاص حجية الظواهر بخصوص من قصد
افهامه وعليه بنى انسداد باب العلم نظرا إلى أن الاخبار المروية عن الحجج سلام الله عليهم لم
يقصد منها إلا افهام خصوص المشافهين دون غيرهم فيختص حجيتها بهم أيضا وغاية ما يمكن
أن يقال في تقريب ما أفاده هو ما أفاده العلامة الأنصاري قدس سره وحاصله ان حجية الظواهر
لا مدرك لها إلا أصالة عدم غفلة المتكلم عن بيان تمام مراده وعدم غفلة السامع عن القرائن
المذكورة في كلامه لان احتمال إرادة خلاف الظاهر مع كون المتكلم في مقام البيان وخفائها
على المخاطب لا بد وأن يستند إلى إحدى الغفلتين المدفوعتين بالأصل وهذا لا يجري إلا
في خصوص المقصود بالإفادة وأما بالنسبة إلى غيره فلاحتمال اراده خلاف الظاهر وخفائها له
باب واسع لا يمكن دفعه بالأصل لجريان العادة على الاتكال على قرائن منفصلة أو حالية
92

لا يلتفت إليها غير المقصود بالإفادة ثم على تقدير تسليم جريان أصالة عدم القرينة في حق
غير المقصود بالافهام ولو كان احتمال إرادة خلاف الظاهر غير مستند إلى احتمال الغفلة إنما يسلم
جريانه فيما لم يعلم من حال المتكلم ان ديدنه على الاتكال على قرائن منفصلة وأما مع العلم بذلك
فلا يمكن الاخذ بظهور كلامه لغير المقصود بالافهام كما هو ظاهر ومن الواضح ان الأئمة صلوات
الله عليهم كثيرا ما كانوا يعتمدون على القرائن المنفصلة بل ربما كانوا يؤخرون البيان عن
وقت الخطاب بل الحاجة لمصلحة مقتضية لذلك وعلى تقدير التنزل عن ذلك أيضا فظواهر الاخبار
إنما تكون حجة إذا كانت واصلة إلينا بمثل ما وردت وحيث انها وصلت إلينا مقطعة ونحتمل
وجود قرينة في الكلام خفيت علينا بالقطيع فلا يبقى وثوق بإرادة هذه الظواهر منها فتسقط
عن مرتبة الحجية ولكن لا يخفى ان جعل مدرك أصالة الظهور أصالة عدم الغفلة فيه غفلة واضحة
فإن أصالة الظهور إنما هي حجة ببناء العقلاء من جهة كون الألفاظ كواشف عن المرادات
الواقعية في قبال أصالة عدم الغفلة وعرضها ولا ربط لاحديهما بالأخرى فضلا عن أن تكون
مدركا لها وأما ما ذكره من جريان ديدن الأئمة سلام الله عليهم على الاتكال على القرائن المنفصلة
والعلم الاجمالي بوجود مخصصات أو مقيدات كثيرة فهو وإن كان صحيحا إلا أن مقتضاه
وجوب الفحص عن المعارض لا عدم حجية الظهور بعده كما هو واضح (وأما) ما أفاده من
استلزام التقطيع لعدم حجية الظهور فهو على تقدير تسلميه أخص من المدعي لعدم وفائه بعدم
حجية الاخبار الغير المقطعة الموجودة في عصرنا وقد نقل شيخنا الأستاذ دام ظله انه كان عبد
المحدث الشهير الحاج ميرزا حسين النووي قدس الله نفسه الزكية ما يقرب من خمسين أصلا
من الأصول منع ان استلزام التقطيع للخلل في ظهورات الاخبار ممنوع جدا فإن المقطعين هم
العلماء الأخيار الملتفتين إلى ذلك ولا محالة يلاحظون في تقطيعاتهم عدم الاخلال بتلك الظواهر
نعم لو كان المقطع عاميا أو من لا يوثق بدينه لكان لاحتمال الخلل في تلك الظواهر مجال
واسع لكنه لا مجال لهذا الاحتمال إذا كان التقطيع من مثل هؤلاء العلماء الذين حازوا من
مراتب العلم والتقى ما هي غاية المنى (هذا كله) مع انا لو سلمنا عدم حجية الظواهر لغير
المقصودين بالافهام لما ترتب عليه ما رامه من عدم حجية ظواهر الاخبار بالنسبة إلينا وتوضيح
ذلك ان الاخبار الصادرة من المعصومين سلام الله عليهم لو كانت منقوشة في جسم وبقيت
إلى زماننا لكنا مسلمين بعدم حجيتها بناء على اختصاص الحجية بخصوص المقصود بالإفادة لكنها
93

ليست كذلك بل هي نقلت يدا بيد إلى أن انتهت إلى مصنفي جوامع الاخبار قدس الله
اسرارهم وعليه فالراوي الأول أما كان مقصودا بالافهام أو كان حاضرا في مجلس الإفادة
وعل كل حال فنقله للرواية لفظا أو معنا للراوي الثاني مع سكوته وعدم تنبيهه على وجود قرينة
على خلاف الظاهر يدل على عدمها وإلا لكان خائنا في نقله والمفروض وثاقة الراوي وكون
الراوي الثاني بالإضافة إليه مقصودا بالافهام وننقل الكلام إلى تمام وسايط الرواية إلى أن تنتهي
إلى مصنفي الجوامع قدس الله اسرارهم وإذا انتهى الامر إليهم فلا اشكال ان جوامعهم من
قبيل تصنيف المصنفين والمقصود بالافهام في أمثال ذلك هو كل من ينظر إلى تلك المصنفات
فيكون حالنا في الاخذ بتلك الظهورات والاعتماد فيه على أصالة عدم القرينة بعينها هي حال
الراوي الأول الذي ينقل عن الإمام عليه السلام وعليه فلا يفيد اختصاص حجية الظواهر
بمن قصد افهامه في عدم حجية الاخبار المروية في الجوامع المعتبرة حتى ينتهي الامر إلى حجية
مطلق الظن لأجل انسداد باب العلم والعلمي كما ذهب إليه المحقق المذكور قدس سره
(وأما المقام) الثالث فتحقيق الحال فيه أن يقال إن الظن القائم على خلاف الظهور إن كان
معتبرا فلا ريب في كونه قرينة على الظهور وموجبا لسقوط الظهور عن الحجية وأما إذا كان ظنا
غير معتبر فصريح شيخنا العلامة الأنصاري قدس سره عدم تقيد حجية الظواهر بعدمه
فضلا عن التقييد بالظن بالوفاق واستدل على ذلك بصحة احتجاج المولى على عبده عند عدم
أخذه بظاهر كلامه بأنك لم ما أخذت بظاهر كلامي وعدم قبول اعتذاره بأني ما ظننت بالمراد
أو بأني ظننت بالخلاف وبصحة احتجاج العبد على مولاه عند أخذه بظاهر الكلام ولو لم يكن
ظانا بإرادته أو كان ظانا بخلافه بأني أخذت بظاهر كلامك وأنت قلت لي كذا ويسمع
إلى قول المولى بأني كنت مريدا لخلاف الظاهر وأنت كنت ظانا به وصحة الاحتجاج في
كلا المقامين آية عدم تقيد حجية الظهور بالظن بالمراد ولا بعدم الظن بالخلاف ولكن الحق في
المقام هو التفصيل بين الظهورات الصادرة من الموالي إلى العبيد كالاخبار الواردة من المعصومين
سلام الله عليهم بحيث يكون المقام مقام الاحتجاج من المولى على العبد أو العكس فيلتزم فيها
بعدم التقييد كما أفاده (قده) وبين الظهورات التي لا يكون لها ارتباط بمقام الاحتجاج بل يكون
الغرض فيها كشف المرادات الواقعية وترتيب الأثر على طبقها كما إذا فرضنا وقوع كتاب من
تاجر إلى تاجر آخر بيد ثالث فأراد كشف ما فيه من تعيين الأسعار فإنه إذا احتمل عدم إرادة
94

الكاتب ظواهر مكتوباته لا يترتب عليه الأثر يقينا فالأخذ بالظهور في غير مقام الاحتجاج
مقيد بأعلى مراتب الظن وهي مرتبة الاطمينان وبمجرد احتمال إرادة خلاف الظاهر احتمالا عقلائيا
يسقط تلك الظهورات عن الكاشفية فضلا عن وجود الظن بالخلاف (فصل) قد عرفت ان
الظاهر المفروغ عن ظهوره لا ريب في حجيته وكونه من الظنون الخاصة وأما تشخيص
الظهور خارجا وان التفاهم من اللفظ بحسب الفهم العرفي ما هو فلا دليل على حجية الظن المتعلق
به نعم نسب إلى المشهور حجية قول اللغوي في تشخيص الأوضاع بالخصوص وقبل الخوض
في تحقيق ذلك لا بأس بتمهيد مقدمة وهي ان الظهور قد يضاف إلى المفهوم الافرادي
وأخرى إلى المفهوم التركيبي كظهور الجملة الشرطية في المفهوم مثلا وتعيين الظهور في القسم
الأول هو الذي توهم فيه حجية قول اللغوي وانه لو لم يكن قول اللغوي حجة فيه لزم انسداد
باب العلم في اللغة وهو وإن لم يكن مستلزما للإنسداد الكبير في معظم الاحكام إلا أنه
يجري فيه المقدمات الجارية فيه أيضا واما القسم الثاني فتعيينه أجنبي من كلمات اللغويين ولا بد
في اثباته من الرجوع إلى المتفاهم العرفي وعلى تقدير عدم ثبوت الظهور لا يلزم من الاجمال
واجراء الأصول في غير المقدار المتيقن أو البناء على الاحتياط في موارده محذور أصلا (ثم)
ان الفارق بين باب الشهادة وبين باب الرجوع إلى أهل الخبرة هو ان الخبر عن شئ تارة
يكون خبرا عن أمر محسوس مدرك بإحدى الحواس الظاهرة (وأخرى) يكون خبرا
عن أمر حدسي يختص ادراكه بطائفة دون طائفة (أما القسم) الأول فهو داخل في
باب الشهادة ولا اشكال في اعتبار العدالة في مخبره وأما اعتبار التعدد في غير موارد القضاء
ففيه اشكال وخلاف والمسألة محررة في محلها (واما القسم) الثاني فهو داخل في باب الرجوع
إلى أهل الخبرة ولا يعتبر في هذا الباب شئ من شرائط باب الشهادة لبناء العقلاء على الرجوع
إلى أهل الخبرة في أمورهم وعدم ثبوت ردع شرعي عن ذلك والسيرة المتشرعية وإن كانت على
ذلك أيضا إلا أن الظاهر كونها من باب بناء العقلاء لا لأجل اختصاصهم بذلك لدليل شرعي
فالعمدة في الباب هو ثبوت بناء العقلاء مع عدم ثبوت ردع شرعي نعم يظهر من بعض اعتبار
شرايط الشهادة في الرجوع إلى أهل الخبرة في باب العيب ولعله من جهة كون ذلك الباب من
موارد الترافع والتنازع المعتبر فيه البينة بلا اشكال لقوله صلى الله عليه وآله إنما أقضي بينكم
بالايمان والبينات لا من جهة اعتبار شرايط الشهادة في الرجوع إلى أهل الخبرة مطلقا فتحصل
95

من جميع ذلك ان الاخبار عن المحسوسات يعتبر في حجيته ما يعتبر في باب الشهادة والاخبار
عن الحدسيات وما يحتاج معرفتها وادراكها إلى اعمال نظر وقريحة إن كان في مورد الترافع
والتنازع فيعتبر في حجيته شرائط الشهادة أيضا واما في غير ذلك فلا يعتبر فيه شرايطها نعم يعتبر
فيه كون الخبر مفيد المرتبة من الوثوق والاطمينان يسكن معها النفس واما مع عدم إفادتها
فلا دليل على حجية الخبر تعبدا فإن بناء العقلاء من الأدلة اللبية وليس لها عموم أو اطلاق
يؤخذ بهما فلا بد من الاخذ بالمقدار المتيقن وهو مورد حصول الوثوق والاطمئنان لا مطلقا
بل والظاهر عدم ثبوت بناء العقلاء على شئ تعبدا بل لا بد من اعتبار الوثوق في تمام موارد
بنائاتهم لأنه المتيقن من مواردها (إذا عرفت) ذلك فاعلم أن الرجوع إلى اللغة لتعيين
موارد الاستعمالات غير داخل تحت كبرى وجوب الرجوع إلى أهل الخبرة فإن تمييز موارد
الاستعمالات إنما يكون بالحس لا بالحدس فيعتبر فيه شرائط الشهادة وأما تعيين موارد المعنى
الحقيقي عن المجازي والظاهر عن غيره التي هي من الأمور الحدسية فلا يجوز الرجوع إليهم في
تلك الموارد لعدم كونهم أهل خبرة ذلك وإنما وظيفتهم تعيين موارد الاستعمالات وقد عرفت
الحال فيه (وتوهم) وجوب الرجوع إليهم في تعيين معاني الألفاظ لانسداد باب العلم في
اللغة غالبا كما يجب الرجوع إلى التعديلات والتوثيقات الرجالية لانسداد باب العلم في أحوال
الرواة غالبا فاسد فإن انسداد باب العلم في اللغة وإن كان مسلما في الجملة إلا أنه لا يتم فيه
مقدمات الانسداد ما لم يلزم منه انسداد باب العلم في معظم الاحكام لجواز الاحتياط في تلك
الموارد أو الاخذ بالمقدار المتيقن والرجوع إلى الأصل في غيره وأين ذلك من انسداد باب
العلم في أحوال الرواة فإن لازم ذلك هو انسداد باب العلم في معظم الأحكام الشرعية فلو لم
يمكن اثبات حجية التوثيقات الرجالية بوجه فلا بد من الاخذ بها لاستلزام انسداد باب العلم في
أحوال الرواة انسداد باب العلم في معظم الأحكام الشرعية ومما ذكرناه يظهر ان ما أفاده
العلامة الأنصاري قدس سره من أن الانصاف ان موارد الحاجة إلى قول اللغوي في تفاصيل
المعاني أكثر من أن تحصى إلى أن قال ولعل هذا المقدار مع الاتفاقات المستفيضة كاف في
المطلب فتأمل خلاف الانصاف فإن كثرة الحاجة ما لم تستلزم انسداد باب العلم في معظم
الاحكام لا توجب بطلان الاحتياط أو الاخذ بالمقدار المتيقن واجراء الأصل في غيره ومعه
كيف تصل النوبة إلى لزوم الاخذ بقول اللغوي تعبدا واما دعوى الاتفاق على حجية قول
96

اللغوي فهو لا يكشف عن دليل شرعي دل على حجية قوله بعد كون وجوب الرجوع إلى
أهل الخبرة مما ثبت لزومه ببناء العقلاء والاطمينان بأن مدرك المدعي للاتفاق هو ذلك
بتوهم خبروية اللغوي في تعيين المعاني الحقيقية عن غيرها فالتحقيق انه لم يقم لنا دليل على حجية
قول اللغوي لتعيين المعاني الحقيقية عن غيرها نعم إذا حصل الوثوق بمعنى اللفظ من قوله فلا
يبعد كونه بذلك ظاهرا بحيث ينسبق من اللفظ عند سماعه فيشمله أدلة حجية الظهور فقول
اللغوي وان لم يكن بنفسه حجه في مقام تعيين الظهور إلا أنه ربما يوجب دخول المعنى
في موضوع ثبت حجيته من الخارج كما أن قول الرجالي ربما يوجب دخول الرواية في الموثقات
فيشملها أدلة حجية الخبر الموثق (والمناقشة) في ذلك بأن الظن الخارجي بالمراد لا يوجب
ظهورا في اللفظ ليشمله أدلة حجية الظهور كما إذا حصل الظن بالمراد من لفظ الصعيد في الآية
المباركة من فتوى المشهور بجواز التيمم على مطلق وجه الأرض مثلا (مدفوعة) بأن الظن
الحاصل بالمراد من الفتوى وإن كان لا يوجب ظهورا في اللفظ إلا أن الظن بكون لفظ
موضوعا لمعنى الحاصل من قول اللغوي أو اشتهار ذلك ليس كذلك ضرورة ان الوثوق بكون
لفظ موضوعا لمعنى لو كان حاصلا قبل الاستعمال فلا ريب في أنه يوجب الظهور وانسباق
المعنى من اللفظ عند سماعه فيكون الوثوق الحاصل بعد الاستعمال أيضا كذلك لعدم الفرق
بينهما كما هو ظاهر فعدم استلزام الظن بالمراد للظهور غير مستلزم لعدم استلزام الوثوق بكون
لفظ موضوعا لمعنى للظهور أيضا (فصل) في الاجماع المنقول بخبر الواحد ولا يخفى ان مقتضى
الترتيب الطبيعي هو البحث عن حجية الخبر الواحد بعد الفراغ عن مبحث حجية الظواهر ثم
ارداف تلك بالبحث عن الاجماع المنقول والشهرة الفتوائية ولكنا نقدم البحث عنهما على البحث
عن حجية الخبر تبعا للشيخ العلامة الأنصاري قدس سره وقبل التكلم في حال الاجماع المنقول
لا بأس ببيان مقدمات (الأولى) قد أشرنا في البحث السابق إلى أن الاخبار عن الأمور
المحسوسة إذا كان في مقام الترافع والتنازع فلا بد في اعتباره من العدالة والتعدد كما لا
اشكال في اعتبار العدالة في باب الخبر الواحد عن الموضوعات الخارجية المحسوسة في غير موارد
الترافع والتنازع وفي اعتبار التعدد في هذا الباب وعدمه اشكال وكلام منشأه هو اطلاقات
أدلة حجية الخبر الواحد ورواية مصعدة بن صدقة الحاصرة لرافع أصالة الإباحة في الاستبانة
وقيام البينة واما الاخبار عن الأمور الغير المحسوسة التي لابد فيها من اعمال رأى ونظر فهو
97

خارج عن البابين ولا يعتبر في اعتباره العدالة والتعدد وهذا هو باب الرجوع إلى أهل الخبرة
الثابت لزومه ببناء العقلاء وأما أدلة حجية البينة أو الخبر الواحد فهي أجنبية عن هذا الباب
ومواردها هي الاخبارات عن الأمور المحسوسة (المقدمة الثانية) ان ناقل الاجماع اما
ان ينقل السبب والكاشف وهو اتفاق العلماء في عصر أو أزيد واما ان ينقل المسبب والمنكشف
وهو قول المعصوم عليه السلام أو الحكم الواقعي أو وجود دليل معتبر في المسألة ولا ريب في أن
الاخبار عن الأولى اخبار عن الأمور الحسية وعن الثاني اخبار عن الأمور الحدسية
(المقدمة الثالثة) ان منشأ حجية الاجماع في حد نفسه إما دخول الإمام عليه السلام في
المجمعين (وإما) كشف قوله صلى الله عليه وآله بقاعدة اللطف (وأما) الحدس وكشف رأي الرئيس من
آراء المرئوسين (واما) كشف الاتفاق عن وجود حجة معتبرة لان عدالة المجمعين مانعة عن
الفتوى بغير علم (واما) القطع بالحكم الناشئ من تراكم الظنون كما يحصل القطع بالخبر المتواتر والكل
لا يخلو عن الاشكال (اما الأول) فهو إن كان محتملا في الصدر الأول كما إذا
فرضنا اتفاق الصحابة على حكم وكان فيهم أمير المؤمنين عليه السلام إلا أنه غير محتمل في
الأزمنة المتأخرة لا سيما في زمان الغيبة (واما الوجه الثاني) فهو إنما يتم فيما إذا وجب على
الإمام عليه السلام تبليغ الأحكام ولو على النحو الغير المتعارف واما بناء على عدمه فلو فرضنا
انهم عليهم السلام بينوا الاحكام على النحو المتعارف ولكن الحكم الواقعي لم يصل إلى العلماء
لاخفاء الظالمين له فأي دليل على وجوب القاء الخلاف له وأي ثمرة مترتب على ذلك نعم الرواية
التي ينقلها العامة عن النبي صلى الله عليه وآله وهي ان الأمة لا تجتمع على الخطأ لو ثبت تواترها
لأمكن القطع بالحكم الواقعي لأجل اجماع الأمة على حكم في عصر واحد لكنها ليست كذلك
فلا يكون هناك موجب للقطع بالحكم الواقعي (وأما الوجه) الثالث فهو إنما يتم فيما إذا
كان اتفاق المرئوسين ناشئا عن تبان وتواطؤ فيما يرجع إلى الرئيس وأمكن الوصول إلى
شخصه عادة فإن اتفاقهم في مثل هذه الصورة يكشف عن رأيه لا محالة وهذا بخلاف ما إذا
لم يكن كذلك بل كان الاتفاق اتفاقيا ولم يمكن الوصول إلى شخص الرئيس عادة فإن
مثل ذلك لا يكشف عن رأيه قطعا ومن الواضح ان اتفاق العلماء على فتوى من قبيل القسم
الثاني دون الأول (واما الوجه الرابع) ففيه تفصيل فإن الاتفاق إذا كان في مورده
أصل مسلم أو قاعدة مسلمة أو دليل في المسألة بحيث يمكن اتكال المجمعين عليه فلا يمكن كشف
98

الحجة المعتبرة منه كما هو واضح ولذا ترى ان القدماء اتفقوا على تنجس ماء البئر زعما منهم دلالة
الاخبار على ذلك وقد أطبق المتأخرون على خلافه لعدم تمامية دلالة تلك الأخبار عندهم
عليه واما إذا لم يكن كذلك فإن كان الاتفاق من المتأخرين والقدماء إلى أن ينتهي
إلى أصحاب الأئمة عليهم السلام فلا ريب في كشفه عن وجود حجة معتبرة مسلمة عند الكل
بل وكذا إذا كان الاتفاق من خصوص أرباب الفتوى من القدماء والمتأخرين واما إذا
كان من خصوص أهل عصر أو عصرين فغاية ما يكشف عنه الاتفاق هو وجود حجة معتبرة
عندهم وأما كونها حجة مسلمة عند الكل فلا (وأما الوجه الخامس) فهو إن كان مسلما في الخبر
عن المحسوسات كما في مورد الخبر المتواتر فإن احتمال التواطي على الكذب مستحيل عادة
واحتمال الخطأ في الكل كذلك فلا محالة يترتب على مجموع الاخبار القطع بوجود المخبر به
خارجا إلا أنه ليس كذلك في موارد الاخبار عن الأمور الحدسية التي لا بد فيها من اعمال
نظر وفكر فإن احتمال الخطأ إذا كان متمشيا في خبر الواحد منهم فيكون متمشيا في خبر الجميع
أيضا (إذا عرفت) هذه المقدمات فنقول ان ناقل الاجماع اما أن يكون من القدماء وهم
السابقون على المحقق والعلامة قدس الله اسرارهم أو يكون من المتأخرين اما القدماء فالمعلوم من
حالهم انهم يثبتون حجية أصل أو قاعدة بالاجماع ثم يدعون في موارد ذلك الأصل أو تلك
القاعدة الاجماع على الحكم في تلك الموارد فلا يترتب على نقلهم الاجماع أثر أصلا واما المتأخرون
فلا يدعون الاجماع إلا في موارد الاتفاق على خصوص الحكم في المسألة الفرعية إلا أنه
لا بد من ملاحظة حال الناقل ومورد النقل فإن كان المتحصل من نقله للفتاوى على نحو الاجمال
ولو بضميمة ما حصله المنقول إليه بمقدار يكشف عن وجود حجة معتبرة مسلمة عند الكل فيها
وإلا فلا يترتب عليه أثر أصلا (فصل ومما قيل) بحجيتها بالخصوص الشهرة الفتوائية وليعلم
أولا ان الشهرة (تارة) تكون في الرواية (وأخرى) في العمل (وثالثة) في الفتوى اما الشهرة
في الرواية فهي عبارة عن اشتهارها بين أصحاب الأئمة عليهم السلام من حيث الرواية بأن
يكون الراوي لها كثيرا والشهرة العملية عبارة عن اشتهار الرواية من حيث العمل بأن يكون
العامل بها كثيرا ويعلم ذلك من استناد المفتين إليها في الفتوى فبين الشهرتين عموم من وجه
واما الشهرة الفتوائية فهي عبارة عن اشهار الفتوى بين أرباب الفتاوى من قدماء الأصحاب
الذين يقرب عصرهم من عصر الأئمة عليهم السلام سواء علم استنادهم في ذلك إلى رواية
99

فيه أم لا فبينها وبين الشهرة العملية أيضا عموم من وجه. لا اشكال في كون الشهرة الروائية
موجبة لأقوائيتها وترجيحها على الرواية المعارضة لها كما لا اشكال في كون الشهرة العملية جابرة
لضعف الرواية وكاشفة عن احتفافها بالقرينة وكذا لا اشكال في كون كل من الشهرة العملية
والفتوائية على خلاف الرواية كاسرة للرواية الصحيحة إذا كانت بمرئى ومسمع منهم فإن اعراضهم
عنها مع كونها كذلك يوجب وهنا فيها لا محالة نعم إذا كانت الرواية الصحيحة في غير المجاميع
المعروفة واحتمل عدم اطلاع المشهور عليها لما كانت الشهرة على خلافها موجبة لوهنها وكسرها
إنما الاشكال في حجية نفس الشهرة الفتوائية بما هي واستدل القائلون بحجيتها بأمور كلها
ضعيفة (الأول) ان قوله عليه السلام في مرفوعة زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك واترك
الشاذ النادر يعم الشهرة الروائية والفتوائية والمورد لها وإن كان خصوص الرواية دون الفتوى
إلا أن المورد لا يكون مخصصا لعموم العام فإن العبرة بعموم الجواب لا بخصوص السؤال
(وفيه) ان المورد وان لم يكن مخصصا لعموم العام الا انه فرع وجود العموم في الكلام والمقام
ليس كذلك فإن لفظة ما من الأسماء المبهمة فكما ان الصلة المذكورة في الكلام معرفة له
فكذلك لفظ الخبر المذكور في السؤال معرف له فلا يكون لفظة ما الا كناية عن الخبر لاعن
كل شئ فبقرينة السؤال يكون مفاد قوله (ع) انه في مورد المعارضة لا بد من الاخذ بالخبر
المشهور وترك الشاذ النادر ليس الا (هذا) مع أن الظاهر من لفظ الشهرة المذكورة في الرواية
ليس هو المعنى المصطلح بين الفقهاء والا لما أمكن فرض الشهرة في كل من الروايتين بل المراد
منه هو المعنى اللغوي وهو ما يكون ظاهرا وبينا فيكون معنى الرواية انه يجب الاخذ بالرواية التي
رواها الكل وهي ظاهرة بين الأصحاب وترك الشاذ النادر الذي اختص بنقله اشخاص
مخصوصة ومن هنا يظهر الجواب عن التعليل المذكور في المقبولة بعد امره عليه السلام بالأخذ
بما هو مجمع عليه بين الأصحاب وترك الشاذ الذي ليس بمشهور بأن المجمع عليه لا ريب فيه
فان الظاهر أن المراد بالمجمع عليه ليس هو المشهور المصطلح عليه بين الفقهاء بقرنية جعل مقابله
الشاذ الذي ليس بمشهور حتى يدل على وجود الاخذ بكل مشهور بل المراد منه هو ما اتفق
الكل على روايته والمراد من المشهور هو معناه اللغوي ولذا جعله الإمام عليه السلام من قبيل
ما هو بين رشده وجعله مقابله من المشكل الذي يرد علمه إليهم عليهم السلام فالروايتان
أجنبيتان عن الشهرة الفتوائية بالمعنى المصطلح بالكلية (الثاني) ان المستفاد من عموم العلة
100

في آية النباء هو ان كل ما لم يكن فيه إصابة القوم بجهالة فلا بد من الاخذ به فكما ان الشهرة
الفتوائية توجب خروج العمل بالرواية الضعيفة عن إصابة القوم بجهالة فكذلك يكون العمل على
طبق نفس الشهرة خارجا عنها أيضا وهذا الوجه أضعف من سابقه فإن معنى العمل بعموم
العلة هي تسرية الحكم المذكور إلى كل مورد تكون فيه العلة كما يستفاد من قضية لا تشرب
الخمر فإنه مسكر حرمة كل مسكر لا اثبات نقيض الحكم المذكور فيما لا تتحقق فيه العلة بأن
تكون القضية المذكورة دالة على حلية كل ما لم يكن مسكرا وعليه فالمستفاد من قوله (ع) هو
ان كل عمل يكون فيه إصابة القوم بجهالة فهو مرغوب عنه لا ان كل ما لا يكون في العمل على
طبقه إصابة القوم بجهالة يكون العمل على طبقه واجبا (الثالث) ان الظن الحاصل من الشهرة
لكونه أقوى من الظن الحاصل من الخبر الواحد يكون أولي بالحجية منه فإذا ثبت حجية الخبر
الواحد فيثبت حجية الشهرة الفتوائية بالأولوية (وفيه) ان مناط حجية الخبر لو كان إفادته
الظن فللقول بحجية الشهرة بنحو الموجبة الجزئية مجال واسع واما إذا كان حجيته للأدلة الخاصة
الدالة عليها فلا وجه للتعدي عن موردها إلى مورد آخر لم يعلم فيه تحقق مناطها
(فصل) ومما ثبت حجيته بالخصوص الخبر الواحد وخالف في ذلك جماعة من القدماء والمتأخرين
وليعلم أولا ان البحث عن حجية الخبر بحث عن المسألة الأصولية بل هو من أهم
مسائلها إذ عليها يتوقف الاجتهاد ولولاها يلزم انسداد باب العلم كما أشرنا إليه سابقا (والوجه) في كونه
بحثا عن المسألة الأصولية بناء على ما اخترناه من أن الميزان في كون المسألة أصولية هو كون المسألة
بحيث إذا انضم إليها صغرياتها لانتجت مسألة فقهية (واضح) فإنه بعد الفراغ عن حجية الخبر
الواحد إذا انضم إلى هذه الكبرى ما هو صغرى لها لترتب عليها المسألة الفقهية لا محالة وقد
ذكرنا في أول الكتاب انه لا مقتضي لجعل الموضوع خصوص الأدلة الأربعة بل كل مسألة
تكون كما ذكرناه فهي مسألة أصولية سواء كان البحث فيها عن أحوال الأدلة أم لا وأما بناء
على كون الموضوع هو خصوص الأدلة الأربعة فالوجه فيه هو ما افاده العلامة الأنصاري
(قده) من أن البحث عن حجية الخبر الحاكي للسنة يرجع في الحقيقة إلى البحث عن ثبوت السنة
بالخبر فيكون البحث عن أحوال السنة وبذلك يدخل في المسائل الأصولية وليس مراده قدس
سره هو الثبوت الواقعي الذي هو مفاد كان التامة حتى يرد عليه ان البحث عن مفاد كان
التامة ليس بحثا عن المسائل بل عن المبادئ كيف ونقطع بتحقق السنة ووصولها إلى جمع
101

كثير على نحو الاجمال فلا يعقل البحث عن أصل ثبوتها وانما مراده (قده) هو ثبوتها بالخبر
ووصولها به إلى المكلف ولا ريب في أن البحث عن وصولها به بحث عن العوارض الذاتية
(فان قلت) البحث عن وصول الشئ وانكشافه بشئ ليس من أحواله الطارية له فكيف
يكون البحث عنه بحثا عن العوارض الذاتية حتى يدخل في المباحث الأصولية (قلت) نعم
الا ان الحجية كما ذكرنا سابقا حيث إنها متقومة بالوصول فالبحث عن وصول السنة بالخبر بحث
عن حجيتها الفعلية لا محالة فيكون البحث لهذه العناية عن عوارضها وبذلك يدخل في المسائل
الأصولية وكيف كان فلا ريب في كون هذه المسألة من أهم المسائل الأصولية كان موضوع
العلم هو خصوص الأدلة الأربعة أو غيرها (واستدل) المانعون بوجوه (الأول) الآيات
والأخبار الناهية عن اتباع الظن وهي وإن كانت كثيرة الا انها ظاهرة في النهي عن
اتباع الظنون المتعلقة بالأصول الاعتقادية وما بحكمها وأجنبية عن الظنون المتعلقة بالأحكام
الفرعية وغير قابلة للتخصيص بمورد دون مورد ولو فرضنا عمومها لمطلق الظن ولو
كان متعلقا بحكم فرعي فالطرق التي جرى عليها بناء العقلاء خارجة
عن موضوعها حقيقة إذ الطريق الذي ثبت حجيته ببناء العقلاء أو بدليل تعبدي ولو في غير موارد
بنائهم وإن كان هذا فرضا غير واقع يكون خارجا عن موضوعها بالحكومة فإن الطريق إذا
كان حجة فلا محالة يكون محرزا للواقع وعلما طريقيا فكيف يمكن أن يعمه الآيات الناهية عن
العمل بالظن ومن ذلك يعلم أنه لو كان النسبة بين مفاد الآيات والدليل الدال على حجية
الطريق بالعموم من وجه القدم الدليل الدال على الحجية عليها كما هو الحال في كل دليل حاكم مع
الدليل المحكوم (الثاني) الأخبار الدالة على طرح الاخبار المخالفة للكتاب باختلاف ألسنتها
وهي وإن كانت كثيرة إلا أن الظاهر منها خصوصا بقرينة صدورها في زمان الصادق عليه
السلام انها في مقام الامر بطرح الاخبار التي وضعتها جماعة من أهل ذلك العصر الذين ذهبوا
إلى ألوهيته (ع) وأنكروا وجوب الصلاة والصوم والزكاة وأولوا الآيات فقالوا ان الصلاة كان
رجلا وغيره من الخرافات فصدر هذه الأخبار في مقام انكار أقوالهم وما ينسبونه إليه (ع)
(وبالجملة) فلا ريب في صدور احكام كثيرة مخالفة لظاهر الكتاب من مخصصات ومقيدات
ونحوهما عنهم عليهم السلام فلا يمكن حمل قوله (ع) ما خالف قول ربنا لم نقله أو زخرف أو باطل
على أمثال تلك المخالفة حتى يكون دالا على حرمة العمل بالخبر الواحد المخالف لظاهر الكتاب
102

ولو بنحو العموم والخصوص وأمثاله (الثالث) الاجماع المدعى في كلمات السيد المرتضى
والطبرسي قدس سرهما على عدم حجية الخبر الواحد والتحقيق في هذا المقام ان يقال إن للخبر
الواحد عندهم اصطلاحين أحدهما الخبر الغير القطعي وما لا يكون محفوفا بالقرينة القطعية أو ما
بحكمها وهو الذي ذهب ابن إدريس (قده) إلى عدم حجيته وذهب جماعة من القدماء والمتأخرين
إلى حجيته إذا كان الراوي له موثوقا به بل ادعى الشيخ (قده) وجماعة أخرى الاجماع على
حجيته (الثاني) الخبر الذي لا يكون متعمدا عليه ويكون راويه غير ثقة وكثير من القدماء
كانوا يعبرون عن الخبر الضعيف بأنه خبر واحد ولذا ترى ان الشيخ قدس سره بعد ما يذكر
الاخبار التي يفتي بها في كتاب التهذيب يذكر الخبر المعارض له ثم يرده بان أول ما
فيه انه خبر واحد مع أن الشيخ هو الذي ادعى الاجماع على حجية الخبر الواحد فالاختلاف
بين الاصطلاحين هو الموجب لاسناد المنع إلى الشيخ أيضا فظهر ان الخبر الواحد بالمعنى الأول
الذي هو محل الكلام لا يحتمل فيه انعقاد الاجماع على عدم حجيته فضلا عن الظن به وما هو
معقد الاجماع أجنبي عنه بالكلية واستدل على المختار بالأدلة الأربعة اما الآيات فمنها آية النبأ وتقريب
الاستدلال بها بوجهين أحدهما من باب مفهوم الوصف وثانيهما من باب مفهوم الشرط اما الوجه
الأول فصحة الاستدلال به يتوقف على ظهور الوصف في المفهوم وقد عرفت المنع عنه في بحث المفاهيم
خصوصا الوصف الغير المعتمد على الموصوف وقد بينا تفصيل ذلك وضابط كون القضية ذات
مفهوم في ذلك البحث فلا نعيد واما الوجه الثاني فحاصله ان وجوب التبين في الآية علق على
مجئ الفاسق بالنبأ فينتفي بانتفائه وقد اورد عليه بايرادات كثيرة جملة منها واضحة الدفع ولا
حاجة إلى التعرض لها والجواب عنها ونذكر هنا ايرادات ثلاثة ونتعرض لجوابها الأول ان ظهور
القضية الشرطية في المفهوم يتوقف على عدم كونها مسوقة لبيان تحقق الموضوع بان يكون التالي
مما يتوقف على المقدم عقلا كما في قضية ان رزقت ولدا فاختنه والمقام من هذا القبيل فان
عدم وجوب التبين عند عدم مجئ الفاسق بنبأ من باب السالبة بانتفاء الموضوع ضرورة ان
مجئ العادل بالنبأ ليس من افراد عدم مجئ الفاسق به بل من مقارناته وهو قد يكون وقد لا يكون
وأجيب عن هذا الاشكال بما حاصله ان الركن الركين في الآية هو تحقق النبأ وقد علق
وجوب التبين على كون الجائي به فاسقا فينتفي عند عدمه ولا اشكال في ظهور القضية حينئذ
في المفهوم وعدم كونها مسوقة لبيان الموضوع (ولكنه) لا يخفى ان الميزان في ظهور القضية في
103

المفهوم هو ابقاؤها على حالها لا تبديلها بنحو آخر وعليه فحيث ان لفظ النبأ في الآية المباركة
إنما اتى به قيدا في الكلام لا ركنا فيه فالمعلق عليه هو اتيان الفاسق بنبأ وانتفاء وجوب
التبين عند انتفائه من باب السلب بانتفاء الموضوع نعم لو كان النبأ هو الركن في الآية وكان
المعلق عليه كون الجائي به فاسقا لما كان اشكال في ظهورها في المفهوم لكنه خلاف الظاهر من
الآية كما هو ظاهر (هذا) ويمكن ان يقال إن ظهور القضية في ركنية النبأ الذي يدور
عليها ظهورها في المفهوم لا يفرق فيه بين أن يكون مستفادا من نفس القضية أو من قرينة
خارجية والآية المباركة وان لم تكن في حد نفسها ظاهرة في ذلك الا انها بملاحظة ورودها
في شأن وليد تكون ظاهرة في أن الركن في الكلام هو تحقق النباء والمعلق عليه فيها هو
كون الجائي به فاسقا فان أصل الاخبار في تلك الواقعة كان محققا والمعلق عليه لوجوب التبين
هو كونه فاسقا ضرورة ان المناط في وجوب التبين لو كان كون اخباره غير مفيد للعلم الذي هو
عنوان ذاتي للخبر الواحد لما كان معنى لتعليق الحكم على كون المخبر به فاسقا الذي هو عنوان
عرضي له فبملاحظة شأن النزول في الآية يكون الركن فيها تحقق النبأ وبه تكون الآية ظاهرة
في المفهوم (الثاني) ان القضية الشرطية وإن كانت في حد نفسها ظاهرة في المفهوم من جهة
استفادة العلية المنحصرة من التعليق بالشرط إلا أنه إذا كان هناك علة منصوصة مستفادة من
اللفظ بالدلالة المطابقية وكأن تلك العلة مشتركة بين خبر الفاسق والعادل لما انعقد ظهور للقضية
في المفهوم ويتقدم العموم لا محالة (بيان) ذلك ان خبر العادل وإن كان يفارق خبر الفاسق
في أن الأول لا يحتمل فيه تعمد الكذب دون الثاني الا انه يشترك معه في احتمال خطأ مخبره
في اخباره وعليه فالعلة المذكورة فيها وهو التحرز عن إصابة القوم بجهالة الذي هو عبارة أخرى
عن التحرز عن الوقوع في خلاف الواقع تكون مشتركة بين اخبار العادل والفاسق ومقتضاه
وجوب التبين عند اخبار العادل أيضا (فان قلت) ان عموم العلة وإن كان يقتضي عدم حجية
اخبار العادل أيضا الا انه بالعموم والمفهوم أخص منه مطلقا فيقدم عليه وقد مر في بحث المفاهيم
ان المفهوم المخالف كالموافق في تقدمه على العام إذا كان أخص منه مطلقا (قلت) الامر
وإن كان كذلك الا ان تقدم المفهوم فرع ظهور القضية في كونها ذات مفهوم وعموم العلة في
الآية يكون مانعا عن الظهور فكيف يمكن ان يتقدم هو عليه بل لو كان عموم العلة في كلام
منفصل لكان مقدما على المفهوم أيضا فان استفادة المفهوم فرع استفادة العلية المنحصرة من التعليق
104

بالشرط وإذا كان العلة المشتركة منصوصة ومستفادة من اللفظ بالدلالة المطابقية لقدمت على
ظهور القضية في المفهوم وتخصيص العموم بالمفهوم المخالف انما يكون في غير المنصوص العلة واما فيها
فلأقوائية العموم يتقدم على المفهوم (هذا) مع أنه العلة في المقام لكونها متصلة بالكلام فلا أقل من صلوحها
للمنع عن المفهوم فيكون القضية محتفة بما يصلح للقرينية ومعه لا يكون ظاهرا في المفهوم (هذا) غاية
ما يمكن ان يقرب به عدم دلالة الآية على المفهوم (ولكنه) يرد عليه أولا بأن اشتراك
العلة فرع أن يكون المراد بالجهالة في الآية عدم العلم وللمنع عنه مجال واسع (بل) الظاهر أن
المراد منها السفاهة وفعل ما لا يصدر من العقلاء فإن التعليل لا بد وأن يكون بأمر ارتكازي
لا تعبدي وحيث إن العمل باخبار العادل وترتيب الأثر على قوله مما جرت عليه بناء العقلاء
فلا يعمه العلة المذكورة فيها فلا يكون مانع عن ظهورها في المفهوم (فان قلت) ان قبح
ارتكاب الافعال السفاهية من جملة الواضحات الأولية فلو كان العمل بقول الوليد في اخباره
عن ارتداد بني المصطلق كذلك لما أقدم الصحابة عليه ولما تهيئوا لغزوهم فيعلم من ذلك ان
المراد من الجهالة هو عدم العلم دون السفاهة (قلت) ضرورية الكبرى وهي قبح ارتكاب
الافعال السفهائية لا يوجب ضرورية الصغرى وانطباقها على المورد والمنافي لعمل الأصحاب
هي الثانية دون الأولى والظاهر من عمل الصحابة انهم كانوا معتمدين على الوليد وكانوا واثقين
بقوله فنبه الله تعالى على فسقه وان العمل على قوله من دون تبين من الافعال السفهائية الظاهر
قبحها لكل عاقل (وثانيا) سلمنا ان المراد من الجهالة ليس هي السفاهة ولكنه لا يوجب
إرادة عدم العلم منها حتى يكون التعليل بأمر تعبدي بل يكون المراد منها الركون إلى ما لا ينبغي
الركون إليه وهذا أيضا أمر ارتكازي عند العقلاء وان لم يكن من العلوم الضرورية وعليه فلا يكون
العلة مشتركة بين خبر الفاسق والعادل فان الركون إلى قول العادل وترتيب الأثر عليه
مما جرى عليه بناء العقلاء ومع عدم العموم في العلة لا يكون مانع عن انعقاد الظهور في المفهوم
كما عرفت (وثالثا) سلمنا ان المراد من الجهالة عدم العلم ولكن المفهوم غير معارض له حتى
يتقدم العموم عليه بل يتقدم المفهوم عليه من باب الحكومة فان خبر العادل بعد الفراغ عن
حجيته يكون خارجا عن موضوع الجهالة ومحرزا للواقع فدخوله في عموم العلة فرع عدم ظهور
القضية في المفهوم فلو كان عدم الظهور مستندا إلى عموم العلة لزم الدور وقد أوضحنا ذلك في
بعض المباحث السابقة فراجع (الثالث) ان الآية المباركة وإن كانت ظاهرة في حجية خبر
105

العادل الا انها مختصة بالاخبار بلا واسطة واما الاخبار مع الواسطة كما هو محل الابتلاء لنا فالآية
ساكتة عن اثبات حجيتها ويمكن تقريب هذا الاشكال بوجوه (الأول) ان الخبر انما يكون مشمولا
لدليل الحجية إذا كان ذا أثر شرعي ففي مثل الخبر مع الواسطة ما يترتب عليه الأثر هو الخبر الحاكي
لقول الإمام عليه السلام وهو غير ثابت وما هو ثابت لنا كخبر الشيخ عن المفيد مثلا لا يترتب
عليه أثر شرعي فما هو المحقق من الخبر لا يترتب عليه الأثر وما يترتب عليه الأثر لا يكون
بمحقق (وفيه) ان الأثر الشرعي كما يترتب على الخبر الأخير يترتب على غيره من
الوسايط غاية الأمر ان غير الخبر الأخير لا يكون تمام الموضوع للأثر الشرعي وسيجئ في
محله انه لا يشترط في كون شئ مشمولا لدليل الحجية في الامارات بل الأصول أزيد من
كونه دخيلا في الحكم الشرعي بنحو من الدخالة وأما لزوم كونه تمام الموضوع له فلا وإذا كان
كذلك فكما ان الخبر الأخير الحاكي عن الحكم يكون مشمولا لوجوب التصديق فكذلك غيره
من الوسائط فخبر الشيخ يكون مشمولا له أيضا (الثاني) ان كل خبر يكون مثبتا لمؤداه
فلا محالة يكون حاكما عليه ولا بد في الحكومة من أن يكون المحكوم حكما واقعيا ثابتا بدليل
الحاكم أو منفيا به وهذا انما يتحقق في الخبر الحاكي عن الحاكم بلا واسطة واما في غيره فحيث
ان المحكي ليس هو الحكم الواقعي فيستحيل الحكومة فلا يكون مشمولا لدليل الحجية المفيد
لحكومة الامارات على الأحكام الواقعية (وفيه) أولا ان اثبات الحكم الواقعي كما عرفت
في جواب الاشكال الأول مشترك بين الخبر الأخير وغيره فلكل واحد من الاخبار
المترتبة حكومة على الحكم الواقعي غاية الأمر ان الخبر الأخير يترتب عليه الحكم بلا واسطة وغيره
مثبت لموضوع يترتب عليه الحكم وهذا لا يكون بفارق في شمول دليل الحجية بعد ثبوت
دخالة كل واحد منها في الحكم الشرعي وترتبه عليه (وثانيا) ان الدليل الحجية الخبر وإن كان
مفيدا لكونه مثبتا لمؤداه وحكومته عليه الا ان الالتزام بكون دليل المحكوم حكما واقعيا بلا ملزم
فكما يمكن حكومة الامارة على الأحكام الواقعية إذا كان المخبر به حكما واقعيا كذلك يمكن
حكومتها على الاحكام الظاهرية إذا كان المخبر به حكما ظاهريا أو موضوعا لحكم ظاهري وعليه
فشمول دليل الحجية لخبر الشيخ الحاكي لخبر المفيد يفيد ثبوت موضوع محكوم بوجوب
التصديق أيضا وشمول وجوب التصديق لخبر المفيد يفيد ثبوت موضوع آخر محكوم بوجوب
التصديق وهكذا إلى أن ينتهي إلى الخبر الأخير المثبت لقول الإمام عليه السلام فكل واحد
106

من الاخبار المترتبة مثبت لمؤداه بنحو الحكومة غاية الأمر ان الحكومة في غير الأخير باثبات
ما هو موضوع لحكم ظاهري وفيه باثبات الحكم الواقعي (الثالث) ان ثبوت حكم لموضوع
فرع ثبوت ذلك الموضوع ومرتبة الحكم متأخرة عن مرتبة موضوعه ففي مثل الخبر مع الواسطة
حيث إن ثبوت الخبر الثاني انما هو لأجل وجوب تصديق خبر العادل وحجيته فهو متأخر عنه
فكيف يمكن أن يكون موضوعا له (وجوابه) ان وجوب التصديق لو كان حكما شخصيا
ثابتا لكل واحد من الاخبار لكان للتوهم المذكور مجال واسع لكن الامر ليس كذلك بل هو
من قبيل الاحكام الانحلالية وكل فرد من الخبر موضوع لحكم مغاير لحكم آخر عليه فوجوب
التصديق الثابت لاخبار الشيخ مما يتوقف عليه خبر المفيد لكن خبر المفيد لا يكون موضوعا لشخص
ذاك الوجوب بل بوجوب آخر ثابت له يتوقف عليه ثبوت خبر الصفار وهكذا إلى أن ينتهي إلى
الخبر الأخير الموضوع لوجوب التصديق المثبت لقول الإمام عليه السلام (الرابع) ان
الامارات أو الأصول بعد تسليم كونها حاكمة على الاحكام الظاهرية أيضا فإنما يصح حكومتها
على دليل آخر فان الحكومة عبارة عن كون أحد الدليلين ناظرا إلى بيان كمية ما يراد من الدليل
الآخر ففي مثل افراد امارة واحدة كما في الخبر مع الواسطة يستحيل الحكومة إذ المفروض
وحدة الدليل فكيف يمكن ان يقال إن وجوب تصديق خبر الشيخ يثبت بالحكومة خبر
المفيد الموضوع لوجوب التصديق أيضا (وجوابه) ان الحكومة لا تنحصر فيما ذكر بل لها
أقسام ثلاثة (الأول) أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي ناظرا إلى ما أريد من لفظ الدليل
الآخر وشارحا له بلفظ أعني وأردت وأشباه ذلك وهذا القسم قليل التحقق في الاخبار جدا
(الثاني) أن يكون أحدهما ناظرا إلى توسعة مدلول الاخر أو تضييقه من دون أن يكون
شارحا له ومبينا للمراد من لفظه كما في حكومة أدلة عدم اعتبار شك كثير الشك على
أدلة الشكوك فإنها لا تتكفل لبيان المراد من لفظ الشك في أدلة الشكوك ولا تخرج الشك
المذكور عن كونه شكا وانما تتكفل لا لغاته وعدم موضوعيته للأحكام المجعولة في أدلة الشك
فهي مخصصة لتلك الأدلة في الحقيقة بلسان الحكومة (الثالث) أن يكون الدليل
مثبتا لموضوع الحكم أو نافيا له تشريعا وهذا أقوى أنحاء الحكومة وأمثلتها كثيرة (منها) حكومة
الامارات على الأصول فان الامارة بعد كونها محرزة للواقع تكون رفعة للشك تشريعا الذي
هو الموضوع للأصول وهذا القسم يتصور في فردين من امارة واحدة أو أصل واحد كما في
107

حكومة الأصل السببي على المسببي فان فردية الشك السببي للشك المأخوذ في لسان الاستصحاب
مثلا محرزة وجدانا وبشمول دليل الاستصحاب له يخرج الشك المسببي عن الفردية فلا يكون
مشمولا له وهذا بخلاف الشك المسببي فان فرديته له تتوقف على عدم شمول الدليل للشك
السببي وعدم شموله له من جهة فردية الشك المسببي له مستلزم للدور والحكومة المدعاة في المقام انما هي من
هذا القبيل فان حكومة خبر الشيخ على خبر المفيد مثلا انما هو من جهة اثباته تشريعا فكما يمكن حكومة
استصحاب على استصحاب آخر نفيا واخراجا عن الموضوع فكذلك يمكن حكومة خبر على
مثله اثباتا وادخالا في الموضوع والملاك في الحكومة مشترك بين القسمين والاشكال انما
نشأ من تخيل انحصار الحكومة في القسمين الأولين ليس الا (ثم إن) هنا اشكالا آخر
ربما يورد على ظهور الآية في حجية خبر العدل ولا يخلو التعرض له عن الفائدة وحاصله
ان مورد الآية لكونه خبرا عن الارتداد لا يعتبر فيه خبر الواحد وإن كان عادلا بالاتفاق
فيكون المورد خارجا عن العموم ومن المعلوم ان تخصيص العام بالمورد إن كان بعنوان معلوم
منطبق عليه فلا محالة يوجب ذلك تقييد مصب العموم وإلا يكون موجبا لاجماله مثلا إذا ورد
أكرم العلماء وعلمنا عدم وجوب اكرام زيد العالم فإن كان خروجه عن العام بعنوان معلوم كالفسق
مثلا فيقيد العام بغير الفاسق فتكون النتيجة وجوب اكرام العالم الغير الفاسق وإلا فيكون
العام مقيدا بعنوان غير معلوم فيكون مجملا وحيث إن خروج المورد عن العام في محل الكلام
من جهة كون المخبر بالخبر واحدا فيقيد العام في طرف المفهوم بكون المخبر متعددا فيكون
النتيجة هو عدم وجوب التبين عن اخبار العادل إذا كان المخبر متعددا فلا يكون الآية
دالة على حجية الخبر الواحد ولو كان المخبر به عادلا (وفيه) أولا ان هذا إنما يتم بناء على
كون الانتفاء عند الانتفاء مستفادا من نفس أداة الشرط بأن كانت هي بحسب الوضع دالة على
الثبوت عند الثبوت والانتفاء عند الانتفاء إذ عليه يمكن ان يقال إن مفاد القضية منطوقا
ومفهوما جملة واحدة موردها الاخبار عن الارتداد فلا بد من التقييد واما إذا كان المفهوم
جملة أخرى مستفادة من اطلاق القضية الشرطية كما هو الصحيح فلا موقع للاشكال أصلا
ضرورة ان الاخبار عن الارتداد مورد للمنطوق وغير خارج عن حكمه لعدم حجية خبر
الفاسق في شئ من الموارد واما المفهوم فالاخبار عن الارتداد ليس موردا له حتى يلزم
من خروجه تخصيص المورد المستلزم لتقييد العموم (وثانيا) ان الحكم بوجوب التبين في
108

الآية لم يكن من جهة ردع الصحابة عن الحكم بارتداد بنى المصطلق لأجل اخبار الوليد
بذلك بل من جهة ترتيب الأثر على قوله في الجملة فإنهم عزموا على الخروج عليهم فإن رأوهم
انهم لا يصلون ولا يؤذنون فيعاملون معهم معاملة الارتداد وإلا فيطلبون منهم الصدقة فان
منعوا فيحاربوهم على أخذ الصدقة ومن الواضح انه لم يقم اجماع على عدم وجوب ترتيب الأثر
على اخبار العادل بهذا المقدار من الأثر فلا يلزم خروج المورد الموجب لتقييد العموم (وثالثا)
سلمنا ان المفهوم إنما استفيد من الدلالة اللفظية وان الحكم بوجوب التبين ردع عن ترتب آثار
الارتداد بالكلية إلا أنه نقول إن الاخبار عن الارتداد ليس قيدا مأخوذا في القضية وإنما
هو مورد لها كما اعترف به في الاشكال وعليه فيكون الحكم بعدم وجوب التبين عند اخبار
العادل حكما كليا ثبت تخصيصه في قسم مخصوص من النبأ من الخارج ولازم ذلك هو تقيد
العام بالقياس إلى هذا القسم من النبأ لا مطلقا ونظير ذلك ما إذا ورد أكرم العلماء وعلم بخروج
زيد النحوي عن العموم لكونه فاسقا فإن غاية ما يقتضيه العلم بخروج هذا الفرد هو تقيد وجوب
اكرام العالم النحوي بغير الفسق لا مطلقا ونتيجة ذلك أن يبقى عدم وجوب التبين في اخبار
العادل على اطلاقه في غير مورده (ثم) انك بعد ما عرفت تمامية دلالة الآية المباركة على
حجية خبر العادل بمفهومه يظهر لك تمامية دلالتها على تمام أقسام الخبر التي يستدل بها المتأخرون
في الكتب الفقهية من الصحيح والحسن والموثق والضعيف المنجبر بالشهرة أما الصحيح فبالمفهوم
واما البقية فبالمنطوق لا باعتبار ان المنطوق لم يمنع عن العمل بخبر الفاسق مطلقا وإنما أناط جواز
العمل به على التبين وهو كما يحصل بتحقيق نفس الرواية ومعرفة صدقها كما في الخبر الضعيف
المنجبر بالشهرة في الرواية أو في الاستناد كذلك يحصل بتحقيق حال نفس الراوي من
معرفة كونه ثقة متحرزا عن الكذب ولو كان غير امامي أو معرفة كونه اماميا ممدوحا في كتب
الرجال وان لم يكن معدلا ضرورة ان التبين في نفس الرواية وإن كان محققا لشرط العمل به
إلا أن تبين حال الراوي ومجرد كونه موثوقا به أو ممدوحا لا يكون محققا له بل باعتبار ان
المراد من الفسق في الآية بمناسبة الحكم والموضوع ليس هو المرتكب للمعاصي مطلقا حتى يكون
إناطة قبول الخبر بالعدالة لأجل احترام العادل وتوهين الفاسق بل خصوص الغير المتحرز عن
الكذب لعدم موضوعية للعدالة والفسق في المقام وإنما اعتبارهما لأجل الطريقية من جهة
عدم حصول الامن عند اخبار الفاسق دون العادل وعلى ذلك يكون مقابل الفاسق
109

كل من كان متحرزا عن الكذب وإن كان فاسقا من جهات أخر فتدل الآية بمفهومها على
حجية الخبر الصحيح والموثق والحسن وبمنطوقها على حجية الخبر الضعيف المنجبر بالشهرة
كما عرفت فيكون تمام أقسام الخبر حجة بضم المنطوق إلى المفهوم (ومن الآيات) التي
استدل بها على حجية الخبر الواحد قوله تعالى فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين
ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون وتقريب الاستدلال بها بتمهيد مقدمات
(الأولى) ان التفقه في الأعصار المتأخرة وإن كان هو استنباط الحكم الشرعي بتنقيح جهات
ثلاثة الصدور وجهة الصدور والدلالة ومن المعلوم ان تنقيح الجهتين الأخيرتين مما يحتاج إلى
اعمال النظر والدقة إلا أن التفقه في الصدر الأول لم يكن محتاجا إلا إلى اثبات الصدور ليس
إلا لكن اختلاف محقق التفقه باختلاف الأزمنة لا يوجب اختلافا في مفهومه فكما ان العارف
بالأحكام الشرعية باعمال النظر والفكر يصدق عليه الفقيه كذلك العارف بها من دون اعمال
النظر والفكر يصدق عليه الفقيه حقيقة (الثانية) ان لفظ الانذار وإن كان ينصرف إلى
الابتدائي بذكر عوالم البرزخ والنار وأمثالها كما هو شأن الوعاظ إلا أنه ابتدائي لا يوجب
اختصاص اللفظ به فيكون الانذار المذكور في الآية أعم منه ومن الانذار التبعي الضمني
الملازم لبيان الواجبات والمحرمات ولو سلم الانصراف الحقيقي فوقوعه متفرعا على التفقه يكون
قرينة موجبة لصرفه إلى خصوص الانذار التبعي الموجود في فتوى الفقيه أو اخبار الراوي
(الثالثة) ان صدر الآية وهو قوله تعالى فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة وإن كان لا يأبى عن
حمله على العموم المجموعي إلا أن قوله تعالى ليتفقهوا إلى آخره ظاهر في العموم الاستغراقي وان
الانذار إنما يكون بتفقه كل واحد منهم الراجع إلى قومه الذي لا يحصل العلم من قوله غالبا
(الرابعة) ان كلمة لعل ليست كما توهم من أنها تجرد عن معناها إذا وقعت في كلامه تعالى
بل هي تستعمل دائما في القدر المشترك الجامع سواء وقع في كلام الممكن أو الواجب والمبادي
القصورية اللازمة عند وقوعها في كلام غيره تعالى أجنبية عن مفادها وما يستعمل فيها (توضيح
ذلك) انها إذا وقعت في مقام التعليل فهي إنما تفيد كون ما بعدها علة غائية لما قبلها فإن كان
من الأمور التكوينية فهو علة للتكوين وإن كان من الأمور التشريعية فهو علة للتشريع وعلى
الثاني فإن كان ما بعدها غير قابل لتعلق تكليف به لكونه خارجا عن القدرة والاختيار
110

فيتمحض في العلية وإلا فيتعلق به التكليف المتعلق بما قبلها بعينه فيكون مطلوبا بعين طلبه
(الخامسة) ان ظاهر الحذر المفروض كونه علة للانذار في الآية هو التحرز الخارجي على
ما يستفاد من موارد استعمالاته لا الخوف النفساني الذي لا وعاء له إلا النفس نعم الخوف
النفساني موجب للتحرز الخارجي لا انه هو المطلوب والغاية في نفسه فيما إذا كان متعلقا للامر
وحينئذ فحيث ان التحرز الخارجي قابل لتعلق التكليف به والمفروض انه غاية للانذار الواجب
فلا محالة يكون هو واجبا أيضا ولو كان المنذر واحدا على ما هو مقتضى كون العموم استغراقيا
وبهذه المقدمات يظهر دلالة الآية المباركة على حجية كل من فتوى المجتهد واخبار الراوي
من دون اختصاص بأحدهما إذ وجوب التحرز الخارجي عند تحقق الانذار ولو لم يكن
مفيدا للعلم يستلزم حجية قول المنذر لا محالة بل يمكن ان يقال إن دلالة الآية على حجية الخبر
أقوى من دلالة آية النبأ عليها لسلامتها من الايرادات الواردة عليها وإن كان قد عرفت
الجواب عنها وتمامية دلالة آية النبأ عليها أيضا (فما عن العلامة الأنصاري (قده)) من تضعيف
دلالتها حتى أنه قرر تشبيه الاستدلال بها على حجية الخبر بالاستدلال عليها بالنبوي المشهور
من حفظ على أمتي أربعين حديثا إلى آخره (لم يكن مترقبا) منه (قده) (واما) الاشكالات
التي أوردها عليها فلا بد لنا من التعرض لكل واحد منها مع جوابها فنقول اما الاشكال الأول
فملخصه ان الآية وان دلت على وجوب الحذر عند ثبوت الانذار إلا أنه لم يحرز كونها في
مقام بيان الاطلاق بالإضافة إلى صورتي حصول العلم وعدمه فيمكن أن يكون وجوب التحذر
في تقدير حصول العلم فقط فلا تدل الآية على حجية قول المنذر تعبدا وان لم يكن مفيدا للعلم
(وفيه) أولا ان الخبر الواحد بما هو يستحيل إفادته العلم وحصوله أحيانا عند الاخبار
لا بد وأن يكون لقرائن خارجية أجنبية عن نفس الخبر فحمل الآية على صورة حصول العلم
الغاء لحجية قول المنذر بالكلية وتعليق للحكم بوجوب التحذر على حصول العلم بالأحكام الشرعية
وهذا ينافي ترتب وجوب التحذر على الانذار كما هو ظاهر الآية (وثانيا) سلمنا ان التقييد
بصورة حصول العلم لا يوجب إلا اختصاص الحكم ببعض افراد المطلق وهو الخبر المفيد للعلم
إلا أنه لا موجب لهذا التقييد مع كونه من الافراد النادرة للخبر ولو كان كونه القدر المتيقن
موجبا للاختصاص لما جاز التمسك بمطلق في شئ من الأبواب إذ ما من مطلق إلا وله
متيقن في الجملة (وبالجملة) فاحتمال الاختصاص بصورة حصول العلم في غاية الضعف والوهن
111

(وأما) الاشكال الثاني فملخصه ان وجوب الحذر المستفاد منه حجية قول المنذر إنما يثبت
فيما إذا أحرز ان الانذار انما هو بما تفقه في الدين ومع الشك في صدق الراوي وكذبه لا يحرز ذلك ومعه
يكون التمسك بالآية لاثبات حجية قول المنذر تمسكا بالعموم في الشبهة المصداقية وجوابه ان
احراز كون الانذار بما تفقه في الدين اي بنفس الأحكام الشرعية انما يثبت بنفس وجوب
التحذر الدال على الحجية لا مع قطع النظر عنه وهذه المغالطة انما نشأت من اخذ عقد الحمل في
عقد الوضع ولو بني عليها لما أمكن التمسك بدليل ومن الغريب انه (قده) بنفسه تعرض لهذه
المغالطة في مباحث الأقل والأكثر وتصدى للجواب عنها بما لا مزيد عليه ومع ذلك فقد وقع
فيها في المقام ونحن قد تعرضنا لها مفصلا في بحث الصحيح والأعم حيث ذكرنا شبهة المانعين
عن التمسك بعموم أوفوا بالعقود لاثبات صحة عقد مخصوص بان الموضوع لوجوب الوفاء هو
العقد الصحيح لا غير وما لم يحرز ذلك لا يمكن التمسك به (واجبنا) بأن الصحة انما تثبت
بنفس الحكم بوجوب الوفاء لا في مرتبة سابقة عليه فراجع (وبالجملة) الاعتناء بهذه المغالطة
يوجب سد باب التمسك بكل دليل ولا اختصاص لها بخصوص المقام (واما) الاشكال
الثالث فحاصله ان الآية لاشتمالها على لفظ الانذار الظاهر في الابلاغ مع التخويف لا يكون
شاملة لاخبار الراوي إذ ليس في اخباره بما هو راو تخويف وايعاد فلا محالة تختص بانذار
الوعاظ والمجتهد بنقل فتواه فيكون الاستدلال بها على وجوب الاجتهاد كفاية ووجوب التقليد
على العوام أولى من الاستدلال بها على حجية الخبر وفيه ما عرفت من أن الانذار ان اخذ
بما ينصرف إليه انصرافا بدويا وهو الانذار الابتدائي الاستقلالي فيكون فتوى المجتهد كإخبار
الراوي خارجة عن مدلول الآية وان اخذ بما هو ظاهر فيه ولو بمعونة ترفعه على التفقه وهو
الانذار التبعي الضمني الحاصل ببيان الحكم الشرعي فكما ان فتوى المجتهد تكون مشمولة لها
فكذلك يكون اخبار الراوي أيضا فالتفكيك بين الفتوى والرواية في مشمولية الآية غير
معقول وأما بقية الآيات التي استدل بها على حجية الخبر كآية الكتمان والسؤال والايمان
فعدم دلالتها على حجية الخبر في غاية الوضوح فلا حاجة إلى التعرض لها أصلا وأما الاخبار
فالاستدلال بها على حجية الخبر يتوقف على أن تكون قطعية من جهة التواتر والاحتفاف بالقرينة
والا فالاستدلال بها على حجيته مستلزم لتوقف الشئ على نفسه (ثم) ان التواتر المفيد
لقطعية الخبر اما أن يكون لفظيا أو معنويا أو اجماليا (والمراد) من الأول أن يكون الخبر
112

بلفظه منقولا بكثرة يمتنع معها تواطؤ الناقلين على الكذب (ومن الثاني) أن يكون معنى
واحد منقولا بألفاظ متعددة من الناقلين من باب النقل بالمعنى بتلك الكثرة أو يكون ملزوما
لما نقل بتلك الكثرة كما يثبت شجاعة أحد من نقل جماعة حروبه في مواقع كثيرة يمتنع تواطئهم
على الكذب عادة وان لم يكن كل واحد من مواقع حروبه ثابتا بالتواتر وربما يجعل القسم الأول
من الثاني من التواتر اللفظي ولا مشاحة في الاصطلاح وأما التواتر الاجمالي فهو على ما قيل
عبارة عن نقل أخبار كثيرة غير متفقة على لفظ ولا على معنى واحد الا انه يعلم بصدق واحد
منها لامتناع كذب الجميع عادة (ولكنه) لا يخفى ان الاخبار إذا بلغت من الكثرة
ما بلغت فإن كان بينها جامع يكون الكل متفقا على نقله فهو راجع إلى التواتر المعنوي والا فلا
وجه لحصول القطع بصدق واحد منها بعد جواز كذب كل واحد منها في حد نفسه وعدم
ارتباط بعضه ببعض فالحق هو انحصار التواتر في القسمين الأولين لاغير (إذا عرفت)
ذلك فنقول الأخبار الدالة على حجية الخبر الواحد في الجملة طوائف أربعة على ما صنعها
شيخ مشايخنا العلامة الأنصاري (قده) ولا يبعد تواتر كل واحد من هذه الطوائف بخصوصها
(الطائفة الأولى) هي الأخبار الواردة في مقام تعارض الاخبار المسماة بالاخبار العلاجية
ولا ريب في حصول القطع من هذه الأخبار بأنه صدر من الأئمة سلام الله عليهم علاج
الاخبار المتعارضة الغير القطعية إذ لا يمكن المعارضة بين الخبرين القطعيين والاشكال في
تقدم الخبر القطعي على غيره المعارض له فيكون العلم بصدور العلاج منه كاشفا عن حجية الخبر
الظني في الجملة بحيث لو لم يكن له معارض لوجب الاخذ به (الطائفة الثانية) هي الأخبار الواردة
في مقام أمرهم عليهم السلام شيعتهم بأخذ معالم دينهم من أصحابهم كزرارة وغيره من
ثقاتهم ويفيد تلك الأخبار العلم بصدور الامر المذكور منهم عليهم السلام من غير فرق بين
الرجوع إلى الأصحاب لاخذ الفتوى أو الرواية ومن المعلوم ان الرجوع إليهم لا يوجب
القطع بالحكم الواقعي الصادر من الإمام عليه السلام فيستكشف حجية الخبر الغير المفيد للعلم في
الجملة (الطائفة الثالثة) هي الأخبار الدالة على وجوب الرجوع إلى الرواة والثقاة والعلماء
وهي أيضا كثيرة ودلالتها على المطلوب ظاهرة (الطائفة الرابعة) هي الاخبار المتفرقة الدالة
بمجموعها على جواز العمل بخبر الواحد بحيث يعلم أن جواز العمل بالخبر الظني ولو في الجملة كان
مفروغا عنه وإن كان دلالة كل واحد منها على المطلوب لا يخلو عن نظر (ولا يخفى) ان
113

أخص تلك الأخبار مضمونا هو الأخبار الدالة على جواز العمل بخبر الثقة كما صرح بذلك في
جملة من اخبار الطائفة الثانية وبعض الأخبار من الطائفة الثالثة بل يمكن أن يقال إن خصوص
الأخبار الدالة على جواز العمل بخبر الثقة متواترة مضافا إلى احتفاف بعضها بالقرينة القطعية
من جهة اعتماد الأصحاب عليها فيكون جواز العمل به مقطوعا لا محالة بل قد عرفت ان تعليق
وجوب التبين على كون الجائي بالنبأ فاسقا كما في آية النبأ انما هو من جهة عدم تحرز الفاسق
عن الكذب لما عرفت من اقتضاء مناسبة الحكم والموضوع ذلك وعليه فخبر الثقة الذي يتحرز
عن الكذب وان لم يكن اماميا هو القدر المتيقن من أدلة حجية الخبر (ثم) ان هذه الأخبار
وإن كان لا يستفاد منها حجية الخبر الضعيف المنجبر بالشهرة كما كانت تستفاد من آية النبأ
إلا أن الخطب في ذلك هين بعد عدم كون هذه الأخبار في مقام اثبات حكم ابتدائي تأسيسي
وانما هي بصدد امضاء ما جرت عليه السيرة العقلائية ولا ريب ان سيرتهم جرت على العمل
بالخبر الموثق الأعم من كون الرواية بنفسها أو كون راويها موثوقا به وبذلك يثبت حجية
الخبر الصحيح القدمائي مطلقا واحتمال حجية خصوص الخبر الصحيح بين المتأخرين كما عليه
جماعة من المتأخرين ضعيف لا يمكن القول به أصلا (وأما الاجماع) على حجية
الخبر الواحد فيمكن تقريبه بأحد وجوه (الأول) دعوى الاجماع القولي على حجيته في
مقابل السيد واتباعه المحصل لنا من تتبع أقوالهم بحجيته من زماننا إلى زمان الشيخين أو من
نقلهم الاجماع على حجيته (الثاني) دعوى الاجماع حتى من السيد واتباعه على وجوب
العمل بالخبر الغير العلمي في زماننا هذا مما انسد فيه باب القرينة الموجبة للقطع بصدور الخبر
(ويرد) على هذين الوجهين انه لم يحصل لنا ظن في هذين الاجماعين بكون وجوب العمل
بالخبر ثابتا للمجمعين بدليل لم يصل إلينا (إذ) يمكن أن يكون مدركهم في ذلك هي الأخبار المذكورة
أو يكون فتواهم به من جهة قيام السيرة العقلائية على ذلك فلا يكون اتفاقهم على
ذلك كاشفا عن دليل تعبدي كما هو ظاهر (الثالث) دعوى الاجماع العملي من الصحابة
على العمل بالاخبار الموجودة فيما بأيدينا من الكتب المعتبرة (وفيه) ان ذلك وإن كان
مسلما الا ان اجماعهم على ذلك تقييدي فإن كل واحد منهم انما يعمل بها لوجه خاص يخص
به وليس مثل هذا الاجماع دليلا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم كما هو أوضح من أن يخفى
(الرابع) دعوى جريان سيرة العلماء خلفا عن سلف من غير نكير (الخامس) دعوى جريان
114

سيرة المتشرعة على ذلك ويرد على هذين الوجهين ما أوردناه على الوجهين الأولين من عدم الظن
بكون ذلك سيرة العلماء أو المسلمين بما هم كذلك بل الظاهر أنهم يعملون بالاخبار الموثوق بما انهم
عقلاء فيرجع إلى (سادس) الوجوه وهو دعوى جريان سيرة العقلاء على العمل بالاخبار المفيدة
للوثوق في عادياتهم وما يرجع إلى أمور دنياهم أو أخراهم وغاية ما يقتضيه الايمان هو كون
الاعتماد والاعتناء بالأمور الراجعة إلى باب الإطاعه والمعصية في عرض الاعتناء بالأمور
الراجعة إلى نظام المعيشة (ولا يخفى) صحة هذه الدعوى وان العمل بالخبر الموثوق به
يجري عند العقلاء مجرى العمل بالظواهر ووجوب العمل بكل منهما انما يثبت بالسيرة القطعية
العقلائية فلو لم يكن الشارع راضيا بما جرت عليه سيرتهم القطعية لكان عليه الردع عن ذلك
كما في باب القياس وحيث لم يردع عنه فيثبت رضاه وامضائه ومن هذا البيان ظهر انه لا نحتاج
في اثبات حجية السيرة العقلائية إلى أزيد من عدم الردع وأما احتمال الاحتياج إلى الامضاء
وعدم كفاية عدم الردع فضعيف لا يعبأ به الا ان يراد من الامضاء مطلق الرضا حتى
المستكشف من عدم الردع فيرجع النزاع لفظيا (فان قلت) أليست الآيات الناهية عن
العمل بالظن كافية في ردع الطريقة العقلائية ومعها كيف يمكن استكشاف امضاء الشارع لها
(قلت) كلا فإن النهي عن العمل بالظن فرع تحقق الظن خارجا كما هو الشأن في كل قضية
خارجية أو حقيقية والظن يتقوم باحتمال الخلاف لا محالة ومع وجود دليل تعبدي على حجية
امارة أو قيام سيرة العقلاء على العمل بها يكون احتمال الخلاف ملغى بالضرورة ولذا تقوم مقام
القطع الطريقي أو المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية كما أوضحنا بيانه في مباحث القطع
ومعه يكون الخبر الموثوق بصدوره خارجا عن موضوع الآيات بالحكومة كما أنه بدليل الحجية
يكون حاكما على أدلة الأصول فالملاك في تقدم الامارات على الأصول بعينه موجود في تقدم
السيرة العقلائية على الآيات الناهية عن العمل بالظن أيضا فلا بد في مقام الردع من ورود
أدلة خاصة ناهية عن العمل بالسيرة كما وردت في باب القياس والمفروض انتفائها في المقام
واما ما ذكره العلامة الأنصاري (قده) في مقام الجواب عن هذه الشبهة وحاصله ان الآيات
الناهية عن العمل بالظن اما في مقام النهي عن التشريع أو عن العمل به في مقابل الأصول
اللفظية أو العملية وكلا الوجهين غير قابلين للرادعية عن العمل بالسيرة فان حرمة التشريع
والعمل بالأصول اللفظية والعملية مما ارتكزت في أذهان العقلاء ومع ذلك يعملون بالاخبار
115

الموثوق بها في مقابل تلك الأصول ولا يرون ذلك تشريعا فهو أشبه بالخطابة من البرهان
مع قطع النظر عما ذكرناه من عدم الموضوع للآيات مع قيام السيرة القطعية أو دليل تعبدي
على وجوب العمل بالخبر الموثوق به ولعل عدم تمامية ما ذكره (قده) في مقام الجواب في حد
نفسه هو السبب في أمره بالتأمل في آخر عبارته (وأما) ما ذكره بعض المحققين (قده) في الجواب
عن ذلك بأن السيرة القطعية عن وجوب العمل بالخبر الموثوق به تكون مخصصة لعمومات
الآيات الناهية عن العمل بالظن (فغير قابل) للتوجيه فإن الالتزام بالتخصيص يستلزم الالتزام
بتحقق موضوع الآيات ولو مع قيام السيرة القطعية ومعه فلا يعقل الحكومة ويلزم من تقدم
السيرة على الآيات توقف الشئ على نفسه فإن تقدمها عليها يتوقف على عدم كون الآيات
رادعة لها وعدم ردعها لها يتوقف على تقدمها عليها وإلا كانت مردوعة بها لا محالة فيتوقف
تقدمها عليها على نفسه وهو غير معقول (واما الوجوه) العقلية التي استدل بها على حجية
الخبر الواحد فهي كثيرة (الأول) دعوى جريان مقدمات الانسداد في خصوص الاخبار بأن
يقال إنه لا اشكال في صدور كثير من الاخبار الموجودة في المجاميع المعتبرة والقرائن على ذلك
الناشئة من شدة اهتمام العلماء رضوان الله تعالى عليهم وتهذيب الاخبار عن الاخبار المدسوسة
كثيرة قد تعرض لها العلامة الأنصاري (قده) تفصيلا ولا اشكال أيضا في عدم امكان تميز
الاخبار الصادرة عن غيرها كما أنه لا ريب في عدم جواز اهمالها وعدم التعرض لها رأسا فيدور
الامر بين الاحتياط في تمام الاخبار بالعمل بجميعها أو العمل بالقرعة في تشخيص الصادر عن
غيره أو الرجوع إلى كل ما يقتضيه الأصل في خصوص كل مورد أو العمل بخصوص ما ظن
بصدوره وطرح المشكوك أو الموهوم ولا اشكال في تعين الأخير من هذه الاحتمالات إذ العمل
بالاحتياط مع القطع بوجود اخبار مخالفة للأحكام الصادرة عن الأئمة سلام الله عليهم غير ممكن
والرجوع إلى القرعة أو إلى كل ما يقتضيه الأصل في خصوص كل مورد مقطوع العدم فيتعين العمل
بالمظنون الصدور من الاخبار والغاء غيرها وهذا الوجه هو حاصل ما اعتمد عليه العلامة الأنصاري
(قده) سابقا ولكنه عدل عنه أخيرا وأورد عليه بايرادات ثلاثة (اما الأول) فحاصله بتحرير
منا ان حجية الاخبار اما أن تكون من باب الطريقية المحضة أو من باب السببية المعتزلية بان
يكون في الامارات مصلحة يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع على ما أوضحنا بيانه سابقا
واما احتمال كون الحجية من باب السببية الأشعرية الملازمة للتصويب فمقطوع العدم ولا ينبغي
116

التكلم عليه وحينئذ فان قلنا بالطريقية المحضة فلا ريب في عدم موضوعية لخصوص الاخبار
وانما يجب التعرض لها لأجل كاشفيتها عن الأحكام الواقعية وحيث إن الأحكام الواقعية
المعلومة لا يختص اطرافها بخصوص الاخبار بل يعم كل امارة متقنة كالشهرة والاجماع المنقول
وغيرها فلا بد من الاحتياط في تمام أطراف الامارات أو العمل بالمظنون مطابقته منها من
دون اختصاص بخصوص الاخبار وكذلك الامر ولو بنينا على السببية المعتزلية فان فيها جهتين
الأولى هي الطريقية وكون وجوب العمل بالاخبار لأجل كشفها عن الأحكام الواقعية
(الثانية) تدارك ما يفوت من مصلحة الواقع بتطبيق العمل على طبق الامارة وسلوكها وحيث إن
الجهة الثانية في المقام متعذرة إذ المفروض عدم امكان تشخيص ما يجب العمل به عن غيره
فيكون القول بالمصلحة السلوكية مشاركا مع القول بالطريقية المحضة وقد عرفت ان لازمه
هو الاحتياط في تمام أطراف الامارات أو العمل بما ظن مطابقته من كل امارة من دون
اختصاص بخصوص الاخبار (وتوضيح) ذلك انما هو برسم مقدمتين الأولى ان لنا
مدارك ثلاثة للعلم الاجمالي بالأحكام ويختلف أطراف العلم سعة وضيقا باختلاف مداركه
(الأول) قيام الاجماع والضرورة على وجود تكاليف الزامية في الشريعة المقدسة
الاسلامية وكل ما يحتمل فيه التكليف سواء كان من المظنونات أو المشكوكات أو الموهومات
لا محالة يكون من أطراف هذا العلم (الثاني) هو العلم الاجمالي الناشئ من تراكم الامارات
الكثيرة المتقنة كالاخبار والشهرات والاجماعات المنقولة وغيرها ولا ريب ان دائرة أطراف هذا
العلم هو خصوص ما قامت الامارة عليه دون المشكوكات والموهومات (الثالث) العلم الاجمالي
بصدور كثير من الاخبار الناشئ من كثيرة الاهتمام بتنقيحها ودائرة هذا العلم الاجمالي أضيق
من الكل لخروج مواد بقية الامارات عن أطرافه فضلا عن المشكوكات والموهومات
(الثانية) ان انحلال العلم الاجمالي عبارة عن انقلاب قضية شرطية مانعة الخلو المركبة من قضيتين
جملتين مشكوكتين إلى قضية متيقنة والاخرى مشكوكة وكما يمكن انحلال العلم الاجمالي
وانقلاب القضية الشرطية بالعلم التفصيلي فكذلك يمكن بالعلم الاجمالي أيضا ووجه الانحلال
فيهما واحد والفرق بين الانحلال وعدم تأثير العلم الاجمالي هو ان العلم إذا تعلق بما لا يكون
في بعض الأطراف موجبا لحدوث حكم جديد كما إذا علم بوقوع قطرة من البول في أحد
الإناءين المسبوق أحدهما بالنجاسة سواء علم ذلك حين العلم الاجمالي أو بعده فلا يكون العلم
117

الاجمالي مؤثرا لا محالة لعدم تعلقه بالحكم الحادث على كل تقدير الذي هو شرط تأثير العلم
الاجمالي واما إذا كان العلم مؤثرا ومتعلقا بالتكليف على كل تقدير ولكنه انقلب إلى معلوم
تفصيلي بمقدار المعلوم بالاجمال ومشكوك بدوي فهو المراد من انحلال العلم الاجمالي (إذا
عرفت) ذلك فنقول إذا فرضنا انحلال العلم الاجمالي الأول المسمى بالكبير بالعلم الاجمالي
الثاني المتوسط وانحلاله بالثالث الصغير فلا محالة يتم الاستدلال بهذا الوجه على حجية الخبر
الواحد إذ لا يجب معه التعرض لامتثال الاحكام إلا في خصوص الاخبار دون غيرها وأما
إذا منعنا عن الانحلال فيكون الاخبار من جملة أطراف العلم الاجمالي ولا ينحصر وجوب
التعرض بخصوصها والذي يستفاد من تضاعيف كلمات العلامة الأنصاري (قده) هو الالتزام
بانحلال العلم الأول بالثاني دون انحلال الثاني بالثالث وهذا هو الحق والضابط الكلي لانحلال
العلم الاجمالي أحد أمرين متلازمين الأول انه إذا زيد على أطراف العلم من بقية المحتملات
فإن زاد عدد المعلوم بالاجمال على الأول فيعلم من ذلك عدم الانحلال وعدم كون المعلوم
الثاني بمقدار المعلوم الأول وإلا فلا (الثاني) انه إذا نقصنا من أطراف العلم الثاني مقدارا
فلا محالة ينقص مقدار المعلوم في الباقي فإذا ضممنا إليه بقية المحتملات فإن رجع العلم الثاني
بحاله فيستكشف عدم الانحلال وإلا فلا ومن هذين الضابطين يعلم صحة ما ادعيناه فانا إذا
زدنا على موارد الامارات المعلوم وجود مقدار من التكاليف فيها بقية المحتملات من المشكوكات
أو الموهومات فهي لا توجب زيادة مقدار المعلوم بالاجمال بالضرورة فإن ضم المحتمل
لا يوجب أزيد من الاحتمال كما انا إذا نقصنا مقدارا من الامارات الموجب لنقصان المقدار
المعلوم بالاجمال ثم ضممنا إلى الباقي بقية المحتملات فالعلم الأول قبل التنقيص لا يرجع بحاله
فنستكشف من ذلك ان مقدار المعلوم بالاجمال في أطراف الامارات بمقدار المعلوم
بالاجمال في تمام أطراف المحتملات وهو موجب للانحلال بالضرورة وهذا بخلاف العلم بخصوص
التكاليف الموجودة في موارد الاخبار فإنه إذا ضممنا إلى الاخبار بقية الامارات المتقنة فلا
محالة يزيد عدد المعلوم بالاجمال على الأول كما أنه إذا نقصنا مقدارا معينا من الاخبار وضممنا
إلى الباقي بقية الامارات فلا محالة يرجع العلم الأول إلى حاله ويستكشف من ذلك ان لنا مقدارا
معلوما من التكاليف مرددا بين أن يكون في الاخبار وغيرها وهذا المقدار غير المقدار المعلوم
في خصوص الاخبار ومع ذلك كيف يمكن دعوى الانحلال والقول بوجوب التعرض لخصوص
118

الاخبار (هذا) كله على تقدير الإغماض عن دعوى وجود العلم الاجمالي في خصوص
بقية الامارات أيضا إذ مع هذه الدعوى التي لا تخلو عن بعد يكون عدم الانحلال من
الواضحات الغير المحتاجة إلى البيان والحاصل انا وإن لم ندع العلم بالتكليف في خصوص بقية
الامارات إلا أن وجود العلم بمقدار من التكاليف التي يدور أمرها بين أن تكون في الاخبار
أو في غيرها غير قابل للانكار ومع ذلك لا موجب لدعوى انحلال العلم الاجمالي المتوسط بالعلم
بوجود التكاليف في خصوص الاخبار (فإن قلت) إذا سلمت خلو بقية الامارات عن
العلم الاجمالي بالتكاليف في خصوصها فالعلم بوجود تكاليف أخر غير التكاليف المعلومة في
خصوص الاخبار المرددة بين أن تكون في موارد الاخبار أو غيرها من الامارات لا أثر له
إذ العلم الاجمالي المختص بموارد الاخبار أوجب سقوط الأصول فيها فالتكاليف الموجودة
فيها تنجزت مع قطع النظر عن العلم الاجمالي الثاني فلا يكون العلم الثاني منجز المتعلقة على كل
تقدير وقد ذكرنا اشتراط منجزية العلم الاجمالي بذلك وهذا نظير ما إذا علم بوقوع قطرة من
النجس اما في أحد الإنائين المعلوم نجاسة أحدهما اجمالا أو في اناء ثالث فإنه لا ريب في عدم
ترتب أثر على هذا العلم وعدم المانع عن جريان الأصل في الاناء الثالث (قلت) ليس
المقام من قبيل المثال الذي ذكرته فإن المفروض عدم تأخر العلم بوجود التكاليف المرددة بين
موارد الاخبار وبقية الامارات عن العلم بوجود التكاليف في خصوص موارد الاخبار
فنسبة العلمين الاجماليين إلى تنجيز ما تعلق بهما واحدة وهذا نظير ما إذا علمنا بوقوع قطرتين
من النجاسة في مجموع إناءات ثلاثة بحيث علم وقوع إحديهما في أحد الإنائين وتردد الآخر
بين أن تكون واقعة في الاناء الآخر أو في واحد من الإنائين أيضا فإنه لا ريب حينئذ في
وجوب الاجتناب عن الجميع لتساوي نسبة العلمين إلى التنجيز وعدم تقدم أحدهما على الآخر
بل لو فرضنا تقدم أحد العلمين على الآخر أيضا لما كان العلم السابق مانعا عن تنجيز اللاحق
إذا لم يكن المعلوم سابقا على المعلوم الآخر فان الميزان في عدم تأثير العلم الثاني تأخر المعلوم
لا تأخر نفسه ومن الواضح عدم تأخر المعلوم بالعلم الثاني عن المعلوم الاجمالي في خصوص
الاخبار وإذا كان كذلك فلا موجب لعدم تأثير العلم بالتكاليف المرددة بين الاخبار
وغيرها وانحلاله بخصوص العلم الاجمالي في موارد الاخبار (وثانيا) سلمنا انحلال العلم
الاجمالي الثاني بالثالث لكن ليس مقتضى ذلك هو وجوب الاخذ بكل خبر ظن
119

صدوره بل اللازم منه هو وجوب الاخذ بكل خبر ظن بمطابقة مؤداه للواقع وذلك
لما عرفت من أن وجوب العمل بالاخبار انما هو لأجل اشتمالها على الأحكام الواقعية
الصادرة عنهم عليهم السلام وعليه فإذا حصل الظن بمطابقة خبر للواقع ولو من جهة
الشهرة فيجب الاخذ به وما لم يكن كذلك فلا يجب الاخذ به ولو كان مظنون الصدور
ولا يخفى ان الذي ذكرناه في الجواب الثاني انما هو ملخص ما افاده الشيخ الأنصاري (قده)
في المقام وكان ظاهر كلام الأستاذ العلامة دام ظله انه بصدد تقريب ما افاده الشيخ في المقام
ولكن ظاهر تقريبه كان يفيد معنى آخر (وحاصله) انا وان سلمنا اختصاص الحجية بالاخبار
التي ظن بصدورها ولكنه إذا حصل الظن من الشهرة بكون الحكم الواقعي هو وجوب صلاة
الجمعة مثلا فلا محالة يظن بصدور ذلك من الأئمة سلام الله عليهم فلا بد من العمل بمقتضى تلك
الشهرة أيضا ولعله دام ظله أراد ما ذكرناه في تفسير عبارة الشيخ قدس سره والا فظاهر ما أفاده
لا يستقيم فان الظن بصدور الحكم من الإمام عليه السلام لا دليل على اتباعه على الفرض إذ
المفروض اختصاص الحجية بخصوص الاخبار المظنون صدورها فلا بد من وجود خبر يقيني
ظن صدوره وبالشهرة المذكورة لا يمكن استكشاف وجود خبر كذلك كما هو واضح
(وثالثا) ان لزوم العمل بالاخبار إن كان لأجل الانسداد فلازمه انحصار حجيتها بخصوص
الاحكام الالزامية ولا يمكن اثبات الإباحة والاستحباب ولا تقييد المطلقات أو تخصيص
العمومات بها وهذا بناء على تقدير تقريب مقدمات الانسداد من باب الحكومة واضح وكذا
بناء على الكشف كما سيظهر إن شاء الله تعالى (الوجه الثاني) انا نعلم بصدور أقوال كثيرة
من المعصومين عليهم السلام الموجودة فيما بأيدينا من الاخبار فتكون مؤدياتها بعد تنزيل ظهوراتها
منزلة الواقع واثبات جهة صدورها بمقتضى الأصل العقلائي احكاما ظاهرية وإذا ثبت في
موارد الاخبار احكاما ظاهرية بمقدار المعلوم الاجمالي المتوسط أو أزيد فلا محالة يكون منحلا
بذلك ولا يوجب ضم بقية الامارات إلى الاخبار زيادة في المعلوم بالاجمال أصلا لان وجود
الاحكام الظاهرية مخصوص بالاخبار فضم غيرها إليها لا يوجب زيادة في هذا المعلوم كما كان
يوجب في التقريب الأول والحاصل ان منشأ دعوى الانحلال لو كان العلم بوجود الأحكام الواقعية
في الاخبار الناشئة من تراكم الظنون لكان ضم بقية الامارات إليها موجبا لزيادة المعلوم
لا محالة وأما إذا كان منشأه وجود الاحكام الظاهرية بمقدار المعلوم بالاجمال أو أزيد في خصوص
120

الاخبار فلا يوجب ضم البقية إليها زيادة في المعلوم فيكون المقام نظير ما إذا علم بوجود عشرين
موطوءة من الغنم في قطيع غنم ثم علم بوجود عشرين في خصوص طائفة خاصة منها الموجب
لانحلال العلم الأول ثم قام البينة على وجود عشرين أو أزيد موطوءة في خصوص البيض من
الطائفة الخاصة فكما لا ريب في أن قيام البينة الموجب لجعل الحكم الظاهري يستلزم انحلال
العلم الاجمالي فكذلك ثبوت الاحكام الظاهرية في خصوص الاخبار بمقدار المعلوم بالاجمال
أو الازيد موجب لانحلال العلم الاجمالي المتوسط ويرد على هذا التقرير (أولا) ما يرد على
ما افاده المحقق صاحب الحاشية وصاحب الفصول (قدهما) في تقريب حجية الظن بالطريق
من العلم الاجمالي بجعل طرق مخصوصة غير متميزة لنا بخصوصهما إذ لا فارق بين مقامنا
وبين ما أفاداه الا في أن الشبهة في المقام مصداقية إذ المفروض العلم بصدور اخبار كثيرة غير
متميزة باشخاصها فيعمل في تعيينها بالظن واما الشبهة على ما أفاداه فحكمية وانما يعمل بالظن
في تعيين كلي الحجية من غيرها وحاصل الايراد المشترك هو انا قد ذكرنا مرارا ان الحجية
والطريقية وان كانتا تشتركان مع بقية الاحكام في استحالة اخذ العلم بهما في موضوعهما الا انهما
تفترقان عنها بان الحجية حيث إن معناها الوسطية في الاثبات فلا يترتب على وجودها الانشائي
أثر أصلا بل لا بد في ترتب الأثر عليها من وصولها إلى المكلف موضوعا وحكما وهذا بخلاف
بقية الاحكام فان محركيتها وباعثيتها وإن كانت تتوقف على الوصول الا انه ربما يترتب الأثر
على وجوداتها الواقعية ولو مع عدم الوصول كالإعادة والقضاء فالتعبد بالظهور الموجب لجعل
الحكم الظاهري انما يكون عند ثبوت الصدور ووصول الحجة ويستحيل التعبد بظهور ما لم يصل
وحيث إن الاخبار الصادرة من المعصومين عليهم السلام غير واصلة لنا اشخاصها كما هو المفروض
فلا يمكن ان تتصف بالحجية ومعه لا يمكن التعبد بظهوراتها حتى يكون هناك احكام ظاهرية
موجبة لانحلال المعلوم بالاجمال ومما ذكرناه يظهر وجه عدم جريان أصالة عدم الصدور تقية
أيضا (وثانيا) انا وان سلمنا ثبوت الاحكام الظاهرية في موارد الاخبار بمقدار المعلوم بالاجمال
أو أزيد الا انه انما يوجب الانحلال إذا وجب الاحتياط في تلك الموارد مطلقا واما إذا رخص
في تركه في الموهومات والمشكوكات للزوم العسر فلا يصير العلم الاجمالي الصغير موجبا
لانحلال العلم المتوسط ضروة احتمال وجود الأحكام الواقعية في المشكوكات والموهومات من
الاخبار (فإن قلت) الميزان في الانحلال انما هو العلم بوجود الاحكام الظاهرية في موارد
121

الاخبار بمقدار المعلوم بالاجمال أو أزيد لا بوجوب امتثال هذا العلم والاحتياط في أطرافه
فعدم وجوب الاحتياط في أطرافه لا يضر بانحلال العلم الاجمالي أصلا (قلت) قد ذكرنا
ان من شرائط تأثير العلم الاجمالي أن يكون موجبا لتنجز التكليف على كل تقدير وهذا انما
يتحقق مع وجوب الاحتياط ليس الا فإذا لم يجب الاحتياط فلا يكون العلم الاجمالي مؤثرا
ومعه لا يكون وجه للانحلال ابدا (فإن قلت) سلمنا ان الانحلال انما يتفرع على وجوب
الاحتياط وتأثير العلم الاجمالي في تمام أطرافه الا ان ذلك انما يتم على تقدير تقريب مقدمات
الانسداد على نحو الحكومة دون الكشف كما هو المختار إذ بناء عليه يكون الظن طريقا معتبرا
من قبل الشرع وإذا كان المظنونات بمقدار المعلوم بالاجمال أو أزيد فلا محالة ينحل العلم
الاجمالي ويكون غير موارد المظنونات من الاخبار موردا لجريان الأصول (قلت) حجية
الظن من باب الكشف انما تترتب على جريان مقدمات الانسداد ومنها انحلال العلم المتوسط
بالعلم الاجمالي الصغير ضرورة انه لولا ذلك لما كان لجريان الانسداد في خصوص الاخبار
مجال أصلا بل يكون المرجع هو الانسداد الكبير فلو كان انحلال العلم الاجمالي المتوسط بالعلم
الاجمالي الصغير متوقفا على جريان مقدمات الانسداد حتى ينتج حجية الظن من باب الكشف
لزم الدور فتحصل من جميع ما ذكرناه عدم صحة الاستدلال على حجية الخبر باجراء مقدمات
الانسداد في خصوص موارد الاخبار على كل من الوجهين (الوجه الثالث) ما ذكره في الوافية
مستدلا به على حجية الاخبار الموجودة في الكتب المعتبرة للشيعة وحاصله دعوى القطع ببقاء
التكليف سيما بالأصول الضرورية كالصوم والصلاة وكذا المتاجر والأنكحة مع أن جل اجزائها
وشرائطها انما تثبت بالخبر الغير القطعي بحيث نقطع بخروج هذه الأمور عن حقائقها عند ترك
العمل بخبر الواحد (وفيه) أولا ان دائرة العلم الاجمالي لا تنحصر بخصوص الاخبار المشروطة
بما ذكر بل تعم مطلق الاخبار فاللازم هو الاحتياط أو العمل بكل خبر ظن صدوره مما دل على
الجزئية أو الشرطية (وثانيا) ان مقتضى ذلك هو وجوب العمل بخصوص الاخبار المثبتة
للتكليف ليس الا فلا يثبت حجية الاخبار حتى النافية منها بحيث يمكن تقييد المطلقات أو تخصيص
العمومات بها كما هو المدعى (الوجه الرابع) ما ذكره المحقق صاحب الحاشية (قده) وهو
ان الرجوع إلى الكتاب والسنة ثابت بالاجماع والضرورة فإن أمكن الرجوع إليهما على وجه
يحصل العلم فهو والا فالمتبع هو الظن وفيه أولا ان ما ذكره بعض مقدمات الانسداد
122

فإن ضم إليه بقية المقدمات فهو والا فلا يترتب عليه بخصوصه شئ أصلا (وثانيا) ان مراده
من السنة إن كان هي السنة الواقعية أعني بها قول المعصوم وفعله وتقريره عليه السلام فالمحذور
الذي يلزم من اهمالها انما هو بعينه المحذور المترتب على اهمال الأحكام الواقعية فيرجع
هذا الوجه إلى الانسداد الكبير ولا يكون لخصوص الاخبار خصوصية أصلا وإن كان مراده
(قده) منها هي السنة الحاكية لقول المعصوم أو فعله أو تقريره فمحذور اهمالها انما هو المحذور
المذكور في الوجه الأول من الأدلة العقلية على حجية الخبر الواحد بعد فرض كون حجية
الاخبار من باب الطريقية فيرد عليه الايرادات المذكورة على كل من التقريبين اللذين ذكرناهما
فيه (هذا كله) في الوجوه التي ذكروها على حجية خصوص الخبر واما الوجوه المذكورة
لحجية مطلق الظن فهي أربعة ولا بأس قبل الشروع في ذلك من بيان اصطلاح وهو ان المراد
من الظن الخاص هو الظن الثابت حجيته بغير دليل الانسداد ولو كان مفاد ذلك الدليل هو
حجية مطلق الظن كما أن المراد من الظن المطلق هو الظن الثابت حجيته بدليل الانسداد ولو كان
مقتضاه حجية طائفة خاصة من الظنون كالظن الاطمئناني مثلا دون غيرها إذا عرفت ذلك
فنقول الوجه الأول الذي استدل به على حجية مطلق الظن هو ان في مخالفة المجتهد لما
ظنه من الوجوب أو الحرمة ظن بالضرر وهو العقاب أو المفسدة في الترك أو الفعل ودفع
الضرر المظنون لازم بحكم العقل فيجب العمل بكل مظنون (وقد) اورد على هذه القاعدة
بوجوه منها ما عن الحاجبي من منع الكبرى بتقريب ان دفع الضرر المظنون بناء على التحسين
والتقبيح العقليين أمر مستحسن لا انه واجب عقلا (وفيه) ان حكم العقل بوجوب دفع العقاب
المظنون بل المحتمل ليس مبتنيا على قاعدة التحسين والتقبيح وكل منهما أجنبي عن الآخر رأسا
فإن حكمه بوجوب دفع العقاب انما هو بعد تمامية الحكم من قبل المولى ومرتبته مرتبة الامتثال
فهو حكم في سلسلة المعلولات وحكم الشارع في هذا المقام ارشادي ليس الا وهذا بخلاف
حكمه بالتحسين والتقبيح فإن حكمه بذلك انما هو في سلسلة العلل المترتبة عليها حكم مولوي
شرعي بناء على ثبوت قاعدة الملازمة فأين أحد الحكمين من الآخر (وثانيا) ان حكم العقل بلزوم
دفع العقاب المظنون أو المحتمل مما أطبق عليه العقلاء وعليه يتفرع لزوم الفحص عن أصل
الدين واحكامه ولولا ذلك لما وجب النظر في المعجزة فيلزم افحام الأنبياء وابطال الشرائع
مطلقا ومع ذلك كيف يمكن ان يقال إن دفع العقاب المظنون أمر مستحسن لا انه واجب عقلا
123

(ومنها) ما عن العدة والغنية من أن الحكم المذكور مختص بالأمور الدنيوية دون الأخروية
كالعقاب (وفيه) أن الضرر الأخروي أعظم بمراتب من الضرر الدنيوي فكيف يمكن الالتزام
بوجوب الدفع في الثاني دون الأول إلا أنه يمكن أن يكون مرادهما أن حكم العقل بوجوب
الدفع من باب التحسين والتقبيح يختص بخصوص الأمور الدنيوية دون الأخروية لما عرفت
من أن حكم العقل فيها أجنبي عن حكمه بالتحسين والتقبيح رأسا (ومنها) النقض بالامارات
التي قام الدليل القطعي على عدم اعتبارها كالقياس ونحوه فلو كان دفع الضرر المظنون لازما
بحكم العقل لما كان قابلا للتخصيص فمن عدم اللزوم ولو في مورد واحد يستكشف عدم اللزوم
مطلقا (وفيه) أن حكم العقل إنما هو فرع تحقق موضوعه وهو الظن بالعقاب ومع القطع يكون
العمل بالقياس منهيا عنه لما كان هناك احتمال ضرر في تركه فضلا عن الظن به (هذا) وقد
اورد على هذا النقض بوجهين آخرين (الأول) الالتزام بعدم حرمة العمل بها في حال الانسداد
ودعوى اختصاص النهي بحال الانفتاح وفيه أن ذلك مخالف للاجماع بل الضرورة (الثاني)
ان الممنوع إنما هو العمل بهذه الامارات من باب التعبد والتدين لا من باب الرجاء والاحتياط
كما في المقام (وفيه) أن من المقطوع الغاء الشارع لهذه الامارات مطلقا بحيث لا يرضى
للاعتناء بشأنها ولو كان من باب الاحتياط والرجاء (فالتحقيق) في الجواب هو منع الصغرى
بدعوى أن الظن بالوجوب أو الحرمة لا يستلزم الظن بالمفسدة ولا الظن بالعقاب أصلا (وتوضيح)
ذلك إنما هو برسم مقدمات (الأولى) أنا قد ذكرنا مرارا ان العقل المستقل بالحكم في باب
الإطاعة والعصيان كما يحكم على العبد بلزوم فحصه عن احكام مولاه واستعلامها من مظانها
بحيث لو أخل بذلك لكان موردا لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل كذلك يحكم على المولى
بلزوم إرساله الرسل وانزاله الكتب وايصال الاحكام على العبيد وعدم صحة عقابه على المخالفة
من دون ذلك فحكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل انما يتحقق عند اخلال العبد بوظيفته
كما أن حكمه بقبح العقاب بلا بيان انما يتحقق فيما إذا كان القصور من طرف المولى فقاعدة
القبح تكون حاكمة على قاعدة وجوب دفع الضرر ورافعة لموضوعها ويستحيل ورودهما على
مورد واحد ولو شك في مورد انه داخل في اي القاعدتين فيحكم بدخوله في مورد قاعدة
وجوب دفع الضرر لاحتمال الضرر مع عدم الجزم بجريان قاعدة القبح وجدانا (الثاني) ان
مناطات الاحكام التي لا سبيل للعقل إلى ادراكها تنقسم إلى قسمين فمنها ما لا يرضى
124

الشارع بفواتها حتى عند الجهل كالدماء والفروج والاعراض (ومنها) ما لا تكون بهذا المثابة
من الأهمية وليس فيها اقتضاء اهتمام الشارع بها حتى في تلك الحال اما القسم الأول فالاحكام
الواقعية الناشئة منها حيث إنها قاصرة عن الباعثية حال الجهل فلا محالة يلزم على الشارع جعل متمم
لها حفظا لأغراضها بايجاب الاحتياط في مواردها وأما القسم الثاني فالاحكام الواقعية في
مواردها أن وصلت فبها وإلا فلا يكون مجال لايجاب الاحتياط أصلا وطريق استكشاف
كل من القسمين عن الآخر إنما هو جعل الاحتياط وعدمه فلو شككنا في مورد أن المناط من
أي القسمين فمن نفس عدم ايجاب الاحتياط نستكشف كون المناط من قبيل الثاني دون الأول
كما أنه لو شككنا في ايجاب الاحتياط وعدمه نتمسك بأصالة البراءة فإن جعل الاحتياط
الذي هو متمم للجعل الأول من شؤون المولى ووظيفته فالعقاب على المخالفة مع عدم وصول هذا
الحكم من قبله عقاب بلا بيان والحاصل أن حال ايجاب الاحتياط حال نفس الأحكام الواقعية
في جريان إصالة البراءة عند الشك فيها فتحصل أن مقتضى الشك في الأمر الثاني على خلاف
مقتضاه في الأمر الأول (الثالثة) ان المناطات التي تكون الاحكام تابعة لها إما أن تكون في موارد
الاحكام الوجوبية أو التحريمية والاحكام الوجوبية اما أن تكون عبادية أو غيرها اما الاحكام
العبادية ففوت الملاكات عند الجهل بها لأجل قصور في أنفسها وعدم تمكن المكلف من ادراكها بعد
اشتراطها بقصد القربة الغير المتمشي من الجاهل واما في غير العباديات فالفائت عند الجهل
إنما هي مصالح الزامية نوعية أو شخصية وليس في ترك المصلحة ضرر أصلا فلا يكون الظن
بالوجوب ظنا بالمفسدة والضرر في المخالفة وأما الاحكام التحريمية فإن كان المناط فيها
مفاسد نوعية فلا يلزم من اقتحامها ضرر على المكلف وإن كان مفاسد شخصية فحيث ان
الشارع لم يوجب الاحتياط في موارد الظن بها فمن ذلك نستكشف عدم الاهتمام بها وعدم
قابليتها للملاكية في مقام الثبوت والواقع فلا يكون في مخالفة الحكم المظنون ظن بالوقوع
في الضرر وهو المفسدة أصلا ومما ذكرناه يظهر عدم لزوم التدارك من الشارع المرخص في
الموارد المشتبهة فإن ترخيصه وعدم ايجابه الاحتياط إنما هو لأجل عدم اقتضاء المناطات لذلك
الجعل وقصورها في أنفسها فلا يستند الفوت إلى الشارع حتى يجب عليه تداركها هذا مضافا
إلى انا قد ذكرنا سابقا أن لزوم التدارك إنما يتصور في زمان الانفتاح في صورة واحدة وهي
ما إذا كان المناط شخصيا وكان الحكم تحريميا حتى يلزم من جعل الطريق القاء المكلف في
125

المفسدة فيحكم بلزوم التدارك بالالتزام بالمصلحة السلوكية واما إذا فرض انسداد باب العلم
كما في محل الكلام فلا يكون في فوت المناطات محذور أصلا حتى يحتاج إلى التدارك هذا كله
في بيان عدم استلزام الظن بالحكم للظن بالمفسدة واما بيان عدم استلزامه الظن بالعقاب فتوضيحه
ان العقاب إذا كان من لوازم مخالفة نفس الحكم الواقعي فلا ريب ان الظن به يكون ملازما
للظن بالعقاب لا محالة وأما إذا كان العقاب متفرعا على المعصية ومخالفة الحكم المنجز فلا وحيث إن
المفروض عدم قيام الدليل على حجية مطلق الظن ومنجزيته فلا يكون هناك ظن بالعقاب
أصلا (ثم) ان في كلمات شيخنا العلامة الأنصاري (قده) مواقع للنظر لا بأس بالإشارة إليها
(الأول) ما افاده بقوله اللهم (الخ) من احتمال عدم جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان مع
الظن بالوجوب والحرمة وتبعه على ذلك المحقق صاحب الكفاية (قده) وفيه ان الظن ما لم يثبت
حجيته وطريقته كما هو المفروض لا يكون بيانا ومع عدم بيانيته لا يكون مانع عن جريان
القاعدة أصلا (وبالجملة) موضوع القاعدة ليس هو الشك بل كل ما لا يكون حجة وبيانا فالظن
الذي لا يكون حجة يجري عليه حكم الشك ويحكم معه العقل بقبح العقاب بلا بيان (الثاني) ما
افاده بقوله فالأولى أن يقال إلى (الخ) فإنه التزم (قده) بملازمة الظن بالحكم مع الظن بالمفسدة
لكنه (قده) التزم بالتدارك وجريان الأصل في مورده وفيه ما عرفت من عدم الملازمة بين
الظنين وعدم الاحتياج إلى الالتزام بالتدارك أصلا (الثالث) ما افاده في آخر كلامه من أن
الضرر المظنون يتدارك بالأدلة الظنية الدالة على البراءة أو الاستصحاب (وفيه) انه لا يعقل
الجمع بين قاعدة وجوب دفع الضرر المظنون وبين التدارك اللازم من جريان الأصول النافية
فإنه مع تسليم كون المورد من موارد القاعدة وحصول الظن بالعقاب لا يمكن جريان الأصول
حتى يترتب عليها التدارك كما أنه مع عدم تسليم كونه من مواردها لا وجه للالتزام بالتدارك
فالالتزام بهما مستلزم للجمع بين النقيضين (الوجه الثاني) انه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح
على الراجح وهو قبيح وفيه انه أحد مقدمات دليل الانسداد ولا يترتب عليه اثر إلا بعد ضم
بقية المقدمات إليه فلا يكون وجها آخر في قباله (الوجه الثالث) انا نعلم اجمالا باحكام كثيرة
ومقتضى ذلك وإن كان هو الاحتياط الا ان استلزامه العسر المرفوع في الشريعة أوجب
التنزل إلى الظن (وفيه) ان ذلك أيضا بعض مقدمات دليل الانسداد ولا يترتب عليه
بخصوصه مع عدم ضم بقية المقدمات إليه اثر أصلا (الوجه الرابع) هو الدليل المعروف
126

بدليل الانسداد وهو مؤلف من مقدمات يترتب عليها حكم العقل بلزوم كون الظن حجة
شرعية الذي هو معنى الكشف أو حكم العقل بلزوم الإطاعة الظنية الذي هو من
صغريات كلي حكم العقل بوجوب الإطاعة الواقع في سلسلة معلولات الحكم الشرعي
وهذا معنى الحكومة والاختلاف بين الكشف والحكومة انما هو من جهة الاختلاف في
تقرير المقدمات كما سيتضح إن شاء الله تعالى (المقدمة) الأولى دعوى انسداد باب
العلم والعلمي في معظم الأحكام الشرعية وهذه هي عمدة مقدماته وتصديق هذه المقدمة
وتكذيبها انما يعلم بالرجوع إلى ما ذكرناه سابقا في وجه حجية الظواهر وسند الاخبار الموثوق
بها فإن تم ذلك فلا تصل النوبة إلى مقدمات الانسداد فجريان مقدمات الانسداد فرع
المنع عن حجية الظهور أو عن حجية سند الاخبار على سبيل منع الخلو ومع تسليمها كما هو المختار
لا تصل النوبة إلى حجية الظن المطلق بدليل الانسداد والعجب من المحقق القمي (قده)
وبعض من تبعه حيث ذهبوا إلى حجية الظن المطلق بدليل الانسداد ولو مع تسليم حجية الظواهر
وسند الاخبار مدعيا بأن حجيتهما انما هي لأجل كونهما ظنا لا لخصوصية فيهما وفيه (أولا)
ان هذا احتمال لا يعتمد عليه في قبال ظواهر الأدلة (وثانيا) ان لازم ذلك هو دعوى ان
الدليل الدال على حجية الخبر يدل على حجية كل ظن وأين ذلك من دليل الانسداد ثم لا يخفى
ان المحقق صاحب الكفاية (قده) زاد في المقدمات مقدمة أخرى وجعلها المقدمة الأولى
وهي العلم ببقاء التكاليف حال الانسداد زعما منه ان الترتيب الطبيعي يقتضي ذلك إذ لولا
العلم ببقاء التكاليف لما كان مجال لدعوى الانسداد ابدا وهذا منه (قده) عجيب فإنه ان
أراد من العلم ببقاء التكاليف عدم نسخ الشريعة وبقاء احكامها إلى يوم القيامة فهو من ضروريات
الدين ومن الأمور المسلمة في المقام فلا معنى لجعلها من المقدمات والا فليجعل اثبات الصانع
والنبوة من المقدمات أيضا وان أراد منه لزوم التعرض لها في فرض الانسداد وعدم جواز
إهمالها فهي عين المقدمة الثانية وليست في قبالها مقدمة أخرى (فالأولى) جعل المقدمات أربع كما
صنعه العلامة الأنصاري (قده) (المقدمة الثانية) انه يجب التعرض لامتثال الأحكام الواقعية
وعدم جواز اهمالها وهذه المقدمة لها مدارك ثلاثة (الأول) الاجماع القطعي من العلماء على أن المرجع
على تقدير إنسداد باب العلم ليس هو الرجوع إلى أصالة البراءة أو أصالة العدم وليس دعوى
الاجماع في المقام مبنية على مشاهدة كلماتهم في هذا المقام ضرورة ان مسألة الانسداد من
127

المسائل الحادثة وقل من تعرض لها وانما هي مبتنية على فهم ذلك من مطاوي كلماتهم ومعلومية
مذاقهم وقد تعرض شيخنا العلامة الأنصاري (قده) لاستفادة ذلك من موارد كلماتهم
فراجع (فإن قلت) سلمنا قيام الاجماع على عدم جواز اهمال الوقائع المشتبهة على
تقدير الانسداد لكن ذلك ليس إلا اجماعا تقديريا وأي فائدة تترتب على الاجماع
التقديري (قلت) الاجماع ليس تقديريا وإنما التقدير في المجمع عليه وهو عدم جواز الاقتصار
على القطعيات واهمال الوقائع المشتبهة في فرض الانسداد وليس التقدير في هذا الحكم إلا
كالتقدير في تمام الأحكام الشرعية المعلقة على وجود موضوعاتها كما هو شأن القضايا الحقيقية فحال
الاجماع في المقام في كونه كاشفا قطعيا عن الحكم الشرعي كحال بقية الاجماعات من دون
خصوصية في المقام أصلا (الثاني) لزوم الخروج من الدين من الاهمال ولا نعني بذلك الارتداد
بل المراد منه ان من لا يتعرض لامتثال الأحكام الشرعية بوجه يعد في نظر أهل الديانة
غير مبال بالدين وخارجا عن ربقته وهذا المحذور محذور شرعي لا يدور مدار حرمة المخالفة
القطعية (الثالث) لزوم المخالفة القطعية من الاهمال وعدم التعرض لامتثال الاحكام المعلومة
وهذا الوجه يبتنى على القول بمنجزية العلم الاجمالي اما مطلقا أو بالقياس إلى حرمة المخالفة
القطعية فقط ولا يخفى انا لو استندنا في ابطال الاهمال وعدم التعرض لامتثال الاحكام بوجه
إلى أحد الوجهين السابقين الذين مدركهما حكم الشرع بذلك فيكون ذلك أساسا للكشف
فإن حكم الشارع بذلك يوجب جعل الطريق لا محالة واما إذا كان المستند هو حكم العقل
بوجوب الموافقة القطعية للعلم الاجمالي فيكون ذلك أساسا للحكومة وحكم العقل بوجوب الإطاعة
الظنية عند عدم التمكن من الإطاعة القطعية نعم إذا كان المستند هو حكم العقل بحرمة
المخالفة القطعية فقط من دون بناء على وجوب الموافقة القطعية أيضا كما هو أحد الأقوال في
مسألة العلم الاجمالي فلا يكون لهذه المقدمة ارتباط خاص بخصوص الكشف أو الحكومة
وتجتمع مع كل واحد منهما * (المقدمة الثالثة) * عدم جواز الرجوع إلى الطرق المقررة للجاهل
من التقليد أو الرجوع إلى أحد الأصول الأربعة اما عدم جواز التقليد فواضح ضرورة انه من
شأن الجاهل والمفروض ان القائل بالانسداد ربما يكون في أعلى مراتب الاجتهاد ويرى خطأ
من ذهب إلى انفتاح باب العلم أو العلمي وليس الحكم بوجوب رجوعه إلى الغير إلا من باب
الحكم برجوع العالم إلى الجاهل في نظره واما عدم جواز الرجوع إلي البراءة فقد ظهر من المقدمة
128

الثانية وهو عدم جواز اهمال الوقائع المشتبهة واما الرجوع إلى الاستصحابات المثبتة للتكليف فهو
مع أنه على تقدير صحته لا يترتب عليه فائدة في المقام ضرورة قلة الاستصحابات المثبتة في
الفروع الفقهية جدا فلا يكون ضمها إلى القطعيات موجبا لانحلال العلم الاجمالي غير صحيح
في نفسه لما مرت إليه الإشارة وسيجئ في محله إن شاء الله تعالى من أن الأصول التنزيلية
كالاستصحاب لا يمكن اجراءها في مورد العلم الاجمالي بخلافها وان لم يلزم منه مخالفة عملية
وليس المحذور من الجريان هو لزوم التناقض في المدلول المختص بخصوص الاستصحاب كما افاده
العلامة الأنصاري (قده) بل المحذور ما ذكرناه من منافاة التنزيل مع العلم الوجداني بالخلاف
فإذا علم بطهارة أحد الإنائين المعلوم نجاستهما سابقا فلا يمكن الحكم بالبناء على بقاء نجاستهما
ولو لم يكن هناك مخالفة عملية ومن ذلك يظهر عدم جواز الرجوع إلى الاستصحابات النافية
للتكليف أيضا مع أنه فيها محذور لزوم المخالفة القطعية أيضا وللمحقق صاحب الكفاية (قده) في
المقام كلام يرجع حاصله إلى المنع عن مانعية العلم الاجمالي عن جريان الاستصحاب في الأطراف
ما لم يلزم المخالفة القطعية منه أولا ولو سلم مانعيته عنه في غير المقام فيمنع عن مانعيته في المقام
ثانيا بتقريب ان العلم الاجمالي بمخالفة بعض الأصول المثبتة للواقع انما هو باعتبار مجموع
الاحكام ومن الضروري ان شك المجتهد بالإضافة إليها ليس فعليا وانما يكون الشك كذلك
في كل مسألة مسألة وليس في خصوصه علم بالمخالفة حتى يكون مانعا عن جريان الاستصحاب ثم
أفاد بعد ذلك ان ضم الأصول المثبتة إلى القطعيات ربما يوجب انحلال العلم الاجمالي فلا يكون
مانع من جريان الأصول النافية أيضا ولا يخفى ان ما ذكره أولا يبتنى على أن يكون المانع من
جريان الأصول في الأطراف ما ذكره العلامة الأنصاري (قده) من أن شمول أدلة الأصول
لأطراف المعلوم بالاجمال يستلزم التناقض في مدلولها ضرورة ان الشك المذكور في صدر رواية
الاستصحاب كما يعم الشك المقرون بالعلم الاجمالي كذلك اليقين المذكور في ذيلها المعلق عليه
ناقضية اليقين السابق يعم اليقين الاجمالي فيلزم من ذلك الحكم بجريان الاستصحاب في كل
من الأطراف مع الحكم بعدم الجريان في الواحد لا بعينه وهذا هو محذور لزوم التناقض في المدلول
(وأورد) عليه في الكفاية بما حاصله ان عدم شمول الرواية المشتملة على الذيل المذكور لأطراف
العلم الاجمالي لما ذكر من المحذور لا يستلزم عدم شمول بقية الروايات الغير المشتملة عليه ضرورة ان
اجمال أحد الدليلين لا يوجب سرايته إلى الأدلة الأخر فبمقتضى الروايات العارية عنه يحكم
129

بجريان الاستصحاب في الأطراف ما لم يلزم منه مخالفة عملية وأنت خبير بأن ما افاده العلامة
الأنصاري (قده) من المحذور مع اختصاصه بخصوص الاستصحاب وعدم جريانه في غيره
من الأصول التنزيلية غير تام في نفسه فإن الظاهر أن اليقين الناقض لا بد وان يرد على مورد
اليقين السابق ومن الواضح ان اليقين الاجمالي ليس كذلك فان متعلق اليقين السابق هو
كل واحد من الأطراف ومتعلق اليقين اللاحق الاجمالي هو الواحد لا بعينه فلا يكون مثل هذا
ناقضا لكل واحد من الايقان المتعلق كل منها بكل واحد من الأطراف بل المحذور من عدم
الشمول هو ما عرفت من أن الأصول التنزيلية حيث إنها منزلة منزلة العلم الطريقي فلا يمكن
التعبد بها مع العلم الوجداني بالخلاف فكيف يمكن البناء على نجاسة كل من الاناءين المعلوم طهارة
أحدهما لا بعينه وهذا لا يفرق فيه بين الاستصحاب وغيره من الأصول المتكفلة للتنزيل (وأما)
ما أفاده قدس سره ثانيا من عدم المانع من جريان الأصول المثبتة في المقام لعدم فعلية الشك في
تمام الأطراف حتى يكون العلم الاجمالي بمخالفة بعضها للواقع موجبا لسقوط الجميع (فتوضيح)
بطلانه يتوقف على بيان أمر وهو ان الاستصحاب (تارة) يجري في الشبهات الموضوعية (واخرى)
في الشبهات الحكمية من جهة احتمال النسخ (وثالثة) في الشبهات الحكمية من جهة تغيير بعض
حالات الموضوع كما في الماء المتغير الزائل تغيره من قبل نفسه المحكوم بالنجاسة من جهة
الاستصحاب أما الاستصحاب في (القسم الأول) فجريانه لا يتوقف على شك المجتهد وإنما يدور
مدار فعلية الشك من المقلد مع وجود الموضوع الخارجي مثلا لا بد أن يكون في الخارج ماء
يقطع المكلف بنجاسته ثم يشك في نجاسته حتى يحكم بنجاسته للاستصحاب وليس شأن المجتهد
في أمثال تلك الشبهات الا الحكم بجريان الاستصحاب عند فعلية الشك من المكلفين واما جريان
الاستصحاب في (القسم الثاني) فمداره هو شك المجتهد ليس الا وليس من شأنه عند الشك في
النسخ الا الحكم بالبقاء من دون حاجة إلى وجود موضوع في الخارج أو فرض وجوده فيه
وجريان هذا القسم من الاستصحابات كالقسم الأول خارج عما هو محل الكلام في المقام من
جريان الأصول المثبتة واما (القسم الثالث) فلا ريب ان جريان الاستصحاب فيه والحكم
بنجاسته الماء المذكور مثلا فرع فعلية الشك من المجتهد وفرض وجود ماء خارجي متغير زال
عنه تغيره من قبل نفسه من دون توقف على وجود ماء كذلك في الخارج أو شك المقلد فيه
(والوجه) في ذلك ان شأن المجتهد انما هو الافتاء بما استنبطه من الاحكام وشأن المقلد هو اتباع
130

رأيه وفتواه فكما انه عند الشك في إرادة خلاف الظاهر يفتى على طبق الظاهر ويجب على
المقلد ابتاعها وان لم يحصل له شك في ذلك بل كان غافلا محضا فكذلك عند الشك في بقاء
الحكم الكلي مع تبدل بعض الحالات يفتى ببقاء الحالة السابقة ويجب على المقلد اتباعها فشك
المجتهد في بقاء مثل هذا الحكم يساوق شك عموم المكلفين في ذلك إذ شكه في ذلك موجب
لافتائه بالبقاء الواجب اتباعها عليهم وما يقال من أن المجتهد نائب عن المقلدين في الشك المذكور
وفي جريان الاستصحاب في حقه كلام لا معنى له بل الوجه في الجريان هو ما ذكرناه ليس
إلا " إذا عرفت ذلك فنقول " لا ريب أن حكم المجتهد بنجاسة الماء المذكور يتوقف على فعلية شكه
كما عرفت واما علمه بان هناك احكام كلية ثابتة على موضوعاتها المقدر وجوداتها وعلمه بان بعض
تلك الموضوعات ربما يتغير بعض حالاتها وان وظيفته هو اجراء الاستصحاب في تلك الموارد
فهو لا يتوقف على وجود شك وفعلية استنباط أصلا بل هو حاصل للمجتهد من أول الأمر وفي
عرض هذا العلم يعلم علما اجماليا أيضا بان جملة من تلك الموارد التي لا بد وان يفتى فيها بالاستصحاب
مخالفة للواقع أو ان هناك امارات معتبرة قائمة على خلافها وإذا كان كذلك فحيث ان الأحكام الشرعية
كلها في عرض واحد والتدريجية انما هي في الاستنباط فأول مسألة يشك المجتهد فيها
لا يمكن له ان يفتي فيها بالحكم بمقتضى الاستصحاب إذ نسبة العلم الاجمالي إلى الجميع على
حد واحد وان لم يكن الشك في الجميع فعليا (وبالجملة) تدريجية الاستنباط واستفادة الحكم
الشرعي من الأدلة لا ربط لها بتدريجية نفس الأحكام الشرعية ومع علم المجتهد بان جملة من
استنباطاته تكون مخالفة للواقع أو للدليل المعتبر على خلافها لا يمكن له الفتوى في أول
مسألة يقوم فيها مقام الاستنباط (هذا) مع أنه لو لم يكن هذا العلم الاجمالي مانعا عن اجراء الأصول
المثبتة لما كان مانعا عن اجراء الأصول النافية أيضا فان المخالفة القطعية المانعة عن جريانها انما
تكون كذلك فيما إذا كان الشك في تمام الأطراف فعليا ومع عدمه لا مانع من اجرائها كما هو
المفروض فلا وجه للتفكيك بين الأصول المثبتة والنافية كما هو واضح " ثم " ان ما افاده قده من احتمال
انحلال العلم الاجمالي بضم الأصول المثبتة إلى القطعيات يرد عليه (أولا) ما أشرنا إليه من أن الأصول
المثبتة في غاية القلة والندرة فيكف يمكن أن يكون ضمها إلى القطعيات موجبا لانحلال العلم
الاجمالي (وثانيا) لو سلمنا انحلال العلم الاجمالي بالأحكام الواقعية بضمها إلى القطعيات لكونها
بقدرها لكن العلم الاجمالي بوجود احكام كثيرة في الامارات الموجودة بأيدينا يستحيل انحلاله
131

بضم الأصول المثبتة إلى القطعيات ضرورة وجود هذا العلم الاجمالي بعد اجراء الأصول المثبتة
أيضا واما الاحتياط فله مراتب ثلاث (الأولى) الاحتياط الموجب لاختلال النظام (الثانية)
الاحتياط الموجب للعسر والحرج (الثالثة) الاحتياط الغير الموجب لشئ منهما ويختلف الحال باختلاف
المدرك في ابطال الاهمال وعدم التعرض لامتثال الأحكام الشرعية رأسا فانا إذا بنينا على بطلان
ذلك من جهة الاجماع أو لزوم الخروج من الدين حتى يكون البطلان مستند إلى الدليل الشرعي
فلا محالة يكون الاحتياط على تقدير وجوبه واجبا شرعيا بحكم العقل إذ هو الطريق الواصل
بنفسه أولا والمحرز للواقعيات من دون احتياج إلى معين آخر لكن من المعلوم ان العقل لا
يستقل بوجوبه شرعا فيما إذا لزم منه اختلال نظام وهو الاحتياط الكلي في المظنونات والمشكوكات
والموهومات واما المرتبة النازلة منه الموجبة للعسر والحرج فأدلة نفي الحرج وان لم تكن رافعة
لوجوب تلك المرتبة شرعا لما أشرنا إليه في بعض المباحث السابقة من أن أدلة الحرج انما تكون
حاكمة على الأحكام المجعولة ويرفعها عن الموارد الحرجية وهي غير متكفلة لاثبات عدم جعل
حكم حرجي في الشريعة كليا والحاصل ان مفاد تلك الأدلة تضييق دائرة الأحكام المجعولة
لا نفي جعل الحكم الحرجي رأسا الا ان هذه المرتبة أو ما دونها الغير الموجب للعسر والحرج
أيضا ليس طريقا واصلا بنفسه لتردد العقل بين وجوب هذه المرتبة من الاحتياط أو حجية
الظن شرعا فلا يستقل العقل بشئ من الامرين من دون معين خارجي واما إذا بنينا على بطلان
الاهمال من جهة العلم الاجمالي ووجوب الموافقة القطعية عقلا فمن الضروري عدم استقلال
العقل بذلك مع استلزامه للاختلال (وهل) يستقل به مع استلزامه العسر والحرج أم لا الذي
يظهر من المحقق صاحب الكفاية (قده) تفرع ذلك على الاختلاف في معنى لا حرج فإنه
إذا كان معناه نفي الحكم الحرجي بمعنى ان كل حكم ينشأ من قبله الحرج غير مجعول في
الشريعة فالاحكام الموجودة في أطراف العلم الاجمالي حيث أن الحرج ناشئ من قبلها فلا محالة
تكون مرفوعة ولا يجب الاحتياط مراعاة لها وأما إذا كان معناه نفي الحكم بنفي الموضوع
كما هو مختاره (قده) فلا يكون لأدلة الحرج حكومة في المقام فإن الموجب للحرج هو الجمع بين
المحتملات وهذا غير محكوم بحكم شرعي حتى يكون مرفوعا والمحكوم بالحكم الشرعي
انما هي الموضوعات المشتبهة المرددة بين الأطراف وهي ليست بحرجية حتى تكون أحكامها
مرتفعة (وبالجملة) أدلة نفي الحرج انما تكون حاكمة على الأحكام الشرعية دون الأحكام العقلية
132

والموجب للعسر في المقام هو موضوع الحكم العقلي دون الشرعي (وأنت خبير) بفساد ذلك أما
(أولا) فلان مفاد أدلة نفي الحرج وان سلمنا أنه نفي الحكم بنفي موضوعه الا أنه لا اشكال في
حكومتها على الأحكام الشرعية وأنها تنفي كل حكم شرعي يكون موضوعه حرجيا بل لو لم
نقل بالحكومة لقدمت عليها أيضا بالأظهرية وحينئذ فمقتضى تلك الأدلة ان الموارد المحتملة التي يلزم
من الاحتياط فيها حرج يكون الحكم الشرعي في تلك الموارد على تقدير وجوده فيها
مرفوعا ويكون نتيجة ذلك هو التكليف المتوسط باتيان مقدار من المحتملات وترك المقدار
الزائد الموجب للعسر والحرج (وتوضيح ذلك) ان حال الحرج في رفعه للأحكام الشرعية حال
الاضطرار في رفعه لها من دون فرق بينهما الا في أن الحرج لكونه رافعا شرعيا يمكن أن
يكون رافعا لملاك الحكم أيضا وهذا بخلاف الاضطرار فإنه لا يرفع الأنفس الحكم دون ملاكه
وسيجئ في مسألة الاضطرار إلى بعض أطراف العلم الاجمالي أن الاضطرار إذا كان إلى
بعض معين من الأطراف فإن كان قبل العلم الاجمالي بوجود التكليف بين الأطراف فلا
أثر للعلم الاجمالي أصلا وأما إذا كان بعده فيكون حال الاضطرار حال الفقدان في لزوم
الاجتناب عن الطرف الغير المضطر إليه ضرورة ان مقتضى الاضطرار هو ارتفاع الحكم عما اضطر
إليه على تقدير وجود الحكم فيه لا مطلقا وأما الاضطرار إلى الغير المعين فلا يفرق فيه بين سبقه
على العلم الاجمالي أو تأخره عنه في أن مقتضاه هو المعذورية في مخالفة الحكم الواقعي إذا صادف
مورده للطرف المختار لا مطلقا مثلا إذا علم بوجود النجاسة بين أحد الإنائين وفرض
اضطرار المكلف إلى شرب واحد منهما فمقتضى الاضطرار أن الاناء الذي يختار المكلف شربه
خارجا إذا كان في الواقع هو الاناء النجس فلا محالة يكون المكلف معذورا في مخالفته وأما
إذا كان النجس هو الاناء الآخر فلا موجب لمعذورية المكلف في ارتكابه ضرورة أنه لا يحتمل
اضطرار المكلف إلى شرب النجس في المثال وانما يحتمل مصادفة ما يختاره في الخارج مع الاناء
المتنجس ولازم ذلك هو المعذورية في فرض المصادفة لا مطلقا وهذا هو التكليف المتوسط من
حيث التنجز وكذلك الحال في الحرج فإذا كان رعاية المعلوم بالاجمال في بعض الأطراف
حرجيا فلازم ذلك هو معذورية المكلف عن مخالفة الاحكام الموجودة في تلك الموارد لا مطلقا
مثلا إذا علم بوجود تكاليف بين الموارد المظنونة والمشكوكة والموهومة والمفروض أن رعاية
العلم الاجمالي في تمام تلك الأطراف مستلزمة للوقوع في العسر والحرج فلازم ذلك هو ترك مقدار
133

يرتفع به الحرج ليس الا إذ لو كان التكاليف في تلك الموارد لكان المكلف معذورا في مخالفتها
وأما إذا كانت في غيرها فلا موجب للمعذورية كما في الاضطرار بعينه وهل لزوم الحرج في المقام
من رعاية العلم الاجمالي مطلقا من قبيل الاضطرار إلى الواحد لا بعينه أو من قبيل الاضطرار
إلى المعين نظرا إلى ضعف الاحتمال في طرف الموهومات فيه كلام علمي لكنه لا يترتب عليه اثر
في المقام ضروة انه لو كان من قبيل الاضطرار إلى المعين أيضا لا بد من رعاية العلم الاجمالي
في الجملة فان الحرج غير سابق على العلم الاجمالي حتى يكون مانعا عن تأثيره كما في الاضطرار
بعينه نعم يختلف رافعية الحرج للتكليف في الجملة بين كون بعض معين من الأطراف حرجيا
وبين غيره في أن رافعيته في الصورة الأولى رافعية واقعية وموجبة لارتفاع الحكم الواقعي
عن مورد الحرج والاضطرار وهذا بخلاف الصورة الثانية فان الرافعية في تلك الصورة رافعية
ظاهرية وموجبة لمعذورية المكلف في مخالفة التكليف الواقعي الموجود في الطرف المختار فوجود
التكليف المتوسط وإن كان مشتركا بين الصورتين الا أن ارتفاع الحكم في إحديهما واقعي وفي
الأخرى ظاهري فتحصل أن أدلة الحرج وان لم تكن لها حكومة على الحكم العقلي بوجوب
الاحتياط الا أنها تكفي حكومتها على الأحكام الشرعية إذا صادفت مواردها لموارد الحرج
(وثانيا) ان عدم حكومة أدلة الحرج على الأحكام العقلية مطلقا ممنوع فان الحكم العقلي إذا
كان لرعاية الحكم الشرعي ومن جهة احتمال الوجوب أو الحرمة في كل طرف مع عدم المؤمن
من هذا الاحتمال فأي مانع من مؤمنية أدلة الحرج في الموارد الحرجية ورافعيتها للحكم العقلي
بوجوب الاحتياط في تلك الموارد حتى يكون لازم ذلك هو التفكيك في وجوب الاحتياط بين
الموارد الحرجية وغيرها (والحاصل) انه لا مانع من حكومة أدلة الحرج على نفس الحكم العقلي
المعلق على عدم وجود المؤمن أولا وكفاية حكومتها على الأحكام الشرعية الموجودة في تلك
الموارد ثانيا ولازم ذلك كله هو التكليف المتوسط في التنجز فما افاده (قده) من أن شمول أدلة
الحرج للمقام لا يكون الا برفع الأحكام الواقعية المعلومة بالاجمال الناشئ من قبلها الحرج ولازم
ذلك سقوط الاحتياط رأسا شعر بلا ضرورة بل لازم شمولها هو ارتفاع الاحكام بمقدار الحرج
لا أزيد فتلخص من جميع ما ذكرناه ان الاحتياط إذا بنينا على وجوبه شرعا بناء على كون
المدرك لعدم جواز الاهمال هو الاجماع أو لزوم الخروج من الدين فالمرتبة الواصلة بنفسها منه وهو
الاحتياط الكلي المخل بالنظام غير واجب يقينا وغيرها من المراتب غير واصل بنفسه بل يحتاج
134

إلى معين آخر فيدور الامر بين التبعيض في الاحتياط وبين العمل بالظن فلا يستقل العقل بواحد
منهما من دون معين خارجي وأما إذا بنينا على وجوب الاحتياط عقلا من جهة حكمه بوجوب
الموافقة القطعية في موارد العلم الاجمالي فالاحتياط الكلي المخل بالنظام لا يكون واجبا يقينا
والمرتبة النازلة منها الموجبة للعسر والحرج لا تجب من جهة أدلة نفي الحرج بالتقريب المتقدم
فيتعين التبعيض في الاحتياط بمقدار لا يكون حرجيا ولا تصل النوبة إلى حجية الظن أصلا
(ثم) إذا فرضنا قيام الاجماع على عدم جواز الاحتياط في المشكوكات أيضا فيمكن فرضه بمعنى
أن الشارع كما لم يوجب الاحتياط في طائفة الموهومات لم يوجبه في طائفة المشكوكات
أيضا فهاتان الطائفتان تكونان خارجتين عن أطراف ما يجب الاحتياط فيه ولا يترتب عليه
حكم العقل بتعين العمل بالظن كشفا وحكومة ويمكن فرضه بمعنى أن الاجماع قام على أن بناء
الشارع في امتثالات أحكامه حال الانسداد ليس على الامتثال الاحتمالي مطلقا حتى في
المظنونات فيكون لازم ذلك هو كشف العقل عن حجية الظن حال الانسداد لا محالة (وتوضيح)
ذلك انما هو ببيان معنى الكشف والحكومة أما معنى الكشف فلا اشكال في أنه عبارة عن كشف
العقل عن جعل الشارع الظن حجة وطريقا إلى احكامه بحيث يترتب عليه ما يترتب على غيره
من الحجج الشرعية وأما معنى الحكومة فليس ما تخيله جملة من الاعلام من كونه عبارة عن حكم
العقل بكون الظن حال الانسداد كالقطع حال الانفتاح موجبا لتنجز ما تعلق به ويكون حجة
منجعلة في هذا الحال ضرورة أن ما لا يكون كذلك في حد ذاته يستحيل أن يكون كذلك
في حال من الأحوال فإن احتمال الخلاف المنافي للطريقة الذاتية المنجعلة من مقومات الظن
فكيف يمكن أن ينخلع عنه بل الحكومة عبارة عن حكم العقل عن التنزل عن الامتثال القطعي إلى
الامتثال الظني وتوضيحه أن العقل يحكم أولا بوجوب امتثال الاحكام على وجه القطع تفصيلا
ومع تعذره يتنزل إلى الحكم بوجوبه قطعيا اجماليا ومع تعذره أيضا فيحكم بوجوبه ظنيا ومع
تعذره فيحكم بوجوبه احتماليا مثلا إذا تمكن المكلف من امتثال التكليف بوجوب الصلاة إلى
القبلة قطعيا تفصيلا فيحكم بتعينه ولا يتنزل معه إلى بقية مراتب الامتثال وعند تعذره يتنزل
إلى الامتثال القطعي الاجمالي بالصلاة إلى أربع جوانب ومع تعذره أيضا يحكم بوجوب الصلاة
إلى الطرف المظنون كونه قبلة ومع تعذره يحكم بوجوب الامتثال احتماليا وحيث أن حكم العقل
في مرتبة الامتثال حكم ارشادي محض وواقع في سلسلة المعلولات فيستحيل كونه مستتبعا
135

لحكم شرعي بقاعدة الملازمة لما أشرنا إليه مرارا من أن حكم العقل المستتبع لحكم شرعي انما هو
الحكم الواقع في سلسلة علل الأحكام الشرعية دون الواقع في سلسلة معلولاته كما في المقام (وبالجملة)
ليس معنى حكومة العقل في المقام الا حكمه بوجوب الامتثال الظني عند تعذر الامتثال
القطعي بقسميه بحيث يكون المكلف بعد الاتيان ظانا بفراغ ذمته عن التكليف المعلوم ولكن
هذا لا يتحقق الا في حكم واحد كوجوب الصلاة إلى القبلة أو ما يكون في حكمه كما إذا علم
المكلف بفوات صلوات متعددة فإن الواجب عليه بحكم العقل بعد تعذر القطع بالفراغ الاتيان
بمقدار يظن معه بفراغ ذمته عن التكاليف المعلومة اجمالا وأما في مثل المقام الذي يدور أمر
التكاليف بين أن تكون في طائفة مظنونة أو طائفة أخرى مشكوكة أو في طائفة ثالثة موهومة
فلا معنى لان يكون حكم العقل بوجوب الاتيان بالمظنونات من باب حكمه بتعين الامتثال
الظني عند تعذر القطعي منه بل هو من باب حكمه بتنجز التكاليف المعلومة اجمالا في مقدار من
أطراف العلم وعدم تنجزه في مقدار آخر وأين ذلك من حكم العقل بلزوم امتثال التكليف
المنجز بالظن عند تعذر القطع وعلى ذلك فإذا تعذر الامتثال القطعي بقسميه كما هو المفروض فلا
مناص من تبعيض الاحتياط باخراج الموهومات والعمل بمقتضى العلم الاجمالي في المشكوكات
والمظنونات فإذا فرضنا قيام الاجماع على عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات فإن كان
بمعنى إخراج المشكوكات من دائرة حكم العقل بوجوب الاحتياط كما كان كذلك في الموهومات
فلا مناص من العمل بالمظنونات وتبعيض الاحتياط باخراج المشكوكات والموهومات ولا يفرق
في ذلك بين كون المدرك لعدم جواز الاهمال هو العلم الاجمالي وبين كونه الاجماع أو لزوم
الخروج من الدين أما إذا كان المدرك له هو العلم الاجمالي فلان مقتضى العلم الاجمالي هو
الاحتياط التام حتى في المشكوكات والموهومات فإذا فرض سقوطه فيهما فيتعين العمل
على طبقه في خصوص المظنونات على ما بينا الملاك فيه سابقا وأما إذا كان المدرك هو الاجماع أو لزوم
الخروج من الدين من الاهمال فلانا وان ذكرنا في الدورة السابقة وأشرنا إليه فيما مر من أن لازم
ذلك هو تردد الامر بين العمل بالمظنونات بما هي مظنونات التكليف وبين كون الظن حجة
شرعية الا أن الصحيح عدم التردد في ذلك لان الحجة الشرعية على الكشف لا بد وأن تكون
واصلة بنفسها أو بطريقها وحيث أن حجية الظن غير واصلة والاحتياط في المظنونات طريق
واصل بنفسه فلا محالة يكون الثاني متعينا وبالجملة مقتضى قيام الاجماع على عدم وجوب
136

الاحتياط في المشكوكات والموهومات هو تعين تبعيض الاحتياط برعاية التكليف في خصوص
المظنونات والغاء المشكوكات والموهومات وهذا المعنى أجنبي عن اتباع الظن حال الانسداد
كشفا أو حكومة واما إذا كان الاجماع بمعنى عدم اعتناء الشارع في حال الانسداد بالامتثال
الاحتمالي مطلقا على ما يستفاد من بعض كلمات العلامة الأنصاري (قده) فلا محالة يكون مثل
هذا الاجماع كاشفا عن ثبوت حجة شرعية في هذا الحال ضرورة ان لزوم رعاية التكاليف المعلومة
وعدم جواز اهمالها رأسا مع عدم وجوب الاحتياط ولو بنحو التبعيض لا يمكن انفكاكه عن
ذلك وإلا لكان الحكم بلزوم رعاية التكاليف المعلومة بنحو من الرعاية من باب التكليف بما لا
يطاق (والحاصل) أنه إذا بنينا على ثبوت الاجماع على عدم اعتناء الشارع بالامتثال الاحتمالي
في حال الانسداد كما هو الظاهر فلا مناص عن القول بالكشف وحكم العقل بحجية الظن في
هذا الحال وبدونه فلا بد من تبعيض الاحتياط برعاية الاحتياط في المظنونات والغاء المشكوكات
والموهومات وعلى كل تقدير فلا معنى لدعوى الحكومة وان العقل يتنزل من حكمه بلزوم الامتثال
القطعي إلى الامتثال الظني في المقام أصلا (ثم) أن العلامة الأنصاري (قده) بعد ما بنى على عدم لزوم
الاحتياط في الموهومات وحكم بتبعيض الاحتياط في المظنونات والمشكوكات ذكر أن الاجماع
على تقدير قيامه على عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات بمعنى كشفه عن عدم اعتناء الشارع
بالامتثال الاحتمالي كلا أو بعضا فلا محالة يحكم العقل بلزوم الإطاعة الظنية ليس إلا لكنه
(قده) لم يجزم بتحقق الاجماع على ذلك وإن أفاد كونه مظنونا بالظن القوي ثم أورد
على نفسه بما حاصله ان التنزل إلى لزوم الإطاعة الظنية لا يدور مدار القطع بالاجماع المذكور بل
يكفي كونه مظنونا أيضا ضرورة ان لازم ذلك هو الظن بجريان الأصول في موارد المشكوكات
وسيجئ أنه لا فرق في اعتبار الظن بين كونه متعلقا بالحكم الواقعي أو بحجية الطريق وعليه
فينحصر مورد الاحتياط بخصوص المظنونات وأجاب عن ذلك بما ملخصه ان التسوية بين
اعتبار الظن المتعلق بالحكم الواقعي أو المتعلق بحجية الطريق يتوقف على تمامية مقدمات الانسداد
التي منها بطلان الاحتياط في المشكوكات والموهومات فلو توقف تمامية المقدمات على التسوية
المذكورة لزم الدور (وحيث) ان الجواب المذكور في كلامه (قده) لم يكن خاليا عن الخدشة
الواضحة وهي أن الأصول الجارية في الشبهات المشكوكة المظنون اعتبارها اما أن تكون
مثبتة للتكاليف أو نافية لها والمفروض قيام الاجماع على عدم وجوب الاحتياط في الموهومات
137

فالتكاليف في موارد الأصول النافية بكون موهوم التنجز على تقدير وجودها وجدانا كما
انها في موارد الأصول المثبتة يكون مظنون التنجز على تقدير وجودها كذلك فالمشكوكات اما
أن تكون ملحقة بالمظنونات أو بالموهومات من دون توقف على تمامية مقدمات الانسداد
وتعميم الظن من جهة تعلقه بالواقع أو بالطريق ضرب سيد أساتيذنا العلامة الشيرازي (قده)
على الجواب المذكور وعدل عنه إلى جواب آخر كتبه (قده) بخطه في هامش الكتاب واراه
لشيخه العلامة الأنصاري (قده) فأمضاه وحاصل ذلك الجواب انكار كفاية الظن بالاجماع
المذكور في وصول النوبة إلى الإطاعة الظنية وان لازم الاجماع سواء كان قطعيا أو ظنيا
هو وجود الحجة الكافية في الفقه قطعا أو ظنا وعلى كل تقدير لا تصل النوبة إلى لزوم الإطاعة
الظنية وتوضيح ما افاده (قده) في الجواب هو ان الظن إذا كان متعلقه هو اعتبار أصل في حد
نفسه فنسلم كفاية ذلك في لحوق التكاليف المشكوكة التي هي موارد الأصول المثبتة أو
النافية بالمظنونات أو بالموهومات وأما إذا كان حجية الأصل في حد ذاته مفروغا عنها كالاستصحاب
أو أصالة البراءة ولكن كان المانع من جريانه هو العلم الاجمالي كما هو المفروض في المقام فمجرد
الظن بجريانه في مورد الشك الملازم للظن بوجود الحجة المعتبرة لا يترتب عليه إلا الظن
بانحلال العلم الاجمالي ومن المعلوم عدم كفاية الظن لاثبات الانحلال ضرورة أن جواز الاقتحام
في بعض أطراف العلم الموجب لسقوط الأصول يتوقف على وجود مؤمن قطعي (وبعبارة أخرى)
قيام الاجماع على عدم وجوب الاحتياط في الموهومات معناه عدم لزوم رعاية العلم الاجمالي
في تمام أطرافه فإذا ظن بعدم الوجوب أو بحجية أصل يكون مفاده عدم تنجز الوجوب
فمقتضى الاجماع المذكور عدم وجوب رعاية العلم الاجمالي في موردهما وأما إذا كان مفاد
الاجماع هو انحلال العلم الاجمالي الموجب لجريان الأصول في الموارد المشكوكة المفروض
سقوطها بالعلم الاجمالي فإن كان هذا الاجماع قطعيا فلا اشكال وأما إذا كان ظنيا فلا يترتب
عليه أثر أصلا ضرورة ان التكاليف الموجودة في المشكوكات وإن كانت موهوم التنجز لفرض
الظن بانحلال العلم الاجمالي الموجب للظن بجريان الأصول في المشكوكات الا أن الاجماع
القطعي على عدم لزوم رعاية العلم الاجمالي في الموهومات مورده ما إذا كان متعلق الوهم بعض أطراف العلم الاجمالي وجودا أو تنجزا لا إذا ما كان متعلقه هو انحلال
هذا العلم وعدم تنجزه اما مطلقا أو في بعض الأطراف وحينئذ فلا يبقى في المقام الا الظن بوجود
المؤمن ومن المعلوم عدم كفايته في الانحلال " ثم " انه (قده) حيث كان مبناه في مقدمات
138

الانسداد مخالفا لمبنى شيخه العلامة (قدهما) حيث إنه كان يرى أن نتيجة مقدمات الانسداد على
تقدير تماميتها هو الكشف دون الحكومة فادرج ما كان يراه في الجواب المذكور حيث أفاد ان لازم
الاجماع على عدم اعتناء الشارع بالامتثال الاحتمالي هو وجود الحجة المعتبرة فإن كان قطعيا
فلا تصل النوبة إلى حكم العقل بلزوم الإطاعة الظنية والا فمقتضى العلم الاجمالي هو الاحتياط
حتى في المشكوكات وعلى كل حال فلا موقع لحكم العقل بلزوم الإطاعة الظنية ونحن قد ذكرنا ان
قيام الاجماع على عدم وجوب الاحتياط في خصوص المشكوكات أيضا لا يستلزم الا التبعيض
في الاحتياط برعاية التكاليف في خصوص المظنونات وأين ذلك من حكم العقل بلزوم التنزل
إلى الإطاعة الظنية (ثم) ان العلامة الأنصاري (قده) حيث امضى الجواب المذكور المبني على
القول بالكشف فيمكن أن يكون ذلك منه (قده) عدولا من القول بالحكومة إلى الكشف وعلى
كل حال فقد عرفت أن القول بالحكومة لا أساس له في المقام أصلا " ثم " انا قد اوردنا في الدورة
السابقة اشكالا على ما افاده العلامة الأنصاري (قده) من كون العمل بالمظنونات إطاعة ظنية للتكاليف
المعلومة بالاجمال على تقدير قيام الاجماع على عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات أيضا بأن
رعاية التكاليف المعلومة في المظنونات واهمالها في المشكوكات لعدم وجوب الاحتياط فيها لا
يوجب الظن بالامتثال فإنا إذا احتملنا وجود تكاليف في المشكوكات وجدانا فلا محالة يكون
الامتثال برعاية التكاليف في المظنونات مشكوكا أيضا ضرورة تبعية النتيجة لأخس المقدمات
ومع ذلك كيف يمكن أن يكون رعاية التكاليف في خصوص المظنونات موجبة للظن بالامتثال
(ولكنه) لا يخفى فساد هذا الاشكال فإنه (قده) فرض قيام الاجماع على عدم وجوب الاحتياط
في المشكوكات فكل تكليف كان في مواردها لا يكون متنجزا لا محالة وعليه يكون رعاية
التكاليف المعلومة بالاجمال بالعمل بالمظنونات موجبة للظن بالامتثال كما افاده (قده) (هذا) تمام
الكلام في مقدمات الانسداد وقد عرفت انها على تقدير تماميتها لا تفيد الا حجية الظن على
الكشف أو التبعيض في الاحتياط على تفصيل ذكرناه ولا موقع للقول بالحكومة ابدا
* (وينبغي التنبيه على أمور) * (الأول) انه وقع الخلاف في أنه على القول بحجية الظن على الكشف
أو الحكومة فهل مقتضاه حجية الظن المذكور مطلقا أو تختص بما إذا كان متعلقه من الاحكام الفرعية كما
ذهب إليه جملة من تلامذة المحقق شريف العلماء قدس الله تعالى اسرارهم ولا يبعد أن يكون هو (قده)
قائلا به أيضا أو تختص بما إذا تعلق بحجية طريق أو أصل كما ذهب إليه المحقق صاحب الحاشية
139

وصاحب الفصول (قدهما) الأقوى وفاقا لشيخنا العلامة الأنصاري ومن تأخر عنه من المحققين
(قدهم) هو الأول ولا يخفى أن هذا التنبيه كان من حقه ان يؤخر عن التنبيه الثاني وهو
بيان أن نتيجة المقدمات هو الاهمال أو التعميم لكل ظن فيقال انه بعد البناء على التعميم فهل
يقيد حجية الظن بكون متعلقه حكما أصوليا أو فرعيا أو لا يختص بشئ منهما ولكن شيخنا العلامة
الأنصاري (قده) حيث قدم هذا التنبيه فتبعناه في ذلك أيضا " واستدل للقول الثالث بوجوه "
يرجع بعضها إلى دعوى الانسداد الصغير في خصوص الطريق وترتيب حجية الظن بالطريق
عليها وبعضها إلى ترتب حجية الظن بالطريق على دعوى الانسداد الكبير في الأحكام الشرعية
ونحن لا نتعرض إلا لوجهين من تلك الوجوه يرجع الأول منهما إلى دعوى الانسداد الصغير
والثاني إلى دعوى الانسداد الكبير واما بقية الوجوه فيرجع إلى هذين الوجهين (الوجه الأول)
هو الذي افاده صاحب الفصول (قده) واقتصر عليه وحاصله انا كما نقطع بوجود احكام كثيرة انسد
فيها باب العلم كذلك نقطع بانا مكلفون بالعمل بطرق مخصوصة ومرجع القطعين إلى القطع
بوجوب العمل بمؤدى تلك الطرق وحيث لا طريق لنا غالبا إلى تعيين تلك الطرق بالقطع فلا بد
من تعيين ذلك بالظن والعمل على طبقه (ولا يخفى) أن كلامه هذا لا يبتنى على دعوى تقييد الأحكام الواقعية
بكونها مؤديات الطرق الشرعية ولا على دعوى انقلاب التكليف بالواقعيات إلى التكليف
بالعمل بمؤدى الطرق الشرعية ولا على دعوى التصويب المجمع على بطلانه بل هو مبتن على دعوى
انحلال العلم بالتكاليف الواقعية بالعلم بجعل طرق خاصة وافية بمعظم الفقه وإن لم تكن
تلك الطرق واصلة إلينا ومتميزة تفصيلا وعلى ذلك كان يبتنى الدليل العقلي السابق المذكور
لحجية الخبر بدعوى الانسداد الصغير في تمييز الاخبار الصادرة عن المعصومين صلوات الله
عليهم وقد أشرنا هناك إلى أن تلك الدعوى لا تفترق عن دعوى صاحب الفصول الا في أن المعلوم
بالاجمال هناك كان خصوص الخبر والانسداد انما كان في التطبيق وهذا بخلاف المقام فإن
المعلوم بالاجمال هنا وجود طرق في الجملة والانسداد انما هو باعتبار عدم التمييز لطريقية الطريق
(وبعبارة أخرى) الشبهة في المقام حكمية وهناك موضوعية ولأجل توهم الانحلال المذكور ذهب
جماعة إلى أن الموجب للعقاب انما هو مخالفة الحجة ولو لم تكن واصلة واما مخالفة الأحكام الواقعية
التي ليس على طبقها حجة ولو كانت غير واصلة فلا توجب عقابا وحيث قد ذكرنا هناك
ان انحلال العلم الاجمالي لا يمكن الا بوصول الحجة حكما وموضوعا إذ الطريق الغير الواصل
140

في حكم العدم ولا يترتب عليه اثر أصلا فيظهر منه بطلان دعوى الانحلال في المقام أيضا
فلا حاجة إلى تطويل الكلام في الجواب وهذا الجواب الذي ذكرناه هو الذي جعله العلامة
الأنصاري (قده) خامس أجوبته وهذا هو الجواب المتين واما بقية الا جوبة المذكورة في كلامه
(قده) فكلها لا يخلو من الاشكال اما ما افاده أولا من منع نصب جعل الشارع طرقا مخصوصة
لامتثال تكاليفه وامكان ايكال ذلك إلى ما هو المتعارف بين العقلاء في امتثال الاحكام
العرفية (ففيه) ان غرض صاحب الفصول من دعوى القطع بكوننا مكلفين بالرجوع إلى طرق
مخصوصة لو كان دعوى القطع بجعل طرق مخصوصة من الشارع ابتداء لصح المنع عن ذلك
بامكان ايكال الشارع العباد إلى ما هو المتعارف بينهم كما افاده (قده) واما إذا كان غرضه
دعوى القطع بوجوب الرجوع في امتثال الاحكام إلى طرق مخصوصة وإن كانت حجية
تلك الطرق امضائية من الشارع ولم تكن مجعولة له ابتداء فدون اثبات المنع من تلك
الدعوى خرط القتاد (واما ما افاده) ثانيا من عدم العلم ببقاء تلك الطرق إلى زماننا هذا حتى
يجب تعيينها بالظن عند تعذر القطع بها فيعلم جوابه مما ذكرناه آنفا فإن الطرق التي يجب
الرجوع إليها إذا كانت طرقا عقلائية ولم تكن مجعولة للشارع ابتداء كظواهر الألفاظ والاخبار
الموثوق بها فالمنع عن بقاء تلك الطرق إلى زماننا في غاية الضعف والوهن نعم لو كان الدعوى
هو القطع بجعل الشارع طرقا ابتدائية للامتثال فللمنع عن بقاء تلك الطرق إلى زماننا مجال
واسع لكنها أجنبية عن دعوى صاحب الفصول كما عرفت واما ما افاده (ثالثا) من وجوب
الاخذ بالقدر المتيقن على تقدير تسليم العلم ببقاء تلك الطرق فيرد عليه ان القدر المتيقن من الطرق
ما افاده (قده) في بعض المقامات هو الخبر الصحيح الواجد للقيود الخمسة المذكورة في
كلامه ومثل ذلك لا يكون وافيا بمعظم الاحكام بالضرورة واما غير ذلك من الطرق
فليس فيها ما يكون قدرا متيقنا فلا بد في التعيين من الرجوع إلى الظن (واما ما افاده رابعا)
من لزوم الرجوع إلى الاحتياط في الطرق إذ هو مقدم على العمل بالظن (ففيه) ان الاحتياط
في الطرق انما هو بالعمل بمؤدى كل طريق فيؤول الامر إلى الاحتياط في الأحكام الواقعية
وقد فرضنا استلزامه للعسر المنفي في الشريعة (وبالجملة) لا يرد على ما افاده في الفصول إلا
الوجه الخامس المذكور في كلامه (قده) وحاصله منع انحلال العلم الاجمالي بالأحكام الشرعية
بالعلم الاجمالي بوجود الطرق الواقعية ما لم تكن تلك الطرق معلومة بالتفصيل حكما وموضوعا
141

وبدونه لا مجال لدعوى الانحلال كما أوضحنا ذلك سابقا (ثم) انه على تقدير تسليم دعوى
الانحلال المذكور فغاية ما تقتضيه هو اعتبار الظن بكون شئ مؤدى طريق معتبر ولو لم يكن
هناك الظن باعتبار طريق مخصوص أصلا وقلما ينفك ذلك عن الظن بالحكم الواقعي فيما يعم
به البلوى ومعه كيف يمكن ان يقال إن نتيجة الانسداد انما هو حجية الظن بالطريق ليس الا
كما هو مدعى صاحب الفصول (قده) (واما الوجه) الثاني فهو الذي افاده المحقق صاحب
الحاشية (قده) مع الوجه الأول وجملة من الوجوه التي سبق بعضها في أدلة حجية الخبر الواحد
ويأتي بعضها الآخر في وجه القول بحجية الظن المظنون الاعتبار وحاصل ما افاده (قده) دعوى
ان جريان الانسداد في نفس الاحكام لازمه هو اعتبار الظن بالطريق دون الظن بالواقع وملخص
ما افاده في وجه ذلك ينحل إلى مقدمات (الأولى) ان الواجب على المكلف أولا بعد اشتغال
ذمته بتكاليف من قبل المولى هو تحصيل العلم بحكم المولى بفراغ ذمته من تلك التكاليف
ومع عدم التمكن من تحصيل العلم بذلك فلا بد من تحصيل الظن به إذ هو الأقرب إليه
بعد تعذره (الثانية) ان العلم بالفراغ في حكم المولى وإن كان قد يكون بالعلم بامتثال تكليفه
وجدانا إلا أنه طريق عقلي إلى حكمه بالفراغ والمناط في تحصيل العلم بالفراغ في حكمه هو
اتباع الطرق التي جعلها طرقا إلى احكامه ضرورة انه مع اتباعها يحصل العلم بالفراغ في
حكمه سواء كانت تلك الطرق مصيبة للواقع أم لا ومن تأمل في أحوال السلف يقطع بأن بناءهم
في الامتثال لم يكن على تحصيل العلم الوجداني بل كان المناط عندهم هو اتباع الطرق المجعولة
لهم من قبل الشارع (الثالثة) ان تحصيل العلم بالفراغ في حكم المولى إذا كان له طريقان
عقلي وشرعي فإذا كان المكلف متمكنا منهما فلا محالة يكون في مقام الامتثال مخيرا بين
الامرين واما إذا تعذر أحدهما كما هو المفروض في المقام إذ المفروض انسداد باب العلم بالأحكام الشرعية
فلا محالة يتعين الطريق الآخر الذي كان هو المناط في الامتثال كما عرفت وحيث إن
الطرق الشرعية لا يمكن تعيينها بالقطع فلا محالة يكتفى في تعيينها بالظن واما الطريق
الآخر وهو العلم فعند تعذره لا معنى للتنزل منه إلى الظن لعدم تعقل الظن بالعلم وهذا
بخلاف الطرق الشرعية فإنها قابلة لتعلق الظن بها كما هو أوضح من أن يخفى والحاصل ان
تحصيل العلم بالفراغ انما يكون باتباع أحد الطريقين المذكورين والمفروض تعذر الطريق
العقلي بالكلية وتعذر الطرق الشرعية بوصف كونها معلومة فيتعين الظن بها في مقام الامتثال
142

فتكون النتيجة هو اعتبار الظن بالطريق دون الظن بالواقع ولكن التأمل الصادق يشهد بفساد
هذه المقدمات كلها (اما الأولى) فلما ذكرناه مرارا من أنه لا حكم للمولى في مرحلة الامتثال
والفراغ أصلا وحكمه في هذا المقام لا يكون الا ارشاديا والحاكم بالاستقلال في هذه المرحلة
هو العقل الحاكم بوجوب الإطاعة وحرمة المعصية وقد مر توضيح ذلك في جملة من المباحث
المتقدمة نعم عند الشك في حصول امتثال التكليف من جهة الشك في انطباق المأمور به على
المأتي به لا مانع عن حكم الشارع بالانطباق تعبدا كما في موارد قاعدة الفراغ أو التجاوز لكن
ذلك أجنبي عما هو محل الكلام في المقام من وجوب تحصيل العلم بالفراغ في حكم المولى
بالقياس إلى التكاليف الواقعية (واما الثانية) فلان تطبيق العمل على طبق الامارات وإن كان
كافيا في حصول الامتثال إلا أنه ليس لأجل كون مؤدى الامارات أمورا أخر في قبال
الواقعيات حتى تكون في عرضها فضلا عن أن يكون مناط الامتثال تطبيق العمل عليها بل
ذلك لأجل حكم الشارع حكما جعليا بأن مؤدياتها هي الأحكام الواقعية بجعل الهوهوية
والوسطية في الاثبات فالمناط في حصول الامتثال إنما هو تطبيق العمل على نفس الأحكام الواقعية
اما وجدانا أو لأجل حكم الشارع بكون مؤديات الطرق هي الأحكام الواقعية
(واما الثالثة) فلان الطرق الشرعية بوجوداتها الواقعية لا تتصف بالطريقية حتى تكون هي في
عرض العلم كافيا في حصول الامتثال وذلك لما ذكرناه مرارا من أن الحجة الواقعية قبل
وصولها إلى المكلف حكما وموضوعا لا تتصف بالحجية والوسطية في الاثبات وإنما تكون
كذلك بالوصول وحينئذ فما هو في عرض العلم بالواقع في كفايته في الامتثال إنما هو العلم
بالطريق لا نفس الطريق فكما انه عند تعذر العلم بالطريق يتنزل إلى الظن به على ما هو المفروض
في كلامه فكذلك عند تعذر العلم بالواقع يتنزل إلى الظن به ضرورة ان كلما كان العلم به كافيا
في فرض الانفتاح يكون الظن به كافيا في فرض الانسداد لا محالة وحيث إن اللازم في فرض
الانفتاح كان هو العلم بالواقع أو بالطريق على ما هو المصرح به في كلامه فيكون اللازم في
فرض الانسداد هو الظن بأحدهما أيضا فيكون التخصيص بخصوص الظن بالطريق خلفا واضحا
(بقي) الكلام في وجه القول باختصاص اعتبار الطريق بما إذا كان متعلقة حكما من الأحكام الواقعية
وملخصه ان الظن ان اعتبر من باب الحكومة فلا اشكال في عدم الاختصاص
بخصوص الظن بالواقع ضرورة ان هم العقل على ذلك هو الامن من العقاب المترتب على
143

مخالفة الاحكام المعلومة بالاجمال وحيث إن العمل على طبق الطريق كالعمل على طبق
الواقع في كونه مؤمنا فلا محالة يكون الظن بكل منهما موجبا للأمن عند انسداد العلم بالواقع
وبالطريق واما بناء على الكشف كما هو الصحيح فدعوى حجية الظن بالطريق تتوقف اما على
دعوى الانسداد الصغير في نفس الطرق المبنية على دعوى انحلال العلم الاجمالي بالأحكام التي
قد عرفت فسادها وأما على دعوى أن نتيجة انسداد العلم في نفس الاحكام تعم الظن بالطريق
أيضا وحيث إن النتيجة على الكشف مرددة بين أن تكون حجية خصوص الظن بالواقع أو
الأعم منه ومن الظن بالطريق فيكون الامر في الحجة دائرا بين الأقل والأكثر ومن
المعلوم ان لازم ذلك هو الاقتصار على المتيقن ليس الا (ولكنه لا يخفى) انه لا موجب لدوران
الامر في المقام بين الأقل والأكثر وذلك لما ذكرناه من أن كل ما كان تحصيل العلم به
لازما حال الانفتاح كان الظن به كافيا حال الانسداد أيضا وحيث إن العلم بالواقع
أو بالطريق لم يكن بينهما فرق حال الانفتاح لم يكن بين الظنين فرق أيضا حال الانسداد
والوجه في ذلك هو ان الاحكام التي هي مؤديات الطرق بعد جعل الشارع صفة الحجية
واعطائه الوسطية في الاثبات لها بعينها احكام واقعية فإن مقتضى جعل الهوهوية هو ذلك
لا غير وحينئذ فلا فرق بين الظن بالواقع أو بالطريق في أن متعلق كل منهما هو الحكم الواقعي
غاية الأمر ان متعلق الظن الأول هو الحكم الواقعي من دون توقف على جعل شرعي ومتعلق
الظن الثاني هو الحكم الواقعي بعد جعل الشارع الهوهوية واعطائه صفة الحجية للطريق
(التنبيه الثاني) في بيان ان نتيجة دليل الانسداد مهملة أو كلية وليعلم قبل ذلك ان الظن
الثابت حجيته بدليل الانسداد لا بد أن يكون واصلا بنفسه أو بطريقه ضرورة انه لا معنى لجعل
الوسطية والحجية لظن لا يكون واصلا ابدا ونعني بالواصل بنفسه أن يكون تعيين ذلك بنفس
جريان مقدمات الانسداد كأن تكون النتيجة حجية كل ظن في كل مسألة وبالواصل بطريقه
هو أن يكون تعين ذلك الظن محتاجا إلى أمر آخر وهذا الامر ربما يكون مقدمة يكتنف
بها مقدمات الانسداد فيثبت حجية مطلق الظن أو ظن مخصوص واخرى يكون اجراء
مقدمات الانسداد مرة أخرى بل مرات لتعيين الظن الثابت حجيته وسيتضح تفصيل ذلك
إن شاء الله تعالى (إذا عرفت ذلك) فنقول ان مبنى دعوى الكلية أو الاهمال على أن مقدمات
الانسداد التي عمدتها بطلان الرجوع إلى البراءة وعدم لزوم الاحتياط هل تجري في كل مسألة
144

مسألة بنحو العام الأصولي أو تجري في مجموع المسائل بنحو العام المجموعي فإنا إذا بنينا على
أن بطلان الرجوع إلى البراءة مدركه هو لزوم الموافقة القطعية عقلا أو الاجماع على بطلانه
من جهة كون الشبهة قبل الفحص وسيجئ في تلك المسألة أن عدم جواز الرجوع إلى البراءة
اجماعي فلا محالة يكون مقتضى ذلك هو بطلان الرجوع إليها في كل مسألة وحينئذ فإذا
بنينا على أن عدم لزوم الاحتياط كلا أو بعضا لأجل قيام الاجماع على عدم إرادة الشارع
للامتثال الاحتمالي فإنه يريد حركة المكلف في الخارج على طبق احكامها بعناوينها فلا
محيص عن الالتزام بكلية النتيجة من حيث الموارد والأسباب إذ بعد فرض سقوط الرجوع إلى
البراءة والاحتياط في كل مسألة الكاشف عن جعل حجة معتبرة فلا محالة يكون الظن
المطلق هو الطريق الواصل بنفسه فلا يفرق بين أبواب الفقه ولا بين كون الظن مثبتا
للتكليف أو نافيا له ولا بين كون الأصل الجاري في المسألة مع قطع النظر عن حجية الظن
من الأصول المثبتة أو النافية ولا بين كون الحكم المظنون من الأحكام الوضعية أو التكليفية
فإن المفروض أن الشارع لم يهمل احكامها كلية ويريد الحركة على طبقها بعناوينها فيكون حال
الظن المطلق على ذلك حال الظن الخاص الغير المختص حجيته بمورد مخصوص واما بحسب
المراتب ففيه اهمال فإن الظن الاطمئناني إذا كان وافيا بمعظم الفقه بحيث يكون الباقي داخلا
في الشبهات البدوية فلا موجب لكشف حجة غيره كما لا يبعد أن يكون الامر كذلك
فإن عمدة ما يعتمد عليه في الفقه هو الخبر الواحد الصحيح القدمائي والظهور والظن الحاصل
منهما ظن اطمئناني وهما وافيان بمعظم الفقه وأما الظنون الحاصلة من بقية الامارات كالشهرة
والاجماع المنقول وغيرهما فمن جهة عدم بلوغها لمرتبة الاطمئنان لا يمكن استكشاف حجيتها
نعم إذا كان مدعي الاجماع ممن يحصل الوثوق من قوله فلا بأس بحجيته أيضا لكنه قليل جدا
ولا يثبت به حجية الاجماع المنقول مطلقا واما إذا فرضنا عدم كفاية الظن الاطمئناني بمعظم
الفقه فلا بد من التعميم لمطلق الظن إذ التنزل إلى ما دونه من المراتب الأقرب فالأقرب فيه
عسر واضح ضرورة ان تمييز الظن الاطمئناني عن غيره وإن كان واضحا الا ان التمييز بين
غيره من المراتب عسر جدا فبعد البناء على عدم الاقتصار على الظن الاطمئناني لا بد من
التعميم لمطلق الظن (فإن قلت) إذا بنيت على بطلان الرجوع إلى البراءة في كل مسألة وعدم
إرادة الشارع للامتثال الاحتمالي الكاشف عن جعل حجة معتبرة فلا بد وأن يكون الحجة
145

المعتبرة موجودة في كل مسألة سواء كان فيها ظن اطمئناني أم لا ومع ذلك فتخصيص الحجة
بخصوص الظن الاطمئناني إذا كان وافيا بالفقه بلا موجب (قلت) بطلان البراءة في كل مسألة
وعدم إرادة الشارع الامتثال الاحتمالي فيها لا يقتضي جعل الحجة في تمام تلك المسائل
وإنما مقتضاهما هو جعل الحجية الكافية باحكامه وفي موارد عدمها لا مانع عن الرجوع إلى
الأصل الجاري في تلك المسألة ضرورة أن بطلان الرجوع إلى البراءة وعدم إرادة الشارع
للاحتياط إنما هو مع عدم الحجة الوافية ومع وجودها وانحلال العلم الاجمالي لا مانع عن ذلك
كما إذا ثبت حجية ظن بالخصوص ولكن الانصاف أن مبنى حجية الظن حال الانسداد إذا
كان هو الاجماع على بطلان الاحتياط فإذا فرضنا قيامه على ذلك في كل مسألة فلا بد من
كون المحرز للحكم الشرعي في كل مسألة هو الحجة الشرعية في تلك المسألة ومع ذلك فالتخصيص
بخصوص مرتبة الاطمئناني من الظن يحتاج إلى دليل مفقود في المقام فالتحقيق ان يقال أن
قيام الاجماع على عدم إرادة الشارع للامتثال الاحتمالي الكاشف عن وجود حجة معتبرة إنما
يكون مفيدا مع وجود تلك الحجة في المسألة ومع تعذرها فلا بد من الرجوع إلى الأصل في
تلك المسألة لا محالة من دون فرق بين كون الحجة المعتبرة خصوص الظن الاطمئناني أو
مطلق الظن وحينئذ فالمتبع إنما هو مقدار معقد الاجماع سعة وضيقا فإن كان معقد الاجماع
هو عدم إرادة الشارع للامتثال الاحتمالي مطلقا بنحو العام الأصولي فلا مناص عن القول بحجية
مطلق الظن والرجوع إلى الأصل مع عدمه لكن اثبات الاجماع بهذا النحو في غاية الاشكال
(وان قلنا) ان معقد الاجماع هو بطلان الاحتياط في الجملة بنحو العام المجموعي كما هو الظاهر
(فغاية) ما يترتب عليه هو حجية الظن في الجملة فلا يكون دليل على حجية غير الاطمئنان من
الظن فيكون العقل مستقلا بحجية الظن الاطمئناني من أول الأمر إذا كان وافيا بالفقه وعلى
كل حال فلا تكون النتيجة مهملة بل يستقل العقل بحجية مطلق الظن على تقدير و بحجية
خصوص الظن الاطمئناني على تقدير آخر وأما بيان الملاك في الوفاء بمعظم الاحكام وعدمه
فسيجئ عن قريب إن شاء الله تعالى (فاتضح) أنه مع البناء على بطلان الرجوع إلى البراءة في كل
مسألة وفرض قيام الاجماع على عدم الاحتياط لا مناص عن القول بكلية النتيجة من غير
جهة المرتبة وأما من جهتها فلا بد من الالتزام بحجية خصوص المرتبة الاطمئناني من الظن مع
كونه وافيا والا فيتعدى إلى مطلق الظن (كما اتضح) أن مبنى بطلان الرجوع إلى البراءة
146

