الكتاب: نهاية الأفكار
المؤلف: تقرير بحث آقا ضياء ، للبروجردي
الجزء: ٤
الوفاة: ١٣٨٣
المجموعة: أصول الفقه عند الشيعة
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة - إيران
ردمك:
ملاحظات:

النهاية الأفكار الجز الرابع
في مباحث الألفاظ تقرير أبحاث العلامة المحقق آية الله العظمى
الشيخ آغا ضيأ الدين العراقي قدس سره تأليف الفقيه المحقق
و الأصولي المدقق الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي طاب ثراه
مؤسسة النشر الاسلامي (التابعة) لجماعة
القسم الأول
المدرسين بقم المشرفة (إيران)
1

هذا هو القسم الأول من الجز الرابع من كتاب نهاية الأفكار في مبحث
الاستصحاب والتعادل والتراجيح بسم الله الرحمن الرحيم الحمد
لله رب العالمين وصلى الله على رسوله وخير خلقه محمد وآله
الطيبين الطاهرين المعصومين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى
يوم
الدين.
(المقام الثاني من المقصد الثالث في الاستصحاب)
وتحقيق الكلام فيه يستدعي تقديم أمور
(الأمر الأول)
في تعريف الاستصحاب وشرح حقيقته (اعلم) ان الاستصحاب
استفعال من صحب، وهو في اللغة أخذ الشئ مصاحبا، ومنه
استصحاب
أجزأ ما لا يؤكل لحمه في الصلاة (وفي اصطلاح) الأصوليين أطلق
بالعناية على الأصل المعروف المقابل للأصول الثلاثة (وقد عرفوه)
بتعاريف أسدها وأخصرها ما أفاده العلامة الأنصاري (قده) من أنه
إبقاء ما كان (اما) أخصريته فظاهرة (واما) أسديته فلكونه حاويا
لجميع المسالك في الاستصحاب على اختلافها في وجه حجيته (فان
الابقاء) الذي هو مدلول الهيئة عبارة عن مطلق الحكم بالبقاء و
التصديق به أعم من حكم الشارع وتعبده بالبقاء، أو حكم العقل وتصديقه الظني به، أو حكم العقلا وبنائهم (والاستصحاب) المصطلح
المقابل للأصول الثلاثة عند القوم برمتهم على اختلاف إنظارهم في وجه حجيته، عبارة عن الحكم ببقاء ما كان من حيث إنه كان (حيث إنه
) على التعبد وأخذه من مضامين الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك، عبارة عن الحكم الانشائي من الشارع في مرحلة الظاهر و
تعبده ببقاء ما علم حدوثه سابقا وشك في بقائه لاحقا (وعلى أخذه) من العقل، عبارة عن إدراك العقل وتصديقه الظني ببقاء ما كان
2

للملازمة الغالبية في الأشياء بين ثبوتها في زمان وبقائها في زمان لا حق عليه، إذ لا نعنى من حكم العقل الا دركه الوجداني وتصديقه
قطعيا أو ظنيا (كما) انه بناء على أخذه من بناء العقلا عبارة عن التزامهم على الجري العملي على بقاء ما كان بملاحظة كينونته في
السابق ما لم يظهر لهم ارتفاعه (فعلى جميع) المسالك ينطبق التعريف المزبور على الأصل المذكور، ويرد النفي والاثبات من الطرفين
على معنى واحد (نعم) غاية - ما هناك اختلافهم في مصداقه، ولكنه غير ضائر بوحدة المفهوم بعد كون نظر المثبتين طرا على اختلاف
إنظارهم إلى إثبات الجامع الذي ينفيه المنكرين (نعم) على ذلك يكون الاستصحاب المأخوذ من الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك
عبارة عما هو لازم مدلولها، لا نفس مدلولها، وهذا المقدار سهل في أمثال المقام (واما) كون البقاء حقيقيا بناء على أخذه من العقل، و
تعبديا بناء على أخذه من الاخبار على مسلك إرجاع النقض في لا تنقض اليقين إلى المتيقن، لكونه على ذلك عبارة عن تصديق وجداني
جزمي بالبقاء التعبدي (فغير ضائر) بوحدة المفهوم، إذ لا يوجب مثله اختلافا في مفهوم الا بقاء، فإذا كان الظاهر من مدلول الهيئة في
قوله إبقاء ما كان هو الحكم بالبقاء فلا جرم يكون ذلك بمفهومه الوجداني حاويا لجميع المسالك ولا يكون في التعريف المزبور من
جهة لفظ الابقاء قصور عن إفادة حقيقة الاستصحاب (كما أن) التعبير بما كان أيضا مشعر بخروج الحكم بالبقاء لأجل تحقق علة وجوده
في الزمان اللاحق، أو لقيام الدليل على بقاء المستصحب في الزمان الثاني (كما أنه) لا قصور فيه أيضا في إفادة اعتبار الشك الذي هو
أحد ركنية وهو الشك بالمعنى الأعم الشامل لمطلق خلاف اليقين، بداهة ان حكم العقل ببقاء الشئ استنادا إلى وجوده سابقا، وكذا حكم
الشارع وتعبده في الظاهر أو بناء العقلا وجريهم عملا على وجوده تعبدا لا يكون إلا من جهة كونه مشكوك البقاء في الزمان اللاحق،
والا لما كان لحكم الشارع وتعبده ولا لحكم العقل به ظنا، ولا لبناء العقلا على الجري العملي على طبق الحالة السابقة مجال كما هو
ظاهر (نعم) في اعتبار الشك الفعلي في حقيقة الاستصحاب بناء على عدم أخذه من الاخبار، أو أخذه منها على مسلك
3

توجيه حرمة النقض إلى المتيقن لا إلى اليقين كلام سيأتي التعرض له إن شاء الله تعالى (وانما الكلام) في استفادة الركن الاخر وهو
اليقين بالوجود السابق في زمان إرادة الحكم بالبقاء من التعريف المزبور (حيث إنه) بناء على أخذه من العقل بجعله من الأحكام العقلية
غير المستقلة، أو أخذه من بناء العقلا، يمكن ان يقال بعدم دخل الاحراز السابق في حقيقة الاستصحاب، إذ الاستصحاب على ذلك عبارة
عن مجرد حكم العقل وتصديقه الظني بالبقاء، ومن الواضح انه لا يكون للاحراز السابق دخل في هذا الحكم، وإن كان يحتاج إليه في
مقام إحراز الحدوث ومرحلة تطبيق الحكم الاستصحابي على المورد (واما) بناء على أخذه من الاخبار، فعلى مسلك توجيه النقض، إلى
نفس اليقين فلا إشكال في دخل الاحراز السابق في حقيقة الاستصحاب لكونه من أركانه كالشك اللاحق، فلا بد من استفادته من
التعريف المذكور (واما) على مسلك توجيه النقض إلى المتيقن بجعل اليقين فيه مأخوذا على نحو المرآتية إلى الواقع في مقام إيصال
النهي إليه فلا يكون لليقين السابق دخل في حقيقته، فان مفاد النصوص على ذلك عبارة ممن مجرد تنزيل المشكوك منزلة المتيقن و
ترتيب آثار الواقع في مقام الجري العملي، ومن الواضح عدم احتياج ذلك إلى الاحراز السابق وإن كان مما يحتاج إليه في مقام إحراز
الحدوث وتطبيقه على المورد، ولكنه غير مرتبط بمقام دخله في حقيقة الاستصحاب (بل على) هذا المسلك يمكن التشكيك في اعتبار
الشك الفعلي فيه أيضا وجريانه مع الغفلة والشك التقديري كما سيجئ، غاية الأمر تكون الغفلة مانعة عن تنجزه كسائر الأحكام التكليفية
، بخلاف مسلك توجيه النقض إلى نفس اليقين كما هو المختار، فإنه عليه لا محيص في حقيقة الاستصحاب من اليقين والشك
الفعليين (وربما يترتب) على هذين المسلكين نتائج مهمة (منها) ذلك (ومنها) حكومة الاستصحاب على سائر الأصول العملية على
المسلك المختار وعدمها على المسلك الاخر كما سيأتي ومرت الإشارة إليه في الكتاب غير مرة (ومنها) ما، سيأتي إن شاء الله تعالى
من صحة التفصيل في حجية الاستصحاب بين الشك في المقتضى والشك
4

في الرافع على المسلك الاخر وعدم صحته على المختار (وكيف كان) فالمقصود بالبيان هو قصور التعريف المزبور عن إفادة اعتبار
اليقين والاحراز السابق في حقيقة الاستصحاب بناء على أخذه من الاخبار وإرجاع النقض في لا تنقض إلى اليقين بجعله مأخوذا على نحو
العنوانية لا المشيرية (إلا أن يقال): انه يستفاد ذلك من لفظ ما كان باعتبار ملازمة كونه كان مع اليقين الفعلي بوجوده سابقا حين
الحكم بالبقاء (بل يمكن) استفادته من لفظ الابقاء أيضا باعتبار كونه إثباتا للازم الشئ من حيث إن الجزم بثبوت اللازم ملازم للجزم
بثبوت الملزوم (ولئن) نوقش في الاستفادة المزبورة من دعوى عدم اقتضاء مجرد استلزام الابقاء، أو الكينونة السابقة لليقين السابق
لإفادة اعتباره في حقيقة الاستصحاب المأخوذ من الاخبار، فلك ان تعرفه بما هو مضمون الاخبار، وتقول: انه عبارة عن حرمة نقض
اليقين بثبوت شئ سابقا بالشك في بقائه لاحقا، فان الامر سهل في أمثال المقام (ثم انك عرفت) ان الاستصحاب بناء على أخذه من
العقل عبارة عن إدراك العقل وتصديقه الوجداني الظني ببقاء ما ثبت تعويلا على ثبوته سابقا للملازمة الغالبية في الموجودات بين
الحدوث والبقاء، ومرجعه إلى كون اعتباره من باب الظن الشخصي لا الظن النوعي، وإلا فلا دليل على حجيته الا السيرة وبناء العقلا و
هي فرض تحققها وتماميتها توجب خروج الاستصحاب من الأدلة العقلية لدخوله حينئذ فيما دلت عليه السيرة، نظير ظواهر الألفاظ و
غيرها من الامارات التعبدية فلا يناسب جعله حينئذ من الأدلة العقلية وعده من العقليات غير المستقلة كما هو ظاهر (وعليه نقول) انه
يكفي في وهن هذا المسلك استلزامه حصول الظن الفعلي بطرفي النقيض في بعض الموارد حسب اختلاف الحالة السابقة، كما في الماء
البالغ إلى حد خاص الجاري فيه استصحاب القلة تارة والكثرة أخرى، وهو كما ترى من المستحيل (لا يقال) الاشكال يتوجه إذا كان
الاستصحابان جاريين فيه في زمان واحد، واما إذا كانا في زمانين فلا محذور من جريانهما فيه، إذ لا يلزم منه اجتماع الظنين الفعليين
بطرفي النقيض (والمقام) من هذا القبيل، فان الماء الشخصي البالغ إلى نقطة كذا في ظرف يجري فيه استصحاب
5

القلة لا يجري فيه استصحاب الكثرة لعدم كونه مسبوقا بالكثرة في ذلك الظرف، وبالعكس في ظرف يجري فيه استصحاب الكثرة لا
يكون مسبوقا بالقلة حتى يجري فيه استصحابها، فمن أين ينتهي الامر إلى محذور لزوم حصول الظن الفعلي بطرفي النقيض في نحو
المثال المزبور كي يجعل ذلك من الموهنات لهذا المسلك (فإنه يقال) نعم ولكن منشأ الظن الفعلي بكل من الكرية والقلة في الماء البالغ
إلى حد خاص لما كان هي الملازمة بين الحدوث والبقاء، يكون الاشكال في اعتقاد هذه الملازمة في الماء المزبور، فان ملازمة بلوغ
الماء الكذائي للظن الفعلي بالكرية تارة وبالقلة أخرى ولو في زمانين من المستحيل، فلا محيص على هذا المسلك من المصير في أمثال
هذه الموارد، اما إلى عدم جريان أحد الاستصحابين، أو دعوى الغفلة عن أحدهما حين حصول الظن الاستصحابي بالآخر (بل من لوازم)
هذا المسلك أيضا عدم صحة إطلاق التعارض في الاستصحابات المتعارضة، ولا حكومة الاستصحاب السببي على الاستصحاب المسببي،
لاستحالة تحقق التعارض بين دليلين يكون حجيتها من حيث وصف الظن الفعلي، لان اجتماع الظنين الفعليين بالمتنافيين محال فلا
يمكن حصول الظن الفعلي بعدم اللازم في فرض حصوله بالملزوم وبالعكس (وهذا) بخلاف القول باعتباره من باب الاخبار، فإنه لا
محذور عقلا في التعبد بطرفي النقيض في زمانين، فأمكن إجراء كلا الاستصحابين في نحو المثال المتقدم (كما أنه) عليه يصح إطلاق
التعارض في الاستصحابات المتعارضة والمصير إلى الحكومة في الاستصحابات السببية (وكذا) يصح ذلك بناء على اعتباره من باب
الظن النوعي ودخوله في أدلة السيرة كظواهر الألفاظ وغيرها من الامارات المعتبرة من حيث إفادة نوعها الظن، فإنه عليه أيضا لا يرد
محذور في البين كما هو ظاهر
الأمر الثاني
هل المسألة من المسائل الأصولية، أو القواعد الفقهية، أو من المبادئ التصديقية، فيه وجوه (والتحقيق) كونها من المسائل الأصولية،
لوضوح ان الغرض من هذا العلم بعد إن كان تنقيح ما يصلح ان يقع وسطا لاثبات الاحكام الكلية الفرعية، أو ما تنتهي إليه الفقيه عند عدم
انكشاف الواقع لديه بعلم أو
6

علمي من الوظائف العملية المقررة عقلية أو شرعية، فلا جرم يكون المقياس في أصولية المسألة بكونها من القواعد التي لها دخل في
الغرض الداعي إلى تدوين هذا العلم (وحيث) ان مسائله يرجع إلى صنفين صنف منها لوحظ فيه الحكاية والكشف عن الواقع ولو ناقصا
وكان من شأنه الوقوع في طريق استنباط الاحكام الكلية والوظائف النفس الامرية كالامارات، وصنف آخر منها لم يلاحظ فيه هذه
الجهة، بل كان مما ينتهي إليه الفقيه في مقام العمل في ظرف الجهل بالواقع واستتاره كالقواعد العملية شرعية أو عقلية وكان لكل من
الصنفين دخل في الغرض الذي لأجله دون هذا العلم، كان الاستصحاب لا محاله على جميع المسالك معدودا من مسائل علم الأصول بل من
أهم مباحثه (وكذلك الامر) على ما أفاده العلامة الأنصاري قده من الميزان في أصولية المسألة بما يكون تطبيقه على موارده مخصوصا
بالمجتهد، حيث إنه من جهة احتياجه إلى الفحص عن الأدلة في تطبيقه على موارد الشبهات الحكمية يكون داخلا في مسائل العلم،
لاختصاص أمر تطبيقه بيد المجتهد (وإن كان) ما أفاده قده من الميزان لا يخلو عن إشكال، لاندراج كثير من القواعد الفرعية تحت
الميزان المزبور كقاعدة الطهارة في الشبهات الحكمية ونفوذ الصلح والشرط وعدم نفوذهما باعتبار كونهما مخالفين للكتاب و
السنة أو غير مخالفين لهما، حيث إن تطبيق عنوان مخالفة الكتاب والسنة وتشخيص موارد نفوذ الصلح والشرط عن موارد عدم
نفوذهما يكون مختصا بالمجتهد وليس للمقلد فيه نصيب (واما بناء) على جعل ميزان المسألة بما يكون وسطا لاثبات حكم المتعلق كما
يقتضيه التعريف المعروف بأنه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية الكلية الظاهرية من جهة لفظ الاستنباط في إرادة
وقوع القواعد طريقا ووسطا لاستنباط الأحكام الشرعية الكلية (فبناء) على أخذه من بناء العقلا من باب الامارية لا الأصلية لا إشكال
أيضا في كونه من المسائل الأصولية (وكذلك الامر) بناء على أخذه من العقل الظني المنتهى اعتباره إلى مقدمات الانسداد بمناط الكشف
(واما بناء) على التعبد من جهة أخذه من الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك، ففي كونه من المسائل الأصولية إشكال خصوصا على
مسلك
7

توجيه النقض فيها إلى المتيقن، فان مضامينها حينئذ لا تكون الا قاعدة فقهية ظاهرية منطبقة على مواردها كسائر القواعد الفقهية،
كقاعدتي الضرر والحرج، وقاعدة الطهارة ونحوها، واستفادة الاحكام الجزئية منها في مواردها انما يكون من باب التطبيق لا
الاستنباط، وهو غير مرتبط بوقوعها وسطا لاثبات الحكم الشرعي الكلي في مقام الاستنباط (ولكن الاشكال) كله في التعريف
المزبور لما فيه من اقتضائه خروج مسائل الأصول العملية طرا عن مباحث هذا العلم، وكذا مسألة حجية الظن بملاك الانسداد على حكومة
العقل، بل وخروج الامارات عنها أيضا بناء على تنزيل المؤدى وجعل حكم المماثل في مرحلة الظاهر (فان) نتيجة دليل اعتبارها حينئذ
حكم شرعي كلي ينحل إلى أحكام كلية أصولية وفرعية مطابقة لمؤديات الامارات، لا انها تكون وسطا لاثبات حكم كلي شرعي فرعي
واقعي في مقام استنباطه، مع أنه كما ترى، فان هذه المسائل من أهم مباحث هذا العلم، ولأجل ذلك قلنا في مبحث تعريف علم الأصول ان
الجري، هو ان يقال في تعريفه انه هي القواعد الخاصة التي تعمل في استخراج الاحكام الفرعية الواقعية، أو الوظائف العملية عند التحير
وعدم انكشاف الواقع بعلم أو علمي عقلية كانت أم شرعية وإن كان الامر سهلا.
الأمر الثالث
لا إشكال في مباينة الاستصحاب مع قاعدة اليقين. فان المعتبر في القاعدة ان يكون الشك فيها متعلقا دقة بعين ما تعلق به اليقين بنحو
يكون معروض الوصفين واحدا بالدقة العقلية وجودا وحدا ومرتبة، ولذلك لا بد فيها من اختلاف زمان الوصفين واحدا بالدقة العقلية
وجودا وحدا ومرتبة، ولذلك لا بد فيها من اختلاف زمان الوصفين مع اتحاد زمان المشكوك والمتيقن لاستحالة طروهما على محل
واحد في زمان كذلك (بخلاف الاستصحاب) فان فيه يختلف معروض الوصفين دقة في عالم عروضهما، حيث إن معروض اليقين فيه هو
أصل ثبوت الشئ في زمان، ومعروض الشك هو حيث بقائه في ثاني زمان حدوثه بحيث يكون المتحقق في هذه المرحلة قضيتان قضية
متيقنة أبدية وقضية مشكوكة أزلية بلا ارتباط بينهما من جهة الحدوث والبقاء الا من جهة الذات التي هي منشأ انتزاعهما في مرحلة
الاتصاف في الخارج (وبذلك) يكون الاستصحاب على عكس القاعدة، فإنه يعتبر فيه اختلاف
8

زمان معروض الوصفين لا زمان الوصفين نفسهما، لجواز اتحاد زمانهما فيه، كما لو علم يوم الجمعة بعدالة زيد يوم الخميس وشك في
يوم الجمعة أيضا في عدالته فيه، بل المعتبر في الاستصحاب هو اجتماع اليقين والشك حين الحكم بالبقاء سوأ كان مبدأ حدوث اليقين
قبل حدوث الشك، أو بعده، أم كان حدوثهما متقارنين زمانا كالمثال المتقدم (والا) فبدونه لا يصدق الشك في البقاء، بل الشك يكون
ساريا فيخرج عن موضوع الاستصحاب كما هو ظاهر.
ومن التأمل، فيما ذكرنا يظهر انه لا بد في الاستصحاب من اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة بحسب الموضوع والمحمول، والمراد
بالوحدة المزبورة انما هو وحدتهما وجودا خارجيا كي يصدق تعلق الشك بما تعلق به اليقين السابق ويصدق على القضية المشكوكة انها
بقاء للقضية المتيقنة، لا مجرد وحدتهما بحسب الذات والحقيقة ولو مع تعددهما في الخارج وجودا (بداهة) انه لا يكفي في الاستصحاب
مجرد الاتحاد في الحقيقة والماهية ولو مع تعدد الوجود خارجا، والا يلزم جريان الاستصحاب عند اليقين بوجود فرد والشك في فرد
آخر وهو كما ترى (ولذا) كان بناء المحققين على عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث من أقسام الشك في وجود الكلي كما
سيجئ تحقيقه انشاء تعالى (ولا ان المراد) هو وحدتهما وجودا وحدا ومرتبة، والا فلا يتصور فيه الشك في البقاء وينطبق على قاعدة
اليقين لا الاستصحاب (لا يقال) على هذا يشكل تطبيق الاستصحاب على الأحكام الشرعية، فان موضوعاتها لما كان عبارة عن
الموجودات الذهنية ولو بما هي مرآة إلى الخارج وكان ظرف محمولاتها ممحضا بكونه ذهنيا لا خارجيا، لان الخارج ظرف اتصافها
بها لا ظرف عروضها، فلا جرم في ظرف عروض محمولاتها لا يتصور لموضوع القضيتين وحدة خارجية لا فعلية ولا فرضية كي يصدق
تعلق الشك في القضية المشكوكة بما تعلق به اليقين (بل الوحدة) المتصورة بينهما في هذا الصقع لا تكون الا ذاتية، والا فموضوع كل
قضية لا يكون الا موجودا ذهنيا مغايرا لما هو الموضوع في القضية الأخرى (فإذا كان) المفروض عدم كفاية الوحدة الذاتية في جريان
الاستصحاب وكان الخارج
9

أجنبيا عن صقع عروض هذه المحمولات، فمن أين يتصور الشك في البقاء في القضايا الشرعية التكليفية حتى يجري فيها الاستصحاب
(فإنه يقال) ان ظرف عروض هذه المحمولات وإن كان ذهنيا وبالنسبة إلى هذا الظرف لا يتصور لموضوع القضيتين وحدة خارجية و
لو فرضية ولا يتوارد اليقين والشك على محل واحد من حيث الحدوث والبقاء، لان ما هو معلوم كان معلوما إلى الأبد وما هو مشكوك
كان مشكوكا من الأزل (الا انه) يكتفى بوحدة منشأ انتزاعهما في مرحلة الاتصاف في الخارج في صدق البقاء والنقض في موضوع
القضايا التكليفية، حيث يصدق على القضية المشكوكة في هذه المرحلة انها بقاء للقضية المتيقنة فيشملها دليل حرمة النقض لكونه مقصورا
إلى مرحلة اتصاف الموضوع بحكمه في الخارج، لا إلى مرحلة العروض كما هو ظاهر.
(ثم إن) في استصحاب الاحكام الكلية مطلقا وإن كان مدركها النقل إشكالا آخر، وحاصله ان الشك في بقاء الحكم الكلي لأجل اختلاف
الحالات وتبادلها راجع إلى الشك في بقاء موضوعه، لان موضوع الاحكام الكلية انما هو المفاهيم الكلية وباختلاف القيود وتبادل
الحالات يختلف المفهوم المأخوذ موضوعا للحكم بعين اختلافه في مرحلة كونه معروضا للحسن والقبح والمصلحة والمفسدة، فإذا شك
في بقاء الحكم الكلي، اما للشك في بقاء القيد المعلوم قيديته، أو لفقد ما يشك في قيديته أو لغير ذلك، يرجع هذا الشك لا محالة إلى الشك
في بقاء موضوعه فلا يجري فيه الاستصحاب (ومنشأ) هذا الاشكال هو تخيل رجوع جميع القيود التي تؤخذ في القضية بحسب اللب إلى
الموضوع وإن كان بحسب ظاهر القضية راجعا إلى الحكم (اما لقضاء الوجدان) بدخل القيود المأخوذة في القضايا الطلبية في مصلحة
موضوع الحكم وعدم تعلق الاشتياق والإرادة الفعلية الناشئة عن العلم بالمصلحة في الذات الا في ظرف تحقق جميع القيود (أو البرهان)
من لا بدية كون موضوع الاحكام بعينه هو معروض المصالح (فان) لازمه في جميع موارد دخل القيد في مصلحة التكليف هو رجوعه إلى
ما هو موضوع التكليف، والا فبدونه يلزم إطلاق مصلحة الموضوع لعدم الواسطة بين الاطلاق والتقييد واستحالة الاهمال النفس
الامري، ولازم الاطلاق المزبور هو تحقق المصلحة في الذات ولو مع عدم وجود القيد و هو مساوق
10

عدم دخله في مصلحة التكليف وهو خلف (ولكن فيه) ما لا يخفى من الفرق بين قيود الحكم وقيود الموضوع (فان) مرجع كون الشئ
قيدا للوجوب والحكم كما أوضحناه في مبحث المقدمة في شرح الواجبات المشروطة إلى دخله بنحو العلية لأصل الاحتياج إلى الشئ
الذي به يصير الشئ متصفا بكونه ذات مصلحة كالزوال والاستطاعة بالنسبة إلى الصلاة والحج في قبال قيود الواجب الراجعة إلى
دخلها في تحقق المحتاج إليه ووجود ما هو المتصف بالمصلحة فارغا عن الاتصاف بكونه صلاحا كالطهور والستر بالنسبة إلى الصلاة
(ومن الواضح) عدم صلاحية رجوع مثل هذه القيود في لب الإرادة إلى الذات المعروضة للمصلحة (لان) كون الشئ من الجهات التعليلية
للحكم ومن علل اتصاف الشئ بكونه ذات مصلحة وإن كان موجبا لضيق قهري في طرف الحكم والمصلحة ويمنع عن إطلاقهما،
لاستحالة ان يكون للشئ إطلاق يشمل حال عدم علمه ويستتبع ذلك أيضا نحو ضيق فرضي في طرف الذات التي هي معروض هذه
المصلحة، لامتناع أوسعية دائرة الموضوع عن حكمه، ولكن لا يكاد يقيد به الذات، لأنه من المستحيل تقيد الموضوع بحكمه أو بما هو من
علله (بل الموضوع) في نحو هذه القضايا عبارة عن الذات العارية عن حيثيتي الاطلاق والتقييد، كما هو الشأن في كل معروض بالنسبة
إلى عرضه في الاعراض الخارجية وغيرها (حيث) ان كل عرض بعروضه على الذات يوجب ضيقا في ذات معروضه بنحو لا يكون لها
إطلاق يشمل حال عدم عارضه ومع ذلك لا تكون مقيدة به أيضا وانما هي حصة من الذات التوأمة مع الحكم على نحو القضية الحينية لا
مطلقة ولا مقيدة به (وبعد ذلك) نقول إنه إذا كان مثل هذا الضيق الناشئ عن ضيق العارض في مرحلة عروضه غير مأخوذ في نفس
معروض الحكم والمصلحة، ففي موارد ظهور القضية في رجوع القيد المأخوذ فيها إلى كونه قيدا للوجوب لا للواجب لا مجال للاشكال
في استصحاب الحكم الكلي من الجهة المزبورة، فإنه على ما بيناه يكون الموضوع في أمثال هذه القضايا عبارة نفس الذات القابلة للبقاء
حتى مع اليقين بانتفاء قيد حكمه فضلا عن الشك في انتفائه، فإذا شك في قيدية ما علم انتفائه للحكم أو في بقاء ما علم قيديته
11

يجري فيه الاستصحاب، كما يجري فيه عند الشك في بقاء سائر أعراضه الخارجية لأجل الشك في بقاء عللها، فيقال: ان هذه الذات في
ظرف تحقق قيد كذا كانت متصفة بالمرادية وبعد الشك في بقاء القيد يشك في بقائها على الاتصاف المزبور، فيجري فيه الاستصحاب
ولو مع البناء على كون مدار الوحدة في القضيتين على الانظار الدقية فضلا عما هو التحقيق من كفاية الوحدة العرفية فإنه عليه ربما
يجري الاستصحاب ولو كان القيد بحسب الدقة من قيود الموضوع ومن مقوماته، لأنه ربما يرى العرف بحسب ما هو المرتكز في
أذهانهم من مناسبة الحكم والموضوع كون الموضوع للحكم هو نفس الذات وان القيد من الأمور غير المقومة له أو من الجهات التعليلية
لطرو الحكم على ذات الموضوع (نعم) لو قلنا إن عموم لا تنقض مسوق بلحاظ ما يستفاد من لسان الدليل ويفهم منه العرف في تشخيص
موضوعات الاحكام وتحديد مفاهيم الألفاظ ومداليلها، لا بلحاظ ما يفهمه بلحاظ ما ارتكز في ذهنه في نظائره من الاحكام العرفية و
مناسبات الحكم والموضوع، كان اللازم التفصيل في جريان الاستصحاب بين الاحكام حسب اختلاف أدلتها من حيث اللسان، فيفرق
بين ان يكون القيد المشكوك دخله ولو بقاء مأخوذا في ظاهر القضية على نحو التوصيف كقوله:
الماء المتغير نجس، أو مأخوذا على نحو التعليل للحكم كقوله: الماء إذا تغير نجس بإجراء الاستصحاب في الثاني دون الأول.
(لا يقال) ان موضوع الحكم بما هو موضوع وإن كان غير مقيد بقيود الحكم ولكنه لا إطلاق له أيضا يشمل حال عدم القيد، لان ملازمة
الحكم لموضوعه وعدم تخلفه عنه موجبة لضيق قهري في ذات الموضوع بنحو لا يكاد ينطبق الا على حصته من الذات الملازمة مع القيد لا
مقيدة به (ومعه) يتوجه الاشكال المزبور، إذ يقال: إن
موضوع الحكم بوصف كونه موضوعا غير معلوم البقاء في الان الثاني مع الشك في بقاء ما علم قيديته للحكم أو العلم بانتفاء ما شك
في قيديته له ولا (يندفع) ذلك الا بالبناء على كفاية الانظار العرفية في وحدة القضيتين وتعددهما، والا فبناء على اعتبار الانظار
العقلية لا محيص من الاشكال حيث يكفي فيه مجرد عدم إطلاق
12

الموضوع بما هو موضوع الشامل لحال عدم القيد (فإنه يقال): ان الغرض من لزوم اتحاد الموضوع بنحو الدقة في باب الاستصحاب
ليس الا ذات الموضوع المحفوظ في الحالتين لا بوصف معروضيته، فلا بد من تجريد متعلق اليقين والشك عن هذه الجهة كي يصدق تعلق
الشك بعين ما تعلق به اليقين، والا فمع عدم التجريد من هذه الجهة لا يتصور اجتماع اليقين والشك في زمان واحد، ويلزمه انطباقه على
قاعدة اليقين لا الاستصحاب، ولازمه المنع عن استصحاب الاعراض الخارجية أيضا كسواد الجسم وبياضه وهو كما ترى، فلا محيص
حينئذ من تجريد متعلق الشك واليقين من الحيثية المزبورة بجعله عبارة عن ذات الموضوع المحفوظة في حالتي اليقين بعروض
العارض وشكه حتى يصدق تعلق الشك بما تعلق به اليقين، وعليه كما يجري الاستصحاب في الاعراض الخارجية، كذلك يجري في
الاحكام الكلية، إذ لا فرق بينهما من هذه الجهة (نعم) غاية ما هناك من الفرق بينهما هو ان القيود بوجوداتها الخارجية في الاعراض علل
عروضها على محالها وفي الاحكام علل اتصاف الموضوعات بأحكامها، لا علل عروضها عليها، إذ في ظرف عروضها لا تحتاج إلى
وجود قيودها خارجا وانما المحتاج إليه في هذه المرحلة هو وجودها لحاظا وتصورا كما أوضحناه في مبحث المقدمة في شرح
الواجبات المشروطة.
(ثم إن العجب) من المحقق الخراساني قدس سره انه كيف يصدق هذا الاشكال في المقام في استصحاب الاحكام الكلية ويلتجئ في
الجواب عنها إلى دعوى كفاية الانظار العرفية في اتحاد القضيتين في الاستصحاب، مع أنه على ما أفاده في مبحث المقدمة من تصوير
الواجب المشروط في فسحة من هذا الاشكال وحيث إن له تصوير جريان الاستصحاب فيها بنحو ما ذكرناه ولو مع البناء على لزوم
اتحادهما بالنظر الدقي العقلي (نعم) يتجه هذا الاشكال على مسلك مثل الشيخ قدس سره فيما سلكه من عدم تصوير الواجبات
المشروطة وإرجاعها طرا بحسب اللب إلى المعلقة
الأمر الرابع
لا شبهة في أنه على المختار من تعلق النقض باليقين يعتبر في الاستصحاب فعلية اليقين والشك لأنهما مما به قوام حقيقته فلا استصحاب
مع الغفلة
13