هو لزوم الموافقة القطعية كما هو المختار عندنا وعند العلامة الأنصاري (قده) أو الاجماع على
ذلك من جهة الاجماع على وجوب الفحص عدم جواز اجراء البراءة قبله لا ما افاده المحقق
القمي (قده) من عدم الدليل على البراءة مع الظن بالخلاف فإن الظن الغير الثابت حجيته
في حكم الشك ويجري البراءة في مورده أيضا فما افاده (قده) انما يتم بعد جريان مقدمات
الانسداد واثبات حجية الظن ولا يصح اخذه في مقدمات الانسداد لاثبات حجية الظن
وكيف كان فاثبات الكلية يتوقف على الامرين المذكورين وأما إذا بنينا على أن بطلان
الرجوع إلى البراءة لأجل لزوم الخروج عن الدين الغير الجاري في كل مسألة أو على أن
بطلان الاحتياط لأجل لزوم الحرج فمقتضى ذلك وإن لم يكن اعتبار الظن لا بنحو الحكومة
ولا بنحو الكشف لما عرفت من أن لازمه تبعيض الاحتياط ليس إلا لكنه إذا بنينا على
انتاج تلك المقدمات لحجية الظن محالا فهل النتيجة تكون مهملة أو مطلقة (فنقول) اما من
حيث المرتبة فلا اشكال في استقلال العقل باعتبار خصوص الظن الاطمئناني دون غيره بناء
على الحكومة ضرورة أن العقل لا يتنزل عند تعذر القطع بالامتثال إلى مطلق الظن مع التمكن
من تحصيل الاطمئنان وأما على الكشف فالنتيجة مهملة ولا يمكن للعقل استكشاف حجية
غيره مع كونه وافيا بمعظم الفقه وسيظهر حال الوفاء وعدمه عند التعرض لبيان الملاك فيه إن
شاء الله تعالى (وأما) من حيث الأسباب فلا ريب في عدم الفرق بينها على الحكومة لعدم
خصوصية لسبب مخصوص عنده وإنما همه تحصيل الفراغ الظني من أي سبب كان وأما
على الكشف ففيها اهمال لا محالة فيقع الكلام في المعمم أو المعين (فنقول) قد ذكروا من وجوه
التعميم قبح الترجيح بلا مرجح وحيث أن تمامية ذلك يحتاج إلى معرفة الوجوه المذكورة
للتعيين وعدم تماميتها فلا بد من ذكرها أولا والتعرض لما يمكن ان يقال عليها ثانيا (الوجه الأول)
ان بعض افراد الظنون متيقن الحجية بالقياس إلى بعضها الآخر من جهة الأسباب ونعني
بالقدر المتيقن ما يكون حجيته مقطوعة على تقدير حجية ظن في الجملة وان لم يكن حجيته في حد
نفسه كذلك فبعد اثبات حجية الظن بمقدمات الانسداد في الجملة يثبت حجية ذلك المقدار
بالقطع ويبقى حجية غيره مشكوكا فيه (وأورد) عليه شيخنا العلامة الأنصاري (قده) بان القدر
المتيقن حجيته من الأسباب هو الخبر الذي زكي جميع رواته بعدلين ولم يعمل في تصحيح رواته
ولا في تمييز مشتركاته بظن أضعف نوعا من سائر الامارات الاخر ولم يوهن لمعارضة شئ منها
147

وكان معمولا به عند الأصحاب كلا أو جلا وكان مفيدا للظن الاطمئناني بالصدور ومن المعلوم
ندرة مثل هذا الخبر وعدم وفائه بالفقه حتى يقتصر على حجيته وعلى تقدير وفائه أيضا فالعلم الاجمالي
بإرادة خلاف الظاهر منها بتخصيص أو تقييد في بقية الامارات يكون مانعا عن جواز التمسك
بها مع قطع النظر عن غيرها ولكنه لا يخفى أن اخذ القيود المذكورة في كون الخبر متيقن
الحجية انما يتم فيما إذا اخذ بالقدر المتيقن من حجية الخبر بالخصوص فإن الأقوال في حجيته
كثيرة والقدر المتفق عليه هو ما ذكره (قده) فلو فرضنا الاجمال في دليل حجيته
لكونه دليلا لبيا أو لغير ذلك فالخبر المشتمل على القيود المذكورة يكون متيقن الحجية
دون غيره وأما إذا كان المراد من القدر المتيقن هو القدر المتيقن باعتبار ثبوت حجية ظن في
الجملة فلا ريب في أن القدر المتيقن من الأسباب بحيث لا يحتمل أن يكون غيره حجة
دونه هو مطلق الخبر الصحيح القدمائي ضرورة انه لا يحتمل كون غيره كالشهرة مثلا حجة
دونه فالخلط بين القدر المتيقن في المقامين هو الموجب لما ذكره (قده) وإذا كان
القدر المتيقن في المقام هو مطلق الخبر الصحيح والمفروض وفاءه بمعظم الأحكام الشرعية
فلا يمكن استكشاف حجية غيره على الكشف وبالجملة كما أن العقل عند دوران الامر بين
حجية غير الظن الاطمئناني وبين حجية مطلق الظن لا يمكن له استكشاف حجية الظن الاطمئناني
إذا كان الاطمئناني وافيا بالفقه فكذلك إذا كان الامر دائرا بين حجية الأسباب المتقنة وبين حجية مطلق
الأسباب لا يستقل بحجية المطلق مع كون الأسباب المتقنة وافية به إذ الأسباب المتقنة متيقنة
الحجية بالإضافة إلى غيرها فتكون هي حجة دون غيرها ولازم ذلك حجية خصوص الصحيح
القدمائي دون غيره من الامارات كالشهرة والاجماع المنقول إذا لم يكن مدعي الاجماع ممن
يحصل الوثوق من قوله كالشهيد الأول (قده) ومن يحذو حذوه (ثم) لا يخفى أن الخبر الصحيح
القدمائي حيث إنه مفيد للظن الاطمئناني من حيث الصدور والظهورات مفيدة للاطمئنان من
حيث الدلالة فلا محالة ينطبق المعين من حيث المرتبة وهو كون الظن موجبا للوثوق على المعين
من حيث الأسباب طبق النعل بالنعل نعم الاقتصار في الظنون الرجالية على خصوص
الاطمئناني غير ممكن لقلة الظنون الاطمئنانية في ذلك الباب جدا فلا بد من التعدي فيها إلى
مطلق الظن فتحصل ان المتيقن من الأسباب هو مطلق الخبر الصحيح القدمائي دون المقيد
بالقيود المذكورة وعلى تقدير تسليم كون المقيد بها قدرا متيقنا فلا بد من التعدي إلى مطلق الخبر
148

الصحيح أيضا لعدم وفاء المقيد بالفقه ضرورة ندرة مثل ذلك الخبر في الفقه (فإن قلت) ان المقيد
إذا كان غير واف بالفقه فليس هناك قدر متيقن بالإضافة لاحتمال كون الحجة خصوص المزكى
بعدلين وان لم يكن مفيدا للوثوق كما أنه يحتمل كون المفيد للوثوق حجة وان لم تكن رواته
مذكاة بعدلين وهكذا يحتمل كون الخبر المشهور حجة وإن كان فاقدا للقيدين (وبالجملة)
بانتفاء القيود الخمسة جمعا يقع التعارض بين القيود بعضها مع بعض فلا يكون هناك قدر متيقن
بالإضافة ولعل إلى ذلك أشار العلامة الأنصاري (قده) بقوله فتأمل بعد ما افاده (قده) من لزوم
الاخذ بالقدر المتيقن بالإضافة على تقدير عدم وفاء المقيد بالقيود المذكورة بالفقه (قلت) الركن
الركين في تلك القيود المذكورة انما هو إفادة الخبر للوثوق مع عدم اعراض المشهور عنه ولا
ريب في كونه القدر المتيقن ولو لم يكن رواية معدلة بعد لين إذ اعتبار التعديل بعد لين انما يكون
بدليل خاص تعبدا في مثل البينة ولا يمكن ان يجعل احتمال اعتباره معارضا لإفادة الخبر
للوثوق والاطمئنان فإذا كان الخبر مفيدا للوثوق والاطمئنان ولم يكن مما اعرض عنه
المشهور فلا محالة يكون متيقن الحجية عند دوران الامر بينه وبين غيره وعلى تقدير تسليم
عدم وجود قدر متيقن بالإضافة فلا بد من التعدي إلي كل خبر يوثق به إذ حجية الخبر المقيد
بالقيود المذكورة متيقنة على الفرض وفي أدلة حجية الخبر الموثوق به ما يكون واجدا لتلك القيود
كخبر يحيى بن زكريا وغيره وقد دل على حجية كل خبر يوثق به فيكون حجية الخبر الموثوق
به متيقنا أيضا (ثم) ان ميزان الوفاء بالفقه وعدمه هو ان العلم الاجمالي المانع من الرجوع إلى
الأصول العملية أو اللفظية إذا كان منحلا بالظفر بمقدار من الحجة المثبتة للأحكام بمقدار المعلوم
بالاجمال أو أزيد بحيث لا يكون هناك مانع عن الرجوع إليها بعد الفحص فذلك معنى الوفاء
بالفقه وإذا لم يكن منحلا لعدم الظفر بذلك المقدار فلا محالة لا يكون الحجج التي ظفر بها وافية
به ولا يجوز عند عدمها الرجوع إلى الأصول بل لا بد من اثبات حجة غيرها حتى يكون العلم
منحلا إذا عرفت ذلك تعرف ان المناط في باب الأصول اللفظية المعلوم وجود مخصصات
أو مقيدات لها هو الظفر بالمخصصات أو المقيدات في الكتب التي بأيدينا فإن موجب العلم
بإرادة خلاف الظاهر منها انما هو وجود الاخبار المخالفة لها في تلك الكتب وبعد الفحص فيها
عما يوجب إرادة خلاف الظاهر وعدم الظفر به لا يكون مانع عن العمل بها واما المناط في الأصول
العملية فإنما هو اثبات حجية مقدار من الأدلة التي عليها يدور الاستنباط يكون بمقدار المعلوم
149

بالاجمال من الأحكام الواقعية أو أزيد سواء كان حجية ذلك المقدار ثابتا بدليل مخصوص
أو بمقدمات الانسداد فكما ان الخبر الصحيح القدمائي إذا كان حجيته ثابتة بالأدلة الخاصة لا يكون
مانع من الرجوع إلى الأصل بعد عدم الظفر به في المسألة فكذلك إذا كانت حجيته ثابتة بدليل
الانسداد فمن ذلك يظهر ان منع شيخنا العلامة الأنصاري (قده) من كفاية الظن الاطمئناني
بالفقه بعد كون الخبر الصحيح القدمائي مفيدا لذلك كما عرفت في غير محله (الوجه الثاني) ان
الأسباب المفيدة للظن تنقسم في حد أنفسها إلى مظنون الحجية ومشكوك الحجية وموهوم الحجية
فالسبب المظنون حجيته كالخبر الواحد بناء على عدم إفادة الأدلة التي أقيمت على حجيتها للقطع
بها يكون متعينا في الحجية ولا تصل النوبة معه إلى غيره والوجه في تعينه أحد أمور ثلاثة (الأول)
كونه أقرب إلى الحجية من غيره للظن بحجيته في نفسه والقطع بكونه من أطراف ما ثبت حجيته
بدليل الانسداد واما غيره فليس فيه الا كونه من أطراف ما ثبتت حجيته ومعلوم ان الأقرب
إلى الحجية يكون متعينا ويكون حجية غيره مشكوكا فيه (ويرد عليه) ان الأقربية إلى الحجية
لا توجب استقلال العقل بتعينه فيها ضرورة ان الترجيح في الأمور الاختيارية وإن كان يصح
بأدنى مرجح في الفعل أو الترك بحيث يخرج أحدهما عن كونه مساويا للآخر إلا أن الترجيح
في الحكم بالحجية من قبل الشارع لا بد وأن يكون بأمر يقيني ومجرد كون ظن مظنون
الاعتبار مع عدم حجية هذا الظن في نفسه في حكم العدم خصوصا إذا كان الظن الذي لم
يظن اعتباره أقوى منه وإذا كان كذلك فلا يمكن استقلال العقل بكونه مرجحا في نظر
الشارع وموجبا لاختصاص الحجية به دون غيره هذا (وقد) اورد شيخنا العلامة الأنصاري
(قده) على هذا الوجه بما هذه عبارته هذا مع أن الظن المفروض انما قام على حجية بعض الظنون
في الواقع من حيث الخصوص لا على تعيين الظن الثابت حجيته بدليل الانسداد (فتأمل) انتهى
وحاصله ان الظن باعتبار ظن بالخصوص لاربط له بالحجية الثابتة بمقدمات الانسداد والغرض
اثبات مرجح بلحاظ حال الانسداد وان الظن الثابت حجيته به هل لبعض افراده مرجح على
الآخر أم لا وكون الظن مظنونا اعتباره في حد نفسه أجنبي عن المرجحية بلحاظ هذا الحال
ثم إن امره بالتأمل يمكن أن يكون إشارة إلى أن ذلك لا يتم بناء على الكشف الذي هو
مبنى التكلم في المقام ضرورة ان ما ظن حجيته من قبل الشارع في نفسه يكون مظنون الحجية
بلحاظ دليل الانسداد الكاشف عن جعل حجة معتبرة أيضا فيثبت الترجيح بلحاظ الانسداد
150

لبعض الافراد لا محالة أو إلى أن الالتزام بكون المرجح بلحاظ هذا الحال لا ملزم له بل اللازم
هو عدم كون بعض الظنون في عرض غيره بنظر العقل فإذا كان بعضها مظنون الحجية في
نفسه دون بعض آخر فيكفي كونه مرجحا ومعينا له في الحجية بعد ثبوت حجية في الجملة حال
الانسداد وكيف كان فلا موقع لما افاده (قده) (الثاني) ان الظن الذي ظن باعتباره أقرب
إلى ادراك مصلحة الواقع من غيره وهذا الوجه يبتني على كون الامارة موجبة لتدارك مصلحة
الواقع عند الخطأ إذ حينئذ يكون مظنون الحجية موجبا للظن بادراك مصلحة الواقع على تقديري
الخطا والإصابة وهذا بخلاف الظن الذي لم يظن حجيته فإنه موجب للظن بادراك المصلحة عند الإصابة
فقط (وأورد) عليه شيخنا العلامة الأنصاري (قده) أولا بأن هذا الوجه لا يوجب الا أولوية الظن
المظنون حجيته للحجية لا تعينه وكلامه هذا مبني على أن المصالح الواقعية ليست بحيث يجب
على المكلف تحصيلها وانما هي دواع لجعل الاحكام والمكلف أجنبي عنها بالكلية فغاية ما يوجبه
الأقربية إلى احراز المصلحة كون الاخذ به أولي ولا يوجب ذلك تعينه للحجية وهذا الذي
افاده وإن كان للنظر فيه مجال إلا أن الخطب هين بعد عدم التزامنا بالمصلحة السلوكية وكون
الامارة موجبة لتدارك المصلحة عند الخطأ الا في بعض الفروض حال الانفتاح وقد تقدم الكلام
في ذلك في بحث الطرق فراجع (ثم اورد ثانيا) فان اللازم على هذا ان لا يعمل بكل مظنون
الحجية بل بما ظن حجيته بظن قد ظن حجيته لأنه أبعد عن مخالفة الواقع وبدله (وفيه) أولا ان
هذا مستلزم للتسلسل إذ حينئذ ينقل الكلام إلى الظن الثالث أيضا وهكذا (وثانيا) إذا فرضنا
قيام الظن على اعتبار ظن فقد ظن ادراك مصلحة الواقع على تقديري الإصابة والخطأ من أول الأمر
وأي حاجة بعد ذلك إلى اعتبار كون الظن الثاني مظنون الحجية أيضا فإن المناط انما
هو الظن بادراك مصلحة الواقع على كل حال وهو حاصل من الأول (الثالث) ان الظن الثابت
حجيته إذا كان غير متعين لا بنحو الكلية ولا بنحو التخصيص فيجري فيه مقدمات الانسداد
مرة ثانية لتعيين ذلك الظن فيتعين في الظن المظنون اعتباره فكما ان مقدمات الانسداد توجب
التنزل إلى الظن بعد تعذر القطع أولا كذلك توجب التنزل إلى تعيين ذلك الظن بالظن أيضا
(وأورد) عليه العلامة الأنصاري (قده) بما حاصله بتوضيح منا ان مقدمات الانسداد إذا فرضنا
ان أول مقدمة منها كان هو انسداد باب العلم والعلمي فلا بد وأن يكون نتيجتها حجية طريق
واصل بنفسه أو بطريقه إذ لو كانت النتيجة حجية ظن غير واصل بنفسه ولا بضم مقدمة عقلية
151

تكتنف بها المقدمات فتلك الحجة غير معلومة وباب العلم بها منسد والمقدمة الأولى كانت مشتملة
على ذلك فلم يترتب على مقدمات الانسداد شئ أصلا (وتوهم) أن الوصول لا مانع من أن يكون
بمقدمات الانسداد مرة ثانية (مدفوع) بأن مقدمات الانسداد ليست بنفسها طريقا إلى الواقع
ولا إلى الطريق وإنما هي منتجة لطريقية الطريق ففرض الاحتجاج إلى مقدمات الانسداد مرة
ثانية فرض عدم وصول الحجة لا بنفسه ولا بطريقه وهذا خلف (وبالجملة) إذا فرضنا عدم
استقلال العقل بكون مظنونية الطريق مرجحا ومعينا للحجة فلا محالة يستقل العقل بحجية كل ظن من
باب قبح الترجيح بلا مرجح فيتعين الحجة بنحو الكلية وقد عرفت انه مع تعين الحجة في الكل أو في البعض
لا يبقى مجال لاجراء مقدمات الانسداد مرة ثانية أصلا (ثم انك) قد عرفت فيما سبق ان كلية النتيجة تدور
مدار قيام الاجماع على أن الشارع يريد امتثال احكامه بعناوينها المحرزة حتى يكون نتيجة ذلك حجية
كل محرز كما أن الاهمال يدور مدار عدم قيام الاجماع الا على أن بناء الشريعة ليست على الامتثال
الاحتمالي ومقتضى ذلك ليس الا العلم بإرادة الشارع لامتثال احكامه محرزة في الجملة لا مطلقا
وقد ذكرنا أيضا انه لا يفرق في إرادة الشارع للحركة على طبق احكامه محرزة بين الاحكام
الالزامية وغيرها ولابين الأحكام الوضعية والتكليفية كما أنه لا فرق بين الاحكام الظاهرية
والواقعية والمناط في الجميع هو كون الحركة على طبق الحكم المحرز إذا تبين ذلك (فنقول)
ان العلامة الأنصاري (قده) بعد ما بنى على عدم جريان مقدمات الانسداد مرة ثانية لتعيين الظن
الثابت حجيته بمقدمات الانسداد سلم الترجيح بالظن في عدة موارد (الأول) أن يكون الظن
القائم على حجيته امارة بالخصوص ظنا واحدا لا تعدد فيه أو كان مفاد الجميع واحدا على تقدير
التعدد (الثاني) أن يكون هناك ظنون متعددة وكان كل واحد منها قائما على حجية امارة
مغايرة لما قام الآخر على حجيته ولكن لم يكن كل واحد من تلك الامارات وافية
بالفقه في حد نفسه (الثالث) أن تكون الظنون متعددة وكان كل واحدة من الامارات التي قام
الظن على حجيتها وافية بالفقه ولكن كانت تلك الظنون متساوية ولم تكن مختلفة من حيث
تعين بعضها بالقياس إلى الآخر أو كونه مظنون الاعتبار ففي مثل هذه الموارد افاده (قده)
وجوب الاخذ بالظنونات والغاء غيرها فهل ذلك مبني على اجراء مقدمات الانسداد مرة ثانية
لتعيين الظن الثابت حجيته بدليل الانسداد كما هو ظاهر عبارته (قده) حتى يلزم من ذلك
المناقضة لما افاده (قده) من عدم امكان وصول النوبة إلى اجراء مقدمات الانسداد مرة ثانية
152

أو انه أجنبي عن ذلك الذي يمكن ان يقال في توجيه كلامه (قده) هو انا بعد ما لم نلتزم بقيام
الاجماع على أن الشارع يريد امتثال احكامه محرزة بنحو الكلية حتى لا يمكن الفرق بين
ظن وظن بل قلنا إن النتيجة مهملة لا محالة وذكرنا انه لا يفرق في إرادة الشارع ذلك ولو
في الجملة بين احكامه باقسامها ومنها كون الحكم ظاهريا أو واقعيا فإذا فرضنا اتحاد الظن
القائم على حجية امارة مخصوصة أو تعددها بشرط الاتحاد في المضمون فلا محالة يكون مثل
تلك الامارة محرزة الحجية بحكم الشارع وقد فرضنا وفاءها بالفقه فلا يكون دليل على حجية
غيرها فيكون الظن باعتبار ظن مخصوص معينا للنتيجة من أول الأمر من دون احتياج إلى
اجراء مقدمات الانسداد مرة ثانية كما أن الامر كذلك في الفرض الثاني من تلك الفروض
فإن الظنون المظنون اعتبارها وإن كانت كثيرة لكن لا يحتمل العقل حجية بعض تلك
الظنون دون بعض لفرض عدم وفائه بالفقه فلا محالة يكون الجميع في حكم امارة مخصوصة
قام ظن واحد أو ظنون متعددة على اعتبارها فيكون تمام تلك الظنون متعينة في الحجية أيضا
من أول الأمر وأما الفرض الثالث فالامر فيه ليس على حذو الفرضين السابقين فإن المفروض
هو اهمال النتيجة ووفاء كل واحدة من تلك الامارات بالفقه فلا يستقل العقل بحجية جميعها
من أول الأمر لاحتمال حجية بعضها دون بعض بل يحتاج إلى ضميمة حكمه بقبح الترجيح
بلا مرجح وبمعونة حكمه بذلك يستقل بحجية مطلق الظن من أول الأمر وعلى كل حال لا تصل
النوبة إلى اجراء مقدمات الانسداد مرة ثانية بل يكون الظن بالاعتبار بنفسه أو بضميمة حكم العقل
بقبح الترجيح بلا مرجح موجبا لتعين الحجة (ثم انك) عرفت فيما تقدم انطباق المرجح بحسب المرتبة
على المرجح بحسب الأسباب وأن نتيجة كل منهما حجية الخبر الصحيح القدمائي وحيث أن
الأدلة الموجبة للظن بالاعتبار من الشهرة والاجماع المنقول وغير ذلك من الأدلة إنما تفيد
الظن بحجية الخبر الصحيح القدمائي لو سلمنا عدم كونها مفيدة للقطع بها فيكون مثل ذلك
الخبر امارة قامت ظنون متعددة على اعتبارها فيتعين في الحجية وعليه فينطبق المرجحات الثلاثة
كلها على الخبر المذكور (الوجه الثاني) من وجوه التعميم ان العقل وإن كان يستقل بحجية
الظن الذي ظن اعتباره أولا إلا أن العلم الاجمالي بوجود مخصصات ومقيدات لها في الظنون
المشكوك اعتبارها يوجب وجوب العمل على طبق المشكوكات أيضا ومقتضى هذا العلم الاجمالي
وإن كان وجوب العمل على طبق الظنون الموجبة للتخصيص أو التقييد ليس إلا إلا أن
153

الاجماع القائم على عدم الفرق بين الظنون المشكوك اعتبارها يوجب التعدي إلى غيرها
فإنه إذا وجب العمل على طبق الظن المعارض لامارة ظن اعتبارها وجب العمل على طبق
غير المعارض بطريق أولي (ثم) انا نعلم بوجود مقيدات ومخصصات للظنون المشكوك اعتبارها في
ضمن الظنون الموهوم اعتبارها وبمثل البيان المتقدم يتعدى إلى كل ظن ظن عدم اعتباره أيضا
فيجب العمل بمطلق الظن (ولا يخفى) ما في هذا الوجه من الفساد اما (أولا) فلان تقسيم الظنون
إلى أقسام مع عدم وجود ظن موهوم الاعتبار فاسد ضرورة أن وجود الظن الموهوم الاعتبار
فرع أن يكون هناك دليل دل على عدم حجية ظن بالخصوص ولكنه لا يكون مفيدا لغير
الظن ومن المعلوم عدم وجود ذلك فإن الخبر الواحد قد فرض انه مظنون الاعتبار والشهرة
والاجماع المنقول بناء على عدم دخوله في الخبر الواحد مشكوك الاعتبار والقياس وما يتبعه من
الاستحسانات والاستقراءات الظنية والأولوية الظنية لو لم تدخل في الدلالة اللفظية مقطوع
عدم اعتبارها نعم لو كانت الأولوية الظنية بحيث تدخل في الدلالة اللفظية لكانت من الظواهر
المقطوع اعتبارها ففرض وجود ظن موهوم الاعتبار فرض غير واقع (وأما ثانيا) فلان دعوى
العلم الاجمالي بوجود المخصصات والمقيدات في الظنون المشكوك أو الموهوم اعتبارها لا مدرك
لها أصلا بعد ما أثبتناه من كفاية الخبر الصحيح القدمائي بالفقه المظنون اعتباره فلا موجب
للتعدي أصلا (وأما ثالثا) فلان التعدي إلى مقدار من الظنون المشكوك أو الموهوم اعتبارها
لأجل العلم الاجمالي بوجود التخصيص والتقييد غير موجب للتعدي إلى غير ذلك المقدار أصلا
ودعوى الاجماع على عدم الفرق مع كون المدرك للرجوع إليها هو ما ذكرناه ممنوعة وكيف
كان فالتمسك للتعميم بهذا الوجه ضعيف جدا (الوجه الثالث) من وجوه التعميم التمسك بقاعدة
الاشتغال فإنه إذا ثبت وجوب العمل بالظن في الجملة فيجب العمل بمطلق الظن من باب
الاحتياط (وفيه) أن متعلق الظن إن كان من الاحكام الالزامية فليس الاحتياط حينئذ إلا
احتياطا في المسألة الفرعية وإن كان متعلقه من الاحكام الغير الالزامية فليس معنى الاحتياط
حينئذ الا عدم جواز الاتيان بذاك الفعل المظنون اباحته بعنوان الوجوب كما أنه لا يجوز تركه
بعنوان الحرمة ومن المعلوم أن هذا ليس احتياطا في المسألة الأصولية بل عدم جواز الاتيان
بعنوان الوجوب أو الحرمة من آثار عدم احراز الوجوب أو الحرمة وقد ذكرنا سابقا انه بمجرد
الشك في الحجية يترتب هذا الأثر لا محالة وكيف كان فلا نتعقل للاحتياط في المسألة الأصولية
154

معنى أصلا وقد نقل الأستاذ دام ظله ان أستاذه السيد العلامة الشيرازي ضرب على جملة من
عبارات شيخه العلامة الأنصاري قدس سرهما في المقام
* (التنبيه الثالث) * في خروج القياس عن حكم العقل بحجيته الظن حال الانسداد والكلام فيه
يقع في مقامين (الأول) في امكان النهي عن العمل بامارة ظنية كالقياس في حد ذاتها (الثاني) في
امكان النهي عنه بلحاظ حكم العقل بحجية الظن حال الانسداد (اما المقام الأول) فنقول في
توضيحه أنه لا ريب في أن الأدلة الدالة على حرمة العمل بالقياس من الاخبار والاجماع كما تشمل
صورة التمكن من الوصول إلى الأحكام الواقعية كذلك تشمل صورة عدم التمكن منه أيضا واحتمال
الاختصاص بالصورة الأولى باطل قطعا وهذا بناء على كون العمل بالقياس مشتملا على مفسدة غالبة
على فوات مصلحة الواقع عند الإصابة لما في العمل به من اتباع العامة ومقابلة امام العصر عليه السلام
واضح واما بناء على كون النهي لأجل الطريقية حيث أن العقلاء يعملون به في أمورهم العادية
المبنية على أساس واحد لكن الشارع نهى عن العمل به لان الأحكام الشرعية تتبع المصالح
والمفاسد البعيد ادراكها عن العقول وهي غير مبتنية على أساس واحد كما يظهر من رواية أبان
وغيرها فربما يقع الاشكال في امكان النهي عنه فيما إذا اتفقت اصابته للواقع فإن النهي عن
العمل به موجب لفوات مصلحة الواقع من دون تدارك وهذا الاشكال نظير الاشكال الوارد
في جعل الطرق والفرق بينهما ان الاشكال في الامر إنما هو في صورة الخطأ والاشكال في
النهي إنما هو في صورة الإصابة (والتحقيق) في المقام ان يقال أنه لا وجه للالتزام بالمصلحة
السلوكية التي ربما نحتاج إلى الالتزام بها في طرف الامر كما مر الكلام فيه مفصلا في المقام
أصلا فإن النهي عن العمل بالقياس في فرض الانفتاح وامكان الوصول إلى الواقعيات لا
اشكال فيه أصلا ضرورة عدم ترتب فوت مصلحة على النهي عنه ابدا وأما في فرض الانسداد
فالوجه في النهي عنه مع اصابته للواقع أحيانا غلبة مخالفته له في نظر المولى فيقع المزاحمة بين
الأمر والنهي لا محالة ضرورة أن المخالفة وعدم الإصابة تقتضي النهي عن العمل به كما أن
اصابته أحيانا تقتضي الامر بالعمل على طبقه وحيث أن المفروض غلبة المخالفة وعدم الإصابة
فلا محالة يتقدم النهي من دون احتياج إلى التدارك في فرض الإصابة أصلا (وأما المقام الثاني)
فحاصل الاشكال فيه هو أن العقل بعد ما استقل بحجية الظن حال الانسداد فإن كان حكمه
بذلك من باب الكشف فقد عرفت أنه لا يحكم بذلك إلا بنحو الاهمال ويحتاج في التعيين
155

أو التعميم إلى وجود دليل يدل عليه ومع القطع بكون العمل بالقياس منهيا عنه فلا محالة لا يكشف
العقل عن حجيته في هذا الحال ويكون موضوع حكمه مقيدا بعدمه وأما إذا كان حكمه بذلك
من باب الحكومة من جهة قبح إرادة الشارع ما عدا الظن وقبح اقتصار المكلف على ما دونه
فيكون حال الظن بلحاظ حال الانسداد كحال القطع فكما لا يمكن المنع عن العمل على طبق
القطع فكذلك لا يمكن المنع عن العمل بخصوص ظن بلحاظ الانسداد مع حكم العقل بكونه
مناط الإطاعة في هذا الحال (وبالجملة) حكم العقل بحجية الظن حال الانسداد كسائر الأحكام العقلية
غير قابل للتخصيص بمورد دون مورد إذ لو أمكن المنع عن العمل بظن حال الانسداد
لاحتمل المنع في كل واحد واحد من الظنون ومع هذا الاحتمال لا يستقل العقل بحجية ظن
أصلا ولا رافع لهذا الاحتمال الا قبح المنع ومعه لا يصح المنع مطلقا (والجواب) عن ذلك أن
حكم العقل بحجية الظن حال الانسداد يستحيل أن يكون على وزان حكمه بحجية القطع
ضرورة ان غير الكاشف التام يستحيل ان ينقلب عما هو عليه فيكون كاشفا تاما حتى لا يمكن
التصرف فيه وضعا أو رفعا بل حكمه بذلك معلق على عدم وصول طريق من الشارع جعلا
أو نفيا ضرورة أن استقلاله بالقبح المذكور ليس لأجل خصوصية خارجية بل من جهة عدم وصول
طريق من الشارع وكون الظن أقرب الطرق إلى الواقع ومع فرض وصول المنع عن طريق
مخصوص كيف يحكم العقل بحجيته وقبح مخالفة العبد له (والحاصل) ان موضوع حكم العقل
مقيد من أول الأمر بعدم وصول الجعل أو المنع من الشارع ومعه لا موضوع لحكم العقل
أصلا فالمنع عن القياس يوجب خروج الظن القياسي عن الظن الثابت حجيته بدليل الانسداد
لا عن حكمه (هذا) مضافا إلى أن حكم العقل بالحجية وإن لم يكن مقيدا بعدم المنع من الشارع
إلا أنه مقيد بكون الظن حاصلا من الطرق المتعارفة لا محالة فلا يشمل مثل الظن الحاصل من
الرؤيا وأمثاله والظن القياسي وإن كان ظنا حاصلا من الطريق المتعارف في حد ذاته لما بينا
من أن العقلاء يعتمدون عليه في أمورهم العادية المبنية على أساس واحد إلا أنه بعد منع الشارع
عنه وبيان أن الأحكام الشرعية لا تبتني على أساس واحد بل هي مبتنية على مصالح ومفاسد
لا تصل إليها عقول الناس فيكون الاعتماد عليه في الأحكام الشرعية اعتمادا على الظن الحاصل من
الطريق الغير المتعارف فيكون حال القياس حال الرؤيا المفيد للظن بعد المنع المذكور ويكون
خروجه عن دليل الانسداد خروجا موضوعيا لا حكميا (وأما) ما أجاب به في الكفاية عن
156

الاشكال من أن النهي عن العمل بالظن القياسي يرجع إلى جعل الأصول حجة في مورده
وحكم العقل بحجية الظن معلق على عدم وصول الحجة من الشارع ومع وصول حجية الأصل
في مورده لا اشكال في صحة المنع عنه (فيرد عليه) ان المنع عن العمل به وإن كان ملازما
لجعل الأصل حجة في مورده إلا أن الاشكال في امكان جعل الأصل حجة في مورد
الظن حال الانسداد مع استقلال العقل بكون الظن أقرب الطرق في تلك الحال ولو
أمكن جعل الأصل حجة في مورد القياس لأمكن جعله حجة في مواد بقية الظنون أيضا
ومع احتمال ذلك لا يستقل العقل بحجية ظن أصلا كما ذكرناه في تقرير الاشكال وعلى كل
حال فالاشكال المذكور ضعيف غايته ولا ينبغي التعرض له ولما يرد عليه أزيد من ذلك
* (التنبيه الرابع) * إذا قام ظن على عدم اعتبار ظن بالخصوص وبنينا على تعميم نتيجة الانسداد للظن
المتعلق بالمسألة الأصولية أو الفرعية فهل مقتضى القاعدة دخول الظن المانع في النتيجة أو دخول
الظن الممنوع فيها أو ملاحظة الترجيح بينهما (الحق) هو الأول لان الظن المانع إذا كان حجة
فيكون حاكما على الظن الممنوع ومخرجا له عن الموضوع وهذا بخلاف الظن الممنوع فإنه
لا يوجب خروج الظن المانع عن ذلك غاية الأمر ان لازم حجيته خروج الظن المانع عن الحكم
بالملازمة فيدور الامر بين التخصيص والتخصص ولا اشكال في تقدم الثاني كما في كل حاكم
بالملازمة فيدور الامر بين التخصيص والتخصص ولا اشكال في تقدم الثاني كما في كل حاكم
ومحكوم (توضيح) ذلك ان حكم العقل بحجية الظن حال الانسداد قد عرفت انه حكم
تعليقي على عدم ثبوت منع الشارع عن العمل بظن مخصوص إذ مع ثبوت المنع عن ذلك يكون
مثل ذلك الظن خارجا عن الموضوع لا عن الحكم (ثم) ان الحكومة كما سيجئ لا تتوقف على كون
الدليلين مما ثبت اعتبار كل منهما بدليل بل تجري فيما إذا ثبت حجيتهما بدليل واحد أيضا فكما ان الامارات
تكون حاكمة على الأصول والاستصحاب يكون حاكما على أصالة البراءة فكذلك الظهورات
يكون بعضها حاكما على البعض والاستصحاب يكون حاكما على استصحاب آخر إذ المدار في
الحكومة هو كون أحد الدليلين رافعا لموضوع الآخر دون العكس وهذا مشترك في الجميع (ثم إن)
رفع أحد الدليلين لموضوع الآخر تارة يكون برفع موضوعه بالكلية كما في استصحاب طهارة
الماء الرافع للشك عن نجاسة الثوب المغسول به واخرى يكون برفع جزء موضوعه وإن كان
الجزء الآخر محرزا بالوجدان ولا يفرق في الحكومة بين القسمين إذ ثبوت الحكم فرع تحقق
تمام الموضوع خارجا فلا فرق بين انعدام جزء من الموضوع أو تمامه في أن عدم ثبوت الحكم
157

لأجل التخصص دون التخصيص (إذا عرفت) ذلك فنقول ان الظن المانع حيث إنه ظن
لم يثبت عدم اعتباره شرعا فإذا كان حجة فلا محالة يكون النص الممنوع ظنا ثبت عدم اعتباره بدليل
قاطع فيخرج بذلك عن موضوع نتيجة الانسداد باعتبار ثبوت المنع وانتفاء القيد المعتبر فيه فيكون
عدم الشمول لأجل التخصص دون التخصيص وهذا بخلاف الظن الممنوع فان حجيته لا تقتضي
ممنوعية الظن المانع وعدم اعتباره الا من باب الملازمة فإن كلا الظنين لا يمكن اعتبارهما
معا فلازم حجية الظن الممنوع عدم اعتبار الظن المانع لا محالة ومن الواضح ان ثبوت اللازم
فرع ثبوت ملزومه والظن المانع لا يبقى مجالا له حتى يترتب عليه لازمه كما في كل حاكم ومحكوم
(والحاصل) ان فردية الظن المانع لموضوع النتيجة وجدانية لا مانع من دخوله تحته ودخوله
يوجب خروج الظن الممنوع عن الفردية وهذا بخلاف الظن الممنوع فإن فرديته له حتى يعمه الحكم
تتوقف على خروج الظن المانع عن الحكم وخروجه عنه جزافا لا يعقل ومن جهة فردية الظن
الممنوع وشمول الحكم له المتوقفين على الخروج مستلزم للدور (وبالجملة) ما هو المناط في تقدم
كل دليل حاكم على الدليل المحكوم موجود في المقام بعينه ولا فرق الا في أن الرفع في المقام
باعتبار جزء الموضوع لاتمامه وهذا لا يكون فارقا في المناط كما عرفته (ومن ذلك) يظهر ان
ما افاده العلامة الأنصاري (قده) وحاصله ان نسبة الظنين إلى موضوع نتيجة الانسداد نسبة
واحدة فلا يمكن حكومة أحدهما على الآخر (لا يمكن) المساعدة عليه أصلا (واما) ما افاده
في مقام الجواب عن الحكومة بأنه لا يتم فيما إذا كان الظن المانع والممنوع من جنس واحد كان يقوم
الشهرة على عدم حجية الشهرة (الخ) (ففيه) ان ذلك لا يضر بدعوى الحكومة أصلا ضرورة ان الحكومة
انما تتصور في الدليلين لا في دليل واحد بالقياس إلى نفسه فإن لازم حجيته (حينئذ) عدم حجيته
وما يلزم من وجوده عدمه محال والمدعى انما هي الحكومة في غير هذه الموارد كما هو واضح
(واما) ما افاده ثانيا وملخصه ان حكم العقل بحجية الظن الممنوع حال الانسداد يمنع من حصول
الظن بعدم اعتباره فان القطع بالاعتبار ينافي الظن بعدمه (فمن الغرائب) فإن الظن بعدم الاعتبار
بالخصوص لا ينافي القطع بالاعتبار من جهة دليل الانسداد وعليه فإذا كان الظن الممنوع داخلا في
موضوع النتيجة فلازم ذلك ليس هو انقلاب الظن المانع إلى القطع بالعدم بل لازمه عدم اعتباره
وخروجه عن الحكم كما عرفت وهذا بخلاف الظن المانع فإن لازم دخوله هو خروج الظن
الممنوع عن الموضوع رأسا (هذا تمام الكلام) في بحث الانسداد ولا موجب للتعرض لبقية الأمور
158

التي تعرض لها شيخنا العلامة الأنصاري (قده) ولا بأس بتتميم مباحث الظن بخاتمة يذكر
فيها أمور (الأول) انه بعد ما ثبت حجية الظواهر من حيث الدلالة وحجية الخبر الصحيح
القدمائي من حيث السند فلا اشكال فيما إذا ثبتا بالقطع وهل يثبتان بالظن الغير الثابت حجيته
كقول اللغوي أو الرجالي أم لا الحق هو التفصيل في المقام (بيان ذلك) ان الحجة من حيث السند
ليس الا الخبر الموثوق بصدوره فكما انه يحصل الوثوق بالصدور فيما إذا أثبت وثاقة
الراوي بالقطع فيدخل بذلك في موضوع الحجية (فكذلك) يحصل الوثوق به من التعديلات
الرجالية أيضا فيدخل الخبر بذلك في موضوع الحجية وجدانا فالعمل به ليس من جهة حجية قول
الرجالي إذ المفروض عدم ثبوت حجيته بل من جهة اندراج الخبر به في موضوع الحجية واما
الحجية من حيث الدلالة فموضوعها كون اللفظ ظاهرا في المعنى ومن الواضح ان قول اللغوي
المفروض عدم حجيته لا يوجب ظهورا في اللفظ حتى يدخل بذلك في موضوع الحجية وما
لم يوجب ظهورا في اللفظ لا يكون به اعتبار أصلا (الأمر الثاني) ان الشهرة هل يجبر بها
ضعف الدلالة أو السند حتى يكون بها ما لم يكن متصفا بصفة الحجية في حد ذاته متصفا بها
أم لا الحق هو التفصيل أيضا وتوضيح ذلك ان الشهرة اما روائية أو عملية استنادية أو فتوائية
مطابقية ونعني بالشهرة الروائية اشتهار روايتها بين أصحاب الأئمة عليهم السلام وبالاستنادية
استناد الفقهاء القدماء القريب عصرهم من عصر الأئمة عليهم السلام في فتواهم إلى رواية
معينة وبالمطابقية صرف مطابقة فتواهم مع مضمون الرواية من دون استناد اما الشهرة الروائية
فلا ريب ان كثرة رواية أصحاب الأئمة عليهم السلام لرواية معينة ولو كان في سندها من
لا يوثق به يوجب الظن الاطمئناني باحتفافها بقرينة أوجبت اشتهارها بين الأصحاب لقرب
عهدهم من زمان صدورها فيكشف ذلك عن تثبتهم فيما ووقوفهم على ما يوجب اطمئنان النفس
بصدورها وحينئذ فالشهرة الروائية توجب دخول الخبر الضعيف الغير الموثوق بصدوره في نفسه
في الخبر الموثوق بصدوره فيكون بذلك حجة نعم شهرة الرواية بين المتأخرين البعيدين عن
عصر الصدور لا يكشف عن ذلك ولا يدخل الرواية بها في موضوع الحجية ولذا قيدنا الشهرة
الجابرة بكونها بين قدماء الأصحاب واما الشهرة الاستنادية بين القدماء مع كون الرواية ضعيفة
في نفسها فيكشف بحسب العادة عن اطلاعهم على قرائن فيها أوجبت اطمئنانهم بصدورها حتى
صارت مدركا لفتواهم فلا محالة تكون الرواية بذلك داخلة فيما يوثق بصدوره فيشملها دليل
159

الحجية نعم الشهرة المطابقية ولو كانت من القدماء أو الشهرة الاستنادية من المتأخرين البعيد
عصرهم عن عصر الصدور بحيث يبعد عادة اطلاعهم على قرائن موجبة للاطمئنان بالصدور وإن
كانوا بحسب النظر أدق من القدماء خصوصا الطبقة الوسطى منهم قدس الله تعالى اسرارهم
لا توجب دخول الرواية فيما يوثق بصدوره حتى يشملها دليل الحجية إذ غاية ما يحصل من
الشهرة هو الظن بمطابقة مضمون الرواية للحكم الواقعي وأين ذلك من الوثوق بصدور الرواية
الذي هو موضوع دليل الحجية هذا بحسب السند واما بحسب الدلالة فحيث ان موضوع الحجية
من هذه الحيثية هو كون اللفظ بنفسه ظاهرا في المعنى وملقيا له في الخارج فيستحيل تحقق
ذلك بالشهرة الخارجية إذ غاية ما يحصل من الشهرة هو الظن بكون الحكم الذي افتى المشهور
به مرادا من الرواية وهذا ظن خارجي بالمراد واجنبي عن ظهور اللفظ في المعنى الذي هو
موضوع الحجية (وبالجملة) الشهرة وان لم تكن في حد نفسها حجة الا انها توجب دخول الخبر من حيث
السند في موضوع ثبت حجيته على التفصيل المذكور ولا توجب دخوله في موضوع الحجة من
حيث الدلالة ابدا
- * (كشف قناع) * -
ربما يقال إن الشهرة بين المتأخرين إذا لم تكن جابرة لضعف السند ولو كانت
استنادية فأين يتحقق جابرية الشهرة لضعف الرواية فإن الشهرة الاستنادية
لا تعلم الا من كتب الاستدلال ومن المعلوم ندرة الاستدلال في كتب القدماء جدا وانما
حدثت الكتب الاستدلالية بين المتأخرين فما هو الجابر غير متحقق وما هو متحقق غير جابر نعم
ربما يظهر الاستناد من كتب الاخبار كالكافي حيث يذكر عنوان الباب الذي عليه فتواه
ثم يذكر الروايات بعد ذلك فيعلم من ذلك استناده في الفتوى بتلك الروايات المذكورة فيه
ولكن اثبات الشهرة الاستنادية بين القدماء مع عدم وجود الكتب الاستدلالية بينهم غير ممكن
عادة ولكنه لا يخفى انه إذا علم فتوى القدماء من كتبهم الفتوائية ولم تكن الفتوى موافقة
لأصل أو قاعدة ولم يكن عليها دليل واضح في كتب الاخبار غير الرواية التي يحتمل استنادهم
إليها فلا محالة تطمئن النفس باستنادهم فيها إليها ضرورة ان تقواهم مانعة عن الفتوى بغير مدرك
والمفروض عدم ما يصلح أن يكون مدركا لهم فيتعين المدرك في هذه الرواية ويثبت بذلك
استنادهم إليها واحتمال عدم استنادهم إليها في الفتوى مع ذلك احتمال سفسطي ينافي مقتضى
160

الفطرة فالأصل الأولي في الشهرة المطابقية فيما لم يكن هناك أصل أو قاعدة على طبق الفتوى
أن تكون شهرة استنادية فافهم هذا واغتنم حتى ينفعك في الفروع الفقهية إن شاء الله تعالى
* (الأمر الثالث) * ان اشتهار الفتوى بخلاف ما هو حجة في نفسه يوجب وهنا في السند أو
الدلالة أم لا اما بحسب السند فلا ريب في أن اعراض المشهور عن رواية صحيحة في نفسها
وفتواهم بخلافها يوجب الوثوق باطلاعهم على خلل في الرواية من حيث الصدور أو جهته فيخرج
الخبر بذلك عن ما يوثق بصدوره لبيان الحكم الواقعي فلا يكون حجة لكن ذلك مشروط بكون
الشهرة قدمائية أولا وبكون الرواية بمرأى ومسمع منهم حتى يثبت اعراضهم عنها ثانيا فمثل
الاخبار الأشعثيات واخبار دعائم الاسلام والفقه الرضوي ونحوها مما لم تصل إليها أيدي
القدماء إذا كان فيها خبر صحيح وقد افتى المشهور من القدماء على خلافه لا يسقط عن الحجية
لان فتواهم بالخلاف مع عدم وصول الخبر إليهم لا يوجب الاعراض عنه كما هو واضح وبأن
لا يكون فتواهم على الخلاف من جهة عدم وثاقة الرواية عندهم ثالثا إذ لو كان مستندا إعراضهم
هو ذلك وقد علمنا خطأهم فيه وكون الرواية موثوقا بها فلا يكون فتواهم بالخلاف موجبة لعدم
الوثوق بالصدور كما لا يخفى فالميزان في الموهنية هو ارتفاع الوثوق بالصدور كما أن الميزان في
الجابرية هو وجوده واما من حيث الدلالة فالذي اخترناه سابقا هو عدم موهنية اشتهار الخلاف
للظهور فإن موضوع الحجية من جهة الدلالة هو الظهور وهذا لا ينثلم باشتهار الخلاف إذ غاية
ما يوجبه الاشتهار هو الظن الخارجي بعدم إرادة الظهور وذلك أجنبي عن موضوع الحجية
بالكلية ولكن الانصاف عدم استقامة ذلك إذ كون الظهور بمرأى ومسمع من القدماء وعدم
اعتمادهم عليه بل فتواهم بخلافه يوجب الظن الاطمئناني باطلاعهم على قرينة توجب إرادة خلاف
الظاهر إذ لولا ذلك لما كان لاعراضهم عن الظهور وجه أصلا فالشهرة وإن لم تكن حجة
على الحكم الابتدائي لاحتمال استناد المشهور إلى ما لا نعتمد عليه إلا انها إذا كانت على خلاف
الظهور الذي هو بمرأى منهم ومسمع توجب حمل الظاهر على خلافه ولا أقل من أن توجب
عدم حجية الظاهر في مورد الشهرة لكون حجيته حينئذ مشكوكة وعلى كل حال لا يكون حجة
مع الشهرة على الخلاف (وبالجملة) ليس حال الشهرة حال غيرها من الظنون إذا كانت على
خلاف الظاهر فإن الأولوية الظنية مثلا إذا حصل منها ظن على خلاف الظاهر فلا يكون ذلك
إلا ظنا بعدم إرادة الظهور واقعا وهذا لا يوجب سقوط الظهور عن الحجية على ما هو المحقق
161

عندنا من عدم اشتراط حجيته بعدم الظن بالخلاف وهذا بخلاف الشهرة على الخلاف فإنها توجب
الاطمئنان باطلاع المشهور على ما يوجب إرادة خلاف الظاهر لا محالة ولم يثبت بناء عن العقلاء
على حجية الظهور حينئذ ان لم يثبت عدمه وهذا نظير ما إذا صدر من المولى العرفي خطاب عام
ورأينا ان المشهور بين أصحابه عدم العمل بهذا العموم مع اطلاعهم عليه ومبالاتهم بأحكام مولاهم
فإنه يكشف عند العقلاء عن اطلاعهم على ما يوجب إرادة الخصوص ولا يعملون حينئذ على
طبق العموم جزما فتحصل انه لا فرق في كاسرية الشهرة للحجية بين السند والدلالة
* (المقصد السابع) * في الأصول العملية الجارية عند الشك وقد بينا في مبحث القطع انها تنقسم
باعتبار مواردها إلى أربعة البراءة والاحتياط والتخيير والاستصحاب فإن الشك اما ان يلاحظ
فيه الحالة السابقة أم لا وعلى الثاني اما أن يكون جنس الالزام معلوما أم لا وعلى الأول اما أن يكون
الاحتياط ممكنا أم لا فهاهنا أربعة مباحث
* (المبحث الأول) * البراءة وموردها عدم العلم بجنس التكليف مع عدم لحاظ الحالة
السابقة وقبل التكلم في ذلك لا بأس بتقديم مقدمة يذكر فيها الفارق بين التخصص والورود
والحكومة والتخصيص (فنقول) اما التخصص فهو عبارة عن خروج شئ عن موضوع دليل بخروج
وجداني تكويني كخروج العلم الوجداني بالحكم عن أدلة الأصول والامارات واما التخصيص
فهو عبارة عن اخراج بعض افراد الموضوع عن الحكم من دون تصرف لا في عقد الوضع
ولا في عقد الحمل كما إذا ورد أكرم العلماء وقام الدليل على عدم وجوب اكرام زيد العالم فإنه
يوجب خروج زيد عن حكم وجوب الاكرام من دون تصرف لا في موضوع أكرم العلماء
بنفي العالمية عن زيد ولا في عقد الحمل باعطاء خصوصية للوجوب غير متحققة في اكرام زيد
(واما) الورود فهو عبارة عن الخروج الوجداني أيضا لكن بالتعبد بمعنى أن يكون نفس التعبد
مع قطع النظر عن ثبوت ما يتعبد به بحكم الشارع موجبا لخروج مورده عن الموضوع وهذا
كورود الأدلة التعبدية على الأصول العقلية التي اخذ في موضوعها عدم البيان أو عدم المؤمن
أو تحير المكلف من حيث العمل كاصالة البراءة أو الاحتياط أو التخيير فإن نفس وجود التعبد
الشرعي كاف في البيان والمؤمنية ورفع التحير عن المكلف فهو وان شارك التخصص في ارتفاع
الموضوع في موردهما وجدانا إلا أنه يفارقه في أن الارتفاع في مورد الأول تكويني خارجي
وفي الثاني تشريعي تعبدي ومن هنا يعلم أن في اطلاق الوارد على الأدلة العلمية بالقياس إلى
162

أدلة الامارات والأصول مسامحة واضحة (واما) الحكومة فهي تارة تكون باعتبار رفع أحد
الدليلين لموضوع الآخر وأخرى باعتبار رفعه للحكم والجامع بين القسمين ان لا يكون الرفع
وجدانيا كما في الورود والتخصص بل باعتبار ثبوت ما يتعبد به تشريعا (وتوضيح) ذلك ان الحكومة
تارة تكون واقعية فيوجب دليل الحاكم ارتفاع دليل المحكوم بحسب الواقع وهذا كحكومة
أدلة عدم اعتبار شك كثير الشك على أدلة الشكوك فإنها توجب اختصاص الأحكام الثابتة
للشكوك بغير كثير الشك واقعا لكن لا بلسان ان كثير الشك لا اعتبار بشكه حتى يرجع إلى
التخصيص بل بلسان أن شكه ليس بشك فهو خارج عن الموضوع بالتعبد وكحكومة أدلة نفي
الحرج والضرر على الأحكام الواقعية فإنها توجب تصرفا في عقد الحمل واختصاص الاحكام
بغير الموارد الحرجية أو الضررية لكن لا بلسان ان المتضرر مثلا ليس بمكلف أو ان الوضوء الضرري
مثلا ليس بوضوء حتى يكون رفعا لموضوع الأحكام الثابتة على المكلفين ولا بلسان انه لا يجب
الوضوء على المتضرر مثلا حتى يرجع إلى التخصيص بل بلسان ان الأحكام الثابتة في الشريعة
ليست بضررية ولا حرجية ولازم ذلك هو تلون الأحكام الثابتة بلون مخصوص ويترتب
عليه ارتفاعها عن موارد الحرج والضرر قهرا والفرق بين ذلك وبين القسم الأول بعد
اشتراكهما في أنهما يوجبان ارتفاع دليل المحكوم واقعا ان الدليل الحاكم في القسم الأول كان
بالتصرف في الموضوع وموجبا لرفعه بخلافه في هذا القسم فإنه يوجب التصرف في المحمول
ورفعه من دون التصرف في عقد الوضع وأخرى تكون الحكومة ظاهرية وهذا انما يتحقق في
موارد الاحكام الظاهرية كحكومة الامارات على الأصول الشرعية وحكومة بعض الامارات
أو بعض الأصول على بعض اما حكومة الامارات على الأصول فإنها توجب ثبوت ما اخذ
الشك فيه موضوعا في أدلة الأصول فيرتفع موضوعها بذلك وليس نفس التعبد بما هو مع قطع
النظر عن ثبوت ما تعبد به موجبا لرفع الموضوع كما في الورود لاشتراك دليل المحكوم مع الحاكم
في ذلك إذ المفروض ثبوت التعبد في كليهما بل الموجب لذلك هو ثبوت ما تعبد به بحكم
الشارع مثلا إذا فرضنا قيام الدليل التعبدي على حرمة شئ أو نجاسته فلا محالة يوجب ذلك
الدليل ثبوت الحرمة والنجاسة بحكم الشارع ويرتفع بذلك موضوع أصالة البراءة أو الطهارة
أعني الشك في الحرمة أو النجاسة وهكذا الحال في حكومة بعض الأصول على بعض كحكومة
الأصل السببي على المسببي فإن جريان الأصل السببي ولو لم يكن من الأصول المحرزة كاصالة
163

الطهارة يوجب ثبوت مجراه الذي اخذ الشك فيه موضوعا في الأصل المسببي ولو كان من
الأصول المحرزة مثلا إذا غسل ثوب متيقن النجاسة بماء مشكوك النجاسة فأصالة الطهارة في
الماء يوجب ارتفاع الشك في بقاء النجاسة في الثوب الذي اخذ موضوعا لاستصحاب النجاسة
ومن ذلك تعلم أن الأصل الجاري في ناحية السبب إذا لم يكن رافعا للشك في ناحية المسبب
فلا محالة لا يكون حاكما عليه وهذا كما في موارد الشك في كون شئ من اجزاء مأكول
اللحم أو غيره فان اجراء أصالة الحلية في اللحم لا يوجب ارتفاع الشك في جواز الصلاة وعدمه
معه فان جواز الصلاة مترتب على الحلية الذاتية للحيوان كما في الغنم وغيره مما يؤكل لحمه
في قبال الحرمة الذاتية كما في الأرنب ونحوه ومن المعلوم انه لا يثبت ذلك أصالة الحلية حتى
يرتفع الشك في الجواز بها واما حكومة بعض الامارات على بعض فليست باعتبار رفع نفس
موضوعها بالتعبد بل باعتبار رفع قيد الموضوع ولا فرق في ارتفاع موضوع الدليل المحكوم
بين ارتفاعه بنفسه وبين ارتفاعه بقيده مثلا إذا قامت البينة على أن المال الذي في يد زيد
ملك لعمرو فموضوع قاعدة اليد وان لم يرتفع بقيامها الا انه يوجب ارتفاع قيده إذ الموضوع
فيها اليد التي لم يعلم حالها والبينة توجب معلومية حالها فيكون رافعا لموضوعها وهكذا الحال في
حكومة الاقرار على غيره من الامارات وحكومة حكم الحاكم على غير الاقرار منها (وملخص)
الكلام ان الحكومة سواء كانت واقعية أو ظاهرية لا محالة توجب ارتفاع موضوع الدليل
المحكوم بثبوت ما تعبد به شرعا في غير موارد التصرف في عقد الحمل كما في أدلة نفي الضرر
والحرج فتفرق عن الورود بان الارتفاع في مورده ليس باعتبار ثبوت ما تعبد به بل باعتبار
نفس التعبد وقد ظهر من جميع ذلك ان ما توهمه جماعة من أن الحكومة لا بد وأن تكون
باعتبار شارحية الدليل الحاكم للدليل المحكوم بمثل كلمة أعني وأردت وأشباهها اغترارا بظاهر
كلام شيخنا العلامة الأنصاري (قده) في جملة كلام له في باب التعادل والتراجيح في غير محله
ضرورة ان الحكومة بهذا المعنى نادرة التحقق في الفقه جدا والالتزام باعتبار هذا المعنى في
الحكومة شعر بلا ضرورة (والحاصل) ان الدليل إذا ورد عليه قرينة موجبة لإرادة المعنى
المجازي من اللفظ أو إرادة المخصوص أو المقيد واقعا وان لم يكن مجازا في الكلمة كما في موارد
التخصيص والتقييد على ما هو الحق عندنا من عدم استلزامهما للمجازية فلا محالة يحكم العقل
بعد ذلك بإرادة خلاف الظاهر لفظا أو واقعا جمعا بين الدليلين فإذا كان هذا المعنى المتحصل
164

من حكم العقل بعد الجمح المذكور مفادا لفظيا ومعلولا لنفس اللفظ من دون احتياج إلى حكم العقل
فيكون الدليل المتكفل لذلك حاكما على الدليل الآخر وهذا هو الجامع بين تمام أقسام الحكومة التي
مر بيانها فالفرق بين الحكومة والتخصيص بعد اشتراكهما في عدم ارتفاع الموضوع وجدانا ان دليل
الحاكم يوجب التصرف في عقد الوضع أو في عقد الحمل فيترتب عليه رفع الحكم وهذا بخلاف
التخصيص فإنه يوجب ارتفاع الحكم عن الموضوع من دون تصرف أصلا (وقد ظهر) من جميع
ما ذكرناه ان تقدم الامارات على الأصول ليس من جهة ورودها عليها ولا من جهة تخصيص
أدلة الأصول بها بل من جهة الحكومة الموجبة لارتفاع موضوعها بثبوت ما اخذ الشك فيه
موضوعا في أدلة الأصول وسيأتي لذلك مزيد توضيح في بحث التعادل والتراجيح إن شاء الله
تعالى (إذا عرفت ذلك) فنقول الشبهة التي يكون الأصل فيها جاريا اما أن تكون شبهة حكمية
أو موضوعية والغرض من التكلم في هذا المقصد انما هو بيان حكم الشبهة الحكمية التي يختص
اجراء الأصل فيها بالمجتهد والبحث عن الأصل الجاري في الشبهة الموضوعية المسماة عند القدماء
بالشبهة في طريق الحكم من جهة الاستطراد (ثم) ان الشبهة الحكمية التي هي محل البحث في المقام
وهو الشك في التكليف مع عدم لحاظ الحالة السابقة اما أن تكون تحريمية أو وجوبية فهنا مقامان
ومنشأ الشبهة في كل منهما اما أن يكون فقدان النص أو اجماله أو تعارضه (اما المقام الأول) ففيه
مسائل (المسألة الأولى) ما إذا كانت الشبهة تحريمية من جهة فقدان النص والنزاع فيها بين الأخباريين
القائلين بوجوب الاحتياط فيها والأصوليين القائلين بأصالة البراءة وقبل بيان أدلة الطرفين
لا بد من بيان أمرين (الأول) أن الفرق بين مسألة البراءة والاحتياط ومسألة كون الأشياء على
الحظر أو الإباحة من جهتين (الأولى) أن موضوع هذه المسألة هو مطلق الفعل الصادر من
المكلف سواء لم يكن له تعلق بموضوع خارجي أو كان له تعلق به أعم من أن يكون ذلك
الفعل المتعلق به انتفاعا من ذلك العين أم لا وهذا بخلاف موضوع مسألة الحظر أو الإباحة فإنه
مختص بالانتفاع المتعلق بالموضوع الخارجي في غير ما يتوقف عليه المعاش الضروري فموضوع
مسألتنا أعم من موضوع تلك المسألة من وجهين (الثانية) ان المبحوث عنه في مسألتنا
هو حكم العقل من حيث كونه مشكوك الحكم وهذا بخلاف المبحوث عنه في تلك المسألة فإنه
حكم العقل من حيث هو وبعبارة أخرى المبحوث عنه في المقام هو البراءة أو الاحتياط من
حيث كونهما مقتضى الأصل العملي (واما) المبحوث عنه في تلك المسألة فهو الحظر أو الإباحة
165

من حيث كونهما مقتضى الدليل الاجتهادي (وتوضيح) ذلك أنه يبحث أولا عن حكم العقل
بالحظر أو الإباحة للأشياء مع قطع النظر عن الدليل الشرعي وبعد اثبات حكمه بالحظر أو توقفه
في الحكم يبحث عن قيام الدليل الشرعي على إباحة الأشياء على العموم حتى يثبت المخرج نظير
قوله تعالى وأحل لكم ما في الأرض جميعا ثم إنه إذا بنينا على ثبوت العموم ولكن لم يمكن التمسك
به لمانع في خصوص مورد أو بنينا على عدم الثبوت ولكن شك في شمول حكم العقل فتصل
النوبة إلى البحث عن البراءة أو الاحتياط فتحصل ان الافعال الغير المتعلقة بالموضوعات الخارجية
أو المتعلقة بها إذا لم تكن من قبل الانتفاعات داخلة في مبحث البراءة والاحتياط من أول الأمر
واما الانتفاع بالموضوعات الخارجية فيتوقف دخوله فيه على عدم شمول حكم الشرع
بإباحة الأشياء بنحو العموم وعدم حكم العقل بالحظر (ثم إن جماعة) من الأصحاب فرقوا بين
المسألتين بأن مسألة الحظر أو الإباحة انما هي بلحاظ حال هي قبل ورود الشرع وأما مسألة
البراءة والاحتياط فهي بلحاظ حال هي بعد ورود الشرع وقد اوردنا على ذلك سابقا بأن
البحث عن حكم ما قبل الشرع المفروض كونه زمان الفترة عن الرسل وانه هل هو الحظر أو
الإباحة نزاع لا محصل له فكيف يمكن أن يكون مطرحا للانظار ولكنه يمكن أن يكون مرادهم
من القبلية هي القبلية الرتبية دون الزمانية فيرجع كلامهم إلى ما ذكرناه من أن النزاع في تلك
المسألة أولا في حكم العقل مع قطع النظر عن حكم الشرع فلا اشكال
* (الأمر الثاني) * ان المبحوث عنه في المقام انما هو الحكم بالبراءة أو الاحتياط بعد
الفحص واما قبله فلا اشكال في عدم جواز الرجوع إلى البراءة عند الأصوليين والاخباريين
ولكنه لا يخفى ان ذلك لا يستلزم أن يكون المجتهد هو المكلف بإقامة الدليل على البراءة بعد
الفحص بل الاخباري لا بد له من إقامة الدليل على الاحتياط بعد الفحص أيضا لان ملاك
حكم العقل بعدم جواز الرجوع إلى البراءة قبل الفحص يستحيل بقاؤه إلى ما بعد الفحص (وتوضيح)
ذلك ان حكم العقل بعدم جواز الرجوع إلى البراءة قبل الفحص له منشئان (أحدهما) حكمه
بوجوب الفحص عن احكام المولى بمجرد احتمال حكم من قبله فإن العقل يستقل بأن وظيفة
المولى هو ايصال احكامه إلى عبده بجعل طرق إليها يتمكن العبد من الوصول إليها عادة
والعقاب على مخالفتها من دون ذلك عقاب لا بيان وبأن وظيفة العبد هو الفحص عن احكام
مولاه حتى لا يقع في مخالفتها وحكمه هذا من فروع حكمه بوجوب النظر إلى المعجزة ولولا
166

حكمه بذلك يلزم افحام الأنبياء عليهم السلام في دعواهم وقد سبق توضيح ذلك في بعض
المباحث السابقة وسيأتي بيانه في محله إن شاء الله تعالى وموضوع حكمه بذلك انما هو مجرد
احتمال البيان حتى يكون هذا الحكم العقلي بيانا لما هو بيان الحكم الواقعي فيكون الحكم الواقعي واصلا
بطريقة الواصل بالطريق أيضا ومن البديهي ان موضوع هذا الحكم يرتفع بعد الفحص فلو لم يجز الرجوع
بعده إلى البراءة فلا بد وأن يكون بملاك آخر غير وجوب الفحص (وثانيهما) حكمه بوجوب
الاحتياط من جهة العلم الاجمالي بثبوت تكاليف في الشريعة فما دام هذا العلم الاجمالي موجودا
يوجب تنجز الأحكام الواقعية ولو لم يكن عليها بيان في الشريعة وعلى ذلك بنينا صحة عقاب
تارك الطريقين إذا اقتحم في الشبهة وصادف مخالفته للحكم الواقعي ولو كان الحكم بحيث
إذا تفحص عنه لما كان يصل إليه ابدا وحينئذ فإذا أثبتنا انحلال هذا العلم الاجمالي بالفحص
والظفر بمقدار المعلوم بالاجمال كما سنبينه إن شاء الله تعالى فلا محالة لا يترتب عليه اثر بعد
الفحص فلا بد للاخباري القائل بوجوب الاحتياط من إقامة الدليل عليه غير هذا العلم الاجمالي
المترتب عليه وجوب الاحتياط في خصوص ما قبل الفحص فيكون حاله حال الأصولي في
وجوب اقامه الدليل على مدعاه (إذا عرفت ذلك) فقد استدل للقول المختار وهو الحكم بعدم
وجوب الاحتياط بالأدلة الأربعة (اما الآيات) فمنها قوله تعالى لا يكلف الله نفسا الا ما آتاها
بتقريب ان المراد من لفظة ما الموصولة هو التكليف فيكون المراد من الايتاء المتعلق به هو
الاعلام فتدل على أن الله تبارك وتعالى لا يكلف بالتكليف الغير الواصل إلى المكلف (وقد)
ادعى بعض ان دلالة الآية على ذلك ظاهرة بتقريب ان لفظة ما ظاهرة في أن المراد منه هو
الحكم وايتاء الحكم عبارة عن اعلامه كما في قوله تعالى ما آتاكم الرسول فخذوه فتدل على أن
الحكم قبل وصوله لا يكلف به العبد بل يكون هو في سعة واشكل عليه بأن إرادة خصوص
الحكم منها ينافيها صدر الآية وهو قوله ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما اتاه الله (والتحقيق)
ان يقال إن لفظة ما في حد ذاته يحتمل معان ثلاثة (الأول) خصوص الحكم فيكون المراد
من الايتاء الذي هو بمعنى الاعطاء الاعلام (الثاني) خصوص المال فيكون المراد من الايتاء
اعطاء السلطنة (الثالث) مطلق الفعل فيكون المراد من الايتاء الاقدار عليه فتدل على عدم
جواز التكليف بغير المقدر فيشمل مورد الآية وغيره (ثم إنه) لا ريب في عدم جواز إرادة
خصوص الحكم منها لمنافاته لمورد الآية كما أنه لا ريب في عدم جواز إرادة خصوص المال منها
167

وإلا لزم التكرار في مدلول الآية بل الظاهر كون الفقرة الثانية بمنزلة الكبرى الكلية للفقرة
الأولى مضافا إلى ما في رواية عبد الاعلى من الاستدلال بعدم وجوب المعرفة على الناس قبل
البيان بهذه الآية فلا بد من كونها بمنزلة الكبرى الكلية في المقامين والالتزام بإرادة معنى جامع
ينطبق على مورد الآية والرواية والذي يظهر من العلامة الأنصاري (قده) هو إرادة الاقدار
من الايتاء فيكون شاملا لموردي الآية والرواية فإن تحصيل معرفة الصانع اجمالا وإن كان
فطريا لكل مدرك التفت إلى نفس وجوده وحدوثه فضلا عن غيره
الا ان المعرفة التفصيلية تتوقف على البيان لا محالة ومن دفعه تكون
تحصيلها غير مقدور عليه يكون الآية أجنبية عن الدلالة على عدم التكليف في ظرف عدم الوصول
(وبعبارة أخرى) البيان في مورد الرواية وهو المعرفة ليس مثل البيان في الاحكام الفرعية حتى
يلزم من شمول الآية للأول شمولها للثاني إذ البيان في المعرفة شرط مقدوريتها للمكلف إذ بدونه لا
تكون مقدورة وهذا بخلاف البيان في الاحكام الفرعية فإن الاتيان بمتعلقاتها لا يتوقف عليه
أصلا (والحاصل) ان استدلال الإمام عليه السلام بعدم وجوب المعرفة قبل البيان لا دلالة فيه
على إرادة الاعلام من الايتاء حتى يصح الاستدلال بها في المقام بل يصح ذلك مع عدمها
وإرادة الاقدار من الايتاء وعليها يكون مدلول الآية أجنبيا عن المقام بل رأسا هذا (ولكنه لا يخفى) ان
المعرفة التفصيلية قبل البيان وإن كانت غير مقدورة الا ان الظاهر أن استدلال الإمام عليه السلام
ليس من هذه الجهة بل من جهة ان التكليف لا يكون قبل البيان فإنه سلام الله عليه رتب
الاستدلال بالآية على قوله لا على الله البيان فيكون الظاهر من الرواية ان كون مورد السؤال
من صغريات الآية لأجل عدم البيان لا لأجل عدم القدرة قبل البيان وعليه فيدل الآية على
نفي التكليف في مطلق موارد عدم البيان فلابد من إرادة الجامع بين مورد الآية والرواية (ودعوى)
انه لا جامع بين التكليف ومتعلقه فإن إيتاء التكليف عبارة عن اعلامه وايتاء المال عبارة عن
التسليط عليه ولا جامع بينهما (مدفوعة) بأن الايتاء عبارة عن الاتيان بالشئ وهذا معنى واحد
لا يختلف باختلاف موارده فيكون المراد من الايتاء معنى واحد وانما الاختلاف في مصاديقه
فإن الاتيان بالتكليف كما عرفت انما يكون باعلامه والاتيان بالمال انما يكون باعطائه والتسليط
عليه والاتيان بالفعل انما يكون بالاقدار عليه فاختلاف مصاديق المعنى الواحد لا يضر بوحدة
المعنى أصلا وما توهم ان شمول الآية للتكليف ومتعلقه يستلزم استعمال اللفظ وهو كلمة الموصول
168

في أكثر من معنى واحد إذ إرادة التكليف منه تستلزم كونه مفعولا مطلقا لقوله تعالى لا يكلف
وإرادة متعلق التكليف تستلزم كونه مفعولا به ولا جامع بين المفعولين فمدفوع بأن التكليف
بالمعنى المصدري وإن كان لا بد من كونه مفعولا مطلقا لا غير إلا أنه بالمعنى الاسم
المصدري المعبر عنه بالحكم المجعول يكون مفعولا به إذ هو الذي يصدر من الجاعل أولا فلا
موجب للاستعمال في أكثر من معنى واحد فيكون معنى الآية ان الله تبارك وتعالى لا يكلف
بحكم ولا بمتعلقه إلا بعد الاتيان به ومن ذلك يظهر ان ما توهمه بعض في قوله تعالى وهو الذي
خلق السماوات والأرض ومن أن السماوات مفعول مطلق فإن الخلق عين المخلوق غير
صحيح فإن السماوات وإن كان عين الخلق إلا أنه الخلق بالمعنى الاسم المصدري وهو أول
مفعول به يقع عليه فعل الفاعل فيكون مفعولا به لا غير ومنه يظهر أيضا ان ما عد من المفعول
المطلق المفعول المطلق العددي أو النوعي غير صحيح أيضا فإن المصدر فيهما إنما يكون مستعملا
في المعنى الاسم المصدري فيكون مفعولا به فيتمحض المفعول المطلق في ما إذا أتي به
للتأكيد لا غير فظهر من جميع ما ذكرناه صحة إرادة الجامع بين التكليف ومتعلقه ولا يلزم منه
محذور أصلا بل لابد من ارادته حتى ينطبق على موردي الآية والرواية بالتقريب الذي
ذكرناه ولكنه مع ذلك لا يمكن الاستدلال بها على الاخباري فإن محل الكلام بينهم وبين
الأصوليين هو ما إذا شك في ثبوت حكم في الشريعة بعد صدور الاحكام وتبليغها إلى
المكلفين لأجل احتمال صدور هذا الحكم واختفائه بسبب العوارض وأين ذلك من مفاد الآية
وهو عدم التكليف قبل الاتيان بالحكم وقبل صدوره من جهة سكوت الله تعالى عنه ومن ذلك
يظهر عدم دلالة بقية الآيات على تقدير تمامية دلالتها في حد أنفسها على محل الكلام بل غاية
ما يستفاد منها هو عدم التكليف والمؤاخذ على مخالفة الحكم الغير الصادر وهذا أجنبي عن المقام
كما عرفت بل إن قوله تعالى قل لا أجد فيما أوحي إلي الآية وكذا قوله تعالى ما لكم ألا تأكلوا
مما ذكر اسم عليه الآية لا يدل على ذلك أيضا فإن عدم الوجدان في مورد الآيتين يكشف
عن عدم الوجود واقعا فلا يصح الاستدلال بهما لحكم مورد الشك أصلا وأما الروايات فهي
كثيرة " منها " النبوي المروي بسند صحيح رفع عن أمتي تسعة أشياء الخطأ والنسيان وما
استكرهوا عليه وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه والطيرة والحسد والتفكر في
الوسوسة في الخلق ما لم ينطق الانسان بشفتيه ولا بد من التكلم في الرواية من جهات " الأولى "
169

ربما يتوهم ان رفع الخطأ وغيره حيث لا يمكن حقيقته فلا بد من التقدير من باب دلالة الاقتضاء
وقد اختلف في بحث دلالة الاقتضاء في أن المقدر إذا دار أمره بين الخصوص أو العموم فهل
مقتضى القاعدة هو الاخذ بالخصوص أو العموم أو الاخذ بأظهر الخواص أو الحكم بالاجمال
وعليه فيقع النزاع في أن المقدر في المقام ما هو فهل هو خصوص العقاب أو تمام الآثار أو أظهرها
أو يحكم بالاجمال ولكنه لا يخفى فساد هذا التوهم فإنه يبتنى على كون المراد من الرفع هو الرفع
الخارجي حتى يتوقف صحة الكلام على التقدير وأما إذا كان المراد منه الرفع في عالم التشريع
فلا يحتاج إلى تقدير شئ أصلا نعم يقع الكلام في أن مقتضى رفع الخطأ مثلا في عالم التشريع
وجعله كعدمه ما هو فهل رفعه عبارة عن رفع تمام الآثار أو خصوص العقاب أو رفع أظهر الآثار
أو لا ظهور له في شئ من ذلك فيكون مجملا ويتضح لك الحال في ذلك إن شاء الله تعالى
" الثانية " ان اتصاف الشئ بالرافعية أو الدافعية لا يكون إلا بعد وجود المقتضي ومنزلتها منزلة المانعية
فما لم يكن هناك مقتض لوجود الشئ فلا دافع ولا رافع بل يستند العدم إلى عدم المقتضي ولا
يخفى ان كل رافع فهو دافع في الحقيقة إذ الرافع إنما يكون مزاحما لتأثير مقتضى البقاء ومانعا عن
تحقق مقتضاه حينه ووجود المقتضي قبل ذلك أجنبي عن مزاحمته بقاء فالرافع في الحقيقة مانع
عن تحقق الأثر كما في الدافع فإن المعلول كما يحتاج إلى المؤثر في حدوثه فكذلك يحتاج
إليه في بقائه فكل من الرافع والدافع يكون مزاحما للمقتضي في تأثيره نعم لو قلنا بأن الحادث
لا يحتاج في بقائه إلى المؤثر لما كان الرافع مزاحما لتأثير المقتضي بل دافعا لاثره الحادث ولكن
هذا القول فاسد لا يمكن المصير إليه وعليه فلا فرق حقيقة بين الدافع والرافع ويصح استعمال كل
منهما في مورد الآخر بلا عناية فلا وقع للاشكال على الرواية بعدم صحة اطلاق الرفع في جملة
من التسعة المذكورة فيها التي هي من قبيل الدفع " الثالثة " ان رفع الخطأ والنسيان في الرواية
ليس المراد منه هو دفع نفس هذه العناوين تشريعا وفرضها كأن لم يكن كما توهم فإن ذلك
يستلزم اجراء احكام العامد والملتفت على الخاطئ والناسي وهذا ينافي ورود الرواية مورد
الامتنان بل المراد منه هو رفع الفعل الصادر حال الخطأ أو النسيان كرفع الفعل المكره عليه أو المضطر
إليه أو مالا يطاق بمعنى أن الأحكام الثابتة لنفس الافعال من دون تقييدها بحال العمد أو
الخطأ مثلا ترتفع حال الخطأ فتكون الرواية حاكمة على الأدلة المثبتة للأحكام لنفس عناوين
الافعال من دون قيد ومخصصا لها بحال العمد واما الأحكام الثابتة على الافعال بقيد كونها
170

عمدية فهي ترتفع في مورد الخطأ بنفس أدلتها من دون احتياج إلى حديث الرفع كما أن الأحكام الثابتة
للفعل الخطأي يستحيل ارتفاعها بسبب الخطأ كما هو واضح " إذا عرفت " ذلك فاعلم أنه
ربما يشكل على الرواية بأن ارتفاع الاحكام في الثلاثة الأخيرة رفع واقعي من أول الأمر
من دون ثبوت لها بنحو من الثبوت إلا ثبوتا اقتضائيا بثبوت مقتضياتها وأما ارتفاعها في بقية
الموارد غير مورد الجهل فهو رفع واقعي أيضا لكنه بعنوان الحكومة الموجبة لتخصيص الأدلة
المثبتة لها بغير تلك الموارد وأما الارتفاع في مورد الجهل فهو ليس إلا ارتفاعا ظاهريا غير
موجب لتغير الواقع عن حاله فما هو الجامع بين اسناد الرفع إلى التسعة المذكورة في الرواية
مع هذا الاختلاف بينها وبعبارة أخرى الارتفاع في غير مالا يعلمون لا يمكن أن يتعلق بنفس
المذكورات في الرواية وإنما يتعلق بها باعتبار تعلق الحكم بها وأما فيه فيتعلق بنفسه لكن
ارتفاعا ظاهريا فيلزم اختلاف السياق باختلاف جهة الرفع في التسعة المذكورة فيها (والجواب)
عن ذلك ان صدق الرفع في تمام التسعة باعتبار ثبوت المقتضي للجعل ومن المعلوم ان المراد
منه هو الرفع التشريعي دون التكويني فرفع الثلاثة الأخيرة تشريعا إنما هو باعتبار وجود المقتضي
لجعل الحرمة فيها فلم يجعل الحرمة امتنانا " وأما " بالنسبة إلى غير مالا يعلمون فباعتبار وجود المقتضي لعموم
الحكم واقعا حتى بالنسبة إلى حال الخطأ والنسيان وغيرهما وأن لا يختص بغير مواردها ووجود
الاطلاق أو العموم ظاهرا مع عدم كونهما مرادا واقعا أجنبي عن صدق الرفع فما هو الملاك
في صدق الرفع في الثلاثة الأخيرة هو الملاك في صدقه فيها بعينه من دون فرق بينهما أصلا
وأما بالنسبة إلى مالا يعلمون فالرفع التشريعي فيه إنما هو برفع نفسه حيث إن المجهول إنما هو
نفس الحكم وهو بنفسه قابل للارتفاع وهذا بخلاف غيره فإن ارتفاع غيره تشريعا إنما هو بعدم
جعله موضوعا للحكم وأما ارتفاع الحكم المجهول كذلك فهو بعدم جعل نفسه وهذا لا ربط
له باختلاف السياق أصلا ضرورة ان المراد من الرفع في الجميع هو الرفع التشريعي والاختلاف
إنما هو في متعلق الرفع باعتبار تعلقه بالحكم مرة وبالموضوع أخرى وأما المصحح لصدق
الرفع فيما لا يعلمون فتوضيحه ان الحكم الواقعي الناشئ عن الملاك حيث إنه لا محركية له حال
الجهل به فيمكن للشارع أن يجعل له متمما موجبا لوصوله بطريقه بلسان إيجاب الاحتياط أو
يجعل أصالة الحرمة كما في موارد الدماء والفروج والأموال حفظا للأغراض الواقعية ويمكن
له أن يرفع الحكم الواقعي حال الجهل ولا يعتني بوجود المقتضي لإيصاله إما بجعل إصالة.
171

الإباحة المقابلة لا صالة الحرمة أو بلسان حديث الرفع النافي لايجاب الاحتياط ويمكن له ان
لا يجعل شيئا في هذا الحال لا وضعا ولا رفعا ويوكل العبد إلى حكم عقله بقبح العقاب بلا
بيان والفرق بين حكم الشرع بالإباحة أو برفع المجهول وبين حكم العقل بقبح العقاب بلا
بيان ان ما يحكم به الشرع أولا هو رفع الحكم وترتب عدم العقاب عليه قهري وهذا بخلاف
حكم العقل فإن حكمه ابتداء إنما هو بقبح العقاب وليس له الحكم بالترخيص ابدا فإن وظيفة
العقل هو الادراك ليس الأنعام يترتب على حكمه بقبح العقاب اللا حرجية في الفعل أو الترك
لا محالة (وبالجملة) المقتضي لوضع الحكم الواقعي حال الجهل موجود والرفع إنما هو باعتبار
عدم اعتناء الشارع بوجوده بعدم ترتيب الأثر عليه من ايجاب الاحتياط أو جعل أصالة الحرمة
امتنانا فكما ان صدق الرفع في غير مالا يعلمون إنما هو باعتبار وجود المقتضي للجعل فكذلك
صدقه فيه باعتبار وجود المقتضي له أيضا بل صدق الرفع فيه أولي من غيره فإن الارتفاع في
غيره غير مقترن بالثبوت بنحو من انحائه غير ثبوت المقتضي بثبوت مقتضيه وأما فيه فالارتفاع
مقترن بالثبوت الواقعي المشترك بين الكل فظهر أن متعلق الرفع فيما لا يعلمون إنما هو نفس
الحكم الواقعي ظاهرا وهذا ضد لوضعه بايجاب الاحتياط لا ان المرفوع هو ايجاب الاحتياط
كما يوهمه ظاهر عبارة العلامة الأنصاري (قده) كما اتضح أن صدق الرفع في الجميع بملاك
واحد وهو وجود المقتضي للجعل وكون الرفع ظاهريا تارة وواقعيا أخرى وكونه مقترنا بوجود
عموم أو اطلاق في البعض وغير مقترن به في البعض الاخر أجنبي عما هو الملاك في صدق الرفع
المشترك في الجميع (فإن قلت) إذا كان المراد من الموصول فيما لا يعلمون هو الحكم فكيف
يعقل إرادة الفعل المجهول منه حتى يكون شاملا للشبهة الموضوعية المسلم جريان البراءة فيها بين
الأصولي والاخباري وبعبارة أخرى إذا كان رفع الحكم تشريعا عبارة عن رفع نفسه ورفع الموضوع
كذلك عبارة عن عدم جعله موضوعا للحكم الراجع إلى رفع حكمه فكيف يمكن شمول الرواية
للشبهة الحكمية والموضوعية معا حتى يكون الرفع المتعلق بشئ واحد رفعا له بنفسه ورفعا لحكمه
(قلت) الرفع فيه متعلق بالحكم المجهول مطلقا وهو المرتفع بنفسه غاية الأمران الجهل في
الشبهة الحكمية إنما هو بنفسه والجهل في الشبهة الموضوعية ناشئ عن الجهل بالموضوع وهذا لا
يوجب إرادة الفعل والحكم من الموصول حتى يتوجه ما ذكر من الاشكال وهذا نظير ما
سيأتي في باب الاستصحاب من أن مقتضى أدلته هو جعل الحكم المماثل حال الشك أعم من أن
172

يكون المتيقن حكما فيجعل مثله أو موضوعا فيجعل مثل حكمه وعلى كل حال فالمجعول هو
الحكم ليس إلا كما أن المرفوع في المقام أيضا هو الحكم المجهول مطلقا أعم من أن يكون الجهل
به ناشئا من الجهل بالموضوع أولا (الرابعة) في بيان ان مقتضي الرفع التشريعي في التسعة
المذكورة في الرواية ما هو اما بالنسبة إلى الثلاثة الأخيرة فقد عرفت ان المرفوع فيها هو الحرمة
باعتبار وجود المقتضي لجعلها وأما فيما لا يعلمون فقد ظهر أيضا ان المرفوع هو جعل الحكم حال
الجهل وايصاله إلى المكلف بجعل ايجاب الاحتياط أو أصالة الحرمة كما في بعض الموارد ومنه
ظهر ان توهم كون المرفوع العقاب في غير محله ضرورة ان رفع العقاب بما هو ليس من وظيفة
الشارع بما هو وإنما وظيفته رفع الحكم المترتب عليه رفع العقاب قهرا هذا مضافا إلى أن
حديث الرفع لو كان مفاده الاخبار عن الرفع الخارجي لما كان لتقدير خصوص العقاب مجال
أيضا لعدم كونه أظهر الآثار أولا والمنع عن تقدير خصوص الظهر ثانيا فإن الظاهر من تقدير
شئ وجعل ما يضاف إليه المقدر مكانه هو عموم المقدر ورفع تمام آثاره إلا أن يكون هناك
ظهور عرفي في تقدير بعض الآثار حتى يكون تقدير العموم خلاف الظاهر (واما) بالنسبة
إلى الخمسة الباقية فيقع الاشكال فيها لا سيما في خصوص الخطاء والنسيان باعتبار ان الخطا
والنسيان وغيرهما قد تكون في موارد الأحكام التكليفية واخرى في موارد الأحكام الوضعية
وعلى الأول فاما ان تتعلق بموضوعات الاحكام واخرى بمتعلقاتهما وعلى تقدير تعلقها بالمتعلقات
فإما أن يكون الحكم التكليفي المتعلق بها انحلاليا كما في موارد الحرمة أو متعلقا بصرف الوجود
كما في الاحكام الايجابية فنقول في توضيح ذلك بعون الله تعالى وحسن تأييده ان الخطأ والنسيان
وغيرهما إذا تعلقت بموضوعات الاحكام التي قد عرفت سابقا ان مرتبتها من الأحكام المترتبة
عليها مرتبة العلة من المعلول فمعنى ارتفاعها تشريعا هو عدم جعل تلك الموضوعات موضوعات
للأحكام حالها فالفعل الخطأي كالارتماس مثلا حيث كان فيه اقتضاء بطلان الصوم ووجوب
القضاء وجعل الكفارة كما إذا وقع عمدا فارتفع اثره بعدم جعل تلك الأحكام عند تحققه وهذا
هو القدر المتيقن من دخوله تحت دليل الرفع (واما) بالنسبة إلى المتعلقات فإن كان الحكم
التكليفي المتعلق بها انحلاليا كالحرمة المتعلقة بشرب كل فرد من افراد الخمر فربما يتوهم ان
رفع المتعلق في عالم التشريع ليس عبارة عن رفع حكمه فإن الحكم لا يترتب على المتعلق
ترتب المقتضي على مقتضيه كما كان كذلك في الموضوعات إذا الحكم في مرتبة سابقة على وجود
173

متعلقه لا محالة فإنه المقتضي لوجوده كما في الواجبات أو لعدمه كما في المحرمات فكيف يمكن
أن يكون رفع المتعلق في عالم التشريع عبارة عن رفع الحكم السابق عليه من حيث المرتبة (ولكن)
فساد هذا التوهم من الوضوح بمكان فإن نسبة الحكم إلى متعلقه وإن لم يكن من سنخ نسبة
المعلول إلى علته إلا انها من سنخ نسبة العرض إلى محله فكما ان ارتفاع المعروض يوجب
ارتفاع عرضه خارجا لاستحالة وجود العرض من دون وجود معروضه فكذلك ارتفاع
المتعلق في عالم التشريع يوجب ارتفاع الحكم المتعلق به لا محالة مثلا إذا كان شرب الخمر صادرا
عن نسيان أو اكراه أو غيرهما ففرضه في عالم التشريع كأن لم يكن ليس إلا عبارة عن فرض
عدم تعلق التحريم به (والحاصل) أن رفع الموضوع في عالم التشريع كما أنه كان عبارة عن رفع
الحكم المترتب عليه فكذلك رفع المتعلق في ذلك العالم عبارة عن رفع الحكم المتعلق به أيضا
من دون فرق بينهما أصلا إلا في كون القسم الأول أظهر من الثاني وبالجملة ان كل فعل
وجودي أو عدمي اخذ موضوعا لحكم شرعي أو كان متعلقا له بنحو الانحلال كما في موارد
الحرمة فرفعه في عالم التشريع عبارة عن رفع الحكم المترتب عليه أو المتعلق به وأما إذا كان
الحكم التكليفي متعلقا بصرف الوجود فالحق عدم شمول حديث الرفع لمثل ذلك ابدا لما عرفت
من أن شمول حديث الرفع يتوقف على كون المرفوع في عالم التشريع ذا أثر شرعي حتى يكون
المرفوع في الحقيقة ذاك الأثر المترتب عليه أو المتعلق به فإذا فرضنا تعلق الحكم بصرف الوجود
وكان فرد واحد من الطبيعة المأمور بها متعلقا للنسيان أو الاكراه فلا يعقل شمول حديث
الرفع له أصلا إذ المفروض ان ما هو متعلق الحكم وهو صرف الوجود لم يتعلق به النسيان أو
الاكراه وما تعلق به النسيان أو الاكراه وهو الفرد الخاص الخارجي لم يتعلق به الحكم
حتى يكون رفعه في عالم التشريع رفعا لحكمه (ومن) هنا يظهر ان الصلاة التي نسي فيها بعض
الاجزاء أو الشرائط إذا لم يكن النسيان مستوعبا لتمام الوقت لا تكون مشمولة لحديث الرفع
فإن السورة المأمور بها في ضمن الامر بالصلاة انما يطلب صرف وجودها فخصوص الصلاة
الصادرة من المكلف لم يتعلق بها حكم شرعي حتى يكون مرفوعا حال النسيان فيقال ان السورة
المنسية لا أمر بها إذا تركت نسيانا واما الصلاة الصادرة من المكلف فإن كان لها حكم فإنما
هو حكم عقلي وهو اجزاؤها عن المأمور به والحكم العقلي مع أنه لا يقبل لان يكون مرفوعا
بحديث الرفع يلزم من ارتفاعه خلاف الامتنان ولا ريب في أن شمول الحديث لمورد يتفرع
174

على كون الرفع فيه موجبا للامتنان لا مخالفا له بل الامر كذلك ولو كان النسيان مستوعبا
لتمام الوقت أيضا فإنك قد عرفت ان شمول حديث الرفع يتوقف على كون الفعل الصادر
عن النسيان مثلا ذا حكم شرعي يرتفع حال النسيان وليس ترك الصلاة المشتملة على السورة
في تمام الوقت إلا ذا حكم متعلق به وحكم مترتب عليه اما الحكم المتعلق به وهو الحرمة فلا
ريب في ارتفاعه حال النسيان لكنه لا يثبت كون بقية الأجزاء مأمورا بها لاحتمال سقوط
الامر بالكلية وأما الحكم المترتب عليه وهو وجوب القضاء خارج الوقت فهو غير قابل لان
يرتفع عند قوات الصلاة عن نسيان لان وجوب القضاء إنما ثبت لمطلق الفوت حتى ما كان
لنسيان أو نوم أو غيرهما فلو لم يمكن تصحيح الصلاة بمثل لا تعاد كما إذا كان الجزء المنسي من
الأركان مثلا فلا ريب في ثبوت القضاء وعدم ارتفاعه بحديث الرفع (وتوهم) ان حديث
الرفع يوجب رفع الجزئية الثابتة للجزء المنسي فيكون الاتيان بغيره موافقا للمأمور به كما يرتفع
جزئية الجزء المجهول به ويثبت الامر بغيره من الاجزاء (مدفوع) بأن المجهول في ذاك المقام
إنما هو نفس الجزئية والمفروض ثبوت العلم بجزئية غيره فيجب الاتيان بها وهذا بخلاف المقام
فإن المنسي فيه هو الجزء دون الجزئية وليس ترك الجزء موضوعا لحكم شرعي حتى يرتفع برفعه
في عالم التشريع (نعم) لو ورد دليل بالخصوص على أن ترك السورة المنسية مثلا في حكم العدم
فلا بد من حمله على رفع جزئيته حال النسيان ولكن أين ذلك من حديث الرفع الغير المختص
بخصوص مورد (وقد) أشرنا في بعض المباحث السابقة إلى أن الحكم الثابت بنحو العموم إذا
كان شموله لمورد محتاجا إلى عناية زائدة فمقتضى القاعدة عدم شمول العموم له لا الحكم بالعموم
واثبات تلك العناية وسيأتي في بحث الأصل المثبت توضيح ذلك مفصلا إن شاء الله تعالى
فظهر مما ذكرناه انه لا وجه للتمسك بحديث الرفع لموارد نسيان الاجزاء أو الشرائط مطلقا
بل التمسك به في تلك الموارد موجب لهدم القواعد المذكورة في باب الخلل في احكام النسيان
قبل تجاوز المحل أو بعده وكون المنسي ركنا أو غير ركن وكيف كان فشمول حديث
الرفع لموارد الأحكام التكليفية إنما يكون إذا كان المورد لها في الخمسة المذكورة فيه موضوعا
لذلك الحكم أو متعلقا له بنحو الانحلال ومع ذلك كان في رفعه منة أيضا واما إذا كانت
الاحكام وضعية ففيها تفصيل باعتبار أن موارد هذه الخمسة قد تكون من قبيل المسببات
في العقود والايقاعات أو من قبيل الطهارة والنجاسة أو من قبيل الأسباب اما المسببات العقدية
175

أو الايقاعية فالظاهر أنه لا يمكن تعلق الخطأ والنسيان بها لأنها أمور إيجادية انشائية فإما أن
لا تتحقق في الخارج أو تتحقق مع التفات وعمد إليها وكذلك لا يمكن أن تكون موارد لما
لا يطيقون والوجه فيه ظاهر وأما الاضطرار فيجزي فيها لكن ارتفاع أثارها يكون منافيا
للامتنان فمن اضطر إلى بيع داره مثلا لو حكم فيه بفساد البيع لوقع في محذور الاضطرار وهذا
ينافي الامتنان (وأما) الاكراه فلا اشكال في جريانه فيها وكونه موجبا لعدم امضاء المسببات
في نظر الشارع ويدل عليه استشهاد الإمام عليه السلام لرفع أثر الحلف بالعتاق والطلاق
وصدقة ما يملك مع الاكراه عليه بحديث الرفع فإن الحلف المذكور وإن كان باطلا عندنا
ولو مع عدم الاكراه إلا أن استشهاده عليه السلام بحديث الرفع يدل على شمول الحديث
لآثار المسببات أيضا وإن كان التطبيق على الصغرى المذكورة في الرواية لأجل التقية وأما
المسببات في باب الطهارة والنجاسة فهي غير قابلة للارتفاع ولو كانت عن اكراه أو نسيان أو
غيرهما فلو أكره على تنجيس بدنه فلا محالة يتنجس البدن بذلك ولا يمكن رفع هذا الأثر
بالاكراه أو غيره ولو لم يكن الطهارة والنجاسة من الأمور الواقعية التي كشف عنها الشارع
بل كانتا من الأحكام المجعولة كما هو مقتضى التحقيق ضرورة ان الحكم بالنجاسة أو الطهارة
وإن كان لا بد فيه من ملاك واقعي يكون داعيا إلى جعله كما في بقية الاحكام الا أن ذلك
أجنبي عن كون نفس الطهارة والنجاسة من الأمور الواقعية كما ذهب إليه بعض وذلك فإن
النجاسة بحسب الأدلة مترتبة على وجود أسبابها الواقعية من دون مدخلية شئ في ذلك وجودا
وعدما فيكون حاله حال وجوب القضاء المترتب على فوت الفريضة الغير المرتفع قي صورة
النسيان أو غيره كما عرفت (وأما) الأسباب فالتحقيق عدم جريان حديث الرفع فيها أيضا لما
عرفت من أن شمول الحديث لمورد يتوقف على كون ذلك المورد ذا حكم شرعي يكون رفعه
في عالم التشريع برفعه فمثل تقدم القبول على الايجاب أو عدم الموالاة في العقد وأمثال ذلك
لا أثر له شرعا حتى إذا وقع عن اكراه أو نسيان يكون ذلك الأثر مرتفعا عنه فعند ذلك
لا بد من الالتزام بالبطلان الذي هو من آثار عدم صدور العقد التام من حديث الاجزاء
والشرايط ثم انك قد عرفت ان مقتضى رفع مالا يعلمون في عالم التشريع إنما هو عدم جعل
نفسه حال الجهل بايجاب الاحتياط أو بجعل أصالة الحرمة فنقول في توضيح ذلك ان شمول
حديث الرفع لموارد الجهل يتوقف على أمور ثلاثة (الأول) أن يكون المجهول مجعولا شرعيا
176

حتى يكون قابلا لتعلق الرفع به شرعا (الثاني) كون المجهول بحيث يترتب العقاب على مخالفته
لولا الرفع حتى يكون لرفعه أثر خارجا (الثالث) أن يكون في الرفع امتنان على المكلف فلو
كان ارتفاع حكم موجبا لخلاف الامتنان عليه فلا يمكن أن يشمله حديث الرفع لا محالة (إذا
عرفت) ذلك فنقول ان الجهل بالحكم الشرعي ربما يكون في موارد التكاليف الاستقلالية
سواء كانت الشبهة حكمية كالشك في حرمة شرب التتن لعدم النص في المسألة أو كانت موضوعية
كالشك في حرمة مائع خارجي لاحتمال كونه خمرا وأخرى يكون في موارد الاحكام الضمنية
كالشك بين الأقل والأكثر اما من جهة الشبهة الحكمية كالشك في شرطية شئ للمأمور به أو جزئيته
له أو مانعيته عنه أو من جهة الشك في وجود المحصلات الشرعية كالشك في حصول الطهارة
عند الغسل بالماء مرة أو الشك في حصول الطهارة الحدثية بالوضوء مع المسح منكوسا بناء على
أن يكون المأمور به هو تحصيل الطهارة الحدثية وكون الطهارات الثلاث محصلة لها على ما هو
خلاف التحقيق عندنا من كون نفس الطهارات مأمورا بها وان حصول الطهارة داع للامر بها كما
يظهر من قوله (ع) في رواية فضل بن شاذان انما أمر بالوضوء وبدئ به ليكون العبد
طاهرا بين يدي المولى (الخبر) أو من جهة الشك في وجود المحصلات الخارجية كما إذا
شك في تحقق القتل الواجب بالضرب مرة واحدة اما الجهل في موارد التكاليف الاستقلالية
فلا اشكال في ايجابه لارتفاع الاحكام التي تعلق بها من دون فرق بين كون الشبهة حكمية
أو موضوعية لما عرفت من أن الملاك الجامع هو كون الحكم مجهولا وهذا متحقق في القسمين
غاية الأمر ان سبب الجهل في الشبهة الحكمية يغاير سببه في الشبهة الموضوعية وهذا أجنبي عما
هو ملاك الرفع بالكلية (واما) الجهل في موارد الاحكام الضمنية فهو موجب لارتفاعها أيضا
عند كون الشبهة حكمية فإن انبساط التكليف على غير ما شك في جزئيته أو شرطيته أو
مانعيته معلوم وإنما الشك في انبساطه على وجود ما يشك في جزئيته أو شرطيته أو عدم ما يحتمل
مانعيته فمقتضى حديث الرفع ارتفاع الانبساط على المشكوك وعدم تعلقه به فيحكم بذلك بعدم
جزئية المشكوك أو شرطيته أو مانعيته ظاهرا كما كان يحكم بعدم حرمة شرب التتن كذلك ومن
هذا البيان يظهر ان المرفوع بحديث الرفع عند الشك بين الأقل والأكثر هو الامر النفسي
من حيث تعلقه بالمشكوك لا الامر الغيري المشكوك تعلقه به كما يظهر من عبارة العلامة
الأنصاري (قده) وتبعه عليه جماعة ممن تأخر عنه لما ذكرناه في بحث مقدمة الواجب من أن
177

المقدمات الداخلية انما تجب بنفس الوجوب النفسي المتعلق بالكل لا بوجوب آخر غيري
فراجع (وأما) إذا كانت الشبهة موضوعية فيفرق فيها بين الشك في الجزئية والشرطية وبين
الشك في المانعية فإن الشك إذا كان في تحقق ما علم كونه شرطا أو جزء كالشك في تحقق
قراءة السورة الواجبة بقراءة سورة لايلاف فقط مثلا فلا محالة يرجع الشك إلى الشك في
الامتثال بعد العلم بالاشتغال فلا بد من الحكم فيه بقاعدة الاشتغال دون البراءة واما إذا كان
الشك في تحقق ما علم ما نعيته فالشك في الحقيقة يرجع إلى الشك في التكليف وذلك لان
الحكم بمانعية شئ كالحكم بمانعية غير المأكول في الصلاة إنما يكون حكما انحلاليا فكل فرد من
افراد غير المأكول له مانعية مستقلة فما علم كونه من غير المأكول يعلم بتقيد الصلاة بعدمه وما
شك فيه يشك في التقيد فيرفع بحديث الرفع وبالجملة لا فرق في جريان البراءة في الشبهة
الموضوعية التحريمية بين كون الحرمة استقلالية أو ضمنية والملاك هو الانحلالية وهو مشترك
بينهما (وأما الجهل) من جهة الشك في وجود المحصل فلا يمكن كونه مورد الحديث الرفع
فإن تعلق الامر بالمسببات معلوم بالفرض وغير قابل للإرتفاع بحديث الرفع كما هو واضح
وتحققها عند حصول ما يشك في محصليته وإن كان مشكوكا إلا أنه غير مجعول في غير
المحصلات الشرعية حتى يكون قابلا للرفع التشريعي ولا امتنان في رفعها مطلقا إذ معنى ارتفاع
المشكوك حينئذ الحكم بعدم محصلية المشكوك محصليته للمسببات المأمور بها ومن المعلوم أن
هذا ينافي الامتنان فكيف يمكن أن يكون مشمولا لحديث الرفع الوارد في مقام الامتنان
(وبالجملة) دوران الامر بين الأقل والأكثر في باب التكاليف وفي باب المسببات على
طرفي النقيض فإن تعلق التكليف بالأقل في باب التكاليف معلوم وجدانا والشك إنما هو
في تعلقه بالأكثر فيرفع بحديث الرفع وهذا بخلاف باب المسببات فإن ترتب المسبب على
الأكثر كالغسل مرتين معلوم بالفرض والشك انما هو في ترتبه على الأقل وهو الغسل مرة فلو
كان حديث الرفع شاملا لمثل هذا المشكوك فلازمه الحكم بعدم ترتب الطهارة على الغسل مرة
وهذا خلاف الامتنان كما هو ظاهر (وتوهم) ان دخل الغسل بالمرة الثانية في الطهارة مشكوك
لا محالة فيرفع بحديث الرفع ويثبت بذلك عدم وجوبه على المكلف (مدفوع) بأن حديث
الرفع إنما يتكلف للرفع ليس الا فالطهارة المفروض كون وجوبها معلوما لا يمكن الحكم بترتبها
178

على الغسلة الواحدة بحديث الرفع من جهة الشك في مدخلية الغسلة الثانية فيها نعم انما يصح ما
ذكر لو كان دليل بالخصوص على رفع الغسلة الثانية في المقام أو على رفع الماضوية مثلا في العقد
فإنه يدل بالملازمة على محصلية الغسلة الواحدة للطهارة وعلى محصلية العقد الفاقد للماضوية
للملكية صونا للكلام عن اللغوية لكن أين ذلك من مثل دليل الرفع الغير المختص بخصوص مقام
وسيأتي في بحث الأصل المثبت ومر في بعض المباحث السابقة أن شمول العموم لمورد إذا
توقف على عناية زائدة فمقتضى القاعدة الحكم بعدم شمول العموم لذلك المورد لا الحكم بشموله
له واثبات تلك العناية ففي المقام حيث يتوقف شمول الرفع على اثبات محصلية الأقل فمقتضى
القاعدة الحكم بعدم شموله لا الحكم بشموله واثبات محصلية الأقل (وبالجملة) البراءة عن
وجوب الغسلة الثانية إنما تجري فيما لا يكون الواجب إلا الغسل بما هو فحينئذ يمكن ان يقال
أن تعلق التكليف بالغسلة الواحدة معلوم والشك في وجوب الغسلة الثانية يدفع بالأصل
وأين ذلك من المقام الذي تعلق التكليف فيه بالطهارة والشك إنما هو في تحققها بالغسل
مرة (والحاصل) أن الشك في سببية شئ إن كان من قبيل الشك في ترتب التكليف على
شئ كما إذا شك في وجوب الحج عند وجود الاستطاعة مع فقدان قيد يحتمل دخله في
الموضوع فلا ريب في صحة التمسك بحديث الرفع حينئذ لرفع التكليف المشكوك ولكن هذا
يرجع إلى القسم الأول وهو الجهل في موارد التكاليف الاستقلالية واما إذا كان الشك في
ترتب أمر خارجي على سببه كالشك في ترتب القتل المعلوم وجوبه على الضرب مرة واحدة
أو في ترتب حكم وضعي مجعول امضاء كما في باب العقود والايقاعات أو ابتداء كما في باب
الطهارة فلا يمكن التمسك فيه بحديث الرفع أصلا اما الشك في ترتب الأمر الخارجي المعلوم
وجوبه على ما يشك في سببته له فخروجه عن مورد الرواية ظاهر واما الشك في ترتب الحكم
الوضعي بقسميه على ما يشك في سببيته له فبناء على عدم مجعولية السببية للحكم الشرعي وكون
المجعول هو الحكم الشرعي عند تحقق ما يسمى بالأسباب كما هو مقتضى التحقيق عندنا على
ما أشرنا إليه في بعض المباحث السابقة وسيجئ توضيحه مفصلا فعدم شمول حديث الرفع
لموارده في غاية الوضوح لما عرفت من أن ترتب الحكم الشرعي كالملكية مثلا على المركب من
تام الاجزاء والشرائط معلوم وترتبه على ما يشك في سببيته وإن كان مشكوكا إلا أنه لا يمكن ارتفاعه
به لمنافاته للامتنان ولا يمكن اثبات محصليته بحديث الرفع كما عرفت بل الامر كذلك ولو بنينا
179

على مجعولية السببية بنفسها فإن سببية الأكثر معلومة لا يمكن رفعها بحديث الرفع وسببية
الأقل وإن كانت مشكوكة إلا أنه يلزم من ارتفاعها بحديث الرفع خلاف الامتنان وليست
السببية كالتكليف حتى يقال بأن الأقل هو القدر المتيقن والشك في سببية الزائد بدفع بالأصل
فإن التكليف كما عرفت ينبسط على الاجزاء ويكون كل جزء مطلوبا بنفس الطلب النفسي
المتعلق بالمركب فيكون وجوب الأقل هو القدر المتيقن ووجوب الجزء المشكوك مرفوعا بحديث
الرفع وهذا بخلاف السببية فإنها قائمة بالمجموع بما هو وليست ثابتة لكل جزء جزء حتى يكون
سببية الأقل متيقنة وسببية الجزء المشكوك مشكوكة فترتفع بحديث الرفع نعم لو بنينا مع ذلك
على أن الجزئية للسبب مجعولة تشريعا وليست متنزعة من جعل السببية للمجموع كما ينتزع
الجزئية للمأمور به من الامر بالمركب لكان لرفع الجزئية المشكوكة بحديث الرفع وجه ولكن
الالتزام بذلك مستحيل في مستحيل فإن الالتزام بمجعولية السببية وعدم تعلق الجعل
بالمسببات عند وجود أسبابها واضح الاستحالة ضرورة ان الحكم الشرعي يستحيل ان
يترشح من الموجود الخارجي والا لزم انقلاب ما هو مجعول تشريعي وزمان اختياره بيد
الشارع إلى المجعول التكويني فالمجعول التشريعي مطلقا هو نفس الحكم وما يسمى بالسبب
شرط له غاية الأمر انهم اصطلحوا باطلاق الأسباب على شرائط الأحكام الوضعية دون
التكليفية وإلا فمرجع السبب والشرط إلى شئ واحد وقد ذكرنا مرارا ان موضوعات
الاحكام شرائط لها في الحقيقة كما أن شرائطها وموضوعات لها فكل من الموضوع والشرط
والسبب يرجع بعضها إلى الآخر ثم على تقدير جعل السببية فغاية ذلك أن يكون جعلها كجعل
الوجوب فكما ان الوجوب المتعلق بمركب ينتزع منه جزئية المأمور به لكل جزء جزء ويستحيل
جعل الجزئية من دون تعلق الامر بما هو جزء وبعد تعلقه به فلا محالة ينتزع منه الجزئية
فكذلك جعل السببية لمركب يستتبع انتزاع الجزئية من كل واحد واحد من اجزائه ويستحيل
جعل الجزئية لها بالاستقلال فكما ان الموجودات الخارجية تنقسم إلى موجودات متأصلة
وموجودات انتزاعية فكذلك موجودات عالم التشريع تنقسم إلى موجودات متأصلة في ذلك
العالم كالاحكام التكليفية وجملة من الأحكام الوضعية كالملكية والزوجية ونحوهما والى
موجودات انتزاعية كالجزئية والشرطية والمانعية فالالتزام بكون السببية مجعولة مع الالتزام بكون
الجزئية مجعولة أيضا مستحيل في مستحيل ثم إنه قد ذكرنا في بعض المباحث السابقة ان نسبة
180

العبادات إلى أغراضها لو كانت نسبة الأسباب إلى مسبباتها كأن يكون النهي عن الفحشاء
المترتب على الصلاة فعلا توليديا للمكلف ومتعلقا للتكليف فعند الشك في الأقل والأكثر
لابد من القول بالاشتغال فإن تعلق التكليف بالأكثر وإن كان مشكوكا ويكون الاتيان
به من هذه الجهة موردا للبراءة إلا أن كون المسبب متعلقا للتكليف والشك في ترتبه على
الأقل موجب للحكم بالاشتغال وقد ذكرنا تفصيل ذلك في بحث التعبدي والتوصلي فراجع
(ومن الاخبار) التي استدل بها على البراءة قوله عليه السلام ما حجب الله علمه عن العباد فهو
موضوع عنهم بتقريب ان الحكم المجهول مما حجب الله علمه عن العبد فهو موضوع عنه وفيه ان
الظاهر من الرواية من جهة اسناد الحجب إلى الله تعالى كون الحكم مما لم يؤمر السفراء بتبليغه
فيكون مفاده بعينة مفادا سكتوا عما سكت الله فيكون أجنبيا عما هو محل الكلام بين الأصوليين
والاخباريين من صدور الاحكام منهم صلوات الله عليهم ووصولها إلى جماعة ولكن عرض
لها الاختفاء من جهة الأمور الخارجية (ومنها) قوله (ع) الناس في سعة مالا يعلمون أو في سعة
مالا يعلمون فعلى الأول يكون مفاده ان الناس من جهة الجهل بالحكم الشرعي يكونون في سعة
فيعارض به اخبار الاحتياط الدالة على كون الناس في الضيق من جهة الحكم الشرعي المجهول
وعلى الثاني يكون مفاده ان الناس ما دام لا يعلمون يكونون في سعة فيكون اخبار الاحتياط.
حاكمة عليه على تقدير تمامية دلالتها وعلى تقدير معارضته لها كما في الوجه الأول فيقدم اخبار
الاحتياط عليه لكون هذه الرواية عامة لمطلق الشبهة واختصاص تلك الأخبار بخصوص الشبهة
التحريمية فتدبر (ومنها) رواية عبد الاعلى عن الصادق عليه السلام قال سألته عمن لم يعرف شيئا
قال (ع) لأبناء على أن لا يكون المراد من لفظ الشئ المفروض كونه مجهولا هو العموم ولكن
مع ذلك لا يكون مربوطا بالمقام فإن ظاهر الرواية حينئذ هو عدم العقاب في فرض الجهل فيكون
مفاده مفاد قبح العقاب بلا بيان ليس إلا (ومنها) قوله (ع) أيما امرء ركب أمرا بجهالة فلا
شئ عليه فإن الظاهر من الجهالة المذكورة هي مقابل العلم لمناسبة الحكم والموضوع والجهالة بمعنى
فعل مالا ينبغي صدوره وإن كانت مستعملة أحيانا كما استظهرنا ذلك في آية النبأ الا ان هذا
المعنى خلاف الظاهر في الرواية وإذا كان المراد منها خلاف العلم فلا وجه للتخصيص بخصوص
الجهل المركب بل يراد منها الأعم منه ومن الجهل البسيط ولا بد من تخصيص كل منهما بغير
الجاهل المقصر إذ كما أن الجاهل البسيط لا يكون معذورا إذا كان مقصرا فكذلك الجاهل
181

المركب فتوهم لزوم إرادة خصوص الجاهل المركب منها نظرا إلى أن تعميمها للجاهل البسيط
يحوج الكلام إلى التخصيص بالشاك الغير المقصر وسياق الرواية آب عن التخصيص في غير
محله فإن التخصيص بغير المقصر كما عرفت لازم على كل حال ولا شئ في الرواية يوجب
إباءها للتخصيص فظهر ان دلالة الرواية على البراءة وان ارتكاب الشئ مع عدم العلم لا يوجب
شيئا في غاية الظهور فلا محالة يعارض بها اخبار الاحتياط الدالة على ثبوت شئ في صورة
الارتكاب مع الجهالة بل دلالة هذه الرواية أظهر من دلالة قوله (ع) الناس في سعة ما لا يعلمون
فإنها كانت متوقفة على كون ما موصولة لا زمانية والظاهر منها الزمانية وكون لفظ السعة
منونة لا مضافة وبالجملة مفاد الرواية ليس اخبارا عن عدم العقاب عند ارتكاب الشئ بجهالة حتى
يقال إن أدلة وجوب الاحتياط على تقدير تماميتها تكون واردة عليها كما تكون واردة على حكم
العقل بقبح العقاب بلا بيان بل مفاده هو الترخيص الشرعي بلسان نفي العقاب فهي تدل على
البراءة الشرعية اما بالمطابقة أو بالالتزام فيعارض بها اخبار الاحتياط في الشبهة التحريمية من
جهة ان مورد هذه الرواية هو خصوص الشبهة التحريمية أيضا فإن ظاهر الارتكاب هو إيجاد
الفعل لا تركه فينحصر مورده بالشبهة التحريمية فقط فيعارض بها تلك الأخبار الدالة على وجوب
الاحتياط فتكون هذه الرواية أقوى الروايات في الباب (ومنها) قوله (ع) ان الله يحتج على
العباد بما آتاهم وعرفهم ومفاد ذلك هو مفاد قاعدة قبح العقاب بلا بيان كما هو ظاهر (ومنها)
قوله (ع) في مرسلة الفقيه كل شئ مطلق حتى يرد فيه نهي والاستدلال به يتوقف على كون
المراد من لفظ الشئ الشئ المجهول ومن الورود الوصول ولفظ الورود وإن كان ظاهرا في
الوصول إلا أن الظاهر أن المراد من لفظ الشئ هو الشئ بعنوانه الأولي فيكون دليلا على
كون الأصل في الأشياء في الشريعة الإباحة حتى يثبت الحظر وعليه يكون مفاد الرواية أجنبيا
عن محل الكلام بالكلية ومن الغريب ان العلامة الأنصاري (قده) جعل هذه الرواية أظهر
دلالة من الكل مع أنه لا دلالة فيها أصلا نعم على تقدير تمامية دلالتها يعرض بها اخبار
الاحتياط من وجهة ورودها في خصوص الشبهة التحريمية فلا يمكن القول بتخصيصها لها كما قلنا
ذلك في بعض الروايات السابقة على تقدير تمامية دلالتها (ومنها) صحيحة عبد الرحمن بن حجاج
فيمن تزوج امرأة في عدتها قال (ع) إذا كان بجهالة فيتزوجها بعد ما تنقضي عدتها فقد يعذر الناس
في الجهالة بما هو أعظم من ذلك قلت بأي الجهالتين اعذر بجهالته ان ذلك محرم عليه أم
182

بجهالته انها في العدة قال إحدى الجهالتين أهون من الأخرى الجهالة بأن الله حرم عليه
ذلك وذلك لأنه لا يقدر معها على الاحتياط قلت فهو في الأخرى معذور قال نعم إذا
انقضت عدتها فهو معذور فله أن يتزوجها (وفيه) ان الظاهر منها هو كون الجاهل معذورا من
حيث الحكم الوضعي بمعنى ان العاقد في العدة مع الجهل يكون معذورا من حيث جواز
التزويج بعد انقضاء العدة وهذا المعنى أجنبي عما هو محل الكلام في المقام من كون الجهل بالحكم
أو الموضوع محكوما بالبراءة أو الاحتياط (ثم إن) هنا اشكالا ربما يورد على الرواية وحاصله انه
أي فرق بين الجهالة بالحرمة وبين الجهالة بالعدة حيث حكم الإمام عليه السلام بكون إحداهما
أهون من الأخرى معللا انه لا يقدر معها على الاحتياط فإن الجهالة بالحرمة كما يمكن أن تكون
مركبة لا يتمكن الجاهل معها من الاحتياط فكذلك يمكن أن يكون الجهالة بالعدة أيضا كذلك
وكما أن الجهالة بالعدة يمكن أن تكون بسيطة يقدر معها الجاهل على الاحتياط فكذلك الجهل
بالحرمة يمكن أن يكون كذلك فما الفرق بين الجهالتين في تعين إحداهما في التركب والاخرى
في البساطة ويندفع هذا الاشكال بأن الجهل بالحرمة وإن كان يمكن أن يكون بسيطا إلا أن الغالب
في ذلك هو الجهل المركب من جهة اعتقاد الحلية الناشئ عن مخالفة العامة وعدم وضوح الحكم بين
المسلمين بحيث لا يخفى على أحد وهذا بخلاف الجهل بالعدة فإنه بحسب الغالب يكون
بسيطا إذ العالم بكون المرأة ثيبا ومسبوقة بالزوج مع وضوح تشريع العدة بين المسلمين
يكون شاكا في كونها في العدة لا محالة فالتفرقة بين الجهالتين لأجل الغلبة الخارجية فلا اشكال
وقد ظهر من جميع ما ذكرناه ان جملة من الروايات التي استدل بها على البراءة الشرعية لا
دلالة فيها عليها وجملة منها وإن كانت لها دلالة إلا انها بالعموم فتخصص باخبار وجوب الاحتياط
في خصوص الشبهة التحريمية الحكمية بناء على تمامية دلالتها نعم لا يبعد أن يكون حديث الرفع
آبيا عند التخصيص في الجملة من جهة وروده في مقام الامتنان لكن اثبات ذلك في خصوص
كل واحد واحد من فقراتها ومنها مالا يعلمون لا يخلو عن الصعوبة واما الإباحة الشرعية فقد
استدل عليها بروايات ثلاث (الأولى) موثقة مصعدة بن صدقة كل شئ لك حلال حتى تعلم أنه
حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك ولعله سرقة إلى أن قال
عليه السلام والأشياء كلها على هذا حتى يستبين أو تقوم به البينة وسياق صدر الرواية وإن كان
سياق قوله عليه السلام كل شئ طاهر حتى تعلم أنه قذر فيشمل الشبهة الحكمية والموضوعية
183

ولا يصغى إلى ما ربما يقال من أنه لا يمكن إرادة العموم بحيث يكون شاملا للأنواع كما في
الشبهة الحكمية وللأفراد الخارجية كما في الشبهة الموضوعية فإن افراد هذا العام هو كل مشكوك
وشرب التتن المشكوك حرمته فرد واحد من هذا العموم وكون هذا الفرد من جهة أخرى
ذا افراد كثيرة أجنبي عن كونه فردا واحد لهذا العموم (والحاصل) انه لا فرق بين شرب
التتن المشكوك حرمته وبين شرب المايع الخارجي المشكوك خمريته في أن كل واحد منهما فرد
واحد من هذا العموم فيشمله الحكم إلا أن الاشكال في شمولها للشبهة الحكمية من جهات
(الأولى) تقييد الغاية بقوله (ع) بعينه فإنه ظاهر في اختصاص الحكم المذكور بالشبهات الموضوعية
ولو سلمنا عدم الظهور لكون القيد جئ به للاهتمام هذا لا ينافي مع كون الشبهة حكمية أيضا
فلا اشكال في احتمال قرينيته لان معنى المعرفة بعينه هو معرفة الشئ متميزا عن غيره في مقابل
المعرفة برؤية الشبح مثلا وهذا المعنى يناسب الشبهة الموضوعية فيكون من قبيل احتفاف الكلام
بما يصلح للقرينية فلا يكون له ظهور في العموم (الثانية) ان الأمثلة التي ذكرها الإمام عليه السلام
في الرواية كلها من قبيل الشبهة الموضوعية وهو أيضا لو لم يكن قرينة على عدم إرادة
العموم فلا أقل من احتمال قرينيته فيمنع عن انعقاد الظهور في العموم (الثالثة) ان قوله (ع) في
ذيل الرواية أو تقوم به البينة ظاهر في إرادة الشبهة الموضوعية واحتمال أن يكون قوله (ع) حتى
يستبين غاية للشبهات الحكمية والموضوعية وهذا لا ينافي اختصاص الشبهة الموضوعية بأن
يكون لها غاية أخرى وهو قيام البينة وإن كان ممكنا إلا أن غاية ذلك هو عدم الجزم بالقرينية
فلا ينافي عدم الظهور في العموم لاحتفاف الكلام بما يحتمل قرينيته فتحصل ان الرواية من جهة
احتفافها بما يصلح للقرينية من جهات ثلاث لا يكون لها الظهور في العموم (الرواية الثانية) صحيحة
عبد الله بن سليمان حيث قال فيها الباقر عليه السلام سأخبرك عن الجبن وغيره كل ما فيه حلال
وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه وهذه الرواية من جهة اشتمالها على قيد بعينه
مشتركة مع سابقتها في الاشكال وتختص هذه باشكال آخر وهو ان عموم الموصول إنما هو
باعتبار صلته والصلة المذكورة تختص بالشبهات الموضوعية فإنه عليه السلام في مقام بيان حكم
الجبن وغيره والظاهر من لفظ الغير هو غير الجبن من الشبهات الموضوعية فالمورد وإن لم يكن
موجبا للتخصيص إلا أنه فيما ثبت هناك عموم وليس في المقام ما يكون عاما إلا كلمة الموصول
وقد عرفت ان عمومه يتبع صلته المختصة بالشبهات الموضوعية (وبالجملة) فالرواية إن لم تكن
184

ظاهرة في الشبهات الموضوعية فلا أقل من عدم ظهوره في العموم لاحتفافها بما يصلح للقرينية
(الرواية الثالثة) صحيحة عبد الله بن سنان كل شئ يكون فيه حرام وحلال فهو لك حلال
ابدا حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه وهذه الرواية من جهة عدم اشتمالها على ما كان الروايتان
السابقتان مشتملتين عليه من جهة الصدر أو الذيل وإن كانت تعم الشبهة الحكمية إلا انها
من جهة اشتمالها على قيد بعينه لا تكون لها ظهور في العموم كما عرفت هذا مضافا إلى أن
ذيلها نقل بوجه آخر وهو حتى تعرف الحرام منه بعينه وعلى ذلك فظهورها في الشبهة الموضوعية
في غاية الوضوح وحيث إن الرواية نقلت بوجهين فيحتمل وجود كلمة منه فيها وعليه فلا يكون
الرواية محرز الظهور في العموم فاتضح ان أصالة الحلية في الشبهات الحكمية لا يدل عليها شئ
من الروايات المذكورة وليس هناك دليل آخر يدل عليها (ثم إن) العلامة الأنصاري (قده)
ذكر في الرواية ان لفظ الشئ اما ان يراد منه النوع الكلي فيكون التقسيم إلى الحلال والحرام
باعتبار وجود النوعين فيه بالفعل واما ان يراد منه الشخصي الخارجي فلا بد من الالتزام
بالاستخدام في الضمير بأن يكون المراد كل شخص كان في نوعه حلال وحرام وعلى كل تقدير
يكون الرواية ظاهرة في الشبهات الموضوعية لان الانقسام الفعلي لا يكون إلا فيها واما الشبهة
الحكمية فليس فيها إلا احتمال الحلية والحرمة وهذا خلاف ظاهر الرواية ويمكن ان يقال إن
الشيئية حيث إنها تساوق الوجود فظاهر لفظ الشئ هو الموجود الخارجي فيدور الامر بين
إرادة احتمال الحلية والحرمة من قوله " ع " فيه حلال وحرام وبين الالتزام بالاستخدام وحمله
على الانقسام الفعلي والأول وإن كان في نفسه خلاف الظاهر إلا أن الالتزام به أهون من
الالتزام بالاستخدام وعلى ذلك فلا مانع من شمول الرواية للشبهة الحكمية لولا ما ذكرناه
من الجهتين (واما) الاجماع فإن كان المراد منه هو الاجماع على البراءة الشرعية في الشبهة
التحريمية فلا اشكال في عدم ثبوته لذهاب الأخباريين وفيهم أساطين الفقهاء على وجوب
الاحتياط فكيف يمكن دعوى الاجماع على البراءة وإن كان المراد منه الاجماع على البراءة
العقلية التي مرجعها إلى قبح العقاب بلا بيان من جهة تسليم الأخباريين ان الحكم هي البراءة
على تقدير عدم تمامية أدلة وجوب الاحتياط فهو غير مفيد فإن الاجماع لا بد وأن يكون
مورده هو الحكم الشرعي الظاهري أو الواقعي ولا معنى لدعوى الاجماع في المسألة العقلية واما
الدليل العقلي وحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان فإنما يصح الاستدلال به على تقدير عدم تمامية
185

اخبار الاحتياط والا فورود تلك الأخبار على الحكم العقلي ورفعها لموضوعه في غاية الوضوح
(ثم إن) حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان إنما هو لأجل ان الأحكام الواقعية بعد
وضوح انها لا يكون محركة للعبد الا بالإرادة لا يعقل محركيتها إلا بعد الوصول ضرورة عدم
امكان الانبعاث إلا عن البعث بوجوده العلمي دون الخارجي فكما ان الأسد الخارجي لا يوجب
التحرز والفرار عنه إلا بعد محرزية وجوده فكذلك الحرمة المجعولة من الشارع لا يترتب عليها
الانزجار الا بعد وصولها وقبله لا اقتضاء له للمحركية ابدا وانما يتم محركيته بالإرادة وفي فرض
الانقياد بالوصول واحرازه واما الحكم المحتمل فهو بنفسه غير قابل للمحركية أيضا لتساوي احتمال
الوجود مع احتمال عدمه نعم يصح كونه محركا بضميمة خارجية مثل كون العبد في مقام الاحتياط
ونحو لك وإذا كان الحكم بوجوده الواقعي غير قابل للمحركية أصلا ووجوده الاحتمالي غير قابل
لها بنفسه فالعقاب على مخالفته عند عدم وصوله عقاب على مخالفة حكم لا اقتضاء له للمحركية ولا ريب
في قبح ذلك كما يظهر ذلك بأدنى تأمل في أحوال العبيد مع مواليهم العرفية (ثم إنه) ربما يدعي
ان حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل بيان عقلي في موارد احتمال الحرمة ومعه لا موضوع
لحكمة بالقبح عند المخالفة ولكن فساد هذا الدعوى من الوضوح بمكان فإنه إن أريد من
الضرر المحتمل الضرر الأخروي أعني به العقاب فالعقل وإن كان مستقلا بوجوب دفعه
ارشاديا وغير مستتبع لحكم شرعي لما ذكرنا سابقا من أن كل حكم عقلي يقع في سلسلة معلولات
الحكم الشرعي لا يكون إلا حكما ارشاديا غير مستتبع لحكم شرعي ولا يترتب على مخالفته
الا ما يترتب على نفس المرشد إليه إلا أن حكمه بذلك فرع احتمال الضرر وهو متفرع على
كون الحكم منجزا على تقدير وجوده وحكم العقل بقبح العقاب عند عدم البيان رافع
لموضوع ذلك فإنه يرفع تنجز الحكم الواقعي في ظرف عدم الوصول فلا يكون هناك احتمال
للعقاب حتى يتحقق موضوع حكمه بوجوب الدفع (وتوهم) ان قاعدة دفع الضرر المحتمل كما أن
جريانها يتوقف على احتمال الضرر المتوقف على تنجز الحكم الواقعي على تقدير وجوده
وقاعدة قبح العقاب بلا بيان يصلح أن تكون رافعة للاحتمال فكذلك جريان قاعدة قبح العقاب
بلا بيان يتوقف على كون المورد بلا بيان فإن كل حكم شرعي أو عقلي يتوقف فعليته على
وجود موضوعه وقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل يصلح أن يكون بيانا ورافعا لموضوع قاعدة
قبح العقاب بلا بيان فما الموجب لتقدم حكمه بالقبح على حكمه بوجوب دفع الضرر المحتمل
186

(مدفوع) بأن اي حكم عقلي لا يعقل أن يكون منافيا لحكم عقلي آخر بل لا مناص إلا عن
كون أحدهما واردا على الآخر وحينئذ فمع قطع النظر عن ملاحظة الأحكام العقلية لا محالة
يكون احتمال الحرمة ملازما لاحتمال العقاب لاحتمال ملازمة العقاب مع مخالفة الحكم الواقعي
فيستقل العقل بوجوب الدفع إلا أن حكم العقل بذلك لا يوجب وصول الحكم الواقعي بنفسه
كما في موارد العلم الوجداني أو الامارة أو الأصل المحرز وهو ظاهر ولا يوجب وصوله
بطريقة كما في موارد ايجاب الاحتياط أو أصالة الحرمة ضرورة ان ايجاب الاحتياط أو أصالة
الحرمة إنما هو ناش عن ملاك الحكم الواقعي ومتمم للجعل كما أوضحنا ذلك في بعض المباحث
السابقة فوصول ايجاب الاحتياط الناشئ عن ملاك جعل الحكم الواقعي هو وصول الحكم الواقعي
وهذا بخلاف حكم العقل بوجوب الدفع فإنه لم ينشأ عن ملاك الحرمة الواقعية على تقدير وجودها
واقعا حتى يكون متمما لجعل الحرمة بل هو ناش عن ملاك آخر واحتمال الضرر هو تمام
الموضوع له وحينئذ فحكم العقل بوجوب الدفع يستحيل أن يكون بيانا للحكم الواقعي وموجبا
لوصوله بنفسه أو بطريقه وإذا كان كذلك فيستحيل أن يكون واردا على حكم العقل بقبح
العقاب بلا بيان ورافعا الموضوعة ومع وجود موضوعه يستقل بقبح العقاب فيرتفع احتماله الناشئ
عن احتمال ملازمة العقاب مع مخالفة التكليف الواقعي مع قطع النظر عن ملاحظة الأحكام العقلية
فلا محالة يكون واردا على حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل ورافعا لموضوعه ومبينا
لعدم الملازمة بين العقاب ومخالفة الحكم الواقعي ما لم يكن واصلا بنفسه ولا بطريقه وهذا هو
المراد مما افاده العلامة الأنصاري (قده) من أن الحكم بوجوب الدفع على تقدير ثبوته لا يكون
بيانا للتكليف المجهول المعاقب عليه وأنما هو بيان لقاعدة كلية ظاهرية وإن لم يكن في مورده
تكليف في الواقع فلو تمت عوقب على مخالفتها وان لم يكن تكليف في الواقع لا على التكليف
المحتمل على فرض وجوده فلا يرد عليه ما قيل من أن حكم العقل بوجوب الدفع نظير حكم
الشرع بوجوب الاحتياط فكما انه يصحح العقاب عند مخالفة التكليف الواقعي فكذلك
حكم العقل بوجوب الدفع يكون مصححا للعقاب على تقدير المخالفة أيضا وذلك لما عرفت من أن
وجوب الاحتياط حكم طريقي متمم للجعل الأول وناش عن ملاك الحكم الواقعي بعينه
فيكون الحكم الواقعي على تقدير وجوده واصلا بطريقة فيصح العقاب على مخالفته وهذا بخلاف
حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل الغير الناشئ عن ملاك الحرمة الواقعية على تقدير
187

وجودها فإنه لا يوجب وصول الحكم الواقعي لا بنفسه ولا بطريقه فلا كون بيانا له فلا
يكون واردا على حكم العقل بقبح العقاب على مخالفة الحكم الواقعي من دون بيان بل
هو يكون واردا عليه ورافعا لاحتمال الضرر عند عدم تنجز الحكم الواقعي بمنجز واما إذا أريد
من الضرر المحتمل الضرر الدنيوي فلوا استقل العقل بوجوب دفعه لحكم الشارع على طبقه
بقاعدة الملازمة فإن حكم العقل بذلك واقع في مرتبة علل الأحكام الشرعية دون معلولاتها وما
كان كذلك يكون مستتبعا للحكم الشرعي كما أوضحناه في بعض مباحث القطع إلا أن استقلال
العقل بذلك في غير الاعراض والنفوس والأموال في الجملة ممنوع ثم إن احتمال الحرمة وإن كان
مستلزما لاحتمال المفسدة بناء على تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد فإنه عليها يكون الحرمة ملازمة
للمفسدة قطعا وظنا واحتمالا إلا أنه ليس كل مفسدة واقعية تكون ملاكا لجعل المتمم حال
الجهل بإيجاب الاحتياط أو أصالة الحرمة بل تختلف باختلاف مواردها ففي مثل موارد لأموال
والاعراض والنفوس حكم الشارع بوجوب الاحتياط تتميما للجعل الأول كما أن في الشبهات
الموضوعية التحريمية ثبت عدم وجوب الاحتياط فيشك في الشبهات الحكمية التحريمية في أن
المفاسد الواقعية على تقدير ثبوت الحرمة واقعا هل لها الملاكية لتتميم الجعل أم لا فلا محالة
يكون جعل الاحتياط مشكوكا وحيث انه لم يقم عليه دليل عقلي أو شرعي فيكون موردا
لقاعدة قبح العقاب بلا بيان واما الملاكات الواقعية فقد ذكرنا في جملة من المباحث السابقة
انها خارجة عن متعلقات التكاليف وانها دواعي الجعل ليس إلا فتحصيل الملاكات أجنبي عن
المكلف رأسا وعلى تقدير وجوب تحصيلها عليه فحيث انها في المقام مشكوكة والشبهة من هذه
الجهة موضوعية فيكون موردا للبراءة باتفاق الأصوليين والاخباريين فتحصل ان حكم العقل
بقبح العقاب بلا بيان هو المحكم ولو لم يتم أدلة وجوب الاحتياط وإلا لكان تلك الأدلة واردة
على الحكم العقلي ومثبتا للبيان على الحكم الواقعي ثم إنه ربما توهم بعض ان حكم العقل بالقبح إنما هو
في فرض عدم البيان من الشارع وأما لو فرض صدور البيان منه واختفاؤه لبعض الأمور الخارجية
فلا نسلم حكمه بقبح العقاب على مخالفته فإذا احتمل المكلف حرمة شرب التتن مثلا واحتمل
صدور بيانها من الشارع كما هو محل الكلام في المقام فلا يستقل العقل بقبح العقاب على تقدير
وجود الحرمة واقعا وصدور بيانها من الشارع ولكن فساد هذا التوهم من الوضوح بمكان فإن
لفظ البيان ليس المراد منه ما هو ظاهره بل المراد منه هو وصول الحكم على المكلف من حيث
188

الكبرى والصغرى فإن احراز الحكم الكلي كحرمة شرب التتن مثلا مع عدم احراز الموضوع
الخارجي كاحراز الموضوع الخارجي مع عدم احراز الحكم الكلي يستحيل أن يكون محركا فالحكم
المحرك بالإرادة لا بد وأن يكون واصلا من حيث نفسه وموضوعه ومن دون ذلك يستحيل
محركيته فيقبح العقاب على مخالفته والذي أوقع المتوهم في الغلط هو ظهور لفظ البيان في ذلك
مع غفلته عن ملاك حكم العقل بالقبح بل إن عدم العقاب في فرض عدم البيان من الشارع
بالمعنى الذي ذكره المتوهم خارج عن محل الكلام فإنه من باب السالبة بانتفاء الموضوع
ضرورة انه ما لم يصدر الحكم من الشارع لكان داخلا في عموم ما سكت الله عنه ومعه لا حكم
حقيقة حتى يتحقق المخالفة فيحكم العقل بقبح العقاب عليها
(تتميم)
ربما تمسك بعضهم على البراءة في المقام بأدلة الاستصحاب الدالة على حرمة نقض اليقين
بالشك فإن حرمة شرب التتن قبل البلوغ لم يكن ثابتة يقينا وشك في حدوثها بعده فمقتضى
الاستصحاب هو البناء على بقاء عدم الحرمة بعد البلوغ وربما يتوهم من عبارة الشيخ الأنصاري
(قده) في المقام وفي بحث الاستصحاب ان نظره (قده) في منع التمسك بالاستصحاب في
المقام إلى المنع عن جريان الاستصحاب فيما إذا كان المستصحب عدم الحكم مطلقا ولكن الامر
ليس كذلك فإن صريح بعض عباراته في بحث الاستصحاب هو تسليم جريان استصحاب
عدم الحكم في الجملة وانما منع عن الاستدلال به في المقام لخصوصية فيه والحق معه قدس سره
وتوضيح ذلك ان الشك في حدوث الحكم اما أن يكون من جهة الشك في حدوث موضوعه
وشرطه واما أن يكون من جهة الشك في أصل الجعل الشرعي اما القسم الأول فلا اشكال
في جريان استصحاب العدم في ناحية الشرط والموضوع ويترتب عليه عدم الحكم فيما إذا كان
عدم الشرط معلوما سابقا واما إذا لم يكن كذلك فلا يمكن استصحاب عدم الشرط وهو معلوم
ولا استصحاب عدم الحكم لعدم احراز موضوعه المشروط به الاستصحاب الحكمي كما سنوضحه
في محله إن شاء الله تعالى واما إذا كان الشك من جهة الشك في أصل الجعل الشرعي فربما يقال
بعدم جريان الاستصحاب مطلقا نظرا إلى أن المستصحب لا بد وأن يكون حكما مجعولا أو
موضوعا ذا حكم مجعول أيضا وعدم الحكم من جهة كون الاعدام أزلية يستحيل أن يكون
مجعولا وليس له اثر مجعول فلا يمكن ان يقع موردا للتعبد الاستصحابي ونظير هذا
189

قد سبق في مبحث النواهي حيث ذكر بعضهم ان متعلق النواهي لا بد وأن يكون هو الكف
دون الترك لان الاعدام أزلية وغير قابلة لتعلق القدرة بها ومتعلق النهي لا بد وأن يكون
مقدورا لا محالة والجواب عن ذلك هو ما ذكرناه هناك من أن الاعدام وان لم تكن مقدورة
في الأزل الا انها مقدورة بقاء واستمرارا فكما ان التحريم بيد الشارع فكذلك عدمه بيده وما
هو اللازم في الاستصحاب هو كون المستصحب أو اثره تحت اختيار الشارع فكما ان الجعل
بيده فكذلك عدمه والالتزام بكونه حكما مجعولا أو ذا حكم مجعول شعر بلا ضرورة بل اللازم
هو كونه قابلا للتعبد الشرعي اما من جهة كون وضعه أو رفعه بيد الشارع واما من جهة كون
اثره كذلك هذا مع أن عدم الحكم وان لم يكن قابلا للتصرف الشرعي الا ان لزوم البناء عليه
حكم شرعي يترتب عليه الأثر العملي وهذا المقدار يكفي في جريان الاستصحاب فإن ترتب
الأثر على نفس الاستصحاب أولي في جريان الاستصحاب من ترتب الأثر على المستصحب
ولا ريب في ترتب الرخصة في الترك على حكم الشارع بالبناء على عدم الوجوب أو الحرمة
وكيف كان فلا ريب في صحة جريان الاستصحاب في الاعدام في الجملة الا ان الاشكال
في صحة جريان استصحاب حال الصغر ونحوه والحق فيه العدم فإن عدم الحرمة الثابت حاله
ليس الا بمعني اللا حرجية العقلية وهذا قد ارتفع يقينا اما بجعل الترخيص أو الحرمة بعد البلوغ
فهو غير محتمل البقاء حتى يمكن استصحابه هذا مع أن عدم الحرمة إذا كان باقيا بعد البلوغ أيضا
فهو حينئذ عدم مستند إلى الشارع ومضاف إليه لما ذكرناه من أن عدم الحكم كنفس الحكم
بيده وبتصرفه وهذا بخلاف العدم والسابق فإنه أجنبي عن الشارع بالكلية فاستصحاب العدم
السابق واثبات اضافته إلى الشارع داخل في الأصول المثبتة الممنوع جريانها بناء على كون
الاستصحاب حجة من باب الاخبار كما هو كذلك (والحاصل) ان العدم السابق لكونه غير
مستند إلى الشارع غير محتمل البقاء وما هو محتمل بعد البلوغ وهو العدم المضاف مشكوك الحدوث
ولم يكن متيقنا سابقا (وتوهم) امكان جريان الاستصحاب في الجامع بين العدمين على
ما سيجئ من جريان الاستصحاب في القسم الثالث من استصحاب الكلي في الافراد التبدلية
(مدفوع) بأن الجامع بين العدمين ليس بنفسه ما يكون وضعه ورفعه بيد الشارع وليس له اثر
كذلك إذا الترخيص الشرعي انما هو من لوازم العدم المضاف دون المطلق فليس في البين
ما يترتب على العدم المطلق الا عدم العقاب وهو مع كونه اثرا عقليا لا يكفي ترتبه على
190

المستصحب في جريان الاستصحاب إذ هو مترتب على نفس الشك وعدم الاحراز فموضوعه
محرز في ظرف الشك بالوجدان فيكون الحكم محرزا كذلك فيرجع احرازه بالتعبد الاستصحابي
إلى تحصيل الحاصل بل إلى أردء أقسامه وهو تحصيل المحرز الوجداني بالأصل (فتحصل) عدم
صحة التمسك باستصحاب عدم الحكم في المقام وان صح التمسك به في غيره من الموارد في الجملة
كما سيجئ بيانه في بحث الاستصحاب مفصلا إن شاء الله تعالى واستدل الأخباريون بوجوه (منها)
الآيات والاخبار الآمرة بالتقوى والجواب عنها انها انما تدل على حسن التقوى ارشادا
إلى ما في نفسها من المصلحة ولا يترتب على مثل تلك الأوامر أمر زايد على ما في متعلقة ولا
ريب ان ترك المشكوكات بل المكروهات بل المباحات موافق للتقوى ومما يستقل العقل بحسنه
وأين ذلك من ثبوت الأمر المولوي بلزوم ترك ما يحتمل حرمته هذا مضافا إلى انها لو سلمت
كونها مولوية ما تدل على أزيد من مطلوبية التقوى ورجحانها كما استدل بها الشهيد (قده)
على مشروعية الاحتياط في قضاء ما يأتي بها من الصلوات المحتملة للفساد ولو كانت الأصول
في مواردها مقتضية للصحة فلا تدل على وجوب الاحتياط فيما احتمل حرمته كما هو مدعى
الأخباريين (ومنها) الآيات والأخبار الناهية عن ايقاع النفس في الهلكة (والجواب) عنها انه
ليس في موارد احتمال الحرمة احتمال الهلكة كما تقدم بيانه في أدلة المذهب المختار فهي مختصة
بموارد الشبهة المحصورة أو الشبهة قبل الفحص ولا تعم موارد الشبهة البدوية بعد الفحص كما هي
محل الكلام بين الأصوليين والاخباريين (ومنها) اخبار التثليث الدالة على أن من اخذ بالشبهات
وقع في المحرمات من حيث لا يعلم ودلالة هذه الأخبار تتوقف على أن يكون المراد من الوقوع
في المحرمات هو الوقوع في المحرمات التي في موارد الشبهة والظاهر منها هو الوقوع في المحرمات المعلومة
لأجل ان ارتكاب الشبهات يوجب وهن المحرمات وعدم الاعتناء بها فيقع الانسان فيها
من حيث لا يعلم واما إذا كان المراد منه هو الوقوع في المحرمات التي في موارد الشبهة فهو
ليس من حيث لا يعلم بل من حيث العلم بوجوب الاحتياط وعلى ذلك فيكون مفاد تلك
الروايات أجنبية عن محل الكلام بالكلية ويكون مفادها مفاد قوله (ع) من حام حول الحمى
يوشك ان يقع فيه وغيره من الأخبار الواردة بهذا المضمون وبالجملة الأخباريون استدلوا
لوجوب الكف عن محتمل الحرمة بكل خبر مشتمل على لفظ التحرز والتوقف والاحتياط
وليس لواحد منها دلالة على مدعاهم أصلا فالصفح عن التعرض لها وبيان عدم دلالتها وايكال
191

ذلك إلى ما افاده العلامة الأنصاري (قده) في هذا المقام أولي وأحسن والمهم في المقام هو
التعرض للدليل العقلي الذي استدل به على وجوب الاحتياط وهو العلم الاجمالي بثبوت تكاليف
في الشريعة فكل ما يحتمل حرمته يجب الاحتياط فيه لكونه من أطراف العلم الاجمالي وقد أجاب
عنه العلامة الأنصاري (قده) بجوابين الأول منهما هو ما ذكره صاحب الفصول (قده) في
اختصاص الظن الثابت حجيته بدليل الانسداد بخصوص الظن بالطريق من أن مرجع القطع
بثبوت تكاليف واقعية والقطع بثبوت طرق شرعية مثبتة للأحكام بمقدار المعلوم بالاجمال أو أزيد
إلى قطع واحد هو القطع بإرادة الشارع الامتثال تكاليفه من هذا الطرق وقد ذكرنا سابقا
ان ما افاده (قده) يرجع إلى دعوى انحلال العلم الاجمالي بثبوت التكاليف بالعلم بثبوت
الطرق من قبل الشارع ولا يرجع إلى دعوى التصويب أو التقييد فما افاده العلامة الأنصاري
(قده) من كون هذا الوجه في قبال الوجه الثاني المدعى فيه الانحلال حتى لا يكون مرجعه
إلى التصويب والتقييد أو الانحلال لا نعقله أصلا (والثاني) منهما يرجع إلى دعوى
انحلال العلم الاجمالي بالعلم بثبوت احكام كثيرة في موارد الامارات بمقدار المعلوم بالاجمال أو
أكثر وتوضيح ذلك بعد النقض بالتكاليف الوجوبية المعلومة في الشريعة فإن العلم بها لو لم يكن
منحلا بثبوت تكاليف وجوبية بمقدار المعلوم بالاجمال أو أكثر لوجب الاحتياط في الشبهات
الوجوبية أيضا مع اتفاق الأخباريين الامن شذ منهم على البراءة فيها ان المجعول في باب
الحجج كما ذكرناه اما الوسطية في الاثبات أو الهوهوية وعلى كال تقدير لو كان العلم والاجمالي
متأخرا عنها لما كان مؤثرا في التنجيز كما انها لو كانت متأخرة عنه لأوجب انحلاله فإن
العلم الاجمالي ليس إلا ناشئا من ضم قضية مشكوكة إلى قضية متيقنة ومع قيام الحجة على
أحد طرفي العلم الاجمالي يكون مؤداه هو الحكم الواقعي بحكم الشارع أو يكون الحجة علما
كذلك وعلى كل حال يكون القضية المتيقنة ممتازة من القضية المشكوكة وهو الميزان في انحلال
العلم الاجمالي كما مرت الإشارة إليه في بحث الانسداد وسيجئ توضيحه في بحث الشبهة المحصورة
إن شاء الله تعالى ومنه يظهر ان الأصول مطلقا محرزة كانت أو غير محرزة إذا كانت جارية
في بعض الأطراف لكانت موجبة لانحلال العلم الاجمالي أو عدم تأثيره من أول الأمر كما
كان الامر كذلك في الامارات بعينها وعلى ذلك فحيث ان التكاليف الوجوبية أو التحريمية
الثابتة في موارد الحجج الشرعية تزيد بمراتب على مقدار المعلوم بالاجمال فلا محالة ينحل العلم.
192

الاجمالي ويكون احتمال التكليف في غير مواردها مشكوكا بالشبهة البدوية ومقتضى الأصل
فيها كما حررناه هو البراءة دون الاحتياط نعم لو بنينا على أن المجعول في باب الطرق هو
المنجزية والمعذرية وأغمضنا عما ذكرناه سابقا من أن المنجزية والمعذرية من الآثار العقلية
المترتبة على الاحراز ويستحيل تعلق الجعل بهما بنفسهما لكان اثبات الانحلال في المقام في غاية
الاشكال فإن الانحلال كما عرفت عبارة عن انفصال القضية المشكوكة عن المتيقنة وحكم
الشارع بمنجزية الامارة في أحد طرفي العلم الاجمالي من دون الحكم بكونها محرزة للواقع
لا يترتب عليه ذلك بل العلم الاجمالي باق على حاله بعد قيام الامارة أيضا وليس الانحلال
قابلا لان يحكم به الشارع من دون الحكم بمحرزية الامارة للواقع كما هو ظاهر
(تنبيه) لا يخفي أن العلامة الأنصاري (قده) ذكر في المقام تنبيهات لا يهمنا
التعرض لها إلا ما ذكره في التنبيه الخامس وهو ان جريان أصالة الإباحة في مشتبه الحكم
يتوقف على عدم وجود أصل موضوعي حاكم عليه فلو شك في حلية أكل حيوان لأجل الشك
في قبوله للتذكية فالحكم الحرمة لأصالة عدم التذكية وتحقيق الحال في المقام إنما يكون ببيان
أمور (الأول) ان المراد بالأصل الموضوعي الذي افاده هنا ليس هو خصوص الأصل الجاري
في الموضوع في الشبهات الحكمية أو في الشبهات الموضوعية في قبال الأصل الجاري في الحكم فيهما بل
المراد منه كل أصل جار في السبب رافع لموضوع الشك في المسبب سواء كان ذلك الأصل جاريا في
الموضوع كاستصحاب عدم التذكية في المقام الرافع للشك في الحلية عن الحيوان المشكوك
قابليته لها واستصحاب الموضوعات الخارجية كالعدالة والفسق الرافع للشك في الأحكام المترتبة
عليها أو جاريا في الحكم كاستصحاب نجاسة الماء المتغير الزائل تغيره من قبل نفسه واستصحاب
نجاسة الثوب الخارجي المعلوم نجاسته مثلا المانعين عن جريان أصالة الطهارة فيهما ففي كل مورد
كان أصل سببي رافع للشك في الحلية والحرمة لما كان يصل الامر إلى أصالتي البراءة أو
الاحتياط المتأخرتين رتبة عن تمام الأصول (الثاني) ان عدم التذكية الذي هو جزء من
موضوع الحكم الشرعي بالنجاسة أو الحرمة حيث إنه من أوصاف الحيوان فلا محالة يكون
المراد منه العدم النعتي لا المحمولي فإن كل موضوع كان مركبا العرض ومحله فلا بد وان
يؤخذ ذلك العرض بما انه نعت لموضوعه جزء من الموضوع فالمراد من عدم التذكية المستصحب
في المقام هو العدم المتحقق حال وجود الحيوان المتصف به لا العدم المحمولي السابق على وجوده
193

كما يظهر من بعض الكلمات فإنه وإن كان متيقنا الا ان استصحابه لاثبات اتصاف الحيوان
به الذي هو المأخوذ في الموضوع من الأصول المثبتة وقد ذكرنا توضيح ذلك في بحث العموم
والخصوص وسيجئ في بحث الاستصحاب إن شاء الله تعالى (الثالث) أن جريان الاستصحاب
في عدم التذكية يتوقف على أن يكون التذكية أمرا بسيطا مسببا عن الافعال الخارجية مع
قابلية المحل نظير الطهارة الخبيثة المسببة من الغسل فإنها حينئذ تكون مسبوقة بالعدم قبل
الذبح الخاص ومشكوكة الحصول بعده لأجل الشك في قابلية المحل لها فإذا لم يكن هناك
عموم أو اطلاق مثبت للقابلية أو عدمها ولم يمكن اجراء الأصل في نفس القابلية أو عدمها لعدم
ثبوت حالة سابقة متيقنة فلا محالة يجري أصالة عدم تحقق التذكية بفعل الذبح الخاص ويثبت
بذلك نجاسة اللحم وحرمته ولا يبقى معه مجال للرجوع إلى أصالتي الحل والبراءة واما إذا لم
يكن التذكية من قبيل المسببات التوليدية لعدم مساعدة فهم العرف على كونها كذلك بل لا يبعد
أن يكون الروايات ظاهرة في أنها ليست إلا نفس فعل الذابح مع الشرائط الخاصة فقابلية
المحل لها تكون خارجة عن حقيقتها وغير دخيلة في تحققها بل تكون دخيلة في تأثيرها في الحلية
والطهارة وحينئذ فيرجع الشك في قابلية الحيوان للتذكية وعدمها إلى الشك في أن التذكية
المعلوم تحققها اثرت في الطهارة والحيلة أم لا فيرجع إلى أصالة الحل والطهارة لعدم أصل
موضوعي حاكم عليهما فإن التذكية بمعنى فعل الذابح مع الشرائط معلوم تحققها والقابلية لها لا
تكون مجرى الأصل لعدم العلم بثبوت حالة سابقة على الشك فيها فتصل النوبة إلى أصالة الحل
والطهارة ومن الغريب أن هذا الاحتمال مع كونه أقوى من احتمال كون التذكية أمرا بسيطا
مترتبا على الافعال الخارجية لم يلتفت إليه العلامة الأنصاري قدس سره أصلا بل جعل محط
كلامه ومورد نقضه وإبرامه هو الاحتمال الأول ليس إلا (الأمر الرابع) أن جريان أصالة
عدم التذكية بناء على كونها أمرا بسيطا مترتبا على الافعال الخارجية يتوقف على الشك في قابلية
المحل لها وأما مع احرازها فلا يكون الشك في الحلية والحرمة إلا موردا للبراءة ولا يخفى ان
الشك في القابلية لها يختلف باختلاف الأقوال في قبول الحيوان للتذكية فإن قلنا بأن القبول
للتذكية يختص بكل حيوان يؤكل لحمه كما ذهب إليه بعض فكل حيوان شك في حليته وحرمته
يكون داخلا فيما شك في قبوله للتذكية فيكون موردا لأصالة عدمها وإن قلنا بأن السباع تقبل
194

التذكية أيضا فإذا شك في أن حيوانا يحل أكله أو هو من السباع فلا يكون مجرى لأصالة
عدم التذكية لفرض العلم بقبوله لها على التقديرين بل يرجع حينئذ إلى أصالتي الحل والبراءة
نعم إذا شككنا في كونه من أقسام ما يحل اكله أو من المسوخ فيجري أصالة عدم التذكية
بعد الذبح ويثبت بذلك الحرمة والنجاسة وأما إذا قلنا بما هو المختار عندنا من أن كل
حيوان غير الحشرات قابل للتذكية حتى المسوخات لما يظهر من الأدلة جواز قبول الأرانب
والثعالب للتذكية مع كونها من المسوخ كما ورد به روايات كثيرة فينحصر مورد جريان
أصالة عدم التذكية بما إذا احتمل كون الحيوان من الحشرات ومع احراز عدمه والشك في
الحلية والحرمة يكون قابلية المحل للتذكية مفروغا عنها فيجري أصالتي الحل والبراءة واما احتمال
قبول الحشرات للتذكية أيضا حتى ينحصر عدم القابلية لها بالكلب والخنزير فضعيف غايته بل
لا يوجد به قول من الامامية قدس الله تعالى اسرارهم فتحصل من جميع ما ذكرناه انه لا مجال
لجريان أصالة عدم التذكية في مطلق ما يشك في حلية حيوان وحرمته سواء كانت الشبهة
حكمية أو موضوعية بناء على عدم كون التذكية من المسببات التوليدية المترتبة على الافعال
الخارجية كما هو الظاهر وعلى تقدير تسليم كونها كذلك فيختص مورد جريانها بما إذا احتمل
كون الحيوان من الحشرات وفي غير ذلك يرجع إلى أصالتي الحل والبراءة ثم إن الشهيد الثاني
(قده) ذكر في بعض كلماته ان الأصل في المطعومات هو الطهارة والحرمة ويمكن أن يكون نظره
(قده) في ذلك إلى أن الحلية حيث إنها مترتبة على كون الشئ طيبا كما هو مفاد قوله تعالى أحل
لكم الطيبات فلا بد من احرازه في الحكم بالحلية على ما هو الأصل في تعليق كل حكم على عنوان
وجودي حيث أن العرف يستفيدون منه ثبوت الحكم الطريقي عند عدم احرازه ضرورة
ان المولى إذا قال لعبده لا تأذن في دخول داري الا لأصدقائي أو قسم هذا المال في الفقراء
فإنه يفهم من هذا التعليق عدم جواز الاذن عند عدم احراز الصداقة وعدم جواز الاعطاء
إلا عند احراز الفقر وعليه يبتني حرمة التصرف في أموال الغير عند الشك في طيب نفسه لأن جواز
التصرف علق على طيب النفس فلا يترتب الا عند احرازه بل مطلق وجوب الاحتياط
في الأموال والأنفس والاعراض مبتن عليه فإن جواز التصرف في كل منها مترتب على العناوين
الوجودية فينتفي عند الشك فيها وعلى ذلك بنينا أصالة الانفعال في الماء حتى يحرز كونه كرا
لترتب عدم الانفعال والعاصمية على عنوان وجودي وهو بلوغ الماء كرا وذكرنا في محله أن
195

الحكم بالانفعال مع الشك في الكرية ليس من جهة قاعدة المقتضي والمانع الغير الثابت حجيتها
ولا من جهة التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية المختار عدم جوازه بل لأجل ما ذكرناه
من استفادة الحكم الطريقي من تعليق الحكم على عنوان وجودي ولكنه لا يخفى ان
الكبرى المذكورة وإن كانت مسلمة عندنا إلا أنه لا يترتب عليها ما أفاده (قده) من الحاق
المطعومات بالأموال والأنفس والاعراض حتى يكون مقتضى الأصل فيها هي الحرمة وذلك
لان كون الطيب أمرا وجوديا ممنوع أولا بل لا يبعد أن يكون الطيب ما لا قذارة فيه كما أن
الطاهر عبارة عما لا نجاسة فيه وعلى تقدير تسليمه فاستفادة الحكم الطريقي إنما يتم إذا لم
يكن الحرمة معلقة على كون الشئ خبيثا أيضا ومعه لا مجال لاستفادة الحكم الطريقي في طرف
الحلية بالخصوص ففي مورد الشك في كون الشئ طيبا أو خبيثا لا مناص عن الرجوع إلى
أصالتي الحل والبراءة (ثم إنه) ربما يتمسك لأصالة الحرمة في خصوص اللحم باستصحاب
الحرمة الثابتة قبل الذبح فيقال ان لحم الحيوان المشكوك حليته بالشبهة الحكمية أو الموضوعية كان
محرما قبل ذبحه فيحكم ببقائها بعد الذبح كما يحكم ببقاء طهارته بعده أيضا ولكنه لا يخفى
فساد ذلك فإن جريان الاستصحاب كما سيجئ في محله إن شاء الله تعالى مشروط ببقاء
موضوعه والمرجع في ذلك هو فهم العرف لمناسبة الحكم والموضوع ففي مثل استصحاب الطهارة
حيث يرى العرف انها من قبيل الاعراض الخارجية الثابتة للأجسام الخارجية من دون مدخلية
عنوان فيكون الموضوع باقيا بعد موت الحيوان وذبحه فيصح استصحابها فإن الموضوع الثابت
له الطهارة قبل خروج روحه هو بعينه باقي بعده بحكم فيحكم ببقائها ما لم يقطع بارتفاعها
وهذا بخلاف الحرمة فإنها كانت ثابتة لما لم يخرج عنه الروح البخاري القائم بالدم الجاري في
الأعصاب ومع خروج الدم الحامل للروح البخاري يتبدل الموضوع لا محالة فلا يكون مجرى
للاستصحاب وبعبارة أخرى حرمة اللحم قبل الذبح إنما كانت ثابتة له بعنوان انه غير مذكى
وهذا الموضوع قد ارتفع بوقوع التذكية عليه يقينا فلا يمكن استصحاب الحرمة الثابتة له بالعنوان
المعلوم ارتفاعه وهذا نظير وجوب التقليد الثابت لعنوان المجتهد حيث إن عنوان الاجتهاد له
موضوعية في ثبوت هذا الحكم فلا يمكن استصحابه بعد زوال اجتهاده ولو تنزلنا عن دعوى
القطع بارتفاع الموضوع في محل الكلام فلا أقل من احتماله لاحتمال دخل الحياة في موضوع
الحكم السابق فلا يصح اجراء الاستصحاب أيضا لاشتراطه باحراز بقاء الموضوع الغير المجتمع
196

مع احتمال عدم بقائه
(المسألة الثانية) ما إذا كان الشبهة التحريمية من جهة اجمال النص كما إذا شك في
حرمة الصوت المشتمل على الترجيع من دون أن يكون مطربا لاجمال لفظ الغناء واحتمال اشتراط
صدقه على كون الصوت مطربا والحكم فيه بعينه الحكم في المسألة السابقة والأدلة المذكورة فيها للطرفين
جارية في المقام أيضا الا انه ربما يتوهم عدم الملازمة بين القول بالبراءة في المسألة السابقة وبين القول
بها في المقام لوجهين الأول انه إذا دل الدليل على حرمة الغناء مثلا فكل ما يصدق عليه
مفهوم الغناء بحسب الواقع يكون محكوما عليه بالحرمة والدليل الدال على حرمته بيان لها
من الشرع فلا يكون مورد الشك في صدقه محكوما بالبراءة فيفرق بينه وبين ما لا نص فيه
المحكوم بالبراءة لعدم البيان وفيه ان الحرمة انما يثبت للحقائق دون المفاهيم بل هي تؤخذ في
الموضوعات بما انها معرفات للحقائق فالمحكوم بالحرمة في الحقيقة هو واقع الصوت دون مفهوم الغناء
وعليه فالصوت المطرب المشتمل على الترجيع معلوم الحرمة وغيره وهو الصوت المشتمل على الترجيع فقط مشكوك الحرمة ولم يقم عليها بيان لاجمال اللفظ
على الفرض فيكون موردا للبراءة (الوجه الثاني) ان البراءة وإن كانت ثابتة لكل مشكوك إلا انها
لا تجري في مورد الدليل على الحرمة يقينا فيكون حالها مع وجود الدليل حال العام مع وجود
المخصص فكما ان المخصص المجمل مفهوما يكون مانعا عن التمسك في مورد فكذلك الدليل
المجمل يكون مانعا عن جريان البراءة أيضا (وفيه) أولا ان سريان اجمال المخصص فيما إذا كان
منفصلا وكان دائرا بين الأقل والأكثر عن التمسك بالعموم (ممنوع) لما حققناه في محل من أن
الدليل العام بعد انعقاد ظهوره التصديقي يكون حجة في كل قسم من الأقسام التي يمكن انقسام العام
بالإضافة إليها فقول المولى أكرم العلماء يكون دليلا على وجوب اكرام العالم سواء كان مرتكبا
للكبيرة أم لا وسواء كان مرتكبا للصغيرة أم لا وهكذا فإذا ورد لا تكرم فساق العلماء وتردد
مفهوم الفاسق بين اختصاصه بخصوص فاعل الكبيرة أو شموله لفاعل الصغيرة (أيضا) فالقدر
الثابت الموجب لتضييق العموم هو ارتفاع حجية العام من جهة انقسام العالم إلى فاعل الكبيرة
وغيره واما انقسامه إلى فاعل الصغيرة وغيره فلا موجب لرفع اليد عن حجيته بالإضافة إليه لاجمال
دليل المخصص وعدم احراز شموله له وقد ذكرنا توضيح ذلك بأحسن بيان في مبحث العموم
والخصوص فراجع (وثانيا) انا وان سلمنا سريان اجمال الدليل المخصص إلى العام ومنعه عن
التمسك به في مورد الشك الا انه لا يجوز قياس الأصل العملي بالأصل اللفظي حتى يكون
197

اجمال الدليل مانعا عن التمسك به أيضا وذلك لان الدليل المخصص كما ذكرناه في محله
يوجب تقييد المراد الواقعي فيكشف عن أن المولى لم يبين من مراده الواقعي الا بعضه واخر
بيان بعضه الآخر لحكمة مقتضية له أو لغفلته كما في الموالي العرفية وعليه فربما يتوهم ان دليل التقييد
إذا كان مجملا (فلا محالة) يكون المراد الواقعي المقيد به مجملا أيضا لكون دليل
في عرض الدليل العام في كشفه عن المراد الواقعي مثلا إذا قال المولى أكرم العلماء ثم ورد في الدليل
المنفصل لا تكرم فساق العلماء فلا محالة يستكشف تقييد موضوع وجوب الاكرام بعدم كونه
فاسقا فإذا تردد أمر الفاسق بين شموله لفاعل الصغيرة وبين اختصاصه بخصوص فاعل الكبيرة
فلا محالة يتردد موضوع وجوب الاكرام ويكون هذا مانعا عن التمسك بالعموم وهذا بخلاف
الدليل بالإضافة إلى الأصل العملي فإن الدليل الدال على حرمة الغناء مثلا يوجب تقييدا في
موضوع الأصل وانما يوجب ارتفاعه فهو من حيث المرتبة واقع في طوله لا في عرضه (وحينئذ)
فحيث ان مورد جريان الأصل هو الشك والمفروض تحققه عند اجمال الدليل فلا يكون هناك
مانع عن جريانه أصلا وقد ذكرنا في بحث العموم والخصوص ما ينفعك في المقام فراجع
(المسألة الثالثة) ما إذا كانت الشبهة التحريمة من جهة تعارض النصين هذه المسألة
وإن كانت خارجة عن محل الكلام من جهة ان مورد الأصل هو عدم وجود الدليل على الحكم
من قبل الشارع والمفروض فيها وجود الدليل على الإباحة وعلى الحرمة والحكم فيها هو الاخذ
بأحد الدليلين تعيينا أو تخييرا لا الرجوع إلى الأصل الا ان الغرض من التعرض لها في المقام هو
ابطال ما ربما قيل فيها بالاحتياط وبتأخر الاخذ بإحدى الروايتين تخييرا عن الاخذ بما هو
موافق له نظرا إلى ما في رواية غوالي اللئالي من الامر بالأخذ بالحائطة بعد عدم وجود المرجح
لاحديهما ثم الامر بالتخير بينهما ولكنه لا يخفى ان اختصاص غوالي اللئالي بنقل الرواية مع
ما قيل في صاحبه من تساهله في نقل الاخبار يمنع من صلاحيتها لان يعرض بها اخبار التخيير
الواردة في مقام المعارضة مع كثرة تلك الأخبار ونقلها في الكتب المعتبرة هذا مع أنه يمكن
حمل هذه الرواية بصورة التمكن من الوصول إلى خدمة الإمام عليه السلام فتكون خارجة
عن محل الكلام بالكلية كما احتمل ذلك شيخنا العلامة الأنصاري (قده)
(المسألة الرابعة) ما إذا كانت الشبهة التحريمية من جهة اشتباه الأمور الخارجية كما
إذا شك في حرمة مائع خارجي لاحتمال كونه خمرا مثلا والكلام فيها يقع تارة من حيث
198

البراءة العقلية واخرى من حيث البراءة الشرعية وثالثة من جهة أصالة الحل اما الكلام من
الجهة الأولى فربما يتوهم ان مقتضى حكم العقل فيها هو الاشتغال فإن حكم العقل بقبح العقاب
يختص بصورة عدم البيان ومن المعلوم انه لا يصدق فيما إذا بين الشارع الحكم الكلي وكان
الاشتباه من جهة الأمور الخارجية فإذا لم يستقل العقل بقبح العقاب فلا (محالة) يحكم العقل
بوجوب دفع العقاب المحتمل وتوضيح جواب هذا التوهم يحتاج إلى بسط في المقام فنقول
(أولا) لفظ البيان لغة موضوع للظهور وهو مصدر لبان بمعنى ظهر واطلاقه على الكلام الصادر
من المولى باعتبار ظهور مراده الواقعي به فما دام كان الحكم الشرعي مشكوكا ولو من جهة الأمور
الخارجية فهو بلا بيان فيحكم العقل بقبح العقاب على مخالفته (وثانيا) ان حكم العقل بالقبح
ليس مستفادا من دليل لفظي تابع لما يفهم منه عرفا حتى يدعى ان لفظ البيان ظاهر في معنى
لا يصدق مع الشك في الحكم الشرعي في محل الكلام فلو سلم ظهور لفظ البيان في ذلك فلا
بد من ملاحظة ملاك حكم العقل بالقبح وانه متحقق فيما هو محل الكلام أم لا وعليه لا بد
من التكلم في أن مجرد العلم بالكبرى الكلية الشرعية كحرمة شرب الخمر مثلا هل يكفي في
تنجز التكليف على المكلف ولو مع عدم احراز موضوعه الخارجي أو لا بد في تنجزه من العلم
بالكبرى والصغرى معا ومع الجهل باحديهما يحكم العقل بقبح العقاب على مخالفة التكليف
الواقعي فنقول ان الأحكام الشرعية على قسمين (منها) ما يكون متعلقا بفعل المكلف من دون
تعلقه بموضوع خارجي كحرمة الكذب مثلا (ومنها) ما يتعلق متعلقه بموضوع خارجي كحرمة
شرب الخمر فإن الحرمة وإن كانت متعلقة بالشرب الا ان الشرب على اطلاقه غير محرم بل
خصوص ما كان منه متعلقا بالخمر مثلا (اما القسم الأول) فلا اشكال في أن المكلف بعد علمه
بالكبرى الكلية وقدرته على امتثال التكليف وعلى عصيانه يتنجز عليه التكليف لأن المفروض
عدم كون التكليف مشروطا بأمر آخر يتوقف فعليته فإذا كان التكليف الفعلي متنجزا
بالعلم به فكلما شك المكلف في الخارج في تحقق متعلق التكليف فيرجع شكه إلى الشك في الامتثال
بعد العلم بالاشتغال ومقتضى حكم العقل في مثله هو الاشتغال ليس الا واما القسم الثاني فهو
ينقسم أيضا إلى قسمين (الأول) أن يكون الحكم متعلقا بصرف الوجود سواء كان الموضوع
دخيلا في ملاك الحكم بحيث لو كان أمرا اختياريا أيضا لما أمر الشارع بايجاده كما في مثل أوفوا
بالعقود ويجب الوفاء بالنذر وأمثالهما أو يكون دخيلا في الخطاب دون الملاك وانما لم يؤخذ في
199

متعلق الخطاب ولم يؤمر بايجاده لعدم القدرة عليه وهذا القسم يختص بالتكاليف الوجوبية
الخارجة عن محل كلامنا فعلا (الثاني) أن يكون متعلقا بمطلق الوجود بحيث يكون كل
فرد فرد من الموضوعات الخارجية محكوما بحكم مستقل كما يختص كل مكلف بحكم أجنبي
عن حكم مكلف آخر وفى هذا القسم يكون الحكم الشرعي الثابت لكل فرد مشروطا بوجوده
لا محالة كما هو الشأن في تمام القضايا الحقيقية فإنا قد ذكرنا مرارا وأوضحناه في بحث الواجب
المشروط ان كل قضية حقيقية خبرية كانت أو انشائية ترجع إلى قضية مشروطة مقدمها وجود
الموضوع وتاليها ثبوت الحكم له فمعنى قولنا كل خمر حرام ان كل ما وجد في الخارج وصدق
عليه انه خمر فهو محكوم بالحرمة وقد ذكرنا هناك أيضا ان المجعول في القضايا الحقيقية الانشائية
هي اشخاص الاحكام لاشخاص الموضوعات والا لما كان الحكم انحلاليا كما هو المفروض ويترتب
على ذلك ان فعلية الحكم تتوقف على أمرين أحدهما وجود الموضوع الخارجي المشتمل على ملاك
الجعل وثانيهما جعل الكبرى الكلية ومع فقدان أحدهما ينتفي الحكم الفعلي بالضرورة اما مع
فقدان جعل الكبرى الكلية فواضح واما مع فقدان الموضوع الخارجي فلفرض اشتراط فعلية
الحكم بوجوده اللازم لكون القضية حقيقية فإذا كان الحكم الشرعي متوقفا على تحققهما فلا محالة
يتوقف العلم به على العلم بتحققهما فمع الشك في وجود إحديهما يكون الحكم الشرعي مجهولا
وغير قابل للمحركية على ما أوضحنا مناطيته في حكم العقل بقبح العقاب على مخالفته والحاصل
ان العلم بتحقق الصغرى خارجا مع الجهل بالكبرى كما أنه لا يكفي في محركية الحكم الواقعي
على تقدير وجوده فيستقل العقل بقبح العقاب على مخالفته فكذلك العلم بالكبرى مع الجهل
بالصغرى بعد فرض كون الحكم انحلاليا لا يكفي في المحركية بالإضافة إلى الفرد المشكوك فيستقل
العقل بقبح العقاب على المخالفة لاتحاد الملاك فيهما هذا كله فيما إذا كان النهي متعلقا بكل فرد
فرد على نحو القضايا الحقيقية وأما إذا كان الحكم التحريمي بمعنى مطلوبية مجموع التروك بنحو
العام المجموعي بحيث لو أخل بواحد منها لما امتثل أصلا كما في حرمة شرب ماء الدجلة لأجل
تعلق النذر بترك شربه وشك في حرمة شرب ماء خارجي لاحتمال كونه من مائها فيبتنى
الحكم بجوازه وعدمه على النزاع في جريان البراءة عند دوران الامر بين الأقل والأكثر
وحيث إن المختار عندنا هناك الحكم البراءة فالحكم في المقام يكون هو البراءة أيضا إذ لا فرق
بين المقام وبينه فيما هو الملاك في جريان البراءة كما هو ظاهر فمن الغريب ما صدر من المحقق
200

صاحب الكفاية (قده) من حكمه في المقام بالاشتغال مع ذهابه إلى البراءة في مسألة الأقل
والأكثر نعم لو كان الحكم متعلقا بعنوان بسيط خارجي مقدور للمكلف وكان التروك الخارجية
محصلة له كما إذا قال المولى كن لا شارب الخمر بنحو القضية المعدولة المحمول لكان الحكم
في موارد الشك هو الاشتغال أو لم يكن فيها أصل آخر حاكم عليه ضرورة ان التروك الخارجية
في هذا الفرض لم تؤخذ متعلقة للتكليف لا بنحو يكون كل واحد واحد مطلوبا للمولى ولا بنحو
يكون كل ترك مقوما للمطلوب وجزء منه حتى يحكم بالبراءة عند الشك بل المطلوب فيه عنوان وجودي
يمكن للمكلف تحصيله في الخارج بمحصلية التروك الخارجية فعند الشك في حصوله من جهة
الشك في محصله لا يعقل الحكم بالبراءة لما عرفت سابقا من أن موارد الشك في المحصل خصوصا
إذا كان الشك في المحصل الخارجي الغير الشرعي أجنبية عن موارد الحكم بالبراءة رأسا إذا الحكم
بالبراءة انما يكون عند الشك في التكليف واما الشك في وجود المكلف به بعد العلم بتعلق
التكليف به من جهة الشك في محصله فهو مورد لحكم العقل بتحصيل الفراغ اليقيني والى هذا
نظر من ذهب إلى عدم جواز الصلاة فيما شك في كونه من غير المأكول فإنه نظر إلى اشتراط
الصلاة بكونها في غير المأكول فهذا العنوان الوجودي هو المأخوذ قيدا فيها وتحصيله مقدور
للمكلف وعند الشك في حصوله لا بد من الحكم بالاشتغال دون البراءة ثم انا ذكرنا مرارا
ان الاستصحاب في الاعدام المأخوذة وصفا لموضوعاتها لا يجري الا إذا كانت تلك الاعدام
مسبوقة بالتحقق في موضوعاتها والا لكان اثبات انصاف الموضوع بها باستصحاب العدم الأزلي
مستلزما للقول بحجية الأصول المثبتة وعلى ذلك فيختلف الحال باختلاف اعتبار غير المأكول
شرطا فإنه إذا كان شرطا في الصلاة فليس لها حالة سابقا يمكن استصحابها إذا هي من أول
وجودها يشك في اقترانها بالقيد المعلوم قيديته واما إذا كان شرطا للمصلي فيجري استصحاب
عدم كونه لابسا لغير المأكول وعدم كونه مستصحبا لاجزاء غير المأكول لتحقق هذين العدمين
قبل لبسه للمشكوك وقبل وقوع الجزء المشكوك في لباسه أو بدنه وإذا كان ذلك شرطا في
اللباس فيفرق بين الشك في كون نفس اللباس من غير المأكول وبين كون الاجزاء الواقعة
عليه منه فلا يجري الاستصحاب في الأول ويجري في الثاني والوجه فيهما واضح وبالجملة إذا
كان عنوان وجودي اخذ متعلقا للتكليف سواء كان متعلقا للتكليف الاستقلالي أو متعلقا
للتكليف الضمني وشك في تحققه خارجا من جهة الشك في محصله فلا مناص عن الحكم
201

بالاشتغال في غير موارد وجود الأصل الحاكم عليه واما أصالة البراءة فلا تكون جارية مطلقا
(فتحصل) من جميع ما ذكرناه ان التروك الخارجية وإن كانت تستلزم عنوانا وجوديا وهو
اتصاف المكلف بكونه غير فاعل دائما الا انه يختلف الحال باعتبار تعلق الحكم بها فقد يكون
نفس التروك متعلقة للحكم من حيث المجموع بنحو العام المجموعي فيرجع الشك في مطلوبية
ترك من جهة احتمال كونه مقوما للمطلوب إلى الشك بين الأقل والأكثر واخرى تكون متعلقة
للحكم بنحو العام الاستغراقي فيكون كل ترك مع قطع النظر عن الترك الآخر مطلوبا للمولى
فالشك في تعلق حكم بترك يكون شكا في حكم استقلالي نفسي فيكون مجرى للبراءة وثالثة يكون
الحكم متعلقا بالعنوان المتحصل من التروك الخارجية فتكون التروك محصلة لها خارجا من دون
ان يتعلق بنفسها تكليف فعند الشك في تحقق ذلك العنوان في الخارج لا بد من الحكم بالاشتغال
ان لم يكن هناك استصحاب حاكم عليه فمورد الحكم بالبراءة أجنبي عن مورد جريان
الاستصحاب بالكلية (ومن جميع) ما ذكرناه يظهر الحال فيما ذكره المحقق صاحب
الكفاية (قده) في المقام فراجع (ثم إنه) يظهر مما بيناه في الجهة الأولى حال الجهة الثانية أيضا
وانه لا مانع من جريان البراءة الشرعية أيضا إذ العلم بالكبرى الكلية بعد فرض كونها انحلالية
لا يوجب كون الحكم الشرعي معلوما للمكلف مع الشك في وجود الموضوع خارجا فيجري
أدلة البراءة التي اخذ في موضوعها عدم العلم بالحكم وعلى تقدير الإغماض عن عدم كون العلم
بالكبرى الكلية علما بالحكم مع عدم احراز الموضوع الخارجي فلا اشكال في الحكم بالحلية من
جهة الأخبار الدالة على حلية المشكوك وقد ذكرنا هذه الأخبار عند التعرض لحكم المشكوك
بالشبهة الحكمية فإن تلك الأخبار لو لم تكن ظاهرة في بيان حكم الشبهة الموضوعية فلا أقل
من كونه مرادا منها يقينا فالحكم بالبراءة في الشبهة الموضوعية خال عن الاشكال بالكلية (تبصرة)
لا يخفي ان القائلين بجريان البراءة في الشبهات التحريمية حكمية أو موضوعية لا يمنعون عن
حكم العقل بحسن الاحتياط للتحرز عن الوقوع في المفاسد الواقعية التي لا تدور مدار العلم
والجهل بل لا يبعد الحكم باستحباب الاحتياط من جهة كون الاجتناب مرتبة من التقوى
الموجبة لكمال النفس فإن حكم العقل بحسن الاحتياط الناشئ عن مراعاة الواقع وإن كان
واقعا في مرتبة معلولات الحكم الشرعي ومثل هذا الحكم قد عرفت انه لا يمكن أن يكون
مستتبعا للحكم الشرعي الا انه لا مانع من استحباب الاحتياط والتحرز عن الشبهات بملاك آخر
202

وهو كون الاحتياط موجبا للتقوى الموجبة لكمال النفس وفي اخبار الاحتياط ما يدل على الاستحباب
الشرعي فإن قوله (ع) أورع الناس من وقف عند الشبهة وقوله (ع) لا ورع كالوقوف عند
الشبهة وقوله (ع) من ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له اترك وغيرها من الاخبار
ظاهرة في الاستحباب الشرعي ومع كون الحكم بالاستحباب ممكنا في حد نفسه وظهور الاخبار
فيه لا بد من الحكم والفتوى على طبقها هذا تمام الكلام في المقام الأول واما المقام الثاني وهو
ما إذا كانت الشبهة الحكمية التي لم يعلم فيها جنس التكليف ولم يلاحظ فيها الحالة السابقة وجوبية
ففيها مسائل أيضا ولا يهمنا التعرض لكل واحد منها بخصوصها فإن فيما ذكرناه في الشبهة
التحريمية من الأدلة على جريان البراءة في تمام صور المسألة غير مسألة تعارض الخبرين التي
ذكرنا ان الحكم فيها هو الاخذ بأحد الخبرين تعيينا أو تخييرا كفاية والملاك بين المقامين.
مشترك فيه هذا مع أن أغلب الأخباريين القائلين بوجوب الاحتياط في الشبهة التحريمية
وافقوا الأصوليين في الحكم بالبراءة في الشبهة الوجوبية بل لم يوجد خلاف فيها الا من صاحب
الحدائق والمحدث الأمين الاستربادي في خصوص الشبهة الحكمية فالمهم في المقام هو التعرض
لمطالب (المطلب الأول) في تحقيق الحال في جريان الاحتياط في العبادات
فنقول قد ظهر مما ذكرناه في الشبهة التحريمية من حسن الاحتياط عقلا وشرعا حسن الاحتياط
في الشبهة الوجوبية أيضا وذلك لعدم اختصاص أدلته بخصوصها وهذا في التوصليات في غاية
الوضوح واما في غيرها فإن علم المحبوبية المطلقة ودار الامر بين الوجوب والاستحباب فالامر
كذلك إذ لا مانع من اتيان العبادة بقصد امرها الدائر بين الوجوب والاستحباب (وتوهم)
عدم امكان الاحتياط فيها لعدم التمكن من قصد الوجه المعتبر في العبادة (مدفوع) بان قصد
الوجه على تقدير اعتباره انما يعتبر عند التمكن منه وعند تعذره لعدم العلم بالوجوب والاستحباب
فلا يعتبر قطعا واما إذا لم يعلم المحبوبية ودار الامر بين الوجوب وبين أن يكون لغوا فربما
يقال بعدم امكان الاحتياط نظرا إلى أن قصد القربة مما لا بد منه في وقوع العمل عبادة وحيث انه
لا يمكن مع الشك في المحبوبية فلا يمكن الاحتياط في العبادة معه ولكن هذا الاشكال
نظير سابقه في الوهن فإن محركية نفس الامر وإن كانت معتبرة في وقوع العمل عبادة ومع
امكان محركية نفسه ووقوع العمل بداعية لما يحكم العقل بكفاية داعوية الاحتمالية في الإطاعة
الا ان ذلك في صورة التمكن من جعل نفس الامر محركا ومع تعذره فالعقل يتنزل إلى الاكتفاء
203

بالامتثال الاحتمال وجعل احتمال الامر داعيا إلى العمل وما أبعد ما بين هذا التوهم وتوهم جواز
الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي حتى مع التمكن من الامتثال القطعي والحق فساد كلا التوهمين
وكون الامتثال الاحتمالي في طول الامتثال القطعي وقد أشبعنا الكلام في ذلك عند التعرض
لحال العلم الاجمالي في مباحث القطع فراجع ثم إنه بعد ثبوت حسن الاحتياط عقلا وجريانه
في العبادات أيضا فهل يمكن استكشاف الحكم الشرعي منه حتى يكون مستحبا شرعا
أم لا فيكون الأوامر الواردة في هذا المقام ارشادية الحق هو الثاني لما ذكرناه مرارا من أن
الأحكام العقلية إن كانت واقعة في مرتبة العلة للحكم الشرعي بان كان الحكم الشرعي متأخرا
عنها في الرتبة فقاعدة الملازمة بين الحكمين يثبت الحكم الشرعي لا محالة واما إذا كان الحكم
العقلي واقعا في مرتبة الامتثال التي هي متأخرة عن جعل الحكم الشرعي ومترتبة عليه فلا يمكن
الاستكشاف وذلك كحكم العقل بحسن الامتثال المترتب على جعل الحكم الشرعي وتحققه وحينئذ
فحكم العقل في المقام بحسن الاحتياط لا يمكن ان يستكشف به الحكم الشرعي بملاكه فإن حكم
العقل في هذه المرتبة حكم مترتب على جعل الاحكام ضرورة انه مترتب على احتمال الحكم
المتأخر عن جعله بالرتبة نعم لا مضايقة في استحباب الاحتياط شرعا بملاك آخر غير ما هو
الملاك في حكم العقل بالحسن مثل كون الاحتياط موجبا لقوة ملكة النفس على التحرز عن
المعصية كما هو المستفاد من قوله (ع) من ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له اترك
ولأجل ذلك استظهرنا فيما مر استحباب الاحتياط شرعا زائد على ما هو عليه من حسنه العقلي ثم إنه
بعد ثبوت استحبابه الشرعي فهل الامر الاستحبابي يتعلق بذات العمل المأتي به بداعي احتمال
الامر فيكون متعلق الأمر الاستحبابي مغايرا لمتعلق الحسن العقلي المعتبر فيه اتيان الفعل بداعي
احتمال المحبوبية أو يتعلق بعين ما تعلق به الحسن فيكون المستحب الشرعي هو اتيان العمل
بداعي احتمال الامر أيضا ظاهر المشهور هو الأول حيث تراهم يفتون باستحباب إعادة الصلاة
فيما احتمل فسادها باحتمال غير منجز من دون تقييد منهم بلزوم اعادتها برجاء المحبوبية واحتمال
الامر وهذا الحكم منهم يبتنى على أمرين الأول أن يكون أوامر الاحتياط الدالة على استحبابه
متعلقة بذات العمل كما استظهرنا ذلك في الامر الناشئ من قبل النذر حيث ذكرنا في بعض
المباحث السابقة انه ليس كالأمر الناشئ من قبل الإجارة المتعلق باتيان العمل بداعي امره بل
204

هو يتعلق بنفس العمل الذي هو متعلق الأمر الاستحبابي ففي مثل النذر المتعلق بصلاة الليل
مثلا يكون الامر الناشئ من قبل النذر متحدا مع الامر الاستحبابي فيكتسب الامر النذري
جهة التعبدية من الامر الاستحبابي ويكتسب الامر الاستحبابي جهة الالزام من الامر النذري
فيكون المتحصل من الامرين أمرا واحد الزاميا عباديا لا يسقط إلا بقصد التقرب وأما
لو قلنا بان الامر الاحتياطي تعلق بإتيان العمل رجاء وبداعي احتمال المحبوبية فلا يكون وجه
للفتوى باستحباب نفس العمل المحتمل مطلوبيته أصلا (الثاني) أن يكون الأوامر الاحتياطية
منحلة باختلاف مواردها إلى أوامر توصلية وتعبدية نظير الامر بالإطاعة المنحل في موارد
التوصليات إلى أمر توصلي وفي موارد التعبديات إلى أمر تعبدي إذا لو كان الامر بالاحتياط
في تمام موارده على نسق واحد فلا محالة يكون توصليا ومعه لا يصح أن يكون هو الموجب
لعبادية ما يشك في كونه مأمورا به والمفروض عدم ثبوت أمر آخر متعلق به حتى يكون
هو الموجب للعبادية فلا يمكن اثبات استحباب المأتي به احتياطا إذا كان عباديا (وبالجملة)
الفتوى باستحباب إعادة الصلاة مثلا يتوقف على كون الامر الاحتياطي متعلقا بذات العمل
وكونه عباديا ومع انتفاء أحد الامرين لا يمكن الحكم باستحباب الإعادة عبادة والذي يظهر من
العلامة الأنصاري (قده) في المقام هو اختيار مذهب المشهور على خلاف ما اختاره في رسائله
العملية فإنه (قده) بعد ما أشكل في جريان الاحتياط في العبادات أولا ووجه جريانه فيها
بكفاية الاتيان بداعي احتمال الامر بالعبادية والمقربية ثانيا سلك مسلكا آخر ومحصل ما افاده
بتحرير منا هو الالتزام بتعلق الأوامر الشرعية المفيدة للاستحباب بذات العمل من دون التقيد بالاتيان
برجاء المحبوبية فيكون المستحب الشرعي هو ذات العمل ومع ذلك يكون الامر الاحتياطي
عباديا إذا كان متعلقه عبادة وتوصليا إذا كان متعلقه غيرها نظير انحلال الامر بالوفاء في
باب النذر وأخويه إلى التعبدي والتوصلي باختلاف متعلق النذر خارجا وعلى ذلك يكون الموجب
لعبادية الاحتياط هو نفس الامر الاحتياطي فيجري فيها ولو اعتبرنا في العبادية احراز الامر
ولم نكتف فيها بالاتيان بداعي الاحتمال ورجاء المحبوبية وقد ذكرنا في مقام النقض على من
توهم عدم امكان كون العبادية ناشئة من هذا الامر مع كون متعلقه هو الاحتياط بورود مثل
هذا الاشكال بعينه على الأوامر الواقعية المتعلقة بالعبادات فإنه لا ريب في أن متعلقاتها أمور
عبادية مع أن العبادية ناشئة عن تلك الأوامر أيضا بناء على استحالة اخذ قصد القربة في متعلقاتها
205

فما به يكون التفصي هناك يتفصى به في المقام أيضا وبذلك وجه فتوى المشهور
باستحباب نفس العمل المحتمل تعلق الامر به واقعا وحاصل ما افاده في المقام يرجع
إلى دعوى ان الأوامر الواقعية متعلقة بذات العمل من غير اخذ قصد القربة فيها وأن الاحتياط
عبارة عن الاتيان بمتعلق الامر الواقعي في ظرف الجهل على وجه قربي وهو غير مشروط
باتيانه برجاء المحبوبية فكما ان الامر الواقعي بذات العمل هو الموجب لعباديته فكذلك يكون
الامر الاحتياطي أيضا بناء على استفادة الاستحباب منه وانحلاله إلى تعبدي وتوصلي باختلاف
موارده ولكن الحق في المقام هو ما ذهب إليه سيد أساتيذنا العلامة الشيرازي (قده) موافقا لما
اختاره شيخه العلامة (قده) في رسائله العملية من استحباب العمل المقيد بما إذا اتي به برجاء
المحبوبية وباحتمال الامر فإن ما أفاده (قده) في وجه استحباب ذات العمل وكون العبادية
ناشئة من قبل الامر الاستحبابي لا يمكن المساعدة علية أصلا فإن ما افاده من تعلق الأوامر
الواقعية بذات العمل من دون اخذ قصد القربة فيه ممنوع بل التحقيق هو كونه مأخوذا فيه الا
انه حيث لا يمكن اخذه فيه بالجعل الأول فلا بد من الاحتياج إلى جعل آخر يكون متمما للجعل
الأول وقد أشبعنا الكلام فيه في محله فراجع ثم إنه على تقدير تسليم عدم اخذ القربة في متعلق الأمر
الواقعي فلا نسلم عدم اخذه في متعلق الأمر الاحتياطي وذلك فإن متعلق الأمر الاحتياطي هو عنوان
الاحتياط وما به يمكن ادراك الواقع ويحكم العقل بحسنه ولا ريب ان ذلك لا يكون الا مع
الاتيان بالعمل على وجه قربي مع قطع النظر عن تعلق الامر الاحتياطي به فكيف يمكن ان يقال إن الامر
الاحتياطي متعلق بذات ما تعلق به الامر الواقعي هذا مع قياس الامر الاحتياطي بالأوامر
الواقعية في عدم اخذ جهة القربية في متعلقهما فاسد من أصله فإن عدم الاخذ في الأوامر الواقعية من
جهة استحالة التقييد الموجب لاستحالة الاطلاق أيضا فلا مناص من الاهمال كما مر توضيحه في
محله وهذا بخلاف الامر الاحتياطي فإن اخذ داعوية الاحتمال وجعل رجاء المحبوبية دخيلا
في متعلقه حتى يكون المستحب هو الاتيان المقيد بما إذا اتى به برجاء المحبوبية بمكان من
الامكان ومع امكان التقييد لا مناص عن الاطلاق أو التقييد من الحاكم الملتفت
إلى الانقسام وحينئذ فإما أن يكون متعلق الأمر الاحتياطي مقيدا به أو يكون مطلقا من
هذه الجهة لا سبيل إلى الثاني بعد عدم صدق عنوان الاحتياط عليه حقيقة مع أن العقل
لا يستقل الا بحسنه والشرع لا يندب الا إليه فيتعين الثاني (فتحصل) مما ذكرناه ان
206

الاحتياط المحكوم بكونه حسنا عند العقل ومحبوبا مولويا عند الشرع ويجري في العبادات كما
يجري في غيرها لما عرفت من كون الاتيان برجاء المحبوبية من وجوه المقربية والتعبد عند
عدم التمكن من جعل الامر الواقعي بنفسه داعيا من دون احتياج إلى تكلف الالتزام باستحباب
نفس العمل الموافق لمتعلق الامر الواقعي مع أنه غير صحيح في نفسه كما عرفت (هذا كله) فيما
إذا لم يكن المنشأ لاحتمال الوجوب هذه الرواية الضعيفة واما في موردها فربما يقال باستحباب
نفس العمل ولو لم يؤت به برجاء المحبوبية وبداعي احتمال الامر نظرا إلى دلالة الاخبار التي
دلت على أن من بلغه ثواب على عمل فعمله كان له اجر ذلك وإن كان رسول الله صلى
الله عليه وآله لم يقله على ذلك وهذه الأخبار مستفيضة بل لا يبعد دعوى تواترها معنى وإن كان
بينها اختلاف في الجملة وكيف كان فلا اشكال في اعتبار الروايات من حيث السند مع أنها
متلقاة بالقبول عند الأصحاب بل التكلم عنها يقع من جهات أخرى (الأولى) في أن مساق
هذه الروايات هل هو جهة أصولية أو فقهية أو كلامية بمعنى ان تلك الأخبار هل هي ناظرة
إلى أن الشرايط المعتبرة في حجية الخبر انما يختص اعتبارها بما إذا كان مدلول الخبر حكما الزاميا
واما إذا كان حكما غير الزامي فيكفي في ثبوته مجرد مجئ الخبر به وعلى ذلك يكون مطلق
الخبر حجة لاثبات متعلقه فيكون هذه الأدلة مخصصة لأدلة اعتبار الشروط في حجية الخبر
مطلقا وموجبة لاختصاصها بمورد الاحكام الالزامية فيكون البحث (حينئذ) عن الجهة الأصولية
أو هي ناظرة إلى أن فعل المكلف بعد طروء عنوان ثانوي عليه وهو الاخبار عن ترتب الثواب
عليه وكونه محبوبا عند المولى يكون ذا مصلحة غير الزامية موجبة للحكم باستحبابه شرعا وان لم
يكن مطابقا للواقع نظير ما قيل في موارد الطرق والامارات من أنها توجب جعل الاحكام
على طبق مؤدياتها ولو في فرض عدم مصادفتها للواقع وعلى ذلك يكون البحث في المقام عن
استحباب العمل البالغ عليه الثواب فيكون بحثا فقهيا أو انها ناظرة إلى حكم ما بعد العمل وأجنبية
عن جعل الداعي إليه بجعل الحجية للخبر الضعيف أو الاستحباب للعمل البالغ عليه الثوب فيكون
مفادها ان من بلغه ثواب على عمل ببلوغ صحيح ثابت الحجية بدليلها ومحرك له في نفسه فتحرك
المكلف في الخارج وعمل على طبقه ولكن اتفق عدم مصادفة الخبر للواقع وعدم ترتب
الثواب عليه في نفسه يؤتي له ذلك الثواب لأجل انقياده لحكم الشرع وكونه في مقام امتثاله
فيكون البحث عن جهة كلامية (وبالجملة) يكون مفاد الروايات هو ثبوت الثواب عند خطأ
207

الامارة للواقع ليس إلا لا ريب في أن ظاهر الروايات في حد ذاتها وبمدلولها المطابقي وإن
كان ثبوت الثواب فقط من دون تعرض فيها لاثبات الحجية أو الاستحباب الا انها بمدلولها
السياقي بما انها بصدد بيان جعل الداعي إلى العمل نظير ما ورد من الثواب على اعمال اخر مثل
قولهم عليهم السلام من زار الحسين عليه السلام فله كذا وكذا ينعقد لها ظهور ثانوي في
إحدى الجهتين الأوليتين ويتقدم الظهور الثانوي على الظهور الأولي المطابقي ويكون صارفا عنه
لما بيناه غير مرة من أن الظهور في القرينة يتقدم على الظهور في ذي القرينة وعليه يدور الامر بين
إحدى الجهتين السابقتين والمستفاد من ظاهر عنوان المشهور هذه المسألة بمسألة التسامح في
أدلة السنن وإن كان يعطي كون البحث عن جهة أصولية وان الخبر الوارد في باب المستحبات
لا يشترط فيه ما يشترط فيما دل على الحكم الالزامي وحينئذ فيقع المعارضة بينها وبين ما دل
على اشتراط العدالة والوثوق مثلا في حجية الخبر ولكنه مع ذلك لا بد من تقديم هذه الأخبار
ورفع اليد عن دليل الاشتراط في مواردها أما ما كان من أدلة الاشتراط من قبيل قوله تعالى
إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أو غيره المفيد لاشتراط العدالة مطلقا فوجه تقديمها عليه واضح فإن
هذه الأخبار أخص من تلك الأدلة فيقدم عليها بالأظهرية وأما ما كان منها دالا على اشتراط
شرط مخصوص في خصوص مواردها وهي الاحكام الغير الالزامية حتى يكون النسبة بينهما
التباين فلان هذه الأخبار معمول بها عند الأصحاب فلا محالة يكون ما هو المعارض لها على
تقدير وجوده معرضا عنه عندهم فيسقط عن قابلية المعارضة لها إلا أن التحقيق ان استفادة
الجهة الأصولية منها في غاية الاشكال بل لا يمكن أصلا وذلك فأن ظاهر الروايات هو ترتب
الثواب مع احتمال عدم المصادفة للواقع كما هو صريح قوله عليه السلام وإن كان رسول الله
صلى الله عليه وآله لم يقله مع أن الحجية سواء كانت بمعنى جعل الوسطية في مقام الاثبات كما
هو المختار عندنا أو بمعنى جعل الهوهوية لا بد وأن تكون متكفلة لالغاء احتمال الخلاف واثبات
الواقع بعد قيام الحجة عليه فكيف يجتمع مع فرض بقاء احتمال عدم المصادفة على حاله وبالجملة دليل
حجية الامارة لا بد وأن يكون ناظرا إلى الواقع ومثبتا له بالغاء احتمال خلافه والرواية صريحة
في اثبات ترتب الثواب مع عدم تعرض فيها لالغاء هذا الاحتمال بل مقررة لبقائه وحينئذ فتكون
الروايات أجنبية عن المسألة الأصولية أيضا وتكون متمحضة في الحكم بالاستحباب لأجل
طرو عنوان ثانوي كما قيل بنظيره في مطلق الامارات وانها توجب حدوث عنوان في مؤدياتها
208

يوجب جعل الاحكام على طبقها على ما أوضحنا الحال في ذلك في محله ثم إن العلامة الأنصاري
قدس سره نسب هذا الوجه الذي اخترناه من كون مفاد الاخبار هو الاستحباب الشرعي
فيكون جهة البحث فقهية إلى بعض مشايخه المعاصرين له قدس الله تعالى اسرارهم وأطال
الكلام في ارجاعه إلى الجهة الأصولية وان النتيجة بالآخرة ترجع إلى الغاء شرطية ما اعتبر في
حجية الخبر في المقام وأنت بعد ما عرفت جهة الفرق بين الجهتين وان النظر في اثبات الاستحباب
الشرعي ليس الا حجية الخبر بل لا يكون هناك نظر إلى الواقع أصلا تعرف فساد ما افاده
ولم يكن صدور مثله مترقبا منه قدس سره (الجهة الثانية) في بيان انه بعد ما ثبت استحباب
العمل البالغ عليه الثواب فهل المحكوم بالاستحباب هو ذات العمل ولو لم يؤت به برجاء المحبوبية
والمحكوم به هو العمل المقيد به كما اخترنا ذلك في متعلق الأوامر الاحتياطية ظاهر جملة من
الاخبار ترتب الثواب على نفس العمل منها مصححة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام
قال من بلغه شئ من الثواب فعمله كان اجر ذلك له وإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله
لم يقله وظاهر بعضها التقييد بصورة الاتيان طلبا لقول النبي صلى الله عليه وآله كما في خبر محمد بن
مروان عن الصادق (ع) أو بصورة الاتيان لالتماس الثواب الموعود كما في خبره الآخر عن
الباقر عليه السلام فيقع الكلام في أن مقتضى القاعدة هو حمل المطلقات على المقيدات فينحصر
الثواب بما إذا كان الاتيان برجاء المحبوبية أو لا مقتضي له اما لمنع دلالة الروايات المذكورة
فيها القيد على التقييد واما لمنع اقتضاء القاعدة حمل المطلق على المقيد في المقام الحق هو الثاني
ودلالة الاخبار على ثبوت الاستحباب لنفس العمل إذ لا مقتضي لرفع اليد عن المطلقات أصلا
اما أولا فلانه لا ظهور في الأخبار المشتملة على القيد في أنه مأخوذ في العمل عنوانا وقيدا بان
يكون الثواب مترتبا على العمل المأتي به بعنوان انه محتمل الثواب بل هي ظاهرة في كون
طلب الثواب داعيا إلى العمل فإنه إلى الداعوية أمس من القيدية (والوجه) في اقتصار الإمام عليه السلام
على ذكر هذا الداعي بالخصوص مع تعدد الدواعي القريبة هو ان الداعي للعمل
غالبا انما هو الفرار عن العقاب أو تحصيل الثواب وبقية الدواعي لا تكون داعية غالبا وحيث
انه لا احتمال للعقاب في موارد المستحبات فينحصر الداعي بخصوص طلب الثواب بحسب
الغلبة ومع عدم ظهور الروايات في تقييد العمل بما إذا اتى به برجاء المحبوبية فلا موجب لرفع
اليد عن المطلقات فيثبت بها استحباب نفس العمل بعنوانه الثانوي الطارئ وان لم يكن محبوبا
209

واقعا واما ثانيا فلما عرفت في بحث المطلق والمقيد من عدم الموجب لحمل المطلق على المقيد في
باب المستحبات رأسا وان الحمل المذكور مختص بموارد الاحكام الالزامية (واما) ثالثا فلان الحمل
المزبور يشترط فيه كون الحكم المجعول متعلقا بصرف الوجود حتى يتحقق التنافي بين المطلق
والمقيد واما لو كان الحكم انحلاليا ومتعلقا بمطلق الوجود فلا موجب للحمل ولو كان الحكم
المجعول ايجابيا وحيث إن المفروض في المقام هو مطلوبية العمل البالغ عليه الثواب بمطلق وجوده
وأين ما تحقق فلا موجب لحمل المطلق على المقيد فيه أصلا هذا بحسب الصناعة العلمية ولكن
الانصاف انه مع قطع النظر عن الوجه الأول وهو المنع عن ظهور الاخبار في التقييد لو لم
ندع ظهورها في عدمه فلا مناص عن الحمل المزبور وذلك فإن الشرطين المذكورين لحمل المطلق
على المقيد وإن كان مما لا ريب في اشتراطهما الا انه مع عدم معلومية وحدة التكليف من
الخارج والا فلا محالة يتحقق المنافاة بين المطلق والمقيد مطلقا ومن الظاهر في المقام ان الاخبار
كلها بصدد بيان حكم واحد مجعول في الشريعة فيدور الامر بين كونه على نحو الاطلاق
أو التقييد فيتحقق التعارض الموجب للحمل الا انه يسهل الخطب انا في غنى عن ذلك لما عرفت من
عدم ظهور الاخبار في التقييد من رأس فيثبت استحباب نفس العمل البالغ عليه الثواب على
خلاف ما اخترناه في باب الأوامر الاحتياطية وإذا ثبت استحباب نفس العمل المشترك بين
العبادي وغيره فلا محالة ينحل باختلاف الموارد إلى تعبدي وتوصلي كما مر بيانه في تقريب
فتوى المشهور باستحباب نفس العمل في موارد الاحتياط وانما منعنا عن ذلك هناك لعدم كون
الامر فيها متعلقا بذات العمل بل اخترنا تعلقه بالفعل المأتي به بداعي احتمال الامر فلا محالة
يكون مثل هذا الامر توصليا وغير موجب للعبادية مطلقا لعدم نشؤه من المصلحة الكامنة في
العمل وانما نشأ من المصلحة الثابتة في نفس الاحتياط المشتركة بين موارده بل العبادية في موارد
الاحتياط في العبادة تتحقق في مرتبة سابقة على الامر من جهة كفاية الامتثال الاحتمالي فيها
بحكم العقل كما عرفت (الجهة الثالثة) في التعرض لما يرد على الاستدلال بالاخبار في المقام وهي كثيرة
لا يهمنا التعرض لها وقد تعرض لها العلامة الأنصاري (قده) في رسالته المعمولة للتسامح في أدلة السنن
وانما نتعرض لما هو أهمها وهو منافاة مدلولها لما دل على عدم الاعتناء بالاخبار الغير الصحيحة
كآية النبأ وغيرها مما دل على اشتراط الوثوق أو العدالة في جوار العمل بالخبر (وجوابه) ان
هذه الأخبار كما عرفت أجنبية عن إفادة جواز العمل بالخبر الضعيف حتى يتحقق بينهما المنافاة
210

لما عرفت من أنها ليست ناظرة إلى الجهة الأصولية أصلا وانما هي ناظرة إلى اثبات الاستحباب
للعمل البالغ عليه الثواب بعنوانه الثانوي وأين ذلك من جواز العمل بالخبر واثبات الواقع به
وعلى تقدير تسليم المنافاة بينهما بأن يكون مفادها اثبات الحجية للخبر الضعيف فلا بد من
تخصيص أدلة الاشتراط بها لكون هذه الأخبار أخص منها مطلقا وعلى تقدير وجود دليل فيها
يكون النسبة بينهما التباين فيقدم هذه الأخبار عليه لكونها معمولا بها بين الأصحاب فيكون
معارضها معرضا عنه لا محالة (وينبغي التنبيه) على أمور الأول انا قد ذكرنا في صدر المسألة
ان المختار عندنا هو كون مفاد الاخبار هو اثبات الاستحباب الشرعي فيكون مفادها من
المسائل الفقهية لكن الغرض من ذلك لم يكن كونه كبقية المسائل الفقهية المشتركة بين المجتهد
والمقلد بل الغرض منه كان اثبات انه ليس من المباحث الأصولية الباحثة عن الحجية بل هو
داخل في القواعد الكلية الفقهية (توضيح) ذلك ان الأحكام المجعولة الشرعية اما ان لا يكون
لها تعلق بعمل المكلف بل يتمحض في وقوعها في طريق استنباط الحكم الشرعي فهو حكم
أصولي بلا ريب والمسألة الباحثة عنه مسألة أصولية واما أن يكون لها تعلق بالعمل مع ايكال
تطبيق الكبرى على صغرياتها بنظر آحاد المكلفين كأغلب المسائل الفقهية فلا اشكال في
كونه حكما فرعيا وكون المسألة الباحثة عنه مسألة فقهية واما أن يكون له تعلق بالعمل لكن
مع عدم ايكال التطبيق المذكور على نظر الآحاد بل يكون التطبيق موكولا بنظر المجتهد خاصة
كقاعدة مالا يضمن بصحيحه لا يضمن بفساده وقاعدة اليد ونحوهما فيقع الاشكال في كون
هذه المسائل أصولية أو فقهية وما نحن فيه من هذا القبيل فإن تطبيق الكبرى في المقام على صغرياته
وتشخيص أن الرواية الدالة على الاستحباب يحتمل في موردها الحرمة أولا أو أن هناك ما يعارضها
أولا انما هو وظيفة المجتهد خاصة ولاحظ للمقلد فيه أصلا فلا بدلنا من بيان الضابط بين المسئلتين
اجمالا حتى يظهر حال تلك القواعد الكلية فنقول مقتضى ما ذكرناه في صدر الكتاب من أن
الميزان في المسألة الأصولية هو استنتاج الحكم الكلي الفرعي من ضم الصغرى إلى نتيجتها كمباحث
حجية الخبر ونحوه كون هذه القواعد داخلة في المسائل الفقهية ضرورة ان مفادها بأنفسها احكام
فقهية مستنبطة لا انها تقع في طريق استنباط حكم فرعي ولكن التحقيق عدم صحة هذا الميزان فإن
المسألة الفقهية لا بد وأن تكون بحيث يلقى نتيجتها بنفسها إلى المكلفين ويوكل التطبيق إلى نظرهم
كما جرى عليه دأب المجتهدين بضبط فتاويهم في رسائلهم العملية واعطائها إلى المقلدين ومن
211

الضروري ان نتائج تلك القواعد ليست كذلك ضرورة ان غير المجتهد لا يمكن له ان يطبق
صغريات تلك القواعد إليها فالميزان في كون المسألة أصولية هو أن يكون تطبيق صغرى
المسألة على كبراها موكولا بنظر العرف وإن كان البحث فيها عن الحكم الشرعي المتعلق
بالعمل بلا واسطة وعليه يكون البحث عن ثبوت الاستحباب الشرعي للعمل البالغ عليه الثواب
من الأبحاث الأصولية (الثاني) انه ربما يقال بشمول الأخبار المذكورة للخبر الضعيف الدال
على الكراهة والاخبار المروية في باب القصص والحكايات كاخبار الطف ونحوها مما تضمن
لفضائل أهل البيت ومصائبهم عليهم السلام ولكن التحقيق ان شمولها للخبر الضعيف الدال
على الكراهة وإن كان قريبا غايته باعتبار ان الذوق الفقهي يساعد على كون الملاك في هذه الأخبار
هو المسامحة في مطلق الاحكام الغير الالزاميه من دون أن يكون لخصوص الاستحباب
خصوصية خاصة وعليه يثبت الكراهة بالخبر الضعيف كما كان يثبت الاستحباب
به الا انه مع ذلك يشكل الفتوى بالكراهة بمجرد دلالة خبر ضعيف عليه وذلك لعدم ثبوت
الملاك القطعي واختصاص الاخبار بموارد بلوغ الثواب الظاهرة في المستحبات واما بالنسبة إلى
الاخبار الحاكية لغير الاحكام من الفضائل والمصائب وغيرها فلا مقتضي لتوهم الشمول أصلا
وإن كان يظهر من الشهيد (قده) جزمه به بل نسبته إلى الكثير من أهل العلم على وجه يظهر كونه
من المسلمات بينهم وقريب منه ما نقل عن الشهيد الثاني (قده) في الدراية وعن غيره في غيرها
وذلك فإن الكذب كما بينا في بعض المباحث السابقة وإن كان بحسب الوضع اللغوي دائرا
مدار مخالفة الواقع الا ان ما يحكم العقل بقبحه ليس هو ذلك بل القول الغير المحرز
مطابقته للواقع سواء كان مطابقا للواقع أم لم يكن فالاخبار عما لم يثبت بطريق صحيح
يكون قبيحا عقلا وأي موجب لثبوت المسامحة فيه خصوصا فيما إذا كان الخبر متضمنا
لاسناد شئ إلى المعصوم عليه السلام وبالجملة ان تم اجماع على حجية الخبر الضعيف في باب القصص
والحكايات فهو والا فلا مقتضي للتسامح أصلا (الثالث) هل تعم الاخبار لموارد افتاء الفقيه
بالاستحباب أم تختص بخصوص موارد الاخبار الضعيفة لا اشكال في الشمول فيما إذا كان الافتاء
بعين متن الرواية كفتاوى الشيخ في النهاية وعلي بن بابويه قدس الله تعالى اسرارهم واما
الفتاوي الناشئة عن حدس ونظر فيشكل شمولها لها من وجهين (الأول) ان ظاهر
بعض الأخبار هو أن يكون البالغ هو الثواب ومن الضروري ان الفقيه لا يخبر
212

عنه وإنما يخبر عن الاستحباب ولكن هذا الاشكال ضعيف لا يلتفت إليه فإن المراد من
المذكور فيها هو العمل المترتب عليه الصواب أعني به مطلق العمل الراجح بقرينة اسناد العمل
إليه في قوله (ع) فعمله ولا يعتبر في شمولها كون البالغ هو خصوص الثواب ولذا لا ريب في
شمولها لموارد الاخبار الضعيفة الدالة على الاستحباب فيكون فتوى الفقيه مشاركة للخبر الضعيف
من هذه الجهة (الثاني) أن الظاهر من بلوغ الثواب هو أن يكون الاخبار عن الثواب بما انه
مسند إلى النبي صلى الله عليه وآله فيكون ظاهرا في الاخبار المتعارفة المبنية على الحس وفتوى
الفقيه ليست اخبارا عن الحس فالتعدي من مواردها والحكم بالاستحباب الشرعي بمجرد الفتوى
مشكل جدا نعم لا بأس بالعمل في موارد الفتوى من باب الرجاء والاحتياط لكنه خارج عما
هو محط كلامنا في المقام (الرابع) لا ريب في شمول الاخبار لما إذا ورد خبر ضعيف على
الاستحباب مع احتمال كونه حراما في الواقع فإن احتمال الحرمة يندفع بأصالة البراءة ويحكم
باستحبابه بمقتضى الأخبار المتقدمة وهذا فيما إذا لم يكن احتمال الحرمة ناشئا عن ورود الخبر
الضعيف به في غاية الوضوح واما في مورده فيمكن دعوى الانصراف عنه ولو قلنا بعدم ثبوت
الكراهة أو استحباب الترك عند ورود الخبر الضعيف بالحرمة لقوة احتمال أن يكون مورد
الاخبار هو بلوغ الثواب غير معارض ببلوغ العقاب فلا يثبت الاستحباب في فرض المعارضة
وعلى تقدير عدم الانصراف فإن قلنا بعدم ثبوت الكراهة أو استحباب الترك نظرا إلى اختصاص
مورد الأخبار المتقدمة ببلوغ الثواب دون العقاب فلا اشكال في ثبوت الاستحباب مع وجود
الرواية الضعيفة على الحرمة فإن الرواية الضعيفة إذا لم تؤثر في ثبوت الكراهة وكان احتمال
الحرمة مندفعا بالأصل فيحكم بالاستحباب كما إذا لم يكن رواية على الحرمة وأما إذا قلنا بشمول
الاخبار للأخبار الدالة على الحرمة أيضا فإن قلنا بثبوت الكراهة بها فلا ريب في تحقق المنافاة.
بين الخبر الدال على الاستحباب والخبر الدال على الحرمة لتنافي مقتضاهما وإن قلنا بثبوت
استحباب الترك في مواردها فربما يقال باستحباب الفعل والترك عملا بالخبرين وعدم المنافاة
بين رجحان الشئ فعلا وتركا كما ادعي ذلك في بعض العبادات المكروهة كالصوم يوم عاشورا
لكنك قد عرفت عند البحث عن كراهة العبادة عدم تعقل ذلك وأن استحباب الفعل لا يجتمع
مع رجحان الترك فلا محالة يتحقق المنافاة بين الخبرين كما إذا قلنا بكراهة الفعل لكن
الانصاف انصراف الاخبار عن هذه الموارد بالكلية (الخامس) الظاهر شمول الاخبار لما إذا
213

ورد رواية ضعيفة على الوجوب فإن دعوى اختصاصها بما إذا بلغ الثواب على الفعل فقط
من دون الاشتمال على العقاب على الترك لا شاهد لها أصلا بل اطلاق الاخبار يقتضي عدم
الاختصاص فيثبت الاستحباب في موردها وإن كان الوجوب مندفعا بالأصل ثم إنه إذا
بنينا على دلالة الاخبار على اثبات الكراهة أيضا فلا محالة يتحقق التنافي بين روايتين إحداهما
تدل على الوجوب والاخرى على الحرمة وظاهر شيخنا العلامة الأنصاري قدس سره في
المقام هو العمل بكلتا الروايتين من باب التسامح والحكم باستحباب الفعل والترك وقد أشرنا آنفا
إلى عدم تعقل ذلك وان شئت توضيح ذلك فراجع إلى البحث المذكور (المطلب الثاني)
في دوران الواجب بين التعيين والتخيير ولا بد لتوضيح الحال فيه من تقديم أمور (الأول)
انه لا ريب في عدم اختصاص جريان البراءة عقلا ونقلا بما إذا شك في الوجوب التعييني بل يعم
ما إذا شك في الوجوب التخييري أو المردد بينه وبين التعييني فإذا شككنا في وجوب إحدى
الكفارات تخييرا عند القئ عمدا أو في وجوب شئ مرددا بين التعييني والتخييري مع عدم
العلم بأصل الوجوب أصلا فلا ريب في صحة التمسك بالبراءة فإن الملاك في جريانها مشترك
بين جميع تلك الأقسام واما التمسك بأصالة عدم الوجوب عند الشك في الوجوب مطلقا
فغير صحيح كما عرفت وجهه مفصلا (الثاني) ان محل الكلام في المقام انما هو فيما إذا لم يكن
أصل لفظي يقتضي التعيينية كما إذا ورد الامر بشئ مطلقا من دون بيان عدل له في مقام
البيان فإنه يقتضي التعيينية كما مر توضيحه في بحث الأوامر ومعه لا تصل النوبة لا البحث عن
جريان الأصل العملي (الثالث) انه قد تقرر في محله انه كلما كان الشك راجعا إلى أصل ثبوت
التكليف ومرتبة الجعل فالمرجع فيه هو البراءة وكلما رجع الشك إلى سقوط التكليف ومرحلة
الامتثال بعد العلم بأصل التكليف فالمرجع فيه هو قاعدة الاشتغال وهذان أصلان موضوعيان في
هذا المقام (الرابع) ان ما يحتمل كونه عدلا للواجب المعلوم وجوبه في الجملة المردد بين كونه
تعيينيا أو تخييريا قد يعلم مسقطيته له ويشك في كونه عدلا له في الوجوب كالائتمام المسقط للقراءة
الواجبة في الصلاة مع الشك في عدليته لها في الوجوب وقد يعلم وجوبه ولكن يشك في المسقطية
من جهة احتمال كون كل من الوجوبين تعيينيا كما إذا علم وجوب شيئين في الجملة واحتمل أن
يكون الوجوب في كل منهما تعيينيا أو تخييريا وقد يشك في الوجوب والمسقطية معا كما إذا علم
بوجوب العتق في الجملة وشك في كون الصوم عدلا له في الوجوب ومسقطا له ويشترك هذه
214

الأقسام من حيث الرجوع إلى البراءة أو الاشتغال كما سيظهر وجهه إن شاء الله تعالى إذا عرفت
ذلك فنقول إذا علم وجوب شئ في الجملة ودار الامر بين تعينيته وتخييريته كما هو محل
الكلام فلا مناص فيه عن الرجوع إلى قاعدة الاشتغال والحكم بالتعيينية عملا إذ الواجب
التعييني غير محتاج في عالم الثبوت الا إلى قيد عدمي بأن لا يكون له عدل في مرحلة الطلب كما أنه
في عالم الاثبات كذلك بل اثبات التعيينية في عالم الاثبات بعدم التقييد بمثل العطف
بكلمة أو انما هو لكشفه عن العدم في عالم الثبوت فإذا كان أصل الوجوب معلوما
وشك في تخييريته من جهة احتمال تقيده بوجود العدل له فلا محالة يحكم بالتعيينية
بمقتضى ضم الوجدان إلى الأصل لعدم ثبوت التقييد مع حكم العقل بلزوم الخروج عن عهدة
التكليف الثابت يقينا واما توهم اثبات التعيينية باجراء البراءة عن وجوب ما يحتمل بدليته للواجب
المعلوم فغير صحيح إذا البراءة العقلية انما تجري فيما إذا كان مخالفة التكليف المحتمل موجبة
للعقاب على تقدير تنجزه ولا ريب ان ترك الطرف المحتمل وجوبه في المقام لا يترتب عليه عقاب
أصلا واما البراءة الشرعية فلا مورد لجريانها لما ذكرناه مرارا من أنه مشروط بان يكون فيه امتنان
على الأمة فلو لزم منه خلاف الامتنان لما كان مجال له وحيث إن لازم الجريان في المقام هو
ثبوت التعيينية التي هي كلفة زائدة مخالفة للامتنان فلا تكون جارية (فإن قلت) إذا سلمت
ان في التعيينية كلفة زائدة على الكلفة الثابتة في أصل الوجوب فلماذا لا تجري البراءة منها
ويثبت بذلك التخيير (قلت) مجرد كون شئ موجبا للكلفة والضيق لا يوجب جريان
البراءة عنه عند احتماله فإن البراءة الشرعية يتوقف جريانها على كون المحتمل أمرا منحازا
في الجعل ولا تجري في الأمور التحليلية كما سيتضح في محله فلا يصح ان يقال إن أصل
الوجوب معلوم وخصوصية التعيينية مجهولة تدفع بالبراءة مع أن هذه الخصوصية ليست من الأمور
القابلة للجعل بنفسها بل هي من خصوصيات المجعول وتوابعه (واما) البراءة العقلية فلانها انما تجري
فيما إذا كان الشك متعلقا بمرحلة الجعل والاشتغال دون السقوط والامتثال والمقام من قبيل الثاني
فإنه إذا علم وجوب شئ في الجملة فمرجع الشك في تعيينيته وتخييريته إلى الشك في أن الشارع جعل
له مسقطا آخر غير الاتيان بمتعقله أم لا والا فحقيقة الوجوب ليس له قسمان تعييني وتخييري فإذا رجع
الشك إلى مرحلة الاسقاط والامتثال فلا محالة يحكم العقل بالاشتغال دون البراءة (وبالجملة)
الشك في التعيينية والتخييرية مع العلم بأصل الوجوب في الجملة يترتب عليه امران (الأول)
215

احتمال تعين ما احتمل عدليته للواجب المعلوم في الوجوب عند تعذر ما هو معلوم الوجوب في مرحلة
الامتثال ولا ريب ان الشك من هذه الجهة مورد للبراءة عقلا ونقلا (الثاني) احتمال سقوط
الواجب المعلوم مع التمكن منه باتيان المحتمل وجوبه تخييرا والشك من هذه الجهة مورد لقاعدة
الاشتغال ولا محل لجريان البراءة عقلا ونقلا لا من أصل وجوب المحتمل ولا من جهة التعيينية
المحتملة بعد ما عرفت من أن التعيينية ليست قيدا زائدا في أصل الوجوب مجعولا بنفسه وانما
هي منتزعة من قيد عدمي وهو عدم جعل العدل للواجب المعلوم وجوبه فمرجع الشك في التعيينية
إلى الشك في جعل العدل الراجع إلى الشك في سقوط الواجب المعلوم بإتيان محتمل العدلية
ومن المعلوم ان الشك في مرحلة السقوط مورد لقاعدة الاشتغال ليس الا (ومما ذكرناه)
في بعض المباحث السابقة يظهر ما في كلام شيخنا العلامة الأنصاري (قده) حيث تمسك في
المقام بأصالة عدم وجوب الطرف المحتمل من النظر فإنه قد بينا سابقا ان استصحاب عدم الجعل
وإن كان واجدا لأركان الاستصحاب من اليقين والشك الا انه لا يترتب عليه عدم المجعول
الاعلى القول بالأصول المثبتة واما استصحاب عدم المجعول فلا حالة سابقة له إذ العدم المقوم
للتعيينية هو العدم المقابل للوجود تقابل العدم والملكة ومن الضروري ان مثل هذا العدم
ليس له حالة سابقة في مثل الفرض إذا متى كان هناك وجوب ثابت لم يكن لمتعلقه عدل حتى
يستصحب ذلك العدم نعم العدم الأزلي لوجوب الطرف المحتمل كان معلوما سابقا لكن اثبات
العدم والملكة باستصحابه يتوقف على القول بالأصول المثبتة نعم إذا علم وجوب شئ سابقا بنحو
التعيينية وعدم كون شئ آخر عدلا لمتعلقه ثم شك في عروض التخيير وكون ذلك الشئ عدلا
له فلا مناص من الرجوع فيه إلى أصالة عدم وجوبه وبقاء التعيينية في الواجب المعلوم وجوبه في
الجملة لكن هذا الفرض أجنبي عن محل كلامه (قده) فقد ظهر مما ذكرناه انه لا مجال لجريان
أصل في مفروض الكلام الا أصالة الاشتغال (ثم إنه) قد تبين مما ذكرناه حال كل من القسمين
الآخرين الا انه لا بأس بالتكلم في كل منهما مستقلا تكثيرا للفائدة (فنقول)
اما القسم الأول وهوما إذا علم المسقطية وشك في الوجوب فحكمه الرجوع إلى البراءة عند تعذر
الواجب المعلوم وجوبه في الجملة لرجوع الشك حينئذ إلى الشك في وجوبه التعييني بالعرض ومن
هذا القبيل الائتمام المردد امره بين كونه واجبا تخييرا للقراءة الواجبة وبين كونه مسقطا لها كما
مثل به فخر المحققين (قده) فإذا تعذرت القراءة يجب الائتمام على الأول لتعين أحد
216

فردي الواجب التخييري عند تعذر الآخر دون الثاني فإذا شك في تعينه عند تعذر القراءة
فيرجع إلى البراءة عن وجوبه (ثم إنه) في مسألة الائتمام نزاعين آخرين أجنبيين عن محل الكلام
في المقام (الأول) في أن التخيير الثابت بين الصلاة فرادى وجماعة هل هو عقلي أو شرعي فإن
قلنا بالثاني وان ماهية الصلاة فرادى مغايرة لماهية الصلاة جماعة ثبت التخيير بينهما شرعا فيترتب
عليه عدم جواز العدول عن الجماعة إلى الفرادى الا فيما ثبت فيه العدول بالخصوص واما إذا
قلنا بالأول وكونهما فردين من مهية واحدة فمقتضى القاعدة هو جواز العدول عن كل منهما
إلى الآخر مطلقا كما في جواز العدول من الصلاة في المسجد إلى غيرها وبالعكس الا انه قام الدليل
على عدم جواز العدول من الفرادى إلى الجماعة واما عكسه فيبقى على ما يقتضيه القاعدة من
الجواز وعلى كل من القولين يجري النزاع المتقدم في أن الايتمام بدل أو مسقط (الثاني) في أن
قراءة الإمام هل هي بدل عن قراءة المأموم ومنزل منزلتها كما هو مقتضى جملة من الأخبار الدالة
على أن من صلى خلف إمام عادل فقراءته قراءته أم لا ويترتب على البدلية انه لو عدل المأموم بعد
القراءة وقبل الركوع عن الجماعة إلى الفرادى لا يجب عليه القراءة ثانيا لأن المفروض تحقق
قراءة الإمام التي هي بدل عن قراءته وهذه البدلية أجنبية عما هو محل الكلام في المقام إذا مع
فرض البدلية بهذا المعنى يقع الكلام في أن الائتمام فرد آخر من الواجب التخييري حتى يتعين
عند تعذر القراءة أو الواجب هو خصوص القراءة فيسقط عند تعذرها ولا يجب الائتمام عنده
وإن كانت قراءة الإمام بدلا عنها ولو اختيارا بالمعنى المزبور (فإن قلت) لا ريب في بدلية
الائتمام عن الصلاة فرادى وكونه عدلا له في الوجوب بل هو أفضل فردي الواجب فلا محالة
يتعين عند تعذر الفرد الآخر بتعذر القراءة (قلت) تعذر القراءة الصحيحة لا يوجب تعذر
الصلاة فرادى وذلك لعدم تعين القراءة الصحيحة في كونها جزاء للواجب بل لها ابدال طولية
في الشريعة ومجرد كون الائتمام بدلا عن الصلاة فرادى لا يثبت كونه بدلا عن المرتبة العالية
عن القراءة حتى يكون المرتبة الثانية من القراءة مترتبة على تعذر المرتبة الأولى والائتمام معا بل
القدر المسلم من البدلية هو بدليته عن تمام مراتب القراءة بسلسلتها الطولية وهو لا ينافي الخلاف
في بدليته عن المرتبة العالية أو مسقطيته عنها كما افاده المحقق المذكور بل نقول إن ترتب المرتبة
الثانية على تعذر المرتبة الأولى في بعض الروايات كما ورد من أن سين بلال شين يدل على عدم بدلية
الائتمام عن المرتبة العالية والا لكان تنزيل سين بلال شينا مترتبا عل تعذر الائتمام أيضا فمن
217

عدم التقييد في الرواية بتعذر الائتمام يستكشف عدم ثبوت البدلية عن المرتبة العالية (والحاصل)
ان ما هو المسلم عند الفقهاء من بدلية الائتمام عن القراءة وكونه أفضل فردي الواجب لا يدل
على أزيد من البدلية عن مجموع مراتب القراءة واما بدليته عن خصوص المرتبة العالية فهي مشكوكة
لو لم نقل بقيام الدليل على خلافها ومن ذلك يظهر ان تنزيل قراءة الإمام منزلة قراءة المأموم كما
في جملة من الاخبار أجنبي عن اثبات البدلية التي هي محل كلام المحقق المتقدم ذكره فإنه
مضافا إلى ما عرفت من أن تلك الأخبار لا تدل على وجوب الائتمام بدلا عن القراءة أصلا
بل غاية ما يستفاد منها هو ثبوت البدلية في فرض الائتمام المتفرع عليها عدم وجوب القراءة
إذا عدل المأموم قبل الركوع وأين ذلك من اثبات الوجوب له لا يمكن اثبات التنزيل بهذه
الاخبار بالقياس إلى خصوص المرتبة العالية ولذا لا يصح الاستدلال بها على جوزا ائتمام من
يحسن القراءة بمن لا يحسنها نظرا إلى أن قراءة الإمام منزلة منزلة القراءة الصحيحة منه
المنزلة منزلة القراءة الصحيحة من المأموم فإن التنزيل ليس بلحاظ المرتبة العالية حتى يثبت تنزيل
القراءة الغير التامة من الامام منزلة القراءة التامة من المأموم بل القدر المتيقن منه هو تنزيل
قراءته منزلة قراءة المأموم بمالها من المراتب وعليه فلا دلالة لها على وجوب الائتمام عند
تعذر المرتبة العالية فثبوت البدلية باعتبار أجنبي عن الشك في ثبوت البدلية بالمعنى الذي ذكره
المحقق المذكور الموجب للرجوع إلى البراءة معه (فإن قلت) إذا كان تعذر القراءة لأمر طار
من ضيق الوقت ونحوه فمقتضى القاعدة هو استصحاب كلي الوجوب المردد تعلقه بخصوص
القراءة حتى يكون ساقطا بالتعذر أو بالأعم منه ومن الائتمام حتى يكون باقيا بالتمكن من
الفرد الآخر (قلت) اثبات وجوب الائتمام باستصحاب الوجوب المردد كاثبات وجوب أحد
طرفي المعلوم بالاجمال بعد سقوط التكليف في الطرف الآخر بالامتثال أو بغيره مبتن على
القول بالأصول المثبتة فإن لزوم الائتمام ليس من آثار بقاء الوجوب المردد وانما هو من آثار
وجوبه بالخصوص واثبات وجوبه بالخصوص باستصحاب بقاء كلي الوجوب ليس الا من باب
الملازمة العقلية بل لو بنينا على حجية الأصل المثبت لا نلتزم به في أمثال المقام إذ الاستصحاب
لابد وأن يكون ناظرا إلى ظرف الشك ولا يمكن اثبات الحدوث به فكيف يمكن ان يثبت
به ان الواجب كان تخييريا من أول الأمر كما في المقام وان الواجب كان من الأول هو خصوص
الباقي كما في مورد دوران الامر بين المتباينين (واما القسم الثاني) وهو ما إذا علم الوجوب
218

في كل منهما في الجملة وشك في التعيينية والتخييرية فقد ظهر مما ذكرناه ان
مقتضى حكم العقل فيه هو الاشتغال وعدم سقوط كل منهما بفعل الآخر الا ان التعرض
له ثانيا انما هو لبيان ان الشك في التخيير والتعيين قد يكون في الأحكام الواقعية وقد يكون
في الاحكام الطريقية وعلى الأول قد يكون الشك من جهة الشك في أصل الجعل وقد يكون
من جهة التزاحم فهناك أقسام ثلاثة والمختار عندنا وإن كان هو الاشتغال في تمام الأقسام الا ان
ملاك القول به في القسم الثاني وهو الشك في التخيير والتعيين من جهة التزاحم أقوى منه في
القسم الأول بحيث لو التزمنا بالرجوع إلى البراءة في القسم الأول لما كنا نلتزم به في الثاني
كما أنه لو التزمنا بالبراءة فيه أيضا محالا لا نلتزم به في القسم الثالث وهو دوران الامر بين
التعيين والتخيير في الطرق وتحقيق الحال في المقام انما يكون بالتكلم في كل واحد من الأقسام الثلاثة
مستقلا فنقول (اما القسم الأول) وهو ما إذا ثبت وجوب شيئين في الشريعة في الجملة ودار
امرهما بين كونهما تعيينيين أو تخييريين فتوضيح الحال فيه يتوقف على بيان مقدمة وهي
انه قد ذكرنا في بحث الواجب التخييري ان الوجوه في تصويره كثيرة الا انها خالية عن التحصيل
وما يمكن ان يلتزم به في عالم الثبوت وجهان (الأول) أن يكون هناك مصلحتان متضادتان
لا يمكن الجمع بينهما في الخارج مع كون كل منهما ملزمة في نفسها (الثاني) أن يكون مصلحة
واحدة ملزمة مترتبة على كل واحد من الفعلين وعلى كل تقدير لا بد من جعل الايجاب
على نحو التخيير لا محالة (وتوهم) ان الواجب في القسم الثاني يكون هو الجامع بين الفعلين
فان وحدة الأثر يكشف عن وحدة المؤثر فيكون التخيير بين الفعلين عقليا لا شرعيا
(مدفوع) بان وجود الجامع بين الفعلين لوحدة الملاك المترتب على كل منهما وإن كان
مسلما الا انه ليس بجامع عرفي بقع في حيز الخطاب حتى يكون التخيير بين افراده بحكم العقل
فلا بد للشارع من ايجاب كل منهما تخييرا فيكون تخيير شرعيا (ثم إن) مقتضى كل من
القسمين يختلف في عالم الاثبات فإنه على تقدير كون التخيير ناشئا عن تضاد المصلحتين وتزاحمهما
في مقام التأثير يكون الواجب هو كل من الفعلين تعيينا على وجه الاشتراط بعدم الاتيان
بالآخر ومقتضى ذلك هو تقييد اطلاق كل منهما بأداة الشرط وهذا بخلاف ما إذا كان
هناك مصلحة واحدة مترتبة على كل من الفعلين فإنه لا يوجب الا ايجاب أحدهما تخييرا
فلا بد من تقييد الاطلاق بأداة العطف وهذا سنخ من الوجوب يعبر عنه بالوجوب التخييري
219

فالواجب في الحقيقة هو أحدهما المردد القابل للانطباق على كل من الفعلين وعلى ذلك فإن
كان التقييد في عالم الاثبات بأداة العطف فمن جهة تبعية عالم الاثبات لعالم الثبوت يستكشف
وحدة الملاك وكون الواجب هو أحدهما المردد فيسقط احتمال كون الوجوب التخييري ناشئا
عن المصلحتين المتضادتين نعم لو كان هناك دليلان دل كل منهما على وجوب فعل مخصوص
كالظهر والجمعة مثلا وقام دليل خارجي على عدم وجوب كليهما معا فلا بد من أحد التقييدين
اما التقييد بأداة الشرط حتى يكون النتيجة هو وجوب كل منهما مشروطا بعدم الاتيان بالآخر
واما التقييد بأداة العطف حتى يكون الواجب هو أحدهما على التخيير فيتردد الامر بين
القسمين المذكورين الا انه مع ذلك لا بد من الالتزام بالتقييد بأداة العطف والغاء احتمال
التقييد بأداة الشرط فإنه على تقدير التقييد بأداة العطف فالتقييد يرجع إلى ناحية المطلوب ويبقى
اطلاق الطلب على حاله واما على تقدير التقييد بأداة الشرط فالتقييد يرجع إلى نتيجة الجملة أعني
بها الطلب المستفاد من ايقاع الهيئة على المادة وتقييد الطلب مستلزم لتقييد المطلوب لا محالة
وقد ذكرنا في بحث الواجب المشروط انه كلما دار الامر بين تقييد واحد وتقييدين فلا بد من
الالتزام بالتقييد الواحد وابقاء اطلاق الآخر على حاله هذا مضافا إلى أن قيام الاجماع ونحوه
على عدم تعدد الواجب يستكشف منه عدم تعدد الملاك أيضا لما عرفت من تبعية مقام الاثبات
لمقام الثبوت لا محالة على أن فرض وجود الملاكين وتمانعهما في التحقق فرض نادر
موهوم بعيد عن أذهان العامة لا يعبأ به وعلى ذلك يتعين الوجوب التخييري فيما يستلزم التقييد
بأداة العطف ولا يبقى لاحتمال التقييد بأداة الشرط مجال أصلا فإذا شك في تعيينية الوجوب
وتخييريته فلا محالة يرجع الشك إلى سقوط كل من الواجبين المعلوم وجوبهما باتيان متعلق الآخر
فلا بد من الحكم بالاشتغال وعدم سقوط كل منهما الا باتيان متعلقه فيكون النتيجة هي
التعيين نعم لو بنينا محالا على أن الوجوب التخييري عبارة عن وجوب كل من الفعلين
تعيينا مشروطا بعدم الاتيان بمتعلق الآخر فلا محالة يكون مرجع الشك إلى الشك في اطلاق
الواجب واشتراطه وعليه يكون وجوب كل منهما عند عدم الاتيان بمتعلق الآخر معلوما
واما عند الاتيان به فيكون أصل الوجوب مشكوكا يرجع معه إلى البراءة كما هو الحال عند
دوران الامر بين الاشتراط والاطلاق في غير المقام فيكون النتيجة عند الشك في التعيين
هو التخيير دون التعيين لكنك قد عرفت آنفا ومر في بحث الوجوب التخييري فساد المبنى
220

وانه لا يرجع الوجوب التخييري إلى الوجوب المشروط أصلا (واما القسم) الثاني وهو ما إذا
كان الشك في التعيين والتخيير من جهة التزاحم مع احتمال أهمية أحد الواجبين فالحكم فيه هو
الاشتغال وتعين محتمل الأهمية وان قلنا بالتخيير في القسم الأول والرجوع فيه إلى البراءة وذلك
لما بيناه في بحث التزاحم من أن التزاحم بين الخطابين انما ينشأ من اطلاق كل منهما بالإضافة
إلى الاتيان بمتعلق الآخر وتركه المستلزم لطلب الجمع بين المتعلقين في الخارج فإذا كان
المكلف قادرا على الجمع فيجب عليه ولا يقع المزاحمة بين الخطابين واما مع العجز عنه فيتحقق
التنافي بين الاطلاقين ويقع المزاحمة بين الخطابين فإن كان أحد الخطابين معلوم الأهمية في
نظر الشارع فلا محالة يبقى اطلاقه بحاله ويتعين اطلاق الآخر للسقوط ويرتفع بذلك محذور
طلب الجمع بين المتعلقين ويكون النتيجة هو ترتب خطاب المهم على عصيان خطاب الأهم وقد
بينا جوازه وامكانه بما لا مزيد عليه في محله ومع عدم العلم بالأهمية فتارة يعلم مساواة كل
منهما مع الآخر واخرى يحتمل أهمية أحدهما دون الآخر فعلى الأول لابد من سقوط كل
من الاطلاقين لعدم الترجيح في البين فيكون النتيجة هو وجوب كل منهما مشروطا بعدم
الاتيان بالآخر فإن الموجب لعجز المكلف عن الامتثال ليس نفس الخطابين حتى يكون
الساقط في فرض العلم بأهمية أحد الخطابين هو خصوص خطاب المهم وفي هذا الفرض كليهما
حتى نحتاج في اثبات التخيير إلى اكتشاف العقل له من جهة وجود الملاك الملزم في البين بل
الموجب له انما هو اطلاق الخطابين فيكون الساقط هو خصوص اطلاق خطاب المهم في الفرض
الأول وكلا الاطلاقين في هذا الفرض وعلى الثاني لا بد من الحكم بالاشتغال فإن الشك
في الأهمية لشبهة موضوعية أو حكمية يرجع إلى الشك في سقوط كلا الاطلاقين بعد العلم
بسقوط أحدهما ولا ريب ان مقتضى القاعدة هو الحكم بعدم السقوط وبقاؤه على حاله (توضيحه)
انه إذا كان هناك غريقان لا يتمكن المكلف الا من انقاذ أحدهما فإن كان كل منهما مساويا
في الأهمية مع الآخر فلا محالة يكون اطلاق طلب الانقاذ في كل منهما مقيدا بعدم انقاذ الآخر
واما إذا احتمل أهمية أحدهما معينا فهو وإن كان يوجب الشك في تعيينية طلبه وتخييريته إلا أنه
مع ذلك لا يمكن الرجوع إلى البراءة ولو قلنا بجريانها في موارد الدوران بينهما في القسم
الأول ضرورة ان سقوط اطلاق طلب مالا يحتمل أهميته معلوم على كل تقدير والشك
انما هو في سقوط الاطلاق في الطرف المحتمل أهميته ومع عدم احراز سقوطه لا يمكن الحكم
221

بالسقوط كما هو ظاهر (فإن قلت) إذا كان الساقط بالتزاحم هو الاطلاق من الجانبين أو من
جانب واحد فقط فلا محالة يكون مرجع الشك عند احتمال الأهمية إلى الشك في اطلاق الخطاب
واشتراطه بعد العلم بالاشتراط في الطرف الآخر ومن المقرر في محله ان المرجع عند الشك في
الاطلاق والاشتراط هو البراءة فيكون النتيجة مع الاشتراط فيثبت التخيير (قلت) الشك
في الاطلاق والاشتراط وإن كان المرجع فيه هو البراءة الا انه فيما إذا كان الشك بحسب أصل
الجعل لا من جهة التزاحم والسر فيه ان الشك في التكليف إنما يكون موردا للبراءة في غير
ما إذا كان من جهة الشك في القدرة وأما في موارد العلم بوجود الملاك الملزم والشك في
التكليف من جهة الشك في القدرة فلا يجوز العقل تفويت الملاك الملزم بمجرد احتمال العجز
عن تحصيله عقلا أو شرعا ومحل الكلام من هذا القبيل فإن وجود الملاك الملزم
في طرف المحتمل أهميته معلوم بالفرض والشك في اشتراط خطابه انما نشأ من احتمال كون
الاتيان بالطرف الآخر معجزا مولويا عنه فمجرد احتمال العجز عنه لا يوجب جواز تفويته
فلا بد من الاحتياط والحكم بعدم سقوطه باتيان الطرف الآخر واما الطرف الآخر الغير المحتمل
أهميته فسقوط الاطلاق فيه وكونه مشروطا بعدم الاتيان بما يحتمل أهميته معلوم على كل
تقدير فاتضح من جميع ذلك ان القول بالتخيير والرجوع إلى البراءة في القسم الأول غير ملازم
للقول بالتخيير في هذا القسم أصلا (هذا كله) على المختار من سقوط الاطلاق في مقام التزاحم
وعدم تمكن المكلف من امتثال كلا الخطابين في الخارج واما لو بنينا على أن الساقط عند
المزاحمة هو خصوص خطاب المهم في فرض أهميته أحدهما وكلا الخطابين عند عدم الأهمية في
البين نظرا إلى أن تقييد الاطلاق لا يوجب رفع محذور طلب الجمع إذ مع ترك المكلف لخصوص
الأهم في فرض الأهمية ولكلا الواجبين مع التساوي يكون كل من الخطابين فعليا لاطلاق
الخطاب في طرف الأهم وحصول شرط الفعلية وهو ترك الأهم بالنسبة إلى الخطاب بالمهم وترك
كل منهما بالنسبة إلى خطاب الآخر في فرض عدم الأهمية بل لا بد في رفعه من رفع اليد عن
الخطاب بالمهم عند وجود الأهمية وعن كلا الخطابين عند عدمها لكن العقل يستكشف من وجود
ملاكين ملزمين لا يمكن استيفاؤهما في الخارج جعل الشارع للخطاب التخييري بين الفعلين
حتى لا يفوت على المكلف كلاهما فهل القاعدة تقتضي الحاق الشك في الأهمية الموجب للشك
بين التخيير والتعيين بالقسم الأول أم لا بد من القول فيه بالاشتغال وان قلنا بالبراءة في القسم
222

الأول (ربما يقال) بالالحاق بتوهم ان مرجع الشك في الأهمية حينئذ إلى أن الحكم الشرعي
الموجود في المقام هو التعيين أو التخيير فيجري فيه ما بنى عليه في القسم الأول (ولكنه منه لا يخفي)
فساد هذا التوهم فإن الشك في التعيين والتخيير في القسم الأول كان ناشئا عن الشك في أصل
الجعل فيمكن ان يقال فيه بالبراءة عن الكلفة المشكوكة في التعيين وأين هذا من المقام فأن
الشك فيه ناش من عدم قدرة المكلف على الامتثال خارجا وإلا كان الخطاب في كل من
الطرفين فعليا تعينيا بلا مزاحم مع احتمال اشتمال الطرف المشكوك كونه عدلا على الملاك
الموجود في الطرف المحتمل أهميته فمرجع الشك بعد احراز اشتمال أحد الطرفين على الملاك
الملزم إلى احتمال اكتفاء الشارع عن امتثاله باتيان الطرف الآخر وجعله بدلا عنه ولا ريب
أن العقل يستقل حينئذ بعدم تجويز تفويت الملاك الملزم المعلوم بمجرد الاحتمال فلا بد من الحكم
بالاشتغال فظهر انه لا فرق في القول بالاشتغال في هذا القسم بين القول بسقوط الاطلاق
عند التزاحم وبين القول بسقوط أصل الخطاب (هذا) مع أن القول الثاني فاسد من أصله وقد
بينا ذلك بما لا مزيد عليه في بحث الترتب فراجع ومن الغريب ما صدر عن العلامة الأنصاري
(قده) في المقام حيث إنه مع التزامه بسقوط أصل الخطاب في فرض المزاحمة وانكاره للخطاب
الترتبي لذلك قد التزام في بحث التعادل والتراجيح بأن مقتضى القاعدة عند التزاحم هو سقوط
الاطلاقين فإنه نتيجة اشتراط التكاليف بالقدرة لا نفس الخطابين وليت شعري إذا كان
الخطاب الترتبي من طرف واحد مستحيلا فكيف يجوز ذلك من الطرفين وقد أشرنا إلى ذلك
في بحث الترتب أيضا فظهر مما ذكرناه ان مقتضى القاعدة عند الشك في الاطلاق والاشتراط
وإن كان هو البراءة إلا أنه مختص بغير موارد الشك في القدرة واما فيها فالعلم بوجود الملاك
الملزم في كل من الواجبين مع احتمال الاشتراط في التكليف لعدم القدرة على ايجادهما وتزاحمهما
في الملاكية يمنع من من الرجوع إلى البراءة لعدم تجويز العقل تفويت الملاك الملزم باحتمال العجز
عن تحصيله (فإن قلت) إن ما ذكرت إن ما يتم فيما إذا علم بالملاك التام القابل للداعوية ولكنه غير
متحقق فيما نحن فيه إذ المفروض احتمال تمانع الملاكين وعدم قابليتهما للتأثير في مقام الجعل
ومعه كيف يمكن أن يكون مقتضى القاعدة هو الاشتغال (قلت) التمانع في الملاك إن كان لعدم
تماميته في حد نفسه كاحتمال مانعية الفسق عن تمامية الملاك الموجود في اكرام العالم المقتضي
وجوبه فالامر كما ذكرت لكنه أجنبي عن محل الكلام فإن المفروض هو تمامية الملاك وقابليته
223

للدعوة من غير جهة القدرة فالشك في التكليف في القدرة لا غير ومعه لا يمكن
الرجوع إلى البراءة كما عرفت (وأما القسم) الثالث وهو ما إذا دار الامر بين التعيين والتخيير
في الطرق فتوضيح الحال فيه انه ان التزمنا في موارد الطرق بالسببية بالمعنى المعقول المغاير
للسببية الأشعرية والمعتزلية أعني بها المصلحة السلوكية فيرجع الامر عند تعارض الخبرين إلى
التزاحم على اشكال فيه نتعرض له في بحث التعادل والتراجيح إن شاء الله تعالى وعليه يكون
التخيير عند تعارضهما على طبق القاعدة فإذا شك في التعيين والتخيير من جهة احتمال التعيين
في أحدهما فيرجع فيه إلى ما بنينا عليه في القسم الثاني بعينه فإنه يكون من مصاديقه وافراده
وأما إذا بنينا على الطريقية المحضة كما هو المختار عندنا فلا محالة يكون مقتضى القاعدة عند
التعارض هو التساقط فيكون التخيير مع عدم وجود المرجح والترجيح معه على خلاف القاعدة
وثابتا بالدليل التعبدي فإذا شك في التعيين والتخيير لشبهة حكمية أو موضوعية فالتوهم
المذكور من كون المورد موردا للبراءة لكون التخيير في موارد التزاحم شرعيا فيكون الشك
في التعيين راجعا إلى الشك في الكلفة الزائدة غير جار فيه من أصله إذ بناء على الطريقية المحضة
لا موجب لدخول محل التعارض في كبرى التزاحم أصلا وعليه فطريقية ما يحتمل تعينه وكونه
موردا لجعل الوسطية في الاثبات تعيينا أو تخييرا معلوم بالفرض واما الطرف الآخر فطريقيته
مشكوكة وقد ذكرنا في محله ان الطريقية والوسطية في الاثبات متقومة بالوصول ومع الشك
فيها يقطع بعدم الطريقية الفعلية من دون فرق بين أن يكون الشك من جهة أصل الجعل أو
من جهة عروض الطوارئ كما في المقام فتحصل ان الحق هو عدم جواز الرجوع إلى البراءة
عند الشك في التعيين في تمام الأقسام ولكنه لو فرض القول بها في القسم الأول محالا لما قلنا
به في القسمين الأخيرين كما أنه لو قلنا به في القسم الثاني أيضا لما نقول به في الثالث (هذا) تمام
الكلام في الشك في التعيين والتخيير واما الشك في كون الوجوب عينيا أو كفائيا فيظهر الحال
فيه مما بيناه في دوران الامر بين التعيين والتخيير فإن الوجوب الكفائي إذا كان راجعا إلى
الوجوب المشروط بتوهم أن العمل واجب على كل مكلف تعيينا مشروطا بعدم اتيان الآخر
له فيرجع الشك في العينية والكفائية إلى الشك في الاطلاق والاشتراط وقد ذكرنا ان
الأصل عند دوران الامر بينهما وإن كان هو البراءة فيما إذا كان الشك راجعا إلى أصل
الجعل إلا أنه لا بد من القول بالاشتغال فيما إذا كان الشك في مرحلة السقوط كما في المقام فإن
224

فإن التكليف الفعلي قبل اتيان أحد بمتعلقه معلوم على الفرض والشك إنما في سقوط هذا
الواجب الفعلي بفعل الغير فلا بد من القول بالاشتغال وإن كان راجعا إلى إيجاب العمل
على كلي المكلف على نحو صرف الوجود كما هو الصحيح فإن المطلوب للمولى وما هو متعلق
غرضه فعل واحد والتعدد إنما هو في المكلف فلا معنى لإيجابه على كل واحد من المكلفين
عينا بشرط عدم اتيان الآخر فالالتزام بالاشتراط هنا أبعد من الالتزام به في الوجوب
التخييري فالامر أوضح فإن رجوع الشك إلى مرحلة السقوط عند الشك في الكفائية والعينية
بمكان من الوضوح فلا بد من القول فيه بالاشتغال (وبالجملة) النتيجة في الوجوب الكفائي وإن كانت
واحدة على كلا الوجهين وهي سقوط الوجوب عن الكل باتيان البعض وصحة عقاب
الكل عند الترك من الجميع إلا أن الصحيح هو الوجه الثاني وعلى تقدير الالتزام بالوجه الأول
فالمرجع هو الاشتغال عند الشك في الكفائية أيضا (المطلب الثالث) في تحقيق الحال في
الشبهة الموضوعية الوجوبية ولا اشكال في شمول أدلة البراءة لها عقلية ونقلية ويظهر بيان
الاستدلال له مما قدمناه في المباحث السابقة فلا حاجة إلى إطالة الكلام فيه والظاهر أن المسألة
مما لم يقع الخلاف فيها من أحد من هذه الجهة وإنما الاشكال في مقامين (الأول) انه بعد
الفراغ عن وجوب الفحص في الشبهة الموضوعية وجوبية أو تحريمية قد أفتى جملة من الاعلام
بل الظاهر أنه المشهور بوجوب الفحص عند الشك في حصول الاستطاعة أو في بلوغ المال إلى
حد النصاب مع كون الشبهة موضوعية وسيأتي التعرض لذلك وبيان ما هو الملاك في وجوب
الفحص إن شاء الله تعالى (المقام الثاني) انه بعد تسالم الأصحاب على كون الحكم في مورد
الشك في الوجوب مع كون الشبهة موضوعية هو البراءة قد أفتى جماعة منهم بل ربما يدعى كونه
هو المشهور بوجوب قضاء الفوائت التي لا يعلم مقدارها إلى حد يحصل العلم بالفراغ مع عدم
كونه حرجيا وإلا فبمقدار حصول الظن به وهذا لا يجتمع مع التسالم المذكور كما هو ظاهر
(والتحقيق) في المقام ان يقال إن الحكم بوجوب تحصيل القطع أو الظن بالفراغ عند عدم التمكن
من القطع يبتني على أحد أمرين (الأول) توهم ان مقتضى استصحاب عدم الاتيان بالفريضة
في وقتها وجوب قضائها فلا بد من الاتيان بمقدار يحصل معه القطع بالفراغ والا فالاستصحاب
يكون محكما " وفيه " ان وجوب القضاء لم يترتب على نفس عدم الاتيان بالفريضة حتى يتوهم
احراز ذلك بالاستصحاب بل هو مترتب على عنوان الفوت المساوق لذهاب شئ عن الكيس
225

اما بفوات الفريضة الفعلية أو بفوات ملاكها ولو مع عدم فعلية التكليف كما في موارد الفوت
حال النوم ونحوه وعنوان الفوت بناء على كونه أمرا وجوديا منتزعا من عدم الاتيان بالواجب
إلى آخر وقته ومتولدا عنه فعدم جريان الاستصحاب عند الشك فيه في غاية الوضوح إذ اثبات
أمر وجودي ملازم للمستصحب بالاستصحاب من الأصول المثبتة التي لا نقول بها واما بناء
على كونه أمرا عدميا بأن يكون هو نفس عدم الاتيان بالواجب في الوقت فالامر أيضا كذلك
ضرورة انه ليس عبارة عن العدم المحمولي المسبوق بالحالة السابقة لعدم صدق الفوت قبل
دخول وقت الفريضة ولا بعد دخوله إلى آخر الوقت بل المصحح لصدقه هو عدم الاتيان بها
في مجموع الوقت لما عرفت من أن معنى الفوت مساوق لذهاب شئ عن الكيس وهذا لا يتحقق
إلا مع وجود مقتضى الدخول فيه وهو لا يكون إلا في مجموع الوقت وعليه يكون الفوت
من قبيل الاعدام والملكات وقد بينا غير مرة ان استصحاب العدم المحمولي لاثبات العدم
والملكة من أوضح انحاء المثبت (وبالجملة) نفس عنوان الفوت لكونه من قبيل الاعدام والملكات
لا حالة سابقة له حتى يكون قابلا للاستصحاب والعدم المحمولي وإن كان له حالة سابقة
إلا أنه لا يمكن اثبات العدم والملكة باستصحابه بل لو تنزلنا عن ذلك وبنينا على مساوقة
عنوان الفوت لنفس العدم المحمولي المقارن مع الوقت حتى يكون عنوان الفوت مركبا من
أمر وجودي وهو دخول الوقت وأمر عدمي وهو عدم الاتيان بالفريضة لا يكون الاستصحاب
جاريا لمحكوميته بالأدلة الدالة على الغاء الشك في اتيان الفريضة بعد خروج الوقت وكل فريضة
لم يعلم بفواتها في وقتها يحكم بعدم وجوب قضائها فيسقط الاستصحاب بالإضافة إليها وعليه
يكون العلم الاجمالي المردد بين الأقل والأكثر منحلا إلى اليقين بوجوب قضاء المقدار المتيقن
والشك في وجوب المقدار الزائد المحكوم بعدم الاعتناء به في تلك الأدلة " ومما ذكرناه "
يظهر الحال في الواجبات المالية أيضا فإذا كان الشك في أداء الخمس أو الزكاة مثلا مع بقاء عين
المال المتعلق للحق فمقتضى القاعدة هو الحكم بوجوب الأداء لقاعدة الاشتغال وليس في
مورد الشك في أدائها قاعدة تقضي بعدم الوجوب نظير قاعدة التجاوز والفراغ الجاريتين في
العبادات ومجرد جريان عادة الشخص على الأداء في أول السنة مثلا لا يكون موجبا لعدم
الوجوب كما توهم نظير ما إذا كان عادة المكلف على غسل الطرف الأيمن قبل الأيسر فشك
في غسل الأيمن حين اشتغاله بالأيسر فإنه لا ريب في وجوب غسله وعدم الاعتناء بجريان
226

عادته على غسله قبل الا يسر وأما إذا كان الشك بعد تلف العين فمقتضى القاعدة عدم الوجوب
إذ الشك يرجع إلى اشتغال الذمة بالمثل وكونه ضامنا لحصة الفقير وهو أمر حادث يندفع
بالأصل " الثاني " ما افاده المحقق صاحب الحاشية وحاصله ان الشك في مقدار الفوائت ان
لم يكن مسبوقا بعلم في زمان كما إذا برء من مرض فات فيه مقدار من الفرائض فشك في
مقدارها فالحكم فيه البراءة في غير المقدار المتيقن واما إذا كان مسبوقا به لكن عرض له الشك
فيه لعروض النسيان فالحكم هو الاشتغال إذ العلم السابق بمقدار الفرائض إنما نجزها على ما هي
عليها فالشك في مقدارها فعلا يرجع إلى الشك في مقدار المعلوم السابق المتنجز ومن البديهي
ان الشك في التكليف إنما يكون موردا للبراءة فيما إذا لم يكن شكا في تكليف متنجز على
تقدير وجوده وإلا فلا محالة يحكم العقل بوجوب الاحتياط دفعا للضرر المحتمل (وفيه) ان الحكم
الواقعي إنما يكون منجزا فيما إذا كان واصلا بنفسه أو بطريقه فدعوى عدم جريان البراءة
في المقام لا بد وان يرجع إلى دعوى كفاية تنجيز العلم بحدوثه آنا ما ولو كان زائلا بعد
ذلك أو دعوى قصور جريان أدلة البراءة في المقام فلا محالة يجب الاحتياط لعدم الامن من
العقوبة وكلا الدعويين من وضوح الفساد بمكان " اما " الدعوى الأولى فلان العلم بالتكليف
إنما ينجز معلومه مع بقائه واما مع انتفائه فيستحيل أن يكون بمجرد حدوثه منجزا للمعلوم مطلقا
ولو في ظرف عدم وصوله بنفسه ولا بطريقه وإلا لكان حدوث العلم آنا ما مع طريان الشك
الساري منجزا أيضا وهو " قده " لا يلتزم بذلك " فإن قلت " ألستم تلتزمون بأن العلم
الاجمالي ينجز المعلوم في أطرافه ولو مع زواله بفقدان بعض الأطراف أو خروجه عن محل
الابتلاء فكيف تنكرون عدم منجزية حدوث العلم آنا ما ولو مع زواله وهل هناك فرق بين
العلم التفصيلي والاجمالي " قلت " ليس العلم الاجمالي موجبا لتنجز المعلوم في كل واحد واحد
من أطرافه لعدم العلم فيه بخصوصه وانما المنجز هو احتمال انطباق المعلوم بالاجمال على كل
واحد واحد من الأطراف ومن الواضح ان هذا الاحتمال الموجب للتنجز على تقدير المصادفة
للواقع باق بحاله قبل طرو الفقدان أو نحوه وبعده والذي نمنعه في المقام هو كون الحكم الواقعي
منجزا في ظرف عدم وصوله لا بنفسه ولا بطريقه بمجرد احتمال كونه معلوما سابقا ولو بنينا على
ذلك لزم تأسيس فقه جديد ضرورة ان كل حكم تكليفي احتمل تعلقه بالمكلف إذا كان
موضوعه من قبيل الأفعال الاختيارية كما في الكفارات والعهود ونحوها لا بد من القول بعدم
227

جريان البراءة فيه على هذا القول فمن احتمل صدور فعل اختياري منه موجب لحكم تكليفي
لا بد وان يأتي بمتعلقه لان ذلك الحكم التكليفي على تقدير تعلقه فلا محالة كان معلوما له في
زمان والمفروض ان احتمال تكليف معلوم ولو في زمان ليس موردا للبراءة لمنجزية العلم السابق
له على تقدير وجوده فينحصر جريان البراءة بموارد احتمال التكاليف الغير المترتبة على الأفعال الاختيارية
وهذا هو اللازم الفاسد الموجب لتأسيس فقه جديد " واما " الدعوى الثانية فغاية
ما يمكن ان يقال في تقريبها هو ان البراءة العقلية وحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان موردها
المتيقن بنظر العقل هو ما إذا لم يكن هناك بيان أصلا واما مع احتمال البيان من جهة احتمال كون
الحكم الواقعي معلوما ولو في زمان فلا يستقل العقل بالقبح فلا بد من الاحتياط دفعا للضرر
المحتمل واما البراءة الشرعية فموضوعها بمقتضى دليل الرفع هو ما لا يعلمون وهو ظاهر في
عدم المعلومية رأسا فمع احتمال المعلومية ولو في زمان سابق يكون الشبهة مصداقية فلا يمكن
التمسك بدليلها (وجوابها) ان العقل وإن كان قد يتردد في موضوع حكمه لأجل عدم احراز
ملاكه تفصيلا كما إذا تردد العقل في أن ملاك القبح في الكذب هل يختص بالكذب الغير النافع أو يشمل
لنافع أيضا فيأخذ بالمقدار المتيقن لكن حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ليس من هذا القبيل
لما عرفت سابقا من أن الحكم الواقعي بوجوده النفس الأمري يستحيل أن يكون محركا فلا بد في
محركيته من وصول الحكم اما بنفسه أو بطريقه كما في موارد الشبهة قبل الفحص وحيث إن
المفروض في المقام عدم وصول الحكم بنفسه ولم يقم دليل على وجوب الاحتياط بمجرد الاحتمال فلا محالة
يستقل العقل بقبح العقاب فلا يكون أثر لاحتمال وصول الحكم سابقا إذا لا يترتب على الوصول السابق
أثر في الزمان اللاحق بل لو فرضنا ترتب أثر شرعي عليه أيضا فهو أيضا يندفع بالبراءة للشك في تحقق
موضوعه ومن هنا يظهر الحال في البراءة الشرعية فإن موضوعها وإن كان ما لا يعلمون إلا أن مقتضى
مناسبة الحكم والموضوع وقرينية حكم العقل بقبح العقاب من دون وصول الحكم بنفسه ولا بطريقه هو
دوران الحكم بالبراءة مدار الوصول الفعلي بأحد قسميه ومع عدمه كما في المقام لا مناص عن
الحكم بالبراءة (فإن قلت) كما لا ريب في أن الواجب الموسع إذا كان مقدورا في بعض
الأزمان دون بعض يتضيق في الزمان المقدور فيه ولا يبقي على سعته فكذا يتضيق من حيث
التنجز إذا كان معلوما في بعض الأزمان فقط فكلما تنجز في الزمان المعلوم يكون الاعتبار به
لا ببقية الأزمنة كما في القدرة طبق النعل بالنعل (قلت) قياس العلم بالقدرة في ذلك مما
228

لا وجه له فإن القدرة شرط واقعي للتكليف يدور مدارها فلا محالة يكون الزمان الغير المقدور
فيه الواجب خارجا عن دائرة التكليف وأين ذلك من العلم فإن الواجب الواقعي وإن كان
متنجزا في زمان معلوميته إلا أن تأخيره عن ذلك الزمان لموسعية الواجب لا محذور فيه
والمفروض عدم العلم بوجود التكليف في الزمان المتأخر فعدم الاتيان بمتعلقه على تقدير وجوده
معذور فيه على كل حال " فإن قلت " هذا إنما يتم إذا كان الزمان قيدا للتكليف وأما إذا
كان قيدا للمتعلق وكان الوجوب آنيا غير قابل للاستمرار فلا إذ المفروض ان ذلك التكليف
الآني تنجز بالعلم به في زمان فلا بد من الخروج عن عهدته يقينا " قلت " كون القيد ظرفا
للواجب أو الوجوب في مثل قوله تعالى أوفوا بالعقود وإن كان فيه كلام ويترتب عليه ثمرة
عملية كما سنتعرض له في محله إن شاء الله تعالى إلا أن اسراء ذلك إلى مثل المقام غير
صحيح فإن الفعل إنما يقع امتثالا للتكليف الفعلي الموجود في زمانه بداهة انه لا يعقل امتثال
تكليف سابق معدوم في زمان العمل فلا بد وأن يكون الامر بقضاء الفوائت في المقام مستمرا
إلى زمان الامتثال وحينئذ فإذا شك في وجوب القضاء فعلا فلا محالة يكون الشك راجعا إلى
وجود تكليف فعلا وهو يدفع بالبراءة واحتمال كونه معلوما سابقا ومتنجزا بالعلم السابق قد
عرفت انه لا يترتب عليه اثر أصلا " هذا كله " بناء على التوسعة وعدم المضايقة في الفوائت
" واما " بناء على التضيق ووجوب قضاء الفوائت فورا ففورا فهناك جهتان " الأولى " جهة
تنجز الفوائت المعلومة على ما هي عليها بمجرد العلم بها في زمان من جهة فورية القضاء " الثانية "
جهة تنجزها كذلك من جهة أصل وجوب القضاء " اما الجهة الثانية " فلا ريب أن لازم هذا
المبني هو كون وجوب القضاء في كل زمان مغايرا لوجوب القضاء في زمان آخر فالعلم
بمقدار الفوائت في زمان يستحيل أن يكون منجزا لها في زمان آخر بل الميزان في التنجيز هو
وجود العلم في كل زمان زمان " واما من الجهة الأولى " فلا ريب في أن حدوث العلم
بمقدار الفوائت في زمان يوجب تنجزها واستحقاق العقاب على مخالفتها إذ المفروض وجوب
أدائها فورا فتأخيرها إلى زمان آخر عمدا موجب لاستحقاق العقاب لكن هذه الجهة خارجة عما هو
محل الكلام في المقام * (المبحث الثاني) * من المقصد السابع فيما إذا علم جنس التكليف
ولم يمكن الاحتياط فيه لدوران الامر فيه بين المحذورين وقد قسمنا في صدر المبحث مسائل
الشك الغير الملحوظ فيه الحالة السابقة إلى الشبهة التحريمية الغير المحتمل فيها الوجوب والوجوبية
229

الغير المحتمل فيها الحرمة واما ما يحتمل فيه الوجوب والحرمة فهو على قسمين " الأول " ما يكون
فيه احتمال حكم غير إلزامي أيضا " الثاني " ما لا يكون فيه غير احتمال الوجوب أو الحرمة " اما
القسم الأول " فلا اشكال في كونه موردا للبرائة العقلية والنقلية وقد ظهر الوجه فيه مما ذكرناه
في المباحث السابقة * (واما القسم الثاني) * الذي علم فيه الالزام في الجملة ودار الامر فيه بين الوجوب
والحرمة وهو الذي عقد لأجله هذا المبحث فالحق فيه ان العلم الاجمالي فيه غير منجز للتكليف
ومع ذلك لا يجري فيه شئ من الأصول العملية اما عدم تنجز العلم الاجمالي فلما ذكرنا في
محله من أنه يشترط في تنجيز العلم الاجمالي أن يكون ذاك الجامع المعلوم بالتفصيل المشكوك خصوصيته
مما يقبل تعلق التكليف به بخصوصه كما إذا علم وجوب صلاة الظهر أو الجمعة أو علم نجاسة أحد
الإنائين أو علم وجوب شئ أو حرمة شئ آخر فإنه لا مانع من تعلق التكليف بالجامع المعلوم
في تمام هذه الموارد ومع انتفاء هذا الشرط يستحيل تنجيز العلم الاجمالي ومحركيته للمكلف في
الخارج " الثاني " أن يكون المورد قابلا للمخالفة القطعية فموارد الشبهة الغير المحصورة التي لا
يمكن فيها المخالفة القطعية لا يكون العلم فيها منجزا وإن كان الجامع المعلوم فيها قابلا لتعلق التكليف
به والوجه في هذا الاشتراط ظاهر أيضا إذ تنجيز العلم الاجمالي إنما يكون من جهتين (الأولى)
من جهة حرمة المخالفة القطعية (الثانية) من جهة وجوب الموافقة القطعية والجهة الثانية متفرعة
على الأولى والأساس في التنجيز إنما هي الجهة الأولى فما لم يمكن فيه المخالفة القطعية يستحيل
فيه التنجيز من الجهتين وكلا هذين الشرطين منفيان في محل الكلام ومورد النقض والابرام
أما الشرط الأول فلان الجامع المعلوم تعلق الالزام به في المقام هو الجامع بين فعل شئ وتركه
ومن الواضح ان الجامع الكذائي يستحيل كونه متعلقا للتكليف فإنه ضروري التحقق أما في
ضمن الفعل أو الترك وما كان كذلك يستحيل أن يكون متعلقا له (نعم) لو كان الجامع
المعلوم مرددا بين فعل شئ وترك شئ آخر فلم يكن اشكال في منجزية العلم لكنه خارج عما هو
محل الكلام (والحاصل) ان الجامع المعلوم في موارد العلم الاجمالي لا بد وأن يكون قابلا
لتعلق التكليف التخييري به عقلا كما في موارد العلم الاجمالي بخصوص الوجوب أو خصوص
الحرمة أو شرعا كما في موارد العلم بوجوب شئ أو حرمة شئ آخر فإن الجامع المعلوم فيها
لكونه الزاما مرددا بين تعلقه بالفعل أو الترك لا يمكن تعلق خطاب شرعي به حتى يكون
التخيير عقليا لكنه قابل لتعلق الخطاب التخييري الشرعي به فلا محالة يكون العلم الاجمالي
230

منجزا واما في المقام فحيث ان المعلوم الجامع المردد بين فعل الشئ وترك ذلك بعينه واحدهما
لا بعينه حاصل من المكلف لا محالة فلا يكون قابلا للخطاب التخييري العقلي ولا الشرعي
فلا يتحقق شرط منجزية العلم الاجمالي واما الشرط الثاني فلان محل الكلام إنما هي القضية
الشخصية الواحدة التي لم يكن أحد طرفي العلم بعينه تعبديا وعدم امكان المخالفة القطعية في مثل
هذا الفرض ظاهر لا سترة فيه بداهة ان المكلف لا يخلو أمره اما من الفعل أو الترك وعلى كل
تقدير فكما يحتمل المخالفة يحتمل الموافقة أيضا نعم إذا كان الوجوب المحتمل مثلا على تقدير
تحققه تعبديا لأمكن المخالفة القطعية بالفعل من دون قصد القربة لكن هذا الفرض خارج عن
محل الكلام أيضا (ومما ذكرناه) يظهر ان في موارد دوران الامر بين المحذورين كما لا يمكن
تنجيز العلم الاجمالي كذلك لا يمكن الحكم بالتخيير لا واقعيا ولا ظاهريا أما عدم امكان الحكم
بالتخيير الواقعي فلما عرفت من أن حصول الفعل أو الترك مما لا بد منه من المكلف فكيف يعقل
طلب أحدهما تخييرا وهل هو إلا طلب الحاصل واما عدم امكان التخيير الظاهري فلانه فرع
منجزية العلم الاجمالي وعدم امكان الموافقة القطعية فلابد من الحكم بالتخيير لعدم الترجيح وقد
عرفت استحالة تنجيز العلم الاجمالي فلا تصل النوبة إلى التخيير الظاهري وأما عدم جريان شئ
من الأصول فتوضيحه يحتاج إلى بيان مقدمتين (الأولى) ان جريان الأصل يتوقف على
وجود أثر عملي مترتب عليه ضرورة ان الأصول بأجمعها إنما جعلت وظيفة عملية في ظرف
الشك فما لم يكن هناك اثر عملي لا يمكن جريان شئ منها وعلى أن لا يكون مجرى الأصل
مخالفا لنفس المعلوم بالتفصيل المتحقق في موارد العلم الاجمالي وهذان الشرطان يعمان مطلق
الأصول العملية وهناك شرط ثالث يختص بالأصول التنزيلية وهو ان لا يلزم من جريان الأصلين
مخالفة للمعلوم بالاجمال بحيث يقطع بعدم صدق أحدهما وقد أشرنا إلى وجه هذا الاشتراط
في مباحث العلم الاجمالي وسيجئ تفصيله في محله إن شاء الله تعالى (الثانية) ان المراد من
الأصل المدعى عدم جريانه في المقام هو الأصل الجاري في كل من الطرفين أو الجاري في نفس
الجامع المعلوم كأصالة الإباحة وأما الأصل الجاري في أحد الطرفين فقط من دون أن يكون
معارضا بجريانه في الطرف الآخر كما إذا كان المردد بين الوجوب أو الحرمة مسبوقا بالوجوب
مثلا فلا ريب في جريانه وانحلال العلم الاجمالي به وخروج مورده عن دوران الامر بين
المحذورين إذا عرفت ذلك (فنقول) الأصل الجاري في المقام اما أن يكون جاريا بالنسبة إلى
231

الجامع المعلوم أو بالنسبة إلى كل من الطرفين وعلى الثاني اما أن يكون الأصل تنزيليا أو لا
وعلى الثاني اما أن يكون الأصل شرعيا أو عقليا أما الأصل الجاري بالإضافة إلى الجامع
المعلوم فهو منحصر بأصالة الإباحة وعدم جريانها في المقام من وجوه (الأول) ان جريانها
مختص بالشبهات الموضوعية على ما استظهرناه سابقا من عدم جريانها في الشبهات الحكمية فلا تجري
فيما إذا كان الدوران بين الوجوب والتحريم من جهة الشبهة الحكمية (الثاني) انه لا يترتب أثر
عملي على جريانها في المقام لان المكلف كما عرفت لا بد له من الفعل أو الترك بالضرورة
(الثالثة) انها منافية للمعلوم بالتفصيل إذ المفروض العلم التفصيلي بوجود الزام في الجملة فكيف
يمكن الحكم بالإباحة المنافية له ولا يمكن جريان أي أصل فرض في مورد القطع بخلافه وأما الأصل
التنزيلي المتوهم جريانه في المقام فينحصر باستصحاب عدم الوجوب واستصحاب عدم الحرمة
وجريانهما مع كونهما من الأصول التنزيلية مناف للعلم الاجمالي بالوجوب أو الحرمة هذا مضافا
إلى عدم ترتب أثر عملي على جريانهما بالنسبة إلى ما هو محط الكلام والى عدم جريانهما في الشبهات
الحكمية في حد ذاتهما لما ذكرناه سابقا من أن ماله حالة سابقة في الشبهات الحكمية هو عدم
الجعل أزلا لكن استصحابه لاثبات عدم المجعول من أوضح انحاء المثبت واما عدم المجعول فليس
له حالة سابقة حتى يستصحب واما الأصل الشرعي الغير التنزيلي المتوهم جريانه فينحصر بأصالة
البراءة عن الوجوب والحرمة وهو مضافا إلى عدم ترتب أثر عملي عليه لا يمكن جريانه لان
مفاده هو رفع التكليف في مورد يمكن فيه الوضع بإيجاب الاحتياط وحيث انه في المقام غير
معقول لعدم امكان الاحتياط فيكون رفعه أيضا كذلك ومنه يظهر عدم جريان البراءة
العقلية أيضا فإنها إنما تجري لحكم العقل بالمعذورية ومعذرية الشك من مخالفة التكليف الواقعي
الغير الواصل إنما تكون مع امكان الاحتياط فمع عدمه لدوران أمر المكلف بين الفعل
والترك لا موقع لجريانها مضافا إلى عدم ترتب أثر عملي عليها كما عرفت في نظائرها فتحصل من
جميع ما ذكرناه ان العلم الاجمالي في المقام وان لم يكن قابلا للمنجزية إلا أن شيئا من
الأصول باقسامها لا محل لجريانها أيضا وحينئذ فلا محالة يكون المكلف مخيرا بين الفعل والترك قهرا
من باب اللا حرجية العقلية * (وينبغي التنبيه) * على أمور (الأول) انه هل التخيير الثابت في
المقام يختص بما إذا لم يكن هناك ترجيح في إحدى الطرفين احتمالا بأن يكون أحد الاحتمالين
أقوى أو محتملا بأن يكون أحد الحكمين المحتملين على تقدير وجوده أهم من الحكم الآخر
232

أو لا يختص بشئ من المواد ربما يقال بالأول نظرا إلى أن المقام إذا كان لاحد الطرفين ترجيح
يكون داخلا في صغريات دوران الامر بين التعيين والتخيير والمختار فيه هو القول بالتعيين
ولكنه لا يخفى ان الحكم بالتعيين في موارد دوران الامر بينه وبين التخيير وإن كان هو
الأقوى إلا أنه فيما إذا كان فعلية الطلب محرزة لدى المكلف وكان الشك بين التخيير
والتعيين راجعا إلى الشك في مرحلة الاسقاط كما في الابتلاء بالغريقين المحتمل أهمية أحدهما
لا في أمثال المقام الذي يكون الحكم المحتمل أهميته في مرتبة غيره بالقياس إلى وصوله فإن
نسبة العلم الاجمالي إلى كل من الحكمين على حد سواء ولا يكون أهمية الحكم الواقعي على تقدير
وجوده موجبة لوصوله وتنجزه على المكلف ما لم يكن هناك موصل خارجي وبالجملة الحكم بالتعيين
إنما يكون فيما إذا وقع التزاحم بين الحكمين واحتمل أهمية أحدهما المستلزمة لمعجزيته عن امتثال
الحكم الآخر وأما في مثل المقام فحيث ان المفروض ان الحكم الواقعي اما الوجوب أو الحرمة
ونسبة العلم الاجمالي إليهما على حد سواء فكيف يكون احتمال الأهمية في أحدهما مع عدم احراز
فعلية التكليف موجبا لتنجزه هذا فيما إذا كانت الواقعة المبتلى بها واقعة شخصية (واما) إذا كانت
متعددة كما إذا علم بحلفه على وطئ إحدى زوجتيه وعلى ترك وطئ الأخرى في ليلة معينة
حصل الاشتباه بين الزوجتين فتردد أمر وطئ كل منهما بين الوجوب والحرمة فربما يقال
حينئذ بترجيح محتمل الأهمية نظرا إلى أن المقام حينئذ يكون من صغريات التزاحم بين الحكمين
على ما هو الميزان من أن التنافي بين الحكمين إن كان في مرحلة الجعل فهو من باب التعارض
وإلا فمن باب التزاحم ومن الضروري ان التنافي في محل الكلام لم ينشأ من جعل أصل
الوجوب والحرمة لمحلوف الوطئ وتركه وانما نشأ من الاشتباه الخارجي وعدم تمكن المكلف
من الامتثال لأجله وإذا رجع الامر إلى التزاحم بين الحكمين فلا محالة يكون احتمال
الأهمية في أحدهما موجبا لتعينه وسقوط التخيير ولكنه لا يخفى ان اختصاص الحكم بالتعيين
في موارد التزاحم مع احتمال الأهمية في أحدهما المعين وإن كان صحيحا إلا أن ادراج المقام في
كبرى التزاحم إنما نشأ من توهم انحصار التنافي بين الحكمين بالتعارض والتزاحم وان خروج
محل الكلام عن كبرى التعارض يستلزم دخوله في كبرى التزاحم ولكنه توهم فاسد إذ
لم يقم دليل على الانحصار المذكور بل التحقيق ان المقام خارج عن مورد التعارض والتزاحم
اما خروجه عن مورد التعارض فلما ذكر من أنه يشترط فيه كون التنافي ناشئا من نفس
233

الجعل والمقام ليس كذلك واما خروجه عن مورد التزاحم فلان التزاحم انما يتحقق بعدم امكان
الجمع بين الامتثالين اما لأجل كون أحد الحكمين بنفسه رافعا لموضوع الآخر كما في التكاليف
المالية الرافعة لموضوع وجوب الحج أعني به الاستطاعة واما لأجل كون امتثال أحدهما رافعا
لموضوع الآخر كما في مسألة الابتلاء بالغريقين مع عدم التمكن الا من انقاذ أحدهما فإن امتثال
كل من التكليفين حينئذ يكون معجزا عن امتثال التكليف الآخر ورافعا لموضوعه أعني به
القدرة ومن المعلوم ان التكليف الوجوبي في المقام مثلا ليس رافعا بنفسه ولا بامتثاله لموضوع
التكليف الآخر وكذلك العكس بل التنافي في المقام انما نشأ من عدم التمكن من الجمع بين طرفي
العلمين فإن مقتضى العلم الاجمالي بالوجوب هو الاتيان بكل من الطرفين كما أن مقتضى العلم
الاجمالي بالحرمة هو ترك كل منهما والجمع بينهما غير ممكن فالتنافي انما هو بين احراز موافقة
كل من التكليفين مع احراز موافقة الآخر لا بين نفس الامتثالين حتى يدخل المقام في كبرى
التزاحم وعلى ذلك لا يكون لاحتمال الأهمية في أحد الحكمين مع عدم وصول ما يحتمل أهميته
وتساوي نسبة العلم الاجمالي بالقياس إليه وإلى غيره اثر أصلا (نعم) يبقى هناك كلام بعد
سقوط مراعاة الأهمية المحتملة في أن العقل هل يجوز فعلهما أو تركهما معا مع العلم بالمخالفة
الاجمالية أم لا وسيأتي التعرض له في التنبيه الآتي إن شاء الله تعالى (الثاني) ان التخيير الثابت
في المقام هل هو بدوي بمعنى انه لا يجوز للمكلف في الواقعة الثانية اختيار غير ما اختاره أولا
من الفعل أو الترك أو هو استمراري وله اختيار كل من الفعل والترك في الواقعة الثانية كما كان
له ذلك في أول الأمر ربما يقال بتعين الأول نظرا إلى أن تجويز التخيير الاستمراري مستلزم
لتجويز المخالفة القطعية التدريجية فإنه لو اختار المكلف الفعل في واقعة والترك في واقعة أخرى
فيحصل له العلم بالمخالفة في إحدى الواقعتين لا محالة (ولكن) التحقيق هو استمرارية
التخيير لا لعدم تنجيز العلم الاجمالي في الأمور التدريجية كما توهمه بعض نظرا إلى خروج الواقعة
الثانية فعلا عن الابتلاء فإذا علم المرأة بتحيضها في ضمن الشهر بثلاثة أيام مثلا فليس لها علم
بتعلق تكليف فعلي في حقة على كل تقدير فإنا سنبين فيما سيأتي إن شاء الله تعالى عدم الفرق في
تنجيزه بين ما إذا كان متعلقا بالأمور التدريجية أو غيرها فإن الامر المتأخر وإن لم يمكن توجيه
الخطاب نحوه بناء على استحالة الواجب التعليقي كما هو الحق إلا أن تأخر الواجب لا يمنع من
اشتماله على ملاك ملزم في حد نفسه فالمرأة لما علمت بتحقق الحيض منها في ضمن مجموع
234

الشهر فقد علمت بتحقق الملاك الملزم في ظرفه وقد ذكرنا عند البحث عن المقدمات المفوتة ان
العقل لا يجوز تفويت الملاك الملزم ولو لم يكن معه خطاب فعلي لتأخر ظرفه وحينئذ فلا بد من
الاحتياط تحفظا على الملاك الملزم المعلوم في الجملة في ضمن الشهر بل لان كل واقعة من تلك
الوقائع المتكررة واقعة برأسها لم يعلم فيها الملاك الملزم لا بالنسبة إلى طرف الفعل ولا بالنسبة إلى
طرف الترك فعند الواقعة الأولى ليس المعلوم إلا الالزام المردد بين الوجوب والترك وكذلك
الواقعة الثانية والثالثة وهكذا فليس هناك خطاب معلوم قابل للداعوية ولا ملاك محرز في طرف
الفعل أو الترك غاية الأمر حصول العلم بالمخالفة عند اختيار المكلف في الواقعة الثانية غير
مختارة في الواقعة الأولى وهذا لا اثر له بعد عدم سبق منجز على المخالفة وبالجملة التكليف
المردد بين الوجوب والحرمة حيث كان انحلاليا بتعدد موضوعه في الخارج فكل موضوع
له حكم مستقل مغاير للحكم الثابت لموضوع آخر ومن المفروض ان كل حكم من تلك الأحكام
مردد بين الوجوب والحرمة وحكمه التخيير العقلي الناشئ من حكمه باستحالة اجتماع النقيضين
وارتفاعهما وضم بعضها إلى بعض لا يوجب العلم بتكليف منجز على كل تقدير أو وجود ملاك
ملزم كذلك فحال تكرر الوقائع في كونه محكوما بالتخيير حال الواقعة الواحدة بعينها هذا كله
بالنسبة إلى الوقائع المتعددة التدريجية واما بالنسبة إلى الواقعة المتكررة الدفعية كما إذا حلف على
ترك وطئ إحدى زوجتيه وفعل الأخرى في ليلة معينة ثم اشتبهتا فدار الامر بين الوجوب
والحرمة في كل منهما فهل يحكم العقل بالتخيير في كل منهما ولو لزم منه المخالفة القطعية بأن يختار
فعلهما أو تركهما أو يجب ان يختار في كل منهما خلاف ما يختاره في الأخرى حذرا من لزوم
المخالفة القطعية الأقوى هو الثاني فانا قد ذكرنا مرارا أن للإطاعة مرتبتين إحداهما وجوب
الموافقة القطعية والثانية حرمة المخالفة القطعية وسقوط المرتبة الأولى منها لا يوجب سقوط المرتبة
الثانية والموافقة القطعية في المقام وان لم تكن ممكنة لدوران الامر في كل منهما بين الوجوب
والحرمة إلا أن المخالفة القطعية بفعلهما أو تركهما ممكنة يستقل العقل بقبحها وبعبارة أخرى
إذا دار الامر بين الموافقة الاحتمالية والمخالفة القطعية فلا ريب في استقلال العقل بتعين الأول
وإن كانت المخالفة القطعية من جهة مستلزمة للموافقة القطعية من جهة أخرى أيضا والسر فيما
ذكرنا هو ان الامر في كل من الزوجتين وإن كان دائرا بين المحذورين والعلم والاجمالي في
كل منهما بالالزام المردد بين الوجوب والحرمة لا اثر له إلا أن هناك علم ثالث بوجوب وطئ
235

إحداهما وحرمة وطئ الأخرى أو العكس وهذا العلم وإن كان لا يمكن ان يؤثر في وجوب
الموافقة القطعية لعدم امكانها الا انه قابل للتأثير في حرمة المخالفة القطعية فيحكم العقل بترتيب
أثره الممكن فيجب اختيار فعل إحداهما وترك الأخرى مخيرا (فإن قلت) إذا كان ضم
إحدى الواقعتين على الأخرى موجبا لحدوث علم ثالث موجب لحرمة المخالفة القطعية فيكون
ضم بعض الوقائع إلى بعض في صورة التدريج موجبا لذلك فإنه يعلم اجمالا بكون الفعل في
هذا الواقعة أو الترك في الواقعة الثانية مخالفا للتكليف المعلوم فيجب فيه الاحتياط أيضا بتحصيل
الموافقة الاحتمالية ولازم ذلك هو بدوية التخيير (قلت) التكليف المعلوم في الوقائع التدريجية
ليس تكليفا فعليا وإنما هي تكاليف مشروطة بوجود موضوعاتها خطابا وملاكا ففي حال الابتلاء
بالواقعة الأولى ليس هناك علم بتوجيه خطاب فعلي على كل تقدير ولا بوجود ملاك ملزم كذلك
وهذا بخلاف المقام فإنه يعلم فيه بتحقق خطاب فعلي متعلق بفعل إحداهما وترك الأخرى
أو بالعكس فيجب مراعاته بقدر الامكان نعم إذا كان الواقعة المتكررة الدفعية تدريجية أيضا
كما إذا حلف على وطئ إحدى زوجتيه في ليلة كل خميس من الشهر وعلى ترك الأخرى
كذلك فاشتبهتا فاختار في الواقعة الأولى فعل إحداهما وترك الأخرى حذار من المخالفة القطعية
لما وجب عليه مراعاة هذا الاختيار في الواقعة الثانية بل يجوز له عكس الاختيار الأول وقد
ظهر وجهه مما مر * (الأمر الثالث) * ان ما ذكرناه من استمرارية التخيير في موارد دوران الامر بين
المحذورين يختص بغير ما إذا كان الدوران من جهة تعارض النصين لما ستعرف في محله من أن
التخيير فيه شرعي وفي المسألة الأصولية ومع الاخذ بأحد الخبرين يكون ذلك حجة في
حقه ولا دليل على سقوط حجيته باختيار الطرف المعارض له فلا محالة يكون التخيير بدويا نعم
لو قلنا إن التخيير في موارده تخيير في المسألة الفرعية من جهة عدم امكان الجمع بين الفعل
والترك لجرى فيها ما بنينا عليه في غير موارد التعارض لاتحاد الملاك فيها * (الأمر الرابع) * قد
بينا في صدر البحث ان محل الكلام في المقام إنما هو فيما إذا لم يتمكن المكلف من المخالفة
القطعية فيختص بغير ما إذا كان أحدهما المعين تعبديا والا لكان المخالفة القطعية ممكنة فيكون
العلم الاجمالي مؤثرا في التنجيز بهذا المقدار فلا بد من تطبيق العلم على أحدهما بنحو لا يلزم
المخالفة القطعية فإذا كان الوجوب على تقدير وجوده تعبديا مثلا فلا بد من اختيار الفعل واتيانه
على وجه قربي أو اختيار الترك إذ لو اتى بالفعل لا على وجه قربى لحصل له العلم بالمخالفة لا محالة
236

وهكذا الامر إذا كان الحرمة المحتملة تعبدية ومن ذلك يظهر انه إذا علم شرطية أحد
الضدين للواجب كما إذا دار الامر بين وجوب الجهر والاخفات في القراءة أو علم شرطية شئ
أو مانعيته فلا مجال للحكم بالتخيير لامكان الموافقة القطعية بتكرار القراءة في الصورة الأولى
وتكرار الواجب في الثانية ومعه لا مجال للحكم بالتخيير بل يجب تحصيل الموافقة القطعية كما
هو ظاهر * (المبحث الثالث) * فيما إذا علم التكليف في الجملة وأمكن الاحتياط وقبل الشروع
في المقصود لابد من تقديم مقدمات (الأولى) في بيان ضابط الشك في المكلف به في قبال
الشك في التكليف وقد بينا مرارا ان الأحكام الشرعية المجعولة من قبيل القضايا الحقيقية
التي يكون الموضوع فيها مقدر الوجود فثبوت كل حكم فرع ثبوت موضوعه خارجا وتنجزه
على المكلف فرع العلم بجعل الكبرى الكلية والعلم بانطباقها على صغريها خارجا ضرورة انه مع
الجهل بإحداهما لا يكون هناك علم بالتكليف المتوجه إليه فيكون الشك في نفس التكليف وقد
مر تفصيل ذلك عند البحث عن الشبهة الموضوعية (ومن هنا) يعلم أن ضابط الشك في
المكلف به مع العلم بالتكليف هو أن يكون الكبرى المجعولة وصغريها معلومتين عند المكلف
ولكن كان الشك في تحقق الفعل أو الترك الاختياريين المطلوبين من المكلف وهذا على قسمين إذ الشك
تارة يكون من جهة الشك في الامتثال ابتداء سواء كان الشك في أصل الاتيان بالفعل أو الترك أو في
انطباق المأمور به أو المنهي عنه بالمأتي به أو المتروك خارجا أو في تحققهما من جهة الشك في المحصل وهذا
القسم لا اشكال فيه انه مورد لقاعدة الاشتغال دون البراءة واخرى من جهة كون الشك ناشئا
عن تردد المطلوب وتعينه بخصوصه سواء كان من جهة الترديد في خصوصية التكليف وانه
ايجاب شئ أو حرمة غيره أو في متعلق التكليف مع العلم بنوعه تفصيلا كما في مثال الظهر
والجمعة أو كان الترديد باعتبار تردد الموضوع بين شيئين أو أشياء والشبهة في الأولين حكمية
وفي الثالث موضوعية والجامع بين الكل هو العلم بجنس التكليف وكون الشك راجعا
إلى ما هو المكلف به بخصوصه وحيث إن في هذا القسم حيثيتين إحداهما حيثية رجوع الشك
إلى مرحلة الامتثال مع العلم بالتكليف وثانيتهما حيثية الجهل بالتكليف في خصوص كل من
الأطراف فلذا وقع البحث في جريان الأصول وعدمه وبالجملة ضابط الشك في المكلف به هو أن يكون
هناك علم تفصيلي متعلق بجامع الالزام مشوب بجهل تفصيلي في خصوص الأطراف
ولازم ذلك تشكيل قضية منفصلة مانعة الخلو كما يقال هذا أو ذاك واجب ومرجعه إلى وجود
237

قضية متيقنة وقضيتين أو قضايا مشكوكة (الثانية) ان الأصول الجارية في الأطراف عقلية أو
نقلية تنزيلية أو غير تنزيلية اما أن تكون جارية في رتبة أصل ثبوت التكليف ومرحلة الاشتغال
كأصالتي البراءة والإباحة أو في رتبة الخروج عن العهدة والفراغ كقاعدتي الصحة والفراغ ونحوهما
والاستصحاب قابل للجريان في كلتا المرحلتين ومحل الكلام في المقام هو جريان القسم الأول
من الأصول (واما) القسم الثاني فلا ريب في جريانه ضرورة انه لا يزيد العلم الاجمالي على العلم
التفصيلي فكما يجري قاعدة الفراغ مع العلم تفصيلا بالتكليف والشك في الخروج عن العهدة
فكذلك مع العلم الاجمالي ضرورة انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري مع الشك في الفراغ مع العلم
بوجود التكليف تفصيلا أو اجمالا وانما البحث والاشكال في انحفاظ مرتبة الجعل الظاهري في
مرتبة الاشتغال بان يترتب على جريان الأصل نفي التكليف فظهر بذلك ان من أنكر منجزية
العلم الاجمالي رأسا نظرا إلى امكان جعل الحكم الظاهري في كل من الأطراف لانحفاظ مرتبته
فيه إذ المفروض هو الجهل بالتكليف فيه بخصوصه فقد خلط الأصول الجارية في مرحلة الفراغ
بالأصول الجارية في مرحلة الاشتغال فإن الجهل في كل من الأطراف بخصوصه لا يرجع
إلا إلى الجهل بالخروج عن العهدة المتأخر رتبة عن الجهل بأصل الاشتغال فيكون الشك فيه
واقعا في مرتبة الشك في الفراغ وقد عرفت أن الأصول تجري في هذه المرتبة ولكنه لا ربط له بما
هو محل الكلام من جريان الأصول الجارية في مرحلة الاشتغال وعدمه كما أن من ذهب
إلى كون العلم الاجمالي علة تامة لوجوب الموافقة القطعية نظرا إلى عدم انحفاظ مرتبة الحكم
الظاهري مع العلم بالتكليف ولو اجمالا فلا يجري في مورده شئ من الأصول قد خلط أيضا
بين المقامين بتوهم ان عدم انحفاظ المرتبة بالنسبة إلى مرحلة الاشتغال يقتضي عدم الانحفاظ
حتى بالقياس إلى مرحلة الفراغ أيضا وقد عرفت عدم ارتباط أحد المقامين بالآخر وان المبحوث
عنه في المقام هو جريان الأصول الجارية في مرحلة الاشتغال بعد الفراغ عن جريان الأصول
الجارية في مرحلة الفراغ لو كانت (الثالثة) قد مر سابقا ان المانع عن جريان الأصول
التنزيلية الناظرة إلى الغاء الشك وفرضه كالعدم هو العلم الوجداني بمخالفتها للواقع سواء كان
هناك مخالفة عملية أو لم تكن واما المانع عن جريان غيرها من الأصول فهو منحصر بلزوم الترخيص
في المعصية لا غير ومجرد العلم بالمخالفة من ضم بعض الأصول إلى بعض لا يكون مانعا عن
جريانها ما لم يلزم الترخيص المذكور وسيأتي له مزيد توضيح إن شاء الله تعالى (الرابعة) ان
238

محل الكلام في المقام من انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري وعدمه المترتب عليهما جريان الأصل
وعدمه لا ربط له بالبحث عن تقيد الأحكام الواقعية بنتيجة التقييد بصورة العلم التفصيلي بها بل
لابد وأن يكون عدم التقييد في محل البحث مفروغا عنه وان جريان الأصول لا يوجب
تبدلا في الواقع أصلا لا تصويبا ولا تقييدا وبعبارة أخرى محل الكلام في المقام إنما هو امكان
الجعل الظاهري في طول الواقعي المفروغ عن وجوده والبحث متمحض في الجهة العقلية وانه
مع وجود العلم الاجمالي هل يكون مرتبة الحكم الظاهري محفوظة فتجري الأصول الجارية في
مرحلة الاشتغال أم لا (واما) توهم ان مقتضى أدلة الأصول هو اختصاص الأحكام الواقعية
بالعلم بها فهو مع سخافته خارج عما هو محل البحث في المقام إذا عرفت ذلك فنقول ان أقسام
الشك في المكلف به وإن كانت كثيرة من جهة ان الترديد (تارة) يكون في نفس الخطاب
(واخرى) يكون في متعلقه (وثالثة) في موضوعه (ورابعة) من الجهتين أو الجهات والشبهة
(تارة) تكون وجوبية (واخرى) تحريمية الا ان المهم في هذا المبحث هي الشبهة التحريمية لعدم
خلاف معتد به في الوجوبية كما أن المهم من الشبهة التحريمية هي الموضوعية منها لكثرة جهات
البحث فيها كما سيأتي فلذلك نقدم البحث عنها ثم نعقبها بالبحث عن بقية المسائل فنقول: إن
الحرام المردد اما أن يكون مرددا بين أطراف محصورة أو غير محصورة فهنا مقامان (الأول)
في الشبهة المحصورة (والثاني) في الشبهة الغير المحصورة (اما) المقام الأول ففيه أقوال ثالثها التفصيل
بين المخالفة القطعية والموافقة القطعية فيحرم الأولى ولا يجب الثانية ومرجع هذا القول إلى تجويز
جريان الأصل في بعض الأطراف دون بعض والحق هو تنجيز العلم الاجمالي من الجهتين فلنا
دعويان (الأولى) حرمة المخالفة القطعية (الثانية) وجوب الموافقة القطعية اما الدعوى
الأولى فتتضح بعد بيان ما يمكن ان يستدل به للخصم القائل بجواز المخالفة القطعية فنقول ان
غاية ما يمكن ان يستدل له هو ان يقال إنه لا اشكال في أن المعتبر في جريان أي امارة أو أصل
تنزيلي أو غير تنزيلي أن يكون مرتبة الحكم الظاهري محفوظة وإلا فلا مورد لشئ منها والمدار
في انحفاظ المرتبة في الامارات أو الأصول التنزيلية هو عدم لزوم المناقضة من التعبد بهما
للواقع بأن لا يكون مؤدى الامارة أو مفاد الأصل مناقضا لما هو المعلوم ثبوته في موردهما
وإلا فلا مجال للجعل الظاهري بعد ما عرفت انه لا يوجب تبدلا في الواقع أصلا لا تصويبا
ولا تقييدا واما المدار في انحفاظ المرتبة في غير الأصول التنزيلية فليس إلا عدم لزوم الترخيص
239

في المعصية من جريانها واما مجرد العلم بالمخالفة من دون لزوم ذلك فلا يكون بمانع من الجريان
وعليه فنقول المعلوم بالاجمال إذا كان مرددا بين الوجوب والحرمة في شئ واحد كما في دوران
الامر بين المحذورين فقد عرفت فيما سبق انه لا مجال لجريان أصالة الإباحة واستصحابها لما
عرفت من أنه مع العلم المذكور نقطع بثبوت الزام شرعي ومعه لا مجال لجعل الإباحة الظاهرية
المناقضة للمعلوم بالمدلول المطابقي واما إذا كان المعلوم من قبيل الحرمة المتعلقة بالخمر المردد بين
أطراف متباينة فما هو المعلوم ثبوته من الحكم ليس الا حرمة شرب الخمر الغير المعلوم الا بشرب
المجموع ولا اشكال في عدم انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري بالنسبة إليه ولكن ذلك لا يقتضي
الا سقوط الأصول بالإضافة إلى المجموع وهذا مما لا ريب فيه وإنما المدعى هو جريان الأصل
في كل واحد من الأطراف ومن الظاهر أن كل واحد منها لا يكون التكليف فيه معلوما حتى
يناقض الأصل الجاري فيه أو يكون ترخيصا في المعصية بالإضافة إليه وعليه يكون مرتبة الحكم
الظاهري بالنسبة إلى كل من الأطراف محفوظة من دون فرق بين الأصول التنزيلية وغيرها
فتلخص ان ما لا يكون مرتبة الحكم الظاهري بالقياس إليه محفوظة إنما هو مجموع الأطراف بما هو
ولكنه لا يجري فيه أصل آخر غير الأصول الجارية في الأطراف حتى يمنع عنه بعدم انحفاظ
المرتبة معه وما يجري فيه الأصل وهو كل واحد من الأطراف يكون مرتبة الحكم الظاهري
معه محفوظة (والتحقيق) في الجواب ان يقال انا نمنع عن بقاء مرتبة الحكم الظاهري في كل
واحد من الأطراف (أما بالنسبة) إلى الامارات فالامر فيها ظاهر فان الامارات حيث إنها
حجة في مداليلها الالتزامية أيضا فكل من الامارتين القائمتين على خلاف المعلوم بالاجمال كما أنه
ينفي المعلوم بالاجمال عن موردها فكذلك يثبته في الطرف الآخر فتكون معارضة للامارة
الأخرى النافية للمعلوم بالاجمال بمدلولها المطابقي عن موردها فيتساقطان بالمعارضة وأما بالنسبة
إلى الأصول التنزيلية فالحكم الظاهري في كل واحد من الأطراف مع قطع النظر عن الباقي
وإن كان لا مانع عنه ومرتبة الحكم الظاهري بالقياس إليه محفوظة إلا أنه لا يمكن اجراء الأصل
في تمام الأطراف ضرورة ان الأصل التنزيلي مرجعه إلى الغاء الشارع للشك وتعبده بالبناء
العملي على احراز الواقع فمع العلم الاجمالي بالخلاف كيف يمكن الغاء الشك والجمع في التعبد بين
تمام أطرافه مع مناقضته له كما هو ظاهر (وتوهم) انه لا يلزم من جريان الأصل بين الأطراف
التعبد بالجمع بينها حتى يلزم ما ذكر بل غايته هو جعل حكم ظاهري في خصوص كل من
240

الأطراف والمفروض عدم مناقضته للمعلوم بالاجمال نعم بعد ارتكاب الجميع يحصل العلم بالمخالفة
لا محالة لكن مثل هذا العلم لا يترتب عليه اثر في نظر العقل حتى يكون مانعا عن جريان الأصل
(مدفوع) بان التعبد بالجمع بين الأطراف وان لم يكن لازما لجريان الأصول في الأطراف
إلا أن الجمع في التعبد لازم له لا محالة ضرورة ان كلا من الجعلين في عرض الاخر فيكونان
في مرتبة واحدة وكما لا يمكن تعلق الجعل بمجموع الأطراف فكذلك لا يمكن الجمع في
الجعل أيضا إذ كما يعتبر انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري في كل من الأصلين في حد نفسه فكذلك
يعتبر انحفاظه مع اقترانه لجعل الآخر أيضا ولازم ذلك هو انحفاظ الرتبة بالقياس إلى مجموع
الأصلين في عرض واحد ومن المعلوم انه مع العلم الاجمالي بالخلاف لا يكون الجمع بينهما
معقولا للمناقضة المزبورة وهذا أجنبي عن تحقق العلم بالمخالفة بعد الارتكاب حتى لا يكون فيه
محذور وأما بالنسبة إلى الأصول الغير التنزيلية فيظهر الوجه في عدم جريانها في أطراف العلم
الاجمالي مما تقدم فإنك قد عرفت ان الضابط في سقوطها هو استلزام جريانها للترخيص في معصية
الخطاب الشرعي ومن الضروري ان الترخيص في كل واحد من الأطراف في عرض الترخيص
في بقية الأطراف يستلزم الترخيص في المعصية للخطاب المعلوم بالاجمال فلا يكون مرتبة الحكم
الظاهري بالإضافة إلى جميع الأطراف محفوظة فتحصل ان المحذور في جريان الأصول في
تمام أطراف العلم أحد أمرين على سبيل منع الخلو (الأول) لزوم التناقض من جريانها كما
في موارد الأصول التنزيلية مطلقا (الثاني) لزوم الترخيص في المعصية كما في موارد الأصول
النافية للتكليف مطلقا وحيث إن هذين المحذورين عقليان فعدم جريان الأصول في أطراف
العلم الاجمالي يكون مستندا إلى مانع ثبوتي مع قطع النظر عن مقام الاثبات فما يظهر من بعض
كلمات العلامة الأنصاري قدس سره من ابتناء عدم الجريان على عدم شمول أدلة الأصول لأطراف
العلم في غير محله فإنه مضافا إلى ما عرفت من أن عدم الجريان مستند إلى المانع الثبوتي ولا تصل
النوبة معه إلى المانع الاثباتي نعم لو كان محل البحث هو تقييد الأحكام الواقعية بصورة العلم
التفصيلي وعدمه لكان للتكلم في شمول أدلة الأصول لأطراف العلم الاجمالي وافادتها لتقييد
الأحكام الواقعية ولو بنتيجة التقييد بالصورة المذكورة مجال واسع لكنك قد عرفت ان الكلام
فعلا متمحض في امكان الجعل الظاهري بعد الفراغ عن عدم التقييد في الواقعي يرد عليه انه
لا مانع من شمول الأدلة لأطراف العلم الاجمالي مع قطع النظر عن المحذور العقلي لما ستعرف
241

في محله وأشرنا إليه في بحث القطع من أنها ظاهرة في جعل الحكم الظاهري لكل ما هو مشكوك
ولا ريب ان كل واحد من أطراف العلم الاجمالي كذلك ولذا بنى (قده) على جريانها فيما لم
يلزم هناك مخالفة عملية للمعلوم اجمالا فلو كان نفس العلم الاجمالي مانعا من جريانها فأي فرق
بين ما إذا لزم من جريانها مخالفة عملية وبين ما إذا لم يلزم (وتوهم) ان الغاية في اخبار الاستصحاب
مطلقة لليقين الاجمالي والتفصيلي فيلزم من شمول صدرها للشك البدوي والمقرون بالعلم
الاجمالي مناقضة بين الصدر والذيل (مدفوع) مضافا إلى أن الظاهر من اليقين المأخوذ غاية
هو كونه متعلقا بما تعلق به الشك وهو ليس الا اليقين التفصيلي بأنه على تقدير تسليم ذلك فغاية
ما هناك هو سقوط تلك الأدلة المشتملة على الذيل عن الدلالة وذلك لا يوجب قصور الدلالة
في بقية الأدلة الغير المشتملة على الذيل المزبور بل لعل قوله (ع) حتى تعرف انه حرام بعينه في
أدلة الإباحة صريح في أن الغاية للحكم بالحلية في المشكوك هو العلم التفصيلي بحرمة الشئ
بخصوصه ولا ريب ان كلا من الأطراف يصدق عليه انه ليس كذلك فيكون حلالا فتحصل
مما ذكرناه ان عدم جريان الأصول في الأطراف انما هو لأجل المانع الثبوتي والمحذور العقلي
وهو عدم انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري في الأصول التنزيلية مطلقا وفي غيرها فيما إذا لزم من
جريانها مخالفة عملية ومعه فلا يمكن تجويز المخالفة القطعية ولو كانت أدلة الأصول بمدلولاتها
اللفظية شاملة لتمام الأطراف أيضا (واما الدعوى الثانية) وهي وجوب الموافقة القطعية فقد عرفت
فيما تقدم عدم ابتنائها على علية العلم الاجمالي لوجوبها فإنك قد عرفت ان القائل بالعلية التامة قد
خلط الأصول الجارية في مرحلة الفراغ بالأصول الجارية في مرحلة الاشتغال بل هي مبنية
على دعوى سقوط دليل الأصل في أطراف العلم الاجمالي مطلقا بعد الفراغ عن عدم امكان
الجعل في تمام الأطراف كما أن دعوى عدم وجوبها مبنية على دعوى عدم سقوطه إلا في
بعض الأطراف دون بعض فنقول الحق هو سقوط الأصول في أطراف العلم الاجمالي مطلقا
فيبقى العلم الاجمالي موجبا للزوم تحصيل الفراغ اليقيني مع فرض عدم المؤمن في الارتكاب
(توضيح) ذلك ان جريان الأصل في بعض الأطراف لا يخلو من أحد وجوه ثلاثة (الأول)
أن يكون دليل الأصل شاملا للبعض المعين بخصوصه (الثاني) ان يدعى شمولها للبعض
الغير المعين بأن يدعى ان الموضوع في أدلة الأصول أعم من الموضوع الخارجي المعين ومن
الفرد الكلي المعبر عنه بعنوان أحدهما المردد (الثالث) ان يدعى استفادة الحكم التخييري من
242

أدلتها بأن يدعى ان المحمول في تلك الأدلة أعم من الحجية التعيينية كما في موارد الشكوك
البدوية ومن التخييرية كما في موارد العلم الاجمالي وهذه الوجوه بأسرها باطلة (اما الأول)
فلان دعوى شمول أدلة الأصول لخصوص البعض المعين من الأطراف مستلزمة للترجيح
بلا مرجح الظاهر فساده (واما الثاني) فلان كل دليل متكفل لاثبات حكم طريقي أو واقعي
لموضوع أخذ مقدر الوجود على ما هو الشأن في القضايا الحقيقية إنما يكون دالا على ثبوت الحكم
لما هو فرد خارجي من ذلك الموضوع فما يكون محكوما بالحكم الظاهري إنما هو كل واحد من
الأطراف لانطباق عنوان المشكوك عليه واما الفرد المردد فهو ليس موجودا آخر منطبقا عليه
عنوان المشكوك بل هو أمر انتزاعي عما هو متصف بالفردية فلا يكون مشمولا لأدلة الأصول
في عرض كل واحد من الأطراف (وأما الثالث) فلان الحكم التخييري إذا ثبت في مورد
فلا يخلو من حيث المدرك عن أحد أمور ثلاثة (الأول) ان يقوم دليل بالخصوص عليه سواء
كان في الأحكام الواقعية كما في خصال الكفارة أو في الاحكام الطريقية كما في موارد
تعارض الروايتين بناء على الطريقية ومن المعلوم انه ليس في موارد العلم الاجمالي دليل بالخصوص
دل على جريان الأصل في بعض الأطراف تخييرا (الثاني) أن يكون الدليل مقتضيا لثبوت
الحكم التعييني بالنسبة إلى كل فرد ولكن كان التخيير مستفادا من نفس ذلك الدليل بالنظر إلى
المنكشف به عند عدم امكان الاخذ بكل واحد واحد من الافراد كما في موارد تزاحم
الواجبين عند عدم الأهمية في البين فإن دليل الوجوب في كل منهما وإن كان يقتضي الوجوب
التعييني ولكنه إذا لم يمكن الاخذ بهما من جهة عدم القدرة على الجمع في الامتثال فلا مناص
عن الالتزام بالتخيير اما من جهة سقوط كلا الواجبين واستكشاف العقل للخطاب التخييري
الشرعي للعلم بوجود الملاك الملزم في البين كما يراه المنكر للخطاب الترتبي واما من جهة التزاحم
لا يقتضي الا سقوط الاطلاقين من الواجبين فإن الضرورات تقدر بقدرها والمنافاة إنما هي
بين الاطلاقين دون نفس الخطابين فتكون النتيجة هو ثبوت خطابين المشروط كل منهما
بعدم امتثال الآخر كما هو المختار عندنا وأوضحنا وجهه في بحث الترتب بما لا مزيد عليه وعلى
كل حال تكون النتيجة هو تخيير المكلف في امتثال اي من الواجبين أراد ومن المعلوم
عدم انطباق كبرى التزاحم على محل الكلام فإن القول بالتزاحم في موارد الحجج انما يتم بناء
على كون الحجية من باب السببية والموضوعية وهو على تقدير تسليمه في الامارات والاغماض
243

عما سيجئ في باب التعادل والترجيح من أن المصلحة السلوكية لا تترتب إلا على ما كان
متصفا بالطريقية الفعلية فلا تكون متحققة في مورد التعارض أصلا لا يمكن الالتزام بها في الأصول
اما غير التنزيلية منها فواضح لعدم فرض الطريقية فيها كما هو ظاهر واما التنزيلية فلانها وإن كانت
محرزة للواقع باعتبار المرتبة الثانية من المرتبة الثالثة من العلم الطريقي إلا أن الاحراز العملي
أجنبي عن الطريقية بالكلية ولا فرق بين الأصل التنزيلي وغيره في كون كل منهما أصلا عمليا
غير ملحوظ فيه الطريقية (هذا) بالنسبة إلى السببية الغير المستلزمة للتصويب واما السببية المستلزمة
له فهي باطلة من أصلها كما أوضحنا الحال فيها في بحث الاجزاء فراجع (الثالث) هو الفرض
الثاني بعينه الا ان التخيير هنا مستفاد من ذلك الدليل الدال على ثبوت الحكم التعييني بالنظر
إلى الكاشف دون المنكشف وذلك كما إذا ورد أكرم العلماء فدل على وجوب اكرام كل فرد
من العلماء في تمام الأحول ثم ورد دليل على التخصيص فأخرج منه فردين زيد وعمرو ولكن
كان مجملا ومرددا بين أن يكون الخروج على الاطلاق حتى يكون التخصيص افراديا وبين
أن يكون احواليا وفي بعض الأحوال بأن يكون الخارج هو زيد في حال اكرام عمرو وبالعكس
لا مطلقا فالقدر المتيقن هو الثاني والالتزام بعدم التخصيص إلا بذلك المقدار فعند عدم اكرام
زيد مثلا يشك في وجوب اكرام عمرو فيتمسك بالعموم وكذلك العكس فيثبت من ذلك
وجوب اكرام كل منهما مخيرا إذ هو المتحصل من ضم الاخذ بالمقدار المتيقن من المخصص
إلى العموم المفروض وهذا الوجه غير منطبق على محل الكلام أيضا فان غاية ما يمكن أن يقال
في توجيهه هو ان يقال إن دليل الأصل يقتضي ثبوت الرخصة في كل من أطراف العلم
ومقتضي اطلاقه هو ثبوت الرخصة مطلقا اي حال ارتكاب الاخر وعدمه وحيث إن هذا
الاطلاق لا يمكن الاخذ به لاستلزامه تجويز المخالفة القطعية فلا بد من رفع اليد عنه بهذا
المقدار فيكون النتيجة هو جواز الارتكاب في كل من الطرفين تخييرا فإن الامر دائر بين
خروج كل واحد من الأطراف عن دليل الأصل بالكلية وبين خروجه عنه عند ارتكاب
الآخر والقدر المتيقن هو الثاني فلا موجب للأول (وفيه) ان عدم جريان الأصل في أطراف
العلم الاجمالي ليس مستندا إلى دليل مخصوص لعموم دليله مردد بين كونه مخصصا مطلقا أو في
بعض الأحوال حتى يندرج في الضابط المذكور بل انما هو من جهة المحذور العقلي وعدم انحفاظ
مرتبة الحكم الظاهري مع العلم الاجمالي في عالم الثبوت فإذا لم يمكن الجعل ثبوتا لا ينتهي
244

الامر إلى تقييد الدليل في عالم الاثبات فإن امكان التقييد يستلزم امكان الاطلاق لان التقابل
بينهما من قبيل الاعدام والملكات فما لم يمكن الاطلاق فيه ثبوتا كيف يتصور فيه التقييد في
عالم الاثبات حتى يقال إن الامر دائر بين التخصيص في المطلق وبين التخصيص في بعض
الأحوال ليؤخذ بالمقدار المتيقن (وتوهم) ان التخصيص في المقام عقلي من جهة حكم العقل بعدم
امكان الجمع في الجعل الظاهري فيؤخذ بالمقدار المتيقن أيضا (مدفوع) بأن حكم العقل في
المقام في مرتبة سابقة على الجعل وفي مقام الثبوت ومعه لا يبقي مجال للاطلاق والتقييد في
مقام الاثبات أصلا حتى يؤخذ بالمقدار المتيقن بلحاظ هذا المقام فيندرج في الضابط المزبور
(فتلخص) من جميع ما ذكرناه انه لا مجال لاستفادة التخيير في مجاري الأصول في أطراف
العلم الاجمالي بوجه أصلا فإذا لم يجر الأصل في شئ من الأطراف لا معينا ولا مخيرا فلابد
من القول بوجوب الموافقة القطعية فإنه المترتب على بطلان تجويز المخالفة القطعية من جهة العلم
بوجود التكليف الفعلي وعدم وجود المؤمن في شئ من الأطراف ومنه يظهر فساد القول
بكون نفس العلم الاجمالي علة تامة لوجوب الموافقة القطعية فإنك قد عرفت عدم ترتبه عليه بنفسه
فكيف يعقل كونه علة له بل ليس فيه اقتضاء لثبوته أيضا إلا معنى كونه من اجزاء علته والخطب
فيه سهل بعد ما عرفت من أن القول به مترتب على سقوط الأصول في أطراف العلم بعد البناء
على حرمة المخالفة القطعية (ومن هنا يتضح) انه لو كان في بعض أطراف العلم الاجمالي أصل أو
امارة بلا معارض لأوجب انحلال العلم أو عدم تأثيره من أول الأمر فان تنجيز العلم الاجمالي
يتوقف على تحقق العلم بالتكليف الفعلي على كل تقدير وعدم انحلاله فإذا لم يكن هناك علم
بالتكليف كذلك كما إذا كان بعض الأطراف خارجا عن محل الابتلاء أو كان ولكن كان
في بعض الأطراف منجز للتكليف بخصوصه كما إذا قامت الامارة على نجاسة بعض الأطراف
بخصوصه أو كان مستصحب النجاسة أو كان من أطراف العلم الاجمالي بالنجاسة قبل هذا
العلم فلا مانع من الرجوع إلى الأصل النافي في الطرف الآخر ومن هنا يعلم الملازمة العقلية
بين سقوط الأصول في أطراف العلم الاجمالي وعدم انحلاله إذ متى كان الأصل جاريا في بعض
الأطراف فلا محالة ينحل العلم به ويرجع معه إلى الأصل في الطرف الآخر (فالنزاع) في أن
الملاك في وجوب الموافقة القطعية هل هو عدم انحلال العلم الاجمالي أو سقوط الأصول في أطرافه
كما نقل عن بعض (فاسد) من أصله (وتوهم) انفكاكهما في مثل الكأسين المعلوم طهارة
245

أحدهما سابقا بتخيل ان استصحاب الطهارة فيه يكون معارضا بقاعدة الطهارة في الطرف الآخر
فيبقى قاعدة الطهارة في معلوم الطهارة بلا معارض فلو كان الميزان في وجوب الموافقة سقوط
الأصول لما وجب الموافقة لفرض جريان الأصل في أحد الطرفين بلا معارض وهذا بخلاف
ما إذا كان الميزان فيه عدم الانحلال فإن المفروض عدم انحلاله بعد فيظهر الثمرة بين القولين
(مدفوع) بأن أصالة الطهارة في طرف معلوم الطهارة سابقا وإن كان في طول استصحابها في
حد نفسها إلا أن أصالة الطهارة في الطرف الآخر كما تعارض الاستصحاب في هذا الطرف
فكذلك تعارض أصالة الطهارة أيضا والسر فيه ان المنشأ لسقوط الأصول في أطراف العلم
إنما هو منافاة الجعل الظاهري للتكليف المعلوم في البين فأي حكم ظاهري يكون منافيا مع التكليف
المعلوم يكون ساقطا بالمعارضة فلا فرق في سقوط الأصول في أطراف العلم بين الأصول
العرضية والطولية والملاك فيه هو منافاة مؤدى الأصل للتكليف المعلوم (فإن قلت) ما الفرق
بين المقام والملاقي لبعض أطراف الشبهة المحصورة حيث إنكم بنيتم فيه بمعارضة الأصل السببي في
طرف الملاقي بالفتح مع الأصل في الطرف الآخر والرجوع إلى الأصل المسببي في الملاقي ولم تجعلوا
الأصل المسببي طرفا للمعارضة مع الطرف الآخر ومعه كيف تنكرون في المقام جريان أصالة الطهارة
في طرف معلوم الطهارة بدعوى معارضتها مع الأصل في الطرف الآخر (قلت) الفارق
هو ان الملاقي موضوع آخر محكوم بحكم مستقل في قبال ما لاقاه والعلم الاجمالي إنما يوجب
سقوط الأصول في أطرافه ليس إلا ومعه كيف يمكن سقوط الأصل في طرف الملاقي وهذا
بخلاف المقام فإن أصالة الطهارة واستصحابها يثبتان حكما ظاهريا على خلاف المعلوم بالاجمال
فيكونان معارضين مع الطرف الآخر في عرض واحد عل انه لو بنينا على الانفكاك وانه مع عدم
الانحلال يمكن جريان أصالة الطهارة من دون معارضة فلا مناص عن الاخذ بالاحتياط وطرحها
فإن جريان الأصل المحكوم يتوقف على سقوط الأصل الحاكم عليه وهو يتوقف على تنجيز
العلم الاجمالي على كل تقدير فلو ترتب عليه عدم التنجيز لزم منه جريان الأصل الحاكم عليه
الموجب لعدم جريانه فيلزم من وجوده عدمه وهو محال نعم لو فرض ان الأصل الجاري
في بعض الأطراف من دون معارض كان موضوعه وهو الشك في ثبوت التكليف الفعلي
متحققا مع قطع النظر عن العلم الاجمالي الموجود في البين ولم يكن الطرف الآخر محكوما بأصل
مثبت أو ناف لأمكن القول بجريان الأصل فيه وكونه مؤمنا ولزوم الاحتياط عن الطرف
246

الآخر لعدم المؤمن فيثبت الانفكاك بين سقوط الأصول وعدم الانحلال الا انه مع كونه
فرضا غير واقع بل لعله مستحيل لا يترتب عليه اثر في محل الكلام على أن جريان الأصل فيه
يتوقف على كون الحكم الثابت به من الاحكام الطبعية الحيثية إذ لو كان مفاده حكما فعليا
لاشكل جريانه من جهة ان موارد جريان الأصول النافية تنحصر بما إذا رجع الشك فيه
إلى أصل توجه التكليف لا إلى انطباق التكليف المعلوم توجهه في الجملة وكون الحكم الثابت
بالأصل حكما طبعيا مع أنه غير تام في نفسه لا يترتب عليه شئ في مورد العلم الاجمالي ضرورة
ان الترخيص الطبعي الثابت للمشتبه لا ينافي تنجز التكليف من جهة العلم الاجمالي إذ لا تنافي
بين المقتضي واللا مقتضي كما هو ظاهر فتلخص مما ذكرناه ان الأصل المحكوم في بعض
الأطراف إذا لم يكن موضوعه مغايرا لموضوع الأصل الحاكم كما في باب الملاقي فلا بد من
سقوطه في عرض الأصل الحاكم عليه نعم إذا كان في الطرف الآخر أيضا أصل محكوم مثبت
للتكليف فلا مانع من الرجوع إليه فينحل العلم الاجمالي ويرجع إلى الأصل المحكوم في هذا
الطرف أيضا وهذا نظير ما إذا علم اجمالا بزيادة ركعة أو الاتيان بما يوجب سجدتي السهو فإنه
بعد تعارض قاعدة الفراغ مع استصحاب عدم الاتيان بموجب سجدتي السهو يرجع إلى أصالة
الاشتغال بالنسبة إلى أصل الصلاة وأصالة البراءة عن وجوب السجدتين فينحل العلم الاجمالي
فكل مورد لم ينحل العلم فيه لا مجال للرجوع فيه إلى الأصل ابدا " ثم إنه يظهر مما ذكرناه " حال
الأصول الجارية في مرحلة الفراغ أعني بها اكتفاء الشارع عن امتثال الواقع ببعض محتملاته
من دون فرق بين كونها من الأصول الموضوعية أو الحكمية ومن التنزيلية أو غيرها فإن النتيجة
في جميع ذلك هو اكتفاء الشارع عن الواقع بالمحتمل وهو المراد من عبارة العلامة الأنصاري
قدس سره من جعل البدل والا فليس من جعل البدلية عين ولا اثر وانه لا مجال لجريانها الا في
بعض الأطراف معينا أو غير معين فيكون النتيجة هو اقتضاء العلم الاجمالي لوجوب الموافقة
القطعية إلا أن الذي يسهل الخطب انه ليس في موارد العلم الاجمالي أصل جار في مرحلة الفراغ لا في
الطرف المعين ولا في غيره " تتميم وتوضيح " قد ذكرنا ان تنجيز العلم الاجمالي يتوقف على سقوط الأصول
وعدم انحلاله (فنقول) ان الانحلال تارة يكون بالعلم الوجداني واخرى بالامارة المعتبرة وثالثة بالأصل
الشرعي وهذا كله مما لا اشكال فيه وانما الاشكال في انحلاله بالأصل العقلي كما إذا كان أحد طرفي
المعلوم بالاجمال من أطراف علم اجمالي آخر سابق عليه وكما إذا علم اجمالا بفساد صلاة المغرب
247

أو العصر بعد الفراغ من المغرب (فربما يقال) بعدم الانحلال نظرا إلى أن أحد طرفي العلم
الاجمالي وإن كان يتنجز فيه التكليف بالعلم السابق كما في المثال الأول أو بقاعدة الشك في
الوقت بعد تعارض قاعدتي الفراغ كما في المثال الثاني الا انه لا يوجب انحلاله إلى علم تفصيلي
وشك بدوي حتى يرجع إلى الأصل في الطرف الآخر فإن المفروض ان المثبت للتكليف
والمنجز له في أحد الطرفين ليس حكما يقينيا ولو بالتعبد وانما هو حكم عقلي محض ومعه يكون
المنجز في أحد الطرفين خصوص العلم الاجمالي وفي الطرف الآخر هو وغيره ولكن يدفعه ان
الملاك في الانحلال ليس هو العلم بالتكليف الشرعي بل انقلاب العلم عما هو عليه من كونه
علما بالتكليف على كل تقدير ومن المعلوم انه مع تنجز التكليف في بعض الأطراف بمنجز سابق
واحتمال انطباق المعلوم بالاجمال عليه لا يكون العلم الاجمالي علما بالتكليف على كل تقدير
بل مرجعه إلى الشك في حدوث التكليف في الطرف الآخر فيجري عليه الأصل بلا معارض
(فإن قلت) سلمنا انحلال العلم الاجمالي فيما إذا كان بعض أطرافه مما تنجز فيه التكليف
بمنجز عقلي غير متوقف على وجود العلم الاجمالي نظير ما إذا كان بعض الأطراف من أطراف
العلم الاجمالي السابق (واما) إذا كان المنجز العقلي كقاعدة الاشتغال المترتبة على العلم الاجمالي
الموجب لتساقط الأصول الحاكمة عليها (فلا) فإنها لو كانت موجبة للانحلال لزم من وجودها
عدمها إذ جريانها يتوقف على سقوط الأصل الحاكم عليها المتوقف على تنجيز العلم فلو لزم من
جريانها الانحلال وعدم تنجيزه فيجري الأصل الحاكم فيسقط المحكوم وهذا هو التالي المحال
من استلزام وجود الشئ لعدمه كما تقدم نظيره (قلت) لو كان الوجه في الانحلال في المثال
جريان الأصل النافي في الطرف الآخر لتم ما ذكرت كما مر نظيره لكن الامر ليس كذلك
بل الموجب له هو جريان الأصل المثبت للتكليف الموافق للعلم الاجمالي فإنه يوجب سقوط
الأصول المنافية له من الطرفين الطولية والعرضية واما الأصل الموافق له فلا مانع من جريانه
ويخرج العلم بذلك عن كونه علما بالتكليف مطلقا فيجري الأصل المحكوم في الطرف الآخر
أيضا وبالجملة الملاك في سقوط الأصول من الطرفين هو العلم بالتكليف الفعلي وهو مختص
بالنافية دون المثبتة وببركتها يجري الأصل النافي في الطرف الآخر أيضا فكم فرق بين المقام
وما تقدم (ثم إنه) لا فرق فيما ذكرناه من عدم تنجيز العلم الاجمالي مع وجود المنجز للتكليف
في أحد الطرفين بين ما إذا كان المنجز سابقا على العلم الاجمالي في الوجود أو لاحقا له بشرط ان
248

يكون الحكم المتنجز به سابقا على المعلوم بالاجمال فلو علم اجمالا بنجاسة أحد الاناءين ثم قامت
البينة على نجاسة أحدهما المعين قبل زمان العلم أو علم كونه متيقن النجاسة قبل العلم ومشكوك البقاء
إلى زمانه فلا محالة ينحل بذلك العلم ويخرج به عن كونه علما بالتكليف على كل تقدير فيجري
الأصل في الطرف الآخر والسر فيه ان العلم الاجمالي كما يشترط في تنجيزه كونه علما بالتكليف
حدوثا فكذلك يعتبر فيه كونه كذلك بقاء ومع وجود المنجز لحكم سابق عليه يخرج عن كونه
علما بالتكليف لا محالة ولا فرق بين القسمين الا في أن قيام المنجز من أول الأمر يوجب عدم
تأثير العلم من أصله وقيامه بعده يوجب انحلاله والنتيجة واحدة بقاء والفارق هو الاصطلاح
ليس الا (ومن هنا) يظهر ان كل ما يوجب بوجوده السابق عدم تأثير العلم الاجمالي يوجب
انحلاله بوجوده اللاحق من دون فرق بين العلم الوجداني أو الامارة المعتبرة أو الأصل الشرعي
أو العقلي فلو علم بوجود نجاسة سابقة واقعة في الاناء المعين من الاناءين المعلوم نجاسة أحدهما
اجمالا أو الاناء الثالث فلا محالة يوجب هذا العلم انحلال العلم الأول فيرجع إلى الأصل في
الاناء الآخر من الاناءين ويجب الاجتناب عن طرفي العلم الثاني (فإن قلت) كيف يوجب
الأصل العقلي في المثال انحلال العلم السابق مع أنه فرع منجزية العلم اللاحق وحيث إن أحد
طرفيه تنجز بالعلم السابق فلا يكون العلم الثاني علما بالتكليف على كل تقدير ومع عدمه
كيف يمكن انحلال العلم الأول وبعبارة أخرى منجزية العلم السابق تمنع عن تأثير العلم اللاحق
فكيف يعقل كونه موجبا لانحلاله (قلت) العلم اللاحق وإن كان بوجوده متأخرا عن العلم
السابق إلا أنه لا اعتبار في تنجيز العلم بما انه صفة بل الاعتبار بطريقيته وكاشفيته وحيث إن
المنكشف بالعلم اللاحق سابق في الوجود على المنكشف بالعلم السابق فيكون الاعتبار به
ويستكشف ان العلم السابق لم يكن علما بالتكليف على كل تقدير وهذا هو معنى الانحلال
(ثم) ان الانحلال في تمام موارده حقيقي غاية الأمر ان ثبوت الحكم في بعض الأطراف يكون
تعبديا وهناك فرق واضح بين كون الانحلال تعبديا وكونه حقيقيا ناشئا من ثبوت الحكم
تعبدا ولعل خفاء ذلك على بعض أوجب تعبيره في بعض الموارد بالانحلال التعبدي والصحيح
هو ما ذكرناه (وينبغي) التنبيه على أمور (الأول) انه لا يعتبر في تنجيز العلم الاجمالي كون
المعلوم المردد داخلا تحت حقيقة واحدة فلو علم نجاسة أحد الاناءين أو غصبية الآخر لوجب
الاجتناب عنهما تحصيلا للموافقة القطعية والسر في ذلك ان العلم بالالزام الجامع بين الطرفين
249

ولو كان مرددا بين وجوب شئ وحرمة شئ آخر أوجب سقوط الأصل عنهما وعدم انحفاظ
مرتبة الحكم الظاهري فيهما فيكون التكليف في كل منهما متنجزا على تقدير وجوده ومنه يظهر انه
لو كان لاحد العنوانين اثر مختص به ولم يكن للطرف الآخر اثر كذلك لجري الأصل بالنسبة
إلى ذلك الأثر بلا معارض إذ المفروض عدم العلم بأزيد من اثر مشترك بين الطرفين واما
الأثر الزائد عليه فمشكوك بدوي يدفع بالأصل نعم لو كان للطرف الآخر أثر مختص أيضا
لوجب ترتيب كلا الاثرين وقد ظهر وجهه مما تقدم (الثاني) ان وجوب الاحتياط في موارد
ثبوته إذا كان عقليا فهو طريقي محض لا يترتب على مخالفته غير ما يترتب على مخالفة الواقع
نعم يتحقق التجري في فرض مخالفته وعدم مخالفة الواقع وقد سبق الكلام فيه في محله واما إذا
كان شرعيا فربما يقال بترتب العقاب على مخالفة نفسه مع قطع النظر عن الواقع نظرا إلى أن
الحكم الشرعي ظاهريا كان أو واقعيا يوجب مخالفته العقاب ولكنه يرد عليه بأن الحكم الشرعي
ولو فرض كونه مولويا غير ارشادي إنما يوجب مخالفته العقاب فيما إذا لم يكن طريقيا محضا ومن
جهة رعاية الواقع وإلا فلا يترتب على مخالفته غير ما يترتب على مخالفة الواقع الا على القول
باستحقاق المتجري للعقاب ومن المعلوم ان وجوب الاحتياط على تقدير وجوبه شرعا فإنما يكون
واجبا لرعاية الواقع فلا يترتب على مخالفته بما هي مخالفته أثر غير التجري (فإن قلت) ان في
ترك الاحتياط على الواجب احتمال الضرر لا محالة ودفع الضرر المحتمل واجب بحكم العقل
فيثبت العقاب في مخالفته ولو لم يكن ضرر في الواقع (قلت) حكم العقل بوجوب دفع الضرر
المحتمل والمظنون طريقي أيضا ناش عن مراعاة الواقع وليس من باب حكمه بقبح التشريع المشترك
بين موارد العلم بعدم الحكم والشك فيه حتى يكون ثبوته في تمام موارده بملاك واحد فيستكشف
منه الحكم الشرعي بقاعدة الملازمة بل إن حكمه في موارد القطع بالضرر ناش عن ملاك واقعي
وفي موارد الظن والشك ناش عن ملاك طريقي فلا يترتب على مخالفته غير ما يترتب على مخالفة
الواقع هذا ولا يخفى عليك ما في جواب شيخنا العلامة الأنصاري قدس سره في المقام فراجع
(الثالث) انه قد ظهر مما ذكرناه انه يعتبر في تأثير العلم الاجمالي أن يكون المعلوم بالاجمال ذا
أثر فعلي في تمام أطرافه فلو لم يكن بعض الأطراف كذلك لما كان للعلم اثر ولو في بعض أطرافه
ومن هذا القبيل ما إذا كان بعض الأطراف خارجا عن محل ابتلاء المكلف بحيث لا يكون
قادرا عليه عادة ولو كان قادرا عليه عقلا والسر في اعتبار ذلك هو ان المطلوب في التكاليف
250

التحريمية حيث إنه الترك فلا بد من أن يكون الفعل مقدورا للمكلف وتحت اختياره فإذا كان
خارجا عن تحت اختياره عقلا أو عادة فلا محالة يكون الترك حاصلا بنفسه قهرا فلا معنى لطلبه
وجعل الداعي إليه فإذا كان أحد الأطراف خارجا عن تحت ابتلاء المكلف فيدور أمر التكليف
المعلوم بالاجمال بين أن يكون في ذلك الطرف حي يكون النهي الفعلي عنه مشروطا بحصول
القدرة أو في غيره من الأطراف حتى يكون التكليف مطلقا فلا يكون هناك علم بالتكليف
الفعلي مطلقا وبعبارة أخرى حيث إن المطلوب في باب النواهي هو استمرار العدم وعدم انتقاضه
بالوجود فلابد في جعل الداعي إليه من قدرة المكلف على الانتقاض ومع عدمها يكون جعل
الداعي إليه لغوا إلا على نحو القضية المشروطة فمع خروج بعض الأطراف عن مورد الابتلاء
يكون التكليف المعلوم غير محرز الفعلية على كل تقدير فلا يكون منجزا (ان قلت) إذا كانت
القدرة العادية على الفعل معتبرة في فعلية التكاليف التحريمية فلا بد وان يعتبر القدرة على الترك
معتبرة في التكاليف الوجوبية أيضا فإذا كان الترك غير مقدور عليه عادة في بعض أطراف العلم
بالتكليف الايجابي فلا بد من الالتزام بعدم تنجيز العلم مع أنه بعيد عن الذوق الفقهي غايته
(قلت) المطلوب في التكاليف الايجابية حيث إنه الايجاد الاختياري فمع عدم القدرة على الترك
عقلا فلا محالة لا يكون هناك بعث وايجاب لفرض كون الفعل ضروريا وخارجا عن الاختيار
وأما مع القدرة عليه عقلا فالفعل مطلقا إذا لم يكن صادرا عن الغفلة ونحوها فلا محالة يصدر
بالاختيار والإرادة ولو مع عدم القدرة على الترك عادة ومعه يحسن التكليف به وجعل الداعي
إليه وأين ذلك من التكليف التحريمي المطلوب فيه استمرار العدم فلا بد من وقوع الترك
عن إرادة واختيار وهو لا يكون إلا مع القدرة على الفعل عقلا وعادة ومع انتفائها يكون
الترك حاصلا بنفسه فلا معنى لطلبه (ثم لا يخفى) ان التكاليف الايجابية والتحريمية وإن كانت
تشترك في أن القدرة المعتبرة فيها قد تكون شرطا خطابا وملاكا واخرى خطابا فقط بمعنى ان
المصلحة والمفسدة قد تترتبان على الفعل من دون مدخلية القدرة فيه أصلا فيكون القدرة شرطا
للخطاب من جهة قبح خطاب العاجزة قد لا تترتبان إلا على الفعل بوصف كونه مقدورا ومع
انتفاء القدرة لا يكون هناك ملاك للطلب أصلا إلا أن الفرق هو ان في التكاليف التحريمية
يكون القدرة على الترك معتبرة في ملاك النهي أعني به مبغوضية الصدور لا محالة ضرورة ان
مبغوضية الصدور إنما تتحقق مع القدرة على الصدور خارجا ومع انتفائها كيف يعقل المبغوضية
251

فالمفسدة في الفعل وان لم تكن مشروطة بالقدرة عليه إلا أن مبغوضيته التي هي ملاك النهي
والزجر تكون مشروطة بها دائما من دون فرق بين القدرة العقلية والعادية ومن هنا يظهر أن
الوجه في عدم صحة التكليف بالخارج عن محل الابتلاء ليس مجرد عدم حسن الخطاب فقط
بل هو مع عدم تمامية الملاك في النهي أيضا وانتظر لذلك ثمرة مهمة فيما سيأتي إن شاء الله تعالى
(فاتضح) مما ذكرناه صحة ما افاده العلامة الأنصاري قدس سره من اعتبار كون تمام الأطراف
في محل الابتلاء في تنجيز العلم الاجمالي ولا يرد عليه ما قيل من أن لازم اعتباره هو لغوية
التكاليف التحريمية في الموارد التي يكون المكلف بنفسه غير مريد للفعل كما في موارد كشف
العورة ونحوها التي يمتنع عنها الطبع البشري مع قطع النظر عن التكليف المولوي مع أن صحة
تلك التكاليف بمكان من الوضوح فانا قد ذكرنا مرارا ان المطلوب في باب الأوامر والنواهي
هو مجرد الافعال والتروك الغير المقيدة بإرادة المكلف ولا بعدمها فضرورة الفعل الناشئة من
ارادته كضرورة الترك الناشئة من عدمها لا ينافيان التكليف الفعلي إذ المعتبر فيه هو امكان
الفعل في حد نفسه مع قطع النظر عن إرادة المكلف وعدمها فكم فرق بين الترك الارادي
الغير المنافي لفعلية النهي وبين الترك الحاصل من غير جهة الإرادة الموجب للغوية النهي وجعل
الداعي إليه وبعبارة أخرى المعتبر في صحة التكاليف هو امكان الداعوية وجعل المكلف لها داعية
إلى الفعل أو الترك وهذا المعنى موجود فيما إذا كان الترك مستندا إلى الإرادة دون غيره
فالقياس مع الفارق (هذا كله) فيما إذا أحرز خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء
واما إذا شك في ذلك من جهة الشبهة الحكمية أو المصداقية فهل مقتضى القاعدة لحوقه بما إذا
أحرز خروج بعض الأطراف عن بعض الابتلاء أو لا فيه اشكال (ولتوضيح الحال) نقدم مقدمة
وهي انا ذكرنا في بحث العموم والخصوص ان المخصصات العقلية قد تكون من باب الحكم
العقلي في موارد استكشاف الملاكات الشرعية وأخرى من باب حكمه على العناوين نظير الأدلة
اللفظية فإذا كان هناك حكم عقلي على خلاف عموم أو اطلاق وارد في الشريعة فإن كان
من قبيل الأول فلا بد من الاقتصار فيه على المورد المتيقن والتمسك بالدليل اللفظي في مطلق
موارد الشبهة حتى إذا كانت مصداقية وإن كان من قبيل الثاني فلا ريب في عدم جواز التمسك
به في موارد الشبهة المصداقية نظير المخصص اللفظي فإن موضوع دليل العام في كلا التخصصين
يتقيد لا محالة بقيد مشكوك الانطباق على المورد المشكوك واما في موارد الشبهات الحكمية
252

فإن كان الحكم العقلي ضروريا فحاله حال القرينة المتصلة اللفظية في أن اجمالها يسري إلى العام
فيكون مانعا عن التمسك به في الشبهة الحكمية مطلقا سواء كان الامر دائرا بين الأقل والأكثر
أو المتبائنين فضلا عن الشبهة المصداقية وإن كان نظريا فحاله حال القرينة المنفصلة في عدم منعها
عن التمسك بالعموم في الشبهات الحكمية فيما إذا كان أمر المخصص دائرا بين الأقل والأكثر
وتفصيل الكلام وبيان النقض والابرام في محله والغرض من التعرض في المقام هو بيان ان حكم
العقل بعدم الحكم الفعلي في موارد الخروج عن محل الابتلاء من أي القسمين وعلى تقدير
كونه من قبيل الثاني فهل هو من قبيل احكامه الضرورية أو النظرية (فنقول) الحق في المقام
هو كون حكم العقل من قبيل حكمه في موارد استكشاف الملاكات لا من قبيل حكمه على
العناوين وذلك فان الملاك في كون حكم العقل من القسم الأول هو كون الامر المعتبر في فعلية
التكليف مما لا يصح للشارع ان يوكل احرازه إلى المكلفين على خلاف الموضوعات المأخوذة
في القضايا الحقيقية وحيث إن احراز كون مورد مما يحسن فيه التكليف أولا ليس مما يصح
ايكاله إلى المكلف فلا محالة يكون اعتباره من قبيل ما يلزم على الشارع احرازه وجعل
التكليف على طبقه نظير المصالح والمفاسد ولا ينحصر حكمه في موارد استكشاف الملاكات
بخصوص باب المصالح والمفاسد حتى يتوهم عدم كون محل الكلام من هذا القبيل بل الميزان
فيه هو ما عرفت وعليه فإذا أحرز العقل خروج مورد عن محل الابتلاء فيقطع بعدم الحكم الفعلي
فيه اما للغوية التكليف من دون القدرة العادية على المخالفة واما من جهة عدم تمامية ملاك
النهي والزجر في مورد عدم القدرة على الفعل كما عرفت واما إذا شك في ذلك لأجل الشبهة
المصداقية أو المفهومية فحسن التكليف الفعلي وإن كان مشكوكا في مورده لا محالة الا ان
الاطلاقات تكون رافعة للشك وموجبة لثبوت التكليف الفعلي فيه فإن خروج مورد عن تحت
الخطاب لاستقلال العقل بعدم الملاك فيه لا يوجب رفع اليد عنها في الموارد المشكوكة (فإن قبل)
التمسك بالاطلاق انما يصح فيما إذا شك في فعلية الاطلاق بعد الفراغ عن صحته في مقام
الثبوت فإن الاطلاق اللفظي إنما يكشف عن الاطلاق الواقعي فيما أمكن الاطلاق واقعا ومع
الشك فيه لاحتمال عدم حسن الخطاب في نفس الامر كما في المقام لا يبقى مجال للتمسك به في
عالم الاثبات (فإنه يقال) إذا فرض ان الشك في حسن الخطاب إنما نشأ من الشك في وجود
ما يكون احرازه بيد الشارع وخارجا عما يرجع احرازه إلى المكلف فبنفس الاطلاق في مقام
253