لعدم حصولها معها (واما) بناء على مسلك توجيه حرمة النقض إلى الواقع بجعل اليقين المأخوذ في دليله طريقا لمجرد إيصال النهي إلى
الواقع من دون دخل لليقين فيه أصلا، فقد عرفت انه لا مجال لدعوى ركنية اليقين والشك الفعليين في الاستصحاب والتعبد ببقاء الواقع
(نعم) غاية، هناك دخلهما في مقام إحراز الحدوث ومرحلة تطبيقه على المورد، ونتيجة ذلك هي جريان الاستصحاب والتعبد بالبقاء
مع الغفلة والشك التقديري أيضا، غاية الأمر تكون الغفلة مانعة عن تنجزه كسائر الأحكام الفعلية الواقعية، لا عن أصل فعليته.
(وقد رتب) على ذلك ثمرة مهمة في من كان متيقنا بالحدث ثم غفل وصلى فشك بعد الفراغ من الصلاة في تطهره قبل الصلاة (فقيل)
في الفرض المزبور بصحة الصلاة وعدم وجوب إعادتها بناء على اعتبار فعلية الشك واليقين في الاستصحاب، لقاعدة الفراغ الحاكمة
على استصحاب بقاء الحدث الجاري بعد الصلاة عند الالتفات إلى حاله المقتضى لترتب أثر البطلان على المأتي به من حيث وجوب
الإعادة والقضاء، لان المقدار الذي ينفع الاستصحاب المزبور انما هو بالنسبة إلى الصلوات الآتية، واما بالنسبة إلى الصلاة المأتي بها
في حال الغفلة، فالقاعدة تكون حاكمة عليه (واما بناء) على كفاية الشك التقديري، فلا بد من الحكم بالبطلان ووجوب الإعادة والقضاء
عند الالتفات إلى حاله، لجريان استصحاب الحدث قبل الصلاة في حال الغفلة واقتضائه محكومية الصلاة بالفساد.
(أقول): ولا يخفى عليك ما في الابتناء والتفريع المزبور فان كل طريق أو أصل معتبر عقليا كان أو شرعيا عند قيامه عند قيامه على
شئ انما يجب اتباعه ويترتب عليه الأثر من المنجزية أو المعذرية في ظرف وجوده وبقائه على حجيته لا مطلقا حتى في ظرف انعدامه
أو خروجه عن الحجية (والا) فلا يكفي مجرد وجوده وحجيته في زمان في ترتب الأثر عليه للتالي حتى في أزمنة انعدامه أو خروجه عن
الحجية (وبعد ذلك نقول) انه بناء على كفاية الشك التقديري وإن كان يجري استصحاب الحدث في ظرف الغفلة قبل الصلاة، ولكنه لا
يترتب عليه الا بطلان الصلاة سابقا، واما وجوب
14

الإعادة أو القضاء في ظرف بعد الفراغ فلا يترتب على الاستصحاب المزبور، لأنه من آثار الاستصحاب الجاري في ظرف بعد الفراغ لا
من آثار استصحاب الحدث الجاري في ظرف الغفلة قبل الصلاة، وانما أثر ذلك هو عدم جواز الدخول في الصلاة وجواز قطعها في
فرض دخوله فيها غفلة، فإذا كان الاستصحاب الجاري في ظرف بعد الفراغ محكوما بالقاعدة فمن حين الفراغ لا بد من الحكم بالصحة
للقاعدة لا البطلان لعدم جريان الاستصحاب من ذلك الحين ولا أثر للحكم بالبطلان سابقا بعد كون العمل محكوما بالصحة من الحين
بمقتضى القاعدة (نعم) لو كانت القاعدة في جريانها منوطة بعدم كون المصلى محكوما بالمحدثية سابقا، كان لاخذ الثمرة مجال، ولكن
الامر ليس كذلك قطعا، لعدم كون هذا القيد شرطا في القاعدة (وانما) الشرط فيها مجرد كون الشك في الصحة حادثا بعد الفراغ من
العمل، ومن هنا لا تجري فيما لو حدث الالتفات والشك قبل الفراغ ولو لم يجر استصحاب الحدث ولا كان المكلف محكوما بالمحدثية
حين الشروع في الصلاة، كما في موارد توارد الحالتين التي لا يجري فيها الاستصحاب، اما لعدم جريانه في نفسه مع العلم الاجمالي، أو
من جهة سقوطه بالمعارضة.
(وبذلك) ظهر اندفاع توهم اقتضاء البيان المزبور للحكم بصحة الصلاة وعدم وجوب إعادتها حتى في فرض اليقين بالحدث والشك
الفعلي في الطهارة قبل الصلاة، لفرض عدم اقتضاء محكومية الصلاة بالفساد حال الاتيان بها بالاستصحاب الجاري قبل الصلاة
لبطلانها بعد الفراغ، وحكومة القاعدة على استصحاب الحدث الجاري في ظرف الفراغ وهذا مما لا يلتزم به أحد من الأصحاب (توضيح
الاندفاع) هو ان بنائهم على بطلان الصلاة ووجوب إعادتها في مفروض النقض انما هو لأجل عدم كون المورد مجرى لقاعدة الفراغ،
لاختصاصها بالشك الحادث بعد الفراغ وعدم شمولها لما إذا حدث الالتفات والشك قبله، إذ حينئذ يجري استصحاب الحدث في ظرف
بعد الفراغ لسلامته عما يقتضي صحة العمل ومقتضاه هو الحكم بالبطلان ووجوب الإعادة لا ان ذلك من جهة مجرد استصحاب الحدث
الجاري
15

قبل الشروع في الصلاة واشتراط القاعدة في جريانها بعدم كون الصلاة حال الاتيان بها محكومة بالبطلان (كيف ولازمه) هو الحكم
بالصحة للقاعدة في فرض طرو الغفلة حين الشروع في الصلاة، كما لو تيقن بالحدث وشك في الطهارة قبل الصلاة ثم غفل فصلى
فتجدد له الشك في الطهارة بعد الفراغ مع القطع بعدم تطهره من الحدث الاستصحابي قبل الصلاة (لوضوح) انه لا يكون له حكم ظاهري
بتحصيل الطهارة حين الشروع في الصلاة، فان الاستصحاب وظيفة عملية للشاك بما هو شاك فيكون متقوما بالشك حدوثا وبقاء،
فمن حين طرو الغفلة يرتفع الحدث الاستصحابي بارتفاع شكه فلا استصحاب حين الشروع في الصلاة يقتضى محكومية المصلى
بالمحدثية حتى يمنع عن جريان قاعدة الشك بعد الفراغ، مع أن ذلك كما ترى.
(وتوهم) ان المانع عن صحة الصلاة وعن جريان القاعد حينئذ هو الحدث الاستصحابي السابق على طرو الغفلة (فمدفوع) بان الصالح
للمنع عن الصحة انما هو الحدث الباقي إلى حين الشروع في الصلاة لا الحدث مطلقا، فمانعية الحدث الاستصحابي عن صحة الصلاة انما
تكون في فرض بقائه على الالتفات إلى حين الشروع فيها، والا فمع زواله بطرو الغفلة قبل الشروع في الصلاة لا يصلح الحدث
الاستصحابي السابق للمانعية عن صحة الصلاة وعن جريان قاعدة الفراغ حين الشك المتجدد بعد الفراغ، فينحصر المنع عن صحة
الصلاة وعن جريان قاعدة الشك بعد الفراغ في الفرض المزبور بما ذكرنا من اختصاص القاعدة في جريانها بصورة الشك الحادث
بعد الفراغ من العمل بحيث لا يكون مسبوقا بالالتفات والشك قبل العمل وان غفل حين الشروع فيه (وعليه) نقول: في المقام انه لا
مجال لمثل هذا التفريع وأخذ الثمرة المزبورة بين القولين، فإنه بعد إن كان الشك في الحدث ممحضا بكونه بعد الفراغ من الصلاة فمن
حين الفراغ تجري فيها قاعدة الشك بعد الفراغ المقتضية لصحتها والحاكمة على أصالة فسادها بعد الصلاة، قلنا باعتبار الشك الفعلي
في جريان الاستصحاب، أو بكفاية الشك التقديري (ولعمري) ان ذلك واضح لا سترة عليه، وانما أطلنا الكلام في ذلك لما يظهر من
العلامة الأنصاري قده من تسليم الثمرة
16

المزبورة وتعليل بطلان الصلاة وعدم جريان قاعدة الشك بعد الفراغ بسبق الامر بالطهارة والنهي عن الدخول في الصلاة بدونها
(نعم) يمكن ان يفرض وجود الثمرة بين القولين في عكس المسألة فيما لو علم بالطهارة فشك فيها قبل الصلاة ثم غفل وصلى وبعد
الفراغ من الصلاة حصل له شك مقرون بعلم إجمالي بتوارد الحالتين عليه قبل الصلاة، حيث إنه بناء على كفاية الشك التقديري في
الاستصحاب يحكم عليها بالصحة وعدم وجوب الإعادة (واما بناء) على اعتبار الشك الفعلي، فلا طريق إلى إحراز صحة صلاته و
فسادها، لأنه حين حصول الشك المقرون بالعلم الاجمالي بتوارد الحالتين لا مجال لجريان الاستصحاب اما لعدم جريانه في نفسه مع
العلم الاجمالي المزبور، واما لسقوطه بالمعارضة (واما قاعدة الشك) بعد الفراغ فهي أيضا غير جارية لاختصاص جريانها بصورة
الشك الحادث بعد الفراغ من العمل فيه فتأمل.
(الأمر الخامس)
ينقسم الاستصحاب باعتبار اختلاف المستصحب والدليل الدال عليه وباعتبار الشك المأخوذ فيه إلى أقسام (اما أقسامه) بالاعتبار
الأول، فلان المستصحب تارة يكون وجوديا، وأخرى عدميا (وعلى التقديرين) تارة يكون حكما شرعيا، وأخرى موضوعا ذا حكم
شرعي (وعلى الأول) تارة يكون حكما كليا، وأخرى حكما جزئيا (وعلى التقديرين) فتارة يكون من الأحكام التكليفية، وأخرى من
الأحكام الوضعية (واما أقسامه) بالاعتبار الثاني فلان الدليل الدال على ثبوت المستصحب، تارة يكون عقليا وأخرى شرعيا (وعلى
الثاني) فتارة يكون لفظيا كالكتاب والسنة، وأخرى لبيا كالاجماع (واما أقسامه) بالاعتبار الثالث (فلان) الشك في بقاء المستصحب
تارة يكون من جهة الشك في المقتضى وقابلية المستصحب في نفسه للبقاء، وأخرى يكون من جهة الشك في الرافع مع القطع باستعداد
المستصحب للبقاء (وعلى الثاني) تارة يكون الشك في وجود الرافع، وأخرى في رافعية الموجود (اما من
17

جهة) عدم تعين المستصحب لتردده بين ما يكون الموجود رافعا له وما لا يكون كذلك، كفعل الظهر المشكوك كونه رافعا للاشتغال
بالصلاة المكلف بها قبل العصر يوم الجمعة لتردده بين كونها هي الظهر أو الجمعة، وكالوضوء المشكوك كونه رافعا للحدث المردد
بين الأصغر والأكبر (واما) للجهل بصفة كون الموجود رافعا كالمذي، أو الجهل بكونه مصداقا للرافع كالرطوبة المرددة بين البول و
الوذي (فهذه) أقسام متصورة للاستصحاب بالاعتبارات الثلاثة المتقدمة (والظاهر) هو وقوع الخلاف بين الاعلام في كل واحد من هذه
الأقسام (حيث) انهم بين قائل بحجيته مطلقا، وقائل بعدم حجيته كذلك (وثالث) بالتفصيل بين الوجودي والعدمي باعتباره في الأول
دون الثاني (ورابع) عكس ذلك (وخامس) بالتفصيل بين الأحكام التكليفية والوضعية بين الاحكام الجزئية والكلية (وثامن) بين
الشك في المقتضى والشك في الرافع (وتاسع) مفصل بين كون الدليل المستصحب عقليا أو شرعيا (وعاشر) بين ثبوت المستصحب
بدليل لفظي كالكتاب والسنة، وثبوته بدليل لبي كالاجماع إلى غير ذلك من التفاصيل التي استقصاها الشيخ قدس سره في فرائده (و
لكن الأقوى) هو حجية الاستصحاب في جميع هذه الأقسام باعتبار المستصحب والدليل الدال عليه والشك المأخوذ فيه، وسيتضح
تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى عند التعرض لذكر أدلة الاستصحاب.
(وقبل الخوض) فيها لا بأس بالتعرض لما أفاده الشيخ قدس سره من التفصيل في جريان الاستصحاب بين ان يكون دليل المستصحب
عقليا أو شرعيا بجريانه في الثاني دون الأول (حيث قال) الثاني من حيث إنه أي المستصحب قد يثبت بالدليل الشرعي وقد يثبت
بالدليل العقلي، ولم أجد من فصل بينهما الا ان في تحقق الاستصحاب مع ثبوت الحكم بالدليل العقلي وهو حكم العقل المتوصل به إلى
حكم شرعي تأملا، نظرا إلى أن الأحكام العقلية كلها مبينة ومفصلة من حيث مناط الحكم الشرعي، والشك في بقاء الحكم المستصحب و
عدمه لا بد وان يرجع إلى الشك
18

في موضوع حكم العقل لان الجهات المقتضية للحكم العقلي بالحسن والقبح كلها راجعة إلى قيود فعل المكلف الذي هو الموضوع، فالشك
في حكم العقل حتى لأجل وجود الرافع لا يكون الا للشك في موضوعه، والموضوع لا بد ان يكون محرزا معلوم البقاء في الاستصحاب
كما سيجئ (ولا فرق) فيما ذكرنا بين ان يكون الشك من جهة الشك في وجود الرافع وبين ان يكون لأجل الشك في استعداد الحكم،
لان ارتفاع الحكم العقلي لا يكون الا بارتفاع موضوعه، فيرجع الامر بالآخرة إلى تبدل العنوان، الا ترى إذا حكم العقل بقبح الصدق
الضار فحكمه يرجع إلى أن الضار من حيث إنه ضار حرام، ومعلوم ان هذه القضية غير قابلة للاستصحاب عند الشك في الضرر مع العلم
بتحققه سابقا، لان قولنا المضر قبيح حكم دائمي لا يحتمل ارتفاعه أبدا ولا ينفع في إثبات القبح عند الشك في بقاء الضرر، ولا يجوز ان
يقال إن هذا الصدق كان قبيحا سابقا فيستصحب قبحه، لان الموضوع في حكم العقل بالقبح ليس هذا الصدق، بل عنوان المضر، والحكم
له مقطوع البقاء (وهذا) بخلاف الأحكام الشرعية فإنه قد يحكم الشارع على الصدق بكونه حراما ولا يعلم أن المناط الحقيقي فيه باق في
زمان الشك أو مرتفع فيستصحب الحكم الشرعي، انتهى كلامه قدس سره (أقول): ولا يخفى ما فيه، فان الاشكال المزبور إن كان راجعا
إلى شبهة عدم إحراز بقاء الموضوع في استصحاب الاحكام المستكشفة من الأحكام العقلية، بدعوى ان القيود في الأحكام العقلية
بأجمعها راجعة إلى نفس الموضوع الذي هو فعل المكلف، فالشك في بقاء الحكم المستكشف من الحكم العقلي حتى لأجل الشك في وجود
الرافع يرجع إلى الشك في بقاء موضوعه، كما لعله هو الظاهر بل الصريح من بعض كلامه (ففيه) (أولا) منع الكلية المزبورة، لامكان دخل
بعض القيود في الأحكام العقلية بكونه من الجهات التعليلية لطرو الحسن أو القبح على نفس الذات، كما لعله من هذا القبيل عنوان
المضرية للصدق والنافعية للكذب في الحكم عليهما بالقبح والحسن (فان الظاهر)
19

من مثل هذه العناوين كونها من الجهات التعليلية لطرو الحسن والقبح على نفس الذات، لا من الجهات التقييدية المأخوذة في الموضوع،
نظير عنوان المؤثرية في الاضرار والانتفاع الذي هو من الجهات التعليلية لطرو الحسن والقبح على ما هو المؤثر وهو الذات، وعنوان
المقدمية التي هي جهة تعليلية لطرو الوجوب على ما هو مصداق المقدمة من دون ان يكون لعنوان المقدمية دخل في موضوع الحكم (و
عليه) فلا قصور في استصحاب الحكم الشرعي المستكشف من الحكم العقلي لان موضوع الحكم حينئذ عبارة عن نفس الذات ومثله مما
يقطع ببقائه في الزمان الثاني حتى مع القطع بانتفاء قيد حكمه فضلا عن صورة الشك فيه.
(وثانيا) على فرض تسلم الكلية المزبورة في القيود المأخوذة في الأحكام العقلية (نقول) انه يتوجه الاشكال المزبور بناء على اعتبار
وحدة الموضوع في القضية المشكوكة والمتيقنة بالانظار العقلية الدقية (ولكن) يلزمه المنع عن جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي
المستكشف من الدليل الشرعي أيضا، لقيام احتمال تغاير الموضوع في كل مورد يكون الشك في بقاء الحكم الشرعي من جهة الشك في
انتفاء ما له الدخل في موضوع الحكم قطعا أو احتمالا سوأ في الشبهة الحكمية أو الموضوعية، فإذا حكم الشارع على الصدق الضار
بكونه حراما واحتمل مدخلية الوصف المزبور في موضع الحكم فعند الشك في بقائه على مضريته لا يجري فيه الاستصحاب لعدم إحراز
بقاء الموضوع في الزمان الثاني (بل يلزمه) سد باب الاستصحاب في الاحكام رأسا إلا في الموارد النادرة لأنه ما من مورد يشك في
بقاء الحكم الشرعي لأجل الشك في انتفاء بعض الخصوصيات حتى الشك في وجود الرافع أو رافعية الموجود الا ويحتمل مدخلية
الخصوصية المشكوكة وجودا أو عدما في موضوع الحكم الشرعي ومناطه ولو بحسب لب الإرادة، ومع قيام احتمال تغاير الموضوع لا
يجري فيه الاستصحاب (واما) على ما هو التحقيق من كفاية الوحدة بالانظار العرفية حسب ما هو المرتكز في أذهانهم في نظائره من
أحكامهم العرفية بمناسبات الحكم والموضوع كما هو مختاره قده أيضا فلا قصور في جريان الاستصحاب، فإنه
20

كما يجري الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف من الدليل الشرعي حتى فيما كان الموضوع مأخوذا في لسان الدليل على نحو
التقييد كالماء المتغير والصدق الضار والكذب النافع ونحو ذلك لعدهم الخصوصيات المأخوذة فيه في لسان الدليل من الحالات غير
المقومة للموضوع (كذلك) يجري في الحكم المستكشف من الدليل العقلي (واما الجزم) بانتفاء الحكم العقلي حينئذ لعدم دركه فعلا مع
الشك في مناط حكمه، فغير ضائر بجريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف منه، لما سيجئ من أن استتباع الحكم الشرعي
للحكم العقلي انما هو في مقام الكشف والاثبات لا الثبوت، وانما هو في هذا المقام تابع تحقق مناطه واقعا فيمكن بقاء الحكم الشرعي
ثبوتا ببقاء مناطه وان انتفى كاشفه الذي هو الحكم العقلي (فعلى كل تقدير) لا مجال للتفرقة في جريان الاستصحاب بين كون دليل
الحكم شرعيا وكونه عقليا (نعم) بناء على أن عموم لا تنقض مسوق بلحاظ ما يستفاد من لسان الدليل حسب فهم العرف في تشخيص
موضوعات الاحكام وتحديد مفاهيم الألفاظ ومداليلها، لا بلحاظ ما ارتكز في أذهانهم العرفية بما تخيلوه من الجهات والمناسبات، لا
بأس بالتفرقة في جريان الاستصحاب بين الاحكام بلحاظ اختلاف أدلتها، فيفصل بين الثابت بالدليل اللفظي الظاهر في كون القيد من
قيود الحكم كقوله: الماء إذا تغير ينجس والصدق إذا كان ضارا حرام، وبين الثابت بالدليل العقلي المثبت للحكم لعنوان خاص كالصدق
الضار والكذب النافع بجريان الاستصحاب في الأول عند الشك في انتفاء قيده المعلوم قيديته أو الشك في قيدية ما يعلم انتفائه، لعدم
تطرق الشك في أمثال ذلك إلى موضوع المستصحب، وعدم جريانه في الثاني لعدم انفكاك الشك في بقاء الحكم المستكشف منه عن
الشك في بقاء موضوعه (ولكن) لازم ذلك هو تعميم الاشكال المزبور من هذه الجهة في الاحكام المستكشفة من الاجماع والسيرة أيضا،
بداهة انه لا خصوصية لهذه الشبهة بالأحكام المستكشفة من الأدلة العقلية، بل هي تجري في كل حكم شرعي يكون طريق كشفه غير
الأدلة اللفظية من اللبيات عقلا كان أو إجماعا أو سيرة، فإذا ثبت حكم شرعي لموضوع خاص في حال من الأحوال بإجماع أو سيرة
قطعية، فعند الشك في
21

ما يقطع بدخله في المناط أو القطع بزوال ما يحتمل دخله فيه تجري فيه الشبهة المزبورة في الدليل العقلي، لعدم انفكاك الشك في بقاء
الحكم حينئذ عن الشك في بقاء موضوعه، فلا وجه حينئذ للتفصيل بين الدليل الشرعي والعقلي وتخصيص الاشكال بخصوص الحكم
المستكشف من الدليل العقلي (هذا كله) إذا كان مبنى المنع عن استصحاب الاحكام المستكشفة من الأدلة العقلية شبهة عدم إحراز بقاء
الموضوع (واما إذا كان) مبنى المنع المزبور شبهة عدم تطرق الشك فيها من جهة الشبهة الحكمية أو الموضوعية كما يقتضيه ظاهر
بعض كلامه الاخر، من أن الأحكام العقلية كلها من حيث المناط و الموضوع تكون مبنية ومفصلة، لأنه لا يحكم بشي بالحسن أو القبح الا
بعد درك موضوعه وتشخيصه بخصوصياته وتميز ما له الدخل في مناط حكمه مما لا دخل له فيه، فلا يتطرق إليه الاهمال والاجمال، و
إذا كان مناط الحكم الشرعي وموضوعه هو المناط والموضوع في الحكم العقلي، فلا يتصور فيه الشك أيضا حتى يجري فيه
الاستصحاب (ففيه) أولا منع لزوم كون حكم العقل بالحسن والقبح عن مناط محرز تفصيلي عنده، بل كما يكون ذلك، كذلك قد يكون
عن مناط محرز إجمالي أيضا (بداهة) انه قد لا يدرك العقل دخل بعض الخصوصيات في مناط حكمه وموضوعه تفصيلا لعجزه عن تمييز
ما له الدخل فيه واقعا مما لا دخل له فيه، وانما يحكم بشي واجد لبعض الخصوصيات بالحسن أو القبح كحكمه بقبح الكذب الضار و
حسن الصدق النافع لمكان ان المشتمل على تلك الخصوصيات هو المتيقن في قيام مناط القبح والحسن به مع احتمال ان لا يكون لبعض
الخصوصيات دخل في مناط الحسن والقبح (ومن الواضح) حينئذ إمكان تحقق الشك في بقاء المناط ولو مع العلم بانتفاء بعض ما له
الدخل في العلم بوجوده إجمالا فضلا عن الشك في انتفائه (وفي مثله) وان ارتفع الحكم العقلي فيه بالحسن أو القبح ويجزم بانتفائه
فعلا، لأنه فرع دركه المنوط بوجود جميع ما له الدخل في العلم بوجوده إجمالا (ولكن) ليس المقصود من الاستصحاب هو استصحاب
الحكم العقلي كي ينافيه الجزم المزبور، بل المقصود منه استصحاب الحكم الشرعي المستكشف منه بقاعدة الملازمة، والجزم بانتفاء
الحكم العقلي لا يضر
22

بجريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف منه (لان بقاء) الحكم الشرعي ثبوتا تابع بقاء مناط القبح واقعا، لا تابع بقاء نفس
الحكم العقلي، والملازمة المزبورة بينهما انما تكون في مقام الكشف والاثبات لا في مقام الثبوت أيضا بحيث يدور الحكم الشرعي
حدوثا وبقاء مدار الحكم للعقلي بالحسن والقبح (وحينئذ) فإذا كان كان الشك في بقاء المناط العقلي مستتبعا للشك في بقاء الحكم
الشرعي واقعا فلا محالة يجري فيه الاستصحاب (وثانيا) على فرض لزوم كون الأحكام العقلية عن مناط محرز تفصيلي بخصوصياته
(نقول): ان غاية، ما يقتضيه ذلك هو المنع عن تطرق الشك في المناط العقلي من جهة الشك في قيدية شئ فيه (واما الشك فيه) من جهة
الشك في بقاء ما هو معلوم القيدية كالشك في بقاء الكذب على نافعيته والصدق على مضريته، فهو أمر ممكن، بل كثيرا ما يقع مثل هذا
الشك في المناطات العقلية، وفي مثله وان يرتفع الحكم العقلي بالحكم العقلي بالحسن أو القبح فعلا، ولكنه بالنسبة إلى الحكم الشرعي
المستكشف منه لا محذور من استصحابه بعد استتباع الشك في بقاء المناط العقلي للشك في بقاء الحكم الشرعي (مع إمكان) دعوى
تطرق الشك في الحكم الشرعي في الأول أيضا، نظرا إلى احتمال أوسعية مناط الحكم الشرعي من مناط الحكم العقلي بقيامه بالأعم من
الواجد لبعض الخصوصيات والفاقد لها، أو احتمال قيام مناط آخر مقام المناط الأول عند انتفائه الموجب لبقاء شخص الحكم الأول بلا
اقتضاء تغيير المناط تغييرا لشخص الإرادة، نظير تبدل عمود الخيمة بالنسبة إلى هيئتها الموجودة الشخصية، فان حال المصالح و
المناطات بالنسبة إلى الاحكام كحال عمود الخيمة بالنسبة إلى هيئتها الشخصية القائمة، فكما لا يوجب تبدل عمود الخيمة تغييرا في
شخص هيئتها القائمة، كذلك تبدل المصالح والمناطات (ومع) إمكان تطرق الشك في بقاء الحكم الشرعي المستكشف بأحد الوجهين
يجري فيه الاستصحاب ولو مع القطع بزوال بعض ما له الدخل في الحكم العقلي فتدبر (هذا كله) في استصحاب الحكم الشرعي
المستكشف من الحكم العقلي بالحسن أو القبح بقاعدة الملازمة.
23

(واما) استصحاب نفس الحكم العقلي بالحسن أو القبح عند الشك في بقاء مناطه لشبهة حكمية أو موضوعية، فلا شبهة في أنه لا سبيل إلى
استصحابه، وذلك لا من جهة ما قيل من عدم ترتب أثر عملي على استصحابه الا باعتبار إرادة إثبات الحكم الشرعي من استصحابه و
هو غير ممكن لكونه من أوضح افراد الأصل المثبت، لأنه من استصحاب أحد المتلازمين لاثبات الملازم الاخر (بل من جهة) الجزم
بانتفائه حينئذ وعدم إمكان تطرق الشك في الأحكام العقلية الوجدانية التي منها باب التحسين والتقبيح العقليين، فان حقيقة الحسن
العقلي ليس الا عبارة عن ملائمة الشئ لدى القوة العاقلة كسائر ملائمات الشئ لدى سائر قواه من الذائقة والسامعة ونحوهما مما هو
في الحقيقة من آلات درك النفس، قبال ما ينافر لدى القوة العاقلة المسمى بالقبح (ومن الواضح) امتناع تطرق الشك في مثل هذه
الادراكيات الوجدانية، إذ هي تدور مدار حصول صفة الانبساط والاشمئزاز، نظير سائر الحالات الوجدانية كالفرح والحزن، فإذا
انبسط العقل من شئ لكونه ملائما لديه يحكم بحسنه، كما أنه باشمئزازه عنه لمنافرته لديه يحكم بقبحه ولا يمكن فيه تطرق الشك و
الاحتمال لامتناع خفاء الوجدانيات على الوجدان (نعم) المشكوك ما هو انما هو مناط حكمه من المصالح والمفاسد النفس الامرية ولكنه
أجنبي عن الأحكام العقلية الوجدانية (كما أن) ما هو القابل لتطرق الشك والاحتمال فيه في العقليات هو الأحكام العقلية الاستكشافية في
باب الملازمات ونحوها من الأمور الواقعية كحكمه بثبوت الملازمة بين الشيئين وحكمه باستحالة اجتماع النقيضين والضدين وامتناع
التكليف بغير المقدور (فان درك) العقل فيها لما كان طريقا إلى الواقع لا مقوما لحكمه، كأحكامه الوجدانية التي منها باب التحسين و
التقبيح كان المجال لتطرق الشك و الاحتمال فيها، كالشك في استحالة الشئ أو الشك في الملازمة بين الشيئين، بخلافه في أحكامه
الوجدانية التي يكون دركه وتصديقه مقوم حكمه، فإنه يمنع تطرق الشك والاحتمال لاستحالة خفاء الوجدانيات على الوجدان (وبهذه)
الجهة نفرق بين سنخي الحكم العقلي في باب التخطئة والتصويب أيضا، حيث نقول إن باب التحسين والتقبيح العقليين الناشئين
24

من إدراك العقل لما يلائمه وينبسط منه وما ينافره ويشمئز منه ليس مما يتطرق إليه التخطئة كالاحكام العقلية الاستكشافية، بل لا بد
فيه من الالتزام بالتصويب المحض بخلاف الأحكام العقلية الاستكشافية في باب الملازمات ونحوها، فان درك العقل وتصديقه فيها لما
كان طريقا إلى الواقع لا مقوما لحكمه كان لتطرق التخطئة إليها مجال (بل لا محيص) من القول بها، لان الملازمة الواقعية بين الشيئين و
كذا الاستحالة الواقعية للشئ قد يدركها العقل فيحكم بها وقد لا يدركها أو يدرك عدمها، وكذا المصلحة والمفسدة الواقعية والحسن
والقبح الواقعيان قد يدركها العقل وقد لا يدركها أو يخطئ عنها فيحكم بعدمها (وبالجملة) المقصود من هذا التطويل بيان الفرق بين
سنخي الحكم العقلي وان عدم جريان الاستصحاب في نفس الحكم العقلي بالحسن أو القبح انما هو من جهة الجزم بانتفائه عند الشك في
المناط لعدم إمكان تطرق الشك في الأحكام العقلية الوجدانية، لا انه من جهة كونه من الأصول المثبتة كي يبتنى جريانه فيه على القول
بالأصل المثبت (نعم) ما هو المشكوك حينئذ هو مناط حكمه من المصالح والمفاسد الواقعية، ولكنه غير مرتبط بنفس الحكم العقلي
بالحسن والقبح (كما أن) ما هو القابل لطرو الشك فيه هو الأحكام العقلية الاستكشافية في باب الملازمات ونحوها من مثل استحالة
اجتماع الضدين والنقيضين واستحالة التكليف بغير المقدور من الحكيم تعالى مما يكون درك العقل وتصديقه طريقا لفهمه الاستحالة
الواقعية لا مقوما لاستحالة الشئ (وحينئذ) فتسليم تطرق الشك في الحكم العقلي بالحسن أو القبح لا يكون الا من جهة الخلط بين سنخي
الحكم العقلي وجعلهما على منوال واحد.
(ومن التأمل فيما ذكرنا) يظهر أيضا فساد ما توهم من ثبوت إيجاب الاحتياط العقلي عند الشك في المناط من المصالح والمفاسد
المقتضية لحكم العقل بالحسن والقبح عند دركها، بخيال انه لا يمكن ان يكون للعقل في موارد الشك في الموضوع حكم على خلاف
حكمه على الموضوع الواقعي بالحسن أو القبح، بل لا بد وأن يكون له عند الشك حكم طريقي آخر بقبح الاقدام على ما لا يؤمن ان يكون
هو الموضوع للقبح، (بخلاف) الأحكام الشرعية فان للشارع ان يجعل في رتبة الشك في الموضوع حكما مخالفا لما
25

رتب على الموضوع الواقعي (إذ فيه) ان حكم العقل بإيجاب الاحتياط في رتبة الشك في الموضوع الذي حكم بقبحه فرع إمكان تطرق
الشك في حكمه الوجداني بالحسن أو القبح، وعلى ما بينا من امتناع ذلك لاستحالة خفاء الوجدانيات على الوجدان أين يتصور الشك في
الحكم كي يبقى المجال لحكمه الطريقي بإيجاب الاحتياط (واما) توهم كفاية مجرد الشك في الموضوع والمناط في حكمه بإيجاب
الاحتياط (فمدفوع) بان لازمه حكمه به في كل شبهة بدوية حكمية أو موضوعية، وهو كما ترى، فان مرجعه إلى القول بأصالة الحذر في
الأشياء لدى العقل (هذا) في الأحكام العقلية الوجدانية (واما أحكامه) الاستكشافية من مثل استحالة التكليف بغير المقدور وبما لا يطاق
فتصور الشك فيها وإن كان صحيحا، ولكن لا يلزم ان يكون له عند الشك في الاستحالة حكم طريقي على وفق حكمه بالموضوع
الواقعي، والا يلزم حكمه بعدم التكليف مع الشك في القدرة (مع أنه) ليس كذلك قطعا، بل العقل في مثله يحكم عند الشك بوجوب
الاحتياط كما هو واضح (وكيف كان) فهذا كله في استصحاب الحكم الشرعي المستكشف من الحكم العقلي بالحسن أو القبح بقاعدة
الملازمة، واستصحاب نفس الحسن والقبح العقليين.
(واما استصحاب) الموضوع الذي حكم العقل بحسنه أو قبحه والشارع بوجوبه أو حرمته (فإن كان) الشك فيه لبعض الأمور الخارجية،
كالشك في بقاء وصف الاضرار في الكذب الذي حكم بقبحه، فلا شبهة في جريان الاستصحاب فيه (وإن كان) الشك فيه لأجل انتفاء
بعض الخصوصيات التي يحتمل دخله في موضوعية الموضوع، فالذي يظهر من بعض الاعلام نفى الاشكال عن جريان الاستصحاب فيه
أيضا (ولكن) دقيق النظر وفاقا للشيخ قدس سره يقتضى المنع عن جريانه فيه (فان) الغرض من استصحاب الموضوع في مثل المقام
الذي هو من الشبهات الحكمية، إن كان استصحابه بوصف موضوعية للحكم، فهو يرجع إلى استصحاب حكمه لان وصف الموضوعية
منتزع عن حكمه فيغني استصحاب الحكم عن استصحابه (وإن كان) الغرض استصحاب ذات الموضوع التي عرض عليها الحكم لا هي
بوصف معروضيتها للحكم، فمثل هذا الاستصحاب غير جار في كلية موضوعات الاحكام في الشبهات
26