الاثبات وعدم التقييد يحرز حسن الخطاب واطلاقه كبقية موارد الشك في وجود الملاكات
أثرى من نفسك انك تتوقف في التمسك بالاطلاق فيما إذا شككت في اشتمال بعض الافراد
على المصلحة بل مع احتمال اشتماله على المفسدة أيضا مع أنه يحتمل فيه عدم حسن الامر بل
قبحه وليس ذلك إلا من جهة حجية ظاهر كلام المولى وكشفه عن مراده الواقعي إلا فيما كان
هناك قرينة على خلافه ففي محل الكلام يكون نفس الاطلاق رافعا للشك وموجبا لثبوت الحكم
الفعلي في الموارد المشكوك لعدم قيام حجة على خلافه ولازم ذلك هو تنجيز العلم الاجمالي الا فيما
ثبت خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء (فإن قلت) أن شرطية كون متعلق التكليف
في محل الابتلاء إنما تكون في مرحلة التنجيز دون الجعل ومن المعلوم انه انما يتمسك بالاطلاق
لرفع الشك الراجع إلى مرحلة الجعل دون الامتثال (قلت) قد عرفت ان اعتبار الابتلاء في
فعلية التكليف إنما هو من فروع اعتبار القدرة فيها ومن الضروري ان شرطية القدرة له
أجنبية عن مرحلة التنجيز بالكلية بل شرط التنجيز منحصر بحكم العقل بالوصول فإنه بعد ما تمت
فعلية التكليف بفعلية شرائطه يحكم العقل بعدم صحة العقاب على مخالفته قبل وصوله وأين ذلك
من القدرة التي لا يكون التكليف مع عدمها قابلا للفعلية (وبعبارة واضحة) شرط التنجيز لا بد
وأن يكون انقسام التكليف بالإضافة إليه من الانقسامات الثانوية حتى لا يمكن الاطلاق
والتقييد فيه في مرحلة الجعل كالعلم بالتكليف ونحوه ومن المعلوم ان كون المورد محلا للابتلاء
وعدمه من الانقسامات الأولية السابقة على التكليف فلا بد فيه من الاطلاق أو التقييد فإذا
شك في التقييد فلا محالة يتمسك بالاطلاق في مرحلة الجعل (ثم إنه) على تقدير كون الحكم
العقلي في المقام من قبيل حكمه على العناوين الموجبة لتقييد موضوعات الاطلاقات المانع عن
التمسك بها في الشبهات المصداقية فهل هو من قبيل احكامه الضرورية حتى يكون حاله حال
القرينة المتصلة الساري اجمالها إلى العام أو من قبيل احكامه النظرية فيتمسك بها في موارد دوران
الامر بين الأقل والأكثر (الحق هو الثاني) لما عرفت من أن اعتبار القدرة العادية على
المخالفة في خصوص التكاليف التحريمية يحتاج إلى اعمال نظر وإقامة برهان كما برهنا عليه بما
لا مزيد عليه وليس ذلك من قبيل احكامه الضرورية الغير المحتاجة إلى إقامة الدليل عليه
ومقتضى ذلك هو التمسك باطلاقات أدلة المحرمات في موارد الشك في الخروج عن الابتلاء
من جهة الشبهة المفهومية فيقتصر في التقييد على المراتب المتيقنة كما هو الحال في المخصصات اللفظية
254

(وتوهم) عدم جواز التمسك بالعموم أو الاطلاق عند اجمال المخصص المنفصل مطلقا ولو
كان دائرا بين الأقل والأكثر نظرا إلى أنه يوجب تعنون العام والمطلق لا محالة فيسري
اجماله إليهما كما في القرينة المتصلة قد مر دفعه بما لا مزيد عليه في محله فراجع (فتحصل) من جميع
ما ذكرناه صحة التمسك بالمطلقات في الموارد المشكوكة في دخوله في محل الابتلاء وعدمه من
جهة الشبهة المفهومية مطلقا ومن جهة الشبهة المصداقية على المختار من كون الحكم العقلي في المقام
من قبيل حكمه في موارد استكشاف الملاكات دون حكمه على العناوين كما أنه ظهر منه فساد
ما بنينا عليه في الدورة السابقة من كون تنجيز العلم الاجمالي في موارد الشبهة لأجل وجود
الملاك الملزم في البين واستقلال العقل بلزوم تحصيله ما لم يجزم بالعجز كما في موارد الشك في
القدرة المعتبرة في التكليف عقلا فإنك قد عرفت ان القدرة على المخالفة عقلية وعادية لابد
وأن يكون لها دخل في ملاك النهي والزجر فمع الشك فيها يكون الملاك كالخطاب مشكوكا
فيه لا محالة (ثم إنه) لا ريب في لحوق القدرة الشرعية بالقدرة العقلية في اعتبارها في تنجيز
العلم الاجمالي في تمام الأطراف فلو كان بعض الأطراف خارجا عن محل الابتلاء لعدم القدرة
الشرعية فيه كما إذا كان ملك الغير ولم يجز التصرف فيه شرعا فعلم بوقوع النجاسة فيه أو فيما هو
ملكه وتحت تصرفه فلا اثر لمثل هذا العلم ضرورة ان ملك الغير بعد فرض عدم قدرة المكلف
على التصرف فيه خارج على محل ابتلائه فيكون الأصل النافي الجاري في الطرف الآخر بلا
معارض (نعم) إذا فرض كونه محلا للابتلاء كما إذا فرض معرضيته للبيع وفرض عدم جواز شرائه
مع وصف نجاسته فالعلم الاجمالي بعدم جواز التصرف في ملكه أو حرمة شراء مال الغير
يكون منجزا لا محالة (وبالجملة) الميزان في التنجيز هو كون كل من الأطراف بحيث يصح
من المولى توجيه الخطاب إليه بخصوصه على تقدير كونه معلوما تفصيلا فلا بد من اعتبار القدرة
على ارتكاب كل من الأطراف عقلا وعادة وشرعا (نعم) مجرد انتراك بعض الأطراف
للاستغناء عنه مع القدرة على الارتكاب لا يكون بمانع عن التنجيز لما عرفت من أن الترك
الارادي لا يوجب جعل الشئ غير مقدور عليه حتى لا يمكن توجه الخطاب إليه (واما الانتراك)
لخسة الشئ وحقارته كما إذا علم اجمالا بنجاسة أحد الترابين أحدهما معد للتيمم به والآخر
معرض عنه بالطبع كالتراب الواقع في الأماكن الخسيسة فهل يمنع عن تأثير العلم الاجمالي كما
يظهر من العلامة الأنصاري قدس سره أو لا الحق هو الثاني فإن الانتراك لأجل الخسة
255

لا يوجب سلب القدرة عن الارتكاب ولو عادة فيرجع إلى الترك الارادي الذي عرفت عدم
مانعيته عن التنجيز * (فرع) * إذا علم اجمالا بوقوع نجاسة في الماء أو التراب مع انحصار الطهور
بهما فهل يجب عليه الوضوء فقط نظرا إلى أن وجوب التيمم في مرتبة متأخرة عن وجوب الوضوء
ففي المرتبة السابقة عليه لا علم له بتكليف فعلي على كل تقدير فيكون الشك في النجاسة من
حيث وجوب الوضوء شكا بدويا يجري فيه الأصل أو لا يجب عليه شئ نظرا إلى أنه لا أثر
لطولية الحكم بعد كون كل من الماء والتراب موردا لابتلائه وقدرته على ارتكابه فيجب الاجتناب
عنهما فيجري عليه حكم فاقد الطهورين أو يجب الجمع بين الوضوء والتيمم للتمكن من تحصيل
الطهارة وعدم علمه بتنجس بدنه لاحتمال نجاسة التراب ولم يرد في المقام نص على الاجتناب عنهما
كما ورد في الماءين المشتبهين وجوه (أقواها) الأول ثم الأخير وإن كان الأحوط هو الجمع
* (الأمر الرابع) * إذا لاقى بعض أطراف العلم الاجمالي بالنجاسة شيئا فهل القاعدة تقتضي
وجوب الاجتناب عنه واجراء احكام الملاقي عليه أم لا وجهان وقبل الخوض في بيان المختار
ينبغي تقديم أمر وهو ان الميزان في تنجيز العلم الاجمالي كما عرفت هو كونه علما بالتكليف
الفعلي على كل تقدير فلا بد في تحققه عند تعلق العلم بموضوع خارجي من كونه تمام الموضوع
للحكم أو تحقق ما يتم به الموضوع في الطرفين فإذا علم بوجود الخمر بين الاناءين فلا اثر له
إلا بالقياس إلى الآثار المترتبة على نفس الخمر أو المترتبة عليه بضميمة ما هو مفروض الوجود معه
فمثل وجوب الحد المترتب على شرب المعلوم خمريته عمدا لا يترتب عند العلم بالخمرية اجمالا لعدم
العلم بتحقق موضوعه لا تفصيلا ولا اجمالا (وبالجملة) الميزان هو العلم بتحقيق الموضوع التام
على كل تقدير وهذا واضح لا سترة فيه إلا أن الاشكال في بعض صغرياته ومن ثم وقع
الاشكال في حكم الملاقي على ما ستعرف الحال فيه إن شاء الله تعالى (ومن هنا توهم) بعضهم عدم
وجوب الاجتناب عن الأثمار والمنافع المتجددة لبعض الأطراف نظرا إلى أن الثمرة أو المنفعة
المعدومتين فعلا غير محكوم بشئ من الأحكام الوضعية والتكليفية فإذا علم غصبية أحد الدارين
ليس لأحدهما بالخصوص منفعة فعلية أو بغصبية إحدى الشجرتين ليست إحداهما بمثمرة فعلا
فلا اثر للعلم بالقياس إلى المنفعة أو الثمرة المتجددتين لعدم تحقق موضوعهما عند العلم بالغصبية
فان غصبية العين لا يترتب عليها إلا الأحكام المترتبة على نفسها واما الأحكام المترتبة على
غصبية المنافع أو الأثمار فيتوقف ترتبها على تحقق موضوعها الغير المحرز في المثال على الفرض
256

فيجري فيها أصالة الإباحة بلا معارض ولكنه لا يخفي عليك فساده (أما) بالنسبة إلى الأحكام الوضعية
فلما ستعرف في محله من أنها مجعولات بأنفسها وغير منتزعة من احكام تكليفية فضمان
المنافع والاثمار حكم مجعول فعلى مترتب على غصبية الشجرة والدار فإن تعلق الغصب بشئ
كما يوجب دخوله تحت الضمان فكذلك يوجب دخول توابعه ولواحقه ولو لم تكن بموجودة
فعلا ففعلية الحكم بالضمان الذي هو الميزان في التنجيز أجنبية عن فعلية المنافع والاثمار
(واما) بالنسبة إلى الأحكام التكليفية فلان فعليتها وإن كانت تتوقف على فعلية موضوعاتها
كما هو ظاهر الا ان المنافع والاثمار لكونها من شؤون الأعيان خارجا فملاك الحكم بحرمة
التصرف فيها عند تحقق موضوعاتها يكون تاما من أول الأمر فكما يكون العلم الاجمالي
موجبا لتنجز الأحكام المترتبة على نفس الأعيان فكذلك يوجب تنجز الأحكام المترتبة على
ما يعد من شؤونها التابعة لها خطابا وملاكا ومجرد تأخر وجود الشئ عن ظرف وجود العلم بعد
تمامية ملاك حكمه لا يكون مانعا عن تنجيزه ومن هنا يعلم حال الأحكام الوضعية على القول
بعدم استقلالها في الجعل أيضا إذا عرفت ذلك (فنقول) ان نجاسة الملاقي للنجاسة اما أن تكون
حكما شرعيا تعبديا ثابتا لموضوعه في عرض الحكم بنجاسة ما لاقاه أو تكون من شؤون نجاسته ومن
جهة سراية النجاسة من الملاقى إلى الملاقي كما إذا امتزج المايع المتنجس بغيره من جنسه أو من
غيره فكما ان الامتزاج يوجب اتساع النجاسة وانبساطها في الاجزاء فكذلك الملاقاة توجب
الانبساط والاتساع فلا يكون الملاقي فردا آخر من النجس في قبال ما لاقاه بل نجاسته بعينها هي
نجاسته فإن قلنا بالأول فلا يجب الاجتناب عن الملاقي لكونه فردا آخر شك في نجاسته وان
قلنا بالثاني وجب الاجتناب عنه * (وتحقيق المقام) * انما يكون بتوضيح جهات (الأولى) في بيان
ان النجاسة بالسراية أو لا فقد استدل على السراية بوجوه (الأول) ان العرف بعد حكم الشارع
بنجاسة الملاقي يفهم سراية النجاسة إليه وانبساطها عليه كما في صورة الامتزاج (وفيه) انه لا طريق
للعرف إلى فهم ذلك وعهدة دعوى فهمه على مدعيها بل غاية ما هناك انه حكم الشارع بنجاسة
أمور في حد ذواتها وحكم بنجاسة أمور أخر بملاقاتها لها وأين ذلك من السراية (الثاني) قوله
تعالى والرجز فاهجر بتقريب ان هجر الشئ لا يتحقق الا مع الاجتناب عن ملاقيه أيضا
(وفيه) منع واضح فان الآية لا دلالة فيها على نجاسة الملاقي فضلا عن كون نجاستها من شؤون
نجاسة ما لاقاه (الثالث) رواية الكافي عن أبي جعفر عليه السلام انه اتاه رجل فقال وقع فارة
257

في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في أكله فقال أبو جعفر (ع) لا تأكله فقال الرجل الفارة
أهون علي من أن اترك طعامي لأجلها فقال له أبو جعفر (ع) انك لم تستخف بالفارة وإنما استخففت
بدينك ان الله حرم الميتة من كل شئ (الخ) بتقريب انه عليه السلام جعل عدم الاجتناب عن
الطعام الذي وقع فيه الفارة استخفافا بتحريم الميتة ولولا أن حرمة الشئ من جهة النجاسة كما
هي المستفادة من الرواية مستلزمة لحرمة ملاقيه وهي من شؤونه لما صح جعله استخفافا بتحريم
الميتة بل غايته أن يكون استخفافا بتحريم الطعام الملاقي لها فتدل الرواية على أن وجوب الاجتناب
عن الملاقي من شؤون وجوب الاجتناب عن ما لاقاه (وقد) أجاب العلامة الأنصاري قدس سره
بعد تضعيف الرواية من جهة السند بأن المراد من الحرمة فيها هي النجاسة فإن حرمة الشئ
لا تستلزم نجاسته فضلا عن نجاسة ملاقيه (وأنت) خبير بأن مبنى الاستدلال على أن المستفاد
من الرواية ملازمة حرمة الشئ من جهة نجاسته لحرمة ملاقيه فكأنه جعل من احكام نجاسة
الشئ حرمة ملاقيه ونجاسته كحرمة نفسه والمقصود من الاستدلال هو اثبات ذلك لا أن مطلق
حرمة الشئ مستلزمة لحرمة الملاقي حتى يلزم تخصيص الأكثر فيرفع اليد عن ظهور الرواية بإرادة
النجاسة من الحرمة واما تضعيف الرواية فليس في محله بعد ورودها في كتاب الكافي فإن
المناقشة في اخبار الكتب الأربعة لا سيما الكافي منها بعد كونها متلقاة بالقبول بين الأصحاب
ساقطة من أصلها (فالتحقيق) في الجواب ان يقال إن الظاهر من الرواية ان جعل الإمام عليه السلام
عدم وجوب الاجتناب عن الطعام استخفافا بتحريم الميتة من جهة ما هو المرتكز في ذهن
السائل من أن النجاسة القليلة لا توجب تنجس الطعام الكثير بملاقاتها بل لابد فيه من التأثر
والتغير فردعه الإمام عليه السلام بأنك ما استخففت بالفارة لصغرها وإنما استخففت بدينك
حيث إن الله تبارك وتعالى حرم الميتة من كل شئ من دون فرق بين صغيره وكبيره فما
يترتب على الميتة الكبيرة من تنجس الملاقي يترتب على ميتة الفارة أيضا فالرواية أجنبية عن محل
الكلام بالكلية (نعم) لا يبعد ان يدعى ان المرتكز في ذهن السائل بل مطلق أهل العرف ان
تنجس الملاقي من جهة السراية الا انها غير مسلمة لاحتمال أن يكون تخيل السائل لاعتبار غلبة
النجاسة في الحكم بنجاسة الملاقي من جهة شرطية ذلك في التأثر بالملاقاة لا من جهة كون التنجيس
من جهة السراية كما هو المستفاد من الأدلة الشرعية فان قولهم عليهم السلام إذا بلغ الماء قدر
كر لا ينجسه شئ ظاهر في أن تأثر الملاقي من جهة الانفعال بالملاقاة فكما ان المتنجس الملاقي
258

للكر يكون فردا آخر من الطاهر من جهة الملاقاة فكذلك الطاهر الملاقي للنجس يكون
فردا آخر من النجس بها فيكون موضوع الحكم بالنجاسة مركبا من الملاقاة وتنجس ما لاقاه
(فتحصل) ان الالتزام بالتنجيس من جهة السراية مع أنه لا يساعد عليه دليل مخالف لظواهر
الأدلة أيضا (الثانية) في بيان ان التنجيس لو كان من جهة السراية لوجب الاجتناب عن ملاقي
طرف الشبهة كنفس الطرف الملاقي له لما عرفت من أن العلم الاجمالي يوجب تنجز معلومه
بتمام ما له من الأثر من دون فرق بين الآثار المشتركة بين الطرفين وبين الأثر المختص
بكل واحد من الأطراف إذا كان من آثار نفس المعلوم بالاجمال على تقدير وجوده في ذلك
الطرف وحيث إن المفروض كون وجوب الاجتناب عن الملاقي من آثار وجود النجاسة فيما
لاقاه فمقتضى العلم الاجمالي هو ترتيب تمام ما للنجاسة من الأثر فيجب الاجتناب عن الملاقي
أيضا (فما) عن المحقق صاحب الكفاية قدس سره في تعليقته من أن تأخر زمان الملاقاة عن
العلم الاجمالي يوجب الشك في حدوث تكليف آخر مختص بأحد الطرفين فيتمسك فيه بالبرائة
(مدفوع) بأن تأخر الوجود لا يمنع عن التنجز بالعلم السابق إذا كان من آثار المعلوم إجمالا
كما عرفت توضيحه في المقدمة (الثالثة) انه إذا لم نقل بكون التنجيس من جهة السراية فمقتضى
القاعدة عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي لبعض الأطراف وذلك لأن المفروض ان الملاقي
على فرض نجاسته فرد آخر من النجس محكوم بحكم مستقل مغاير لحكم ما لاقاه والمعلوم بالاجمال
حكم مختص بخصوص الطرفين ولا يسري منهما إلى غيرهما فإذا شك في حدوث حكم آخر من
جهة الشك في تحقق موضوعه فلا محالة يجري فيه البراءة (وبعبارة أخرى) إطاعة الحكم
الثابت في الملاقي وعصيانه على تقدير وجوده لو فرض مغايرتها لاطاعة الحكم الثابت فيما لاقاه
وعصيانه فتنجز أحد الحكمين بالعلم الاجمالي يكون أجنبيا عن تنجز الآخر والميزان في تنجز كل
تكليف هو تعلق العلم به بخصوصه تفصيلا أو اجمالا (فإن قلت) سلمنا ان العلم الاجمالي
بوجود النجاسة في البين لا يقتضي وجوب الاجتناب عن الملاقي إلا أن هناك علمان آخران
يقتضي كل منهما وجوب الاجتناب عنه أيضا ضرورة ان العلم باتحاد حكم الملاقي وما لاقاه واقعا
أوجب لنا العلم بنجاسة الملاقي أو الطرف الآخر كما فيما لاقاه وان شئت قلت نعلم اجمالا بنجاسة
مجموع الامرين الملاقى وما لاقاه أو الطرف الآخر (قلت) العلم بنجاسة الملاقي أو الطرف
الآخر انما يكون مؤثرا فيما لو لم يكن الحكم في الطرف الآخر متنجزا بمنجز سابق لما عرفت سابقا
259

من أن تنجيز العلم الاجمالي يتوقف على كون العلم علما بالتكليف على كل تقدير ومع تنجز
التكليف في أحد الطرفين بمنجز شرعي أو عقلي لا يكون كذلك بل يكون مرجعه إلى الشك
في حدوث تكليف آخر غير المتنجز سابقا وحيث إن المفروض في المقام ذلك لتنجز الحكم في
الطرف الآخر على تقدير وجوده بالعلم السابق فلا أثر لهذا العلم الاجمالي واما العلم بنجاسة مجموع
الملاقى وما لاقاه أو الطرف الآخر فلا اثر له أيضا فان نجاسة الملاقى ونجاسة ما لاقاه ليستا في
مرتبة واحدة بل الشك في أحدهما مسبب عن الشك في الآخر فالعلم بخطاب مردد بين
الطرفين سابق في الرتبة على الخطاب المشكوك أوجب تنجز المعلوم وسقوط الأصول في أطرافه
فلم يبق إلا الشك في خطاب متعلق بخصوص الملاقي ومن الضروري ان الأصول إذا سقطت
في ناحية الشك السببي فينتهي الامر إلى الأصل الجاري في الشك المسببي (ومنه يظهر) انه
لا فرق في عدم لزوم الاجتناب بين ما إذا كان الملاقاة سابقا على العلم الاجمالي أو لاحقا
فان الميزان في خروج الملاقي عن أطراف العلم هو كون خطابه في طول خطاب ما لاقاه من
غير دخل للتقدم الزماني فيه أصلا وسيجئ له مزيد بيان إن شاء الله تعالى (فإن قلت) سلمنا
ان نجاسة الملاقي مسببة عن نجاسة ما لاقاه إلا أن طهارته ليست مسببة عن طهارته فأصالة الطهارة
الجارية في الملاقي تكون في عرض الأصل الجاري فيما لاقاه من دون سببية في البين وعليه
يكون كل منهما ساقطا بالمعارضة مع الأصل الجاري في الطرف الآخر (قلت) طهارة الملاقي
وان لم تكن مسببة عن طهارة ما لاقاه الا ان الأصلين الجاريين فيهما ليسا في مرتبة واحدة بل
الأصل الجاري في الملاقي محكوم للأصل الجاري فيما لاقاه على تقدير جريانه وذلك لما مر
مرارا من عدم الفرق في جريان الأصل بين ترتب الأثر على نفس مؤداه أو على نقيضه
وحيث إن من آثار طهارة الشئ عدم تنجس ملاقيه فجريان أصالة الطهارة في الطرف لا يبقى
مجالا لجريان أصالة الطهارة في ملاقيه فإنه يحكم عليه بعدم النجاسة شرعا فلا يبقى شك فيها
حتى يرجع فيه إلى الأصل نعم لو فرضنا سقوط الأصل فيه كما في المقام فينتهي الامر إلى
الأصل المسببي كما عرفت (فان قلت) قد ذكرت سابقا ان مقتضى العلم الاجمالي سقوط
الأصول الطولية كلها بمعارضة الأصل في الطرف الآخر وانه لا تصل النوبة إلى الأصل
المحكوم بعد سقوط الأصل الحاكم فإذا فرضنا ان أحد طرفي العلم كان معلوم الطهارة سابقا
فلا يمكن جعل المعارضة بين الاستصحاب في طرفه وقاعدة الطهارة في الطرف الآخر حتى يرجع
260

إلى أصالة الطهارة في ذاك الطرف بل يكون الاستصحاب والقاعدة معا طرفا للمعارضة مع
الأصل في الطرف الآخر وعلى ذلك كيف يستقيم الرجوع إلى الأصل المحكوم في المقام بعد
سقوط الأصل الحاكم (قلت) قد ذكرنا هناك ان سقوط الأصول الطولية يختص بما إذا
كانت جارية في موضوع واحد كما في المثال واما فيما إذا جرت في موضوعات متعددة فلا
مناص عن الرجوع إلى الأصل المحكوم بعد سقوط الحاكم فراجع (فتحصل) انه بناء على كون
التنجيس لا من جهة السراية فلا ريب في عدم وجوب الاجتناب عن ملاقي بعض أطراف العلم
بل المرجع فيه هي أصالة الطهارة (الرابعة) إذا شك في أن التنجيس من جهة السراية أم لا فهل
القاعدة تقتضي وجوب الاجتناب عن الملاقي أم لا (الحق) هو الثاني ولا بد في توضيحه
من تقديم (مقدمة) وهي انه إذا دار الامر بين شرطية ضد ومانعية الآخر فتارة يكونان من
قبيل الضدين اللذين ليس لهما ثالث واخرى لا يكونان كذلك وعلى الثاني فلا ريب في جواز
الرجوع إلى البراءة عن الشرطية المشكوكة كما إذا دار الامر بين شرطية السورة في الصلاة
بشرط لا ومانعية القران فيها فإنه يمكن فرض الصلاة خالية عنهما إذ بطلان الصلاة مع القران
معلوم تفصيلا سواء كان من جهة وجود المانع أو لفقدان الشرط وبطلانها خالية عن السورة
مشكوك فيرجع فيه إلى البراءة على ما هو الحال في مطلق دوران الامر بين الأقل والأكثر
واما على الأول فلا مجال لجريان حديث الرفع بالقياس إلى الشرطية بعد اشتراك المانعية
والشرطية في الآثار وعدم اختصاص واحد منهما بخصوص اثر شرعي فإذا علم شرطية الاخفات
في الصلاة أو مانعية الجهر فكما يترتب البطلان في فرض الجهر على مانعيته فكذلك يترتب
على شرطية الاخفات أيضا فلا اثر مشكوك يترتب على نفس الشرطية فيرجع فيه إلى البراءة
وهذا المقدار مما لا شبهة فيه إلا أن الاشكال في جواز الرجوع إلى البراءة بالنسبة إلى الآثار
المترتبة على الشك مثلا إذا فرضنا ان شرطية الشئ اقتضت وجوب احرازه عند الشك في وجوده
اما شرعا أو عقلا من باب وجوب المقدمة العلمية ولكن مانعية الضد لا تقتضي احراز عدمه بناء
على الاكتفاء بأصالة عدم المانع عند الشك في وجوده فهل يمكن الرجوع إلى حديث الرفع عند
دوران الامر بين شرطية شئ ومانعية ضده في رفع الشرطية بلحاظ هذا الأثر المترتب على
الشك أم لا (مقتضى) ما اخترناه في الدورة السابقة (هو العدم) نظرا إلى أن المرفوع بحديث الرفع
لا بد وأن يكون حكما مجهولا مجعولا شرعيا يكون في رفعه المنة والسعة ومثل هذا الأثر المترتب
261

على الشك اما ان لا يكون حكما شرعيا أو لا يكون حكما واقعيا مجهولا بل هو حكم طريقي
مترتب على نفس عنوان الشك فلا يكون قابلا للارتفاع بحديث الرفع ولكن الصحيح هو جواز
الرجوع إليه ولو من جهة نفي مثل هذا الأثر فإن الالتزام بلزوم كون المرفوع حكما مجعولا شرعيا
بلا ملزم بل اللازم هو كون المجهول تحت اختيار الشارع وضعا أو رفعا وكان في رفعه المنة
والتوسعة وحيث إن الشرطية يترتب عليها من التضييق ما لا يترتب على المانعية وهو مجهول
على الفرض فلا مانع من الرجوع إلى حديث الرفع من هذه الجهة على انا لو سلمنا لزوم ذلك
فلنا ان نرجع إليه في رفع نفس الشرطية التي هي من الأحكام الشرعية لكن بلحاظ خصوص
هذا الأثر لا مطلقا فالأثر المترتب على الشك سواء كان من الاحكام الظاهرية أو من الأحكام العقلية
يصح التمسك بحديث الرفع في ارتفاعه ولو من جهة رفع سببه ومنشئه فعند الدوران
المذكور يحكم بعدم لزوم الاحراز الذي يترتب على الشك في وجود الشرط المفروغ عن شرطيته
* (إذا عرفت) * ذلك (فنقول) إذا علم ملاقاة شئ للنجاسة وشك في أن التنجيس من جهة الملاقاة أو
السراية فلا ريب في عدم جواز الرجوع إلى أصل يحرز به عدم السراية فإن النجاسة على كلا التقديرين
متيقنة وليس لخصوص السراية اثر عملي يتمسك في رفعه بحديث الرفع واما إذا لم يعلم ذلك كما
في محل الكلام فإن المفروض تحقق الملاقاة مع بعض الأطراف بالخصوص فلكون
النجاسة من جهة السراية اثر ظاهر إذ المفروض وجوب الاجتناب عن الملاقي أيضا على هذا
التقدير فالشك في كون النجاسة بالسراية يوجب الشك في وجوب الاجتناب عن الملاقي فيرجع
فيه إلى حديث الرفع إما بلحاظ الحكم الظاهري المشكوك المترتب على الشك ولو كان عقليا
فضلا عما إذا كان شرعيا واما بلحاظ الحكم الواقعي المجهول من جهة هذا الأثر إذ المفروض
هو الجهل بكون لزوم الاجتناب عن الملاقي من آثار نجاسة ما لاقاه وترتب الأثر عليه ولو
بلحاظ حال الشك كما في الشك في الشرطية والمانعية بعينه فافهمه واغتنم (فتحصل) ان القائل
بلزوم الاجتناب عن الملاقي في المقام لا بد له من إقامة الدليل على السراية وإلا فمقتضى
الأصل هو عدم وجوب الاجتناب عنه
* (تكملة وتبصرة) *
قد ذكرنا سابقا وأشرنا إليه في المقام أن الميزان في تنجيز العلم الاجمالي هو كونه علما بتكليف فعلي على كل
تقدير فلو لم يكن كذلك بل كان بعض الأطراف مما تنجز التكليف فيه بمنجز سابق عقلي أو شرعي فلا محالة
262

لا يكون للعلم حينئذ تأثير لاحتمال انطباق المعلوم بالاجمال على ذلك الطرف فيخرج بذلك عن كونه
علما بالتكليف على كل تقدير (ثم) ان الميزان في تنجيز العلم كما عرفت بصفة كاشفيته
وطريقيته لا بوجود نفسه بما هي صفة خاصة فلو تعلق العلم بمعلوم سابق فلا بد من ترتيب الأثر
من ذلك الزمان دون زمان حدوثه وعليه يترتب انه لو علم نجاسة أحد الإنائين يوم
السبت ثم علم يوم الأحد بوقوع نجاسة مرددة بين اناء ثالث وواحد معين من ذاك الإنائين
في يوم الجمعة لما وجب الاجتناب إلا عن طرفي العلم الثاني وإن كان متأخرا وجودا إذ به
يخرج العلم الأول عن كونه علما بالتكليف مطلقا ويكون موجبا لانحلاله فالميزان في تأثير العلم
وعدمه هو سبق المعلوم وعدمه دون نفسه (ومنه يظهر) انه في فرض ملاقاة ما هو طرف للعلم
الأول خاصة للإناء الثالث في المثال لا يجب الاجتناب عنه بناء على ما اخترناه من عدم
وجوب الاجتناب عن ملاقي بعض الأطراف (نعم) لا يبعد أن يكون لتقدم نفس صفة العلم
زمانا دخل في تأثيره فيما إذا لم يكن بين أحد المعلومين سبق وتأخر فإذا كان متعلق كل
من الإنائين في مفروض المثال هو نجاسة أحد الطرفين يوم السبت فلا محالة يكون العلم الأول
مؤثرا من حينه ولا يكون العلم الثاني قابلا لان ينحل به العلم الأول فيخرج الثاني عن كونه
علما بالتكليف مطلقا فالميزان في التأثير بسبق المعلوم إن كان وإلا فبسبق العلم نفسه * (ثم إنه) *
لا فرق في سبق أحد المعلومين على الآخر بين سبقه عليه بالزمان كما في مفروض المثال أو بالرتبة
كما إذا فرض الملاقاة سابقا على العلم الاجمالي فإن العلم بنجاسة الملاقى بالفتح وطرفه وإن كان مقارنا
مع العلم بنجاسة الملاقي وذاك الطرف زمانا إلا أن الشك في نجاسة الملاقي حيث كان ناشئا عن
الشك في نجاسة ما لاقاه ففي مرتبة سابقة على الملاقاة يعلم بنجاسة متنجزة في الطرفين فالتكليف
في أحد طرفي العلم الثاني يكون منجزا في مرتبة سابقة على العلم فلا يكون علما بالتكليف مطلقا
(نعم) لو فرضنا خروج الملاقي عن محل الابتلاء في المثال ولم يكن العلم بنجاسته أو بنجاسة
الطرف الآخر منجزا للتكليف المعلوم فلا محالة يكون العلم الثاني مؤثرا ما دام تكون الحال
هذه فإذا فرض رجوعه إلى محل الابتلاء فيكون العلم بنجاسته أو الطرف الآخر السابق في
الرتبة على العلم الثاني مؤثرا لا محالة ويخرج به العلم الثاني عن التأثير ويكون موجبا لانحلاله
* (ومن جميع ما ذكرناه) * يظهر ان ما افاده المحقق صاحب الكافية (قده) من تقسيم الملاقي
إلى أقسام والالتزام بوجوب الاجتناب عنه فقط في بعض الصور كما إذا علم أولا نجاسة الملاقي
263

أو الطرف الآخر ثم علم بالملاقاة وبنجاسة ما لاقاه أو الطرف الآخر وان الملاقي على تقدير
نجاسته ليس له سبب إلا نجاسة ما لاقاه أو علم الملاقاة ونجاسة مرددة بين الملاقى بالفتح والطرف
الآخر ولكن كان الملاقى بالفتح خارجا عن الابتلاء حال العلم ثم عاد إليه أو مع الاجتناب مما
لاقاه أيضا كما إذا علم الملاقاة أولا ثم حدث العلم بالنجاسة مع كون كل من الملاقى وما لاقاه
في محل الابتلاء (لا يمكن) مساعدته بوجه لما عرفت من عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي في
شئ من هذه الصور وكان ما افاده (قده) مبني على تخيل كفاية منجزية العلم حدوثا للبقاء أيضا وعلى
كون الميزان في تأثير العلم هو سبق نفس صفة العلم زمانا وقد ظهر لك فساد كل منهما وان الميزان
هو سبق المعلوم ولو كان بالرتبة فلا موجب للاجتناب عنه في شئ من الصور أو على ما اختاره
وأسسه من تصور مراتب للأحكام وان الحكم بعد وجود موضوعه ربما لا يكون فعليا بل
يبقي على ما هو عليه من الانشائية ويكون تمامية فعليته بتعلق العلم به فإنه على ذلك لا يكون التكليف
فعليا الا ظرف تعلق العلم به فإذا علم نجاسة الملاقي أو الطرف فلا يكون التكليف الفعلي الا بينهما
فلو علم بعد ذلك تحقق الملاقاة والعلم بنجاسة مرددة بين الطرف الآخر وما لاقاه سابقة على
الملاقاة فلا يكون له اثر إذ المفروض تنجز بعض أطرافه بالعلم السابق والمفروض عدم فعلية
التكليف المعلوم به قبل حدوثه فيخرج عن كونه علما بالتكليف مطلقا (ومنه يظهر الحال) في
الصورة الثانية وان الملاقى بالفتح إذا عاد إلى محل الابتلاء لا يجب الاجتناب عنه إذ لا يحدث به
العلم بالتكليف الفعلي فيجب الاجتناب عن الملاقي والطرف الآخر ليس إلا كما أنه إذا كان
العلم بالنجاسة بعد العلم بالملاقاة وكون كل من الملاقي وما لاقاه في محل الابتلاء فالتكليف
الفعلي يكون مرددا بين أن يكون في الطرف الآخر أو في مجموع الملاقي وما لاقاه فيجب
الاجتناب من الجميع لوحدة زمان العلم بالقياس إلى الجميع (لكنك) قد عرفت مرارا فساد ما أسسه
وانه لا معنى لفعلية الحكم الا وجود موضوعه خارجا الذي اخذ مفروض الوجود حين انشائه
من دون مدخلية لعلم المكلف وجهله وعليه يكون العلم بالتكليف الفعلي بين الملاقى بالفتح والطرف
مؤثرا في جميع الصور ولا يبقى للعلم بنجاسة الملاقي والطرف الآخر اثر أصلا تقارن العلمان
أو تأخر أحدهما عن الآخر لما عرفت من أن المدار على سبق التكليف المعلوم دون نفس صفة العلم
* (الأمر الخامس) * إذا اضطر إلى ارتكاب بعض أطراف العلم الاجمالي فإما أن يكون
الاضطرار إلى البعض المعين أو إلى الغير المعين وعلى التقديرين فإما أن يكون الاضطرار بعد
264

حدوث التكليف وفعليته أو قبله وعلى الأول فإما أن يكون قبل حصول العلم أو بعده أو معه
فهنا صور (الصورة الأولى) ما إذا كان الاضطرار إلى البعض العين قبل حدوث التكليف
وفعليته كما إذا حصل الاضطرار إلى شرب أحد المائعين قبل وقوع النجاسة في أحدهما لا بعينه
ولا ريب في عدم وجوب الاجتناب عن شئ منهما لعدم كون العلم علما بالتكليف مع احتمال
انطباق المعلوم على الطرف المضطر إليه فيبقى احتمال حدوث التكليف في الطرف الآخر فيرجع
فيه إلى الأصل (الصورة الثانية) ما إذا كان الاضطرار إلى المعين بعد حدوث التكليف وقبل
العلم به كما إذا علم بعد الاضطرار بوقوع النجاسة في أحدهما قبل حصول الاضطرار فقد يقال
فيه بوجوب الاجتناب عن الآخر كما كان هو المختار لشيخنا الأستاذ دام ظله في بعض
دوراته السابقة بتقريب ان العلم بالتكليف كما مر انما يكون مؤثرا في التنجيز من جهة طريقيته
وكاشفيته لا بما انه صفة خاصة وحيث إن المفروض في المقام تعلق العلم بثبوت التكليف قبل
حصول الاضطرار فلو كان في الطرف المضطر إليه فلا محالة يسقط بحدوث الاضطرار لكونه
رافعا له ولو كان في الطرف الآخر فهو باق على حاله من دون عروض مسقط فالشك في
انطباقه على الطرفين يرجع إلى الشك في سقوط التكليف المعلوم بعد ثبوته ومن المعلوم ان المرجع
فيه هو الاشتغال دون البراءة فلابد من الاجتناب عن الطرف الآخر حتى يقطع بالامتثال وقد
أشكل عليه دام ظله في هذه الدورة بوجوه " الأول " ان جعل المقام من قبيل الشك في
المسقط انما نشأ من خلط الشك في تحقق الاضطرار المسقط للتكليف الثابت بالشك في ثبوت
التكليف وسقوطه بالاضطرار (بيانه) ان احتمال انطباق المعلوم بالاجمال في المقام على الطرف الغير
المضطر إليه وإن كان موجبا لاحتمال بقاء التكليف وعدم سقوطه وجدانا الا ان تحقق التكليف
فيه مشكوك من أول الأمر فكما يحتمل تحققه فيه فكذلك يحتمل تحققه في الطرف الآخر المضطر
إليه فليس هناك علم بتكليف فعلي شخصي يحتمل سقوطه وبقاؤه حتى يتمسك بقاعدة الاشتغال
بل التكليف مردد بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع فأين هناك تكليف فعلي
يشك في سقوطه (وتوهم) ان التكليف المعلوم بالاجمال الجامع بين الطرفين تكليف معلوم شك في
سقوطه فيتمسك فيه بقاعدة الاشتغال كما يتمسك بالاستصحاب الكلي فيما هو نظير المقام
(مدفوع) بأن التكليف المعلوم بالاجمال إنما هو التكليف الفعلي على كل تقدير وهو مقطوع
الارتفاع بعد حدوث الاضطرار إلى أحدهما المعين وما يحتمل بقاؤه هو التكليف المردد تعلقه
265

بالطرف المضطر إليه حتى يكون ساقطا أو بالطرف الآخر حتى يكون باقيا فليس هنا تكليف
يقيني شك في بقائه فالتمسك بقاعدة الاشتغال هنا كالتمسك باستصحاب الفرد المردد في نظائر
المقام فكما لا نقول به فيها فكذلك لا نقول بها في المقام (وبالجملة) الشك في سقوط التكليف بعد
ثبوته وإن كان موردا لقاعدة الاشتغال لا محالة إلا أن المقام ليس من هذا القبيل بل من
قبيل الشك في ثبوت التكليف في غير الطرف المضطر إليه فيرجع فيه إلى البراءة (الثاني) انا قد
ذكرنا مرارا أن تنجيز العلم الاجمالي يتوقف على تعارض الأصول وتساقطها لا محالة وحيث إن
الطرف المضطر إليه لم ينجز التكليف فيه في زمان لعدم العلم به قبل الاضطرار وحصول
الاضطرار فيه بعد تحققه فلا مانع عن الرجوع إلى الأصل في الطرف الآخر من غير معارض
فلا يبقى اثر للعلم الاجمالي (الثالث) ان التقريب المتقدم على تقدير تماميته إنما يجري في الاضطرار
العقلي المستحيل معه التكليف واما في الاضطرار العادي العرفي الذي هو الموضوع في حديث
الرفع على ما مر بيانه في محله فلا محالة يكون التكليف على تقدير وجوده فيه مرفوعا شرعا في
الواقع على ما مر من أن حكومة حديث الرفع على الأدلة الواقعية حكومة واقعية في غير ما لا يعلمون
وعليه يكون الاضطرار رافعا لأصل التكليف واقعا لا مسقطا له فلا يرجع الشك إلى الشك
في المسقط الذي هو مورد لقاعدة الاشتغال فتحصل ان حال الاضطرار إلى المعين قبل
العلم كحال تلف بعض الأطراف أو خروجه عن محل الابتلاء قبله فكما لا ريب في عدم تنجيز
العلم الاجمالي في موردهما فكذلك في المقام (الصورة الثالثة) ما إذا كان الاضطرار إلى
المعين مقارنا مع العلم الاجمالي وحكمها وإن كان يظهر من سابقتها لاشتراكهما في عدم العلم
بالتكليف الفعلي فيهما إلا أنه (ربما يتوهم) فيها وجوب الاجتناب عن الطرف الآخر نظرا إلى أن
وحدة زماني العلم والاضطرار أوجبت الوحدة في زماني التنجيز والمسقطية فيرجع الشك في
المقام إلى الشك في وجود المسقط مقارنا مع العلم بوجود التكليف المنجز (ويدفعه) ان الاضطرار
إذا كان من حدود التكليف وقيوده فكيف يمكن فرض العلم بالتكليف المنجز على كل تقدير
مع مقارنة الاضطرار معه (فإن قلت) الاضطرار وإن كان من حدود التكليف وقيوده
والتكليف يسقط معه لا محالة إلا أن المسقط له هو الاضطرار بمعناه الماضوي التحققي لا بمعناه
التلبسي الفعلي ضرورة ان مسقطية الاضطرار للحكم إنما تكون في مرتبة متأخرة عنه وعليه ففي
مرتبة الاضطرار التلبسي المقارن مع العلم نعلم بوجود تكليف فعلي منجز على كل تقدير إذ المفروض
266

ان مرتبة السقوط بعد هذه المرتبة فلا محالة يكون العلم الاجمالي منجزا للتكليف وان لم يتعارض
الأصول في مورده فإن تعارض الأصول في مرتبة متأخرة عن العلم وهي مرتبة سقوط
التكليف بالاضطرار فلا يتحقق التعارض وهذا من جملة الموارد التي ينفك العلم الاجمالي
بالتكليف الفعلي عن تعارض الأصول وتساقطها (قلت) قد ذكرنا مرارا ان فعلية التكليف
تتوقف على امكان الانبعاث عنه في الخارج وحيث إن المفروض في المقام سقوط التكليف
المقارن للاضطرار التلبسي في الآن المتصل به فلا يعقل تأثيره في الانبعاث فيستحيل فعليته فكما
يستحيل تعارض الأصول وتساقطها في مورده فكذلك يستحيل العلم بالتكليف الفعلي معه
(الصورة الرابعة) ما إذا كان الاضطرار إلى المعين بعد العلم الاجمالي والحق فيها وجوب
الاجتناب عن غير الطرف المضطر إليه كما في صورتي التلف والخروج عن محل الابتلاء بعد
تنجز التكليف في الأطراف فان العلم بالتكليف على الفرض أوجب تنجز التكليف في اي من
الأطراف كان من حيث حرمة المخالفة ووجوب الموافقة القطعيتين وحيث انه حصل الامتثال
في الطرف المضطر إليه باجتنابه إلى زمان حصول الاضطرار الرافع للتكليف فلا بد من القطع
بالامتثال في الطرف الآخر أيضا (وبعبارة أخرى) التكليف المنجز الثابت لا بد من الخروج عن
عهدته بتحصيل الإطاعة اليقينية وهو لا يكون إلا باجتناب الطرف المضطر إليه إلى زمان
الاضطرار واجتناب الطرف الآخر مطلقا فيكون المقام من قبيل العلم بتكليف مردد بين أن يكون
محدودا في طرف وغير محدود في الطرف الآخر كالعلم بوجوب صلاة الجمعة المحدودة
بما بعد الزوال بساعة مثلا أو الظهر الغير المحدودة بزمان من جهة أصلها وإن كانت محدودة
بآخر الوقت من جهة ادائيتها فكما لا ريب في تنجيز العلم الاجمالي للتكليف في مورده ولو بعد
ساعة مع عدم العلم في حينه بوجود تكليف فعلي فكذلك في المقام والسر فيه ما عرفت من أن
الشك في التكليف انما يكون موردا للبراءة فيما إذا لم يكن متعلقا بتكليف متنجز واما فيه كما في
محل الكلام فلا بد من الرجوع إلى قاعدة الاشتغال تحصيلا للبراءة اليقينية (وبذلك) يظهر ما في
كلام المحقق صاحب الكفاية (قده) من تخيل كون المقام من موارد الرجوع إلى البراءة نظرا
إلى أن الاضطرار لكونه من حدود التكليف وقيوده فلا محالة يكون التكليف مقيدا من أول الأمر
فكما ان الاضطرار السابق يمنع عن حدوث العلم بالتكليف فكذلك الاضطرار اللاحق
يمنع عن بقائه وبه فرق بين الاضطرار وفقدان بعض الأطراف فحكم بوجوب الاجتناب عن
267

الطرف الباقي في صورة الفقدان لعدم كونه مثل الاضطرار مأخوذا في موضوع التكليف حدا
وقيدا (وجه الظهور) ان الاضطرار وإن كان كما ذكره من حدود التكليف وقيوده الا انه لا يلزمه
عدم وجوب الاجتناب عن الطرف الآخر بعد حدوثه فإن غاية ذلك هو كون المعلوم بالاجمال
مرددا بين التكليف المحدود في طرف والغير المحدود في طرف آخر فلا بد من وجوب الاجتناب
عنهما تحصيلا للموافقة القطعية (نعم) لو كان دوران الامر بين المحدودية وعدمها في مورد واحد
كان علم حرمة شئ في الجملة ولكن تردد الامر بين كونها محدودة وغير محدودة فيمكن
القول بالرجوع إلى البراءة في غير المقدار المتيقن لانحلال العلم الاجمالي إلى قضية متيقنة وأخرى
مشكوكة وأين ذلك من العلم بالتكليف المردد بين كونه محدودا في موضوع وغير محدود
في موضوع آخر (ثم) ان ما افاده من عدم كون فقدان المكلف به من قيود التكليف وحدوده
(يظهر فساده) مما ذكرناه في بحث الواجب المشروط من أن كل تكليف لا بد وأن يكون مشروطا
بالإضافة إلى وجود موضوعه ويستحيل فيه الاطلاق بالقياس إلى حالتي الوجود والعدم وحينئذ
فلا فرق بين الاضطرار والتلف الا في أن الاشتراط في الأول شرعي وفي الثاني عقلي ومن
المعلوم انه لا يكون فارقا فيما هو محل الكلام في المقام لكن الذي يسهل الخطب انه (قده)
عدل في هامش الكتاب عنه وبنى على لزوم الاحتياط كما اخترناه (الصورة الخامسة) ما إذا
اضطر إلى ارتكاب البعض الغير المعين قبل حدوث التكليف فضلا عن تعلق العلم به والحق
فيها وجوب الاجتناب عن الزائد عن المقدار الذي يرتفع به الاضطرار وذلك فإن التكليف
المتحقق بعد الاضطرار بتحقق موضوعه يكون فعليا لا محالة على ما بيناه في بحث الواجب المشروط
من أن فعلية كل تكليف انما هو بتحقق موضوعه لا محالة والمفروض عدم الاضطرار إلى ارتكابه
إذ الفرض امكان رفعه بغيره المباح أيضا فلا مانع من فعلية التكليف أصلا غاية الأمر ان المكلف
من جهة جهله به وجواز رفع اضطراره بما يختاره خارجا يكون مخيرا في التطبيق فيكون مورد
اختياره على فرض كونه الحرام واقعا معذورا في ارتكابه واما على فرض كونه مباحا في الواقع المستلزم لكون
الحرام غيره فلا مجوز له في ارتكابه إذ المفروض فعلية التكليف فيه وعدم ما يوجب ترخيصه (وبعبارة
أخرى) الاضطرار بالواحد لا بعينه إنما يوجب الترخيص في عدم لزوم تحصيل العلم بالموافقة بترك الجميع
واما تجويز ارتكاب الجميع بحيث يقطع بارتكاب الحرام الواقعي مع فرض عدم الاضطرار إليه بخصوصه
فلا فان الاضطرار إنما يلزمه رفع اليد عن امتثال التكليف بقدره دون الزائد عليه ومن الواضح انه
268

يرتفع برفع اليد عن لزوم الموافقة القطعية فلا موجب لتجويز المخالفة القطعية مع العلم بوجود
التكليف وعدم الاضطرار إلى مخالفته كما هو المفروض ونتيجة ذلك هو التكليف المتوسط بين
ما يلزم امتثاله مطلقا وبين ما لا يلزم امتثاله أصلا كما في موارد الشبهات البدوية فإنه على تقدير
تحققه فيما يختاره المكلف لدفع اضطراره فلا محالة يكون مخالفته معذورا فيها واما على تقدير
تحققه في غيره فلا موجب لتجويز مخالفته فيبقى على ما هو عليه من الفعلية والتنجز (ومن هنا يظهر) الفرق
بين صورتي الاضطرار إلى المعين وإلى غيره فان في صورة الاضطرار إلى المعين
يحتمل انطباق مورد التكليف عليه ولازمه احتمال تعلق الاضطرار بمخالفة نفس
التكليف فلا علم بوجود تكليف فعلي إذا كان الاضطرار قبل حدوث التكليف وقبل العلم به وهذا
بخلاف الاضطرار إلى غير المعين فإنه يقطع فيه بعدم الاضطرار إلى مخالفة التكليف فإنه على
تقدير تميز الحرام لدفع الاضطرار بغيره فالاضطرار بنفسه لا يوجب مخالفة التكليف ولو
احتمالا (نعم) حيث إن المفروض الجهل بالحرام فلا محالة يجوز دفع الاضطرار بأي من الأطراف
اختاره المكلف في الخارج فإن كان هو الحرام فهو غير معاقب على مخالفته وإن كان غيره فلا
مجوز له في ارتكابه وهذا معنى ما ذكرناه من التوسط في التكليف (وبذلك ظهر) فساد ما
افاده المحقق صاحب الكفاية (قده) من عدم تنجيز العلم الاجمالي في هذه الصورة كما في
صورة الاضطرار إلى المعين نظرا إلى اشتراط تنجيزه بما إذا كان متعلقا بالحكم الفعلي على كل
تقدير وحيث إن الاضطرار مطلقا مانع عن فعلية التكليف على الاطلاق فلا يكون العلم منجزا
ولا موجب للتنجيز غيره (وجه الظهور) ان فعلية الحكم كما مر مرارا لا تتوقف على أزيد من
وجود موضوعه بحدوده وقيوده وحيث انه في فرض الاضطرار إلى المعين لا يعلم ذلك
لاحتمال كون الحرام الواقعي هو المضطر إليه والمفروض كون الاضطرار من القيود فلا علم
بوجود التكليف الفعلي على كل تقدير وهذا بخلاف الاضطرار إلى غير المعين فإن وجود
موضوع التكليف فيه وعدم تعلق الاضطرار به معلوم فلا مناص عن فعلية التكليف على كل
تقدير غاية الأمر معذورية المكلف عن مخالفته في بعض التقادير وأين ذلك من عدم العلم
بالتكليف الفعلي (نعم) فعلية التكليف بالمعنى الذي يلتزم هو (قده) به من كون الحكم بمرتبة
يلزم على المولى ايصاله إلى المكلفين ولو بالطرق الغير المتعارفة أو ايجاب الاحتياط عليهم لعدم
رضائه بالمخالفة من اي جهة فرضت تنافي مع الترخيص في بعض الأطراف كما في المقام إلا أنه
269

لا ملزم بالالتزام به مع عدم وجود حكم فعلي بهذا المعنى في شئ من الأحكام الشرعية بل
لازمه الالتزام بكون فعلية الحكم فوق مقام تنجزه (وكيف كان) فقد ظهر ان التحقيق يقتضي
الالتزام بالمتوسط في التكليف في موارد الاضطرار إلى غير المعين وإن كان الاضطرار قبل
حدوث التكليف ومنه يعلم الحال في باقي صور الاضطرار إلى غير المعين فلا حاجة إلى إطالة
الكلام فيه (بقي الكلام) في أن التوسط في التكليف الذي هو المختار عندنا وعند العلامة
الأنصاري (قده) في المقام هل هو بمعنى التوسط في نفسه أو في تنجزه (فنقول) معنى التوسط في
نفس التكليف هو كون نفس التكليف الواقعي بحيث يكون باقيا على تقدير وساقطا على
التقدير الآخر كما في موارد الاضطرار إلى المعين بعد العلم الاجمالي فإن موضوع التكليف على
تقدير انطباقه على المضطر إليه يكون ساقطا لا محالة وعلى تقدير انطباقه على غيره يكون باقيا
كذلك ومعنى التوسط في التنجيز هو كون الحكم الواقعي باقيا على حاله مطلقا الا انه كان بحيث
يصح العقاب على مخالفته على تقدير دون تقدير كما في موارد الأقل والأكثر على القول بالبراءة
فإن التكليف الثابت في مورده بحيث يصح العقاب على مخالفته إذا كانت مستندة إلى ترك
الاجزاء والشرائط المعلومة واما إذا كانت مستندة إلى ترك غيرها من الاجزاء أو الشرائط
المجهولة فلا يصح العقاب على مخالفته مع أنه تكليف واحد شخصي على تقدير تعلقه بالأقل
أو الأكثر (ويظهر) من العلامة الأنصاري (قده) في المقام اختياره التوسط في نفس التكليف
كما في الاضطرار إلى المعين واشكل عليه الأستاذ دام ظله في الدورة السابقة بما حاصله ان
الترخيص في موارد الاضطرار إلى غير المعين إذا كان مستندا إلى نفس الاضطرار كما في
الاضطرار إلى المعين فلا محالة يكون التكليف ساقطا في مورده من أصله لما عرفت من أن
الاضطرار من حدود التكليف وقيوده واما إذا لم يكن مستندا إليه فقط بل كان هو المقتضي
للترخيص والجزء الأخير للعلة التامة له هو الجهل بوجود الحرام ضرورة انه لو كان معلوما
للزم دفع الاضطرار بغيره فالترخيص في ارتكاب اي من الأطراف اختاره المكلف مستند
إلى الجهل في مورد الاضطرار لا محالة وعليه فلا يصادم الترخيص بقاء الحكم الواقعي على فعليته
على كل تقدير غاية الأمر أنه يكون معذورا في مخالفته على تقدير انطباقه عل ما اختاره فيكون
التوسط في التنجيز لا في التكليف نفسه ولكنه عدل عما اختاره سابقا في الدورة الحاضرة وبنى
على كون التوسط في التكليف نفسه (توضيح ذلك) ان الحكم الثابت حال الجهل (تارة) يكون حكما
270

ظاهريا مترتبا على ثبوت الحكم الواقعي وفي طوله كما في موارد الأصول والامارات واخرى حكما
واقعيا في عرض الواقعي الأولي ومقيدا له في مرتبته فإنا قد ذكرنا غير مرة ان الأحكام الواقعية
بالقياس إلى حالتي العلم والجهل بموضوعاتها وإن كانت قابلة للاطلاق والتقييد اللحاظيين الا
أنها غير قابلة لهما بالقياس إلى حالتي العلم والجهل بأنفسها فإن تقسيم المكلف إلى العالم والجاهل
بالحكم من التقسيمات الثانوية المترتبة على الجعل وقبل جعل الحكم على موضوعه لا معنى للعلم
والجهل به ولكنه مع ذلك لا مناص عن الاطلاق أو التقييد بحسب النتيجة بلحاظ الدليل
الآخر فإن كان هناك دليل على عدم اختصاص الاحكام بخصوص العالمين فلا محالة يثبت
نتيجة الاطلاق وإذا فرض وجود الدليل على الاختصاص في مورد فلا مناص عن ثبوت
نتيجة التقييد وحيث إن المفروض في المقام ثبوت الترخيص الواقعي فيما يختاره المكلف خارجا
لأنه مصداق المضطر إليه ويحمل عليه هذا العنوان بالحمل الشائع فإذا كان موضوع الحرمة الواقعية
منطبقا عليه فلا بد من سقوط حرمته في الواقع ونتيجة ذلك تقييد الحكم الواقعي بما إذا لم
يكن مصادفا مع مورد الاضطرار فيكون التوسط في نفس التكليف دون تنجزه (فإن قلت)
إذا كان الاضطرار إلى غير المعين موجبا للتوسط في نفس التكليف كما في الاضطرار إلى المعين
فلازمه عدم تنجيز العلم الاجمالي إذا كان الاضطرار قبل حدوث التكليف أو قبل العلم به
لعدم كون العلم حينئذ علما بالتكليف على كل تقدير ضرورة احتمال انطباقه على مورد الاختيار
والمفروض عدم التكليف في طرفه في الواقع فما هو الموجب للتفرقة بين الاضطرار إلى المعين
والاضطرار إلى غيره (قلت) الفارق هو ان الاضطرار إلى المعين بنفسه رافع للتكليف عن
مورده فإذا كان سابقا على العلم فلا محالة يكون مرجع العلم إلى الشك في ثبوت التكليف
في الطرف الآخر كما مر توضيحه وهذا بخلاف الاضطرار إلى غير المعين فإن رافع التكليف
فيه منحصر باختيار المكلف في مقام التطبيق فإنه على تقدير انطباق الحرام على مورد
اختياره يكون التكليف فيه ساقطا فلا مقتضي للسقوط قبله وعليه فالتكليف قبل الاختيار
ولو كان الاضطرار سابقا على حدوث التكليف أو العلم به يكون فعليا على كل تقدير ويشك
في سقوطه عن الطرف الآخر بعد اختيار المكلف أحد الطرفين فلا مناص عن الرجوع إلى
الاشتغال (وبالجملة) حال الاضطرار إلى غير المعين في جميع صوره حال الاضطرار إلى المعين
بعد العلم الاجمالي في أن التكليف تنجز في زمان على كل تقدير والشك إنما هو في سقوطه
271

بعد ذلك ولا ريب ان المرجع فيه هو الاشتغال دون البراءة فافهمه واغتنم
* (الأمر السادس) * إذا تعلق العلم بالتكليف المردد بين أمرين تدريجيين في الوجود
غير مجتمعين في زمان واحد فهل يوجب تنجيزه فيهما كالدفعيين أم لا فيه وجوه بل أقوال
وقد ذكر العلامة الأنصاري (قده) لذلك أمثلة ثلاثة (الأول) ما إذا كانت زوجة الرجل
مضطربة في حيضها بان نسيت وقتها وان حفظت عددها فتعلم اجمالا انها حائض في الشهر ثلاثة
أيام مثلا (الثاني) ما إذا علم التاجر بابتلائه في يومه أو شهره بمعاملة ربوية (الثالث) ما إذا
نذر أو حلف على ترك الوطئ في ليلة ثم اشتبهت بين ليلتين أو أزيد واختار في الأول منها عدم
تنجيز العلم والرجوع فيه إلى الأصول وفي الثاني وجوب الاحتياط واستظهره في الثالث أيضا
ولكنه لم يبين الفرق بين الأمثلة ولتحقيق ذلك (نقول) ان الزمان لا يخلو من أنه إما ان لا يكون
دخيلا في ملاك الحكم وخطابه وإما أن يكون دخيلا فيهما واما أن يكون دخيلا في الخطاب
دون الملاك على ما مر تفصيله في بحث الواجب التعليقي (اما القسم الأول) وهو ما إذا لم
يكن للزمان دخل في ملاك الحكم وخطابه (فلا ريب) في وجوب الاجتناب عن أطراف العلم فيه
كما في مثال الابتلاء بالمعاملة الربوية فإن الملاك في تنجيز العلم هو فعلية الخطاب وامكان
الانبعاث عنه ولا ريب في أن حرمة الربا كحرمة الكذب والغيبة ونحوهما حكم فعلي قابل
للإطاعة والمعصية ومجرد اختيار المكلف ايقاع متعلقه خارجا في الزمان المتأخر لا يمنع عن فعلية
الحكم وتنجزه كما هو ظاهر وهذا هو المراد من عبارته (قده) من فعلية الابتلاء بالاطراف في
مثل المثال فإن نظره (قده) إلى أن الحكم فيه فعلي على كل تقدير والتأخير باختيار المكلف لا
يكون مانعا عن فعلية الحكم والابتلاء كما هو ظاهر (واما القسم الثالث) وهو ما إذا كان
الزمان دخيلا في الخطاب دون الملاك كمثال النذر والحلف حيث إن التكليف فيهما المجعول
بنحو القضايا الحقيقية يتبع ما اخذه الناذر والحالف في الموضوع فإذا فرض اخذه الليلة المتأخرة
فيه فلا محالة يكون فعلية الخطاب متوقفة على تحققها على ما هو المختار عندنا من استحالة الخطاب
التعليقي ولكنه لا يمنع من تمامية الملاك فعلا من جهة انعقاد النذر والحلف بحيث لو كان التكليف
بالامر المتأخر ممكنا لكان التكليف في موردهما فعليا لا محالة فالظاهر الحاقه بالقسم الأول فإن
فعلية الملاك الملزم على كل تقدير يمنع من الرجوع إلى الأصل في الأطراف ضرورة ان الشك
حينئذ يكون في الخروج عن عهدة الامتثال بعد العلم بتحقق ما هو الملاك التام للتكليف فعلا وان
272

احتمل عدم فعلية التكليف لمانع عنها هذا على المختار من استحالة الخطاب التعليقي وأما على القول
بجوازه وامكانه فوجوب الاجتناب عن الأطراف بمكان من الوضوح فإنه عليه يكون الخطاب
كالملاك التام فعليا فيجب الخروج عن عهدته كما في القسم الأول (واما القسم
الثاني) وهو ما إذا كان للزمان دخل في الخطاب والملاك فصريح عبارة شيخنا العلامة الأنصاري
(قده) هو اختيار عدم تنجيز العلم الاجمالي فيه لعدم الابتلاء بتمام أطراف العلم الاجمالي في زمان
فإن الحيض في آخر الشهر مثلا لا يمكن الابتلاء به في أوله كما أن الحيض في أوله لا يمكن
الابتلاء به في آخره فلم يبق إلا العلم بمخالفة التكليف الواقعي الغير المنجز بعد الرجوع إلى
الأصول النافية وارتكاب المحتملات وقد سبق انه لا محذور في تحقق العلم بالمخالفة
لتكليف لم يعلم توجهه إلى المكلف قبل المخالفة ففي المثال يرجع إلى استصحاب عدم الحيض
إلى أن يبقى من الشهر ثلاثة أيام وبعده يرجع إلى البراءة (ولكنه) لا يخفى ان العلم بخطاب
فعلي في مفروض المثال وان لم يكن متحققا في زمان كما افاده إلا أن العلم بتحقق موضوع
التكليف في مجموع الشهر المستلزم للعلم بالتكليف الفعلي الناشئ عن ملاك تام في ظرف تحقق
موضوعه كاف في عدم جواز الرجوع إلى الأصول النافية في أطرافه فإن العقل كما يحكم بلزوم حفظ
المقدمات أو تحصيلها فيما إذا توقف الاتيان بالواجب التام من حيث الملاك عليهما كما عرفت في
بحث المقدمات المفوتة فكذلك يحكم في المقام بعدم جواز تفويت الغرض الملزم من المولى المعلوم
تحققه في ضمن مجموع الشهر (وبالجملة) العلم بوجود الغرض الملزم من المولى وتمكن المكلف عن
حفظه يمنعان من الرجوع إلى الأصول النافية المستلزم لتفويته ومجرد عدم العلم بالتكليف
الفعلي في زمان لا يوجب جواز تفويته (فتحصل) انه لا فرق في تنجيز العلم الاجمالي بين ما إذا
كانت أطرافه دفعية أو تدريجية في تمام أقسامه الثلاثة غاية الأمر ان ملاك التنجيز في كل قسم
غير ملاك التنجيز في القسم الآخر فإن الملاك في القسم الأول هو تحقق العلم بالتكليف
الفعلي وفي القسم الثالث هو العلم بتحقق الملاك الملزم فعلا وإن كان الخطاب مرددا بين ما يكون
فعليا وغيره وفي القسم الثاني هو العلم بتحقق الملاك الملزم في ظرف وجود موضوعه والحكم
بالتنجيز فيه مع عدم الابتلاء به فعلا يحتاج إلى ضميمة حكم العقل بعدم تفويت الملاكات الملزمة
(ثم إنه) على تقدير البناء على عدم تنجيز العلم الاجمالي في التدريجيات مطلقا أو في بعض
أقسامها فلا بد من تجويز المخالفة القطيعة أيضا فإن حرمة المخالفة القطعية إنما هي من جهة تنجيز
273

العلم فلو فرضنا عدمه من جهة تدريجية الأطراف فلا مانع عن الرجوع إلى الأصول وإن كانت
مستلزمة لها فيرجع في مثال الحيض إلى الاستصحاب وبعده إلى البراءة واما في مسألة الربوا
فقد اختار العلامة الأنصاري (قده) الرجوع إلى أصالة الإباحة عند كل معاملة من حيث التكليف
والى أصالة الفساد وعدم النقل والانتقال من حيث الوضع فإن فساد المعاملة الربوية لا يدور
مدار حرمتها ولذا يفسد في موارد الجهل عن قصور والنسيان ونحوهما مما لا يكون التحريم فيه
فعليا (ثم ذكر) انه لا يمكن التمسك بالعموم لاثبات الصحة من جهة العلم بخروج بعض الافراد
فيسقط العام عن قابلية التمسك به إلا أن يقال إن حال الأصول اللفظية حال الأصول العملية
فكما ان العلم الاجمالي بخروج بعض الافراد لا يكون مانعا عن الرجوع إليها فكذلك
لا يكون مانعا عن الرجوع إليها أيضا (ثم استظهر) الفرق بينهما من دون بيان الفارق وأمر
بالتأمل (ويرد) على ما أفاده (أولا) ان تفكيكه بين الحكم التكليفي وهو الإباحة والوضعي وهو
الصحة غير مستقيم على مذهبه (قده) من كون الأحكام الوضعية منتزعة من الأحكام التكليفية
فإن حرمة المعاملة بالمعنى الاسم المصدري أعني به المبادلة بين المالين كما انها تستلزم فساد المعاملة
من جهة انها توجب قطع سلطنة المالك في عالم التشريع المتوقف عليها صحة المعاملة فكذلك
اباحتها بذلك المعنى بأصل لفظي أو عملي توجب صحتها لا محالة فكيف يمكن ان يحكم بحلية
المعاملة بذلك المعنى مع الحكم بفسادها وعلى ذلك يبتني الاستدلال على صحة المعاملة بقوله تعالى
(وأحل الله البيع) حتى بناء على إرادة الحلية التكليفية فإنه لو لم يكن الحلية مستلزمة للصحة فكيف
يمكن الاستدلال بها عليها (نعم) على المختار من كون الفساد في المعاملات الفاسدة غير مترتب
على حرمتها وانه ليس في طولها بل الحرمة والفساد معا متلازمان لأمر ثالث فالحلية الواقعية وإن كانت
ملازمة للصحة فيحكم بها عند ثبوت الحلية بأصل لفظي أو بامارة معتبرة إلا أن أصالة
الإباحة لا تثبت بها الآثار المترتبة على الحلية الواقعية (وثانيا) ان قياسه (قده) للأصل اللفظي
بالأصل العملي في جواز اجرائه في تمام أطراف العلم إذا لم يكن منجزا للتكليف كما هو المفروض
في المقام (في غير محله) فإن العلم انما يكون مانعا عن جريان الأصول العملية بما انه منجز للتكليف
وموجب لاستحقاق العقوبة على مخالفته فإذا فرض عدم تنجيزه فلا يكون مانع عن جريانها
ولا يلزم هناك ترخيص في المعصية وهذا بخلاف الأصل اللفظي فإن خروج بعض الافراد
عن تحت العموم يمنع عن التمسك به في مورد الشك الابتدائي فضلا عما إذا كان من أطراف
274

العلم على ما هو المحقق عندنا وعنده (قده) من عدم جواز التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية
مع انا قد ذكرنا في بحث العام والخاص ان حجية الأصل اللفظي إنما هي من جهة الكاشفية
والطريقية إلى المراد الواقعي ولذا يسري اجمال المخصص إلى العام وهذا بخلاف الأصل العملي
فان حجيته متقومة بالشك ليس إلا فالعلم بخروج بعض الافراد بنفس وجوده يكون مانعا عن
التمسك بالعموم ولا يكون مانعا عن التمسك بالأصل العملي الا مع فرض منجزيته إذ
مع عدم المنجزية والمفروض كون كل من الأطراف مشكوكا في حد نفسه لا يكون هناك مانع عن
التمسك به هذا (ويمكن الخدشة) في هذا الوجه بأن كون حجية الأصول اللفظية من جهة الكاشفية
والطريقية لا يضر بجواز التمسك بها مع العلم بخروج بعض الأطراف واقعا إذا كان العلم في
حكم الشك من جهة عدم ترتب الأثر عليه فكما ان العلم بوجود قرينة صارفة عن الظهور لا يمنع
عن التمسك بظهور الكلام المشتمل على بيان الحكم إذا كان بعض أطراف العلم غير مشتمل
على بيانه بل كان واردا لبيان قصة ونحوها فكذلك العلم بخروج بعض الافراد لا يكون مانعا
عنه أيضا إذا كان في حكم الشك من حيث عدم ترتب الأثر عليه وعلى ذلك فالمانع عن التمسك
بالعموم في المقام هو كون الشبهة مصداقية ومع قطع النظر عنه فلا فرق بين الأصل اللفظي
والعملي في جواز التمسك بهما في فرض عدم كون العلم الاجمالي منجزا ولعل نظره (قده) في
وجود الفارق إلى هذا الوجه مع جوابه هذا تمام الكلام في المقام الأول مما يهمنا التعرض له
* (واما المقام الثاني) * فهو في الشبهة الغير المحصورة والكلام فيه يقع من جهتين (الأولى) في تحقيق
الحال في معنى الشبهة الغير المحصورة (الثانية) في بيان حكمها (اما الجهة الأولى) فتحقيق الحال فيها
يتضح بعد بيان أمر وهو ان الكلام في تنجيز العلم الاجمالي في الشبهة الغير المحصورة وعدمه
لا بد وان يقع بعد الفراغ عن وجود بقية شرائط التنجيز بحيث لو كان الشبهة محصورة لكان
العلم منجزا بلا كلام ضرورة انه مع فقدان بعض الشرايط يكون عدم التنجيز مستندا إليه لا إلى
كون الشبهة غير محصورة (وهذا واضح جدا) وعلى ذلك (فتحديد) عدم حصر الشبهة بما إذا كان
الاجتناب عن تمام الأطراف حرجيا أو بما كان بعضها خارجا عن محل الابتلاء (في غير محله) إذ
مع خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء أو لزوم الحرج من ارتكاب الجميع لما كان العلم منجزا
مع حصر الشبهة أيضا * (فالصحيح) * ان يقال إن عدم حصر الشبهة عبارة عن بلوغ كثرة الأطراف
إلى حد لا يمكن للمكلف ارتكاب جميعها عادة ولو كان كل من الأطراف في محل الابتلاء
275

وكان قابلا للارتكاب وعدمه ضرورة عدم الملازمة بين امكان ارتكاب كل واحد من الأطراف
في حد نفسه وامكان ارتكاب الجميع (ومنه يظهر) انه ليس المدار فيه هو عدم امكان الجمع في
الارتكاب في مجموع مدة العمر حتى يقال بعدم وجود الشبهة الغير المحصورة بهذا المعنى إلا
نادرا ولا في زمان معين من الأزمنة حتى يقال بأنه ما المحدد لذلك الزمان بل المدار فيه هو عدم
امكان الجمع في الارتكاب بحسب العادة وإن كان ممكنا عقلا (وأما) ما افاده العلامة الأنصاري
(قده) من الضابط وهو أن يكون الكثرة في الأطراف موجبة لموهومية احتمال التكليف في كل
من الأطراف (فإن) رجع إلى ما ذكرناه من الضابط (فهو) وإلا فيرد عليه مضافا إلى أنه لا ضابط
لموهومية الاحتمال الملازمة للكثرة ضرورة ان مراتب الموهومية كثيرة فأي مرتبة من الموهومية
يكون هو الميزان في عدم حصر الشبهة (ان مجرد) ضعف الاحتمال لا يوجب عدم تنجيز العلم
حتى يجوز مخالفته القطعية أيضا فإن العلم بالتكليف مع القدرة على امتثاله يوجب لزوم تحصيل
الفراغ عنه يقينا فكما ان العقل يستقل بوجوب تحصيله مع الاحتمال الغير الموهوم فكذلك يستقل
به مع الاحتمال الموهوم أيضا (واما الجهة الثانية) فالحق فيها عدم تنجيز العلم الاجمالي لا من جهة
حرمة المخالفة القطعية ولا من جهة وجوب الموافقة القطعية اما من جهة حرمة المخالفة القطعية فلان
المفروض عدم التمكن منها لكثرة الأطراف فلا يمكن ان يتصف بالحرمة عقلا أو شرعا واما عدم
وجوب الموافقة القطعية فلما عرفت مرارا من أنه من فروع حرمة المخالفة القطعية فينتفي مع
انتفائها قهرا مضافا إلى الرواية الواردة في الجبن من قوله (ع) أمن أجل مكان واحد يجعل فيه
الميتة حرم جميع ما في الأرض حيث إنها ظاهرة في عدم وجوب الاجتناب عن المحتمل
انطباق المعلوم بالاجمال عليه مع كثرة الأطراف بحيث كان الاحتياط موجبا لترك جميع
ما في الأرض (فإن قيل) ان الرواية غير ظاهرة في بيان حكم الشبهة الغير المحصورة فلعلها في مقام
بيان ان جعل الميتة في الجبن في مكان لا يلازم حرمته في بقية الأمكنة التي لا يعلم فيها ذلك
وعليه يكون الرواية أجنبية عن المقام كما افاده العلامة الأنصاري (قده) (قلنا) عدم ملازمة جعل
الميتة في الجبن في مكان لحرمته في غير ذلك المكان من الوضوح بمكان لا موقع معه لوقوع
السؤال عنه وهذا بخلاف حملها على مورد الشبهة الغير المحصورة فإن صحة السؤال عن حكمها
وان العلم الاجمالي بوجود الميتة في أطراف كثيرة هل يوجب وجوب الاجتناب عن الجميع
أم لا توجب تعينه كما هو ظاهر (واما) بقية الوجوه التي استدل بها على عدم وجوب الاحتياط
276

فكلها قاصرة أو أجنبية عن محل الكلام (اما) دعوى الاجماع (فلا مسرح) لها مع اتفاق الجميع
فضلا عن وقوع الخلاف لاحتمال اعتماد المجمعين على بعض الوجوه المذكورة فلا يكون
اتفاقهم كاشفا عن قول المعصوم تعبدا (وأما التمسك) بأدلة نفي الحرج من جهة ان الاجتناب من
أطراف الشبهة مع عدم الحصر غالبا يوجب الحرج على افراد المكلفين نوعا فلا يستقيم بناء على
المختار من أن الحرج والضرر المنفيين في الشريعة إنما اخذا موضوعين في مقام الجعل فيدور
انتفاء الحكم مدار تحققهما خارجا على ما هو الحال في كل حكم بالقياس إلى موضوعه فلا
موجب لعدم وجوب الاحتياط فيما إذا لم يلزم منه حرج وعسر (نعم) لو كان الحرج أو الضرر من
قبيل الحكمة لجعل الحكم على موضعه كجعل الطهارة للحديد من جهة ان الحكم بالاجتناب كان
موجبا للعسر على الأمة على ما يستفاد من بعض الروايات وكالحكم بخيار الشفعة لحكمة عدم تصور الشريك
لكان الحكم ثابتا في مورد عدم تحققهما أيضا (ضرورة) أن الميزان في فعلية الحكم هو وجود موضوعه
لا حكمة تشريعه وقد ذكرنا في بحث الانسداد ما ينفعك في المقام فراجع (واما دعوى) شمول
اخبار الحل لأطراف الشبهة (فقد عرفت) فسادها وانها مختصة بموارد الشبهة الغير المقرونة بالعلم
الاجمالي ومما ذكرناه يظهر حال الاستدلال على عدم وجوب الاحتياط بخروج بعض الأطراف
عن محل الابتلاء أو بكون الاحتمال في كل من الأطراف موهوما لا يعتني به العقلاء كما افاده
العلامة الأنصاري (قده) فلا نعيد
* (بقي هنا) * أمور (الأول) ان ما ذكرناه من عدم وجوب الاحتياط
مطلقا في أطراف الشبهة الغير المحصورة إنما يختص بالشبهات التحريمية فإنها هي التي
لا يتمكن المكلف فيها من المخالفة القطعية واما الشبهات الوجوبية فكثرة الأطراف فيها وإن كانت
توجب عدم وجوب الموافقة القطعية لعدم التمكن منها كما هو المفروض إلا أنه لا موجب
لجواز المخالفة القطعية مع امكانها فمقتضى القاعدة فيها هي حرمة المخالفة القطعية فلابد من
التنزل إلى الموافقة الاحتمالية على ما هو الميزان من لزوم التنزل إليها عند عدم امكان الموافقة
القطعية (الثاني) انه بناء على عدم تنجيز العلم في موارد عدم حصر الشبهة (فهل) يفرض العلم فيها
كالعدم فيجري فيها حكم الشبهة البدوية (أو) ان المعلوم فيها يفرض كالعدم فيكون الشبهة كعدمها
(وجهان) بل قولان وتظهر الثمرة فيما كان وجوب الاحتياط من احكام نفس الشبهة دون العلم فعلى
القول بكون العلم كعدمه لا بد من الاحتياط لاقتضاء نفس الشك ذلك وعلى القول بكون الشبهة كالعدم
277

(فلا) مثلا إذا علم بوجود ماء مضاف بين مياه كثيرة غير محصورة فعلى القول الأول لا يجوز
الاكتفاء في الوضوء بواحد منها فان الشك في الاطلاق والإضافة بنفسه مقتض للاحتياط تحصيلا
للموافقة القطعية واما على القول الثاني فيجوز فإن وجود الماء المضاف مع كثرة الأطراف يفرض كالعدم
فيكون كل من الأطراف كأنه غير مشتبه بالمضاف فيجري عليه أحكام المطلق (ظاهر)
كلمات الفقهاء قدس الله تعالى أسرارهم في بعض الفروض الفقهية (هو الثاني) وهو المختار فإن
ما افاده العلامة الأنصاري (قده) من الوجه في عدم وجوب الاجتناب عن الشبهة الغير
المحصورة من أن موهومية الاحتمال توجب عدم اعتناء العقلاء به وان لم يكن تاما بظاهره كما
مر الا انه لا يبعد أن يكون مراده (قده) هو ان التكليف الثابت مع كثرة الأطراف على
الضابط الذي بيناه يكون بمنزلة المستهلك والتالف عند العقلاء فلا يعتني العقل باحتمال وجوده
أصلا ومن الظاهر أن الشارع ليس له طريقة خاصة في امتثال احكامه غير ما هو الطريقة عند
العقلاء وعليه فكلامه (قده) في غاية المتانة والجودة ويترتب عليه كون الشبهة عند عدم حصر
الأطراف كلا شبهة كما هو ظاهر (الثالث) مقتضى ما ذكرناه في وجه عدم وجوب الاجتناب
عن الشبهة الغير المحصورة من عدم التمكن من المخالفة القطعية وتبعية وجوب الموافقة
القطعية لحرمتها هو عدم وجوب الاجتناب حتى فيما إذا كان المعلوم بالاجمال بمقدار لو وزع
على الأطراف لكان الشبهة محصورة مثلا إذا كان المعلوم بالاجمال مأة في الف فإنه مع توزيع
المعلوم على الأطراف وإن كانت الشبهة تنقلب محصورة إلا أنه من جهة عدم امتياز المحرم
عن غيره لا يكون المكلف قادرا على المخالفة القطعية فلا تكون محرمة فلا يبقى مقتض لوجوب
الموافقة القطعية (نعم) في مثل الفرض لا يكون الشبهة كالعدم إذ المفروض عدم استهلاك المعلوم
بالاجمال فيه حتى يكون تالفا بنظر العقلاء فيجري فيه حكم الشبهة البدوية واما على ما افاده
العلامة الأنصاري (قده) من الوجه في عدم وجوب الاجتناب فينبغي القطع بوجوب الاحتياط
كما لا يخفي وجهه (الرابع) إذا شك في وصول كثرة الأطراف إلى حد يكون الشبهة معها
غير محصورة (فهل) مقتضى القاعدة هو وجوب الاجتناب إلا فيما علم كون الشبهة غير محصورة
(أم لا) (وجهان) بل قولان الأقوى هو الأول وذلك فإن الموجب لعدم وجوب الاحتياط عند
عدم حصر الشبهة هو عدم القدرة على المخالفة القطعية ومع الشك في كون الشبهة محصورة تكون
القدرة على المخالفة مشكوكا فيها لا محالة وقد مر غير مرة ان الشك في التكليف إذا كان
278

ناشئا عن الشك في القدرة المعتبرة في فعلية التكليف عقلا لا يكون موردا للبراءة بل لا بد فيه
من الاحتياط حتى يعلم العجز (واما) ما ربما يقال في وجهه من أن العلم الاجمالي مقتض لوجوب
الموافقة وعدم حصر الأطراف مانع عنه فيجري أصالة عدم المانع أو ان العمومات مقتضية لوجوب
الاجتناب عن المحرم المردد في الأطراف ما لم يثبت التخصيص (ففيه) انه مبني على تمامية قاعدة
المقتضي والمانع وسيجئ في محله إن شاء الله تعالى بطلانها أو على جواز التمسك بالعموم في
الشبهات المصداقية وقد عرفت في محله فساده (هذا) تمام الكلام في الشبهة التحريمية الموضوعية
ويظهر منه الحال في بقية أقسامها
* (المطلب الثاني) * - في الشبهة الوجوبية والامر فيها اما أن يكون
دائرا بين المتباينين أو بين الأقل والأكثر فهنا مقامان (المقام الأول) في دوران
الواجب بين أمرين متباينين والكلام فيه من حيث حرمة المخالفة القطعية أو وجوب الموافقة
القطعية يظهر مما ذكرناه في الشبهة التحريمية وانه لا مجال لجعل الحكم الظاهري مع العلم الاجمالي
بالتكليف الفعلي فتسقط الأصول في أطرافه لا محالة وقد نسب الخلاف في المقام إلى المحقق
الخوانساري والمحقق القمي قدس سرهما في تجويزهما المخالفة القطعية في غير ما قامت الضرورة
والاجماع على عدم جوازها بتوهم قبح التكليف بالمجمل المردد عند المكلف المعلوم عند الشارع
لاستلزامه تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو قبيح (وفيه) أولا انه لا قبح في تأخير البيان
عن وقت الحاجة إذا كان هناك مصلحة مقتضية له من تقية ونحوها كما أوضحنا الحال فيه في
بعض مباحث العام والخاص فإذا كان أطراف التكليف محصورة وكان المكلف قادرا على
امتثاله بالاحتياط فأي قبح فيه عند العقلاء (نعم) إذا كان أطرافه غير محصورة ولم يكن
المكلف قادرا على تحصيل الواقع لكان دعوى القبح في محلها لكنه أجنبي عن محل الكلام
بيننا وبينهما قدس سرهما (وثانيا) انه على فرض تماميته يختص بخصوص ما إذا كان التكليف
صادرا من المولى مجملا ولا يعم جميع موارد الشبهة الوجوبية الناشئة من الاجمال الطارئ كما
في صورة عدم النص أو الشبهات الموضوعية فإن التكليف في تمام هذه الموارد لا اجمال فيها في
حد نفسه حتى يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة بل الاجمال إنما نشأ من الجهات الخارجية التي
لا يجب على الشارع رفعها (وكيف كان) فلا ينبغي صرف الوقت لدفع مثل هذه التوهمات في
أمثال زماننا الذي كان فسادها فيه من الضروريات * (ثم إنه) * ربما يستدل على وجوب الموافقة
279

القطعية بعد الاجماع على حرمة المخالفة القطعية بالاستصحاب فيثبت بذلك الوجوب الشرعي
لكل من طرفي الشبهة بتوهم ان الاتيان بأحدهما واجب اجماعا فرارا عن لزوم المخالفة
القطعية وبعد الاتيان به يشك في سقوط الواجب الواقعي فيستصحب وجوده فيجب الاتيان
بالآخر امتثالا للوجوب المستصحب * (وتحقيق الحال) * في دفع هذا الاستدلال يتوقف على بيان
أمور (الأول) ان جريان الاستصحاب في مورده يتوقف على كون الشك متعلقا بالبقاء فان
حقيقته إنما هو التعبد بجر المتيقن في عمود الزمان فلا يجري فيما كان الشك متعلقا بحدوث ما هو
باق أو غيره مثلا إذا علمنا اجمالا بنجاسة أحد الكأسين ففقد أحدهما فنجاسة الاناء الباقي
وإن كان مشكوكا فيها لا محالة إلا أنه لا يمكن اثباتها بالاستصحاب لعدم العلم بها في
زمان واستصحاب النجاسة المعلومة في البين سابقا لا يترتب عليه نجاسة الباقي حتى يثبت به ان
الحادث هو الباقي دون الزائل (ومن هنا) يعلم عدم جواز استصحاب الفرد المردد بين ما هو
معلوم البقاء والارتفاع لان الفرد المردد على ما هو عليه من الترديد لا يحتمل بقاؤه من جهة
العلم بارتفاعه على تقدير فكيف يمكن الحكم ببقائه على ما هو عليه من الترديد (نعم) لا بأس
باستصحاب الكلي الجامع بين الفردين لكنه لا يترتب عليه إلا الآثار المشتركة بينهما دون
الأثر المختص بأحد الفردين (وبالجملة) لا ريب في أن الاستصحاب إنما يثبت به التعبد بالبقاء
عند معلومية الحدوث وأما التعبد بالحدوث فهو خارج عن موارد الاستصحاب بالكلية (ومما
ذكرنا يظهر) انه لا مجال لقياس المقام على ما إذا علم طهارة أحد الاناءين المعلوم نجاستهما سابقا
(بدعوى) انه كما يجري استصحاب النجاسة في أحدهما مع خروج الآخر عن محل الابتلاء أو
فقدانه وان لم يثبت به كون الباقي هو المتنجس سابقا فكذلك لا مانع من جريانه في فرض
العلم بنجاسة أحدهما ابتداء مع فقدان أحدهما وان لم يثبت به كون المتنجس السابق هو الباقي
أيضا (ضرورة) ان الاناء الباقي في المثال الأول بعينه كان معلوم النجاسة سابقا ومشكوك البقاء
لاحقا فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه حتى قبل فقدان الآخر مع قطع النظر عن معارضة
الاستصحابين وهذا بخلاف المثال الثاني فإن معلوم النجاسة فيه ليس شخص الاناء الباقي
على الفرض بل المردد بينه وبين المفقود فلا معنى لجريان الاستصحاب فيه الا اثبات ان حدوث
النجاسة كان فيه وقد عرفت ان الاستصحاب لا تعرض فيه لمرحلة الحدوث أصلا (والحاصل)
ان اعتبار اليقين بالحدوث والشك في البقاء في جريان الاستصحاب مما لا ريب فيه فكل
280

مورد رجع الشك فيه إلى مرحلة الحدوث لا معنى لجريانه (الثاني) انه يعتبر في جريان
الاستصحاب أن يكون الأثر المطلوب ترتيبه مترتبا على الواقع المشكوك فيه حتى يصح التعبد
به في ظرف الشك واما إذا كان مترتبا على نفس الشك أو على الأعم من الواقع والشك
فلا مجال لجريانه ضرورة انه فيما يكون موضوعه مقطوع الوجود يكون الأثر محرزا وجدانا
ولا معنى معه لاحرازه بالتعبد الاستصحابي فإنه يكون من أردء انحاء تحصيل الحاصل وهو
احراز المحرز الوجداني بالتعبد (الثالث) انه يعتبر به فيه أن يكون الأثر المذكور مترتبا على
الواقع المشكوك فيه بقاء فلو فرضنا كفاية مجرد الحدوث في ترتيبه فلا معنى للتعبد أيضا ضرورة
أنه يكون متيقنا فلا يبقى مجال لاحرازه بالتعبد (الرابع) ان مجرد وحدة مؤدى الاستصحاب
لمؤدى أصل آخر لا يمنع عن جريانه سواء كان ذلك الأصل عقليا أو شرعيا بل مقتضى حكومة
الاستصحاب على بقية الأصول منعه عن جريانها فأصالتا البراءة أو الطهارة أو قاعدة الاشتغال
إذا كان في مواردها استصحاب لا تكون جارية فإن جريانها متوقفة على كون الواقع مشكوكا
فيه والاستصحاب يرفع الشك ويوجب احراز الواقع بالتعبد
* (إذا عرفت ذلك فنقول) * ان المتمسك بالاستصحاب في محل الكلام اما ان يريد
به استصحاب الواجب الواقعي للشك في اتيانه أو استصحاب الاشتغال به الثابت سابقا
والمشكوك لاحقا (فإن أراد الثاني) فيرد عليه (أولا) ان الاشتغال بالتكليف ليس بنفسه
ولا بأثره من الأمور المجعولة للشارع ضرورة انه من الأحكام العقلية المنتزعة من توجه الخطاب
إلى المكلف وترتب لزوم تحصيل الفراغ عليه ليس ترتبا شرعيا بل من الأحكام العقلية المحضة
من باب الإطاعة والعصيان من دون أن يكون له مساس بالشارع أصلا (وثانيا) ان حكم العقل
بلزوم تحصيل الفراغ ليس من الآثار المترتبة على الاشتغال واقعا بل هو مترتب على نفس
الشك فيه وقد عرفت ان في مثله لا يجري الاستصحاب وعلى تقدير ترتبه على الأعم من
الواقع والشك فالامر كذلك كما مر (وثالثا) ان حدوث الاشتغال في زمان هو تمام الموضوع
للحكم بتحصيل الفراغ منه وقد عرفت اشتراط جريان الاستصحاب على كون الأثر مترتبا على
مجرد البقاء (وان أراد الأول) وهو استصحاب بقاء الواجب الواقعي في ظرف الشك
(فإن أريد منه) اجراء الاستصحاب في الفرد المردد (فقد عرفت) عدم جريانه فيه في حد
نفسه مضافا إلى أن اثبات وجوب الباقي به من أوضح انحاء المثبت (وان أريد منه) استصحاب
281

الوجوب الكلي المعلوم سابقا المشكوك ارتفاعه (ففيه) ان أركان الاستصحاب وإن كانت
تامة فيه الا انه ليس في المقام اثر شرعي مترتب على بقاء الكلي فإن وجوب الفرد الباقي وإن كان
من لوازمه واقعا إلا أنه من الآثار العقلية دون الشرعية (ودعوى) انه مع خفاء الواسطة
لا بأس بترتب اللوازم الغير الشرعية أيضا (مع فسادها من أصلها) كما سيتبين في محله إن شاء الله
تعالى (غير مفيدة) في أمثال المقام مما كانت الواسطة فيه جلية (واما بقاء) الاشتغال
المترتب عليه لزوم تحصيل الفراغ (فهو) من الآثار المترتبة على نفس الشك فيه بعد العلم بثبوته
لا من آثار الواقع إذ العقل كما كان يحكم بلزوم الفراغ قبل الاتيان بشئ من الامرين المعلوم
وجوب أحدهما فكذلك يحكم به بعد الاتيان بأحدهما بملاك واحد (فظهر) ان المانع من
جريان الاستصحاب في المقام ليس مجرد وجود حكم العقل بالاشتغال كما توهم ذلك من عبارة
العلامة الأنصاري (قده) على خلاف واقعها حيث إنه (قده) صرح بجريان الاستصحاب بعد أسطر
فيما إذا شك في الاتيان بصلاة الظهر مثلا بعد العلم بوجوبها مع أنه مورد لقاعدة الاشتغال أيضا
وقد عرفت ان وحدة مؤدى الاستصحاب لمؤدى أصل آخر لا يمنع من جريانه بل المانع
إنما هو عدم تمامية شروط الاستصحاب في حد نفسها إذ يلزم من جريانه اما الالتزام بالأصل
المثبت أو تحصيل الحاصل من أردء انحائه على سبيل منع الخلو
* (بقي التنبيه) * على أمور (الأول) انه لا يفرق فيما ذكرناه في تنجيز العلم الاجمالي
ووجوب الموافقة القطعية بين ما إذا كان الترديد في الواجبات الاستقلالية أو الضمنية كالشروط
والاجزاء ولا بين ما إذا كان دليل التقييد مثل قوله (ع) لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب أو
التكاليف الغيرية فيجب تكرار الصلاة فيما إذا دار الامر في القبلة أو الساتر أو غيرهما تحصيلا
للموافقة القطعية ونسب إلى السرائر تجويز الصلاة عاريا في مسألة اشتباه الساتر وإلى المحقق
القمي (قده) عدم تنجيز العلم إذا كان التقييد مستفادا من التكليف (وكان الأول نظر) إلى
دوران الامر في محل البحث بين سقوط قصد الوجه مع التكرار وسقوط شرطية الستر مثلا
(فرجح الثاني) من جهة احتياج العبادة إلى قصد الوجه (والثاني نظر) إلى قياس المقام بما
أفاده المحقق الخونساري (قده) من سقوط التقييد بالعجز إذا كان دليله هو التكليف فتوهم
ان الجهل بالتكليف كالعجز عن امتثاله يوجب سقوطه والتحقيق يقتضي فساد كليهما (اما ما
نسب) إلى السرائر فلما ذكرناه في بعض المباحث السابقة من أن قصد الوجه على تقدير وجوبه
282

فإنما يجب في الواجب المفروغ عن وجوبه فمرتبته متأخرة عن مرتبة بقية الأجزاء والشرائط
فالساقط عند الدوران بينه وبين غيره يكون هو بنفسه دون غيره (واما ما نسب) إلى المحقق
القمي (قده) فلما سيجئ في بعض تنبيهات الأقل والأكثر من فساد ما هو مبنى له من اختصاص
التقييد المستفاد من التكاليف بحال القدرة وعلى تقدير تسليمه فقياس الجهل بالعجز في غير محله
ضرورة ان القدرة من شرائط فعلية التكليف فيرتفع بارتفاعها وهذا بخلاف الجهل فإنه لا يمنع
من فعلية التكليف أصلا (نعم) يمنع عن تنجزه في بعض الموارد على ما عرفت (الثاني) ان
شيخنا العلامة الأنصاري (قده) ذهب إلى اشتراط صحة العبادة فيما إذا كانت مرددة بين أمرين
أو أكثر بما إذا كان المكلف قاصدا لامتثاله اليقيني من أول الأمر فلو لم يقصد ذلك فضلا عن
قصد العلم واتى ببعض الأطراف لاحتمال وجود الواجب فيه لم يصح منه العبادة ولو انكشف
مطابقته للواقع (وكأنه) (قده) نظر في ذلك إلى ما مر منا مرارا من أن حكم العقل بجواز
الامتثال الاحتمالي في طول الامتثال اليقيني فكلما أمكن الانبعاث عن شخص التكليف لا تصل
النوبة إلى الانبعاث عن احتماله ولو انكشف مصادفته للواقع فيما بعد ذلك الا ان الحق عدم
كون المقام من صغريات تلك الكبرى المسلمة فإن الانبعاث في محل البحث لا يمكن أن يكون
عن شخص الامر على كل تقدير ضرورة ان كل تكليف انما يدعو إلى متعلقه دون غيره فالاتيان
بمجموع الأطراف لا يمكن أن يكون بدعوة الامر المعلوم بالضرورة واما الاتيان بكل واحد
واحد منها فهو أيضا من جهة عدم العلم بتعلق التكليف به لا يمكن أن يكون بداعويته فلم يبق
الا التنزل إلى الانبعاث عن احتماله في كل طرف من دون أن يكون الامتثال في بعض الأطراف
مرتبطا به في الطرف الآخر (نعم) عدم قصد الامتثال اليقيني من أول الأمر فضلا عن قصد
العدم نوع من التجري بعد الفراغ عن تنجيز العلم الاجمالي لكنه أجنبي عما هو محط كلامه (قده)
(الثالث) إذا كان الواجب المردد بين أمرين من قبيل الواجبين المترتبين شرعا كالظهر والعصر
عند اشتباه القبلة (فهل يعتبر) في صحة الاتيان بالثاني حصول الفراغ اليقيني من الأول كان
يأتي بمحتملات الظهر أو لا ثم يشرع في محتملات العصر (أم يكفي) فيها الاتيان بنحو يقطع
معه بحصول الترتيب بينهما ولو مع عدم احراز الفراغ عن الأول فلا يجوز الاتيان بالعصر إلى
طرف لم يصل الظهر إليه ولكن يجوز الاتيان به إلى كل طرف صلى الظهر إليه ولو مع عدم الاتيان
ببقية محتملات الظهر (وجهان) ربما قيل (بالثاني) نظرا إلى أن الواجب على المكلف في فرض
283

تردد الواجب كغيره ليس إلا تحصيل الترتيب بينهما وحيث انه يحصل في الفرض المزبور
ولو مع عدم تحصيل الفراغ من محتملات الأول فلا موجب لوجوبه (وبعبارة واضحة) إذا
صلى الظهر إلى طرف ثم صلى العصر إليه فاما أن يكون ذلك الطرف قبلة في الواقع أم لا
(وعلى الأول) فالامر بالعصر من جهة الفراغ عن الظهر وترتبه عليه واقعا حاصل لا محالة
(وعلى الثاني) فالذمة وإن كانت مشغولة بالظهر وليست صلاة العصر المأتي بها إلى ذلك الطرف
مترتبة على الظهر واقعا الا انه لا مانع عنه بعد اختصاص أدلة اعتبار الترتيب بالظهر والعصر
الواقعيين دون غيرهما والمفروض تحققه في المقام على كل تقدير (ولكن التحقيق) هو اعتبار
حصول الفراغ اليقيني من الظهر في صحة الاتيان بمحتملات العصر وذلك لما هو المختار عندنا
من طولية الانبعاث الاحتمالي عن الامتثال القطعي ولو بالمقدار الممكن ومع التمكن من تعيين
الساتر الطاهر المشتبه بغيره لا يجوز التكرار ولو مع اشتباه القبلة وعدم المناص من الامتثال
الاحتمالي بالقياس إليها ففي مفروض المثال الترتيب الواقعي وإن كان محفوظا كما ذكر الا ان
الاشتباه قبل الفراغ من الظهر من جهتين الأولى من جهة القبلة والثانية من جهة احتمال عدم
الفراغ من الظهر المترتب عليه فعل العصر شرعا (وبعبارة أخرى) إذا صلى الظهر إلى بعض
الأطراف ثم صلى العصر إليه قبل الاتيان ببقية محتملات الظهر فهو وإن كان يقطع بحصول
الترتيب بينهما وفعلية الامر بالعصر على تقدير كون القبلة في ذلك الطرف الا ان ذلك غير
محرز عنده حتى يكون الانبعاث عنه (ضرورة) احتمال عدم فعلية الامر بالعصر لاحتمال بقاء
الاشتغال بالظهر واقعا فلو فرض كون القبلة في ذلك الطرف واقعا فقد أتى بالمأمور به الواقعي
من دون احراز امره مع فرض التمكن منه والمفروض تأخر الامتثال الاحتمالي عن الامتثال
القطعي ولو بالمقدار الممكن (الرابع) قد ذكرنا في بحث الشبهة التحريمية ان الساقط ابتداء عند
اشتباه الحرام في غير المحصور هو حرمة المخالفة القطعية التي هي الأساس لوجوب الموافقة
كذلك وهذا بخلاف الشبهة الوجوبية فان الساقط فيه ابتداء هو وجوب الموافقة القطعية لعدم
التمكن منها فيبقى حرمة المخالفة القطعية على حالها ولازم ذلك هو وجوب الامتثال الاحتمالي
بالمقدار الممكن من دون فرق بين أن يكون الترديد من جهة تردد نفس الواجب أو موضوعه
أو قيوده فلو اشتبه الثوب الطاهر بغيره لوجب تكرار الصلاة بالمقدار الممكن (وهذا) في القيود
التي لا بدل لها (في غاية الوضوح) (واما) فيما كان له بدل كالطهارة المائية (فهل) مقتضى
284

القاعدة فيه (هو) الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي (أم لا) مثلا إذا كان الماء الواجد لشرائط
الوضوء به مرددا بين أمور غير محصورة (فهل) القاعدة تقتضي التنزل إلى التيمم (أو يجب)
الاتيان بمحتملات الوضوء (لا ريب) في سقوط الوضوء مع اشتباه الطاهر بغيره بمقتضى الامر
بالإراقة في المحصور فضلا عن غيره ولزوم التيمم (واما) مع اشتباه المطلق بغيره (فالمسألة)
محل اشكال وإن كان مقتضى ما قوينا سابقا من كون غير المحصور كعادم الشبهة هو لزوم التنزل
إلى التيمم أيضا الا ان الجمع مع ذلك هو الأحوط (هذا) في القيود الوجودية (واما) القيود
العدمية كما إذا تردد غير المأكول أو الماء المتنجس في أطراف غير محصورة فحالها حال تردد
الحرام المستقل في غير المحصور في عدم لزوم الاعتناء بالشبهة فيجوز الاكتفاء بصلاة واحدة
في ثوب واحد كما يجوز الاكتفاء بوضوء واحد أيضا
* (المقام الثاني) * في دوران الواجب بين الأقل والأكثر ولتوضيح الحال يقع البحث
في موارد (الأول) فيما إذا دار موضوع التكليف بين الأقل والأكثر وحيث انا قد بينا مرارا
ان موضوعات التكاليف هي الشرائط له في الحقيقة فلا محالة يكون التكليف عند وجود الأكثر
متيقنا وعند الأقل مشكوكا فيه فيكون موردا للبراءة (الثاني) فيما إذا دار متعلق التكليف
التحريمي بين الأقل والأكثر وحيث إن التحريم إذا كان متعلقا بمركب من أمور فلا محالة
يكون المبغوض هو وجود مجموع الاجزاء من حيث إنها كذلك لا كل جزء جزء فلا
يحرم ايجاد بعض الاجزاء من دون قصد ايجاد المجموع وعليه يكون حرمة الأكثر
متيقنة وحرمة الأقل مجردا مشكوكا فيها فيجري البراءة العقلية والنقلية في مورده (الثالث)
فيما إذا دار أمر السبب والمحصل بين الأقل والأكثر كما إذا شك في أن القتل الواجب هل
يحصل بضربة واحدة أم لا أو في أن الطهارة الخبثية أو الحدثية هل تحصل بالغسل مرة واحدة أو
المسح منكوسا أم لا وقد تقدم في مقام البحث عن معنى حديث الرفع عدم امكان اجراء
البراءة في باب الأسباب والمسببات مطلقا وأن ما توهم من اجراء البراءة عند الشك في
المحصلات الشرعية بين الأقل والأكثر مبتن على محال في محال فراجع (الرابع) فيما إذا دار
متعلق التكاليف الوجوبية بين الأقل والأكثر وهو على قسمين إذ ربما يكون الشك في جزئية
شئ لواجب معلوم واخرى في شرطية شئ له ويعبر عن الأول بالمركب الخارجي وعن الثاني
بالمركب التحليلي (والقسم الثاني) أيضا على قسمين إذ الشك في المركب التحليلي (ربما يكون)
285

في دوران الواجب بين النوع والجنس فيكون الشك في دخالة الفصل في الواجب وعدمها
(واخرى) في دوران الواجب بين المطلق والمقيد بوصف خاص (والقسم الثاني) أيضا
ينقسم إلى قسمين (إذ ربما) يكون الشك في التقييد بوصف خارجي كما إذا شك في كون
الواجب هي الصلاة أو الصلاة المقيدة بالطهارة (واخرى) يكون الشك في التقيد بوصف
متحد مع الموصوف في الوجود كما إذا شك في كون الواجب هو عتق الرقبة أو المقيد منها
بالايمان (والأقوال) في المسألة على ما هو المعروف ثلاثة (ثالثها) التفصيل بين المركب الخارجي
والتحليلي فتجري البراءة في الأول دون الثاني وعلى التفصيل (فهل الشك) في التقيد بوصف
خارجي يلحق بالمركب الخارجي حكما (أو لا) فيه قولان والأقوى عندنا هو جريان البراءة
في المركب الخارجي دون التحليلي والحاق الشك في التقييد بالوصف الخارجي بالشك في
الجزئية فالكلام يقع في جهات (الأولى) في الشك في جزئية شئ لواجب معلوم كما إذا دار
أمر الصلاة المعلوم وجوبها بين أن يكون السورة جزء لها أم لا وقبل الخوض في الاستدلال
لابد من بيان ان موارد الشك في الجزئية (هل هي) داخلة في الشك بين الأقل والأكثر
(أم هي) من قبيل الشك بين المتباينين (يظهر) من المحقق صاحب الحاشية والفصول
كون المورد من قبيل دوران الامر بين المتباينين وهما (قدهما) وإن أطالا الكلام في هذا
المقام إلا أن غاية ما يمكن ان يقال في تحقيق مرامهما هو ان الماهية اللا بشرط القسمي مباينة للماهية
المأخوذة بشرط لا أو بشرط شئ بالضرورة وإلا لما كانت أقسام الماهية اللا بشرط المقسمي
ثلاثة بل كان بعض الأقسام مقسما لبعض آخر وهو خلف محال وعلى ذلك فإذا دار أمر الواجب
بين أن تكون الصلاة الغير الملحوظ معها السورة أو الصلاة الملحوظ معها السورة فلا محالة
يكون الملحوظ مرددا بين أمرين (أحدهما) مقيد بشئ والآخر غير مقيد به ومن المعلوم ان
ما هو مقيد بشئ مغاير لما هو غير مقيد به مفهوما فكيف يمكن أن يكون أحدهما أقل والآخر
أكثر (وبعبارة أخرى) الواجب على تقدير كونه الأقل فلا محالة يكون الأقل ملحوظا للآمر
استقلالا وعلى تقدير كونه الأكثر فليس الأقل في ضمنه الا ملحوظا تبعيا والتباين بين اللحاظين
من الوضوح بمكان لا يخفي ومثل هذا التباين وإن لم يوجب الاحتياط بالتكرار لان الاتيان
بالأكثر موجب للفراغ يقينا إلا أنه يوجب عدم متيقنية الأقل الموجبة للانحلال المترتب عليه
جريان البراءة عن الأكثر (إلا أن التحقيق) ان تباين الماهية اللا بشرط القسمي مع الماهية
286

المأخوذة بشرط شئ أو بشرط لا مفهوما لا يضر بما نحن بصدده من رجوع الشك إلى الأقل
والأكثر إذ المفاهيم بما هي لا تكون متعلقة للتكاليف أصلا وإنما يتعلق التكاليف بها بما هي
مرآة للحقائق ولا ريب في أن تعلق التكليف بذات الأقل اي الحقيقة الخارجية معلوم على
كل تقدير والشك إنما هو في تعلقه بالزائد فكون مفهوم الماهية بشرط لا أو بشرط شئ مباينة
مع المهية لا بشرط أجنبي عن دوران حقيقة الواجب بين الأقل والأكثر الذي هو محل
الكلام في المقام * (ثم إنه) * إذا ظهر كون المقام من دوران الامر بين الأقل والأكثر
(فربما) يقع الكلام في انحلال العلم الاجمالي بالعلم بوجوب الأقل الأعم من وجوبه النفسي
والمقدمي على ما قربه شيخنا العلامة الأنصاري قدس سره (واخرى) من جهة العلم بتعلق
شخص الوجوب النفسي بالأقل فإنا قد ذكرنا في بحث مقدمة الواجب ان المقدمات الداخلية
لها جهتان جهة المقدمية للواجب النفسي وجهة الاتحاد معه (فتارة) يقع البحث في الانحلال
من جهة المقدمية (واخرى) من جهة الاتحاد اما الانحلال من جهة الأولى فالحق عدمه
فإن الملاك في الانحلال هو كون المعلوم التفصيلي بحيث يمكن انطباق المعلوم بالاجمال عليه
وهذا لا يكون الا مع اتحاد المعلوم بالتفصيل مع المعلوم اجمالا سنخا كما إذا علم بوجود النجاسة
في أحد الإنائين فعلم نجاسة أحدهما تفصيلا فإن القضية المنفصلة المانعة الخلو التي بها قوام
العلم الاجمالي تنحل إلى قضيتين لا محالة إحداهما متيقنة وهي نجاسة أحد الإنائين والاخرى
مشكوكة واما إذا كان المعلوم بالاجمال مغايرا مع المعلوم بالتفصيل فيستحيل الانحلال كما إذا
علم نجاسة أحد الإنائين اجمالا ثم علم حرمة أحدهما تفصيلا اما لنجاسته أو غصبيته فإن المعلوم
تفصيلا حيث أنه الجامع بين النجاسة والغصب فليس هو مما يمكن انطباق المعلوم بالاجمال الذي
هو خصوص النجاسة عليه إلا على تقدير كون الحرمة المعلومة ناشئة عن النجاسة وهي مشكوكة
لا مقطوعة فلا ينحل المنفصلة إلى قضيتين إحديهما متيقنة والاخرى مشكوكة كما كان الامر
كذلك مع الاتحاد في السنخ وما نحن فيه من هذا القبيل فإن المفروض ان المعلوم بالاجمال
هو الوجوب النفسي المردد بين تعلقه بالأقل أو الأكثر والمعلوم بالتفصيل هو وجوب الأقل
الجامع بين كونه نفسيا أو مقدميا (وحيث) ان الوجوب المقدمي وجوب تبعي قهري لا يترتب
على موافقته ومخالفته ثواب وعقاب ولا يمكن قصد التقرب به على ما حققنا جميع ذلك في
بحث مقدمة الواجب (فلا محالة) يكون المعلوم بالتفصيل هو الجامع بين ما ينطبق على المعلوم
287

بالاجمال وما لا ينطبق عليه فلا يعقل انحلال العلم الاجمالي به مثلا إذا فرضنا العلم بوجوب
نصب السلم تفصيلا ولكن تردد الامر بين كونه مقدمة للكون على السطح الواجب نفسا وكونه
بنفسه واجبا نفسيا فلا محالة يكون لنا علم اجمالي بوجوب شئ نفيسا اما الكون على السطح أو
نصب السلم وعلم تفصيلي بوجوب نصب السلم الجامع بين الوجوب النفسي والغيري لكن
العلم التفصيلي لعدم كونه متعلقا بما هو من سنخ المعلوم بالاجمال يستحيل كونه موجبا لانحلاله
والامر في المقدمة الداخلية على تقدير كون دعوى الانحلال من جهة المقدمية يكون كذلك
عينا (واما) الانحلال من الجهة الثانية (فلا يرد عليه) ما ذكر إذ المفروض أن المعلوم التفصيلي إنما
هو عين المعلوم بالاجمال ونفسه لما ذكرنا في محله ان الوجوب المتعلق بالمركب ينبسط بنفسه على
كل واحد واحد من اجزائه فيكون لكل منها حظ من الوجوب النفسي المتعلق بالأكثر وعليه
فانبساط الوجوب على الأمور المعلومة جزئيتها للواجب النفسي معلوم والشك إنما هو في وجوب
الزائد فالمعلوم بالاجمال إنما هو من سنخ الوجوب المعلوم بالتفصيل فلا محالة ينحل القضية المنفصلة
المانعة الخلو إلى قضيتين حمليتين إحديهما متيقنة والاخرى مشكوكة وهذا هو ميزان الانحلال
في موارد العلم الاجمالي (هذا ولكن التحقيق) مع ذلك عدم الانحلال عقلا فإن المعلوم التفصيلي
إذا كان بحيث يقطع المكلف بالفراغ من قبله بحيث لا يكون هناك إلا احتمال الاشتغال
بالأكثر لكان الانحلال في محله لكن الامر في المقام ليس كذلك (ضرورة) ان الشك
في جزئية المشكوك مع فرض الارتباطية يلازم الشك في حصول الفراغ حتى بالنسبة إلى الأقل
ومن المعلوم ان العقل يستقل بالاشتغال عند الشك في الامتثال فإن الاشتغال اليقيني يقتضي
البراءة اليقينية فمجرد العلم التفصيلي بوجوب الأقل مع الشك في حصول الامتثال عند الاكتفاء
باتيانه كيف يكون موجبا للانحلال مع حكم العقل بلزوم تحصيل الفراغ اليقيني ولو عن المقدار
المعلوم وجوبه وإن شئت قلت إن المقدار المعلوم في المقام هو وجوب الأقل الجامع بين كونه
لا بشرط بالقياس إلى المشكوك وكونه بشرط شئ ومن المعلوم أن الجامع بينهما ليس إلا الطبيعة
المهملة ولا ينتج ذلك إلا قضية جزئية لا مطلقة ولازم ذلك هو العلم بتحقق الواجب عند
اتيان الأكثر ليس إلا ومن المعلوم أن المعلوم بالاجمال لم يكن إلا وجوبا دائرا أمره بين تعلقه
بالأقل أي الماهية اللا بشرط القسمي أو الأكثر أي الماهية بشرط شئ والمعلوم التفصيلي ليس
إلا نفس الماهية المهملة لا المطلقة فلو كان هناك انحلال للزم أن يكون العلم الاجمالي منحلا بنفسه
288

وهذا غير معقول (والحاصل) ان الانحلال في المعلوم بالاجمال إنما يكون بانقلاب القضية المهملة
إلى المطلقة كما في موارد الأقل والأكثر الغير الارتباطيين واما في الموارد الارتباطية
فالمعلوم تفصيلا إنما هو عين المعلوم بالاجمال والقضية مهملة إلى الأبد فكيف يتصور انحلال
العلم الاجمالي مع بقائه على ما هو عليه من التردد والاهمال (هذا) وقد (ذكر المحقق صاحب
الكفاية) (قده) في وجه عدم الانحلال ما هو من غرائب الكلام (فإنه قده) جعل وجوب
الأقل متوقفا على فعلية التكليف وتنجزه ولو كان متعلقا بالأكثر فيلزم من الانحلال المتوقف
على وجوب الأقل مطلقا والمستلزم لعدم تنجز الأكثر خلف محال (وأيضا) يلزم من الانحلال
عدم لزوم الاتيان بالأكثر ولازمه عدم تنجز التكليف مطلقا ولو كان متعلقا بالأكثر ولازمه
عدم لزوم الأقل مطلقا ولازمه عدم الانحلال فيلزم من الانحلال عدمه وهو محال (وأنت خبير)
بأن الانحلال يتبع معلومية التكليف بالأقل على كل حال ومشكوكية التكليف بالأكثر ولا يتوقف
تنجز الأقل الثابت بالعلم على تنجز الأكثر أصلا فوجوب الأقل على تقدير كونه جزء للأكثر
واقعا وإن كان تابعا لوجوبه بل مترشحا منه بناء على الوجوب المقدمي إلا أن معلوميته وجدانية
ولا توقف لها على شئ والانحلال متفرع على المعلومية لا على شئ آخر فلا يلزم الخلف ولا من
وجود الانحلال عدمه (هذا كله) في الانحلال العقلي (وأما شمول) أدلة البراءة الشرعية للمقام (فالتحقيق)
انه لا مانع عنه حتى بناء على كون المقام من قبيل دوران الامر بين المتباينين والسر في
ذلك ان الشك في كون الماهية المأمور بها مأخوذة لا بشرط بالإضافة إلى الجزء المشكوك أو
بشرط شئ بالقياس إليه عبارة أخرى عن الشك في كون الماهية مطلقة أو مقيدة وقد ذكرنا
مرارا ان التقابل بين الاطلاق والتقييد إنما هو تقابل العدم والملكة فشمول حديث الرفع
للجزء المشكوك ونفي جزئيته من جهة الشك في انبساط الامر النفسي إليه يثبت الاطلاق
الظاهري وان المهية المأمور بها ليست في مقام الظاهر مقيدة وإن كانت في الواقع كذلك ومع
ثبوت اطلاق المأمور به ولا بشرطيته ولو ظاهرا فلا محالة يتحقق الانحلال ويرتفع الاجمال
المانع عنه (فإن قلت) كيف المقال على ما هو المشهور من كون التقابل بين الاطلاق والتقييد
تقابل التضاد فهل يكون اثبات الاطلاق بعدم التقييد بالأصل الا مبتنيا على القول بالأصول
المثبتة (قلت) مضافا إلى أن عدم الانحلال على ما ينسب إلى المشهور مع عدم صحة النسبة على
ما أشرنا إليه في بحث المطلق والمقيد لا يضرنا بعد ما أثبتناه من كون التقابل بينهما تقابل العدم
289

والملكة على ما هو المعروف بين المحققين بعد سلطان العلماء قدس الله اسرارهم ان كون الاطلاق
أمرا وجوديا ملازما لعدم التقييد على تقدير صحته فإنما هو من الأمور العقلية الدقيقة والعرف
لا يرى الاطلاق إلا نفس عدم التقييد فلا يكون بنظر العرف واسطة لثبوت الاطلاق بحديث الرفع
وسيأتي في بحث الاستصحاب إن شاء الله تعالى ان دعوى خفاء الواسطة في بعض الموارد مما
لا معنى لها أصلا بل العرف اما ان لا يرى الواسطة أو يكون الواسطة جلية ففي المقام حيث إن
حديث الرفع يعطي في كل مورد ما هو مناسب له بنظر العرف فلا محالة يكون الثابت في المقام
هو الاطلاق المتحد مع عدم التقييد بنظرهم وإن كان العقل يرى أحدهما لازما للآخر (هذا)
وقد (أفاد المحقق صاحب الكفاية) (قده) في هامشها ما حاصله ان شمول حديث الرفع للمقام
يتوقف على أن لا يكون المعلوم بالاجمال حكما فعليا من تمام الجهات بحيث يكون المولى بصدد
تحصيله لا محالة والا فالعقل يستقل بالاشتغال ولزوم تحصيل اليقين بالفراغ ولا يبقى مجال
لشمول دليل الرفع (وأنت خبير) بأن الحكم الفعلي بالمعنى الذي ذكره (قده) وإن كان مانعا
عن شمول دليل الرفع بل عن جعل مطلق ما يكون مصيبا للواقع مرة ومخطئا أخرى أصلا كان
أم امارة إلا أن فرض مثل ذلك الحكم في الشريعة كفرض أنياب الأغوال الملحق بالمستحيلات
فليس ما ذكره إلا فرضا غير منطبق على واقع أصلا * (ثم إن العلامة الأنصاري) * (قده)
بعد ما حكم بالبراءة في موارد دوران الامر بين الأقل والأكثر استثنى من ذلك ما إذا أمر
المولى بمركب يعلم أن المقصود منه تحصيل عنوان يشك في حصوله إذا اتى بذلك المركب
بدون ذلك الجزء المشكوك كما إذا أمر بمعجون وعلم أن المقصود منه اسهال الصفراء بحيث كان
هو المأمور به في الحقيقة أو علم أنه الغرض من المأمور به فان تحصيل العلم باتيان المأمور به لازم
(وظاهر) هذه العبارة مغايرة معلومية العنوان للغرض المعلوم من الامر والظاهر أن مراده (قده)
من معلومية العنوان هو ما ذكرناه سابقا من عدم جريان البراءة في المسببات التوليدية التي هي
عناوين لأسبابها عرفا أو قيود لها عقلا ومراده من الغرض ليس هو ملاكات الاحكام ظاهرا
لما سيصرح بعد ذلك بعدم لزوم تحصيل الملاكات بل الظاهر أن مراده هو ما افاده في بحث
التعبدي والتوصلي بعد اثبات استحالة أخذ قصد القربة في متعلق الأمر وابطال التفرقة بين
التعبدي والتوصلي بالجعل الثاني لتوهم ان مرجع الجعل الثاني إلى كون قصد القربة واجبا في
واجب وهذا أجنبي عن عبادية الواجب وعدم سقوطه إلا بقصد القربة من أن التفرقة بينهما
290

إنما هي باعتبار اختلاف حقيقة الامر التعبدي والتوصلي ذاتا فان جعل الواجب التوصلي إنما هو
لأجل الاتيان به بأي داع كان واما الواجب التعبدي فتشريعه انما هو لأجل التعبد به فهوية
الامر التعبدي متكيفة بكيف ومتلونة بلون خاص لا يسقط الا بقصد التقرب فعند الشك في كون
الواجب تعبديا أو توصليا لا يمكن الرجوع إلى البراءة لدوران الامر بين المتباينين (وأنت خبير)
بأن المثال المذكور في كلامه لا ينطبق على شئ من الامرين المذكورين في كلامه (اما عدم)
انطباقه على الغرض بالمعنى الذي فسرناه (فظاهر) إذ مصداقه منحصر بقصد القربة كما عرفت
(وأما عدم) انطباقه على العنوان (فلان العنوان) المعلوم الموجب لعدم جواز الرجوع إلى
البراءة الذي هو المأمور به في الحقيقة لا بد وأن يكون أمرا اختياريا لترتبه على فعل اختياري
بلا وساطة شئ آخر ومن المعلوم ان اسهال الصفراء بالقياس إلى شرب الدواء ليس كذلك
بل الشرب المذكور من علل اعداده فربما يترتب الاسهال عليه وأخرى لا يترتب فكيف يعقل
أن يكون اسهال الصفراء الذي هو خارج عن اختيار المكلف عنوانا للمأمور به حتى يكون هو
المأمور به في الحقيقة (هذا) بالنسبة إلى المثال (وأما) بالنسبة إلى أصل المطلب فاستثناء صورة
معلومية العنوان من موضوع الحكم بالبرائة قد عرفت انه مقتضى التحقيق واما استثناء الغرض
عن ذلك فليس بصحيح لما عرفت في بحث التعبدي والتوصلي من أن التفرقة بين الامرين
انما هو بالجعل الثاني الموجب لنتيجة التقييد وان الجعل الثاني إذا كان ناشئا عن ملاك الجعل
الأول يستحيل أن يكون مفاده إيجاب شئ في واجب آخر بل مورده ما إذا كان كل من
الجعلين ناشئا عن ملاك غير ما هو ملاك الآخر فيكون مرجع الشك في التعبدية إلى الشك
في جعل آخر وكونه موردا للبراءة في غاية الوضوح مع أن القول بالتفرقة بينهما بالغرض وان
الامر التعبدي انما شرع لأجل التعبد به بحيث كان هذا من لوازم ذاته إنما يتم على مذهب
صاحب الجواهر (قده) من لزوم الاتيان في العبادة بقصد امرها وهذا خلاف التحقيق حتى
عنده (قده) بل اللازم إنما هو لزوم الاتيان بالعمل لله بأي داع كان من قصد الامر أو
المحبوبية أو غيرهما من الدواعي القربية (مع انا) لو سلمنا ذلك (فغاية الامر) اتصاف الامر
العبادي بوصف زائد على الامر التوصلي بعد اشتراكهما في مطلوبية ما تعلقا به فيكون مرجع
الشك إلى اعتبار أمر زائد بعد معلومية مطلوبية أصل العمل فيكون من دوران الامر بين الأقل
والأكثر فيرجع إلى البراءة وأين ذلك من دوران الامر بين المتباينين وأدلة البراءة عامة لكل
291

ما يوجب كلفة على العبد واستحقاق العقاب على تركه على تقدير معلوميته سواء كان مطلوبيته
لأجل دخله في المأمور به واخذه فيه أو من جهة كونه من لوازم نفس الامر ومقصودا منه
(ثم إنه قده أشكل) على نفسه بما حاصله ان لازم استثناء الصورتين المذكورتين يستلزم القول
بالاشتغال في تمام موارد دوران الامر بين الأقل والأكثر على مذهب العدلية من تبعية الاحكام
للمصالح والمفاسد ضرورة ان ملاكات الاحكام من قبيل العناوين لمتعلقاتها ولا أقل من كونها
اغراضا منها ومع الاتيان بالأقل يشك في حصولها فلابد من القول بالاشتغال ولزوم الاتيان
بالأكثر حفظا للغرض (ثم أجاب قده) أولا بان القول بالبراءة أو الاشتغال في محل الكلام
لا يبتنى على مذهب العدلية فنحن نتكلم على مذهب الأشاعرة المنكرين للحسن والقبح
(وثانيا) بانا نحتمل دخل معرفة الوجه وقصده في حصول الغرض وحيث انه غير ممكن عند
دوران الواجب بين الأقل والأكثر فلا يبقى الا التخلص من العقاب وهو يحصل باتيان
ما علم بوجوبه وهو الأقل واما الزائد عليه فيستقل العقل بقبح المؤاخذة على تركه على تقدير
تركه لعدم البيان (وأنت خبير) بما في الجوابين (اما الأول) فلان جريان البراءة على مذهب
الأشعري أو على مذهب بعض العدلية الذاهبين إلى كفاية المصلحة في نفس الامر دون المأمور
به كيف يجدى لمن يرى تبعية الاحكام للملاكات في المتعلقات ولزوم تحصيلها المانع من الحكم
بالبراءة عند الشك (واما الثاني) فلان معرفة الوجه وقصده وان ذهب بعض إلى وجوبهما نظرا إلى
بعض البراهين المذكورة في علم الكلام للزومهما الا انه (قده) صرح في مواضع بالقطع بعدم
وجوبهما كما هو الصحيح لأنهما مما يبتلي بهما عامة المكلفين ولم يرد في الشرع ما يدل على وجوبهما
وليس هناك دليل قطعي ضروري عليه وانما ذهب من ذهب إلى الوجوب لبعض البراهين
النظرية المخدوشة في محلها وعدم الدليل في مثل ذلك دليل قطعي على العدم إذ لو كان لهما
دخل في غرض المولى للزم عليه البيان مع عدم ترتب محذور عليه وعدم كونه من المستقلات
العقلية الضرورية حفظا لغرضه ومع عدم البيان يقطع بعدم دخله في الغرض ومع ذلك فكيف
يمكن ان يقال بانا نحتمل دخل قصد الوجه ومعرفته في الغرض ومعه لا يمكن القطع بحصوله
حتى مع الاتيان بالأكثر (هذا والأولى) في تقرير الاشكال ان يقال إن ملاكات الاحكام
وان لم تكن من قبيل العنوانات لمتعلقات التكليف ولا من قبيل الأغراض بالمعنى المذكور وهو
ما كان مقصودا من الامر ولم يمكن اخذه في المتعلق الذي عرفت ان مصداقه منحصر بقصد
292

القربة عند الشيخ (قده) الا ان ما هو الموجب لعدم جريان البراءة في صورة الشك في حصول
العنوان أو الغرض بذلك المعنى موجب لعدم جريان البراءة عند الشك في حصول الملاك أيضا
وحيث إن باتيان الأقل لا يقطع بحصول ملاك الواجب المعلوم المردد بين الأقل والأكثر
فلا بد من الاتيان بالأكثر تحصيلا للملاك اللازم تحصيله فإن المقصود الأولي للامر انما هو
تحصيل ما يترتب على الفعل من الملاك كما كان المقصود من الامر هو حصول العنوان
أو الغرض فيما هو المفروض فكما ان كونهما مقصودا أوجب الحكم بالاشتغال وعدم جواز الرجوع
إلى البراءة فكذلك مقصودية الملاك وعليته للوجوب توجب الحكم بالاشتغال عند الشك في حصوله
(وبالجملة) الغرض بهذا المعنى وإن كان مغايرا للغرض بذاك المعنى الأولي الا ان ما هو
الموجب للاحتياط موجب له فيه أيضا (ولا يتوهم) ان جريان البراءة عن الزائد وشمول
حديث الرفع له يوجب جواز الاكتفاء بالأقل في هذا الفرض (فإن الملاك) البسيط إذا كان
تحصيله لازما وشك في حصوله عند الاتيان بالأقل فلا يمكن اثبات محصلية الأقل
له بنفي الزائد وقد ذكرنا غير مرة ان شمول دليل لمورد إذا كان محتاجا إلى مؤنة
أخرى فلا يمكن الحكم بشموله له واثبات تلك المؤنة الا إذا كان واردا في مورد
خاص بخصوصه فلابد من الحكم بثبوت تلك المؤنة صونا لكلام الحكيم عن اللغوية وأين
ذلك من مثل حديث الرفع الغير المختص بمورد مخصوص وسيتضح ذلك في بحث الأصل
المثبت إن شاء الله تعالى (وتحقيق الجواب) عن هذا الاشكال يتوقف على بيان مقدمات
(الأولى) أن ما لا يمكن تعلق الإرادة التكوينية به لا يمكن تعلق الإرادة التشريعية به
أيضا والوجه فيه ظاهر فإن الإرادة التشريعية إنما هي لتحريك عضلات العبد وارادته نحو شئ
فإذا فرضنا استحالة ذلك في الخارج فيستحيل تعلق الإرادة التشريعية به أيضا (الثانية) ان
الإرادة الداعية المتعلقة بشئ إذا كان متعلقها أمرا مقدورا اختياريا فلا محالة يتعلق بها الإرادة
الفاعلية أيضا فيتحد متعلق الإرادتين فيكون المقصود الأولي هو بعينه ما ينبعث إليه الفاعل
في الخارج وأما إذا كان أمرا غير اختياري نظير كون الزرع سنبلا فلا محالة يتعلق الإرادة الفاعلية
بمقدماته لكن العلة الداعية إلى تعلقها بها هو تعلق القصد إلى ذي المقدمة والا فنفس المقدمة
غير مقصودة بنفسها أصلا (الثالثة) ان الآثار المترتبة على الأفعال الاختيارية (اما ان لا يكون)
هناك واسطة بينهما من جهة كون الفعل الاختياري علة تامة للأثر المترتب عليه أو جزءا خيرا
293

منها (أو يكون) في البين واسطة غير اختيارية ككون الزرع سنبلا المحتاج في ترتبه على
الزرع الذي هو فعل اختياري إلى مقدمات ملكية وملكوتية وحيث إن تعلق الإرادة الفاعلية
في القسم الثاني بالأثر مستحيل فلا محالة يستحيل تعلق الإرادة الآمرية به أيضا وإن كان
هناك إرادة آمرية فلا بد وأن تتعلق بالمقدمات ليس إلا (هذا) بحسب مقام الثبوت (واما
بحسب مقام الاثبات) فإن كان الأثر مما تناله يد العرف كالطهارة الخبيثة فلا يفرق فيه بين
تعلق الامر الشرعي بنفس الأثر أو بمقدماته إذ العرف يستكشف من الامر بالمقدمة تعلق الامر
بذي المقدمة أيضا وأما إذا لم يكن كذلك بان لم يكن لهم طريق إلى معرفة كون الأثر
من اي القسمين فإن كان الامر الشرعي متعلقا بالأثر فيستكشف منه مقدوريته وأنه من قبيل
ما يترتب على الفعل الاختياري بلا واسطة وإلا لما أمكن البعث نحوه وإن كان متعلقا بالمقدمة
دونه فبتبعية مقام الاثبات لمقام الثبوت يستكشف ان الأثر المترتب خارج عن تحت القدرة
والاختيار وإلا لكان البعث نحو غيره مع أنه هو المقصود الأولي على خلاف الحكمة والغرض
وقد ذكرنا تفصيل ذلك في بحث الصحيح والأعم فراجع (إذا عرفت ذلك) فنقول أن الأحكام الشرعية
وإن كانت تابعة للملاكات التي في متعلقاتها على ما هو الصحيح عند العدلية إلا انها
من جهة عدم كونها مما تنالها يد العرف لعدم معرفتهم بها بالضرورة فالشارع هو المكلف
بايقاع امره على نحو يفي بغرضه وحيث أن المفروض عدم تعلق الامر الشرعي إلا بنفس
الافعال فيستكشف منه عدم قابلية الأغراض لتعلق الامر بها لا بنحو الاستقلال ولا بنحو
التقيد فالعقل يستقل بعدم لزوم تحصيلها على المكلف فإن الواجب عليه هو تحصيل ما تعلقت به
إرادته التشريعية فكل ما تعلقت به ارادته يجب تحصيله عليه وغيره لا يجب عليه تحصيله
وإن كان له دخل في الغرض واقعا فإن الشارع في مثل الفرض هو الذي أخل بغرضه بعدم
اخذه في متعلق امره دون المكلف فعند احتمال دخل شئ في الغرض الداعي إلى امره مع
عدم اخذه في متعلق الأمر لا يكون الشك راجعا إلى الشك في الامتثال كما هو ظاهر (فان قلت)
ما ذكرت إنما يتم فيما إذا علم عدم تعلق الامر بشئ واحتمل دخله في الغرض فإن في مثله
نلتزم بعدم لزوم تحصيل الغرض لما عرفت (واما) إذا احتملنا تعلق الامر به وعدم وصوله
إلينا لمانع خارجي كما هو المفروض في محل البحث (فلا قصور) في أمر الشارع من حيث تطبيق
ما تعلق به غرضه على متعلق امره وحيث أن الشك في حصول الغرض حينئذ يرجع إلى
294

الشك في حصول امتثال الامر المعلوم فإن بقاء الامر كحدوثه معلول للغرض فلا مناص من
القول بالاشتغال لان الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية (وبعبارة واضحة) الغرض من
المأمور به وإن لم يكن بنفسه مأمورا به ولا من قيوده إلا أنه لا ريب في تعلق الامر بما هو
مقدمة اعدادية لم ويجب تحصيلها من المكلف وحيث انها مرددة بين الأقل والأكثر فلا بد
من الاتيان بالأكثر تحصيلا للفراغ اليقيني إذ بدونه يكون سقوط الامر الفعلي مشكوكا فيه
لا محالة (قلت) الأغراض الواقعية إذا كانت بحيث يلزم استيفائها حتى حال الجهل فحيث
أن الأوامر الواقعية لا تفي بها في تلك الحال فلا بد من جعل المتمم لها وهو ايجاب الاحتياط
على ما هو الميزان في كل مورد لا يفي أمر المولى بغرضه سواء كان نتيجة جعل المتمم هو الايجاب
النفسي أو المقدمي أو الطريقي على ما عرفت تفصيله في بحث وجوب المقدمة فإذا علم عدم
جعل الاحتياط في المقام فيستكشف منه عدم كون الغرض الواقعي من ذاك القبيل وإذا شك
فيه فيكون ذلك مشكوكا فيه لا محالة أيضا وحيث إن مرجع الشك حينئذ يكون إلى شك في
جعل وجوب الاحتياط في ظرف الجهل فيجري فيه البراءة عقلا ونقلا خصوصا على ما هو
التحقيق عندنا وعند العلامة الأنصاري (قده) من كون ايجاب الاحتياط هو الموجب لاستحقاق
العقاب على مخالفة نفسه عند مصادفة الواقع لا على مخالفة الواقع فإنه مع العلم بايجاب الاحتياط
لا يكون الواقع بمحرز لا بنفسه ولا بطريقه فيقبح العقاب على مخالفته فإنه على ذلك يكون جريان
البراءة فيه أوضح من جريانها في نفس الجزئية أو الشرطية فإنه وإن منعنا عن جريان البراءة
العقلية في موارد الشك في الجزئية أو الشرطية إلا أنه لا نمنع عن جريانها في المقام فإن الشك
حينئذ يكون متعلقا بتكليف مجعول استقلالا وإن كان طريقيا بالقياس إلى الواقع (فتحصل) أن
التفويت في محل البحث غير مستند إلى المكلف أصلا بل هو مستند إلى الشارع بعدم جعله الاحتياط
في ظرف الجهل ولزوم تداركه عليه لاستلزامه القبح بدونه على تقدير الالتزام به أجنبي عن جريان
البراءة وعدمه (وبالجملة) لزوم حفظ الغرض مطلقا إنما هو وظيفة المولى وما هو في ذمة المكلف ليس إلا
الاتيان بمتعلق امره والتحرك عن تحريكه فكيف يعقل مع ذلك الشك في عدم سقوط
الامر حتى يكون موردا لقاعدة الاشتغال
* (تتميم) * ربما يتمسك بالاستصحاب في المقام لاثبات الاشتغال بالأكثر تارة
وللقول بالبراءة أخرى (اما الأول) فبتقريب أن الوجوب المردد بين تعلقه بالأقل والأكثر
295

معلوم التحقق سابقا ومشكوك البقاء بعد الاتيان بالأقل فيستصحب بقاؤه (ويرد) عليه
(مضافا) إلى ما عرفت من عدم جريان الاستصحاب في موارد العلم الاجمالي بالتكليف
مطلقا ولو كان بين المتباينين (انه) على تقدير تماميته لا يتم في موارد الدوران بين الأقل
والأكثر فإن المعلوم تحققه سابقا بعد الفراغ عن جريان البراءة عن المشكوك هو وجوب
الأقل ليس إلا فلا يبقى مورد لجريان الاستصحاب بعد الاتيان به (وبعبارة أخرى) الشك
في بقاء الوجوب بعد الاتيان به مسبب عن الشك في وجوب الجزء المشكوك ومع جريان البراءة
عنه كما هو المفروض يرتفع الشك في البقاء بالضرورة (واما الثاني) فقد قيل في تقريبه على
ما افاده العلامة الأنصاري (قده) وجهان (الأول) هو التمسك باستصحاب عدم وجوب
الأكثر من جهة انه ماهية مستقلة في اللحاظ يشك في وجوبه (وفيه) ان المستصحب
إن كان هو عدم الجعل الأزلي لوجوب الأكثر فيرد عليه (أولا) أن استصحاب عدم وجوبه
على تقدير جريانه معارض باستصحاب عدم وجوب الأقل فإن وجوبه الأعم من وجوبه الضمني
والاستقلالي وإن كان معلوما إلا أن خصوص وجوبه الاستقلالي مشكوك فيه ومبنى اجراء
الاستصحاب في عدم وجوب الأكثر على لحاظ الاستقلال وإلا فيرجع الشك إلى وجوب
الزائد دون وجوب الأكثر كما هو ظاهر (وثانيا) ان عدم الجعل بنفسه كما عرفت سابقا
لا يترتب عليه أثر إلا باعتبار اثبات عدم المجعول به فيكون جريانه حينئذ مبنيا على القول
بالأصول المثبتة (وإن كان) المستصحب هو عدم المجعول وهو الوجوب الفعلي عند تحقق
موضوعه (فيرد عليه) اشكال المعارضة لا غير (الثاني) هو التمسك باستصحاب عدم وجوب
ما يشك في جزئيته باعتبار ان وجوبه زائدا على وجوب المقدار المعلوم أمر حادث مشكوك فيه
(وفيه) ان المستصحب إن كان هو عدم الجعل فيرد عليه (أولا) ما عرفت من أن اثبات
عدم المجعول به يبتنى على القول بالأصل المثبت (وثانيا) ان المعلوم تحققه سابقا هو العدم المحمولي
المعلوم ارتفاعه في زمان الجعل اما بتعلق الجعل به على تقدير وجوب الأكثر واما بانقلابه إلى
العدم النعتي على تقدير وجوب الأقل فلا يجوز التمسك باستصحابه (وبعبارة أخرى) المشكوك
فعلا هو العدم النعتي وهو لا حالة سابقة له قبل الجعل فان ظرف تحققه هو حال الجعل لا غير
وما له حالة سابقة هو العدم المحمولي وغير محتمل البقاء والتمسك باستصحاب كلي العدم
لاثبات العدم النعتي يكون مبنيا على القول بالأصل المثبت أيضا (وإن كان) هو عدم المجعول
296

(فيرد) عليه الاشكال الثاني من عدم وجود الحالة السابقة أو المثبتية لا غير ولو جعل المستصحب
هو عدم لحاظ ما يشك في جزئيته حال الامر بالمركب ولحاظه فالاشكال أوضح
* (المقام الثاني) * فيما إذا كان دوران الامر بين الأقل والأكثر من جهة الشك في اعتبار
الاجزاء التحليلية أعني بها الشروط والموانع ومسائلها ثلاث (الأولى) فيما إذا شك في اعتبار أمر خارجي
مغاير للمأمور به في الوجود شرطا فيه كما إذا شككنا في اشتراط صحة عمل المستحاضة باغتسالها
ليلا (والحكم فيه) البراءة وقد ظهر وجهه مما ذكرناه في وجه الرجوع إليها عند الشك في الجزئية
فلا نعيد (الثانية) فيما إذا شك في اعتبار أمر خارجي غير مغاير للمأمور به في الوجود وهذا على
قسمين (إذ ربما) يكون القيد المحتمل اعتباره من قبيل الأمور المقومة للمأمور به (واخرى)
لا يكون كذلك بل يكون اعتباره على تقديره كاعتبار القيود الخارجية من أنه يحتاج
إلى مؤنة زائدة في عالمي الثبوت والاثبات وهذا كما إذا شك في أن المأمور به هل هو عتق
مطلق الرقبة أو خصوص المؤمنة منها فان اعتبار قيد الايمان في المأمور به محتاج في عالم الثبوت إلى
لحاظ زائد مغاير للحاظ نفس الرقبة وفي عالم الاثبات إلى دليل دال على اعتباره بالخصوص
(فإن كان) من قبيل الأول بحيث كان المحتمل اعتباره من قبيل الفصل بالإضافة إلى الجنس
فالحق انه مورد لقاعدة الاشتغال وذلك فان الامر المتعلق بالنوع لا ينحل ولو بالدقة إلى
الامر بجنسه وفصله فان شيئية الشئ بفصله وصورته لا بجنسه ومادته فالمادة المجردة بما هي
يستحيل تعلق الطلب بها بل لابد من اعتبار الفصل معها فإذا شك في اعتبار فصل مخصوص فيرجع
الشك إلى أن المعتبر في المأمور به هل هو خصوص فصل معين أو أحد الفصول لا بعينها فيكون من
موارد دوران الامر بين التخيير والتعيين من دون أن يكون هناك جهة متيقنة وقد عرفت في
محله ان القاعدة في مثله تقتضي الاشتغال والالتزام بالتعيين دون التخيير (وإن كان) من قبيل
الثاني فالتحقيق يقتضي الرجوع فيه إلى البراءة فان القيد المحتمل اعتباره وان لم يكن مغايرا
للمأمور به في الوجود الا ان المفروض ان اعتباره محتاج إلى مؤنة زائدة ثبوتا واثباتا فمع الشك
في تعلق الطلب زائدا على الطلب المتعلق بالمطلق يرجع إلى البراءة حتى العقلية منها بناء على جريانها
عند الشك في الجزئية وذلك لعدم تمامية البيان بالقياس إلى القيد المحتمل اعتباره فلولا الاشكال
المتقدم في جريان البراءة العقلية عند الشك في الجزئية من جهة الارتباطية لقلنا بجريانها في المقام
أيضا (فما عن) العلامة الأنصاري والمحقق صاحب الكفاية (قدهما) من منعهما عن جريان
297

البراءة في مطلق دوران الواجب بين المطلق والمقيد (في غير محله) والصحيح هو ما ذكرناه
من التفصيل (ثم لا يخفى) ان التمييز بين القسمين انما هو بالرجوع إلى العرف فكل قيد يوجب
تخلفه الخيار في باب المعاملات يكون من القيود الغير المقومة وكل قيد يوجب تخلفه مباينة ما وقع
عليه العقد لما هو الموجود خارجا فيوجب البطلان في المعاملة يكون من القيود المقومة وتمام الكلام
في محله (الثالثة) فيما إذا شك في اعتبار أمر عدمي في الواجب من جهة الشك في المانعية وهو علي
قسمين (الأول) ما إذا كان الشك في الاعتبار من جهة احتمال اعتبار المانعية لشئ ابتداء وهذا
لا ريب في كونه موردا للبراءة لعدم الفرق بينه وبين الشك في الشرطية أصلا (الثاني) ما إذا
كان الشك فيه ناشئا من احتمال الحرمة النفسية وهو أيضا على قسمين فان الحرمة الموجبة لتقييد
الواجب بقيد عدمي (قد تكون) موجبة له بوجودها الواقعي ولو لم يكن واصلا إلى المكلف كما
إذا بنينا على امتناع اجتماع الأمر والنهي من الجهة الأولى على ما عرفت الحال فيه في محله من أن
ذلك يوجب وقوع المعارضة بين دليلي الواجب والحرام فتقدم دليل الحرمة كما هو المفروض
يوجب خروج مورد الاجتماع عن اطلاق دليل الواجب بالكلية (وقد لا تكون) موجبة له
الا مع وصول الحرمة وتنجزه كما إذا بنينا على جواز الاجتماع من تلك الجهة ومغايرة متعلق الأمر
مع متعلق النهي واقعا فان التنافي بين دليل الواجب والحرمة حينئذ في مقام الفعلية لعدم
قدرة المكلف على الامتثالين في مورد الاجتماع فيكون رفع اليد عن دليل الواجب وتقديم الحرمة
من جهة المزاحمة لا غير وقد عرفت غير مرة ان كل تكليف مزاحم لتكليف اخر انما يكون مزاحما
له بعد تنجزه ووصوله ضرورة ان ما لا يكون شاغلا للمكلف بنفسه من جهة الجهل به كيف يمكن
أن يكون معجزا عن الغير حتى يوجب تقييده (اما القسم الثاني) وهو ما إذا كان الحرمة المحتملة
موجبة للتقييد في ظرف الوصول (فلا ريب) في أن الشك الموجب لجريان البراءة عنها يوجب
القطع بعدم وجود المانع إذ المفروض اختصاص المانعية بصورة تنجزها فمع عدم التنجز يكون
المانعية مقطوع العدم فلا معنى للرجوع إلى البراءة من جهتها (واما القسم الأول) فيفرق فيه
بين القول بان المانعية مترتبة على الحرمة وفي مرتبة متأخرة عنها والقول بأنها مجعولة في عرضها فإنه
على القول بالعرضية وعدم ترتب المانعية على الحرمة فأي أصل فرضنا جريانه لاثبات الحلية ورفع
الحرمة لا يثبت انتفاء ما هو من لوازم الحرمة واقعا كما هو ظاهر فتحتاج في رفع المانعية إلى
التمسك بالبراءة من جهتها لا محالة واما على القول بالترتب والطولية فيفرق بين الأصول التنزيلية
298

وغيرها فان المثبت لعدم الحرمة إن كان هو الاستصحاب مثلا فيثبت به لوازمه الواقعية المترتبة
عليه فيرتفع الشك في المانعية فلا يبقى مجال للتمسك بالبراءة من جهتها واما إذا كان المثبت له
مثل أصالة الإباحة ونحوها من الأصول الغير التنزيلية فلا يترتب عليه الا آثار الحلية ظاهرا فيبقى
احتمال المانعية التي هي من لوازم الحرمة واقعا على حاله فلابد في رفعه من التمسك بالبراءة من
جهتها أيضا (فقد ظهر) ان عدم تنجز الحرمة لا يكفي عن الرجوع إلى البراءة من جهة احتمال
المانعية مطلقا بل هو مختص ببعض الصور دون بعض وقد ذكرنا شطرا من ذلك في بحث
النهي عن العبادة فراجع
* (تتميم) * قد ظهر مما ذكرناه جواز التمسك بالبراءة عند الشك في دوران المأمور به
بين الأقل والأكثر من جهة فقدان النص (واما) إذا كان الشك من جهة اجمال اللفظ كما
إذا شك في صدق لفظ الصلاة على فاقدة السورة مثله (فربما يقال) فيه بعدم جريان البراءة نظرا
إلى أن وجوب الصلاة إذا كان معلوما فلا بد من تحصيل اليقين باتيانها خارجا لأنه مقتضى
الاشتغال اليقيني ومع الشك فيه فلا مناص عن الرجوع إلى قاعدة الاشتغال (ويرد عليه) ان
المأمور به إذا كان نفس العنوان والمفهوم وكان المأتي به محصلا له في الخارج فلا مناص عن
الالتزام بما ذكر لكن الامر ليس كذلك لما بيناه في بحث الصحيح والأعم من أن المفاهيم انما
تؤخذ في متعلقات التكاليف بما انها حاكية عن الحقائق وما هو متعلق الأمر ليس الا نفس
الحقيقة وعليه يكون المأتي به خارجا بعينه هو الذي تعلق به الامر فإذا اتى بالمقدار المتيقن
فقد اتى بنفس ما علم تعلق الامر به لا بمحصله والمفروض عدم العلم بوجوب الزائد عليه فيتمسك
معه بالبراءة (وبالجملة) جريان البراءة موقوف على انحلال الامر المعلوم بالاجمال إلى مقدار
معلوم والى مقدار مشكوك زائد عليه وكون منشأ الشك هو اجمال النص أو فقدانه أجنبي عن
ملاك جريانها بالكلية (ومن هنا) يظهر جواز التمسك بها فيها إذا كان الشك ناشئا من تعارض
النصين أيضا لولا ورود الاخبار العلاجية بعدم جواز طرح الخبرين ولزوم الاخذ بأحدهما
تخييرا فان القاعدة الأولية تقتضي سقوط المتعارضين والرجوع إلى الأصل الجاري في البين
(نعم) هناك كلام في أن العام أو المطلق الموافق لاحد المتعارضين يكون مرجحا لأحدهما أو
يكون مرجعا بعد تساقطهما قد تعرض له العلامة الأنصاري (قده) في المقام واختار أخيرا
كونه مرجعا على تقدير كون التخيير المستفاد من الأدلة تخييرا في المسألة الفقهية المتوقف على
299

عدم حجة فعلية واما على تقدير كون التخيير في المسألة الأصولية فمقتضى أدلته هو جعل كل
منهما على البدل حجة فعلية فلا يكون العام مرجحا فضلا عن مرجعيته لجواز الاخذ بالخبر
المخالف حينئذ وجعله حجة على خلاف العموم وسيجئ تنقيح المسألة في محله إن شاء الله تعالى
(هذا كله) فيما إذا دار الواجب بين الأقل والأكثر من جهة الشبهة الحكمية (واما إذا كان)
الدوران من جهة الشبهة الموضوعية (فالتحقيق) فيه وإن كان يقتضي الرجوع إلى البراءة أيضا
الا ان صريح عبارة شيخنا العلامة الأنصاري (قده) الرجوع فيه إلى الاشتغال على عكس
الشبهة الحكمية (وتوضيح الحال في المقام) يتوقف على بيان أمر وهو ان محل الكلام في المقام لا بد
وان يفرض فيما لا يرجع الشك فيه إلى الشك في المحصل بعد احراز المأمور به بكماله ضرورة
ان الشك في المحصل لا بد من الرجوع فيه إلى الاشتغال سواء كانت الشبهة موضوعية أو حكمية
وليس ذلك من مختصات الشبهة الموضوعية وكان تمثيل العلامة الأنصاري (قده) بما يرجع
الشك في إلى المحصل ناش إما من غفلته (قده) عن ذلك أو تخليه انحصار الشك في الأقل والأكثر
بموارد الشك في المحصل ليس الا (والتحقيق) ان الامر ليس على ذلك بل الشبهة الموضوعية
قد يكون الشك فيها راجعا إلى الشك في المحصل وقد يكون الشك في متعلق التكليف بنفسه
مثلا إذا فرضنا الامر باكرام العلماء (فقد يكون) اكرام كل فرد بنفسه واجبا مستقلا في قبال
الفرد الآخر على حسب تعدد افراد العالم (وقد يكون) كل فرد من الاكرام جزءا للواجب
بحيث لو فرضنا ترك الواحد من الافراد لما يحصل الامتثال أصلا وعلى كلا التقديرين يكون
كثرة افراد العلماء خارجا موجبة لسعة دائرة الواجب كما أن قلتهم توجب ضيقها لكن الفرق
هو ان الشك في عالمية فرد خارجي على الأول يوجب الشك في وجوبه الاستقلالي وعلى الثاني
يوجب الشك في وجوبه الضمني والشبهة في كلا القسمين وإن كانت موضوعية الا ان الأول
شبهة في التكليف الاستقلالي وفي الثاني شبهة في التكليف الضمني أعني بها الشك في الجزئية من
جهة الشبهة الموضوعية وكذا إذا فرضنا النهي عن لبس غير المأكول فقد يكون النهي نفسيا
استقلاليا منحلا إلى النواهي المتعددة حسب تعدد افراد غير المأكول خارجا فيكون الشك في
كون لباس متخذا من المأكول وغيره موجبا للشك في حرمة لبسه استقلالا وقد يكون نهيا
غيريا من جهة اعتبار عدمه في الصلاة مثلا بحيث يكون كل فرد من افراد غير المأكول له
مانعية مستقلة حسب ما في كل فرد من المفسدة الموجبة لجعل المانعية له فإذا شك في فرد انه من
300

غير المأكول فلا محالة يوجب ذلك الشك في مانعيته بعد العلم بمانعية غيره من الافراد المعلومة
فيتحقق الشك في المانعية من جهة الشبهة الموضوعية (واما الشك) في الشرطية من جهة الشبهة
الموضوعية (فلم نتحصل له) بمثال فإنه إذا فرض شرطية شئ كطهارة اللباس للصلاة فليس
مرجع ذلك إلى شرطية كل ما فرض فردا من اللباس الطاهر لها بل مرجعه لا محالة إلى اعتبار
طبيعة اللباس الطاهر بصرف وجودها فيها فإذا شك في طهارة لباس خارجي فلا يكون شكا في
الشرطية فان المفروض عدم شرطية كل فرد بل الشك انما هو في تحقق الشرط المعلوم خارجا
ولا بد من الرجوع فيه إلى قاعدة الاشتغال كما هو ظاهر (وكيف كان) فقد تحصل
مما ذكر امكان فرض الشك بين الأقل والأكثر في الواجب من جهة الشبهة الموضوعية من
دون رجوع الشك فيه إلى الشك في المحصل (إذا عرفت ذلك فنقول) ان العلم بالتكليف
بنفسه مع عدم احراز موضوعه خارجا لا يوجب تنجزه بتوهم ان الشك حينئذ يرجع إلى الشك
في الامتثال بعد العلم بنفس التكليف كما أوضحناه في بحث الشبهة الموضوعية في التكاليف
الاستقلالية فأن محركية كل تكليف لا يكون الا مع العلم بتحقق الصغرى خارجا بعد العلم
بجعل الكبرى الكلية ومع الشك في جعل الكبرى أو انطباقها على ما في الخارج يكون
التكليف الفعلي مشكوكا فيه لا محالة ويرجع معه إلى البراءة فتوهم ان العلم بوجوب اكرام العلماء
بنحو العموم المجموعي كالعلم بجعل المانعية لغير المأكول يكون مانعا عن الرجوع إلى البراءة
فلا بد من تحصيل الفراغ اليقيني بعد ثبوت الاشتغال كذلك ساقط بالكلية إذ لو كان العلم
بجعل الكبرى مانعا عن الرجوع إليها في المقام لكان العلم بجعلها في التكاليف الاستقلالية مانعا
عنه أيضا والمفروض في المقام تسليم جريان البراءة هناك كما أن كون التكليف ارتباطيا لا يوجب
عدم جواز الرجوع إليها في المقدار المشكوك فيه على ما عرفت فان تنجز كل تكليف انما يكون
بمقدار وصوله لا أكثر والا فلا بد من القول بالاشتغال في مطلق دوران الامر بين الأقل
والأكثر في التكاليف الارتباطية والمفروض في محل الكلام جريان البراءة فيه إذا كانت الشبهة
حكمية فإذا لم يكن العلم بجعل التكليف بنفسه وارتباطيته مانعين من الرجوع إليها فلا بد من
الرجوع إليها في محل البحث ضرورة انه لا مانع عنه فيه غير العلم بجعل الوجوب أو المانعية في
المثالين مع فرض عدم احراز موضوعهما خارجا وكون التكليف ارتباطيا فإذا فرض عدم مانعية
شئ منهما فلا موجب للمنع عنه أصلا وعلى ذلك يبتنى جواز الصلاة في اللباس المشكوك اتخاذه
301

من غير المأكول فإنه إذا فرض استفادة مانعية لبسه في الصلاة عنها وكونها انحلالية بحيث يكون
كل فرد مانعا مستقلا فالشك في فرد خارجي يوجب الشك في تقيد الصلاة بعدم لبسه فيرجع
فيه إلى البراءة بل لو تنزلنا عن استفادة الانحلالية والتزمنا بتقيد الصلاة بعدم الطبيعة على نحو
يكون مجموع الاعدام معتبرا فيها لكان المرجع هو البراءة أيضا وذلك فان عدم كل فرد حينئذ
يكون مقوما لما هو المعتبر فيها لا محالة لكونه جزءا له حينئذ فمرجع الشك حينئذ إلى الشك في
جزئيته لما اخذ قيدا في الواجب فكما ان الشك في جزئية شئ للواجب بنفسه يكون موردا
للبراءة ولو من جهة الشبهة الموضوعية فكذلك الشك في جزئيته لما هو قيد الواجب أيضا فان
المدار في جميع ذلك هو تعلق الشك بالتكليف الفعلي (نعم) لو كان قيد الواجب أمرا بسيطا
متحصلا من الاعدام الخارجية ككون المصلي غير لابس غير المأكول بنحو القضية المعدولة لا
السالبة المحصلة لما أمكن الرجوع إلى البراءة لعدم انحلال التكليف المعلوم حينئذ إلى المقدار
المعلوم والمشكوك بل المكلف به أمر مبين معلوم والشك انما هو في محصله لا في نفسه لكنه مع
سقوطه في نفسه ومخالفته لظواهر الأدلة الدالة على المنع عن الصلاة في غير المأكول فإنها ظاهرة
في تعلق النهي الضمني بكل فرد كما إذا كان النهي نفسيا استقلاليا مخالف لمذهب المشهور القائلين
بالاشتغال عند الشك في كون اللباس من غير المأكول فإنهم أطبقوا بحسب الظاهر على عدم
جواز لبس المضطر إلى لبسه في الصلاة زائدا على ما يرتفع به الاضطرار وهذه الفتوى منهم صريحة
في مانعية كل فرد مستقلا إذ لو كان المعتبر هو العنوان البسيط المفروض عدم التمكن من
تحصيله من جهة الاضطرار فما الموجب للالتزام بلزوم الاقتصار على المقدار المزبور ومن هنا
يعلم أن التزامهم بلزوم الاقتصار على ذلك المقدار في فرض الاضطرار مع ذهابهم إلى جريان
البراءة في التكاليف الارتباطية في الشبهات الحكمية وفي التكاليف الاستقلالية في الشبهات
الموضوعية لا يمكن جمعه مع التزامهم بعدم جريان البراءة في المقام أصلا (وبالجملة) المنع عن
جريان البراءة في المقام بعد الفراغ عن جريانها في موارد التكاليف الارتباطية
والتكاليف الاستقلالية في الشبهات الموضوعية لا يمكن إلا بالالتزام بكون العنوان
البسيط المتحصل من الاعدام الخارجية معتبرا في الصلاة بحيث لو فرض محالا انفكاكه عن
مجموع الاعدام الخارجية لكان الامتثال دائرا مدار تحققه واعتبار مثل هذا العنوان البسيط وإن
كان مانعا عن الرجوع إلى البراءة حتى في التكاليف الاستقلالية كما عرفت تفصيله في
302

الشبهات الموضوعية التحريمية إلا أنه غير معتبر في الصلاة قطعا ضرورة ان النهي عن لبس غير
المأكول فيها كالنهي عن شرب الخمر مثلا فكما ان تعلق التكليف النفسي فيه بنفس عنوان
شرب الخمر يكشف عن وجود مفسدة في متعلقة أينما وجد فيكون كل فرد منه حراما
مستقلا في قبال الفرد الآخر فكذلك تعلق النهي الضمني التبعي بشئ يكشف عن وجود
مفسدة في كل فرد منه موجب لتقيد الصلاة مثلا بعدمه فإذا شك في فردية فرد له
فلا محالة يرجع الشك حينئذ إلى الشك في التقييد الزائد على المقدار المعلوم والمرجع فيه هو البراءة
كما عرفت ولعمري ان فيما ذكرناه في المقام لمن تأمل وتدبر غنى وكفاية وإن كانت المسألة
غير محررة في شئ من الكتب الأصولية فإن محررها ومنقحها هو العلامة الأنصاري (قده)
وقد عرفت أن تحريره (قده) في المقام في غير محله
* (وينبغي التنبيه) * على أمور (الأول) انه إذا ثبت تقيد الواجب بشئ في الجملة
وبطلانه بتركه عمدا فإنه مقتضى تقيده به فهل القاعدة تقتضي بطلانه بتركه سهوا أيضا أو بزيادته
عمدا أو سهوا أم لا والكلام يقع في المقامين (الأول) من جهة النقيصة سهوا (والثاني) من
جهة الزيادة عمدا أو سهوا اما المقام الأول فالحق فيه هو البطلان إلا فيما ثبت اختصاص الجزئية
أو الشرطية فيه بحال الذكر وقبل التكلم في ذلك لا بأس ببيان أمر وهو انه إذا ثبت صحة
العبادة المنسي فيها بعض ما اعتبر فيها فهل يكون ذلك من جهة اشتمال ما اتى به في الخارج
في هذا الحال بالملاك أو انه من جهة تعلق الامر به أيضا لا ريب في كفاية الاشتمال بالملاك في
صحة العبادة عند صدورها في الخارج بقصد قربى ولو لم تكن متعلقة للامر وذلك لما عرفت في
بحث التعبدي والتوصلي من أنه لا خصوصية في حصول التقرب لقصد الامر بما هو بل الموجب
للقرب هو مطلق صدور الفعل في الخارج لوجه الله الجامع بين الوجوه القربية فمتى حصل
في الفعل جهة قربية واتى به في الخارج مضافا إلى المولى بوجه كان عبادة لا محالة (وتوهم)
ان الاكتفاء بالملاك في العبادية إنما يصح مع الاتيان بها بقصدها لا مع قصد الامر المفروض عدمه
فإن ما هو داع ومحرك لا واقعية له في الخارج وما له الواقعية فيه وهو الملاك غير مقصود فلا
موجب للصحة مع عدم قصده (مدفوع) بما عرفت من أن المعتبر في عبادية العبادة إنما هو
اشتماله على الجهة المحسنة مع صدوره مضافا إلى المولى والمفروض تحقق كليهما في المقام ولا
موجب لاعتبار خصوص داعوية الملاك الموجود أصلا واما الامر بما عدى المنسي من
303

الاجزاء والشروط فقد ذكر في تصويره وجوه (الأول) ما عن العلامة الأنصاري (قده)
على ما في بعض تقريرات بحثه في مباحث الخلل وحاصله ان الامر بعنوان الناسي وان لم يمكن باعثيته
وداعويته له في الخارج لعدم التفاته إلى انطباق هذا العنوان عليه إلا أنه لما كان قاصدا للامر
التام فيصح جعل أمر آخر في حقه حتى يكون هو الداعي له حقيقة ويكون قصده للامر التام من
باب الخطأ في التطبيق (ويرد) عليه ان الخطأ في التطبيق إنما يتصور فيما إذا أمكن جعل كل
من الحكمين في حد نفسه كما إذا فرض قصد المكلف للامر الاستحبابي مع أنه كان وجوبيا
في الواقع واما الامر بعنوان الناسي فإن أمكن جعله فلا بأس بصحة عبادته من باب الخطأ في
التطبيق لكنه مستحيل في حد نفسه لما عرفت مرارا من أن محركية كل تكليف تتوقف على
وجود موضوعه خارجا واحراز المكلف له وحيث يستحيل في المقام احراز المكلف كونه ناسيا
فيستحيل محركية التكليف المجعول له خارجا ومن المعلوم ان استحالة فعلية التكليف ومحركيته
تستلزم استحالة جعله في حد نفسه (الثاني) ما ذكره المحقق صاحب الكفاية (قده) من أن
الامر بعنوان الناسي وإن لم يمكن تصوره إلا أنه يمكن الامر بعنوان يلازمه ولا محذور في
التفات المكلف إلى هذا العنوان الملازم وفعلية التكليف في حقه وإن لم يلتفت إلى عنوان
النسيان أصلا (وفيه) مضافا إلى أن المحذور السابق مترتب عليه بعينه فيما إذا التفت المكلف
إلى الملازمة بين العنوانين ان فرض عنوان ملازم للنسيان خارجا خصوصا مع اختلاف
متعلقات النسيان حسب اختلاف الأزمنة والاشخاص فرض ربما يلحق بالمستحيلات (الثالث)
ان يقال إن الركعات كما انها تنقسم إلى فرض الله وفرض النبي صلى الله عليه وآله وقواعد
الشك والبناء على الأكثر إنما تجري في فرض النبي إلا في الركعة الثالثة الملحقة بفرض الله
فكذلك الاجزاء تنقسم إلى فرضين فما كان من فرض الله وهي الأركان يوجه الامر بها إلى
مطلق المكلفين واما غيره فيوجه الخطاب فيه إلى خصوص الذاكرين ولازم ذلك هو
اختصاص قيديته بحال الذكر وكون غير المنسي مأمورا به بالامر الفعلي من دون محذور (فإن
قلت) بعد الفراغ عن أن النبي صلى الله عليه وآله لا ينطق عن الهوى فما معنى كون الفرض
منه في قبال فرض الله ثم على تقدير تسليمه فغايته هو كون غير الأركان واجبا في واجب
وأين ذلك من الجزئية المبحوث عنها في المقام (قلت) يمكن أن يكون إرادة النبي صلى الله عليه وآله
موجبة لوجوب فعل على المكلف بنفسها كما لا يبعد أن يكون ذلك مقتضى تفويض الدين إليه
304

الثابت بالاجماع والضرورة وحينئذ يكون كيفية الوجوب تابعة لإرادته فإذا تعلقت ارادته
بتقيد الواجب بشئ فلا محالة يكون مقيدا به ومعه كيف يمكن أن يكون نتيجتها الوجوب
النفسي كما توهم على أنه لو تنزلنا عن ذلك فيمكن ان يقال إن وجوب بقية الأجزاء ناش عن
مصلحة لا تتم إلا بإرادة النبي صلى الله عليه وآله فجملة من الاجزاء يكون ملاكها ملزما على
الاطلاق وجملة أخرى يتوقف تمامية ملاكها على ارادته وكيف كان فلا مناص عن تقيد الواجب
عند تعلق ارادته صلى الله عليه وآله سواء كان من جهة موضوعية الإرادة له أو من جهة
طريقيته فتحصل ان صحة عبادة الناسي كما يمكن أن تكون من جهة الملاك يمكن أن تكون من
جهة الامر أيضا (إذا عرفت ذلك فنقول) ان الكلام في محل البحث يقع تارة من جهة الأدلة
الاجتهادية وأخرى من حيث الأصول العملية * (اما الكلام من الجهة الأولى) * فملخصه انه إذا
كان لدليل الواجب اطلاق بالقياس إلى اجزاء الزمان المأخوذ ظرفا للواجب وكان لدليل
الجزئية أيضا اطلاق بالقياس إلى حالتي نسيان الجزء وعدمه فلا محالة يقع التعارض بين
الاطلاقين فلا بد من رفع اليد عن اطلاق دليل الجزئية حتى يختص بصورة التذكر أو عن
اطلاق دليل الواجب حتى يختص الامر بغير القطعة المفروض وقوعه فيها مع نسيان بعض
ما اعتبر فيه فان الامر بالمركب من المنسي وغيره مستحيل بالضرورة وفي مثله لا شبهة في تقدم
اطلاق دليل الجزئية ورفع اليد عن اطلاق دليل الواجب نعم لو لم يكن لدليل الجزئية اطلاق
كما إذا كان اجماعا أو كان دليلا لفظيا ولكن لم يكن له اطلاق من هذه الجهة فلا بد من التمسك
باطلاق دليل الواجب فيلزمه اختصاص الجزئية بحال الذكر دون غيره (وربما يتوهم) انه من
هذا القبيل ما إذا كان دليل الجزئية هو الامر بتخيل ان الامر بالشئ سواء كان نفسيا أو
غيريا فلا محالة يكون مشروطا بالقدرة وحيث إن المنسي غير مقدور للمكلف حال نسيانه
فيختص جزئيته بغير تلك الحال (نعم) لو كان دليل الجزئية مثل قوله (ع) لا صلاة إلا بفاتحة
الكتاب الدال على انتفاء المهية عند فقدها لكان مفادها هي الجزئية المطلقة لا محالة (وأنت خبير)
بفساد ذلك فان دليل الجزئية إذا كان هو الامر فحيث انه يستحيل كونه نفسيا ضرورة
عدم تعقل استتباعه للتقييد بل غايته هو كون متعلقه واجبا في واجب فلا محالة يتمحض في
كونه غيريا وعليه فحيث ان سياق الأوامر والنواهي الواردة في العبادات متحد مع سياقها في
باب المعاملات فالظاهر من وحدة السياق كونها ارشادية إلى بيان الجزئية والشرطية والمانعية
305

ومنسلخة عن الطلب بالكلية فلا موجب لاختصاصها بحال القدرة بل يكون مفادها هي الجزئية
المطلقة (هذا مضافا) إلى أن الامر المتعلق بالجزء أو الشرط حيث إنه لا يكون بأمر استقلالي
بل هو قطعة من الامر النفسي المتعلق بالمركب فاشتراطه بالقدرة على متعلقه سواء كان الاشتراط
من جهة تقبيح العقل بقبح خطاب العاجز أو من جهة اقتضاء نفس الطلب ذلك على ما عرفت
تفصيله في بحث الأوامر بعينه متحد مع اشتراط الامر بالمركب بها ولازم ذلك هو سقوط
الامر بالمركب حين العجز عن بعض اجزائه وهذا مما لا ريب فيه وأين ذلك من اختصاص
الجزئية بحال القدرة الموجبة لتعلق الامر ببقية الأجزاء والشرائط نعم لو كان الاشتراط بالقدرة
من لوازم نفس الخطاب لأمكن ان يقال إن الخطاب المتعلق بالجزء حيث إن لازمه اشتراطه
بالقدرة عليه فمع عدم القدرة لا يكون هناك خطاب فلا يكون دليل على الجزئية ولكن الامر
على خلافه ضرورة ان المشروط بالقدرة انما هو مدلول الخطاب وهو الطلب سواء كان مدركه
هو قبح خطاب العاجز أو اقتضاء نفس الطلب ذلك وعليه فحيث ان مدلول الخطاب بالجزء
متحد مع مدلول الخطاب بالمركب فاشتراطه بشئ هو بعينه اشتراطه به بعد فرض الارتباطية
في الواجب فيكون لازمه سقوط الامر بالمركب لا خصوص الامر بالجزء (ثم) لا يخفى ان
دليل التقييد إذا كان نهيا نفسيا سواء كان من موارد النهي عن العبادات أو من موارد
اجتماع النهي والامر على تقدير القول بامتناع الاجتماع عن الجهة الأولى وتقديم جانب النهي
فربما يقال فيه بأن النهي النفسي من جهة اختصاصه بحال القدرة يكون التقييد المرتب عليه
مختصا بتلك الحال أيضا وقد ذكرنا في بحث اجتماع الأمر والنهي انه إنما يصح بناء على القول
بتوقف عدم أحد الضدين علي وجود الآخر إذ حينئذ يكون عدم الامر في فرض النهي من
متفرعات وجوده فيرتفع بارتفاعه واما على القول بعد التوقف كما هو الصحيح فغاية الامر هو
كون عدم الامر ووجود النهي لازمين لملزوم ثالث وهو المبغوضية الناشئة عن المفسدة
الموجودة في الفعل ومن الواضح ان سقوط أحد اللازمين لخصوصية موجبة له لا يوجب
سقوط الآخر فسقوط النهي في المقام لعدم القدرة لا يوجب سقوط التقييد الناشئ عن المفسدة
الغير المختصة بحال القدرة فتلخص ان مقتضى دليل التقييد هي القيدية المطلقة في غير ما إذا
لم يكن له اطلاق كما إذا كان اجماعا ونحوه فيما لم يكن معقده القيدية المطلقة أو لفظ مطلق
بحيث علم بصدوره من المعصوم عليه السلام (واما الكلام) من جهة الأصول العملية فربما
306

يتمسك في المقام بحديث الرفع نظرا إلى أن جزئية شئ كالسورة للصلاة مثلا وإن كانت
معلومة في الجملة إلا انها مجهولة في حال نسيانها فيرتفع به وبضميمته إلى أدلة وجوب بقية الأجزاء
يثبت وجوب الباقي واختصاص الواجب به كما كان الامر كذلك فيما إذا شك في
أصل الجزئية مثلا (هذا) وقد ذكرنا عند التعرض لمفاد الحديث المبارك ان جريانه مختص
بموارد الاحكام الانحلالية ولا يعم موارد الاحكام التي يكون المطلوب فيها صرف الوجود
وتعلق النسيان ببعض افراده فان خصوص السورة المنسية في الصلاة في جزء من الوقت لم
يتعلق به طلب حتى يرتفع به وصرف الوجود المطلوب قيدا لم يتعلق به النسيان على الفرض
بل قد ذكرنا هناك ان النسيان المستوعب لتمام الوقت لا يكون موردا لحديث الرفع أيضا
إلا من جهة رفع العقاب المترتب على ترك الصلاة في مجموع الوقت واما من جهة نفي القضاء
فلا وقد مر تفصيل ذلك هناك فراجع فمقتضى الأصل العملي هو وجوب الإعادة والقضاء عند
نسيان بعض القيود المعتبرة في الواجب إذا احتمل قيديتها المطلقة الغير المختصة بحال التذكر
(نعم) قوله (ع) لا تعاد الصلاة إلا من خمس يكون دليلا على عدم بطلان خصوص الصلاة
عند نسيان غير الخمس مما اعتبر فيها وسيجئ البحث عن مقدار دلالته في البحث الآتي
إن شاء الله تعالى (واما المقام الثاني) فيقع الكلام فيه تارة من حيث الأصول العملية واخرى
من جهة الأدلة الخاصة الواردة في المقام وقبل الخوض في ذلك لابد من تنقيح مفهوم الزيادة
وانها متصورة في الاجزاء أم لا وعلى تقدير تصورها فهل يتوقف صدقها على قصد الجزئية أيضا
أم لا (فنقول) ربما يقال لعدم امكان تصور الزيادة في الجزء فإنه على تقدير اعتباره في الواجب
بشرط لا من انضمام فرد آخر إليه فيكون انضمامه إليه موجبا لنقصان المركب وعدم الاتيان
بجزئه من جهة انتفاء قيده لا لزيادة الجزء وهو ظاهر وعلى تقدير اعتباره لا بشرط بالإضافة إليه
فكلما اتى به في الخارج من تلك الطبيعة يتصف بالجزئية سواء كان المأتى به فردا واحدا أم
متعددا فما معنى الزيادة في الجزء (ويرد عليه أولا) انه يمكن ان يؤخذ طبيعة السورة مثلا بنحو
صرف الوجود جزء للواجب بحيث يكون الفرد الأول الناقض للعدم هو المتصف بالجزئية
لا غير فيكون الوجود الثاني زائدة عليه لا محالة فلا ينحصر التشقيق بما ذكر (وثانيا) ان الجزء
المأخوذ في الواجب إذا اخذ فيه العدد الخاص كالركوع والسجود مع عدم اخذه بشرط
لا بالإضافة إلى انضمام فرد آخر إليه فلا ريب في صدق الزيادة حينئذ إذا أضيف إليه ذلك
307