الحكمية (لان) مرجع الشك فيها إلى أن الموضوع خصوص الواجد للقيد المحتمل دخله أو هو الأعم من الواجد والفاقد، وبذلك يدور
امره بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع، ومن المعلوم انه لا يجري فيه الاستصحاب لانتفاء الشك في البقاء على كل تقدير
فيكون استصحابه كاستصحاب الفرد المردد (نعم) ما هو مشكوك البقاء حينئذ انما هو عنوان ما هو المعروض للحكم بنحو الاجمال، و
لكنه بهذا العنوان الاجمالي لم يترتب عليه أثر شرعي حتى يجري فيه الاستصحاب وإذ الأثر الشرعي انما رتب على ما هو معروض
الحكم واقعا ومثله مما لا شك في بقائه لتردده بين مقطوع البقاء ومقطوع الارتفاع فتدبر.
(ثم انك عرفت) وقوع الخلاف في حجية الاستصحاب بين الاعلام في جميع ما له من الأقسام باعتبار المستصحب، وباعتبار الدليل الدال
عليه، وباعتبار الشك المأخوذ فيه (الا انه يظهر) من بعضهم كصاحب الرياض وغيره فيما حكى عنهم تخصيص النزاع في حجية
الاستصحاب بالأمور الوجودية، حيث نفي الخلاف في الاستصحابات العدمية وجعل الاستصحاب بالأمور الوجودية، حيث نفي الخلاف
في الاستصحابات العدمية وجعل الاستصحاب فيها مورد وفاق الجميع (ولعل) منشأ ذلك ملاحظة تسالمهم على بعض الأصول العدمية،
كأصالة عدم القرنية وأصالة عدم النقل وأصالة عدم المعارض والمزاحم ونحوها مما جرت السيرة على الاخذ بها، فتخيل ان ذلك من
جهة وفاقهم على حجية الاستصحاب في مطلق الأمور العدمية وان المذكورات من موارد الاستصحابات العدمية وصغرياتها (ولكنه كما
ترى) لا ترتبط تلك الأصول العدمية بالاستصحاب المصطلح، وانما هي أصول عقلائية برأسها جارية في الموارد الخاصة (اما) أصالة
أصالة عدم القرينة فظاهرة، إذ هي بناء على عدم إرجاعها إلى أصل وجودي تكون برأسها أصلا عقلائيا قد استقرت سيرة العقلا على
الاخذ بها في خصوص باب الألفاظ في مقام إثبات ظهور الكلام واستفادة مراد المتكلم منه عند احتمال احتفافه حين صدوره بما يوجب
عدم ظهوره في معناه الموضوع له، ولذا ترى بنائهم طرا على الاخذ بالأصل المزبور لاثبات ظهور اللفظ
27

في معناه الموضوع له واستفادة مراد المتكلم من ظاهر لفظه حتى من لا يعتمد على الاستصحاب أصلا ومن لا يرى حجية مثبتات
الأصول وينكرها أشد الانكار (مع وضوح) ان انعقاد ظهور الكلام واستقراره انما هو من اللوازم العادية لعدم احتفافه بالقرينة
الصارفة، ومثل هذه الجهة لا يكاد تثبت باستصحاب عدم القرينة الا على القول بالمثبت (فاتفاقهم) على الاخذ بالأصل المزبور لاثبات
ظهور اللفظ مع مصير أكثرهم إلى رفض مثبتات الأصول وذهاب بعضهم إلى إنكار حجية الاستصحاب مطلقا، يكشف عن صدق ما
ادعيناه من كونها أصلا عقلائيا برأسها غير مرتبطة بالاستصحاب (نعم) بناء على حجية الاستصحاب من باب الامارية لا الأصلية، يمكن
دعوى اندراج الأصل المزبور في الاستصحاب المصطلح، ولكن المبنى سخيف جدا (هذا) في القرائن المتصلة المانعة عن انعقاد ظهور
اللفظ.
(واما القرائن المنفصلة) المانعة عن حجية ظهور اللفظ بعد انعقاده واستقراره (فان قلنا) بإناطة موضوع الحجية في الظهورات الصادرة
بعدم قيام القرينة على إرادة خلاف الظاهر منها، فلا بأس بدعوى اندراج الأصل المزبور في الاستصحاب، ولو بناء على أخذه من
مضامين الاخبار لكونه حينئذ من قبيل الموضوعات المركبة أو المقيدة المحرزة بعضها بالوجدان وبعضها بالأصل، حيث إن أصل ظهور
اللفظ تكون محرزا بالوجدان وقيده وهو عدم القرينة على الخلاف محرز بالأصل، فيترتب عليه وجوب الاخذ بالظاهر، مع إمكان منع
كون ذلك أيضا من باب الاستصحاب وانه أصل عقلائي استقرت على التمسك به سيرة العقلا في باب الألفاظ (وان قلنا) كما هو
التحقيق ان موضوع الحجية فيها نفس ظهور اللفظ في المعنى، وان رفع اليد عن الحقيقة والعموم والاطلاق عند قيام دليل منفصل على
التجوز والتخصيص والتقييد انما هو بمناط الاخذ بأقوى الحجتين، لا بمناط خروج العموم والاطلاق عن موضوع الحجية (بشهادة) انه
قد يقدم العام على الخاص والمطلق على المقيد إذا كان ظهورهما في العموم والاطلاق أقوى من ظهور دليل الخاص والمقيد في
التخصيص والتقييد، فيخرج مفروض البحث عن مجرى أصالة العدم رأسا فلا يتأتى الكلام فيه بأنه من باب
28

الاستصحاب أو من باب كونه أصلا عقلائيا برأسه (إذ ليس) وجوب رفع اليد عن العموم والاطلاق حينئذ من لوازم قيام القرنية الواقعية
على التخصيص أو التقييد وانما هو من لوازم وصول حجة أقوى على خلافه، فمع عدم العلم بذلك يكون المتبع هو العموم والاطلاق بلا
احتياج إلى إحراز عدمها بالأصل (ولذلك) ترى بنائهم على الاخذ بظهور الخطابات في العموم والاطلاق عند إجمال القرينة المنفصلة،
والا كان اللازم هو التوقف وعدم الاخذ بالعموم والاطلاق مع الشك في قرينية الموجود لعدم أصل في البين يحرز به حال الموجود (و
من هذا البيان) يظهر الكلام في المعارض والمزاحم عند الشك في وجودهما، فان حالهما حال القرائن المنفصلة في أن مانعيتهما انما هي
بوجودهما الواصل إلى المكلف، لا بوجودهما الواقعي النفس الامري كي يحتاج إلى إحراز عدمهما بالأصل.
(واما أصالة) عدم النقل عند الشك في أصل النقل عن وضعه الأول، أو الشك في تقدمه على الاستعمال وتأخره عنه مع العلم بأصل النقل و
تاريخ الاستعمال، فهي أيضا قاعدة برأسها مختصة بموردها غير مرتبطة بالاستصحاب (والا) فلا تخلو عن إشكال المثبتية لان حمل
اللفظ على المعنى المعلوم وضعه له في الأول، وعلى المعنى المنقول منه في الثاني انما هو من لوازم ظهور اللفظ، وظهوره في معناه
الموضوع له أولا، يكون من اللوازم العادية لعدم نقله إلى معنى آخر والاستصحاب بناء على الأصلية والتعبد من الاخبار لا يثبت تلك
اللوازم (نعم) لو قيل برجوعها إلى أصالة بقاء ظهور اللفظ في معناه الأول، أمكن دعوى كونها من باب الاستصحاب على تأمل فيه و
إشكال (ولكن) على ذلك تخرج عن مفروض كلام القائل المزبور، لكونها حينئذ من الاستصحاب الوجودي لا العدمي، كخروجها أيضا
عن مفروض كلامه في فرض إرجاعها إلى أصالة تشابه الا زمان بنحو الاستصحاب القهقرى إلى زمان الاستعمال (ولكن التحقيق) فيها
وفي غيرها هو ما ذكرناه من كونها أصولا عقلائية مخصوصة بباب الألفاظ.
(واما أصالة) عدم الحائل التي تمسكوا بها في باب الوضوء والغسل عند الشك
29

في وجود ما يمنع عن وصول الماء إلى البشرة من جص أو قير أو دم برغوث ونحوه، فيمكن ان يقال: بعدم كونها أيضا من باب
الاستصحاب، بل ولا من باب قاعدة المقتضي والمانع (وانها) برأسها أصل عقلائي مدركها الغلبة من حيث إن الغالب هو خلو البشرة عن
مثل هذه الموانع، فعند الشك يلحق المشكوك بالغالب، ولذلك يمنع عن جريان الأصل المزبور وتسالمهم عليه في الموارد التي تكون
الغلبة على الخلاف، كما في بعض ذي الصنائع المباشر للجص ونحوه كالبناء ونحوه (والا) فلو كان ذلك من باب الاستصحاب والتعبد
بعدم نقض اليقين بالشك، توجه إليه إشكال عدم إثباته وصول الماء إلى البشرة الا على المثبت الذي هو مرفوض عندهم (واما توهم)
حجية المثبت بالخصوص في تلك الموارد بدليل اتفاقهم على الاخذ بالأصل المزبور عند الشك في وجود ما يمنع عن وصول الماء إلى
البشرة، فبعيد جدا، لكونه خلاف إطلاق القول منهم بالمنع في مثبتات الأصول وعدم تعرضهم لخروج هذه الموارد عن عموم الحكم
بالمنع (كما أن دعوى) كونه من باب خفاء الواسطة أبعد، إذ عهدة إثباته على مدعيه (وان أبيت) الا عن كون ذلك من باب الاستصحاب،
فليكن من الاستصحاب الجاري في المسبب وهو أصالة بقاء الماء المصبوب على جريانه في محال الوضوء والغسل، نظير الأصل الجاري
في الأمور التدريجية (حيث إنه) يصب الماء على المرفق مثلا يعلم باتصافه بالجريان على البشرة، ومن جهة الشك في وجود الحائل في
عضو خاص يشك في بقاء جريانه على البشرة، فيستصحب بقائه، وبذلك يتم الحكم المزبور ويندفع إشكال المثبتية أيضا (ولكن)
يدخل حينئذ في الاستصحاب الوجودي لا العدمي الذي هو فرض كلام القائل المزبور (نعم) لازم ذلك هو الالتزام بجريان الأصل
المزبور حتى في موارد غلبة وجود الحاجب على البشرة وهو أيضا مشكل (وبالجملة) المقصود من هذا التطويل مجرد إبطال ما زعمه
المستدل في تشبثه بهذه الأصول العدمية لا ثبات اتفاق الأصحاب على اعتبار الأصحاب في مطلق الأمور العدمية، بإبداء الاشكال في كون
تلك الأصول المسلمة من باب الاستصحاب،
30

لا ان المقصود نفى هذه الأصول برمتها عن كونها من باب الاستصحاب بنحو السلب الكلي (ومن الواضح) انه يكفي هذا المقدار من
التشكيك في المنع عن التشبث بهذه الأصول العدمية لا ثبات الاتفاق المزبور، مضافا إلى وجدان الخلاف منهم في اعتبار الاستصحابات
العدمية.
(ثم إن في قبال ذلك) توهم آخر، وهو دعوى مفروغية عدم جريان الاستصحاب في الأمور العدمية والاعدام الأزلية الناشئة من عدم
تحقق علل وجودها (بتقريب) انه لا بد في جريان الاستصحاب من كون المستصحب أثرا شرعيا أو موضوعا لاثر شرعي حتى يكون
التعبد بالبقاء بلحاظ ذلك الأثر، والا فلا يجري الاستصحاب بمحض كون الشئ متيقنا سابقا ومشكوكا لاحقا، والاعدام الأزلية كعدم
الوجوب والحرمة وعدم الجعل كلها من هذا القبيل، لان العدم بما هو عدم ليس أثرا شرعيا تناله يد الجعل والرفع فلا يجري فيه
الاستصحاب، من غير فرق بين القول برجوع مفاد حرمة النقض إلى جعل المماثل أو إلى الامر بالمعاملة مع المشكوك أو الشك معاملة
الواقع أو اليقين به، فعلى كل تقدير يحتاج التعبد بالبقاء إلى أثر شرعي وبدونه لا يجري الاستصحاب (ولكنه توهم فاسد) فان العدم
بما هو وان لم يكن أثرا شرعيا، الا انه بقاء واستمرارا يكون من الأمور التي تنالها يد الجعل والرفع التشريعي (لان) للشارع إبقاء ذلك
العدم وله رفعه وقلبه بالنقيض ولو بجعل ما يقتضى الوجود (ومن الواضح) انه يكفي هذا المقدار من الشرعية في جريان الاستصحاب،
إذ لا نعنى من شرعية الأثر في باب الاستصحاب وغيره الا ما يكون أمر رفعه ووضعه بيد الشارع ولو إبقاء واستمرارا، فإذا كان عدم
الجعل وعدم الوجوب والحرمة بهذا الاعتبار أمرا شرعيا يجري فيه الاستصحاب لا محالة.
(وقد يظهر من بعض الاعلام) التفصيل في الاعدام بين ان يكون المستصحب هو عدم الجعل الأزلي السابق على تشريع الاحكام، وبين
ان يكون غيره، فمنع عن جريان الاستصحاب في الأول دون الثاني (وأفاد) في وجه التفصيل المزبور بما
31

ان عدم الجعل وإن كان من الأمور التي تنالها يد الجعل والرفع التشريعي فيكون المستصحب شرعيا بهذا الاعتبار، الا انه لا يكفي
مجرد شرعية المستصحب في جريان الاستصحاب ما لم ينته إلى أثر عملي، فان الأثر العملي مما لا بد منه في صحة التنزيل والتعبد
بعدم نقض اليقين بالشك، ولا أثر لاستصحاب عدم الجعل الا باعتبار ما يستتبعه من عدم المجعول وإثبات عدمه باستصحاب عدم
الجعل يكون من المثبت المرفوض عند المحققين، إذ ليس ترتب المجعول على الجعل ترتبا شرعيا وانما هو ترتب عقلي محض، فمن هذه
الجهة لا يجري الاستصحاب في عدم الجعل (بخلاف غيره) من الاعدام كعدم المجعول، فإنه يجري فيه الاستصحاب عند إحراز الجعل و
الشك في تحقق ما أنيط به المجعول (وفيه) مضافا إلى عدم ثمرة عملية لهذا التفصيل بعد جريان الأصل باعترافه في المجعول الذي هو
المسبب، لأنه ما من مورد يشك فيه في الجعل الا ويشك فيه في تحقق المجعول فيجري استصحاب عدمه (وإلى) ما يأتي من إباء الأحكام التكليفية
بمراتبها عن تطرق الجعل التشريعي إليها (ان الجعل) والمجعول ليسا في الخارج الا أمرا وجدانيا، فان مرجع الجعل بعد إن كان
إلى لحاظ الشئ وجعله واجبا أم جز أو شرطا لواجب فلا محالة يكون التغاير بينهما ممحضا بصرف الاعتبار نظير الايجاد و
الوجود، فباعتبار إضافته إلى الجاعل جعل وباعتبار لحاظ نفسه مجعول، وفي مثله لا محذور من استصحاب عدم الجعل وترتيب ما
للمجعول عليه من الآثار (وعلى فرض) تسلم المغايرة الخارجية بينهما ولو بدعوى ان الجعل عبارة عن انشاء الوجوب والحرمة و
المجعول عبارة عن المنشأ بهذا الانشاء، نظير الانشاء في الاحكام الوضيعة والحقائق الاعتبارية في أبواب العقود والايقاعات (نقول):
ان الاشكال انما يرد إذا كان نسبة الجعل إلى المجعول من قبيل العلية والمعلولية نظير العلل الخارجية بالنسبة إلى معاليلها، والا فبناء
على كون النسبة بينهما من قبيل نسبة منا شئ الاعتبار للأمور الاعتبارية كالانشاء في أبواب العقود والايقاعات (فلا قصور في
استصحاب عدم الجعل ولا يرتبط المقام بالأصول المثبتة، إذ عدم جعل الوجوب حينئذ واقعيا أو
32

ظاهريا مستتبع لعدم الوجوب كذلك، فكان عدم الوجوب الظاهري من لوازم عدم الجعل الظاهري وهو الاستصحاب لا من لوازم نفس
المستصحب واقعا حتى، يتوجه محذور المثبتية، فإذا كان عدم الجعل مما أمر رفعه ووضعه بيد الشارع ويكتفى في شرعية الأثر في
باب الاستصحاب وغيره بهذا المقدار من الشرعية، فلا محالة يجري فيه الاستصحاب، ويترتب باستصحاب عدمه عدم الوجوب
الظاهري فتدبر (وكيف كان) فالمهم هو عطف الكلام إلى ذكر الأدلة التي استدلوا بها على حجية الاستصحاب وتنقيح دلالة المختار
منها على وجه يتضح ما هو المختار من الحجية مطلقا.
(وهي أمور)
(فمنها) الاجماع المحكي في كلام جماعة كالمبادئ والنهاية
(وفيه ما لا يخفى) إذ لا وجه لدعوى الاجماع في هذه المسألة التي كثر فيها الاختلاف والأقوال خلفا عن عن سلف، لا على ثبوت الحجية
ولا على عدمها (نعم) لا بأس بدعوى قيام الشهرة أو ما يقرب من الاجماع على اعتبار الاستصحاب في الجملة ولو في خصوص باب
الطهارة في الشبهات الموضوعية مع كون الشك في الرافع، بل يمكن دعوى اتفاقهم على ذلك، لأنه من البعيد جدا إرادة القائل بعدم
الحجية النفي المطلق حتى في الموارد المذكورة في الأسئلة الواردة في الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك.
(ومنها)
بناء العرف والعقلاء من ذوي الأديان وغيرهم على الاخذ بالحالة السابقة عند الشك في انتقاضها في الأمور الراجعة إلى معاشهم و
معادهم، بل قد يقال: إن
عليه بناء ذوي الشعور من كافة أنواع الحيوان من الوحوش والطيور ونحوهما في رجوعها إلى أو كارها ومأواها (وفيه أيضا ما لا
يخفى) اما دعوى كون الاخذ بالحالة السابقة من فطريات ذوي الشعور من كافة الحيوان، فلا ترجع إلى محصل، بداهة ان ما جرى عليه
ديدن الحيوانات من الرجوع إلى مساكنها انما هو من جهة
33

الاعتياد أو الغفلة عن الجهات المزاحمة لقصورها عن درك هذه الجهات، لا انه من جهة الاستصحاب والبناء على الجري العملي على طبق
الحالة السابقة مع الالتفات والشك في انتقاضها (واما السيرة) العقلائية والطريقة العرفية الارتكازية فهي وإن كانت على الاخذ
بالحالة السابقة، ولكن يمنع كون ذلك من باب الاستصحاب والاخذ بأحد طرفي الشك تعبدا، بل ذلك منهم انما هو من جهة الغفلة عما
يوجب زوال الحالة السابقة كما هو الغالب، أو من جهة حصول الاطمئنان لهم بالبقاء، أو من جهة مجرد الاحتياط ورجاء البقاء كما في
المراسلات ونحوها من الأمور غير الخطيرة (وعلى فرض) ثبوت البناء المزبور منهم يمنع تحققه في مطلق الأمور حتى الراجعة إلى
معادهم وما يتدينون به من أحكام دينهم، بل المتيقن منه كونه من الأمور الراجعة إلى معاشهم وأحكامهم العرفية.
(كيف) وثبوت هذا البناء الارتكازي منهم حتى في الأمور الدينية ينافي هذا الخلاف العظيم بين الأعاظم من الاعلام خلفا عن سلف و
ذهاب جمع منهم إلى عدم الحجية إذ المنكرين للحجية أيضا من العقلا بل كل واحد منهم بمثابة الف عاقل، فثبوت هذا الخلاف العظيم
بينهم قديما وحديثا يكشف عن عدم ثبوت بنائهم على الاخذ بالحالة السابقة تعبدا في الأمور الدينية والأحكام الشرعية (وعليه) فلا
يكاد ينفع مثل هذا البناء للاستدلال به على حجية الاستصحاب ولو مع اليقين بعدم ورود ردع من الشارع بنحو العموم أو الخصوص
عن البناء المزبور (إذ بعد) عدم ثبوت بنائهم على الاخذ بالحالة السابقة تعبدا في الأمور الدينية، لا يحتاج إلى الردع عن بنائهم لو فرض
كونه غير مرضي عند الشارع من جهة كونهم بأنفسهم مرتد عين بالنسبة إليها هذا (ولكن الانصاف) ان المناقشة الأولى في غير محلها،
فان ثبوت بنائهم على الاخذ بالحالة السابقة من باب الاستصحاب والشك الوجداني في انتقاضها وتساوي احتمال البقاء والارتفاع مما
لا سبيل إلى إنكاره، لما يرى منهم بالوجدان والعيان في ترتيبهم آثار البقاء على الشئ عملا مع الشك في ارتفاعه من حيث إرسالهم
34

المكاتيب والبضائع المهمة إلى من هو في البلاد البعيدة بلا وثوق منهم ببقائه على ما كان من الحياة والعقل والغنى مع ما لهم من
الأغراض المهمة، ومن غير تحقيق عن حال من يرسل إليه البضائع من كونه حيا أو ميتا ومن حيث بقائه على عقله وأمانته كل ذلك
بمقتضى ارتكازهم وجبلتهم التي أودعها فيهم بارئهم كما يشير إلى ذلك بعض الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك، كقوله عليه
السلام: لزرارة لا ينبغي ان تنقض اليقين بالشك الظاهر في كون الاخذ بالحالة السابقة مع الشك في انتقاضها من الارتكازيات العرفية و
الطريقة العقلائية (ولا ينافي) ذلك ما يرى من مداقة بعض الاشخاص وعدم أخذه بالحالة السابقة الا بعد الوثوق والاطمئنان العادي
بالبقاء، فان ذلك منهم نحو احتياط لحفظ أغراضهم وعدم تضييع أموالهم، ولذلك لا يكون الاخذ بالحالة السابقة بلا تحصيل الوثوق
ملوما عندهم ولو مع انكشاف الخلاف (نعم) المناقشة الثانية في محلها، لما ذكرنا من عدم ثبوت تحقق البناء المزبور منهم حتى في
الأمور الدينية والاحكام، الشرعية، لولا دعوى وضوح انه لا يكون لهم طريقة خاصة في الأمور الدينية وراء ما يسلكونه بارتكازهم في
أمورهم الدنيوية مما يرجع إلى معاشهم ونظامهم، وانه بمقدمات عدم الردع يستكشف إمضاء الشارع لتلك الطريقة المألوفة
الارتكازية فتكون دليلا على حجية الاستصحاب (ولكن الشأن) في إثبات هذه الجهة، والا فبدونه يكفي في المنع عنه مجرد الشك في
ذلك (وعلى فرض) ثبوت البناء المزبور منهم في الأمور الدينية لا مجال للتشبث بمقدمات عدم الردع لكشف إمضاء الشارع (إذ يكفي)
في الردع عن بنائهم العمومات الناهية عن العمل بما وراء العلم (وتوهم) عدم صلاحية هذه النواهي للرادعية عن بنائهم، لمكان مضادتها
مع أصل وجود هذا البناء والسيرة المزبورة ولاستحالة تحقق هذه السيرة حتى من المتدينين منهم مع ثبوت ردع الشارع عنها (فمن
وجود) هذه السيرة وتحققها بالوجدان بضميمة المضادة المزبورة يستكشف عدم صلاحية العمومات الناهية للرادعية عن بنائهم
(مدفوع) بان بناء العقلا من المسلمين على شئ تارة يكون بما انهم مسلمون ومتدينون بشرائع الاسلام، وأخرى يكون ذلك منهم لا
بما هم مسلمون ومتدينون بها، بل بما هم
35

من العقلا، ومن أهل العرف، والذي يضاد وجوده مع الردع الشرعي بحيث يستحيل تحققه مع ثبوته انما هو الأول (واما الثاني) فلا
يكون ردع الشارع عنه مضادا مع أصل وجوده، بل هو انما يكون مانعا عن حجيته (وحيث) ان المقصود من السيرة المزبورة هي سيرة
العقلا الذين منهم المسلمون فلا بد في تتميمها من التشبث بمقدمات عدم الردع لاثبات إمضاء الشارع لها وفينتهي المجال حينئذ إلى
دعوى صلاحية الآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم للرادعية عنها (نعم) انما لا ينتهي المجال إلى ذلك فيما لو قررت السيرة المزبورة
بسيرة المسلمين بما هم كذلك لا بما هم من أهل العرف والعقلاء (ولكن) الكلام حينئذ في أصل الصغرى (واما توهم) خروج جميع موارد
السيرة العقلائية عن العمل بما وراء العلم بالتخصص كما عن بعض الأعاظم قده، بدعوى اقتضائها لخروج مواردها عن موضوع تلك
النواهي (ففيه) انه من الغرابة بمكان، إذ ذلك مخصوص بباب الطرق والامارات كظواهر الألفاظ ونحوها، حيث إنها باقتضائها لتتميم
الكشف وإثبات العلم بالواقع تكون واردة على الآيات الناهية ومخرجة لموردها عن موضوع تلك النواهي بالتخصص، لا فيمثل المقام
الذي هو من الأصول المعمولة عند العقلا في ظرف استتار الواقع والجهل به، فان بنائهم حينئذ على الاخذ بالحالة السابقة لا يخرج
مورده عن كونه عملا بغير العلم (نعم) لو كان بنائهم على الاستصحاب والجري العمل على طبق الحالة السابقة من باب الامارية نظير
ظواهر الألفاظ وباب حجية خبر الواحد، لا من باب الأصلية، كان لدعوى ورود السيرة في المقام على العموميات الناهية وخروج
موردها عن موضوعها مجال (ولكن ذلك) مع أنه لا طريق إلى إثباته، يلزم دخول الاستصحاب في الامارات، وهو مما لا يلتزم به القائل
المزبور، فان المختار عنده كونه من الأصول لا الامارات.
(وبما ذكرنا) يظهر اندفاع ما أورده من الاشكال على الكفاية من منافاة ما أفاده في المقام من صلاحية الآيات الناهية للرادعية عن
السيرة العقلائية لما تقدم منه في مبحث حجية خبر الواحد من عدم صلاحية تلك النواهي للرادعية عن الطريقة
36

العقلائية (وجه الاندفاع) ما عرفت من الفرق بين المقام وباب حجية خبر الواحد، حيث إن عدم رادعية الآيات هناك انما هو من جهة قيام
السيرة العقلائية على تتميم الكشف وإثبات العلم بالواقع الموجب لخروج موردها عن موضوع تلك النواهي، (بخلاف) المقام، فان
بنائهم على الاخذ بالحالة السابقة لا يكون من باب الامارية وانما هو من باب الأصلية في ظرف الجهل بالواقع، فلا يلازم القول بعدم
صلاحية الآيات للرداعة عن بنائهم هناك للقول به في المقام أيضا (فما أفاده) المحقق الخراساني قده في كفايته من التفكيك بين
المقامين في صلاحية الآيات الناهية للرادعية عن الطريقة العقلائية في المقام دون ما هناك في غاية المتانة (نعم) لو كان المراد من عدم
العلم في تلك النواهي هو عدم العلم بمطلق الوظيفة أعم من الواقعية والظاهرية، لا عدم العلم بخصوص الواقع، لأمكن المصير إلى عدم
الرادعية في المقام أيضا (ولكنه) خلاف الظاهر جدا، فان الظاهر المتبادر من نحو قوله سبحانه: لا تقف ما ليس لك به علم هو عدم العلم
بالوظيفة الواقعية، لا بمطلق الوظيفة ولو ظاهرية (فالأقوى) حينئذ ما أفاده المحقق الخراساني من عدم اعتبار السيرة العقلائية في
المقام على الاخذ بالحالة السابقة، وان فرض كونها أقوى من بنائهم على العمل بالخبر الواحد، إذ لا أثر لحيث أقوائيتها ما لم تنته إلى
كشف إمضاء الشارع لها ولو بمعونة مقدمات عدم الردع، ومع صلاحية الآيات الناهية للرادعية عنها لا مجال لكشف إمضاء الشارع لها
كما هو ظاهر (ثم إنه من التأمل) فيما ذكرنا يظهر انه لا مجال للتشبث بالحكم العقلي الظني ببقاء ما ثبت ولو بضميمة اندراجه في
صغريات الانسداد بالنسبة إلى الاحكام التي في دائرة الاستصحابات إذ ذلك أيضا مخدوش صغرى وكبرى.
ومنها الأخبار الكثيرة البالغة حد الاستفاضة، وهي العمدة في الباب
(فمنها) صحيحة زرارة
ولا يضر بها الاضمار بعد كون مضمرها مثل زرارة الذي لا يروى الا
37

عن الإمام عليه السلام، قال قلت له: الرجل ينام وهو على وضوء أ يوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء، قال عليه السلام: يا زرارة قد
تنام العين ولا ينام القلب والاذن، فإذا نام القلب والاذن فقد وجب الوضوء، قلت: فان حرك في جنبه شئ وهو لا يعلم، قال عليه السلام:
لا حتى يستيقن انه قد نام حتى يجي من ذلك أمر بين، والا فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبدا بالشك، ولكن تنقضه بيقين
آخر (وتقريب) الاستدلال بها على حجية الاستصحاب مطلقا انما هو بتجريد اليقين في قوله عليه السلام:
والا فإنه على يقين من وضوئه عن خصوصية إضافته إلى الوضوء وعدم دخلها في الحكم بحرمة النقض لتكون اللام في كبرى القياس و
هي قوله عليه السلام: ولا ينقض اليقين بالشك للجنس لا للعهد.
(ولتوضيح الكلام) في ذلك لا بأس بالتعرض لبيان فقه الحديث الشريف (فنقول): الظاهر من السؤال الواقع في الفقرة الأولى من كلام
الراوي هو كونه سؤالا عن مفهوم النوم الناقض من أنه بحد يدخل فيه الخفقة والخفقتان أو بحد لا يدخلان في مفهومه، فان احتمال كونه
سؤالا عن ناقضية الخفقة والخفقتان مستقلا بعيد في الغاية ولا يناسب قوله: الرجل ينام، ولذلك أجابه الإمام عليه السلام بخروجهما
عن مفهوم النوم الناقض، ببيان ان النوم الناقض هو خصوص نوم القلب والاذن لا مطلق مراتبه الشامل لنوم العين وحدها، بل المستفاد
من جوابه عليه السلام ان المدار في الناقضية على خصوص نوم القلب الذي هو سلطان الجوارح وان نوم الاذن انما اعتبر لكونه أمارة
على نوم القلب، لا لخصوصيته فيه (واما السؤال) الثاني وهو قوله فان حرك إلخ فظاهره كونه سؤالا عن الشبهة الموضوعية بناء على ما
فهمه من أمارية نوم الاذن لنوم القلب الذي عليه مدار الناقضية، حيث إنه يشك حينئذ في تحقق نوم القلب بهذه المرتبة من النوم الغالب
على الاذن، فأجابه الإمام عليه السلام: بما هو نتيجة الاستصحاب بقوله: لا حتى يستيقن أنه قد نام (ويحتمل) كونه سؤالا عن حكم الشبهة
المصداقية من أنه مع الشك في تحقق النوم هل يجب عليه الوضوء أم لا (ويحتمل) أيضا كونه سؤالا عن الشبهة المفهومية بناء على فهمه من
كلام الإمام عليه السلام موضوعية
38

نوم الاذن لا أماريته لنوم القلب فيكون السؤال عن حد النوم الناقض وصدقه على تلك المرتبة من نوم الاذن نظير سؤاله الأول الراجع
إلى كونه عن صدقه على الخفقة التي هي نوم العين وحدها (ولكن) الظاهر ما عرفت من كونه سؤالا عن الشبهة المصداقية أو عن
حكمها، لا عن الشبهة المفهومية كيف ولازمه تكفل الإمام عليه السلام لرفع الشك عنه ببيان الواقع كما في الفقرة الأولى، لا إبقاء السائل
على شكه والتعرض لحكم الشبهة الموضوعية بقوله: لا حتى يستيقن انه قد نام (نعم) الذي يبعد كونه سؤالا عن الشبهة المصداقية هو
تطبيق الامام الاستصحاب على الوضوء الذي يكون الشك في بقائه مسببا عن الشك في تحقق النوم، فان من اللازم حينئذ تطبيقه على
عدم النوم، لما قرر في محله من عدم جريان الأصل المسببي مع جريان الأصل السببي (ولا يرد) هذا الاشكال على الفرض الأخير، إذ
عليه يكون تطبيق الاستصحاب على الوضوء على القاعدة، بملاحظة عدم جريانه حينئذ في طرف السبب الذي هو النوم، لان استصحابه
يكون من قبيل الاستصحاب الفرد المردد بين ما هو مقطوع الوجود وما هو مقطوع العدم، فإنه على تقدير صدقه على تلك المرتبة من
نوم الاذن يقطع بتحققه وعلى تقدير كونه عبارة عن المرتبة الأخرى المنطبقة على نوم القلب يقطع بعدم بتحققه، فعلى كل تقدير لا
شك فيه حتى يجري فيه الاستصحاب (واما المفهوم منه فهو وإن كان مشكوكا، ولكن لا يكون بنفسه موضوعا للأثر كي يجري فيه
الاستصحاب، لان الأثر الشرعي وهو وجوب الوضوء انما يكون ترتبه على واقع النوم و مصداقه الذي يحكى عنه هذا المفهوم، وبعد
تردده بين ما يقطع بتحققه وما يقطع بعدم تحققه لا يجري فيه الاستصحاب، كما هو الشأن في جميع المفاهيم المجملة المرددة بين الأقل
والأكثر (ولذلك) نقول: في مسألة الرضاع انه لا مجرى لأصالة عدم تحقق الرضاع المحرم فيما لو تحقق عشر رضعات وشك في تحقق
الرضاع المحرم به، لعدم ترتب أثر شرعي على المفهوم منه (وتردد) ما له الأثر الشرعي بين ما يقطع بتحققه وما يقطع بعدم تحققه (و
لا مجال أيضا) لمقايسته أمثال المقام بباب الكلي المردد بين الفردين أحدهما مقطوع الارتفاع والاخر مقطوع البقاء، كالحدث المردد
39