ضرورة ان الموجود في الخارج حينئذ يكون زائدا على العدد المأخوذ لا محالة (وثالثا) ان اخذ
الطبيعة بشرط لا وإن كان موجبا للنقصان مع الضميمة عقلا كما ذكر إلا أنه لا ريب في صدق
الزيادة معه عرفا وموضوع البحث في المقام إنما هو ما يصدق مع الزيادة عرفا وان لم يكن
كذلك عقلا بالدقة الفلسفية وكيف كان فلا ريب في امكان تصور الزيادة في الجزء (واما)
ما يعتبر في صدقها ففيه خلاف وأقوال ثالثها التفصيل بين ما إذا كان الزائد من جنس المزيد
عليه وغيره فيعتبر قصد الجزئية في صدقها في الثاني دون الأول والتحقيق ان يقال إن المأتي
به في أثناء العبادة إذا لم يكن من سنخ اجزاء العمل لا من الأقوال ولا من الافعال فلا ريب
في عدم تحقق الزيادة بمجرد الاتيان به لا مع قصد الجزئية لكونه أمرا مباينا أجنبيا عنها فلا معنى
لكونه زيادة فيها نعم لو اتي به بعنوان الجزئية فلا محالة يصدق عليه الزيادة فان المركب
الاعتباري يصدق زيادة شئ فيه بقصد كونه جزء منه كما هو ظاهر فعلى تقدير كونه الزيادة
مبطلة لها كما في الصلاة يكون الاتيان به بقصد الجزئية مبطلا للعمل لا من جهة التشريع حتى
يقال بأنه لا دليل على ابطاله فيما إذا لم يرجع إلى عدم قصد الامر كما هو محل الكلام بل من
جهة صدق الزيادة الموجبة للبطلان على الفرض وكذلك الحال فيما إذا كان المأتى به من سنخ
الأقوال فإنه مع قصد الجزئية يكون مبطلا للعبادة من جهة صدق الزيادة لا مع عدمه فان
العبادة بالقياس إلى بقية الاذكار مأخوذة لا بشرط فلا يتحقق عنوان الزيادة الموجبة للبطلان
واما إذا كان المأتي به من سنخ الافعال كالركوع والسجود فلا يفرق الحال في صدق
عنوان الزيادة بين قصد الجزئية وعدمه ضرورة ان الافعال المعتبرة فيها اما أن يكون اعتبارها
بشرط لا بالقياس إلى الفرد الآخر أو ان العدد الخاص مأخوذ فيها لا محالة وعلى كل حال
لا ريب في صدق عنوان الزيادة بمجرد وجودها ثانيا كما هو ظاهر (نعم) قصد الخلاف يوجب
المباينة بينه وبين العبادة المانعة عن صدق الزيادة فلو اتى بالسجدة في الصلاة شكرا مثلا
فلا يصدق عليها انها زيادة في المكتوبة ولكنه ربما يستفاد من تعليل النهي عن قراءة العزيمة في
الصلاة الموجبة للسجدة بأنها زيادة في المكتوبة صدق عنوان الزيادة على مطلق ما يؤتى به
من سنخ الافعال وان قصد به الخلاف الا انه في غير محله وذلك لان السجدة الواجبة من
جهة قراءة العزيمة حيث إنها من توابع القراءة فيمكن ان يقال إن قصد الجزئية في القراءة أوجب
صدق الزيادة عليها أيضا وأين ذلك من مثل سجدة الشكر ونحوها مما لا يؤتى به بقصد
308

الجزئية ولا هو من توابع ما اتي به كذلك أو يقال إن السجدة الواحدة حيث إنها لا استقلال
لها بنفسها فلا حافظ لها إلا الصورة الصلاتية فيصدق على مجرد وجودها ولو مع قصد عدم
الجزئية انها زيادة فيها فلا يشمل مثل سجدتي السهو المشتملة على التشهد والسلام ونحوهما مما له
جهة استقلالية وحافظ صورة غير الصورة الصلاتية وكيف كان فلا يستفاد من الرواية كون
مطلق المأتي به من سنخ الافعال داخلا في عنوان الزيادة ولو مع قصد الخلاف ومن هنا
افتى جماعة بجواز الاتيان بصلاة الآيات في أثناء الفريضة اليومية إذا ضاق وقتها كما يجوز
الاتيان بالفريضة اليومية في أثناء صلاة الآيات عند التضيق بمقتضى النص الوارد فيه نظرا
إلى أن ورود النص ليس من جهة التعبد الخاص حتى يقتصر على مورده بل من جهة عدم
صدق الزيادة حينئذ فيكون الحكم على القاعدة بل المحكي عن العلامة (قده) هو التعدي إلى
كل واجب مضيق فيجوز الاتيان به في ضمن واجب آخر ولو مع فوات الموالاة نظرا إلى
وقوع المزاحمة بين فوات الموالاة وبين فوت الواجب المضيق فيسقط وجوب الموالاة من
جهة الأهمية في الطرف المزاحم ولكنه مشكل و المسألة محررة في الفقه والغرض من التعرض
في المقام هو بيان عدم صدق الزيادة مع كون المأتي به مقصودا به عنوان آخر مغاير لما أتى
به فيه (إذا عرفت ذلك) فنقول مرجع الشك في بطلان العبادة بالزيادة العمدية بل السهوية
أيضا إلى الشك في اعتبار عدمها في العبادة جزءا أو شرطا وقد تبين مما ذكرناه كون الشك
في الجزئية والشرطية موردا للبراءة فمقتضى الأصل العملي هو صحة العبادة مع الزيادة العمدية
فضلا عن السهوية وقد يتمسك لاثبات الصحة بعد تحقق الزيادة باستصحاب الصحة وسيجئ
التعرض لفساده في تنبيهات الاستصحاب إن شاء الله تعالى (واما) من جهة الأدلة الاجتهادية
فقد ورد في خصوص باب الصلاة اخبار دلت على بطلانها بتحقق الزيادة وهي على طوائف
(فإن منها) ما دلت على البطلان بمطلق الزيادة سواء كانت عمدية أو سهوية وسواء كانت في
الأركان أو غيرها كقوله (ع) من زاد في صلاته فعليه الإعادة (ومنها) ما دلت على المبطلية
في خصوص السهو والنسيان ولكنه مطلق من جهة الأركان وغيرها كقوله (ع) وإذا استيقن
انه زاد في المكتوبة فليستقبل صلاته فإنه ظاهر في أن اليقين إنما حصل بعد العمل فلا يشمل
الزيادة العمدية (ومنها) ما دل على وجوب الإعادة في صورة السهو في خصوص الأركان
دون غيرها كقوله (ع) لا تعاد الصلاة الا من خمس بناء على اختصاصه بخصوص السهو دون
309

العمد كما هو الظاهر ولا يخفى عدم المعارضة بين الطائفتين الأوليتين ضرورة عدم منافاة وجوب
الإعادة في خصوص السهو الذي هو مفاد الطائفة الثانية مع وجوب الإعادة مطلقا وإنما المنافات
بين الطائفة الثالثة وبينهما والنسبة بينها وبين كل منهما هو العموم من وجه فان الطائفة الأولى
مختصة بخصوص الزيادة وعامة من حيث العمد والسهو والأركان وغيرها والطائفة الثالثة
الدالة على عدم البطلان مختصة بغير الأركان ولكنها عامة من جهة الزيادة والنقصان فالزيادة
السهوية في غير الأركان يكون موردا للتعارض بينهما كما أن الطائفة الثانية مختصة بالزيادة
السهوية ولكنها مطلقة من حيث الأركان وغيرها والطائفة الثالثة مختصة بغير الأركان ولكنها
مطلقة من حيث الزيادة والنقيصة فيقع المعارضة في خصوص الزيادة السهوية في غير الأركان
ولكنه مع ذلك لابد من تقديم الطائفة الثالثة عليهما فإن لسانها لسان الحكومة بالنسبة إلى أدلة
الاجزاء والشرائط وان كل ما هو معتبر في الصلاة شرطا أو جزء انما يكون الاخلال السهوي
به بالزيادة أو النقصان موجبا للبطلان في خصوص الخمسة لا في غيرها ولا ريب في تقدم كل
دليل حاكم على الدليل المحكوم ولو كانت النسبة بينهما هو العموم من وجه فإن ملاحظة
النسبة بين الدليلين انما تختص بغير باب الحكومة كما هو ظاهر (هذا مضافا) إلى ما ورد فيمن ذكر
انه زاد سجدة انه لا يعيد الصلاة من سجدة ويعيده من ركعة والنسبة بينه وبين الطائفتين
الأوليين هو العموم والخصوص المطلق فيقدم عليهما لا محالة فتلخص ان مقتضى الجمع بين
الروايات هو مبطلية الزيادة العمدية مطلقا والزيادة السهوية في خصوص الأركان دون غيرها
* (التنبيه الثاني) * إذا تعذر بعض ما اعتبر في الواجب من جزئه أو شرطه فهل القاعدة تقتضي
سقوطه رأسا أو لزوم الاتيان بغيره وجهان مبنيان على أن مقتضى القاعدة عند ثبوت قيدية
شئ للواجب هي القيدية المطلقة أو القيدية في خصوص حال التمكن ويقع الكلام في جهات
ثلاثة (الأولى) فيما يقتضيه نفس أدلة الاجزاء والشرائط (الثانية) فيما يقتضيه الأصول العملية
(الثالثة) فيما يقتضيه الأدلة الخارجية (اما الجهة الأولى) فقد ظهر الحال فيها مما ذكرناه غير
مرة من أن دليل الجزئية أو الشرطية إذا لم يكن اجماعا أو غيره مما لم يكن له اطلاق فمقتضى
القاعدة فيه هو اطلاق القيدية لحال التمكن وعدمها ولازمه سقوط التكليف بأصل الواجب
عند تعذر قيده مطلقا توضيح ذلك ان التقييد اما ان يستفاد من الدليل الدال عليه بعنوانه
كقوله (ع) لا صلاة إلا بطهور ونحوه واما ان يستفاد من الامر الغيري المتعلق بالاجزاء
310

والشرائط واما ان يستفاد من التكليف النفسي (اما الشق الأول) وهو ما إذا كان التقييد مستفادا
من الدليل الدال عليه بعنوانه فلا ريب في اطلاقه لحالتي التعذر والتمكن ومقتضاه سقوط التكليف
من أصله عند تعذره (واما الشق الثاني) فربما يقال فيه بأن مقتضاه اختصاص التقييد بحال التمكن
فان التكليف الغيري كالتكليف النفسي يكون مشروطا بالقدرة لا محالة فإن الاشتراط بالقدرة
من لوازم التكليف مطلقا نفسيا كان أو غيريا ولازم ذلك هو تعلق الامر بغير المتعذر وسقوط
التقييد حال التعذر (ويرد عليه) ان الامر وإن كان ظاهرا في إفادة الطلب المولوي الا ان هناك
صارف عنه في خصوص الأوامر المتعلقة بالاجزاء والشرائط فإن الظاهر فيها كونها للارشاد
وبيان دخل متعلقاتها في الواجب جزء أو شرطا كما في الأوامر المتعلقة بالاجزاء والشرائط في باب
المعاملات فالظهور الأولي في دلالة الامر على الطلب يكون منسلخا في باب الأوامر المتعلقة
بالاجزاء والشرائط في باب العبادات والمعاملات وعليه فلا موجب للتقييد بحال التمكن بل
يكون حال الأوامر الغيرية كحال الأدلة الدالة على التقييد بعنوانه في استفادة القيدية المطلقة
منها مع انا لو سلمنا دلالة الأوامر الغيرية في خصوص باب العبادات على الطلب فلا يترتب
عليها ما توهم من اختصاص التقييد المستفاد منها بحال القدرة وذلك فان الطلب المتعلق بالجزء
أو الشرط حيث إنه متحد مع الطلب المتعلق بأصل الواجب وليس طلبا آخر مغايرا معه
وإلا استحال كون متعلقه قيدا للواجب كما هو ظاهر فاشتراطه بالقدرة على متعلقة بعينه هو
اشتراط الامر بالمركب بها ونتيجة ذلك هو سقوط أصل الواجب مع عدم القدرة عليه لا سقوط
التقييد وبقاء الامر متعلقا بغيره وقد مر بيان ذلك في التنبيه الأول فراجع (واما الشق الثالث)
وهو ما إذا كان التقييد مستفادا من التكليف النفسي فهو مستحيل التحقق في باب الاجزاء
والشرائط فان الامر النفسي بشئ يستحيل كونه منشأ لانتزاع الشرطية أو الجزئية من متعلقه
بل غاية الأمر كون متعلقه واجبا في واجب نعم يمكن تصويره في المانعية فإن حرمة شئ
توجب تقييد دليل الواجب بغيره فيتقيد الامر بالصلاة مثلا المطلق من حيث ايقاعها في
لباس الحرير وغيره بغيره لحرمته وهل القاعدة فيه تقتضي اختصاص القيدية بحال فعلية الحرمة
أو يكون القيدية فيه مطلقة أيضا يظهر من المحقق الخونساري (قده) الأول وان القيدية
الناشئة من التكليف سواء كان نهيا أو أمرا تختص بصورة فعلية التكليف فتكون ساقطة بسقوطه
وارتضاه المحقق القمي (قده) لكنه الحق صورة عدم تنجز التكليف بعدم فعليته أيضا فالتزم
311

بعدم ثبوت القيدية عند عدم تنجز التكليف ومن ثم ذهب إلى صحة الصلاة في غير المأكول في
صورة عدم العلم به ولو انكشف بعد ذلك وقوعها فيه نظرا إلى عدم تنجز الحرمة حينئذ والتقييد
من لوازم تنجز الحرمة لا من لوازم أصل وجودها والتحقيق ان يقال إن النهي المستفاد منه
الحرمة اما أن يكون من قبيل النهي عن العبادة أو من قبيل ما تصادق متعلقه مع متعلق الأمر
في مورد كما في باب اجتماع الأمر والنهي وعلى الثاني فاما ان نقول بجواز اجتماع الأمر والنهي
وعدم سراية أحدهما إلى متعلق الآخر أو بامتناعه وعلى القول بالجواز فاما ان نقول بامتناع
وقوع العبادة صحيحا في الخارج مع صدوره منه مبغوضا مع العلم بالحرمة نظرا إلى اشتراط
صحة العبادة بعدم وقوعها منه قبيحا أو نقول بصحتها مع ذلك أيضا وعلى القول بالامتناع والسراية
فاما ان نقول بتقديم جانب الحرمة أو بتقديم جانب الوجوب فهناك شقوق واحتمالات (الأول)
ما إذا كان النهي من قبيل النهي عن العبادة والحق فيه أن يكون النهي موجبا للتقييد الواقعي
ولو مع سقوط الحرمة بالتعذر ونحوه فان الحرمة الواقعية انما توجب رفع اليد عن اطلاق دليل
الواجب من جهة المضادة بينهما وقد بين في محله عدم الترتب والطولية بين أحد الضدين وعدم
الآخر فهما في مرتبة واحدة معلولان لعلة ثالثة وهي المبغوضية الواقعية الثابتة في المتعلق فكما انها
توجب حرمته فكذلك توجب تقييد دليل الواجب واختصاصه بغيره ومن المعلوم ان سقوط
أحد المتلازمين لأمر يخصه لا يوجب سقوط الملازم الآخر فسقوط الحرمة بالاضطرار
ونحوه لا يوجب سقوط التقييد المستكشف من دليلها نعم بناء على كون عدم أحد الضدين معلولا
للآخر يتم ما توهم من اختصاص التقييد بحال القدرة فان عدم شمول دليل الواجب إذا كان
معلولا للحرمة وفي طولها فلا محالة يختص بموارد تحققها وفعليتها فإذا فرض سقوطها بمسقط
من اضطرار ونحوه فلا موجب للتقييد أصلا لكن المبنى فاسد من أصله كما يظهر مما بينا في محله
(الثاني) ما إذا كان النهي في موارد اجتماعه مع الامر وقلنا بالامتناع وسراية كل منهما إلى
متعلق الآخر واللازم على هذا التقدير هو وقوع التعارض بين اطلاقي دليلي الوجوب والحرمة
فان قدم دليل الوجوب فيرتفع الحرمة عن مورد الاجتماع بالكلية كما أنه لو قلنا بتقديم دليل
الحرمة فلازمه ارتفاع الوجوب عن مورد الاجتماع واختصاصه بغيره فيكون حاله بعينها حال
النهي المتعلق بالعبادة ابتداء فيجري فيه ما يجري فيه بلا تفاوت حينئذ (ثم إنه) على تقدير تسليم
الترتب والطولية بين الحرمة وعدم الوجوب في هذين القسمين حتى يترتب عليه شمول الاطلاق
312

لصورة ارتفاع الحرمة برافع فغاية ما هناك هو الحكم بعدم التقييد في فرض سقوط الحرمة واقعا
كما في صورة الاضطرار ونحوه واما في صورة عدم تنجزها على المكلف لجهله مع فعليتها واقعا فلا
موجب لتوهم سقوط التقييد أصلا ضرورة ان المنافاة والمضادة بين نفس الحرمة والوجوب لا بين
تنجزهما فما عن المحقق القمي (قده) من الحاق صورة عدم تنجز الحرمة بصورة عدم فعليتها في
غير محله وبذلك أشكلنا على المشهور القائلين بالامتناع وصحة العبادة في الدار الغصبية في حال
الجهل بان لازم تقديم دليل الحرمة خروج مورد الاجتماع عن اطلاق دليل الواجب واقعا
فكيف يمكن الحكم بصحته مع الجهل وهل يوجب الجهل تغييرا في الواقع وجعل ما لم يتعلق به
الامر في الواقع مأمورا به واقعا وقد بينا توضيح ذلك في بحث اجتماع الأمر والنهي فراجع
(الثالث) الصورة بحالها مع القول بجواز الاجتماع وعدم السراية فان قلنا فيها بصحة العبادة
حتى مع العلم بالتحريم لاختلاف متعلقي الوجوب والتحريم في الخارج فلا موجب للتقييد أصلا
وان قلنا فيها بالفساد مع العلم كما هو المختار عندنا نظرا إلى أن الحرمة تكون معجزا مولويا عن ايجاد
الطبيعة المأمور بها في ضمن الفرد المحرم فلا محالة يكون التقييد منحصرا بصورة تنجز الحرمة ليس
الا فان الموجب لعجز المكلف عن الامتثال في مورد الاجتماع واتصافه بالقبح هو التكليف
الواصل ومع فرض عدم تنجزه فضلا عن عدم فعليته لا يكون هناك موجب للتقييد وعلى ذلك
يبتنى صحة عبادة الجاهل بالغصب في الشبهات الموضوعية أو الحكمية إذا لم يكن عن تقصير
(فتحصل) من جميع ذلك ان مقتضى القاعدة هو اطلاق التقييد لصورتي العجز والتمكن على اختلاف
أدلته الا في خصوص المانعية في بعض الصور لا مطلقا ومن ذلك يظهر انه لو فرض لدليل الواجب
اطلاق أيضا فلا محالة يتقدم اطلاق دليل التقييد عليه ويثبت به ارتفاع الوجوب في مورد تعذر
القيد بالكلية وذلك فان اطلاق دليل التقييد يتقدم على اطلاق دليل المطلق لما ذكرناه في
محله من أن ظهور القرينة سواء كانت متصلة أو منفصلة يتقدم على ظهور ذي القرينة مطلقا من
دون فرق بين قرينة المجاز أو التخصيص أو التقييد نعم لو يكن له اطلاق بالقياس إلى
حالتي التعذر والتمكن كما إذا كان اجماعا ونحوه وكان لدليل الواجب اطلاق بالقياس إلى وجود
القيد وعدمه فالقدر المتيقن من دليل التقييد هو الاختصاص بحال التمكن فيتمسك باطلاق
دليل الواجب في صورة تعذره فيثبت به وجوب الباقي وتعين التقييد في السقوط (هذا كله)
بالنظر إلى ما يقتضيه الأدلة الدالة على التقييد واما ما يقتضيه الأصل لو لم يكن في البين اطلاق
313

من الطرفين وهي (الجهة الثانية) التي لا بد من التكلم فيها في المقام فهو عدم وجوب الاتيان بالباقي
للشك في حدوث الوجوب له بعد تعذر الواجب المركب منه ومن التعذر فيرجع إلى البراءة إلا أن
التحقيق عدم صحة الرجوع إليها بعد فرض العلم بوجوبه سابقا ولو في ضمن المركب بل لا بد
من الرجوع إلى الاستصحاب على تفصيل يأتي في بعض تنبيهات الاستصحاب إن شاء الله تعالى
(واما الجهة الثالث) فهي بالنسبة إلى خصوص الصلاة ظاهرة فان كل جزء أو قيد يكون معتبرا فيها
فإنما يكون اعتباره مشروطا بالقدرة ويسقط عند تعذره فيكون الامر الفعلي متعلقا بغيره على ما هو
مقتضى قوله (ع) الصلاة لا تسقط بحال نعم اختار المشهور في خصوص الطهور قيديته المطلقة
فأفتوا بسقوط أصل الصلاة عند تعذره واما في بقية الواجبات فقد استدل على عدم السقوط
ووجوب الاتيان بالباقي بروايات نبوية معتمد عليها بين الأصحاب وهي قوله صلى الله عليه وآله
إذا امرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم وقوله صلى الله عليه وآله ما لا يدرك كله لا يترك كله
وقوله صلى الله عليه وآله الميسور لا يسقط بالمعسور ولا بد لنا من التكلم في دلالة كل واحدة
منها مستقلا فنقول (اما الرواية الأولى) فدلالتها في حد ذاتها وإن كانت ظاهرة لظهور كلمة
من في التبعيض واحتمال كونها بيانية أو بمعنى الباء خلاف الظاهر الا ان حملها على التبعيض من
جهة الاجزاء حتى يكون معناها انه إذا امرتكم بشئ ذي أجزاء فأتوا من اجزائه ما استطعتم
خلاف ظاهرها من حيث محل ورودها فإنها وردت في مورد السؤال عن وجوب الحج وانه
يجب مرة أو في كل سنة فقال صلى الله عليه وآله بعد ما كرر السائل سؤاله مرات ويحك وما
يؤمنك ان أقول نعم ولو قلت نعم لوجب إلى أن قال إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم
فالظاهر منها ان التبعيض من جهة الافراد فالمعنى (والله العالم) انه إذا امرتكم بطبيعة ذات افراد
فأتوا من افرادها ما استطعتم وعليه يكون مفادها أجنبيا عن محل الكلام بالكلية (واما الرواية
الثانية) فظهورها في عدم سقوط الممكن من الكل بماله من الحكم الاستحبابي أو الوجوبي بتعذر
بعضه في غاية القوة واحتمال اختصاصها بموارد العام المجموعي حتى يكون مفادها عدم سقوط
الافراد الممكنة بتعذر غيرها في غاية البعد بل شمولها لها انما هو باعتبار تعلق الحكم بالمركب أيضا
فان المفروض ان متعلق الحكم فيها هو المجموع المركب من الافراد المتعددة (ومن هنا يظهر
دلالة الرواية الثالثة) أيضا فان الظاهر منها ان الميسور من الشئ لا يسقط بما له من الحكم وجوبيا
أو استحبابيا بتعسر غيره فيدل على وجوب الباقي بل الظاهر منها الشمول للواجب البسيط أيضا
314

إذا كان له مراتب وان تعسر المرتبة العالية منه لا يوجب سقوط غيرها من المراتب التي تعد
ميسورة منه وكيف كان فدلالة الروايتين على وجوب الاتيان بما هو الميسور من اجزاء المركب
وعدم سقوطه بتعذر بعضها في غاية القوة وعلى ذلك فيكون مقتضى القاعدة الثانوية هو
اختصاص قيدية كل قيد للواجب بصورة التمكن فتسقط عند تعذره حتى لو فرض هناك اطلاق
في دليل قيديته لحالتي التمكن والتعذر فان قاعدة الميسور من جهة حكومتها على الأدلة الأولية
توجب تقييد ذلك الدليل واختصاصه بصورة التمكن من دون ملاحظة النسبة بينهما كما في كل
دليل حاكم بالقياس إلى الدليل المحكوم الا ان الاشكال في أن التمسك بها يحتاج إلى احراز
صدق الميسور على الباقي وهذا لا يكون الا مع عدم ركنية الجزء المتعذر للواجب والا كان
الباقي مبانيا معه لا ميسورا منه واحراز ذلك في الموضوعات العرفية وإن كان ممكنا في الجملة
الا ان موارد الشك في كون المتعذر ركنا أو غيره كثيرة لا سيما في الموضوعات الشرعية التي
لا طريق للعرف إلى تشخيص الجزء الركني من غيره ومن ثم اشترط جواز التمسك بها بعمل
المشهور ولا يخفى ان عملهم بها في مورد إذا كان بحيث يكشف عن عمل من تقدمهم بها في
ذلك المورد إلى أن ينتهي إلى زمان الأئمة عليهم السلام فيستكشف عدم ركنية المتعذر شرعا
فلا ريب في صحة التمسك بها حينئذ واما إذا لم يكن كذلك بل غاية الأمر هو حصول الظن
من عمل المشهور بصدق الميسور على الباقي فيشكل التمسك بها لوجوبه لما مر في بحث حجية
الظواهر من عدم حجية الظن الخارجي بالمراد الا على القول بحجية مطلق الظن من باب الانسداد
وعليه يكون الظن الحاصل من عمل المشهور كالظن الحاصل من قول اللغوي وغيره في عدم
الدليل على اعتباره بالخصوص وبالجملة التمسك بالقاعدة يتوقف على احراز صدق الميسور على
الباقي ومع عدمه يكون الشبهة مصداقية ولا يجوز التمسك معها بالعموم (وهل يجوز) التمسك
حينئذ باستصحاب وجوب الباقي إذا لم يكن هناك اطلاق يقتضي القيدية المطلقة أم لا وجهان
أقواهما عدم الجواز وذلك لما سيجئ من اشتراط جوازه ببقاء الموضوع أعني به اتحاد القضية
المتيقنة والمشكوكة فإذا فرضنا كون المتعذر مما يحتمل ركنيته فلا يصدق على الباقي انه كان
واجبا سابقا عند التمكن من الجزء المتعذر فعلا وشك في بقاء وجوبه إذ من المحتمل مغايرة
الباقي له من جهة انتفاء ما اعتبر فيه المحتمل ركنيته (وبالجملة) ان أحرز عدم ركنية المتعذر
وصدق الميسور على الباقي فالاستصحاب في حد ذاته وإن كان جاريا الا انه لا يجري من
315

جهة جريان القاعدة الحاكمة عليه لكونها دليلا اجتهاديا وان لم يحرز ذلك فلا يمكن التمسك بشئ
منهما كما عرفت وسيأتي لذلك مزيد بيان في بحث الاستصحاب إن شاء الله تعالى (ثم إن العلامة
الأنصاري قده) ذكر في المقام فرعين لابد لنا من التعرض لهما (الأول) لو دار الامر بين
ترك الجزء وترك الشرط فالظاهر تقديم ترك الشرط لان فوات الوصف أولي من فوات
الموصوف ويحتمل التخيير (ويرد عليه) ان الشرط وإن كان وصفا معتبرا في الواجب الا ان مجرد
ذلك لا يوجب تعينه في السقوط بعد كونه متعلقا للطلب كالجزء فلا محالة يقع المزاحمة
بينهما فيسقط المهم مع أهمية الاخر والا فلا مناص عن التخيير (الثاني) لو جعل الشارع للكل
بدلا اضطراريا كالتيمم ففي تقديمه على الناقص وجهان من أن مقتضى البدلية كونه بدلا عن التام
فيقدم على الناقص كالمبدل ومن أن الناقص حال الاضطرار تام لانتفاء جزئية المفقود فيقدم
على البدل كالتام والتحقيق ان قاعدة الميسور وإن كانت تقتضي سقوط قيدية المتعذر فيقدم على
البدل الا ان جريانها في كثير من موارد الانتقال إلى الجبيرة لولا الأدلة الخاصة مشكل فإنها
لا تقتضي سقوط قيدية المباشرة وبقاء الامر متعلقا بأصل المسح أو الغسل كما هو ظاهر
* (التنبيه الثالث) * إذا دار الامر بين شرطية شئ ومانعيته أو بين جزئيته ومبطلية
زيادته فلا بد من الاتيان بالواجب مقترنا به تارة ومع عدمه أخرى تحصيلا للموافقة القطعية
وذلك فإن الامر في شخص الصلاة المأتي بها وإن كان دائرا بين المحذورين الا ان الامر
لم يتعلق بها بالخصوص بل المتعلق له هي طبيعة الصلاة بما لها من الاجزاء والشرائط
والمفروض تمكن المكلف من ايجادها كذلك وحيث إن انطباقها على إحدى الصلاتين معلوم
اجمالا وعلى منهما مشكوك فلابد من الجمع بينهما كما في اشتباه الثوب الطاهر بغيره أو القبلة
بين الأطراف فما افاده العلامة الأنصاري (قده) من كون التخيير وجها في المسألة فضلا عن اختياره
له بناء على عدم وجوب الاحتياط في الشك في الجزئية والشرطية لم يكن مترقبا منه (قده) (هذا
تمام الكلام) في أقسام الشك في المكلف به مع امكان الاحتياط واما فيما لا يمكن كما إذا
علم بوجوب شئ معين وحرمة الآخر فاشتبها فمقتضى القاعدة هو التخيير بين فعل أحدهما لا على
التعيين وترك الآخر كذلك لما مر غير مرة من أن سقوط إحدى مرتبتي الإطاعة وهي الموافقة
القطعية لعدم التمكن منها لا يستلزم سقوط الأخرى وهو ترك المخالفة القطعية إذا كانت ممكنة
وحيث إن المفروض في المقام امكانها بفعلهما أو تركهما معا فالعقل لا يجوزها اختيارا بل يلزم
316

على تحصيل الموافقة الاحتمالية بفعل أحدهما وترك الآخر هذا إذا لم يكن لاحد التكليفين
أهمية بالقياس إلى الآخر واما معها فحكم العقل بلزوم الجمع بين محتملاته يكون معجزا عن
امتثال الآخر ولو احتمالا فكما انه إذا دار الامر بين امتثال التكليف بالأهم أو التكليف بالمهم
يكون الأول معجزا مولويا عن الثاني فكذلك فيما إذا دار الامر بين تحصيل القطع بامتثال
الأهم وتحصيل القطع بامتثال المهم ضرورة ان التكليف المقتضي لاتيان متعلقه في الخارج مقتض
للجمع بين محتملاته أيضا فلا محالة يقع التزاحم حينئذ بينهما فيتقدم الأهم ويكون موجبا للتعجيز
بالإضافة إلى المهم والالتزام بانحصار التزاحم بخصوص ما إذا لم يكن الجمع بين الامتثالين
بنفسهما بلا ملزم بعد ما عرفت من أن الجمع بين المحتملات من مقتضيات نفس التكليف
كالاتيان بمتعلقه خارجا فكما ان عدم التمكن من الجمع بين الامتثالين يوجب التزاحم بين
الخطابين فكذلك عدم التمكن من الجمع بين المحتملات في الطرفين يوجبه أيضا (هذا) وقد
أفاد شيخنا الأستاذ العلامة دام ظله في التنبيه الأول من تنبيهات دوران الامر بين المحذورين
ما يناقض ذلك فراجع * (خاتمة) * في شرائط الأصول بمعنى ما به يتحقق مجاريها وإلا
فجريان الأصل غير مشروط بأمر خارجي مطلقا اما الاحتياط فلا يشترط في حسنه شئ
فكلما صدق عليه عنوان الاحتياط يكون حسنا من دون فرق بين ما يكون احتياطا حقيقيا
يوجب ادراك الواقع على كل تقدير وما يكون احتياطا بالإضافة كما إذا احتاط المقلد بين
فتاوى جميع أهل عصره فإنه وإن لم يحصل معه ادراك الواقع قطعا لاحتمال خطأ الجميع إلا أنه
أقرب إلى ادراك الواقع من الاخذ بفتوى واحد معين منهم (إذا عرفت) ذلك فاعلم أنه
لا اشكال في صدق الاحتياط وحسنه في غير العبادات مطلقا بما يحصل معه ادراك الواقع
وأما فيها فإن لم يتمكن المكلف من الاجتهاد أو التقليد فلا اشكال أيضا واما مع التمكن منهما
ففيه أقوال (ثالثها) عدم الحسن مع العلم بالتكليف اجمالا (رابعها) عدم الحسن مع استلزامه
التكرار ونحن وان أشبعنا الكلام في ذلك في بعض مباحث القطع الا انه لا بأس بالإعادة اجمالا
لعدم كونها بلا فائدة (فنقول) استدل القائلون بعدم الحسن مطلقا مع التمكن مع الاجتهاد أو
التقليد بان الاحتياط والاتيان بالواجب بداعي الاحتمال يكون مخلا بمعرفة الوجه ونيته والعقل
على تقدير عدم استقلاله باعتبارهما أو باعتبار خصوص معرفة الوجه فلا محالة لا يكون مستقلا
بعدم الاعتبار فيكون العمل الفاقد له مما يشك في تحقق الطاعة به عقلا فيكون من موارد
317

حكم العقل بلزوم تحصيل الفراغ اليقيني عن التكليف المعلوم (فإن قلت) على هذا لا يكون
الاحتياط في العبادة حسنا حتى مع عدم التمكن من الاجتهاد أو التقليد لاتحاد الملاك وهو الاخلال
بهما أو بخصوص معرفة الوجه (قلت) كلا إذ اعتبارهما أو اعتبار خصوص معرفة الوجه قطعا
أو احتمالا إنما يكون مع التمكن منهما ومع التعذر يدور الامر بين الترك المطلق وبين تركهما
والاتيان بذات العبادة ولا ريب في استقلال العقل بتعين الثاني وكونه احتياطا في هذا الحال
والحاصل ان اعتبارهما على تقدير الثبوت ليس على نحو الركنية للعبادة حتى يرتفع التكليف
بتعذرهما من رأس بل هو مختص بحال التمكن فمع التعذر يكون الاتيان بذات العبادة احتياطا
لا محالة (هذا) ولكن يرد عليه (أولا) انا نقطع بعدم اعتبار شئ منهما في تحقق الطاعة إذ مع كثرة
الابتلاء بهما وغفلة العامة عنهما لعدم كون اعتبارهما من المستقلات العقلية البديهية وانما ذهب
إلى اعتباره من اعتبره بوجوه عقلية نظرية لابد من الإشارة إليهما في الأدلة حفظا للغرض
وحيث انه ليس فيها ما يدل على ذلك فنقطع بالعدم لأن عدم الدليل في مثل ذلك دليل العدم
(وثانيا) ان ما دل من الاخبار على كفاية مطلق قصد القربة في مقام الامتثال كقوله عليه
السلام إذا كان بنية صالحة يريد بها ربه يدل باطلاقه على عدم اعتبار شئ آخر في العبادية غير
قصد القربة فيكون مخصصا لما اعتبره العقل في الطاعة من القيود (وثالثا) لو سلمنا عدم القطع
بعدم الاعتبار وعدم قيام الدليل عليه فحيث ان أدلة اعتباره غير قطعية فلا محالة يكون الاعتبار
مشكوكا فيستقل العقل بالبراءة وعدم استحقاق العقاب بتركهما وما ذكر من أن الشك إذا كان
راجعا إلى اعتبار شئ في الإطاعة عقلا لا يكون مجرى للبراءة والمقام من هذا القبيل مغالطة
نشأت من الخلط بين الطاعة التي يستقل العقل بلزومها مطلقا وبين الطاعة المعتبرة في خصوص
العبادات فإن الطاعة بالمعنى الأول عبارة عن لزوم انبعاث العبد عن بعث المولى وانزجاره عن
زجره وهو لا شبهة في عدم كونه قابلا لحكم مولوي وإذا فرض من الشارع أمر به فلا محالة
يكون ارشاديا محضا وعليه فإذا شك في اعتبار شئ فيها فلا محالة يكون الشك راجعا إلى
مرحلة امتثال التكليف المعلوم فيكون موردا للاشتغال دون البراءة وهذا بخلاف الطاعة بالمعنى
الثاني الذي هو عبارة عن جعل أمر المولى داعيا إلى الفعل فإن اعتباره سواء كان بالجعل
الثاني أو من ناحية الغرض يكون من قبل الشرع ليس إلا ضرورة ان العقل ليس بنبي مشرع
بل يستقل بلزوم الاتيان بكل ما تعلق به إرادة المولى فإذا شك في أصل اعتبار قصد القربة أو
318

في اعتبار أمر زائد عليه فيرجع الشك إلى اعتبار أمر زائد على المقدار المعلوم في المأمور به وهو
مورد البراءة ولا ريب ان الشك في اعتبار معرفة الوجه ونيته في العبادات بعد الفراغ عن
اعتبار قصد القربة فيها من هذا القبيل وعليه فلا اشكال في صدق الاحتياط وحسنه حتى مع
التمكن من الاجتهاد والتقليد لكن بشرط ان لا يكون الاحتياط مستلزما للتكرار سواء كان
هناك علم بالتكليف اجمالا كما إذا علم اجمالا بوجوب صلاة الظهر أو الجمعة في يوم الجمعة
فأراد المكلف الاحتياط بفعلهما قبل الفحص بالاجتهاد أو التقليد أو لم يكن كما إذا احتمل في
الفرض عدم الوجوب رأسا والوجه في ذلك هو ان العقل الحاكم بالاستقلال في باب الإطاعة
والعصيان إنما يحكم بحسن الاحتياط بالتكرار فيما إذا لم يتمكن من امتثال شخص التكليف وجعل نفسه
داعيا وذلك لان المحرك في الخارج إلى كل من الفعلين ليس إلا احتمال تعلق التكليف به إذ المفروض
عدم العلم بوجوب كل منهما بالخصوص حتى يكون هو بشخصه محركا ولا ريب ان العقل بعد
فرض كون الواجب عباديا وان تشريعه لأجل التعبد به يستقل بعدم الحسن في التحرك عن
احتمال إرادة المولى مع التمكن من التحرك عن نفسها فيكون الإطاعة الاحتمالية في طول الإطاعة
القطعية نعم لو لم يتمكن من الإطاعة القطعية لعدم التمكن من الفحص فلا محالة يكون الاحتياط
بالتكرار حسنا وإن كان الداعي إلى اتيان كل من الفعلين هو احتمال الامر لا نفسه إذ هذا
غاية ما يتمكن المكلف من اتيانه في هذا الحال ولعل نظر شيخنا العلامة الأنصاري (قده) حيث
حكم بكون التكرار في العبادة مع التمكن من الطريق الشرعي لعبا وعبثا إلى ما ذكرناه من حكم
العقل بعدم الحسن فيه وكونه في طول الإطاعة القطعية فيكون التكرار لعبا وعبثا في مقام الطاعة
بحكم العقل لا ان التكرار بنفسه لعب وعبث حتى يورد عليه بأنه ربما يكون بداع عقلائي فلا
يكون كذلك هذا ولو تنزلنا عن استقلال العقل بعدم الحسن مع التمكن من الامتثال القطعي
فلا محالة لا يكون مستقلا بالحسن وكون الامتثال الاحتمالي في عرض الامتثال القطعي فيكون
الحسن حينئذ مشكوكا فيه فيشك في كفاية الامتثال الاحتمالي حينئذ فيستقل العقل بلزوم
تحصيل الفراغ اليقيني (وتوهم) انه يرجع معه إلى البراءة كما في صورة الشك في اعتبار معرفة
الوجه ونيته (مدفوع) بان الرجوع إلى البراءة إنما يكون في موارد الشك في اعتبار أمر زائد
على الحسن العقلي الموجود في الإطاعة كما كان الامر كذلك عند الشك في اعتبار معرفة الوجه
ونيته واما إذا كان الشك في اعتبار شئ في الحسن العقلي بعد الفراغ عن اعتباره في المأمور
319

به كما في المقام فلا (توضيح) ذلك ان الواجب في محل الكلام حيث فرض كونه عباديا وان
تشريعه لأجل التعبد به بان يكون الاتيان به مضافا إلى المولى بوجه حتى يكون حسنا في مقام
العبودية فلا محالة يكون المأمور به هو العمل المأتي به عبادة فإن قلنا بان العبادية مسبب توليدي
عن الدواعي القربية من قصد الامر وغيره فيكون الشك في حصولها بالاتيان بداعي احتمال
الامر الموجود في موارد التكرار شكا في المحصل ومقتضى القاعدة فيه هو الاشتغال وإن قلنا إنها
كلي منطبق على الدواعي القربية والجامع بينها كون العمل بنية صالحة كما في بعض الروايات
وهو الظاهر فلا محالة يكون الشك في انطباقه على الاتيان بداعي احتمال الامر مع التمكن من
الاتيان بداعي نفس الامر شكا في التعيين والتخيير وان الواجب على المكلف حينئذ هو
خصوص قصد الامر أو الأعم منه ومن الاتيان بداعي الاحتمال والمرجع فيه على ما هو المختار
عندنا هو الاشتغال وعلى كل حال فلا يقاس الشك في محل الكلام بالشك في اعتبار قصد الوجه
أو معرفته الراجع إلى اعتبار أمر زائد في المأمور به على اعتبار قصد القربة شرعا الذي هو مورد
للبراءة عقلا ونقلا (هذا كله) فيما إذا كان الاحتياط مستلزما لتكرار جملة العمل وأما إذا كان
مستلزما لتكرار الجزء كما إذا دار الامر في الصلاة بين القراءة الجهرية أو الاخفاتية فأراد المكلف
الجمع بينهما احتياطا فالظاهر عدم الاشكال فيه ولو قبل الفحص وذلك لأنه إذا جاز للمكلف
الاتيان بالقراءة التي ليست جزء للصلاة في ضمنها بقصد القرآنية كما هو المفروض في المقام
فلا محالة يصح له الاتيان بالامرين ويقصد كون ما هو المأمور به في ضمن الصلاة جزء لها
وكون الآخر قرآنا في ضمنها غاية الأمر انه لا يميز الجزء من غيره ولا بأس به بعد حصول
القربة والعبادية والحاصل ان ما يعتبره العقل أو يحتمل اعتباره هو التحرك عن شخص إرادة المولى
مع التمكن منه وهذا حاصل في المقام واما احتمال صدور كل جزء جزء من شخص الامر
مميزا عن غيره فلا فإذا فرض تحرك المكلف عن شخص إرادة الصلاة المتعلقة بها ولكن لم
يميز كون القراءة المقومة لها جهرية لو اخفاتية فاتى بهما احتياطا فقد حصل ما يعتبره العقل أو
يحتمل اعتباره في مقام الطاعة قطعا ومعه فلا اشكال في الصحة أصلا (فتحصل من جميع ذلك)
ان الاحتياط في العبادة إذا لم يكن مستلزما للتكرار فلا اشكال في حسنه واغنائه عن الفحص
في مورد وجوبه واما فيما يستلزمه فإن كان المورد مما يجب الفحص فيه كموارد العلم الاجمالي
أو الشبهات البدوية الحكمية فيما إذا احتمل الالزام فلا ريب في عدم حسنه قبل الفحص لأنه
320

ليس من وجوه الطاعة حينئذ قطعا أو احتمالا واما إذا كان المورد مما لا يجب فيه الفحص
كالشبهات الموضوعية أو الحكمية الغير المحتملة فيها الالزام فهل يجوز للمكلف الاحتياط
بالتكرار قبل الفحص أم لا وجهان من عدم الملزم للمكلف على الفحص فان له
ترك الشبهة وعدم التعرض لها أصلا كما هو المفروض فيحسن منه الاحتياط في هذا الحال ولو
كان بالتكرار ومن استقلال العقل أو احتماله لعدم كون التكرار مع التمكن من جعل شخص
الامر داعيا على تقدير وجوده من وجوه الطاعة فلا يستقل بحسنه العقل ومع عدم استقلاله به
لا يمكن المكلف الاكتفاء به في مقام الطاعة بل لا يبعد أن يكون ذلك تشريعا محرما بعد
عدم احراز الحسن (ودعوى) ان العقل وان لم يستقل بالحسن إلا أنه لا يستقل بعدمه أيضا فيجوز
الاحتياط بالتكرار احتياطا (مدفوعة) بان الاتيان بالفعل بداعي احتمال الامر مع التمكن
من الفحص إذا فرض عدم استقلال العقل بحسنه لعدم احراز كونه من وجوه الطاعة فكيف
يمكن استقلاله بحسنه بداعي احتمال الحسن ضرورة ان احتمال الحسن وكون الشئ من وجوه
الطاعة لا يوجب كون الشئ كذلك قطعا ومع عدم القطع به يبقى الشك فيه على حاله ويكون
الاتيان به في مقام العبادة تشريعا محرما وعدم وجوب الفحص على المكلف وجواز ترك تعرضه
للشبهة رأسا كما هو المفروض لا يوجب انقلاب ما لم يحرز حسنه وكونه من وجوه الطاعة عما
هو عليه وكفايته في مقام الطاعة والعبودية وهذا هو الأقوى (هذا) (والتحقيق) عدم جواز
الاحتياط في العبادة مطلقا في موارد وجوب الفحص ولو لم يكن الاحتياط مستلزما للتكرار وذلك
لان الانبعات عن احتمال التكليف إذا كان متأخرا عن الانبعاث عن شخصه بحكم العقل ولا
أقل من احتماله فلا محالة يكون سقوط التكليف بالعبادة على تقدير وجوده متيقن العدم أو
مشكوكا فيه فيستقل العقل بوجوب الفحص وعدم جواز الاحتياط وذلك لان التكليف الواقعي
على تقدير وجوده لابد من جعل شخصه داعيا ومحركا بحكم العقل فالاقتصار بجعل احتماله داعيا
قبل الفحص مع التمكن من الأول لا يكون مسقطا للتكليف بحكم العقل واما في موارد عدم
وجوب الفحص كما في الشبهات الحكمية الغير الالزامية أو في الشبهات الموضوعية فمقتضى حكم
العقل بعدم حسن الامتثال الاحتمالي مع التمكن من القطعي أو شكه فيه وإن كان عدم تحقق
الامتثال بالاحتياط قبل الفحص فيها أيضا كما عرفت إلا أن الانصاف ان الوجدان يأبى عن
ذلك بل يحكم بحصول الامتثال وكون الامتثال الاحتمالي حينئذ إطاعة في فرض المصادفة
321

وانقيادا للمولى مع عدمها وعلى ذلك يختص حكم العقل بعدم تحقق الامتثال بموارد وجوب
الفحص ليس إلا (هذا كله) فيما إذا كان المكلف متمكنا من تحصيل القطع أو الظن الخاص
واما فيما إذا لم يكن متمكنا إلا من تحصيل الظن المطلق الثابت حجيته بمقدمات الانسداد
(فهل يجوز الاحتياط فيه بالتكرار أم لا) صريح كلام شيخنا العلامة الأنصاري (قده) هو الأول
لان حجية الظن الانسدادي متفرعة على عدم وجوب الاحتياط لا على عدم جوازه فكيف
يعقل أن يكون التمكن من تحصيله موجبا لبطلان الاحتياط ولذا تعجب من المحقق القمي
(قده) حيث ذهب إلى بطلان عمل تارك طريقي التقليد والاجتهاد مع ذهابه إلى حجية الظن
بمقدمات الانسداد والتحقيق ان يقال إن الظن في حال الانسداد إن كان طريقيته ثابتة من
باب الحكومة واستقلال العقل بكفاية الامتثال الظني فيها فالامر كما ذهب إليه (قده) لكن
المحقق القمي لا يقول بالحكومة بل هو مصر على الكشف وأما إذا كانت طريقيته ثابتة بحكم
الشرع وإن كان الكاشف عنه هو العقل فحيث ان من مقدماته بطلان الاحتياط وعدم ابتناء
أساس الشرع عليه فلا محالة يكون حاله حال الظن الخاص في عدم اغناء الاحتياط عن وجوب
تحصيله وعدم جواز الاكتفاء به في مقام الطاعة (ثم لا يخفى) ان حسن الاحتياط في موارد ثبوته
إنما يكون لاحتمال ادراك الواقع وعدم فوته عن المكلف من دون فرق بين ما إذا كان هناك
حجة على النفي أو لم يكن وهذا في موارد عدم التكرار واضح واما في موارد التكرار فهل يجوز
الاتيان بغير ما قامت الحجة على وجوبه فيما إذا دار الامر بين وجوب شيئين قامت الحجة
على وجوب أحدهما مطلقا أو لا يجوز كذلك أو يجوز الاتيان به بعد الاتيان بما قامت الحجة
على وجوبه لا قبله فيه وجوه بل أقوال أقواها الأخير اما جوازه بعد الاتيان بمتعلق مؤدى
الحجة فلان غاية ما دل عليه دليل الحجية هو الغاء احتمال الخلاف وعدم ترتيب الامر عليه واما
نفس الاحتمال فهو لا يمكن ارتفاعه بدليل الحجية ومعه يستقل العقل بحسن اتيان المحتمل رجاء
لادراك الواقع (وبعبارة أخرى) دليل الحجية لا يوجب تغير الواقع عما هو عليه بل غايته هو
جعل الطريق عليه تعبدا ومع احتمال الخطأ فيه وبقاء الواقع على حاله يحسن الاحتياط لئلا يقع
المكلف في محذور المخالفة الواقعية واما عدم الجواز قيل اسقاط التكليف الثابت بمقتضى الطريق
فلان العمل على خلافه قبل اسقاطه اعتناء باحتمال الخلاف وموجب لعدم ترتيب الأثر على
حجيته والمفروض ان دليل الحجية الغى هذا الاحتمال فلا يجوز الاعتناء به قبل فراغ الذمة
322

عما اشتغلت به بحكمه وهذا الذي اخترناه هو المختار عند العلامة الأنصاري وتلميذه العلامة
الشيرازي (قدهما) ولذا ترى ان في بعض موارد دوران الامر بين القصر والتمام يحتاط الشيخ
(قده) بتقديم التمام على القصر لأقوائية التمام عنده ويحتاط السيد (قده) بتقديم القصر على التمام
لأقوائية القصر عنده * (بقي هناك) * أمران (الأول) انه قد ذكرنا سابقا انه إذا دار الامر
بين ترك الجزء أو الشرط فلا بد من ملاحظة الأهمية بينهما ولا يكون تأخر مرتبة الشرط عن
مرتبة الجزء في عالم اللحاظ والتصور موجبا لتمحض الشرط في السقوط وذلك لما عرفت من أن
تعلق الامر بهما في عرض واحد من دون تقدم وتأخر فكما يصلح أن يكون وجوب الجزء معجزا
مولويا عن الشرط فكذلك يصلح وجوب الشرط لذلك إلا أن ذلك مختص بغير موارد
دوران الامر بين سقوط قصد القربة أو غيره جزء كان أو شرطا وذلك لان قصد القربة وإن كان
وجوبه شرعيا عندنا إلا أنه بأمر آخر وفي مرتبة متأخرة عن الامر بقية الأجزاء
والشرايط ضرورة ان الواجب بالامر الثاني هو اتيان المأمور به الأولي بداعي أمره ومن المعلوم
ان هذا الوجوب مشروط بالقدرة ولا محالة يسقط بالتعذر فإذا دار الامر بين سقوطه وسقوط
شرط آخر كما في موارد تردد القبلة أو الساتر الطاهر بين أمور الموجب لسقوط قصد القربة في
شخص المأمور به بتكرار العبادة أو لسقوط شرطية القبلة أو طهارة اللباس حتى يؤتى بصلاة
واحدة بداعي أمرها فلا محالة يكون الساقط هو الأول دون الثاني لان سقوط الشرطية من
القبلة أو طهارة اللباس بعد فرض التمكن منهما في حد ذاتهما يتوقف على لزوم قصد القربة حتى
في هذا الحال ليكون وجوب ذلك موجبا لتعذر الشرط ومن المعلوم ان لزومه يتوقف على
التمكن منه المتوقف على سقوط الشرطية إذ مع عدم السقوط يكون المكلف عاجزا عن قصد
القربة لا محالة فيلزم توقف كل من السقوط ولزوم قصد القربة على نفسه وهذا دور واضح (وبعبارة
أخرى) بقاء شرطية الشرط حيث إنها في مرتبة سابقة على قصد القربة يصلح أن يكون معجزا
مولويا عن قصد القربة فيسقط وهذا بخلاف لزوم قصد القربة فإنه معتبر في المأمور به بما انه
كذلك فيستحيل أن يكون متعرضا لحاله وموجبا لتضييق دائرته واختصاص الامر ببعض
متعلقه دون بعض فيتمحض قصد القربة في السقوط ويجب احراز الشرط أو الجزء بتكرار العمل
(الثاني) انه إذا عرض في أثناء العمل ما لا يمكن معه إتمام العمل مع الامتثال القطعي لعدم العلم
معه بما يجب على المكلف في هذا الحال فهل الواجب عليه قطع العمل واستينافه تحصيلا
323

للامتثال القطعي وتقديما له على الامتثال الاحتمالي مع التمكن من القطعي أو لا يجب عليه ذلك
بل يجوز له اتمام العمل مع اختيار ما يحتمل معه الصحة ثم يجب عليه تعلم حكمه فإن طابق ما أتى
به للواقع فهو والا وجب عليه الإعادة وجوه بل أقوال (ثالثها) التفصيل بين ما يكون من المسائل
التي يبتلي بها العامة فيجب عليه القطع لتنجز الحكم الواقعي عليه قبل الشروع في العمل لوجوب
التعلم حينئذ وبين ما لا يكون كذلك فيقتصر على الامتثال الاحتمالي إذا انكشف مطابقته للواقع
بعد العمل وهو الذي اختاره شيخنا العلامة الأنصاري (قده) وليعلم قبل تحقيق المسألة ان محل
البحث في المقام أجنبي عما سيجئ تحقيقه إن شاء الله تعالى في الموارد التي تمسك فيها باستصحاب
الصحة إذ محل الكلام هناك فيما إذا عرض للمكلف في أثناء العمل ما يحتمل معه بطلان العمل
وسقوط الاجزاء اللاحقة عن قابلية الالتحاق بالسابقة وهذا بخلاف المقام فإن المفروض فيه
عدم البطلان وعدم سقوطها عن قابلية الالتحاق لكن المكلف لعدم علمه بما هو وظيفته لا يتمكن
من الامتثال القطعي وعلى تقدير علمه به لكان متمكنا منه من دون احتمال البطلان رأسا
(إذا عرفت ذلك فنقول) ان القائل بوجوب الاتمام مكتفيا بالامتثال الاحتمالي إنما نظر إلى أن حرمة
ابطال العمل بعد الشروع فيه يكون موجبا لتعذر الامتثال القطعي على المكلف تشريعا وتمكن
المكلف منه المتفرع على الابطال لا يترتب عليه أثر مع فرض حرمة الابطال ونظر شيخنا العلامة
الأنصاري (قده) حيث فصل في المقام إلى أن الأحكام المجعولة في محل الابتلاء حيث إنها
يجب على المكلف تعلمها فهي كانت منجزة قبل الشروع والمفروض تمكن المكلف قبل الشروع
من امتثالها تفصيلا للتمكن من تعلمها والتعذر الطارئ لكونه منتهيا إلى الاختيار لا يكون مسقطا
لوجوب الامتثال التفصيلي فإن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار كما في موارد التوسط في
الأرض المغصوبة فلا بد من ابطال العمل والاتيان بالعمل المقترن بالامتثال التفصيلي وهذا
بخلاف ما إذا كان الشبهة مما لا يبتلي بها عامة الناس فإن مثل تلك الشبهة لا يجب على المكلف
تعلم حكمها قبل الابتلاء بها والمفروض عدم التمكن منه بعد الشروع في العمل والابتلاء
المحقق لتعذر الامتثال التفصيلي الموجب لسقوطه وكفاية الامتثال الاحتمالي (وأنت خبير) بأن
ما أفاده (قده) مضافا إلى ابتنائه على جريان حكم الامتناع بالاختيار في الأحكام الوضعية
وعدم اختصاصه بخصوص الأحكام التكليفية حتى يقال ببقاء شرطية قصد الامتثال التفصيلي
ولو كان متعذرا بالاختيار مع أن الظاهر اختصاص تلك القاعدة بخصوص الأحكام التكليفية
324

(يرد عليه أولا) انه (قده) يرى سقوط التكليف حتى بالتعذر الاختياري ولذا التزم (قده) بوجوب
الخروج من الأرض المغصوبة وعدم اتصافه لا بالحرمة الفعلية ولا بالحرمة السابقة فلا بد من
التزامه في المقام أيضا بسقوط وجوب الامتثال التفصيلي ولو كان تعذر منتهيا إلى اختياره
(وثانيا) ان لازم عدم السقوط بالتعذر المنتهي إلى الاختيار هو صحة عقابه على تركه وأين
ذلك من وجوب الابطال والاتيان بالعمل المقترن به بل غاية الأمر هو الالتزام بوجوب الاتمام
مع الاحتمال وصحة العقاب على مخالفة المتعذر بالاختيار كما كان الامر كذلك في التوسط في
الأرض المغصوبة (والتحقيق في المقام) أن يقال إنه لا اشكال في وجوب الاتمام مطلقا فيما إذا
كان الوقت مضيقا ولم يتمكن المكلف من الامتثال التفصيلي ولو بابطال العمل الذي بيده
واما مع سعة الوقت فلا بد من ابطاله وتحصيل الامتثال التفصيلي فإن المانع عنه لا يكون في
المقام غير حرمة الابطال وهي لا تكون بمانعة لاختصاصها بما إذا تمكن المكلف من إتمام العمل
على ما هو عليه من الحال والمفروض في المقام عدمه لعدم تمكنه من إتمامه مع الامتثال التفصيلي
وإذا لم يكن الابطال محرما والمفروض تمكن المكلف من الاتيان بالعمل المقترن به ولو بالابطال
فلا محالة يكون واجبا لما ذكرناه من أن حسن الإطاعة الاحتمالية في طول الإطاعة القطعية لا في
عرضها (فان قلت) إذا دار الامر بين الاتمام مع الاحتمال والابطال وتحصيل الامتثال
التفصيلي فكما يمكن أن يكون وجوب الامتثال التفصيلي موجبا لتعذر إتمام العمل على ما هو
عليه فلا يكون الابطال بمحرم فكذلك يمكن أن يكون حرمة الابطال موجبة لتعذر الامتثال
التفصيلي فيسقط ويكتفى بالامتثال الاحتمالي (قلت) كلا إذ حرمة الابطال تتوقف على التمكن
من إتمام العمل على ما هو عليه وهو متوقف على سقوط الامتثال التفصيلي اما بنفسه أو لحرمة
الابطال والأول خلاف المفروض والثاني مستلزم للدور ولا يمكن أن يقال إن وجوب الامتثال
التفصيلي يتوقف على عدم حرمة الابطال إذ معها يكون متعذرا فيسقط فلو توقف عدم الحرمة
على وجوب قصد الامتثال لزم الدور وذلك فإن كل دليلين متعارضين أو حكمين متزاحمين
إذا فرض كون أحدهما رافعا لموضوع الاخر بنفس وجوده دون العكس فلا محالة يتقدم على
الآخر ففي المقام حيثان المفروض تقيد موضوع حرمة الابطال بما إذا تمكن المكلف من إتمام العمل
على ما هو عليه في حد ذاته فمرتبتها متأخرة عن مرتبة الاجزاء والشرايط ولا يمكن ان يرتفع بها جزئية
جزء أو شرطية شرط فإذا فرضنا عدم سقوط الامتثال التفصيلي من قبل نفسه فيستحيل أن يكون حرمة
325

الابطال المتأخرة عنه رتبة موجبة لسقوطه وهذا لا ينافي الالتزام بسقوطه على تقدير العلم بثبوت
الحرمة الفعلية الملازمة لعدم وجوب قصد الامتثال التفصيلي على ما هو مقتضى المنافاة بينهما كما
في كل دليلين متزاحمين أو متعارضين (وببيان أوضح) التمكن من اتيان العمل مقترنا بالامتثال
التفصيلي موجود بالنسبة إلى طبيعة الصلاة وحرمة ابطال شخص الصلاة لا توجب عدم التمكن
بالقياس إلى الطبيعة حتى تكون موجبة للسقوط بل غايتها عدم جواز ابطال هذا الشخص من
العبادة ومن المعلوم عدم تعلق الامر بذلك الشخص بخصوصه بل الامتثال انما هو باعتبار
انطباق الطبيعة المأمور بها على المأتي به خارجا وحيث إن انطباقها عليه الموجب لحرمة الابطال
يتوقف على سقوط الامتثال التفصيلي بالقياس إلى نفس الطبيعة فلا يعقل توقف السقوط على
الحرمة المتوقفة على الانطباق وإذا لم يسقط الامتثال التفصيلي المفروض تمكن المكلف منه
فلا محالة لا يكون المأمور به منطبقا على المأتي به خارجا فلابد من الابطال واستئناف العمل
من رأس تحفظا على تحصيل شرط الطاعة مع الامكان (ومما ذكرناه) ظهر بطلان ما افاده بعضهم في
المقام من الالتزام بالتخيير بين ابطال العمل واستئنافه تحفظا على تحصيل الشرط وبين اتمامه
برجاء المطلوبية والاكتفاء بالامتثال الاحتمالي نظرا إلى مزاحمة حرمة الابطال مع وجوب الطاعة
التفصيلية مع الغفلة عن أن التخيير بين الحكمين المتزاحمين إنما يكون مع كونهما في مرتبة واحدة
لا في مثل المقام على ما عرفت تفصيله (كما أنه ظهر فساد) ما قيل من وجوب الجمع بين الامتثال
الاحتمالي باتمام العمل والتفصيلي باستئنافه بعد الفراغ نظرا إلى العلم الاجمالي بوجوب أحدهما
على المكلف مع الغفلة عن أن إتمام العمل مع الاحتمال يوجب تعذر الامتثال التفصيلي إلى
الأبد ضرورة انه مع احتمال سقوط التكليف بالامتثال الاحتمالي كيف يمكن الامتثال التفصيلي
بعد ذلك فالامر يدور بين الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي باتمام العمل وابطال العمل واستئنافه
تحصيلا للامتثال التفصيلي وقد عرفت تعين الثاني بما لا مزيد عليه (هذا كله) فيما يعتبر في الاخذ
بالاحتياط واما ما يعتبر في الرجوع إلى البراءة فتوضيح الحال فيه إنما يكون بالبحث في
جهات (الأولى) لا ريب في عدم اعتبار الفحص في الشبهات الموضوعية في الجملة واعتباره في
الشبهات الحكمية (اما الأول) فقد استدل عليه بالاجماع وباطلاق أدلتها ولا يخفى ان موضوع
التكليف ربما يكون بحيث يكون العلم به في العادة غير متوقف على نظر كما في غالب الموضوعات
وحينئذ فلا ريب في جواز الرجوع إلى البراءة من دون اعتبار شي آخر واخرى لا يكون
326

كذلك بل انكشافه للمكلف لا يكون بحسب العادة الا باعمال نظر ولولاه لوقع المكلف
في مخالفة الواقع كثيرا وهنا يختلف باختلاف الموارد فربما يتوقف العلم به على مجرد النظر وعدم
إيجاد المانع عن فعلية الانكشاف مع حصول بقية مقدماته وهذا كما في موارد احتمال طلوع
الفجر لمن كان على السطح بحيث لا يكون هناك مؤنة أخرى في فعلية حصول الانكشاف
إلا مجرد النظر إلى الأفق وأخرى يتوقف العلم به على مراجعة الدفتر والحساب وهذا كما في
موارد الشك في حصول الاستطاعة أو البلوغ إلى النصاب فإن العلم بهما غالبا لا يكون إلا
بالمراجعة وحساب ما عنده ففي مثل هذه الموارد لا يمكن الرجوع إلى البراءة إلا بعد النظر لقصور
الأدلة عن الشمول لها إذ نفس أدلة التكليف في تلك الموارد بعد الفراغ عن توقف فعلية
انكشاف موضوعاتها على النظر في العادة تدل بالدلالة الالتزامية على وجوب النظر وتنجز
التكليف على تقدير وجوده مع المسامحة بعدم النظر وان شئت قلت إن أدلة البراءة قاصرة عن
الشمول لمثل هذا الجاهل الذي كان مقدمات العلم كلها متحققة عنده بحيث لا يكون هناك
مؤنة أخرى غير النظر لانصرافها إلى غيره ممن لا يكون مقدمات العلم حاضرة عنده وكان
محتاجا إلى تحصيله (ومما ذكرناه) يظهر ان الموضوعات التي يتوقف فعلية الانكشاف فيها على
السؤال بحسب العادة كما في مواضع الشك في بلوغ المقصد إلى حد المسافة يجب السؤال
فيها أيضا ولا يجوز الرجوع إلى الاستصحاب مع عدمه (وبالجملة) كل ما توقف الانكشاف
عليه بحسب العادة بحيث لزم من تركه الوقوع في المخالفة كثيرا يجب مراعاته ثم الرجوع
إلى الأصل نعم الفحص عن تلك الموضوعات بأزيد من ذلك مما لا يكون توقف فعلية
الانكشاف عليه عاديا لا يكون بواجب ويجوز الرجوع مع تركه إلى البراءة واما (الثاني)
وهو عدم جواز الرجوع إلى البراءة في الشبهات الحكمية إلا بعد الفحص واليأس عن الظفر
بالدليل فقد استدل عليه بالأدلة الأربعة والعمدة في ذلك هو الأخبار الدالة على وجوب التعلم
واستحقاق العقاب مع تركه وحكم العقل بوجوب الفحص عن احكامه المولى بعد فرض المولوية
والعبودية وذلك لما بيناه في بحث العموم والخصوص من أن العقل يستقل بأن الوظيفة الربوبية
إنما تقتضي تشريع الاحكام وبيانها بحيث لو تفحص العبد عنها لوصل إليها ولا يجوز له المطالبة
بأزيد من ذلك كما أن الوظيفة العبودية تقتضي الفحص عن احكام مولاه التي يمكن الوصول
إليها فكما ان عقاب المولى بعد فحص العبد وعدم الظفر بحكم المولى على مخالفة تكاليفه الواقعية
327

ظلم منه على عبده فكذلك عدم فحص العبد عن احكام مولاه بعد التفاته إلى العبودية والمولوية
ظلم منه على مولاه فلزوم الفحص في المقام مع لزوم النظر في المعجزة داخلان تحت كبرى واحدة
وناشئان عن ملاك واحد وربما يقرب حكم العقل بوجوب الفحص في الشبهات الحكمية بالعلم
الاجمالي بوجود واجبات ومحرمات كثيرة بحيث لو تفحص عنها لظفر بها ولازم ذلك وجوب
الاحتياط أو الفحص عن تلك الأحكام حتى يظفر بها (وربما يشكل) على هذا التقريب بأنه أعم من
المدعى من وجه وأخص من وجه (اما) الأول فلان المدعى إنما هو وجوب الفحص عما في أيدينا
من الكتب المعتبرة المعتمد عليها في مقام الفتوى ومن الواضح ان العلم الاجمالي إنما تعلق
بوجود احكام الزامية في الشريعة لا بخصوص ما في هذه الكتب فأثر العلم الاجمالي لا يرتفع
بالفحص كما هو المدعى (واما الثاني) فلان لازم هذا التقريب انه متى تفحص المكلف وظفر
بالأحكام بمقدار المعلوم بالاجمال أو أزيد ان لا يجب الفحص بعد ذلك ويرجع إلى البراءة
من دون فحص مع أن المدعى والمسلم بين العلماء هو وجوب الفحص حتى بعد الظفر بمقدار
المعلوم بالاجمال ولكن التحقيق عدم الفرق بين التقريبين في ذلك وان النتيجة على كل حال
واحدة ضرورة ان توهم بقاء اثر العلم الاجمالي بعد الفحص عما في الكتب المعتبرة انما يصح
إذا لم ينحل المعلوم بالاجمال بالعلم بوجود احكام كثيرة في هذه الكتب بمقدار المعلوم بالاجمال
أو أزيد واما مع انحلاله بذلك فلا محالة يرتفع اثر العلم الاجمالي بعد الفحص عما في الكتب
ويرجع إلى البراءة مع عدم وجدان الدليل فيها (واما توهم) أخصية المدعى وان مقتضى التمسك
بالعلم الاجمالي هو عدم وجوب الفحص بعد الظفر بمقدار المعلوم بالاجمال وان احتمل وجود
الدليل على الحكم في الكتب المعتبرة (فيدفعه) ان الظفر بمقدار المعلوم بالاجمال انما يوجب انحلال
العلم الاجمالي فيما إذا لم يكن المعلوم بالاجمال ذا علامة بحيث لا يكون المعلوم بالاجمال الا
مقدارا معينا من العدد واما إذا كان ذا علامة فكل ما كان بهذه العلامة قليلا كان أو كثيرا
فلا محالة يكون منجزا بهذا العلم حتى بعد الظفر بمقدار المعلوم بالاجمال مثلا إذا علم التاجر
بدين له على صاحبه مردد بين الأقل والأكثر ولكن يعلم بان تمام دينه موجود في دفتره
فهل يحتمل انه إذا راجع دفتره وظفر بمقدار المعلوم بالاجمال فله ان لا يراجع بقية الدفتر ويقتصر
على هذا المقدار المتيقن مع علمه بان كل ما هو دين له موجود في الدفتر ومكتوب فيه أو انه
بعلمه الاجمالي بوجود تمام دينه في الدفتر يتنجز عليه كل ما كان عليه ولا بد من الفحص حتى
328

بعد الظفر بمقدار المعلوم بالاجمال والسر فيه هو ما ذكرناه من أن المعلوم بالاجمال حيث إنه معلم
بعلامة وجوده في الدفتر فكل ما فيه يكون منجزا بنفس هذا العلم قل أو كثر والانحلال إنما
يكون فيما إذا كان العلم متمحضا في تعلقه بعدد مردد بين الأقل والأكثر وحيث إن المعلوم
بالاجمال في محل الكلام هي الاحكام الموجودة في هذه الكتب بحيث لو تفحص عنها لظفر
بها والعلم الاجمالي بمطلق الاحكام في الشريعة قد عرفت انحلالها بهذا العلم فلا محالة يكون كل
ما في هذه الكتب من الاحكام منجزا بهذا العلم فلا يكون الظفر بمقدار المعلوم بالاجمال
موجبا لانحلاله (فتلخص) انه لا فرق بين التقريبين في أن الواجب هو الفحص عن الاحكام
الموجودة في هذه الكتب ليس الا ولو بعد الفحص والظفر بمقدار المعلوم بالاجمال أو الأكثر
(الثانية) في أنه بعد الفراغ عن استحقاق عقاب تارك الفحص في الجملة وقع الكلام في أن
العقاب على ترك الفحص مطلقا أو فيما لزم منه ومن الاخذ بالبراءة مخالفة التكليف الواقعي
وعلى الثاني فهل الموجب للعقاب هو مخالفة نفس الواقع مع حكم العقل بلزوم الفحص أو مخالفة
وجوب الفحص المستلزم لمخالفة الواقع وجوه نسب (الأول) منها إلى صاحب المدارك والمحقق
الأردبيلي (قده) (والثاني) إلى المشهور والمختار عندنا هو الثالث وقبل الخوض في المقام لابد
من تمهيد مقدمة يتضح بها الحال إن شاء الله تعالى (وهي) ان الواجب ينقسم إلى نفسي وغيره
والمراد من الأول هو ما كان وجوبه لا لأجل خطاب آخر سواء كان هو بنفسه غرضا أوليا
كما في معرفة الله تعالى أو كان سببا توليديا للغرض كما في الالقاء الواجب لأجل الاحراق
أو كان علة معدة له فيما إذا لم يمكن تعلق التكليف بنفس الغرض كالمصالح المترتبة على جل
الواجبات الشرعية على ما أوضحنا الحال فيه في غير المقام والجامع بين الكل هو أن يكون الغرض
من الايجاب التوصل إلى ايجاد متعلقه خارجا من دون أن يكون هناك نظر إلى خطاب آخر
ويقابل هذا المعنى من النفسي كل خطاب يكون لأجل خطاب آخر سواء كان ذلك الخطاب
مقتضيا له بنفسه من دون احتياج إلى انشاء آخر كما في الخطابات الغيرية المتعلقة بالمقدمات
المترشحة من الواجبات النفسية أم لم يكن كذلك بل كان محتاجا إلى جعل آخر كما في موارد
الاحتياج إلى جعل المتمم على اختلافها نتيجة (فان) منها ما يكون خطاب المتمم لأجل عدم
امكان استيفاء الخطاب لتمام اجزاء الواجب أو شروطه كما في مورد قصد القربة والغسل قبل
الفجر في شهر رمضان فإن قصد القربة الذي هو جزء لما يترتب عليه غرض المولى في العبادات
329

أو الطهارة التي هي شرط لصحة الصوم حيث لا يمكن الامر بهما في ضمن الامر بالعبادة أو
الصوم فلا بد من الامر بهما بالخصوص تتميما للجعل الأول فالخطاب بهما وان لم يكن خطابا
غيريا مترشحا من الخطاب الآخر إلا أنه لأجل رعاية الخطاب الآخر وهو الامر بالعبادة
أو الصوم فلا محالة لا يكون خطابا نفسيا ناشئا عن تعلق غرض بمتعلقه (ومنها) ما يكون لأجل
انه لولاه لزم فوات الواجب لأجل توقفه على مقدمات خارجية دخيلة في القدرة عليه نظير
السير في الحج فان زمان الواجب لتأخره وعدم امكان ايجابه فعلا حتى يترشح منه وجوب
مقدماته لا بد من ايجاب مقدماته ليتمكن المكلف من ايجاده في ظرفه فلو لم يجب السير
قبل وجوب الحج لما وصل المولى إلى غرضه لجواز ترك المقدمة فعلا وعدم تمكن المكلف من
امتثال الواجب في ظرفه فيجب السير لا محالة رعاية للتكليف بالحج فيكون واجبا لأجل واجب
آخر (ومنها) ما يكون لأجل انه لولاه لما وصل المكلف إلى خطاب المولى حتى ينبعث
عنه من دون مدخلية له في القدرة على متعلقه وهذا كوجوب الفحص فإنه لأجل رعاية
التكاليف الواقعية وايصالها إلى المكلف من دون مدخلية له في القدرة على متعلقاتها ويلحق
بذلك وجوب الاحتياط بل مطلق الطرق والأصول المحرزة ويسمى هذا القسم من المتمم
للجعل بالوجوب الطريقي وقد ذكرنا تفصيل الكلام في أقسام المتمم للجعل في مبحث مقدمة
الواجب فراجع والغرض من التعرض في المقام انما هو بيان الفارق بينها على اختلافها
وبين الواجب النفسي كما عرفت (إذا عرفت) ذلك فنقول إذا كان توهم ترتب العقاب على
مخالفة وجوب الفحص والتعلم ناشئا عن توهم وجوبهما نفسا كما نسب إلى المحققين المذكورين
(قدهما) فقد ظهر فساده وان وجوبهما ليس إلا طريقيا لأجل رعاية الواقع والوصول إليه وإن كان
لتوهم ان وجوبهما، وإن كان طريقيا الا ان مخالفة الخطاب الطريقي توجب العقاب
كمخالفة الخطاب النفسي كما نسب إلى المشهور أو الأشهر ففساده أوضح لان الايجاب
الطريقي إن كان في موارد الامارات والأصول المحرزة فقد عرفت في بعض مباحث القطع انه
ليس المجعول فيها الا جعل الوسطية في الاثبات ونفس صفة المحرزية فحالها حال العلم في أنه
لا يترتب على مخالفتها عقاب الا عند مصادفتها للواقع على المختار عندنا من عدم استحقاق
المتجري للعقاب وإن كان في موارد ايجاب الاحتياط أو وجوب الفحص التي لا يخرج الواقع
عن مجهوليته في تلك الموارد بايجابهما بل هو على ما هو عليه من المجهولية وغير متصف بصفة
330

المحرزية فمخالفة مثل هذا التكليف الطريقي ما لم يكن مستلزما لمخالفة الواقع لا معنى لكونه
موجبا لاستحقاق العقاب أيضا وذلك لما عرفت من أن الغرض من هذا الجعل انما هو تتميم الجعل
الأول ورعايته وليس للمولى الا غرض واحد قائم بالواقع فكيف يعقل أن يكون مخالفة ما جعل
بعنوان المتممية موجبة لاستحقاق العقاب من دون استلزامها لمخالفة الخطاب الأصلي نعم
لو قلنا في موارد الامارات والأصول المحرزة بالسببية والموضوعية لكان للتوهم المذكور مجال
واسع لكنك عرفت في محله عدم الدليل عليها مع بعد الالتزام بها في نفسه وعلى تقدير الالتزام بها
في موارد الطرق المحرزة فالالتزام في موارد ايجاب الاحتياط أو التعلم أبعد (فإن قلت)
أليس مفاد قوله (ع) في الرواية هلا تعلمت ان ترك التعلم هو الذي يوجب استحقاق العقاب
بنفسه (قلت) كلا فان مورده هو ما إذا لزم ترك الواقع من ترك التعلم لقوله (ع) أولا هلا
علمت فيكون الرواية دليلا على أن العقاب مختص بصورة أداء ترك التعلم إلى ترك الواقع ليس
إلا بل يستشم منها ان الموجب للعقاب هو ترك التعلم لكن عند مصادفته لترك الواقع فيكون
دليلا على المختار بكلا جزئيه ومع الإغماض عن ذلك فقد ذكرنا في بعض المباحث السابقة
ان العقاب لا يمكن أن يكون على ترك الواقع لان الواقع على مجهوليته بعد ايجاب الاحتياط
فيقبح العقاب على مخالفته لكونه بلا بيان واما ايجاب الاحتياط فهو معلوم للمكلف وواصل
إليه فيصح العقاب على مخالفته فيما إذا لزم منه تفويت غرض المولى القائم بالواقع الموجب لجعل
المتمم وبعبارة واضحة ايجاب الاحتياط أو التعلم في مورد مصادفتهما للواقع لكونهما مجعولين
تتميما له يتحدان معه فالخطاب بهما عين الخطاب بصل وزك فالعقاب على مخالفتهما عين العقاب
على مخالفة الواقع أيضا فان شئت قلت العقاب على الواقع بمصححية وجوب التعلم أو الاحتياط
وان شئت قلت العقاب على مخالفة الامر الطريقي عند استلزامها لمخالفة الواقع (ثم لا يخفى)
عليك الفرق بين وجوب الفحص وبين وجوب المقدمات المفوتة بعد اشتراكهما في كونهما
مجعولين تتميما للجعل الأول بأن زمان استحقاق العقاب في المقدمات المفوتة انما هو زمان
ترك المقدمة إذ به يكون المكلف عاجزا عن الاتيان بالمأمور به فيسقط التكليف عنه لا محالة
فأول زمان يجعل المكلف نفسه عاجزا عن الاتيان بالمأمور به هو أول زمان العصيان وهذا
بخلاف ترك الفحص فإنه لا يوجب عجز المكلف عن الاتيان بمتعلق التكليف الواقعي في ظرفه
بل المكلف على قدرته وربما يتفق له الاتيان به جاهلا بحكمه من باب الاتفاق فلا محالة يكون
331

ظرف العصيان فيه هو زمان ترك الواجب في ظرفه وبدونه لا موجب لتحقق العصيان الموجب
لاستحقاق العقاب بناء على المختار من عدم استلزام ترك الفحص بنفسه للعقاب وهذا هو
الوجه فيما ذهب إليه المشهور من الفرق بين من صلى في المكان المغصوب جاهلا بحكم الغصب
وبين من توسط الأرض المغصوبة فصلى في حال الخروج فحكموا ببطلان صلاة الأول معللين
بأن الجاهل بالحكم عن تقصير كالعالم به وبصحة صلاة الثاني مع أنه كان مقصرا بدخوله فيها أيضا
فإنه مبني على ما ذكرناه من أن زمان العصيان في الجاهل هو زمان فوت الواقع إذ عليه
يكون زمان صلاته هو زمان فعلية النهي عن الغصب فيبطل الصلاة وهذا بخلاف المتوسط فإن
زمان عصيانه إنما هو زمان دخوله وبعده صار عاجزا عن ترك الغصب فيسقط النهي عنه فكانت
الصلاة لوقوعها في زمان سقوط النهي وعدم فعليته صحيحة (الثالثة) في أن المناط في عمل الجاهل
المقصر من حيث الصحة والفساد هل هو موافقته للواقع ومخالفته له مع قطع النظر عن الموافقة
والمخالفة للطريق الذي كان من حقه الرجوع إليه على تقدير الفحص أو المناط فيه هو موافقة
ذلك الطريق ومخالفته مع قطع النظر عن الواقع موافقة ومخالفة أو الصحة تدور مدار موافقتهما
معا وجوه أقواها وأنسبها بأصول المخطئة هو الأول وذلك لما عرفت في بحث حجية الطرق
من أنها لا توجب انقلابا في الواقعيات أصلا وان معنى الحجية ليس إلا جعل مرتبة من العلم
الطريقي الموجب لتنجز الواقع عند الإصابة والعذر عنه عند الخطأ مع استناد المكلف إليه فلو
كان لموافقة الطريق ومخالفته دخل في صحة العمل وفساده للزم من ذلك انقلاب الواقع عما
هو عليه إلى مؤدى ذلك الطريق وهو مستلزم للتصويب المجمع على بطلانه ويترتب على
ذلك ان الميزان في صحة عمل الجاهل عبادة كانت مع تمشي قصد القربة أم غير عبادي إنما
هو موافقته للطريق الذي يجب عليه الرجوع إليه فعلا من اجتهاد أو تقليد سواء وافق الطريق
الذي كان يجب عليه الرجوع إليه حال عمله أم خالفه لا لان موافقة الطريق الفعلي لها موضوعية
في الصحة بل لان المدار في الصحة على موافقة الواقع والطريق الفعلي محرز للواقع وطريق إليه
فمن حيث إن موافقته موافقة الواقع يكون المدار على موافقته بل قد عرفت في بحث الاجزاء ان
مقتضى القاعدة الأولية هو لزوم إعادة كل عمل خالف الطريق اللاحق اجتهادا كان أو تقليدا
ولزوم البناء عليه في المعاملات والعبادات إلا أن الاجماع قام على عدم وجوب الإعادة والقضاء
في خصوص الواجبات التكليفية فثبت فيها الاجزاء على خلاف القاعدة ويبقى غيرها تحت
332

القاعدة الأولية من لزوم مراعاة الواقع وعدم إفادة الموافقة للطريق السابق إلا المعذورية مع
الاستناد إليه لا مطلقا حتى إذا كانت اتفاقية كما في موارد موافقة عمل الجاهل المقصر له مع
فرض مخالفة الواقع والحاصل ان مقتضى القاعدة الأولية هو رعاية الطريق الفعلي والغاء موافقة
الطريق السابق مطلقا إلا أن الاجماع قام على عدم وجوب الإعادة والقضاء مع الاستناد إلى
طريق شرعي سابقا فيما كان مخالفا للطريق الفعلي فيخرج معقده عن عموم القاعدة ويبقى بقية
الموارد منها عمل الجاهل المقصر تحتها وقد ذكرنا في بحث الاجزاء ما ينفعك في المقام فراجع (ثم إن
العقاب في الجاهل المقصر) هل هو كصحة عمله يدور مدار الواقع ولو لم يكن هناك طريق
يوصل إليه لو تفحص عنه أم يدور مدار مخالفة ذلك الطريق أو على مخالفة أحدهما ولو لم
يخالف الآخر أو على مخالفتهما معا وجوه والظاهر هو الأول فلو خالف عمله للواقع لاستحق
العقاب ولو مع موافقته للطريق الذي لو تفحص عنه لظفر به كما أنه لو وافق الواقع لما استحق
العقاب ولو مع مخالفته للطريق كذلك إلا على القول باستحقاق المتجري له لنا على الأول
انه خالف الواقع من دون مؤمن ومجرد مطابقة العمل لطريق قام على خلاف الواقع لا يكون
مؤمنا من دون استناد إليه كما هو ظاهر (فان قلت) نعم إلا أن الواقع الذي لا يصل إليه
العبد ولو بالفحص كما هو المفروض كيف يكون منجزا عليه مع أن وجوب الفحص لم يكن
إلا طريقيا لايصال الواقع ومع فرض عدم امكان الوصول إليه لا يكون مخالفة مثل هذا الحكم
الطريقي موجبة لاستحقاق العقاب كما هو ظاهر وعلى ذلك لا بد وأن يكون الملاك في استحقاق
العقاب هو مخالفة الواقع مع وجود طريق موصل إليه على تقدير الفحص فيكون المدار على
مخالفتهما (قلت) لو كان المنجز للأحكام الواقعية منحصرا بأدلة وجوب الفحص لكان للتوهم
المذكور مجال واسع ولكن الامر ليس كذلك إذ العلم الاجمالي بوجود تكاليف وجوبية أو
تحريمية أوجب تنجز الأحكام الواقعية ولزوم الاحتياط فيها غاية الأمر ان الفحص وعدم الظفر
بدليل الحكم فضلا عن الظفر بدليل دل على عدمه كان موجبا لمعذورية المكلف في مخالفته وسقوط
اثر العلم الاجمالي في ذلك المورد فمقتضى العلم الاجمالي لم يكن هو الفحص ابتداء حتى يتوهم اختصاصه
بما إذا أمكن للمكلف الوصول إلى الحكم الواقعي لوجود دليل عليه في الكتب المعتبرة بل
مقتضاه هو الاحتياط وتنجز تمام الأحكام الواقعية ولكن إذا تفحص المكلف عنها ولم يظفر
بدليل أو ظفر بما يدل على العدم فاستند في الارتكاب إلى حكم عقلي أو دليل شرعي يكون
333

معذورا في مخالفة الواقع وأين ذلك من فرض عدم الاستناد كما هو محل الكلام في المقام
(فإن قلت) ان ما ذكرت من استحقاق العقاب ولو في فرض موافقته الطريق اتفاقا إنما يتم
على القول بالطريقية المحضة واما على القول بالمصلحة السلوكية في موارد الطرق كما التزمتم بها في
مباحث حجية الطريق فالمصلحة الفائتة بترك الواقع إذا كانت متداركة بموافقة الطريق فلا
موجب لاستحقاق العقاب كما هو ظاهر (قلت) المصحلة السلوكية على ما عرفت متقومة بسلوك
الطريق وتطبيق العمل عليه على أنه هو الواقع وهذا لا يتحقق إلا مع العلم بالطريق والاستناد
إليه وإلا فوجود الطريق في الواقع لا يوجب حدوث مصلحة في الفعل حتى يتدارك بها
المصلحة الفائتة إلا على القول بالتصويب المجمع على بطلانه ولنا على الثاني انه مع موافقة الواقع
وعدم انقلابه عما هو عليه وعدم حدوث ما يغير حكمه بقيام الامارة على خلافه لا موجب
لاستحقاق العقاب إلا على القول باستحقاق المتجري له وهو ممنوع كما عرفت في محله (وتوهم)
ان مخالفة الطريق مستلزمة لفوات المصلحة السلوكية الثابتة في موارد الطرق فتكون موجبة
لاستحقاق العقاب ولو مع موافقة الواقع مدفوع أولا بما عرفت من أن المصلحة السلوكية إنما
هي متقومة بالسلوك المتقوم بالعلم وتطبيق العمل على طبق الطريق بما انه هو الواقع وإلا فليس
في نفس مؤدي الامارة مصلحة فائتة من الجاهل حتى يصح العقاب بفوتها (وثانيا) ان محل
الكلام هو صورة موافقة الواقع ومخالفة الطريق والمصلحة السلوكية التي نلتزم بها انما تتصور
فيما إذا وافق الطريق وخالف الواقع واما في فرض المقام فأي مصلحة في الواقع فائتة حتى
يتدارك بموافقة الطريق فتلخص مما ذكرناه ان كون المدار في صحة العقاب على مخالفة الطريق
الذي لو تفحص عنه لظفر به لا يصلح على مذهب المخطئة أصلا واما كون المدار فيها على
مخالفتهما معا فقد ظهر وجهه مما ذكرناه من توهم عدم تنجز الواقع مع عدم قيام طريق موصل
إليه وقد عرفت جوابه وانه إنما يصح بناء على انحصار المنجز في حكم العقل أو الشرع بوجوب
الفحص واما بناء على كون المنجز هو العلم الاجمالي فلا وأما كون المدار فيها على مخالفة الواقع أو
الطريق فهو مبني على أن مخالفة الواقع بنفسه توجب استحقاق العقاب ما لم يتدارك بسلوك الطريق القائم
على مخالفته كما أن مخالفة الطريق بنفسه لاشتماله على المصلحة السلوكية توجب استحقاق العقوبة لفوات
تلك المصلحة على المكلف وقد عرفت جواب ذلك آنفا فتحصل ان المناط في العقاب بعينه هو المناط في
الصحة في دورانها مدار الواقع وعدمه (الرابعة) انه بعد ما ثبت دوران العقاب وعدمه كالصحة والفساد
334

مدار مخالفة الواقع وعدمها فربما يقع الاشكال في بعض المسائل الفقهية المسلمة بين الفقهاء (منها)
مسألة الجهر والاخفات حيث افتى الفقهاء بصحة كل منهما في موضع الآخر جهلا كما هو المنصوص
في بعض الروايات مع أنه لا اشكال عندهم في استحقاق العقاب مع المخالفة فكيف يجتمع
استحقاق العقاب المتوقف على مخالفة الواقع مع الصحة المتوقفة على موافقته (ومنها) صحة
الاتمام في موضع القصر مطلقا على ما هو المسلم عليه بينهم والاتمام في موضع القصر في بعض
الفروع كما إذا صلى المقيم عشرا قصرا جهلا منه بالحكم على ما افتى به بعضهم فكيف يمكن
القول بصحة العمل وعدم وجوب الإعادة كما هو المسلم عندهم في الفرض الأول مع الالتزام
باستحقاق العقاب وقد أجيب عن الاشكال بوجوه (منها) ما ذكره المحقق صاحب الكفاية
(قده) (وحاصله) انه يمكن أن يكون بحسب مقام الثبوت كل من الجهر والاخفات حين الجهل
بوجوب الآخر مشتملا على مصلحة ملزمة في حد ذاته مضادة في الاستيفاء للمصلحة الثابتة
الكاملة اللازمة في الآخر فحيث ان الجهر مثلا مشتمل على زيادة لازمة الاستيفاء فيستحق
تاركه العقاب بتفويته حال الجهل عن تقصير وحيث إن الاخفات مثلا مشتمل على المصلحة
الملزمة حال الجهل في حد نفسه فقد حكم بصحته في هذا الحال (وفيه أولا) ان المصلحة الزائدة
الكائنة في الجهر مثلا على المصحلة الثابتة في الاخفات الموجبة لاختصاص الامر به مع صحة
الاخفات أيضا كما هو مفروض كلامه اما أن تكون مصلحة ملزمة وبالغة إلى مرتبة اللزوم
بحيث كانت بنفسها صالحة لان تكون ملاك الوجوب واما لا تكون كذلك بل تكون
مزية زائدة في ملاك الوجوب فعلى الأول ينحصر الامر بكونه حينئذ واجبا في واجب الفروض
في المقام خلافه إذ المفروض قيدية الجهر للواجب ملاكا وخطابا والا فلا بد من القول بتعدد
العقاب على تقدير ترك الصلاة رأسا كما إذا نذر المكلف ايقاع صلاته الواجبة في المسجد
وفرضنا تركه لأصل الصلاة رأسا وعلى الثاني فلا موجب لاختصاص الامر الوجوبي بمورده
بل غايته كون المشتمل عليه من قبيل الفرد الكامل وأفضل الافراد فلا موجب للعقاب عند
مخالفته (وثانيا) ان ما افاده في وجه استحقاق العقاب مع التمكن من الإعادة من عدم
القدرة على استيفاء الملاك الأهم لتضاد الملاكين غير سديد فإنه انما يتم بناء على كون الجهر
واجبا في واجب وقد عرفت انه خلاف المفروض مع أنه ينافيه قوله (ع) تمت صلاته إذ مع
عدم اشتمال الصلاة الاخفاتي على تمام الملاك الملزم كيف يصح القول بأنه تمت صلاته (والحاصل)
335

ان ما افاده (قده) انما يتم على تقدير كون الجهر واجبا في واجب وهو خلاف المفروض من أنه
قيد في أصل الواجب (ثم إن ما افاده العلامة الأنصاري) (قده) في المقام حيث إن عبارته
غير سليمة عن الاشكال فان أراد به ما يرجع إليه جواب المحقق المذكور (قده) فيرد عليه ما
اوردنا عليه بعينه وان أراد غيره فلا نتعقل له معنى محصلا حتى نتعرض لصحته وسقمه (وربما
يجاب عن الاشكال) بالالتزام بالترتب وان الصلاة الجهرية أو الاخفاتية تكون مأمورا بها مع
عصيان الامر الآخر في ظرف الجهل وكذلك الامر في الاتمام في موضع القصر فالعقاب من
جهة عصيان المأمور به واقعا والصحة من جهة الامر بما اتى به في ظرف العصيان نظير صحة
الصلاة مع عصيان الامر بالإزالة وهذا الجواب منسوب إلى الشيخ الكبير كاشف الغطاء
(قده) وقد أشكل عليه شيخنا العلامة الأنصاري (قده) بما حاصله بانا لا نعقل الترتب الا بان
يكون أحد الامرين بعد عصيان الامر الآخر بالمعنى المضي حتى يكون الأمر الأول ساقطا
في زمان حدوثه كما في الامر بالتيمم الحادث بعد عصيان الامر بالوضوء بإراقة الماء اختيارا في
الوقت مع العلم بعدم التمكن من تحصيله واما مع بقاء الأمر الأول وعدم سقوطه فلا يعقل الأمر الثاني
المترتب عليه عصيانه وكأنه (قده) يرى لزوم كون الشرائط سابقة على المشروط بحسب
الزمان وهذا بظاهره غير صحيح إذ كثيرا ما يكون الشرط سواء كان هو العصيان أو غيره
مقارنا للمشروط خارجا وإن كان متقدما عليه في الرتبة (والتحقيق في المقام) ان يقال إن صحة
ترتب أحد الامرين على عصيان الآخر وإن كان بمكان من الوضوح كما بيناه في محله إلا أنه
لا يمكن تصحيح العبادة في المقام به فان ترتب أحد الخطابين على عصيان الآخر انما يعقل
في مقام فعلية الخطابين وتزاحمهما من حيث عدم القدرة على ايجاد متعلقهما وهذا هو الغالب
أو من حيث عدم امكان استيفاء ملاكيهما مع القدرة على ايجاد نفس المتعلقين كما إذا كان
المالك للإبل مالكا لخمسة وعشرين إبلا ستة أشهر ثم ملك إبلا آخر فبعد اكمال السنة يكون خطاب
وجوب أداء خمسة شياة التي هي زكاة خمسة وعشرين متزاحما مع وجوب أداء زكاة ستة
وعشرين مشروطا بمضي ستة أشهر أخرى بعد الاجماع على أن المال الواحد لا يزكى في السنة
مرتين واما بحسب مقام التشريع وجعل أحد الخطابين مترتبا على عصيان الآخر ولو جهلا
فهو غير معقول إذ الخطاب المأخوذ في موضوعه العصيان الناشئ عن الجهل يستحيل أن يكون
محركا وباعثا للمكلف على العمل لان الباعثية والمحركية فرع الالتفات إلى دخول المكلف
336

في موضوع التكليف وهو في المقام مستحيل إذ الالتفات إلى ذلك يوجب انقلاب الموضوع
وعلم المكلف بما هو وظيفته الفعلية وهذا نظير ما ذكرناه من استحالة توجيه الخطاب إلى الناسي
الموجب لارتفاع الموضوع بالالتفات إليه هذا مع أن عصيان الخطاب في المقام لكونه وجوبا
موسعا انما يكون بانقضاء تمام الوقت وترك الواجب فيه فتركه في جزء منه لا يكون عصيانا له
حتى يؤخذ في موضوع خطاب آخر فينحصر الجواب على ذلك بما إذا صلى جهرا مثلا في اخر
الوقت مع كون تكليفه الاخفات مع أن المشهور المتسالم عليه هو صحة الصلاة مطلقا حتى إذا
كان في أول الوقت أو في أثنائه فيكون التوجيه أخص من المدعى على انا ذكرنا محله ان
الخطاب الترتبي وإن كان ممكنا الا انه نحتاج في اثبات وقوعه إلى دليل يدل عليه الا في
خصوص موارد التزاحم الناشئ عن عدم القدرة على ايجاد متعلقي الامرين فان اطلاق الدليل
هناك كاف في وقوع الترتب كما أوضحناه في محله ففي مثل المقام لو فرض كون الترتب ممكنا
الا انه لا دليل عليه في مقام الاثبات والأدلة الدالة على صحة الصلاة لا تدل على أن الصحة
لأجل الترتب واخذ عنوان عصيان أحد الخطابين موضوعا للخطاب الآخر فاتضح عدم صحة
الالتزام بالترتب في مقام الثبوت من جهتين وفي مقام الاثبات من جهة واحدة والتحقيق في
الجواب يستدعي بسطا في الكلام (فنقول) ان الاشكال في المقام يبتني على مقدمتين (إحديهما)
صحة ما اتى به من الجهر في موضع الاخفات أو العكس أو الاتمام في موضع القصر حتى
يستكشف بنحو الان عن تعلق الامر به في هذا الحال (وثانيهما) استحقاق العقاب على ترك
الامر الكاشف عن عصيان امره اما المقدمة الأولى فلا مناص عن الالتزام بها على ما هو المتسالم
عليه بين الأصحاب وقد دلت عليه الروايات واما المقدمة الثانية فللمنع عنها مجال واسع ضرورة
ان استحقاق العقاب في المقام ليس مما استقل به العقل والاجماع المدعى في كلام جماعة لا يكون
حجة في المقام ما لم يكشف كشفا قطعيا عن قول المعصوم عليه السلام ضرورة انه لو فرضنا
كونه اتفاقيا ومتسالما عليه بينهم لا يكون بكاشف عن رأي المعصوم لان استحقاق العقاب ليس
من الأمور التعبدية التي يكتفى فيها بالاجماع بل هو من الأمور العقلية فمن الممكن استناد
المجمعين فيه إلى أمر غير مسلم عندنا ومن الواضح انه مع انكار هذه المقدمة لا يبقى
للاشكال المذكور موضوع أصلا ثم على تقدير تسليم استحقاق العقاب الكاشف عن عصيان الامر
فلا بد من افراد كل واحد من موارد الاشكال بحياله والتعرض لجوابه (فنقول) موارد
337

الاشكال على ما عرفت ثلاثة (الأول) الجهر في موضع الاخفات وبالعكس المتسالم على صحته
بين الأصحاب (الثاني) القصر فيما إذا كان المكلف قاصدا للإقامة وكان جاهلا بوجوب الاتمام
عليه على ما ورد في رواية صحيحة من صحة صلاته وعدم وجوب الإعادة عليه لكنها غير
معمول بها عند الأصحاب (الثالث) الاتمام في موضع القصر لمن لم يبلغه حكم وجوب القصر
على ما هو المتسالم عليه بينهم أيضا (اما المورد الأول) فتحقيق الجواب فيه ان يقال إن وجوب
الجهر أو الاخفات في الصلاة يمكن أن يكون في مقام الثبوت بنحو التقييد بحيث لا يكون
هناك الا ملاك واحد ملزم مترتب على المقيد بما هو كذلك ويمكن أن يكون بنحو الواجب
في واجب بان يكون أصل الصلاة واجبة واجهارها أو اخفاتها يكون واجبا اخر نظير الصلاة
الواجبة المنذور ايقاعها في المسجد مثلا ويمكن أن يكون فيه كلا الجهتين جهة التقييد وجهة
الواجب في واجب الموجب لاندكاك الجهة الثانية في الأولى فإنه متى كان هناك جهة التقيد
فلا محالة يكون التكليف الفعلي على طبقها ويندك الجهة الأخرى فيها نظير اندكاك جهة الاستحباب
في الوجوب هذا بحسب مقام الثبوت واما بحسب مقام الاثبات فحيث فرض صحة الصلاة
الجهرية مثلا مع الجهل بوجوب الاخفات فلا محالة يكشف ذلك عن مطلوبيتها من غير تقيد
بكونها اخفاتية في هذا الحال وحيث فرض استحقاق العقاب على ترك الاخفات فيكشف
ذلك عن مطلوبيته لا محالة بنحو الواجب في الواجب وحيث فرض عدم الصحة مع العلم بوجوب
الاخفات فيكشف ذلك عن وجود ملاك التقييد في حال العلم الموجب لاندكاك جهة الواجب
في الواجب فيه واما (المورد الثاني) وهو القصر في موضع وجوب الاتمام فعلى تقدير القول به فهو
لأجل ان الركعتين الأخيرتين اللتين هما من فرض النبي صلى الله عليه وآله يمكن أن يكون بنحو الواجب
في الواجب مع وجود ملاك التقييد حال العلم بوجوبها فيكون نظير المورد الأول في الجواب من أن
صحة القصر حال الجهل لكونه واجبا في هذا الحال بنفسه والعصيان لوجوب الركعتين
الأخيرتين كذلك وعدم الصحة حال العلم لوجود ملاك التقييد الموجب لاندكاك ملاك الواجب
في الواجب فيه وتوضيح ذلك ان الركعتين الأخيرتين حيث إنهما بفرض النبي صلى الله عليه
وآله كما هو المستفاد من روايات كثيرة فلا بد وأن يكون بملاك اخر والأصل في كل ما كان
كذلك أن يكون بنحو الواجب في الواجب كما إذا نذر ايقاع الصلاة الواجبة في المسجد حيث إن
الوجوب الناشئ من قبل النذر لا يوجب تقيد الواجب بكونه في المسجد بحيث لا يصح
338

في غيرها وانما غايته أن يكون الايقاع في المسجد واجبا آخر نعم ربما يكون الواجب بملاك اخر
موجبا للتقييد أيضا كوجوب الجمعة تعيينا يوم الجمعة إذا عقدها من له الولاية على ذلك فان
المستفاد من الأخبار الكثيرة ان الواجب يوم الجمعة هو الظهر أو الجمعة تخييرا الا انه إذا
عقدها من له الولاية على ذلك يجب تعيينا بملاك عارضي موجب للتقييد بحيث لا يصح صلاة
الظهر الا إذا تمت الجمعة أو خرج وقتها فإذا كان الأصل في الركعتين الأخيرتين أن يكون
بنحو الواجب في الواجب فمقتضى القاعدة هو صحة صلاة القصر حتى في حال العلم بوجوب
لاتمام الا ان الاجماع قام على كون الركعتين الأخيرتين في حال العلم بنحو التقييد فيكون
صحة القصر وصحة العقاب على ترك الركعتين حال الجهل وعدم صحتها حال العلم بوجوب
الاتمام على القاعدة ولا مانع من كون الواجب بملاك اخر في حال موجبا للتقييد وفي حال آخر
غير موجب لذلك (واما المورد الثالث) وهو الاتمام في موضع القصر المتسالم على صحته بين
الأصحاب فان قلنا فيه بصحة القصر مع الجهل إذا وقع غفلة أو اشتباها ممن يعتقد وجوب الاتمام
كما هو الظاهر إذ من البعيد غايته ايجاب إعادة الصلاة عليه تماما لو لم نقل باستحالته لأجل استحالة
خطاب الجاهل بالحكم بهذا العنوان كما في خطاب الناسي بل يبعد الإعادة بعد انكشاف الحال
والعلم بالحكم أيضا إذ لا معنى لايجاب إعادة الصلاة قصرا لمن صلاها كذلك مع تمشي قصد القربة
منه فلا ريب ان صحة كل من صلاة القصر والتمام حال الجهل يكشف عن كونه مأمورا به في
هذا الحال فلا محالة يكون الامر بكل منهما تخييريا ونستكشف من صحة العقاب ان عدم ضم
فرض النبي صلى الله عليه وآله إلى فرض الله وان شئت قلت وقوع التسليمة في الركعة الثانية
واجب آخر يصح العقاب على تركه وينقلب هذا الواجب حال العلم بالحكم إلى كونه قيدا للواجب
للاجماع على عدم صحة الاتمام حال العلم بالحكم وعلى ذلك يتحد المسائل الثلاث في الجواب من
جهة وهو الالتزام بكون الجهر أو الاخفات أو ضم فرض النبي صلى الله عليه وآله إلى فرض
الله أو وقوع التسليمة في الركعة الثانية واجبا مستقلا حال الجهل وقيدا للواجب حال العلم بالحكم
الا انه يفترق مسألة الجهر والاخفات من غيرها بامكان تصوير التكليف بالقدر المشترك بين
الجهر والاخفات فيها دون غيرها والا فملاك الجواب واحد في الجميع هذا كله إذا قلنا بصحة
الصلاة قصرا عن الجاهل غفلة أو اشتباها مع تمشي قصد القربة منه واما لو لم نقل بذلك فلا محالة
يكشف ذلك عن تعين الامر بالتمام حال الجهل ولدعوى عدم استحقاق العقاب في هذا
339

الفرض وان سلم في غيره مجال واسع هذا تمام الكلام فيما أردنا التعرض له في هذا المقام
* (بقي هناك أمور) * (الأول) انك قد عرفت فيما مر ان الشبهات الموضوعية تحريمية كانت أو وجوبية
لا يجب فيها الفحص في الجملة ويظهر من كلام شيخنا العلامة الأنصاري (قده) عدم وجوب
الفحص في الشبهات التحريمية مطلقا ولكن الظاهر عدم التزام الأصحاب بذلك في تمام الموارد
بل التزموا بوجوبه في بعض الموارد كما في موارد الشبهة في تحريم النكاح من جهة النسب أو
الرضاع وقد عرفت أيضا ان المراد من الفحص الساقط وجوبه هو تحصيل مقدمات العلم واما اعمال
القوة المدركة مع حصول المقدمات بنفسها بحيث لا يحتاج فعلية العلم الا على النظر فالظاهر وجوبه
بل قد عرفت انه كلما يتوقف فعلية العلم بالتكليف في العادة عليه فلا محالة يكون واجبا وإن كان
داخلا في الفحص وكان خارجا عن عنوان النظر ومن هنا يظهر وجه فتوى الأصحاب بوجوب
الحساب على من يحتمل بلوغ ماله النصاب أو الاستطاعة اما لان ذلك خارج عن عنوان
الفحص وداخل في موضوع النظر الواجب في تمام الموارد واما لان طبع التكليف في هذه
الموارد يقتضى هذا المقدار من الفحص فيجب لا محالة بل لو أنكرنا وجوب الفحص في الشبهات
الحكمية لكان القول بوجوب الرجوع إلى مدرك الحكم في كتابي الوسائل والوافي الجامعين
لاخبار كل مسألة مسألة بعنوانها بمكان من القوة إذ لا يبعد أن يكون ذلك داخلا في عنوان
اعمال القوة المدركة بعد حضور المقدمات لا في عنوان الفحص وكيف كان فقد عرفت
انه لا ريب في وجوب الرجوع إلى المدرك في الشبهات الحكمية (الثاني) ان مقدار الفحص
اللازم في الشبهات الحكمية انما هو ما يحصل عنه الاطمئنان وسكون النفس بعدم الدليل على
الحكم كما هو الميزان في باب الفحص عن المخصصات والمقيدات بل مطلق المعارضات أيضا
واما مجرد الظن من دون حصول اليأس فلا دليل على الاكتفاء به كما أنه لا دليل على اعتبار
خصوص القطع بعد ما كانت هذه المرتبة من الاطمينان حجة عقلائية ما لم يثبت اعتبار
امارة خاصة من بينة وغيرها في خصوص مورد مخصوص ولا يبعد أن يكون مراد من اعتبر
خصوص العلم ما يشمل هذه المرتبة من الاطمئنان إذ يطلق عليها العلم في العادة ولا يعتنى
باحتمال الخلاف الموجود في بعض اصقاع النفس مع عدم الالتفات إليه الموجب لسكون النفس
في غير النفوس الوسواسية وكيف كان فلا اشكال في الاكتفاء باطمئنان العدم في مقدار الفحص
اللازم كما أنه لا اشكال في حصوله بمراجعة الباب المعد للمسألة المبحوث عنها كما في كتابي
340

الوسائل والوافي إذا كانت المسألة معنونة في كتاب الشرائع فان عناوين كتاب الوسائل على
طبق المسائل المذكورة فيه واما إذا لم تكن المسألة معنونة فيه فتحصيل الاطمئنان بالعدم
لا يخلو من اشكال وربما يختلف حصوله باختلاف الموارد والمتبع في ذلك هو نظر الفقيه
(الثالث) انه ذكر الفاضل التوني (قده) لأصالة البراءة شرطين آخرين (أحدهما) ان لا يكون
جريانه مستلزما لتضرر مسلم (الثاني) ان لا يكون مثبتا لحكم آخر (اما الشرط الأول) فلم نعرف
لاعتباره وجها في المقام إذ دليل نفي الضرر يتقدم بالحكومة على أقوى الامارات فضلا عن
الأصول لا سيما مثل أصالة البراءة التي هي من الأصول الغير المحرزة واما (الشرط الثاني) فتفصيل
الكلام فيه هو ان أصالة البراءة عقلية وشرعية كما عرفت سابقا لا يترتب عليها الا المعذورية
وعدم تنجز الحكم الواقعي لو كان في موردها وإن كان بين العقلية والشرعية فرق من جهة
أخرى وهي ان الوظيفة الشرعية انما هو الترخيص لا الحكم بعدم استحقاق العقاب وانما
يثبت عدم الاستحقاق بالتبع والملازمة وهذا بخلاف حكم العقل فان ادراكه انما يتعلق بعدم
الاستحقاق وهو الذي يستقل به ويلزمه الترخيص في العمل بالتبع والا فالترخيص ليس من
شأن العقل ومدركاته وعلى ذلك فنقول ان الحكم الشرعي الممنوع ثبوته بجريان أصالة البراءة
اما أن يكون بنحو الملازمة بينه وبين عدم الحكم في مورد الأصل كوجوب صلاة الجمعة
الملازم لعدم وجوب الظهر واما أن يكون بنحو دخل عدم ذاك الحكم في ثبوته اما من جهة
مزاحمتها في مقام الفعلية كعدم وجوب الإزالة الدخيل في وجوب الصلاة مثلا واما من جهة دخله
فيه شرعا وعلى الثاني فاما أن يكون العدم الدخيل هو العدم الواقعي أو العدم في مقام التنجز
بان يكون عدم تنجز حكم دخيلا شرعا في ثبوت حكم اخر كما إذا فرضنا ان عدم التكليف
المالي بالنحو الأول أو الثاني دخيل في وجوب الحج شرعا لتوقفه على الاستطاعة المتوقف عليه
فهذه شقوق أربعة (اما الشق الأول) فلا ريب فيه ان جريان أصالة البراءة في مورد لا يثبت
حكما آخر ملازما لعدم الحكم في مورده إذ الثابت بأصالة البراءة ليس الا المعذورية فقط فكيف
يثبت بها ما يلازم عدم الحكم واقعا بل ستعرف في بحث الاستصحاب انشاء الله تعالى انه
مع كونه أقوى الأصول وله جهة نظر إلى الواقع ولذا كان من الأصول المحرزة لا يثبت به
اللوازم والملزومات فكيف بالأصل الغير المحرز (واما الشق الثاني) فلا اشكال في جواز
الاكتفاء بأصالة البراءة فيه فإن كان حكم يكون مزاحما للاخر وشاغلا مولويا عنه انما هو
341

باعتبار شاغليته لمتعلقه فإذا فرضنا عدم تنجزه للمكلف لعدم وصوله ومعذوريته في مخالفته
فكيف يمنع عن فعلية الحكم الآخر ويكون مزاحما له مثلا إذا شككنا في تنجس المسجد فعدم
تنجز التكليف بإزالة النجاسة يوجب فعلية التكليف بالصلاة لمقدوريته حينئذ فكيف يمكن ان
يقال إن جريان البراءة في المقام مشروط بعدم اثباته لحكم آخر (واما الشق الثالث) فيفرق
فيه بين الأصول التنزيلية وغيرها فإن كان الأصل النافي من الأصول المحرزة كالاستصحاب
فحيث انه يحرز به العدم حال الشك فلا محالة يترتب عليه احكامه الشرعية ولو من جهة احراز
بعض الموضوع بالأصل والآخر بالوجدان وان لم يكن كذلك بل كان أصلا غير محرز كاصالة
البراءة الغير المترتب عليها الا المعذورية وعدم تنجز التكليف فحيث انه لا يحرز بها الواقع حتى
في ظرف الشك فلا محالة لا يترتب عليه احكامه (واما الشق الرابع) فالأصل الغير المحرز
يشترك فيه مع المحرز في جواز الاكتفاء به في ثبوت حكم آخر إذ المفروض احراز الموضوع
وهو عدم الحكم بوجوده التنجزي بكل منهما على حد سواء
* (المبحث الرابع في الاستصحاب) * ولا بد لنا في تنقيحه من تقديم مقدمات (الأولى)
في بيان تعريفه وقد عرف بتعاريف كثيرة لا ينبغي التعرض لها ولما يرد عليها إلا بنحو
الإشارة إذ قل ما يوجد في الكتب العلمية تعريف حقيقي يكون جامعا ومانعا من كل الجهات
وليعلم قبل ذلك ان البحث عن الحجية قد يكون بمعنى ان موضوع الحجية أمر موجود خارجي
مفروغ عن وجوده فيبحث عن حجيته كالبحث عن حجية خبر الواحد والشهرة ونحوهما وقد
يكون بمعنى ان موضوع الحجية أمر لو كان موجودا لكان حجة لا محالة فالبحث عن حجيته بحث عن
أصل وجوده لعدم امكان التفكيك بينهما خارجا وهذا كالبحث عن حجية المفاهيم ونحوها فان المفهوم على
تقدير وجوده ودلالة اللفظ عليه يكون حجة كالمنطوق لا محالة فالبحث عن حجيته بحث عن أصل
وجوده في الحقيقة واما البحث عن حجية الأصل العلمي كالاستصحاب فلا يكون ملحقا لا بالقسم
الأول وهو واضح ضرورة ان الأصل العلمي ليس الا عبارة عن تعبد الشارع بأحد طرفي الشك
تعيينا أو تخيير أو هو ليس مفروض الوجود في ظرف الشك حتى يبحث عن حجيته ولا بالقسم الثاني
وإن كان أقرب إليه إذ موضوع الحجية فيه كدلالة اللفظ على المفهوم أمر مغاير للحجية مصداقا
وإن كان لا ينفك عنها خارجا وان أمكن التفكيك بينهما عقلا وهذا بخلاف البحث عن الحجية
في الأصول العملية فان الحجية فيها عين التعبد الشرعي وغير قابل للتفكيك عنه ولو عقلا
342

(إذا عرفت) ذلك (فنقول) الظاهر أن الاستصحاب إلى زمان والد الشيخ البهائي (قدهما) كان
معدودا من جملة الامارات الكاشفة عن الواقع وعليه فتعريفه بكون حكم أو وصف يقيني
الحصول في الآن السابق مشكوك البقاء في الآن اللاحق من أحسن التعاريف إذ ما هو
موجب للظن بالبقاء وكاشف عنه هو ذلك ولا يرد عليه ما اورده شيخنا العلامة الأنصاري
(قده) من أنه مورد للاستصحاب لا نفسه ضرورة انه بناء على اماريته ليس هناك ما يكون
كاشفا عن الواقع غير ذلك والظاهر أن ايراده (قده) مبني على جعل الاستصحاب من الأصول
العملية كما هو الصحيح ولكن التعريف المذكور مبني على جعله من الامارات (واما ما اورده قده)
عليه بعد توجيهه بما حاصله ان الاستصحاب اما ان يؤخذ من العقل أو من السنة وعلى كل
حال ليس الاستصحاب الا حكم العقل أو الشرع ببقاء ما كان وكون الشئ متيقنا سابقا مشكوكا
لاحقا مورد للاستصحاب لا نفسه (فيرد عليه) ان كون الاستصحاب بنفسه من الأحكام العقلية
لا معنى له بل غاية الأمر حكم العقل بحجية الظن الحاصل من الاستصحاب أو كونه مفيدا
للظن وعلى كل حال لا يكون الاستصحاب الا ما يفيد الظن ليس الا وقد عرفت انه ليس
الا كون شئ متيقنا سابقا ومشكوكا لاحقا واما ما جعله (قده) أخصر التعاريف وأسدها وهو
ابقاء ما كان فهو وإن كان أخصرها الا انه ليس بسديد لان ظاهر الابقاء انه فعل اختياري للمكلف
ومن الواضح ان الاستصحاب حكم شرعي أجنبي عن فعل المكلف بالكلية ولو سلمنا ان
الابقاء عبارة عن حكم الشارع بالبقاء لا فعل المكلف لكن ظاهره هو حكم الشارع ببقاء
نفس ما كان وهذا أيضا أجنبي عن الاستصحاب لان الحكم الشرعي في باب الاستصحاب
متعلق ببقاء الاحراز السابق وعدم نقضه من حيث الجري العملي على ما هو مقتضى كونه أصلا
عمليا وأين ذلك من حكمه ببقاء نفس ما كان واقعا ولو في ظرف الشك الذي هو مفاد الامارة
لا الأصل وعلى ذلك فالأحسن تعريفه على المختار من اخذه من الاخبار بالحكم الشرعي
ببقاء الاحراز السابق من حيث اثره وهو الجري العملي على طبقه فيكون في التعريف إشارة
إلى افتراقه عن بقية الأصول العملية بكونه محرزا دونها والى افتراقه عن الامارت فان المجعول
فيها هو المحرزية للواقع بمعنى جعل فرد آخر للقطع تشريعا وهذا بخلافه فيه فان المجعول فيه هو
المحرزية من حيث الجري العملي لا من حيث ثبوت الواقع وقد أشرنا إلى ذلك في أوائل
مباحث القطع وسيأتي التعرض له في بحث الأصل المثبت إن شاء الله تعالى وسيأتي التعرض
343

لخروج قاعدة اليقين وقاعدة المقتضي والمانع بل موارد الشك في المقتضي التي لا نقول بجريان
الاستصحاب فيها عن التعريف المذكور إن شاء الله تعالى (الثانية) في بيان ان الاستصحاب هل هو من
المسائل الأصولية أو الفقهية أو القواعد الفقهية أو التفصيل بين البحث عن جريانه في الشبهات
الحكمية والبحث عن جريانه في الشبهات الموضوعية (لا اشكال) في أن الملاك في كون المسألة
فقهية سواء كان من مسائلها الشخصية أو قواعدها هو كون محمول المسألة من عوارض فعل
المكلف بلا واسطة بحيث لو ضم إليها صغراها انتج نتيجة شخصية اما بقياس واحد كما في المسائل
الشخصية كما نقول الآن دخل الوقت وكلما دخل الوقت وجب الطهور والصلاة فينتج الآن
يجب الطهور والصلاة واما بقياسين كما في القواعد الفقهية التي هي في الحقيقة مجمع مسائل متعددة
كما نقول البيع مما يضمن بصحيحه وكلما كان كذلك يضمن بفاسده فالبيع يضمن بفاسده ثم
نحتاج في استنتاج النتيجة الشخصية إلى قياس آخر وهو ان المعاملة الصادرة الفلانية الفاسدة
انما هي بيع والبيع يضمن بفاسده فتلك المعاملة يضمن بفاسده وهكذا الامر في بقية القواعد الفقهية الجامعة
لعدة مسائل فقهية واما الملاك في كون المسألة أصولية فقد ظهر لك في أول الكتاب وأشرنا إليه
غير مرة أنه وقوع نتيجة المسألة في طريق الاستنباط بمعنى كونها كبرى كلية بحيث إذا انضم
إليها صغراها لانتجت نتيجة فقهية ومن ذلك يعلم أن مسائل بقية العلوم المتوقفة عليها الاستنباط
وإن كان لها دخل في الاستنباط الا انها لا تقع كبرى لقياس الاستنباط بل لا محالة تكون
صغرى له حتى مسائل علم الرجال الذي هو أقرب تلك العلوم إليه إذ فيها يعلم وثاقة الراوي مثلا
فتقع صغرى وينضم إليها كبرى حجية قول الثقة فينتج مسألة فقهية ولأجل ذلك يمكن ان يقال إن
مباحث الألفاظ كالبحث عن ظهور الامر في الوجوب مثلا داخل في المبادي إذ بها ينقح
موضوع البحث عن حجية الظواهر الذي هو من المباحث الأصولية كما أن في علم الرجال ينقح
موضوع البحث عن حجية خبر الثقة غاية الأمر انها من المبادئ التي لم تتحقق في علم آخر
فذكرت في علم الأصول ويمكن الفرق بينهما بان نتيجة البحث الرجالي حيث إنها ليست الا
معرفة حال راو معين فلا تصلح ان تقع كبرى لقياس الاستنباط فلا محالة يتمحض البحث المذكور
في كونه من المبادئ وهذا بخلاف البحث عن ظهور صيغة افعل في الوجوب مثلا فإنه وإن كان
يشترك مع البحث الرجالي في كونه بحثا عن موضوع الحجة الا انه يفترق عنه في أنه
بحث عن كبرى كلي إذا انضم إليها صغراها أنتجت نتيجة فقهية ولو بعد الفراغ عن حجية
344

الظواهر وعلى ذلك فيدخل مباحث الألفاظ كلها في المباحث الأصولية وكيف كان فالملاك
في كون المسألة أصولية هو ما عرفت وعلى ذلك يكون البحث عن جريان الاستصحاب في
الشبهات الحكمية من المباحث الأصولية إذ بعد تنقيح جريانه فيها وضم صغرى ان الماء المتغير
بالنجاسة الزائل تغيره من قبل نفسه متيقن النجاسة سابقا المشكوك البقاء لاحقا إليها يستنتج مسألة
فقهية وهي نجاسة الماء المذكور وهذا بخلاف البحث عن جريانه في الشبهات الموضوعية فإنه بحث
عن قاعدة فقهية لا يترتب عليها إلا معرفة الاحكام الجزئية في الموارد الشخصية التي يشترك
فيها المجتهد والمقلد نظير بقية القواعد الفقهية كقاعدة الطهارة في الشبهات الموضوعية ونحوها
والذي يدلك على ما ذكرناه هو ان نتيجة المسألة الفقهية قاعدة كانت أو غيرها بنفسها يلقى
إلى العامي الغير المتمكن من الاستنباط فيقال له كلما دخل الظهر وكنت واجدا للشرائط
وجبت الصلاة فيذكر في الموضوع جميع قيود الحكم الواقعي أو يقال كلما فرغت من عمل
وشككت في صحته وفساده فلا يجب عليك الاعتناء به فيذكر له جميع قيود الحكم الظاهري
وهذا بخلاف المسألة الأصولية فإن اعمال نتيجتها مختص بالمجتهد ولاحظ للمقلد فيها ولا معنى
لالقائها إليه بل الملقى إليه يكون الحكم المستنبط من تلك المسألة وحيث إن نتيجة البحث عن
جريان الاستصحاب في الشبهات الموضوعية بنفسها لا بد وان تلقى إلى المقلد فيقال إذا كنت
متيقنا بموضوع خارجي أو حكم جزئي وشككت في بقائه وارتفاعه فابن على البقاء ورتب آثاره
لدوران جريانه فيها مدار يقين كل أحد وشكه ولا معنى لالقاء نفس بقاء الحكم أو الموضوع
الخارجي إليه من دون اخذ اعتبار يقينه وشكه فيعلم منه انها من القواعد الفقهية واما نتيجة
البحث عن جريانه في الشبهات الحكمية فحيث انه لا معنى لالقائها على المقلد فيقال له إذا كنت
متيقنا بنجاسة الماء المتغير وشككت في ارتفاعه بزوال تغيره فابن على النجاسة بل المجتهد هو
بنفسه يجري الاستصحاب مع غفلة المقلد عن حقيقة الحال بالكلية ولو مع عدم وجود ماء كذلك
في الخارج أصلا بل يفرض وجوده على نحو القضايا الحقيقية فيحكم بالنجاسة ويلقى هذا الحكم
إلى المقلد فيعلم منه انها نتيجة المسألة الأصولية الغير القابلة للالقاء إلى المقلد بنفسها بل لا بد من
إلقاء الحكم المستنبط منها إليه كبقية المسائل الأصولية وبالجملة المباحث الفقهية سواء كانت من
قبيل المسائل الشخصية أو من قبيل القواعد الكلية سواء كانت من القواعد الواقعية الأولية
كقاعدة ما لا يضمن ونحوها أو كانت من القواعد الثانوية كقاعدة نفي الضرر ونحوها أو
345

كانت من القواعد الظاهرية كقاعدة الفراغ ونحوها لا بد فيها من كون المحمول مما له
تعلق بالعمل بلا واسطة ومن الأحكام الثابتة له وهذا بخلاف المسألة الأصولية فان محمولها
لا يتعلق به كذلك بل يقع في طريق استنباط الحكم المتعلق به كذلك ويكون الملقى إلى
المقلد ذاك الحكم لا نتيجة المسألة الأصولية فلا يقال له كلما قام الخبر على وجوب شئ يجب بل
قيام الخبر عند المجتهد على وجوب شئ يكون سببا لافتائه بوجوب ذاك الشئ على الاطلاق
(ومن هنا يظهر لك الفرق) بين جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية وبين جريانه في الشبهات
الموضوعية بأن الحكم الملقى إلى المقلد في القسم الأول لا يكون اليقين والشك موضوعين له
بل يلقى نفس الحكم إليه ويكون يقين المجتهد وشكه علة لثبوت الحكم لموضوعه نظير ثبوت
النجاسة للماء المتغير فيفرض المجتهد ماء متغيرا خارجيا زال عنه تغيره بنفسه فيشك في أن
الحكم بالنجاسة هل كان ثابتا له مطلقا أو مقيدا ببعض حالاته وهو اتصافه بالتغير وحيث إن
مرجع هذا الشك إلى الشك في ارتفاع النجاسة بعد ثبوتها فيحكم بنجاسة الماء المذكور من
غير اخذ اليقين والشك في موضوعها بل الموضوع لها هو نفس الماء واليقين والشك علة لثبوتها
له وهكذا الحال في استصحاب عدم النسخ في الاحكام الكلية الا في أن الشك في بقائها
وارتفاعها لم ينشأ عن تغير الموضوع واختلاف بعض حالاته بل عن احتمال ارتفاع الحكم عن
موضوعه بنفسه بانتهاء أمده وزمانه ولذا لا يحتاج المجتهد في استصحابها إلى فرض وجود
موضوع خارجي أيضا فضلا عن اعتبار نفس وجوده وعلى كل حال اليقين والشك في
الاستصحابات الحكمية واسطتان لثبوت الحكم في موضوعه من دون اخذهما فيه وهذا
بخلافهما في الاستصحابات الموضوعية إذ الملقى إلى المقلد فيها هو بيان ان حكم اليقين والشك
هو البناء على البقاء والجري على طبقه ولا معنى لالقاء نفس الحكم فيها إليه من دون اخذهما في
موضوعه كما في قاعدة الفراغ والتجاوز ونحوهما كما هو واضح (فإن قلت) لا اشكال في
اتحاد دليل الاستصحاب في الشبهات الحكمية والموضوعية وعليه كيف يمكن ان يقال إن الحكم
بعدم جواز النقض الذي هو حكم واحد تارة يكون حكما فرعيا عمليا واخرى حكما أصوليا
واقعا في طريق استنباط الحكم الفرعي وأيضا كيف يمكن أن يكون اليقين والشك في قضية
واحدة ملحوظين تارة بنحو العلية والوسطية في الاثبات كما في الشبهات الحكمية واخرى بنحو
الموضوعية والمقومية كما في الشبهات الموضوعية (قلت) ان قضية لا تنقض وإن كانت قضية
346

واحدة في الصورة إلا انها تنحل في قضايا متعددة بحسب تعدد اليقين والشك في الخارج كما
هو شأن كل قضية حقيقية ولا بأس بكون الحكم بعدم النقض في مورد باعتبار متعلق
اليقين والشك حكما أصوليا وفي مورد آخر باعتبار متعلقهما حكما فرعيا وهذا الاختلاف ناش من
اختلاف المتعلق في الموارد كما أن اختلاف اليقين والشك من جهة كونهما مقومين للموضوع أو
واسطتين لثبوت الحكم لذلك ولا يلزم من ذلك تعدد في اللحاظ أصلا إذ اليقين والشك
انما يؤخذان موضوعين بالنسبة إلى من يجري الاستصحاب في حقه وحيث إن الملاك في
الشبهات الموضوعية هو يقين نفس المقلد وشكه فالموضوع للاستصحاب فيها هو يقينه وشكه
واما في الشبهات الحكمية فالملاك هو يقين المجتهد وشكه كما عرفت فالموضوع للحكم الاستصحابي
فيها هو يقينه وشكه فاليقين والشك دائما يكونان موضوعين للحكم الاستصحابي الثابت بدليله
والحكم الذي يكون اليقين والشك خارجين عن موضوعه بل يكونان علة لثبوته على موضوعه
هو الحكم الفرعي المستنبط من هذا الحكم وقد عرفت انه لا ضير في كون الحكم في القضية
باعتبار انحلاله إلى احكام متعددة فرعيا مرة وأصوليا واقعا في طريق الاستنباط أخرى وهذا
نظير ما إذا قلنا بحجية الخبر الواحد في الاحكام الكلية والموضوعات الخارجية فان الدليل
المتكفل لحجيته وإن كان دليلا واحدا إلا أن انحلاله باختلاف موارده يوجب كون الحكم
الثابت به فرعيا مرة ويكون الاعتبار بقيام الخبر عند نفس المقلد كما في الموضوعات الخارجية
وأصوليا أخرى ويكون الاعتبار بقيام الخبر عند المجتهد الموجب لافتائه بنفس الحكم
فاختلاف الحكم المنشأ في القضية من حيث الأصولية والفقهية باختلاف موارده لا ضير فيه
أصلا (الجهة الثالثة) في بيان الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين وقاعدة المقتضي والمانع
حتى يكون توطئة لما سيجئ إن شاء الله تعالى من أن أدلة حرم نقض اليقين بالشك تختص
بخصوص موارد الاستصحاب ولا تشمل غيرها من موارد القاعدتين لا بنحو الخصوص ولا بنحو
العموم (فنقول) لا ريب ان صدق نقض اليقين بالشك يتوقف على تحقق ارتباط ومناسبة
بينهما والا فلا يصدق على كل شك انه ناقض لكل يقين أوليس بناقض له ضرورة ان اليقين
بعدالة زيد والشك في طلوع الفجر أجنبيان كل منهما بالقياس إلى الآخر وحينئذ فإما أن يكون
متعلق اليقين مباينا في الحقيقة مع متعلق الشك وإن كان بينهما ارتباط محقق لصدق النقض
أو يكون متعلقهما شيئا واحدا بحسب الحقيقة وعلى الثاني فحيث ان تعلق اليقين والشك
347

بشئ واحد في زمان واحد غير معقول فلا بد من فرض التعدد في الزمان في الجملة فإما ان يلاحظ
الاختلاف في الزمان في ناحية المتعلق مع وحدة زمان نفس اليقين والشك في الجملة سواء
كان أحدهما سابقا في الحدوث على الآخر أو لم يكن كما سيتضح ذلك إن شاء الله تعالى (والأول)
هو مورد قاعدة المقتضي والمانع حيث إن اليقين لم يتعلق فيه بما تعلق به الشك بل متعلق اليقين
هو وجود المقتضي ليس إلا كما أن متعلق الشك هو وجود المانع كذلك وصدق النقض
فيه باعتبار تركب العلة التامة من وجود المقتضي وعدم المانع وترتب اثر واحد عليهما (والثاني)
مورد قاعدة اليقين المعتبر فيه وحدة متعلق اليقين والشك مع اختلاف زمان نفسهما كما إذا
علم يوم الجمعة عدالة زيد وشك يوم السبت في عدالته يوم الجمعة ويسمى هذا الشك بالشك
الساري لسرايته إلى شخص ما تعلق به اليقين وهو العدالة في يوم الجمعة في مفروض المثال
(والثالث) مورد للاستصحاب حيث إنه يعتبر فيه اجتماع صفتي اليقين والشك زمانا ولكن
متعلق اليقين هو حدوث شئ ومتعلق الشك بقاؤه كما إذا علمنا عدالة زيد يوم الجمعة
وشككنا في بقائها إلى يوم السبت فإن اليقين بعدالته يوم الجمعة مجتمع زمانا مع الشك في
العدالة يوم السبت إلا أن متعلق اليقين هو وجود العدالة في زمان سابق ومتعلق الشك بقاؤها
إلى زمان لاحق فظهر ان الحصر بين القواعد الثلاث عقلي دائر بين النفي والاثبات وان كل
واحدة منها مباينة للأخرى من حيث لحاظ صدق نقض اليقين بالشك فلابد وأن يكون
الدليل الدال على حرمته مختصا بأحدها ولا يكون شاملا لاثنين مها فضلا عن شموله لكلها
ويأتي توضيح ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى (ثم إن) المقتضي قد يطلق ويراد منه ما يترشح
منه الأثر خارجا وتكوينا كالنار بالإضافة إلى الاحراق والمراد من المانع حينئذ هو ما يوجب
عدم فعلية اثر المقتضي كوجود الرطوبة الغالبة فيما يلاقيه النار في مفروض المثال (واخرى)
يراد منه الموضوع المترتب عليه الأثر الشرعي في عالم التشريع كملاقاة النجاسة المترتب
عليها نجاسة الملاقي في الشريعة واطلاق المقتضي عليه مع أن الحكم الشرعي لا يترشح من
موضوعه كما أوضحنا ذلك مرارا وسيأتي له مزيد توضيح في بحث الأحكام الوضعية انما هو
باعتبار استحالة انفكاك الحكم عن موضوعه التام كما يستحيل انفكاك المعلول عن علته التامة
والمراد من المانع حينئذ هو ما اعتبر عدمه قيدا في الموضوع كما اعتبر عدم الكرية قيدا في
نجاسة الملاقي فيقال ان ملاقاة النجاسة مقتضية لتنجس ملاقيه والكرية مانعة عنه (وثالثة) يراد منه ما يكون داعيا إلى
348

جعل الحكم على موضوعه أعني به الملاك الموجود في متعلقه واطلاق المقتضي عيله دون رتبة
اطلاقه على كل من القسمين الأولين ضرورة ان اطلاقه عليه انما هو باعتبار مرجحيته للجعل
والا فجعل المولى وتشريعه الذي هو من أفعاله الاختيارية تابعة وناشئة عن ارادته والمراد من
المانع حينئذ هو الجهة المزاحمة الموجودة في المتعلق المانعة عن جعل الحكم على طبق الملاك الموجود
فيه مثلا إذا فرضنا ان اكرام العالم الفاسق مشتمل على جهة مصلحة وجهة مفسدة فالجهة الأولى
مقتضية لجعل الوجوب كما أن الجهة الثانية مانعة عنه وسيأتي انه لا دليل على حجية قاعدة
المقتضي والمانع في شئ من تلك الموارد وان لم يعلم أن القائل بها هل يخصصها بالقسم الأول أو أنه
يقول بشمولها للقسم الثاني بل الثالث أيضا وهناك معنى رابع للمقتضي أجنبي عن المعاني المذكورة
وهو الذي اشترط شيخنا العلامة الأنصاري (قده) العلم بوجوده في حجية الاستصحاب ومنع
عنها عند الشك فيه وتوهم بعض من تأخر عنه ان مراده (قده) منه هو المقتضي الملاكي فاشكل
عليه في كثير من الموارد التي تمسك (قده) فيها بالاستصحاب بعدم جريانه فيها على مختاره من
عدم حجيته عند الشك في المقتضي وسيأتي توضيح ذلك وبيان المراد من المقتضي في كلامه
(قده) إن شاء الله تعالى (الجهة الرابعة) في بيان ما يعتبر في جريان الاستصحاب وهي أمور ثلاثة
(الأول) اجتماع اليقين والشك في زمان واحد وجودا من دون فرق بين سبق اليقين على
الشك وتأخره عنه وتقارنهما حدوثا مثلا إذا علم عدالة زيد يوم الجمعة وشك في عدالته يوم السبت
فلا بد من تحقق اليقين بالعدالة يوم الجمعة في زمان الشك في جريان الاستصحاب سواء كان
اليقين حادثا أو لا أو كان الشك كذلك أو حدثا معا وبهذا يفترق الاستصحاب عن قاعدة
اليقين المعتبر فيها عدم اجتماعهما في الوجود وتقدم اليقين على الشك كما عرفت (الثاني) تقدم
المتيقن على المشكوك زمانا بأن يكون الشك في بقاء ما تعلق اليقين بوجوده حتى يصدق
نقض اليقين بالشك بعدم الجري العملي على طبق اليقين واما إذا كان المشكوك سابقا في الوجود
على المتيقن كما إذا علمنا عدالة زيد يوم الجمعة وشككنا في عدالته يوم الخميس فهذا لا يكون
من الاستصحاب في شئ لعدم صدق النقض (ح) أصلا ولو سلمنا صدقه فهو من باب نقض الشك
باليقين لا نقض اليقين بالشك المعتبر في جريان الاستصحاب وبالجملة لا دليل على وجوب
ترتيب آثار المتيقن اللاحق على المشكوك السابق المسمى بالاستصحاب القهري كما نسب
ذلك إلى الأستاذ الشريف أو إلى بعض تلامذته قدس الله اسرارهم سواء قلنا بحجية الاستصحاب
349

من باب الأخبار الخاصة أو من باب الظن اما على الأول فظاهر لان ظهور الاخبار في اعتبار
تقدم المتيقن على المشكوك المحقق لصدق النقض مما لا يكاد يخفى واما على الثاني فلان حصول
الظن بتحقق المتيقن اللاحق في الزمان السابق المشكوك وجوده فيه ممنوع أشد المنع ولو سلمنا
حصول الظن في موارد الاستصحاب المصطلح لكون الغالب فيما يثبت هو الدوام فإن ذلك
انما هو في ناحية البقاء لا في ناحية مبدء الحدوث نعم لا يبعد دعوى حصول الظن في بعض
موارد الاستصحاب القهقري كما إذا علمنا ظهور لفظ الصعيد مثلا في التراب الخالص ولكن
شككنا في مبدء الظهور لاحتمال حدوثه في الأزمنة المتأخرة وذلك لان الغالب في اللغات
عدم التغيير وبقاؤها على ما كانت أولا فمن ظهور لفظ في معنى في زماننا يحصل الظن بكونه
كذلك سابقا ولكن الكلام في حجية هذا الظن أولا وعدم اختصاص دعوى المدعي لحجيته
بهذه الموارد ثانيا فلابد له من إقامة دليل آخر عليها (الثالث) فعلية اليقين والشك بمعنى أن يكون
المكلف فعلا مرددا في بقاء ما هو متيقن الثبوت ولا يكفي فيه اليقين والشك التقديريان
بمعنى ان المكلف يكون حاله بحيث لو كان ملتفتا لحصل له الشك في البقاء والبرهان عليه من
طريقين (الأول) ان اليقين والشك اخذا موضوعين لحرمة النقض في أدلة الاستصحاب وقد
ذكرنا غير مرة ان فعلية كل حكم يتوقف على فعلية موضوعه المأخوذ مفروض الوجود على ما
هو الشأن في القضايا الحقيقية فكما ان كل حكم مترتب على اي موضوع يتوقف فعليته على فعلية
موضوعه فكذلك يتوقف فعلية الحكم الاستصحابي على فعلية اليقين والشك (الثاني) انا قد
ذكرنا في مباحث الظن ان الحكم الظاهري المجعول في باب الأدلة الاجتهادية أو الأصول
العملية محرزة كانت أو غير محرزة لا يترتب عليه الأثر العملي من المنجزية أو المعذرية الا مع
العلم بتحقق موضوعه خارجا والعلم بجعل الحجية له فما لم يعلم جعل الحجية لخبر الواحد مثلا
أو لم يعلم وجود الخبر خارجا لا معنى لفعلية الحجية وترتب الأثر المرغوب منها عليه فالعلم
بالحكم وان لم يمكن اخذه في موضوعه في مقام الجعل والانشاء سواء في ذلك الاحكام
الظاهرية والواقعية الا ان الأحكام الواقعية تفترق من الظاهرية بان فعليتها تكون بمجرد وجود
موضوعاتها خارجا وربما يترتب عليها آثار بنفس فعليتها وان لم يكن المكلف عالما بها لعدم العلم
بجعلها أو بتحقق موضوعها المانع عن قابليتها للبعث والتحريك وهذا بخلاف الاحكام الظاهرية
فان الأثر المرغوب منها وهو تنجيز الواقع أو المعذرية عن مخالفته لا يمكن ان يترتب الا مع
350

العلم بالجعل وتحقق موضوعه إذ لا معنى لكون الغير الواصل إلى المكلف منجزا للواقع وواسطة
في اثباته أو معذرا عن مخالفته مع عدم الاستناد إليه في مقام العمل وعلى ذلك فجريان
الاستصحاب الذي هو من الأصول المحرزة يتوقف على العلم بالجعل وتحقق موضوعه فمع
الغفلة وعدم الالتفات حتى يحصل الشك في البقاء لا معنى لفعلية الحكم الاستصحابي وقد
ذكرنا توضيح ذلك في محله فراجع ويترتب على ذلك أنه لو كان المكلف متيقنا بالحدث ثم غفل
عنه وصلى ثم احتمل تطهره قبل الصلاة يحكم بصحة صلاته وذلك لان قاعدة الفراغ تقتضي
صحتها وهي حاكمة على استصحاب بقاء الحدث المقتضي لبطلانها ولو كان الشك التقديري كافيا
في جريانه لكان المكلف محكوما بالحدث قبل الصلاة المانع من جريان قاعدة الفراغ ولذا لو
فرضنا فعلية الشك قبلها المحققة لجريان الاستصحاب لكان ذلك مانعا عن جريان القاعدة إذ
موضوع القاعدة هو احتمال صحة العمل وفساده بعد العمل ومع جريان الاستصحاب قبله وكون
العمل محكوما بالفساد شرعا لا يكون فيه احتمال الصحة المقوم لموضوعها (الجهة الخامسة) ان
الاستصحاب حيث إنه يتقوم باليقين بالحدوث والشك في البقاء فينقسم باعتبار متعلق اليقين
والشك تارة إلى ما يكون أمرا وجوديا أو عدميا واخرى إلى ما يكون حكما شرعيا تكليفيا أو
وضعيا كليا أو جزئيا أو موضوعا ذا حكم كما أنه ينقسم باعتبار منشأ اليقين وهو الذي يعبر عنه
بدليل الحكم إلى ما يكون دليلا شرعيا كالكتاب والسنة والاجماع أو عقليا وباعتبار منشأ
الشك إلى ما يكون الشك من جهة الشك في وجود المقتضي أو من جهة الشك في الرافع أو من
جهة الشك في الغاية على ما يظهر لك من الفرق بين الغاية والرافع وقد وقع الكلام في حجية
الاستصحاب في كل واحد من الأقسام والمختار عندنا هو حجية الاستصحاب مطلقا الا عند
الشك في وجود المقتضي وما يلحق به من بعض شقوق الشك في الغاية على ما يظهر لك الحال
إن شاء الله وفاقا لشيخنا العلامة الأنصاري (قده) لكنه (قده) فصل تفصيلا آخر باعتبار
دليل الحكم فذهب إلى عدم حجية الاستصحاب فيما إذا كان مدرك الحكم السابق هو العقل
وحاصل ما افاده (قده) في وجه ذلك يتركب من مقدمتين (الأولى) ان العقل إذا حكم
بحسن شئ أو قبحه فلا بد وأن يكون موضوع حكمه بتمامه وكماله مبينا عنه إذ لا يعقل الاهمال
أو الاجمال في موضوع الحكم عند الحاكم به عقلا كان أو غيره فما لم يتغير موضوع الحكم بتغير
ما يستحيل ارتفاع الحكم العقلي عنه ومع تغيره وتبدل الموضوع عما هو عليه يرتفع الحكم العقلي
351

بارتفاع موضوعه لا محالة (الثانية) ان الحكم الشرعي المستكشف بالدليل العقلي حيث إن المفروض
تبعيته للحكم العقلي فكل قيد اعتبر في موضوعه يكون معتبرا في موضوعه لا محالة والا لزم
عدم تبعيته له وحينئذ فإذا تغير موضوع الحكم العقلي وتبدل بعض خصوصياته فلا محالة يكون
موضوع الحكم الشرعي متبدلا أيضا ويرتفع الحكم الشرعي بتبع ارتفاع الحكم العقلي والشك في
كونه محكوما بمثل الحكم السابق شرعا انما يكون شكا في الحدوث لا في البقاء لعدم اتحاد
القضية المتيقنة مع المشكوكة على الفرض (والحق) فساد هذا التفصيل وعدم التفاوت في جريان
الاستصحاب بذلك فإن ما افاده في المقدمة الأولى من لزوم كون موضوع حكم العقل مبينا
بتمامه عنده انما يصح فيما إذا كان حكم العقل بقبح شئ منحلا إلى حكمين (أحدهما) الحكم بقبحه
(وثانيهما) الحكم بعدم قبح غيره نظير القضية الشرطية الدالة على المفهوم ومن الضروري ان
الامر ليس كذلك إذ هو فرع أن يكون العقل محيطا بتمام الجهات الواقعية المحسنة والمقبحة
وكثيرا ما يستقل العقل بحسن شئ أو قبحه باعتبار كونه القدر المتيقن في ذلك وإن كان
يحتمل بقاء ملاك حكمه مع انتفاء بعض الخصوصيات أيضا فإذا فرضنا الشك في بقاء الحكم
العقلي مع انتفاء بعض الخصوصيات الغير المقوم للموضوع بنظر العرف فلا محالة يشك في بقاء
الحكم الشرعي أيضا ويجري الاستصحاب لاتحاد القضية المتيقنة مع المشكوكة سلمنا ان موضوع
حكم العقل لا بد من كونه مبينا عنده بتمامه والقطع بانتفائه عند انتفاء بعض خصوصياته إلا أن
ما افاده من ارتفاع الحكم الشرعي بارتفاعه كما أفيد في المقدمة الثانية ممنوع فإن الحكم الشرعي
انما يتبع الحكم العقلي في مقام الاستكشاف والاثبات لا في مقام الثبوت والواقع فربما يكون قيد
له دخل في استقلال العقل بشئ الا انه غير دخيل فيما هو الملاك عند الشارع أصلا فإن الحكم
الشرعي تابع للمصالح والمفاسد النفس الامرية كانت مستكشفة عند العقل أو لم تكن فإذا فرضنا
ارتفاع الحكم العقلي التابع لاستكشافه الملاك الواقعي فلا يلزم من ذلك ارتفاع الحكم الشرعي
التابع لنفس الملاك الواقعي المحتمل بقاؤه لاحتمال عدم دخل تلك الخصوصية فيه حدوثا وبقاء
أو بقاء فقط فلا محالة يشك في بقاء الحكم الشرعي ومع عدم كون تلك الخصوصية مقومة
للموضوع بنظر العرف بل من حالاته الواسطة في ثبوت الحكم للموضوع تكون القضية المشكوكة
متحدة مع القضية المتيقنة فيجري الاستصحاب لا محالة ونظير ذلك ما سيجئ من جريان
الاستصحاب عند تغير بعض الخصوصيات المأخوذة في الدليل اللفظي كما إذا قال المولى الماء
352

المتغير نجس أو الماء إذا تغير ينجس أو المتغير بالنجاسة ينجس فإن التغير حيث إنه لا يعرضه
النجاسة التي هي من قبيل الاعراض الخارجية القائمة بالجسم في نظر العرف فلا محالة يكون التغير
علة لثبوت النجاسة للماء الخارجي فإذا زال التغير عن الماء بنفسه وشك في بقاء نجاسته فالمشكوك
في نجاسته فعلا وهو الماء هو الذي كان متيقن النجاسة سابقا فلو بني على المسامحة في الموضوع
واتباع نظر العرف فيه من جهة مناسبات الاحكام مع موضوعاتها فلا فرق في ذلك بين ما
إذا كان دليل المستصحب عقليا أو شرعيا والا فلا يجري الاستصحاب في مطلق ما
إذا كان الشك في البقاء ناشئا عن تغير بعض خصوصيات الموضوع من دون فرق بين الدليل
اللفظي والعقلي (الجهة السادسة) في بيان المراد من الشك في المقتضي والرافع وقد ذكرنا ان
المختار عندنا وفاقا لشيخنا العلامة الأنصاري (قده) هو التفصيل بينهما إلا أن الغرض من
التعرض في المقام ليس هو الاستدلال على ذلك بل بيان نفس المدعى وتوضيحه حتى يتضح
ان كثيرا من الموارد التي أشكل على تمسك العلامة الأنصاري (قده) فيها بالاستصحاب بان
الشك فيها من الشك في المقتضي ولا يجري الاستصحاب فيه على مذهبه ليست كذلك والاشكال
في غير محله (فنقول) ان المقتضي قد يطلق ويراد منه ما يترشح منه الأثر وما يتوقف عليه التأثير
في الخارج اي يتوقف فعلية الأثر عليه يسمى بالشرط مثلا النار فيه اقتضاء الاحراق بمعنى ان
الحرقة تنشأ من ذاته ولكن فعلية هذا الأثر وتحققه في الخارج تتوقف على وجود المحاذاة ويبوسة
المحل ونحوهما وهذه كلها تسمى بالشرائط وقد يراد من المقتضي ما يكون واجدا للشرائط
أيضا واما المانع (فقد يطلق) ويراد منه ما يزاحم المقتضي في تأثيره (واخرى) يراد منه مطلق
ما يعتبر عدمه في فعلية الأثر ولو باعتبار تقيد اقتضاء المقتضي بعدمه (ثم إن الاقتضاء قد يلاحظ)
باعتبار المستصحب (واخرى) باعتبار نفس الاستصحاب والجري العملي في ظرف الشك على
طبق اليقين السابق وتوهم ورود الاشكالات الكثيرة إنما نشأ من تخيل ان القائلين باعتبار
احراز المقتضي في جريان الاستصحاب إنما أرادوا به احراز مقتضي المستصحب وهو الامر
المتيقن والغفلة عن أن مرادهم هو اشتراط احراز المقتضي بالنسبة إلى نفس الاستصحاب والقائلين
به وان لم يصرحوا بما ذكرناه إلا أنه يظهر ذلك من مراجعة كلماتهم في هذا المقام وتتبع
الموارد التي منعوا من اجراء الاستصحاب فيها لكون الشك فيها من الشك في المقتضي وكيف
كان فلا ريب في أن الاستصحاب انما يلاحظ بالقياس إلى نفس الزمان واجراء الحكم المتيقن
353

في الزمان السابق إلى الزمان اللاحق واما بالقياس إلى الزمانيات كموت المورث مثلا فلا
معنى لاجراء الاستصحاب فيها إلا باعتبار الزمان الذي وقع فيه ذلك الزماني والا فالاستصحاب
بنفسه غير متكفل الا لجر المتيقن السابق في عمود الزمان ليس إلا * (إذا عرفت ذلك فنقول) *
ان المراد من المقتضي اللازم احرازه في جريان الاستصحاب عند من اعتبره إن كان هو
المقتضي بالإضافة إلى نفس المستصحب فلازمه انكار جريان الاستصحاب في مطلق الأحكام الشرعية
الكلية والجزئية وذلك لأنه لا معنى لاحراز المقتضي للحكم الا احراز ملاكه والملاك مع أنه لا اقتضاء
فيه بالقياس إلى الحكم لعدم ترشحه منه كما هو ظاهر وإنما هو من قبيل الدواعي للجعل لا يمكن
احرازه مع انتفاء بعض الخصوصيات الموجب للشك في البقاء الا لمن انزل عليه الوحي ففي كل
مورد يحتمل فيه انتفاء الحكم يحتمل فيه انتفاء الملاك لا محالة فلا يجري الاستصحاب في مورد
واحد شك في بقاء الحكم المتيقن من دون فرق بين الاحكام الكلية أو الجزئية إذ الشك في
بقاء الحكم لا ينفك عن الشك في بقاء ملاكه لا محالة (فإن قلت) لعل المراد من احراز المقتضي هو احراز
سببية الموضوع للحكم المترتب عليه حتى مع الشك في رافعية ما يشك معه في بقائه الملازم مع الشك
في الملاك فإذا أحرزنا السببية المطلقة في الأحكام الفعلية نتمسك فيها بالاستصحاب ولو مع
الشك في وجود الرافع لها مثلا إذا أحرزنا ان الشارع جعل البيع أو النكاح أو ملاقاة النجاسة
سببا للملكية أو الزوجية أو النجاسة بنحو الاطلاق بحيث لا يتقيد سببيتها بشئ فإذا شككنا في
بقائها من جهة الشك في الرافع من انشاء فسخ أو انشاء ما يحتمل وقوع الطلاق به أو وجود
غسل مرة مثلا فيتمسك فيها بالاستصحاب نعم إذا احتملنا دخل عدم شئ في سببيتها فلا يجوز
استصحاب تلك الأحكام بعد العلم بوجوده لاحتمال عدم بقاء المقتضي معه فلا يلزم من اعتبار
احراز المقتضي حينئذ الغاء الاستصحاب في الاحكام مطلقا (قلت) مضافا إلى أن ذلك فرع
امكان جعل السببية وسيجئ إن شاء الله تعالى امتناعه ان احراز بقاء المقتضي بهذا المعنى
كاحراز بقاء الملاك في عدم امكانه لغير من نزل عليه الوحي ضرورة ان كل ما يحتمل رافعيته
للحكم الشرعي يحتمل دخل عدمه في موضوعه فكما يحتمل أن يكون العقد مثلا سببا للملكية
بنحو الاطلاق حتى يكون الشك في ارتفاعها بالفسخ من قبيل الشك في الرافع كذلك يحتمل
أن يكون سببيته للملكية مقيدة بعدم الفسخ ومع وجوده تكون السببية مشكوكة لا محالة فاعتبار
احراز المقتضي بهذا المعنى مستلزم لالغاء الاستصحاب في الاحكام بالكلية أيضا (هذا مع أنه)
354

لا دليل على اعتبار احراز المقتضي بهذين المعنيين أصلا إذ اعتبار ذلك انما هو باعتبار لفظ النقض
الوارد في الاخبار المقتضي لاعتبار الاستمرار والاستحكام ومن المعلوم عدم اسناده في الكلام
إلى المتيقن حتى يلزم احراز وجود مقتضيه في جريانه بل النقض أسند إلى نفس اليقين المقتضي
للجري العملي فلا بد من اعتبار احراز المقتضي بالقياس إلى نفس الجري العملي ليس الا (بيان
ذلك) ان اليقين الذي هو المقتضي للجري العملي اما ان يتعلق بالقياس إلى عمود الزمن الذي
قد عرفت ان جريان الاستصحاب بلحاظه بأمر مقيد بزمان معين أو بأمر مرسل أو مهمل
(اما على الأول) فلا اشكال في عدم جريان الاستصحاب بعد انقضاء الزمان الذي اخذ قيدا
في متعلق اليقين (وأما على الثاني) فلا ريب في جريان الاستصحاب ما لم يعلم بارتفاع المتيقن
برافع زماني إذ المفروض ان اليقين لارسال متعلقه من حيث عمود الزمان يقتضي الجري العملي
بنحو الاطلاق اي غير محدود إلى زمان معين ومقتضى أدلة الاستصحاب ان لا يرفع اليد عنه
الا مع العلم بارتفاعه ومن المعلوم ان ارتفاعه لا يكون بنفسه لعدم تقيده بزمان فلا بد وأن يكون
بزماني فالشك في بقائه ناش عن الشك في تحقق ذاك الزماني وهذا هو معنى الشك في
الرافع (واما على الثالث) فحيث ان متعلق اليقين مردد بين أن يكون مرسلا أو مقيدا كخيار الغبن
المردد بين كونه فوريا أو استمراريا فلا محالة المقدار المتيقن هو ثبوت الخيار في الآن الأول
ولا يكون أزيد من ذلك متيقنا فالجري العملي الذي يقتضيه اليقين السابق يختص بالمقدار
المتيقن وبالنسبة إلى المقدار الزائد لا يكون رفع اليد نقضا لليقين بالشك بل هو منتقض بنفسه
والحاصل ان متعلق اليقين إذا كان مرسلا في عمود الزمان لا مهملا ولا مقيدا فلا محالة يكون
مقتضى اليقين هو الجري العملي غير محدود في عمود الزمان بشئ فالمقتضي للجري العملي
موجود مستمرا فلا محالة يكون رفع اليد عنه للشك في وجود الرافع له من الأمور الزمانية بحيث
لولا الشك في وجوده لم يكن وجه لرفع اليد عنه أصلا وهذا بخلاف ما إذا كان متعلق اليقين
محدودا أو مهملا فإنه بنفسه لا يقتضي الجري العملي أزيد من المقدار المتيقن ولو مع قطع النظر
عن الشك في تحقق أمر زماني ولقد أحسن المحقق الخونساري وأجاد في التعبير من الشك
في المقتضي بما يقرب مما ذكرناه من عدم اقتضاء اليقين للجري حتى مع قطع النظر عن الشك
وهذا بخلاف الشك في الرافع فإن رفع اليد فيه عن المتيقن انما هو مستند إلى الشك بحيث لو
لم يكن هناك شك لم يكن وجه لرفع اليد عنه أصلا (فتحصل مما ذكرناه) ان المراد من احراز
355

المقتضي في المقام هو احراز ان المتيقن في نفسه قابل للبقاء في عمود الزمان مع قطع النظر عن
حدوث أمر زماني فإن الأحكام الشرعية كالموضوعات الخارجية يختلف حالها من هذه الحيثية
فقد يعلم كونها بحيث تكون قابلة للبقاء في عمود الزمان مع قطع النظر عن حدوث زماني كالملكية
والطهارة ونحوهما وقد يعلم كونها بحيث تنعدم وترتفع ولو لم يكن هناك حادث زماني كوجوب
الصوم المحدود بوجود النهار وقد يشك في ذلك كما في الخيار المشكوك كونه فوريا أو استمراريا
فكما ان الموضوعات الخارجية يختلف استعداداتها في البقاء في عمود الزمان بأنفسها مع قطع النظر
عن الحوادث الخارجية فكذلك الأحكام الشرعية فاحراز المقتضي بهذا المعنى أعني به احراز
المقتضي بالقياس إلى نفس الجري العملي هو الذي نعتبره في جريان الاستصحاب وهو أجنبي
عن احراز المقتضي بالقياس إلى المستصحب بالكلية نعم احراز المقتضي بالمعنى المذكور يلازم
احراز المقتضي بالقياس إلى المستصحب في الموضوعات الخارجية غالبا أو دائما فان اليقين بثبوت
موضوع خارجي واستمراره في عمود الزمان بنفسه لا يكون الا مع احراز تحقق مقتضي
وجوده مطلقا حتى في ظرف الشك لكن كلا من المقتضيين ينفك عن الآخر في الأحكام الشرعية
كما عرفت وقد عرفت ان اعتبار احراز المقتضي للمستصحب في ظرف الشك يساوق انكار
حجية الاستصحاب في الاحكام مطلقا وكأن المتوهم من القائلين باعتبار احراز المقتضي توهم اعتبارهم
احرازه بالقياس إلى المستصحب والمتوهم انما وقع في التوهم من جهة الشبهات الموضوعية لما عرفت
من أن احراز المقتضي فيها بالمعنى المقصود يلازم احراز المقتضي بالمعنى الآخر وغفل عن أن
اعتبار ذلك يفضي إلى انكار حجية الاستصحاب في الاحكام مطلقا (ثم لا يخفى) انه إذا علم عدم
استمرار حكم في عمود الزمان وكونه مغيى بغاية فإما أن يكون الشك في تحقق الغاية من جهة الشبهة
المفهومية كما إذا علمنا بأن غاية وجوب الظهرين هو دخول المغرب ولكن شك في كونه عبارة
عن استتار القرص أو عن ذهاب الحمرة المشرقية أو من جهة الشبهة الحكمية كما إذا شككنا في أن
غاية وجوب صلاة العشاء هو نصف الليل أو طلوع الفجر ومن جهة الشبهة المصداقية كما إذا
شككنا في انتصاف الليل مثلا بعد العلم بكونه غاية لا ريب في أن الشك في الغاية باقسامه قسم
آخر يغاير الشك في المقتضي المعتبر فيه اهمال المتيقن من حيث عمود الزمان والشك في
الرافع المعتبر فيه ارساله والمفروض فيه انتقاء كل من الامرين وتقييد الحكم بالقياس إلى عمود
الزمان الا انه يلحق بالشك في المقتضي تارة وبالشك في الرافع أخرى فان الشك في الغاية ان
356

كان من جهة الشبهة المفهومية أو الحكمية يلحق بالشك في المقتضي لعدم اقتضاء اليقين الجري
العملي حينئذ إلا في المقدار المتيقن وهو ما قبل استتار القرص في الشبهة المفهومية وما قبل
انتصاف الليل في الشبهة الحكمية واليقين في ما بعده بنفسه منتقض مع قطع النظر عن كل شئ
في العالم وأما إذا كان من جهة الشك في تحقق الغاية فهو ملحق بالشك في الرافع فإن اليقين فيه
يقتضي الجري العملي لولا الشك فإن اليقين بوجوب الصلاة إلى انتصاف الليل مثلا يقتضي
الجري العملي إلى هذه الغاية بحيث لولا الشك في تحققها كان هناك مقتض للجري فالشك في
تحققه وإن لم يكن شكا في تحقق أمر زماني إلا أنه ملحق به من حيث الملاك وهو اقتضاء
اليقين السابق للجري لولا الشك إذا عرفت ذلك (فنقول) ان المختار عندنا هو حجية
الاستصحاب في تمام الأقسام المذكورة في غير ما إذا كان الشك في المقتضي أو ما يلحق به
من الشك في الغاية من جهة الشبهة المفهومية أو الحكمية * (فلنشرع بذكر الأدلة) * التي استدل
بها على حجية الاستصحاب حتى يتضح الحال وهي كثيرة (الأول) دعوى بناء العقلاء على
الاخذ بالحالة السابقة فإنهم كما ترى يعتمدون على الأمور التي تيقنوا ببقائها ويرتبون عليها
الآثار ما لم يحصل لهم القطع بارتفاعها ولا يخفى ان بناء العقلاء على ذلك وإن كان غير قابل
للانكار في الجملة إلا أنه لم يعلم أن ذلك من جهة التعبد بالشك والأصل العملي أو من جهة
الا مارية والكشف عن الواقع إذ يبعد الأول عدم تعقل بناء من العقلاء على صرف التعبد
بالشك من دون امارية وكاشفية غاية الأمر ان الامضاء الشرعي ربما يكون مع الغاء الكاشفية
والأمارية كما لا يبعد أن يكون امضاء قاعدة الفراغ الثابتة عند العقلاء من هذا القبيل فإن
الشارع أمضاها ملغيا لجهة الكاشفية والاستصحاب بناء على اماريته يكون من هذا القبيل كما أنه
يبعد الثاني عدم وجود شئ في المقام يكون كاشفا عن الواقع في ظرف الشك إذ اليقين السابق
لا امارية له في ظرف الشك ونفس الشك لا امارية له أيضا كما هو ظاهر إلا أن يقال إن التعبد
بالشك من العقلاء وإن لم يكن في نفسه معقولا إلا أنه يمكن أن يكون ذلك بإلهام من الله
تعالى حتى لا يختل أمور معاشهم ومعادهم فإن لزوم اختلال النظام مع التوقف عن الجري
على الحالة السابقة مع الشك واضح فلاجله جعل الله الجري على طبقها من المرتكزات في
أنفسهم مع عدم وجود كاشف عن تحققها أصلا وعلى كل حال فلا مجال لانكار دعوى بناء
العقلاء على ذلك في الجملة واما دعوى بنائهم عليه مطلقا حتى في مورد الشك في المقتضي بالمعنى
357

الذي عرفته فغير معلوم بل معلوم العدم فبناء العقلاء بضميمة امضاء الشارع يكون دليلا على
المختار من حجية الاستصحاب في غير صورة الشك في وجود المقتضي وتوهم ان الآيات المانعة
عن العمل بالظن تكون رادعة عن بناء العقلاء فلا يكون هناك دليل على الامضاء كما ذكره
المحقق صاحب الكفاية (قده) فاسد إذ ما جرى عليه السيرة العقلائية منذ قديم لا يمكن
ردع الآيات عنه لخروجه عن موضوعها وهو العمل بالظن عندهم فيحتاج الردع عنه إلى نص
خاص ودليل مخصوص كما في القياس إذ لولاه لما كان العمل بالقياس الثابت بالسيرة العقلائية
عملا بالظن عند العقلاء ولم يكن الآيات شاملة له أصلا وقد ذكرنا توضيح ذلك في بحث حجية
الخبر عند التمسك لها بالسيرة ومن الغريب انه (قده) اعترف في ذلك المبحث بعدم معقولية
رادعية الآيات عن السيرة العقلائية مع أنه التزم بها في المقام (الثاني) دعوى الاجماع على حجيته
من العلماء ولا يخفى ان تحصيل الاجماع في مثل المسألة مما لها مدارك متعددة ومبان مختلفة
صعب جدا ولو مع الاتفاق فكيف مع الاختلاف الفاحش من المعظم حتى ذهب جماعة
إلى عدم حجيته مطلقا ونقل الاجماع موهون لذلك وان قلنا بحجيته لولا ذلك نعم لا يبعد أن
يكون المشهور هو حجية الاستصحاب في الجملة (الثالث) الأخبار المستفيضة وهي كثيرة وهي
العمدة في الباب (منها) صحيحة زرارة قال قلت له الرجل ينام وهو على وضوء أيوجب الخفقة
والخفقتان عليه الوضوء قال (ع) يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن فإذا نامت
العين والاذن فقد وجب الوضوء قلت فإن حرك في جنبه شئ وهو لا يعلم قال (ع) لا حتى
يستيقن انه قد نام حتى يجئ من ذلك أمر بين وإلا فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض
اليقين بالشك أبدا ولكن ينقضه بيقين آخر والرواية الشريفة وإن كانت مضمرة إلا كون
مضمرها مثل زرارة يوجب القطع بكون المسؤول هو الإمام (ع) لا سيما مع هذا الاهتمام فيها
والإضمار إنما نشأ من تقطيع الاخبار على الأبواب والاستدلال بها على حجية الاستصحاب
مطلقا حتى في غير مورد الشك في الوضوء يتوقف على الغاء خصوصية المورد حتى يكون حرمة
النقض غير مختصة بباب الوضوء بل تكون عامة لكل مورد وقد أفاد الشيخ العلامة الأنصاري
(قده) في وجه ذلك ان الجزاء في قوله (ع) والا محذوف وان قوله (ع) فإنه على يقين من
وضوئه علة للجزاء أقيمت مقامه كما في قوله تعالى فإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك
وعليه فيكون العلة مفيدة لعدم الاختصاص إذ لو كان الحكم مختصا بالمورد لزم التكرار
358

من التعليل من غير فائدة فيستكشف من ذلك عموم الحكم وعدم اختصاصه بالمورد (وأنت
خبير) بان دلالة الصحيحة على الاستصحاب مطلقا لو كانت متوقفة على حذف الجزاء وكون
مدخول الفاء علة أقيمت مقام الجزاء كما في الآيات المذكورة في كلامه لسقطت الصحيحة عن
الدلالة بالكلية إذ لا دليل على حذف الجزاء في الرواية بعد قابلية قوله (ع) فإنه على يقين (الخ)
للجزائية بنفسه كما ستعرف ومجرد حذف الجزاء في بعض الموارد كما في مورد الآيات التي
ذكرها لعدم صلاحية ما يكون فيها جزاء غير المحذوف لا يكون قرينة على الحذف في المورد
القابل على أنه لو سلم حذفه فغاية ما هناك أن يستفاد من التعليل عدم الاختصاص بخصوص
الشك في النوم والتعميم لكل مورد شك فيه في بقاء الوضوء وارتفاعه واما التعميم لغير باب
الوضوء فهو يحتاج إلى الغاء خصوصية المورد وجعل موضوع حرمة النقض هو مطلق اليقين
والشك سواء جعلنا الجزاء محذوفا أم لا فما يبتنى عليه الاستدلال هو ذلك لا حذف الجزاء
وجعل العلة مقامه وبعبارة واضحة يتوقف الاستدلال بالرواية على عدم ظهور كلمة من وضوئه
في القيدية حتى يختص بخصوص موارد الشك في الوضوء ومع ارتفاعه وظهوره في الموردية
المحضة يكون الموضوع لحرمة النقض هو مطلق اليقين والشك لا محالة فكأنه قال عليه السلام
فإنه من وضوئه على يقين ولا ينقض اليقين بالشك ابدا فالمتحصل من ضم الصغرى إلى الكبرى
وهو عدم جواز نقض اليقين بالوضوء بالشك فيه في المورد يكون جزاء ولا يكون الحكم حينئذ
مختصا بالمورد ولعل مراد شيخنا العلامة الأنصاري (قده) هو ذلك وإن كان بعيدا عن
ظاهر كلامه وكيف كان ففي الرواية جهات ثلاث موجبة لظهورها في كون لفظ من وضوئه
إنما أتي به لأجل الموردية دون إفادة القيدية (الأولى) ان اليقين حيث إنها من الصفات التي
لا تتقوم ولا تتحقق إلا مضافا إلى شئ ضرورة ان اليقين المطلق لا يوجد فذكر المتعلق فيه
كعدم ذكره في عدم قابليته لتقييد الموضوع في قوله (ع) فإن اليقين لا ينقض بالشك بخصوص
اليقين بالوضوء حتى يتقيد الحكم الاستصحابي بخصوصه فكما لا ريب في عدم التقييد والاختصاص
إذا كان كلمة من وضوئه سابقا على اليقين وكانت القضية فإنه من وضوئه على يقين فكذلك
في صورة التأخير وإنما أتي بها لذكر الوضوء في الرواية وكونه موردا للسؤال ولو تنزلنا عن
ذلك وتردد الامر بين التقييد والموردية فلا ريب في عدم الموجب للتقييد بالقياس إلى قوله (ع)
ولا ينقض اليقين بالشك (وتوهم) ان الكلام حينئذ يكون من باب المحفوف بما يحتمل قرينيته
359

فيسقط عن الظهور (مدفوع) بما ذكرناه في محله من أن الملاك في ذلك إنما هو كون ما احتف به
الكلام بحيث لو كان المولى اعتمد عليه في مقام التخاطب لصح ذلك منه كما في صورة تعقب
الجمل المتعددة للاستثناء المحتمل رجوعها إلى الجميع واما في مثل المقام فلا ريب في أن التقييد
محتاج إلى مؤنة زائدة ولا يصلح ذكر كلمة من وضوئه لإفادته على تقدير إرادة المولى له
واقعا بعد تعارف ذكر متعلق اليقين في المحاورات لأجل بيان مورد اليقين فقط من دون
كون موضوع الحكم مقيدا به ومع عدم صلاحيته لها لا يكون لتوهم احتفاف الكلام بما يصلح
للقرينية مجال أصلا (الثانية) ان الحكم بالحرمة حيث تعلق بعنوان النقض المعتبر فيه الدوام
والاستحكام كما أشرنا إليه وسيأتي بيانه مفصلا فمناسبة الحكم والموضوع تكون شاهدة على أن
الملاك فيه هو ما في نفس اليقين من الاستحكام ولابد من الجري على طبقه وعدم رفع اليد
عنه بمجرد الشك الذي ليس فيه استحكام أصلا ومن المعلوم انه لا يختلف حال اليقين والشك
في ذلك بين صورتي تعلقهما بالوضوء وعدم تعلقهما به فلا يختص الحكم بخصوص باب دون
باب (الثالثة) ان قضية حرمة نقض اليقين بالشك لو كانت قضية ابتدائية لأمكن القول باختصاصها
بخصوص باب الوضوء مع قطع النظر عن الجهتين السابقتين إلا انها ليست كذلك بل هي قضية
ارتكازية لجميع العقلاء كما مر بيانها ومن الضروري عدم اختصاص تلك القضية عندهم بخصوص
باب وإنما كان جريهم على اليقين السابق لما فيه من الابرام والاستحكام من دون فرق بين موارد
تعلقه ولا ريب ان الظاهر من الرواية ورودها في مقام التقرير لما بنى عليه العقلاء منذ قديم الزمن
لا تأسيس حكم ابتدائي تعبدي (وبالجملة) ظهور الرواية في أن موضوع الحرمة هو نقض مطلق
اليقين بالشك مما لا ينكر وعليه فالاستدلال بها على حجية الاستصحاب مطلقا إلا في خصوص
موارد الشك في المقتضي بالبيان المتقدم على ما سيجئ توضيحه إنما هو في محله * (بقي في المقام) * شئ
لا بأس بالتعرض له وهو انه ربما يتوهم ان النفي أو النهي الواردين على النكرة أو الطبيعة وإن
كانا مفيدين للعموم لأن عدم الطبيعة في الخارج لا يكون إلا بعدم جميع افراده إلا أنه
لا دلالة فيهما على كون العموم بنحو عموم السلب حتى يثبت الحكم لكل فرد بل من الجائز
أن يكون ذلك بنحو سلب العموم وثبوت الحكم لمجموع الافراد بما هو كذلك فلا يكون هناك
دلالة على شيوعه لكل فرد فرد وعلى ذلك فغاية ما يستفاد من الرواية حرمة نقض مجموع
افراد اليقين بالشك ولا يستفاد منها حرمة نقض كل فرد منه كما هو المدعى ولكن هذا التوهم من
360

السقوط بمكان (وتوضيحه) ان العموم إما ان يستفاد من سياق الكلام من دون أن يكون
هناك لفظ موضوع له كما في وقوع النكرة أو الطبيعة في سياق النهي أو النفي وإما ان يستفاد
من لفظ دال عليه اسما كان أو حرفا وعلى كل حال فلا ريب ان سلب العموم ولحاظ ورود
السلب على نفسه يتوقف على لحاظه مستقلا وطرفا للربط الكلامي الذي يتقوم بالطرفين والا فلا
يعقل وروده عليه لأنه لو لم يلاحظ كذلك لكان معنى حرفيا ونسبة بين الطرفين و يستحيل
ورود المعنى الحرفي على معنى حرفي آخر غير ملحوظ في نفسه وإنما لوحظ نسبة بين الطرفين
وعلى ذلك فإن كان العموم مدلولا سياقيا غير مستفاد من اللفظ أو كان مستفادا من معنى
حرفي كما في الجمع المحلي باللام لا يعقل ورود السلب على العموم (اما في الأول) فلان إفادة
العموم تتوقف على ورود النهي أو النفي على النكرة أو الطبيعة حتى يحكم العقل بالعموم بضميمة
ان عدم الطبيعة لا يكون إلا بعدم جميع افرادها فإفادة العموم في مرتبة لاحقة على ورود
النهي أو النفي ومعه كيف يعقل أن يكون العموم هو الذي ورد عليه النهي أو النفي على
ما هو مقتضى سلب العموم من تعلق السلب بنفسه دون الافراد (واما في الثاني) فلان ملاحظة
العموم بنحو المعنى الحرفي ونسبة كلامية تنافي ورود السلب عليه بل لابد حينئذ من ورود
النسبة السلبية العمومية على الافراد نعم يصح إرادة سلب العموم بالعناية واخراج الكلام عما
هو عليه من لحاظ العموم معنى حرفيا لكنه خروج عن الفرض ومحتاج إلى قرينة خارجية واما
إذا كان العموم مستفادا من اللفظ الموضوع لمفهوم استقلالي اسمي كلفظة كل وجميع ونحوهما
فاللفظ بنفسه قابل لإرادة عموم السلب وسلب العموم فإن لفظ الكل إذا لوحظ مرآة للافراد
الخارجية وتصحيحا لا يراد السلب عليها فلا ريب في عدم امكان إرادة سلب العموم حينئذ
واما إذا لوحظ مستقلا وبنفسه فلابد من ورود السلب على نفسه فيكون مفاده سلب العموم
ليس الا (فتحصل) ان إرادة سلب العموم تتوقف على أن يكون الدال على العموم لفظا ولا يكون
من الأدوات ولا يلحظ مرآة للمصاديق الخارجية ومع ارتفاع قيد منهما لا يمكن إلا إرادة
عموم السلب لا محالة بل لا يبعد ظهور الكلام في ذلك حتى فيما إذا كان الكلام قابلا لإرادة
سلب العموم منه كما إذا كان الدال عليه من الأسماء إذ الظاهر منها هو لحاظها بنحو المرآتية
ويحتاج لحاظها في أنفسها إلى عناية زائدة وقرينة خارجية وكيف كان فلا ريب في ظهور الصحيحة
في إرادة عموم السلب منها بل لا يمكن إرادة غير ذلك منه كما عرفت وجهه (ومنها) صحيحة
361