بين الأصغر والأكبر (فان جريان) الاستصحاب هناك في الكلي وهو الحدث بعد الاتيان بالوضوء انما هو باعتبار ان لنفس الكلي و
الجامع أثر شرعي وهو عدم جواز الدخول في الصلاة، وهذه الجهة مفقودة في المفاهيم المجملة المرددة بين الأقل والأكثر كما في
المقام ومسألة الرضاع وباب الغناء ونحوها، لعدم ترتب أثر شرعي على عنوان النوم ومفهومه ولا على عنوان الرضاع المحرم ولا
على عنوان الغناء بما هي هذه العناوين (وحينئذ) فعلى كل تقدير سوأ كان السؤال عن الشبهة المفهومية أو المصداقية لا محيص من أحد
الاشكالين (نعم) قد يدفع الاشكال الأول، تارة بمنع تطبيق الاستصحاب في الرواية على الوضوء الذي هو المسبب، بدعوى ان المستفاد
من قوله عليه السلام: لا حتى يستيقن انه قد نام انما هو تطبيقه على عدم النوم ببيان انه لا يرفع اليد عن اليقين بعدم النوم الا باليقين
بوجوده، فيكون قوله عليه السلام:
بعد ذلك والا فإنه على يقين منطبقا على عدم النوم بجعل عدم وجوب الوضوء عليه كناية عن عدم تحقق سببه وهو النوم لما بينهما من
شدة الملازمة ولو في خصوص المورد (وأخرى بمنع السببية والمسببية بينهما حقيقة بدعوى ان الطهارة والحدث أمر ان وجوديان
عرضيان غير مسبب أحدهما عن عدم الاخر، غايته انه يلازم ارتفاع أحدهما مع وجود الاخر من جهة ما كان بينهما من التمانع والتعاند
بحسب الوجود (وفيه) اما الوجه الأول، فهو خلاف ظاهر الرواية جدا، لوضوح ظهور قوله عليه السلام حتى يستيقن في كونه في مقام
تطبيق الاستصحاب على الوضوء، لا على عدم النوم، فإنه بعد ان سئل الراوي عن وجوب الوضوء عليه بهذه المرتبة من نوم الاذن، أجابه
عليه السلام بما هو نتيجة الاستصحاب من أنه لا يرفع اليد عن اليقين بالوضوء ما لم يعلم بتحقق رافعه الذي هو النوم والحدث (واما
الوجه الثاني) فلكونه خلاف ما تقتضيه الأدلة الدالة على وجوب الوضوء عند تحقق هذه الاحداث الظاهرة في كونها بنفسها من موجبات
الوضوء، ولذلك جرى عليه ديدن الأصحاب الظاهرة في كونها بنفسها من موجبات الوضوء ولذلك جرى عليه ديدن الأصحاب أيضا
حيث جعلوها من موجبات الوضوء كما هو ظاهر (وكيف كان).
فقوله عليه السلام: والا فإنه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشك أبدا
40

(يحتمل) ان يكون جزأ الشرط محذوفا وأقيمت العلة وهي قوله فإنه على يقين من وضوئه مقامه، نظير قوله سبحانه (وان تجهر
بالقول فإنه يعلم السر وأخفى) و (ان تكفروا فان الله غني عنكم)، فمعنى الحديث انه ان لم يستيقن انه قد نام فلا يجب عليه الوضوء لأنه
على يقين من وضوئه (ويحتمل) ان يكون الجزاء نفس قوله فإنه على يقين من وضوئه لا علة لجواب الشرط المحذوف، اما يجعل الجملة
إنشائية، فيكون المعنى ان لم يستيقن انه قد نام فليبن علي يقين من وضوئه في مقام الجري العملي.
(واما بجعلها) على ظاهرها في الاخبار فيكون المستفاد منه بدلالة الاقتضاء انه ان لم يستيقن بالنوم فهو متيقن بالوضوء ولا ينقض
اليقين بالشك، والا فلا ترتب بين كونه شاكا في النوم وكونه متيقنا بالوضوء (ويحتمل) أيضا ان يكون الجزاء هو قوله عليه السلام: ولا
ينقض اليقين بالشك، ويكون قوله فإنه على يقين من وضوئه توطئة للجزاء، فالمعنى ان لم يستيقن بالنوم فحيث انه كان على يقين من
وضوئه فلا ينقض اليقين بالشك (فعلى كل حال) سوأ جعل الجزاء نفس قوله فإنه على يقين من وضوئه، أو جعل كونه أمرا مقدرا، أو جعل
كونه عبارة عن قوله ولا ينقض اليقين بالشك تكون الرواية دالة على حجية الاستصحاب ولو في خصوص المورد، حيث لا يتوقف
دلالتها على الحجية على تعيين ان الجزاء أي شئ، ولذلك لا يهمنا البحث عن تعيين الجزاء وتشخيصه (وانما المهم) في المقام هو تجريد
اليقين عن خصوصية إضافته إلى الوضوء بجعل إضافة اليقين إلى الوضوء لمجرد بيان أحد المصاديق لما يتعلق به اليقين لا لبيان تقييد
اليقين به ليكون اللام في كبرى القياس وهي قوله ولا ينقض اليقين بالشك للجنس لا للعهد فيفيد قاعدة كلية مطردة في باب الوضوء و
غيره (والا) فمع عدم تجريده عن الخصوصية المزبورة لا يفيد قاعدة كلية مطردة في جميع الموارد، بل غايته إفادة قاعدة كلية في
خصوص باب الوضوء، فان شرط الانتاج في الشكل الأول هو ان يكون المحمول في صغرى القياس بما له من القيود موضوعا في كبرى
القياس، ومن المعلوم انه لو كان المحمول في الصغرى هو اليقين المضاف إلى الوضوء بهذه الخصوصية لا مطلق اليقين مجردا عن
الإضافة المزبورة، يلزمه اختصاص
41

في الكبرى أيضا باليقين المتعلق بالوضوء، ومثله لا ينتج الا حجية الاستصحاب في خصوص باب الوضوء، لا حجيته مطلقا حتى في غير
باب الوضوء (بل إن تأملت) ترى ان العمدة في استفادة التعميم من الرواية هي هذه الجهة أعني تجريد اليقين عن خصوصية إضافته إلى
الوضوء، والا فبدونه لا تجدي في استفادة التعميم مجرد كون الألف واللام في اليقين للجنس لا للعهد، لان كون اللام للجنس لا يقتضى
الا قاعدة كلية في خصوص باب للوضوء فلا يمكن التعدي منه إلى غيره من الطهارات الثلاث فضلا عن التعميم المطلق (فلا بد) في
استفادة التعميم المطلق من تجريد اليقين عن إضافته إلى طبيعة الوضوء ليكون الموضوع في الكبرى هو مطلق اليقين بالشئ المستتبع
قهرا لكون اللام فيه للجنس لا للعهد حتى يفيد قاعدة كلية سارية في جميع أبواب الفقه (وعليه نقول): انه يمكن دعوى الجزم بعدم دخل
الإضافة المزبورة في اليقين المحكوم بعدم النقض، لظهور الرواية حسب ما يفهمه العرف في كونها في مقام الاستدلال على نحو الشكل
الأول من القياس لا عطاء قاعدة كلية لمطلق اليقين بالشئ الذي يكون مورد السؤال من جزئياته ومصاديقه (فان) لازم قياسيته بعد
ظهور الصغرى في كونها لبيان حكم اليقين بطبيعة الوضوء لا خصوص اليقين المتعلق بالوضوء الشخصي هو كون الكبرى أعني حرمة
نقض اليقين كليا شاملا لمطلق اليقين بالشئ الملازم لكون اللام فيه للجنس المندرج فيه صغراه الذي هو من جزئياته ومصاديقه بلا
اختصاصه بخصوص اليقين بالوضوء ليكون اللام فيه للعهد المشير إلى اليقين بالوضوء فيفيد قاعدة كلية في خصوص باب الوضوء
(بداهة) ان ذلك لا يناسب قياسيته الا بفرض جعل الصغرى شخص اليقين المتعلق بالوضوء الخاص، وهو مع كونه خلاف ظهور الصغرى
في كونها لبيان اليقين المتعلق بطبيعة الوضوء لا شخص اليقين المتعلق بالوضوء الخاص، يلزمه عدم التعدي من الوضوء إلى غيره من
الطهارات وهو كما ترى (فلا محيص) حينئذ من جعل الكبرى كليا شاملا لمطلق اليقين بالشئ المندرج فيه صغراه الذي من جزئياته و
مصاديقه، فيكون إضافة اليقين إلى الوضوء في الرواية حينئذ وتخصيصها بالذكر من بين المصاديق من جهة كونه موردا لسؤال الراوي
لا من جهة خصوصية فيه كما هو
42

ظاهر (ومما يؤيد) ما ذكرناه بل يشهد له وقوع هذه الجملة كبرى لصغريات متعددة في النصوص الأخرى وتطبيقها على مثل الطهارة
الخبثية تارة، وركعات الصلاة أخرى، والصوم ثالثة، فان ذلك قرينة عدم اختصاص الكبرى المزبورة بباب دون باب (بل ويشهد
لذلك) أيضا ظهور سوق الرواية في كونه في مقام إدراج المورد تحت كبرى ارتكازية لا تعبدية وهي ان اليقين بالشئ لا ينقض بالشك
فيه (وبذلك كله) لا يبقى مجال توهم اختصاص الكبرى باليقين المتعلق بالوضوء، مضافا إلى أن التعميم هو الذي يقتضيه مناسبة الحكم و
الموضوع فان اليقين من جهة إبرامه واستحكامه هو المناسب لان يضاف إليه النقض ولا مدخلية في ذلك لخصوصية إضافته إلى الوضوء
كما هو ظاهر (نعم لو أغمض) عما ذكرنا لا يتم ما أفاده المحقق الخراساني قدس سره لاثبات التعميم ولو على عهدية اللام من دعوى
قوة احتمال ان يكون من وضوئه متعلقا بالظرف لا باليقين ليكون المعنى انه من طرف وضوئه على يقين ولا ينقض اليقين بالشك فان
المستفاد منه حينئذ بعد كون الأصغر نفس اليقين لا اليقين المتعلق بالوضوء هو عدم جواز نقض مطلق اليقين بالشئ بالشك في بقائه
(إذ فيه أولا) ان مجرد الاحتمال لا يجدى شيئا ما لم يبلغ إلى الظهور المعتد به، والا فيسقط الكلام عن الحجية لا جماله لو فرض تكافؤ
الاحتمالين (وثانيا) ان غاية ذلك خروج من وضوئه عن كونه من الجهات التقييدية لليقين إلى التعليلية، ومثله لا يوجب إطلاقا في اليقين
المأخوذ في الصغرى، فان اليقين على العلية وإن كان غير مقيد به ولكن لا إطلاق له أيضا يشمل اليقين المتعلق بغير الوضوء كما هو
الشأن في جميع المعاليل بالإضافة إلى عللها، حيث يستحيل ان يكون لها إطلاق يشمل حال فقد عللها، وعليه فلا يكون اليقين في الصغرى
الا الحصة الملازمة للتعلق بالوضوء العارية عن حيثية الاطلاق والتقيد به، وحينئذ فإذا كان الألف واللام في الكبرى للعهد تلزمه الإشارة
لا محالة إلى اليقين الناشئ من قبل الوضوء، ومثله لا يدفع دعوى الاختصاص، ولا يفيد عموم الكبرى لكل يقين كما هو واضح (وثالثا)
ان استفادة
43

الاطلاق من الكبرى المزبورة فرع جريان مقدمات الحكمة، وتماميتها منوط بعدم وجود المتيقن في مقام التخاطب، وبعد فرض تيقن
نوع اليقين المتعلق بالوضوء، لا يبقى مجال الاخذ بإطلاق الكبرى والتعدي عن نوع اليقين بالوضوء إلى غيره، فلا محيص حينئذ في
استفادة عموم الكبرى من جعل اللام فيها للجنس بالتقريب الذي ذكرناه، ومعه لا يفرق بين جعل من وضوئه من الجهات التعليلية لليقين
أو الجهات التقييدية، فإنه على كل تقدير يتم دعوى التعميم كما هو ظاهر.
إزاحة شبهة
قد يورد على دلالة الرواية على حجية الاستصحاب ولو في خصوص موردها بما حاصله انه لا بد في الاستصحاب من أن يكون
المستصحب مما يتصور له البقاء والاستمرار ليكون بحدوثه متعلقا لليقين وببقائه متعلقا للشك فيجتمع فيه بهذه العناية اليقين والشك
الفعليان (والوضوء) باعتبار كونه عبارة عن الغسلات والمسحات الخاصة لا يكون بذاته قابلا للدوام والاستمرار فلا يتصور فيه الشك
في البقاء، حتى يكون إيجاب المضي على طبق اليقين به من باب تطبيق الاستصحاب، بل لا بد وأن يكون ذلك من باب تطبيق قاعدة
المقتضى والمانع باعتبار ان الوضوء مقتضى للآثار التي منها جواز الدخول في الصلاة، والنوم وأمثاله من الاحداث المانعة عن تأثيره
فيها، ولما كان الراوي متيقنا بالمقتضى وهو الوضوء وشاكا في تحقق الحدث المانع عن تأثيره أجابه الإمام عليه السلام بعدم نقض
اليقين بالمقتضى بالشك بالمانع من مثل النوم وأمثاله (وفيه) ان الوضوء بذاته وإن كان أمرا حدوثيا غير قابل للبقاء والاستمرار الا انه
باعتبار مسببه وهو الطهارة أمر قابل للدوام والبقاء وبهذه الجهة أمكن تطبيق الاستصحاب عليه لتمامية أركانه فيه من اليقين السابق
بالحدوث والشك اللاحق بالبقاء ولذا أضيف إليه النقض في الأخبار الكثيرة، بقوله عليه السلام: لا ينقض الوضوء الا ما خرج من طرفيك
أو النوم (وان شئت قلت): ان اليقين بالوضوء في المقام كناية عن اليقين بأثره من الطهور القابل لتعلق الشك ببقائه، لا انه بنفسه موضوع
النقض كي يقتضى حمل الرواية على قاعدة المقتضى والمانع، والنكتة، في التعبير عن اليقين
44

بالطهارة باليقين بالوضوء هي خفائها عن الأذهان في مورد الوضوء بنحو لا طريق إليها الا من جهة اليقين بسببها الذي هو الوضوء، و
يؤيده جعل اليقين بنفس الطهارة الخبثية في الرواية الآتية صغرى لهذا القياس باعتبار وضوحها وعدم خفائها عن الأذهان بحيث
يحتاج الإشارة إليها إلى الإشارة إلى سببها (وحينئذ) فبعد ظهور الكبرى المزبورة في الرواية في اليقين الحقيقي بالشئ والشك فيه
نفسه الظاهر في اتحاد متعلق الوصفين ولو بنحو من العناية لا وجه لصرفها عما تقتضيه من الظهور في الاستصحاب لاستخراج القاعدة
المزبورة باعمال ضرب من المسامحة والعناية في اليقين في الكبرى بجعل اليقين بالشئ هو اليقين بالعناية الذي هو عين اليقين
بمقتضيه خصوصا مع ظهور كبرى نقض اليقين بالشك في كونه من جهة المعاندة بين الوصفين لا المعاندة بين متعلقيهما (ولا أقل) من
تقديم العرف حسب ارتكازه في مثل هذه القضية المسامحة في وحدة متعلق الوصفين بتجريده عن التقطيع الحاصل فيه من جهة تعلق
الوصفين على العناية في اليقين بجعل ظهور القضية في وحدة المتعلقين بنحو من الاتحاد قرينة على كون اليقين بالوضوء كناية عن
اليقين بالطهارة الحاصلة منه، خصوصا مع ملاحظة تكرر هذه الكبرى في غير واحد من الاخبار (وحينئذ) فلا إشكال في دلالة الرواية
على حجية الاستصحاب، كما لا إشكال أيضا في استفادة التعميم منها في جميع أبواب الفقه.
(ومنها) صحيحة أخرى لزرارة
مضمرة أيضا، قال قلت: له أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شئ من المني فعلمت اثره إلى أن أصب عليه الماء فحضرت الصلاة ونسيت
ان بثوبي شيئا وصليت، ثم اني ذكرت بعد ذلك، قال عليه السلام: تعيد الصلاة وتغسله... قلت فإن لم أكن رأيت موضعه وعلمت انه اصابه
فطلبته ولم أقدر عليه فلما صليت وجدته قال عليه السلام: تغسله وتعيد، قلت: فان ظننت انه اصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت ولم أر شيئا
فصليت فيه فرأيت فيه، قال عليه السلام: تغسله ولا تعيد الصلاة، قلت: لم ذلك قال عليه السلام: لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت
وليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك أبدا، قلت فانى قد علمت أنه اصابه ولم أدر أين هو فاغسله، قال عليه السلام: تغسل من ثوبك
الناحية التي ترى انه قد أصابها حتى تكون على يقين
45

من طهارتك، قلت. فهل علي ان شككت انه اصابه شئ قال عليه السلام: لا ولكن انما تريد ان تذهب بالشك الذي وقع من نفسك، قلت: ان
رأيته في ثوبي وانا في الصلاة، قال عليه السلام تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته، وان لم تشك ثم رأيته رطبا
قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعله شئ أوقع عليك فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك.
وتقريب الاستدلال بهذه الصحيحة على حجية الاستصحاب كما في الصحيحة الأولى (فان) في فقرتي الرواية صدرا وذيلا دلالة واضحة
على المدعي وتطبيق الاستصحاب على المورد خصوصا الفقرة الأخيرة منها فإنها بقرينة إبدأ الإمام عليه السلام احتمال وقوع نجاسته
جديدة حين رؤيتها في الصلاة ظاهرة في تطبيق الاستصحاب على المورد المقتضى لعدم الإعادة (وحينئذ) فلا إشكال من هذه الجهة
وانما الكلام والاشكال فيها في موضعين
(أحدهما)
فيما في الفقرة الثانية المفروضة في كلام الراوي من العلم الاجمالي بنجاسته ثوبه، وحاصله ان مثل زرارة كيف يتصور في حقه الاقدام
على الدخول في الصلاة مع العلم الاجمالي بنجاسة ثوبه، حيث إن الحمل على غفلته عن نجاسة ثوبه حين الدخول في الصلاة بعيد في الغاية
كبعد حمله على صورة حصول القطع بالعدم بعد الفحص، وأبعد منه حمله على عدم منجزية العلم الاجمالي عنده (ولكن) يدفع هذا
الاشكال بالالتزام بغفلته عن نجاسة ثوبه حين الدخول في الصلاة (إذ لم يكن) في البين ما يوجب بعد ذلك منه، ولا كان في كلامه أيضا
ما يبعده غير أنه طلبها ولم يظفر بها فدخل في الصلاة ثم وجدها بعد الصلاة.
(وثانيهما)
في كيفية تطبيق الاستصحاب في الفقرة الثانية على المورد وتصحيح تعليل عدم وجوب الإعادة بعد الالتفات والعلم بوقوع الصلاة في
الثوب النجس بقوله عليه السلام: لأنك كنت على يقين من طهارتك إلخ، مع أن الإعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة لا تكون من
نقض اليقين بالطهارة بالشك فيها بل هي من
46

نقض اليقين بها باليقين، بالنجاسة، ولأجل هذا الاشكال وقعوا في حيص وبيص وسلك كل في حله سبيلا (أقول): ولا يخفى ان أصل
هذا الاشكال مبنى على كون النجاسة المرئية بعد الصلاة هي النجاسة المظنونة التي خفيت عليه قبل الصلاة، فإنه عليه يتوجه الاشكال
بان هذا التعليل انما يصحح مشروعية الدخول في الصلاة مع ظن الإصابة لكون المنع عن الدخول فيها لأجل الظن المزبور نقضا لليقين
بالطهارة بالشك فيها، لا نفى إعادة الصلاة بعد إتمامها وتبين وقوعها في النجاسة، لان إعادة الصلاة حينئذ لا تكون من نقض اليقين
بالشك وانما هي من نقض اليقين باليقين (واما لو كانت) النجاسة المرئية مما احتمل وقوعها بعد الصلاة بحيث لم يعلم وقوع الصلاة
فيها كما لعله الظاهر أيضا ولو بقرينة تغير أسلوب العبارة من كلام الراوي في هذه الفقرة بقوله: فلما صليت فيه فرأيت فيه خاليا عن
الضمير الذي أتى به في الفقرة قبلها بقوله: فلما صليت وجدته مع الضمير، فإنه لو كانت النجاسة المرئية هي المظنونة التي خفيت عليه
قبل الصلاة لكان الجري أن يقول: رأيته مع الضمير لا خاليا عنه، مؤيدا ذلك بما في الفقرة الأخيرة من الرواية التي أبدى فيها الإمام عليه السلام
احتمال وقوع النجاسة حين رؤيتها، فلا يرد في البين إشكال (بداهة) استقامة تعليل عدم وجوب الإعادة حينئذ بعدم نقض اليقين
بالطهارة بالشك فيها، إذ إعادة الصلاة باحتمال وقوعها في النجاسة عين الاعتناء باحتمال نجاسة الثوب حال الاشتغال بالصلاة وهي
نقض لليقين بطهارته بالشك فيها ولكن الذي يبعد ذلك استيحاش السائل عن التفرقة بين الفرضين وسؤاله عن لم التفصيل، فإنه لولا
فرض كون النجاسة المرئية هي المظنونة سابقا لا مجال لاستيحاشه مع ارتكازية الاستصحاب في ذهنه (وكيف كان) فقد أجابوا في
التفصي عن الاشكال المزبور بوجوه.
(منها)
ان حسن التعليل انما هو من جهة اقتضاء الامر الظاهري للاجزاء، فان الراوي لما كان مستصحبا للطهارة حال الدخول في الصلاة إلى
حين الفراغ منها كانت صلاته مجزية عن الإعادة ولو بعد تبين الخلاف (وفيه ما لا يخفى) فإنه مع
47

بعده في نفسه ينافي ظهور الرواية (إذ عليه) ينبغي تعليل عدم الإعادة باقتضاء الامر الظاهري للاجزاء، لا بعدم نقض اليقين بالطهارة
بالشك (واحتمال) ان عدم التعليل بذلك من جهة كونه مرتكزا في ذهن الراوي، فمن هذه الجهة لم يتعرض لبيان ذلك بل تعرض لبيان
وجود الامر الظاهري باستصحاب الطهارة (مدفوع) بأنه مضافا إلى أنه من البعيد كل البعد اقتضاء الأوامر الطريقية للاجزاء عند مثل
زرارة اما مطلقا أو في خصوص المورد بحيث كان من المرتكزات الذهنية غير المحتاج إلى التنبيه عليها، خصوصا مع وجود الخلاف
العظيم في تلك المسألة وذهاب المعظم فيها إلى عدم الاجزاء (انه لا يناسب) ذلك تعليل عدم الإعادة بحرمة نقض اليقين بالشك، فان
معنى حرمة نقض اليقين بالشك هو حرمة رفع اليد عن آثار المتيقن المترتب عليه ببركة اليقين ووجوب ترتبها عليه، لا وجوب ترتيب
آثار نفس الاستصحاب، وإذا كان عدم الإعادة من آثار نفس الاستصحاب ولوازمه لا من لوازم المستصحب وآثاره، فلا يكون نقيضه
وهو الإعادة معنونا بكونه نقضا لليقين بالشك كي بذلك يحسن التعليل المزبور، فحسن التعليل بعدم نقض اليقين بالشك لا يكون الا إذا
كانت الإعادة معنونا بعنوان النقض المزبور، ولا يكون ذلك الا إذا كانت من آثار المستصحب لا الاستصحاب ومعه يتوجه الاشكال
المزبور بان الإعادة مع انكشاف الخلاف تكون من نقض اليقين باليقين لا بالشك.
ومنها
ما عن المحقق الخراساني قده من أن حسن التعليل بالاستصحاب انما هو باعتبار ان الشرط في باب الطهارة الخبثية حال الالتفات إليها
مجرد إحراز الطهارة ولو بالأصل لانفسها، فالحكم بصحة الصلاة وعدم وجوب إعادتها انما هو من جهة ان الراوي كان محرزا
للطهارة باستصحابها حال الاتيان بالصلاة وواجدا لما هو شرط صحتها واقعا (وفيه) انه ينبغي حينئذ تعليل عدم الإعادة بنفس إحراز
الطهارة حال الاتيان بها (لا بالطهارة) المحرزة بالاستصحاب في ظرف انكشاف الخلاف كما هو مقتضى التعليل الظاهر في كونها
تمام المناط لعدم الإعادة، لا انها جز المناط أو مقدمة لكبرى
48

أخرى تكون هي العلة لعدم الإعادة (ودعوى) ان ذلك انما هو بلحاظ حال قبل انكشاف الخلاف أعني حال الاتيان بالصلاة كما يقتضيه
أيضا ظهور القضية في الماضوية، لا انه بلحاظ حال بعد انكشاف الخلاف، وذلك أيضا لنكتة التنبيه على كبرى أخرى تكون هي العلة
لعدم الإعادة وهي موضوعية الاستصحاب في ذلك الحال في صحة العمل وكفاية إحراز الطهارة ولو بالأصل في الشرطية واقعا
(مدفوعة) بان ذلك انما يوجب حسن التعليل بالاستصحاب إذا كانت الكبرى المزبورة مركوزة في ذهن الراوي من الخارج بنحو يوجب
تحذير مثله بقوله عليه السلام: فليس لك إلخ، والا فعلى ما هو المرتكز في الأذهان في نحو هذه الأوامر من الطريقية المحضة لا يفيد
التعليل المزبور شيئا ولو كان ذلك بلحاظ الحال السابق لا الحال الفعلي، فإنه مع انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة، يتوجه الاشكال
بان الإعادة تكون من نقض اليقين باليقين لا بالشك، فصحة التعليل بمثل هذه القاعدة المغروسة طريقتها في الأذهان تحتاج إلى إعمال
تعبد على خلاف ما هو المرتكز في ذهن الراوي من الطريقية المحضة غير المفيدة للاجزاء، ببيان كبرى أخرى وهي موضوعية
الاستصحاب وكفاية مجرد إحراز الطهارة بالأصل ولو في خصوص المورد في صحة العمل وفي الشرطية واقعا، وبدونه يبقى
الاشكال في الرواية على حاله ولا يمكن الذب عنه بمثل التقريب المزبور، الا بما ذكرناه من التقريب (ومن التأمل فيما ذكرنا) يظهر
أيضا انه لا مجال لتصحيح التعليل المزبور بجعله من قبيل التعليل بالاسكار لحرمة شرب الخمر لإفادة كبرى كلية وهي كفاية إحراز
الطهارة في الشرطية واقعا وعدم وجوب الإعادة على كل من كان محرزا للطهارة (إذ فيه) ان ذلك يتم إذا كان لسان التعليل جريان
الاستصحاب في المورد تعبدا (إذ حينئذ) بدلالة الاقتضاء يستفاد منه كفاية مجرد إحراز الطهارة بالاستصحاب في الشرطية واقعا أو
في الاجزاء وعدم وجوب الإعادة، لا فيما كان ذلك بلسان ان جريانه في المورد كان بمقتضى الارتكاز كما هو قضية تحذيره بقوله
فليس ينبغي لك إلخ (والا) فبعد إن كان المغروس في الأذهان طريقية الاستصحاب وعدم اقتضائه الاجزاء لا موضوعيته، فلا بد في
الحكم بعدم الإعادة من التنبيه على موضوعية الاستصحاب
49

في المورد، وبدونه يبقى الاشكال المزبور على حاله.
مع أنه على ذلك لا مجال لجريان الاستصحاب في المورد لعدم ترتب أثر عملي حينئذ على الطهارة الواقعية (فان المراد) من أمثال هذه
الأوامر الطريقية والتنزيلات الظاهرية التي منها حرمة نقض اليقين بالشك انما هو الامر بترتيب ما للواقع من الآثار العملية لولا الامارة
أو الاستصحاب، ومع فرض خروج الطهارة الواقعية عن موضوع الشرطية وعدم ترتب أثر عملي عليها لا يجري فيها الاستصحاب، فلا
تكون حينئذ طهارة استصحابية حتى يترتب عليها الآثار المزبورة.
واما ما أفاده في دفع الاشكال من كفاية كونها شرطا اقتضائيا في جريان الاستصحاب (فمدفوع) بان مجرد الشرطية الاقتضائية غير
كافية في جريان الاستصحاب ما لم تبلغ إلى مرحلة الفعلية، لان الاستصحاب وظيفة عملية ولا بد في جريانه من ترتب أثر عملي على
المستصحب (كما أن) ما أفاده من كفاية كونها من قيود الشرط الذي هو إحرازها بخصوصها لا غيرها في جريان الاستصحاب لعدم
انعزالها حينئذ عن الشرطية بالمرة وانه بجريان الاستصحاب فيها يتحقق إحرازها الذي هو شرط فعلي (مدفوع) بان المراد من قيد
الشرط إن كان هو الطهارة بوجودها اللحاظي الاعتقادي، فهو مع أنه من عدم بانعدام اعتقاده غير مجد في جريان الاستصحاب (لان)
من شرط جريانه ان يكون المستصحب بوجوده الواقعي مما يترتب عليه الأثر، لا بوجوده الذهني الاعتقادي (وإن كان) المراد به
الطهارة الواقعية فيلزم في المقام بطلان الصلاة بانعدامه حسب الفرض (فعلى كل تقدير) لا مجال لتصحيح التعليل المزبور بالبيان
المذكور.
(ومنها)
ان حسن التعليل انما هو بلحاظ ان الشرط هو الجامع بين الطهارة الواقعية والظاهرية، حيث إنه باستصحاب الطهارة يتحقق أحد فردي
الجامع الموضوع للتكليف أو الوضع، فيترتب عليه عدم وجوب إعادة الصلاة لكونها واجدة لما هو شرط صحتها واقعا (وفيه) ان هذا
المقدار لا يصحح أمر الاستصحاب (لوضوح) ان مقتضى شرطية الجامع بين الطهارتين هو خروج الطهارة
50

الواقعية بخصوصيتها عن موضوع الشرطية، ولازمه عدم صحة تطبيق الاستصحاب عليها بخصوصها لعدم ترتب أثر عملي عليها كي
يتحقق باستصحابها أحد فردي الجامع (بل لازمه) عدم صحة تطبيقه أيضا على الحصة من الجامع المتحقق في ضمنها، لوضوح ان مثل هذه
الحصة انما يترتب عليها الأثر العملي في فرض سبق وجودها الموجب لكونها فرد صرف الجامع الموضوع للتكليف أو الوضع، وهذا
المعنى يلازم مع مطابقة الاستصحاب للواقع، والا ففي فرض مخالفته للواقع لا يكون لمثل هذه الحصة أثر عملي الا على فرض عدم
جريان الاستصحاب، إذ مع جريان الاستصحاب يكون الأثر للحصة الأخرى من الجامع المتحقق في ضمن الفرد التعبدي (ومن الواضح)
انه لا يمكن ان يصحح به أمر الاستصحاب في فرض المخالفة للواقع، لأنه يلزم من وجوده عدمه (فلا بد) في مثل الفرض من الالتزام
بجريان الاستصحاب بلحاظ ما يترتب على نفس الاستصحاب وهو كما ترى.
(وبما ذكرنا) ظهر انه لا مجال لتطبيق الاستصحاب على نفس الجامع بينهما أيضا من جهة استحالة انطباق الجامع المستصحب على نفس
الجامع بينهما أيضا من جهة استحالة انطباق الجامع المستصحب على ما يترتب على نفس استصحابه (فعلى كل تقدير) لا استصحاب في
البين حتى يتحقق به أحد فردي الجامع فيترتب عليه صحة الصلاة واقعا هذا (مضافا) إلى امتناع كون الشرط في أمثال المقام هو الجامع
بين الطهارة الواقعية والاستصحابية، فإنه مع تأخر الاستصحاب عن المستصحب رتبة يستحيل قابلية الجامع للانطباق على ما يتحقق من
قبل نفس الاستصحاب المتأخر عنه رتبة كما هو ظاهر فتدبر (اللهم) الا ان يلتزم بكون الطهارة الخبثية بنفسها من الأحكام المجعولة
الوضعية ويقال: بكفاية مجرد شرعيتها في نفسها لجريان الاستصحاب فيها، وان الطهارة المستصحبة ولو بلحاظ نفسها شرط واقعي
للصلاة (ولكنه خلاف التحقيق، فان التحقيق فيها هو كونه من الأمور الواقعية المكشوفة بنظر الشارع، وعليه لا يبقى مجال للاستصحاب
المزبور بعد عدم ترتب أثر عملي عليه غير صحة هذه الصلاة.
(ومنها)
ان حسن التعليل انما هو من جهة ان في باب الطهارة و
51