أخرى لزرارة قال قلت له أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شئ من المني فعلمت اثره إلى أن
أصيب له الماء فحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئا وصليت ثم اني ذكرت بعد ذلك
قال (ع) تعيد الصلاة وتغسله قلت فإن لم أكن رأيت موضعه وعلمت انه اصابه فطلبته ولم
أقدر عليه فلما صليت وجدته قال (ع) تغسله وتعيد قلت فإن ظننت انه اصابه ولم أتيقن فنظرت
ولم أر شيئا فصليت فيه فرأيت فيه قال (ع) تغسله ولا تعيد الصلاة قلت لم ذلك قال (ع)
لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت وليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك
ابدا قلت فإني قد علمت أنه قد اصابه ولم ادر أين هو فاغسله قال (ع) تغسل من ثوبك الناحية
التي ترى تريد ان تذهب بالشك الذي وقع من نفسك قلت إن رأيته في ثوبي وانا في الصلاة قال
(ع) تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته وان لم تشك ثم رأيته رطبا
قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعله شئ أوقع عليك فليس ينبغي
لك ان تنقض اليقين بالشك (الخبر) وهذه الرواية الشريفة اشتملت على جملة من الأحكام الشرعية
(منها) وجوب إعادة الصلاة إذا وقعت في الثوب المتنجس مع النسيان (ومنها) بطلان
الصلاة الواقعة في الثوب المعلوم نجاسته ولو مع عدم معلومية محل النجاسة تفصيلا ووجوب
غسل الثوب في الفرض المذكور بمقدار يحصل معه العلم بالطهارة (ومنها) صحة الصلاة الواقعة
في الثوب المتنجس مع عدم العلم بالنجاسة سابقا وكفاية احراز الطهارة قبل الصلاة في صحتها
(ومنها) عدم وجوب الفحص والنظر عند احتمال النجاسة في الثوب (ومنها) صحة الصلاة
عند رؤية النجاسة في الصلاة مع احتمال حدوثها في أثنائها ووجوب اعادتها وقطعها مع العلم
بتحققها من أول الأمر كما هو ظاهر الرواية ولا يخفى عليك انه اتفق الاخبار وكلمات الأصحاب
على صحة الصلاة الواقعة مع نجاسة الثوب أو البدن مع عدم العلم بالنجاسة من أول الأمر
ويدل عليها الصحيحة المذكورة أيضا واما مع رؤية النجاسة في أثناء الصلاة مع عدم العلم بها
من أول الأمر والقطع بتحققها مع النجاسة فقد اختلف فيه الاخبار وكلماتهم فذهب جماعة منهم
وهو المشهور إلى صحة الصلاة ووجوب تبديل الثوب أو غسله بما لا ينافي الصلاة والبناء عليها
ومع عدم امكانهما فإن كان الوقت ضيقا فيجب المضي وإلا فيجب القطع والإعادة وذهب
جماعة أخرى إلى البطلان في سعة الوقت ووجوب الإعادة حتى مع التمكن من التبديل
والغسل الغير المنافيين لها والمختار عندنا هو القول الأول وإن كانت الصحيحة دالة على الثاني
362

والمسألة محررة في الفقه (ومنها) حجية الاستصحاب وحرمة نقض اليقين بالشك في الموردين
لكن الاستدلال بها عليها بالفقرة الأولى يتوقف على كون المراد من اليقين المذكور فيها
هو اليقين السابق على احتمال إصابة النجاسة إذ لو كان المراد منه اليقين الحاصل بعد
الفحص والنظر الزائل بعد الصلاة لتعين حملها على قاعدة اليقين دون الاستصحاب كما هو ظاهر
(والتحقيق) تعين هذا الاحتمال وعدم امكان حملها على قاعدة اليقين إذ لم يفرض في الرواية حصول
اليقين بعد النظر والفحص ولا حصول الشك الساري بعد هذا اليقين كما هو اللازم في القاعدة
فيتعين حملها على قاعدة الاستصحاب ليس إلا * (ثم إنه) * ربما يشكل على الصحيحة بعدم صحة
التعليل المذكور فيها على عدم وجوب إعادة الصلاة بأنه لا ينبغي نقض اليقين بالشك فان الإعادة
بعد العلم بوقوعها مع النجاسة من باب نقض اليقين باليقين لا بالشك ولاجله أشكل في دلالة
الفقرة الأولى على حجية الاستصحاب وتوضيح حل الاشكال يتوقف على بيان أمور (الأول) انه
لا ريب بحسب الفتوى في صحة الصلاة الواقعة في الثوب المتنجس في حال الغفلة مع عدم
العلم بنجاستها سابقا كما لا ريب في صحتها في حال الالتفات مع الاستناد إلى طريق عقلي
أو شرعي ولو كان أصالة الطهارة فصحة الصلاة مع وقوعها مع النجاسة الواقعية في هاتين الصورتين
مقطوعة ولا ريب أيضا في وجوب احراز الطهارة مع الالتفات ولو بالأصل الغير المحرز وعدم
جواز الدخول فيها بمجرد عدم العلم بالنجاسة من دون فرق في ذلك بين القول باشتراط
الصلاة بالطهارة والقول بكون النجاسة مانعة إذ الواجب على المكلف احراز وقوع المأمور به
في الخارج على وجهه فكما يجب احراز وقوعه مع الشرائط ولو بالأصل فكذلك يجب احراز
وقوعه غير مقترن بالمانع ولو به أيضا (الثاني) انه حيث ظهر لك صحة الصلاة في حال الغفلة
وعدم الالتفات إلى طهارة الثوب أو نجاسته ولو وقعت في النجاسة يظهر لك انه لو قلنا بشرطية
الطهارة أو مانعية النجاسة فلا محالة يختص ذلك بخصوص حال الالتفات واما مع الغفلة فلا
الطهارة تكون شرطا في صحة الصلاة ولا النجاسة مانعة عنها ولكن الظاهر من الأدلة
هو اشتراطها بالطهارة لا مانعية النجاسة عنها غاية الأمر ان صحة الصلاة مع احراز الطهارة
في حال الالتفات ولو بالأصل ولو انكشف وقوعها مع النجاسة تكشف عن أن الشرط أعم
من الطهارة الواقعية أو احرازها ويكفي تحقق أحدهما في صحة الصلاة مع الالتفات ولو
بنينا على مانعية النجاسة لما ترتب عليها اثر في المقام إذ كما يصح احراز الشرط بالأصل كذلك
363

يحرز عدم المانع به فبأصالة الطهارة يترتب آثار عدم النجاسة إذ لا فرق في جريان الأصل بين
ترتب الأثر المجعول على نفس مورده أو على نقيضه فبأصالة الطهارة يحكم بجواز الدخول
في الصلاة وعدم اقترانها بالمانع لكن الظاهر كما عرفت هو شرطية الطهارة لا مانعية النجاسة
(الثالث) انه إذا تحقق أعمية الشرط من نفس الطهارة أو احرازها فلا ينبغي الاشكال في
صحة الصلاة مع احراز الطهارة وجدانا أو بإمارة أو أصل محرز بناء على ما ذكرناه من قيام
الامارات والأصول المحرزة مقام القطع المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية واما مع احرازها
بأصل غير محرز كاصالة الطهارة فربما يقع الاشكال من حيث عدم امكان قيامه مقامه مع أنه
من القطعي صحة الصلاة معه ولو مع انكشاف وقوعها مع النجاسة كما عرفت (والتحقيق في حله)
ان يقال إن القطع كما يمكن ان يؤخذ في الموضوع بما هو صفة خاصة وبما هو طريق إليه وكاشف
عنه فلا يقوم مقامه شئ من الامارات والأصول مطلقا على الأول ويقوم مقامه الامارات
والأصول المحرزة على الثاني كذلك يمكن ان يؤخذ فيه بما انه منجز أو معذر مع قطع
النظر عن كشفه وطريقيته وحينئذ فكما يقوم مقامه الامارات والأصول المحرزة كذلك يقوم
مقامه الأصل الغير المحرز أيضا لاشتراكه معهما في المنجزية والمعذرية وليجعل هذا قسما آخر من
القطع المأخوذ في الموضوع لم نتعرض له في بحث القطع وحيث ثبت لنا صحة الصلاة الواقعة في
النجاسة مع الاعتماد عند الدخول فيها على أصالة الطهارة فلا محالة يكشف ذلك عن كون
الاحراز المأخوذ شرطا في صحتها مأخوذا فيه بما انه منجز أو معذر فلا يكون اشكال في قيامها
مقامه (فإن قلت) قد ذكرت سابقا ان صفة المنجزية والمعذرية من توابع صفة الاحراز ولذا
بنينا على عدم امكان جعل نفس الصفتين في موارد الأصول والامارات كما ذهب إليه المحقق
صاحب الكفاية (قده) في مقام الجمع بين الاحكام الظاهرية والواقعية وان المجعول فيها إنما
هو صفة الاحراز ويتبعه التنجيز والتعذير اللازمين له عقلا وعليه كيف يمكن وجود الصفتين
مع عدم الاحراز حتى يقوم الأصل الغير المحرز مقام القطع المأخوذ في الموضوع بما انه منجز
ومعذر لا بما انه محرز للواقع (قلت) نعم صفة المنجزية والمعذرية وإن كانتا تابعتين لصفة
الاحراز ومن لوازمه العقلية إلا أن المجعول الشرعي (ربما يكون) هو الاحراز من تمام الجهات
كما في الامارات فيكون مثبتا للواقع كذلك فيقوم مقام القطع الطريقي والمأخوذ في الموضوع
على وجه الطريقية ويكون مثبتاتها حجة أيضا (واخرى) يكون المجعول هو الاحراز من
364

حيث الجري العملي كما في موارد الأصول المحرزة فلا يكون مثبتا للواقع إلا بهذا المقدار
فيقوم مقام القطع في الصورتين لكن لا يكون مثبتاتها حجة (وثالثة) يكون المجعول هو الاحراز
من حيث المنجزية والمعذرية فقط كما في الأصول الغير المحرزة فلا تقوم مقام القطع المأخوذ في
الموضوع إلا إذا كان اخذه فيه من حيث المنجزية والمعذرية ولا تكون مثبتاتها حجة أيضا
فالمقصود من عدم كون أصل البراءة أو أصالة الاحتياط ونحوهما من الأصول المحرزة عدم
كونها محرزة للواقع كما في موارد الامارات والأصول المحرزة لا عدم كونها محرزة له أصلا كما هو
مبنى الاشكال المذكور (الرابع) انه إذا ثبت في مورد صحة العمل وعدم وجوب الإعادة مع المخالفة
للواقع فإن كانت المخالفة من جهة الخطأ في الحكم الشرعي كما إذا ثبت صحة العمل الفاقد للشرط
في ظرف الجهل بشرطيته فلابد وأن يكون ذلك من جهة اكتفاء الشارع عن المأمور به بما اتى
به أو من جهة اجزاء الامر الظاهري عن الواقعي من دون تصرف في الحكم الواقعي على بعض
الوجوه المذكورة في الاجزاء إذ يستحيل تقييد الحكم الواقعي بصورة العلم به فلا محالة يبقى الحكم
الواقعي على ما هو عليه وبدليل الصحة في ظرف الجهل يستكشف تقيد الشرطية بعدم صورة الجهل
بها من باب نتيجة التقييد على ما أوضحنا الحال فيها مرارا واما إذا كانت المخالفة لأجل الخطأ في
متعلق الحكم كما في صورة الجهل بالنجاسة مع الالتفات إلى شرطية الطهارة أو مانعية النجاسة على
الوجهين فكما يمكن أن يكون الصحة لأجل الاكتفاء عن المأمور به بما اتي به أو لأجل إفادة
الحكم الظاهري للاجزاء كذلك يمكن أن تكون لأجل تعميم الحكم الواقعي من حيث متعلقه
فيكون المانع في الفرض هو النجاسة المعلومة لا غيرها أو يكون الشرط أعم من نفس الطهارة
أو احرازها فيكون المأتي به حينئذ مطابقا للمأمور به واقعا ولا ريب في أنه مع مكان ذلك لا وجه
لكون الصحة مستندة إلى الاجزاء أو الاكتفاء المذكور في مقام الاثبات لكونهما محتاجين إلى
العناية وإن كان ذلك محتملا أيضا بحسب مقام الثبوت * (إذا تحقق ذلك فنقول) * ان التعليل
المذكور في الصحيحة إذا كان بلحاظ حال انكشاف الخلاف بعد الصلاة فالاشكال المذكور من أن
الإعادة بعد الصلاة من باب نقض اليقين باليقين لا بالشك وإن كان له وجه الا ان الظاهر
بل المتيقن هو غير ذلك وان التعليل بلحاظ حال قبل انكشاف الخلاف إذ المفروض في السؤال
هو العلم بوقوع الصلاة مع النجاسة الا انه سأله (ع) عن وجه عدم الإعادة مع ذلك على خلاف
الفروض الآخر حيث حكم (ع) فيها بوجوب الغسل مع الإعادة فيكون التعليل ناظرا إلى الفرق
365

بين الصور وان دخول المكلف في الفرض المذكور في الصلاة كان مستندا إلى احرازه للطهارة
دون بقيتها ولا ريب ان المكلف حال الدخول فيها كان مكلفا بعد نقض اليقين بالشك وكان
محرزا للطهارة بالاستصحاب فعلى تقدير شرطية الطهارة للصلاة كما هو الظاهر تكون الصحيحة
دالة على أعمية الشرط من نفس الطهارة واحرازها فيكون حاصل التعليل هو انك كنت واجدا
للشرط حال الصلاة واقعا وليس في ذلك انكشاف خلاف فاعادتك الصلاة تكشف عن عدم
كونك واجدا له وجواز نقض اليقين بالشك حتى لا تكون محرزا للطهارة الذي هو أحد فردي
الشرط واقعا (ثم إن العلامة الأنصاري) (قده) ذكر وجهين لدفع الاشكال وصحة التعليل ولم
يرتضهما (الأول) ان التعليل المذكور إنما هو بملاحظة اقتضاء الحكم الظاهري للاجزاء فحكمه
عليه السلام بعدم وجوب الإعادة مع انكشاف وقوع الصلاة في الثوب المتنجس مبني على
اقتضاء الامر الظاهري من جهة الاستصحاب للاجزاء وعدم الإعادة (وأورد عليه) بأن ظاهر
الصحيحة أن نفس الإعادة نقض لليقين بالشك فينبغي تركها لا انها منافية لعدم جواز نقض
اليقين بالشك حيث إن لازمه عدم الإعادة فيكون الإعادة منافية له ولكن الحق انه لو
أغمضنا عن الجواب الذي اخترناه عن أصل الاشكال في صحة التعليل من أعمية الشرط
الواقعي فلا بأس بالالتزام بهذا الجواب في مقام التفصي عنه وما اورده (قده) عليه يندفع بان
التعليل كما ذكرناه إنما هو بلحاظ حال الصلاة فكأنه سلام الله عليه قال حيث إنك صليت
مع الامر الظاهري فلا يجب عليك الإعادة لاقتضائه الاجزاء فاعادتك تكشف عن عدم
ملزوم الاجزاء وهو الامر الظاهري وهو عبارة أخرى عن جواز نقض اليقين بالشك مع أنه
لا ينبغي لك ذلك ورفع اليد عن اليقين إلا باليقين (والحاصل) ان قوله (ع) لأنك كنت
على يقين من طهارتك فشككت صريح في أن التعليل بلحاظ حال الصلاة وأين هذا من كون نفس
الإعادة نقضا لليقين بالشك كما افاده هو (قده) (الثاني) أن من آثار الطهارة
السابقة اجزاء الصلاة
معها وعدم وجوب الإعادة لها فوجوب الإعادة نقض لآثار الطهارة السابقة (وملخصه) ان الطهارة
السابقة التي هي شرط في الصلاة لها اثران أحدهما جواز الدخول فيها والثاني عدم وجوب إعادة الصلاة
الواقع معها ولازم التعبد الاستصحابي هو ترتيب ما للمستصحب من الآثار مطلقا فكما انه
يترتب عليه جواز الدخول في الصلاة كذلك يترتب عليه عدم وجوب الصلاة الواقعة معه
(وأورد عليه) بأن الصحة الواقعية وعدم الإعادة للصلاة مع الطهارة المتحققة سابقا من الآثار
366

العقلية الغير المجعولة للطهارة المتحققة لعدم معقولية عدم الاجزاء فيها ولا يترتب على المستصحب
إلا الآثار الشرعية لا العقلية (وأورد عليه) غير واحد من المحشين بان الاجزاء وعدم وجوب
الإعادة كيف لا يكون من الآثار المجعولة مع أنه لا ريب في مجعوليته في بعض موارد الشك
في الامتثال كما في موارد قاعدة الفراغ ونحوها (وتحقيق الحال في ذلك) ان يقال إن اجزاء الاتيان
بكل مأمور به من امره سواء كان واقعيا أوليا أو ثانويا اضطراريا أو ظاهريا عقلي غير قابل
للنفي والاثبات شرعا كما أن اجزاء الامر الظاهري عن الواقعي قابل للجعل بنفسه أو انه نتيجة
الجعل ففي موارد قاعدة الفراغ يكون الاجزاء بنفسه مجعولا وفي موارد الأصول والامارات
يكون الاجزاء نتيجة الجعل بمعنى ان الشارع بعد حكمه بكون المأتي به هو نفس المأمور به بمقتضى
الأصل أو الامارة فلا محالة يكون الاجزاء من لوازمه إذ ثبوت الملزوم يستدعي ثبوت لازمه
عقلا لكن الحكم المذكور حيث إنه مقيد بالشك موضوعا أو موردا فلا محالة ينتفي بانتفائه
فالحكم بالهوهوية الملازم للاجزاء يدور مدار الشك ومع عدمه ينتفي الحكم المذكور ويترتب
عليه انتفاء لازمه فغرض العلامة الأنصاري (قده) في المقام هو ان الصحة الواقعية اي
كفاية الاتيان بالمأمور به الواقعي عن امره غير قابل للجعل والصحة الظاهرية أي كفاية المأمور به
الظاهري عن الامر الواقعي وإن كانت مجعولة أو نتيجة للجعل الا انها مقيدة بعدم كشف
الخلاف فلا تنفع بعده فالنقض عليه (قده) بمجعولية الاجزاء في موارد قاعدة الفراغ ونحوها
أجنبي عما اراده بالكلية وان أردت الإحاطة بخصوصيات ما ذكرناه في مجعولية الاجزاء
وعدمها فراجع بحث الاجزاء فتحصل من جميع ما ذكرناه وضوح دلالة الصحيحة على حجية
الاستصحاب وانه لا موقع للاشكال في انطباق التعليل على المورد وعلى تقدير عدم اندفاعه
ومنعه عن التمسك بتلك الفقرة عليها ففي الفقرة الثانية كفاية
* (تتميم) * لا ريب في وجوب إعادة الصلاة الواقعة في بعض أطراف العلم الاجمالي
إذا انكشف نجاسته فيما بعد أو لم ينكشف وذلك لعدم احراز الطهارة حال الصلاة وعدم احراز
وقوعها معها ولو بعدها كما لا ريب في عدم وجوب الإعادة مع تمشي قصد القربة وانكشاف
وقوعها مع الطهارة وذلك لاقترانها بالشرط الواقعي وان لم يكن المكلف محرزا له حين
العمل ولو علم اجمالا بنجاسة أحد الثوبين فاتى في كل منهما بصلاة مع تمشي قصد القربة منه ثم
انكشف نجاسة كل منهما فهل يبطل كل منهما أو خصوص الأولى دون الثانية وجهان جاريان
367

في كل ما إذا كان الحكم ثابتا في كل من أطراف العلم الاجمالي وإن كان المكلف لم يتعلق علمه
الا بواحد مردد بينها (من) أن العلم الاجمالي حيث أنه لم يتعلق إلا بحكم واحد فيكون الواحد منجزا
دون غيره (ومن) ان نسبة العلم الاجمالي إلى كل من الحكمين على حد سواء فيكون كل منهما متنجزا
به لا محالة (ولكن التحقيق) هو الوجه الأول وذلك لما بيناه مرارا من أن المنجز في باب العلم الاجمالي
إنما هو العلم المتعلق بالجامع بين الأطراف أو الطرفين وكل من الخصوصيتين لكونه مجهولا
يستحيل أن يتنجز بالعلم ولكن حيث أن نسبة العلم إلى كل من الأطراف متساوية وتخصيص
طرف دون آخر بالتنجز ترجيح بلا مرجح فلا محالة حكمنا بوجوب الموافقة القطعية وإلا فالعلم
الاجمالي بنفسه لا يقتضي إلا حرمة المخالفة القطعية ليس إلا وعلى ذلك فحيث ان المعلوم
بالاجمال في المقام نجاسة واحدة فلا محالة يكون المتنجز هو الواحد أيضا وحيث أن المعلوم هو
صرف الوجود فينطبق على أول الوجودات قهرا فالثوب الأول الذي وقع الصلاة فيه ينطبق
عليه المعلوم بالاجمال ويكون صلاة الواقعة فيه محكومة بالبطلان واما الثوب الثاني فلم يكن
نجاسته معلومة فلذا يصح الصلاة الواقعة فيه وهكذا الامر في استحقاق العقاب فإذا علم
بحرمة أحد الكأسين فشربهما وانكشف حرمتهما يكون المنجز وما يستحق العقاب عليه
هو الشرب الأول لانطباق المعلوم بالاجمال وهو صرف الوجود عليه دون الثاني (فإن قلت)
سلمنا عدم تنجز الوجود الثاني لعدم معلوميته بخصوصه وانطباق المعلوم بالاجمال على أول
الوجودات إلا أن ذلك لا يكفي في صحة الصلاة الثانية لاشتراطها بالطهارة الواقعية أو احرازها
وكل منهما مفروض العدم اما الطهارة الواقعية فواضحة واما احرازها فلمنافاته مع العلم الاجمالي
ومع عدم الشرط يكون الصلاة فاسدة لا محالة (قلت) إذا فرضنا عدم تنجيز العلم الاجمالي
إلا بمقدار المعلوم وهو الوجود الواحد فلا محالة يكون الوجود الآخر محكوما بالأصل أعني
به أصالة الطهارة وحيث إن المفروض انطباق المعلوم بالاجمال على أول الوجودات فيكون
المحكوم بالأصل وهو الوجود الثاني فطهارته محرزة بالأصل فالصلاة الواقعة فيه واجدة
للشرط الذي هو أعم من نفس الطهارة واحرازها فتأمل (ومنها) صحيحة ثالثة لزرارة قال
من لم يدر في أربع هو أو في ثنتين وقد أحرز الثنتين قال يركع ركعتين وأربع سجدات
وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد ولا شئ عليه وإذا لم يدر في ثلاث هو أو أربع وقد أحرز
الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شئ عليه ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في
368

اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكنه ينقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبني عليه
ولا يعتد بالشك في حال من الحالات (وقد اورد العلامة الأنصاري) (قده) على الاستدلال
بها بما حاصله ان الاستدلال بها يتوقف على إرادة اليقين بعدم اتيان الركعة الرابعة والشك في
اتيانها بعد احراز الثلاث من قوله عليه السلام لا ينقض اليقين بالشك ولازم ذلك هو وجوب
الاتيان بالركعة المتصلة وهو مناف لمذهب الأصحاب واخبارهم الدالة على وجوب البناء
على الأربع وموافق لمذهب العامة ولابد من حملها حينئذ على التقية وهو مع بعده في نفسه مناف
لصدر الرواية المنافي للتقية لظهوره في وجوب الاتيان بركعتين منفصلتين من جهة حكم الإمام عليه السلام
بتعين فاتحة الكتاب فيهما فلابد من حمل اليقين فيها على وجوب اليقين بالبراءة
بالبناء على الأكثر والاتيان بركعة منفصلة وقد سمي هذا بالبناء على اليقين في بعض الأخبار
من جهة ان المكلف يكون معه مأمونا من احتمال النقيصة والزيادة اما المأمونية من احتمال
الزيادة فواضح وأما المأمونية من احتمال النقيصة فلتداركها بالركعة المنفصلة على تقدير النقصان
ثم على تقدير تسليم ظهورها في الاستصحاب وحملها على التقية الذي هو خلاف الأصل فالاستدلال
بها على حجيته يتوقف على كون التقية في خصوص المورد وحمل القاعدة المستشهد بها لهذا الحكم
المخالف للواقع على بيان الواقع لتكون التقية في اجراء القاعدة في المورد لا في نفسها وفي هذا مخالفة
أخرى للظاهر غير ما في نفس الحمل على التقية من المخالفة له * (ويرد عليه) * (أولا) ان الظاهر من قوله (ع)
قام فأضاف إليها أخرى بقرينة الفقرة الأولى هو إضافة ركعة أخرى مع فاتحة الكتاب فيكون
في نفس هذه الفقرة مع قطع النظر عما في ذيل الصحيحة من قوله (ع)
ولا يدخل الشك في
اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ويتم على اليقين اشعار بوجوب اتيان هذه الركعة منفصلة حيث إن
تعيين فاتحة الكتاب لأجل انها تكون متممة للصلاة على تقدير نقصانها ونافلة على تقدير
تماميتها فتعيين فاتحة الكتاب لأجل أن تكون الركعة الواحدة قابلة لان تكون نافلة وقد
ورد انه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب فيكون مفاد الرواية هو وجوب البناء على الأكثر الذي
اتفق عليه كلمات الأصحاب والاخبار (وتوهم) ان حمل الصحيحة على ظاهرها وهو الاستصحاب
يقتضي حملها على التقية لاقتضائه الاتيان بركعة موصولة ووجوب البناء على الأقل الذي هو
مذهب العامة (ناش) من تخيل أن مقتضى البناء على عدم الاتيان بالركعة الرابعة هو ذلك
والغفلة عن أن مقتضى الاستصحاب ليس إلا كون المكلف محرزا لعدم الاتيان بها واما أن
369

تكليفه الفعلي هل هو الاتيان بركعة متصلة أو منفصل فالاستصحاب أجنبي عن ذلك وليس
مفاد أدلة وجوب البناء على الأكثر منافيا للاستصحاب أصلا (نعم) الجعل الأولي هو وجوب
الاتيان بالركعات متصلة وأدلة وجوب البناء على الأكثر مخصصة لها واقعا ولذا حكم بالاجزاء
فيها على تقدير انكشاف النقصان فيما بعد ولو كان مفاد تلك الأدلة حكما ظاهريا لكان الحكم
بالاجزاء على خلاف القاعدة فلولا تلك الأدلة وبقاء الجعل الأولي على حاله لكان مقتضى
الاستصحاب هو وجوب الاتيان بالركعة الرابعة موصولة ولكن مع وجودها وانقلاب الحكم
الواقعي إلى وجوب الاتيان بها مفصولة لم يكن مقتضى الاستصحاب إلا وجوب الاتيان بها
كذلك فأدلة وجوب البناء على الأكثر غير منافية لاطلاق دليل الاستصحاب كما توهمها
المحقق صاحب الكفاية (قده) فضلا عن المنافاة لاصله ومع عدم المنافاة تبقى الرواية على
ظهورها في الاستصحاب من دون مقتض للحمل على التقية أصلا بل قد عرفت ان الصحيحة
بنفسها ظاهرة في وجوب الاتيان بالركعة المشكوكة منفصلة فكيف يمكن حملها على التقية على
ما افاده هو (قده) من استلزام حمل الرواية على الاستصحاب لذلك وليت شعري اي مخالفة
للظاهر في حمل قوله (ع) ولا يدخل الشك في اليقين على وجوب الاتيان بالركعة المشكوكة
منفصلة حتى لا يكون المشكوك داخلا في المتيقن حيث أفاد (قده) ان فيه من المخالفة لظواهر
الفقرات الست أو السبع ما لا يخفى على المتأمل بل في بعض تلك الفقرات ظهور في ذلك كما
هو ظاهر (وثانيا) ان التعبير عن وجوب البناء على الأكثر الذي هو موجب لليقين بالبراءة بالبناء
على اليقين اي ربط له بالتعبير عنه بنقض اليقين بالشك وأي جامع بين القضيتين غير اشتراكهما
في لفظ اليقين ولعمري ان حمل هذه القضية على ذلك لإرادته من البناء على اليقين من
الغرائب التي ما كنا نأمل صدور مثلها عن مثله (قده) (وثالثا) سلمنا ان ظهور الصحيحة في
الاستصحاب يقتضي حملها على التقية إلا أنه لا اشكال في أن الحمل على التقية الذي هو
خلاف الأصل انما يصار إليه ويرفع اليد عن مقتضى الأصل بمقدار الضرورة ولا ريب ان
الضرورة انما اقتضت الحمل عليها في خصوص المورد فما الموجب لرفع اليد عن القاعدة المستشهد
بها على حكم المورد وأي مخالفة أخرى للظاهر في ذلك بل رفع اليد عن القاعدة في غير
المورد خلاف الظاهر ونظير ذلك كثير في الفقه (منها) قوله (ع) في ثبوت العيد ووجوب الافطار
ذلك إلى امام المسلمين ان أفطر أفطرنا وان صام صمنا حيث أن التقية في التطبيق لا تنافي
370

كون هذا الحكم واقعيا وان العيد يثبت بحكم الإمام العادل (فتحصل) مما ذكرناه تمامية
دلالة الصحيحة على حجية الاستصحاب وعدم منافاتها لوجوب البناء على الأكثر بل عرفت
أن في نفس الصحيحة دلالة ظاهرة عليه أيضا (ومنها) موثقة عمار عن أبي الحسن عليه
السلام قال إذا شككت فابن على اليقين قلت هذا أصل قال نعم وقد جعلها العلامة الأنصاري
(قده) من أدلة وجوب البناء على الأكثر على ما ادعاه (قده) من أن وجوب البناء على
الأقل على ما هو مقتضى الاستصحاب ينافي ما جعله الشارع أصلا في غير واحد من الاخبار
فيتعين فيها الحمل على التقية أو على وجوب البناء على الأكثر وهذا منه (قده) مبني على ما زعمه
من منافاة أدلة وجوب البناء على الأكثر مع الاستصحاب وان الاستصحاب ساقط في باب
الشك في الركعات وقد عرفت ان التحقيق يقتضي خلافه (مضافا) إلى أنه ليس في الموثقة ما
يدل على تقييد متعلق الشك بخصوص الصلاة فضلا عن التقييد بخصوص الركعات فغاية
ما هناك كون هذه الموثقة كبقية روايات الاستصحاب مخصصة بأدلة وجوب البناء على
الأكثر في خصوص الشك في الركعات فلا موجب لا للحمل على التقية ولا للحمل على خصوص
باب الصلاة بإرادة وجوب البناء على الأكثر من وجوب البناء على اليقين (فإن قلت)
أن قاعدة الاستصحاب تتوقف على فرض وجود يقين سابق على الشك وليس في الموثقة
ما يدل على اعتبار سبقه عليه ولا سبق المتيقن على المشكوك فيحتمل إرادة ايجاب الاحتياط
منها كما افاده (قده) (قلت) قد ذكرنا مرارا ان كل قضية حقيقية يتوقف فعلية الحكم فيها على
فعلية موضوعه فوجوب البناء على اليقين فرع تحقق اليقين في زمان الشك وهذا لا يتحقق
الا في مورد الاستصحاب ومنه يظهر عدم امكان حمل الموثقة على قاعدة اليقين أيضا كما
يتضح في الرواية الآتية إن شاء الله تعالى (ومنها) رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
عليه السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه من كان على يقين فشك فليمض
على يقينه فإن الشك لا ينقض اليقين وفي معناها رواية أخرى عنه عليه السلام من كان على
يقين فأصابه شك فليمض على يقينه فإن اليقين لا يدفع بالشك وقد جعلها العلامة الأنصاري
(قده) ظاهرة في قاعدة اليقين من جهة ظهورها في تقدم زمان اليقين على الشك المعتبر في القاعدة
وهذا بخلاف الاستصحاب فإن زمان اليقين فيه متحد مع زمان الشك وانما السبق في تقدم
زمان المتيقن على المشكوك وحيث أن ظاهر الرواية تقدم نفس صفة اليقين على الشك فلا محالة
371

تكون ظاهرة في القاعدة (وأنت خبير) بان تقدم زمان صفة اليقين على الشك حدوثا كما هو
ظاهر الرواية لا يختص بالقاعدة بل ربما يتحقق في مورد الاستصحاب أيضا بل لعل هذا هو
الغالب في موارده وإنما الفرق بينهما هو اختلاف زماني المتيقن والمشكوك في الاستصحاب دون
القاعدة ووحدة زمان الصفتين في باب الاستصحاب في الجملة دونها واما تقدم زمان صفة
اليقين على زمان الشك حدوثا فليس من مختصات القاعدة حتى يوجب ظهور الرواية فيها بل
إن قوله عليه السلام فليمض على يقينه في غاية الظهور في الاستصحاب لوجود اليقين في
زمان الشك فيه المقتضي للجري على طبقه الذي هو معنى المضي عليه وما في مورد القاعدة
فالمفروض انقضاء اليقين وتبدله بالشك ولا ريب ان اطلاق اليقين على الصفة المتبدلة بالشك
يحتاج إلى عناية كثيرة وليس لفظ اليقين من المشتقات التي وقع الكلام في أنها حقيقة في
خصوص المتلبس أو الأعم منه ومن المنقضي بل هو من الجوامد التي لا اشكال في كون
الاطلاق فيها بلحاظ حال الانقضاء محتاجا إلى عناية ورعاية (والحاصل) ان الرواية مع قطع
النظر عن ذيلها وإن كانت قابلة للحمل على القاعدة وعلى الاستصحاب إلا أن ذيلها يعينها في
الثاني فيكون الحمل على القاعدة على خلاف الظهور * (ثم إن في رسالة شيخنا العلامة الأنصاري) *
(قده) في المقام حاشية يحتمل كونها من سيد أساتيذنا العلامة الشيرازي (قده) (وحاصلها) ان
ظاهر الرواية تجريد متعلق اليقين والشك عن التقييد بالزمان وهذا إنما يكون في الاستصحاب
فتكون الرواية ظاهرة فيه وظاهر هذا الكلام هو لزوم تقيد متعلقي اليقين والشك في القاعدة
بالزمان وهذا ليس صحيحا إذ المعتبر فيها كون متعلق اليقين بعينه متعلقا للشك أعم من أن
يكون الزمان قيدا فيه أو ظرفا لتحققه ولذا ينقلب مورد الاستصحاب إلى مورد القاعدة في
كل ما إذا فرض زوال اليقين وسريان الشك إلى ظرفه مع أن الاستصحاب لا مورد له مع
اخذ الزمان قيدا في المتعلق اللهم إلا أن يكون نظره (قده) من كون الزمان قيدا في مورد
القاعدة إلى القيدية في مقابل الاطلاق أعم من القيدية المصطلحة والظرفية ويكون الاستدلال
حينئذ مبنيا على أن المعتبر في الاستصحاب هو الغاء زمان متعلق اليقين وتجريده عن الزمان
حتى يكون قابلا لتعلق اليقين والشك به في زمان وهذا بخلاف القاعدة فإن متعلق اليقين
فيه غير مجرد عنه والزمان ملحوظ فيه ولو بنحو الظرفية وحيث إن ظاهر الرواية هو التجريد
وعدم التقييد فتكون ظاهرة في الاستصحاب (وكيف كان) ففي ما ذكرناه من ظهور الذيل في
372

الاستصحاب غنى وكفاية (ومنها) مكاتبة علي بن محمد القاساني قال كتبت إليه وانا بالمدينة
عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان هل يصام أم لا فكتب عليه السلام اليقين لا يدخله
الشك صم للرؤية وأفطر للرؤية وقد جعلها العلامة الأنصاري (قده) أظهر ما في الباب من
الاخبار والانصاف عدم الظهور فيها أصلا لان الاستدلال بها في المقام يتوقف على إرادة
اليقين بشعبان أو عدم دخول هلال رمضان والشك في بقائهما من اليقين والشك المذكورين
فيها وهكذا الامر بالنسبة إلى الشك في دخول شوال وعدمه حتى يكون المراد من عدم
دخوله الشك عدم نقضه به وهذا خلاف ظاهرها لان إرادة النقض من الدخول تحتاج إلى
عناية ورعاية بل الظاهر (والله العالم) هو إرادة عدم دخول متعلق الشك في متعلق اليقين
بمعنى أن شهر رمضان الذي يجب فيه الصوم وكذا يوم العيد الذي يجب فيه الافطار يعتبر
فيهما اليقين ويوم الشك الذي هو متعلق الشك لا يدخل في متعلق اليقين حتى يثبت له
حكمه ولا يخفى ان تفريع قوله (ع) صم للرؤية وأفطر للرؤية على الاستصحاب وإن كان
صحيحا إلا أنه على ما ذكرناه أمس وأولى ومع ذلك كيف يمكن ان يقال إنها أظهر في المقام
من صحاح زرارة التي هي العمدة في اخبار الباب (ومنها) قوله (ع) كل شئ طاهر حتى تعلم أنه
قذر وقوله (ع) كل شئ حلال حتى تعرف انه حرام وقوله (ع) الماء كله طاهر حتى تعلم أنه
نجس وذكر صاحب الفصول (قده) قوله (ع) كل شئ طاهر (الخ) من اخبار الاستصحاب
نظرا إلى إفادته لحكم القاعدة والاستصحاب معا والظاهر أنه يقول بمثل ذلك في اخبار الحل
أيضا (وقد ذكر) صاحب الوافية اخبار الحل في المقام والظاهر أنه يقول ذلك في الرواية الأولى
أيضا واما العلامة الأنصاري (قده) فقد خصص الروايتين الأوليين بقاعدة الطهارة والحلية في
المشكوك ولكنه سلم دلالة الرواية الثالثة على حكم الاستصحاب مع حكم الماء بعنوانه الأولي
فيكون المستفاد منه هو الحكم الواقعي للماء مع الحكم الاستصحابي والتزم بذلك المحقق
صاحب الكفاية (قده) فيها في تمام الروايات مدعيا كون الروايات أجنبية عن قاعدة الطهارة
والحلية رأسا وأن الصدر منها ظاهر في الحكم الواقعي وذيلها في الحكم الاستصحابي وقد بنى هو (قده) في
حاشية الرسائل على استفادة الأحكام الثلاثة من الروايات حكم القاعدة والاستصحاب والحكم الواقعي
نظرا إلى أن الصدر منها يشمل المشكوك أيضا فإنه أيضا شئ من الأشياء فيكون متكفلا لحكم الأشياء
بعناوينها وبما انه مشكوك والمعروف انه مختصة بقاعدة الحل أو الطهارة وأجنبية عن بيان الحكم
373

الاستصحابي والحكم الواقعي والاحتمال في كل واحد من الروايات سبعة اختصاصها بخصوص القاعدة
أو بخصوص الاستصحاب أو بخصوص الحكم الواقعي وشمولها لاثنين منها على الاختلاف أو
لكلها لكن القول فيها منحصر بأربعة الاختصاص بالقاعدة أو الاشتراك بينها وبين الاستصحاب
أو بينه وبين الحكم الواقعي أو بين الكل والأقوى منها هو القول الأول (بيان ذلك) ان الشئ
الذي حكم عليه بالحلية سواء أريد منها الموضوعات الخارجية كما في قوله (ع) كل شئ طاهر أو
الافعال الخارجية حتى لا يكون الحكم مختصا بالافعال التي لها تعلق بالموضوعات الخارجية
بل يكون ثابتا لها ولغيرها إما ان يراد منه الشئ بما هو اي بعنوانه الأولي الذاتي أو بعنوانه الثانوي
الطارئ عليه من كونه مشكوك الحكم (وعلى الأول) فلا ريب في أن الحكم الثابت له يكون
حكما واقعيا يشترك فيه الجاهل والعالم ويكن حينئذ من العمومات المخصصة بما ثبت فيه الحرمة
أو النجاسة (وعلى الثاني) يكون الحكم الثابت له حكما ظاهريا لوحظ موضوعه مشكوك الحكم بما
هو كذلك (وبالجملة) الشئ بما هو من دون لحاظ كونه مشكوك الحكم لا يمكن فيه الا الحكم
بطهارته أو حليته الواقعيتين كما أنه بما هو مشكوك الحكم الذي هو فرع ثبوت حكم يشك فيه لا
يمكن فيه الا الحكم بالطهارة الظاهرية أو الحلية كذلك فموضوع الحكم الواقعي ونفسه متقدم
رتبة على كل من موضوع الحكم الظاهري ونفسه ومع ذلك كيف يمكن أن يكون المراد من
الشئ هو الشئ بعنوانه الأولي وبعنوانه الثانوي معا ومن الحكم الثابت له هو الحكم الواقعي
والظاهري كذلك لا أقول إن ما شك في طهارته ونجاسته أو حليته وحرمته ليس بشئ من
الأشياء بل أقول إن الحكم بطهارته أو حليته لا يمكن أن يكون بلحاظ كونه مشكوكا فإنه
فرع ثبوت حكم له في نفسه حتى يلحظ كونه مشكوكا فيه ويحكم عليه بشئ وفي ظرف لحاظه
في نفسه الذي هو ظرف اثبات الحكم الواقعي له كيف يلحظ كونه مشكوك الحكم حتى يثبت له
الحكم الظاهري بل قد ذكرنا في بعض مباحث العموم والخصوص ان الحكم الثابت لأي عنوان
عام وإن كان يسري إلى كل فرد من افراده العرضية الا ان ثبوت الحكم له بتوسط ذاك
العنوان لا بما له من الخصوصية مثلا إذا ثبت وجوب اكرام العامل بنحو العموم فسراية الحكم إلى
العالم العادل مثلا لأجل كونه عالما لا لكونه عادلا ففي الحقيقة الحكم ثابت للجامع مع الغاء خصوصية
الافراد لا لكل خصوصية خصوصية فإذا كان الامر كذلك في العناوين العرضية ففي العنوان
الطولي بطريق أولي فغاية ما يقتضيه كون المشكوك شيئا هو ثبوت الحكم له بما هو شئ لا بما
374

هو مشكوك الذي هو موضوع الحكم الظاهري (ثم إنه) على تقدير الإغماض عن ذلك كيف
يمكن أن يكون قوله (ع) طاهر أو حلال متكفلا للحكم الظاهري والواقعي معا فإن الحكم الواقعي
لتأخر الحكم الظاهري عنه بمرتبتين لابد وأن يكون مفروض الوجود في ظرف ثبوت الحكم
الظاهري كيف يمكن انشاؤهما معا في زمان واحد ومع قطع النظر عن ذلك أيضا كيف يمكن
جعل العلم بالحرمة أو القذارة غاية للحكم الظاهري والواقعي مع أنه بنفس غاية للأول دون
الثاني وانما يحتاج جعله غاية له إلى عناية اخذه طريقا إلى وجود غاية الحكم الواقعي أو رافعه
كما سنبينه (وبالجملة) التنافي بين لحاظ الشئ مرسلا وغير ملحوظ فيه الشك الذي هو موضوع
الحكم الواقعي وبين لحاظه مقيدا وملحوظا فيه الشك الذي هو موضوع الحكم الظاهري في
القاعدة أو الاستصحاب في غاية الوضوح وعلى ذلك لابد من اختصاص الموضوع بأحدهما حتى
يكون الحكم الثابت له متمحضا في الواقعية أو الظاهرية ولا ريب ان ظاهر الصدر في نفسه
وإن كان هو لحاظ الشئ بعنوانه وكون الحكم الثابت له واقعيا الا ان ذيل الرواية وجعل
الغاية هو العلم يكون قرينة متصلة على الخلاف فان الحكم الواقعي يكون مغيى بأمر واقعي
من انقلاب الموضوع كما في انقلاب الخل خمرا أو حدوث أمر آخر موجب لارتفاع الحلية
والطهارة من ملاقاة نجاسة ونحوها فإن الحكم الواقعي انما يرتفع بوجود غايته أو رافعه والا فالعلم
بالنجاسة أو الحرمة لا يكون غاية للحكم الواقعي إلا أن يقال إن العلم في الرواية اخذ غاية بما انه
طريق إلى الواقع وتكون النجاسة أو الحرمة اللتان تعلق بهما العلم كناية عن وجود سببهما
فمعنى قوله (ع) كل شئ طاهر حتى تعلم أنه قذر بعد تخصيصه بغير الأعيان النجسة ان كل
شئ غير تلك الأعيان محكوم بالطهارة حتى يعرضه النجاسة بسبب ملاقاة النجاسة أو الغليان مثلا
وحينئذ يكون المراد من الطهارة أو الحلية هي الطهارة أو الحلية الواقعيتان ويكون الغاية لهما هو
حدوث ما يرفعهما ولا يخفى ان حمل الرواية على ذلك من مخالفة الظهور بمرتبة كاد ان يلحق
بالمستحيل وعلى ذلك فتتمحض الروايات في بيان الحكم الظاهري فقط من دون تعرض لها
لبيان الحكم الواقعي لا مستقلا ولا منضما إلى الحكم الظاهري وعلى ذلك يقع الكلام في أنه
هل يمكن إرادة القاعدة والاستصحاب منها معا كما اختاره صاحب الفصول (قده) أو لا وعلى
الثاني فهل الظاهر منها خصوص الاستصحاب أو خصوص القاعدة وعلى الثاني فهل هناك مانع
عن الشمول للشبهات الحكمية والموضوعية معا أو تختص القاعدة بواحدة منهما كما اختاره المحقق
375

القمي (قده) فهناك جهات ثلاثة (اما الجهة الأولى) فالتحقيق يقتضي عدم امكان إرادة القاعدة
والاستصحاب معا منها وذلك لان موضوع الحكم في القاعدة والاستصحاب وإن كان هو
المشكوك الا ان العناية في القاعدة إنما هو بلحاظ الثبوت لا البقاء فالمشكوك طهارته مثلا يحكم
عليه بالطهارة بما هو فهو حكم ابتدائي مجعول لموضوعه من دون لحاظ البقاء كالحكم الواقعي وإنما
استمراره باستمرار موضوعه وانقطاعه بانقطاعه فقوله عليه السلام حتى تعلم بناء على إرادة القاعدة
من الرواية لبيان تقوم موضوع القاعدة بعدمه وأن عدم العلم داخل في هويته وهذا بخلاف
التعبد الاستصحابي فإنه بلحاظ البقاء والاستمرار عند مفروغية الثبوت والعلم فيه غاية الاستمرار
فكم فرق بين الحكم بالاستمرار مع عدم التعرض لحال الثبوت بل جعله مفروغا عنه وبين
الحكم بالثبوت مع عدم التعرض للاستمرار أصلا والجمع بين هاتين العنايتين في قوله (ع)
كل شئ طاهر كالجمع بين الحكم الظاهري والواقعي في انشاء واحد في عدم الامكان وإن كان
دونه في الظهور (وتوهم) اختصاص الصدر بالقاعدة وكون الاستصحاب مستفادا من
الذيل الدال على الاستمرار فتكون الرواية دالة عليهما معا (غير ممكن) أيضا إذ مع فرض ان
الذيل وهو قوله عليه السلام حتى تعلم قيد لموضوع القاعدة وداخل في هويته كيف يمكن جعله
غاية لاستمرار الحكم الثابت له (نعم) لو كانت العبارة ان كل شئ مشكوك طاهر وهو مستمر إلى
زمان العلم بالنجاسة لأمكن استفادة الاستصحاب منها أيضا لكنه غير ما ورد في الرواية
(واما الجهة الثانية) فالظاهر عدم امكان حمل الروايات على الاستصحاب فإن قوله عليه
السلام حتى تعلم وإن كان ظاهرا في كونه غاية للاستمرار إلا أن ظهور الصدر في أنه في مقام
إثبات الحكم بالطهارة ابتداء للمشكوك لا انه في مقام الحكم باستمرار ما ثبت طهارته أقوى منه
فيكون ظهور الصدر صارفا عن ظهور كلمة حتى في الغائية إلى جعل الذيل مقوما للموضوع
وهذا ظاهر بأدنى تأمل (واما الجهة الثالثة) فالحق عدم اختصاص القاعدة بواحدة من
الشبهات الحكمية والموضوعية فإن عمدة ما افاده المحقق القمي (قده) في وجه الاختصاص
هو ان موضوع الحكم بالطهارة في الشبهات الموضوعية هي الافراد الخارجية واما في الشبهات
الحكمية فالموضوع فيها هي العناوين العامة كالحديد وغيره ولا يمكن أن يكون عموم قوله (ع)
كل شئ طاهر بلحاظ الافراد والعناوين معا فلابد من الاختصاص بأحدهما ويظهر جوابه
(قده) مما ذكرناه في بحث العام والخاص من أن العموم في اي دليل فرض كان متكفلا
376

للحكم الواقعي أو الظاهري إنما هو بلحاظ الافراد الخارجية لا العناوين فإنه يحتاج إلى عناية
زائدة فعموم قولنا أكرم كل عالم إنما هو بلحاظ افراده لا بلحاظ أنواعه من الفاسق والعادل
وغيرهما وعلى ذلك فكما ان العموم في الشبهات الموضوعية بلحاظ الافراد كما افاده (قده) فكذلك
الامر في الشبهات الحكمية غاية الأمر ان منشأ الشك (تارة) يكون هو الجهل بالحكم
المجعول الشرعي (واخرى) من جهة الأمور الخارجية وهذا لا يوجب اختلافا في ناحية العموم
(فتلخص) من جميع ما ذكرناه اختصاص الروايات بخصوص قاعدة الطهارة أو الحلية أعم من
الشبهات الحكمية والموضوعية نعم في شمول قوله (ع) كل شئ فيه حلال وحرام للشبهات
الحكمية اشكال تعرضنا له في مبحث البراءة فراجع * (ثم إن شيخنا العلامة الأنصاري (قده)) *
بعد ما منع من دلالة قوله (ع) كل شئ طاهر أو حلال على الاستصحاب وبنى على اختصاص
الروايتين بقاعدة الطهارة والحلية سلم دلالة قوله (ع) الماء كله طاهر حتى تعلم أنه نجس على
الاستصحاب وذلك لان الاشتباه في نجاسة الماء لا يكون إلا من جهة احتمال عروض
النجاسة غالبا لان طهارة الماء في حد ذاته مما هو مرتكز في الأذهان وهذا بخلاف الروايتين
السابقتين فإن الموضوع فيهما لكونه هو عنوان الشئ فاحتمال نجاسته لا يلازم العلم بالطهارة
سابقا كما هو ظاهر (ولا يخفى) ان هذه التفرقة وإن كانت في محلها إلا أن مجرد وجود حالة
سابقة للشئ خارجا وكونه مرتكزا في الأذهان لا يوجب حمل الرواية على الاستصحاب إذ
الحكم الاستصحابي يحتاج إلى عناية ملاحظة البقاء حتى يكون متعلق الحكم هو استمرار ما ثبت
وجوده وإلا فالحكم بنفس الطهارة في ظرف الشك ولو لأجل احتمال عروض النجاسة من
دون مراعاة الحالة السابقة بل لأجل نفس الشك لا يكون استصحابا كما هو واضح (ومنها)
رواية عبد الله بن سنان فيمن يعير ثوبه الذمي وهو يعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير
قال فهل علي أن اغسله قال (ع) لا لأنك أعرته إياه وهو طاهر ولا يخفى أن الرواية ظاهرة
في أن مدرك الحكم بعدم وجوب الغسل هو العلم بالطهارة سابقا والشك في عروضها لاحقا
ومع الغاء خصوصية المقام من كون مورد السؤال هو خصوص الثوب المعار وخصوصية
الطهارة التي تعلق بها اليقين والشك يستدل بها على حجية الاستصحاب مطلقا (هذا غاية ما يمكن)
ان يستدل به على حجية الاستصحاب ولا يخفى ان الأقوال في حجيته وإن كانت كثيرة إلا أنه
لا ينبغي التعرض لها ولما يرد عليها بعد عموم الأدلة وعدم اختصاصها بخصوصية وقد تعرضنا
377

سابقا للتفصيل الذي افاده في المقام شيخنا العلامة الأنصاري (قده) من عدم حجية الاستصحاب
فيما إذا كان مدرك الحكم المتيقن ثبوته هو العقل دون النقل (ولا بأس) بالتعرض للتفصيل الذي
افاده المحقق السبزواري (قده) عند الشك في الرافع (وحاصل) ما افاده هو ان الشك
في بقاء الحكم السابق اما ان يستند إلى احتمال وجود الرافع واما ان يستند إلى الشك في رافعية
الشئ الموجود المتحقق وعلى الأول يجري الاستصحاب لان رفع اليد عن اليقين السابق
انما هو لأجل الشك في تحقق الرافع وهو نقض لليقين به واما الشك في رافعية الموجود كالشك
في رافعية المذي للطهارة مثلا فهو لا يعقل أن يكون ناقضا لليقين السابق بداهة انه كان
موجودا قبل تحقق المذي ولم يكن موجبا لرفع اليد عن اليقين السابق فرفع اليد عنه
مستند إلى اليقين بتحقق ما هو مشكوك الرافعية وهذا ليس من نقض اليقين بالشك (ويرد عليه)
ان سبق الشك في الرافعية على اليقين بتحقق ما هو مشكوك الرافعية لا يكون سببا لاستناد
النقض إلى اليقين دون الشك بتوهم ان المعلول يستند إلى الجزء الأخير من العلة وذلك لان
اليقين بتحقق المذي مثلا يستحيل أن يكون ناقضا لليقين بالطهارة مع قطع النظر عن الشك في
رافعيته لعدم الربط بين متعلقي اليقينين كما هو ظاهر فرفع اليد عن اليقين السابق لا محالة يستند
إلى الشك المقارن مع القطع بتحقق المذي وهو الشك في رافعيته فيصدق على رفع اليد عن
اليقين السابق به انه نقض لليقين بالشك (والحاصل) الناقض لليقين السابق لابد وأن يكون
يقينا آخر متعلقا بضد الحكم السابق أو نقيضه وبالجملة اليقين بارتفاعه والا فلابد وأن يكون كل
يقين ناقضا لكل يقين وهو بديهي الفساد (فالحق) هو حجية الاستصحاب في تمام أقسام الشك
في الرافع وبعض أقسام الشك في الغاية الملحق به واما الشك في المقتضي وما يلحقه من
أقسام الشك في الغاية على ما بيناه سابقا فالتحقيق عدم حجيته فيه وفاقا لشيخنا العلامة الأنصاري
والمحقق الخونساري (قدس سرهما) وقد بينا المراد من احراز المقتضي الذي نعتبره في المقام فراجع
(فنقول) (وبالله الاستعانة) لا ريب ان المراد من النهي عن نقض اليقين بالشك ليس هو النهي
عن نقض صفة اليقين بما هي كذلك بصفة أخرى ضرورة انه خارج عن الاختيار وغير قابل
لتعلق التكليف به مع أن صفة اليقين منتقض في باب الاستصحاب بالشك لا محالة فكيف يكون
قابلا لتعلق النهي به كما أنه ليس المراد منه النهي عن عدم ترتيب آثار نفس صفة اليقين حال
الشك وذلك لان صفة اليقين لم يترتب عليها اثر في الشريعة حتى يحكم بترتيبه في ظرف الشك
378

وعلى فرض تحققه فمورد الاخبار آب عن حملها عليه وكذا لا ريب في أن المراد من النهي
ليس هو التكليف الالزامي التحريمي وذلك لجريان الاستصحاب في الاحكام الغير الالزامية
وفي الأحكام الوضعية فالمراد منه اثبات حكم شرعي بالجري العملي على طبق الحالة السابقة المتيقنة في
ظرف الشك نظير ما ذكرناه في بحث البيع من أن مفاد أوفوا بالعقود هو بنفسه لزوم العقد وعدم
انفساخه بالفسخ لا انه يفيد حكما الزاميا يترتب عليه اللزوم لا بمعنى ان يراد من اليقين المتيقن
كما يوهمه ظاهر كلام شيخنا العلامة الأنصاري (قده) حتى يقال إن استعمال لفظ اليقين في
المتيقن لو لم يكن من الأغلاط فلا محالة يكون من المجازات البعيدة ولابد في ذلك من
قرينة والمفروض انتفاؤها في المقام بل بمعنى ان اليقين بشئ حيث إنه يقتضي الجري العملي على
طبقه سواء كان موضوعا خارجيا أو حكما شرعيا كليا أو جزئيا تكليفيا أو وضعيا الزاميا أو غير
الزامي من جهة الابرام الملحوظ فيه في مقابل العلم الملحوظ فيه نفس الانكشاف فقط أو القطع
الملحوظ فيه عدم التردد الموجود في الشك والظن أسند إليه النقض الذي هو عبارة عن حل
الامر المبرم كالحبل ونحوه ولعله لذلك لا يسند النقض إلى صفة القطع أو العلم فلا يقال انتقض
العلم أو القطع وهذا بخلاف اليقين فإنه يصح اسناد النقض إليه بلا مؤنة (فما يتوهم) من كون
هذه الألفاظ مترادفة كتوهم الترادف في جملة أخرى من الألفاظ (ناش) عن عدم التدبر
في خصوصيات المعاني التي بها يختلف موارد الاستعمالات وبالجملة لا ريب في أن اليقين
انما أسند إليه النقض باعتبار اقتضائه للجري العملي على طبقه بما انه طريق إلى المتيقن لا بما هو
هو وانه صفة نفسانية في حد ذاتها وعليه لابد ان يحمل كلام شيخنا العلامة الأنصاري (قده)
وعلى ذلك فإن كان متعلق اليقين غير محدود في عمود الزمان بغاية فلا محالة يكون تعلق اليقين
به مقتضيا للجري العملي على طبقه على الاطلاق ولا موجب لرفع اليد عنه حينئذ الا الشك في الرافع
فيصدق عليه نقض اليقين بالشك بحسب الجري العملي واما إذا لم يكن كذلك بل احتمل كون
المتيقن مغيى بغاية فلا محالة يكون المقدار المتيقن هو ما قبل الغاية المحتمل غائيته وبالنسبة إلى
ما بعدها لا مقتضي للجري العملي من أول الأمر فعدم الجري بعدها ليس مستندا الا إلى قصور
المقتضي وانتقاض اليقين بنفسه بحيث لو فرضنا عدم الشك فعلا لم يكن هناك مقتض للجري
(والحاصل) ان اليقين بحكم إذا كان مرسلا في عمود الزمان ولم يحتمل كونه محدودا بزمان
فلا محالة يكون رفع اليد عنه في الزمان المتأخر مستندا إلى احتمال تحقق الرافع فيصدق عليه
379

انه من باب نقض اليقين بالشك واما إذا كان مهملا من حيث عمود الزمان لتردد متعلقه بين
أن يكون محدودا أو مرسلا فالزائد على المقدار المحدود لم يتعلق به يقين في زمان كي يكون
رفع اليد عنه نقضا لليقين بالشك فالاخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك لا تشمل موارد الشك
في المقتضي بهذا المعنى وتختص بموارد الشك في الرافع وقد أشرنا سابقا إلى أن المراجعة إلى الموارد
التي منع العلامة الأنصاري (قده) فيها من التمسك بالاستصحاب تورث اليقين بان مراده (قده)
ما ذكرنا وتنحل بذلك جملة من الاشكالات التي أوردت عليه (قده) في موارد تمسكه بالاستصحاب
من أنه من باب الشك في المقتضي (وحاصل ما ذكرناه) هو ان المراد من الشك في المقتضي هو
الشك في مقدار عمر المتيقن من حيث عمود الزمان الذي هو عبارة أخرى عن الشك في كونه
مرسلا أو مغيى بغاية وقد ذكرنا انه يلحق بذلك حكما ما لو علم كونه مغيى بغاية وشك في حصول
الغاية من جهة الشبهة المفهومية أو الحكمية لعدم صدق نقض اليقين بالشك على عدم الجري
العملي بعد حصول ما يحتمل غائيته فظهر مما ذكرناه ان ما نسب إلى بعض الأساطين قدس
الله اسرارهم من تصحيحه شمول الاخبار لموارد الشك في المقتضي بان المنع عن الشمول مبني
على أن يكون اسناد النقض إلى اليقين باعتبار المتيقن نظرا إلى ما يوهمه ظاهر عبارة العلامة
الأنصاري (قده) وهو ممنوع بل الظاهر أن الاسناد باعتبار ما في نفس اليقين من الابرام
والاستحكام فيشمل موارد الشك في المقتضي والشك في الرافع في عرض واحد لا يرجع إلى
محصل فإن اسناد النقض إلى اليقين وإن كان باعتبار نفسه لما فيه من الابرام المقتضي للجري
العملي الا ان صدق النقض فرع تحقق اليقين حتى يكون مقتضيا للجري العملي حتى يكون
رفع اليد عنه بالشك نقضا له وقد عرفت ان في موارد الشك في المقتضي لم يتعلق اليقين الا
بزمان محدود فكيف يكون رفع اليد عنه بعده من نقضه بالشك فما افاده (قده) من أن الاسناد
انما هو بلحاظ نفسه وإن كان صحيحا الا انه لا يترتب عليه التعميم الذي أراد اثباته كما
عرفته بما لا مزيد عليه (فإن قلت) سلمنا ان الأخبار المشتملة على لفظ النقض لا تشمل موارد
الشك في المقتضي ولكنه ما المانع من التمسك بغيرها الغير المشتمل عليه كروايتي محمد بن مسلم
وعبد الله بن سنان في تلك الموارد (قلت) اما رواية محمد بن مسلم فأحدى روايتيه وان لم تكن
مشتملة على لفظ النقض الا انها مشتملة على لفظ المضي وهو عبارة عن الجري على طبق اليقين
وقد عرفت ان الجري على طبق اليقين لا يكون الا في موارد الشك في الرافع واما رواية عبد
380

الله فهي واردة في قضية خاصة خارجية وليس فيها اطلاق حتى يتمسك به فغاية الامر التعدي
عن موردها إلى كل ما كان مشتركا معه في كون الشك في الرافع واما التعدي إلى موارد
الشك في المقتضي فيحتاج إلى دليل آخر مفقود على الفرض (ثم إنه) بعد تنقيح الحال في مفاد
الاخبار لا حاجة إلى بيان سائر الأقوال والنقض والابرام فيما ذكر لها من الاستدلال الا انه
لا بأس بصرف الكلام إلى تحقيق حال الأحكام الوضعية وانها مجعولة بالاستقلال أو بالتبع
أو غير قابلة للجعل أصلا أو ان فيها تفصيلا حتى يظهر الحال فيما ذكر في المقام من التفصيل بين
الأحكام التكليفية والوضعية (فنقول) ومن الله التوفيق ان تحقيق المقام يتوقف على تقديم
مقدمات (الأولى) انا قد بينا مرارا ان الأحكام الشرعية انما هي من قبيل المحمولات الكلية
المجعولة على موضوعاتها المقدر موجوداتها بنحو القضايا الحقيقية ولا ريب في صدور الجعل من
الشارع وان الاحكام مجعولات تشريعية ولا يهمنا التكلم في اثبات الإرادة التشريعية للمبدأ
تعالى أو للمبادئ النازلة بناء على عدمها في المبدأ الاعلى كما ذهب إليه المحقق صاحب الكفاية (قده)
ولا في أن إرادة المبدأ الاعلى جلت عظمته تكوينية كانت أو تشريعية هل هي بمعنى العلم
بالنظام الأصلح في الأولى وبالمصالح في الافعال في الثانية كما ذهب إليه جمهور الحكماء أم
لا فإن انكار الإرادة في المبدأ الاعلى وجعلها بمعنى العلم انما نشأ من تخيل أن ثبوت الإرادة
بمفهومها له تعالى يستلزم كونه محلا للحوادث والا فلم يقم برهان على ما صاروا إليه ولا على
ما التجأوا إليه من تأويل الأحاديث الواردة المصرحة باثبات الإرادة الحادثة له سبحانه
(والحاصل) ان الأحكام المجعولة في الشريعة انما هي مجعولة على طبق الإرادة التشريعية في
عالم الظاهر ولها مرتبة عليا في مرتبة اللوح المحفوظ والاخبار المأثورة عنهم صلوات الله عليهم
مصرحة بثبوت هذا الجعل وثبوت الإرادة التشريعية وبهذا الاعتبار يصح تقسيم الحكم إلى
تكليفي ووضعي والا فالعلم بالمصلحة ليس الا علما بالمصلحة فلا تكليف ولا وضع (الثانية)
ان الموجود اما أن يكون موجودا في العين أو في عالم الاعتبار وعلى كل منهما فاما أن يكون
من الموجودات المتأصلة أو الانتزاعية فتكون الأقسام أربعة (الأول) الموجود المتأصل في العين
كالجواهر والاعراض القائم بها التي بازائها شئ في الخارج وبهذا الاعتبار يطلق عليها المقولة حيث إنها
تحمل على شئ في الخارج (الثاني) الموجود الانتزاعي في العين ونعني به ما لا يكون
بازائه شئ في الخارج وانما يكون الوجود لمنشأ انتزاعه من دون فرق بين أن يكون الانتزاع
381

من مقام الذات كالعلية ونحوها أو من قيام عرض بموضوعه كالفوقية والتحتية والقبلية والبعدية
أو غير ذلك (الثالث) الموجود المتأصل في عالم الاعتبار كالوجوب والحرمة والملكية والزوجية
وغيرها من الأمور الاعتبارية والفرق بينه وبين القسم الثاني أن هذا القسم موجود بنفسه
وبإزائه شئ يقال عليه حقيقة غاية الأمر أن وعاء وجوده هو عالم الاعتبار دون الخارج وهذا
بخلاف القسم الثاني فإن وعاء وجوده هو الخارج دون الاعتبار الا أن نحو وجوده بنحو
الانتزاع دون التأصل فكم فرق بين كون الشئ موجودا متأصلا في عالم الاعتبار وكونه
موجودا في الخارج غير متأصل (الرابع) الموجود الانتزاعي في عالم الاعتبار كالسببية للملكية
ونحوها فإن ماله وجود متأصل في عالم الاعتبار انما هو نفس الملكية واما سببية شئ لها فلا
وجود لها بنفسها الا بنحو الانتزاع كالعلية المنتزعة من الموجودات الخارجية فتحصل ان
الأحكام الشرعية من قبيل الموجودات الاعتبارية المتأصلة أو الانتزاعية وما
(ربما) يقال من أن الطهارة والنجاسة امران واقعيان قد كشف عنهما الشارع لم نعرف
له محصلا فان أريد منه ان حكم الشارع بنجاسة شئ أو طهارته اخبار عن الواقع فهو خلاف
ظواهر أدلتهما وان أريد منه كونهما أمرين عرفيين المعبر عنهما بالنظافة والقذارة وقد أمضاهما
الشارع فالملكية والزوجية وغيرهما من الاعتبارات العرفية أيضا كذلك وان أريد ان اعتبارهما
لأجل ما في موضوعيهما من الخصوصية الموجبة للاعتبار فكل حكم شرعي من هذا القبيل
إذ لا يمكن جعل الحكم الا مع وجود الملاك في متعلقه لا محالة (وبالجملة) لا خصوصية
لخصوص النجاسة والطهارة من بين بقية الاحكام أصلا (الثالثة) ان المجعولات الشرعية تنقسم
إلى احكام تكليفية ووضعية وماهيات اختراعية ولا وجه لارجاع الثالث إلى الثاني فإنه تعسف
لا موجب للمصير إليه كما لا وجه للالتزام بان الوضعيات كلها انتزاعية من احكام تكليفية في
مواردها كما ذهب إليه العلامة الأنصاري (قده) ضرورة ان منها ما يقبل لتعلق الجعل
والاعتبار بنفسه كالملكية والزوجية ونحوهما فكما ان الوجوب والحرمة امران جعليان يوجدان
بجعل الشارع فكذلك الملكية والزوجية ونحوهما والالتزام بكونها منتزعة من حكم تكليفي مطلقا
شعر بلا ضرورة بعد قابلية أنفسها للجعل والاعتبار هذا مع أن اي حكم تكليفي فرض يكون
مشتركا بين موارد الحكم الوضعي وغيرها فكيف يمكن انتزاعه منه وفرض انتزاعه من
مجموع احكام تكليفية تكلف في تكلف مع أن تصور حكم تكليفي يصلح لانتزاع بعض
382

الأحكام الوضعية منه كالحجية والطريقية ربما يلحق بالمستحيل فإن كل حكم تكليفي لا محالة
يكون ساقطا في فرض العصيان مع أن الحجية لا تكاد تسقط به وقد ذكرنا بعض ما ينفع
في المقام في بحث جعل الطرق فراجع (وبالجملة) الحكم الوضعي لا يغاير التكليفي في استقلاله
بالجعل نعم بينهما فرق من جهة وهي ان الأحكام التكليفية تكون مجعولات استقلالية دائما
وهذا بخلاف الوضعيات فإنها مجعولات عرفية وجعلها في الشريعة من جهة الامضاء ولم نعثر
على حكم وضعي مجعول ابتدائي إلا أن ذلك أجنبي عما نحن فيه من كونها مجعولات استقلالية
أو انتزاعية (ثم إنه قد ظهر) مما ذكرنا من أن الأحكام المجعولة في الشريعة لابد وأن تكون
من قبيل القضايا الحقيقية المجعولة على موضوعاتها المقدرة وجوداتها أن الماهيات الجعلية لا تكون
من الأحكام الوضعية كما أنه ليس منه اعطاء الولاية والقضاوة لشخص خاص في زمان
الحضور إذ الجعل فيه ليس بنحو القضية الحقيقية كما هو ظاهر فيكون الحكم الوضعي عبارة عن
كل مجعول تشريعي بنحو القضية الحقيقية غير الأحكام الخمسة التكليفية فتوهم اختصاصها
بخصوص الجزئية والشرطية والمانعية أو بإضافة بعض اخر إليها بلا موجب (ثم إن ما ذكرناه) من
كون الأحكام الوضعية كلها امضائية غير تأسيسية إنما هو بالقياس إلى أنفسها وأما بالقياس إلى
موضوعاتها فقد تكون تأسيسية وقد تكون امضائية مثلا اعتبار الملكية بنفسه أمر امضائي ولكن
اعتبار الفقير أو السيد موضوعا لها فهو تأسيسي لا امضائي إذ ليس من هذا الاعتبار عند العقلاء
عين ولا اثر وهذا بخلاف الملكية في مورد البيع فان اعتبار البيع موضوعا للملكية كاعتبار نفس
الملكية امضائي لا تأسيسي غاية الأمر تصرف الشارع فيه بإضافة قيد وجودي أو عدمي وهذا
لا ينافي كون الاعتبار امضائيا كما هو ظاهر (الرابع) انا قد ذكرنا مرارا ان الحكم المجعول
على نحو القضية الحقيقية يستحيل فعليته عند عدم فعلية موضوعه بتمام ما له من القيود المعتبرة فيه
كما أنه يستحيل عدم فعليته مع وجود موضوعه كذلك وإلا لزم الخلف وكون ما فرض كونه
موضوعا للحكم غير موضوع له في الفرضين وهذا ظاهر لا سترة فيه وعلى ذلك بنينا رجوع كل
موضوع إلى الشرط وكل شرط إلى الموضوع الا انهم اصطلحوا على التعبير عن القيود المأخوذة
في الأحكام التكليفية بالشرائط وعن القيود المأخوذة في باب الأحكام الوضعية بالأسباب
فتراهم يعبرون عن الزوال بأنه شرط الوجوب وعن البيع بأنه سبب الملك وإلا فالبيع كالزوال
ليس إلا موضوعا للحكم المجعول بنحو القضية الحقيقية فالسبب للحكم الشرعي هو عين موضوعه
383

وشرطه وقد ذكرنا في بحث الشرط المتأخر ان الشرط المبحوث عنه إنما هو شرط المجعول
أعني به القيد المأخوذ فيه واما شرائط الجعل أعني بها الأمور الداعية إلى جعل الحكم على
موضوعه فهي أجنبية عن محل البحث ولا بد من مقارنتها مع الجعل حتى تكون مؤثرة فيه
وخفاء ذلك على المحقق صاحب الكفاية (قده) أوجب ارجاعه شرائط الحكم إلى الالتزام
بشرطية اللحاظ وقوله بجواز الشرط المتأخر وقد ذكرنا توضيح ذلك في محله فراجع (إذا
عرفت) ذلك فنقول ان من الأحكام الوضعية ما يكون مستقلا في الجعل والاعتبار كالملكية
والزوجية وقد عرفت حديث انتزاعهما من الأحكام التكليفية الثابتة في مواردهما (ومنها) ما
يكون منتزعا من مجعول استقلالي اعتباري كالسببية والشرطية والمانعية والجزئية اما الشرطية
والمانعية والجزئية فكونها منتزعة من تكليف أو وضع متعلق بما هو مركب من أمور ومقيد
بقيد وجودي أو عدمي في غاية الوضوح فإذا أمر الشارع بالمركب فلا محالة ينتزع من كل
جزء من اجزائه انه جزء المأمور به كما أنه إذا أمر بالمقيد فتنتزع الشرطية من كل ما
اعتبر وجوده والمانعية من كل ما اعتبر عدمه وهكذا الامر في الوضعيات فان اعتبار الملكية
عند تحقق العقد المركب من الايجاب والقبول يوجب اتصاف كل من القبول والايجاب
بأنه جزء المملك كما أن تقيده بوجود شئ كماضوية العقد مثلا أو بعدمه كالاكراه يوجب اتصاف
الأول بالشرطية والثاني بالمانعية (وبالجملة) الأحكام الشرعية وضعية كانت أو تكليفية متحدة
ملاكا مع غيرها في أن الجزئية والشرطية والمانعية تنتزع من نحو تعلقها بمتعلقاتها فما لم يؤخذ شئ
في المأمور به مثلا بنحو يستحيل اتصافه بشئ منها ومع اخذه فلا مناص عنه فتكون هي أمورا
انتزاعية غير مستقلة في الجعل بالضرورة واما السببية فالتحقيق انها منتزعة عن الحكم التكليفي
أو الوضعي المستقل في الجعل أيضا أو انها غير قابلة للجعل أصلا (بيان ذلك) ان السببية قد تلاحظ
بالنسبة إلى المجعول التشريعي أعني به الحكم المجعول على موضوعه المقدر وجوده سواء كان
تكليفيا أو وضعيا مثلا إذا حكم الشارع بوجوب الصلاة عند الدلوك أو بالملكية عند تحقق
الايجاب والقبول فيتصف كل من الدلوك أو العقد انه سبب للوجوب أو الملكية وقد تلاحظ
بالنسبة إلى نفس الجعل فان جعل الوجوب أو الملكية على شئ مسبب عن سبب لا محالة فيتكلم
في أن سببية ذلك السبب للجعل هل هي مجعولة أم لا اما السببية بالقياس إلى الحكم المجعول
فهي بمعناها الحقيقي مستحيلة فإنه لو ترشح الوجوب الشرعي مثلا عن أمر تكويني لانقلب
384

المجعول التشريعي تكوينيا وهو خلف محال ولو سلمنا امكانها وقابلية ترشح الحكم الشرعي من
موجود تكويني فهي لا محالة تكون من لوازم ذات السبب فإن علية العلة من لوازم ذاتها
وغير قابلة لتعلق الجعل بها لا تكوينا ولا تشريعا نعم ذات العلة قابلة للجعل التكويني واما
وصف عليته فغير قابل لتعلق الجعل به أصلا واما بمعناها المسامحي أعني به مجرد ترتب الحكم
على موضوعه خارجا فقد عرفت ان السببية بهذا المعنى عين الشرطية والموضوعية للحكم والاختلاف
في التعبير وعليه تكون السببية منتزعة من جعل الحكم على موضوعه كالشرطية بعينها فمتى
جعل الوجوب على تقدير الدلوك خارجا أو الملكية على تقدير تحقق العقد فلا محالة ينتزع الشرطية
والموضوعية والسببية من الدلوك أو العقد للوجوب أو الملكية وقد ذكرنا سابقا ان القوم اصطلحوا
على التعبير عن موضوعات التكاليف بالشرائط وعن موضوعات الوضعيات بالأسباب والا
فلا فرق بينهما أصلا وحيث انه خفي ذلك على المحقق صاحب الكفاية (قده) فتخيل ان اطلاق
السبب على الدلوك بمعناه الحقيقي التزم بكون السببية له غير قابلة للجعل التشريعي لا استقلالا
ولا تبعا وأنت بعد ما أحطت خبرا بما ذكرناه تعرف ان السببية للدلوك مثلا تكون منتزعة من
جعل الحكم على تقدير الدلوك لا محالة (هذا كله) في السببية بالقياس إلى الحكم المجعول واما
السببية بالقياس إلى جعل الحكم على موضوعه المقدر وجوده فهي غير قابلة للجعل أصلا وليست
من الأحكام الوضعية (توضيح ذلك) ان جعل الحكم على موضوع مقدر الوجود حيث إنه فعل
اختياري للجاعل فلا محالة يكون صادرا عنه بالاختيار كبقية أفعاله الاختيارية والفعل الاختياري
لابد فيه من داع مقتض له وذلك الداعي انما يكون مقتضيا لوجوده بوجوده اللحاظي ومترتبا
عليه بوجوده الخارجي ومن الضروري ان ما هو تحت اختيار الجاعل هو نفس فعله وجعله واما
الأمور السابقة عليه فكلها أمور تكوينية غير مجعولة واقتضاؤها للجعل والاختيار من لوازم ذاتها
الغير المنفكة عنها فلا يكون قابلا لتعلق الجعل التشريعي أو التكويني به أصلا فكم من فرق بين شرائط
الجعل أعني بها ما يقتضي جعل الحكم على موضوعه وبين شرائط المجعول أعني بها القيود المأخوذة
في موضوع التكليف فما هو قابل للجعل ومنتزع من التكليف أو الوضع هي الشرطية المتصفة
بها شرائط المجعول وما هو من الأمور الواقعية التكوينية هي الشرطية المتصفة بها شرائط الجعل
وقد أشرنا إلى أن خفاء ذلك على المحقق صاحب الكفاية (قده) أوقعه في الخلط بينهما في
كثير من الموارد (فتحصل) مما ذكرناه ان السببية كالشرطية في أنهما إذا قيستا إلى الحكم
385

المجعول فهما من الأمور الانتزاعية من التكليف أو الوضع وإذا قيستا إلى نفس الجعل فهما
من الأمور الواقعية اللازمة لذات ما هو سبب أو شرط وحيث إن الكلام في المقام
في شرائط المجعول دون الجعل صح ان يقال إن الأحكام الوضعية اما أن تكون مجعولة
بنفسها أو منتزعة من المجعول كذلك * (بقي الكلام) * في أن الطهارة والنجاسة والصحة والفساد
والرخصة والعزيمة هل هي من احكام الوضعية أو لا (فنقول) اما الطهارة والنجاسة فقد
اختار العلامة الأنصاري (قده) كونهما من الأمور الواقعية التي كشف عنها الشارع وقد عرفت
في المقدمة الثالثة عدم استقامة ذلك وان حالهما حال الملكية والزوجية ونحوهما مما هي مستقلة
في الجعل واما الصحة والفساد ففي كونهما من الأحكام الوضعية أقوال (ثالثها) التفصيل بين
العبادات أو المعاملات (ورابعها) التفصيل بين الصحة الواقعية والظاهرية فيلتزم بالمجعولية في
الثانية دون الأولى والحق هو القول الرابع (بيان ذلك) ان الحكم الكلي المجعول على موضوعه
المقدر وجوده وضعيا كان أو تكليفيا يستحيل كونه منشأ لاتصاف متعلقه أو موضوعه
بالصحة
أو الفساد مع قطع النظر عن الوجود الخارجي فالمتصف بالصحة أو الفساد هو الموجود الخارجي
كالصلاة أو العقد مثلا باعتبار انطباق موضوع الحكم أو متعلقه عليه وعدم انطباقه وحيث إن الانطباق
وعدمه واقعا ليسا من الأمور الجعلية بل من الأمور الواقعية التكوينية لا محالة لا يكون الصحة والفساد
مجعولين تشريعا (وتوهم) ان الصحة انما تنتزع من ترتب الأثر على موضوعه وترتب الأثر في المعاملات
جعلي فيكون الصحة كالفساد مجعولة شرعا (مدفوع) بان جعل الأثر على كلي المعاملة وإن كان بيد
الشارع الا ان الصحة لا تنتزع من الجعل الكلي بل من الانطباق الخارجي وقد عرفت ان الانطباق
أمر تكويني لا تشريعي ومن هنا يعلم أن الصحة في موارد الأوامر الواقعية الثانوية غير قابلة
للجعل التشريعي أيضا فانا قد ذكرنا في بحث الاجزاء ان الامر بغير المقيد مع بقاء قيديته واقعا
غير معقول فلا محالة يكشف الامر بالفاقد عن سقوط القيدية في هذا الحال فيكون انطباق
المأتي به على المأمور به قهريا ومن الأمور التكوينية فالصحة لا تكون مجعولة ابدا هذا كله في
موارد الأحكام الواقعية واما في موارد الاحكام الظاهرية فحيث انه يصح للشارع الحكم
بانطباق المأمور به الواقعي على المأتي به خارجا بمقتضى أصل أو امارة وبعبارة أخرى اعتباره
للموجود الخارجي مصداقا له في هذا الحال لا محالة يكون الصحة كعدمها قابلة لتعلق الجعل
الشرعي بها فيكونان من الأحكام المجعولة وقد ذكرنا شطرا من الكلام في ذلك في بحث النهي
386

عن العبادة فراجع واما الرخصة والعزيمة فالظاهر كونهما من الأحكام التكليفية كما لا يخفى
وجهه على المتأمل وينبغي التنبيه على أمور (الأول) انه يعتبر في جريان الاستصحاب فعلية الشك
فلا يجري في فرض الغفلة ولو كان المكلف على نحو لو التفت إلى الحالة السابقة لشك في بقائها
وقد تعرضنا لذلك سابقا فلا نعيد (الثاني) لا فرق في جريان الاستصحاب بين أن يكون
الحكم الثابت قبل الشك ثابتا بالعلم الوجداني أو بالامارة المعتبرة والطرق الغير العلمية وذلك
لما ذكرناه في محله من أن المجعول في باب الطرق والامارات ليس الا صفة المحرزية والوسطية
في الاثبات فكما يكون العلم الوجداني محرزا للواقع وجدانا فكذلك يكون الطرق والامارات
أيضا بالحكم الشرعي وبعبارة أخرى معنى جعل حجية الطرق ليس الا إفاضة العلم تشريعا
وجعل ما ليس بمحرز محرزا وقد ذكرنا هناك انه بذلك يقوم الامارات مقام القطع الطريقي
والمأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية لان آثار الواقع انما تترتب عند قيام الامارة لكون
الواقع محرزا بالامارة فآثار نفس الاحراز أحق ان تترتب لكون الامارة احرازا وحيث إن
اليقين في اخبار الاستصحاب اخذ موضوعا لحرمة النقض بما انه طريق إلى الواقع ومقتض للجري
العملي لا محالة يقوم مقامه الطرق والامارات في ذلك (وتوهم) لزوم الجمع بين اللحاظين
من قيام الامارات مقام القطع الطريقي والمأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية (قد تعرضنا لدفعه)
في محله كما أنه قد بينا هناك ان (توهم) ان المجعول في باب الامارات والطرق ليس الا صفة
المنجزية والمعذرية مع بقاء الواقع على ما هو عليه من المجهولية (فاسد) من أصله فإن صفتي
التنجز والمعذرية من اللوازم العقلية لوصول التكليف وعدمه وليستا بقابلتين لتعلق الجعل بهما
بأنفسهما بل الجعل انما يتعلق بصفة المحرزية فيكون الحكم منجزا على تقدير وجوده ويكون المكلف
معذورا عند مخالفته وخطأه لا محالة (والحاصل) ان منشأ الاشكال في جريان الاستصحاب
في موارد الطرق والامارات انما هو توهم عدم امكان قيام الامارات بدليل حجيتها مقام
القطع المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية وبعد اثبات تكفل دليل الحجية لقيامها مقامه يرتفع
الاشكال من أصله الا على توهم كون اليقين مأخوذا في اخبار الاستصحاب على جهة الصفتية
وهو من البطلان بمكان لا يحتاج إلى البيان هذا كله بالقياس إلى جريان الاستصحاب
في موارد الطرق والامارات واما بالقياس إلى موارد الأصول ففي جريان الأصول فيها وعدمه
تفصيل إذ الحكم الثابت في موارد الأصول إذا شك في بقائه ولم يكن دليل ذلك الأصل متكفلا
387

لبقائه فيجري فيه الاستصحاب لوجود أركانه واما إذا كان دليل ذلك الأصل متكفلا للبقاء كالحدوث
فلا مجال لجريان الاستصحاب أصلا وذلك كالحكم الثابت في موارد الاستصحاب أو قاعدتي
الحل والطهارة فإذا كان الشئ محكوما باستصحاب الطهارة ثم شك في عروض النجاسة له
فلا مجال لاستصحاب الطهارة الثابتة بالاستصحاب وذلك لأن الشك في عروض النجاسة فعلا
ليس الا عبارة عن الشك في بقاء الطهارة الواقعية الثابتة قبل الشك الأول ودليل الاستصحاب
الملغى للشك في عروض النجاسة يقتضي بقاء الطهارة الواقعية إلى هذا الحال فليس هناك يقين
وشك غير اليقين والشك المتعلقين بالواقع حدوثا وبقاء فليس هناك الا استصحاب واحد
حدوثا وبقاء غاية الأمر ان منشأ الشك في الآن الأول أمر واحد وفي الآن الثاني امران
وبعبارة واضحة دليل الاستصحاب في أن الشك في عروض النجاسة أولا اقتضى الجري العملي
على طبق الطهارة إلى زمان اليقين بالنجاسة كما هو مقتضى قوله (ع) ولكن تنقضه بيقين
آخر فما لم يعلم نجاسته محكوم بالجري العملي على طبق الطهارة بنفس الاستصحاب الأول
فلا مجال لتوهم جريان استصحاب آخر غيره ومنه يعلم الحال في قاعدتي الطهارة والحلية فإن
المشكوك طهارته أو حليته محكوم بالطهارة والحلية شرعا ما لم يعلم نجاسته أو حرمته فنفس الدليل
الدال على الحلية والطهارة في الآن الأول دال على بقائهما أيضا إلى زمان العلم بارتفاعهما
فليس هناك شك في بقاء الحكم الظاهري حتى يجري الاستصحاب فيه بل شك واحد متعلق
بالطهارة أو الحلية الواقعيتين وقد حكم في مورده بالطهارة أو الحلية ما لم يعلم ارتفاعهما (وتوهم)
ان الاستصحاب لحكومته على قاعدتي الطهارة والحلية يكون مانعا عن جريانهما ويكون الحكم
بالطهارة بعد عروض ما يحتمل رافعيته لهما في الآن الثاني مستندا إلى الاستصحاب دون القاعدتين
(مدفوع) بان حكومة الاستصحاب على القاعدتين فرع تحقق أركانه وجريانه والكلام فعلا في
ذلك ولا يعقل أن يكون حكومته عليهما موجبة له كما هو واضح فتلخص ان المانع من جريان
الاستصحاب في موارد الأصول ليس هو عدم وجود اليقين السابق المعتبر فيه ولذا لا مانع
من جريانه في كل مورد لم يكن دليل الأصل متكفلا للبقاء بل كان متمحضا في الحدوث
ولذا لو حكمنا بطهارة شئ متنجس مغسول بالماء اما بقاعدة الصحة أو بقاعدة الفراغ ثم شك في
عروض النجاسة له فلا مانع من التمسك بالاستصحاب لما ذكرناه سابقا من أن اليقين في باب
الاستصحاب انما اخذ في الموضوع من حيث إنه مقتض للجري العملي فلا مانع من قيام الأصول
388

فضلا عن الامارات مقامه الا ان ذلك مشروط بوجود اليقين والشك في نفس هذا الحكم
الظاهري ففي الموارد التي يكون دليل الأصل متكفلا لحال البقاء كالحدوث لا مجال للتمسك
بالاستصحاب في الآن الثاني أصلا * (ثم إن المحقق صاحب الكفاية (قده)) * حيث منع
من قيام الامارات والأصول مقام القطع المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية بدليل حجيتها
زعما منه ان تنزيل الامارة مثلا منزلة القطع الطريقي والمأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية
بدليل واحد مستلزم لتعدد اللحاظ حيث إن تنزيلها منزلة القطع الطريقي يستلزم لحاظ المؤدي
والواقع استقلالا المستلزم للحاظهما آليا كما أن تنزيلها منزلة القطع الموضوعي يستلزم لحاظهما
استقلالا وبنفسيهما فيلزم من التنزيلين بدليل واحد الجمع بين اللحاظين في آن واحد وحيث
التزم في باب حجية الطرق بان المجعول في باب الامارات وجملة من الأصول هي صفة
المنجزية والمعذرية من دون كون الامارة أو الأصل محرزا للواقع (فقد وقع) في اشكال
جريان الاستصحاب في موارد الامارات والأصول لعدم اليقين فيها بالواقع المعتبر في جريانه
بل ولا شك فإنه على تقدير لم يثبت وحيث إن جريانه في تلك الموارد كان ضروريا فقد
تمحل لذلك تمحلا لطيفا (وحاصل ما ذكره) هو ان دليل الاستصحاب لا يتكفل الا لحكم
البقاء دون الحدوث فهو انما يثبت الملازمة بين الحدوث والبقاء ولذا
لو لم يكن الحدوث موضوعا لحكم شرعي ولكنه كان البقاء موضوعا له فلا محالة
يجري الاستصحاب فيستكشف من ذلك أنه لا نظر لدليل الاستصحاب الا لحال البقاء باثبات
الملازمة بينه وبين الثبوت ومن الضروري ان ثبوت الملازمة لا يتفرع على ثبوت طرفيها فكما
ان دليل الامارة يوجب ترتيب آثار الواقع وتنجزها بقيامها من دون ثبوت الواقع واحرازه
فكذلك دليل الاستصحاب المثبت للملازمة يوجب ترتيب تلك الآثار وتنجزها في ظرف البقاء
وان لم يكن الواقع محرزا في ظرف الثبوت (والحاصل) ان دليل الاستصحاب يشترك
مع الامارة السابقة في أنه ينجز الواقع على تقدير الثبوت غاية الأمر ان الامارة تنجزه حدوثا
والاستصحاب ينجزه بقاء (هذا ملخص ما افاده) (قده) في المقام (وقد ظهر لك) مما بيناه
في المقام وفي باب حجية الطرق ان المجعول في باب الامارات والأصول ليس هي صفتي المنجزية
والمعذرية لاستحالة تعلق الجعل بهما بأنفسهما لأنهما من اللوازم العقلية لوصول التكليف
وعدمه بل المجعول انما هي صفة المحرزية والوسطية في الاثبات وبذلك يصح قيامها مقام
389

القطع الطريقي والمأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية من دن تكفل الدليل للتنزيل حتى
يلزم الجمع بين اللحاظين وعلى ذلك لا يتوجه اشكال على جريان الاستصحاب في تلك الموارد
حتى يحتاج إلى هذا التمحل والتكلف (هذا مضافا) إلى أنه يرد على ما افاده (أولا) ان
دليل الاستصحاب لو كان متكفلا لاثبات البقاء على تقدير الحدوث فبماذا يكون الاستصحاب
من الاحكام الظاهرية بل هو على ذلك حكم واقعي معلق على ثبوت موضوعه نظير بقية الأحكام الواقعية
الثابتة على تقدير وجود موضوعاتها ولذا أشكلنا سابقا على شيخنا العلامة الأنصاري
(قده) حيث عرفه بابقاء ما كان بان لازمه كون الاستصحاب من الأحكام الواقعية (والحاصل)
أنه لو لم يؤخذ الشك في البقاء في موضوع الاستصحاب لما كان حكما ظاهريا ومع اخذه لابد
من احراز الحدوث حتى يتحقق الشك المذكور والمفروض على ما افاده عدم احرازه فلا يجري
الاستصحاب (وثانيا) ان دليل الاستصحاب اخذ في موضوعه اليقين بالحدوث ولو على نحو
الطريقية فإلغائه عن موضوعه وجعل الملازمة بين نفس الواقع حدوثا وبقاء خلاف ما هو ظاهر
فيه (وبالجملة) ان ما افاده (قده) لا ينطبق على أدلة الاستصحاب في مقام الثبوت والاثبات
(فالحق في المقام) هو ما ذكرناه من كون المجعول في باب الطرق والأصول هي صفة
المحرزية والوسطية في الاثبات وصحة قيامها مقام القطع المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية
* (ثم أنه (قده) نسب إلى المشهور) * في هامش الكفاية ذهابهم إلى جعل أحكام ظاهرية في
موارد الامارات والأصول واستظهر ذلك من قولهم إن ظنية الطريق لا تنافي قطعية الحكم
وجعل الالتزام بذلك الراجع إلى السببية موجبا لاندفاع الاشكال المتوهم في المقام (ولا يخفى)
أن القول بالسببية وإن كان موجبا لرفع الاشكال من أصله إلا أن المشهور لم يلتزموا بذلك
وقد ذكرنا في بحث الاجزاء أن القول بذلك مستلزم للتصويب المجمع على بطلانه وقد بينا في
بحث الطرق أن الحكم الظاهري ليس إلا الحكم بثبوت الواقع في ظرف الشك لا انه حكم آخر
في قباله حتى يكون هو متيقن الثبوت دونه وكيف كان ففيما ذكرناه في مقام دفع الاشكال
غنى وكفاية من دون احتياج إلى تمحلات وتكلفات اخر
* (التنبيه الثالث) * ان المستصحب إما أن يكون فردا خارجيا أو كليا جامعا بين فردين
أو افراد متفقة الحقيقة أو مختلفتها سواء كان ذلك الكلي من الكليات الذاتية أو العرضية وعلى
تقدير كون المستصحب فردا خارجيا فاما أن يكون فردا معينا شخصيا أو فردا مرددا بين فردين
390

أو افراد وسيظهر لك الفرق بين هذا القسم وبين استصحاب الكلي إن شاء الله تعالى (ثم إن
استصحاب الكلي) على القول بوجود الكلي الطبيعي في الخارج كما هو المختار عندنا على
ما بيناه في بحث تعلق الأوامر بالطبائع أو الافراد (في غاية الوضوح) (واما بناء) على عدم
وجوده في الخارج وكونه منتزعا عن افراده (فربما يقع الاشكال) في جريان الاستصحاب
فيه نظرا إلى اعتبار اليقين والشك في جريانه والكلي بعد البناء على كونه انتزاعيا لا يكون متعلق
اليقين والشك بل المتعلق لهما هو الفرد الخارجي ليس الا فينحصر جريان الاستصحاب بالفرد
فقط (ولكنك خبير) بان المعتبر في جريان الاستصحاب هو صدق نقض اليقين بالشك عرفا
والنزاع في وجود الكلي الطبيعي وعدمه عقلي فلو فرضنا عدم وجود الكلي الطبيعي في الخارج
بالنظر الدقيق العقلي لكنه موجود فيه بالنظر المسامحي العرفي المصحح لصدق نقض اليقين
بالشك عرفا وهذا المقدار يكفي في جريان الاستصحاب قطعا (وأما ما ربما يقال) من أن
الموجود في الخارج حتى على القول بوجود الكلي الطبيعي هي الحصة اي الطبيعة المقيدة بقيود
خارجية واما نفس الكلي فهو غير موجود فيه فلا يجري فيه الاستصحاب (ففي غاية السقوط)
إذ معروض التشخيصات الخارجية والوجود هو نفس الطبيعة الكلية وهي ما لم تتشخص لم توجد
كما انها ما لم توجد لم تتشخص وعنوان الحصة انما ينتزع بعد التشخص والتقيد الذي هو في
مرتبة الوجود والفرق بين الطبيعة والحصة انما هو لحاظ الشئ بما هو موجود أو بما هو معروض
الوجود وإلا فلا معنى لكون الموجود هي الحصة دون الطبيعة فظهر ان جريان الاستصحاب في
الكلي في الجملة مما لا ينبغي الارتياب فيه واما تفصيل الحال فهو ان الشك في بقاء الكلي
اما أن يكون ناشئا من الشك في بقاء الفرد المعين المعلوم تحققه واما أن يكون ناشئا من تردد
الفرد الحادث بين ما يكون مقطوع الارتفاع وبين ما هو مقطوع البقاء واما أن يكون ناشئا
من احتمال قيام فرد آخر مقام الفرد المتيقن ارتفاعه فهذه أقسام ثلاثة (اما القسم الأول)
فلا ينبغي الارتياب في جريان الاستصحاب فيه فإن وجود الفرد الخارجي المعين كما أنه
كان متيقنا سابقا ومشكوكا فيه لاحقا فكذلك وجود الكلي الموجود في ضمنه فإذا كان
كل منهما موضوعا لحكم شرعي فكما يجري الاستصحاب في الفرد لترتيب اثره فكذلك
يجري في الكلي أيضا مثلا إذا كان المكلف محدثا بالحدث الأكبر وشك في بقائه وارتفاعه فكما
يجوز استصحاب بقاء ذلك الحدث لترتيب عدم جواز المكث في المساجد عليه فكذلك يجوز
391

استصحاب بقاء كلي الحدث لترتيب عدم جواز مس كتابة المصحف والميزان في جريان
الاستصحاب هو كون الشئ متعلقا لليقين والشك وكونه بنفسه حكما شرعيا أو موضوعا لحكم
شرعي وهذا لا يفرق فيه بين استصحاب الكلي واستصحاب فرده (واما القسم الثاني) فربما
يشكل في جريان الاستصحاب فيه (تارة) من جهة ان أمر الكلي دائر بين أن يكون موجودا
في ضمن الفرد الطويل أو القصير والمفروض ان الفرد القصير متيقن الارتفاع والفرد الطويل
مشكوك الحدوث فلا يكون هناك ما يحتمل بقائه مع اليقين بحدوثه الذي هو معتبر في جريان
الاستصحاب (واخرى) بان الكلي وان سلمنا تعلق اليقين والشك به الا ان الشك في بقائه
(ناش) من الشك في حدوث الفرد الطويل وعدمه فإذا جرى أصالة عدم حدوث الفرد الطويل
فيكون هذا الأصل حاكما على استصحاب الكلي ورافعا لموضوعه (ولا يذهب عليك) فساد
كلا الاشكالين (اما الأول) فلان اليقين بارتفاع الفرد القصير وعدم اليقين بارتفاع الفرد
الطويل انما يضر باستصحاب كل من الفردين واما استصحاب الكلي الجامع بينهما مع قطع
النظر عن خصوصية كل منهما فلا ريب في كونه متيقن الوجود ومشكوك البقاء ودعوى ان
الموجود في الخارج ليس الا هو الحصة وأمرها دائر بين متيقن الارتفاع ومشكوك الحدوث
قد عرفت ما فيها (واما الثاني) فيرد عليه (أولا) ان الشك في بقاء الكلي وارتفاعه (ناش)
من الشك في كون الحادث هو الفرد القصير أو الطويل والا فعدم حدوث الفرد الطويل
لا يترتب عليه ارتفاع الكلي فإن ارتفاعه مسبب عن ارتفاع الفرد القصير لا عن عدم حدوث
الطويل الا من جهة ملازمته لوجود القصير فأصالة عدم حدوث الطويل لا تثبت ارتفاع القدر
المشترك الا بعد اثبات حدوث الفرد القصير ولا يثبت ذلك الا على القول بالأصول المثبتة
(وثانيا) ان مسببية شك عن شك آخر لا يوجب حكومة الأصل الجاري في السببي على
الشك المسببي مطلقا بل يشترط الحكومة بأمرين آخرين كلاهما مفقود ان في المقام (الأول)
أن يكون ترتب أحد المشكوكين على الآخر شرعيا حتى يكون الأصل الجاري في المشكوك
السببي رافعا لموضوع الأصل الجاري في المشكوك المسببي كما إذا شك في طهارة الثوب المتيقن
نجاسته المغسول بماء مشكوك النجاسة مسبوق بالطهارة فإن معنى استصحاب طهارة الماء هو
ترتب تمام الآثار المترتبة على الماء الطاهر شرعا عليه ومن المعلوم ان من جملة آثاره طهارة
الثوب المتنجس المغسول به فترتب عليه ويرتفع بذلك الشك في نجاسة الثوب الموضوع
392

لاستصحابها (الثاني) أن يكون جريان الأصل في الشك السببي بنفسه رافعا لموضوع الأصل
الآخر مضافا إلى ترتب أحد المشكوكين على الآخر شرعا كما في المثال المزبور فلو فرضنا الترتب
الشرعي في مورد ولكن لم يكن الأصل الجاري في الشك السببي رافعا لموضوع الآخر بنفسه
كما إذا شك في جواز الصلاة في لباس من جهة الشك في كونه متخذا من الحيوان المأكول
اللحم فلا يكون أصالة الحلية في الحيوان مثبتة لجواز الصلاة في شعره مثلا وذلك لأن جواز
الصلاة مترتب في الأدلة على كون الحيوان من الأصناف التي يحل لحمها في مقابل الأصناف الأخر
وأصالة الحلية لا ترفع الشك عن كون اللباس المعين مأخوذا من تلك الأصناف أو
من غيرها فهذا الشك الوجب للشك في جواز الصلاة فيه قبل جريان الأصل وبعده على حد
سواء ففي المقام لو سلمنا كون الشك في بقاء الكلي مسببا عن الشك في حدوث الفرد الطويل
الا ان ترتب ارتفاع الكلي على عدم حدوثه ليس شرعيا بل عقلي محض فإن بقاء الكلي ببقاء
فرده وارتفاعه بارتفاعه من الأمور النفس الامرية التي لا مدخلية للجعل الشرعي فيها ولو سلمنا
كون الترتب شرعيا أيضا لكن الشك في بقاء الكلي لا يرتفع بأصالة عدم حدوث الفرد الطويل
فإنها معارضة بأصالة عدم حدوث القصير فيتعارض الأصلان فيرجع إلى استصحاب الكلي
(وتوهم) عدم جريان أصالة عدم حدوث القصير للقطع بارتفاعه على تقدير وجوده في زمان
الشك في بقاء الكلي وارتفاعه (مدفوع) بان الميزان في تعارض الأصلين انما هو لحاظ حال حدوثهما
لا بقاءهما ففي أول زمان وجد الكلي المردد بين القصير والطويل قد حصل التعارض بين
الأصلين وتساقطا فلا تصل النوبة بعد ذلك إلى أصالة عدم حدوث الطويل ابدا وهذا نظير
ما إذا خرج أحد المعلومين بالاجمال عن مورد الابتلاء بعد تعارض الأصلين وتساقطهما
(فتحصل) ان استصحاب الكلي في هذا القسم كالقسم الأول مما لا ينبغي الارتياب فيه
لكن بشرط كون الشك في بقاء الكلي مستندا إلى الشك في وجود الرافع فلو شك فيه من
جهة الشك في المقتضي كما إذا شك في بقاء الحيوان المردد بين الحيوانين في الدار من جهة
الشك في مقدار عمره واستعداده لما يجرى الاستصحاب بناء على ما قدمناه من عدم شمول
الأدلة لما إذا كان الشك في البقاء من جهة المقتضي وعدم احراز وجوده في عمود الزمان (ثم لا يخفى
عليك) فساد ما توهمه بعض الأساطين ممن عاصرناهم قدس الله تعالى اسرارهم من التمسك
في هذا القسم باستصحاب الفرد المردد من دون احتياج إلى استصحاب الكلي فإن المراد
393

من استصحاب الفرد المردد إن كان هو استصحاب نفس الموجود الخارجي مع قطع النظر
عن كل من الخصوصيتين فهذا بعينه هو استصحاب وجود الكلي الجامع لا أمر مغاير معه وإن كان
المراد منه هو استصحاب الفرد على كل تقدير فهذا باطل قطعا لعدم احتمال بقاء الفرد على
كل تقدير قطعا وانما المحتمل هو بقاء الكلي الجامع ببقاء الفرد الطويل ليس الا فكيف يعقل
اجراء الاستصحاب في الفرد على كل تقدير (ثم إن استصحاب الكلي) إنما يترتب عليه
خصوص ما هو مترتب شرعا على وجود القدر المشترك بين الفردين كعدم جواز مس كتابة
القرآن المترتب على كلي الحدث الجامع بين الأصغر والأكبر وعدم جواز الدخول في الصلاة
بناء على كون حرمته ذاتية كما ربما يستفاد من بعض الروايات واما الآثار المترتبة على أحد
الفردين بالخصوص كعدم جواز المكث في المساجد مثلا فغير مترتب على استصحابه بل مقتضى
الأصل عدمها (نعم) لو كان لكل من الفردين اثر مترتب عليه بالخصوص لوجب ترتيب
كلا الاثرين من جهة العلم الاجمالي وهذا الذي ذكرناه هو الضابط الكلي في جريان استصحاب
الكلي (ومنه يظهر) فساد توهم جريان الاستصحاب في جملة من الموارد التي يشك فيها في
بقاء الكلي وارتفاعه (منها) ما إذا علم اجمالا بوجوب أحد الشيئين ثم اتى بأحدهما فقد توهم
ان المقتضي لوجوب الاتيان بالآخر هو استصحاب كلي الوجوب الجامع بين الوجوبين
(وجه الفساد) ان وجوب كل شئ انما يقتضي الاتيان بخصوص ذاك الشئ ليس الا والوجوب
الجامع لا يقتضي شيئا أصلا فكيف يترتب لزوم الاتيان بالآخر على الوجوب الجامع مع أنه
ليس من مقتضياته وعلى تقدير تسليم كونه كذلك أيضا فنفس الشك في الخروج عن عهدة
التكليف المعلوم بالاجمال يقتضي لزوم الاتيان فيكون التمسك بالاستصحاب في مورده
من باب تحصيل ما هو حاصل بالوجدان بالتعبد وهو من أردء انحاء تحصيل الحاصل (ثم إن
في المقام شبهة) تسمى بالشبهة العبائية في لسان بعض المتأخرين وحاصلها انه إذا علم
نجاسة أحد أطراف العباء فغسل طرفه الاعلى مثلا فلا اشكال في عدم نجاسة ما يلاقي الطرف الأعلى
للعلم بطهارته وكذا ما يلاقي الطرف الأسفل بناء على ما هو المعروف والمختار من
عدم نجاسة ملاقي بعض أطراف الشبهة المحصورة فلو فرضنا ملاقاة شئ للطرفين معا فلابد
من الحكم بالنجاسة لاستصحاب وجود كلي النجاسة الموجودة في العباء المرددة بين مقطوع
الارتفاع ومقطوع البقاء (ولكن التحقيق) عدم جريان استصحاب النجاسة في المثال أصلا
394

لعدم اثر شرعي مترتب عليها إذ عدم جواز الدخول في الصلاة وأمثاله انما يترتب على نفس الشك
بقاعدة الاشتغال ولا يمكن التمسك بالاستصحاب في موردها كما أشرنا إليه واما نجاسة الملاقي
فهي مترتبة على أمرين (أحدهما) احراز الملاقاة (وثانيهما) احراز نجاسة الملاقى بالفتح ومن
المعلوم ان استصحاب النجاسة الكلية المرددة بين الطرف الأعلى والأسفل لا يثبت تحقق
ملاقاة النجاسة الذي هو الموضوع لنجاسة الملاقي والمفروض ان أحد طرفي العباء مقطوع
الطهارة والآخر مشكوك الطهارة والنجاسة فلا يحكم بنجاسة ملاقيهما (واما القسم الثالث)
فهو على أقسام ثلاثة (الأول) ان يحتمل بقاء الكلي بعد العلم بارتفاع الفرد المتيقن الحدوث
لاحتمال مقارنة فرد آخر معه حتى يكون بقاء الكلي ببقائه (الثاني) ان يحتمل بقاءه لاحتمال
قيام فرد آخر مقام الفرد الزائل حتى يكون حدوث الكلي مستندا إلى فرد وبقاؤه مستندا إلى
فرد آخر من دون تبدل بين الفردين بحيث يكون أحد الفردين مرتبة أخرى من مراتب
الكلي (الثالث) أن يكون احتمال البقاء لاحتمال التبدل في الفرد الأول فالكلي وان لم يحتمل
بقاؤه بتلك المرتبة التي كان عليها إلا أنه يحتمل بقاؤه في ضمن مرتبة أخرى منه (اما القسم
الثالث) فالحق هو جريان الاستصحاب فيه لان شخص الوجود الذي كان متيقن الحدوث
هو الذي يشك في بقائه بعينه فإن اختلاف المراتب بالشدة والضعف لا يوجب تعددا
في شخص الوجود فإذا علم وجود السواد مثلا بالمرتبة القوية ثم علم زواله بتلك المرتبة ولكن
احتمل بقاؤه ولو في ضمن المرتبة الضعيفة فلا محالة يصدق على رفع اليد عن ترتيب آثار السواد
في ظرف الشك انه نقض لليقين بالشك وهذا هو الملاك في جريان الاستصحاب وجودا
وعدما (واما القسم الأول) فقد ذهب شيخنا العلامة الأنصاري (قده) إلى جريان الاستصحاب
فيه نظرا إلى أن العلم بوجود فرد من الكلي وإن كان واسطة في الثبوت للعلم بوجود الكلي
الا ان نسبة وجود الكلي إلى كل واحد من افراده على حد سواء فلو احتمل وجود فرد آخر
منه في الخارج فالمقطوع هو وجود الكلي في الخارج من دون ان يعلم اختصاصه بفرد فلو علم
بارتفاع ذلك الفرد فلا محالة يحتمل بقاء الكلي لاحتمال مقارنة فرد آخر معه فيستصحب
وجوده ويترتب عليه آثاره (ولكنه لا يخفى) ان ما افاده (قده) لم يكن مترقبا منه (لا)
لان الموجود في الخارج ليس نفس الكلي بما هو بل حصصه والحصة المعلوم وجودها مقطوع
الارتفاع والحصة الأخرى مشكوكة الحدوث فليس هناك ما يشك بقاؤه حتى يتمسك فيه
395

بالاستصحاب لما عرفت من أن القول بوجود الحصص في الخارج دون نفس الكلي من الموهومات
فإن الحصة انما تنتزع بعد إضافة الوجود إلى الكلي لا قبله فذات الموجود هو نفس الكلي
وإن كان الموجود بما هو كذلك حصة (بل) لان الكلي انما يوجد في الخارج بوجودات
متعددة وليس مجموع الوجودات وجودا واحدا شخصيا له بل هو موجود في كل وجود
بوجود على حدة فما هو المتيقن من الوجودات متيقن الارتفاع وما هو مشكوك البقاء مشكوك
الحدوث ولو تنزلنا عن ذلك وبنينا على وحدة الوجود الشخصي للكلي في الخارج فلا ريب
ان ذلك انما هو بالنظر الدقيق العقلي والا فبالنظر العرفي تعدد الوجودات من أوضح البديهيات
فعدم ترتيب الأثر على وجود الكلي بعد ارتفاع ما هو متيقن من الوجود لا يكون من باب
نقض اليقين بالشك عرفا ومع عدمه لا يجري الاستصحاب كما سيجئ بيانه (واما القسم الثاني)
فعدم جريان الاستصحاب فيه أوضح لعدم جريان التوهم الذي كان جاريا في القسم الأول
في هذا القسم فلا حاجة إلى إطالة الكلام فيه (ثم إنه ربما يتوهم) انه على القول بجريان الاستصحاب
في القسم الأول من أقسام القسم الثالث من استصحاب الكلي كما اختاره العلامة الأنصاري (قده)
لابد من القول بعدم جواز الدخول في الصلاة لمن احتمل الجنابة في حال النوم بعد الوضوء
فإنه وإن كان الحدث الأصغر الثابت بالنوم مرتفعا بالوضوء الا انه يحتمل مقارنته مع الحدث
الأكبر الباقي بعد الوضوء فيستصحب بقاء كلي الحدث فيترتب عليه آثاره (ولكنه لا يخفى)
فساد ذلك فإن وجوب الوضوء لم يترتب في الشريعة على نفس الحدث الأصغر بما هو بل عليه
مع عدم الجنابة فإن قوله تعالى (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق)
وان لم يكن دالا على اعتبار عدم الجنابة في وجوب الوضوء الا ان قوله تعالى بعد ذلك (فمن
جاء منكم من الغائط أو لامستم النساء ولم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) يستفاد منه امران
(أحدهما) اعتبار وجدان الماء في وجوب الوضوء شرعا فيكون اعتبار القدرة في وجوبه شرعيا
(وثانيهما) ان التكليف بالوضوء مختص بغير من كان جنبا وذلك لان التفصيل قاطع للشركة فمن
كان مكلفا بغسل الجنابة لا يكون مكلفا بالوضوء لا محالة وكذلك العكس فيكون موضوع وجوب
الوضوء مركبا من أمرين أحدهما وجودي وهو النوم وثانيهما عدمي وهو عدم الجنابة فإذا أحرز أحد
الجزءين بالوجدان والآخر بالأصل فلا محالة يتحقق موضوع وجوب الوضوء شرعا الرافع
للحدث والمبيح لكل ما هو مشروط بالطهارة فالشك في بقاء الحدث ناش من الشك عن تحقق
396

الجنابة المأخوذ عدمها في موضوع التكليف بالوضوء فمع احرازه بضم الوجدان إلى الأصل
يكون التكليف الفعلي هو وجوب الوضوء الرافع للحدث شرعا فلا يبقى مجال لاستصحابه وهذا
هو السر في عدم التزام العلامة الأنصاري (قده) بوجوب الغسل في المقام تحصيلا لليقين بالطهارة
مع التزامه بجريان الاستصحاب في هذا القسم وليس ذلك الا من جهة اخذ عدم الجنابة في
موضوع التكليف بالوضوء كما عرفته
* (تفريع) * ان للفاضل التوني (قده) كلاما تعرض له العلامة الأنصاري (قده) في
المقام بمناسبة ما (وحاصله) المنع من التمسك بأصالة عدم التذكية في الحيوان الذي يشك في وقوع
التذكية عليه من غير جهة الشك في القابلية لها التي تمسك بها المشهور في اثبات الحرمة والنجاسة
وقد تمسك في ذلك بأمرين (الأول) ان الحرمة والنجاسة في عنوان الأدلة مترتبان على
عنوان الميتة الذي هو من العناوين الوجودية فاثباتها بأصالة عدم التذكية يكون مبنيا على
القول بالأصول المثبتة (مضافا) إلى أن أصالة عدم التذكية معارضة بأصالة عدم الموت حتف
الانف الذي هو مقوم كون الحيوان ميتة فإن عنوان التذكية كما أنه من العناوين الوجودية
المسبوقة بالعدم فكذلك عنوان الميتة أيضا (ويرد على هذا الوجه) ان عنوان الميتة ليس من
العناوين الوجودية بل الميتة شرعا هو عبارة عن غير المذكى ولذا لو قطعنا بعدم تذكية حيوان
لفقد شرط من شرائطه فلا ريب في صدق عنوان الميتة عليه وان لم يكن موته بحتف انفه
ولو سلمنا كون عنوان الميتة أمرا وجوديا فلم يترتب الحرمة والنجاسة في الشريعة على خصوص
ذلك العنوان بل عليه وعلى غير المذكى على ما يستفاد من قوله تعالى (الا ما ذكيتم) فأصالة
عدم التذكية يترتب عليها الحرمة والنجاسة بنفسها من دون لزوم اثبات عنوان الميتة كما هو
ظاهر (الثاني) ان الموضوع للحرمة والنجاسة وان سلم كونه هو عدم التذكية الا انه على اطلاقه
ليس موضوعا له قطعا والا لحكم بالنجاسة في حال الحياة أيضا بل لا محالة يكون الموضوع
هو عدم التذكية حال زهوق الروح فما هو موضوع الأثر ليس له حالة سابقة وما هو متيقن
سابقا لا يكون بموضوع له فلا يجري الاستصحاب (وبالجملة) عدم التذكية له فردان أحدهما
حال الحياة والآخر حال زهوق الروح والفرد الأول وإن كان متيقن الحدوث الا انه
قطعي الارتفاع ولا يترتب عليه الأثر والفرد الآخر الموضوع للأثر مشكوك الحدوث من
أول الأمر فالتمسك بالاستصحاب في جامع عدم التذكية لاثبات بقائه إلى حال زهوق الروح
397

مبني على القول بجريان الاستصحاب في القسم الثاني من القسم الثالث الذي لا نقول به (ويرد
على هذا الوجه) ان عدم التذكية الذي هو موضوع الأثر وإن كان هو العدم المقارن لخروج
الروح الا انه لا يوجب كون العدم ذا فردين حتى نحتاج إلى استصحاب الكلي بل العدم
المضاف إلى التذكية عدم واحد مستمر غاية الأمر ان الحياة والممات من حالاته وسيجئ
إن شاء الله تعالى ان المعتبر في جريان الاستصحاب هو كون المستصحب ذا اثر في ظرف
التعبد الاستصحابي وهو ظرف البقاء دون الحدوث فعدم التذكية في حال الحياة وان لم يكن
موضوعا للأثر الشرعي حال حدوثه الا انه موضوع له في ظرف البقاء باعتبار تركب الموضوع
من جزئين أحدهما وهو زهوق الروح محرز بالوجدان والجزء الآخر وهو عدم التذكية محرز
بالأصل فنفس ما هو جرء للموضوع كان محرزا سابقا فيستصحب لا ان موضوع الأثر فرد آخر
مغاير معه مشكوك الحدوث حتى نحتاج إلى استصحاب الكلي (فإن قلت) ان الموضع للأثر
انما هو العدم النعتي دون المحمولي وقد مر في بعض مباحث العموم والخصوص ان التمسك
باستصحاب العدم المحمولي لاثبات العدم النعتي يبتني على القول بالأصول المثبتة فإن العدم
النعتي وان لم يكن عدما آخر غير العدم المحمولي المستمر الا انه محقق إضافة إلى الموضوع غير
مسبوقه بالحالة السابقة ولذا قلنا إن أصالة عدم القرشية محموليا لا تثبت كون المرأة الخارجية
غير قرشية الذي هو موضوع الحكم ففي المقام ما هو متيقن سابقا إنما هو عدم التذكية بعنوان العدم
المحمولي وهو لا يثبت كون الحيوان الزائل عنه حياته غير مذكى الذي هو موضوع للحرمة
والنجاسة (قلت) ليس الامر كذلك فإن العدم النعتي انما يلاحظ بالإضافة إلى العرض ومحله
إذ الموضوع للعرض بعد وجوده يكون متصفا بنعت لا محالة اما وجود العرض فيكون الوجود
نعتا له واما عدمه فيكون العدم كذلك ففيما إذا كان الموضوع مركبا من العرض ومحله لا
يمكن احرازه بضم الوجدان إلى أصالة العدم الأزلي لأنها لا تثبت عنوان النعتية واما في
غير ذلك من صور التركب فلا محالة يلتئم الموضوع بضم الوجدان إلى الأصل كما في المقام
فإن الموضوع للنجاسة والحرمة هو عدم التذكية المجتمع في الزمان مع زهوق الروح من دون
اعتبار نعتية لأحدهما بالقياس إلى الآخر بل كل منهما مأخوذ نعتا لموضوعهما ومن البديهي
ان العدم النعتي بالقياس إلى الموضوع وهو الحيوان مسبوق بالحالة السابقة فإنه كان موجودا
متصفا بعدم التذكية فيستصحب بقاء هذا العدم النعتي له إلى زمان زهوق الروح المأخوذ نعتا
398

له أيضا فيجتمع كلا جزئي موضوع الأثر في زمان ويترتب عليه الأثر فقياس المقام بأصالة
عدم القرشية الغير المثبتة للعدم النعتي في غير محله (نعم) إذا كان الموضوع مركبا من غير العرض
ومحله ولكن اخذ فيه عنوان وجودي كعنوان الحال مثلا مع قيام الدليل على اعتباره بما هو
لا بما أنه مرآة لاجتماع الجزءين في الزمان لما ترتب على ضم الوجدان إلى الأصل احراز ذلك
العنوان الا على القول بالأصل المثبت كما لا يبعد أن يكون الموضوع لادراك الجماعة هو
ركوع المأموم حال كون الامام راكعا بحيث كان لهذا العنوان البسيط دخل في
الموضوع فإذا أحرز ركوع نفسه وشك في رفع الامام رأسه من الركوع قبله لما ترتب على
استصحاب بقائه في الركوع اثر لعدم احراز عنوان الحال لا بالوجدان ولا بالأصل ولكن من المعلوم
انه ليس في الأدلة في المقام ما يوهم اعتبار ذلك بل اللازم في الحكم بالنجاسة والحرمة هو نفس
اجتماع عدم التذكية مع زهوق الروح في زمان واحد ويكفي في احراز هذا الموضوع ضم الوجدان
إلى الأصل فيترتب عليه اثره فالحق هو ما عليه المشهور من الحكم بالنجاسة والحرمة مع الشك
في وقوع التذكية خارجا (نعم) إذا كان منشأ الشك في التذكية هو الشك في قابلية المحل
لما كان مجال لأصالة عدم التذكية وقد تعرضنا لوجهه في بعض تنبيهات البراءة فراجع
* (التنبيه الرابع) * لا فرق في جريان الاستصحاب بين أن يكون المتيقن من الأمور
القارة أو من الأمور التدريجية الغير القارة كالزمان والزمانيات التي لا يجتمع اجزاؤها في زمان
واحد كالحركة مثلا فيقع الكلام في مقامين الأول في جريان الاستصحاب في نفس الزمان
والثاني في جريانه في الزماني (اما المقام الأول) فربما يقال فيه بعدم جريان الاستصحاب نظرا إلى أن
المقدار المتيقن من الزمان قد انصرم وانقضى يقينا والمقدار المشكوك مشكوك الحدوث فليس
هناك ما يكون متيقن الوجود مشكوك البقاء ولكنه غير خفي ان الزمان وإن كان بنفسه منقضيا
ومتصرما بنفسه الا ان تصرمه مقوم لحقيقته وذاته فإن كل آن من الآنات المنقضية انما هو
من اجزاء الامر الواحد الموجود لا جزئيا من جزئياته فكل قطعة من الزمان فرضت يوما أو
شهرا أو سنة أو غير ذلك فهي موجود واحد مستمر بقاؤها ببقاء اجرائه فما دام يكون جزء منها
باقيا يصدق بقاء تلك القطعة عقلا فإن الزمان وان لم يكن مركبا من المادة والصورة حقيقة
الا ان ذوات الآنات المتصلة كأنها مادة لها والهيئة الاتصالية كأنها صورة لها فالهيئة الاتصالية
هي حافظ وحدتها عقلا فإذا شك في انقضائها فالشك حقيقة انما هو في بقاء ذاك الامر الواحد
399

المتيقن حدوثه إذ المفروض ان اليوم أو الشهر أو السنة موضوع عرفا لمجموع قطعة من الزمان حادثة ببقاء
أول جزء منها وباقية ببقاء آخر جزئها وبعد وحدة هذا المعنى العرفي يكون المشكوك هو بقاء ذاك المتيقن
شخصا لا غيره وليس المقام من باب التسامحات العرفية في التطبيقات كتسامحهم في اطلاق
لفظ المن على ما كان أقل منه بمثاقيل حتى يقال إنه لا اعتبار بمسامحاتهم بل من باب تشخيص
المفهوم بالرجوع إليهم ولا ريب في اتباع نظرهم في ذلك وبعد فرض وحدة المفهوم وكون
الشك متعلقا بشخص ما تعلق به اليقين فلا ريب في جريان الاستصحاب عند الشك في الوجود
حدوثا أو بقاء فيرجع في الأول إلى استصحاب العدم وفي الثاني إلى استصحاب الوجود بنحو
مفاد كان أوليس التامتين فيثبت به وجود النهار أو عدمه واما الجزء المشكوك كونه من الليل
أو النهار فلا يمكن ان يثبت بالاستصحاب لعدم الحالة السابقة المتيقنة فيه حتى تستصحب
واستصحاب وجود النهار أو عدمه مثلا لا يكاد يثبت به كون الجزء المشكوك من النهار أو عدمه
الا على القول بالأصل المثبت (وبالجملة) الاستصحاب لا يجري الا في مفاد كان أوليس
التامتين واثبات مفاد كان وليس الناقصتين به يبتني على القول بالأصل المثبت وعلى ذلك
فإن كان الزمان الجاري فيه الاستصحاب متمحضا في كونه شرطا للحكم فقط من دون أن يكون
قيدا للواجب اما من جهة كون الواجب موسعا أو من جهة كون وقوع الفعل فيه قهريا
ولو كان مضيقا من دون ان يؤخذ الزمان فيه قيدا فلا اشكال في جريان الاستصحاب
واثبات الحكم المترتب عليه شرعا واما إذا كان الزمان قيدا للواجب كما في الصلوات اليومية
المعتبر وقوعها في زمان مخصوص فيشكل التمسك باستصحاب الزمان في احراز وقوعها
في الزمان الذي اخذ قيدا فيها مثلا إذا شككنا في بقاء النهار الملازم للشك في بقاء وجوب
الظهرين فغاية ما يترتب على استصحاب بقاء النهار هو اثبات بقاء وجوبهما واما احراز ان الصلاة
الواقعة في الخارج واقعة في النهار بضم الوجدان إلى الأصل فغير ممكن إذ غاية الأمر هو احراز
ذات الصلاة وذات النهار واما احراز وقوعها في النهار أعني احراز التقيد فغير متحقق لا بالأصل
ولا بالوجدان وبذلك يشكل في أصل استصحاب وجود النهار المترتب عليه وجوب الصلاة
إذ جريان الاستصحاب فرع ترتب الأثر العملي عليه وهو مفقود في المقام على الفرض ولذلك
عدل شيخنا العلامة الأنصاري (قده) عن اجراء الاستصحاب في الزمان إلى اجرائه في نفس
الحكم الشرعي فتمسك في المثال باستصحاب وجوب الصلاة وبقاء التكليف وقد اوردنا عليه في
400

الدورة السابقة بايرادين (الأول) ان التمسك بالاستصحاب الحكمي مع الشك في بقاء موضوعه
وهو الزمان في المثال المزبور مما منع عنه (قده) وسنبرهن عليه فيما يأتي إن شاء الله تعالى فإذا
لم يمكن اجراء الاستصحاب في نفس الموضوع لا يمكن اجراء الاستصحاب في الحكم أيضا
(الثاني) ان استصحاب وجوب الصلاة مثلا ان ترتب عليه احراز وقوعها في النهار الذي
اخذ قيدا في الواجب فيكفي في اثباته جريان الاستصحاب في نفس الزمان الذي اخذ
شرطا وموضوعا للوجوب وان لم يترتب عليه ذلك فما الفائدة فيه لأن المفروض عدم احراز
تحقق الامتثال على كل تقدير وعلى ذلك فينحصر موارد جريان الاستصحاب في الزمان
بما إذا كان مأخوذا شرطا للحكم من دون أن يكون له دخل في متعلق التكليف أصلا فتقل
فائدة جريانه فيه جدا (ولكنه لا يخفى) انه لو أغمضنا عما سنبين في مقام الجواب عن الشبهة
المذكورة فلا يرد على الاستصحاب الحكمي شئ من الايرادين المزبورين (اما الأول) فلان
الشك في بقاء الموضوع الذي يمنع عن الرجوع إلى الأصل الحكمي هو الشك في بقاء ما يكون
نسبة الحكم إليه نسبة العرض إلى محله كوجود المكلف مثلا ومن المعلوم ان الزمان
وإن كان من قيود الواجب الا ان نسبة الحكم إليه ليس نسبة العرض إلى محله فإذا ثبت
الحكم في زمان فشك في بقائه للشك في بقاء الزمان الذي اخذ قيدا فيه فلا مانع من
استصحابه والتعبد ظاهرا ببقائه وأين هذا من التعبد ببقاء حكم لموضوع مشكوك الوجود الذي
هو كالتعبد بوجود العرض من دون احراز موضوعه وسيتضح هذا في محله إن شاء الله تعالى
(واما الثاني) فلان استصحاب الزمان وان لم يترتب عليه احراز وقوع الفعل في النهار
مثلا الا ان استصحاب الوجوب يكفي في ذلك وذلك لأن استصحاب الزمان لا يترتب
عليه الا ما هو اثره شرعا ومن المفروض ان ليس له اثر الا بقاء وجوب الصلاة واما وقوع
الصلاة في النهار فهو من آثار بقائه عقلا لا شرعا وهذا بخلاف استصحاب وجوبها فإن معنى
التعبد ببقاء الوجوب فعلا هو التعبد ببقائه بجميع خصوصياته التي كان عليها ومن المفروض ان
الوجوب السابق انما كان متعلقا بما إذا اتى به كان واقعا في النهار فالآن يستصحب ذلك
الوجوب على النحو الذي كان سابقا (وبالجملة) خصوصية الظرفية انما تنتزع من وقوع العبادة
في زمان فإذا ادرجنا منشأ الانتزاع الذي هو متعلق الوجوب في المستصحب فلا نحتاج إلى
احراز الظرفية بأمر آخر بل يكفي في اثبات التقيد استصحاب نفس الوجوب المتعلق بالعبادة على
401

النحو الذي كان متعلقا بها سابقا (ولكن التحقيق) عدم ورود الاشكال من أصله وصحة
جريان الاستصحاب في نفس الزمان (بيان ذلك) انه بعد ما عرفت من أن استصحاب الزمان
انما يجري فيما إذا لوحظ الزمان بنحو مفاد كان أوليس التامتين دون الناقصتين (نقول)
ان الزمان إذا كان متمحضا في الشرطية للحكم فلا محالة يكون مأخوذا بنحو مفاد كان التامة
إذ اعتبار وقوع العبادة في زمان مخصوص الذي هو مفاد كان الناقصة انما يكون متأخرا
عن التكليف وواقعا في مرتبة الامتثال فكيف يعقل أن يكون شرطا للتكليف المتقدم عليه رتبة
وعليه فلا اشكال في استصحابه وترتيب اثره الشرعي عليه واما إذا كان مأخوذا في متعلق
التكليف فيمكن ان يؤخذ بنحو مفاد كان التامة كما في غيره من الزمانيات التي نعبر فيها عن
ذلك باعتبار مجرد اجتماعهما في الزمان من دون اعتبار عنوان آخر من حال ونحوه ولكن
لتعبير عنه في الزمان ضيق لعدم كون الزمان واقعا في زمان آخر حتى يعبر عنه باجتماعهما
في الزمان فلنعبر عنه باعتبار وقوع العبادة ووجود الزمان في الخارج ويمكن ان يؤخذ بنحو
مفاد كان الناقصة بان يعتبر الظرفية وحيثية وقوع العبادة فيه ومن المعلوم ان الاخذ على النحو
الثاني غير ملازم لاخذ الزمان قيدا في الواجب بل هو محتاج إلى مؤنة أخرى إذ ليس الزمان
والعبادة من قبيل العرض ومحله حتى يقال إن التركيب فيهما لابد وان يرجع إلى مفاد كان
الناقصة على ما سيجئ توضيحه وأشرنا إليه في مباحث العموم والخصوص فلا يستفاد من التقييد
به الا مجرد اجتماعهما في الوجود الذي هو مفاد كان التامة ومن المعلوم ان الاستصحاب بعد ضمه
إلى الوجدان يكفي في اثبات ذلك والمفروض من الأول هو اجراء الاستصحاب فيما هو من هذا القبيل
فكأن المستشكل خلط بين القيدية والظرفية فاخذ فيما هو المفروض من جريان الاستصحاب في
مفاد كان التامة ما يرجع إلى اخذ الزمان بنحو مفاد كان الناقصة وقد ظهر انه غير لازم لاخذه
قيدا في الواجب فارتفع الاشكال بحذافيره ضرورة ان الاشكال انما كان لأجل ان
استصحاب الزمان لا يترتب عليه احراز وقوع العبادة فيه الا على القول بالأصل المثبت
وبعد ما اتضح ان اخذه قيدا غير ملازم لاعتبار وقوع العبادة فيه الذي هو مفاد كان الناقصة
بل غاية ما يقتضيه القيدية هو اعتبار اجتماع الزمان مع العبادة في الوجود خارجا وهذا المقدار
يثبت بالاستصحاب بعد ضمه إلى الوجدان فلا اشكال من أصله حتى نحتاج إلى الرجوع إلى
الأصل الحكمي فتدبره واغتنم * (واما المقام الثاني) * فتوضيح الحال فيه ان الشك في بقاء
402

الزماني الذي تتقوم حقيقته بالانصرام والتقضي كالحركة والتكلم وجريان الماء أو الدم انما
ينشأ من أمور ثلاثة (الأول) ان يشك في بقائه لاحتمال وجود الرافع بعد احراز المبدأ الذي
اقتضى وجوده من أول الأمر كما إذا أحرز ان المتكلم له داع إلى التكلم مقدار ساعة ولكن شك
في بقائه لاحتمال وجود الصارف في البين وكما إذا أحرز وجود المبدأ المقتضي لسيلان الماء أو الدم
مقدارا ثم احتمل وجود مانع عنه (الثاني) ان يشك في بقائه لعدم احراز مقدار المبدأ المقتضي لوجوده
كما إذا شككنا ان المبدء للتكلم أو السيلان اقتضى وجودهما بمقدار ساعة أو أزيد (الثالث)
ان يعلم انتهاء اقتضاء المبدأ الأول ولكن احتمل وجود مبدء آخر مقتض للوجود ثانيا كما
إذا علم أن المبدء الأول انما اقتضى وجودهما بمقدار ساعة ليس الا ولكن احتمل وجود مبدء
آخر مقتض للوجود بعد تلك الساعة (لا اشكال) في جريان الاستصحاب في القسم الأول
كجريانه في نفس الزمان شخصيا وإن كان بينهما فرق من جهة وهو ان الموجب للوحدة المساوقة
للشخصية في الزمان انما كان هو وحدة المفهوم عرفا المستلزمة للبقاء عقلا حيث إن اجزاء الزمان
بعد اتحاد المفهوم العرفي انما كانت بمنزلة المادة الهيولائية والهيئة الاستمرارية لها بمنزلة الصورة
النوعية لها وهذا المعنى مفقود في الزمانيات وحافظ الوحدة فيها انما هو وحدة المبدأ المقتضي
لها وتعدده فإذا كان المقتضي للسيلان أو الحركة أو التكلم واحدا فلا محالة يكون كل ما يوجد
في الخارج معلولا له واحدا قصيرا كان أم طويلا واما إذا كان المبدأ المقتضي لها محدودا بزمان
فلا محالة يكون الموجود بعده بمبدء اخر مغايرا له وجودا وعلى ذلك فإذا كان الشك في
البقاء مستندا إلى الشك في الرافع بعد احراز المقتضي لاستمراره فلا محالة يكون مشمولا للاخبار
وموردا للاستصحاب الشخصي (وتوهم) رجوع هذا القسم إلى استصحاب الكلي بعد فرض
وحدة الوجود الخارجي (واضح الفساد) (واما القسم الثاني) فجريان الاستصحاب وعدمه
فيه مبني على ما تقدم من اعتبار احراز المقتضي في جريانه وعدمه (واما القسم الثالث) فهو
من صغريات القسم الثالث من استصحاب الكلي والكلام فيه هو الكلام فيه بعينه (ثم إن الواجب)
أو الوجوب (اما ان) لا يعتبر فيه الزمان أصلا فلا اشكال في جريان الاستصحاب فيه (واما ان)
يكون معتبرا فيه اما على نحو القيدية المكثرة للطبيعة أو على نحو الظرفية فإن اعتبر على نحو القيدية
فلا اشكال في عدم جريان استصحاب المتيقن السابق مثلا إذا وجب الجلوس مقيدا من طلوع
الشمس إلى الزوال فلا اشكال في أنه فرد مغاير للجلوس فيما بعد الزوال فيكون اثبات الحكم
403

الثابت لما قبله له من باب اسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر لا من باب ابقاء الحكم
السابق الثابت له فلا معنى للتعبد الاستصحابي فيه واما لو اخذ الزمان بنحو الظرفية فقد
أفاد شيخنا العلامة الأنصاري (قده) صحة التمسك بالاستصحاب فيه ولكنه لا يخلو عن
اشكال بل منع بناء على ما اخترناه من عدم جريان الاستصحاب في موارد الشك في المقتضي
فإن الشك في بقاء الحكم السابق فيما بعد ذلك الزمان المأخوذ ظرفا لا قيدا لا ينفك لا محالة
عن احتمال كونه مغيى بالجزء الأخير من الزمان المأخوذ ظرفا ومع الشك في كون الحكم الثابت
مغيى بغاية أو مرسلا لا يمكن التمسك بالاستصحاب كما عرفت مفصلا فكل حكم اخذ فيه
الزمان بنحو القيدية أو الظرفية لا يمكن التمسك فيه بالاستصحاب اما لتعدد متعلقي اليقين
والشك واما لرجوع الشك في البقاء إلى الشك في المقتضي الذي عرفت عدم شمول أدلة
الاستصحاب لموارده (ومما ذكرناه) يظهر فساد ما حكاه شيخنا العلامة المتقدم عن الفاضل
النراقي (قدهما) من تعارض استصحاب الوجود مع استصحاب العدم في أمثال المقام قال (قده)
انه إذا علم أن الشارع أمر بالجلوس يوم الجمعة وعلم أنه واجب إلى الزوال ولم يعلم وجوبه
فيما بعده فنقول كان عدم التكليف بالجلوس قبل يوم الجمعة وفيه إلى الزوال وبعده
معلوما قبل ورود أمر الشارع وعلم بقاء ذلك العدم قبل يوم الجمعة وعلم ارتفاعه والتكليف
بالجلوس فيه قبل الزوال وصار بعده موضع الشك فهنا شك ويقينان وليس ابقاء حكم أحد اليقينين أولي
من ابقاء حكم الآخر (فإن قلت) يحكم ببقاء اليقين المتصل بالشك وهو اليقين بالجلوس (قلنا) ان
الشك في تكليف ما بعد الزوال حاصل قبل مجئ يوم الجمعة وقت ملاحظة أمر الشارع فشك في
يوم الخميس مثلا حال ورود الامر في أن الجلوس غدا هل هو مكلف به بعد الزوال أيضا أو
لا واليقين المتصل به هو عدم التكليف فيستصحب ويستمر ذلك إلى وقت الزوال (ثم إنه) (قده)
اجرى تعارض الاستصحابين في مثل ما إذا شك في بقاء الطهارة بعد المذي مثلا فعارض
استصحاب الطهارة باستصحاب عدم سببية الوضوء للطهارة بعد المذي (وأنت بعدما أحطت
خبرا) بما ذكرناه يظهر لك فساد ما ذكره (قده) أولا فإن استصحاب الوجود لا يجري فيما
اعتبر فيه الزمان ظرفا أو قيدا وستعرف عدم جريان استصحاب العدم أيضا (واما ما ذكره)
من حديث اتصال زمان الشك بزمان اليقين بفرض الشك يوم الخميس (فيرد عليه) ان
المعتبر هو اتصال زمان المشكوك بزمان المتيقن لا نفس صفة اليقين والشك ففرض الشك يوم
404

الخميس لتصحيح الاتصال من الغرائب (واما ما ذكره أخيرا) من فرض التعارض في مثال
الشك في بقاء الطهارة (فيرد عليه) ما اورده شيخنا العلامة الأنصاري (قده) وسنتعرض له
(ثم إن شيخنا العلامة) (قده) اورد على ما حكاه من الفاضل المتقدم بان الزمان اما ان يؤخذ
قيدا للوجوب أو الواجب حتى يكون المقيد فردا مغايرا لغيره فلا ريب في عدم جريان
استصحاب الوجود بل لا مناص عن الرجوع إلى استصحاب العدم لان انتقاض عدم وجود
المقيد لا يستلزم انتقاض المطلق والأصل عدم الانتقاض واما ان يؤخذ ظرفا فيه حتى لا يكون
الواجب والوجوب بعد ذلك الزمان مغايرا لما قبله فليس هناك الا عدم واحد انتقض بالوجود
فلا مناص عن الرجوع إلى استصحاب الوجود فكأن الفاضل المتقدم خلط بين الظرفية
والقيدية فعند تمسكه باستصحاب الوجود لاحظ الزمان بنحو الظرفية وعند تمسكه باستصحاب
العدم لاحظه بنحو القيدية المكثرة للطبيعة فوقع في الالتباس (هذا حاصل) ما افاده (قده) في
مقام الجواب أولا (ويرد) على ما ذكره (قده) (أولا) ان ما افاده من التمسك باستصحاب
الوجود فيما إذا اخذ الزمان ظرفا غير مستقيم لما عرفت من رجوع الشك فيه إلى الشك في
المقتضي نعم لا يجري استصحاب العدم أيضا لما ذكره (قده) من أنه ليس هناك الا عدم واحد
متيقن انتقض قطعا وليس كل قطعة من الزمان فردا مغايرا للقطعة الأخرى (وثانيا) ان عدم
جريان استصحاب الوجود فيما إذا اخذ الزمان قيدا وإن كان صحيحا الا ان ما افاده (قده)
من الرجوع حينئذ إلى استصحاب العدم ليس بصحيح فان الوجود المشكوك بعد القيد وإن كان
مسبوقا بالعدم الا ان المتصف بالعدم المستصحب ليس هو الوجود قطعا لاستحالة اتصاف
أحد النقيضين بالآخر بل المتصف بكل من الوجود والعدم هو نفس الماهية المعراة عن الوجود
والعدم والمستصحب انما هو خلو صفحة الوجود عنها ثم إن التقييد بالزمان انما هو بالقياس إلى
الوجود والعدم واما نفس الماهية التي هي جامعة بين الموجود والمعدوم فيستحيل ان تتقيد بزمان
بل التقيد الناشئ عن اعتبار معتبر لا بد وان يرجع إلى أحد الوصفين لا محالة ثم إن
المتيقن في المقام انما هو نفس عدم الماهية واما الوجوب المقيد بما بعد الزوال مثلا المغاير للوجوب
السابق لتقيد نفسه أو تقيد متعلقة وهو الجلوس مثلا فليس وجوده ولا عدمه متيقنا فإن ظرف
وجوده وعدمه هو ما بعد الزوال واما قبله فلا يكون الوجوب المقيد معدوما الا من باب
السالبة بانتفاء الموضوع فما هو المتيقن وهو عدم الوجوب المطلق انتقض يقينا وما هو المشكوك
405

وهو الوجوب المقيد بما بعد الزوال ليس له حالة سابقة (نعم) لو كفى في الاستصحاب نفس
المسبوقية بالعدم من دون اتصافه به لأمكن ان يقال في المقام بجريانه لسبق الوجود المقيد
المشكوك بالعدم الأزلي لا محالة لكنه بمراحل عن الواقع إذ لابد في جريانه من ابقاء المتيقن
ومن المفروض انه عدم الماهية لا عدم الوجود فتدبر ذلك فإنه دقيق (نعم) لو قلنا باثبات عدم
المجعول باستصحاب عدم الجعل لأمكن التمسك به في المقام أيضا وذلك لأنه بعد فرض مغايرة
الوجوب لما بعد الزوال للوجوب قبله فالقدر المتيقن هو جعل الثاني دون الأول فيستصحب عدمه
ويثبت به عدم الوجوب بعده ولكنه قد ذكرناه مرارا ان اثبات عدم المجعول باستصحاب عدم
الجعل يبتني على القول بالأصول المثبتة (فتلخص) انه سواء كان الزمان اخذ قيدا في الواجب أو ظرفا له فلا
يمكن التمسك بعده لا باستصحاب الوجود ولا باستصحاب العدم بل لابد من الرجوع إلى أصل آخر
من اشتغال أو براءة (ثم إنه قده اورد عليه) ثانيا (بما حاصله) ان ما افاده من تعارض
الاستصحابين عند الشك في بقاء الطهارة بعد المذي غير مستقيم فان الشك في بقائها (تارة)
يكون لأجل الشك في مقدار المجعول كما إذا شككنا في أن الشارع جعل الوضوء الصادر
عن تقية سببا للطهارة مطلقا أو ما دام التقية موجودة (واخرى) يكون لأجل الشك في جعل شئ
رافعا لها مع عدم تقيد مقدار سببيته ومورد توهم التعارض هو الأول وإن كان الحق فيه هو
جريان استصحاب الوجود ليس الا إذ المتيقن السابق بالإضافة إلى المجعول وهي الطهارة
الفعلية هو الوجود دون العدم وبالإضافة إلى الجعل وإن كان العدم متيقنا الا انه لا يثبت به
عدم المجعول واما مورد الشك في الرافع فلا يرجع الشك فيه إلى مقدار السببية أصلا حتى
بالإضافة إلى الجعل حتى يتوهم فيه المعارضة بل المتعين فيه هو الرجوع إلى استصحاب
الطهارة فقط فجعل هذا من موارد التعارض من الغرائب
* (التنبيه الخامس) * قد أشرنا سابقا إلى أنه لا فرق في المستصحب بين أن يكون حكما
شرعيا مستفادا من دليل العقل أو من غيره والمفصل في ذلك هو العلامة المحقق الأنصاري (قده)
والظاهر أنه لم يسبقه في ذلك أحد وقد ذكرنا سابقا ما يمكن ان يستدل به على هذا التفصيل
مع جوابه الا انه نزيده توضيحا (فنقول) ان عمدة ما افاده (قده) في المقام هو ان الأحكام العقلية
انما تثبت لموضوعاتها بعد احراز جميع خصوصياتها الوجودية والعدمية فكل خصوصية
أخذها العقل في موضوع حكمه تكون من مقوماته ويرتفع الموضوع بارتفاعه وحيث إن الحكم
406

الشرعي تابع للحكم العقلي فيكون موضوعه متحدا مع موضوعه فلا يجري الاستصحاب مع
انتفاء بعض الخصوصيات التي يشك مع انتفائها في بقاء الحكم الشرعي (وجوابه)
ان الأحكام العقلية كما يمكن أن تكون موضوعاتها مبينة من جميع الجهات فيستقل بعدم
الملاك مع انتفاء جهة منها كذلك يمكن أن تكون مجملة من بعض الجهات فيأخذ العقل
بالمقدار المتيقن ويكون الحكم بقبحه أو حسنه من باب القطع بوجود الملاك فيه دون غيره
وإن احتمل فيه فإذا انتفى بعض الخصوصيات الموجبة للشك في الحسن أو القبح وفرضنا ان
تلك الخصوصية ليست من مقومات الموضوع عرفا كما هو محل الكلام في المقام إذ لو كانت
من مقوماته عرفا أو كان الملاك هو اتحاد القضية المتيقنة مع المشكوكة عقلا لما جرى الاستصحاب
في حكم من الأحكام الشرعية ولو كانت مستفادة من الدليل الشرعي فلا محالة يكون الحكم
المتيقن الثابت لموضوعه بعينه مشكوكا فيه فيجرى فيه الاستصحاب بل لا مانع من جريان
الاستصحاب في نفس الحكم العقلي من الحسن أو القبح أيضا لعين ما ذكر إلا من جهة انه
لا اثر شرعي لهما واثبات الحرمة والوجوب الملازم لهما يبتني على القول بالأصول المثبتة ومع قطع
النظر عن ذلك لا مانع من جريان الاستصحاب في نفس الحكم العقلي أيضا بل قد ذكرنا سابقا
أن الخصوصية المفروض انتفاؤها ولو سلمنا كونها دخيلة في ملاك حكم العقل واقعا إلا أن دخلها
في ملاك الحكم الشرعي المستكشف به مشكوك فيه وإلا فلا معنى للشك في بقاء الحكم الشرعي
مع انتفائها ومعه لابد من الرجوع إلى استصحابه لوجود أركانه وفيما ذكرناه سابقا في هذا
المقام غنى وكفاية وسيجئ بيان أن الاستصحاب في أمثال المقام هل هو من قبيل استصحاب
الاحكام الكلية أو الشخصية (هذا كله) في استصحاب نفس الحكم الشرعي (واما) استصحاب
بقاء موضوعه لاحتمال انتفاء بعض الخصوصيات التي لها دخل في الملاك عقلا وشرعا كما إذا
فرضنا أن الحكم العقلي والشرعي ثبتا للكذب الضار وشككنا في بقاء هذا العنوان مع ثبوته
سابقا (فربما) يستظهر من كلام شيخنا العلامة الأنصاري (قده) المنع عنه أيضا إلا في مثل
عنوان الضرر الذي يكفي في ثبوته شرعا مجرد كونه مظنونا على القول بكون الاستصحاب
حجة من باب إفادته الظن (ولا يخفى) ان كلامه (قده) في المقام في غاية الاضطراب والتشويش
ولا يمكننا نسبة شئ إليه إلا أن القدر المعلوم منه هو تجويزه للرجوع إلى الاستصحاب في
الصورة المفروضة ولكنه غير سديد صغرى وكبرى (اما الصغرى) فلان الظن بخصوصه لم
407

يؤخذ طريقا شرعيا إلى الضرر في باب من الأبواب أصلا بل الموضوع للحكم بالحرمة هو الخوف
المجتمع مع الاحتمال الناشئ عن مدرك عقلائي فالتخصيص بخصوص الظن لا وجه له (واما
الكبرى) فلان الظن لو سلمنا كونه طريقا إليه فلا ريب في أنه مختص بالظن الشخصي ومن
المعلوم ان الاستصحاب على تقدير حجيته من باب الظن إنما يكون معتبرا من باب الظن النوعي
فلا يكفي في ثبوته جريانه (والتحقيق في المقام) ان يقال إن الأحكام العقلية الثابتة لموضوعاتها
اما أن يكون ثبوتها لها بملاك واحد مشترك بين صور العلم والظن والشك والوهم واما أن يكون
بملاك مختص بوجودها الواقعي ولابد أن يكون له حكم طريقي آخر في موارد الشك في
وجودها على ما سنبين (مثال القسم الأول) حكم العقل بقبح التشريع فان حكمه بذلك إنما هو
من جهة انه تصرف في سلطان المولى بغير اذنه وهو ملاك مشترك بين ما لو علم عدم الحكم
الشرعي أو شك فيه فتمام الموضوع له هو عدم احراز الحكم الشرعي والوجود الواقعي أو العدم
الواقعي أجنبيان عن موضوع حكمه بالكلية ويمكن أن يكون قبح الكذب من هذا القبيل
أيضا فلو فرضنا ان المبطل للصوم هو الكذب الذي يحكم العقل بقبحه لكان الاخبار عن الله
وأوليائه عليهم السلام مع عدم احراز وجود المخبر به مبطلا له ولو كان مصادفا للواقع من باب
الاتفاق ولا يخفى ان ذلك أجنبي عن تعيين ما وضع له لفظ الكذب لغة كما هو ظاهر
(ومثال الثاني) حكم العقل بقبح التصرف في أموال الغير عدوانا فإن حكمه بذلك ناش من
ملاك مختص بصورة تحقق كون المال لغير المتصرف ولكنه يحكم بقبح التصرف في المال
المشكوك أيضا حفظا لعدم الوقوع في القبيح الواقعي فحكمه هذا ناش عن ملاك طريقي مغاير
لحكمه الأول الناشئ عن الملاك الواقعي وفي كل مورد كان حكم العقل من هذا القبيل فلابد
وأن يكون له حكم آخر طريقي أيضا في الموارد المشكوكة والوجه في ذلك هو ان حكم
العقل بحسن شئ أو قبحه حيث إنه ناش عن ملاك واقعي غير مأخوذ في موضوعه العلم
(فلا محالة) لابد للعقل من الحكم بقبح الاقتحام فيما لا يؤمن معه من الوقوع فيه بحكم
طريقي وهذا بخلاف الأحكام الشرعية الناشئة عن المصالح والمفاسد فإن المصالح أو المفاسد
ربما تكون من الأهمية بمكان موجب لجعل المتمم في ظرف الجهل كموارد النفوس والاعراض
والأموال في الجملة وربما لا تكون كذلك فيرخص الشارع في اقتحامها كأغلب موارد الشبهات
الموضوعية والكاشف عن كون الملاك من القسم الأول أو الثاني هو حكم الشارع بوجوب
408

الاحتياط أو البراءة وقد ذكرنا في بعض المباحث السابقة تفصيل ذلك وان جعل المتمم
يترتب عليه (تارة) اثر الوجوب النفسي (واخرى اثر الوجوب الغيري (وثالثة) اثر الوجوب الطريقي
(فراجع) والغرض في المقام هو بيان أن الأحكام العقلية إذا كانت من القسم الثاني فليس
حالها حال الأحكام الشرعية من هذه الجهة بل لا محالة يحكم العقل في الموارد المشكوكة بحكم
آخر طريقي ومنه يظهر انه لا مجال في هذه الموارد للرجوع إلى أصالتي البراءة والحلية فإن
الحكم العقلي بالقبح في تلك الموارد المشكوكة طريقيا يكون مخصصا لأدلة البراءة والحلية بل
يكون حاكما عليها إذ لا يبقى مع حكم العقل بالقبح مجال للشك في الحلية حتى يكون موردا لها
وأما عدم جواز الرجوع إليها في موارد القسم الأول من الحكم العقلي فهو أظهر من أن يخفى
واما الرجوع إلى الاستصحاب في موضوعات الأحكام العقلية فيفصل فيه بين القسمين فإن
القسم الأول لا يجري فيه الاستصحاب أيضا فإن جريان الاستصحاب فرع أن يكون هناك
اثر للمتيقن السابق والمفروض انه لا اثر له بل الأثر إنما هو مترتب على نفس عدم الاحراز
وهو تمام الموضوع له فما هو الموضوع له باق بعينه وما شك في بقائه ليس بموضوع للأثر أصلا
ولو سلمنا ترتب الأثر على نفس الواقع أيضا في عرض عدم الاحراز بان كان للعقل حكمان
أحدهما ثابت للواقع والآخر لعدم احرازه لما جرى الاستصحاب أيضا فإن ما يترتب على
الاستصحاب من الأثر بالتعبد محرز تحققه وجدانا لأن المفروض ان موضوعه وهو عدم
الاحراز محرز وجدانا فإجراء الاستصحاب لاحرازه بالتعبد تحصيل للحاصل بل من أردء انحائه
كما هو واضح فما في إفادات بعض المحققين من جريان الاستصحاب فيه وحكومته على
الحكم العقلي كما في موارد الشك في الحجية فاسد من جهات ثلاث (الأولى) من جهة أن عدم
الحجية واقعا لا اثر له حتى يستصحب (الثانية) من جهة ان احراز عدم الحجية بالأصل تحصيل
للحاصل بل من أردء انحائه (الثالثة) من جهة عدم تعقل حكومة الاحراز التعبدي على الاحراز
الوجداني (واما القسم الثاني) فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه واحراز الواقع وجودا
وعدما فيترتب عليه اثره ولا يبقى معه موضوع للحكم الطريقي العقلي الحاكم على قاعدتي الحلية والبراءة
* (التنبيه السادس) * قد يطلق على بعض الاستصحابات التعليقي مرة والتقديري أخرى
(وتوضيح الحال) في حجيته وعدمها يتوقف على بيان أمور (الأول) ان جريان الاستصحاب
مطلقا يتوقف على ثبوت المستصحب في الوعاء المناسب له من وعاء الخارج أو الاعتبار ضرورة
409

ان اعتبار اليقين بالحدوث في جريانه مفروغ عنه في محل الكلام (الثاني) انه ربما ورد في
كلماتهم ان الأحكام الشرعية المتعلقة بالموضوعات الخارجية تختلف باختلاف الأسماء والعناوين
وربما ورد انها لا تختلف باختلافها فربما يتوهم التناقض بين القضيتين وقد جعل في كتاب
العناوين عنوانا مستقلا لتحقيق ذلك وبيان المراد من كل منهما (وتوضيح الحال) في دفع
التهافت بينهما هو ان الاحكام المتعلقة بالعناوين تختلف باختلاف القرائن الخارجية والداخلية
ومنها مناسبة الاحكام مع موضوعاتها فقد تقتضي القرينة ثبوت الحكم الثابت لعنوان خاص ثبوته
لذات المعنون ولو مع زوال عنوانه كما في الحلية الثابتة لعنوان الحنطة مثلا حيث إن العرف يفهم
من الدليل الدال عليها حلية الدقيق والخبز من دون التماس دليل آخر فلا يكون الحكم تابعا
للعنوان ولا يدور مداره بقاء وقد تقتضي ثبوته للمعنون بما هو كذلك فيحكم بارتفاعه عند
ارتفاعه كما في النجاسة الثابتة للعذرة فإن العرف يراها ثابتة لنفس العذرة فلا يحتملون بقاءها عند
تبدلها حيوانا وفي مثل ذلك يدور الحكم مدار تحقق عنوان موضوعه وقد يشك في ذلك فلا
يعلم بقاء الحكم بعد زوال عنوان موضوعه ولا عدمه بعد الفراغ عن سكوت الدليل الأول عنه اثباتا
ونفيا وحينئذ فإن كان العرف يرون الوصف الزائل من مقومات الموضوع حسب نظرهم بحيث لو كان
الحكم ثابتا له أيضا بدليل آخر لكانوا يحكمون بحدوث حكم جديد لموضوع كذلك فلا مجال حينئذ
للاستصحاب لعدم اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة وأما ان كانوا يرون ذلك من حالاته وأوصافه بحيث
لو دل دليل على ثبوته في هذا الحال ليرون ذلك ابقاء للحكم الأول في موضوعه وإن كان الدليل الأول
ساكتا عنه فهذا هو مورد الاستصحاب (فتلخص) ان جريان الاستصحاب موقوف على
سكوت الدليل الأول عن اثبات الحكم في الحالة الثانية وجودا وعدما وعلى كون القضية
المشكوكة في الآن الثاني متحدة مع القضية المتيقنة وسيجئ توضيح ذلك في محله إن شاء الله
تعالى (ثم لا يخفى) ان مناسبة الحكم والموضوع ربما تختلف باختلاف الموارد فقد يكون عنوان
واحد مأخوذا في موضوعات احكام متعددة لكن العرف يرى دخله في موضوع بعضها فيحكم
بارتفاعه عند ارتفاعه ولا يرى دخله في موضوع بعضها الآخر مثلا ورد في خيار العيب جواز
رد المعيب إذا كان قائما بعينه وورد في التفليس ان الغريم يرجع إلى ماله إذا كان قائما بعينه وورد
في الهبة جواز رجوع الواهب إذا كانت العين قائمة بعينها مع أن الفقهاء كما ترى حكموا
في بابي الخيار والهبة ان مجرد تغير العين ولو بأدنى تغير يوجب المنع عن الرد والرجوع وهذا
410

بخلاف التفليس فإنهم حكموا فيه بجواز الرجوع ولو مع تغيرها بتلك التغيرات وليس الاختلاف
في الأبواب إلا من جهة اختلاف مناسبات الاحكام مع موضوعاتها (الثالث) قد ذكرنا مرارا
ان جعل الاحكام على موضوعاتها إنما هو من قبيل القضايا الحقيقية المفروض فيها وجودات
موضوعاتها فقد يكون الشك في بقائها من جهة الشك في النسخ وانتهاء الحكم بانتهاء أمده وهذا
مما لا ريب في صحة الاستصحاب فيه فان للأحكام في مرتبة جعلها ثبوتا انشائيا غير متوقف
على وجود موضوع لها في الخارج أصلا فهي متيقنة ثبوتا في الوعاء المناسب لها مشكوكة بقاء
كذلك ومن هذ القبيل الشك في لزوم العقود التعليقية كالجعالة ونحوها فإن المنشأ فيها في
عالم الاعتبار هي الملكية على تقدير وللمنشأ نحو وجود اعتباري بعد تمام العقد بشرائطه فإذا
شككنا في بقائه وارتفاعه من جهة الفسخ (فلا محالة) يكون المتيقن ثبوته مشكوك البقاء
فيجري فيه الاستصحاب كما في موارد العقود التنجيزية كالبيع ونحوه (وبالجملة) المعيار
في صحة الاستصحاب هو كون المشكوك متيقن الثبوت في زمان بنحو من الثبوت واختلاف
انحاء الثبوت لا يكون بضائر في جريان الاستصحاب أصلا (ومن الغريب) انكار العلامة
الأنصاري (قده) جريان الاستصحاب في تلك الموارد في بعض تحقيقاته مع أنه يرى صحة
الاستصحاب التقديري والامر على خلاف ما اختاره (قده) في المقامين وقد يكون الشك في
بقاء الحكم لا من جهة احتمال النسخ بل من جهة تغير ما في الموضوع بزوال بعض ما هو عليه
من أوصافه كما إذا شك المجتهد في زوال النجاسة الثابتة للماء المتغير وعدمه عند زوال التغير
عنه من قبل نفسه وهذا القسم مما لا ريب في جريان الاستصحاب فيه أيضا فإن الماء المتغير
وان لم يكن موجودا في ظرف الشك أصلا فضلا عن زوال تغيره إلا أن المجتهد الناظر إلى
استنباط الاحكام يقدر ما هو كذلك فيشك في بقاء حكمه بعد فرض ثبوته فيفتي بالنجاسة
من جهة الاستصحاب (وبالجملة) مشكوك البقاء مفروض الثبوت سابقا والاستصحاب إنما
هو بلحاظ ظرف فعليته وقد يكون الشك في البقاء لا من جهة احتمال النسخ ولا من جهة
تغير بعض حالات الموضوع بل من جهة الأمور الخارجية كما إذا كان الحكم فعليا بفعلية
موضوعه وشك في ارتفاعه برافع خارجي كالشك في بقاء الطهارة والحدث ونحوهما وهذا القسم
مما لا ريب في جريان الاستصحاب فيه أيضا (إنما الاشكال) فيما إذا لم يكن الاستصحاب فيه
لا بحسب مقام الجعل والانشاء ولا بحسب مقام الفعلية والتحقق كما إذا رتب الحرمة على العصير
411

المغلي فشك في حرمة الزبيب بعد الغليان فإن الحكم المجعول لا يحتمل نسخه حتى يستصحب
كما هو المفروض وليس الشك في ارتفاعه بعد فعليته بتحقق موضوعه إذ المفروض عدم تحقق الغليان
حال العنبية كي تكون الحرمة فعلية فتستصحب بعد ذلك بعد الشك في بقائها وحينئذ فكيف يمكن في مثله
الاستصحاب (وغاية ما قيل) في صحته في مثل المقام وجهان (الأول) ان يقال إن الحرمة الفعلية
وإن لم تكن ثابتة حال العنبية من جهة عدم الغليان المأخوذ في موضوعه إلا أن الحرمة على تقدير
الغليان كانت ثابتة في تلك الحال لا محالة وكما أن الأحكام الفعلية قابلة للتعبد ببقائها في ظرف
الشك فكذلك الاحكام التقديرية أيضا وحيث إن الحرمة على تقدير الغليان كانت متيقنة حال
العنبية مشكوكة حال الزبيبية فيستصحب بقاؤها (ويرد عليه) ان ثبوت الحرمة على تقدير
الغليان للعنب ليس ثبوتا شرعيا وحكما على موضوعه بل هو من جهة حكم العقل بأنه متى وجد
جزء الموضوع المركب فلا محالة تكون فعلية الحكم متوقفة على ثبوت جزء آخر (توضيح ذلك)
انا قد ذكرنا في بحث الواجب المشروط ان كل شرط يكون لا محالة مأخوذا في موضوع الحكم
كما أن كل موضوع يكون شرطا في الحقيقة فقولنا يحرم العنب إذا غلى عبارة أخرى عن قولنا
العنب المغلي حرام وبالعكس ولهذا الحكم ثبوتان حقيقيان تشريعا (أحدهما) ثبوته في مرحلة الجعل
والانشاء مع قطع النظر عن وجود عنب في الخارج أصلا والرافع للحكم في هذه المرحلة هو
النسخ ليس إلا (وثانيهما) ثبوته الخارجي بفعلية تمام موضوعه أعني به وجود العنب وغليانه
إذ مع انتفاء أحد قيود الموضوع يستحيل فعلية الحكم والالزم الخلف وعدم دخل ذلك القيد
في موضوعه والمفروض في المقام عدم الشك في بقائه في مرحلة الانشاء وعدم فعلية موضوعه
في الخارج فأين الحكم الشرعي المتيقن حتى يستصحب وجوده (نعم) حيث إن الحكم الشرعي
مترتب على الموضوع المركب فالعقل يحكم عند وجود جزء منه بكون الحكم متوقفا على
ثبوت الجزء الآخر وهذا الثبوت عقلي محض وغير قابل للاستصحاب أصلا (وبالجملة) الاستصحاب
لابد وأن يكون ناظرا إلى مرحلة البقاء بعد الفراغ عن الثبوت وفي المقام ليس للحكم
المشكوك يقين سابق حتى يمكن التعبد ببقائه (الثاني) ان يقال إن الحرمة حال العنبية وان
لم تكن فعلية إلا أن ملازمة الحرمة للغليان حالها أعني بها سببية الغليان للحرمة كانت فعلية
فان صدق القضية الشرطية لا يستلزم صدق طرفيها كما هو ظاهر وحيث إن هذه السببية
مشكوكة حال الزبيبية فيستصحب وجودها ويترتب عليه الحكم بحرمة الزبيب بعد الغليان (وبهذا
412

الوجه) تمسك العلامة الأنصاري (قده) لصحة الاستصحاب التقديري (ويرد عليه) (أولا)
ان ذلك مبني على امكان جعل السببية وقد عرفت استحالته وأن المجعول انما هو الحكم
على تقدير وجود موضوعه والعجب أنه (قده) مع انكاره لجعل السببية كيف تمسك باستصحابها
في المقام (وثانيا) ان السببية ولو سلمنا كونها من الأحكام المجعولة إلا أن لها نحوين من
الثبوت أيضا (أحدهما) الثبوت الانشائي في مقام الجعل وبقائه في المقام غير مشكوك فيه (وثانيهما)
الثبوت الفعلي الخارجي وهو متوقف على ثبوت تمام موضوعه في الخارج والمفروض عدم تحققه
في المقام وانما المتحقق في الخارج هو جزء السبب والحكم بسببيته للحرمة على تقدير الجزء الآخر انما
هو عقلي ليس الا (والحاصل) ان كل حكم مجعول شرعي مترتب على موضوعه إنما يكون فعليته بفعلية
موضوعه وأما قبلها فليس له تحقق وثبوت إلا في مرحلة الجعل والانشاء والمفروض في محل
الكلام عدم الشك في بقائه بل إنما الشك في سعة دائرة الجعل وضيقها وقد عرفت ان الاستصحاب
فرع تحقق الحكم وثبوته حتى يكون الشك في البقاء لا في الحدوث
* (تتميم) * لا يخفى ان الاستصحاب التعليقي على تقدير جريانه انما يختص بما إذا
كان الموجود في الزمان السابق هو الجزء الركين للموضوع وكان الجزء الآخر الغير المتحقق
مما يعد من حالاته حتى يصح ان يقال إن الموجود في الزمان السابق كان محكوما بحكم
تقديري فيستصحب واما إذا انعكس الامر وكان الموجود سابقا مما يعد من حالات الموضوع
وكان الجزء الركين معدوما فلا موجب لتوهم ثبوت الحكم التقديري أصلا حت يجري فيه
الاستصحاب (ومن هنا يظهر) عدم جواز الحكم بصحة الصلاة الواقعة في اللباس المشكوك نظرا
إلى استصحاب الصحة التقديرية الثابتة للصلاة على تقدير وجودها قبل لبس المشكوك فإن الموضوع
للصحة انما هي الصلاة المقيدة بعدم وقوعها في غير المأكول والركن الركين لهذا الموضوع نفس
الصلاة وهي لم تكن موجودة سابقا كي يستصحب صحتها التقديرية وأوضح من ذلك عدم
جريان الاستصحاب في خصوص مثال العنب إذا صار زبيبا فإن الموضوع للحكم هو العصير
العنبي ومن المعلوم انتفاء هذا الموضوع عند تبدله زبيبا فإن الغليان حينئذ لا محالة يكون
عارضا لماء خارجي منضم إلى الاجزاء الزبيبية ضرورة ان نفس الرطوبة الزبيبية غير قابلة
للغليان فما هو الموضوع للحكم غير باق يقينا وما هو متصف بالغليان فعلا لم يكن الحكم ثابتا له سابقا
* (وهم) * و * (دفع) * (ربما يتوهم) ان الاستصحاب التعليقي على تقدير جريانه
413

معارض باستصحاب الحكم الفعلي الثابت قبل حصول المعلق عليه فكما يصح التمسك
باستصحاب الحرمة التعليقية قبل الغليان فكذلك يصح التمسك باستصحاب الحلية الفعلية قبله
فيسقط بالمعارضة دائما (ولكنه ناش) من الغفلة عن حكومة الاستصحاب في الحكم التعليقي
على الاستصحاب في الحكم الفعلي ضرورة ان الشك في الحلية والحرمة بعد حصول المعلق عليه ناش
من الشك في اختصاص الحرمة التعليقية بحال مخصوص أو عمومها لغيره أيضا فإذا جرى الاستصحاب
وثبت عموم الحكم لما بعد زوال الحال الأول أيضا فلا محالة يرتفع الشك في الحلية الفعلية فلا
يبقى موضوع لاستصحابها مثلا الشك في حرمة الزبيب بعد الغليان وحليته انما يكون ناشئا من
الشك في أن الحرمة المعلقة على الغليان الثابتة للعنب هل كانت مختصة بخصوص حال العنبية
أو كانت عامة لحال الزبيبية أيضا ضرورة انه لا موجب للشك في الحرمة الفعلية غير ذلك وإذا
أحرز العموم بالاستصحاب فلا محالة يرتفع الشك ويحكم على الحرمة الفعلية بعد الغليان
كالعنب بعينه وهذا هو المعيار في حكومة أحد الدليلين على الآخر من دون
فرق بين كون الأصل الحاكم أصلا حكميا أو موضوعيا
* (التنبيه السابع) * لا فرق في جريان استصحاب عدم النسخ بين كون الشاك موجودا
في زمان حدوث الخطاب أو معدوما لما عرفت غير مرة من أن الأحكام المجعولة انما هي من
قبيل القضايا الحقيقية المفروض فيها وجودات موضوعاتها فلا اختصاص لها بخصوص الموجودين
في ذلك وعليه فكل مكلف شك في بقاء حكم من الاحكام فشكه فيه شك
في البقاء بعد اليقين بالحدوث (ومنه يظهر) اندفاع ما قيل من عدم صحة جريان
الاستصحاب في حق المعدومين لعدم العلم بثبوت الحكم في حقهم فيكون اثبات الحكم
في حقهم من باب اسراء الحكم من موضوع إلى آخر لا من باب ابقاء الحكم في الموضوع الثابت
له (واما) ما افاده العلامة الأنصاري (قده) في المقام من اجراء الاستصحاب في حق المدرك
للزمانين واثبات الحكم لغيرهم بقاعدة الاشتراك في التكليف (فيرد عليه) ان جريان الاستصحاب
في حق من تم أركانه بالقياس إليه لا يستلزم ثبوت الحكم الظاهري في حق غيره والتفكيك
في الاحكام الظاهرية في الشريعة غير عزيز (نعم) مقتضى الاشتراك في التكليف عدم اختصاص
جريان الاستصحاب بجماعة مخصوصين بل هو حكم مشترك لكل من وجد فيه أركانه وأين
ذلك من اثبات الحكم الثابت بالاستصحاب في حق جماعة لغيرهم بقاعدة الاشتراك كما هو
414

محل البحث في المقام (ومما ذكرناه) يظهر جواز استصحاب الأحكام الثابتة في الشريعة
السابقة ولو بالنسبة إلى غير المدرك للشريعتين (وما يقال) من أن العلم الاجمالي بنسخ جملة من الاحكام في
الشريعة اللاحقة يمنع من التمسك بالاستصحاب في شئ منها لكونه من أطراف العلم الاجمالي (خروج
عن محل الكلام) فإنه فيما إذا كان العلم منحلا بالظفر بمقدار المعلوم بالاجمال بل
بالأكثر (هذا) (ولكن التحقيق) يقتضي عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الثابتة في
الشريعة السابقة (وهذا) بناء على كون كل حكم ثابت في الشريعة اللاحقة مجعولا
بجعل جديد (في غاية الوضوح) إذ عليه يكون كل حكم ثابت في الشريعة السابقة
منسوخا لا محالة والشك انما يكون راجعا إلى جعل مثل الحكم السابق في الشريعة اللاحقة
أو ضده فلا شك في بقاء الحكم السابق حتى يستصحب (واما بناء) على عدمه وكون جملة
من الاحكام السابقة ممضاة في شريعتنا (فلان) استصحاب الحكم السابق لاثبات
تعلق الامضاء به يكون من الأصول المثبتة التي لا نقول بحجيتها
* (التنبيه الثامن) * لا اشكال في أن مقتضى الأخبار الدالة على حجية الاستصحاب
هو التعبد بنفس الحكم المستصحب إذا كان المتيقن حكما مجعولا وباحكامه المجعولة له شرعا
إذا كان موضوعا انما الاشكال في دلالتها على التعبد باللوازم العادية أو العقلية للمستصحب
باعتبار ترتب الآثار الشرعية عليها (والتحقيق) انها لا تدل الا على ما ذكر فاللوازم العقلية أو
العادية كالملزومات والملازمات عقلية كانت أو شرعية خارجة عن مورد التعبد بالكلية (ولتوضيح
الحال) لابد لنا من تقديم بيان ما به تفترق الامارة عن الأصل (فنقول) ان الامارة تفترق عن
الأصول بأمور (الأول) ان الامارة من جهة حكايتها عن الحكم الواقعي النفس الامري لا محالة
يكون موضوعها متحدا مع موضوع الحكم الواقعي غاية الأمر أن التعبد بها حيث أنه لا يمكن في
ظرف العلم بالواقع وانكشافه فلا محالة يكون حجيتها في ظرف الشك وهذا بخلاف الأصل
فإنه يثبت حكما آخر في طول الواقع ومترتبا عليه ضرورة ان موضوعه وهو الشك في الحكم
الواقعي فلا نظر له إلى الواقع أصلا (الثاني) ان كل امارة لا محالة يكون فيها جهة كشف عن
الواقع في الجملة غاية الأمر حيث إنها ناقصة في حد ذاتها فدليل الحجية يكون متمما لها وهذا
بخلاف الأصل فإنه غير مشتمل على الكشف أصلا كما هو الغالب أو ان دليل الحجية غير ناظر
إلى تتميم جهة كشفه كما في قاعدة الفراغ بناء على ما سيجئ من أن اعتبارها غير ملحوظ فيه
415