يكون المانع عن صحة الصلاة هو العلم بالنجاسة (اما) من حيث كونه منجزا لأحكامها فيكون المقصود من التعليل بالطهارة التوطئة
لذكر العلة وتنبيه السائل على كونه ممن لم يتنجز عليه أحكام النجاسة لمكان يقينه السابق بالطهارة وعدم تبدله باليقين بالنجاسة
حين الدخول في الصلاة حتى يتنجز عليه أحكامها (ببيان) انك أيها السائل لما كنت على يقين من طهارتك فما كنت محرزا للنجاسة كي
يتنجز عليك أحكامها وتجب عليك إعادة الصلاة عند انكشاف وقوعها في النجاسة، فمفاد هذه الصحيحة حينئذ نظير مفاد الأخبار الدالة
على جواز الدخول في الصلاة مع الشك في نجاسة البدن أو اللباس وعدم العلم بها تفصيلا أو إجمالا، ولا يكون فيها الدلالة على شرطية
الطهارة (وفيه) انه على هذا المبنى كان المناسب تعليل عدم الإعادة بعدم إحراز النجاسة حال الدخول في الصلاة، لا باستصحاب
الطهارة خصوصا مع كونه مسبوقا بعلة أخرى وهي عدم العلم بالنجاسة (مع أنه) على ذلك لا أثر للطهارة حتى يصح التعبد بوجودها،
فلا استصحاب حينئذ حتى يصح التعليل به ولو للتوطئة لذكر علة أخرى كما هو ظاهر (اللهم) الا ان يقال إن الاكتفاء بعدم العلم بالنجاسة
في صحة الصلاة انما هو في صورة الغفلة عن النجاسة، واما مع الالتفات إليها فلا بد في صحة الصلاة ومشروعية الدخول فيها من إحراز
الطهارة بوجه ما، جمعا بين ما دل على اشتراط إحراز الطهارة في صحة الصلاة ومشروعية الدخول فيها، وبين ما دل على كفاية عدم
العلم بالنجاسة في صحة الصلاة واقعا، والتعليل المزبور في الرواية ناظر إلى فرض الالتفات إلى النجاسة فلا إشكال حينئذ في صحة
التعليل (ولكن) يتوجه عليه انه مع كونه خارجا عن الفرض موجب لعود الاشكال في صحة تطبيق التعليل على المورد.
فالأولى في التفصي عن الاشكال هو الجواب عنه بما ذكرناه من احتمال كون النجاسة المرئية غير النجاسة المظنونة سابقا (ومع
الغض) عنه فالانصاف هو الاعتراف بالعجز عن الجواب عنه (ولكن) لا يضر ذلك بما نحن بصدده من عموم الكبرى، فان دلالتها على
حجية الاستصحاب في غاية الوضوح فهمنا كيفية تطبيق الكبرى على المورد أو لم نفهمه.
52

بقي الكلام
في وجه الجمع بين ما دل على صحة الصلاة وعدم وجوب إعادتها عند تبين وقوعها في النجاسة، كهذه الصحيحة على أحد الاحتمالين و
بعض النصوص الاخر، وبين ما دل على اشتراط الصلاة بطهارة الثوب والبدن الظاهر في الطهارة الواقعية المقتضى لبطلان الصلاة
عند فقدانها، كسائر الشرائط الأخر من الستر والقبلة والطهارة الحدثية، بل هذا البحث لا يختص بالمقام فيجري في كل مورد قام
الدليل على الصحة وعدم وجوب الإعادة عند فقد بعض الاجزاء والشرائط.
(فنقول): ان الجمع بين الأدلة في المقام يتصور على وجوه (أحدها) ان يكون للعلم بموضوع الشرطية دخل في أصل الاشتراط واقعا
بحيث تدور الشرطية أو المانعية الواقعية مدار العلم بموضوع الشرط أو المانع وبدونه لا تكون النجاسة مانعة عن صحة الصلاة، ولا
الطهارة شرطا لها (وثانيها) ان يكون الشرط هو الطهارة بوجودها العلمي لا بوجودها الواقعي، والفرق بين هذا الوجه وسابقه هو انه
على الوجه السابق يكتفى في صحة الصلاة بمجرد عدم العلم بالنجاسة ولا يحتاج إلى إحراز الطهارة، بخلاف هذا الوجه فإنه لا يكفي في
مشروعية الدخول في الصلاة وصحتها مجرد عدم إحراز النجاسة، بل لا بد في صحة الصلاة من إحراز الطهارة حين الدخول فيها ولو
بالأصل.
(وثالثها) ان يكون الشرط هو الجامع بين الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية ولو بالاستصحاب أو قاعدة الطهارة.
(ورابعها) إبقاء أدلة الاشتراط على ظاهرها من الشرطية الواقعية والالتزام بمفوتية المأتي به ناقصا لمصلحة الواقع بمناط المضادة
بحيث لا يمكن مع الاتيان به استيفاء المصلحة الكامنة في المأمور به الواقعي.
(وخامسها) ان يكون الاجزاء وعدم الإعادة بمناط وفاء المأتي به بالطهارة الظاهرية بسنخ ما يفي به الطهارة الواقعية من المصلحة ولو
بمرتبة منها على وجه يوجب
53

تفويت تدارك الباقي الوافي به خصوص الطهارة الواقعية، لا تفويت أصل المصلحة كما هو مقتضى الوجه الرابع، ومرجع ذلك إلى وفاء
كل منهما بخصوصه بمرتبة من سنخ المصلحة غاية الأمر بنحو يكون ترتب الثاني في الوفاء بالغرض على عدم الأول، (أو بجامعهما) مع
طولية الفردين بنحو يكون الجامع في كل مرتبة منحصر الفرد (فهذه) وجوه خمسة في الجمع بين الأدلة.
ولكن امتن الوجوه وأوفقها بالقواعد هو الوجه الأخير (إذ هو نحو جمع) بين الأدلة لكونه إبقاء للأدلة الدالة على شرطية الطهارة على
ظاهرها في اعتبار الطهارة الواقعية بخصوصها بحسب الجعل الأولى، وموافقا لما عليه فتوى الأصحاب من لزوم إحراز الطهارة بوجه
في صحة الصلاة ومشروعية الدخول فيها عند الالتفات إليها وعدم جواز الاكتفاء بالشك فيها من دون مزيل شرعي له، ومنطبقا أيضا
على ظواهر الأخبار الدالة على تمامية الصلاة وعدم وجوب إعادتها عند تبين وقوعها في النجاسة، اما لكون المكلف غافلا عن النجاسة،
واما لكونه محرزا للطهارة بوجه حال الاتيان بالعمل (وهذا) بخلاف الوجوه الأخر، فإنها تنافي ظواهر الأدلة الدالة على شرطية
الطهارة الواقعية بخصوصها، ومع ذلك لا يسلم بعضها عن الاشكال أيضا (اما الوجهان الأولان) فمخالفتهما، لظواهر تلك الأدلة ظاهرة،
خصوصا الوجه الأول منها، فإنه ينافي ما عليه فتوى المشهور من لزوم إحراز الطهارة ولو بوجه في صحة الصلاة ومشروعية الدخول
فيها، وعدم جواز الاكتفاء بالشك فيها من دون مزيل شرعي له (وكذلك الوجه الثاني) لمنافاته أيضا لما تقتضيه ظواهر الأدلة من
شرطية الطهارة الواقعية بخصوصها، مضافا إلى ما عرفت من الاشكال في تصوير الجامع بين الطهارة الواقعية والتعبدية من حيث عدم
قابلية الجامع للانطباق على ما يترتب على التعبد بوجوده، مع عدم جريانه أيضا في فرض الغفلة عن النجاسة لعدم وجود مصداق تعبدي
لها حينئذ (نعم) لو أغمض عن إشكال تصوير الجامع بينهما لا يرد عليه شبهة لزوم صحة توجيه الطلب التخييري نحو الفردين (إذ ذلك)
انما هو من تبعات عرضية الفردين، والا فمع طولية فردي الجامع وكونه منحصر الفرد في
54

كل مرتبة لا يقتضى مجرد وفاء الجامع بالغرض صحة توجيه الامر التخييري نحو الفردين كما هو ظاهر (واما الوجه الرابع) فهو أيضا
ينافي النصوص الدالة على عدم إعادة الصلاة وكونها ماضية الظاهرة في بدلية المأتي به ووفائه بسنخ ما يفي به الطهارة الواقعية ولو
بمرتبة منه، فيتعين الوجه الخامس لسلامته عن الاشكال وموافقته لظاهر الأدلة، ولما عليه فتوى الأصحاب (ولعله) إلى ذلك أيضا يرجع
ما أفاده بعض الأعاظم قدس سره في الجمع بين الأدلة من أن الاجزاء وعدم الإعادة انما هو لأجل قناعة الشارع عن المأمور به بما يقع
امتثالا له لان الفعل المأتي به في هذا الحال بعنوان امتثال الواقع بدل عن الواقع المأمور به وكان مما يقوم به الغرض من الامر الواقعي
في هذا الحال، فكان المقصود من قوله اشتمال المأتي به على الغرض من الامر هو اشتماله له ولو ببعض مراتبه، لا بجميع مراتب مصلحة
الواقع (والا) فلا بد اما من الالتزام بتدارك الغرض الواقعي القائم بالطهارة الواقعية بما في المأتي به من المصلحة في هذا الحال، أو
الالتزام بقيام الغرض الواقعي بالجامع بينهما (والأول) ينافي البدلية الظاهرة في وفاء المأتي به بسنخ ما يفي به الواقع (والثاني) يرجع
إلى الوجه الثاني في كلامه الذي استبعده وهو كون الشرط الأعم من الطهارة الواقعية والاحرازية فلا يكون وجها ثالثا في الجمع بين
الأدلة.
ومنها صحيحة ثالثة لزرارة
أيضا وهي قوله عليه السلام: إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شئ عليه ولا ينقض
اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكنه تنقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبنى عليه ولا يعتد
بالشك في حال من الحالات (ومحل الاستدلال) قوله عليه السلام ولا ينقض اليقين بالشك بالتقريب الذي تقدم في الأخبار السابقة (وقد
أورد) الشيخ
55

قدس سره على الاستدلال بها بما حاصله ان المراد من الركعة في قوله عليه السلام: قام فأضاف إليها أخرى، اما الركعة الموصولة
بالركعات السابقة، واما الركعة المفصولة عنها بتكبير وسلام (فعلى الأول) وإن كان ينطبق على الاستصحاب، ولكنه يخالف ما استقر
عليه مذهب الإمامية من البناء على الأكثر وإتيان ركعة أخرى مفصولة عنها بتكبير وسلام، ويوافق مذهب العامة، بل يخالف أيضا، ما
في صدر الحديث من قوله عليه السلام: في من لم يدر في ثنتين هو أم في أربع، يركع بركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب
ويتشهد ولا شئ عليه الظاهر بقرينة تعيين فاتحة الكتاب في إرادة ركعتين منفصلتين أعني صلاة الاحتياط، فلا بد حينئذ من أن يكون
المراد من قوله قام فأضاف إليها أخرى الركعة المفصولة المستقلة بعد التشهد والتسليم في الركعة المرددة كما هو مذهب الإمامية، و
عليه لا تنطبق الرواية على الاستصحاب، إذ يكون المراد من اليقين في قوله لا تنقض اليقين بالشك حينئذ هو العمل الذي يوجب اليقين
بالفراغ عن عهدة التكليف أعني البناء على الأكثر والاتيان بركعة الاحتياط (وقد جرى) اصطلاح الأئمة عليهم السلام على التعبير عن
الوظيفة المقررة في الشك في عدد الركعات بالبناء على اليقين، ومنه قوله عليه السلام: في الموثقة الآتية، إذا شككت فابن علي يقين،
فان المراد من اليقين فيه هو البناء على الأكثر وإتيان ركعة الاحتياط (وعلى فرض) ظهور الرواية في إرادة الركعة الموصولة لا بد من
صرفها عن ظاهرها بما توافق مذهب الإمامية، والا فلا بد من حملها على التقية وهو أيضا خلاف الأصل، فان أصالة الجهة فيها تقتضي
صدورها لبيان الحكم الواقعي (واما) ارتكاب التقية في تطبيق القاعدة وإجرائها على المورد لا في أصل كبرى القاعدة، فيحمل قوله ولا
تنقض اليقين بالشك على بيان الواقع، فبعيد جدا (إذ ذلك) مضافا إلى كونه خلاف ظاهر آخر، ينافي ما في صدر الرواية من الظهور في
لزوم الفصل في الشك بين الاثنين والثلاث على خلاف مذهب العامة انتهى ملخص الاشكال (ولكن فيه) ان حمل اليقين في الرواية على
اليقين بالبرأة والاخذ بالوظيفة المقررة في الشك في عدد الركعات التي علمها الإمام عليه السلام في اخبار اخر بقوله أ لا أعلمك شيئا
ان نقصت فكذا وان أتممت فكذا خلاف ظاهر الرواية جدا، (كيف) وان
56

قوله عليه السلام: لا تنقض اليقين بالشك ظاهر بل صريح في اليقين الفعلي فارغا عن ثبوته وتحققه، ومثله لا يناسب الا الاستصحاب، و
الا فلا يناسب مع اليقين المستفاد من أدلة الشكوك، لان مثل هذا اليقين مما يجب تحصيله بإتيان الوظيفة المقررة من صلاة الاحتياط بعد
البناء على الأكثر، خصوصا بعد ملاحظة التعبير بالنقض الذي لا يناسب الا مع الاستصحاب، وملاحظة ورود هذه الجملة في الأخبار السابقة
الظاهرة بل الصريحة في الاستصحاب (واما) ما جرى عليه اصطلاحهم عليهم السلام من التعبير عن الوظيفة المقررة في الشك
في عدد الركعات فإنما هو بعنوان البناء على اليقين أو العمل على اليقين لا بعنوان نقض اليقين بالشك كما في المقام، وبينهما بون بعيد.
(واما ما أفيد) من منافاة الحمل على التقية حتى في مقام التطبيق على المورد لما في صدر الرواية من الظهور في إرادة صلاة الاحتياط
على خلاف مذهب العامة (ففيه) انه لا ظهور في صدر الرواية في خلاف التقية بنحو يمنع عن حمل هذه الفقرة عليها، وإعمال التقية في
إجراء القاعدة وتطبيقها على المورد لا في نفسها، لا بعد فيه بعد ظهور الجواب في البناء على الأقل الذي هو مقتضى الاستصحاب (ولو
سلم ذلك فلا يكون بأبعد من الحمل على الوظيفة المقررة في الشك في عدد الركعات، بل يكون الحمل على التقية في تطبيق القاعدة على
المورد أقرب من حمل اليقين فيها على تحصيل اليقين بالبرأة بإتيان الوظيفة المعهودة في الشك في عدد الركعات، إذ لا يلزم منه
التصرف فيما يقتضيه ظهور قوله لا تنقض اليقين بالشك، لان التصرف انما يكون ممحضا في تطبيق القاعدة التي استشهد بها لحكم
المورد، لا في أصل كبرى حرمة النقض.
ومثله غير عزيز في الأخبار الواردة عنهم عليهم السلام (وقد ورد) نظير ذلك عنهم في بعض الأخبار، كقوله عليه السلام للخليفة
العباسي بعد سؤال اللعين عن الافطار في اليوم الذي شهد بعض بأنه يوم العيد، ذاك إلى امام المسلمين ان صام
57

صمنا معه وان أفطر أفطرنا معه، ومن هنا أخذ الاستصحاب بقوله عليه السلام ذاك إلى امام المسلمين وحملوه على بيان الواقع و
استدلوا به على اعتبار حكم الحاكم بالهلال، مع أن الإمام عليه السلام اتقى بقوله ذلك عن اللعين حتى أنه أفطر بعد عرض العباسي عليه
الافطار مخافة ضرب عنقه، وليس ذلك الا من جهة كون التقية في تطبيق هذه الكبرى على المورد لا في أصل الكبرى (ونظير) ذلك
أيضا ما ورد من استشهاد الإمام عليه السلام بحديث الرفع المروي عن النبي صلى الله عليه وآله على بطلان الحلف بالطلاق والعتاق و
الصدقة بما يملك (وعلى ذلك) فلا قصور في الاخذ بما تقتضيه الصحيحة من الظهور في الاستصحاب الموجب للزوم البناء على الأقل
غاية الأمر من جهة مخالفته للمذهب يصار إلى التقية في تطبيق لا تنقض على المورد.
لا يقال إن احتمال التقية في تطبيق القاعدة على المورد معارض باحتمالها في أصل بيان الكبرى، ومع الجزم باعمال تقية في البين
تسقط أصالة الجهة من الطرفين ومع سقوطها لا يبقى مجال الاستدلال بها بأصل الكبرى أيضا.
فإنه يقال إن تحقق المعارضة بينهما فرع ترتب أثر عمل على أصالة الجهة في طرف التطبيق حتى في فرض صدور الكبرى تقية، والا
فبدونه لا تجري فيه الأصل المزبور (وحيث) انه لا أثر عمل يترتب عليها في الفرض المزبور تبقى أصالة الجهة في أصل الكبرى بلا
معارض، فتصح الاستدلال بالرواية حينئذ بالنسبة إلى أصل الكبرى، ولا يضر به العلم الاجمالي باعمال تقية في البين كما هو ظاهر هذا
(مع إمكان) دعوى تمامية الاستدلال بها على حجية الاستصحاب بلا مئونة الحمل على التقية حتى في تطبيق الاستصحاب على المورد
(بتقريب ان ما يقتضيه الاستصحاب من البناء على الأقل وعدم الاتيان بالركعة المشكوكة انما هو مجرد وجوب الاتيان بركعة أخرى، و
اما كونها موصولة فهو خارج عن مقتضى الاستصحاب حتى من جهة قضية إطلاقه (وانما هو) لاقتضاء خصوصية في المورد من الحكم
الأولى المجعول فيه من لزوم اتصال أجزأ الصلاة وركعاتها بعضها ببعض المنتزع من حيث مانعية التكبير والسلام في أثنائها (الا ان)
الاجماع والنصوص الواردة في باب الشكوك بالبناء على الأكثر
58

وإتيان ركعة الاحتياط، يعينان الوظيفة الفعلية بكونها على الكيفية المعهودة عند الإمامية بإتيانها مفصولة عن الركعات بتشهد وتسليم
(ومرجع) ذلك في الحقيقة إلى تخصيص كبرى الحكم الواقعي المجعول في المورد في ظرف الشك المزبور، لا تخصيص كبرى
الاستصحاب أو تقييد إطلاقه في المورد (لما عرفت) من عدم اقتضاء الاستصحاب الا صرف الاتيان بذات ركعة أخرى لا بخصوصية
كونها موصولة ولو من جهة قضية إطلاقه كي يلزم التخصيص في دليله أو تقييده كما ظاهر (لا يقال) ان اليقين السابق بعد إن كان
متعلقا بعدم الاتيان بالركعة الرابعة موصولة بالركعات، يلزمه تعلق الشك أيضا بما تعلق به اليقين السابق، ولازم تطبيق عدم نقض
اليقين بالشك في المورد انما هو الاتيان بالركعة بخصوصية كونها موصولة على نحو تعلق بها اليقين والشك، لا مطلقا ولو مفصولة،
فلزوم الاتيان بها حينئذ مفصولة يحتاج إلى رفع اليد عن تطبيق لا تنقض على الخصوصية وهو عين تقييد الاستصحاب (فإنه يقال) هذا
انما يتم في فرض بقاء كبرى لزوم الاتصال المنتزع عن مانعية السلام والتكبير على حالها في حال الشك، والا فعلى فرض عدم بقاء
الكبرى المزبورة على حالها في هذا الحال، فلا يلزم تقييدا في كبرى الاستصحاب، إذ لا يكون تطبيقها حينئذ الا على ذات الركعة العارية
عن خصوصية كونها في ضمن الاتصال أو الانفصال فتأمل.
(نعم) لنا إشكال آخر في تطبيق الاستصحاب في الرواية على الركعة
حتى على مذهب العامة القائلين بالبناء على الأقل ولزوم الاتيان بالركعة الموصولة (ينشأ) من اختلال ركنه الذي هو الشك اللاحق (فان
الذي) تعلق به اليقين والشك انما هو عنوان الرابعة المرددة بين الشخصين، (إذ هو) قبل الشروع فيما بيده من الركعة المرددة بين
الثالثة والرابعة يقطع بعدم وجود الرابعة وبعد الشروع في أحد طرفي المعلوم بالاجمال أعني الركعة المرددة بين الثالثة والرابعة
يشك في تحقق الرابعة (ولكنه) بهذا العنوان ليس له أثر شرعي حتى يجري فيه الاستصحاب، إذ الأثر انما يكون لواقع ما هو الرابعة لذي
ينتزع عنه هذا العنوان وهو الشخص الواقعي الدائر امره
59

بين ما هو معلوم الوجود وما هو معلوم العدم، ومثله مما لا شك فيه أصلا (إذ هو) على تقدير كونه ما بيده من الركعة يقطع بوجوده، و
على تقدير كونه غيره الذي أفاد الإمام عليه السلام بالقيام إليه يقطع بعدم وجوده فعلى التقديرين لا شك فيه حتى يجري فيه
الاستصحاب (وبهذه الجهة) أيضا منعنا عن الاستصحاب في الفرد المردد، بلحاظ انتفاء الشك فيه لدورانه بين ما هو مقطوع البقاء وما
هو مقطوع الارتفاع (مع أن) وجوب التشهد والتسليم على ما يستفاد من الأدلة مترتب على رابعية الركعة بما هي مفاد كان الناقصة لا
على وجود الرابعة بمفاد كان التامة وباستصحاب عدم الاتيان بالرابعة أو عدم وجودها بمفاد ليس التامة لا يثبت اتصاف الركعة
المأتية بعد ذلك بكونها رابعة، فكان المقام نظير استصحاب عدم وجود الكر غير المثبت لكرية الموجود (وبهذه الجهة) نقول: إن عدم
جريان الاستصحاب في ركعات الصلاة انما هو على القواعد ولو لم يكن لنا أدلة خاصة بالبناء على الأكثر في الشكوك الصحيحة، لا انه
لاقتضاء تلك الأدلة ذلك (والنكتة) في ذلك ما ذكرناه من الاشكال تارة من جهة انتفاء الشك الذي هو من أركانه، وأخرى من جهة عدم
إثباته لحيث اتصاف الركعة الموجودة بكونها رابعة ليترتب عليه وجوب التشهد والتسليم (نعم) يتم ذلك على مذهب العامة من جعلهم
الاستصحاب في عداد القياس والاستحسان من الأمارات الظنية المثبتة للوازمه، والا فبناء على أخذه من الاخبار وجعله من الأصول
التعبدية غير الصالحة لاثبات غير اللوازم الشرعية، فلا مجال لتطبيقه على الركعة المشكوكة (وبما ذكرنا) يندفع ما أفيد في المقام من أنه
يكفي في جريان الاستصحاب وتطبيقه على الركعة المشكوكة مجرد إثبات عدم الاتيان بالركعة الرابعة، لان من آثاره حينئذ لزوم
الاتيان بها عقلا من دون احتياج إلى إثباته بمقتضى الاستصحاب (إذ فيه) انه بعد العلم الاجمالي وتردد الركعة بين الرابعة والخامسة لا
يعلم باتصافها بالرابعة ليترتب عليها وجوب التشهد والتسليم، لاحتمال كون المأتي به أو لا هو الرابعة وهذه خامسته، ومعه لا حكم
للعقل بلزوم الاتيان بها، لان إلزامه بذلك انما هو في
60

ظرف الفراغ عن تطبيق المستصحب وهو الرابعة عليها، لا مطلقا حتى مع الشك في انطباق المستصحب عليها، (وحينئذ) فبعد عدم تكفل
الاستصحاب المزبور لا ثبات حيث اتصاف الركعة بالرابعية لا يتمكن من إتمام هذه الصلاة، نظرا إلى الوقوع في محذور التشهد و
التسليم، ومعه لا يبقى مجال لجريانه لعدم ترتب أثر شرعي عليه (وبما ذكرنا) تظهر نكتة الفرق بين الاستصحاب في المقام وبين أدلة
البناء على الأكثر، فان الالتزام بوجوب التشهد والتسليم في الثاني انما هو من جهة تكفل تلك الأدلة بالبناء على الأكثر، لا ثبات اتصاف
الركعة الموجودة بكونها ثالثة أو رابعة، فيترتب عليه وجوب التشهد والتسليم (بخلاف الاستصحاب) فإنه بالنسبة إلى مفاد كان
الناقصة وهو ثالثية الموجود أو رابعيته لا يكون له حالة سابقة حتى يجري فيه الاستصحاب، واما بالنسبة إلى مفاد كان التامة وهو
عدم وجود الثالثة أو الرابعة فهو وان تم فيه أركانه على إشكال فيه أيضا كما تقدم، ولكنه لا يترتب عليه أثر شرعي، لان الأثر الشرعي
من وجوب التشهد والتسليم مترتب على مفاد كان الناقصة ومثله لا يثبت باستصحاب مفاد كان التامة الا على المثبت المرفوض عند
المحققين.
(وقصارى) ما يمكن ان يجاب به عن هذا الاشكال، الالتزام بحجية المثبت في خصوص المقام بقرينة تطبيق الإمام عليه السلام
الاستصحاب على المورد فإنه من جهة حفظ التطبيق عن اللغوية لا بد من الالتزام بحجية المثبت ولو باستكشاف تنزيل آخر في الرتبة
السابقة عن هذا التطبيق، فان ما تسالموا عليه من عدم حجية مثبتات الأصول انما هو لأجل قصور دليل التعبد فيها لاثبات غير اللوازم
الشرعية المترتبة على المتعبد به، لا انه من جهة محذور عقلي أو لقيام دليل بالخصوص على عدم الحجية، فإذا فرض ان في مورد قام
الدليل بالخصوص على حجية كما في المقام يؤخذ به لا محالة، إذ بعد عدم ترتب أثر شرعي على استصحاب عدم وجود الرابعة بنحو
مفاد ليس التامة لا بد من استكشاف تنزيل آخر في الرتبة السابقة عن التطبيق المزبور ليترتب عليه وجوب التشهد والتسليم المترتبين
على رابعية الموجود (ولكن) يرد على هذا التوجيه استلزامه سقوط الاستصحاب عن الجريان في مفاد كان التامة، لأنه
61

تنزيل رابعية الركعة الأخرى في المرتبة السابقة عن التطبيق المزبور يرتفع الشك تعبدا عن وجود الرابعة فلا يبقى فيه شك حتى يجري
فيه الاستصحاب، فيلزم من جريان استصحاب العدم في الركعة الرابعة عدم جريانه فيها وهو محال (ولا يقاس) ذلك بسائر المثبتات
كثبات اللحية بالقياس إلى الحياة، فان كشف التنزيل فيها في الرتبة السابقة على التطبيق على الحياة لا يقتضى رفع الشك بالنسبة إلى
الحياة، بل الشك فيها بعد على حاله فيجري فيها الاستصحاب (بخلاف) المقام فان كشف تنزيل رابعته الموجود في المرتبة السابقة على
التطبيق يقتضى رفع الشك عن وجود الرابعة تعبدا (ومعه) لا يجري فيه الاستصحاب (فالأولى) حمل الرواية على وجه آخر لا ينافي
الاستدلال بها على المطلوب وهو تطبيق الاستصحاب في الرواية على الاشتغال بالتكليف بالصلاة والشك في ارتفاعه بالاكتفاء
بالركعة المرددة كونها بين الثالثة والرابعة، فيكون المقصود من قوله عليه السلام قام فأضاف إليها أخرى هو التنبيه على حجية
الاستصحاب وعدم جواز الاكتفاء بالأقل في مرحلة الفراغ، للشك في مفرغيته لاحتمال نقيصته وانه لا بد في حصول الجزم بالفراغ و
سقوط العهدة من الاتيان بركعة أخرى، ولكن لما كان في المورد اقتضاء التقية وكان المغروس في ذهن السائل أيضا هو الاتيان
بالركعة موصولة لم يتمكن الامام من التعرض لكيفية الاتيان بها تفصيلا حذرا من المخالفين، ومع ذلك لم يدع السائل أيضا ان يأخذ بما
هو المغروس في ذهنه أو ما يقتضيه إطلاق الفتوى من جواز الاتيان بالركعة موصولة، بل تكفل لبيان حكم المسألة للسائل على نحو
الايماء والإشارة بقوله عليه السلام: ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر إيماء بالأول إلى عدم مفرغية الاكتفاء بما في
يده من الركعة لاحتمال النقيصة، وبالثاني إلى عدم مفرغية الركعة الموصولة لاحتمال الزيادة، وغرضه من هذا التكرار التشكيك على
من حضر في المجلس من المخالفين وتلبيس الامر عليهم كي لا يفهم من كلامه عليه السلام ما هو مذهبه، ولكن السائل لما كان من أهل
الدراية فهم من كلامه عليه السلام حكم المسألة وقنع بما أفاده بنحو الايماء، فكان الإمام عليه السلام جمع بما أفاده من البيان بين التقية
وغيرها فمن جهة ان السائل ليس له الاكتفاء في مقام الفراغ بما في يده من الركعة
62

المرددة بين الثالثة والرابعة طبق الاستصحاب على المورد بقوله عليه السلام قام فأضاف إليها أخرى ولا ينقض اليقين بالشك، ومن
جهة اقتضاء المورد للتقية وعدم تمكنه من التعرض لكيفية الاتيان بالركعة تفصيلا، وردع السائل أيضا عن الاخذ بما هو المغروس في
ذهنه أو ما يقتضيه إطلاق الفتوى، كرر عليه بقوله ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر أيما أ إلى حكم المسألة للسائل و
إيقاعا للشبهة على غيره ممن حضر في حكم المسألة من الاتيان بها موصولة أو مفصولة (وعلى ذلك) ففي الرواية دلالة على حجية
الاستصحاب ولا يرد عليه شئ من المحاذير.
(ومنها) ما عن الخصال بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام
قال قال أمير المؤمنين عليه السلام: من كان على يقين فشك فليمض على يقينه فان الشك لا ينقض اليقين (وفي رواية) أخرى عنه عليه
السلام من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه، فان اليقين لا يدفع بالشك (وقد أورد) الشيخ قدس سره على الاستدلال بهما،
بما حاصله ان الروايتين بقرينة اشتمالهما على لفظ كان الظاهر في اختلاف زمان الوصفين وتعاقبهما ظاهرتان في الانطباق على
قاعدة اليقين لا الاستصحاب، فان المعتبر في الاستصحاب هو اختلاف زمان متعلق الوصفين مع جواز اتحاد زمان الوصفين، وفي قاعدة
اليقين يكون المعتبر اختلاف زمان الوصفين مع وحدة زمان متعلقهما، كان يقطع يوم الجمعة بعدالة زيد في زمان ثم يشك يوم السبت
في عدالته في ذاك الزمان، فمع ظهور لفظ كان في تعاقب الوصفين يتعين حمل الروايتين على قاعدة اليقين بلحاظ كشفه عن دخل هذه
الجهة في الحكم بالمضي كما هو شأن كل عنوان مشتمل على خصوصية مأخوذ في لسان الدليل (لوضوح) ان مثل هذه الجهة انما تناسب
القاعدة لا الاستصحاب (ولكن فيه) أو لا منع دلالة مثله على الزمان، بل أقصى ما تقتضيه هي الدلالة على مجرد السبق الشامل للزماني و
الرتبي وغيرهما نظير سبق العلة على معلولها والموضوع على حكمه، كما تشهد له صحة قولك كان الزمان، وكانت العلة ولم يكن
معها معلول، وقولك ادخل البلد فمن كان مطيعا فأكرمه ومن كان عاصيا فاضرب عنقه بلا عناية أو تجوز، مع وضوح عدم كون السبق
63

المستفاد منها هو السبق الزماني، بل هو اما سبق ذاتي كما في الأول أو سبق رتبي كما في الأخيرين (والسبق) المستفاد في المقام بعينه
من هذا القبيل فيكون السبق فيه رتبيا بالقياس إلى الحكم الذي هو وجوب المضي عليه لا سبقا زمانيا (وعلى فرض) تسليم الدلالة على
خصوص السبق الزماني، لا معين لحمل الرواية على قاعدة اليقين بعد عدم إبائها عن الحمل على الاستصحاب أيضا خصوصا مع كون
الغالب فيه هو حدوث الشك بعد حدوث اليقين، والا لاقتضى ذلك الحمل عليها في الصحاح السابقة أيضا، وهو كما ترى لا يلتزم به
القائل المزبور، بل بمقتضى قوله عليه السلام فليمض على يقينه لا بد من حملها على الاستصحاب نظرا إلى ظهوره في بقاء وصف اليقين
السابق على فعليته في ظرف الشك الذي هو زمان وجوب المضي عليه، كما هو الشأن في جميع العناوين الاشتقاقية وغيرها المأخوذة
في القضايا الطلبية كقوله أكرم العالم، وأهن الفاسق، ويكره البول تحت الشجرة للثمرة الظاهرة في لزوم اتحاد ظرف الجري و
التطبيق فيها مع ظرف النسبة الحكمية، ولذلك خصصوا الكراهة في المثال بما إذا كانت الشجرة مثمرة حين إضافة البول إليها، و
التزموا في نحو مثال أكرم العالم بلزوم اتصاف الذات بالوصف العنواني حين إضافة الاكرام إليها ولو على القول بوضع العناوين
الاشتقاقية للأعم من المتلبس الفعلي والمنقضى عنه المبدأ، ولا يكون ذلك الا من جهة ظهور هذه القضايا في لزوم اتحاد ظرف التطبيق
فيها مع ظرف النسبة الحكمية (وعليه) نقول: إن من البديهي عدم انطباق هذا المعنى في المقام على غير الاستصحاب، إذ لا بقاء لوصف
اليقين في القاعدة في ظرف الشك الذي هو ظرف المضي على اليقين، فبذلك لا محيص من حمل الرواية على خصوص الاستصحاب ورفع
اليد عن ظهور القيد في الدخل في الحكم بالمضي بحمله على الغالب نظير وربائبكم اللاتي بملاحظة ان الغالب في باب الاستصحاب هو
حدوث الشك بعد حدوث اليقين، أو دعوى ان اعتبار هذا الترتب بين الوصفين عرضي ناشئ من ملاحظة الترتب بين متعلقيهما (واما
توهم) معارضة هذا الظهور مع ظهور قوله عليه السلام من كان على يقين فشك أو اصابه شك في تعلق الشك بعين ما تعلق به اليقين
السابق دقة الموجب لتعين انطباقه على خصوص قاعدة اليقين بلحاظ تعلق الشك فيها بعين ما تعلق
64