جهة الكشف وانما اعتبرت أصلا لا امارة (الثالث) ان المجعول في الامارة على ما عرفت
في بحث جعل الطريق انما هو نفس صفة المحرزية والوسطية في الاثبات وبعبارة أخرى جعل
فرد تشريعي من العلم وهذا بخلاف الأصل فإن المجعول فيه هو الجري العملي مطلقا غاية الأمر
انه في الأصول المحرزة انما يكون بمؤنة البناء على أحد طرفي الشك وفي غيرها بدونها (إذا عرفت
ذلك فنقول) حيث إن المجعول في باب الامارات نفس صفة المحرزية والوسطية في الاثبات
فعند قيامها على شئ يكون الوجود الواقعي لذلك الشئ محرزا بالتعبد إذ المفروض انها فرد
من العلم الطريقي بجعل الشارع وحيث إن العلم بالشئ واحرازه وجدانا يستتبع العلم بلوازمه
وملزوماته مع الالتفات إليها فكذلك يكون العلم التشريعي إذ المفروض عدم الفرق بينهما
الا بالوجدانية والتعبدية فإذا كان دليل حجية الامارة متكفلا لحجيتها واعطاء صفة الطريقية
لها من غير تقييد بجهة خاصة كما هو المفروض فلا محالة يكون مؤدى الامارة بوجوده الواقعي
ثابتا بالتعبد ويلزمه ثبوت لوازمه وملزوماته مطلقا ولو كانت عقلية أو عادية فلو ترتب اثر شرعي
على أحد لوازمه أو ملزوماته فلا بد من ترتيبه لأن المفروض تحقق احراز ما يترتب عليه
ببركة الجعل الشرعي وجعل ما ليس بعلم وجدانا علما بالتعبد وهذا بخلاف الأصول فإن
المجعول فيها من جهة كونه الجري العملي لا يكون ناظرا إلى الواقع بل الثابت انما هو الجري
بالمقدار الثابت من التعبد فإذا فرضنا تعلق اليقين والشك بحياة زيد دون اللوازم وملزوماتها
فلابد من الجري العملي بهذا المقدار وترتيب الآثار الشرعية المترتبة على نفس المتيقن واما آثار
لوازمه الغير المتيقنة سابقا فهي خارجة عن مورد التعبد إذ المفروض عدم تعلق اليقين والشك
المأخوذين موضوعين للجري العملي لا بأنفسها ولا بموضوعاتها (ومن هنا يفرق) بين قيام
الامارة على حلية لحم وبين ثبوت حليته بالأصل (فإنه في الأول) يكون المحرز هي الحلية
الواقعية فيحرز كون الحيوان من الأقسام المحللة فيجوز الصلاة في اجزائها (واما في الثاني)
فلا يكاد يثبت الا الجري العملي على طبق الحلية الظاهرية واما جواز الصلاة في اجزاء الحيوان
المتخذ منه اللحم فلا فإن جواز الصلاة على الفرض مترتب على كون الحيوان من الأقسام
المحللة كالشاة والبقر ونحوهما ومن المعلوم ان الأصل غير ناظر إلى اثبات ذلك أصلا (ولقد
أجاد) العلامة الأنصاري (قده) فيما افاده من تنظير المقام بباب الرضاع حيث إن الدليل
الدال على أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب لا يقتضي الا حرمة العناوين التي حكم عليها
416

بالحرمة ابتداء كالأم والأخت ونحوهما واما العناوين الملازمة للعناوين المحرمة فليس في أدلة
الرضاع ما يدل على تحريمها مثلا أم الأخ وإن كان في النسب ملازما لعنوان الأمية أو لعنوان
زوجة الأب الا انه لم يدل دليل على تحريم هذا العنوان بما هو بل العنوان المحرم هو العنوان
الملازم فإذا أرضعت امرأة أحد الأخوين فلا موجب لحرمتها على الأخ الآخر (وبالجملة)
المتحصل من دليل الأصل ليس الا الجري العملي بالمقدار الثابت من التعبد فلا يثبت به
اللوازمات والملزومات للوجود الواقعي أصلا (نعم) إذا ورد الأصل في مورد بالخصوص
ولم يكن له اثر شرعي الا باعتبار لوازمه العقلية مثلا فلابد من ترتيبه بدلالة الاقتضاء
صونا لكلام الحكيم عن اللغوية ولكن أين ذلك من العمومات الغير المختصة
بمورد دون مورد وقد ذكرنا غير مرة ان شمول الدليل لمورد إذا كان محتاجا إلى
مؤنة زائدة فمقتضى القاعدة عدم شمول الدليل لا انه يحكم بالشمول ويثبت به تلك المؤنة
(فإن قلت) سلمنا ان الآثار الشرعية المترتبة على اللوازم العقلية لم تقع مورد التعبد من جهة
الجري العملي من جهة أنفسها ولا من جهة موضوعاتها أعني بها نفس اللوازم الا انها من جهة
كونها آثارا لما هو موقع للتعبد كالحياة في مفروض المثال فلابد من ترتيبها أيضا فإن أثر الأثر
أثر لا محالة فإذا كان معنى التعبد بالحياة لزوم الجري على طبقها بترتيب آثارها فأي فرق
بين الآثار بلا واسطة والآثار مع الواسطة (قلت) الأثر المترتب على الأثر إذا كان من سنخه
كما إذا كان كلاهما تكوينيين أو تشريعيين فلا ريب في أن الأثر الأخير اثر لما يترتب عليه
الأثر الأول أيضا اما في التكوينيات فظاهر من جهة ان معلول المعلول معلول للعلة الأولى
لا محالة واما في التشريعيات كما إذا ترتب على ملاقاة البول نجاسة اليد وترتب على ملاقاتها
نجاسة الثوب وهكذا فلان هذه الآثار الطولية كلها مترتبة على الملاقاة الأولى ومن احكامها
فإذا جرى الاستصحاب وثبت به نجاسة شئ فيترتب عليه نجاسة ملاقيه ولو بألف واسطة
فان كل واسطة يكون موضوعا شرعا لنجاسة ملاقيه وهكذا واما إذا لم يكونا من سنخ واحد
كما إذا ترتب حكم شرعي على معلول تكويني لشئ فلا يصح ان يقال إن أثر الأثر أثر ضرورة
ان الأحكام الشرعية ليس ترتبها على موضوعاتها ترتب المعاليل على عللها فكيف يكون الحكم
الثابت للمعلول حكما شرعيا ثابتا لعلته وهذا ظاهر بأدنى تأمل (ومن جميع ذلك يظهر) ان
الفارق في حجية المثبتات من الامارة دون الأصل هو ما ذكرناه لا ما ربما يتوهم من أنه من
417

جهة الاطلاق في أدلة الامارات دون الأصول وذلك فإن الاطلاق وعدم تقييد الحجية
بجهة دون جهة وإن كان مما لابد منه في حجية الامارة مطلقا الا ان الاطلاق في أدلة
الأصول لا يقصر عن الاطلاق في أدلة الامارة وأي اطلاق أقوى من اطلاق قوله (ع)
في أدلة الاستصحاب وليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك وفي أدلة قاعدة التجاوز بلى
قد ركع فلولا ان المجعول في أدلة الأصول قاصر عن شموله للوازم والملزومات فلا قصور
من ناحية الاثبات أصلا (واما ما افاده) المحقق صاحب الكفاية (قده) في المقام بما هذه
عبارته (ثم لا يخفى وضوح الفرق بين الاستصحاب وسائر الأصول التعبدية وبين الطرق
والامارات فإن الطريق والامارة حيث إنه كما يحكي عن المؤدى ويشير إليه كذا
يحكي عن أطرافه من ملزومه ولوازمه وملازماته ويشير إليها كأن مقتضى اطلاق
دليل اعتبارها لزوم تصديقها في حكايتها وقضيته حجية المثبت منها كما لا يخفى
بخلاف مثل دليل الاستصحاب فإنه لابد فيه من الاقتصار مما فيه من الدلالة
على التعبد بثبوته) إلى آخر ما افاده (قده) (ففيه) ان الحكاية من الأمور القصدية فيختص
موردها بما إذا كان الحاكي ملتفتا إلى اللوازم والملزومات كما في موارد اللزوم البين بالمعنى
الأخص فلا وجه لحجية المثبت مطلقا (ثم إنه) على تقدير حجية الأصل المثبت فهل يعارض به
الأصول العدمية الجارية في لوازمها العقلية مثلا أم لا قولان ذهب جماعة تبعا لكاشف الغطاء (قده) إلى
الأول فحكم بالتعارض بين استصحاب الحياة في مفروض المثال لترتيب آثار نبات اللحية واستصحاب
عدم نبات اللحية المتيقن سابقا (وأورد عليه) العلامة الأنصاري (قده) بحكومة الأصل الجاري
في الملزوم على الأصل الجاري في لازمه (والتحقيق) ان يقال لان حجية الاستصحاب إن كانت
من جهة بناء العقلاء وافادته الظن بالبقاء ولو نوعا فلا ريب في أن الظن بالملزوم يلازم الظن
باللازم فيمتنع الظن بعدمه فيكون الاستصحاب في طرف الملزوم حاكما على الاستصحاب في
طرف اللازم لا محالة نظير حكومة ظهور القرينة على ظهور ذي القرينة من جهة منعه عن تحققه
واما إذا كانت من جهة الاخبار (فإن قلنا) بحجية الأصل المثبت من جهة ان الأصل
الجاري في الملزوم يثبت لازمه تعبدا كما في الامارات فالامر كما ذكر أيضا فإن استصحاب
الملزوم يرفع الشك عن اللازم فلا يجري فيه الاستصحاب (وان قلنا) بحجيته من جهة ان آثار
اللوازم تترتب على استصحاب الملزومات من دون احتياج إلى اثبات نفس اللوازم لما توهم
418

من أن الجري العملي يقتضي ترتيب الآثار مطلقا ولو كانت مع الواسطة فالمعارضة بحالها وذلك
فإن استصحاب الملزوم كما يقتضي ترتيب الأثر المترتب على الواسطة فكذلك استصحاب
عدم اللازم يقتضي عدمه فإن المفروض ان الأثر أثر لهما وليس استصحاب الملزوم مثبتا للازمه
حتى يكون رافعا للشك في طرفه
* (تتميم) * قد استثنى العلامة الأنصاري (قده) من عدم حجية الأصل المثبت ما لو
كان الواسطة خفية بنظر العرف بحيث يرى العرف الأثر المترتب على الواسطة مترتبا على ذي
الواسطة وتبعه في ذلك جملة من أعاظم تلامذته (بل) ألحق بعض المحققين صورة وضوح
الواسطة وجلائها بحيث تكون الملازمة بين الواسطة وذي الواسطة جلية عند العرف بصورة
خفاء الواسطة في حجية الأصل المثبت فيها (والحق) عدم حجية الأصل المثبت مطلقا ولا اثر
لخفاء الواسطة فضلا عن جلائها (وتحقيق ذلك) ان الحكم الثابت لموضوع (قد يكون) بنظر
العرف بحيث يكون الحكم الثابت له ثابتا للأعم منه أو الأخص منه بحسب متفاهمهم من
الدليل فيكون الظهور الفعلي التركيبي على خلاف الظهور الوضعي الافرادي وفي هذه الصورة
لا ريب في أن المتبع هو الظهور الفعلي في تعيين مفاد الدليل خلافا لجملة من القدماء فيكون
الرجوع إلى العرف حينئذ لأجل تعيين مفاد الدليل (واخرى يكون) المدلول العرفي موافقا
للمدلول الوضعي لكن العرف بحسب مناسبات الحكم والموضوع يرون بعض خصوصيات
الموضوع من مقوماته وبعضها الآخر عن علل الحكم ومن قبيل الواسطة في الثبوت فيكون
ثبوت الحكم بعد انتفاء الخصوصية على الأول من باب ثبوت الحكم لموضوع آخر بنظرهم لا من
باب بقاء ما ثبت بخلاف الثاني ولا اشكال في اتباع نظر العرف في ذلك أيضا باعتبار رجوع
ذلك إلى تعيين مفاد لفظ النقض من أدلة حجية الاستصحاب كما سيتضح ذلك فيما سيأتي إن شاء الله
تعالى واما في غير هذين الموردين فلا محالة يرجع نظر العرف إلى مسامحاتهم في التشخيصات
والتطبيقات التي لا وجه للرجوع إليهم في ذلك كما ترى مسامحاتهم في المقادير والأوزان الغير
المتبعة من دون خلاف ولا اشكال وعلى ذلك فإن كان معنى خفاء الواسطة ان العرف بحسب
المستفاد من الدليل أو بحسب ما ارتكز في أذهانهم من مناسبات الحكم والموضوع يفهمون من
الدليل ان الحكم ثابت لذي الواسطة ويرون الواسطة من علل الحكم بحيث لا يكون له دخل
في قوام الموضوع فهذا يرجع إلى انكار الواسطة حقيقة وثبوت الحكم لنفس ذي الواسطة وإن
419

كان معناه ان الحكم بحسب متفاهمهم ثابت للواسطة ومع ذلك يعتبرون الحكم مترتبا على ذي الواسطة
من باب المسامحة فلا ريب ان الرجوع إليهم في ذلك يستلزم اتباع مسامحاتهم في التطبيقات المتسالم
عدمه عندهم (وبالجملة) الموضوع بحسب فهم العرف إن كان هو ذو الواسطة ففرض الواسطة
ودعوى خفائها خلف واضح وإن كان هو الواسطة فدعوى خفائها بحسب الفهم العرفي من
الدليل لا بلحاظ مسامحاتهم التي لا اعتبار بها خلف كذلك فدعوى فرض الواسطة بحسب
الفهم العرفي وكونها خفية غير معقولة فاما ان لا يكون واسطة في البين أو تكون جلية لا محالة
(هذا كله) على تقدير أن يكون عدم حجية الأصل المثبت من جهة القصور في نفس المجعول
في باب الأصول كما هو الصحيح على ما عرفت تفصيله (واما) إذا كان ذلك لأجل القصور
في الدليل كما ذهب إليه المحقق صاحب الكفاية (قده) فدعوى قصور الأدلة عن الشمول
في فرض عدم كون الواسطة خفية وإن كانت ممكنة إلا أن عهدة اثباتها على مدعيها (وكيف كان)
فقد ظهر بما ذكرناه عدم حجية الأصل المثبت مطلقا ولكنه مع ذلك لا يمكن انكار تمسك
القدماء بالأصول المثبتة على الاطلاق اما لأجل ذهاب جملة منهم على كونه حجة من باب الظن
لا من باب التعبد بالاخبار واما لأجل عدم عنوان لبحث الأصل المثبت الا عند المتأخرين
ولا بأس بالإشارة إلى جملة من الفروع في المقام (منها) مسألة ملاقاة الطاهر مع النجس
المسبوق بالرطوبة المشكوك بقاؤها إلى زمان الملاقاة فإن كيفية التنجيس وعنوان الملاقاة
وان لم تكن مذكورة في لسان الأدلة بل لابد من استفادتها من معاقد الاجماعات أو من
الرجوع إلى المرتكزات العرفية من كيفية التقذر من القذارات العرفية إلا أنه إذا بنينا على أن
الموضوع للتنجيس هو مجرد الملاقاة مع النجس أو المتنجس مع رطوبة أحد المتلاقيين فلا ريب
في الحكم بالنجاسة مع احراز الملاقاة واستصحاب الرطوبة السابقة فيكون من جملة موارد احراز
أحد الجزئين بالوجدان والآخر بالأصل واما إذا بنينا على أن الموضوع له هو انتقال الاجزاء
المائية من أحد المتلاقيين إلى الآخر المعبر عنه بالسراية في كلمات الفقهاء فالحكم بالنجاسة يتوقف
على القول بحجية الأصول المثبتة إذ المفروض عدم ترتب الأثر الا على ما هو لازم للمستصحب
عقلا لا لنفسه (هذا كله) في غير الحيوان المتلطخ بعض اجزائه بالرطوبة النجسة أو المتنجسة
واما فيه فقد يقال بالتفصيل بين ما إذا كان الرطوبة في الملاقي معه كالبدن مثلا أو فيه بناء على
القول بتنجس الحيوان بملاقاة النجاسة وان طهر بعد ذلك بالجفاف وزوال العين فيلتزم بنجاسة
420

الملاقي مع الشك في بقاء الرطوبة في الجزء المتنجس من الحيوان في الصورة الأولى دون الثانية
ووجه ذلك ان الرطوبة إذا فرضت في الحيوان كالذباب مثلا فلا محالة يكون الحكم بالنجاسة
المترتبة على السراية موقوفا على احرازها ومن المعلوم ان استصحاب بقاء الرطوبة فيه أو استصحاب
بقاء نجاسته لا يفيد شيئا مع عدم احرازها واما إذا كان الجسم الملاقي له رطبا حال الملاقاة
فالسراية وجدانية ويكفي حينئذ استصحاب نجاسة الحيوان المعلوم نجاسته سابقا المشكوك بقاؤه
للشك في بقاء رطوبته واما على القول بعدم نجاسة اجزاء الحيوان بالملاقاة مع النجس أو المتنجس
وانما المنجس للملاقي هو نفس الرطوبة المتنجسة أو النجسة فيه فاستصحاب الرطوبة لا يترتب
عليه اثر شرعي بنفسه فلا يكون جاريا (ولكن يمكن ان يقال) على تقدير عدم تنجس اجزاء
الحيوان بجريان الاستصحاب مع فرض تركب الموضوع من الملاقاة وبقاء كون أحد المتلاقيين
رطبا إذ بقاء الرطوبة حينئذ يكون هو الجزء الأخير المتمم للموضوع فيكفي احرازه بالأصل
مع احراز الجزء الآخر وهو الملاقاة بالوجدان (نعم) لو قلنا باعتبار السراية في الموضوع
لما يكفي استصحاب الرطوبة في احرازها فلا فرق بين ما إذا قلنا بتنجس اجزاء الحيوان وعدمه
في الحكم بالنجاسة فيما إذا كان الموضوع مركبا من الملاقاة وبقاء نفس الرطوبة في الجسم
الحامل للرطوبة النجسة والحكم بالطهارة فيما إذا كان بسيطا لازما لبقاء الرطوبة عقلا فالمدار على
احراز الموضوع ليس الا (ومنها) استصحاب بقاء الشهر السابق وعدم دخول الشهر اللاحق
لاثبات الأولية لما بعد اليوم المشكوك كونه من الشهر السابق الثانوية لما بعده وهكذا فإنه
إذا قلنا بأن أول الشهر مثلا عبارة عن كون يوم من شهر مع عدم كون سابقه منه حتى يكون
من الموضوعات المركبة فلا اشكال في جريان الاستصحاب واحراز جزء من الموضوع بالأصل
مع احراز الجزء الآخر بالوجدان وان قلنا بأنه مفهوم بسيط لازم لهذين الامرين كما هو الصحيح
لما ذكره مرارا من أن المفاهيم والمدركات العقلية بسيطة في أعلى مراتب البساطة وليس شئ
منها مركبا من مفهومين متغايرين فيتوقف اثبات عنوان الأولية أو الثانوية مثلا بالاستصحاب
على القول بالأصول المثبتة (ولكن التحقيق) ان الاستصحاب وان لم يكن مثبتا لذلك على
ما هو المحقق من عدم حجية الأصول المثبتة إلا أن الأدلة الدالة على اعتبار الرؤية في ثبوت
الشهر أو مضي ثلثين من الشهر السابق يكفي في اثبات ذلك فإنه إذا لم ير الهلال في اليوم
المشكوك كونه من رمضان مثلا فلا محالة يكون مبدء الشهر بحكم الشارع هو اليوم الذي ما بعده
.
421

لأن المفروض ان ثبوت الشهر مع عدم الرؤية يتوقف بحكم الشارع على مضي ثلاثين يوما من
شعبان فهذه الأدلة تكون حاكمة على الأدلة المثبتة للأحكام على اليوم الأول والثاني والثالث
وهكذا ومثبتة لموضوعاتها فالالتزام بهذه الأحكام لا يكشف عن القول باعتبار الأصول
المثبتة كما توهم (ومنها) استصحاب عدم الحاجب في موضوع الغسل في أعضاء الوضوء أو الغسل
فإنه ربما يدعى السيرة على عدم الاعتناء باحتمال وجوده فيكشف ذلك عن اعتبار الأصل المثبت
فان انغسال البشرة ووصول الماء إليه الذي هو المعتبر في مقام امتثال التكليف لازم عقلي لعدم
الحاجب فالحكم بتحققه مع الشك في وجود الحاجب لا يستقيم إلا على القول بالأصول المثبتة
(ولكن التحقيق) عدم ثبوت سيرة المتدينين على ذلك وانما المسلم هو قيام السيرة على عدم الفحص
في مقام الامتثال ولعله لعدم التفاهم إلى احتمال وجوده أو لاطمئنانهم بعدم وجوده (واما دعوى)
عدم الاعتناء مع فرض الاحتمال والالتفات (فهي في حيز المنع) وعلى تقدير التسليم فيمنع
عن ثبوت حكم شرعي بقيام السيرة عليه في الأعصار المتأخرة الغير المعلوم اتصالها بزمان الأئمة
عليهم السلام مطلقا وعلى تقدير التسليم فقيام السيرة في مورد خاص يكون دليلا في ذلك المورد
كورود النص الخاص في مورد مخصوص على اعتبار أصل مثبت فيه وأين ذلك من الاستفادة
من عموم لا تنقض اليقين بالشك كما هو محل الكلام في المقام (ومنها) ما في الشرائع والتحرير
تبعا للمحكي عن المبسوط من أنه لو ادعى الجاني ان المجني عليه شرب سما فمات بالسم وادعى
الولي انه مات بالسراية فالاحتمالان فيه سواء وكذا الملفوف في الكساء إذا قده نصفين فادعى
الولي انه كان حيا والجاني انه كان ميتا فالاحتمالان متساويان ولا ريب ان أصالة عدم شرب
السم في المثال الأول وأصالة بقاء الحياة إلى زمان وقوع الجناية في الثاني لا يترتب عليهما
الأثر حتى يعارض بهما أصالة عدم موجب الضمان الا على القول باعتبار المثبت من الأصول
حتى يثبت بهما عنوان السراية أو القتل اللذين اخذا موضوعين للضمان والمحكي عن المبسوط
هو التردد في الترجيح وعن المحقق (قده) ترجيح أصالة عدم الضمان والظاهر من التحرير ترجيح
أصالة بقاء الحياة أو عدم شرب السم على استصحاب عدم الضمان من جهة كون الشك في
الضمان ناشئا من الشك في وجود سببه فإذا ثبت ذلك بالاستصحاب فلا محالة يكون مقدما
على الاستصحاب الحكمي (ومن ذلك يظهر) انه لو كان موضوع الضمان مركبا من نفس
الجزئين اللذين هما محقق عنوان السراية أو القتل من دون دخل لهذين العنوانين البسيطين
422

بما هما فلا محالة يندرج المقام في كبرى الموارد التي يحرز فيها الموضوع بضم الوجدان إلى
الأصل فإن الموت في المثال الأول إذا كان محرزا بالوجدان وكان عدم شرب السم محرزا
بالأصل أو الجناية كانت محرزة بالوجدان في المثال الثاني وكانت الحياة محرزة بالأصل فلا تصل
الدورة إلى الأصل الحكمي وهو أصالة عدم الضمان أبدا لكن الشأن في تركب الموضوع والظاهر أن
الموضوع للضمان هو المتولد من الامرين وعليه فيكون الجاري في محققه من الأصول المثبتة
وقد أشرنا آنفا إلى أنه لا مجال لانكار عمل القدماء بل وجملة من المتأخرين بالأصول
المثبتة مطلقا بحيث لا يوجد مورد لا يكون الأصل الذي اعتمدوا عليه من الأصول المثبتة
بل يوجد موارد كثيرة اعتمدوا فيها على الأصل مع كونه مثبتا إما لأجل ذهابهم إلى اعتبار
الاستصحاب من باب الظن أو من جهة عدم تنقيح بحث الأصل المثبت عندهم ومن راجع
كتب الفقه خصوصا موارد التداعي يجد صدق ما ادعيناه (ومنها) موارد دعوى المالك
ان اليد على المال كانت يد ضمان ودعوى ذي اليد انها كانت غير مضمنة كما إذا ادعى المالك
انه باع العين وادعى الآخر انه وهبه له أو ادعى المالك انه آجره إياها وادعى الآخر انه أعارها
والمشهور بينهم هو ان القول قول المالك لان الأصل في اليد كونها مضمنة إلا أن يثبت الخلاف
ولم يخالف في المسألة إلا بعض الفروع فقد يتوهم ان هذا التسالم منهم مبني على
اعتبار الأصول المثبتة كما توهم ابتناؤه على اعتبار قاعدة المقتضي والمانع وقد توهم بعضهم ابتناءه
على جواز التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية وقد ذكرنا في بحث العموم والخصوص فساد
كل هذه التوهمات وان الموضوع للضمان هو الاستيلاء على الشئ مع عدم رضا المالك بالمجانية
فاحد جزئي الموضوع وهو اليد محرز بالوجدان والآخر محرز بالأصل فالحكم بالضمان على
القاعدة فراجع هناك
* (التنبيه التاسع) * لا فرق فيما ذكرناه من جريان الاستصحاب عند الشك في بقاء
المتيقن بين ما إذا لم يعلم ارتفاع الحالة السابقة أصلا وبين ما إذا علم ارتفاعه في زمان فإنه
يجري الأصل إلى زمان العلم بالارتفاع فإذا علم موت زيد يوم السبت وشك في حدوثه في
ذلك اليوم أو اليوم السابق عليه فيستصحب الحياة إلى يوم السبت ولكن لا يثبت بذلك عنوان
الحدوث يوم السبت على ما عرفت في التنبيه السابق من أن المستصحب لا يترتب عليه الا
اللوازم الشرعية المترتبة على نفسه دون الآثار المترتبة على لوازمه أو ملزوماته عقلا أو عادة
423

(هذا) إذا كان الشك في البقاء بالنسبة إلى اجزاء الزمان (واما) إذا كان بالإضافة إلى
حادث آخر كما إذا علم بحدوث موت المورث واسلام وارثه وشك في تقدم أحدهما على الآخر
أو مقارنتهما (ففي) جريان الاستصحاب في كل منهما أو عدم جريانه كذلك أو التفصيل بين
ما إذا علم تاريخ أحدهما فلا يجري الاستصحاب فيه ويجري في مجهول التاريخ فيحكم بعدم
تحقق موضوع الإرث عند معلومية تاريخ الموت والشك في تقدم الاسلام عليه وتأخره
وتحققه فيما إذا علم تاريخ الاسلام وشك في تقدم الموت عليه وبين ما إذا جهل تاريخهما معا فلا
يجري الاستصحاب فيها بالتعارض وجوه (والحق هو التفصيل) وفاقا لشيخنا العلامة الأنصاري
(قده) وقبل الخوص في المقصود لابد من تنقيح محل النزاع حتى يتضح الحال إن شاء الله
تعالى (فنقول) قد ذكرنا في بحث العموم والخصوص ان الموضوع المركب من جزءين إما أن يكون
مركبا من العرض ومحله أو من عرضين لمحل واحد أو لمحلين أو من جوهرين أو من
جوهر وعرض غير قائم به اما في الصورة الأولى فحيث ان وجود العرض في نفسه عين وجوده
لموضوعه فلا محالة يكون أحد الجزءين مأخوذا نعتا للآخر اما بنحو مفاد كان الناقصة أو بنحو
مفاد ليس الناقصة والعرض بنفسه وإن كان من الموجودات الخارجية ويمكن اعتبار وجوده
النفسي موضوعا لحكم إلا أنه إذا اخذ جزء لموضوع كان جزؤه الآخر ما هو محل العرض فلابد
وان يؤخذ العرض في الموضوع بوجوده النعتي ليس إلا مثلا إذا اخذ العالم وعدالته
موضوعا لوجوب الاقتداء به فلا محالة يكون اتصاف العالم بالعدالة هو الدخيل في الموضوع
لا نفس العدالة بوجودها النفسي إذ لو كان نفس العدالة دخيلة في الموضوع فجزؤوه الآخر
وهو محله حيث إنه في نفسه ينقسم إلى العادل والفاسق وقد ذكرنا في بعض المباحث السابقة
ان كل موضوع ينقسم إلى قسمين في مرتبة سابقة على ورود الحكم عليه لابد وأن يكون
اخذه موضوعا لذلك الحكم في مقام الجعل والثبوت بنحو الاطلاق أو بنحو التقييد إذ لا يعقل
الاهمال في الواقعيات من الملتفت إلى الانقسام اما ان يؤخذ مقيدا بكونه عادلا أو مقيدا
بضده أو مطلقا بالإضافة إليهما والأول هو المطلوب من أن لازم اخذ العرض جزء للموضوع
هو اخذه بنحو مفاد كان الناقصة إذا كان الجزء الآخر هو محله والثاني والثالث غير معقول
ومناف لاخذ العدالة في الموضوع (واما في بقية الصور) فأخذ أحد الجزأين نعتا للآخر غير
متصور إذ لا معنى لكون جوهر نعتا لجوهر آخر أو العرض نعتا لعرض آخر متى فيما إذا
424

كانا عرضين لمحل واحد فضلا عما إذا كانا في محلين فاخذ شئ بنحو مفاد كان أوليس الناقصتين
ينحصر في العرض ومحله واما في غير ذلك فلا (نعم يمكن) أن يكون ما هو الموضوع للحكم
عنوانا بسيطا منتزعا من الجزأين كعنوان الحال أو القبيلة والبعدية ففي الحقيقة لا يكون الموضوع
مركبا من جزأين بل الجزءان محققان للموضوع وإلا فهما أجنبيان عن ترتب الحكم عليهما بالكلية
والمتبع في ذلك هو دلالة الدليل مع مساعدة الفهم العرفي أيضا إذ قد يكون اخذ العنوان
البسيط في الموضوع معرفا ومرآة لنفس تحقق الجزأين في الخارج كما اختار ذلك في بعض
تحقيقاته شيخنا العلامة الأنصاري (قده) في مسألة ركوع المأموم والامام راكع حيث ذهب
إلى أن محقق الجماعة هو اجتماع ركوع الإمام والمأموم في زمان واحد واخذ عنوان الحال في
الموضوع إنما هو لمجرد المعرفية ليس إلا (وكيف كان) فلا ريب في أن الموضوع إذا اخذ
فيه ما هو مفاد كان أوليس الناقصتين فلا يمكن احراز الموضوع بضم الوجدان إلى الأصل
فإن جريان الاستصحاب في نفس العرض الذي هو مفاد كان أوليس التامتين لا يترتب
عليه ما هو مترتب على مفاد كان أوليس الناقصتين وذلك واضح من دون فرق بين العلم
بتاريخ أحد الحادثين أو الجهل بتاريخهما بالكلية كما أنه إذا كان المأخوذ في الموضوع عنوانا بسيطا
منتزعا ومتولدا من الامرين فلا يمكن احرازه بضم الوجدان إلى الأصل بناء على ما عرفت في
التنبيه السابق من عدم حجية الأصول المثبتة فينحصر مورد جريان الأصل والتيام الموضوع من
ضم الوجدان إليه بما إذا كان الموضوع مركبا من نفس الجزأين بلا اعتبار أمر بسيط فيه
منتزع عنهما إذا عرفت ذلك (فنقول) إذا كان الموضوع مركبا من نفس الجزأين بنحو
اجتماعهما في الوجود زمانا الذي هو منشأ انتزاع عنوان المقارنة أو بنحو يكون منشأ لانتزاع
عنواني التأخر أو التقدم من دون دخل لاحد هذه العناوين في الموضوع فأما أن يكون كلاهما
مجهولي التاريخ أو يكون تاريخ أحدهما معلوما والآخر مشكوكا فيحتمل مقارنته معه وجودا
وتقدمه عليه أو تأخره عنه كما إذا علمنا بموت المورث واسلام وارثه من دون علم بتاريخ
أحدهما أصلا أو مع العلم به (وعلى الثاني) فإن كان تاريخ الاسلام معلوما وكان الشك في
تقدم الموت عليه وتأخره عنه فباستصحاب عدم الموت إلى زمان تحقق الاسلام يتحقق موضوع
الإرث الذي هو مركب من اسلام الوارث مع تحقق حياة مورثه كما أنه إذا كان تاريخ
الموت معلوما فباستصحاب عدم الاسلام إلى ذلك التاريخ يحكم بعدم الإرث فإن جريان
425

الأصل لا يعتبر فيه ترتب الأثر على نفس المجرى بل يكفي فيه ترتب الأثر الشرعي على
نقيضه أيضا وحيث إن الأثر الشرعي في المثال مترتب على اجتماع حياة الموت واسلام وارثة
زمانا فيكفي ذلك في جريان الأصل في طرف العدم أيضا وقد أوضحنا ذلك في بعض المباحث
السابقة فراجع (فإن قلت) الاستصحاب في طرف مجهول التاريخ وإن كان جاريا في نفسه
لكنه معارض بجريان الاستصحاب في طرف معلوم التاريخ أيضا فإن العلم بالتاريخ انما يمنع
عن جريانه بالإضافة إلى عمود الزمان وأما بالإضافة إلى الحادث الآخر فلا مانع عن جريانه
لتحقق أركانه مثلا العلم بتاريخ الاسلام وانه تحقق يوم السبت مثلا يمنع عن جريان الاستصحاب
فيه من حيث الزمان لعدم الشك بالإضافة إليه الذي هو الموضوع له واما بالنسبة إلى الزمان
الواقعي الذي وقع فيه الموت المحتمل تقدمه على الاسلام وتأخره فلا محالة يكون حدوثه
مشكوكا فيه فيجري فيه الاستصحاب (وبعبارة أخرى) الاسلام المقارن مع الحياة لم يكن
متحققا سابقا يقينا وهو مشكوك الوجود لاحقا وإن كان نفس الاسلام بما هو معلوم التحقق
فيجري فيه الأصل ويعارض به أصالة عدم الموت إلى زمان الاسلام (قلت) وجود الاسلام
المقارن مع الحياة وإن كان مشكوكا وجدانا وكان مسبوقا بالعدم لا محالة إلا أنه عبارة أخرى
عن الشك في وجود تمام الموضوع للإرث بعد العلم بعدم تحققه في زمان والأصل الجاري
فيه لا يمكن ان يعارض به الأصل الجاري في ناحية الجزء الذي هو مجهول التاريخ في المقام
فإن الشك في تحقق تمام الموضوع إنما يكون مسببا عن الشك في وجود الجزء وعدمه ضرورة
انه لو كان الحياة في زمان الاسلام معلومة لما كان يشك في وجود تمام الموضوع أصلا وحينئذ
يكون الأصل الجاري في طرف الجزء بعد ضم الوجدان إليه حاكما على الأصل الجاري في
طرف الكل ولولا ذلك لما كان يجري الأصل في الجزء في شئ من الموارد أصلا مثلا إذا كانت
الحالة السابقة للمكلف هي الطهارة وشك في بقائها فاستصحب الطهارة وصلى فكما ان مقتضى
ضم الوجدان إلى مؤدى الأصل هو تحقق الصلاة المقترنة بالطهارة بمعنى اجتماعهما في الوجود
فلا يجري استصحاب عدم الصلاة المقترنة معها فكذلك مقتضى استصحاب عدم الموت إلى
زمان الاسلام المعلوم تاريخه هو تحقق موضوع الإرث ولا يعارض استصحاب عدمه والملاك
فيهما هو ان الشك في تحقق المركب إذا كان منشأة الشك في تحقق أحد اجزائه بعد احراز
الجزء الآخر فلا محالة يكون الأصل المحرز لتحقق ذلك الجزء حاكما على أصالة عدم تحقق
426

المركب وذلك واضح بأدنى تأمل (فإن قلت) إذا كان زمان حياة المورث عند الاسلام
مأخوذا في موضوع الإرث على نحو الظرفية فالامر كما ذكرت من حكومة الأصل في ناحية
الجزء على الأصل الجاري في ناحية المركب وأما إذا كان اخذه فيه بنحو القيدية فالأصل
الجاري في طرف الحياة الذي هو أحد الجزأين معارض بالأصل الجاري في الجزء الآخر
لا محالة لا بالأصل الجاري في ناحية المركب حتى يقال بحكومة الأصل الجاري في طرف الجزء
عليه وذلك فإن ما هو معلوم الوجود خارجا هو نفس الاسلام واما الاسلام المقيد بكونه في
زمان الحياة فهو مشكوك فيه بالضرورة والأصل عدمه حتى بالقياس إلى عمود الزمان (قلت)
لا معنى لتقييد جزء الموضوع بشئ إلا اخذه في الموضوع وترتيب الحكم عليه فإن أريد
من التقييد اخذ الزمان بنحو يرجع الامر إلى اخذ العنوان البسيط في الموضوع حتى يكون
الاسلام وحياة المورث محققين له في الخارج فالأصل لا يجري في شئ من الجزأين حتى
تصل النوبة إلى التعارض سواء علم تاريخ واحد منهما أم لم يعلم التاريخ أصلا وذلك لما عرفت
من دخول الأصل حينئذ في أقسام الأصول المثبتة التي لا نقول باعتبارها بل مقتضى الأصل
حينئذ هو عدم تحقق ذلك العنوان البسيط ليس إلا وان أريد منه اخذ الزمان بنحو لا يكون
الموضوع إلا مركبا من نفس الجزأين فلا ريب ان أحد جزأيه وهو الاسلام معلوم التحقق
والشك في تحقق الموضوع انما هو من جهة الشك في تحقق الجزء الآخر والمفروض احرازه
بالأصل فأين أصل آخر جار في طرف الجزء المعلوم تاريخه حتى يعارض به الأصل في الطرف
الآخر (وبالجملة) الامر دائر بين عدم جريان الأصل بالكلية إن كان الموضوع عنوانا
بسيطا منتزعا من الامرين وبين جريانه في طرف مجهول التاريخ فقط فيما إذا كان مركبا
من نفس الجزأين فلا موضوع للتعارض أصلا (هذا كله) مع العلم بتاريخ واحد منهما (واما)
مع الجهل بتاريخ كل منهما (فلا محالة يكون الأصل في كل من الجزأين معارضا بمثله في الجزء
الآخر وليس الشك في أحدهما مسببا عن الشك في الآخر كما هو واضح فيتساقطان بالمعارضة
فكما ان استصحاب الحياة إلى زمان اسلام الوارث يقتضي تحقق موضوع الإرث فكذلك
استصحاب عدم اسلام الوارث إلى زمان موت المورث يقتضي عدمه وقد أشرنا آنفا إلى أنه
لا يشترط في جريان الأصل ترتب الأثر على نفس مؤداه بل يكفي فيه ترتبه على نقيضه
أيضا * (ثم إن هنا كلاما للمحقق صاحب الكفاية) * (قده) حيث منع في المقام عن
427

جريان الاستصحاب لا من جهة المعارضة بل من جهة عدم اتصال زمان اليقين بالشك كما أنه
منع لذلك عن جريان الاستصحاب في توارد الحالتين كالحدث والطهارة مع الجهل بتاريخهما
الا انه فرق بينهما بعدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين في المقام وبعد احراز اتصال زمان
اليقين بزمان الشك هناك ولا بد لنا من توضيح مرامه أولا ثم بيان ما يرد عليه ثانيا (فنقول)
ان غاية ما يمكن ان يقال في توضيح مرامه (قده) هو انه لا ريب في أن المستفاد من قولهم
عليهم السلام لا تنقض اليقين بالشك هو المنع عن ناقضية الشك لليقين المتصل به بحيث يكون
أحد الزمانين هو زمان اليقين والزمان الذي بعده هو زمان الشك فكما أحرز فيه هذا المعنى
فلابد فيه من الحكم بجريان الاستصحاب والبناء فيه على الحالة السابقة وكلما شك فيه أو قطع
بعدمه فلا يجري الاستصحاب اما على الثاني فواضح واما على الأول فلان الاتصال إذا كان
معتبرا في جريانه فلا محالة يكون الشك في تحققه شكا في تحقق موضوعه فالتمسك به حينئذ
يكون تمسكا بالعموم في الشبهة المصداقية وعلى ذلك لابد في جريان الاستصحاب من احراز
اتصال زماني اليقين والشك فإذا علم بتحقق حادثين كالموت واسلام الوارث مثلا مترتبا بان
علم أن يوم الجمعة هو زمان تحقق أحدهما ويوم السبت هو زمان تحقق الآخر فتحقق الموت
والاسلام في يوم السبت معلوم لا محالة الا انه لم يعلم أن كلا منهما حدث في ذلك اليوم
أو في اليوم السابق عليه فإن كان الأثر مترتبا على عدم واحد منهما في يوم الجمعة أو على
وجوده فيه فلا ريب في جريان استصحاب العدم حينئذ في اثبات الأثر الشرعي أو رفعه كما أنه
إذا كان الأثر مترتبا على وجود كل منهما في يوم الجمعة أو العدم كذلك فلا ريب في
سقوط الأصلين بالمعارضة للعلم الاجمالي بتحقق أحدهما فيه واما إذا كان الأثر مترتبا
على عدم واحد منهما في زمان الآخر فزمان الشك حينئذ هو الزمان الذي وقع فيه الآخر
واقعا وفي نفس الامر إذ المفروض انه الموضوع للأثر وهو المشكوك ففي طرف استصحاب
عدم الموت يكون زمان الشك هو الزمان الواقعي الذي وقع فيه الاسلام وحيث إن المفروض
عدم كل من الحادثين في يوم الخميس الذي هو زمان اليقين فإن كان زمان الاسلام
واقعا هو يوم الجمعة فقد اتصل زمان الشك الذي هو يوم الجمعة بيوم الخميس الذي هو زمان
اليقين واما إذا كان زمانه هو يوم السبت فلا محالة يكون زمان الموت هو يوم الجمعة
فقد انفصل زمان الشك الذي هو زمان حدوث الحادث الآخر المفروض كونه يوم السبت
428

من زمان اليقين الذي هو يوم الخميس بزمان وقوع الموت الذي هو يوم الجمعة وحيث انه
لم يحرز زمان الحادث الآخر وهو الاسلام الذي هو زمان الشك فلم يحرز اتصال زمان الشك
المردد بين كونه يوم الجمعة أو السبت بزمان اليقين الذي هو يوم الخميس واما في توارد
الحالتين كالطهارة والحدث مثلا بعد طلوع الشمس مع الشك في تقدم أحدهما على الآخر
فزمان الشك وإن كان محرزا وجدانا كأول الزوال المردد فيه المكلف بين كونه محدثا أو متطهرا
إلا أنه غير محرز لاتصاله بزمان اليقين إذ كلما يفرض قبله من الساعات إلى أول الشمس
يحتمل كونه زمان اليقين بالطهارة أو زمان اليقين بالحدث فلا الشك في الطهارة محرز الاتصال
بزمان يقينها ولا الشك في الحدث فلا يجري الاستصحاب في شئ منهما ولو مع عدم التعارض
هذا (ولا يخفى عليك) ان ذلك انما يتم لو كان قضية لا تنقض مسوقة لبيان المنع عن انتقاض
المتيقن بالمشكوك حتى يقال في أمثال المقام بعدم احراز اتصال زمان المشكوك بزمان المتيقن
لما عرفت (واما إذا كان) سوق القضية لبيان المنع عن نقض اليقين حيث إنه صفة مبرمة
بالشك الذي لا ابرام فيه بل هو مجرد التردد والتحير (فلا يعقل) الشك في الاتصال وعدمه
حتى يكون الشبهة مصداقية فإن اليقين والشك لكونهما من الصفات الوجدانية فلابد اما من
احراز اتصالهما أو احراز انفصالهما ليس إلا مثلا إذا قطع المكلف بوجوب الجلوس في المسجد
قبل طلوع الشمس ثم قطع بعدم وجوبه بعده ثم شك في وجوبه عند الزوال فلا ريب في أن
هذا الشك منفصل عن اليقين بالوجوب قبل طلوع الشمس بيقين آخر بعده فلا يكون هذا
الشك شكا في بقاء المتيقن السابق بل هو أجنبي عنه وهذا هو الضابط في الاتصال والانفصال
بمعنى ان الشك إن كان شكا في بقاء ما هو المتيقن قبله فلا محالة يكون الشك متصلا
باليقين والا فلا هذا بالنسبة إلى العلم التفصيلي (وأما) بالنسبة إلى العلم الاجمالي ففيه صور
(الأولى) ان يعلم اجمالا بارتفاع إحدى الحالتين السابقتين من دون تعين لهما في علم المكلف
أصلا كما إذا علم أن أحد الاناءين المعلوم نجاستهما قد طهر يقينا من دون تميز وتعين (الثانية)
ان يعلم بطهارة خصوص ما هو واقع في خارج السقف لإصابة المطر له مع تميزه في علم المكلف
عن الاناء الواقع تحته بمميزات وخصوصيات ولكن اشتبه الإناءان بعد ذلك (الثالثة) الصورة
بحالها ولكن مع عدم تميز الاناء الواقع في خارج السقف عن الآخر الا بهذه الإشارة الاجمالية
أعني وقوعه في خارج السقف بحيث لو أراد تمييزه خارجا لتمكن منه فتكون هذه الصورة
429

واسطة بين الصورة الأولى التي لا امتياز للمعلوم بالاجمال فيه أصلا وبين الثانية المتميز فيه
الطاهر عن غيره بمميزات خارجية قبل الالتباس والاشتباه (اما) في الصورة الأولى (فلا ريب)
في اتصال اليقين بنجاسة كل من الاناءين بالشك في طهارته فان العلم الاجمالي وإن كان
منافيا وناقضا للعلم بعدم الطهارة في البين المتولد من العلم بنجاسة كل منهما إلا أنه غير ناقض
للعلم بنجاسة كل من الاناءين بل العلم الاجمالي بالطهارة موجب للشك في بقاء نجاسة كل منهما
وليس هناك بين زمان اليقين بنجاسة كل منهما وزمان الشك في بقائها زمان آخر فاصل بينهما
فإنه قبل زمان العلم الاجمالي بالطهارة كان نجاسة كل منهما متيقنة وزمان العلم الاجمالي بالطهارة
بعينه هو زمان الشك في البقاء ضرورة ان العلم الاجمالي إنما هو العلة والموجب للشك في بقاء
نجاسة كل من الاناءين والعلة وإن كانت متقدمة على المعلول بالرتبة الا انها مقارنة معه زمانا
فليس هناك فاصل زماني بين اليقين بنجاسة كل من الاناءين والشك في نجاسته فلا محالة
يكون كل من الاستصحابين في حد نفسه جاريا ويكون ساقطا بالتعارض اما لأجل لزوم
المخالفة القطعية من جريانهما معا كما إذا كانت الحالة السابقة لهما هي الطهارة وعلم اجمالا بنجاسة
أحدهما أو لأجل كون الاستصحاب من الأصول المحرزة التي يمنع العلم الاجمالي بالخلاف
عن جريانهما معا ولو لم يكن هناك مخالفة قطعية على ما أوضحنا الحال فيه في بعض المباحث
السابقة ومن هذا القبيل اسلام الوارث وموت المورث المعلوم تحقق أحدهما يوم الجمعة والآخر
يوم السبت فإن العلم الاجمالي بتحقق أحدهما يوم الجمعة هو الموجب للشك في انتقاض كل
من الحياة وعدم اسلام الوارث يوم الجمعة وقد ظهر بالبيان المذكور اتصال زمان اليقين بالشك
في مثل هذا الفرض وعلى ذلك فالمانع عن جريانهما إلى زمان اليقين بتحقق الموت والاسلام
هو التعارض بين الأصلين ليس الا (واما) الصورة الثانية (فلا ريب) فيها ان اليقين بنجاسة الاناء
الواقع خارج السقف المتميز عن غيره بمميزات خارجية قد انتقض باليقين بطهارته وسقط فيه
الاستصحاب لحصول غايته وإذا اشتبه الإناءان بعد ذلك وحصل الشك في نجاسة كل واحد
منهما فلم يحرز اتصال زمان اليقين بالنجاسة فيه بالشك فيها لاحتمال تخلل اليقين بينهما (وبعبارة
واضحة) بعد اشتباه الاناءين نعلم اجمالا بسقوط الاستصحاب في أحدهما المعين الغير المتميز
عندنا المشتبه بالآخر فيكون التمسك به في كل منهما من التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية
فكم فرق بين هذه الصورة وسابقتها فان العلم الاجمالي في هذه الصورة انما تحقق بعد
430

الاشتباه والعلم التفصيلي بطهارة أحدهما المعين القاطع للاستصحاب والناقض لليقين السابق وهذا
بخلاف الصورة السابقة التي لم يكن فيها علم تفصيلي وإنما كان المعلوم طهارته هو أحدهما لا
بعينه وهو بنفسه غير مناقض للعلم بنجاسة كل منهما وإنما يوجب الشك بالإضافة إلى كل
منهما المقارن مع العلم الاجمالي زمانا فزمان الشك في كل منهما متصل بزمان يقينه لا محالة
(واما) الصورة الثالثة (فهي) وإن كانت ذات جهتين فيمكن الحاقها بالصورة الأولى كما
يمكن الحاقها بالصورة الثانية الا ان التحقيق هو الالحاق بالثانية إذ المفروض ان القطع بنجاسة
ذلك الاناء المعين الشخصي الواقع في خارج السقف قد طهر يقينا بإصابة المطر فقد انتقض يقينه
السابق بيقين آخر فبعد اشتباهه بالاناء الآخر وإن كان نجاسة كل منهما مشكوكا فيه مع
العلم بنجاسته سابقا الا انه انفصل زمان في البين بين الشك واليقين بالنجاسة كانت الطهارة
في ذلك الزمان في أحدهما المعين متيقنة والشك فعلا انما هو في تعين ذلك المعين فلم يحرز
اتصال زمان اليقين بالشك في شئ منهما وهذا بخلاف الصورة الأولى فان المفروض فيها
عدم تعلق العلم الا بالجامع بين الأطراف وقد عرفت انه لا يوجب انتقاض اليقين في كل
واحد واحد من الأطراف بيقين آخر بل يوجب الشك في الانطباق الموجب للشك في البقاء في
كل واحد واحد وان تأخر الشك من العلم الاجمالي انما هو بالرتبة لا بالزمان فاليقين بنجاسة
كل من الأطراف وان ارتفع بالعلم الاجمالي وجدانا الا انه تبدل في كل واحد منهما بالشك
في البقاء الذي هو الموضوع للاستصحاب فلولا معارضة الاستصحاب في كل من الأطراف
بجريانه في الطرف الآخر لكان جاريا فيه بلا مانع (فظهر مما ذكرناه) فساد ما افاده فقيه
عصره في عروته من جريان استصحاب النجاسة في جميع الصور الثلاث حيث قال إذا علم
نجاسة الشيئين وقامت البنية على طهارة أحدهما الغير المعين أو المعين فاشتبه عنده أو هو طهر
أحدهما ثم اشتبه حكم عليهما بالنجاسة عملا بالاستصحاب إذ قد عرفت سقوط الاستصحابين
في الصورة الأولى بالمعارضة وعدم جريانهما في الأخيرتين لعدم اتصال زمان اليقين بالشك
ويتفرع على ذلك أنه إذا تردد أمر القطرة الواقعة في الثوب المرددة بين كونها من الدم المتخلف
المعلوم طهارته بالذبح بناء على نجاسة مطلق الدم حتى ما كان في الباطن قبل الذبح وكونها
من الدم المسفوح المعلوم نجاسته لما جرى فيه استصحاب النجاسة بل لابد من الرجوع إلى
قاعدة الطهارة وذلك فان دم الحيوان المذبوح بعد ذبحه انقسم إلى قسمين فقسم منه حكم بالطهارة
431

اما متميزا عن القسم الاخر بالمميزات الخارجية كما في القسم الثاني من الصورة المتقدمة أولا مع
ذلك بل مع تعينه بمعرفية بقائه في الباطن كما في القسم الثالث وعلى كل حال فقد مضى زمان علم تفصيلا
بطهارة مقدار خاص من الدم المفروض نجاسة كله سابقا وانما وقع الاشتباه بعد ذلك فقد انفصل
زمان اليقين بالنجاسة عن زمان الشك فيها بزمان اليقين بالطهارة في بعض المصاديق المحتمل كون
هذه القطرة منها فلم يحرز فيها اتصال زمان اليقين بزمان الشك كما في مثال الاناءين وهكذا الحال فيما إذا دار
الامر بين كون الدم من الدم المنتقل إلى جوف البق المعلوم طهارته بالانتقال أو الخارج من بدن الانسان
والحكم في جميع ذلك هو الطهارة ولا موقع لجريان استصحاب النجاسة لعدم احراز اتصال
زمان اليقين بالشك (فتحصل) من جميع ما ذكرناه ان المانع من جريان الأصل في مجهولي
التاريخ انما هو تعارض الأصلين في الطرفين فلو كان الأثر الشرعي مترتبا على أحدهما
دون الآخر لجرى الأصل فيه بلا معارض إذ المفروض عدم ترتب الأثر على الطرف الآخر
حتى يعارض به الأصل الجاري فيما له اثر (فإن قلت) إذا علم بتحقق اسلام الوارث وموت
مورثه مع الجهل بتاريخهما فلابد هناك من فرض أزمنة ثلاثة (أحدهما) زمان اليقين بعدم
تحقق شئ منهما (والثاني) زمان العلم بتحقق أحدهما المشكوك فيه حدوث الموت في
عمود الزمان وحدوث الاسلام كذلك (والثالث) زمان العلم بحدوث كل منهما الذي
هو زمان الشك في حدوث كل منهما عند عدم تحقق الآخر إذ لولا العلم بحدوث كل من
الموت والاسلام لما كان الشك في عدم كل منهما في زمان الآخر متحققا إذ المفروض عدم
احراز تحقق الاخر حتى يستصحب الحالة السابقة المتيقنة فلولا العلم بوجود الموت مثلا كيف
يمكن استصحاب عدم الاسلام إلى زمانه كما أنه لولا العلم بتحقق الاسلام كيف يمكن
استصحاب عدم الموت إلى زمانه فزمان الشك في عدم كل منهما في زمان حدوث الاخر
لا بد وأن يكون مع العلم بتحققهما خارجا مع الشك في تقدم أحدهما على الآخر وبالجملة الأثر
المهم إن كان مترتبا على نفس عدم الموت أو الاسلام فلا محالة يكون ظرف هذا الشك
هو زمان العلم بتحقق أحدهما الذي هو الزمان الثاني من الأزمنة المفروضة وهو متصل بزمان
اليقين واما إذا كان مترتبا على العدم في زمان تحقق الامر فلابد من احراز تحقق الآخر حتى
يشك في بقاء الحالة السابقة إلى ذلك الزمان فإذا كان زمان الشك هو الزمان الثالث من الأزمنة
المفروضة والمفروض ان زمان اليقين بعدم حدوث كل منهما انما هو الزمان الأول منهما فقد
432

انفصل زمان اليقين من زمان الشك فاحتمال وجود كل منهما في الزمان الثاني الذي هو زمان
العلم بتحقق أحدهما مانع عن احراز اتصال زمان اليقين بالعدم في كل منهما الذي هو الزمان
الأول بزمان الشك الذي هو الزمان الثالث ولعل هذا هو مراد المحقق صاحب الكفاية (قده)
من عدم احراز اتصال زمان اليقين بزمان الشك في مفروض المقام (قلت) قد ذكرنا مرارا انه
لا يعتبر في الاستصحاب تقدم زمان اليقين على زمان الشك فلو شك في عدالة زيد يوم
الجمعة ثم علم يوم السبت بعدالته يوم الخميس فلا ريب في جريان الاستصحاب كما أنه لو
حصل اليقين والشك في زمان واحد مع تقدم زمان المتيقن على المشكوك يجري الاستصحاب
أيضا فإذا لم يكن تقدم زمان اليقين على الشك معتبرا في جريانه فأي وقع لعدم اتصال زمان
حدوث الشك بزمان حدوث اليقين (نعم) عدم انفصال زمان اليقين عن زمان الشك
باليقين بانتقاض الحالة السابقة في بعض الأزمنة مانع عن جريانه ولكنه غير متحقق في المقام
كما عرفت فزمان حدوث الشك في المقام وإن سلمنا كونه هو الزمان الثالث من الأزمة المفروضة
إلا أن متعلقه هو بقاء عدم الموت مثلا إلى زمان اسلام الوارث المعلوم حدوثه في الزمان الثاني
أو الثالث فاحتمال حدوث كل منهما في الزمان الثاني الذي هو زمان العلم بحدوث أحدهما
هو الموجب لاتصال زمان اليقين بالشك بالمعنى الذي ذكرناه لا انه مانع منه كما توهم (وعلى
كل حال) فقد ظهر مما ذكرناه عدم الفرق في جريان الاستصحابين مع قطع النظر عن تعارضهما
بين ما إذا علم بتقدم أحد الحادثين على الآخر أو لم يعلم ذلك بأن احتمل مقارنتهما فإن وجود
كل منهما في ظرف تحقق الآخر يكون مشكوكا فيه لا محالة فيستصحب عدمه ويلتئم الموضوع
المركب منه ومن وجود الآخر بضم الوجدان إلى الأصل (هذا كله) في ما إذا شك في بقاء
الحالة السابقة على العلم بحدوث كل واحد من جزئي الموضوع المركب (واما) إذا علم حدوث
أمرين وارتفاع الأول منهما بالثاني وشك في المتقدم والمتأخر منهما كما في الطهارة والنجاسة
أو الطهارة والحدث (فهل يلحق ذلك) بالموضوعات المركبة فيجري الأصل في مجهول التاريخ
دون معلومه أولا (وجهان) ظاهر كلام شيخنا العلامة الأنصاري (قده) هو الالحاق والمختار
عندنا عدمه (وتوضيح المقام) هو أن الحادثين المتضادين إما أن يكون تاريخ أحدهما معلوما دون
الآخر أو يكون تاريخ كليهما مجهولا (اما مع الجهل) بتاريخهما (فربما يقال) بعدم جريان
الاستصحاب في شئ منهما نظرا إلى عدم احراز اتصال زمان اليقين بالشك بالتقريب المتقدم
433

وقد عرفت الجواب عنه بما لا مزيد عليه فلا مانع من جريانه في كل منهما في حد نفسه مع قطع
النظر عن تساقطهما بالتعارض (واما مع العلم) بتاريخ أحدهما (فلا ريب) في جريان الاستصحاب
فيه بالقياس إلى المعلوم فإذا شك في بقاء الطهارة المعلوم تاريخها مع العلم بوقوع حدث مردد
بين سبقه عليها وتأخره عنها فلا مانع من جريان استصحاب الطهارة في ظرف الشك (وتوهم)
جريان استصحاب عدم تحقق الحدث قبل الطهارة فيثبت بذلك تأخره فلا يبقى معه مجال
لاستصحاب الطهارة (مدفوع) بأن استصحاب العدم قبل الطهارة لا يترتب عليه تأخر الحدث
عنها حق يثبت به كون المكلف في ظرف الشك محدثا الا على القول بالأصل المثبت وقد
عرفت أن الشك في المقام إنما هو بلحاظ البقاء دون الحدوث (وأما) بالنسبة إلى المجهول تاريخه
وهو الحدث في المثال (فربما يقال) بعدم جريان الاستصحاب فيه تارة من جهة عدم احراز
اتصال زمان اليقين بالشك فيه واخرى من جهة ان أمره مردد بين ما هو مقطوع
الارتفاع كما إذا كان قبل الطهارة وما هو مشكوك الحدوث من جهة احتمال حدوثه
بعدها المحكوم بالعدم بالأصل (ولكنك) قد عرفت حديث شرطية احراز اتصال زمان
اليقين بالشك وان دوران أمر الحادث بين كونه مقطوع الارتفاع أو مشكوك الحدوث انما
يضر باستصحاب الفرد دون الكلي فلا مانع من جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ أيضا
بنحو استصحاب الكلي فلا محالة يقع المعارضة بينهما ولابد (حينئذ) من الرجوع إلى أصل
آخر (ومن هنا) يظهر الحال في المغسول بمائين مشتبهين بالنجاسة ولو كان الغسل ثانيا بماء قليل
فإن نجاسة المغسول عند ملاقاة الماء الثاني وإن كانت معلومة تفصيلا اما من جهة تنجسه بملاقاته
أو من جهة بقاء نجاسته السابقة من جهة ملاقاة الماء الأول ومشكوك الارتفاع بانفصال الغسالة
عنه الا ان غاية ذلك هو جريان الاستصحاب في طرف النجاسة شخصيا وهذا لا ينافي جريان
الاستصحاب في طرف الطهارة كليا ضروة ان وجود الطهارة مع قطع النظر عن خصوصية كونه
بعد الغسل بالماء الثاني أو قبله معلوم تفصيلا ومشكوك بقاؤه وجدانا فغاية الامر هو وقوع المعارضة بين
استصحاب الكلي والشخصي لا انه لا يجري الاستصحاب الا في طرف معلوم التاريخ (وربما يقال)
في المقام بوجوب الاخذ بضد الحالة السابقة المعلومة نظرا إلى أن الحالة السابقة قد ارتفعت بحدوث ما
يضادها والشك إنما هو في ارتفاعه فيستصحب وجوده مثلا إذا كان الحالة السابقة للمكلف هو الحدث
وعلم بوجود حدث ووضوء بعدها وشك في المتأخر منهما فالحدث السابق قد ارتفع بالوضوء
434

بعده قطعا وكلي الحدث وإن كان مشكوك البقاء فعلا الا انه ناش عن وجود فرد آخر له
بعد ارتفاع الفرد الأول فلا يكون الاستصحاب جاريا فيه وما نحن فيه من هذا القبيل (ومنه)
يعلم حال الغسل بالماءين المشتبهين فيما إذا كانت الحالة السابقة هي الطهارة أو النجاسة (ولكنه
ناش) من الخلط بين استصحاب الكلي الجامع بين الفردين وبين استصحاب الكلي بين
الزمانين وما هو ممنوع الجريان في المقام إنما هو الأول دون الثاني (توضيح ذلك) ان
الحدث السابق في مفروض المثال وإن كان قد ارتفع قطعا ولا يمكن اجراء الاستصحاب من
جهته لا شخصا ولا كليا الا ان وجود الحدث الأعم من البقاء والحدوث عند تحقق موجبه
ثانيا معلوم وجدانا ومشكوك الارتفاع كذلك غاية الأمر ان منشأ الشك في بقائه انما هو الشك
في تقدمه على الوضوء وتأخره عنه فالمستصحب انما هو شخص الحدث المعلوم وكليته من جهة
عدم العلم بزمانه فكم فرق بينه وبين استصحاب الكلي المتوهم (فتحصل) مما ذكرناه ان الوصفين
المتضادين إذا علم تحققهما وشك في المتأخر منهما فلا محالة يكون الاستصحاب في كل منهما جاريا
من غير جهة التعارض من دون فرق بين العلم بتاريخ أحدهما أو الجهل بتاريخهما غاية الأمران
في صورة العلم بتاريخ أحدهما يكون الاستصحاب في طرف المعلوم شخصيا وفي طرف المجهول
كليا ومن المعلوم انه لا ينفع ذلك في دفع المعارضة كما هو ظاهر (بقي هناك) قسم اخر قد
ظهر حكمه مما ذكرناه في الموضوعات المركبة من أن جريان الاستصحاب فيها في مجهول
التاريخ في طرف أو طرفين مشروط بما إذا لم يؤخذ في الموضع أمر بسيط ملازم لوجود الجزءين
والا فالأصل لا يجري في شئ من معلوم التاريخ ومجهوله وبترتيب على ذلك أنه لو علم كرية
ماء وملاقاة النجاسة وشك في التقدم والتأخر فلا مجال لجريان استصحاب عدم الملاقاة قبل
الكرية مطلقا علم بتاريخه أم لا وذلك فان المستفاد من قوله (ع) (إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه
شي) ان الموضوع لعاصمية الماء هو كريته السابقة على الملاقاة حتى تكون الملاقاة ورادة على
الكر ولذا بنينا على عدم كفاية تتميم المتنجس كرا فإذا كان الماء مسبوقا بالقلة وعلم بحدوث الكرية
وملاقاته للنجاسة وشك في تقدم أحدهما على الاخر فلا يمكن التمسك باستصحاب عدم الملاقاة
إلى زمان الكرية سواء علم تاريخه أم لا اما مع العلم بتاريخه فلما عرفت من أن الاستصحاب
انما هو الحكم بجر المتقين السابق في عمود الزمان فلا معنى له مع عدم الشك فيه بالقياس إلى
الزمان واما مع الجهل بتاريخه فلعدم ترتب الأثر عليه ضرورة ان الأثر المطلوب وهو الحكم بعدم
435

تنجس الماء مترتب على ورود الملاقاة على الكر بعد فرض تحققه الملازم عقلا مع عدم الملاقاة
قبل الكرية واثبات ذلك بالأصل موقوف على القول بالأصول المثبتة واما استصحاب عدم الكرية
إلى زمان الملاقاة فيدور جريانه وعدمه مدار الجهل بتاريخها وعدمه فلو كان تاريخها معلوما فلا
يجري فيه لما عرفت من اشترطه بالجهل به واما مع الجهل فلا مانع من جريانه واثبات النجاسة به
لاحراز الموضوع حينئذ وهو ملاقاة النجاسة مع القليل أو مع عدم الكرية على الكلام في اشتراط التنجس
بالقلة أو مانعية الكرية عنه بضم الوجدان إلى الأصل فظهر انه مع الجهل بتاريخهما لا مناص عن
الرجوع إلى استصحاب عدم الكرية إلى زمان الملاقاة والحكم بالنجاسة كالعلم 4 بتاريخ الملاقاة
والجهل بتاريخ الكرية واما مع العلم بتاريخ الكرية والشك في تاريخ الملاقاة فلا يجري الاستصحاب
في الطرفين اما في طرف الكرية فلعدم الشك فيه في عمود الزمان واما في طرف الملاقاة
فلعدم ترتب الأثر الشرعي عليه الا على القول بالأصل المثبت (ولكنه) مع ذلك لا يمكن الرجوع
إلى قاعدة الطهارة بل لابد من الحكم بالنجاسة لما مر في بعض المباحث السابقة من أن تعلق
الحكم على أمر وجودي كالكرية في المثالث يقتضي لزوم احرازه فإذا قال المولى لا تأذن في دخول
داري الا للعلماء يفهم منه عرفا عدم جواز الاذن لخصوص معلوم العالمية ولا يمكن التمسك
بالبرائة معه في ظرف الشك فالحكم بالطهارة في المقام لابد وأن يكون مع احراز الكرية
ومع عدمه فلا مناص عن الحكم بالنجاسة (ومنه يظهر) حال الماء الغير المعلوم حالته السابقة مع
العلم بملاقاته للنجاسة واتصافه بالكرية في زمان نعم لو علم كريته سابقا ثم طرأ عليه القلة والملاقاة
وشك في التقدم والتأخر فاستصحاب الكرية إلى زمان الملاقاة يكون محكما لا محالة ولا
يعارض ذلك باستصحاب عدم الملاقاة إلى زمان القلة فإنه لا يثبت بذلك تأخر الملاقاة من
القلة حتى يترتب عليه الانفعال (هذا) مع الجهل بتاريخهما أو مع العلم بتاريخ الملاقاة (واما مع)
العلم بتاريخ القلة فاستصحاب عدم الملاقاة إلى زمان القلة وإن لم يثبت به تأخره عنها الا أن
استصحاب الكرية إلى زمان الملاقاة غير جار أيضا لما عرفت من اشتراط الجريان بكون
المتيقن مشكوكا في عمود الزمان والمفروض عدم الشك في الكرية في عمود الزمان في المثال فلا
بد من الحكم بالنجاسة بناء على ما قويناه من اقتضاء تعليق الحكم على الامر الوجودي لاحرازه
وإلا فلا مناص عن الرجوع إلى قاعدة الطهارة (فتحصل من جميع ما ذكرناه) أن التفصيل
في جريان الاستصحاب بين مجهول التاريخ ومعلومه مختص بخصوص الموضوعات المركبة
436

الغير المأخوذ فيها عنوان آخر كاسلام الوارث وموت مورثه واما فيما إذا اخذ عنوان آخر كما اخذ
سبق الكرية في موضوع عدم الانفعال فلا يجري فيه الأصل مطلقا كان معلوم التاريخ
أم لا كما أن الشك إذا كان راجعا إلى البقاء دون الحدوث كما في الأوصاف المتضادة فالأصل
يجري في معلوم التاريخ ومجهوله على حد سواء
(التنبيه العاشر) ربما يتمسك باستصحاب الصحة فيما لو عرض في أثناء العمل ما يحتمل
معه بطلانه فيقال ان العمل قبل تحقق هذا الامر الطارئ كان صحيحا والأصل بقاؤه على ما كان
وبذلك قيل بصحة العمل مع الزيادة العمدية في غير ما دل الدليل على ابطالها له كما في الصلاة
(وأورد عليه) شيخنا العلامة الأنصاري (قده) بما (حاصله) ان احتمال فساد العمل قد ينشأ
من وجود ما يحتمل دخل عدمه في الواجب أو عدم ما يحتمل دخل وجوده فيه وقد ينشأ
من وجود ما يحتمل معه ارتفاع أمر آخر معتبر فيه قطعا من دون دخل لنفسه في الواجب
وجودا وعدما (أما الأول) فلا يجري فيه الاستصحاب فإن الصحة المستصحبة (إن أريد) منها
صحة مجموع العمل المتوقفة على اتيان تمام اجزاء الواجب وقيوده فمن الظاهر أنها مشكوكة
غير متيقنة (وإن أريد) منها صحة الأجزاء السابقة أعني بها قابليتها لانضمام الأجزاء الباقية
إليها بحيث لو انضم إليها الباقي لتم فهي وإن كانت متيقنة سابقا الا ان الشك ليس من جهة
ارتفاعها بل هي على ما كانت والشئ لا ينقلب عما وقع عليه بل من جهة فعليه الانضمام وعدمها ومن
المعلوم انه ليس هذا المشكوك مما له حالة سابقة أصلا فضلا عن كونها معلومة (وبعبارة واضحة)
مع الزيادة العمدية مثلا نقطع ببقاء الأجزاء السابقة على ما كانت عليها من أنها وقعت بحيث
لو ضم إليها بقية الأجزاء والقيود لتم الواجب وكمل الا أن الشك في فعلية الانضمام بعد
الزيادة من جهة احتمال دخل عدمها فيه وهذا الشك لا يرتفع ببقاء الصحة وجدانا فضلا عن
احرازها بالتعبد (وأما الثاني) فيجري فيه الاستصحاب فإن عدم الطارئ بنفسه غير معتبر في
الواجب على الفرض بل احتمال الفساد انما نشأ من ارتفاع الهيئة الاتصالية المعتبرة جزء صوريا
للواجب فمع الشك فيه يتعبد ببقائها بالاستصحاب (توضيح ذلك) إن الاعدام المعتبرة في
الصلاة مثل على قسمين (منها) ما يكون نفسه معتبرا فيها ولو باعتبار مانعية الوجود وهذا الذي
لا يمكن الرجوع فيه مع الشك إلى الاستصحاب بل لا بد من الرجوع إلى أصل آخر
من براءة أو اشتغال على الكلام في الأقل والأكثر (ومنها) ما لا يكون نفسه معتبرا فيها بل إن
437

الصلاة حيث إنها عبادة خاصة واعتبرت فيها الهيئة الاتصالية على خلاف جملة من الواجبات
الغير المعتبر فيها الا ذوات الاجزاء والشرائط لما ورد في جملة من الأدلة اطلاق القاطعية على
جملة من الأمور كاستدبار القبلة ونحوه فتلك الأمور القاطعة لها يكون عدمها معتبرا فيها
لا محالة لكن لا باعتبار ان نفس العدم معتبر فيها شرطا أو جزء بل من جهة ارتفاع الهيئة الاتصالية
مع الوجود فإذا شك في بقاء الهيئة وعدمه من جهة احتمال وجود القاطع أو القاطعية فلا مانع عن
الرجوع إلى الاستصحاب واحراز تحقق الجزء الصوري به كما يجري الأصل في احراز بقية الأجزاء
والشرائط (فملخص) ما افاده هو الفرق بين الشك في المانعية والشك في القاطعية
فيتمسك بالاستصحاب في الثاني دون الأول (ولكن مقتضى التحقيق) ان يقال إنه لم يظهر
لنا بعد أن اعتبار المانعية يغاير اعتبار القاطعية بل الظاهر من الأدلة هو اعتبار نفس الاعدام
في الصلاة مطلقا من جهة مانعية الوجودات (غاية الأمر) ان بعض الاعدام معتبر في خصوص
الافعال والاذكار وبعضها معتبر فيها مطلقا ولو في حال السكنات وعدم الاشتغال بشئ منها
ومجرد تسمية القسم الثاني بالقاطع لا يكشف عن اعتبار الهيئة الاتصالية حتى لا يكون العدم
معتبرا الا من جهة الاخلال بها على أن اعتبار الهيئة الاتصالية على تقدير تسليمه لا ينافي تعلق الطلب
الغيري بنفس الاعدام أيضا كبقية الاجزاء والشرائط فاستصحاب الهيئة الاتصالية وإن كان
يحرز به وجودها الا انه لا يحرز بذلك انضمام بقية القيود التي يحتمل كون عدم هذا الامر
الطارئ المحتمل قاطعيته منها إليها فإن بقاء الهيئة الاتصالية لا يرفع به الشك في اعتبار عدم
ما يحتمل قاطعيته إلا على القول بالأصل المثبت فلا مناص حينئذ من الرجوع إلى أصل آخر
من براءة أو اشتغال (وبالجملة) ان ما افاده (قده) من التفصيل مبنى على أمرين كل منهما في
حيز المنع (الأول) اعتبار الهيئة الاتصالية في الواجب زائدا على اعتبار بقية الأجزاء والشرائط
(الثاني) عدم تعلق الطلب الا بنفس الهيئة من دون ان يتعلق بتلك الاعدام طلب أصلا
(التنبيه الحادي عشر) لا ريب في أن جريان الاستصحاب مشروط بوجود اثر
قابل لترتيبه في ظرف الشك سواء كان المستصحب من الأحكام الشرعية أو الموضوعات اللغوية
أو الخارجية (ومنه) يعلم عدم جريانه في الأمور الاعتقادية المطلوب فيها اليقين والاعتقاد
لعدم إفادته القطع بل الظن غالبا (ومن ذلك يظهر) عدم جواز تمسك الكتابي بعدم نسخ
شريعته بالاستصحاب حيث إن المطلوب في النبوة هو تحصيل الاعتقاد (وعدم) ترتبه على
438

الاستصحاب في غاية الوضوح (هذا مضافا) إلى أن حجيته ليست ضرورية بل لابد من إقامة الدليل
عليها (فإن كان) من الشريعة السابقة (فاثباتها) يتوقف على بقائها وهو يستلزم الدور (وإن كان)
من الشريعة اللاحقة (فحجيته) تتوقف على نسخ الشريعة السابقة فإثباتها به مستلزم للخلف
(وكيف كان) فعدم جواز التمسك به في الأمور الاعتقادية (في غاية الوضوح) ولا مقتضي
لاتعاب النفس فيه بأزيد من ذلك كما فعله العلامة الأنصاري (قده) وقد صدر من قلمه
الشريف في المقام لم يصدر منه فراجع
(التنبيه الثاني عشر) لا ريب في أن الأصول العملية ومنها الاستصحاب إنما يتوقف
جريانها على عدم وجود دليل اجتهادي في مواردها ضرورة انه معه لا يبقى لها الموضوع وهو
الشك في الحكم الواقعي فإن الدليل الاجتهادي ولو كان هو العموم يكون رافعا للشك لا محالة
فلا يبقى مجال لجريانها من دون فرق بين كون العموم على وفقها أو على خلافها الا انه ربما
يشكل في بعض الموارد باعتبار عدم تميز كون المورد من موارد التمسك بالعموم أو الاستصحاب
كما إذا خصص العام المفيد للعموم الزماني زائدا على عمومه الا فرادي في بعض الأزمنة فيشك
فيما بعد ذلك الزمان في أن مقتضى القاعدة هو الرجوع إلى العام أو التمسك باستصحاب حكم المخصص
ولابد لتوضيح المرام من تقديم مقدمات (الأولى) ان كل ما هو موجود في عالم الكون والفساد
فله إضافة إلى الزمان والمكان وباعتبار اضافته إلى الزمان يكون معروضا لمقولة متى وباعتبار
اضافته إلى المكان يكون معروضا لمقولة الأين فالزمان والمكان ظرفان لوقوع الموجود في العالم
ومن الضروري ان طبع الزمان لا يقتضي أزيد من ذلك وأما اعتبار الزمان قيدا مكثرا فهو
محتاج إلى عناية زائدة ودليل مخصوص وعلى ذلك يبتني جريان الاستصحاب لما عرفت من أنه
إذا أخذ قيدا مكثرا للوجوب أو الواجب فلا محالة يكون ما هو المتيقن مغايرا مع المشكوك
فلا يمكن التمسك بالاستصحاب لعدم اتحاد القضية المتيقنة مع المشكوكة (الثانية) ان الزمان
حيث أنه مقدر للحركات فلا محالة يكون معتبرا في ناحية أصلا (ثم أن) اعتباره في أحدهما إما
أن يكون بنحو الظرفية أو القيدية وعلى كل التقديرين (فإما) أن يكون العموم استغراقيا بحيث
يكون كل زمان موضوعا للحكم مستقلا (وإما) أن يكون مجموعا بحيث يكون مجموع الأزمنة
محكوما بحكم واحد فمع العصيان في آن واحد يسقط الحكم بالكلية كما هو الحال في العموم
439

المجموعي في غير الزمان أيضا (ثم أنه) على تقدير أخذه في المتعلق ظرفا أو قيدا استغراقيا أو
مجموعيا فيمكن أن يكون الدال على عمومه نفس الدليل المتكفل لجعل الحكم بالمطابقة فإن
الحكم كما يرد على المتعلق يرد على جميع القيود المعتبرة فيه أيضا ويمكن أن يكون دليل
آخر متصل به أو منفصل عنه وعلى كل حال يكون العموم الزماني في مرتبة سابقة على الحكم
وهذا بخلاف ما اخذ في ناحية الحكم فإنه عليه يستحيل كون الدليل المتكفل لجعل الحكم
متكفلا لبيان استمراره فإن العموم الوارد على الحكم يكون من قبيل الأحكام الثابتة لموضوعاتها
فيكون الحكم في مرتبة سابقة عليه فلابد وأن يكون مفروض الوجود حين الحكم بعمومه فيستحيل
كونه مجعولا عند جعله فلابد من كون الدال عليه أمرا مغايرا لما يدل على نفس الحكم من مقدمات
الحكمة أو الاجماع أو دليل منفصل (الثالثة) قد عرفت ان أخذ الزمان قيدا في الحكم
أو المتعلق انما يغاير اخذه ظرفا فيهما في جواز التمسك بالاستصحاب عند الشك وعدمه وأما
أخذه في ناحية المتعلق فإنما يفترق عن اخذه في ناحية الحكم في أنه متى علم التخصيص في
زمان وشك فيما بعده فيتمسك بالعموم على الأول دون الثاني (توضيح ذلك) ان الزمان
إذا اخذ في ناحية المتعلق ظرفا أو قيدا استغراقيا أو مجموعيا فقد عرفت أن الحكم يرد عليه
والعموم الزماني كالأفرادي يكون في مرتبة سابقة عليه فكما ان خروج بعض الافراد لا يضر
بالتمسك به في غيره فكذلك خروج بعض الأزمنة التي لا يضر بالتمسك به في غيره فإن المفروض ان كل زمان مشمول للحكم كالأفراد فإذا خرج بعض
الأزمنة عن العموم كما في مورد خيار الغبن فلا مانع عن التمسك في غيره بالعموم ولو فرضنا
مانعا عن التمسك به فلا يمكن التمسك بالاستصحاب أيضا في الآن الثاني فيما كان الزمان مأخوذا قيدا
فإن الشك حينئذ لا يكون في البقاء بل في حدوث حكم لفرد آخر كما هو ظاهر وأما
إذا اخذ الزمان في ناحية الحكم فحيث ان العموم ورد على الحكم فلا يمكن أن يكون الدليل
المتكفل له متكفلا لأصل ثبوته بل لابد وأن يكون ثبوت أصله مفروغا عنه ومفروض الوجود
حتى يكون الدليل متكفلا لبيان استمراره وحيث إن أصل الحكم بعد ثبوت تخصيصه في زمان
يكون مشكوك الوجود فلا يمكن التمسك بدليل العموم لاثبات استمراره (وبعبارة واضحة)
العموم الثابت للحكم من قبيل العرض الثابت للموضوع والدليل المثبت للعرض لموضوعه على
تقدير وجوده يستحيل أن يكون متعرضا لحال وجود موضوع وعدمه بل غايته هو اثبات
العرض له عند تحققه ووجوده فقوله (ع) (حلال محمد صلى الله عليه وآله حلال إلى يوم القيامة) غير ناظر
440

إلا إلى اثبات استمرار الحلية على تقدير ثبوتها فكما انه لا يثبت حلية الشئ عند الشك فيها مطلقا
فكذلك لا يثبت حليته عند الشك فيها بعد التخصص في زمان فلا مناص في أمثال هذه الموارد
عن التمسك بالاستصحاب (ومنه يظهر) انه لو لم يمكن التمسك به أيضا كما في موارد اخذ
الزمان قيدا لما أمكن التمسك بالعموم أيضا (فتحصل) ان موارد التمسك بالعموم مغايرة بالذات
مع موارد التمسك بالاستصحاب (كما ظهر) ان التفرقة بينهما بأخذ الزمان قيدا أو ظرفا على
ما توهم من ظاهر عبارة العلامة الأنصاري (قده) في غير محله بل الفارق هو ما ذكرناه من
أنه إذا اخذ الزمان في ناحية الحكم فلا مجال للتمسك بالعموم كما أنه إذا اخذ في ناحية المتعلق
فلا مناص عن التمسك به وعبارة شيخنا العلامة (قده) في غير محله بل الفارق هو ما ذكرناه من
أنه إذا اخذ الزمان في ناحية الحكم فلا مجال للتمسك بالعموم كما أنه إذا اخذ في ناحية المتعلق
فلا مناص عن التمسك به وعبارة شيخنا العلامة (قده) وإن كانت قاصرة عن إفادة ذلك في
المقام إلا أن عبارته في بحث خيار الغبن من المكاسب ظاهرة فيه وبذلك تندفع الاشكالات
الكثيرة التي أوردت عليها فراجع وتأمل في فهم مرامه (قده) (هذا فيما علم) أن الزمان اخذ
في ناحية الحكم أو المتعلق (وأما) إذا شك في ذلك (فتارة) يكون الشك في أصل اعتباره
(وأخرى) في محل اعتباره من الحكم أو متعلقة بعد العلم بأصل الاعتبار ومورد الشك إما
الأحكام الوضعية أو التكليفية الوجوبية أو التحريمية (أما الأحكام الوضعية) فلا ريب في
أصل اعتبار الاستمرار فيها والا لزم اللغوية من تشريعها ضرورة عدم ترتب اثر على تشريع اللزوم
في العقد آنا ما مثلا كما أنه لا ريب في اعتباره في نفس الحكم دون متعلقة فإن الأحكام الوضعية
كما عرفت أمور مستقلة بالجعل وليست متعلقة بأفعال المكلفين القابلة لاخذ الزمان
فيها بل متعلقاتها أمور خارجية غير متقدرة بالزمان فلا مناص بعد العلم بالاستمرار عن اعتباره
في نفس الحكم (مضافا) إلى أن اعتباره في ناحية المتعلق على تقدير صحته أيضا يحتاج إلى دليل
يدل عليه وإلا فاطلاق المتعلق في مقام الاثبات يستكشف منه عدم التقييد في مقام الثبوت فإن
اخذ الاستمرار في ناحية المتعلق قد عرفت انه ممكن بنفس الدليل الدال على التشريع فيدور
الامر بين اخذه في ناحية نفس الحكم الغير الموجب لتقييد اطلاقه لما عرفت من عدم امكان
لحاظ استمراره عند التشريع وبين اخذه في ناحية المتعلق الموجب لتقييده ولا ريب ان اطلاق
المتعلق حينئذ يثبت اخذه في ناحية الحكم نفسه حذرا من اللغوية (ومن هنا يظهر) ان الامر
كذلك في كل ما إذا شك في كون الاستمرار مأخوذا في ناحية الحكم أو في ناحية متعلقة
من دون اختصاص بخصوص الأحكام الوضعية ولازم ذلك عدم جواز التمسك بالعموم بعد
441

التخصيص في بعض الأزمنة بل لابد من الرجوع إلى استصحاب حكم المخصص ليس الا
ويترتب على ذلك أنه متى ما شك في كون الخيار فوريا أو استمراريا فلا يمكن التمسك بعموم
قوله تعالى (أوفوا بالعقود) كما صدر عن المحقق الثاني (قده) (وأما الاحكام) التكليفية
الوجوبية (فما كان) منها متعلقا بالأمور الاعتقادية كوجوب معرفة الله ومعرفة أوليائه صلوات
الله وسلامه عليهم أجمعين فلا يمكن الشك في أصل استمراره وكونه راجعا إلى نفس الحكم
أو متعلقة ليس له اثر مهم في المقام ضرورة عدم امكان ورود التخصيص إليه حتى يتكلم
في جواز التمسك بعده بالعموم وعدمه وعلى فرض امكان وقوعه فعدم جواز التمسك بالعموم وعدمه
بعده مفروغ عنه في محل البحث كما عرفت في محل فيتمحض الكلام في جواز التمسك بالعموم وعدمه
وقد عرفت عدم جواز التمسك به ما لم يحرز لحاظ الاستمرار في ناحية المتعلق فإن اطلاقه في
مقام الاثبات يكشف عن عدم التقييد في مقام الثبوت (وأما ما كان) منها متعلقا بالاعمال
الجوارحية فهو على ثلاثة أقسام (الأول) ما لم يكن هناك من نفس الدليل أو من خارجه دليل
على اعتبار الاستمرار في الحكم أو متعلقة ومقتضى القاعدة فيه هو الحكم بعدم الاستمرار وعدم
ثبوت الحكم إلا بالمقدار المتيقن فلا يبقى موضوع للبحث عن قيدية الاستمرار للحكم أو متعلقه
فيكون متعلق الوجوب حينئذ هو صرف الوجود وبعده يسقط الطلب بالكلية (الثاني) ما إذا
كان هناك دليل خارج دل على الاستمرار كلزوم اللغوية من تشريعه إذا لم يكن
مستمرا مثلا وفي مثله وإن كان يرتفع اللغوية بأخذه في ناحية الحكم أو المتعلق الا انك قد
عرفت ان اطلاق المتعلق في مقام الاثبات يعين اخذه في ناحية الحكم نفس الحكم لا محالة فلا يمكن
التمسك بالعموم حينئذ بعد العلم بالتخصيص في بعض الأزمنة مثلا إذا قصد المسافر الإقامة عشرا
في أثناء سفره ثم خرج إلى ما دون المسافة أو عزم المعصية في الأثناء ثم عدل منه ولم يكن الباقي
مسافة فعلى القول بكون الاستمرار مأخوذا في ناحية الحكم فلابد من الرجوع إلى استصحاب
حكم المخصص واما على القول بكونه مأخوذا في ناحية المتعلق فلابد من الرجوع إلى العموم
(نعم) لو بينا على كون قصد الإقامة قاطعا لموضوع السفر دون حكمه كما هو المختار لما أمكن
الرجوع إلى العموم على كل حال كما هو ظاهر والمسألة محررة في الفقه (وقد يقال) ان اعتبار
الاستمرار في ناحية الحكم الوجوبي أو متعلقة يستلزم استغراق أوقات المكلف في الاشتغال به
وعدم اشتغاله بغيره فلا يكون معتبرا فيه قطعا (ويدفعه) ان الاستمرار في كل واجب بحسبه
442

مثلا استمرار وجوب الحج عبارة عن وجوبه في كل سنة واستمرار وجوب الصلاة عبارة عن وجوبها في
كل يوم في وقتها وهكذا فلا يلزم من اعتبار الاستمرار فيه محذور أصلا (الثالث) ما إذا كان الاستمرار
إلى زمان معين أو مطلقا مستفاد من نفس الدليل كما في قوله تعالى (وأتموا الصيام إلى الليل) واستظهار
رجوع القيد في مثله إلى الوجوب أو الواجب موكول بنظر الفقيه وعلى تقدير عدم الظهور فيه واجمال
الكلام فلا يمكن فيه التمسك باطلاق المادة لاثبات اعتبار الاستمرار في ناحية نفس الحكم كما هو ظاهر
ويترتب على كون الزمان في المثال مأخوذا في ناحية الحكم أو المتعلق ثمرة أخرى قد تعرضنا
لها في بحث الواجب التعليقي (وحاصلها) ان الزمان إذا كان مأخوذا في ناحية المتعلق فلا محالة
يكون مجموع افراد الامساك عن المفطرات من الفجر إلى الغروب واجبة بوجوب واحد بنحو العموم
المجموعي فلو علم المكلف بطرو العذر في الأثناء لما وجب عليه الامساك من الأول الا بدليل
خاص فيكون ترتب الكفارة حينئذ على المخالفة على خلاف القاعدة وهذا بخلاف ما إذا كان
مأخوذا في نفس الحكم ولم يكن هناك تقييد في المتعلق فان سقوط الحكم في الأثناء لعارض لا
ينافي ثبوته واستمراره إلى زمان طروه فيكون ثبوت الحكم والكفارة على مخالفته على القاعدة
واما التكاليف التحريمية فلا ريب في أصل اعتبار الاستمرار فيها في الجملة ضرورة لزوم اللغة
من عدمه فان ترك اي محرم فرض فهو حاصل قهرا فيكون طلبه طلبا للحاصل الا ان الاشكال
انما هو في اعتباره في ناحية الحكم أو في ناحية متعلقه (ربما يقال) ان اطلاق المتعلق فيها كما
يقتضي شمول النهي لكل فرد من افراده العرضية كذلك يقتضي شموله لكل فرد من افراده
الطولية فيكون الاستمرار مستفادا من اطلاق المتعلق فيكون معتبرا فيه لا محالة (مضافا) إلى أن
التحريم في كل فرد انما ينشأ من اشتماله على المفسدة الموجبة له فإذا كانت الافراد الطولية
كالعرضية في اشتمالها على المفسدة فلا محالة يكون استمرار الحكم من جهة اعتبار الاستمرار
في المتعلق ولحاظ الافراد الطولية كالعرضية عند تشريع الحكم لها (ولكنه لا يخفى) ان
الحكم وإن كان تابعا لملاك متعلقة ثبوتا إلا أن استفادة اشتمال الافراد الطولية على الملاك فرع استفادة
الاستمرار من الحكم والا فالقدر المتيقن هو اشتمال الافراد العرضية عليه ليس الا (ومنه يظهر) أن
اطلاق المتعلق بالنسبة إلى الافراد الطولية فرع استفادة الاستمرار من الحكم أيضا فإن القدر
الجامع بين الافراد العرضية والطولية يستحيل أن تكون محكومة بحكم غير مستمر فالظاهر أن
الاستمرار في التكاليف التحريمية إنما يعتبر في ناحية نفس الحكم فلا يمكن التمسك بعمومها بعد
443

العلم بالتخصيص في بعض الأزمنة وعلى تقدير الشك في ذلك وعدم احراز اعتباره في المتعلق
أو الحكم فلا مجال للتمسك بالعموم أيضا كما عرفت
(التنبيه الثالث عشر) قد عرفت في بحث الأقل والأكثر أن جزئية شئ للمركب
أو شرطيته له إذا كانتا مطلقتين وغير مقيدتين بحال الاختيار فلازم ذلك هو سقوط
الامر بالمركب أو المقيد بالكلية عند تعذر الجزء أو الشرط كما أنهما إذا كانتا مختصتين بحال الاختيار
فبالتعذر تسقط الجزئية أو الشرطية ويبقى الامر متعلقا بغير المتعذر من الاجزاء والشرايط (وإذا
شك) في ذلك ولم يكن هناك ما يعين أحد الامرين من اطلاق دليل الجزئية أو الشرطية
أو اطلاق دليل الواجب مع اجمال دليلهما (فربما) يتمسك باستصحاب وجوب الباقي (وتقريبه)
على ما في رسائل شيخنا العلامة الأنصاري (قده) بأحد وجوه ثلاثة (الأول) استصحاب
الجامع بين الوجوب الغيري والنفسي بتقريب أن الوجوب المتقين للاجزاء الباقية وهو الوجوب
الغيري المقدمي وإن كان مترفعا قطعا بارتفاع الوجوب النفسي المتعلق بالمركب بالتعذر والوجوب
المشكوك هو الوجوب النفسي المتعلق بخصوص الباقي الا أن الجامع بين الوجوبين كان متيقنا
سابقا ومشكوكا لاحقا لا محالة فيجري الاستصحاب فيه (ويرد) عليه (أولا) انه مبني على
القول باتصاف المقدمة الداخلية وهي الاجزاء بالوجوب الغيري وقد عرفت في بحث مقدمة
الواجب فساده وان الاجزاء إنما تجب بنفس الوجوب المتعلق بالمركب لا بغيره فإن المركب
ليس إلا نفس الاجزاء بالأسر لا غيرها (وثانيا) انه مبنى على القول بجريان الاستصحاب
في القسم الثالث من استصحاب الكلي فإن الوجوب الغيري مباين مع الوجوب النفسي
حقيقة واثرا فالمتيقن مرتفع قطعا والمشكوك لم يكن متيقنا (وثلثا) أن وجوب الإطاعة وحرمة
المعصية إنما يترتبان على خصوص الوجوب النفسي دون الغيري على ما عرفت الحال فيه في
بحث وجوب المقدمة فالجامع بين الوجوبين على تقدير جريان الاستصحاب فيه لا يترتب عليه
اثر واثبات خصوص الوجوب النفسي باجراء الاستصحاب في الجامع يبتنى على القول
بالأصول المثبتة (الثاني) استصحاب بقاء الوجوب النفسي مع قطع النظر عن متعلقه فإن الوجوب
النفسي المتعلق بالمركب وإن كان مرتفعا قطعا والوجوب النفسي المتعلق بالباقي مشكوك
الحدوث الا ان كلي الوجوب النفسي مع قطع النظر عن متعلقه متعلق اليقين والشك لا محالة
فيجري فيه الاستصحاب (وفيه مضافا) إلى ابتنائه على القول بجريان الاستصحاب في القسم
444

الثالث (ان اثبات) وجوب الباقي به من أوضح انحاء المثبت كاثبات كرية الماء الموجود في
الحوض باستصحاب بقاء الكر فيه (الثالث) استصحاب خصوص الوجوب النفسي المتعلق بالمركب
فيما إذا كان المتعذر من الاجزاء الغير الركنية فيقال كانت الصلاة واجبة عند التمكن من السورة
فيستصحب وجوبها مع تعذرها أيضا نظير استصحاب كرية الماء الباقي في الحوض فيما إذا اخذ
منه مقدار يكون الموضوع معه باقيا بنظر العرف (وهذا الوجه) وإن كان أحسن ما يمكن ان
يقال في المقام ولا يحتاج معه إلى اثبات القيدية الاختيارية حتى يقال إن الاستصحاب بالقياس
إليه يكون مثبتا فإن المهم في المقام إنما هو اثبات وجوب الباقي ليس الا (إلا أنه) إنما يصح
التمسك به في الموضوعات العرفية التي يمكن فيها تشخيص الجزء الركني عن غيره وأما في الموضوعات
الشرعية كالصلاة فالشك في وجوب الباقي وعدمه بعينه شك في كون الجزء المتعذر جزء ركنيا
وعدمه ولا يمكن معه التمسك بالاستصحاب لعدم احراز اتحاد القضية المتيقنة مع المشكوكة وهذا
نظير الاشكال الذي أوردناه على التمسك بقاعدة الميسور في محله (ولكنه يمكن) أن يقال
إذا كان الباقي هو معظم اجزاء العبادة وكان المتعذر غيره فيصدق عرفا ان رفع اليد عن وجوبه
نقض لليقين بالشك فيحرم بمقتضى قوله (ع) ولا تنقض اليقين بالشك فيثبت بذلك وجوب الباقي
(نعم) لو كان المتعذر معظم الاجزاء وكان الباقي غيره فلا يمكن التمسك بالاستصحاب كما هو
ظاهر (ثم إنه) على تقدير جريان الاستصحاب لاثبات وجوب الباقي لا يختص بخصوص
ما إذا طرأ التعذر في الأثناء بعد التمكن من تمام الاجزاء قبله بل يجري فيما إذا تعذر الجزء أو
الشرط من أول الأمر أيضا وذلك فإن المستصحب ليس خصوص الحكم الشخصي حتى يقال
بعدم الحالة السابقة له بل الحكم الكلي المجعول في الشريعة على نحو القضايا الحقيقية نظير
استصحاب نجاسة الماء المتغير الزايل تغيره من قبل نفسه فيفرض المجتهد وجود مكلف بالغ
عاقل تعذر عليه بعض اجزاء المركب بعد وجوبه فيستصحب وجوبه ويفتي بذلك بعدم اختصاص
الوجوب بخصوص صورة التمكن منه فيثبت الوجوب في فرض التعذر من أول الأمر أيضا
(ومنه يظهر) أن جريان الاستصحاب في فرض التعذر الابتدائي لا يتوقف على القول بحجية
الاستصحاب التعليقي كما لعله يظهر من كلام العلامة الأنصاري (قده) في المقام فراجع
(التنبيه الرابع عشر) قد عرفت ان حجية الاستصحاب متقومة بالشك في البقاء فلا
يجري مع اليقين بالارتفاع أو البقاء وجدانا أو تعبدا كما في موارد الظنون المعتبرة واما الظن الغير
445

المعتبر فهو ملحق بالشك حكما لو لم يكن منه حقيقة وذلك لما عرفت في بحث حجية الطرق
من أن الشك إنما يؤخذ في موضوع الأصول بما انه موجب للحيرة لا بما انه صفة خاصة كما
اخذ كذلك في باب الصلاة فكلما فرض عدم كونه موجبا لاحراز الواقع ووصوله يكون
مورد الجريان الأصل لا محالة (هذا) مع أن صريح الاخبار حصرنا قضية اليقين بخصوص اليقين
بالخلاف فيكون صورة عدم اليقين بالخلاف محكومة بحرمة النقض ولو مع الظن بالخلاف أيضا
* (خاتمة) * يذكر فيها أمور (الأول) يعتبر في جريان الاستصحاب اتحاد القضية
المتيقنة مع المشكوكة ليصدق على رفع اليد عن اليقين السابق انه نقض اليقين بالشك (ضرورة)
انه مع اختلافهما موضوعا أو محمولا لا يكون عدم ترتيب الأثر مع الشك نقضا لليقين السابق
وهذا هو المراد من اعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب فإنه مع عدم بقائه تكون القضيتان
متغايرتين لا محالة (ومعه لا وجه) لما أتعب به شيخنا العلامة الأنصاري قدست نفسه الزكية
من الاستدلال عليه بأنه لولا ذلك لزم انتقال العرض أو قيامه بغير موضوع فإنه على تقدير
صحته تبعيد للمسافة مع وضوح المطلوب كما عرفت (ثم أن) المحمول المشكوك قد يكون من
المحمولات الأولية العارضة لنفس المهية كالوجود والعدم حيث أن المعروض لهما هو نفس الماهية الغير
المقيدة بالوجود والعدم (وقد يكون) من المحمولات الثانوية مع واسطة واحدة كالمدركية العارضة
على الانسان المتصف بالوجود أو بواسطتين وأكثر كأغلب الاعراض اللاحقة له من التعجب والقيام
ونحوهما والمحمول المترتب قد يكون من الأحكام الشرعية كجواز التقليد المترتب على اجتهاد
الانسان وعدالته وقد يكون من غيرها وعلى الثاني (فإما) إن يكون الشك ناشئا ومسببا عن الشك
في بقاء ما يترتب عليه كالشك في العدالة إذا كان ناشئا عن الشك في الحياة (أو لا يكون) ناشئا عنه
بل عن الأمور الأخر كالشك فيها من جهة احتمال عروض موجب الفسق (أما) المحمولات
الأولية (فلا ريب) في جريان الاستصحاب فيها فإن الموضوع فيها ليس إلا نفس المهية فإذا شك
في ما يلحقها من الوجود والعدم بعد العلم بتحققه فلا محالة يصدق على رفع اليد من المتيقن السابق في ظرف
الشك نقض اليقين بالشك (وأما المحمولات) المترتبة فما كان منها من قبيل الأحكام الشرعية
فإن كان الشك فيها لا من جهة الشك في بقاء موضوعها (فجريان) الاستصحاب فيها من
جهة اتحاد القضيتين (في غاية الوضوح) وإن كان الشك فيها من جهة الشك في بقاء موضوعها (فتارة)
يكون الموضوع أمرا مبينا معلوما شك في بقائه كالعدالة المأخوذة في موضوع جواز التقليد
446

(واخرى) أمرا مرددا بين معلوم البقاء ومعلوم الارتفاع كالنجاسة المترتبة على الكلب فإنه
عند تبدله ملحا تكون النجاسة مشكوكا فيها من جهة الشك في أن الموضوع
لها هل هو الجسمية الموجودة حال الكلبية حتى تكون باقية أو الصورة
النوعية الكلبية الزائلة بالتبدل إلى الملحية اما (القسم الأول) فلا يجري الاستصحاب فيه حكما
فان جريان الاستصحاب في موضوعه لا يبقي مجالا لجريانه في نفسه ضرورة انه مع احراز
الموضوع بحكم الشارع لا يبقى الشك في ثبوت الحكم له فيرتفع موضوع الاستصحاب بالتعبد
واما (القسم الثاني) فلا يجري الاستصحاب فيه لا حكما ولا موضوعا (اما) الاستصحاب
الحكمي فلعدم احراز اتحاد القضية المتيقنة مع المشكوكة الذي يدور مداره صدق النقض ومع
عدم الاحراز يكون التمسك بعموم حرمة النقض من باب التمسك به في الشبهة المصداقية (واما)
الاستصحاب الموضوعي فلعدم معلوميته وتردده بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع
(واما) استصحاب بقاء الموضوع بوصف موضوعيته فهو عبارة أخرى عن بقاء الحكم الثابت
له (ضرورة) ان ثبوت الحكم للموضوع وكونه موضوعا له متضائفان واستصحاب أحدهما عبارة
أخرى عن استصحاب الاخر ففي مثله لا بد من الرجوع إلى الأصول الأخر غير الاستصحاب
(واما) المحمولات المترتبة في غير الأحكام الشرعية كالعدالة المترتبة على الحياة فجريان
الاستصحاب فيها مع احراز موضوعها كوجود الانسان وحياته في مفروض المثال فهو في
غاية الوضوح وكذا مع الشك فيه سواء كان الشك في المحمول ناشئا عن الشك في موضوعه
أم لا فيستصحب وجود الحي العادل ويترتب عليه اثره الشرعي (والوجه) في ذلك هو ما ذكرناه
مرارا من أن الاستصحاب كما يجري في تمام الموضوع فكذلك يجري في كل ما له دخل فيه
جزء أو شرطا وحيث إن العدالة لها دخل في موضوع جواز التقليد مثلا كالحياة والمفروض تعلق
الشك بكل منهما بعد تعلق اليقين فيجري الاستصحاب ويحرز به موضوع جواز التقليد
(وبعبارة واضحة) إذا كان الموضوع لجواز التقليد وجود الحي العادل (فتارة) تكون الحياة
محرزة وجدانا فتستصحب العدالة (واخرى) يكون كل منهما مشكوكا سواء كان الشك في أحدهما
مسببا عن الشك في الاخر أم لا فيجري الاستصحاب في كل منهما في عرض واحد كما في بقية
الموضوعات المركبة (والى) ما ذكرناه يرجع كلام شيخنا العلامة الأنصاري حيث عبر في
مفروض المثال باستصحاب العدالة على تقدير الحياة فان غرضه (قده) هو جريان الاستصحاب
447

في العدالة مع احراز الجزء الآخر بالاستصحاب أيضا فان جزء الموضوع انما يصح التعبد به في
ظرف الشك بلحاظ اثر المركب إذا كان الجزء الآخر محرزا بالوجدان أو بالتعبد في عرضه
ومعنى التقدير في عبارته هو بعينه التقدير المأخوذ في كل قضية حقيقة (فلا يرد عليه) ما قيل
من أن الموضوع لجواز التقليد هو وجود الحي العادل فأي فائدة تترتب على استصحاب العدالة
على تقدير الحياة (الثاني) قد عرفت ان اتحاد القضية المتيقنة مع المشكوكة مما لا ريب في اعتباره
في جريان الاستصحاب وصحة التعبد بالبقاء وعليه (فربما يشكل) بعدم صحة الاستصحاب في
الأحكام الشرعية الكلية مطلقا فان الشك في بقاء الحكم الشرعي انما ينشأ من تغير وتبدل في
موضوعه لا محالة والا فكيف يمكن الشك في بقاء الا بنحو البداء المستحيل في حقه تعالى
(ولتحقيق) الحال في المقام لا بد من تقديم (مقدمة) وهي ان الاتحاد بين القضيتين قد يكون
بنظر العقل فيرى القضية المتيقنة بعينها هي القضية المشكوكة من دون فرق بينهما الا في أنها
كانت متعلقة لليقين في زمان وصارت متعلقة للشك في زمان آخر وقد يكون بلحاظ الموضوع المأخوذ
في لسان الدليل فإذا كان محفوظا في ظرف الشك فيجري الاستصحاب والا فلا مثلا إذا ورد
في الدليل ان الماء المتغير ينجس فلا محال يكون الموضوع للنجاسة هو الماء بوصف التغير فإذا زال
تغيره فهو موضوع آخر مغاير لما اخذ في الدليل فلا يمكن الحكم بنجاسته بالاستصحاب عند
الشك في بقاء نجاسته وعدمه واما إذا ورد فيه ان الماء إذا تغير ينجس فلا محالة يكون الموضوع
هو نفس الماء وهو محفوظ في ظرف الشك أيضا وقد يكون بلحاظ نظر العرف فكل قيد لا
يكون له دخل في الموضوع بنظرهم فزواله لا يمنع من جريان الاستصحاب والحكم ببقاء الحكم
السابق المتيقن وكل قيد يكون له دخل فيه فزواله يوجب تبدل الموضوع وعدم اتحاد القضيتين
ففي المثال السابق لا يفرق العرف في بقاء الموضوع بين القضيتين بل لو ورد في لسان الدليل ان
المتغير نجس من دون ذكر لفظ الماء أيضا لحكموا بكون الموضوع للنجاسة هو نفس الماء دون وصف
التغير فان النجاسة في نظرهم من قبيل الاعراض القائمة بالأجسام فلا تكون قائمة بوصف التغير
غاية الأمر انه علة لثبوت النجاسة لذات الماء والشك في البقاء من جهة الشك في كونه علة لها حدوثا
وبقاء أو حدوثا فقط فيجري الاستصحاب في مفروض المثال على كل تقدير (فاتضح) من
ذلك ان الاشكال المزبور مبتن على اعتبار الاتحاد بنظر العقل إذ عليه لا يمكن اجراء الاستصحاب
الا في موارد الشك في الرافع بعد احراز بقاء الموضوع بتمامه كما افاده العلامة الأنصاري (قده)
448

(ولا يرد عليه) ما قيل من أن عدم حجية الاستصحاب عند الشك في المقتضي مفروغ عنه
عنده (قده) على كل حال فما معنى تفريعه له على اعتبار الاتحاد بنظر العقل (فإن) مراده من
الرافع في المقام غير الرافع في البحث المتقدم في اختصاص الحجية بموارد الشك في الرافع دون
الشك في المقتضي (توضيح ذلك) ان المتيقن السابق (قد يكون) بحيث لا يبقى بنفسه في
عمود الزمان مع قطع النظر عن حدوث شئ أو ارتفاعه من الزمانيات كخيار الغبن المردد بين
كونه فوريا أو استمراريا فإنه في الآن الثاني من الالتفات إلى الغبن يكون مشكوكا لا محالة
بنفسه ولو مع عدم تغير في شئ من الزمانيات أصلا (وقد يكون) بحيث يكون له البقاء بحسبه
ولابد في ارتفاعه من حدوث أمر معدوم أو انعدام أمر موجود وهذا كالنجاسة مثلا فإنها متى
وجدت لا ترتفع إلا برافع من حدوث مطهر أو زوال ما كان علة لها فالقسم الأول هو
الذي منع العلامة الأنصاري (قده) عن جريان الاستصحاب فيه وخص جريانه بالقسم الثاني
المعبر عنه بالشك في الرافع وأما مراده من الشك في الرافع في المقام فليس ذلك بل خصوص ما
إذا كان الشك في بقاء الحكم ناشئا من حدوث أمر خارجي غير معتبر في الموضوع كما إذا شك
في بقاء النجاسة في مفروض المثال للشك في عروض المطهر من جهة شبهة حكمية أو موضوعية
فالشك في بقاء نجاسة الماء المتغير بعد زوال تغيره من قبيل الشك في الرافع المقابل للشك في
المقتضي وليس من قبيل الشك في الرافع الذي خص جريان الاستصحاب به بناء على اعتبار
الاتحاد بنظر العقل إذا (عرفت) ذلك (فنقول) أما اعتبار الاتحاد بنظر العقل فلا مسرح له بعد
وضوح ان المتبع في مقام تعيين المرادات انما هو فهم العرف دون غيره (ومن هنا) ربما يقال إنه
لا معنى للمقابلة بين الموضوع الدليلي والعرفي فان العرف ليس بنبي مشرع وانما شأنه فهم
المرادات من ظواهر الأدلة ولو بملاحظة الظهورات التصديقية الناشئة عن ملاحظة مجموع الكلام
(فإن كان) المراد من الموضوع الدليلي هو ما يفهمه العرف من الكلام ولو باعتبار لحاظ المجموع
وضم بعضه إلى بعض فما معنى اعتبار الاتحاد بنظر العرف المقابل للموضوع الدليلي بعد عدم الاعتناء
بمسامحاتهم في التطبيقات فان نظر العرف انما يتبع فميا إذا كان الشك في الصدق من جهة عدم
احراز سعة المفهوم وضيقه لا في التطبيقات والشبهات المصداقية بعد تبين المفهوم ووضوحه (وإن كان
) المراد من الموضوع الدليلي هو خصوص ما يستفاد من الكلام باعتبار الظهور التصوري
من دون ملاحظة خصوصياته الموجبة لانعقاد الظهور التصديقي على خلافه فلا معنى لاحتمال
449

اعتبار الموضوع الدليلي بعد ما ثبت في محله من تقدم الظهور التصديقي على الظهورات التصورية
(وكيف كان) فلم يعرف وجه محصل للتقابل بينهما (هذا) ولكن (التحقيق) ان يقال إن الحكم
الثابت على موضوعه سواء كان مدركه العقل أو النقل (تارة) ينظر إليه بلحاظ حدوثه وانه
ثابت لأي شئ (فقد يكون) الموضوع له بنظر العرف مبينا ومشخصا بحيث لا يحتمل بقاء
الحكم عند تغير بعض خصوصياته كجواز التقليد الثابت للمجتهد فان الموضوع له بنظر العرف إنما
هو الرجل المتصف بصفة الاجتهاد فإذا زال الوصف فيرتفع الحكم قطعا ولو فرضنا دلالة دليل
على بقائه لكان من قبيل ثبوت الحكم لموضوع آخر لابقاء الحكم الأول (وقد يكون) الموضوع
غير مبين عندهم فعند ارتفاع خصوصية من خصوصياته يكون الدليل الأول ساكتا عن ثبوته
وعدمه لا محالة فيحتاج في الحكم بالثبوت والعدم إلى دليل اخر (واخرى) ينظر إلى بقائه بعد
الفراغ عن عدم شمول الدليل الأول له وهذا على قسمين (إذ ربما تكون) الخصوصية الزائلة
بنظرهم من قبيل العلل الموجبة لجعل الحكم على موضوعه فيكون الشك في البقاء من جهة الشك
في كون العلة محدثة أو مبقية وهذا كالتغير المأخوذ في لسان دليل نجاسة الماء المتغير حيث إن
النجاسة عند العرف من قبيل الاعراض العارضة للأجسام وصفة التغير لا تكون معروضة للنجاسة
بل هي علة لعروض النجاسة للماء والشك في بقائها بعد زوالها من جهة احتمال كونها علة مبقية
أيضا مع القطع بعدم شمول الدليل لها بعد زوالها (وقد تكون) الخصوصية الزائلة مرددة بين
كونها من قيود الموضوع كالاجتهاد أو من قبيل العلة كالتغير فلا محالة يكون الحكم في الآن
الثاني مشكوكا أيضا (أما القسم الأول) فهو الذي يرجع فيه إلى الاستصحاب فان رفع اليد
عن اليقين السابق يكون نقضا له بالشك (وأما القسم الثاني) فلا لعدم احراز صدق نقض اليقين
بالشك بعد احتمال كون الخصوصية الزائلة من مقومات الموضوع الموجب زوالها للتغاير بين
الموضوعين (فتحصل) من ذلك ان جريان الاستصحاب يتوقف على احراز صدق نقض اليقين
بالشك على رفع اليد عن المتيقن في ظرف الشك وهو لا يكون الا عند احراز كون الخصوصية
الزائلة من قبيل العلة لثبوت الحكم على موضوعه لا من قبيل القيود المقومة له فلا يجري مع
عدم احراز ذلك فضلا عن احراز عدمه (ومن ذلك) يظهر ان المراد من اعتبار الاتحاد بنظر
العرف هو الرجوع إلى ما هو المستفاد من قضية لا تنقض عرفا فإنها أيضا قضية متكفلة للحكم
بحسب الرجوع في استفادة المراد منها إلى العرف فكلما صدق النقض فيه عندهم يجب التعبد
450

بالبقاء وإلا فلا كما أن المراد من اعتباره بلحاظ موضوع الدليل هو الرجوع إلى ما هو
المستفاد من الدليل الأول فإن كانت الخصوصية مأخوذة فيه مقومة كما إذا ورد في الدليل ان
الماء المتغير أو المتغير ينجس فلا يجري الاستصحاب لتغاير الموضوعين بحسبه وإذا ورد فيه ان
الماء ينجس إذا تغير فيجري (لا ما توهم) من أن الرجوع إلى الموضوع العرفي في مقابل
الدليلي يستلزم الاعتناء بالمسامحات العرفية بعد تشخيص المفاهيم بنظرهم (وحيث) ظهر لك التقابل
بينهما (فيظهر لك) ان الصحيح هو اخذ الموضوع من العرف لما عرفت من أن المرجع في ظرف الشك
ليس هو الدليل الأول بل خصوص قضية لا تنقض ولابد في تشخيص موضوعها من الرجوع
إلى العرف من دون فرق بين اخذ الخصوصية في الدليل الأول مقوما أو غير مقوم فكلما صدق
النقض فيه عندهم يجري الاستصحاب وإلا فلا (ثم لا يخفى) ان التقابل بين الاعتبارين والترديد
بينهما إنما هو في الشبهات الحكمية واما في الشبهات الموضوعية فحيث انه لا معنى للرجوع فيها
إلى الموضوع الدليلي لعدم كون الدليل ناظرا إلى المصاديق الخارجية (فلا محالة) يكون الترديد
بين الاعتبار العقلي والاعتبار بنظر العرف وحيث عرفت ان العقل لا مسرح له في تعيين المفاهيم
فالمتبع هو النظر العرفي ليس إلا (الثاني) وقد عرفت فيما مر انه يعتبر في الاستصحاب أن يكون
الشك في البقاء مع احراز الحدوث في ظرف الشك فلو شك في الحدوث بعد اليقين به لما كان
من الاستصحاب في شئ (وهل يمكن) شمول الاخبار له أيضا أم لا (وجهان) بل قولان
أقواهما الثاني لوجوه (منها) ان التعبد في مورد الاستصحاب إنما هو بلحاظ طريقته اليقين من
حيث الجري العملي بقاء ووجوب ترتيب الآثار في ظرف الشك وأما التعبد في مورد الشك
الساري فهو بلحاظ التعبد بالحدوث وترتيب آثاره من عدم الإعادة وغيره وبين النظرين بون
بعيد لا يمكن الجمع بينهما بلحاظ واحد (ومنها) أن لفظ اليقين وإن كان عاما في نفسه لكل
يقين إلا أن عمومه إنما يكون باعتبار افراده المتعددة بتعدد المتعلقات من قيام زيد وحياة عمرو
ووجوب شئ وغيرها (ومن المعلوم) ان اليقين في مورد الاستصحاب ومورد قاعدة اليقين ليس
فردين من اليقين فإن اليقين بعدالة زيد يوم الجمعة فرد واحد من اليقين سواء كان الشك بعده
متعلقا بالحدوث كما هو مورد قاعدة اليقين أو بالبقاء كما هو مورد الاستصحاب (فتوهم)
ان عموم اليقين في قوله (ع) لا تنقض اليقين يقتضي الشمول لهما (باطل) من أصله (فإن قلت)
سلمنا عدم تعدد اليقين في موردي القاعدة والاستصحاب إلا أنه لا يمنع من الشمول باعتبار
451

ان اليقين الواحد له حالتان مختلفتان باعتبار عروض الشك فيما بعده فكما يصح التمسك
باعتبار عمومه الافرادي يصح التمسك به باعتبار عمومه الأحوالي أيضا فيكون اليقين في
مورد القاعدة محكوما بحرمة نقضه بالشك أيضا (قلت) الحكم بحرمة النقض لابد وأن يكون
في ظرف فعلية الشك لا محالة ومن الضروري انه لا يقين في ظرف الشك في مورد القاعدة
حتى يشمله حرمة نقضه بالشك لا حقيقة لأن المفروض زواله بالشك ولا مجازا لما مر في بحث
المشتق من أن استعماله عند انقضاء المبدأ مجازا إنما يختص بخصوص المشتقات العرضية الغير
المنتزعة من مقام الذات كالضارب والقائم ونحوهما وأما ما كان منتزعا عن الذات كالانسان
ونحوه فاستعماله في حال الانقضاء من الأغلاط لعدم بقاء المتصف في حال انقضاء الوصف
أيضا ومن الضروري أن اليقين من هذا القبيل دون الأول (فإن قلت) سلمنا عدم صحة
الاستعمال بلحاظ الانقضاء ولكنه لا يمنع من جوازه بلحاظ حال التلبس فيصح أن يكون
قضية لا تنقض ناظرة إلى حال التلبس لا بلحاظ الحال (قلت) نعم إلا أنه انما يصح إذا كان
اليقين ملحوظا بلحاظ الموضوعية دون الطريقية وحيث إن اليقين في مورد القاعدة ملحوظ أيضا
بلحاظ الطريقية إذ التعبد إنما هو بآثار المتيقن دون اليقين والمفروض زوال طريقيته بعد عروض
الشك فلا مجوز للاستعمال بلحاظ حال التلبس أيضا (ومنها) ان حرمة النقض حيث إنها
ملحوظة بالإضافة إلى آثار المتيقن لما عرفت من أن اليقين إنما اخذ طريقيا في الموردين ففي مورد
الاستصحاب لابد من أخذ المتيقن مرسلا وغير مقيد بالزمان حتى يكون الاعتناء بالشك
في البقاء نقضا له وهذا بخلاف مورد القاعدة فإنه لابد من اخذ المتيقن فيه مقيدا بالزمان حتى
يلاحظ النقض بالإضافة إليه ومن الضروري انه لا يمكن الجمع بين اللحاظين في استعمال واحد
(ومما ذكرناه) من لزوم اتحاد متعلقي اليقين والشك حتى يصدق نقض اليقين بالشك
عند ترتيب آثار المتيقن (تعرف) انه لا مجال لتوهم شمول الاخبار لموارد الشك في قاعدة
المقتضي والمانع فإن اليقين في تلك الموارد لم يتعلق إلا بمجرد وجود المقتضي والشك إنما تعلق
بوجود المانع عنه فالمتيقن غير مشكوك والمشكوك غير متيقن (فاتضح) من جميع ذلك اختصاص
مفاد الاخبار بخصوص موارد الاستصحاب دون غيرها (الثالث) قد مر سابقا صحة جريان
الاستصحاب فيما إذا كان المستصحب ثابتا بامارة معتبرة وانه لا يشترط فيه خصوص اليقين
السابق بل يكفي فيه مطلق الثبوت ولو كان بالامارة فكذا الحال في طرف النقض
452

بمعنى انه كما يسقط الاستصحاب باليقين على خلاف الحالة السابقة فكذلك يسقط بقيام الامارة
على خلافها وهذا مما لا اشكال فيه (إنما الاشكال) في أن تقدم الامارة على الاستصحاب
هل هو بالحكومة أو الورود أو التخصيص وقد تقدم في أول بحث البراءة الفرق بين التخصص
والورود والحكومة والتخصيص وان الورود يشارك التخصص في ارتفاع الموضوع في مورده
واقعا ويمايزه في أن الارتفاع في التخصص وجداني كارتفاع موضوع أدلة الأصول بقيام
الدليل القطعي على ثبوت الحكم وفي الورود من جهة ثبوت التعبد بثبوت الحكم كارتفاع موضوع
أدلة الأصول العقلية بورود التعبد والبيان من قبل الشارع كما أن الحكومة يشارك التخصيص
في أنها توجب ارتفاع الحكم عن موضوعه إلا أنه يغايره في أن التخصيص يوجب ارتفاع الحكم
مع عدم التصرف في عقد الوضع المنحل إلى قضية شرطية كما هو الشأن في تمام القضايا الحقيقية
ولا في عقد الحمل وهذا بخلاف الحكومة فإنها في الغالب توجب التصرف في عقد الوضع وقد
توجب التصرف في عقد الحمل مثلا إذا ورد الدليل في أن الشاك بين الثلاث والأربع يبني على
الأربع فهو ينحل إلى قضية شرطية مقدمها وجود شاك بين الثلاث والأربع وتاليها وجوب البناء
على الأربع فإذا ورد في الدليل أن الشاك بين الثلاث والأربع إذا كان مأموما لا يعتني
بشكه فنسمي هذا بالتخصيص لأنه موجب لرفع الحكم الثابت لموضوعه لولا الدليل الخاص
وأما إذا ورد في الدليل انه لا شك لكثير الشك فهو في الحقيقة وان لم يوجب ارتفاع الشك
عن كثير الشك وجدانا بل هو رفع للحكم الثابت له لولا هذا الدليل فيكون في الحقيقة تخصيصا
إلا أنه موجب للتصرف في عقد الوضع بالغاء الشك وفرض كثير الشك انه ليس بشاك والفرق
بين الحكومة والورود مع كون كل منهما موجبا للتصرف في عقد الوضع في غير باب
الحكومة بالتصرف في عقد الحمل أن الورود يوجب ارتفاع الموضوع بنفس التعبد وجدانا فإن
المتعبد به وإن كان ثبوته بالتعبد إلا أن ثبوت التعبد وجداني وهو رافع
للموضوع في مورد الورود فمثل قيام الامارة بحرمة شئ وثبوت التعبد به مع قطع النظر عن ثبوت
النجاسة بهذا التعبد وإن كان لا ينفك عنه عقلا يكون بنفسه رافعا لموضوع الأصول العقلية
من عدم البيان وما شابهه لفرض وجود البيان وتحققه ولكنه لا يكون رافعا لموضوع الأصول
الشرعية وهو الشك بما انه مأخوذ طريقا اي بما انه موجب للتحير في الواقع إلا بعناية ثبوت الواقع
بالتعبد فيشترك كل منهما في رفع الموضوع إلا أنه في الأول باعتبار ثبوت نفس التعبد وفي الثاني
453

باعتبار ثبوت المتعبد به وإلا فلا وجه لتقديم الامارات على الأصول ولا لتقدم بعض
الأصول على بعض لاشتراك الجميع في ثبوت التعبد في مواردها (فظهر) من جميع ما ذكرناه
أن تقدم الأدلة القطعية على الأصول مطلقا بالتخصص ومن باب ارتفاع موضوعها بالوجدان
من دون عناية تعبد وتقدم الأدلة الغير القطعية على الأصول العقلية من جهة الورود ومن
باب ارتفاع الموضوع وجدانا بعد ثبوت التعبد وتقدمها على الأصول الشرعية المأخوذ في
موضوعها الشك بالحكومة ومن باب ارتفاع الموضوع بثبوت المتعبد به (فان قلت) ان دليل الأصل
الشرعي كالاستصحاب مثلا انما حكم فيه بعدم جواز نقض اليقين بالشك ولا ريب في عدم
صدق هذا العنوان مع الامارة المعتبرة فان النقض حينئذ يكون بالحجة المعلومة حجيتها لا
بالشك فيتحقق الورود (وبتقريب) آخر المراد من اليقين المعلق عليه جواز النقض هو مطلق
قيام الحجة على الخلاف ومع وجود الامارة على الخلاف يرتفع هذا الموضوع وجدانا (قلت)
أولا ان ظاهر الدليل انحصار الناقض باليقين بخلاف ما تعلق اليقين به سابقا فإرادة مطلق الحجة
من اليقين أو تعميم متعلقه بما كان حكما واقعيا أو ظاهريا المعبر عنه باليقين بالحجية خلاف الظاهر
وقد ذكرنا سابقا ان المراد من الشك في الرواية خلاف اليقين فكلما لم يتحقق يقين بخلاف
اليقين فهو داخل في عنوان نقض اليقين بالشك (وثانيا) ان ارتفاع الموضوع إن كان بلحاظ
ثبوت خلاف اليقين السابق بالامارة الذي اصطلحنا عليه بثبوت المتعبد به وان نفس ثبوت
التعبد لا يكفي في الرفع فهو الذي ذكرنا انه عبارة عن الحكومة في قبال الورود وإن كان
بلحاظ ثبوت نفس التعبد مع قطع النظر عن ثبوت المتعبد به فلا ريب في أن الشك في البقاء لا
يرتفع به وجدانا فكما يصلح التعبد بالامارة للتقدم عليه فكذلك العكس فلا مناص عن القول
بالحكومة وان الامارة من جهة نظرها إلى الواقع يثبت الحكم الواقعي بالتعبد فيرتفع موضوع
الشك بما انه موجب للحيرة في الواقع المأخوذ في أدلة الأصول لا بما انه صفة خاصة حتى يقال
ببقائها بعد التعبد أيضا (ومن الواضح) ان الاستصحاب لا يصلح لرفع موضوع الامارة فيكون
التقدم بالحكومة (ثم إن) الحكومة على قسمين واقعية وظاهرية والفرق بينهما بعد اشتراكهما
في رفع الموضوع بالتقريب المتقدم في غير موارد التصرف في عقد الحمل كما في موارد نفي الضرر
وغيره على تفصيل قد تقدم في بحث البراءة ان الحكومة الواقعية لا تكون رافعة للموضوع إلا في
عالم التشريع والجعل بالتصرف في عقد الوضع وإلا فهو تخصيص حقيقة وموجب لاختصاص الحكم
454

المجعول ببعض افراد الموضوع كما عرفت في مثل لا شك لكثير الشك وهذا بخلاف الحكومة
الظاهرية كحكومة الامارات على الأصول فإنها موجبة لارتفاع الموضوع وجدانا بعد ثبوت
المتعبد به بالتعبد فان موضوع الأصل كما عرفت هو الشك بما انه فاقد للطريقية وموجب للوقفة
لا بما انه صفة خاصة ومن المعلوم انه مع ثبوت المتعبد به بحكم الشارع بالامارة لا يبقى هناك تحير
وموجب للتوقف (ثم إن) تعبير الحكومة في كلمات بعضهم بما يكون من قبيل الشارح بمثل
كلمة أعني وأشباهها اغترارا ببعض ظواهر كلمات شيخنا العلامة الأنصاري (قده) غلط محض فان
الحكومة بهذا المعنى لا مورد له في الاخبار الا القليل جدا فكيف يصح ان يعقد له بحث بهذه
الأهمية بل الظاهر أن مراده (قده) هو ما ذكرنا أيضا (فتحصل) مما ذكرناه حكومة الامارات
بما انها ناظرة إلى الواقع على الأصول المأخوذ في موضوعها الشك والمقصود في المقام من التعرض
لحال الحكومة والورود هو بيان ذلك (وأما) تقدم بعض الامارات على بعض كتقدم الاقرار
على حكم الحاكم المقدم على البينة المقدمة على غيرها فسيأتي الكلام فيه في محله إنشاء الله تعالى
(ثم أن) إمارية الامارة الموجبة للتقدم متقومة بأمرين (الأول) كون الدليل ناظرا إلى الواقع
وكاشفا عنه كشفا ناقصا (الثاني) امضاء الشارع له بما هو كذلك بتتميم جهة كشف فلو كان
اعتبار الشارع له لا من تلك الجهة بل كان جهة الا مارية ملغاة في نظره فلا يكون حجة بما انه
امارة وهذا واضح لا ريب فيه (ثم إنه) إذا علم امارية شئ أو أصليته فلا اشكال وان شك في
ذلك فمقتضى القاعدة كونه أصلا لا امارة لا بمعنى ترتيب آثار الأصلية عليه بهذا العنوان حتى
يقال إنه لا أصل لهذا الأصل بل بمعنى نفي آثار الا مارية من حجية لوازمه وملزوماته وتقدمه
على الأصول فإن القدر المعلوم الجامع بين الأصلية والأمارية هو حجية الشئ في نفسه بالنسبة
إلى لوازمه الشرعية واما الزايد عليه فهو مشكوك يرجع فيه إلى أصالة عدم الحجية (ثم إن)
ما وقع التكلم في كونه أصلا أو امارة أمور لا بأس بالتعرض لها (منها) قاعدة اليد (والحق)
كونها إمارة لان الاستيلاء على الشئ حيث إنه بالقياس إلى الملكية من لوازمه الطبعية فلا محالة
تكون فيها جهة كاشفية ناقصة ولا ريب ان اعتبارها عند العقلاء من جهة كاشفيته لما ذكرناه
في بحث الاستصحاب من عدم وجود تعبد لا من جهة الكاشفية عندهم والظاهر من أدلة حجية
اليد كرواية حفص وغيرها كون اعتبارها بما له من الشأن عند العقلاء فيكون امارة (فإن قلت) ظاهر رواية
حفص ان اعتبار اليد من جهة لزوم اختلال النظام من عدمه كما هو ظاهر قوله (ع) (ولولا ذلك لما بقي
455

للمسلمين سوق) وأين ذلك من اعتبارها بما له من الشأن عند العقلاء فيكون بذلك مشكوك الاعتبار
من جهة الا مارية لا محالة (قلت) ذيل الرواية وان لم يكن له دلالة على الا مارية كما ذكرت إلا أن
صدرها ظاهر فيها فإنه عليه السلام قرر السائل على ما يفعله بارتكازه من الشراء بمجرد اليد
وجعل ذلك مقدمة لحكمه عليه السلام بجواز الشهادة بمجرد اليد وقد عرفت أن بناء العقلاء على
اعتباره إنما هو من جهة الا مارية لا غير فالحكمة إنما هي حكمة لما افاده عليه السلام من امضاء جهة
الا مارية (هذا مع) ان في بقية أدلتها مثل قوله عليه السلام من استولى على شئ فهو له وغيره
كفاية (ثم إنه لا ثمرة) مهمة في تحقيق ذلك فان قاعدة اليد لا اشكال في تقدمها على الاستصحاب
وعلى ما كان في مرتبة متأخرة عنه سواء كان اعتبارها من جهة الا مارية أو الأصلية أما تقدمها
على الاستصحاب فلان النسبة بين دليلها ودليله وإن كانت بالعموم من وجه إلا أنه يلزم من
تقديم دليل الاستصحاب على دليلها عدم بقاء مورد له إلا نادرا بخلاف العكس وسيجئ في محله
إنشاء الله تعالى ان هذه من جملة المرجحات في باب المعارضة وعليه فتكون قاعدة اليد مقدمة على
الاستصحاب وتتقدم على الأصول المتأخرة عنه رتبه بالأولوية * (ثم أنه) * بعد الفراغ عن
تقدم قاعدة اليد على الاستصحاب يقع الكلام من جهات (الأولى) في أن حجية اليد وكاشفيتها
عن الملكية (هل تختص) بما إذا لم يعلم الحالة السابقة لها بأن احتمل حدوث اليد في الملك كما هو
الغالب أو تكون حجة فيما إذا علم حالها سابقا أيضا بأن علم أن اليد حال حدوثها لم تكن يد ملك كما في
موارد اليد العادية أو الإجارة أو العارية ونحوها ولكنه يحتمل تبدلها بقاء وكونها يد ملك (وجهان)
بل قولان أقواهما الأول فان اليد المعتبرة إنما اعتبرت بما انها كاشفة عن الملكية نوعا لما عرفت
من أن الاستيلاء على الشئ من اللوازم الطبعية المترتبة على الملك ولا ريب ان الكاشفية النوعية
انما تتحقق فيما إذا لم يعلم حال اليد من حيث حدوثها ومع العلم بكونها حادثة على غير الملك لا
تكون لها هذه الكاشفية قطعا فمجرد احتمال التبدل لا يحدث لها الكاشفية بعد معلومية حالها
سابقا (هذا مع) انه على تقدير اماريتها في هذا الحال أيضا انما تكون امارة بما انها مشكوكة الحال
واستصحاب عدم تبدل حالها وبقائها على ما كانت عليه يكون حاكما عليها ومثبتا لعدم كونها يد
ملك فيخرجها عن كونها مشكوكة الحال (وبالجملة) قاعدة اليد وإن كانت حاكمة على الاستصحاب
إلا أن حكومتها انما هي فيما إذا كان الاستصحاب جاريا بالقياس إلى مؤدى اليد ومقتضاها فإذا
علم عدم كون ما في اليد ملكا لذي اليد سابقا واحتمل حدوث اليد المالكية عليه فلنا شكان
456

(أحدهما) الشك في بقاء الحالة السابقة وعدمه بالقياس إلى عدم الملكية (الثاني) الشك في أن
اليد الحادثة هل حدثت على الملك أو لا (ولا ريب) ان استصحاب عدم الملكية قاصر بنفسه
عن اثبات عدم حدوث اليد على الملك بل تكون اليد المثبتة للملكية مقدمة على الاستصحاب
ورافعة للشك في مورده ضرورة أن الشك في بقاء عدم الملكية ناش عن الشك في كيفية حدوث
اليد وانها كانت عادية مثلا أولا فإذا ثبت باليد سواء كانت أصلا أو امارة عدم كونها عادية
مثلا فلا محالة يرتفع الشك في بقاء الحالة السابقة بالقياس إلى عدم الملكية وأما إذا كان الاستصحاب
متعرضا لحال اليد ومبينا لها فكيف يمكن ان يقال بتقدمها عليه فإذا علمنا كون اليد عادية وشك
في انقلابها إلى اليد المالكية بعد ساعة مثلا فلا محالة يكون الشك في الملكية ناشئا عن الشك في حال
اليد فإذا جرى استصحاب حال اليد وثبت كون اليد عادية بحكم الشارع فلا يثبت بها الملكية
لا محالة فإن (قلت) ألسنا بنينا على امارية اليد وكونها مثبتة للواقع ومحرزة له بحكم الشارع ومعه
كيف يقدم عليها الاستصحاب مع كونه من الأصول العملية (قلت) إنما تتقدم الامارة على
الأصل فيما إذا كان الاختلاف في المؤدى واثبات كل منهما ما يضاد مؤدى الآخر واما إذا
كان الأصل ناظرا إلى موضوع الامارة ومبينا له باخراج مورده عن موضوعها فلا محالة يتقدم
الأصل على ما هو الميزان في تقدم الحاكم على المحكوم كلية (فتلخص) مما ذكرناه عدم حجية
اليد فيما إذا علم حالها السابق من كونها حادثة على غير الملك بإجارة أو عارية ونحوهما لعدم
امارتيها على الملك في نظر العقلاء (أولا) وحكومة الاستصحاب عليها (ثانيا) وعلى ذلك جرت
سيرة العقلاء في أخذ السجلات من المستأجرين وغيرهم لقبول الإجارة ونحوها وليس ذلك إلا
لأجل اسقاط امارية اليد واثبات ان حدوث اليد على المال لم يكن بعنوان المالكية فيحتاج
المستأجر مثلا إلى اثبات الملكية إن ادعاها (الثانية) ان حجية اليد هل تختص بما إذا علم قابلية
المال للنقل والانتقال وشك في فعلية الانتقال أو تعم ما إذا علم عدم القابلية أيضا ولكن
احتمل تبدله إلى القابلية كما في موارد الأوقاف الظاهر هو الأول (بيان ذلك) ان الأموال
بحسب طبعها قابلة للسير والتبدل فمالية الحنطة مثلا تكون عند البيع محفوظة في الدراهم أو الدنانير
كما أن مالية الدراهم تكون محفوظة عند اشتراء اللحم بها وهكذا فكل مال من الأموال في
حد ذاته قابل للسير وللمالك ان يقفها ويمنع عن سيرها فتسقط عن قابلية التبدل والمسير فإذا
وجد مال في يد واحد واحتمل حدوثها بعنوان المالكية كما ذكرنا انه المورد لقاعدة اليد (فتارة)
457

تكون الحالة السابقة على اليد معلومة من حيث عدم القابلية للسير كما إذا علم كونه وقفا غير قابل
للانتقال في زمان ولكن احتمل عروض عنوان محدث للقابلية بعد عدمها (وأخرى) لا يعلم
ذلك كما هو الغالب في موارد اليد (اما القسم الثاني) فهو القدر المتيقن من موارد حجية اليد
وثبوت الملكية بها (واما القسم الأول) فلا دليل على حجية اليد فيه فإن القدر المتيقن من
دليل حجيتها هو كونها امارة على فعلية الانتقال فيما إذا لم يحرز عدم قابلية متعلقها لعدم الانتقال
فإن مجرد امكان القابلية لاحتمال طرؤ ما يوجبها لا يكفي في الحكم بالانقلاب بل استصحاب
بقائه على ما كان من عدم القابلية للسير يكون مخرجا له عن موضوع قاعدة اليد فتكون دعوى
الملكية حينئذ محتاجة إلى الاثبات ببينة ونحوها (فإن قلت) أليست اليد امارة على الملكية ويثبت
بالامارة اللوازم والملزومات ولو كانت عقلية فلم لا يثبت في المقام بحكم اليد عروض القابلية وإن
كان ملزوما لحدوث اليد على الملك عقلا (قلت) نعم ان دليل الحجية على تقدير شموله للمقام
لا ريب في صحة التمسك به لاثبات اللوازم والملزومات إلا أن الشأن في شموله له فإن عمدة
دليل حجية اليد هي رواية حفص ورواية أخرى يقرب منها في الدلالة ولا إطلاق لهما لمثل
المقام (ضرورة) ان احتمال الانقلاب إن كان لازما غالبيا لموارد الشك في الملكية أمكن أن
يقال إن دليل الحجية ناظر إلى هذه الجهة أيضا واما إذا لم يكن الامر كذلك بل كانت موارد
الشك في الملكية غالبا غير مسبوقة بالعلم بعدم القابلية للمسير سابقا فلا يمكن اثبات الحجية في
غير تلك الموارد مع عدم ثبوت اطلاق له من تلك الحيثية (نعم) إذا علم انقلاب الحال في
الأوقاف بطرؤ ما يجوز نقلها ولكن شك في الملكية الفعلية لذي اليد لاحتمال عدم حدوث
النقل عليها فلا ريب في حجية اليد حينئذ واثبات الملكية بها (ومن ذلك) يظهر حال الأراضي
المفتوحة عنوة وانها لا تقاس بالأوقاف الغير القابلة للانتقال بحسب طبعها فإن تلك الأراضي
قابلة للمسير فعلا وإن كانت ملكا للمسلمين (غاية الأمر) ان فعلية النقل فيها مشروطة بتصدي
ولي الأمر له فإذا وجدت في يد أحد واحتمل انتقالها إليه بتصرف من ولي الأمر فيحكم عليها
بالملكية وأين هذا من الأوقاف الغير القابلة للمسير في حد نفسها (ومما ذكرنا) ظهر بطلان قياس
الأوقاف بالانسان الموجود في يد أحد بعنوان الرقية مع احتمال كونه حرا فإنه لا اشكال في
كون اليد في مورده امارة للملكية على ما هو مقتضى الفتوى والنصوص مع عدم احراز القابلية
فيه لاحتمال كونه حرا غير قابل للانتقال رأسا (وجه البطلان) ان الممنوع عن شمول دليل هو
458

ما إذا أحرز عدم القابلية سابقا واحتمل انقلابها إلى القابلية فإن قاعدة اليد في مثله لا تثبت
الانقلاب بمجرد الاحتمال بل يكون الاستصحاب جاريا ومخرجا لمورده عن قابلية الملكية وأين
هذا من مثل الانسان الغير المعلوم له الحالة السابقة فإن نفس اليد فيه امارة على الملكية ومثبتة
للرقية ما لم تثبت الحرية بدليل أقوى (فقد تحصل) مما ذكرناه ان حجية اليد كما انها مقيدة من
حيث الكاشف بما احتمل حدوث اليد على الملك فلا تكون حجة مع احتمال الانقلاب بعد العلم
بعدم حدوثها على الملك فكذلك مقيدة من حيث المنكشف بما إذا لم يحرز له الحالة السابقة الغير
القابلة للمسير مع احتمال الانقلاب بطرو المجوز (الثالثة) انه قد ذكرنا ان قاعدة اليد حاكمة على
الاستصحاب الجاري في متعلق اليد وان ثبوت الحالة السابقة في موردها كعدم ثبوتها في
اعتبار اليد وكونها امارة على الملكية (وهذا) مما لا اشكال فيه في الجملة (إلا أن الكلام) يقع في
بعض الموارد باعتبار مدرك ثبوت الحالة السابقة (وتفصيل الحال) في المقام ان ثبوت الحالة
السابقة المخالفة لمقتضى اليد اما أن يكون بالعلم أو بقيام البينة أو من جهة اقرار ذي اليد عليه وعلى
كل تقدير فاما أن يكون هناك مدع للخلاف أو لا وعلى الأول فاما أن تكون الحالة السابقة
الثابتة هي الملكية المدعاة للمدعي أو الملكية لشخص آخر فهذه أقسام تسعة لا ريب في اعتبار اليد
فيما إذا كانت الحالة السابقة ثابتة بالعلم في غير مورد الترافع والدعوى فإذا رأينا مالا في يد
زيد وعلمنا كونه ملكا لآخر قبل حدوث يده عليه فنحكم عليه بالملكية من جهة اليد بل يجوز
الشهادة على طبق اليد حينئذ كما هو مقتضى رواية حفص الواردة في المقام وأما في مورد الترافع
فإن كانت الملكية السابقة المعلومة ثابتة لغير المدعي فالامر من ترتيب آثار الملكية وكون غير ذي
اليد محتاجا إلى الاثبات كذلك بل لا يبعد الحكم بجواز الشهادة في هذا الفرض أيضا عملا
باطلاق الرواية المتقدمة واما إذا كانت ثابتة للمدعي كما إذا علم الحاكم بكون المال الثابت في يد
زيد ملكا للمدعي سابقا فلا ريب في عدم جواز ترتيب الأثر على علمه بل لا بد من مطالبة البينة
من المدعي فإن متعلق علمه إذا كان هي الملكية السابقة على حدوث اليد فلا يفيد ذلك في
الحكم بملكيته له بعد حدوث اليد إلا من جهة الاستصحاب الغير الجاري في مورد اليد كما
عرفت (واما) إذا كانت الحالة السابقة ثابتة بالبينة فلا ريب في لحوقه بما إذا ثبت بالعلم في غير
مورد الترافع وفيه إذا كانت البينة قائمة على ملكية غير المدعي واما إذا كانت قائمة على ملكيته
فالأقوال فيه وان كثرت إلا أن التحقيق لحوقه بالثبوت العلمي أيضا فإن البينة لا تزيد في
459

كشفها عن الواقع على العلم الوجداني فكما ان ثبوت الملكية السابقة للمدعي بالعلم الوجداني
لا يوجب قلبه منكرا فكذلك الثبوت بالبينة أيضا (وأما) قوله صلى الله عليه وآله (إنما أحكم بينكم
بالايمان والبينات) فهو أجنبي عن محل الكلام إذ البينة إذا كانت قائمة على الملكية الفعلية فلا ريب
في تقدمها على اليد والحكم على طبقها ومحل الكلام هو ما إذا كانت البينة قائمة على الملكية السابقة
فجرها إلى زمان حدوث اليد لا يكون الا بالاستصحاب الساقط مع اليد بل لو أخبرت البينة
عن الملكية الفعلية ولكن علم أن مدركها هو الاستصحاب لكان اليد مقدمة عليها إذ شهادة
البينة على الملكية الفعلية من جهة التمسك بالاستصحاب مع وجود امارة على الخلاف وهو اليد
غير جائزة فتكون ساقطة فيكون المدعي للملكية محتاجا إلى الاثبات بإقامة بينة أخرى على
الملكية الفعلية وأما إذا كان ثبوت الحالة السابقة بالاقرار فلا ريب في لحوقه أيضا بالثبوت
العلمي في غير مورد الترافع وكذلك في مورده إذا كان الاقرار بملكية غير المدعي فان الاقرار
وإن كان يوجب ثبوت ملكية المقر له في ظرف اقرار المقر الا ان المفروض انه غير المدعي
فليس له الزام ذي اليد على اثبات انتقاله منه إليه بناقل شرعي واما إذا كان الاقرار بملكية المدعي
فالحق هو انقلاب الدعوى وكون ذي اليد هو المدعي المحتاج إلى الاثبات أو تسليم المال
إلى المقر له وفاقا للمشهور وذلك فان المقر بملكية المدعي قد ادعى باعترافه بالملكية السابقة انتقال
المال من المدعي إليه فلابد له من اثبات الانتقال أو تسليم المال (ولا يتوهم) ان سقوط اليد
حينئذ من جهة جريان الاستصحاب في موردها وتقدمه عليها بل جريان الاستصحاب انما
هو لسقوط اليد عن الحجية حينئذ (بيان ذلك) ان الاقرار بعد نفوذه في حق المقر يكون
متبعا في لوازم نفسه وان لم يثبت به المقر به فإذا أقر بفسق الحاكم بملكية المال له في مورد الترافع
يؤخذ منه المال ويسقط الحكم في حقه مع احتمال كون المال له واقعا وجواز تصرفه فيه كذلك
فان لازم نفس الاقرار هو سقوط الحكم في حقه ففي المقام ملكية المقر له فعلا وإن كانت لا تثبت بالاقرار
لأنه متفرع على جريان الاستصحاب المحكوم لقاعدة اليد الا انه يثبت به كون الانتقال إليه
على تقدير ثبوته بناقل شرعي فيكون المقر مدعيا له فتسقط امارية اليد للملكية بالاقرار الملازم
لدعوى الانتقال فيكون قول مدعي بقاء الملكية السابقة بعد سقوط اليد على طبق الأصل
فيكون منكرا فيحتاج ذو اليد إلى الاثبات أو التسليم (وتوهم) ان الاقرار بملكية المدعي كالاقرار
بملكية الأجنبي من جهة ملازمتها لدعوى الانتقال فاما أن يكون ذو اليد في كليهما محتاجا إلى
460

الاثبات فيكون مدعيا أو لا يكون محتاجا إليه في كلا الفرضين فيبقى على منكريته
(قد ظهر جواب) مما ذكرناه فإن الاقرار للأجنبي وإن كان لازمه دعوى الانتقال منه إليه
إلا أن المدعي ليس له الزام المقر باثبات الانتقال بعد كونه أجنبيا عن المقر له (نعم) إذا كان
المدعي وارثا للمقر له وقائما مقامه لكان الاقرار لملكية المورث مفيدا للوارث في أن له الالزام
باثبات الانتقال فينقلب المنكر مدعيا أيضا (فتحصل) ان فتوى المشهور بأن اعتراف ذي اليد
بملكية المدعي أو مورثه يوجب انقلاب الدعوى ويلزم المعترف بالاثبات أو التسليم مما لا مناص
عن الالتزام بها (وهم ودفع) (أما الوهم) فهو ان فتوى المشهور بانقلاب الدعوى باعتراف ذي
اليد بملكية المدعي أو مورثه المستلزم لدعوى الانتقال ينافي ما ورد في رواية الاحتجاج من
اعتراض أمير المؤمنين عليه السلام لأبي بكر في قضية فدك حيث طالب البينة من الصديقة سلام
الله عليها لاثبات دعواها الانتقال إليها من رسول الله صلى الله عليه وآله نحلة بقوله (ع) تحكم
فينا بخلاف حكم الله في المسلمين قال لا قال (ع) فإن كان في يد المسلمين شئ يملكونه ادعيت
انا فيه من تسأل البينة قال إياك كنت أسأل على ما تدعيه قال (ع) فإذا كان في يدي شئ
فادعى فيه المسلمون تسألني البينة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول الله صلى الله عليه
وآله وبعده ولم تسأل المؤمنين على ما ادعوا علي كما سألتني البينة على ما ادعيت عليهم (الخبر)
فإنه إذا كان اعتراف ذي اليد بملكية المورث موجبا لانقلاب الدعوى وسقوط اليد عن الا مارية
فلا محالة يكون اعتراف الصديقة سلام الله عليها بملكية رسول الله صلى الله عليه وآله الموجبة
للانتقال إلى المسلمين بمقتضى الرواية التي ادعى سماعها منه صلى الله عليه وآله من النبي صلى الله عليه وآله (نحن
معاشر الأنبياء لا نورث) إلى قوله (وما تركناه صدقة) موجبا لانقلاب الدعوى فتحتاج في
اثباتها إلى إقامة البينة ومع عدم الاثبات يكون المال منتقلا إلى المسلمين نظير انتقاله من المورث
إلى وارثه ويكون لوليهم حق المطالبة من ذي اليد (وأما الدفع) فيحتاج إلى بيان مقدمة يظهر
به حال المقام (فنقول) ان الملكية وإن كانت إضافة خاصة قائمة بين طرفين المالك والمملوك إلا
انها تختلف في طرف التبدل باعتبار موارده ففي مثل البيع وغيره من العقود المعاوضية يكون
التبدل في ناحية المملوك فكأن العلقة الرابطة بين المالك والمال قد حل أحد طرفيها وهو الطرف
المربوط بالمال وجعل مكانه المال الآخر فالمبادلة بين المالين والإضافة باقية بحالها فكل من المالكين
يحفظ علقته الملكية بتبديل طرفها من حيث الخصوصية الموجبة لاختلاف رغبات الناس وفي
461

الإرث يكون التبدل في طرف المالك مع بقاء الطرف المربوط بالمال فكأن العلقة المذكورة قد
حل طرفها المربوط بالمالك وربط بالوارث فيكون التبدل في طرف المالك وفي مثل الهبة والوصية
التمليكية يكون التبدل في نفس العلقة باعدام إضافة إيجاد إضافة من دون تصرف في طرفيها
فالواهب يعدم إضافة المال إلى نفسه ويوجد إضافة أخرى للموهوب له والوصية التمليكية الموجبة
لانتقال المال إلى الموصى له بعد الموت تكون من هذا القبيل فإن الموصي بوصيته يعدم إضافة
نفسه في ظرف موته ويوجد إضافة أخرى للموصى له واما الوصية العهدية الغير الموجبة للانتقال بل
غاية الأمر هو تعيين المصرف في جهة خاصة فهي خارجة عن تمام الأقسام المذكورة كما هو ظاهر
(إذا عرفت ذلك) فنقول ان الاعتراف بملكية المورث حيث إنه بنفسه اعترف بملكية الوارث
لعدم التبدل فيها كما عرفت فلا محالة يكون كالاعتراف بملكية نفس المدعي ابتداء في انقلاب
الدعوى به وكون المقر محتاجا إلى الاثبات (ومن المعلوم) في المقام ان المسلمين لم يكونوا وارثين
للنبي صلى الله عليه وآله حتى يكون الانتقال إليهم بسبب الإرث بل غاية الأمر كون الانتقال
إليهم كالانتقال بالوصية الذي عرفت انه بانعدام إضافة وإيجاد إضافة فكيف يكون الاعتراف
بثبوت الإضافة الأولية الأجنبية عن المدعي بالكلية موجبا للانقلاب وهل هذا إلا كالاعتراف
بملكية الأجنبي الغير الموجب لانقلاب الدعوى كما عرفت (هذا) مع أن كون المقام من قبيل
الوصية التمليكية ممنوع أيضا (بل الظاهر) انه من قبيل العهدية فدعوى المسلمين إنما كانت في
مصرفيتهم لما تركه النبي صلى الله عليه وآله من غير أن يكون هناك شائبة الملكية لهم فالاعتراف
بملكية الموصي المرتفعة يقينا مع عدم الانتقال إلى المدعي كما هو المفروض كيف يعقل كونه موجبا
لدعوى الانقلاب وسقوط اليد عن الاعتبار حتى يطالب ذو اليد بالبينة (فتحصل) ان الاعتراف
المسقط لليد من الاعتبار يختص بموارد الإرث ولا يجري في موارد الوصية لا سيما إذا لم تكن
تمليكية كما هو المفروض في مورد الرواية فعلى تقدير تسليم الرواية المجعولة في عدم ثبوت الإرث
من الأنبياء وان ما تركوه صدقة وتسليم كون أبي بكر وليا للمسلمين لم يكن له مطالبة البينة من
الصديقة سلام الله عليها ولو مع اعترافها بملكية رسول الله صلى الله عليه وآله بل كان له مطالبة
البينة من المسلمين المدعين لها بعد كون المال في يدها وأماريتها على الملكية (والعجب) من العلامة
الأنصاري (قده) في المقام كيف غفل عن ذلك واحتمل كون الرواية الشريفة دليلا على عدم سقوط
اليد عن الاعتبار حتى مع الاعتراف بملكية المورث أيضا وقد عرفت ان مورد الرواية أجنبي عن
462

مورد الاعتراف بملكية المورث بالكلية (ومنها) قاعدة الفراغ والتجاوز وقد وقع البحث في
كونهما قاعدة واحدة تختص إحداهما بالفراغ عن العمل والاخرى بالتجاوز عن محل الجزء أو انها
قاعدة واحدة وعلى كل حال فهي إمارة أو أصل (لا يبعد) كونها امارة إلى أن الإرادة المتعلقة بالشئ
المركب حيث إنها هي المحركة لكل واحد واحد من الاجزاء في محله ولو كان الجزء حين
الاتيان به مغفولا عنه وغير ملتف إليه تفصيلا فإن الإرادة التفصيلية المتعلقة باتيانه وإن كانت
مشروطة بالالتفات إليه تفصيلا ولا يكاد توجد مع الغفلة الا ان الإرادة الاجمالية الكامنة في
خزانة النفس تكون محركة له في ظرفه لا محالة الا ترى ان المريد للحركة إلى مكان يصدر
منه اجزاء تلك الحركة في الخارج في محالها ولو كان المريد غافلا عن كل جزء حين الاتيان
به ومشتغلا بالتفكر في أمر آخر دنيوي أو أخروي فلا محالة يكون الشك في تحقق بعض اجزاء
المركب بعد الفراغ عنه أو بعد تجاوز محله مع احراز تعلق الإرادة باتيانه اجمالا حين الشروع
في المركب ملازما للظن بوجوده نوعا وحيث إن الشارع قد اعتبر هذه القاعدة بمالها من الكشف
النوعي كما يدل عليه قوله عليه السلام بعد السؤال عن الشك في صحة الوضوء بعد الفراغ
(هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك) وقوله (ع) بعد السؤال عن الشك في الركوع بعد
الدخول في السجدة (بلى قد ركع) وغيرهما من الأخبار الدالة على اعتبارها امارة على الواقع
فلا محالة تتقدم على الاستصحاب بالحكومة كما هو الحال في تقدم بقية الامارات عليه (نعم) لو
كان دليل الاعتبار منحصرا بما دل على صحة العمل من دون تعرض له لاثبات المشكوك نظير
قوله عليه السلام (كلما مضى من صلاتك وطهورك فامضه كما هو) لكان للقول بعدم الا مارية
وكونها من الأصول مجال واسع لكنك عرفت عدم انحصار المدرك به بل في بقية الاخبار
ما يكون دالا على اعتبارها من جهة الكاشفية فتكون إمارة لا محالة (هذا) مع أنه لو قلنا بعدم
الا مارية وكون القاعدة من الأصول المعتبرة في ظرف الشك لكانت مقدمة على الاستصحاب
من جهتين (الأولى) من جهة ان القاعدة أخص موردا من الاستصحاب أو في حكم الأخص
فتتقدم عليه من جهة الأظهرية فإنه ما من مورد تجري فيه القاعدة إلا وهناك استصحاب مخالف
وان وجد غيره فهو نادر جدا فيلزم من تقديم الاستصحاب على القاعدة عدم بقاء مورد للقاعدة أو انحصارها
بموارد نادرة وهذا بخلاف ما إذا قدمنا القاعدة عليه فيبقى موارد عدم جريان القاعدة تحته (الثانية)
من جهة حكومة القاعدة على الاستصحاب وإن سلمنا عدم كونها أخص موردا من الاستصحاب
463

وذلك فإنه ربما يكون أحد الأصلين حاكما على الآخر وإن كانا في مرتبة واحدة كما يستفاد
ذلك من بعض كلمات شيخنا العلامة الأنصاري (قده) (وتحقيق الحال) في هذا المقام ان يقال
كما أنه لا ريب في تقدم بعض الامارات وحكومته على البعض مع اتحاد رتبتهما كتقدم الظهور
في القرينة على الظهور في ذي القرينة مع كون كل منها امارة كاشفة عن المراد الواقعي فلا
بأس في تقدم بعض الأصول على بعضها أيضا ولو مع اتحاد الرتبة لوحدة الملاك فإن تقدم الظهور
في القرينة كظهور يرمى في رمي النبال على الظهور في ذي القرينة كظهور الأسد في الحيوان المفترس
إنما هو لأجل أن لفظ يرمي بعد فرض كونه فضلة في الكلام جئ به لبيان المراد فهو بمدلوله اللفظي
ناظر إلى بيان ان المراد من الأسد هو الرجل الشجاع وهذا بخلاف الظهور في لفظ الأسد فإنه
غير ناظر بنفسه إلى بيان المراد من لفظ يرمي بل لازم إرادة الحيوان المفترس منه عقلا هو
إرادة رمي التراب منه والامارة وإن كانت مثبتة للوازم الا ان اثبات اللازم فرع اثبات ملزومه
والقرينة مانعة عن اثباته وبذلك يكون الظهور في القرينة حاكما على الظهور في ذي القرينة
وكذلك الحال في المقام فان دليل القاعدة الناظر إلى اثبات حكم مخالف للحالة السابقة بنفسه ينظر
إلى سقوط الاستصحاب وعدم بقاء الحالة السابقة وهذا بخلاف الاستصحاب فإنه لا ينظر إلى
سقوط القاعدة الا بالملازمة فإن الحكم ببقاء الحالة السابقة في مورد القاعدة يلازم عقلا عدم
جريان القاعدة والاستصحاب مع قطع النظر عن عدم إثباته للوازم في حد نفسه يكون محكوما
للقاعدة فإن اثباته للوازم فرع اثباته لملزومه والقاعدة مانعة عنه باثبات خلافه ففي المرتبة التي
تكون القاعدة مانعة عن جريان الاستصحاب لا يكون الاستصحاب مانعا عنها فلا محالة تكون
هي حاكمة عليه وهذا هو الميزان الكلي في تقدم الامارات أو الأصول بعضها على بعض كلية
فإذا كان أحد الدليلين بنفسه نافيا للدليل الآخر ولم يكن الآخر كذلك وإنما كان نفيه له
بالملازمة فلا محالة يكون الأول مقدما عليه بالحكومة (وكيف كان) فلا ريب في تقدم القاعدة
على الاستصحاب وإنما الاشكال (في جهات) فقهية ينبغي التعرض لها وتنقيحها (الأولى) هل
الكبرى المجعولة في قاعدة الفراغ تغاير الكبرى المجعولة في قاعدة التجاوز بحيث كانتا
قاعدتين مجعولتين في الشريعة تتعرض إحداهما لحال العمل بعد الفراغ عنه والاخرى لحاله في
الأثناء أو انهما قاعدة واحدة مجعولة بجعل واحد والاختلاف بعروض الشك في الأثناء مرة وفي
خارج العمل أخرى إنما هو من اختلاف الصغريات (الظاهر) هو الأول وإن كان المتراءى من
464

كلام شيخنا العلامة الأنصاري (قده) هو الثاني (ويدل على) ما ذكرناه من تعدد القاعدة
وجوه (الأول) ان متعلق الشك في مورد قاعدة التجاوز هو وجود الجزء وعدمه بنحو مفاد
كان التامة ومتعلقه في قاعدة الفراغ هو صحة العمل وعدمها بنحو مفاد كان الناقصة فمتعلق
التعبد في كل منهما يغاير ما هو المتعلق في الآخر فكيف يمكن جعلهما بلسان واحد في انشاء
واحد بل لابد في كل جعل منهما من انشاء مستقل غير ما يكون في الآخر (فإن قلت) نمنع
كون المجعول في قاعدة الفراغ هو صحة العمل الموجود بنحو مفاد كان الناقصة بل يمكن كون
المجعول فيها هو وجود العمل الصحيح كما هو الظاهر من كلام العلامة الأنصاري (قده)
إذ لا ريب في أن هم العقل هو الاتيان بما هو متعلق أمر المولى وتحققه في الخارج واما احراز
صحة الموجود فهو غير لازم في حكمه كما هو ظاهر فإذا كان المجعول فيها أيضا هو التعبد بوجود
العمل الصحيح فيمكن جعلهما بلسان واحد من دون الاحتياج إلى جعلين وانشاءين (قلت)
أولا ان ظاهر دليل قاعدة الفراغ هو الحكم بصحة الموجود بمقتضى قوله عليه السلام (كلما مضى
من صلاتك وطهورك فامضه كما هو) فارجاع التعبد فيها إلى التعبد بوجود العمل الصحيح ربما
يشبه الاكل من القفا (وثانيا) ان ذلك لو تم فإنما يتم في باب الأحكام التكليفية التي
لا هم للعقل فيها إلا احراز وجود الصحيح خارجا ولو فرض الانفكاك محالا بينه وبين صحة
الموجود خارجا الا انه لا يتم في باب المعاملات فإن الأثر يترتب فيها على صحة العقد الموجود
ومجرد التعبد بوجود عقد صحيح من دون التعبد بصحة العقد الموجود لا يترتب عليه اثر خارجا
(الثاني) ان المركب حيث إنه مؤلف من الاجزاء بالأسر فلا محالة يكون ملاحظة كل جزء بنفسه
سابقا في الرتبة على لحاظ المركب بما هو إذ في مرتبة لحاظ المركب يكون الجزء مندكا فيه في
اللحاظ ويكون الملحوظ الاستقلالي هو المركب لا غير فلحاظ كل حرف بنفسه سابق على
لحاظ الكلمة بما هي كما أن لحاظ الكلمة في نفسها سابق في الرتبة على لحاظ الآية وهو سابق على لحاظ السورة
السابق على لحاظ الصلاة المركبة من السورة وغيرها فإذا كان لحاظ كل من الاجزاء سابقا على لحاظ
المركب في الرتبة وكان لحاظه في ضمن المركب اندكاكيا فكيف يمكن ان يريد من لفظ الشئ الواقع
في القاعدة الجزء والكل معا بحيث يكون الكل بنفسه ملحوظا حتى يتحقق به مورد قاعدة
الفراغ ويكون الجزء بنفسه ملحوظا في عرضه حتى يتحقق به مورد قاعدة التجاوز (الثالث)
انه يلزم التدافع بناء على اتحاد الكبرى فيما إذا شك بعد التجاوز عن محل المشكوك فإنه باعتبار
465

لحاظ الجزء بنفسه كما هو مورد قاعدة التجاوز يصدق انه تجاوز عن محله فلا يعتنى بالشك
وباعتبار لحاظ المركب بما هو يصدق انه لم يتجاوزه فيجب عليه التدارك فيلزم التدافع من جهة
الاعتبارين (فإن قلت) إذا كان كل من قاعدتي التجاوز والفراغ مغايرة للأخرى فيلزم التدافع
أيضا إذ بمقتضى قاعدة التجاوز قد تجاوز عن محل الجزء المشكوك وبمقتضى قاعدة الفراغ
لم يتجاوز عن المركب فلزوم التدافع من آثار جعل القاعدتين سواء كان بجعل واحد أو بجعلين
(قلت) إذا كان جعل قاعدة التجاوز مغايرا لجعل قاعدة الفراغ فلا محالة تكون قاعدة التجاوز
حاكمة على قاعدة الفراغ فإن الشك في صحة العمل وفساده في مفروض الكلام مسبب عن
الشك في وجود الجزء المشكوك وعدمه فإذا حكم بمقتضى قاعدة التجاوز بوجود الجزء فلا يبقى
شك في صحة العمل وفساده فالتدافع بوحدة الجعل ليس إلا (فإن قلت) لا فرق في حكومة
أحد الأصلين على الآخر بين ما إذا كانا مجعولين كحكومة الاستصحاب على البراءة وبين
ما إذا كانا مجعولين بجعل واحد كما في حكومة أحد الاستصحابين على الآخر فإذا كان
شمول القاعدة لمورد التجاوز عن الجزء موجبا لعدم التدافع من جهة حكومته على قاعدة الفراغ
فلا يفرق بين الجعل الواحد والجعلين (قلت) حكومة أحد الأصلين المجعولين بجعل واحد
على الآخر تتوقف على كون المورد في حد ذاته قابلا لجريان كل منهما وكون فعلية الجريان في أحدهما مانعا
على الجريان في الآخر لارتفاع موضوعه به كما في موارد الأصل السببي والمسببي ولو كانا من سنخ
واحد ومحل الكلام ليس من هذا القبيل إذ جريان قاعدة الفراغ فرع الفراغ عن العمل وهو غير
متحقق في مفروض المثال فقبل الفراغ لا موضوع لجريان القاعدة حتى يتكلم في حكومة قاعدة
التجاوز عليها بل المتحقق فيه هو عكس القاعدة ولا ريب انه مع اتحاد الكبرى المجعولة ولحاظ
الجزء أمرا مستقلا عند لحاظ المركب بما هو يندرج مفروض المثال في القاعدة وعكسها باعتبارين
وأين هذا من حكومة أحد الأصلين على الآخر (وبالجملة) حكومة بعض افراد الأصل على
البعض الآخر وإن كانت مما لا ينكر إلا أنه ليس في المقام فردان من الأصل بل اعتباران
في مورد واحد يكون المورد داخلا في نفس القاعدة باعتبار وفي عكسه بالاعتبار الآخر ولا
معنى لدعوى حكومة أحد الاعتبارين على الآخر وهذا بخلاف ما إذا كان هناك قاعدتان
مجعولتان على نحو الاستقلال فإن الشك في مفروض المثال داخل في كل من القاعدتين في
حد ذاته لكن شمول قاعدة التجاوز له يمنع عن شمول القاعدة الأخرى له باعتبار عكسه بالحكومة
466

فدعوى الحكومة تنحصر بصورة تعدد القاعدتين ليس إلا (الرابع) ان الميزان في جريان قاعدة
التجاوز هو التجاوز عن محل الجزء المشكوك كما إذا دخل في التشهد وشك في وجود الجزء
السابق عليه كالسجدة والميزان في جريان قاعدة الفراغ هو التجاوز عن نفس المركب فكيف يمكن إرادة
التجاوز عن المحل والتجاوز عن نفس الشئ من لفظ التجاوز الوارد في الرواية معا (ولكن التحقيق)
ان روايات الباب آبية عن حملها على جعل قاعدتين مستقلتين فإن الرجوع إليها يشرف الفقيه
على القطع بكون المجعول فيها أمرا واحدا ينطبق على موارد الشك في الاجزاء والشك بعد العمل
فإن اتحاد التعبير في موارد الأخبار الواردة في موارد التجاوز عن الاجزاء والفراغ عن
العمل يكاد يوجب القطع بوحدة القاعدة المجعولة فالمقصود هو ضرب قاعدة كلية وهو عدم
الاعتناء بالشك في تحقق المشكوك بعد تجاوز محله من دون فرق بين كون المشكوك وجود
الجزء بعد تجاوز محله أو الكل بعد الفراغ عنه فلا بد من الالتزام بالاتحاد وعدم التغاير بين
القاعدتين من حيث المجعول الشرعي (وأما) الاشكالات المتقدمة اللازمة للقول بالاتحاد فعمدتها
هو الاشكال الثاني والثالث إذ الأول منها يندفع بان المشكوك بعد التجاوز عنه الذي هو الموضوع
للقاعدة أعم من أن يكون وجود الشئ كما في موارد قاعدة التجاوز أو صحته كما في موارد
قاعدة الفراغ والجامع بينهما هو عدم الاعتناء بالمشكوك بعد التجاوز عنه فالاختلاف في الصغريات
لا في نفس الكبرى المجعولة (وإن شئت قلت) كما أن المشكوك في قاعدة التجاوز هو الموجود
بنحو مفاد كان التامة فكذلك المشكوك في قاعدة الفراغ فإن الشك في صحة العمل وفساده
بعد الفراغ مسبب عن الشك في تحقق ما اعتبر فيه شرطا أو جزء لا محالة فما هو المشكوك
بالآخرة هو الوجود بنحو مفاد كان التامة من دون فرق بين موارد الشك في أثناء العمل
وبين موارده بعد الفراغ عنه (وكيف كان) لا موقع لهذا الاشكال بعد ظهور الروايات في
الاتحاد (وأما) الاشكال الرابع (فيندفع) بأن المراد من التجاوز الوارد فيها هو التجاوز عن
نفس الشئ مطلقا غاية الأمر ان التجاوز عن محل المشكوك بعد تعين وقوعه فيه يوجب صدق
التجاوز عن المشكوك فمحقق التجاوز عن الشئ امران (أحدهما) التجاوز عنه بالفراغ عنه
(الثاني) التجاوز عنه بتجاوز محله المتعين وقوعه فيه كما في موارد قاعدة التجاوز (وأما)
الاشكال الثاني والثالث (فالذي) يسهل الخطب فيهما هو ان الشك في الاجزاء لو كان ملحوظا
في جعل القاعدة مثل ما لوحظ نفس العمل فيه لكان لهما مجال واسع (لكن) الامر ليس
467

كذلك بل المجعول ابتداء هو عدم الاعتناء بالشك بعد التجاوز عن العمل فلو كنا نحن وهذه
الاطلاقات لقلنا باختصاصهما بموارد الشك بعد الفراغ ولم نقل بجريانها في شئ من موارد
الشك في موارد قاعدة التجاوز لكن الأدلة الخاصة دلت على اعتبارها في موارد الشك في الاجزاء
أيضا فهي دالة بالحكومة على لحاظ الجزء سابقا على لحاظ التركيب أمرا مستقلا بنفسه فإن قوله (ع)
في رواية زرارة بعد حكمه عليه السلام بالمضي عند الشك في الاذان مع الدخول في الإقامة
وعند الشك فيهما مع الدخول في التكبير وعند الشك في القراءة مع الدخول في الركوع وعند الشك
في الركوع مع الدخول في السجود (يا زرارة إذا خرجت عن شئ ثم دخلت في غيره
فشكك ليس بشئ) أقوى شاهد على أن المراد هو اعطاء ضابطة كلية (غاية الأمر) أن الاجزاء
الغير الملحوظة بأنفسها أشياء مستقلة قد اعتبرت في خصوص باب الصلاة ملحوظة بما هي أمور
مستقلة فيصدق على الشك في بعضها بعد الدخول في الآخرة انه شك بعد الدخول في غيره (والحاصل)
ان المراد من لفظ الشئ الوارد في الروايات ليس هو العمل واجزاؤه حتى يرد ما ذكر بل المراد
منه هو خصوص العمل المشكوك فيه بعد التجاوز عنه فيستفاد منها قاعدة كلية تجري في أبواب
العبادات والمعاملات وغيرها ولا تشمل شيئا من موارد الشك بعد تجاوز محل الجزء المشكوك
فيه لكن الروايات الخاصة حكمت على تلك الأدلة بإدخال اجزاء الصلاة في موضوعها بعد ما لم
تكن كذلك فلا يلزم الجمع بين اللحاظين ولا التدافع في الشمول بعد حكومة الأدلة الخاصة
عليها (ومما ذكرنا) من اختصاص القاعدة باجزاء الصلاة من جهة الأدلة الخاصة التي لم ترد
إلا فيها يظهر ما في كلام العلامة الأنصاري (قده) من الحكم بخروج الطهارات الثلاث من
تحت القاعدة للاخبار أو للاجماع فإنها لم تكن داخلة تحتها حتى يحكم بخروجها بالتخصيص بل الداخل
هي اجزاء الصلاة من جهة الأدلة الخاصة ليس إلا (فإن قلت) سلمنا ان دخول اجزاء الصلاة
في عموم قوله (ع) (إنما الشك إذا كنت في شئ ولم تجزه) إنما هو بالحكومة (لكنه) مع
ذلك لا يمكن شمول العموم المذكور لها في مقام الاثبات إذ لحاظ الاجزاء في مرتبة سابقة على
التركيب كما هو مقتضى الأدلة الخاصة الواردة في باب الصلاة إنما يخرج شمول القاعدة لها
عن حد الاستحالة إلى الامكان ولكن ملاحظة الاجزاء مستقلة في عرض ملاحظة المركب من
لفظ الشئ الوارد في الرواية يترتب عليها محذور الجمع بين اللحاظين لا محالة فلا يفرق في عدم
امكان فعلية الشمول لكلا الموردين بجعل واحد بين ما إذا كان دخول الاجزاء غير محتاج
468