به اليقين السابق بحسب الحقيقة والدقة، بخلاف الاستصحاب، فان فيه يكون الاتحاد الحاصل بين المتعلقين مسامحيا عرفيا، لان اليقين
فيه بحسب الدقة متعلق بأصل ثبوت الشئ، والشك متعلقا بحيث بقائه في ثاني زمان وجوده (فمدفوع) بمنع ظهور الرواية في الاتحاد
الحقيقي بين متعلق الوصفين، بعد صدق إصابة الشك بالشئ بالشك فيه ولو في بقائه (وعلى فرض) تسليم ذلك فلا شبهة في كونه
ظهورا بدويا غير صالح للمقاومة مع ظهور قوله عليه السلام: فليمض على يقينه في اعتبار فعلية وصف اليقين في ظرف الشك الذي هو
ظرف وجوب المضي (فلا إشكال) حينئذ في ظهور الرواية في الانطباق على الاستصحاب خصوصا بعد ملاحظة وقوع نحو هذا التعبير
المنطبق على الاستصحاب في سائر الموارد.
ومنها مكاتبة علي بن محمد القاساني
قال: كتبت إليه وانا بالمدينة عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان هل يصام أم لا؟ فكتب عليه السلام: اليقين لا يدخله الشك صم للرؤية و
أفطر للرؤية (وقد جعلها) الشيخ قدس سره أظهر الروايات في الدلالة على حجية الاستصحاب (بتقريب) ان تفريع تحديد وجوب كل من
الصوم والافطار على رؤية هلالي رمضان وشوال لا يستقيم الا بإرادة عدم جعل اليقين السابق مدخولا بالشك أي مزاحما به وهو عين
الاستصحاب (ولكن فيه) انه لا مجال لتطبيق وجوب الصوم والافطار في الرواية على الاستصحاب، لوضوح ان وجوب الصوم وكذا
الافطار انما يكون مترتبا على ثبوت كون النهار المشكوك من رمضان أو شوال بنحو مفاد كان الناقصة، ومن المعلوم انه بهذا المفاد لا
يجري فيه الاستصحاب لعدم إحراز الحالة السابقة، فالاستصحاب الجاري في المقام وجوديا كان أو عدميا ممحض بكونه على نحو مفاد
كان التامة وليس التامة، كأصالة بقاء رمضان وأصالة عدم دخول شوال، وهو بهذا المفاد لم يترتب عليه أثر شرعي، بل الأثر الشرعي
من وجوب صوم رمضان ووجوب إفطار أول يوم من شوال مترتب على إثبات كون الزمان المشكوك من رمضان أو من شوال على
نحو مفاد كان الناقصة، لا على مجرد بقاء رمضان في العالم وعدم دخول شوال كذلك (وبعد) ملازمة أحد المفادين للاخر عقلا وعدم
تكفل أصالة بقاء شعبان
65

أو رمضان وأصالة عدم رمضان أو شوال بمفاد كان وليس التامتين لاثبات كون الزمان المشكوك من أيتها يلغو الاستصحابين
المزبورين لعدم ترتب أثر شرعي عليهما، ومعه لا يبقى مجال تطبيق مفاد الرواية على الاستصحاب (فلا بد) حينئذ من حمل اليقين في
الرواية على اليقين بدخول رمضان ودخول شوال، فيكون المراد من عدم دخول الشك في اليقين هو عدم ترتب آثار اليقين بدخول
رمضان ودخول شوال بالشك بهما، لا ترتيب آثار اليقين بالشعبان وآثار اليقين برمضان على المشكوك، وحاصل التحديد بالرؤية
فيها هو اعتبار اليقين بدخول رمضان وشوال في وجوب الصوم والافطار وانه لا يجوز الصوم ولا يصح بعنوان رمضان في اليوم
الذي يشك انه من شعبان أو من رمضان، ولا يجوز الافطار في اليوم الذي يشك انه من رمضان أو شوال (ويؤيد) ما ذكرناه في مفاد
الرواية الأخبار المتواترة المصرحة بان الصوم للرؤية وأنه ليس منا من صام قبل الرؤية (وعلى هذا) تكون الرواية أجنبية عن باب
الاستصحاب.
ومنها رواية عبد الله بن سنان
الواردة في من يعتريه ثوبه الذمي وهو يعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير وفيها هل علي ان أغسله؟ فقال عليه السلام: لا لأنك
اعترته إياه وهو طاهر ولم تستيقن انه نجسه (حيث) ان في التعليل دلالة واضحة على أن الوجه في عدم وجوب غسله هو سبق طهارته و
عدم العلم بارتفاعها بعد إعارته إياه، لا انه من جهة قاعدة الطهارة، والا لم يكن للتعليل المزبور مجال، لان الحكم في القاعدة مستند
إلى نفس عدم العلم بالطهارة والنجاسة، فتدل الرواية على حجية الاستصحاب في هذا الباب فيتعدى إلى غيره بعدم القول بالفصل.
ومن الاخبار التي استدل بها على حجية الاستصحاب في الجملة قوله عليه السلام في موثق بكير
إذا استيقنت انك توضأت فإياك ان تحدث وضوءا حتى تستيقن انك أحدثت، ودلالتها على حجية الاستصحاب ظاهرة، فان في التحذير
عقيب قوله إذا استيقنت دلالة على لزوم الجري على طبق اليقين السابق بالطهارة وعدم الاعتناء بالشك في انتقاضها ما لم يستيقن
بالحدث ولا نعنى من الاستصحاب المصطلح الا ذلك، وموردها وإن كان مختصا بباب الطهارة ولكنه بضميمة عدم الفصل بينها وبين
غيرها
66

يتعدى إلى سائر الأبواب (واما التحذير) فيها مع جواز الاتيان بالوضوء رجأ أمن باب حسن الاحتياط، فلعله لدفع الوسواس المحتمل
حصوله بالاعتناء بالشك، أو لردع السائل عن اعتقاد لزوم الاخذ بقاعدة الاشتغال المحكومة بمثل الاستصحاب.
ومنها
قوله عليه السلام: في رواية مسعدة بن صدقه كل شئ هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه (وقوله عليه السلام) في موثق عمار
كل شئ طاهر أو نظيف حتى تعلم أنه قذر (وقوله عليه السلام): في موثق عمار كل شئ طاهر أو نظيف حتى تعلم أنه قذر (وقوله
عليه السلام): في رواية حماد بن عثمان الماء كله طاهر حتى تعلم أنه نجس (وقد استدل بها) جماعة من الاعلام على حجية الاستصحاب
(بتقريب) ظهور هذه الروايات بصدرها في الدلالة على ثبوت الحلية والطهارة الواقعية للأشياء بعناوينها الأولية، وبالاستمرار
المدلول عليه في ذيلها بحتى بقرينية جعل الغاية هو العلم بالحرمة والقذارة الظاهر في الحكم الظاهري على حجية الاستصحاب، فكان
المستفاد من تلك الأخبار حكمان مجعولان، أحدهما الحكم الواقعي بالحل والطهارة للأشياء بعناوينها الأولية، وثانيهما الحكم
الظاهري باستمرار المحكوم به في القضية من الحلية والطهارة إلى زمان العلم بالخلاف، والأول مدلول عليه فيها بالمغيا، والثاني بما
في ذيلها من الغاية المدلول عليها بحتى.
بل عن المحقق الخراساني قدس سره في حاشيته إمكان استفادة القواعد الثلاثة منها، أعني الحلية والطهارة الواقعية والطهارة والحلية
الظاهرية التي هي مفاد القاعدة واستصحابهما (وقد أفاد في تقريب ذلك بما ملخصه ان قوله عليه السلام: كل شئ لك حلال أو طاهر
مع قطع النظر عن الغاية بعمومه الافرادي المستفاد من لفظ (كل) يدل على ثبوت الحلية والطهارة للأشياء بعناوينها الواقعية كالماء و
التراب ونحوهما، وعلى ثبوت الحلية والطهارة الظاهرية لها بمقتضى الاطلاق الأحوالي التي منها حال الشك في طهارة الشئ أو حلية
بالشبهة الحكمة أو الموضوعية، لأن الشك في حكم الشئ مما يصح ان يكون منشأ لانتزاع عنوان عرضي للشئ، يكون من أحواله
كعنوان كونه مشكوك الحلية أو الطهارة، فتكون الرواية من جهة المغيا دليلا اجتهاديا على طهارة الأشياء وقاعدة الحلية والطهارة
فيما اشتبه حليته وطهارته من غير محذور اجتماع اللحاظين في
67

استعمال واحد (وبتقريب) آخر يمكن ان يراد من الموضوع والمحمول في قوله:
كل شئ طاهر الجامع بين الموضوعين والحكمين (بان يراد) من الموضوع في الصدر نفس ذات الشئ الملحوظ كونها في مرتبتين،
تارة في المرتبة السابقة على الحكم عليها بالحلية أو الطهارة الواقعية، وأخرى في المرتبة المتأخرة عن الشك بحكمها ولو بجعل الشك
المزبور جهة تعليلية غير موجبة لتقييد الذات بعنوان مشكوك الحكم في الحكم الظاهري، لا جهة تقييدية موجبة لذلك، فتكون الذات
بالاعتبار الأول موضوعا للحكم الواقعي وبالاعتبار الثاني موضوعا للحكم الظاهري (ويراد) من المحمول وهو قوله طاهر أو حلال
طبيعة الطهارة والحلية مهملة والقدر الجامع بين الطهارتين أو الحليتين (وحينئذ) فإذا كانت الطهارة الواقعية والظاهرية فرد ان
لطبيعة الطهارة المهملة فلا بأس بإثباتهما بجامع واحد للذات دفعة بجعل واحد وانشاء فارد وإن كانت إحداهما في طول الأخرى،
فتكون الطهارة الثابتة للذات الملحوظة كونها في الرتبة السابقة طهارة واقعية، والطهارة الثابتة لها في المرتبة المتأخرة طهارة
ظاهرية بلا ورود محذور اجتماع اللحاظين في استعمال واحد من ذلك في طرف الموضوع أو المحمول أصلا (غاية الأمر) انه تحتاج في
مقام التطبيق إلى تعدد الدال والمدلول، ولو يجعل الدال على موضوع الأولى هو ذات الشئ وعلى موضوع الثانية إطلاقه وعمومه الا
حوالي (هذا كله) بالنسبة إلى مدلول المغيا وهو قوله كل شئ طاهر واما الغاية فهي بقرينة جعلها عبارة عن العلم بالقذارة تدل على
استمرار الطهارة الثابتة للذات عناية في المرتبة المتأخرة عن ثبوتها إلى زمان العلم بالقذارة، وهو معنى الاستصحاب، ففي الحقيقة
يكون للمتكلم في نحو هذه القضايا نظران، نظر إلى إثبات أصل الطهارة في قوله طاهر، ونظر إلى استمرارها ظاهرا إلى زمان العلم
في قوله حتى تعلم مع كون نظره الثاني من تبعات النظر الأول حسب تبعية استمرار الشئ لثبوته بلا كونه في مقام استعمال (حتى) في
استقلال مفاده عن سابقه كي تخرج عن الحرفية إلى الاسمية (هذا غاية) ما قيل أو يمكن ان يقال في تقريب استفادة القواعد الثلاثة من
تلك الروايات (ولكن فيه) ما لا يخفى، فإنه من الممتنع استفادة الحلية
68

والطهارة الواقعية وقاعدتها ثبوتا من هذه الروايات فضلا عن استفادة المعاني الثلاثة منها، وذلك لا لمحذور اجتماع اللحاظين في
استعمال واحد في قوله كل شئ طاهر أو حلال في طرف الموضوع أو المحمول (بل لامتناع) شمول إطلاق المحمول الواحد المأخوذ في
طي انشاء واحد لمرتبتي الواقع والظاهر (فان) الحكم الواقعي بعد ما كان ثابتا لذات الشئ في المرتبة السابقة على الشك بنفسه
يستحيل ان يكون له سعة وجود يشمل المرتبة المتأخرة عن الشك بنفسه، كما أن الحكم الظاهري أيضا باعتبار كونه مجعولا في المرتبة
المتأخرة عن الشك بالحكم الواقعي يستحيل شمول إطلاقه للمرتبة السابقة عليه، من غير فرق بين أخذ الشك فيه جهة تعليلية، أو جهة
تقييدية موجبة لتعنون موضوعه بعنوان مشكوك الحكم (وبهذا الوجه) نقول بامتناع إطلاق الأحكام الواقعية بالنسبة إلى مرتبة الشك
بنفسها فضلا عن المرتبة المتأخرة عن الشك بها، كامتناع تقييدها أيضا بهذه المرتبة، وانه لا بد من وقوفها في المرتبة السابقة المقارنة
مع الشك زمانا لا رتبة، فان ما يتصور لها من الاطلاق بالإضافة إلى الحالات المتأخرة انما يكون ذاتيا على معنى مقارنتها زمانا مع
الشك بها، لا لحاظيا بحيث كان لها سعة وجود تشمل المراتب المتأخرة عنها (كما أنه) بذلك نقول إنه لا بد من أن يكون البقاء الحقيقي
للشئ واستمراره في مرتبة ذاته وعدم تعديه من مرتبة ذاته إلى مرتبة الشك بنفسه، وانه لو حكم عليه أحيانا بالبقاء والاستمرار في
مرتبة الشك به فلا بد وأن يكون بقاء ادعائيا راجعا إلى التعبد به ظاهرا في مقام ترتيب اثره في ظرف الفراغ عن أصل ثبوته ومن هنا
لا يمكن ان يكون الاستصحاب مجعولا بعين جعل مستصحبه وفي ضمنه، بل لا بد وأن يكون متعلقا لجعل مستقل في ظرف الفراغ عن
وجود مستصحبه واقعا (وعليه نقول):
انه من الممتنع ان يكون للمحكوم به في قوله طاهر أو حلال إطلاق يشمل لمرتبتي الواقع والظاهر بحيث يتحقق بجعله وإنشائه في
مرتبة واحدة مجعولان طوليان يكون أحدهما موضوعا للاخر وفي مرتبة سابقة عليه (بداهة) ان من لوازم وحدة الجعل ان يكون
المجعول على فرض تعدده في مرتبة واحدة (فإذا كان) جعل الحكم الظاهري في ظرف الفراغ عن ثبوت الحكم الواقعي وفي المرتبة
المتأخرة عن الشك به، اما بأخذ الشك
69

المزبور قيد الموضوعة، أو بأخذه جهة تعليلية له، وكان جعل الحكم الواقعي لذات الموضوع في المرتبة السابقة على الشك بنفسه بحيث
لا يتعقل تصور الشك فيه قبل تمامية جعله (يمتنع) تحقق هذين الحكمين الطوليين بإنشاء وجعل واحد في مرتبة واحدة (ومع امتناعه) لا
مجال لتوهم استفادتهما من المعني من جهة مجرد تعميم الشئ بالنسبة إلى العناوين الثانوية التي منها عنوان كونه مشكوك الحكم، أو
من إطلاقه بالنسبة إلى الحالات وبالإضافة إلى شخص الذات الملازم مع الشك بحكمه (فإنه) مضافا إلى منع إطلاق الأول، واستلزامه
لكون الشئ الواحد باعتبار عناوينه المتعددة أشياء متعددة، وعدم إثمار إطلاق الثاني على وجه يوجب خروج الحكم الثابت للذات
الملازم مع الشك بحكمها عن واقعيته، (لوضوح) بقاء الأحكام الواقعية الثابتة لموضوعاتها على واقعيتها في جميع الحالات حتى في حال
ملازمتها مع الشك بنفسها (وان الطهارة) الثابتة للشئ في جميع الحالات التي منها حال الشك فيها هي عين الطهارة الواقعية، لا انها
طهارة ظاهرية، لان قوام ظاهرية الحكم انما هو بلحاظه في مقام الجعل في المرتبة المتأخرة عن الشك بالحكم الواقعي، لا انه بصرف
ثبوته في حال الشك به (ان غاية) ما يجدى البيان المزبور انما هو رفع محذور اجتماع اللحاظين في استعمال واحد، لا رفع استحالة
إطلاق المحمول ثبوتا وامتناع تحقق مجعولين الطوليين بإنشاء وجعل واحد على وجه يكون أحدهما موضوعا للاخر (وحيث) ان هذه
الجهة هي العمدة في المنع عن استفادة الحكمين من مدلول هذه الروايات (فلا بد) من حمل القضية على أحد الامرين، اما الحكم الواقعي،
أو القاعدة (وعليه) نقول: إن ظاهر صدر الروايات وإن كان يعطى كون المحمول فيها حكما واقعيا (ولكن الغاية المذكورة في ذيلها
بقرينة كونها العلم بالخلاف تهدم هذا الظهور وتوجب حصر المفاد منها بكونه حكما ظاهريا هو مفاد الاستصحاب ولو بالتفكيك بين
المغيا والغاية بإرجاع الغاية إلى حيث خصوصية المحمول الذي هو عبارة عن استمراره تعبدا، لا إلى ذاته (من غير فرق) بين جعل الغاية
قيدا للموضوع أو جعلها قيدا للمحمول أو قيدا للنسبة الحكمية (وذلك) اما على الأخير فظاهر، فان مرجع كونها قيدا للنسبة الحكمية إلى
كونها مبينة لايقاع النسبة
70

الخاصة بين ذات الموضوع والمحمول، ومثل تلك النسبة لما كانت في ظرف الجهل كانت لا محالة نسبة ظاهرية، وهي تستتبع قهرا
كون المحمول أيضا حكما ظاهريا ثابتا لذات الموضوع في الرتبة المتأخرة، فتختص الرواية بخصوص القاعدة ليس الا (لان) مفادها
حينئذ هو ان الطهارة ثابتة للشئ بثبوت مستمر في ظرف الجهل بالواقع إلى زمان العلم بالخلاف، ومثل هذا المفاد لا يكون الا عبارة
عن القاعدة، والا ففي الاستصحاب لا بد من أن يكون استمرار الحكم في مرتبة غير مرتبة ثبوته، ومثله خلاف ما تقتضيه ظهور الرواية
في اتحاد مرتبة ثبوت الحكم مع مرتبة استمراره (واما) على الثاني وهو فرض كون الغاية قيدا للمحمول كما لعله هو الظاهر فكذلك
(توضيح) ذلك هو ان المعاني الحرفية على ما حققناه في محله بعد ما كانت من سنخ النسب والارتباطات القائمة بالمفاهيم الاسمية
المعبر عنها بتقيدات المعاني الاسمية نظير الوجودات الرابطية الخارجية لا الوجود الربطي كما زعمه بعض، فأداة الغاية مثل إلى وحتى
انما تدل على تخصص المغيا بخصوصية ينتزع عنها مفهوم الاستمرار وتحدده بما يرتفع عنه الايهام من حيث القصر والطول، لا انها
تدل على مفهوم الاستمرار الذي هو معنى اسمي، كما هو الشأن في سائر المعاني الحرفية حيث كان أداتها موضوعة للدلالة على
خصوصيات في غيرها متحدة الوجود معه تكون منشأ لانتزاع مفاهيم اخر كالابتداء والانتهاء ونحوهما، لا على نفس هذه المفاهيم كي
يلزم خروجها عن الحرفية إلى الاسمية (فالمغيا) موضوعا كان أو حكما عبارة عن أمر وحداني خاص هو مصداق الامتداد والاستمرار، لا
انه مقيد بمفهوم الاستمرار (وعليه) نقول: إن من لوازم جعل الغاية قيدا للمحمول في قوله كل شئ طاهر أو حلال ان يكون المحكوم به
من الطهارة أو الحلية أمرا وحدانيا حقيقيا خاصا، غاية الأمر على نحو قابل للتحليل بالنظر الثانوي إلى ذات وخصوصية، لا ان المحكوم
به في القضية امران مستقلان بنسبتين مستقتلين، أحدهما جعل أصل الطهارة للشئ، والاخر جعل استمرارها إلى كذا بنحو يكون
المحكوم في أحد الحكمين موضوعا للمحكوم به في الحكم الاخر (بداهة) وضوح الفرق بين قولنا كل شئ طاهر طاهر حتى تعلم، وبين
قولنا كل شئ طاهر حتى تعلم أو تستمر طهارته إلى كذا.
71

والذي يستفاد منه تعدد المحكوم به انما هو الثاني لا الأول (ولازم) ذلك بعد ظهور القضية في رجوع الغاية إلى ذات المحمول لا إلى
حيث استمراره هو انحصار مفادها بالقاعدة محضا لاقتضائها كون المغيا المحكوم به بشراشر وجوده الخاص المحدود إلى زمان العلم
بالخلاف مجعولا بجعل واحد متعلق به استقلالا وبقيده وخصوصية ضمنا، فتكون مفاد الجملة في قوله كل شئ لك حلال أو طاهر حتى
تعلم، ان الشئ تثبت له الحلية والطهارة الظاهرية في كل آن إلى زمان العلم بالحرمة والقذارة، وهو عين مفاد القاعدة، غاية الأمر ان
غاية النسبة الحكمية في القضية غير مذكورة ولا مقصودة أيضا، لان غايتها هو نسخ هذا الحكم الخاص (وعليه) فلا مجال لما عن المحقق
الخراساني قده من ابتناء استفادة القاعدة من مدلول هذه الأخبار على إرجاع الغاية إلى الموضوع لا المحمول (كما لا مجال) لتوهم
استفادة القاعدة والاستصحاب معا من تلك الأخبار (بداهة) ان لازم أخذ الاستصحاب منها هو ان يكون النظر في إثبات الطاهر
المحمول في القضية مقصورا بحيث خصوصية استمراره التي هي مفاد الغاية بلا نظر إلى جعل أصل الطهارة التي هي معروض هذه
الخصوصية، إذ لا بد في هذا النظر من أن يكون أصل الطهارة مفروغ الثبوت من الخارج (كما أن) لازم أخذ القاعدة منها ان يكون النظر
إلى إثبات أصل الطهارة التعبدية الممتدة إلى زمان العلم بلا نظر إلى جعل استمرارها، لان ذلك من لوازم جعلها في كل ان إلى زمان
العلم بالقذارة، لا انه متعلق جعل مستقل (ومن المعلوم) ان في انشاء واحد متعلق بالطهارة الخاصة التي هي المحمول في القضية لا يمكن
الجمع بين النظرين المستلزم أحدهما لصرفه عن أصل الطهارة و قصره على إثبات الاستمرار، والاخر لقصره على إثبات الطهارة
الممتدة إلى زمان العلم بالقذارة وصرفه عن الاستمرار (وذلك) لمناط استحالة استعمال اللفظ في المعنيين وان لم يكن عينه (وبهذا
الوجه) أيضا نمنع عن استفادة الحكم الواقعي والاستصحاب معا من مدلول هذه الأخبار، مضافا إلى ما تقدم من امتناع تحقق الحكم
الواقعي الذي هو موضوع استمراره تعبدا في الحكم الاخر بإنشاء وجعل واحد (نعم) انما يصح ذلك فيما لو كانت القضية المشتملة على
72

على المغيا والغاية مشتملة على جعلين طوليين، أحدهما متعلق بذات المغيا، والاخر بمفاد الغاية الذي هو عبارة عن استمراره تعبدا في
ظرف الشك في بقائه (كما أنه) بذلك يمكن تصحيح الجمع بين مفاد القاعدة واستصحابه، بان يراد من الطهارة في المغيا خصوص
المجعول في الرتبة المتأخرة عن الشك بالواقع بنحو الاجمال بلا إطلاق فيه، وبلا احتياج في ظاهريته إلى إرجاع الغاية إليه، ومن الغاية
باستمراره الحكم مستقلا إلى زمان العلم بالقذارة، بحيث يكون العلم المزبور رافعا لموضوع المستصحب الشخصي وغاية لاستصحابه،
وإن كان الشك في بقاء الطهارة المجعولة للطبيعة المشكوكة باقيا بحاله حتى مع العلم بالقذارة الشخصية وكان غاية استصحابها هو
العلم بنسخها (ولكن) ذلك بحسب الامكان محضا، والا فلا طريق إلى إثباته، بل هو مخالف لظاهر القضية من وجوه.
منها
ما عرفت من ظهورها في كون الجاعل بإنشائه بصدد جعل واحد متعلق بأمر وحداني خاص، لا بصدد جعلين مستقلين (ولذا) قلنا بالفرق
بين قوله كل شئ طاهر حتى تعلم، وبين قوله كل شئ طاهر، طاهر حتى تعلم، أو تستمر طهارته حتى تعلم (واما) الالتزام بالتقدير
في الأول فهو وإن كان ممكنا، ولكنه خلاف الأصل.
(ومنها)
ظهور مثل هذه القيود المأخوذة في طي الانشاء في كونها ملحوظة تبعا للمغيا المحكوم به ومنشأ بعين إنشائه، لا بإنشاء مستقل في طول
انشاء المغيا.
(ومنها)
ظهور الغاية فيها في الاستمرار الحقيقي لا الادعائي، ومثله لا يلائم مع إرادة الحكم الواقعي من المغيا والاستصحاب من الغاية (بداهة) ان
الاستمرار الحقيقي للشئ لا بد من أن يكون في مرتبة ثبوت الشئ، لاستحالة بقاء الحقيقي للشئ في المرتبة المتأخرة عن الشك بنفسه
(فلا محيص) من رفع اليد عن ظهور الغاية في الاستمرار الحقيقي بحمله على الاستمرار الادعائي، وهو كما ترى لا وجه له بعد إمكان
الاخذ بظاهره في الاستمرار الحقيقي (وحينئذ) حفظا لظاهر القضية من الجهات المزبورة لا بد من حملها على خصوص القاعدة محضا،
مضافا إلى ما عرفت من ظهور قوله كل شئ حلال أو طاهر في كونه مسوقا لاثبات الحلية والطهارة الظاهريتين للشئ
73

إلى أن يعلم الخلاف الذي لازمه الاستمرار، لا لاثبات مفاد الغاية مستقلا الذي هو عبارة عن استمرارها تعبدا كما هو ظاهر (وعليه)
فالروايات تكون أجنبية عن الاستصحاب المعروف، فلا مجال للاستدلال بها في المقام على حجية الاستصحاب (هذا كله) على تقدير
سوق هذه الروايات في مقام انشاء الحلية والطهارة للأشياء.
واما على تقدير سوقها في مقام الاخبار عن ثبوت الحلية والطهارة لها ولو بإنشاءات متعددة كما لعله هو الظاهر من رواية الحلية
بقرينية الأمثلة المذكورة في ذيلها، فلا بأس باستفادة القواعد الثلاثة منها ولو من جهة إطلاق الحلية المحكوم بها للأعم من الواقعية و
الظاهرية بإرادة الحلية المجعولة لذات الشئ بجعل مستقل في المرتبة السابقة، والحلية الظاهرية المجعولة لها أيضا يجعل آخر مستقل
في طول الجعل الأول، مع إرادة مطلق الاستمرار الظاهري من إرجاع القيد إلى المحمول الشامل للاستمرار الحقيقي بالنسبة إلى الحكم
الظاهري والادعائي منه بالنسبة إلى الحكم الواقعي، غير أنه يحتاج إلى تعدد الدال والمدلول وعليه فلا يرد محذور في البين من نحو
اجتماع للحاظين في مفاد المحمول أو الغاية أصلا، غاية الأمر حصول العلم بالجعلين من مفاد هذه الأخبار يكون في مرتبة واحدة (و
مثله) مما لا ضير فيه، وانما الضير كله في إنشائها كذلك ثبوتا وهو غير لازم كما عرفت وكيف كان فهذه جملة ما وقفنا عليه من
الأخبار العامة التي استدل بها في المقام على حجية الاستصحاب (ولقد عرفت) وضوح الدلالة في بعضها مع صحة سنده (نعم يبقى
الكلام) في مقدار دلالة هذه الأخبار وعمومها للأقسام المتصورة المذكورة سابقا للاستصحاب، باعتبار اختلاف المستصحب من حيث
كونه وجوديا أو عدميا موضوعا خارجيا أو حكما شرعيا، جزئيا أو كليا، تكليفيا أو وضعيا (وباعتبار) الشك المأخوذ فيه من حيث كون
منشأ الشك في بقاء المستصحب من جهة الشك في المقتضي أو في وجود الرافع، أو في رافعية الموجود (وباعتبار) الدليل الدال على
ثبوت المستصحب من كونه لبيا من عقل أو إجماع، أو لفظيا إلى غير ذلك من الأمور التي لأجلها كثرت الأقوال في المسألة (فنقول) انه
لولا قوله عليه السلام في المروي عن الحضال من كان على
74

يقين فشك فليمض على يقينه (وقوله عليه السلام) في التعليل الوارد في بعض النصوص المتقدمة بقوله، فإنه لا ينقض اليقين بالشك أبدا،
لكان للخدشة في عموم دلالة النصوص لمطلق المتيقن المشكوك فيه مجال (ولكن) بعد قوة ظهور الاخبار المزبورة في العموم لا مجال
لشئ من التفاصيل المذكورة في المقام، فيجعل حينئذ سائر الأخبار الأخر مؤيدا لتلك النصوص، كما أنه يجعل التعليل الوارد في بعضها
معاضدا لدلالة البقية على العموم لجميع أقسام الاستصحاب (وعليه) فلا يهمنا التعرض لما أفادوه من التفاصيل في المسألة (نعم) انما
المهم هو التعرض للتفصيل الذي أبدعه المحقق الخوانساري وارتضاه العلامة الأنصاري قده سرهما بين الشك في الرافع والمقتضي (و
التفصيل) الاخر المحكي عن الفاضل التوني قده بين الأحكام التكليفية والوضعية (فنقول: وبه نستعين (اما التفصيل الأول) فقد أفيد في
تقريب تخصيص الحجية بالشك في الرافع دون الشك في المقتضي بوجوه
منها
ان حقيقة النقض المستعمل في نقض الحبل ومنه قوله سبحانه (كالتي نقضت غزلها) هو رفع الهيئة الاتصالية فيختص متعلقه بما كان له
أجزأ مبرمة تأليفا كخيوط الغزل، ولما امتنع إرادة ذلك في المقام يدور الامر بين حمله على رفع اليد عن الامر الثابت لوجود مقتضية،
وحمله على مطلق رفع اليد عن الشئ ولو لعدم مقتضي البقاء فيه في الزمان الثاني (ولا ريب) في أن الأول أقرب إلى المعنى الحقيقي
لأنه من جهة اقتضاء البقاء فيه يشبه خيوط الغزل واجزاء الحبل من حيث الاتصال والاستمرار، فالنقض في الحقيقة يكون متعلقا بنفس
المتيقن وكان المصحح لاستعارته في المقام هو حيث استمراره وبقائه وان إضافته إلى اليقين لأجل كونه مرآتا للمتيقن لا انه بنفسه
متعلق للنقص.
ومنها
ان العناية المصححة لإضافة النقض إلى اليقين انما هي باعتبار استتباع اليقين للجري العملي على ما تقتضيه المتيقن، لا باعتبار صفة
اليقين (لوضوح) ان اليقين من الأمور التكوينية الخارجية وقد انتقض بنفس الشك، ولا بلحاظ آثار نفس اليقين بما هو هو فإنه لم
يترتب حكم شرعي على وصف اليقين بما هو، وعلى فرض ترتبه عليه
75

فليس ذلك مقصودا من اخبار الباب، إذ هو أجنبي عن الاستصحاب، فإضافة النقض إليه انما هو بلحاظ كونه مأخوذا طريقا إلى المتيقن
بحيث كان لحوق النقض به من ناحية المتيقن لا انه ملحوظ بنفسه وبحيال ذاته، وبذلك يختص بما إذا كان للمتيقن اقتضاء البقاء و
الاستمرار بحيث لو خلى وطبعه لكان الجري العملي على وفق اليقين ويصدق عليه نقض اليقين بالشك وعدم نقضه به (بخلاف) ما إذا لم
يكن للمتيقن اقتضاء البقاء والدوام، فان الجري العملي حينئذ ينتقض بنفسه فلا يصح ورود النقض على اليقين بعناية المتيقن، لان
المتيقن حينئذ غير مقتضى بنفسه للجري العملي على طبقه حتى يكون رفع اليد عنه نقضا لليقين به فالشك في اقتضاء المتيقن للبقاء
حينئذ ملازم للشك في صدق النقض عليه فلا يندرج في عموم اخبار الباب.
ومنها
ان النقض وإن كان متعلقا باليقين لا بالمتيقن ولكن صدق النقض في مثله لما كان منوطا بوحدة متعلق اليقين والشك لأنه بدونه يكون
الشك مجامعا مع اليقين لا ناقضا له فلا يكون النقض واردا على اليقين، فتوطئه لاعتبار الوحدة المزبورة و تصحيحا لصدق النقض
يحتاج إلى اعتبار وجود مقتضى البقاء في المتيقن لكونه أقرب إلى اعتبار وحدة المتعلقين وعدم ملاحظة التقطيع الحاصل فيه في
فرض عدم وجود المقتضي فيه.
ومنها
ان صدق نقض اليقين بالشك يتوقف على أن يكون الزمان اللاحق الذي يشك فيه في بقاء المتيقن متعلقا لليقين من حين حدوثه ولو
مسامحة بحيث يقتضي اليقين بوجوده حين حدوثه ترتب الأثر عليه على الاطلاق حتى في الزمان اللاحق (وهذا) انما يكون إذا كان
المتيقن من شأنه البقاء والاستمرار لأجل وجود مقتضية (إذ حينئذ) يكون اليقين به من الأول باعتبار المزبور كأنه يقين بأمر مستمر
باستمرار مقتضية ويكون المتيقن في الزمان اللاحق كأنه متيقن الوجود من حين حدوث اليقين بوجوده وقد انتقض اليقين به بطرو
الشك في البقاء، فيصدق بذلك النقض عليه، كما أنه يصح النهي عنه بحسب البناء والعمل، بخلاف فرض عدم وجود مقتضى البقاء فيه،
فإنه عليه لا يكون المتيقن متعلقا لليقين بالوجود الا محدودا بزمان خاص وحد مخصوص، ولا
76