إلى ورود أدلة خاصة وبين ما إذا كان محتاجا إليه (قلت) لو كان جعل الحكم في القاعدة من
قبيل الجعل الثابت في موارد القضايا الخارجية التي يثبت الحكم فيها ابتداء نفس الافراد الخارجية
لكان للاشكال المزبور مجال واسع فإنه كيف يعقل إرادة الجزء مستقلا من لفظ الشئ
مع إرادة المركب منه المستلزمة للحاظ الجزء مندكا فيه في عرض واحد
لكنا قد ذكرنا مرارا ان القضايا المتكفلة لجعل الاحكام في الشريعة
كلها من قبيل القضايا الحقيقية الغير الناظرة إلى الافراد أصلا وانما المجعول فيها هو ثبوت الحكم
للموضوع المفروض وجوده بنحو الكبرى الكلية من دون نظر إلى الانطباق إلى فرد من
الافراد الخارجية أصلا فقوله (ع) (انما الشك إذا كنت في شئ ولم تجزه) يثبت حكما كليا على
عنوان الشئ من دون نظر إلى افراده حتى يكون لازم لحاظ اندراج الجزء فيه في عرض اندراج
المركب فيه مستلزما للجمع بين اللحاظين فالانطباق على الافراد خارج عن جعل الحكم في
القضية بالكلية (وعليه) فالاشكال المذكور مندفع عن أصله إذ حكومة الأدلة الخاصة انما تقع في
مرتبة الانطباق وجعل ما ليس بفرد للعام في حد نفسه فردا له بالتعبد والتنزيل فيكون لقاعدة
الفراغ فرد تكويني خارجي وهو الشك في صحة العمل بعد الفراغ عنه حقيقة وفرد جعلي تنزيلي
وهو الشك في وجود الجزء بعد التجاوز عن محله (وبالجملة) اشكال الجمع بين اللحاظين انما يتوجه
إذا كان الجزء المركب ملحوظين في عرض واحد عند جعل القاعدة وهذا انما يكون مع كون
القضية خارجية واما إذا كانت حقيقة فالافراد الخارجية لا تكون ملحوظة في جعل الحكم أصلا
فأين الجمع بين اللحاظين (ومما ذكرنا) يظهر اندفاع اشكال التدافع أيضا فإنه إذا كان انطباق
الكبرى المجعولة على مواردها أجنبيا عن جعل الحكم في الكبرى وكانت الأدلة الخاصة
الواردة في باب الصلاة ناظرة إلى مرحلة الانطباق وتنزيل الاجزاء منزلة العمل المركب فلا
محالة يكون الحال كما إذا كانت هناك قاعدتان مجعولتان في أن شمول القاعدة من جهة صدق
التجاوز عن الجزء يكون موجبا لعدم شمول العكس من جهة كون الشك في أثناء العمل فإنه
بعد حكم الشارع في مقام الانطباق بأن هذا الشك شك في العمل بعد التجاوز كيف يمكن
انطباق عكس القاعدة عليه المأخوذ في موضوعه عدم كون الشك بعد التجاوز فلا فرق في الحكومة
بين كون القاعدتين قاعدة واحدة وبين كونهما قاعدتين بعد كون الحكومة في مقام الانطباق
(الثانية) قد ظهر مما ذكرناه ان محقق التجاوز في مورد قاعدة التجاوز انما هو التجاوز عن محل
469

الشئ وفي مورد قاعدة الفراغ هو التجاوز عن نفس الشئ وبذلك يشكل على اتحاد القاعدتين
من حيث الكبرى المجعولة وقد أجبنا عنه آنفا بان المراد من التجاوز هو التجاوز عن نفس
الشئ مطلقا (غاية الأمر) ان التجاوز عن محل الجزء يوجب صدق التجاوز عن نفس الجزء ومحصل
ما ذكرناه يرجع إلى أن التجاوز عن محل الجزء يوجب صحة اسناد التجاوز إلى نفس الجزء من
باب المسامحة واسناد الشئ إلى غير ما هو له فلا محالة يكون المراد من لفظ التجاوز الوارد في
القاعدة هو التجاوز عن نفس الشئ أعم من أن يكون الاسناد حقيقيا أو مجازيا ولولا ورود
الأدلة الخاصة على الحاق التجاوز عن المحل بالتجاوز عن نفس الشئ لم يكن لنا دليل على إرادة
العموم ولكنها بعد ما وردت تكون كاشفة عن إرادة الأعم لا محالة (ومنه) يظهر ان تعميم
المحل للمحل العادي في قاعدة التجاوز لا وجه له فان الدليل الوارد فيها الموجب لإرادة التعميم
من جهة الاسناد المجازي مختص بالتجاوز عن المحل الشرعي فالحاق التجاوز عن المحل العادي
به يحتاج إلى ورود دليل خاص مفقود في المقام (ولكن التحقيق) ان تصوير الجامع بين
القاعدتين غير محتاج إليه أصلا بل غير ممكن لما ذكرناه من أن جعل القاعدة الكلية إنما هو من
باب جعل الحكم في القضايا الحقيقية التي لا نظر فيها إلى خصوصية الافراد الخارجية فلو لم
يكن هناك دليل التنزيل كانت القاعدة مختصة بموارد قاعدة الفراغ إلا أن ورود الأدلة الخاصة
وتطبيق القاعدة على موارد الشك في الاجزاء أيضا أوجب جريان القاعدة فيها بالحكومة فالحكومة
إنما هي في مقام التطبيق وتحقق الصغرى ومعه كيف يمكن تصوير الجامع في مقام الجعل
(وبعبارة واضحة) تصوير الجامع إنما يمكن فيما إذا كان دخول أحد الفردين في الكبرى المجعولة
في عرض دخول الفرد الآخر ولكنه خلاف المفروض فإن دخول موارد قاعدة التجاوز في
طول دخول موارد قاعدة الفراغ وبالحكومة فلا معنى لتصوير الجامع حينئذ بل هو خلف فرض
الطولية (وكيف كان) فلا ريب في اعتبار الدخول في الغير في قاعدة التجاوز فان مقتضى
الدليل الحاكم هو اعتبار التجاوز عن المحل فيها ومن المعلوم انه لا يتحقق إلا مع الدخول في
الغير المترتب عليه كما هو مورد النصوص (وهل) يعتبر الدخول في الغير في قاعدة الفراغ أيضا
أم لا (وجهان) الحق هو الأول لا لما قيل من أن لازم الاعتبار في مورد قاعدة التجاوز هو
الاعتبار في مورد قاعدة الفراغ أيضا بناء على اتحاد القاعدتين في الكبرى المجعولة فإنه إذا اعتبر
ذلك في أحد الفردين كشف ذلك عن الاعتبار في نفس الكبرى المنطبقة عليه (ولكنه) قد
470

عرفت آنفا ان وحدة الكبرى لا تستلزم دخول موارد قاعدة التجاوز فيها في عرض موارد قاعدة
الفراغ بل ذلك مستحيل ودخول موارد قاعدة التجاوز فيها من جهة وجود الدليل الحاكم وعليه
فلا ملازمة بين اعتباره في دليل الحاكم وبين الاعتبار في نفس الكبرى المجعولة إذ من الجائز أن
يكون الشك في الجزء منزلا منزلة الشك في المركب في حالة خاصة وهي حالة الدخول في الغير
لا مطلقا فالاعتبار في المنزل غير ملازم للاعتبار في المنزل عليه بل لان في الأدلة الدالة على
حجية القاعدة ما أخذ فيه ذلك كقوله (ع) في رواية زرارة (إذا شككت في شئ ثم دخلت
في غيره فشكك ليس بشئ) وفيها ما لم يعتبر فيه إلا التجاوز والمضي كقوله (ع) في موثقة ابن
بكير (كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو) وقوله (ع) في موثقة ابن أبي يعفور (إنما
الشك إذا كنت في شئ لم تجزه) فيدور الامر بين حمل المطلق على الفرد الغالب لكون الغالب
في موارد الشك هو الدخول في الغير وبين كون القيد في الروايات المقيدة لوروده مورد
الغالب فلا يكون ظاهرا في وروده مورد الاحتراز ولا ريب في أن الأول هو المتعين لا من
جهة اقتضاء الدليل المأخوذ فيه القيد للمفهوم أو لحمل المطلق عليه بل من جهة انصراف المطلق
في حد ذاته إلى الفرد الغالب فإن غلبة الوجود وإن لم توجب الانصراف كما حققناه في محله
إلا انها فيما إذا كانت الغلبة لأمر خارجي وأما إذا كانت من جهة قصور الماهية ونقصها في الفرد
النادر وكانت المهية تشكيكة بحيث كان شمول الطبيعة له خفيا في نظر العرف فلا محالة يوجب
ذلك انصراف المطلق إليه ولا أقل من كونه القدر المتيقن في مقام التخاطب ومحل الكلام
من هذا القبيل فإن صدق التجاوز عن الشئ مع الدخول في الغير أظهر من صدقه مع عدم
الدخول فالمطلق في حد ذاته قاصر عن الشمول مع عدم الدخول في الغير ولو لم يكن هناك دليل
المقيد أيضا (الثالثة) ان الغير المعتبر دخول الشاك فيه في مورد قاعدة الفراغ لا يعتبر فيه شئ
إلا كونه مباينا للعمل المشكوك فيه لاطلاق أدلته واما في مورد قاعدة التجاوز فلا بد فيه من
كونه مرتبا شرعيا على المشكوك لاختصاص أدلته بذلك وعليه فان شك في الجزء الأخير من
العمل كالتسليمة فاما أن يكون الشك مع عدم الدخول في الغير أو معه وعلى الأول لا ريب في
وجوب التسليمة لكون الشك حينئذ في المحل وعلى الثاني فاما أن يكون الدخول في التعقيب
المترتب على الصلاة شرعا أو في أمر مباح أو مستحب غير مرتب عليه ولا مناف للصلاة أو في
أمر مناف من منافياتها سواء كانت من المنافيات المطلقة أو المنافيات العمدية ويدخل في هذا
471

القسم الشك الحادث بعد السكوت الطويل الماحي لصورة الصلاة فإنه من المنافيات أيضا
اما الدخول في التعقيب فلا ينبغي الريب في جريان قاعدة التجاوز معه إذ بعد الحاق الإمام عليه السلام
الأذان والإقامة بأجزاء الصلاة في جريان القاعدة فيهما فربما يحصل القطع للفقيه
بعدم اختصاص الحكم بهما بل يجري في كل ما كان ملحقا بالصلاة سواء كان من المقدمات أو
من التوابع كالتعقيب فالتعقيب من جهة كونه مرتبا شرعا على الصلاة يصدق مع الدخول فيه
انه تجاوز عن محل التسليم واما الدخول في غيره من الأمور الغير المنافية فلا ريب في عدم
صدق قاعدة التجاوز معه لعدم كونه من الأمور المرتبة على التسليم وقد عرفت اختصاص
القاعدة بموارد الشك مع الدخول في الغير المرتب (وأما) الدخول في المنافي بقسميه (فربما
يقال) بجريان القاعدة معه نظرا إلى ترتب المنافي على التسليمة شرعا من جهة كونها محللة
لما كانت التكبيرة محرمة له فمن جهة ترتب المحلل بالفتح على المحلل بالكسر يصدق التجاوز
عنه مع الدخول فيه (وهذا الوجه) هو الذي بنينا عليه في الدورة السابقة ولكن الحق فساده فان
القدر المتيقن من أدلة قاعدة التجاوز هو الدخول في الغير المرتب الذي هو من اجزاء المركب
أو من ملحقاته وأما الدخول في مطلق الغير المرتب فلا نظن بشمول الغير المأخوذ في دليل
الحاكم فضلا عن القطع به (وبالجملة) ان قاعدة التجاوز بعد ما ظهر كونها ثابتة بدليل الحاكم
الوارد في موارد خاصة فلا بد من الاقتصار بتلك الموارد والتعميم عنها إلى غيرها يحتاج إلى
دليل مفقود في المقام لكن الذي يسهل الخطب هو عدم الاحتياج في تلك الموارد بقاعدة التجاوز
فإنه يكفي فيها جريان قاعدة الفراغ الموجبة للحكم بصحة العمل (بيان ذلك) ان المعتبر في قاعدة
الفراغ على ما عرفت في الجهة الثانية أمران (أحدهما) التجاوز عن الشئ والفراغ عنه (وثانيهما)
الدخول في الغير المباين معه وكلا الامرين متحققان في تلك الموارد أما تحقق الدخول في
الغير فظاهر حتى في صورة الدخول في الامر المستحب والمباح الغير المنافي للصلاة فضلا عن
صورة الدخول في المنافي وأما تحقق التجاوز عن الشئ فالظاهر أنه يكفي فيه تحقق معظم
الاجزاء وليس لاحراز الجزء الأخير مدخلية فيه أصلا وحيث أن المفروض في المقام تحقق
معظم الاجزاء ولو مع الشك في الجزء الأخير فيكون مقتضى قاعدة الفراغ هو عدم الاعتناء
بالشك المذكور (ومن هذا البيان) يظهر انه لا فرق في جريان قاعدة الفراغ بين ما إذا
كان الشك في الجزء الأخير موجبا للشك في بطلان العمل كالشك في الجزء الأخير من
472

الوضوء مع فوات الموالاة وبين ما لم يوجب ذلك كالشك في غسل الجانب الأيسر من الغسل
مع جريان العادة بغسل جميع الأجزاء مرة واحدة فإن جريان العادة بغسل الجميع في زمان واحد
يوجب صدق التجاوز عن العمل عند الشك في الجزء الأخير مع القطع بتحقق معظم الاجزاء
فيكون مورد الجريان القاعدة (لا أقول) ان القاعدة تجري في موارد التجاوز عن المحل العادي
فإنه (مضافا) إلى عدم الدليل عليه إذ الأدلة الدالة على اعتبارها دلت على اعتبار تحقق
التجاوز عن نفس الشئ لا عن محله ولو كان شرعيا فضلا عما إذا كان عاديا (يلزم) من
اجراء القاعدة في موارد التجاوز عن المحل العادي تأسيس فقه جديد كما هو ظاهر (بل أقول)
ان التجاوز من المحل العادي مع تحقق معظم الاجزاء يوجب صدق التجاوز عن نفس
الشئ إذ لا فرق في صدق مفهوم التجاوز في نظر العرف بين تعلق الشك بالجزء الأخير أو
بغيره من اجزاء العمل المركب بعد الفراغ عنه والدخول في غيره فمن اغتسل في أول النهار وكان
من عادته غسل تمام الأعضاء في مجلس واحد واتفق انه شك في غسل الجانب الأيسر عند
الغروب يصدق عليه انه شك في العمل بعد التجاوز عنه (هذا كله) فيما إذا كان الشك في التسليمة
الذي هو الجزء الأخير للصلاة (وأما الشك) في غيرها من الاجزاء (فقد وقع) الخلاف فيما
يعتبر الدخول فيه فبعضهم عممه إلى المقدمات واجزاء الاجزاء أيضا فبنى على جريان القاعدة
عند الشك في السجود مع الدخول في النهوض الذي هو من مقدمات القيام وعند الشك في
الآية مع الدخول في آية أخرى بل يظهر من بعضهم التعميم بالنسبة إلى الكلمات واعتبر بعضهم
الدخول في الاجزاء دون المقدمات ولكن عمم الاجزاء إلى اجزاء الاجزاء أيضا واختار جملة من
المحققين منهم الشهيد الثاني (قده) اعتبار الدخول في الاجزاء المستقلة المعنونة فمنعوا عن جريانها
عند الدخول في اجزاء الاجزاء فضلا عن المقدمات وهو الأقوى اما عدم كفاية الدخول في
المقدمات فإن قوله (ع) في رواية إسماعيل (فإن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض وإن شك
في السجود بعد ما قام فليمض كل شئ شك فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه) قد
أسقط كفاية الدخول في المقدمات من الهوي والنهوض فإنه لو كان الدخول فيها كافيا في جريان
القاعدة لما كان وجه لاعتبار الدخول فيما بعدهما من السجود والقيام فتحديد جريان القاعدة
بما إذا تحقق الدخول في السجود أو القيام مع كونهما متأخرين عن الهوي والنهوض زمانا يدل
على عدم الاعتبار بالدخول في المقدمات (وتوهم) شمول ذيل الرواية للدخول في كل غير
473

يكون مباينا مع المشكوك غاية الأمر يلتزم بتخصيصه بغير موارد الشك في الركوع والسجود
(فاسد) فإن ذيل الرواية الوارد في مقام بيان الكبرى الكلية قد ورد في مقام التطبيق على
ما بينه الإمام عليه السلام من المضي عند الشك في الركوع بعد ما سجد وعند الشك في
السجود بعد ما قام فكيف يمكن الالتزام بالتخصيص وخروج المورد (وبعبارة واضحة) لو كان
المراد من الغير الذي يعتبر الدخول فيه هو مطلق الغير الشامل للمقدمات فلابد من الاكتفاء
بالدخول في الهوي والنهوض عند الشك في الركوع والسجود الذي هو مورد الرواية إذ لا يمكن
اخراج المورد عن القاعدة الواردة فيه وحيث لا يكتفى فيهما به بل لابد من الدخول في القيام والسجود
فلا محالة يكشف ذلك عن أن المراد من الغير هو خصوص الاجزاء دون مطلق الغير الشامل
للمقدمات (فإن قلت) ان الرواية المذكورة معارضة برواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله الدالة
على كفاية الدخول في الهوي حيث قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام (رجل أهوى إلى
السجود فلم يدر أركع أم لم يركع قال (ع) قد ركع) ومع معارضتها بها لا يبقى لها حجية بالنسبة
إلى الغاء الدخول في المقدمات فيرجع إلى اطلاق قوله (ع) في رواية زرارة (إذا شككت في
شئ ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشئ) قلت إن رواية عبد الرحمن ليست ظاهرة في كفاية
مطلق الدخول في الهوي الا بالاطلاق فهي قابلة للحمل على الهوي المنتهي إلى السجود بمقتضى
رواية إسماعيل الدالة على اعتبار الدخول في السجود فلا معارضة بينهما (هذا) إذا قلنا إن السجود
والركوع الواجبين في الصلاة من الهيئات وأما إذا قلنا بأنهما من الافعال كما هو المختار عندنا
فلابد من اعتبار آخر مرتبة الهوي المتصل بالهيئة الساجدية في حقيقة السجود كما أنه لابد من
اعتبار آخر المرتبة المتصلة بالهيئة الراكعية أو تمام الهوي المتصل بالقيام بعد الركوع في حقيقة
الركوع أيضا وعليه يكون الدخول في بعض مراتب الهوي محققا للدخول في السجود حقيقة
المعتبر في رواية إسماعيل فيحمل رواية عبد الرحمن المكتفية بالدخول في الهوي على هذه المرتبة
من دون لزوم الدخول في الهيئة الساجدية ويترتب على ذلك أنه لو شك في القراءة بعد الهوي
وقبل الوصول إلى الهيئة الراكعية فلا يعتني بالشك لأنه بذلك يتحقق الدخول في الركوع الواجب
حقيقة (نعم) لو كان الركوع الواجب هيئة وكان الهوي من مقدماته لوجب العود لتداركها لعدم تحقق
الدخول في الغير الواجب والمسألة محررة في الفقه وأما عدم كفاية الدخول في جزء الجزء في جريان القاعدة
عند الشك في جزئه الآخر كما إذا شك في الآية الأولى من الحمد وهو داخل في الآية الثانية فلما عرفت
474

من أن مقتضى القاعدة الأولية هو اختصاص الكبرى المجعولة بموارد الشك بعد الفراغ وانها
لا تشمل شيئا من موارد الشك في الأثناء إلا أنه خرجنا عن ذلك بمقتضى الأدلة الواردة
في خصوص موارد الشك في الأثناء فصارت حاكمة على الأدلة الأولية بتنزيل الخروج عن
محل الجزء الواجب منزلة الخروج عن أصل الواجب فإن كان في الأدلة الحاكمة ما يدل على
كفاية الدخول في جزء الجزء أيضا فهو والا فمقتضى القاعدة عدمها وليس في تلك الأدلة ما يوهم
كفاية ذلك إلا ذيل روايتي زرارة وإسماعيل المتقدمتين المتوهم شمولهما للشك في بعض السورة
مع الدخول في بعضها الآخر ولكنه غير خفي انه لا عموم فيهما بعد سبق الأمثلة المذكورة فيهما
بالقياس إلى ما لا يكون من قبيل تلك الأمثلة فإن الظاهر أنه عليه السلام بصدد بيان الكبرى
الكلية المنطبقة على ما ذكر فيهما من الأمثلة وعلى غيرها مما يكون نظيرها في أن الشك يكون
متعلقا بجزء مستقل بعد الدخول في جزء آخر مثله فالقدر المتيقن من الروايتين هو جريان القاعدة
عند الشك في تحقق جزء بعد الدخول في غيره من الاجزاء المبوبة كالركوع والسجود والقراءة
ونحوها ولم يقم في غير ذلك دليل يحكم على الأدلة الأولية ويدل على الجريان عند الدخول
في جزء الجزء أيضا (ويؤيد) ذلك أنه لو بني على العموم وكفاية مطلق الدخول في الغير لاكتفي
بالدخول في بعض اجزاء الكلمة مع الشك في بعضها المتقدم والظاهر أنه مما لم يلتزم أحد بجريان
القاعدة فيه فيستكشف منه انه لا عموم في القاعدة إلا بالقياس إلى الأمثلة المذكورة في الروايتين
وما يكون من قبيلها فلا يكون لمطلق الدخول في الغير اثر في الجريان (ثم أن) مقتضى ما ذكرناه
جريان القاعدة فيما إذا شك في القراءة وهو مشتغل بالسورة فإن القراءة والسورة جزآن مستقلان
في الاعتبار لكن الظاهر من رواية زرارة المتقدمة هو اعتبار الدخول في الركوع في عدم الاعتناء بالشك في
القراءة إلا أن يقال بأن مفروض السؤال في الرواية هو الشك في مجموع القراءة المركب من الحمد والسورة
ولا ريب ان المعتبر حينئذ في عدم الاعتناء هو الدخول في الركوع وفرض الشك في خصوص الحمد خارج
عن مفروض السؤال فيبقى داخلا في عموم قوله (ع) (إذا خرجت من شئ ثم دخلت في
غيره فشكك ليس بشئ) وهذا هو الأقوى (ثم إنه) قد يقال بعدم شمول القاعدة للشك في
السجدة حال التشهد نظرا إلى اعتبار الدخول في القيام في عدم الاعتناء بالشك في السجود في
رواية إسماعيل (ولكنه لا يخفى) بعد التخصيص في عموم القاعدة المذكورة مع كون التشهد
من الاجزاء المستقلة المبوبة فالظاهر أنه عليه السلام فرض الشك في السجدة في الركعة الأولى
475

ولا ريب ان المعتبر فيه هو الدخول في القيام المتأخر عنه وأما الشك في السجدة في الركعة
الثانية فهو خارج عن مورد المثال فيبقى تحت القاعدة من عدم الاعتناء بالشك فيها بعد الدخول
في التشهد الذي هو الجزء الآخر من الصلاة المترتب عليها (ومنه يظهر) الحال في عدم الاعتناء
بالشك في القراءة عند الدخول في القنوت المترتب عليها وإن كان من الأجزاء المستحبة فان
الظاهر من رواية زرارة التي اعتبر الدخول في الركوع في عدم الاعتناء بالشك في القراءة هو
فرض الشك في الركعة الأولى فلا يبقى لها دلالة على الغاء الدخول في القنوت في الركعة الثانية
فيبقى تحت العموم المذكور (فتحصل) من جميع ما ذكرناه ان الشك في بعض أجزاء الصلاة
بعد الفراغ عنها يكون موردا لقاعدة التجاوز مطلقا في غير ما إذا كان الشك في الجزء الأخير
منها وإذا كان الشك في الجزء الأخير فيجري القاعدة بعد الدخول في التعقيب المرتب عليه
شرعا لا في غيره من الافعال الغير المرتبة عليه (نعم) يجري في تلك الموارد قاعدة الفراغ كما
عرفت واما الشك في الأثناء فيعتبر في عدم الاعتناء به الدخول في الجزء الآخر المستقل المرتب
عليه (الرابعة) لا إشكال في جريان قاعدة الفراغ عند الشك في صحة العمل وفساده بعد
الفراغ عنه من جهة احتمال فقدانه لما أخذ فيه بنحو الشرطية وأما إذا كان الشك في صحة
العمل وفساده من تلك الجهة في أثناء العمل كما إذا شك في أثناء الصلاة في أنه تطهر قبل الصلاة
أم لم يتطهر ففي جريان قاعدة التجاوز حينئذ وعدمه وجهان بل قولان (وتفصيل الكلام) في
هذا المقام ان يقال إن الشرط المشكوك تحققه في أثناء الصلاة اما أن يكون شرطا للصلاة واما أن يكون
شرطا لنفس الجزء والأول (تارة) يكون من قبيل الافعال (واخرى) من قبيل الكيفيات
أما ما كان شرطا للصلاة وكان من قبيل الكيفيات والهيئات كالتوجه إلى القبلة وكون المصلي
متسترا فلا ريب في عدم جريان قاعدة التجاوز بالقياس إليه (ضرورة) ان معنى اعتبار شئ
شرطا للصلاة مع عدم كونه من قبيل الافعال هو اشتراط مجموع العمل به مع عدم جعل محل له
شرعا غاية الأمر انه لابد من احرازه قبل العمل عقلا حتى يكون مجموع العمل مقترنا بالشرط
فالشك فيه في الأثناء يكون شكا قبل تجاوز المحل (وبعبارة واضحة) لا يجري في مثل الفرض
قاعدة التجاوز لا بالإضافة إلى نفس الشرط ولا بالإضافة إلى المشروط به (اما الثاني) فلعدم
تجاوز محله الذي هو مجموع الصلاة (وأما الأول) فلعدم جعل محل له شرعا مع ما عرفت
من اشتراط جريان القاعدة بالتجاوز عن المحل الشرعي وأما ما كان شرطا للصلاة وكان من
476

قبيل الافعال كالوضوء بالقياس إلى الصلاة الذي محله الشرعي قبل العمل بمقتضى قوله تعالى
(إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوههم وأيديكم إلى المرافق) فلا ريب في عدم جريان
القاعدة فيه بالإضافة إلى المشروط لما عرفت وأما جريانه بالإضافة إلى الشرط ففيه خلاف
ينشأ من أن الشرط للصلاة هو الحالة الحاصلة من الوضوء مثلا المعبر عنه بالطهارة حتى كون
من قبيل الكيفيات المعتبرة في مجموع العمل وليس لها محل معين شرعا والامر به قبل الصلاة
من جهة التوقف العقلي بعد اعتبار تلك الحالة شرطا لها أو ان الشرط حقيقة هو نفس الفعل
المأمور به قبل العمل (فعلى الأول) لا تجري القاعدة لعدم محل شرعي لها حتى يكون الشك
في الأثناء بعد التجاوز عن المحل الشرعي (وعلى الثاني) تجري لا محالة ويثبت بذلك تحقق
الشرط في ظرفه وهو قبل العمل وحيث إن الظاهر من الآية المباركة هو شرطية نفس
الوضوء دون الحالة الحاصلة منه فلا مانع من جريان قاعدة التجاوز بالقياس إليه (ويظهر من ذلك)
جريان القاعدة فيما إذا شك في وجود صلاة الظهر في أثناء صلاة العصر فإنه لا ريب في أن
الشرط في صحة صلاة العصر ليس إلا نفس صلاة الظهر وحيث إن محلها المقرر له الشرعي هو
قبل صلاة العصر فيكون الشك فيه في أثناء صلاة العصر شكا بعد التجاوز (وهل) يترتب على
الجريان خصوص صحة العمل الواقع فيه الشك فيجب الوضوء في المثال الأول بعد الفراغ
لكل ما يشترط بالطهارة ويجب الاتيان بصلاة الظهر بعد الفراغ من العصر في المثال الثاني أو
يترتب عليه جميع ما يترتب على وجود الشرط واقعا فلا يجب الوضوء بعد الفراغ لصلاة أخرى
ولا يجب الاتيان بصلاة الظهر بعد الفراغ عن العصر (وجهان) الأقوى هو الثاني لما عرفت
من امارية القاعدة وكونها محرزة للواقع لما ذكرنا من أن الإرادة المتعلقة بايجاد المركب تقتضي
تعلق إرادات جزئية بكل واحد واحد مما اعتبر فيه في ظرفه فعدم الاتيان بجزء أو شرط في
محله يكون على خلاف مقتضى الطبيعة من تعلق الإرادة بإيجاده بجميع ما اعتبر فيه وقد ذكرنا
ان الظاهر من أدلتها هو اعتبارها بما لها من الكاشفية فتكون امارة وعلى تقدير التنزل فلا أقل
من كونها من الأصول المحرزة فيترتب على جريانها من جهة الشك في وجود الشرط جميع ما له
من الأثر الشرعي (وتوهم) ان القاعدة من الأصول الغير المحرزة فلا يترتب عليها إلا صحة
العمل الواقع فيه الشك (لا مجال له) بعد ما عرفت (هذا) مع أنه على تقدير كونها من
الأصول الغير المحرزة لا موجب لعدم ترتيب بقية الآثار على وجود الشرط بعد كونه مجرى
477

الأصل ولو كان غير محرز فكما انه إذا أحرز طهارة الماء بأصالة الطهارة يترتب عليها جميع
ما رتب على الطهارة شرعا فلذلك إذا أحرز وجود الشرط وهو الوضوء أو صلاة الظهر في
محل الكلام يترتب عليه جميع ما رتب عليها شرعا (نعم) إذا جرى القاعدة بالإضافة إلى
المشروط واحرز بها ان العمل وقع مع الشرط من دون تعرض له لوجود نفس الشرط في حد
ذاته فلا يثبت به إلا صحة العمل الواقع فيه الشك ليس إلا فإنه على تقدير إماريته أيضا لم
يثبت اماريته إلا بالقياس إلى صحة العمل المشكوك لا غير (ومن هنا) يفرق بين ما إذا
جرت قاعدة الفراغ بالإضافة إلى نفس الوضوء فيترتب حينئذ جميع آثار الطهارة بعد حكم
الشارع بصحته وبين ما إذا جرت بالإضافة إلى الصلاة المشروطة به بعد الفراغ عنها فإنه لا يحرز
حينئذ إلا صحة الصلاة ويحتاج في صحة صلاة أخرى إلى احراز الطهارة بتجديدها (فتحصل)
انه لا فرق في ترتيب جميع الآثار وعدمه بين قاعدتي الفراغ والتجاوز في أنهما ان جرتا في نفس
الشرط فلا بد من ترتيب الآثار وإن جرتا في المشروط فلا يترتب عليه إلا صحة العمل المشكوك
فيه لا غير وحيث إن المفروض في المثالين المتقدمين هو جريان القاعدة بالإضافة إلى نفس
الشرط وهو الوضوء وصلاة الظهر فلابد من ترتيب جميع الآثار فلا يجب الاتيان بصلاة الظهر
بعد الفراغ عن العصر كما أنه لا يجب تجديد الطهارة لصلاة أخرى بعد الفراغ عما بيده (اللهم
إلا أن يقال) ان أدلة قاعدة التجاوز قاصرة عن الشمول لأمثال المقام فإنها إنما تجري فيما إذا
كانت الإرادة المتعلقة بالمركب هي الباعثة على إرادة المشكوك كالاجزاء المؤتلف منها المركب
وأما صلاة الظهر فهي وإن كانت شرطا لصحة صلاة العصر لترتبها عليها إلا أن إرادة صلاة
الظهر لا تنشأ عن إرادة صلاة العصر ضرورة كونها بنفسها واجبة بوجوب مستقل فمجرد
اشتراط واجب آخر بها لا يوجب جريان قاعدة التجاوز بالإضافة إليها ما لم تكن الإرادة المتعلقة
بها ناشئة عن إرادة المشروط بها وأما الوضوء المشروط به الصلاة فإرادته وإن كانت قابلة لان
تنشأ عن إرادة الصلاة إلا أنها لا تتمحض لذلك بل كثيرا ما يقع في الخارج قبل الوقت أو بعده
لا بداعي الصلاة فلا تكون إرادته ناشئة عن إرادتها والظاهر من الأدلة هو كون إرادة
المشكوك ناشئة عن إرادة الواجب حتى يكون التحرك له من قبل التحرك لنفس الواجب وعلى
ذلك فمقتضى القاعدة عند الشك في فعل الظهر في أثناء العصر هو العدول إلى الظهر وعند
الشك في الوضوء في أثناء الصلاة هو قطع الصلاة وتحصيل الطهارة (فان قلت) إذا لم يكن
478

الشك فيما لا يلزم نش ء ارادته من إرادة الواجب موردا لقاعدة التجاوز فلا بد وان لا يكون
موردا لقاعدة الفراغ بعد العمل أيضا فإذا شككنا في صحة الصلاة بعد الفراغ عنها من جهة
الشك في اقترانها بالطهارة فلا بد من الحكم بإعادة الصلاة ووجوب الاعتناء بالشك وذلك
لما ذكرت من اختصاص القاعدة بما إذا كانت إرادة المشكوك ناشئة عن إرادة الواجب وعدم
عمومها لغيرها (قلت) اختصاص قاعدة التجاوز بذلك لا يوجب اختصاص قاعدة الفراغ به
فان أدلة قاعدة الفراغ لم يعتبر فيها الا التجاوز عن العمل والدخول في غيره على ما عرفت
ومقتضى اطلاق أدلتها هو عدم اعتبار كون الشك في العمل ناشئا عن الشك في تحقق ما تكون
ارادته ناشئة من ارادته (وأما) أدلة قاعدة التجاوز فقد عرفت انها لا عموم فيها الا بالقياس
إلى ما يكون من قبيل الموارد التي ورد الدليل فيها بالخصوص وذلك لما عرفت من أن جريان
القاعدة في غير مجموع العمل على خلاف القاعدة ومن جهة الأدلة الخاصة الحاكمة على العناوين
العامة فلابد من الاقتصار فيها على مواردها وما يكون من قبيلها ولذلك منعنا عن جريانها
بالقياس إلى أجزاء الاجزاء أيضا وعليه فيبقى الشك في الأثناء من جهة الشك في الطهارة أو
من جهة الشك في فعل الظهر على طبق القاعدة الأولية من لزوم الاعتناء بالشك بقطع الصلاة
وتحصيل الطهارة وبالعدول إلى صلاة الظهر (هذا) فيما إذا كان الشك في الأثناء في شرط
الصلاة سواء كان اعتباره في مجموع حالات الصلاة كالاستقبال والتستر أو كان اعتباره في
حال الاشتغال بشئ من اجزائها كالاستقرار وسواء كان له محل مقرر شرعي أم لا وأما إذا كان
الشك في شرط الجزء كما إذا شك في الموالاة على تقدير اعتبارها بين الكلمات أو الآيات فيجري
فيه قاعدة التجاوز بعد تجاوز المحل الشرعي بلا اشكال (توضيح ذلك) ان الموالاة قد تلاحظ
بالإضافة إلى أجزاء الكلمة الواحدة وقد تلاحظ بالإضافة إلى الكلمات وقد تلاحظ بالإضافة
إلى الآيات وقد تلاحظ بالقياس إلى أجزاء الصلاة بعضها إلى بعض كالموالاة بين التكبيرة
والقراءة وبين القراءة والركوع وهكذا أما الموالاة بين الاجزاء فهي من شرائط الصلاة دون
الاجزاء كما هو ظاهر وأما الموالاة بين أبعاض الكلمة الواحدة فهي معتبرة عقلا وتخلفها يوجب
عدم تحقق الكلمة الواحدة رأسا وأما الموالاة بين الكلمات أو الآيات فهي بمرتبة يوجب
تخلفها عدم صدق الآية أو السورة على الغير المتوالى وبعبارة واضحة ما يوجب تخلفها محو
الصورة فلا اشكال في كون اعتبارها عقليا أيضا (وأما) الزائد على ذلك فعلى تقدير اعتباره
479

يكون شرعيا وهو وان لم يكن ثابتا بحسب الأدلة الا انه على تقدير الاعتبار لا مانع من
جريان القاعدة فيه بعد التجاوز والدخول في الغير الذي اعتبرنا الدخول فيه عند الشك في نفس
الجزء من دون فرق بين ما كان اعتباره عقليا أو شرعيا إذ مرجع الشك في وجود شرط الجزء
إلى الشك في وجود الجزء الصحيح فتشمله الأدلة الدالة على الغائه بعد التجاوز عن محله (فتوهم)
اختصاص القاعدة بما إذا كان الشرط شرعيا دون غيره (في غير محله) ولشيخنا العلامة الأنصاري (قده)
في المقام كلام لا يخلو عن تشويش واضطراب فراجع لعلك تقف على حقيقة مرامه (الخامسة)
ان الشك المحكوم في القاعدة بعد الاعتناء به إنما هو الشك الحاصل بعد العمل من جهة الشك
في انطباق المأتي به على المأمور به وأما إذا كان الشك في انطباق المأمور به على المأتي به بأن كانت
صورة العمل محفوظ خارجا ولكنه يشك في كونه مصداقا للمأمور به وعدمه فلا موقع لجريان
القاعدة أصلا (توضيح ذلك) ان الشك في صحة العمل وفساده تارة يكون بعد الفراغ عنه
واخرى قبل الشروع فيه (وعلى الثاني) فاما أن يكون هناك مصحح للدخول في العمل شرعا
أو لا يكون فإن كان هناك مصحح له كما إذا قامت البينة على كون القبلة في طرف معين من
الجهات فصلى نحوها ثم ظهر له بعد العمل فسق الشاهدين مثلا فلا تجري قاعدة الفراغ لأن المفروض
علم المصلي بوقوع صلاته إلى طرف معين مخصوص ولا حجة له فعلا على كونه قبلة فإن حجية
البينة بالنسبة إلى عدم وجوب الإعادة سقطت بظهور الفسق وقاعدة الفراغ لا تثبت كون هذا
الطرف قبلة فإن الشك ليس في وقوع الصلاة إلى القبلة بعد احرازها حتى تكون القاعدة مثبتة
للانطباق على المأمور به بل في كون الطرف المعين المعلوم وقوع الصلاة إليه قبلة وهي غير متكفلة
لالغاء هذا الشك واثبات تعلق الامر بها بل غاية ما يستفاد من أدلتها الغاء الشك في الانطباق
عند الشك فيه كما هو ظاهر وان لم يكن هناك مصحح له قبل العمل كما إذا كان مستصحب الحدث
قبل الصلاة فغفل ودخل فيها فإن لم يكن صورة العمل محفوظة عنده بأن احتمل بعد العمل تحقق
الوضوء منه قبله حتى تكون صلاته قد وقعت عن طهارة سابقة عليه فلا مانع عن جريان القاعدة
لما سنبين من جريان القاعدة في فرض الغفلة مع احتمال المطابقة حتى مع القطع بكونه محدثا قبل
الصلاة إذ لا يزيد الدخول في الصلاة غفلة مع كونه قبلة بزمان محكوما بالحدث من جهة
الاستصحاب على الدخول فيها كذلك مع قطعه بكونه محدثا قبله بزمان قطعا فإذا جرت
القاعدة فيه وثبت انطباق المأتي به على المأمور به فيجرى فيه أيضا وان لم يحتمل ذلك بعد
480

العمل بل قطع بعدم ارتفاع حدثه الاستصحابي إلى حال الصلاة فلا مجال لجريان القاعدة إذ
القاعدة إنما تكون حاكمة على الاستصحاب الجاري بعد العمل وأما الاستصحاب السابق
عليه المثبت لفساد العمل من حين الاشتغال به من جهة سبق الشك عليه وكونه محكوما بوجوب
التطهير فلا تكون القاعدة حاكمة عليه وقد تعرضنا لذلك سابقا (وأما) الشك الحادث
بعد العمل فاما أن تكون صورة العمل محفوظة معه أو لا وعلى الثاني اما أن تكون لشبهة حكمية أو
موضوعية فهناك صور (الأولى) ان لا تكون صورة العمل محفوظة في ظرف الشك مع كون
الشبهة موضوعية (والتحقيق) جريان قاعدة الفراغ فيها سواء كان المكلف عالما بكونه محرزا
للمأمور به قبل العمل من تمام الجهات أو شاكا في ذلك أو عالما بغفلته عنه اما في فرض العلم
بالاحراز حتى يكون الشك في الاختلال متمحضا في كونه من جهة الغفلة حين الاشتغال فإنه
القدر المتيقن من مواردها وأما مع الشك في الاحراز كما إذا صلى إلى ناحية وشك بعد العمل
في كونها قبلة مع عدم تعينها في نظره فعلا واحتمال كونه محرزا للقبلة قبل العمل وكما إذا شك
بعد الوضوء في وصول الماء إلى تحت الخاتم مع احتمال الالتفات إليه حين العمل وتحريكه
له فلشمول الأدلة له أيضا حتى بالنظر إلى قوله (ع) (فإنه حين يتوضأ أذكر منه حين يشك)
وأما في فرض العلم بالغفلة قبل العمل كما إذا صلى غافلا عن الطهارة أو القبلة واحتمل بعد الصلاة
وقوع صلاته إلى القبلة مع عدم احراز تلك الجهة التي صلى إليها فعلا أو كونه متطهرا قبلها فإن
مقتضى قوله (ع) (كلما مضى من صلاتك وطهورك فامضه كما هو) هو الاعتبار ولا ينافيه
التعليل المذكور في بعض الروايات بقوله (ع) (فإنه حين يتوضأ أذكر منه حين يشك) فإنه
أقرب إلى كونه حكمة غالبية من كونه علة واقعة موقع الكبرى الكلية (الثانية) الصورة
بحالها ولكن كان الشك من جهة الشبهة الحكمية كما إذا شك الجاهل بالحكم بعد مضي برهة من
الزمان في مطابقة أعماله لمقتضى تكليفه من جهة عدم انحفاظ صورة عمله وفي هذه الصورة
إن كان الشك في مطابقة أعماله لفتوى مجتهده الذي تحقق منه تقليده فالظاهر هو جريان القاعدة
أيضا لأن الشك إنما هو في مطابقة العمل لما تعين كونه مأمورا به من جهة انحلال علمه الاجمالي
بثبوت احكام واقعية له بالتقليد فالشك إنما هو في الانطباق بالنسبة إلى المأمور به المعين بالتقليد فيكون
الحال فيه كما في الشبهة الموضوعية وإن كان الشك من جهة احتمال الانطباق على الواقع مع عدم صدور
تقليد فالظاهر هو عدم الجريان فإن التكاليف الواقعية مع عدم انحلالها بالتقليد تكون منجزة في
481

حقه على ما هي عليها والمفروض انه شاك في انطباق عمله على الواقع الغير المحرز عنده والمنجز
عليه على واقعه فيجب الخروج عن عهدته اما باحراز اتيانه أو باتيان ما هو بدل عنه في الظاهر كما
في صورة الانحلال بالتقليد وقاعدة الفراغ لا تثبت انطباق الامر الغير المحرز ولو بوجه على
المأتي به في الخارج وان لم تكن صورته محفوظة (الثالثة) ما إذا كانت صورة العمل
محفوظة وفي هذه الصورة لا تجري القاعدة في شئ من الموارد سواء كانت الشبهة
حكمية كما إذا صلى بلا سورة واحتمل بعد الصلاة مطابقته للواقع لاحتمال عدم
كون السورة جزء بفتوى مقلده أو كانت موضوعية كما إذا صلى إلى جهة خاصة محرزا
لكونها قبلة أو غافلا عنه فشك بعد الصلاة في كونها قبلة مع تعين تلك الجهة فعلا في نظره
وكما إذا شك بعد الوضوء في وصول الماء إلى تحت الخاتم مع القطع بعدم التفاته له حين العمل
وعدم تحريكه له فإن الشك في جميع ذلك ليس متمحضا في انطباق المأتي به على المأمور به
الذي هو مورد الروايات بل الشك إنما هو في كون هذا الموجود الخارجي مأمورا به والروايات
أجنبية عن اثبات الامر بما هو الموجود خارجا بالكلية (فتحصل) من جميع ما ذكرناه ان
الشك في صحة العمل وفساده بعده يكون ملغى فيما إذا كانت صورة العمل غير محفوظة
إلا فيما إذا كان الشك من جهة الشبهة الحكمية قبل انحلال التكاليف الواقعية بالتقليد
واما إذا كانت محفوظة فلا يكون الشك ملغى مطلقا بل لابد من الاعتناء به واحراز صحة
العمل بالإعادة أو بطريق آخر غير قاعدة الفراغ (ثم لا يخفى) اختصاص أدلة القاعدة بما إذا
كان احتمال البطلان غير مستند إلى احتمال ترك جزء أو شرط عن عمد لانصراف الأدلة إلى غير
صورة احتمال الترك العمدي خصوصا قوله (ع) فإنه حين ما يتوضأ أذكر منه حين يشك) فإنه
وان لم يكن ظاهرا في التعليل بل الظاهر كون حكمة غالبية الا انه يستظهر منه الاختصاص لغير
صورة الترك العمدي (ومنها) أصالة الصحة ويقع الكلام فيها في جهات (الأولى) انه لا اشكال
في اعتبارها في الجملة وتقدمها على الاستصحاب الجاري في موردها سواء كان اعتبارها من جهة
كونها امارة أو أصلا كما أنه لا ريب في اختصاصها بفعل الغير واما بالنسبة إلى فعل نفس الشخص
فالمتبع فيه هو قاعدة الفراغ فليس هناك أصل آخر يسمى بأصالة الصحة غير تلك القاعدة وقد استدل
على اعتبارها بوجوه غير خالية عن النظر بل المنع والأخبار الدالة على حمل فعل المسلم على الصحيح
ظاهرة في الحمل على الصحيح من حيث الحكم التكليفي ولا ربط لها بما هو محل البحث في المقام
482

فالعمدة في المقام انما هو ثبوت الاجماع التحقيقي وسيأتي بيان معقد الاجماع من حيث العموم
والخصوص (الثانية) ان الثابت بأصالة الصحة ليس هي الصحة باعتقاد الفاعل إذ لا يترتب
عليها فائدة مهمة مع أنها خلاف ظواهر كلمات المجمعين بل هي الصحة الواقعية المشكوكة في موارد
العبادات والمعاملات من العقود والايقاعات وحيث إن المعاملات التي تجري فيها أصالة الصحة
قد اختلف فيها من حيث السعة والضيق فلابد من تحقيق ذلك وبيان الوجوه المحتملة فيه وهي
ثلاثة (الأول) أن يكون الموضوع لأصالة الصحة هو صورة العقد الصادر من المتعاملين سواء
كان الشك في صحته من جهة الشك في تحقق شرايط الصيغة أو شرايط العوضين أو شرايط
المتعاقدين (وهذا الوجه) يبعد الالتزام به غايته فان الموضوع في كلمات المجمعين انما هو العقد
فلا يشمل صورة الشك في تحقق ما يكون قوامه به (الثاني) أن يكون الموضوع هو العقد العرفي
فكلما رجع الشك إلى تحقق ما يعتبر في العقد عرفا كالشك في قابلية العوضين للعوضية من جهة
الشك في ماليته العرفية لا يكون أصالة الصحة جارية وإذا رجع الشك إلى تحقق الشرايط الشرعية
بعد العلم بتحقق العقد العرفي فيرجع إلى إصالة الصحة (وبعبارة واضحة) الموضوع لأصالة
الصحة في الشبهات الموضوعية هو الموضوع للحكم بالصحة من جهة الشبهة الحكمية لأجل الشك
في اعتبار شئ فيها شرعا فكما انه إذا شك في صحة عقد لاحتمال شرطية شئ لها شرعا فيحكم
بالصحة بدونه وعدم شرطيته تمسكا بإطلاق وجوب الوفاء بالعقد فكذلك يحكم بصحة العقد العرفي
الخارجي عند الشك في تحقق ما اعتبر فيها شرعا زائدا على الشرائط العرفية والموضوعية في كلا
المقامين هو العقد العرفي لا غير ولعل هذا هو مراد المحقق الثاني (قده) من جعل جريان أصالة
الصحة مشروطا بتحقق أركان العقد وإن كان يحتمل إرادته الوجه الثالث أيضا وهذا الوجه
وإن كان وجيها بالقياس إلى الوجه الأول إلا أنه لا يصح الاعتماد عليه من جهة ان عقد الوضع
في كلمات المجمعين عبارة عن العقد المشكوك في صحته وفساده فلابد وأن يكون متعلق
الشك هو الصحة والفساد ابتداء من جهة نفس العقد فمع عدم احراز تمامية العقد في حد نفسه
ولو من جهة الشك في تحقق الشرائط الشرعية المعتبرة في العوضين أو المتعاقدين لا يكون متعلق
الشك هو صحة العقد وفساده ابتداء بل الشك يتعلق أولا وبالذات بأمر آخر وإن كان
لازم الشك فيه هو الشك في صحة العقد إلا أنه من باب الوصف بحال متعلق الموصوف
وإلا فالعقد بما هو لا قصور فيه بل القصور من جهة المتعلق أو العاقد وقياس المقام بباب التمسك
483

بالاطلاق مع الفارق فان موضوع الحكم هناك ليس إلا العقد العرفي الذي يطلق عليه لفظ
العقد في مقام التخاطب وأين ذلك من وقوعه في كلمات المجمعين الظاهرة في اعتبار لزوم
كون الشك في صحة العقد وفساده من حيث هو عقد لا من جهة أخرى (لا أقول) ان
الاجماع دليل لبي لا يمكن التمسك به إلا في الموارد المتيقنة فإنه إنما يتم في غير المقام مما لم يكن
الاجماع على لفظ مطلق وإلا فلا مانع من التمسك باطلاقه كما في الأدلة اللفظية (بل أقول)
انه لا اطلاق في معقد الاجماع بالنسبة إلى ما لم يحرز الجهات الأخر الأجنبية عن صحة
العقد وفساده بما هو عقد فيقتصر في جريان أصالة الصحة على صورة احراز بقية الجهات ولا يمكن
التمسك بها مع الشك في تحققها وعلى ذلك فلابد من احراز تمام شرائط العوضين والمتعاقدين
عند التمسك بها فينحصر التمسك بها بموارد الشك في تحقق شرائط الصيغة (نعم) ما كان
من شرائط العوضين أو المتعاقدين راجعا إلى اعتباره في صحة العقد بما هو لا إلى اعتباره في
مالية المال أو قابلية المتعاقدين للتصرف يصح التمسك عند الشك في تحققه بأصالة الصحة فإذا
شك في كون منشئ الصيغة بالغا مع احراز كون المتعاقدين بالغين يصح التمسك بها فان اعتبار
البلوغ في المنشئ يرجع إلى اعتبار خصوصية في الصيغة (نعم) اعتبار البلوغ في المتعاقدين
أجنبي عن اعتبار أمر في العقد بما هو بل هو نظير اعتبار المالية في العوضين في كونه مأخوذا في
عقد الوضع ولابد من احرازه عند الشك في الصحة كما أنه إذا شك في جهالة العوضين في
كون المعاملة ربوية يصح التمسك بها فإن اعتبار معلومية العوضين أو عدم كون أحدهما زائدا
على الآخر إنما اعتبر في صحة العقد لا في مالية المال وإلا لما صح المعاملة مع الجهالة أو الزيادة
ولو في غير البيع من العقود المعاوضية مع أنه يصح الصلح مع الجهالة بلا اشكال ومع الزيادة على
قول فيستكشف من ذلك ان اعتبار المعلومية وعدم الزيادة من شرائط العقد ليس إلا (فتحصل)
من جميع ما ذكرناه صحة الوجه الثالث وهو اعتبار احراز تمام ما يعتبر في العوضين والمتعاقدين
فيما لا يرجع اعتباره فيهما إلى الاعتبار في العقد بما هو في الحكم بالصحة عند الشك فلو شك
في قابلية المبيع للملكية وعدمها سواء كانت عرفية أو شرعية أو في قابلية المتعاقدين للعاقدية وعدمها
لا يمكن التمسك بأصالة الصحة في اثبات تلك القابلية (ومن هنا يظهر) انه لا وقع للتمسك بأصالة
الصحة عند الشك في عروض ما يجوز معه بيع الوقف لاثبات صحة بيع المتولي له فإنها غير
متكفلة لاثبات قابلية الوقف للبيع وخروجه عما هو عليه من عدم قبوله للسير بالنقل والانتقال
484

فلا يحكم بملكية المشتري له من جهة أصالة الصحة (وتوهم) جواز الحكم بها من جهة قاعدة اليد
(مدفوع) بان قاعدة اليد وأصالة الصحة من هذه الجهة متساويتان فإنه كما لا يمكن التمسك
بأصالة الصحة عند الشك في قابلية المحل للنقل والانتقال كذلك لا يمكن التمسك بالقاعدة
عنده وذلك لما بيناه عند البحث عن القاعدة من أنها انما تتكفل للحكم بالملكية الفعلية بعد الفراغ
عن احراز قابليتها فمورد الشك في القابلية خارج عن تحت القاعدة والأصل كليهما (ثم إنه
يظهر) من شيخنا العلامة الأنصاري (قدس سره) في المقام الفرق بين ما إذا كان الشك
في بلوغ العاقد مع احراز صدور فعل من البالغ وبين غيره فحكم بجريان أصالة الصحة في
الأول دون الثاني فإذا شك في كون الموجب أو القابل بالغا مع احراز كون الآخر بالغا حكم
بصحة العقد نظرا إلى أن أصالة الصحة في فعل البالغ يثبت بها صحة العقد بتمامه فيثبت بلوغ
الآخر أيضا واما إذا لم يحرز بلوغهما فلا يمكن التمسك بها لعدم احراز صدور فعل من البالغ
حتى يحكم بصحته ولاجله فرق فيما إذا شك في بلوغ الضامن وعدمه بين ما إذا وقع التماس
من بالغ للضمان وعدمه فحكم بصحة الضمان في الأول دون الثاني (وأنت خبير) بأن
معنى صحة الايجاب شرعا ليس إلا كونه بحيث لو تعقبه قبول صحيح لترتب عليه الأثر كما أن
معنى صحة القبول كونه بحيث لو تقدمه ايجاب صحيح لكان مؤثرا وهذا المعنى من الصحة
لا يلزمه تحقق قبول في الفرض الأول وتحقق ايجاب في الثاني أصلا وعلى تقدير تسليم اللزوم
فغاية ما يثبت بأصالة الصحة هو الحكم بصحة الموجود من حيث نفسه أعني بها الصحة التأهلية
واما اثبات اللوازم والملزومات فلا وقد اعترف هو (قده) أيضا بذلك في الأمر الرابع في هذا
المقام فراجع (ومما ذكرناه) يظهر الحال عند الشك في بلوغ الضامن الموصي أو المبرئ أيضا
وان أصالة الصحة لا تجري في شئ من هذه الموارد أصلا (الجهة الثالثة) ان الثابت بأصالة
الصحة ليس إلا ترتب الأثر المقصود منه بما هو فصحة الايجاب عبارة عن كونه بحيث إذا
تعقبه القبول يترتب عليه النقل والانتقال وليس صحة الايجاب ملازمة لترتب النقل والانتقال
بما هي وكذا صحة القبول عبارة عن كونه بحيث لو كان تقدمه ايجاب صحيح ترتب عليه النقل
والانتقال إذ ليس النقل والانتقال من آثار خصوص القبول أو الايجاب فلا يمكن الحكم بتحققهما بمجرد العلم
بتحقق الايجاب أو القبول مع الشك في تحقق الآخر (ومن ذلك يظهر) انه لا معنى للتمسك بأصالة
الصحة لاثبات النقل والانتقال عند الشك في تحقق الإجازة في البيع الفضولي والقبض في المجلس
485

في بيع الصرف والسلم فإن صحة العقد بمعنى كونه بحيث إذا تعقب بالإجازة أو القبض هي
التي تترتب عليه بأصالة الصحة عند الشك في تحقق بعض شرايطه وأما فعليه النقل والانتقال
فهي ليست من آثار نفس الصحة بهذا المعنى بل من آثار الصحة وامر آخر لا يكفي أصالة الصحة
في اثباته وهذا المعنى ما ذكرناه من أنه لا يثبت بأصالة الصحة إلا الصحة التأهلية فلو علم صدور الإذن
من المرتهن في بيع الراهن ورجوعه عنه وشك في تقدم البيع على الرجوع وتأخره عنه
فلا يمكن التمسك بأصالة الصحة في الاذن واثبات تحقق البيع قبل الرجوع كما أنه لا يمكن
التمسك بها في الرجوع واثبات تحققه قبل البيع فإن معنى صحة الاذن كونه بحيث إذا كان
البيع وقع بعده لكان مؤثرا كما أنه معنى صحة الرجوع انه بحيث لو لم يكن البيع واقعا قبله لما
كان مؤثرا بعده واما وقوع البيع خارجا وعدمه فاجنبي عن صحة الاذن والرجوع بمعنى
المتقدم (وتوهم) جواز الرجوع إلى أصالة الصحة في نفس البيع (قد عرفت) ما فيه في
الجهة الثانية من عدم جريانها عند الشك في الصحة من غير جهة الشك في تحقق شرايط الصيغة
والمفروض ان الشك في المقام ليس من هذه الجهة بل من جهة أهلية البايع وعدمها فلابد من
الرجوع إلى أصالة عدم تحقق النقل والانتقال في تمام هذه الموارد ولا يمكن التمسك بأصالة
الصحة في شئ منها (الجهة الرابعة) قد ذكرنا في بحث التعبدي والتوصلي ان الافعال التي تكون
متعلقات التكاليف على قسمين (الأول) ما يكون عنوانا لا يتوقف تحققه في الخارج على قصده
كالضرب والقتل ونحوهما (الثاني) ما يتوقف حصوله على القصد بدونه لا يتحقق في الخارج
كالتعظيم والتوهين ونحوهما وهذا القصد المعتبر في تحقق العنوان غير قصد التقرب المعتبر في
خصوص العبادات كما هو واضح ويترتب على ذلك أنه إذا كان المشكوك في صحته وفساده
من العناوين القصدية فلابد من احراز تحقق القصد في الخارج (ضرورة) انه
لابد من احراز العمل في الخارج حتى يحكم بصحته بأصالة الصحة فإذا شك في صحة
الصلاة على الميت المتحققة من الغير فيحكم بصحتها بمجرد العلم بتحققها واما إذا شك في صحة
صلاة النائب عن الميت فلابد في الحكم بالصحة من احراز قصد النيابة عن الميت فإن النيابة
من الأمور القصدية التي لا تتحقق الا بالقصد فاجراء أصالة الصحة في نفس الصلاة لا يوجب
الحكم بفراغ ذمة الميت لعدم احراز الموضوع وهو تحقق النيابة (نعم) لو علم تحقق قصد النيابة
من النائب وشك في صحة العمل وفساده فيحكم بالصحة وفراغ ذمة المنوب عنه بأصالة الصحة (هذا)
486

(وقد أفاد) شيخنا العلامة الأنصاري (قده) في المقام ما عبارته ان لفعل النائب عنوانين أحدهما
من حيث إنه فعل من أفعال النائب ولذا يجب عليه مراعاة الاجزاء والشروط وبهذا الاعتبار
يترتب عليه جميع آثار صدور الفعل الصحيح منه مثل استحقاق الأجرة وجواز استيجاره ثانيا
بناء على اشتراط فراغ ذمة الأجير في صحة استيجاره ثانيا والثاني من حيث إنه فعل للمنوب
عنه حيث إنه بمنزلة الفاعل بالتسبيب أو الآلة وكان الفعل بعد قصد النيابة والبدلية قائما بالمنوب عنه
وبهذا الاعتبار يراعى فيه القصر والاتمام في الصلاة والتمتع والقران في الحج والترتيب في الفوائت
والصحة من الحيثية الأولى لا يثبت الصحة من هذه الحيثية الثانية بل لابد من احراز صدور
الفعل الصحيح عنه على وجه التسبيب (انتهى) وهذا الذي افاده (قده) لا يرجع إلى محصل فإنه
مضافا إلى ما ذكرناه في بحث التعدي والتوصلي من عدم رجوع حقيقة النيابة إلى الفعل التسبيبي
بل هي عبارة عن الفعل بقصد فراغ ذمة الغير سواء كانت تبرعية أو معاوضية أنه إذا أحرز
قصد النائب فراغ ذمة الغير من عمله فالفعل بهذا العنوان أمر مشكوك في صحته وفساده فيحكم
بالصحة من جهة أصالة الصحة وان لم يحرز ذلك فلا موضوع لها حتى يحكم بصحته (فما افاده)
قده من التفكيك بين الآثار والحكم باستحقاق النائب للأجرة وعدم فراغ ذمة المنوب عنه عند
الشك في صحة العمل وفساده (من الغرائب) إذ مع احراز قصد النيابة في العمل يحكم بصحة
العمل بالأصل ويترتب عليه استحقاق الأجرة وفراغ ذمة المنوب عنه لان موضوع الفراغ كموضوع
الاستحقاق ليس الا صدور الفعل الصحيح من النائب بما هو كذلك ومع عدم احرازه لا يحكم
بشئ من الاستحقاق والفراغ لعدم احراز موضوعهما حتى يحكم بصحته بالأصل (ثم لا يخفى)
انه وان صح الاعتماد على اخبار النائب عن قصده بل عن مطلق فعله بلا اشكال ولا خلاف
إلا أنه وقع الاشكال في أنه مشروط بالوثوق أو بالعدالة أو غير مشروط بشئ بل يصح الاعتماد
على خبره مطلقا (الذي ينبغي) ان يقال هو انه لا دليل على حجية قول النائب على اطلاقه كما أنه
لا دليل على اعتبار خصوص العدالة من حيث موضوعيتها بل لم يثبت اعتبارها في شئ من
الموارد الا من حيث الطريق في غير البينة ولذا اكتفينا بالوثوق في الاخبار الحاكية عن الاحكام
الكلية أيضا فيكون المدار على تحقق الوثوق سواء كان المخبر متصفا بصفة العدالة أم لم يكن فإذا
أحرز أصل العمل وقصد النائب بالاخبار وشك في صحته من جهات أخرى فيحكم بالصحة
من جهة الأصل (الجهة الخامسة) في بيان ان أصالة الصحة هل هي من الامارات أو من الأصول
487

وعلى الثاني فهل هي من الأصول المحرزة أو لا (ربما يقال) بان أصالة الصحة في فعل الغير بإزاء
قاعدة الفراغ في عمل الشخص فكما ان قاعدة الفراغ قد استظهر اماريتها من بعض أدلتها على
ما تقدم فكذلك تكون أصالة الصحة (وأنت خبير) بان الشك في الصحة في مورد القاعدة انما كان
من جهة الشك في تحقق الإرادات الجزئية على طبق الإرادة الكلية المتعلقة بالعمل حين الشروع
(وقد ذكرنا) ان مقتضى تعلق الإرادة بشئ هو تعلق الإرادة الجزئية بكل من اجزائه في ظرفه
وهذا هو جهة اماريتها واما أصالة الصحة فليس في موردها ما يوجب اماريتها إلا ظهور حال المسلم
في أنه لا يأتي بالفاسد (ومن الواضح) ان غاية ما يترتب على هذا الظهور هو احراز الصحة عند
الفاعل دون الصحة الواقعية التي هي محط البحث في المقام فتكون متمحضة في الأصلية واما
بالنسبة إلى كونها محرزة أو غير محرزة فسيأتي التكلم فيها انشاء الله تعالى (فظهر بذلك) انه
لا يترتب بأصالة الصحة إلا الآثار الشرعية المترتبة عليها دون اللوازم والملزومات وقد استشهد
العلامة الأنصاري (قده) لذلك بفرعين نقلهما عن القواعد فإن كان غرضه من التعرض لهما لما
فيهما من الأهمية وإلا فالمطلب أوضح من أن يستشهد له بمثل الفرعين وغيرهما (وكيف كان)
فنحن نقتفي اثره في التعرض لهما قال العلامة (قده) لو قال آجرتك كل شهر بدرهم فقال بل
سنة بدينار ففي تقديم قوم المستأجر نظر فإن قدمنا قول المالك فالأقوى صحة العقد في الشهر
الأول هنا (قال) في جامع المقاصد ما حاصله وجه النظر ان المستأجر لما كان يدعي صحة عقد
الإجارة لان العلامة (قده) بنى على بطلان اجارة كل شهر بدرهم فيكون قوله موافقا لأصالة
الصحة في العقد وحيث انها لا تثبت وقوع الإجارة على سنة لعدم كونه من اللوازم الشرعية المترتبة
على صحة العقد فصار ذلك منشأ لتوقف العلامة (قده) في تقديم قول المستأجر (ثم) انه (قده)
بعد بنائه على عدم تقدم قول المستأجر لعدم موافقة قوله لأصالة الصحة بعد المنع عن جريانها في
المقام وجه قول العلامة (قده) بصحة الإجازة في الشهر الأول هنا بما (حاصله) ان العلامة (قده)
وان بنى على بطلان اجارة كل شهر بدرهم نظرا إلى جهالة مدة الإجارة إلا أن المالك والمستأجر
متفقان في المقام على استحقاق المالك للدرهم في الشهر الأول بناء على كون الدينار اثني عشر
درهما فإن كلا منهما حينئذ معترف باستحقاق المالك للدرهم في الشهر الأول فصحة الإجارة
في الشهر الأول في محل الكلام لخصوصية فيه كما هو ظاهر كلام العلامة (قده) من تقييده
الحكم بالصحة بلفظة هنا على ما في القواعد وإن كانت هذه اللفظ ساقطة في العبارة المنقولة
488

في كلام العلامة الأنصاري (قده) والغرض من هذه التطويل هو بيان ان غرض الشيخ (قده)
من ذكر الفرعين هو الاستشهاد بكل منهما لا ما توهمه بعض المحققين من انحصار محل الاستشهاد
بخصوص الفرع الثاني هذا (والتحقيق) في المسألة عدم صحة الإجارة في المقام ولو في الشهر
الأول أما عدم صحته في مجموع السنة حتى يتقدم قول المستأجر فلما عرفت من عدم جريان
إصالة الصحة عند الشك فيها من غير جهة الشك في خصوصيات العقد وأما عدم الصحة في
الشهر الأول فلعدم الاتفاق على استحقاق الدرهم في الشهر الأول ولو كان الدينار اثني عشر
درهما فضلا عن كونه عشرة دراهم فإن المستأجر يدعي استحقاق المالك في الشهر الأول جزء
من اثني عشر جزء من الدينار ومجرد موافقة ذلك الجزء مع الدرهم في المالية لا يوجب الاتفاق
على استحقاق الدرهم كما هو ظاهر فإذا اختلف المالك والمستأجر في مال الإجارة فقال المالك
آجرتك سنة بدينار وقال المستأجر بل بثوب وفرضنا ان قيمة ذلك الثوب هو الدينار فهل يوجب
ذلك اتفاقهما على استحقاق المالك للدينار (ثم قال) العلامة (قده) وكذا الاشكال في تقديم
قول المستأجر لو ادعى اجرة مدة معلومة أو عوضا معينا وأنكر المالك التعيين فيهما والأقوى
التقديم فيما لم يتضمن دعوى (قال) في جامع المقاصد ما حاصله ان المستأجر إذا ادعى اجرة
معينة تساوي أجرة المثل فيقدم قوله على قول المالك لأصالة الصحة وإذا ادعى اجرة انقص
منها فلا يتقدم قوله لاستلزامها دعوى أخرى وهي عدم استحقاق المالك أجرة المثل وهي لا تثبت
بأصالة الصحة (وأنت خيبر) بأنه لا فائدة تترتب على تقديم قول المستأجر في الصور الأولى
بعد اتفاقهما على استحقاق مقدار أجرة المثل اما بعنوان كونها أجرة المثل على فرض بطلان
الإجارة أو بعنوان كونها الأجرة المسماة على تقدير صحتها (وكيف كان) فالغرض هو تنبيه
العلامة (قده) على عدم حجية إصالة الصحة في مثبتاتها وقد بينا ان المطلب أوضح من أن
يستشهد له بمثل هذين الفرعين (الجهة السادسة) في بيان تعارض إصالة الصحة مع الاستصحابات
الموضوعية التي في مواردها قد بينا سابقا ان الشك في صحة العقد وفساده ينشأ (تارة) من
الشك في اتصاف العقد بالشروط المعتبرة فيه من العربية والماضوية ونحوهما (وأخرى) من
الشك في اتصاف المتعاقدين بالشروط المعتبرة في أهليتها للمعاقدة أو العوضين بالشروط المعتبرة
في قابليتهما للعوضية (وثالثة) من الشك في تحقق شرائط المتعاقدين أو العوضين التي لا دخل
لها في أهلية العاقد أو قابلية العوضين وإنما كان اعتبارها في صحة العقد كالبلوغ في العاقد الوكيل
489

ومعرفة وزن المبيع أو كيله ونحوهما (اما القسم الأول) فلا ريب في جريان أصالة الصحة في
مورده وتقدمه على أصالة عدم تحقق النقل والانتقال سواء كانت أصالة الصحة من الامارات
أو من الأصول المحرزة أو الغير المحرزة غاية الأمر ان تقدمها عليها على الأولين يكون
بالحكومة واحراز موضوع الصحة وهو العقد العربي مثلا وعلى الأخير يكون من جهة التخصيص
لأخصية دليلها من دليل الاستصحاب فإنه لو قدم دليل الاستصحاب وحكم بعدم حصول
النقل لما بقي مورد لأصالة الصحة أصلا (واما القسم الثاني) فلا ريب في عدم جريان أصالة
الصحة في موارده لا من جهة تقدم الاستصحابات الموضوعية التي قد تكون فيها حتى يناقش
في تقدم تلك الاستصحابات عليها بل من جهة قصور الدليل للشمول لتلك الموارد فإنك قد
عرفت ان عمدة المدرك لها هو الاجماع وقد عرفت انه لا إطلاق فيه بالقياس إلى تلك الموارد
فلو فرضنا عدم وجود أصل موضوعي في تلك الموارد أيضا كما إذا شك في مالية المبيع المعين
وعدمها حيث إنه لا أصل يحرز كونه مالا أو غير مال لما كان مجال للرجوع إلى أصالة الصحة
فيها فعدم الجريان مستند إلى قصور نفس الدليل لا إلى معارضته مع الدليل الآخر وعليه
فلا يفرق أيضا في هذا القسم بين كونها إمارة أو أصلا محرزا أو غير محرز (وأما القسم الثالث)
فلا ريب في تقدم إصالة الصحة على الاستصحابات الموضوعية الجارية في موارده بناء على
كونها من الامارات فإذا شك في بلوغ العاقد الوكيل مع احراز بلوغ البائع المالك فإحراز
بلوغه بالامارة أعني بها أصالة الصحة يكون رافعا للشك فيه من جهة الحكومة فلا يبقى موضوع
لجريان الأصل الموضوعي كما أنه لا ريب في تقدم تلك الاستصحابات عليها بناء على كونها من
الأصول الغير المحرزة لحكومة الاستصحاب على تلك الأصول كحكومة الامارات عليه واما
إذا بنينا على كونها من الأصول المحرزة (فهل) هي تتقدم على الاستصحابات أم الاستصحابات
تتقدم عليها أو يقع المعارضة بينهما فيرجع إلى أصالة عدم الانتقال (وجوه) يظهر من شيخنا العلامة
الأنصاري (قده) اختيار الأخير منها وكلامه (قده) في المقام وإن كان مشوشا غاية التشويش حسب
اختلاف النسخ إلا أن شيخنا الأستاذ دام ظله نقل عن نسخة الأصل ان عبارة الشيخ (قده) هي
العبارة المختصرة التي رقمت في بعض النسخ الكتاب في الهامش والعبارة المفصلة المتضمنة لبيان
الاشكالات ودفعها هي عبارة سيد أساتيذنا العلامة الشيرازي (قده) التي كتبها بخطه الشريف
حينما كان مشتغلا بتصحيح الكتاب بأمر الشيخ (قده) ولابد لنا من توضيح المرام من العبارة
490

أولا ثم تحقيق الحال في المقام ثانيا (فنقول) ان محصل مرامه (قده) ان أصالة الصحة إن كانت
من الأصول المحرزة فهي وإن كانت تحرز بلوغ العاقد عند الشك فيه الا ان استصحاب
عدم بلوغه إلى زمانه صدور العقد منه يحرز صدور العقد عن غير البالغ فيتعارضان إذ ما يكون
محرزا وجوده بأصالة الصحة يكون هو بعينه محرز العدم بالاستصحاب فيكون كل من الأصلين
في عرض الآخر (فان قلت) أصالة الصحة يحرز بها وقوع العقد الخارجي عن البالغ فيترتب
عليه الأثر واما الاستصحاب وإن كان يحرز به عدم صدور هذا العقد عن البالغ الا ان
عدم النقل والانتقال لا يترتبان على عدم صدور هذا العقد عن البالغ أو على صدوره عن غير
البالغ بل هو مترتب على عدم وجود سبب النقل والانتقال بنحو مفاد ليس التامة ومن الضروري
أن استصحاب عدم البلوغ إلى زمان صدور العقد لا يحرز به إلا عدم صدور هذا العقد عن البالغ
بنحو مفاد ليس الناقصة ويحتاج اثبات عدم وجود السبب بنحو مفاد ليس التامة إلى ضميمة
القطع بعدم صدور عقد آخر في الخارج ومن الضروري ان ترتب العدم الذي هو مفاد ليس
التامة على العدم النعتي الذي هو مفاد ليس الناقصة في ظرف القطع بعدم وجود سبب آخر يبتني على
القول بالأصول المثبتة (وبالجملة) مجرى الاستصحاب في محل البحث هو العدم النعتي وموضوع
الأثر هو العدم المحمولي ولا يمكن احراز الثاني بالأول فلا يعارض به أصالة الصحة التي يحرز
بها وجود السبب الناقل وهو صدور العقد من البالغ (قلت) إذا كان الأثر الشرعي كالنقل والانتقال
في المقام مترتبا على وجود العقد الصحيح بنحو القضايا الحقيقية كما هو الأصل في القضايا
المتكفلة لجعل الأحكام الشرعية فكما يصح جريان الأصل في احراز مفاد كان التامة وهو وجود
الموضوع كاستصحاب وجود الخمر مثلا فكذلك يصح جريانه في احراز مفاد كان الناقصة كاستصحاب
خمرية الموجود الخارجي ويترتب عليه الأثر المجعول بنحو القضية الحقيقية والسر في ذلك ان الكلي
الطبيعي لما كان عين افراده في الخارج لا أمرا آخر يغايره فالأثر المترتب على كل منهما يترتب بعينه
على الآخر فإذا رتب اثر في الشريعة على وجود الخمر مثلا فيكون شخص ذلك الأثر مترتبا على
وجود ما يحكم عليه بالخمرية بحكم الشارع وليس هذا من الأصول المثبتة في شئ وعليه يكون الأصل
الجاري في طرف العدم مناقضا للأصل الجاري في طرف الوجود المناقض له فإذا كان الأصل
الجاري في طرف الوجود محرزا له بنحو مفاد كان التامة فالأصل الجاري في طرف العدم
المحرز له بنحو مفاد ليس التامة يكون مناقضا له ومعارضه وإذا كان الجاري في طرف الوجود
491

يحرز به مفاد كان الناقصة كما في المقام فالأصل المعارض له يكون هو الاستصحاب المحرز
به العدم بنحو مفاد ليس الناقصة فكما ان أصالة الصحة يحرز بها صدور العقد عن البالغ فيترتب
عليه النقل والانتقال فكذلك الاستصحاب يحرز به عدم صدوره عن البالغ فيحكم عليه بعدم
ترتب النقل والانتقال (فإن قلت) سلمنا ان الأثر إذا كان مترتبا على مفاد كان أوليس
التامتين فيكفي في ترتبه جريان الأصل في مفاد ليس أو كان الناقصتين إلا أن ذلك لا يكفي
في المعارضة في المقام فإنها فرع جريان الاستصحاب في حد نفسه وهو لا يجري فيه فإن جريانه
مشروط بكون المستصحب بنفسه حكما شرعيا أو موضوعا ذا حكم وحيث إن الأثر الشرعي
الذي هو المجعول في المقام ليس إلا النقل والانتقال الثابتان لوجود العقد الصحيح فأصالة
الصحة تكون جارية ويحرز بها موضوعهما وأما الاستصحاب فلا يحرز به إلا عدم صدور العقد
الخارجي عن البالغ وهو بنفسه ليس بحكم شرعي ولا موضوع للأثر الشرعي فإن عدم النقل
والانتقال ليس إلا عدم الأثر لا انه بنفسه اثر مجعول وعدم الأثر لا يكون اثرا مجعولا كما هو
واضح (وبالجملة) جعل الحكم الشرعي على الوجود سواء كان بنحو مفاد كان التامة أو الناقصة
لا يكفي في جريان الاستصحاب في طرف العدم بل لابد أن يكون العدم بنفسه مجعولا شرعيا
أو موضوعا له كما في الموانع المعتبر عدمها في المأمور به مثلا فإن تلك الاعدام يصح التعبد بها في ظرف
الشك بالاستصحاب ويحرز به وجود المأمور به خارجا (قلت) قد ذكرنا في بعض المباحث السابقة
ان اشتراط جريان الاستصحاب بكون المستصحب بنفسه أو بأثره مجعولا شعر بلا ضرورة
بل اللازم كون المستصحب بنفسه أو بأثره قابلا للتعبد الشرعي ومن الضروري ان وجود الشئ إذا
كان قابلا للتعبد به فلا محالة يكون عدمه قابلا له أيضا فكما ان استصحاب عدم المانع يحرز به تحقق
المأمور به خارجا فكذلك استصحاب وجوده يحرز به عدم ففي المقام إذا كان تحقق العقد من
البالغ لترتب اثر الملكية قابلا للتعبد فكذلك عدم تحققه منه لعدم ترتب الملكية قابل له أيضا
وهذا معنى ما ذكرناه مرارا من أن ترتب الأثر على أحد النقيضين يكفي في جريان الأصل في
المناقض الآخر أيضا (فإن قلت) سلمنا كفاية ترتب الأثر على أحد النقيضين في جريان
الأصل في الطرف الآخر إلا أنه لا يكفي في المعارضة في المقام فإن الاستصحاب الجاري
فيه لا يكون إلا من الأصول الحكمية وقد بينا سابقا تقدم أصالة الصحة عليها على كل تقدير (بيان
ذلك) ان سببية العقد للملكية إن كانت قابلة للجعل بنفسها فيمكن ان يقال حينئذ بمعارضة
492

أصالة الصحة مع الاستصحاب المحرز لعدم سببية العقد الخارجي تعبدا واما إذا لم تكن مجعولة
بل كان المجعول هي الملكية عند صدور العقد الصحيح فلا يترتب على الاستصحاب الا عدم
الملكية وبعد احراز الملكية بأصالة الصحة لا يبقى مجال للرجوع إلى الاستصحاب أصلا (قلت)
قد أجاب (قده) عن هذا الاشكال بان استصحاب عدم البلوغ إذا كان مرجعه إلى الحكم
بعدم تحقق النقل والانتقال حتى يكون من الأصول الحكمية من جهة عدم كون السببية مجعولة
لكان أصالة الصحة أيضا كذلك فيكونان في مرتبة واحدة يعارض أحدهما الآخر (ولكن
حق الجواب) ان يقال إن عدم قابلية السببية للجعل لا ربط له بكون استصحاب عدم البلوغ
من الأصول الحكمية فإن المحرز بالاستصحاب لو كان هو عدم سببية العقد الخارجي للنقل
لكان للاشكال المذكور مجال واسع واما إذا كان المحرز به عدم تحقق ما هو الموضوع للنقل
كما أن المحرز بأصالة الصحة هو تحقق موضوعه فالاشكال المذكور مندفع من أصله
(هذا محصل) ما افاده (قده) في معارضة أصالة الصحة مع الاستصحاب الموضوعي وكونهما
في مرتبة واحدة (ولكن التحقيق) في المقام ان يقال إن أصالة الصحة إذا كان مدركها هو لزوم
حمل فعل المسلم على الصحة فلا ينبغي الريب في كونه من الأصول الحكمية المحضة فيقدم عليها
الاستصحابات الموضوعية لا محالة لكنك عرفت فيما تقدم عدم كون المدرك ذلك كما أنه
إذا كان المدرك لها هو الاجماع القولي فلابد حينئذ من التمسك باطلاق معقد الاجماع ولا
ريب في شموله لموارد الاستصحابات الموضوعية فيما لا يرجع الشك إلى أهلية المتعاقدين أو قابلية
العوضين فتكون أصالة الصحة متقدمة عليها كتقدمها على الاستصحابات الحكمية لكن الظاهر
عدم ثبوت الاجماع القولي كما يظهر ذلك لمن راجع كلماتهم فينحصر المدرك في الاجماع العملي
المستفاد من تمسكهم بها في الموارد المتفرقة ولا ريب ان القدر المتيقن من وإن كان عدم وجود
أصل موضوعي مخالف لمقتضى أصالة الصحة إلا أن من المظنون قويا بمرتبة تطمئن بها النفس
هو تحقق الاجماع في موارد الأصول الموضوعية أيضا فينحصر مورد الخروج بما إذا كان
الشك في الصحة من جهة الشك في أهلية المتعاقدين أو قابلية العوضين وكلما كان الشك من
غير هاتين الجهتين يرجع فيه إلى أصالة الصحة سواء كان الأصل المخالف لها من الأصول
الحكمية أو الموضوعية (نعم) لو لم يكن تحقق الاجماع في موارد الأصول الموضوعية محرزا لما
كان مناص عن الرجوع إلى تلك الأصول لعدم ثبوت حجة أخرى على خلافها وكيف كان
493

فلا تصل النوبة إلى المعارضة أصلا
* (التنبيه الرابع) * في بيان النسبة بين الاستصحاب والقرعة وسائر الأصول العملية
أما القرعة فلا إشكال في تقدم الاستصحاب عليها سواء كان في الشبهات الحكمية أو الموضوعية
أما الشبهات الحكمية فلان الرجوع إلى القرعة فيها مع قطع النظر عن كونه خلاف الضرورة
ومن المضحكات إنما يصح فيما إذا تردد الواقع بين أمرين أو أمور لا فيما كان الترديد بين
الوجود والعدم ففيما إذا دار الامر بين وجوب شئ وعدمه مثلا لا معنى للرجوع إلى القرعة
في تعيين الاحتمال المصيب عن الآخر أصلا (ومنه يظهر) الحال في الشبهات الموضوعية التي
يدور الامر فيها بين الاحتمالين في موضوع واحد سواء كان المورد الرجوع إلى
الاستصحاب أو إصالة البراءة فالرجوع إلى القرعة ينحصر بالشبهات الموضوعية التي يدور
الموضوع فيها بين أمرين أو أمور (وهل يختص) بما إذا كان له واقع مجهول كاشتباه الغنم
الموطوء الذي أرسله الراعي في قطيع الغنم على ما ورد في الرواية (أو يعم) ما إذا لم يكن
هناك واقع مجهول أيضا كما في موارد طلاق إحدى الزوجتين أو عتق أحد العبدين (ربما يقال)
ان ظاهر قوله (ع) القرعة لكل أمر مشتبه هو الاختصاص ولكن ورود القرعة في بعض موارد
عدم تحقق الواقع المجهول يعين الثاني فيرجع إليها في كلا الموردين لكن القرعة لما وردت
عليها مخصصات كثيرة فلابد في العمل بها من انجبارها بعمل المعظم من الأصحاب كما تراهم
يعملون بها في موارد اشتباه الموطوء في قطيع الغنم ولا يعملون بها في بقية موارد اشتباه الحرام
بغيره والسر في ذلك ان كثرة التخصيص لما كانت مستهجنة فلا محالة يكشف ذلك عن تقييد
الموضوع بقيد مجهول لنا يستكشف وجوده من عمل المعظم وقد مر نظير ذلك في قاعدة الميسور
(ثم إنه لا ريب) في الانجبار إذا كان عمل المعظم واصلا إلى حد الاجماع وأما إذا لم يبلغ
إليه ففي كفايته في الانجبار وعدمها اشكال (وكيف كان) فلا ينبغي الريب في عدم صحة
الرجوع إلى القرعة مع وجود أصل حكمي أو موضوعي عقلي أو شرعي في المسألة ما لم يثبت
العمل بها من المعظم وأما سائر الأصول العملية من البراءة والاحتياط والتخيير وقاعدتي الحل
والطهارة فتقدم الاستصحاب عليها ظاهر فإن العقلية منها يرتفع موضوعها حقيقة بالتعبد الاستصحابي
فيكون تقدمه عليها بالورود وأما الشرعية منها فلانها من الأصول الغير التنزيلية فيكون
الاستصحاب المتكفل للتنزيل رافعا لموضوعها بثبوت المتعبد به شرعا فيكون حاكما عليها وقد مر
494

بيان الفارق بين الورود والحكومة وسيجئ تفصيله إن شاء الله تعالى (وكيف كان) فلا ريب
في تقدم الاستصحاب على تلك الأصول بأجمعها
* (التنبيه الخامس) * في تعارض الاستصحابين قد تقدم منا سابقا ان تقدم الأصول
بعضها على بعض (ربما) يكون بالورود (وربما) يكون بالحكومة (وثالثة) بالتخصيص اما الحكومة
فهي في الغالب تنشأ من سببية أحد الشكين للآخر ويعتبر في تقدم الأصل الجاري في
ناحية السبب على الأصل الجاري في ناحية المسبب زائدا على كون أحدهما معلولا ومسببا عن
الآخر أمران آخران (الأول) أن تكون السببية شرعية بأن يكون أحد المشكوكين من
الآثار الشرعية للمشكوك الآخر وإلا فلا يعقل أن يكون الجاري في ناحية السبب رافعا تشريعيا
لموضوع الأصل الجاري في ناحية المسبب وهو ظاهر (الثاني) أن يكون الأصل السببي
رافعا لموضوع الأصل المسببي فلو كان الترتب شرعيا ولكن لم يكن الأصل الجاري في السبب
رافعا للشك في المسبب لما تحقق الحكومة كما إذا شك في جواز الصلاة في وبر حيوان مثلا من
جهة الشك في حلية لحمه فإن الشك في جواز الصلاة فيه وعدمه وإن كان مسببا عن الشك في
حلية لحمه وعدمه والترتب شرعي إلا أن إصالة الإباحة لا يرفع الشك في جواز الصلاة فإنه
مترتب في الأدلة على العناوين المحللة كالغنم والبقر ونحوهما في قبال العناوين المحرمة كالأرنب
ونحوه وأصالة الإباحة لا يحرز بها كون اللحم من الغنم ونحوه كما هو ظاهر (وبالجملة) إذا
تحققت شرائط السببية فلا محالة يكون الأصل الجاري في السبب مقدما بالحكومة على الأصل
الجاري في المسبب من دون فرق بين ان يكونا من جنس واحد أو من جنسين ولا بين ان
يكونا تنزيليين أو يكون أحدهما تنزيليا والآخر غير تنزيلي فإذا كان الأصل المسببي تنزيليا
والأصل السببي غير تنزيلي كما في الثوب المتنجس المغسول بماء مشكوك الطهارة والنجاسة كان
الأصل الغير التنزيلي مقدما على التنزيلي ورافعا لموضوعه (وتوهم) عدم امكان الحكومة فيما إذا
كان الأصلان فردين من جنس واحد كالاستصحاب مثلا فان الحكومة إنما تكون بنظر أحد
الدليلين إلى توسعة موضوع الآخر أو تضييقه وهذا لا يعقل في دليل واحد كدليل الاستصحاب
مثلا فإنه كيف يعقل أن يكون ناظرا إلى توسعة موضوع نفسه أو تضييقه (ناش) من خلط
الحكومة الواقعية بالظاهرية فإن الحكومة إذا كانت واقعية كحكومة أدلة الغاء شك كثير الشك
بالقياس إلى أدلة المشكوك فلا مناص عن تعدد الدليل حتى يكون أحدهما مخصصا للآخر لبا
495

بعنوان الحكومة وأين هذا من الحكومة الظاهرية التي لا يعتبر فيها الا كون الحاكم رافعا لموضوع
الآخر في عالم التشريع فإن الدليل الواحد إذا كان له أفراد كثيرة بعضها في طول الآخر
ومسبب عنه فلا محالة يكون شمول هذا الدليل للسبب رافعا لما هو في طوله تشريعا (لا أقول)
ان الدليل الواحد ينحل باعتبار افراده إلى قضايا متعددة ويكون بعضها بمدلوله ناظرا إلى الدليل
الآخر (حتى يقال) انه لا معنى لنظر أحد الدليلين إلى الآخر في القضايا الانحلالية (بل
أقول) ان شمول الدليل الواحد لفرد إذا كان رافعا تشريعيا للفرد الآخر يستحيل أن يكون
الفرد الآخر محكوما بحكمه في عرضه وهذه الحكومة هي المدعاة في المقام دون الحكومة الواقعية
المعتبر فيها نظر أحد الدليلين بمدلوله اللفظي إلى الدليل الآخر (ومن هنا يظهر) تقدم أحد
الاستصحابين على الآخر إذا كان الشك فيه رافعا للشك في الآخر والسر في ذلك هو ان أحد
الشكين إذا كان علة للآخر فلا محالة يستحيل كونه معلولا له وإلا لزم تقدم الشئ على نفسه
(وتوهم) كون الشك في تخصيص كل من العامين من وجه ناشئا عن الشك في عموم الآخر
فلا استحالة في علية كل من الشكين للآخر (مدفوع) بأن الشك هناك ناش من العلم الاجمالي
بتخصيص أحدهما واحتمال انطباق المعلوم بالاجمال على كل منهما وليس بين الشكين عليه ومعلومية
هناك أصلا وكيف يعقل علية الشئ لما فرض علة له واستحالة ذلك من البديهيات الأولية وعليه
فإذا فرض سلسلة شكوك يتقدم بعضها على الآخر بالعلية فلا محالة يكون شمول الدليل
لما فرض علة رافعا شرعيا للآخر وحيث إن القضايا الحقيقية المجعولة في الشريعة انما هي احكام
مجعولة على موضوعاتها المقدرة وجوداتها فكل حكم يتوقف فعليته على فعلية موضوعه ويستحيل
أن يكون الحكم محدثا لموضوعه أو مانعا عما يرفعه فلا محالة يكون الأصل الجاري
في ناحية السبب جاريا بلا مانع فإن المفروض انه لا مانع عنه الا الأصل الجاري في ناحية المسبب
وهو يستحيل أن يكون محدثا لموضوعه ومانعا عما يرفع موضوعه فإن المفروض ان الأصل
الجاري في السبب رافع لموضوعه ولا عكس فكيف يعقل مانعيته عن جريان ما يرفع موضوعه
(بالجملة) المانع من جريان الأصل المسببي هو عدم تحقق موضوعه المتوقف عليه جريانه
لا محالة (ومن هنا يظهر) انه لو قلنا بحجية الأصول المثبتة أو فرضنا الكلام في الأصول اللفظية
لكان الأصل السبي مقدما بالحكومة على الأصل المسببي أيضا (توضيح ذلك) ان الأصل
الجاري في المسبب وإن كان مثبتا للازمها أيضا على تقدير جريانه إلا أن جريانه متوقف على
496

تحقق موضوعه ويستحيل أن يكون هو المثبت لموضوعه فإذا فرضنا أصلا سببيا رافعا لموضوعه
فلا يعقل معارضته له مثلا أصالة الظهور في القرينة حيث إنها بنفسها مانعية للظهور عن ذي القرينة
وقد اتي بها في الكلام لبيان المراد منه فالشك في إرادة الظهور من ذي القرينة ناش عن الشك
في إرادة الظهور في القرينة فإذا جرى الأصل في ناحية القرينة ارتفع موضوع الأصل في طرف
ذي القرينة فلا يجري الأصل في ناحيته ومن هنا لا يجعل المعارضة بين ظهور لفظ الأسد
في الحيوان المفترس وظهور لفظ يرمي في رمي النبل بتوهم ان أصالة الظهور في لفظ يرمي
كما أن لازمها إرادة الرجل الشجاع من لفظ الأسد فكذلك أصالة الظهور في لفظ الأسد لازمها
إرادة رمي النبل من لفظ يرمي فإن أصالة الظهور في لفظ يرمي من جهة كونه فضلة في الكلام
وقد اتي به من جهة بيان المراد بنفسها تلغي الظهور من لفظ الأسد الذي هو ذو القرينة وهذا
بخلاف العكس فإن إرادة رمي النبل من لفظ يرمي من جهة ظهور الأسد في الحيوان المفترس
ليس الا بالملازمة إذ المفروض تعين ما هو فضلة في الكلام في القرينية واثبات هذا اللازم يتوقف
على ثبوت ملزومه والأصل الجاري في القرينة مانع عن تحققه (وملخص الكلام) ان معارضة
الأصل المسببي مع الأصل السببي مستلزم لتقدم الشئ على نفسه فإن الشك السببي علة للشك
المسببي والحكم المترتب على المسبب في مرتبة متأخرة عنه لتأخر كل حكم عن موضوعه والحكم
في الشك السببي من جهة كونه رافعا للشك المسببي يكون في مرتبة سابقة عليه فإذا فرض
كون الحكم في الشك المسببي معارضا له في هذه المرتبة يلزم تقدم الشئ على نفسه الذي هو ملاك
استحالة الدور (ويمكن) تقريب المقصود بوجه آخر دوري بان يقال إن جريان الأصل المسببي
يتوقف على وجود موضوعه وهو يتوقف على عدم جريان الأصل السببي إذ المفروض ارتفاعه
به فلو استند عدم جريانه إلى جريان الأصل السببي للزم الدور وهذا بخلاف الأصل السببي
فإن موضوعه محرز الوجود فلا محالة يكون هو الجاري ولا يمكن أن يكون الأصل المتوقف
جريانه على عدمه جاريا في عرضه (وهذا) نظير ما ذكرناه في بحث الترتب من أن الخطاب
بالمهم حيث إنه متفرع على عصيان خطاب الأهم فلا يمكن أن يكون محركا في عرضه بتوهم
انه مع تحقق العصيان يكون كل من الخطابين محركا في عرض الآخر وقد ذكرناه هناك ان خطاب
المهم لا ينقلب بعد تحقق شرطه إلى الاطلاق بل هو كما كان حكم على تقدير العصيان فكيف
يعقل محركيته في ظرف محركية الأهل (والعجب) ان المنكرين للترتب قد صرح جملة منهم
497

بذلك في بحث الواجب المشروط وانه لا ينقلب إلى الاطلاق بعد تحقق شرطه ومع ذلك
قد أنكروا الترتب زعما منهم عرضية الخطابين بعد تحقق شرط خطاب المهم (وكيف كان)
فتقدم الأصل السببي على المسببي لعله يلحق بالضروريات في اعصارنا وإن كان من جملة
النظريات في الاعصار السابقة في الجملة وكلماتهم في وجه التقدم وإن كانت مختلفة إلا أن
حقيقتها ترجع إلى ما ذكرناه (هذا كله) فيما إذا كان هناك سببية ومسببية وأما في غيره فتحقيق
الحال فيه يتوقف على تقديم أمرين (الأول) ان الأصل ينقسم إلى تنزيلي وغير تنزيلي ونعني
(بالأول) ما يكون الدليل الدال على اعتباره مع أخذ الشك في موضوعه ملغيا له في عالم التشريع
كالاستصحاب وقاعدتي الفراغ والتجاوز ونحوها فإن مقتضى أدلتها ان الشاك في البقاء أو بعد
الفراغ أو بعد تجاوز محل المشكوك ليس بشاك بل هو محرز للواقع (وبالثاني) ما يحكم فيه على
الشك بشئ من دون تعرض لالغائه كما في قاعدتي الاحتياط والبراءة ونحوهما (الثاني)
مقتضى القاعدة عند تعارض الأصول هو التساقط دون الترجيح أو التخيير وذلك فإنا إذا بنينا
على أن الترجيح أو التخيير إنما ثبت في تعارض الاخبار بالتعبد وعلى خلاف القاعدة لما هو المختار
عندنا من كون اعتبارها لمجرد الطريقية المحضة من دون تحقق مصلحة في مؤدى الامارة إذا
أدت إلى خلاف الواقع فالامر واضح فإن مورد الأدلة العلاجية الدالة على الترجيح أو التخيير
هو تعارض الاخبار ولا يتعدى منه إلى غيره وأما إذا بنينا على كونهما على طبق القاعدة من
جهة الالتزام بالسببية الغير المستلزمة للتصويب أعني بها المصلحة السلوكية بتوهم ان المصلحة العامة
وهي التسهيل على المكلفين لا تقاوم فوت المصالح الشخصية التي تفوت عند خطأ الامارات
فلابد من الالتزام بالمصلحة السلوكية بمقدار خطأ الامارة حتى يتدارك بها المصلحة الفائتة فيكون
المتعارضان بذلك داخلين في باب التزاحم فلان الالتزام بالمصلحة السلوكية على تقدير الالتزام
بها يختص بصورة الانفتاح التي يتمكن فيها من إصابة الواقع ومن المعلوم عدم جريان الأصول
العملية عن التمكن من الوصول إليه ففي فرض جريان الأصول الذي هو فرض عدم التمكن
من الوصول إلى الواقع لا موجب للالتزام بالمصلحة السلوكية أصلا (هذا) مع أن الترجيح في
الأصول باطل من أصله فإن الترجيح اما أن يكون من جهة كثرة الأصول في طرف وقلته
في طرف آخر أو من جهة موافقة مؤدى أحد الأصلين مع ظن غير معتبر وكلاهما لا يمكن الترجيح
بهما (اما الأول) فان موافقة أصل مع أصل آخر لا يوجب تقويته فان كلا منهما حكم على
498

موضوع الشك وما به يكون أحدهما معارضا للآخر يكون الثاني معارضا له أيضا وهذا بخلاف
الطرق فان تعاضد بعضها ببعض ربما يوجب القطع بالواقع فكثرتها توجب قوة في أحد
الطرفين لا محالة (وأما الثاني) فلان الظن بثبوت الحكم في الواقع على طبق أحد الأصلين أجنبي
عن مؤدى الأصل الذي هو الحكم على الشك فكيف يتحقق تقوية مؤدى أحد الأصلين
المتعارضين بالظن بثبوت الحكم واقعا (فتحصل) ان مقتضى القاعدة عند تعارض الأصلين هو
التساقط ليس إلا سواء قلنا بأن الترجيح أو التخيير في باب تعارض الاخبار على خلاف
القاعدة أو على وفقها (إذا عرفت ذلك) فنقول أن التعارض بين الأصلين اما أن يكون من
جهة العلم بالحكم المخالف لهما أو من جهة أخرى (وعلى الأول) فاما ان يلزم مخالفة عملية للتكليف
المعلوم في البين من جريان الأصلين أولا فهناك أقسام (القسم الأول) ما إذا لزم من
جريان الأصلين مخالفة عملية للتكليف المعلوم في البين ولا ريب في سقوط الأصلين حينئذ
سواء كان الأصلان تنزيليين أو لا وقد بينا ذلك في بحث العلم الاجمالي مفصلا (والقسم
الثاني) ما إذا لم يلزم من جريان الأصلين مخالفة عملية للتكليف المعلوم كما إذا علم بطهارة أحد
الاناءين المعلوم نجاستهما سابقا وكما إذا علم بزوجية أحد الامرأتين من غير تعيين فإنه لا يلزم
من جريان استصحاب النجاسة في الاناءين ومن الرجوع إلى الاحتياط في كل من المرأتين
مخالفة للتكليف المعلوم أصلا والحق في هذا القسم التفصيل بين الأصول التنزيلية وغيرها وذلك
لما بيناه في بحث العلم الاجمالي من أن الأصول التنزيلية من جهة كونها محرزة للواقع بمرتبة ولذا
تقوم مقام القطع الطريقي لا تكون مرتبة الحكم الظاهري محفوظة فيها في أطراف العلم الاجمالي
وهذا بخلاف الأصل الغير التنزيلي فإنه حيث ليس فيه نظر إلى الواقع أصلا بل هو حكم على
الشك بما هو فلا مانع من جريانه في كل من أطراف العلم الاجمالي وقد ذكرنا توضيح ذلك في
بحث العلم الاجمالي فراجع (والعجب) من العلامة الأنصاري (قده) حيث لم يعتمد في عدم
جريان الاستصحاب في هذا القسم بما ذكرناه من عدم انحفاظ الحكم الظاهري ووجود المانع
في عالم الثبوت بل تمسك بالمانع الاثباتي وقصور أدلة الاستصحاب عن الشمول لأطراف العلم
الاجمالي من جهة ان الشك في قوله (ع) (لا تنقض اليقين بالشك) وإن كان شاملا للشك
البدوي والمقرون بالعلم الاجمالي إلا أن قوله (ع) (ولكن تنقضه بيقين آخر) يشمل اليقين
الاجمالي فيكون دليل الاستصحاب بذلك مجملا من حيث الشمول لأطراف العلم الاجمالي
499

فإنه إذا فرض عدم المانع من جعل الأصل التنزيلي في تمام الأطراف فلا مانع من الشمول من
جهة الأدلة إذ اليقين الناقض بمقتضى المقابلة لابد وأن يكون متعلقا بخلاف ما تعلق به اليقين
السابق (ومن الواضح) ان اليقين السابق في مثال الاناءين إنما كان متعلقا بنجاسة كل واحد
من الاناءين بخصوصه فلا بد وأن يكون الناقض هو اليقين بطهارته وأما اليقين الاجمالي فليس
متعلقا بطهارة كل منهما كما هو ظاهر (هذا مضافا) إلى عدم اختصاص دليل الاستصحاب
بما كان فيه هذا الذيل الموجب لاجماله فيتمسك في الجريان بغيره من الأدلة فإن اجمال
أحد الدليلين لا يكاد يسري إلى الآخر (وكيف كان) فالصحيح هو ما ذكرناه من عدم امكان
الجعل في الأصول التنزيلية (واما القسم الثالث) وهو ما إذا لم تكن المعارضة من جهة العلم
الاجمالي فلا بد وأن يكون لأجل التلازم بين مؤدى كل منهما وعدم الآخر ومقتضى القاعدة
فيه هو جريان الأصلين في كل من الطرفين من دون ان يترتب عليه لازمه ففي فرض التوضي
بالمايع المردد بين البول والماء غفلة لا بد من الحكم بطهارة البدن وبقاء الحدث عملا بالاستصحاب
في كل منهما فإن بقاء الحدث وإن كان ملازما عقلا لنجاسة البدن كما أن طهارة البدن ملازمة
لارتفاعه إلا أنه لا مانع من التفكيك في مؤدى الأصول الغير المثبتة للوازمها ولا يقاس هذا
القسم بالقسم الثاني الذي يكون جريانهما فيه مخالفا للعلم الوجداني المتحقق في البين (نعم)
إذا قام اجماع أو دليل آخر من الخارج على عدم جواز العمل بكلا الأصلين فلابد من الحكم
بالتساقط أيضا ففي مثال الماء المتنجس المتمم كرا بطاهر حيث إن الاجماع قام على عدم اختلاف
الماء الواحد في الحكم فلا يمكن الرجوع إلى استصحاب النجاسة في الماء الأول واستصحاب
الطهارة في الماء الثاني فلا محالة يتساقطان فيرجع إلى أصل آخر (وبالجملة) إذا لم يكن هناك
دليل على الملازمة بين الحكمين حتى في مرتبة الظاهر فلا يكون مجرد الملازمة الواقعية مانعا
عن التفكيك في مقام الظاهر حتى في الأصول التنزيلية وانما منعنا عن جريان الأصول التنزيلية
في القسم الثاني من جهة وجود العلم التفصيلي المتعلق بالجامع المانع عن تحقق مرتبة الحكم الظاهري
المتكفل للتنزيل وأما في هذا القسم فليس فيه علم تفصيلي بالخلاف بل غاية ما هناك هو ملازمة
مؤدى كل من الأصلين لعدم الآخر في الواقع ومجرد ذلك لا يكون مانعا عن جريان الأصل
بعد انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري في كل من الطرفين (ثم إن ما ذكرناه) من تحقق المعارضة
بين الأصلين في بعض الصور إنما هو مع ترتب الأثر على كل منهما فإذا فرضنا عدم الأثر
500

في أحد الطرفين فلا مانع من جريان الأصل في الطرف الآخر كما هو واضح فتحصل من
جميع ذلك ان المانع من جريان الأصل أمور ثلاثة (الأول) لزوم المخالفة العملية من جريانهما
وهذا المانع لا يختص بمورد دون مورد (الثاني) عدم انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري من جهة
وجود العلم التفصيلي في البين المتعلق بالجامع وهذا يختص بموارد الأصول التنزيلية دون غيرها
(الثالث) قيام الدليل الخارجي على عدم جواز الجمع بينهما كما في مورد استصحاب الطهارة
والنجاسة في الماء المتنجس المتمم كرا بطاهر وفي غير هذه الموارد لا مانع من جريان الأصل
في أطراف العلم الاجمالي أما في تمامها إذا كان لكل منها أثر في ظرف الشك كاستصحاب بقاء
الحدث وطهارة البدن عند التوضؤ بالمايع المردد بين البول والماء غفلة أو في بعضها إذا كان
الأثر مترتبا على بعض الأطراف دون بعض كما في موارد الخروج عن محل الابتلاء وغيره
(فالأقسام خمسة) قد عرفت حكم كل واحد منها
خاتمة في التعادل والتراجيح
وفيه مباحث (الأول) لا اشكال في كون هذه المسألة من المسائل الأصولية بل من
أهمها فإن عليها يدور الاستنباط والاجتهاد وقد ذكرنا مرارا ان الميزان في كون المسألة أصولية
هو وقوع نتيجة البحث في طريق استنباط الحكم الشرعي بحيث لو انضم إليها صغراها لانتجت
مسألة فقهية ولا ريب في كون نتيجة البحث في المقام كذلك فاحتمال كونها من المسائل الفقهية
أو من المبادئ ساقط من أصله (الثاني) ان التعارض بين الدليلين إنما يتحقق مع منافاة
مدلول أحد الدليلين لمدلول الآخر بحيث لا يمكن اجتماعهما معا أما للزوم التناقض من الاجتماع
أو التضاد من دون فرق بين أن يكون ذلك في تمام مدلوليهما كما في المتباينين أو في بعضهما من
الطرفين كما في العامين من وجه أو من طرف واحد كما في العموم والخصوص فإن التنافي في
بعض المدلول موجب للتعارض لا محالة فإذا ورد أكرم العلماء ثم ورد لا تكرم فساق العلماء
فلا محالة يتحقق التنافي بينهما في خصوص الفساق فإن العالم من جهة انقسامه في مرتبة سابقة
على جعل الحكم إلى العادل والفاسق يشمل بعمومه للفاسق أيضا فيحكم بوجوب الاكرام بمقتضى
العموم والمفروض كونه محكوما بالحرمة بمقتضى الدليل الخاص فيتحقق التنافي بينهما فإن
الايجاب الكلي ينافي السالبة الجزئية بالضرورة (ومن ذلك يظهر) عدم امكان الجمع بين الحكم
501

الواقعي والظاهري بتغاير موضوعيهما بدعوى ان موضوع الحكم الواقعي هو ذات الشئ بما هو
وهذا بخلاف الحكم الظاهري فإن موضوعه المشكوك بما هو فيتغايران فإن الحكم الواقعي وإن كان
موضوعه ذات الشئ إلا أنه عالم لحال الشك أيضا بنتيجة الاطلاق فإن المكلف لما كان
منقسما إلى العالم والجاهل فلابد من اختصاص الحكم في الواقع اما بأحدهما أو التعميم وحيث إن
الاختصاص باطل من جهة الاجماع على بطلان التصويب فلابد من التعميم واستحالة لحاظ
التعميم حال الجعل من جهة كون الانقسام مترتبا عليه لا تستلزم الاهمال مطلقا بل لابد من
نتيجة الاطلاق أو التقييد وحيث إن التقييد باطل بالاجماع فيثبت الاطلاق بالضرورة وإذا
ثبت الاطلاق لحال الشك أيضا فيكون جعل حكم آخر مضاد له في هذه المرتبة منافيا له
لا محالة وقد ذكرنا في مباحث الظن ما يدفع به التنافي بين الحكمين فراجع (ثم إنه) لا فرق
في التعارض بين الدليلين بين أن يكون التنافي بينهما بالذات أو بالعرض ومن جهة الدلالة
الالتزامية ففي مثل الدليلين الدال أحدهما على وجوب صلاة الظهر يوم الجمعة وثانيهما على
وجوب صلاة الجمعة يتحقق التعارض بينهما فإن وجوب صلاة الظهر وان لم يكن منافيا بالذات
لوجوب صلاة الجمعة لامكان اجتماعهما معا في عالم التشريع إلا أنه لما قام الاجماع على عدم
وجوب صلاتين في يوم واحد وان المجعول هو وجوب واحد (فالدليل) الدال على وجوب
الظهر ينفي بالملازمة وجوب صلاة الجمعة وكذلك العكس فيتنافيان وسيجئ توضيح ذلك فيما
بعد إن شاء الله تعالى (فتحصل) ان الميزان في التعارض هو عدم امكان اجتماع مدلولي الدليلين
في الوعاء المناسب لهما من التكوين أو التشريع من دون فرق بين خصوصيات الموارد أصلا
(الثالث) ان التعارض والتزاحم وان كانا يشتركان في عدم امكان اجتماع الحكمين في التحقيق
في موردهما إلا أنهما يختلفان من جهات عديدة (الأولى) ان مورد التصادم والتنافي في
مورد التعارض هو مقام الجعل والتشريع فان جعل الوجوب مثلا لشئ ينافي جعل الإباحة أو
حكم آخر له في حد نفسه وهذا بخلاف باب التزاحم فان التصادم والتنافي فيه ليس في مقام
الجعل والتشريع بل هو في مقام الفعلية (بيان ذلك) ان جعل الأحكام الشرعية حيث إنه بنحو
القضايا الحقيقة فلا محالة يتوقف فعلية كل حكم على فعلية موضوعه بتمام قيوده ومن جملة القيود
المأخوذة في موضوع الاحكام هي القدرة على متعلقاتها فإذا فرض عدم قدرة المكلف على
إيجاد واجبين مثلا كإنقاذ غريق مع انقاذ غريق آخر فلا منافاة بين جعل الوجوبين في كل
502

منهما على تقدير وجود موضوعه الذي من جملة قيوده قدرة المكلف على ايجاد متعلقه بل
المنافاة إنما هي في مقام الفعلية فإن صرف القدرة في كل من الواجبين عجز المكلف عن
الآخر فلا يعقل فعليتهما معا فالتنافي إنما هو في مقام الفعلية ليس إلا (ومن ذلك) يظهر ان التزاحم
انما يتحقق في موارد عدم القدرة غالبا وتحققه لا من جهة عدم القدرة نادر جدا وسيجئ بيانه
انشاء الله تعالى (الثانية) ان الحاكم بالترجيح أو التخيير في باب التزاحم هو العقل فإن التزاحم
انما هو في مقام الامتثال لا الجعل كما عرفت وهذا بخلاف باب التعارض فإن مقتضى القاعدة
فيه على المختار من كون الحجية من باب الطريقية هو التساقط كما ستعرف فيكون التخيير أو
التعيين من جهة التعبد الشرعي (الثالثة) ان التقديم في باب التعارض مع انحفاظ
موضوع الآخر كما في تعارض دليل وجوب إكرام العلماء مع دليل حرمة إكرام العالم الفاسق
فإن تقديم الثاني على الأول لا يوجب رفع الموضوع بل يكون العالم الفاسق بما هو كذلك
خارجا عن دليل الوجوب ومحكوما بحرمة الاكرام وهذا بخلاف باب التزاحم فإن تقدم أحد
الحكمين على الآخر يوجب عدم تحقق موضوع الآخر لما عرفت من أن صرف القدرة في
أحدهما يوجب سلب القدرة عن الآخر فيكون عدم الحكم من جهة عدم القدرة المأخوذة في
موضوعه (الرابعة) ان الترجيح في باب التعارض إنما يكون بأقوائية السند أو الدلالة كما ستعرف
(وهذا) بخلاف باب التزاحم فإن الترجيح فيه يكون بأمور (خمسة) مترتبة أجنبية كلها عن
مرجحات باب التعارض (الأول) أن يكون أحد الواجبين موسعا والآخر مضيقا فان المضيق
يتقدم على الموسع لا محالة فإن الموسع بالنسبة إلى خصوص فرده المزاحم مع المضيق بلا اقتضاء
وهذا بخلاف المضيق فإنه مقتض بالنسبة إلى خصوص هذا الفرد ومعلوم ان ما لا اقتضاء فيه
لا يصلح للمزاحمة مع ما فيه الاقتضاء فيكون ما فيه المقتضي معجزا مولويا عن غيره ويلحق به
ما إذا وقع التزاحم بين أحد افراد الواجب التخييري مع واجب تعييني فيقدم فيه الواجب
التعييني فيخرج الفرد المزاحم عن افراد التخيير (الثاني) أن تكون القدرة المعتبرة في أحد
الحكمين عقلية وغير معتبرة في الملاك وإنما كان اعتبارها في الخطاب من جهة حكم العقل بقبح
خطاب العاجز وفي الآخر شرعية ودخيلة في ملاكه فإن ما اعتبر القدرة فيه عقلا يتقدم على
ما اعتبر فيه شرعا والوجه فيه ظاهر فإن تمامية الملاك في الثاني تتوقف على تحقق القدرة
الشرعية فيه والخطاب الغير المشروط بالقدرة شرعا صالح لرفع القدرة عنه فيكون معجزا مولويا
503

عنه لا محالة (الثالث) أن يكون أحد الواجبين مما له البدل دون الآخر فإذا وقعت المزاحمة
بين الوضوء وواجب آخر لا بدل له يتقدم ما ليس له البدل على ما له البدل والسر فيه واضح
فان ما له البدل بمقتضى جعل البدلية يكون مشروطا بالقدرة شرعا فيقدم عليه ما ليس بمشروط
بها كذلك والوجه في جعل هذا المرجح قسما آخر مع أنه داخل في القسم الثاني هو ان هذا القسم
فيه ملاك آخر للتقدم مع قطع النظر عن كون القدرة في أحدهما شرعية وفي الآخر عقلية وهو
ان ما ليس له البدل يكون أهم مما له البدل فيكون التقدم فيه من جهتين (وربما يتوهم) ان هذا
المرجح يكون مرجحا في باب المعارضة أيضا فإن العموم الشمولي يتقدم على العام البدلي في
مورد المعارضة فيتحد التعارض والتزاحم من جهة هذا المرجح (ولكنه توهم فاسد) فان العام
الشمولي وإن كان مقدما على العام البدلي في مورد المعارضة إلا أنه ليس بملاك التقدم في باب
المزاحمة بل من جهة قوة الدلالة وصلاح كون العموم الشمولي بيانا للعموم البدلي وقد مر بيان
ذلك وسيجئ توضيحه إن شاء الله تعالى (الرابع) أن يكون أحد المتزاحمين من دون أن يكون
هناك شئ من المرجحات السابقة أهم من الآخر فان ما فيه الأهمية يتقدم على
غيره ويكون معجزا مولويا عنه (الخامس) أن يكون أحد الحكمين المفروض تزاحمهما
وتساويهما في مقدار الأهمية سابقا في الزمان على الآخر فإن السابق منهما يأخذ محله
ويكون معجزا مولويا عن الآخر فإذا دار الامر بين القيام في الركعة الأولى أو الثانية
بحيث لا يتمكن المكلف من الجمع بينهما فلا محالة يكون القيام في الركعة الأولى هو المتعين
وبذلك يكون المكلف عاجزا عن القيام في الثانية فيسقط (نعم) لو كان الامر المتأخر أهم
فلا محالة يكون حفظ القدرة بالقياس إليه مزاحما مع التكليف الفعلي ومتقدما عليه فالترجيح
بالسبق متأخر عن الترجيح بالأهمية أيضا (ثم إن التزاحم) إنما يتحقق غالبا من جهة عدم القدرة
وقد يتحقق لا من جهته بل من جهة أخرى كما إذا كان المكلف مالكا لخمس وعشرين من
الإبل التي يجب فيها خمس شياه ثم بعد مضي ستة أشهر ملك إبلا أخر فحصل النصاب السادس
الذي يجب فيه بنت مخاض فلولا الدليل على أن المال الواحد لا يزكى في سنة مرتين لكان
الواجب هو دفع خمس شياه بعد تمام الحول بالإضافة إلى خمسة وعشرين ودفع بنت مخاض
بعد مضي حول ستة وعشرين لكن الدليل الدال عليه أوجب المزاحمة بين الحكمين وهذا القسم
من التزاحم في غاية الندرة واما التزاحم من جهة عدم القدرة فيتحقق في (خمسة) مواضع (الأول)
504

فيما إذا كان عدم القدرة اتفاقيا كما إذا عجز المكلف عن الجمع بين القيام في الركعة الأولى
وبينه في الركعة الثانية (الثاني) في باب الضدين إذا كان التضاد اتفاقيا كما إذا اتفق نجاسة
المسجد في وقت الصلاة وأما إذا كان التضاد دائميا فلا محالة يقع التعارض بين الدليلين لكون
التنافي حينئذ في مقام الجعل والانشاء دون الامتثال والفعلية (الثالث) في باب اجتماع الأمر والنهي
بناء على كون التركيب بين المتعلقين انضماميا وأما إذا كان اتحاديا فلا محالة يقع التعارض
بين الدليلين وقد مر توضيح ذلك في بحث اجتماع الأمر والنهي فراجع (الرابع) فيما إذا
كان الحرام مثلا مقدمة لواجب اتفاقا كما إذا توقف انقاذ الغريق على التصرف في ارض
الغير (الخامس) في موارد المتلازمين اتفاقا إذا كان أحدهما محكوما بالوجوب والآخر
محكوما بالحرمة وأما إذا كان التلازم دائميا فلا محالة يقع التعارض بين الدليلين وقد
ذكرتا توضيح ذلك كله في بحث الترتب فراجع (ثم إن التقديم) في باب التعارض يوجب
خروج المورد عن تحت الدليل الآخر رأسا فإذا قدمنا دليل حرمة إكرام العالم الفاسق
على وجوب إكرام العلماء لما تحقق الامتثال بإكرام العالم الفاسق ولو في ظرف الجهل
وأما التقديم في باب التزاحم فلا يوجب إلا عدم فعلية الحكم الآخر في فرض فعلية الحكم
المزاحم له فإذا فرض الجهل به فلا مانع من فعلية الآخر أصلا والسر فيه ان المزاحم انما
يكون معجزا وشاغلا عن الآخر من جهة شاغليته لمتعلقه الغير المجتمع معه في الوجود فإذا
فرض عدم شاغليته لمتعلقه من جهة الجهل به فلا يصلح كونه شاغلا عن غيره أيضا بالضرورة
(نعم) التزاحم لا من جهة القدرة يلحق بالتعارض من هذه الجهة فإذا فرض تقدم الحكم بوجوب
دفع بنت مخاض على الحكم بوجوب دفع خمس شياه فلا يجزى دفع خمس شياة عنها ولو مع الجهل
بوجوبها (فتحصل) من جميع ما ذكرناه ان باب التعارض يغاير باب التزاحم بالكلية ويستحيل
تصادقهما على مورد واحد (فما يقال) من أن الأصل في التصادم هل هو كونه من باب التعارض
أو التزاحم (لا معنى) له أصلا (ثم إن ما ذكرناه) إنما هو حال التزاحم الواقع في الاحكام
وأما التزاحم في باب الملاكات الراجع إلى التزاحم في مقام التشريع والجعل فهو أمر ممكن لكنه
أجنبي عن تزاحم الحكمين في مقام الامتثال والاطاعة الذي هو محط الكلام في المقام وقد
أوضحنا الحال في الفرق بين التزاحمين في باب اجتماع الأمر والنهي فراجع (الرابع) يعتبر
في التعارض ان لا يكون أحد الدليلين حاكما على الدليل الآخر فإن المحكوم يثبت حكما
505

على تقدير غير متعرض لثبوت ذلك التقدير ونفيه وأما الدليل الحاكم فهو ناظر إلى اثبات ذلك
التقدير أو نفيه فلا يعقل المعارضة بينهما وهذا ظاهر لا سترة فيه (وإنما الكلام) في ضابط الحكومة
الجامعة بين أقسامها من الواقعية والظاهرية (فنقول) ربما (يتوهم) ان الحكومة عبارة عن كون
أحد الدليلين شارحا ومفسرا للآخر بمثل كلمة أعني وأردت وأشباه ذلك وهذا التوهم إنما نشأ
من عبارة العلامة الأنصاري (قده) في المقام حيث عبر بعبارة التفسير فتوهم انه (قده) أراد
منه ما هو ظاهره من لزوم كون الدليل الحاكم بلسان التفسير مع أنه (قده) صرح بعد ذلك
بجريان الحكومة في الأصول العقلائية أيضا مع أنه ليس فيها لفظ حتى يتوهم كونها بلسان
التفسير أو غيره هذا مع أن الحكومة بهذا المعنى (مضافا) إلى أن الالتزام بها شعر بلا ضرورة
يكاد يلحق بأنياب الأغوال فإنه ليس في الأدلة منها عين ولا أثر وعلى تقدير الوجوب فهو
في غاية القلة والندرة (فإن قيل) ان قرينة المجاز تكون مفسرة للمراد ومبينة له بمدلوله اللفظي
فلا يكون تفسير الحكومة بذاك المعنى موجبا لقصر الحكومة على الموارد النادرة (قلنا) لو سلم ذلك
يلزم خروج أكثر موارد الحكومة أيضا فإن الخاص والمقيد على ما بينا في محله لا يكونان موجبين
لإرادة غير الموضوع له من العام والمطلق فليس فيهما أثر من شرح اللفظ كما في قرينة المجاز
مع أنه لا ريب ان أحد الدليلين إذا كان مدلوله المطابقي نتيجة ما يتحقق في تقديم الخاص على
العام لكان حاكما على الدليل الآخر لا محالة مثلا إذا ورد أكرم العلماء ثم ورد لا تكرم فساق
العلماء فلا ريب ان الثاني لا يوجب إرادة غير الفاسق من لفظ العلماء حتى يكون الاستعمال
مجازيا بل غاية ما هناك ان دليل التخصيص بعد تحكيمه على العام يكشف عن أن العالم
لم يكن تمام الموضوع لوجوب الاكرام بل كان له قيد آخر وهو ان لا يكون فاسقا فإذا فرض
ان هذه النتيجة كانت مدلولا مطابقيا لدليل كما إذا ورد ان الفاسق ليس بعالم فلا محالة
يكون حاكما على الأول فان وجوب الاكرام فيه كان مترتبا على عنوان العالمية المفروض
انتفاؤها في الفاسق بمقتضى هذا الدليل (وبالجملة) الالتزام بالحكومة بالمعنى المذكور مع أنه يستلزم
خروج أكثر أفرادها لا موجب له أصلا (بل التحقيق) ان الحكومة عبارة عن كون أحد الدليلين
بمدلوله المطابقي موجبا للتصرف في عقد وضع الآخر باثبات أو نفي أو التصرف في عقد حمله
باعطاء لون له موجب لتضييقه (مثال الأول) قوله (ع) كل مسكر خمر فإنه بمدلوله المطابقي
يثبت موضوعا قد ثبت له أحكام في الشريعة فالدليل الدال على ثبوت أي حكم لعنوان الخمر
506

يكون محكوما له (ومثال الثاني) قوله (ع) (لا شك لكثير الشك) فإنه بمدلوله المطابقي ينفي
الشك عن كثير الشك فيكون حاكما على الأدلة المثبتة للأحكام على الشكوك ومن هذا القبيل
حكومة الامارات على الأصول فان دليل الامارة يوجب ارتفاع موضوع الأصل الذي هو
الشك (ومثال الثالث) قوله (ع) (لا ضرر في الاسلام) فإنه بمدلوله اللفظي يدل على أن
الأحكام المجعولة في الشريعة غير ضررية فيوجب اختصاص الأحكام المجعولة في الشريعة
بغير موارد الضرر من دون تصرف في عقد الوضع أصلا (ثم إن) الدليل الحاكم (قد يكون)
في مرتبة الدليل المحكوم فتكون الحكومة واقعية كما في حكومة قوله (ع) (لا شك لكثير الشك)
على أدلة الشكوك فتوجب اختصاص الأحكام المجعولة للشاك بغير كثير الشك واقعا (واخرى)
لا يكون في مرتبته بل يكون موضوع الدليل الحاكم متأخرا في الرتبة عن موضوع الدليل المحكوم
فتكون الحكومة ظاهرية كما في حكومة الامارات على الأدلة الواقعية فإنها لا توجب اختصاص
الأحكام الواقعية بغير من قامت عنده الامارة على خلافها بل غايتها هو الاختصاص في مقام
الظاهر (فمن هنا) يظهر ان حكومة الامارات على الأصول وبعض الأصول على البعض
حيث إنها باعتبار حكومتها على الواقع تكون ظاهرية أيضا (وقد ظهر) بما ذكرناه ان ما توهمه
بعض من أن تشريع دليل الحاكم لابد وأن يكون بعد تشريع المحكوم ومتفرعا عليه لا أساس
له أصلا فان من أوضح موارد الحكومة هي موارد الحكومة الظاهرية كحكومة الامارات على
الأصول مع أنه لا يعتبر في صحة تشريع الامارة تشريع الأصل أصلا (نعم) الغالب في
موارد الحكومة الواقعية لا يبعد أن يكون هو السبق لكنه غير معتبر فيها بل يصح جعل الحاكم
أولا ثم جعل المحكوم بعده (وكيف كان) فقد ظهر انه لا يعتبر في الحكومة إلا ما عرفت من
كون دليل الحاكم بمدلوله المطابقي موجبا للتصرف في عقد وضع الدليل المحكوم أو في عقد حمله
فتكون نتيجتها هو التخصص كما أن نتيجة الورود هو التخصص وقد بينا في أول بحث البراءة
الفرق بين الورود والتخصص والحكومة والتخصيص (فراجع) لعلك تنتفع به في المقام
(ثم إنه) بما ذكرنا من عدم المعارضة بين دليل الحاكم ودليل المحكوم يظهر لك وجه عدم لحاظ
النسبة بينهما فيقدم الحاكم ولو كانت النسبة بينهما عموم من وجه بل ولو كانت دلالة المحكوم
أقوى من دلالة الحاكم فإذا كان دلالة المحكوم بالوضع ودلالة الحاكم بالاطلاق فمع ذلك
يقدم دلالة الحاكم على دلالته لما عرفت من أن دليل المحكوم يثبت حكما على تقدير يكون دليل
507

الحاكم رافعا لذلك التقدير فلا يكون الحكمان في مرتبة واحدة حتى يقع التعارض بينهما فيلاحظ
المرجحات الدلالية أو السندية (الخامس) لا اشكال في أن العام والخاص المتخالفين في الحكم
وان كانا متعارضين بحسب ما لهما من الدلالة عن المراد النفس الامري إلا انهما غير متعارضين
بحسب ما لهما من الحجية باعتبار أصالة الظهور في كل منهما فان إصالة الظهور في طرف الخاص
تكون حاكمة على أصالة الظهور في طرف العام أو واردة عليها على ما سيتضح الحال إن شاء الله
تعالى (وقبل الخوض) في ذلك ينبغي تقديم (مقدمة) وهي ان الظهور على ثلاثة أقسام
(الأول) الظهور التصوري الناشئ من وضع اللفظ لمعنى مخصوص وهذا تابع للعلم بالوضع
سواء كان في الكلام أو في خارجه قرينة على خلافه أم لم تكن (الثاني) الظهور التصديقي الناشئ
من ظهور الكلام من حيث مجموعه بحيث يكون قابلا للترجمة بلفظ آخر لبيان ما قاله المتكلم
وهذا متوقف على عدم قرينة متصلة على خلاف الظهور (الثالث) الظهور التصديقي المعين لما أراده
المتكلم في نفس الامر وهذا يتوقف على عدم القرينة على خلاف الظهور مطلقا سواء كانت
متصلة أو منفصلة ضرورة ان القرينة المنفصلة وان لم تكن هادمة للظهور بالمعنى الثاني إلا انها
هادمة له بهذا المعنى إذ مع وجود القرينة المنفصلة لا يمكن ظهور كلام المتكلم في خلاف
ما قامت القرينة عليه بحسب المراد النفس الامري (ثم إن حجية الظهور) قد اختلف فيها انها
من باب بناء العقلاء على حجية الظهور ابتداء أو من جهة بنائهم على أصالة عدم القرينة بعد الاتفاق
على أنها من جهة الكاشفية عن المراد لا من جهة التعبد المحض لعدم تعبد من العقلاء على حجية شئ
من دون جهة كاشفية فيه أصلا وقد بينا في محله ان الحق عندنا التفصيل فان اتباع الظهور (تارة)
يكون في مقام الاحتجاج وبعبارة أخرى في مقام المولوية والعبودية (وأخرى) في مقام كشف
المراد النفس الامري ففي المقام الأول يكون الظهور بنفسه حجة على المراد الواقعي فيعاقب
على مخالفته ولا يلتفت إلى اعتذار العبد عنها بعدم الظن على كونه مرادا أو بوجود
الظن بعدم إرادته (وهذا بخلاف) المقام الثاني فإن المعتبر فيه هو ثبوت عدم القرينة
ولا يكتفى فيه بنفس الظهور ولذا لو وقع مكتوب من أحد التجار إلى بعض عماله بيد
ثالث وكان فيه تعيين أسعار أموال التجارة لما ترتب عليه اثر ما لم يثبت من الخارج عدم
قرينة بين ذلك التاجر وعامله في مكاتباتهم فمجرد الظهور إنما يكون حجة في مقام
الامتثال والعصيان دون غيره مما تعلق الغرض بكشف المراد النفس الامري وقد ذكرنا
508

توضيح ذلك في بحث حجية الظواهر فراجع (إذا عرفت) ذلك فنقول يقع الكلام (تارة) في أن
تقدم ظهور الخاص على ظهور العام من جهة الاقوائية حتى يقتصر على موردها كما يستفاد
من كلمات شيخنا العلامة الأنصاري (قده) أو يتقدم ظهور الخاص عليه مطلقا (واخرى) في أن
تقدمه عليه هل هو من جهة الورود أو الحكومة (اما الكلام) من الجهة الأولى فالحق
هو تقدم ظهور الخاص على ظهور العام مطلقا ولو كان أقوى من ظهور الخاص وذلك فإن الخاص
قرينة على بيان المراد من العام بحسب الظهور التصديقي بالمعنى الثاني وقد تقدم منا تقدم ظهور
القرينة على ظهور ذي القرينة وإن كان أضعف منه بحسب المرتبة وقد مر في محله ان الميزان في معرفة
كون أحد الامرين قرينة على الآخر وعدمه هو فرض أحدهما متصلا بالآخر في كلام واحد فإن
كان أهل العرف لا يتوقفون في معرفة المراد منه بجعل أحدهما شارحا للآخر من جهة تعيين المراد
فهو القرينة وإلا فلا ولا ريب ان الخاص إذا اتصل بالعام في الكلام الواحد كان مبينا وشارحا
له فيكون هو المتعين في القرينية فيكون ظهوره مقدما على ظهور العام مطلقا كما هو الحال في كل
قرينة مع ذي القرينة (واما الكلام) من الجهة الثانية (فتوضيح الحال فيه) ان الخاص المعارض
للعام اما إن يكون قطعي السند والدلالة أو يكون ظنيا من الجهتين أو يكون قطعيا من جهة
وظنيا من جهة أما إذا كان قطعيا من الجهتين فلا ريب في تقدمه على العام وتخصيصه به فإن
موضوع أصالة العموم وهو الشك في مراديته يكون مرتفعا وجدانا للعلم بصدور الخاص وإرادة
مدلوله فيكون واردا عليه (بل التحقيق) ان الخاص القطعي من الجهتين كما لا يعقل الحكومة
فيه لا يعقل الورود فيه أيضا لما عرفت من أن الورود يشترك مع الحكومة في أن ارتفاع الموضوع
في مواردهما يتوقف على ثبوت تعبد في الجملة والفرق هو ان في الورود يكون ارتفاع الموضوع
بثبوت نفس التعبد وفي الحكومة بثبوت المتعبد به ومن المعلوم انه لا تعبد في مورد الخاص
القطعي بوجه لا محالة يكون التقدم بالتخصص لا غير وأما إذا كان الخاص ظنيا ولو من جهة
(فربما يتوهم) ان تقدمه على العام من جهة الورود مطلقا نظرا إلى أن حجية الظهور إنما هي من
باب بناء العقلاء ولا ريب في أن بناءهم على حجيته فيما إذا لم يكن هناك تعبد بالخلاف ففي
فرض وجود التعبد بالخلاف يرتفع موضوع أصالة الظهور (ولكنه توهم فاسد) فإن بناء العقلاء
على حجية الظهور بناء كلي غير مقيد في حد ذاته بشئ غاية الأمر أنها مشروطة بوجود موضوعها
وهو الشك في مراد المولى فإذا فرضنا بناء آخر منهم على حجية الخاص الكاشف عن الإرادة
509

الواقعية فلا محالة يرتفع موضوعها بثبوت الخلاف الذي هو المتعبد به في طرف الخاص وقد
ذكرنا مرارا ان الرافع لموضوع الأصل إن كان هو التعبد بما هو تعبد فيكون واردا وإن كان
ثبوت المتعبد به ولو من جهة التعبد فيكون حاكما ولا ريب ان المقام من قبيل الثاني دون الأول
(وبالجملة) نسبة الخاص إلى العام كما عرفت نسبة القرينة إلى ذي القرينة فتقدم أصالة الظهور
في طرف الخاص يكون من جهة ثبوت القرينة ببناء العقلاء لا من جهة ارتفاع موضوع أصالة
الظهور في العام بعد ورود المخصص وجدانا فكأن المتوهم تخيل انه ليس من العقلاء الا بناء واحد
على العمل بالعمومات مقيدا بعدم وجود المخصص فعند تحققه يرتفع موضوعه وقد عرفت ان
الامر ليس كذلك بل بناؤهم على العمل بالعموم من جهة ارتفاع موضوعه ببنائهم على ثبوت
القرينة بالتخصيص فيكون التقدم بالحكومة ثم إن الخاص إذا كان ظنيا من جهة الدلالة والسند
فيكون تقدمه على أصالة العموم بالحكومة من جهتين (الأولى) من جهة السند (والاخرى) من
جهة الدلالة فان قرينية الخاص تتوقف على حجيته من الجهتين فالحكومة تكون من جهتين وأما إذا
كان ظنيا من جهة واحدة فالحكومة من جهة واحدة كما هو ظاهر (ثم اني) لا أظنك ان تتوهم
(وتقول) ان تقدم أصالة الظهور في طرف الخاص على إصالة الظهور في طرف العام إن كان
بالحكومة فتقدم الخاص على العام بل تقدم المقيد على المطلق دائما يكون بالحكومة فأي مورد يبقى
للتخصيص أو التقييد وماذا يكون فارقا بين التخصيص والحكومة (فإنك) قد عرفت فيما تقدم
ان تعارض الخاص والعام بحسب مدلوليهما أمر وكون الأصل في أحدهما حاكما على الأصل
في الآخر أمر آخر فان الحكومة في الثاني غير مناف للتخصيص في الأول والحكومة النافية
للتخصيص هي أن تكون في نفس المدلول دون مقام الحجية (ثم إن) العلامة الأنصاري (قده)
ذكر في وجه تقدم الخاص الظني على العام تفصيلا (وحاصله) ان حجية الظهور إن كان من
جهة الظن النوعي فيكون تقدم الخاص عليه من جهة الورود وأما إذا كان من جهة أصالة عدم
القرينة فيكون التقدم بالحكومة ويحتمل كون التقدم بالورود أيضا (ثم أمر) (قده) بعد ما أفاد
من احتمال الورود بالتأمل وقد أشكلت هذه العبارة على جملة من الاعلام (ولابد) لنا أولا
من بيان مرامه (قده) ثم تعقيبه بما هو المختار عندنا (فنقول) ان حاصل ما أفاده هو ان
حجية الظهور إذا كانت من جهة الظن النوعي فلا محالة يتقيد موضوعها بما إذا لم يكن هناك
كاشف عن عدم إرادة الظهور الرافع للظن نوعا فمع وجود الكاشف عنه سواء كان قطعيا أو
510

بالتعبد يرتفع موضوع الحجية وهذا بخلاف ما إذا كانت الحجية من جهة أصالة عدم القرينة فان
الظاهر أن يكون الرافع حينئذ هو ثبوت القرينة على الخلاف فإن كان بالعلم يكون ورودا أو
تخصصا على ما عرفت الحال فيه وإن كان بالتعبد يكون حكومة وقد ذكرنا مرارا ان الرافع
للموضوع إن كان هو نفس التعبد بما هو فهو الوارد وإن كان ثبوت المتعبد به فهو الحاكم ويحتمل
كون الموضوع مقيدا من أول الأمر بعدم ثبوت القرينة على الخلاف ولو بالتعبد فمع فرض
التعبد بثبوت القرينة يتحقق الورود أيضا (وأنت خبير) بما فيه إذ قد عرفت أولا ان الحق
في المقام هو التفصيل بين موارد أصالة الظهور بما إذا كان المطلوب هو الإطاعة والامتثال أو
كشف المراد النفس الامري فالظهور حجة بما فيه من الكشف والظن النوعي على الأول دون
الثاني ومع الإغماض عما ذكرناه فإن بنينا على كون الحجية من باب إصالة عدم القرينة فلا ريب
ان الرافع لموضوعها هو ثبوت القرينة على الخلاف لا نفس التعبد بعدم الثبوت بما هو تعبد
ضرورة ان الموجب لإرادة خلاف الظاهر هو نفس وجود القرينة لا التعبد به فتكون الرافعية
من جهة ثبوت المتعبد به ليس إلا فلا يكون لاحتمال الورود مجال أصلا وأما إذا بنينا على
كون الحجية من باب الظن النوعي فاحتمال تقيد الموضوع من أول الأمر مبني على التوهم
المذكور أولا من كون أصالة الظهور في طرف الخاص واردة على أصالة الظهور في طرف العام
وقد عرفت فساده لما ظهر من أن الرافع للموضوع وما يكون كاشفا عن المراد الواقعي على
خلاف الظهور النوعي هو نفس وجود القرينة فالتعبد به تعبد بما هو رافع له لا ان التعبد بنفسه
يكون رافعا فكم فوق بين التعبد بثبوت الرافع أو كون نفس التعبد رافعا والذي يعتبر في الورود
هو الثاني وما هو متحقق في المقام هو الأول (فتلخص) ان احتمال الورود في باب الأصول
اللفظية ساقط من أصله وأما الأصول العملية فما كان منها شرعيا يكون تقدم الامارة أو بعض
الأصول عليها أيضا بالحكومة (نعم) ما كان منها عقليا يكون تقدم الامارة أو الأصل الشرعي
عليه بالورود فينحصر مورد الورود بها ولا يتحقق في غيرها على ما عرفت الضابط في الحكومة
والورود والشيخ (قده) وإن لم يتعرض للفارق بين الحكومة والورود تفصيلا إلا أن الظاهر أن
الملاك عنده (قده) هو الملاك عندنا لعدم معنى آخر معقول لهما غير ما ذكرناه (السادس)
لا ريب في أن حجية الدليل تتوقف على تماميته من جهات ثلاث (الصدور) (والدلالة)
و (وجه الصدور) والتعارض بين الأدلة إما أن يكون مع وجود مزية في أحد المتعارضين على
511

الآخر أولا والمزية إما أن تكون من جهة الدلالة أو من غيرها (ثم) ان التعارض إما أن يكون
بين دليلين ليس إلا كما إذ دل أحد الدليلين على الوجوب والآخر على الحرمة وإما أن يكون
بين أكثر كما إذا كان دليل آخر دل على الإباحة أيضا أما التعارض بين أكثر من دليلين
فسيجئ الكلام فيه إن شاء الله تعالى كما أن التكلم في المزايا من غير جهة الدلالة سيأتي في
بحث مستقل فالتكلم في المقام متمحض في التعارض بين دليلين مع وجود المزية في أحدهما
من جهة الدلالة على الآخر (فنقول) ربما يقال إن الجمع بين الدليلين مهما أمكن أولى من
الطرح وهذا الكلام بظاهره مما لا يمكن المساعدة عليه (إذ مضافا) إلى أنه لا دليل على لزوم
الجمع بهذا المعنى المعبر عنه بالجمع التبرعي انه لا يبقى على ذلك مورد للاخبار العلاجية الآمرة
بأخذ أحد الخبرين ترجيحا أو تخييرا (ضرورة) انه ما من خبرين متعارضين إلا ويمكن حمل
كل منهما على مورد يرتفع التعارض بينهما فنفس تلك الأخبار تكون دليلا على بطلان هذا
النحو من الجمع ولا يبعد حمل هذا الكلام على موارد الامكان العرفي بأن يكون أحد الدليلين
قرينة على التصرف في الآخر بأن يكون أحدهما نصا في مورده دون الآخر أو كان أظهر
منه بحيث لو كانا في كلام واحد لتعين في كونه قرينة على الآخر وأما مجرد الأظهرية من دون
أن يكون صالحا للقرينية فلا يوجب التقدم وحمل الآخر على خلاف ظاهره إذ لا يخرج الجمع
بهذا النحو عن الجمع التبرعي الذي قد عرفت انه لا دليل عليه بل الدليل على خلافه فلا بد وان
يعتبر أحد الدليلين قرينة على الآخر بحيث لا يتحير أهل العرف في استفادة المراد منها إذا
انضم أحدهما إلى الآخر (ولا بأس) بذكر جملة من المرجحات الدلالية التي توجب تقدم أحد
الدليلين على الآخر والتصرف فيه بحمله على خلاف ظاهره (منها) ما إذا كان أحد الدليلين
أخص من الآخر مدلولا فإن يتقدم الخاص على العام سواء كان قطعي الدلالة أو لم يكن
لما عرفت من أن ظهور الخاص يتقدم على ظهور العام مطلقا حتى فيما إذا كان ظهور العام في
العموم أقوى من ظهور الخاص فإن ظهور القرينة يتقدم على ظهور ذي القرينة مطلقا بالحكومة
أو الورود (ومنها) ما إذا كان أحد الدليلين واردا في مقام التحديد دون الآخر فان النسبة
بين الدليلين المتعارضين وان لم يكن بالعموم والخصوص إلا أن ما ورد في مقام التحديد
يتقدم على غيره ويكون قرينة على التصرف فيها (ومنها) ما إذا كان لاحد الدليلين قدر متيقن
في مقام التخاطب فإنه يكون كالنص فيه فيوجب التصرف في معارضه مثلا الأدلة الدالة على
512

عدم ارث الزوجة من الدار وإن كانت معارضة بالأدلة الدالة على ارثها منها إلا أن القدر
المتيقن من أدلة عدم الإرث هي الزوجة غير ذات الولد كما أن القدر المتيقن من أدلة الإرث
هي الزوجة ذات الولد فيجمع بينهما بحمل كل منهما على المتيقن من مورده وإن كانت النسبة
بينهما بالتباين كذا قيل (ولكنك) عرفت في بحث المطلق والمقيد ان وجود القدر المتقين في
مقام التخاطب إذا لم يكن بحيث يكون اللفظ ظاهرا فيه كما في موارد الانصرافات لا يوجب
تقييد الاطلاق بنفسه وعليه فلا يكون مثل هذا النحو من القدر المتيقن قابلا للقرينة في كل
من الطرفين فإن غاية الأمر حينئذ هو وجود القدر المتيقن بالنسبة إلى مقام ثبوت الحكم واقعا
لأجل المناسبات والاستحسانات كما قيل من أن إرث غير ذات الولد من الدار يوجب تسلط
الزوجة على اتيانها برجل آخر على الورثة ووجود القدر المتيقن في الحكم كيف يمكن أن يكون
رافعا للتعارض بين الدليلين في مقام الدلالة مع كون النسبة بينهما هو التباين كما هو المفروض
فالحق سقوط هذا المرجح عن المرجحية من أصله (نعم) لو كان كل من المطلقين منصرفا
في مقام الاثبات إلى غير ما ينصرف إليه الآخر لما تحقق التعارض بينهما كما هو ظاهر ضرورة
انه لو لم يكن هناك معارض أيضا لما كان المطلق حجة لاثبات الاطلاق في حد نفسه (ومنها)
ما إذا كان أحد الدليلين واردا في مورد خاص فإن وروده فيه يوجب نصوصيته بالقياس
إليه فلا يجوز اخراجه عنه وتخصيصه بغير مورده فيقدم على معارضه وإن كانت النسبة بينهما
عموما من وجه (ومنها) ما إذا لزم من تخصيص أحد الدليلين استهجان التخصيص كما إذا لم
يبق له مورد أصلا أو بقي بمقدار لا يجوز التخصيص إلى ذلك المقدار بخلاف الآخر فان ذلك
يوجب تقدمه عليه وإن كانت النسبة عموما من وجه (ومنها) ما إذا كان دلالة أحد الدليلين
بالوضع والآخر بالاطلاق فان ما بالوضع يتقدم على غيره ويكون بيانا له فإذا ورد أكرم العالم
ثم ورد لا تكرم الفساق فيقدم الثاني على الأول فيحكم حرمة إكرام العالم الفاسق فان شمول
الأول له يتوقف على جريان مقدمات الحكمة فيه التي من جملتها عدم البيان وشمول الثاني
له بالوضع يصلح أن يكون بيانا له فيقدم عليه (ومنه يظهر) انه لو وقعت المعارضة بين مفهوم الغاية
الذي هو بالوضع ومفهوم الشرط الذي هو بالاطلاق لتقدم مفهوم الغاية عليه ويلحق بهذا القسم ما إذا
كان التعارض بين العموم الشمولي والبدلي ولو كان كلاهما بالاطلاق فان المطلق الشمولي
يتقدم على المطلق البدلي فان التخيير بين افراد المطلق البدلي يتوقف على كون الافراد
513

متساوية الاقدام في الدخول تحته ولا ريب ان شمول المطلق الشمولي له يخرجه عن التساوي
مع بقية الافراد فيختص المطلق البدلي بغيره (وقد) بينا توضيح ذلك في بحث الواجب المشروط
فراجع (ومنها) ما إذا دار الامر بين التخصيص والنسخ فيقدم التخصيص عليه سواء كان
الدوران في دليل واحد كما إذا كان العام متقدما على الخاص زمانا فيدور الامر في العام
بين كونه منسوخا بالنسبة إلى حكم الخاص وكونه مخصصا به من أول الأمر أو في دليلين
كما إذا كان الخاص متقدما عليه فيدور الامر بين منسوخية الخاص المتقدم وتخصيص
العام المتأخر وعلى كل حال يتقدم التخصيص على النسخ فان ناسخية الخاص المتأخر للعام المتقدم
تتوقف على تمامية أصالة العموم في طرف العام ومن الضروري انه بعد ورود الخاص المتأخر
مع فرض جريان ديدن المتكلم على الاعتماد على القرائن المنفصلة وعلى عدم بيان تمام مراده
في مجلس واحد لا يبقى ظهور تصديقي للعام في كشفه عن المراد الواقعي ومعه لا يبقى مجال
لاحتمال النسخ أصلا (وبعبارة أخرى) احتمال النسخ فرع بقاء أصالة العموم على حالها ومع
وجود الخاص المتأخر لا يمكن أن تكون أصالة العموم حافظة لنفسها فتسقط فيتعين التخصيص
وكذلك الكلام في الخاص المتقدم فإن اعتماد المتكلمين على القرائن السابقة كما هو ديدنهم يمنع
من انعقاد الظهور التصديقي في العام حتى يكون ناسخا للخاص المتقدم بل يكون الخاص المتقدم
قرينة على العام وصارفا له عن ظهوره كما هو ظاهر (ومنه يظهر) الحال في مجهولي التاريخ أيضا
وان الحكم مطلقا هو التخصيص دون النسخ (وأما ما توهم) من أن جهة التقديم هو كثرة
التخصيص وقلة النسخ (ففيه) ان الكثرة بنفسها لا تكون قرينة على التخصيص ما لم يكن هناك
موجب آخر له (فإن قلت) ان أصالة عدم النسخ تقتضي التخصيص وأصالة عدم التخصيص
وإن كانت معارضة له إلا أن أصالة عدم النسخ تتقدم عليها من جهة كثرة التخصيص وقلة
النسخ (وبعبارة أخرى) ظهور الدليل في الاستمرار والدوام بقرينة ندرة النسخ يكون أقوى
من ظهور العام في العموم فيتقدم عليه (قلت) ظهور الدليل في الاستمرار والدوام إما أن يكون من
جهة نفسه أو من جهة دليل خارجي (اما) الظهور من جهة نفسه لأجل الاطلاق ومقدمات الحكمة
(فهو) ممنوع جدا إذ من الظاهر أن الدليل على ثبوت حكم لموضوع لا يكون متعرضا إلا لثبوت
الحكم لذلك الموضوع (وأما) ان هذا الحكم له أمدا وليس له أمد (فهو) محتاج إلى دليل آخر يحكم
فيه بالاستمرار لهذا الحكم حتى يكون الحكم الثابت للموضوع في القضية الأولى موضوعا للحكم
514

بالاستمرار في قضية أخرى ولا يمكن أن يكون الدليل المثبت لأصل الحكم متعرضا لاستمراره
أيضا (لا يقال) إذا لم يكن تعرض الدليل المثبت للحكم لاستمراره فكيف بنيتم على استفادة
الاستمرار من قوله تعالى (أوفوا بالعقود) بمقدمات الحكمة (فإنه يقال) فرق بين استمرار
الحكم المقابل للنسخ وبين استمراره المقابل لتقييده بزمان مثلا الحكم بلزوم العقد قد يكون استمراريا
بمعنى انه غير مختص بزمان فكما أنه يكون العقد الصادر في زمان لازما فكذلك العقود
الصادرة فيما بعده (وبعبارة أخرى) الحكم المجعول على موضوعه المقدر وجوده قد يكون بنفسه
استمراريا وأخرى يكون لزومه استمراريا بمعنى انه إذا وجد العقد وحكم عليه باللزوم يكون اللزوم
استمراريا في مقابل اللزوم في ساعة واحدة مثلا والاستمرار بهذا المعنى لا ينافي عدم الاستمرار بالمعنى
الأول كما أن الاستمرار بذلك المعنى لا ينافي عدمه بهذا المعنى والاستمرار الغير الممكن تعرض الدليل
المثبت للحكم له هو الاستمرار في نفس القضية الحقيقية المجعولة واما الاستمرار بالمعنى الثاني المقابل
للتقييد فتعرض الدليل له بمكان من الامكان وأما الظهور من جهة الدليل الخارجي فهو ممنوع
أيضا فإن عمدة ما يمكن ان يتوهم دلالته على استمرار كل حكم ثابت في الشريعة هو قوله " ع "
(حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة) ولا ريب ان المراد منه
هو استمرار نفس الشريعة في مقابل نسخها وأين ذلك من كون الحكم غير منسوخ في نفس
الشريعة المقدسة فلم يبق دليل على استمرار كل حكم شخصي في الشريعة إلا الاستصحاب
ومن الواضح انه أصل عملي لا يمكن أن يكون معارضا لأصالة العموم فضلا عن أن يتقدم عليها
(هذا مضافا) إلى أن الاستصحاب في فرض تأخر الخاص عن العام الذي هو العمدة في محل
الكلام غير جار في نفسه من جهتين (الأولى) ان الخاص بعد وروده لا محالة يكون العمل
على طبقه ويرتفع حكم العام عن مورده سواء كان من جهة النسخ أو من جهة التخصيص فأصالة
عدم النسخ لا أثر لها بعد ورود الخاص وإنما أثره باعتبار الأزمنة السابقة فإنه على التخصيص
يكون الفرد خارجا من أول الأمر وعلى النسخ يكون الخروج من حين ورود الخاص ولا
ريب ان الاستصحاب لا بد في جريانه من وجود الأثر في ظرف البقاء دون الحدوث (الثانية)
ان جريان الاستصحاب فرع اليقين بالحدوث والشك في البقاء والمفروض أن ثبوت الحكم
في المقام للخاص مشكوك من أول الأمر لفرض دوران الامر بين النسخ والتخصيص فكيف
يمكن ان يجري الاستصحاب مع الشك في أصل الحدوث فتحصل ان الحكم بالتخصيص في
515

فرض تقدم الخاص أو تأخره لما ذكرناه لا لتقدم أصالة عدم النسخ على أصالة العموم (بقي هنا)
أمران لا بأس بالتعرض لهما (الأول) انهم ذكروا ان الخاص إذا ورد قبل زمان العمل بالعام
تعين في التخصيص ولا يكون لاحتمال النسخ مجال أصلا لاستحالة النسخ قبل حضور
وقت العمل بالخاص ولا يخفى عليك ان أصالة عدم التخصيص وإن لم تكن جارية مع وجود
الخاص كما عرفت إلا أنه لا مانع من النسخ قبل حضور وقت العمل في حد ذاته (توضيح ذلك)
ان النسخ (تارة) يكون من جهة انتهاء أمد الحكم بانتهاء المصلحة الكامنة في متعلقه (وأخرى) يكون
من جهة ان جعل الحكم كان لأجل مصلحة في نفس الاظهار من امتحان ونحوه فانتهى أمدها
(وثالثة) يكون من جهة ان جعل الحكم كان لأجل غرض آخر قد تحقق في الخارج فارتفع كما في
قوله تعالى (إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجويكم صدقة) الذي نسخ بعد امتثال أمير المؤمنين
(ع) لهذا الحكم قبل نجواه مع رسول الله صلى الله عليه وآله فكان الغرض منه هو اظهار شرافة
مقام أمير المؤمنين عليه السلام (ثم إن) القضية على ما بينا مرارا قد تكون حقيقية وأخرى
خارجية والقضية الحقيقية قد تكون في الموقتات وقد تكون في غيرها أما القضية الحقيقية الغير الموقتة
فلا معنى لحضور وقت العمل فيه أصلا فإنها متكفلة لثبوت الحكم على تقدير وجود موضوعه
من دون توقف على ثبوت موضوعه في الخارج أصلا وقد ذكرنا ان أكثر الأحكام المجعولة
في الشريعة من هذا القبيل فيصح فيها النسخ بكل الوجوه المتصورة في النسخ وأما القضايا
الخارجية أو القضايا الحقيقية الموقتة قبل حضور وقت العمل بها فالنسخ على الوجه الأول وان
لم يكن معقولا فيها إلا أنه لا مانع من النسخ على الوجهين الأخيرين فلا يفرق في جواز
النسخ بين أن يكون قبل حضور وقت العمل أو بعده إذ استحالة قسم واحد من النسخ قبل
حضور وقت العمل لا تستلزم استحالته مطلقا (الثاني) انهم بعد خلافهم في جواز تأخير
البيان عن وقت الخطاب والتكلم بما له ظاهر وإرادة خلافه اتفقوا على ما قيل على قبح تأخير
البيان عن وقت الحاجة ولاجله وقع الاشكال في المخصصات الواردة من الأئمة المتأخرين (ع)
بالإضافة إلى العمومات الصادرة عن النبي أو أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما الطاهرين
فذهب كل إلى طرف (فمنهم) من ذهب إلى كون تلك المخصصات كلها ناسخة لتلك العمومات
لاستحالة التخصيص بعد حضور وقت العمل (وقد ورد عليه) بعدم امكان النسخ بعد النبي صلى الله
عليه وآله لانقطاع الوحي (وفيه) انه قد تظافرت الاخبار والآثار المروية عنهم صلوات الله
516

وسلامه عليهم في الأدعية والزيارات على تفويض دين الله إليهم فلا مانع من صدور النسخ
منهم (وثانيا) ان انقطاع الوحي بعد النبي صلى الله عليه وآله لو سلم انه يمنع عن تحقق النسخ
بعده فغايته هو عدم امكان النسخ بعده من الأئمة عليهم السلام وأما بيانهم (ع) لأمد الحكم المنتهي
إلى الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وآله فلا مانع عنه (نعم) الانصاف ان الالتزام بالنسخ في جميع
هذه الموارد بحيث يؤل الامر إلى نسخ أغلب الأحكام الثابتة في الشريعة المقدسة بعيد جدا ولا
يمكن الالتزام به (ومنهم) من ذهب إلى أن تلك المخصصات المتأخرة يستكشف منها اقتران
العمومات المتقدمة بها وان اختفت علينا من الجهات الموجبة للاختفاء (والانصاف) ان هذه
الدعوى وإن كانت معقولة في الجملة نظرا إلى وجود جملة من تلك المخصصات في الكتب المروية
بطرق العامة وجملة من أسانيدها معتبرة ومنتهية إلى خيار الصحابة (رض) كعبادة بن صامت وغيره
إلا أن دعوى وجود كل مخصص صادر عن الأئمة المتأخرين صلوات الله عليهم أجمعين في
زمان صدور العمومات السابقة لا تخلو عن الجزاف كما هو ظاهر (وقد أجاب) العلامة
الأنصاري (قده) عن الاشكال على ما في تقريراته بما (حاصله) ان بناء الاشكال على أن
العمومات الصادرة سابقا إنما صدرت لأجل بيان الأحكام الواقعية فيكون تأخير البيان عن
وقت العمل بها قبيحا (ولكنه) لا موجب للالتزام بذلك بل يجوز أن يكون صدور تلك
العمومات لأجل بيان الاحكام الظاهرية ضربا للقانون والقاعدة فلا يلزم قبح في تأخير البيان
بالنسبة إلى المراد الواقعي النفس الامري (وتبعه) على ذلك المحقق صاحب الكفاية (قده)
فالتزم بكون المراد الاستعمالي في العمومات مغايرا للمراد الجدي وعليه بنى حجية العلم في
المقدار الباقي بعد التخصيص وقد ذكرنا في بحث العام والخاص فساد ذلك وان العمومات يستحيل
أن تكون ناظرة إلى مرحلة اثبات الحكم الظاهري فإن أصالة العموم في ظرف الشك في المراد
وإن كانت مثبتة لحكم ظاهري إلا أنه فرع صدور العام لأجل بيان المراد الواقعي ولا يمكن أن يكون
نفس العام متعرضا لاثبات حكم مترتب على الشك فيه وفيما ذكرناه هناك غنى عن
الإعادة فراجع " والتحقيق " في الجواب " ان يقال " ان تأخير البيان عن وقت الحاجة وإن كان
قبيحا في حد ذاته إلا أنه لا مانع من عروض عنوان آخر عليه موجب لارتفاع قبحه بل
لاتصافه بالحسن نظير بقية العناوين القبيحة لولا عروض عنوان آخر عليها فإذا فرض اقتضاء
الحكمة من تقية أو غيرها تأخير البيان فلا بد من التأخير وإلا لزم العمل على خلاف الحكمة
517

فالاشكال المذكور إنما نشأ من تخيل ان القبح في المقام نظير القبح الثابت للظلم الغير الممكن
تخلفه عنه مع أنه من الضروري ان الامر ليس كذلك بل هو تابع لتحقق ملاكه فإذا
اقتضت الحكمة تأخير البيان لمصلحة أقوى فلا مناص عن التأخير حفظا لتلك المصلحة (السابع)
إذا كان التعارض بين أكثر من دليلين فقد يكون تقدم بعضها على الآخر موجبا لانقلاب
النسبة (وتوضيح ذلك) انك قد عرفت في الأمر الخامس ان الظهور التصوري الناشئ عن
الوضع لا ينقلب عما هو عليه بوجود قرينة صارفة عن ارادته سواء كانت متصلة أو منفصلة
ولكن مثل هذا الظهور لا يكون موضوعا للحجية في نظر العقلاء كما أن الظهور التصديقي بالمعنى
الأول أعني به ظهور الكلام فيما قاله المتكلم المتوقف على عدم القرينة في الكلام لا يكون له
حجية في نظرهم إلا مع عدم القرينة المنفصلة حتى يتحقق الظهور والكاشفية عن مراد المتكلم
واقعا ولذا بنينا على عدم حجية العموم والاطلاق قبل الفحص عن المخصص والمقيد (وبالجملة)
ما لم يكن الكلام كاشفا نوعيا عن مراد المتكلم بلحاظ القرائن الخارجية والداخلية لا يكون
له حجية في مقام الإطاعة والعصيان (ثم إن التعارض) لا بد وان يلاحظ بين كل واحد من
الدليلين أو الأدلة بما له من الكاشفية عن المراد ضرورة ان ما ليس له الحجية في حد ذاته كيف
يمكن ان يعارض به الدليل الآخر (فمن هنا) يظهر وجه انقلاب النسبة فيما إذا كان أحد الدليلين
المتعارضين مقرونا بقرينة منفصلة موجبة لانقلاب ظهوره التصديقي الكاشف عن المراد النفس
الامري عما هو عليه مع عدم القرينة (ولعمري) ان ما ذكرناه واضح بأدنى تأمل في موضوع
الحجية وان المعارضة لابد وان تلاحظ بين الدليلين بما لهما من الظهور الموضوع لها (وليت شعري)
كيف يعقل ملاحظ النسبة بين ما لا حجية له في نفسه مع قطع النظر عن المعارض حتى يكون
الملاك هو ملاحظة النسبة بين الظهور الكلامي ولو لم يكن له كاشفية وحجية (إذا عرفت
ذلك) فلا بأس بصرف عنان الكلام إلى صور تعارض أكثر من دليلين حتى يتضح ما ينقلب
فيه النسبة عن غيره (فنقول) ان التعارض بين أكثر من دليلين يتحقق في (صور) (منها)
ماذا ورد عام وخاصان (فقد تكون) النسبة بين الخاصين التباين (وقد تكون) عموما من وجه
(وقد تكون) عموما وخصوصا مطلقا أما في فرض التباين كما إذا ورد أكرم العلماء ثم ورد
لا تكرم البغداديين منهم وورد ولا تكرم البصريين منهم فلا ريب في تخصيص العام بكل منهما
(ضرورة) ان نسبة كل من الخاصين إلى العام على حد سواء فلا وجه للتخصيص بأحدهما
518

أولا ثم ملاحظة النسبة بين الباقي والخاص الآخر فلا بد من التخصيص بهما (نعم) إذا لم يبق
للعام مورد بعد التخصيص بهما فلا محالة تكون المعارضة بين العام وبين مجموع المخصصات
بالتباين فلابد من ملاحظة الترجيح أو التخيير (ومنه يظهر الحال) فيما إذا كانت النسبة بين الخاصين
العموم من وجه أيضا فلابد من التخصيص بالمجموع إلا مع عدم بقاء المورد للعام فيلاحظ
الترجيح أو التخيير وأما إذا كانت النسبة بين الخاصين العموم والخصوص المطلق كما إذا
كان المخصصان قوله لا تكرم البغداديين منهم ولا تكرم العالم الفاسق البغدادي (فربما
يتوهم) فيه ان العام يخصص أولا بأخص الخاصين ثم تلاحظ النسبة بين الباقي والخاص
الآخر فربما تنقلب النسبة إلى العموم من وجه (ولكنه توهم فاسد) فإن كون النسبة بين
الخاصين عموما وخصوصا مطلقا مع اتحاد نسبتهما إلى العام لا يوجب تقدم أحدهما في مقام اخذ
النسبة وبيان أخص الخاصين في مقابل الآخر لا يوجب حصر التخصص به بل يمكن أن يكون
بيانه مستقلا لأجل الاهتمام به أو لخصوصيات أخر (وبالجملة) حيث إن نسبة العموم إلى كل منهما
على حد سواء فلا تكون كاشفيته نوعية إلا فيما عداهما فلا بد من التخصيص بكل منهما " نعم "
لو كان أخص الخاصين متصلا بالعام وموجبا لتعنون العام بغيره في مقام الظهور التصديقي فلا محالة
تلاحظ النسبة بينه بما له من الظهور وبين الخاص الآخر وقد تكون النسبة هو العموم من وجه والفرق بين
المخصص المتصل والمنفصل هو ان المخصص المتصل يوجب انعقاد الظهور التصديقي فيما قاله المتكلم
في غير العموم من أول الأمر ويتوقف انعقاد الظهور فيما اراده على عدم ورود المخصص وغيره
من القرائن المنفصلة عليه ومن المفروض ان المخصص الآخر لا يصلح للقرينية بنفسه لعدم
كون النسبة بينهما عموما وخصوصا مطلقا وهذا بخلاف المخصص المنفصل فإن المفروض فيه
انعقاد الظهور التصديقي في العموم ويتوقف انعقاد الظهور في المراد على عدم ورود المخصص عليه
وكل من الخاصين صالح للقرينية وموجب لانقلاب الظهور عما كان عليه إلى غيره (ومن هنا)
يظهر انه لا فرق في انقلاب النسبة في فرض اتصال المخصص بالعام بين ما إذا كان هناك
عام آخر غير متصل به الخاص وبين عدمه ضرورة ان العام الآخر بعد وجود العام المخصص
بالمتصل لا يكون حجة في غير ما يكون العام المتصل حجة فيه فلا محالة يكون الظهور فيه منقلبا
قبل ملاحظة التعارض بينه وبين المخصص الآخر فلابد من ملاحظة التعارض بينه بعد التخصيص
بالمتصل وبين الخاص الآخر فتنقلب النسبة إلى العموم من وجه كما هو ظاهر وإن شئت قلت إن نسبة
519

المخصص الغير المتصل إلى العام الفوق وإن كان هو العموم والخصوص المطلق إلا أنه لا يصلح
لكونه مخصصا له فان المفروض معارضته بالعموم من وجه مع العموم المتصل به المخصص
والخاص المبتلى بالمعارض لا يصلح للتخصيص فيكون العام الفوق من أطراف المعارضة أيضا
(ومنها) ما إذا ورد عامان من وجه وورد مخصص لأحدهما أو لكليهما فإن كان المخصص
اخرج مورد الاجتماع بينهما كما إذ ورد يجب إكرام العلماء ويحرم الفاسق ويكره إكرام
العالم الفاسق فلا محالة يكون المخصص مخصصا لهما فتقلب النسبة بين الدليلين إلى التباين من دون
معارضة وان اخرج مورد الافتراق من أحدهما فلا محالة تنقلب النسبة بينهما إلى العموم والخصوص
المطلق فيخصص العام منهما بالآخر وان اخرج مورد الافتراق منهما فتنقلب النسبة بينهما
إلى التعارض التبايني في مورد الاجتماع (ومنها) ما إذا ورد دليلان متعارضان بالتباين فقد
يرد دليل ثالث يوجب انقلاب النسبة بينهما إلى العموم والخصوص المطلق كما في إرث الزوجة
من العقار فإن الروايات اختلفت فيه بالتباين فبعضها حكم بالإرث مطلقا وبعضها بعدم الإرث
كذلك وبعضها دل على الإرث في خصوص ذات الولد فأوجب تخصيص الأدلة الدالة على
عدم الإرث بإطلاقها بغيرها فانقلبت النسبة بينها وبين الأدلة الدالة على الإرث مطلقا إلى
العموم المطلق وقد يرد هناك دليل أربع فيوجب انقلاب النسبة بينهما إلى العموم من وجه كما إذا
ورد أكرم البغداديين وورد في دليل آخر لا تكرم البغداديين ثم ورد دليل ثالث على وجوب
إكرام العالم البغدادي الموجب لتخصيص حرمة إكرام مطلق البغدادي ثم ورد أيضا دليل
رابع على حرمة إكرام الفاسق البغدادي الموجب لتخصيص وجوب إكرامهم فلا محالة
تنقلب النسبة بينهما إلى العموم من وجه ضرورة ان دليل الوجوب بعد تخصيصه بغير
الفاسق ودليل الحرمة بعد تخصيصه بغير العالم تكون النسبة بينهما العموم من وجه
فيتعارضان في البغدادي الجاهل العادل (ومما ذكرناه) يظهر الحال في بقية صور تعارض الأكثر
من دليلين وان الانقلاب إنما يكون باعتبار قيام دليل آخر موجب لانقلاب الظهور التصديقي
في المراد الذي هو الموضوع للحجية ولابد من ملاحظته في كل دليل مع قطع النظر عن المعارض
* (ثم إنه لا بأس) * بالتكلم في أدلة ضمان العارية وبيان النسبة بينها تفريعا على ما بيناه من
انقلاب النسبة في بعض الموارد وعدمه في بعضها الآخر (فنقول) ان أدلة العارية (منها) ما دل
على عدم الضمان فيها مطلقا (ومنها) ما دل على عدم الضمان مع عدم اشتراطه إلا في الدراهم
520

(ومنها) ما دل على عدم الضمان مع عدم الاشتراط إلا في الدنانير (ومنها) ما دل على عدم
الضمان إلا في الذهب والفضة على الاطلاق سواء كانا من قبيل الدنانير والدراهم أم لا فالمتحصل
من الروايات بعد عرض بعضها على الآخر هو الضمان في مطلق العارية مع الاشتراط وعدم
الضمان في غير الذهب والفضة بدونه والضمان في خصوص الدرهم والدينار واشترط أو لم يشترط
فإن الطائفة الثانية وإن كانت بعقدها السلبي تنفي الضمان عن غير الدرهم وذلك يشمل باطلاقه
للدينار أيضا إلا أنه لا مناص عن رفع اليد عن هذا الاطلاق بنصوصية العقد الايجابي من
الطائفة الثالثة كما أن الطائفة الثالثة بعقدها السلبي تنفي الضمان عن غير الدينار وذلك يشمل
باطلاقه للدرهم أيضا إلا أنه لابد من رفع اليد عنه بنصوصية الطائفة الثانية في ضمان الدرهم
فتكون الروايتان في حكم رواية واحدة في الحكم بضمان الدرهم والدينار اشترط أو لم يشترط
لكن مقتضاهما اختصاص الضمان بخصوص الدرهم والدينار فيكونان أخص من دليل اثبات الضمان
في مطلق الذهب والفضة فتكون النتيجة ورود خاصين على العام والنسبة بينهما هو العموم
والخصوص المطلق وقد بينا ان الحكم في ذلك هو التخصيص بكل منهما فتكون النتيجة الحكم
بالضمان في مطلق الذهب والفضة من دون خصوصية للدرهم والدينار (هكذا) أفيد (ولكن)
تنظرنا فيه في الدورة السابقة بما (حاصله) ان الروايتين المثبتتين للضمان في الدرهم والدينار اللتين هما
في حكم رواية واحدة حيث إن المخصص فيهما متصل بالعام فلا محالة يكون موجبا لتعنون العام
في مقام الظهور التصديقي بغير الدرهم والدينار فتنقلب النسبة مع رواية ضمان مطلق الذهب
والفضة إلى العموم من وجه فيتعارضان في الذهب والفضة الغير المسكوكين ولابد من ملاحظة
الترجيح بينهما بتقييد الذهب والفضة بالمسكوكين أو بتخصيص رواية عدم ضمان ما عدا
الدرهم والدينار بغير الذهب والفضة وحديث الرجوع إلى العام الفوق الذي دل على عدم الضمان
في مطلق العارية قد عرفت ما فيه من أنه يكون من أطراف المعارضة في أمثال المقام كما مر
توضيحه وإذا وصلت النوبة إلى الترجيح فلا بد من ترجيح رواية مطلق الذهب والفضة والاخذ
بإطلاقه وتخصيص الآخر وذلك فإن التقييد وإن كان مقدما على التخصيص في مقام المعارضة
في حد نفسهما إلا أنه لابد من تقديم التخصيص في المقام بملاحظة ان تقيد رواية الذهب والفضة
بخصوص الدرهم والدينار بعد رعاية ان عارية الدرهم والدينار في غاية الندرة يوجب حمل المطلق
على الفرد النادر وهو خارج عن قانون المحاورة فلابد من التخصيص في العقد السلبي من رواية
521

الدرهم والدينار لئلا يلزم المحذور (ولكن التحقيق) ان ما ذكرناه من انقلاب النسبة غير تام
أيضا فإنه إنما يكون فيما إذا كان أحد الخاصين متصلا والآخر منفصلا والامر في المقام ليس
كذلك بل كان من الخاصين متصل بالعام والنسبة بينهما عموم من وجه من أول الأمر فإن العقد
السلبي في رواية الدرهم والدينار ينفي الضمان في غيرهما ذهبا كان أو فضة أو غيرهما والعقد
الايجابي في رواية الذهب والفضة يوجب الضمان في مطلق الذهب والفضة ولو في غير الدينار
والدرهم والظهور التصديقي في كل منهما منعقد بنحو العموم من وجه وقد مر ان الخاصين إذا كان
بينهما العموم من وجه فمقتضى القاعدة تخصيص العموم بكل منهما إذا لم يلزم محذور كما في
المتباينين فلا حاجة حينئذ إلى ملاحظة المعارضة بين الخاصين وتقديم أحدهما على الآخر بالتقريب المتقدم
إلى هنا (انتهى) بحث حضرة شيخنا الأستاذ العلامة أدام الله ظله في هذه الدورة التي نسبتها
إلى ما تقدمها من دورات بحثه نسبة الشمس إلى غيرها من الكواكب المضيئة وكم عدل فيها عما كان بانيا
عليه سابقا وقد بقيت أبحاث طفيفة لم يعتد بها ولعل انظاره المقدسة فيها تظهر مما أفاد في ضمن
المباحث - السابقة - وقد تمت هذه الدورة في شهر رجب من شهور سنة ألف وثلثمائة واثنين
وخمسين بعد الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف التحية والسلام والحمد لله أولا وآخرا
* (تنبيه) * قد تقدم الاستدلال في صفحة (131) من الجزء الأول على شرطية القدرة
المطلقة بالقياس إلى وجود الماء بالرواية الصحيحة الدالة على وجوب ابقائه قبل الوقت ثم تتبعنا
في محل الحاجة فلم نظفر بها في كتب الروايات فراجعنا حضرة الأستاذ العلامة أدام الله ظله
فانكشف ان التمسك بها كان من سهو اللسان وانه ليس في الروايات ما يدل على ذلك وانما العصمة لأهلها
وقد تم (ولله الحمد) بحسن توفيقه تعالى هذا الجزء الثاني من التقريرات في الأدلة العقلية
التي جادت بها أنامل حضرة السيد العلامة الجليل والحبر المعتمد المغتبط النبيل المشتهر بالفضل
والتقى بين العلماء الأعلام والمشار إليه بالبنان في مركز العلم (النجف الأشرف) عند الفضلاء
الكرام أعني به سيدنا الاجل ملاذ الأنام وحجة الاسلام حضرة الحاج السيد أبو القاسم نجل
حجة الاسلام والمسلمين حضرة الحاج السيد علي أكبر الخوئي دامت بركاتهما وقد تلقاها من
مباحث مولانا المعظم قبلة المسلمين وآية الله تعالى في العالمين حضرة آية الله النائيني متع الله
522

الاسلام والمسلمين بدوام بركاته وأيام إفادته ولعمري انها " أجود التقريرات "
كما سميت به ويشهد لذلك التأمل في مضامين التقريظ الذي زين الكتاب به أستاذه الجليل
آية الله المعظم دام ظله في صدر الصفحة الأولى منه بخطه وخاتمه الشريف وما حواه من الدرر
الزاهرة والبيانات الباهرة والثناء الجميل للمؤلف والمؤلف والابتهاج بهما والدعاء لجنابه مع غاية
التزام المولى المعظم والأستاذ المكرم دام ظله بعدم المبالغة في عباراته وعدم الثناء لمن لا يستوجبه
وتمام مراعاته لاعطاء كل ذي حق حقه بمقدار أهليته من غير زيادة ولا نقصان فنحن نشكر
الله تعالى ونحمده على التوفيق لاكمال طبعه وبذل الجهد حسب المقدور في تصحيحه ومقابلته
ونسأله سبحانه من فضله الاجر الجزيل والثواب الجميل على هذه الخدمة الدينية والتوفيق لأمثال
ذلك من الوظائف الاسلامية انه ولي حميد وكان الفراغ من التصحيح والطبع في اليوم الآخر
من العشر الثاني من الشهر الأول من السنة الرابعة بعد العشرات الخامسة بعد المائة الثالثة
من الألف الثاني من الهجرة المباركة النبوية على مهاجرها وآله الطاهرين آلاف
سلام وتحية على يد الفقير إلى رحمة ربه الغني الراجي رحمته ووعده الوفي
حسن بن محمد الحسيني اللواساني النجفي أعطاه الله تعالى كتابه
بيمناه وأحسن خاتمته وعقباه بحق محمد وآله
الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين
20 محرم الحرام 1354 ه‍
523