كان لليقين بوجوده اقتضاء ترتب الأثر عليه الا كذلك، فلا يكون رفع اليد عنه في الزمان اللاحق نقضا لليقين به حتى يصح النهي عنه (و
الفرق) بين هذين التقريبين بعد اشتراكهما في كون المصحح لاطلاق النقض في المقام هو تعلقه بنفس اليقين الذي هو من قبيل الامر
المبرم، انه على التقريب (الأول) يكون دخل وجود مقتضى البقاء فيه في قلة المسامحة في اعتبار وحدة المتعلقين (وعلى الثاني) يكون
دخله في المسامحة في اعتبار تعلق اليقين بأمر مستمر باستمرار مقتضية، لا في اعتبار وحدة المتعلقين، بل الوحدة فيهما حينئذ تكون
محفوظة دقة لا مسامحة (هذا) غاية ما قيل أو يمكن ان يقال في وجه التفصيل بين مورد الشك في الرافع والشك في المقتضى
(ولكن) في الجميع ما لا يخفى.
اما التقريب الأول
ففيه منع كون العناية المصححة لاطلاق النقض في المقام هي جهة اتصال المتيقن الحاصل من استمراره في عمود الزمان كي يصير صور
وجود مقتضى البقاء فيه منشأ لا قربية اعتبار النقض من غيرها فيتعين إرادته عند عدم إمكان إرادة المعنى الحقيقي للنقض (كيف) ومع
الغض عن اقتضائه مساوقة مفهوم النقض المستعمل في أمثال المقام مع مفهوم القطع الطاري على الهيئات الاتصالية، يلزمه صحة
استعارته في الأمور المبنية على الثبوت والدوام ولو لم تكن ذات أجزأ مبرمة فيلزم صحة إطلاقه في مثل نقضت الحجر من مكانه و
صحة صدق نقض القيام والقعود ونحو ذلك من الأمور التي يقطع ببقائه ما لم يرفعه رافع، مع أن ذلك كما ترى (بل المصحح) لاطلاقه
في المقام هو ما في نفس اليقين من الابرام والاستحكام الذي لا يزول بالتشكيك نحو الابرام الحاصل في عقود الحبال، فان مثل هذا
العنوان منتزع من مرتبة الجزم الراسخ الذي لا يزول بالتشكيك، وبهذه الجهة اختص اليقين من بين مراتب الجزم بخصوصية موجبة
لصحة إضافة النقض إليه فيشبه النقض المستعمل في أمثال الغزل والحبل، ولذا لا يضاف النقض إلى غيره من مثل عنوان القطع والعلم و
المعرفة فضلا عن الظن والشك (وما يرى من إطلاقه أحيانا في مورد الشك كما في قوله عليه السلام ولكن ينقض الشك باليقين فإنما
هو من باب الازدواج والمشاكلة، لا من
77

باب استحقاق الشك لصحة إضافة النقض إليه (كما أن) نكتة التعبير في أمثال المقام بعنوان اليقين مع كون موضوع الحكم بعدم
الانتقاض مطلق الجزم بالشئ انما هو لأجل مناسبة هذا العنوان المبرم مع الحكم بعدم الانتقاض، فكأنه بعد المسامحة في وحدة متعلق
الوصفين ادعى بان مطلق العلم في هذا الباب يقين لا يزول بالتشكيك ولا ينقضه الشك، لا ان ذلك من جهة غلبة استعمال اليقين في مورد
ترتب آثار الواقع دون العلم والمعرفة كما توهم بخيال ان إطلاق العلم والمعرفة غالبا يكون في مقابل الظن والشك (بل إن تأملت)
ترى ان ما ذكرناه هو المصحح لاستعارة النقض في غير المقام أيضا، كمورد البيعة والعهد واليمين، وكذا في مثل الصلاة والوضوء كما
في الاخبار، حيث كان المصحح لاستعماله فيها اعتبار نحو استحكام فيها يشبه الاستحكام الحاصل في عقود الحبال وخيوط الاغزال، لا
ان ذلك من جهة اعتبار هيئة إتصالية امتدادية في متعلقاتها.
(وعلى ذلك) نقول: إنه بعد ان بعد إن كان المصحح لاستعارة النقض في المقام كونه متعلقا بنفس اليقين الذي هو من قبيل الامر المبرم،
لا حيث اتصال المتيقن، فلا يفرق فيه بين ان يكون متعلقا بما فيه اقتضاء الثبوت والبقاء وبين ان يكون متعلقا بما ليس فيه اقتضاء
البقاء، إذ لا قصور حينئذ في شمول إطلاق اخبار الباب لكل من مورد اليقين بوجود مقتضى البقاء في المتيقن ومورد الشك فيه (ومعه)
لا مجال لاعتبار استعداد المتيقن للبقاء تصحيحا للنقض وتوطئة للتفصيل المزبور، لان حيث استعداده للبقاء حينئذ أجنبي عن الدخل في
التصحيح المزبور (كما لا قصور) أيضا في شمول إطلاقها لمطلق الآثار العملية المترتبة على اليقين أعم من كونها من آثار نفس اليقين
كاليقين المأخوذ تمام الموضوع أو جزئه، أو من آثار الواقع المرتبة عليه لأجل اليقين (فان المراد) من مادة النقض المتعلق باليقين بعد إن كان
هو النقض الادعائي بحسب البناء والعمل، لا النقض الحقيقي، يكون مرجع النهي المستفاد من الهيئة إلى الامر بالبناء على بقاء اليقين
بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال الراجع إلى وجوب المعاملة مع اليقين المنقوض معاملة عدمه من حيث الجري العملي، فكل عمل يجب في
حال اليقين
78

بشي يجب في حال الشك في بقائه سوأ كان العمل من آثار نفس اليقين كاليقين الموضوعي أو من آثار المتيقن المترتب عليه بسبب
اليقين كاليقين الطريقي المحض (وبذلك) نلتزم بقيام الاستصحاب مقام العلم الموضوعي على الوجه الطريقي لا الصفتي ما لم يؤخذ في
موضوعه نفى الشك، كما نلتزم بحكومته على سائر الأصول المأخوذ فيها المعرفة غاية للحكم بنحو تمام الموضوعي كما نبهنا عليه غير
مرة.
(وبما ذكرنا) يظهر فساد ما أفيد من التقريب الثاني أيضا،
حيث إنه مبني كما اعترف به على كون اليقين في القضية ملحوظا في توجيه النقض إليه طريقا لتوجيه التنزيل إلى المتيقن بلحاظ
خصوص الآثار المترتبة عليه، لا ملحوظا مستقلا على وجه العنوانية (ومثله) بمعزل عن التحقيق، إذ هو خلاف ما يقتضيه ظهور القضية في
كون اليقين المأخوذ فيها ملحوظا في إضافة النقض إليه مستقلا (كما هو) الأصل المعول عليه في جميع عناوين الألفاظ المأخوذة في طي
القضايا من حيث ظهور كل عنوان في الحكاية عن إرادة معناه مستقلا (مضافا) إلى استلزامه عدم قيامه مقام العلم الموضوعي ولو على
الوجه الطريقي بنحو تمام الموضوع أو جزئه، وعدم حكومته على سائر الأصول المأخوذ فيها المعرفة غاية تمام الموضوع للحكم
بالحلية والطهارة (بداهة) ان قيامه مقام العلم المأخوذ تمام الموضوع أو جزئه انما هو من لوازم ثبوت العلم التنزيلي بالواقع، وهو
متفرع على كون نظر التنزيل في القضية إلى نفس اليقين مستقلا، لا مرآة إلى المتيقن ولا طريقا إلى الواقع كي يختص بخصوص آثار
الواقع المترتب عليه لأجل اليقين ولا يعم آثار نفس اليقين (فان) هذا المقدار وإن كان مجديا في قيامه مقام القطع الطريقي المحض، الا
انه لا يجدي في قيامه مقام العلم المأخوذ في الموضوع على نحو جز الموضوع أو تمامه ولو على الوجه الطريقي لا الصفتي، ولا يصحح
حكومته على مثل دليل الحلية المأخوذ فيه المعرفة غاية بنحو تمام الموضوع بلا دخل للحرمة الواقعية أبدا (ومن هنا) التجأ المحقق
الخراساني قدس سره إلى جعل تقديمه على مثل هذه الأدلة بمناط الورود لا الحكومة، بدعوى ان الغاية فيها هي المعرفة بمطلق الحرمة و
النجاسة ولو ظاهرية، وإن كان ما أفاده أيضا لا يخلو من إشكال بلحاظ ظهور هذه
79

القضايا في اتحاد متعلق الشك واليقين الموجب لكون الغاية فيها خصوص المعرفة بالحكم الواقعي الذي تعلق به الشك لا مطلق المعرفة
بحكم الشئ ولو ظاهريا (فان) التزامه بتقديمه على تلك الأدلة بمناط الورود لا الحكومة لا يكون الا لما ذكرنا من انتفاء الحكومة على
هذا المسلك (ومن هنا) نقول: إن كل من التزم بقيام الاستصحاب مقام العلم الموضوعي ولو على الوجه الطريقي لا الصفتي، وحكومته
على سائر الأصول المغيا بالعلم والمعرفة كالشيخ قدس سره لا محيص له من التزام بان اليقين في لا تنقض ملحوظ في تعلق النقض به
على وجه الاستقلال بنحو يكون محيط التنزيل هو نفس اليقين بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال المخصوصة المتمشية من المكلف، و
لازمه المصير إلى عمومه لمطلق آثار العلم حتى المترتبة عليه من جهة أحكام نفسه، كما أن لازمه المصير إلى عموم الحجية حتى في مورد
عدم إحراز استعداد المتيقن للبقاء (لما عرفت) من أن حيث استعداد المتيقن للبقاء حينئذ غير مرتبط بصدق النقض حتى يلزم مراعاته
تصحيحا للنقض (نعم) انما يثمر ذلك في فرض إرجاع التنزيل في القضية إلى المتيقن، اما بأخذ اليقين في القضية مرآتا للمتيقن في
توجيه النقض إليه، أو طريقا لا لايصال التنزيل إليه بحيث يكون لحوق النقض باليقين من ناحية المتيقن (ولكن ذلك) مضافا إلى كونه
خلاف ظاهر القضية، موجب لانهدام أساس حكومة الاستصحاب على سائر الأصول المغيا بالمعرفة، وعدم قيامه مقام العلم الموضوعي
(ومن العجب) ان بعض الأعاظم قدس سره مع التزامه في المقام برجوع النهي عن نقض اليقين في القضية إلى وجوب ترتيب خصوص
آثار المتيقن المترتبة عليه لأجل اليقين والتفصيل لأجله بين الشك في الرافع والمقتضى، التزم بحكومة الاستصحاب على الأصول المغيا
بالعلم والمعرفة وقيامه مقام العلم الموضوعي (ويا ليت) شعري انه مع التزامه بذلك كيف يصحح حكومة الاستصحاب على سائر
الأصول المغيا بالمعرفة وقيامه مقام العلم الموضوعي على الوجه الطريقي، (إذ) الالتزام بكون اليقين بعنوانه ملحوظا استقلالا في مقام
التنزيل لا يناسب القول باعتبار إحراز استعداد المتيقن للبقاء توطئة لصدق النقض وتصحيحا له، كما أن تسليم كون المتيقن هو المنزل
حقيقة
80

بلحاظ ما يترتب عليه من الآثار وان عناية لحوق النقض باليقين كان من ناحية المتيقن لا بما هو هو لا يناسب القول بحكومة
الاستصحاب على الأصول المغيا بالعلم كما هو ظاهر.
فالتحقيق حينئذ ما ذكرناه من أن المصحح لاطلاق النقض في المقام هو تعلقه بنفس اليقين الذي هو من قبيل الامر المبرم وان اليقين في
القضية مع كونه مأخوذا على وجه الطريقية لا الصفتية ملحوظ في تعلق النقض به استقلالا بما هو هو بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال، و
لا مرآة لمتعلقه ليكون محط التنزيل حقيقة هو المتيقن، ولا طريقا لا لايصال التنزيل إلى متعلقة كسائر العناوين الطرقية، ليكون مرجع
النهي عن نقضه إلى الامر بترتيب خصوص آثار الواقع المترتبة عليه لأجل اليقين ولا يشمل آثار نفسه (فان لازمه) هو المصير إلى عموم
الحجية لمورد الشك في الرافع والمقتضى، كما أن لازمه هو الاخذ بإطلاق التنزيل لمطلق ما يترتب على اليقين من الأعمال حتى بالنسبة
إلى ما يترتب عليه من جهة أحكام نفس اليقين لرجوع النهي عن نقضه حينئذ إلى الامر بالبناء على بقاء اليقين ووجوب العمل حال الشك
في البقاء عمل حال اليقين به كما لو كان متيقنا بالبقاء وجدانا، كان العمل مستندا إلى أثر شرعي لنفس اليقين، أو كان مستندا إلى أثر
شرعي للمتيقن (واما توهم) عدم إمكان شمول التنزيل في هذه الأخبار لكل من آثار نفس اليقين وآثار المتيقن المترتبة عليه لأجل
اليقين لاستلزامه محذور اجتماع اللحاظين المتنافيين في اليقين استقلالا ومرآتا (فمدفوع) بأنه بعد إن كان للأثر المترتب على الواقع
أيضا إضافة إلى اليقين لكونه سببا لترتب أعماله عليه، يكون معدودا من آثاره وبهذه الجهة يكون اليقين ملحوظا في توجيه التنزيل إليه
بلحاظ واحد وهو اللحاظ الاستقلالي (وان شئت) قلت إن هذا الاشكال انما يرد لو كان التنزيل بلحاظ الآثار الشرعية المتمشية من
الشارع، لا بلحاظ الآثار العملية المتمشية من المكلف، والا فلا مورد لهذا الاشكال، لان ترتب هذه أيضا انما يكون على اليقين بالأحكام الشرعية
لا على نفس الواقع، ومعه لا يكون اليقين في القضية الا ملحوظا مستقلا بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال، ولازم
81

التنزيل حينئذ هو العموم لمطلق ما يترتب عليه من الأعمال سوأ كان العمل من جهة أحكام نفس اليقين كاليقين الموضوعي أو من جهة
أحكام المتيقن كاليقين الطريقي كما في مورد الرواية (وبذلك) انقدح انه لا وجه لما في الكفاية من الاشكال في المقام بقوله لا محيص
عنه، كما لا وجه أيضا لما أفاده في الجواب عنه بقوله: انما يلزم ذلك لو كان اليقين بنفسه ملحوظا بنحو المرآتية وبالنظر الآلي كما هو
الظاهر في مثل قضية لا تنقض حيث تكون ظاهرا عرفا في أنها كناية عن لزوم البناء والعمل إلخ (إذ فيه) أولا منع الاستظهار المزبور،
بل ظاهر القضية خلافه لظهورها في أن اليقين فيها ملحوظ في مقام الاستعمال وتوجيه النقض إليه بما هو هو استقلالا لا مرآة إلى
متعلقه، كما هو الأصل المعمول عليه في جميع عناوين الألفاظ الواقعة في طي القضايا الطلبية وغيرها في ظهور كل عنوان في الحكاية
عن إرادة مفهومه استقلالا (واما ما أفاده) من الاشكال على هذا التقدير فقد عرفت انه غير وارد وانه لا يكاد ينافي ذلك مع مورد
الرواية (وثانيا) لا وجه لجعل اليقين في القضية بمفهومه مرآتا إلى المتعلق، لان لازم المرآتية على ما اعترف به في المعاني الحرفية ان
يكون اليقين بمفهومه مغفولا عنه في مقام الاستعمال، مع أن اليقين في هذه القضية ليس كذلك قطعا، بل لازم ذلك هو ان يكون لفظ
اليقين الذي هو من الأسماء مستعملا حسب مختاره في خلاف وضعه، فإنه على مختاره من وحدة المعنى الاسمي والحرفي ذاتا موضوع
لان يلاحظ مفهومه حين الاستعمال مستقلا بما هو هو وفي نفسه، بخلاف الحرف، فإنه موضوع لان يلاحظ مفهومه حين الاستعمال
مرآتا لمتعلقه (ودعوى) سراية المرآتية من مصاديقه الخارجية إلى مفهومه بلحاظ ان الطبيعي عين مصاديقه فيتبع مصاديقه في الالية و
الاستقلالية (مدفوعة) بمنع سراية المرآتية من المصداق الذي هو اليقين الخارجي إلى المفهوم منه، بداهة كمال الالتفات حين الاستعمال
من مثل هذا اللفظ إلى مفهوم نفسه ولذا قد يجعل كونه تمام الموضوع أو جزئه (كيف) ولازم سراية المرآتية من المصداق الخارجي إلى
المفهوم منه هو عدم الالتفات إلى حيث استحكامه أيضا، ومعه كيف يمكن جعل هذه الجهة مصححا لإضافة النقض إليه، فلا بد حينئذ من
82

الالتزام بان المصحح لاطلاق النقض هو حيث اتصال المتيقن الناشئ من اقتضائه للبقاء والدوام، وهو خلاف مختاره من كون المصحح له
هو ما في نفس اليقين من الابرام والاستحكام (الا) ان يقال: إن شأن المرآة وإن كان هو الغفلة عن ذاتها ولكن بعد سراية صفاتها إلى
مرئيها كما في تلون السراج بلون الزجاج لا بأس بدعوى اكتساب المتيقن من اليقين حيثية الابرام والاستحكام، فإنه لأجل هذا
الاكتساب يصير المتيقن كأنه مستحكما بنحو استحكام اليقين ويكتفى بهذا المقدار في عناية إطلاق النقض ولو لم يكن فيه اقتضاء
البقاء والاستمرار.
ولعمري ان المنشأ كله في الالتزام بمرآتية اليقين وطريقيته في توجيه النقض إليه هو تخيل ان التنزيل في القضية ناظر إلى الأحكام الشرعية
لا إلى مطلق الآثار العملية، وان مرجع النهي المستفاد من الهيئة إلى جعل مما ثل المتيقن تعبدا إذا كان حكما ولحكمه إذا كان
موضوعا، حيث إنه بعد ان يرى أن اليقين الطريقي المحض ليس له أثر شرعي مجعول وانه لا يمكن ان يراد من النهي عن نقض اليقين
بالشك اليقين الموضوعي وآثاره لمنافاته مع المورد بلحاظ ان الحكم المترتب في مورد الرواية على حرمة النقض هي صحة الصلاة و
نحوها وهي من أحكام الطهارة الواقعية المشكوكة لا من أحكام اليقين بها، التجأ إلى جعل اليقين في القضية مرآتا إلى متعلقه أو طريقا
لتوجيه التنزيل إليه بلحاظ الأحكام الشرعية المترتبة عليه كي لا يشمل آثار نفس اليقين حذرا من لزوم محذور اجتماع اللحاظين في
اليقين استقلالا ومرآتا (والا) فلو دقق النظر وأبقي اليقين في القضية على ظاهره في كونه ملحوظا مستقلا بلحاظ جميع ما يترتب عليه
من الأعمال المتمشية من المكلف، فلا محذور في الاخذ بإطلاقه حتى بالنسبة إلى الأعمال المرتبة على اليقين من جهة أحكام نفسه، إذ
مرجع النهي عن نقضه حينئذ إلى الامر بالبناء على بقاء اليقين ووجوب ترتيب إعمال اليقين بالبقاء كما لو كان حاصلا له بالوجدان،
كان العمل مستندا إلى أثر شرعي لنفس اليقين كاليقين الموضوعي، أو كان مستندا إلى أثر شرعي للمتيقن كما في مورد الرواية.
ثم إنه يترتب على هذين المسلكين نتائج مهمة (منها) حكومة
83

الاستصحاب على مسلك المختار على الأصول المغياة بالمعرفة، وقيامه مقام اليقين المأخوذ في الموضوع على الوجه الطريقي بنحو تمام
الموضوع أو جزئه ما لم يؤخذ فيه نفى الشك (بخلاف المسلك الاخر) فإنه عليه لا مجال لقيامه مقام اليقين الموضوعي، ولا لتقديمه على
مثل تلك الأصول بمناط الحكومة، بل لا بد وأن يكون بمناط آخر غير الحكومة من الورود أو التخصيص (ومنها) انه على المختار لا
قصور في شمول الاخبار للموارد التي يكون الشك فيها في بقاء المستصحب ملازما مع الشك في القدرة على امتثال حكمه كالحياة التي
هي موضوع وجوب الاكرام والاطعام ونحو ذلك، فإنه على المختار لا قصور في جريان الاستصحاب فيها فيجب في نحو المثال إيجاد
مقدماته إلى أن ينكشف الحال، بخلاف المسلك الاخر، فإنه عليه يشكل جريان الاستصحاب في الفرض المزبور، لان جعل الحكم
الظاهري مع الشك في القدرة على امتثاله غير معقول (ومنها) غير ذلك مما يأتي الإشارة إليه في تنبيهات المسألة (وكيف كان) فهذا
كله في الجواب عن التقريبين الأولين
واما التقريب الثالث والرابع
فيرد عليهما انه لا اعتبار بمثل هذه الاعتبارات بعد اكتفاء العرف في وحدة متعلق الوصفين وصدق النقض في المقام بصرف وحدتهما
ذاتا والتغافل عن التقطيع الزماني الحاصل فيه في تعلق الوصفين، فإنه بذلك يرى كون الشك ناقضا لليقين فيصدق نقض اليقين بالشك،
بلا احتياج إلى إعمال عناية في اليقين في تصحيح إضافة النقض إليه، خصوصا مع بعده عن أذهان العرف، واقتضائه للالتزام بشمول
اخبار الباب لقاعدة المقتضي والمانع بلحاظ ان اليقين بوجود مقتضى الشئ بالعناية عين اليقين بالشئ الذي شك في بقائه، مع انحفاظ
وحدة المتعلقين فيه دقة أيضا (فإنه) لا يندفع هذه الشبهة الا بما ذكرنا من الارتكاز العرفي في مثل القضية على تجريد متعلق الشك و
اليقين عن التقطيع الزماني الحاصل فيه في تعلق الوصفين، وتقديم المسامحة في وحدة المتعلقين على العناية في اليقين في صدق النقص
واستناده إلى اليقين.
وبهذه الجهة منعنا عن جعل اليقين بالوضوء في صغرى القياس في الرواية
84

قرينة على تعدد متعلق الوصفين، لتكون الكبرى دليلا على قاعدة المقتضى والمانع، ويكون المراد منها عدم نقض اليقين بالمقتضى
بالشك بالمانع من نحو النوم وأمثاله (حيث) قلنا إن ظهور القضية عرفا في وحدة متعلق الوصفين، وفي كون نقض اليقين بالشك من
جهة المعاندة بين نفس الوصفين لا من جهة المعاندة بين متعلقيهما، بمثابة لا يكون قابلا للانكار، فلا بد من جعل اليقين بالوضوء في
صغرى القياس كناية عن اليقين بأثره وهو الطهارة القابلة لتعلق الشك ببقائها كي بعد التجريد عن التقطيع الزماني يتحد متعلق
الوصفين، فيصدق على اليقين به انه يقين حقيقي بشي قد شك في بقائه، لا يقين عنائي، هذا (مضافا) إلى استلزام القول بالتفصيل
المزبور لسد باب الاستصحاب في الأحكام التكليفية رأسا في الشبهات الحكمية، بل الموضوعية أيضا الا في موارد نادرة، كمورد الشك
في النسخ، أو المبتلى بالمزاحم الأهم، أو حصول ما يرتفع به فعلية التكليف، كالشك في لزوم العسر و الحرج أو الضرر ونحو ذلك من
العناوين الثانوية الموجبة لارتفاع فعلية التكليف (فإنه) بعد تبعية التكاليف على مذهب العدلية للمصالح والملاكات الكائنة في
متعلقاتها، لا يكاد مورد يشك فيه في بقاء الحكم الشرعي الا ويشك في ثبوت الملاك الذي اقتضى حدوثه (وتوضيح ذلك) هو ان مقتضى
الشئ في الأمور التكوينية كما يكون، تارة مؤثرا في صرف حدوث الشئ لا في بقائه، نظير البناء والبناء، وأخرى مؤثرا في بقائه
أيضا بحيث يدور الأثر في بقائه مدار بقاء علته نظير الفي للشئ (كذلك) يتصور ذلك في الأمور التشريعية (فان) ما يدعو إلى جعلها
وتشريعها من المصالح والملاكات النفس الامرية، تارة على نحو يقتضى صرف تشريع الحكم واحداث جعله بلا دخل له في بقائه بل
كان المجعول في بقائه مستندا إلى استعداد ذاته، وأخرى على نحو يكون مقتضيا لبقائه أيضا، بحيث يفتقر المجعول في بقائه إلى بقاء
ما يقتضى حدوثه من الملاكات والمصالح النفس الامرية (وبعد) ذلك نقول: إن الأحكام الوضعية انما تكون من قبيل الأول في أن
المقتضى لجعلها من أسبابها مؤثرا في إحداثها فقط، وان بقائها كان مستندا إلى استعداد ذاتها، ولا ترتفع الا
85

بطرو رافع لها كالملكية والزوجية ونحوهما من الوضعيات، فلو شك في بقائها أحيانا كان الشك فيها من جهة الشك فيما يزيلها وهو
الرافع لا من جهة الشك في المقتضى (واما الاحكام) التكليفية فهي طرا من قبيل الثاني في أن المقتضى لاحداثها من المصالح والاغراض
الكائنة في متعلقاتها هو المبقي لها أيضا (بداهة) ان الإرادة الحقيقية وكذا الكراهة التي هي روح الوجوب والحرمة انما تتبعان المصالح
والاغراض الكائنة في متعلقاتهما (فمهما) كان الشئ فيه المصلحة يتعلق به الإرادة الحقيقية من المولى، فيريد حصوله ويبعث نحوه (و
مهما) لم تكن فيه المصلحة أو كانت فيه ولكن انتفت عنه بجهة من الجهات تنتفي عنه الإرادة بمبادئها فلا يرد حصوله وتحققه ولا يبعث
نحوه (فإذا) شك حينئذ في بقاء الحكم الشرعي بجهة من الجهات يكون الشك فيه لا محالة راجعا إلى الشك في وجود مقتضى البقاء فيه
أعني الملاك والمصلحة لاستحالة استعداد التكليف للبقاء بدون بقاء المصلحة في متعلقه، فيلزم من القول بعدم حجية الاستصحاب عند
الشك في المقتضى سد باب الاستصحاب في الأحكام التكليفية الا في موارد نادرة كمورد الشك في النسخ بناء على كونه رفعا لا دفعا، و
موارد الشك في فعلية التكليف من جهة الشك في طرو ما يمنع عن فعليته من وجود مزاحم أو طرو عجز عن امتثاله ونحوه، وهو كما
ترى، فان حصر مورد تلك الأخبار الكثيرة الدالة بالسنة مختلفة وتأكيدات بليغة على عدم نقض اليقين بالشك في التكليفيات بالموارد
النادرة من البعد بمكان لا يخفى على العارف بأساليب الكلام (خصوصا) مع عدم الحاجة إلى الاستصحاب عند التأمل في أكثر الموارد
المزبورة، بلحاظ ان موارد الشك في وجود المزاحم مما استقرت عليه السيرة العرفية وبناء العقلا على لزوم الجري على طبق المقتضى
وعدم الاعتناء باحتمال وجود المزاحم الأقوى إلى أن ينكشف الحال، نظير بنائهم على حجية العام ووجوب العمل به عند عدم قيام حجة
أقوى على خلافه، ولذا لا يعتنون باحتمال وجود خاص أو معارض في البين على الخلاف، كما أن موارد الشك في التكليف من جهة الشك
في قيد من القيود زمانا أو زمانيا مما يرجع إلى الشك في القدرة أيضا كذلك، لاستقلال العقل عند
86

إحراز ملاك التكليف والشك في القدرة بلزوم الاحتياط وعدم الاعتناء باحتمال عدم القدرة على الامتثال (فالتحقيق) حينئذ هو حجية
الاستصحاب مطلقا سوأ في الشك في المقتضى أو الرافع أو رافعية الموجود، وسواء فيه بين كون المستصحب مغيا بغاية شك في
تحققها من جهة الشبهة الحكمية أو المفهومية أو الموضوعية، وبين غيره كل ذلك لعموم حرمة نقض اليقين بالشك الشامل لجميع هذه
الأقسام: وانما أطلنا الكلام في المقام حرصا لدفع بعض الشبهات عن الأذهان الناشئ من مصير مثل الشيخ قدس سره إلى التفصيل
المزبور والله العالم بحقائق الأمور (هذا كله) في التفصيل الأول.
واما التفصيل الاخر وهو المنسوب إلى الفاضل التوني قده
بين الأحكام التكليفية والوضعية بحجية الاستصحاب في الأول دون الثاني (فمنشؤه) هو تخيل ان الأحكام الوضعية أمور عقلية انتزاعية
لا تكون بنفسها أثرا مجعولا ولا موضوعا لاثر كذلك حتى يجري فيها الاستصحاب (ولكنه تخيل فاسد) فان قصر حجية الاستصحاب
بما إذا كان المستصحب كذلك دعوى بلا بينة ولا برهان (فان ما لا بد منه) في باب الاستصحاب هو ان يكون الأثر المصحح لجريانه
مما أمر رفعه ووضعه بيد الشارع ولو بتوسيط منشأ انتزاعه، إذ لا نعني من شرعية الأثر ومجعوليته في نحو المقام الا هذا المقدار (و
بعد) إن كانت الأحكام الوضعية طرا مما ينتهي امرها إلى الشارع وتنالها يد الجعل والرفع التشريعي ولو بتوسيط مناشئها، فلا محالة
يجري فيها الاستصحاب لعموم أدلته القاضي بعدم اختصاصه بما هو أثر شرعي بنفسه بلا واسطة (وعليه) فلا وقع لهذا التفصيل، ولا
يحتاج في دفعه بأزيد مما ذكرناه وحيث انتهى الكلام إلى ذلك فالحري هو عطف عنان القلم إلى البحث عن
حقيقة الأحكام الوضعية وبيان مجعوليتها أو انتزاعيتها
وتفصيل أقسامها بقدر ما يسعه المجال (فنقول): وعليه الاتكال انه قد اختلف كلماتهم في الأحكام الوضعية (تارة) في عددها ومقدارها
(وأخرى)
87

في مجعوليتها وانتزاعيتها (وذلك) بعد وفاقهم على مجعولية الأحكام التكليفية، كما ينبئ عنه تخصيصهم النزاع في المجعولية بالأحكام
الوضعية (ولعل) نظرهم في تسلم الجعل في باب التكاليف إلى مرحلة البعث والالزام والايجاب المنتزع من مرحلة انشاء الامر على
وفق إرادته، بلحاظ ما يرى من احتياج مثل هذه العناوين في تحققها إلى انشاء الحاكم بحيث لولا إنشائه لما كان لاعتبارها مجال ولو
مع تحقق الإرادة الحقيقة من الامر فعلا، لأنه حينئذ وان صدق انه مريد بالفعل ويحكم العقل أيضا بوجوب الامتثال مع العلم بإرادة
المولى، ولكن لا يصدق عليه انه ملزم ولا موجب ولا باعث (كما) لعله إلى ذلك نظر من جعل حقيقة الطلب غير الإرادة، فكان الغرض من
الطلب هو هذا الأمر الاعتباري المنتزع من مرحلة الانشاء، لا انه معنى آخر قائم بالنفس غير الإرادة على وجه يحكى عنه الانشاء
كحكايته عن الإرادة حتى يتوجه عليه انه لا يتصور معنى آخر قائم بالنفس غير الإرادة يسمى بالطلب، وباستلزامه للالتزام بالكلام
النفسي (ولكن) دقيق النظر يقتضى خلافه وانه لا يرتبط باب التكاليف بالأمور الجعلية الا بنحو من الادعاء والعناية كما سنشير إليه
(فان) الحقائق الجعلية عبارة عن اعتبارات متقومة بالانشاء الناشئ عن قصد التوصل به إلى حقائقها على نحو يكون القصد والانشاء
واسطة في ثبوتها ومن قبيل العلة التامة لتحققها بحيث لولا القصد والانشاء لما كان لها تحقق في وعاء الاعتبار المناسب لها كما هو
الشأن في جميع الأمور القصدية كالتعظيم والتوهين والملكية ونحوها من العناوين التي يكون الجعل المتعلق بها مصحح اعتبارهما في
موطنها (وبذلك تمتاز) عن الأمور الاعتبارية المحضة التي تتبع صرف لحاظ المعتبر وتنقطع بانقطاعه كأنياب الأغوال، ومنها الأمور
الادعائية في موارد التنزيلات كالحياة ونحوها، فإنها ليست مما يتعلق به الجعل بالمعنى المتقدم ولا كان لها واقعية ولا تقرر في وعاء
الاعتبار وان إطلاق الجعلية عليها انما هو بمعنى الادعاء (كما انها) تمتاز بذلك عن الأمور الانتزاعية، إذ هي تابعة لمنشأ انتزاعها قوة و
فعلية ولا تقوم لها بالجعل والانشاء (نعم) قد يكون الجعل محقق منشأ انتزاعها فيما إذا كان منشأ الانتزاع من الاعتباريات الجعلية
كمفهوم الملكية
88

بالنسبة إلى حقيقتها الحاصلة بالجعل والانشاء.
وبعد ما عرفت ذلك نقول: إن من المعلوم عدم تصور الجعلية بالمعنى المزبور في الأحكام التكليفية في شئ من مراتبها (اما بالنسبة)
إلى مرحلة المصلحة والعلم بها فظاهر (واما) بالنسبة إلى لب الإرادة التي هي روح التكليف، فلانها من الكيفيات النفسانية التابعة للعلم
بالمصلحة في الشئ بلا مزاحم لمفسدة أخرى فيه أو في لازمه فلا ترتبط بالانشائيات (وهكذا) الامر بالإضافة إلى الانشاء المبرز
للإرادة، فإنه أيضا أمر واقعي وكان من مقولة الفعل الخارج عن الاعتباريات الجعلية، فلا يبقى حينئذ الامر حلة الايجاب والبعث و
اللزوم ونحوهما من العناوين المنتزعة من إبراز الإرادة بالانشاء القولي أو الفعلي وهذه أيضا غير مرتبطة بالجعليات المتقومة
بالانشاء والقصد (لأنها) اعتبارات انتزاعية من مرحلة إبراز الإرادة الخارجية، حيث ينتزع العقل كل واحدة منها من الانشاء المظهر
للإرادة بعنايات خاصة (ولذا) يكتفى في انتزاع تلك الأمور، وكذا في حكم العقل بلزوم الاتباع بصرف انشاء الامر بداعي الاعلام
بإرادته ولو لم يقصد به مفهوم الطلب ولا خطر بباله عنوان البعث والايجاب، (وعليه) فلا أصل لما اشتهر وتداول في الألسنة من جعلية
الأحكام التكليفية (نعم) لا بأس بدعوى الجعل فيها بمعنى التكوين والايجاد ولو بلحاظ إيجاد المنشأ القهري لا القصدي للاعتبارات
المزبورة، فإنها بهذه الجهة تكون تابعة لما بيد الشارع وضعه ورفعه وهو الطلب والامر الذي هو عين إنشائه الاختياري بالقول أو
الفعل، فيكون الغرض من جعليتها حينئذ مجرد احتياجها في مقام انتزاع مفاهيمها إلى الانشاء المبرز للإرادة، لا الجعلية بالمعنى المتقوم
بالقصد والانشاء من القول أو الفعل الجاري في الأحكام الوضعية كما هو ظاهر (هذا كله) في الأحكام التكليفية.
واما الأحكام الوضعية فقد عرفت اختلافهم فيها، تارة في تعدادها وأخرى في جعليتها وانتزاعيتها من التكليف بعد الفراغ عن كونها
بحقائقها من الأمور الاعتبارية وخارجات المحمول، لا المحمولات بالضميمة، وعدم انتزاعها من الجهة التي ينتزع عنها مفاهيم
التكاليف، والا يلزم مرادفتها مع مفهوم التكليف من الوجوب
89

والحرمة (ولكن) الجهة الأولى لا يهمنا التكلم فيها لعدم ترتب ثمرة مهمة عملية أو علمية عليها، مع وضوح ان ملاك حكميتها انما هو
بانتهائها إلى جعل الشارع تأسيسا أو إمضاء وإرادته في مقام التشريع بلا واسطة أو معها، حيث إنه بذلك ينضبط وضعية الحكم ويميز
عن غيره لانحصار مصداقه حينئذ بالاعتباريات المجعولة أو المنتزعة بحقائقها عن التكليف (وانما المهم) هو التكلم فيها من الجهة
الثانية في أن حقائقها مجعولة بالجعل المتعلق بها أصالة أو تبعا، أو انها منتزعة من التكليف محضا (وتنقيح المقال فيها) يستدعى افراد
كل ما عد كونه من الوضعيات بالبحث ليتضح ما هو المجعول منها استقلالا أو تبعا، وما هو المنتزع من التكليف محضا.
فتقول ان ما عدا كونه من الوضعيات أمور
(منها) الجزئية والشرطية والمانعية والسببية
(وقد يتوهم) كونها بأجمعها أمورا انتزاعية صرفة من التكليف لا تنالها يد الجعل التأسيسي والامضائي لا استقلالا ولا تبعا (ولكنه)
توهم فاسد (بل الحري) الحقيق هو التفصيل بين المذكورات فنقول: (اما الجزئية) للواجب فهي كما أفادوه انتزاعية صرفه من التكليف
المتعلق بعدة أمور متكثرة خارجية (بداهة) ان اعتبار عنوان الجزئية للشئ في المركبات الاعتبارية كعنوان الكلية انما ينتزع من نحو
ارتباط بين الأمور المتكثرة الحاصل من طرو وحدة اعتبارية عليها من قبل وحدة التكليف أو اللحاظ أو الغرض ونحوها، حيث إنه
بطرو إحدى الوحدات عليها يحصل نحو ارتباط بين تلك الأمور، فينتزع به عنوان الجزئية لكل واحد منها وعنوان الكلية للمجموع و
يختلف ذلك باختلاف ما يضاف إليه الجزئية من الملحظ أو الغرض أو الواجب والمأمور به، والا فمع قطع النظر عن طرو وحدة ما عليها
لا كلية ولا جزئية بل لا تكون الا متكثرات خارجية (وعليه) فمنشأ اعتبار الجزئية للواجب يتمحض بالوحدة الطارية على المتكثرات من
قبل تعلق تكليف واحد بها وانبساطه عليها دون غيرها من الوحدات الاخر لحاظية أو غيرها، وبدونه لا مجال لاعتبار الكلية ولا
الجزئية بالإضافة إلى الواجب، وإن كان هناك وحدات أخر لحاظية أو غيرها، لأن هذه انما تجدي في اعتبار الجزئية بالنسبة إلى
الملحوظ وغيره لا بالنسبة إلى الواجب
90

والمأمور به كما هو ظاهر (هذا كله) بالنسبة إلى عنوان الجزئية للواجب ولقد عرفت كونها انتزاعية محضة عن التكليف لا مجعولة
بالجعل الاستقلالي، بل ولا التبعي أيضا الا بضرب من المسامحة ولو باعتبار إناطتها لسعة دائرة التكليف وانبساطه بنحو يشمل ذات
الجز الكذائي فيقال بهذه العناية انها مجعولة قهرا تبعا لجعل التكليف وبسطة على الذوات المعروضة له
واما الشرطية والمانعية
(فيقع الكلام) فيهما تارة في شرطية الشئ ومانعيته للواجب، وأخرى للوجوب والتكليف
(اما الأول)
فلا شبهة في عدم كونها من الأحكام الوضعية المجعولة ولا المنتزعة من التكليف (اما عدم) مجعوليتها بالجعل المستقل فظاهر (واما)
عدم انتزاعيتها من التكليف، فلانها أمور واقعية منتزعة من الإضافة والربط بين الشئ وذات الواجب في المرتبة السابقة على وجوبه،
بحيث كان الوجوب قائما بالربط المزبور، كقيامه بذات العمل (لوضوح) ان شرطية الشئ للواجب كعنوان مقدميته انما تنتزع من الجهة
التي تكون علة لسراية الوجوب الغيري إلى الذات، المتصفة بهذا الوصف، وهي لا تكون الا عبارة عن طرفية الشئ للإضافة والتقيد
الذي هو معروض الوجوب (فان) كون الشئ قيدا للواجب ومقدمة له ليس الا كونه طرفا لشخص الإضافة والتقيد المأخوذ في موضوع
الوجوب، ولأجل هذه الطرفية تكون الإضافة المعبر عنها بالتقيد قائمة به، فيصير مثله مقدمة للتقيد الذي هو معروض الوجوب، فيسري
إليه الوجوب الغيري (والا) فمع قطع النظر عن طرفيته للتقيد الذي هو جز موضوع الوجوب لا وجه لمقدميته للواجب ولا لسراية
الوجوب الغيري إليه (لان) ذات الشرط بالإضافة إلى ذات الواجب ربما يكون في عرض واحد بلا تقدم رتبي لأحدهما على الاخر (و
حينئذ) فإذا كان عنوان شرطية الشئ للواجب كعنوان مقدميته منتزعا من جهة دخله وطرفيته للتقيد الذي هو جز موضوع الوجوب،
(نقول): ان من البديهي أجنبية مثل هذه الطرفية والإضافة المزبورة عن مرحلة التشريعيات الجعلية والإنتزاعيات من التكليف، إذ هي
بذاتها من الأمور الواقعية القائمة بين الشيئين والمحفوظة بذاتها قبل
91

(والتشريع) انما هو يدخل مثلها في موضوع التكليف لا بإيجاد حقيقتها، فيستحيل تحققها من قبل التكليف المتأخر رتبة عنها (نعم) ما
هو جاء من قبل التكليف انما هو إضافتها إلى الواجب بوصف وجوبه (حيث) انه بتشريع دخلها في موضوع الحكم وتعلق الوجوب بالذات
المرتبط على نحو خروج القيد ودخول التقيد يصير القيدية المحفوظة بذاتها مضافة إلى الواجب، نظير إضافة سائر الأمور إليه من نحو
مكان الواجب وزمان الواجب (ففي الحقيقة) التكليف انما كان مقوم إضافة القيدية إلى الواجب، لا انه مقوم ذات المضاف وهي القيدية و
الشرطية (وهكذا الكلام) في المانعية حيث إنها كالشرطية منتزعة من تقيد الشئ بعدم أمر كذا ولا دخل للامر والتكليف الا في إضافتها
إلى الواجب كما هو ظاهر وبما ذكرنا اتضح الفرق بين الجزئية وبين الشرطية والمانعية (فان) الجزئية بحقيقتها منتزعة من الوحدة
الاعتبارية الطارية على الأمور المتعددة من قبل تعلق تكليف واحد بها، فالتكليف بالنسبة إليها محقق حقيقة المضاف وهي الجزئية و
إضافتها إلى الواجب بحيث لولاه لا يكون منشأ لاعتبار أصل الجزئية للواجب، بل وحدة أخرى لحاظية أو غيرها، بخلاف الشرطية و
المانعية (فان) حقيقة الشرطية والمانعية انما نشأت من طرفية الشئ للإضافة المحفوظة بذاتها قبل التكليف وبعده والتكليف انما كان
منشأ لمجرد إضافة الشرط إلى الواجب كمنشئيته لإضافة سائر الأمور إليه كالمكان والزمان ونحوهما (وعليه) فلا مجال لجعل مثل
الشرطية والمانعية في عداد الجزئية التي من الانتزاعيات الصرفة هي بذاتها انتزاعية صرفة من التكليف، الا بالالتزام بانتزاع الشرطية
والمانعية من تلك الإضافة الجائية من قبل التكليف، لا من واقع الإضافة المأخوذة في الموضوع وطرفية الشئ لها، ومثله كما ترى لا
يمكن الالتزام به (إذ لازمه) عدم صحة انتزاع قيدية شئ لشئ لولا وجود حكم في البين، مع أن البداهة قاضية بفساده، لوضوح ان
الشئ قد يكون قيدا للشئ وطرفا لاضافته. ولو لم يكن في العالم حكم كالرقبة المؤمنة وزيد العالم (بل ولازمه) إدخال سائر الأمور
المضافة إلى الواجب في الأحكام الوضعية أيضا كزمان الواجب ومكانه ونحوهما مما كان تأخره عن
92

الواجب بصرف إضافته إلى الواجب لا بنفس ذاته، بلحاظ ان إضافتها إلى الواجب انما هي كإضافة القيد والشرط إليه، ومثله لا يظن
التزامه من ذي مسكة (فيكشف) ذلك عن خروج مثل الشرطية والمانعية للواجب عن كونه من الأحكام الوضعية، فان العبرة في وضعية
الحكم انما هو بكون الشئ من الاعتبارات المجعولة بجعل من الجاعل وإرادته في مقام التشريع، أو بكونه من الاعتباريات المنتزعة
المتأخرة بذاتها من التكليف، لا بمجرد إضافتها إليه (هذا كله) في الشرطية والمانعية للواجب.
واما الشرطية، والسببية والمانعية للحكم،
فلا شبهة في أنها من الأمور الاعتبارية، وانما الكلام في منشأ اعتبارها في أنه هل هو الجعل المتعلق بها بحيث كانت من الاعتبارات
المجعولة أصالة أو تبعا، أو انه هو التكليف المترتب على موضوعاتها، أو لا هذا ولا ذلك بل هي خصوصية تكوينية في ذات السبب تقتضي
الرشح وإفاضة الوجود، فيه وجوه وأقوال.
والتحقيق ان يقال: إن السببية للشئ انما ينتزع من إناطة الشئ بالشئ وترتبه عليه (فان) كان الشئ المنوط من الأمور الخارجية
كالاحراق بالنسبة إلى النار فالسببية تكون حقيقية، لكونها حينئذ عبارة عن مؤثرية الموجود الخارجي في الشئ لخصوصية ذاتية فيه
تكوينية اقتضت الرشح وإفاضة وجود المسبب، لا انها انتزاعية من التكليف، ولا جعلية (بداهة) عدم قابلية هذا المعنى من السببية للجعل
التكويني فضلا عن الجعل التشريعي (كيف) وان الجعل التشريعي لا يوجب الا احداث أمر اعتباري لا يكون وعائه الا الذهن كسائر
الأمور الجعلية، ومثله يستحيل ان يغير الوجود الخارجي عما عليه من الخصوصية الذاتية التي بها قوام مؤثريته (وإن كان) المنوط من
الاعتبارات الجعلية كالملكية والوجوب بناء على جعليته كانت الإناطة والسببية أيضا تبعا لاعتبارية المنوط اعتبارية ومجعولة بتبع
جعله، لا انها واقعية، ولا منتزعة من التكليف (حيث) انه بجعل الملكية أو الوجوب منوطا بأمر خاص في نحو قوله: من حاز ملك، وقوله
إذا تحقق الدلوك تجب الصلاة تتحقق الإناطة والملازمة بين الحيازة والملكية، وكذا بين الدلوك والوجوب، وبدون هذا الجعل
93

لا ينتزع الملازمة المزبورة بينهما.
وحيث أن محط البحث في المقام في موضوع السببية هي الأمور المأخوذة في تلو أداة الشرط في القضايا الشرعية المشروطة في نحو
قوله: من حاز ملك لا المعنى الأول بمعنى المؤثرية والمتأثرية الخارجية، فلا محالة تكون السببية مجعولة بعين جعل الملكية والوجوب
معلقا على الحيازة والدلوك لا بجعل آخر مغاير (ومعه) لا مجال لدعوى انتزاعيتها من التكليف بل ولا التكليف عنها، كما لا مجال
لدعوى كونها واقعية بمقتضى الخصوصية الذاتية التكوينية (اما الأول) فظاهر إذ هما حينئذ اعتباران منتزعان من جعل خاص في مرتبة
واحدة، لا ان أحدهما منشأ لاعتبار الاخر، من غير فرق بين ان يكون الخطاب بلسان جعل المعلق عليه والوجوب المنوط أو بلسان جعل
الإناطة والقضية التعليقية (فان) مجرد لحاظ الإناطة معنى حرفيا تارة، واسميا أخرى لا يوجب فرقا من هذه الجهة الا في مجرد التعبير
(واما الثاني) فكذلك، كيف وانه لو تم ذلك فإنما هو فيما له الدخل في أصل الإرادة وتشريع الحكم من المصالح والملاكات بوجودها
الحاظي، لا بالنسبة إلى ما أنيط به المجعول الشرعي في القضايا الشرعية في نحو قوله من حاز ملك كما هو محط البحث (بداهة) امتناع
كون السببية فيه حقيقية بمعنى المؤثرية، والا يلزم عدم جعلية حقيقة الجزاء، لان لازم جعلية الجزاء بحقيقته هو عدم تحققه بدون جعله،
فمع فرض جعليته وكونه فعلا اختياريا للجاعل كيف يمكن دخل مثل الدلوك والحيازة في تحقق الملكية والوجوب بمقتضي الخصوصية
الذاتية (فلا محيص) حينئذ من نفي السببية الحقيقية عن مثله والالتزام بكونها فيه مجعولة بعين جعل الملكية أو الوجوب معلقا على
الحيازة والدلوك، لا بجعل آخر مغاير لجعله (نعم) كما يمكن ان يكون مورد الجعل بدوا هو الوجوب وتكون الإناطة والملازمة
ملحوظة في مقام الجعل تبعا للوجوب، كذلك يمكن ان يكون مورد الجعل بدوا نفس السببية والملازمة بلحاظها معنى اسميا على نحو
يكون النظر إليها في مقام الجعل استقلاليا وإلى الوجوب تبعيا، وبهذين الاعتبارين تكون السببية قابلة للجعل التبعي والاستقلالي، و
يفرق بين
94

كون القضية بلسان جعل الوجوب المنوط بالدلوك، وبين كونها بلسان جعل الملازمة بين الدلوك والوجوب.
(وإلى ما ذكرنا) نظر المحقق الخراساني قدس سره في مصيره إلى نفي كون السببية مجعولة وانها من الأمور الواقعية والخصوصيات
التكوينية (حيث) ان التأمل في كلامه يقضى بان تمام همه إنكار جعلية السببية بمعنى المؤثرية، نظرا إلى بنائه على أن السببية الحقيقية
عبارة عن خصوص الإناطة المؤثرية الناشئة من خصوصية ذاتية في الشئ تقتضي التأثير والتأثر، لا مطلق الإناطة والترتب بين
الشيئين ولو بنحو ترتب الأمر الاعتباري على منشئه (ففي الحقيقة) مرجع إنكاره إلى نفي السببية الحقيقية عما رتب عليه الحكم الوضعي
أو التكليفي في الخطابات الشرعية كالدلوك والعقد والاستطاعة وان السببية المنتزعة عنها من إناطة الحكم الوضعي أو التكليفي بها
في الخطابات ادعائي لا حقيقي ببيان ان مثل الدلوك لو كان شرطا وسببا حقيقيا يستحيل الجعل، لأنه اما واجد لملاك الشرطية
الواقعية من الخصوصية الذاتية أو فاقد له وعلى أي تقدير لا معنى لجعل السببية له، لا ان المقصود هو إنكار الجعلية في السببية المنتزعة
من إناطة الوجوب به في حيز الخطاب (ولذلك) أتم مدعاه، بقوله والا لزم إلخ، وبقوله: ومنه انقدح عدم صحة انتزاع السببية للدلوك
من إيجاب الصلاة عنده لعدم اتصافه بها كذلك نعم لا بأس باتصافه بها عناية وإطلاق السبب عليها مجازا إلخ، (وعليه) فلا يبقى المجال
لما عن بعض الأعاظم قد سره من الاشكال عليه بأنه خلط بين علل التشريع وموضوعات الاحكام (كيف).
وهذا المعنى مما اعترف به هو قده قبل ذلك وبين بان السببية بمعنى المؤثرية لا تكون مجعولة ولا منتزعة من التكليف المترتب على
موضوعاتها لأنها من الأمور الواقعية والخصوصيات التكوينية التي تقتضيها ذات الشئ وان السببية المنتزعة من مجرد إناطة الوجوب
بشي في الخطاب ادعائي لا حقيقي، ومع هذا الاعتراف أين يبقى المجال لهذا الرد والاشكال بحيث يجعل له عنوان مخصوص (نعم) لو
كان محط البحث في كلام المحقق الخراساني قدس سره هي المصالح والملاكات بوجوداتها العلمية
95

للإرادة وجعل الوجوب، لصح نسبة الخلط إليه بين سببية الشئ للوجوب الواقع في حيز الخطاب وبين شرطيته لأصل الجعل وتشريع
الاحكام (ولكنه) ليس كذلك، بل محط البحث في كلامه انما هو في سببية مثل الدلوك للوجوب الواقع في حيز الخطاب غير أنه أنكر فيه
السببية الحقيقية بمعنى المؤثرية وجعلها ادعائية كما بيناه (هذا بناء) على انتزاع السببية عن الإناطة والترتب بين الشيئين (واما) بناء
على انتزاعها عما تقوم به الإناطة، لا من نفس الإناطة ففيها التفصيل المتقدم من كونها في المجعولية وعدمها تابع مجعولية المسبب و
عدمه، فإذا كان المسبب من الأمور المجعولة فلا محالة تكون السببية أيضا مجعولة، فان كون العقد سببا للملكية والدلوك سببا لوجوب
الصلاة لا يكون الا بجعل من الشارع والا فلا اقتضاء لذات العقد للملكية ولا للدلوك للوجوب أصلا (هذا كله) في الجزئية والشرطية و
المانعية والسببية وقد عرفت اختلافها في المجعولية والانتزاعية وعدم كونها على نمط واحد، فتكون الجزئية انتزاعية محضة من
التكليف، بخلاف الشرطية والمانعية، فإنهما بالنسبة إلى الواجب تكون واقعية لا مجعولة ولا منتزعة من أمر مجعول، وبالنسبة إلى
نفس الوجوب والتكليف تكون مجعولة بعين جعل الوجوب لا بجعل آخر مغاير لجعله (غاية الأمر) ان جهة الإناطة والسببية، تارة تكون
ملحوظة في مقام جعل الوجوب تبعا للوجوب فتكون مجعولة بالتبع، وأخرى تكون ملحوظة في مقام الجعل معنى اسميا فتكون مجعولة
بالاستقلال كما شرحناه (ولعله) إلى مثل هذه الجهة نظر من يقول: بان للشارع في نحو المقام جعلين، جعل متعلق بسببية العقد و
الدلوك للملكية والوجوب، وجعل متعلق بالملكية والوجوب عقيب العقد والدلوك، فيكون المقصود من أحد الجعلين هو الجعل التبعي
بلحاظ استتباع الجعل الاستقلالي في كل منهما للجعل التبعي للاخر، لا ان المقصود هو استقلال كل من السبب والمسبب بالجعل المستقل
كي ترمى بالغرابة (كما أنه) إلى ذلك نظر القائل بان المجعول الشرعي تأسيسا أو إمضاء أمر واحد وهو سببية العقد والدلوك للملكية
والوجوب، فيكون المقصود من جعلية السببية هو الجعل الاستقلالي المستتبع للجعل التبعي للمسبب، لا ان المقصود نفى الجعلية عن
المسبب
96

رأسا حتى تبعا، فان ذلك مما لا يكاد توهمه من أحد.
ومنها الصحة والفساد، والطهارة والنجاسة، والرخصة والعزيمة
(اما الصحة والفساد)
فالصحة على ما شرحناه في مبحث الصحيح والأعم عبارة عن تمامية الشئ بلحاظ الجهة المرغوبة منه ويقابلها الفساد تقابل العدم و
الملكة (ففساد) الشئ عبارة عن نقصه وعدم تماميته بلحاظ الأثر المرغوب منه (نعم) حيث إن الجهة المرغوبة من الشئ تختلف
باختلاف الآثار والاغراض يختلف الشئ الواحد صحة وفسادا باختلاف الآثار والاغراض، فيكون الشئ الواحد صحيحا بلحاظ أثر و
غرض وفاسدا بلحاظ أثر وغرض آخر، (مثلا) المركب من عدة أمور لتحصيل أثر مخصوص به إذا فقد منه بعض اجزائه الذي يخل
ببعض آثاره دون بعض يكون هذا الناقص فاسدا باعتبار خصوص ذلك الأثر، وصحيحا باعتبار أثر آخر (وبهذه) الجهة قلنا إن
الاختلاف في تفسير الصحة في العبادة، تارة بإسقاط الإعادة والقضاء كما في لسان الفقيه، وأخرى بموافقة المأتي به للشريعة وعدمها
في لسان المتكلم، وثالثة غير ذلك، لا يكون اختلافا منهم في حقيقة الصحة لتكون من متعدد المعنى (بل الصحة) عند الجميع بمعنى واحد
وهي التمامية، (وانما) الاختلاف بينهم في تطبيق هذا المفهوم الوحداني على وجود واحد باعتبار ما هو المهم عند كل فريق من الجهة
المرغوبة منه في إنظارهم (فالأثر) المهم في نظر الفقيه في العبادة حيث إنه سقوط الإعادة والقضاء فسرها بما يوافق غرضه، (كما) ان
الأثر المهم في نظر المتكلم لما كان موافقة الامر والشريعة الموجبة لاستحقاق المثوبة، فسرها بما يوافق غرضه.
وعليه نقول إنه بعد ان تختلف صحة الشئ الواحد وفساده بلحاظ الجهة المرغوبة منه، فلا بد في الحكم بانتزاعية الصحة وواقعيتها من
ملاحظة الجهة التي أريد تمامية الشئ بالإضافة إليها (فإن كانت) تلك الجهة من الأمور الواقعية كالملاك والمصلحة تكون التمامية و
الصحة واقعية، لان كون الشئ بحيث يفي بالغرض ويترتب عليه الملاك والمصلحة أمر واقعي لا مجعول شرعي ولا منتزع من أمر
مجعول ومن هذا القبيل، جهة المسقطية للقضاء والإعادة التي هي تلازم الاجزاء لا عينها (فان)
97

مثل هذه الجهة تكون دائرة مدار الوفاء بالغرض في الجملة، وبذلك تكون الصحة والتمامية من الأمور الواقعية (وإن كانت) من الأمور
المجعولة من التكليف أو الوضع في أبواب المعاملات، فالصحة تكون منتزعة من تلك الجهة (لأنه) لولا تلك الجهة لما كان مجال لانتزاع
صحة الشئ وتمامية من تلك الجهة، (فانتزاعية) الصحة حينئذ وواقعيتها تكون تابعة لجعلية الجهة التي لوحظ تمامية الشئ بالإضافة
إليها وعدم جعليتها (وعليه) فلا بد في انتزاعيتها من التفصيل بحسب الآثار المقصودة من الشئ التي يراد تماميته بالإضافة إليها (ولا
مجال) لدعوى انتزاعيتها من المجعول الشرعي مطلقا، ولا للمنع عن انتزاعيتها كذلك (نعم) لا تكون الصحة من الأمور المتأصلة بالجعل
تأسيسا أو إمضاء بل هي اما واقعية محضة كالصحة بلحاظ الوفاء بالغرض أو المسقطية للإعادة والقضاء، واما منتزعة من مجعول
شرعي كالصحة في أبواب المعاملات من العقود والايقاعات، فالقول بكونها متأصلة بالجعل ساقط عن الاعتبار.
واما الطهارة والنجاسة
فهما بمعنى النظافة والقذارة، وقد جعلها الشيخ قده من الأمور الواقعية، وهو كما أفاده قدس سره في النظافة والقذارة العرفية
المحسوسة، إذ لا ينبغي الاشكال في كونهما من الأمور الواقعية الخارجية التي يدركها العرف والعقلاء، ولذلك تريهم يستقذرون عن
بعض الأشياء كعذرة الانسان ولا يستقذرون عن بعض الاخر.
وانما الكلام فيهما شرعا فيما لم يكن في البين جهة محسوسة عرفية كنجاسة الخمر والكافر ونحوهما في أنهما أيضا من الأمور
الواقعية الخارجية التي كشف عنها الشارع لنا بحكمه بوجوب الاجتناب، أو انهما من الاعتبارات الجعلية (ويمكن) ترجيح الثاني بجعلهما
من الاعتبارات الجعلية الراجعة إلى نحو ادعاء من الشارع بنجاسة ما يراه العرف طاهرا وبالعكس بلحاظ ما يرى من المناط المصحح
لهذا الادعاء بحيث لو اطلع العرف عليه لرتبوا عليه آثار النجاسة (كما يشاهد) نظيره في العرف حيث يرى عندهم بعض المصاديق
الادعائية للطهارة والنجاسة، كاستقذارهم من أيدي غسال الموتى وأيدي من شغله تنظيف البالوعة وإخراج الغائط منها وإباء طبعهم
عن المؤاكلة مع
98

هؤلاء من إناء واحد ولو كانت أياديهم حين الاكل في كمال النظافة الظاهرية، وعدم استقذارهم من أيدي مثل الفلاح المستعمل للفواكه
ولو كانت أيديهم من جهة استعمال الفواكه من الوسخ ما بلغ (ومن المعلوم) ان ذلك لا يكون الا من جهة ادعائهم القذارة في الأول
الموجب لترتيبهم الآثار القذارة الخارجية عليه، وعدم اعتبارهم إياها في الثاني.
وعليه نقول: إنه يمكن ان يكون حكم الشارع بنجاسة ما لا يراه العرف قذرا كالخمر والكافر ونحوهما من هذا القبيل، فيكون مرجعه
إلى نحو ادعاء من الشارع بقذارة ما يراه العرف طاهرا، وبالعكس بلحاظ ما يرى منه من المناط المصحح لهذا الادعاء بحيث لو يراه
العرف أيضا لرتبوا عليه آثار قذاراتهم من دون ان يكون المناط المزبور هو عين الطهارة والنجاسة الشرعية كي تكونان من الأمور
الواقعية التي كشف الشارع عنها ببيانه كما توهم (وبالجملة) فرق بين كون الشئ طاهرا أو قذرا خارجيا، وبين كونه طاهرا أو قذرا
ادعائيا لمناط مخصوص (وعليه) لا وجه لجعلها بقول مطلق من الأمور الواقعية (نعم) على كل تقدير لا تكونان من الأحكام الوضعية حتى
يأتي فيهما النزاع في كونهما مجعولة أو منتزعة من التكليف (إذ هما) اما من الأمور الواقعية، واما من الأمور الادعائية، فعلى الأول لا
تكونان من الأمور الوضعية ولا مرتبطة بالجعل، (وعلى الثاني) وان كانتا مجعولة ولكن بالجعل بمعنى الادعاء لا الجعل الحقيقي كما
هو ظاهر.
واما الرخصة والعزيمة
فقد عدهما بعض من الأحكام الوضعية (ولكن) فيه منع واضح (فان) الرخصة والعزيمة عبارة عن السقوط على وجه التسهيل والسقوط
على وجه الحتم والالزام، وهما مندرجان في الأحكام التكليفية لا الوضعية.
ومنها الحجية
وقد اختار المحقق الخراساني قدس سره وبعض آخر كونها مجعولة بنفسها لا منتزعة من أمر مجعول نظير الملكية ونحوهما من
منشئات العقود والايقاعات (ولكن) لا يخلو ذلك عن غموض وإشكال (فان) حقيقة الحجية على ما تقدم في مبحث القطع لا تكون الا
عبارة أخرى عن منشئية الشئ لقطع عذر العبد
99

ومصححيته لاستحقاق العقوبة على المخالفة، ومن المعلوم ان هذا المعنى نظير السببية الحقيقية أمر ذاتي للشئ لكونه في الحقيقة عبارة
عن الملازمة بين انكشاف الواقع واستحقاق العقوبة على مخالفته، من غير فرق في ذلك بين القطع وغيره من الامارات والحجج
الشرعية (غير أن) في القطع يكون المعروض لهذه الحيثية ذات القطع لكونه عين انكشاف الواقع بلا تعلق جعل شرعي بحيث معروضيته،
وفي غيره يكون معروضها مما تعلق به الجعل الشرعي تأسيسا أو إمضاء من الطريقية والكاشفية، كما في الامارات الجعلية، حيث إنه
بتتميم كشفها وادعاء كونه علما تصير الامارة بما يستتبعه من الحكم الطريقي سببا لقطع عذر العبد ومصححا لاستحقاق العقوبة على
مخالفة الواقع، بلا تعلق جعل منه بحيث منشئيتها لاستحقاق العقوبة، ففي الحقيقية مرجع الجعل فيها إلى تتميم ما هو معروض للحيثية
المزبورة، لا إلى احداث العارض على نفس الذات، ومرجعه إلى احداث الجزم ببلوغ الحكم المحتمل وجوده في الاهتمام لدى المولى
بمرتبة لا يرضى بمخالفته حتى في ظرف الشك به الذي هو بنفسه سبب لاستحقاق العقوبة على المخالفة.
(وبتقريب) آخر مرجع ذلك إلى قلب عدم البيان الذي هو موضوع حكم العقل بقبح العقوبة بالنقيض الذي هو البيان على الواقع (نعم) لو
بيننا على عدم كفاية مجرد هذا الجعل ولو بما يستتبعه من الحكم الطريقي لتنجيز الواقع وقلب اللا بيان الموضوع لقبح العقوبة بالبيان
المصحح لها (لاتجه) القول بمجعولية الحجية بنفسها في الامارات والطرق الشرعية، ولو بدعوى كونها من الاعتباريات الجعلية التي متى
تحققت تستتبع حكم العقل بوجوب الاتباع و القاطعية للعذر (ولكنه) مع فساد المبني كما أوضحناه في مبحث الظن عند التعرض لوجه
منجزية أوامر الطرق والامارات، مبني على اعتبار الواسطة في مثل القطع أيضا بين حيث كاشفيته ومنجزيته، وليس كذلك (بداهة) انه
لا يرى العقل مصححا في حكمه بمنجزية القطع وقاطعيته للعذر الا حيث كاشفيته بلا اعتبار جهة زائدة عليها، وعليه لا مجال لاعتبار
الواسطة في الامارات والالتزام بكونها مجعولة فيها، بل لا محيص من الالتزام بانتزاعية الحجية في
100

الامارات اما من المجعول الادعائي أعني تتميم الكشف على فرض كفايته في تنجيز الواقع، أو مما يستتبعه من الحكم الطريقي كما هو
المختار، هذا في الحجية بمعنى المعذرية والمنجزية.
واما الحجية بمعنى الوسطية للاثبات
فهي وإن كانت مجعولة في الامارات بنفس تكفل دليلها لتتميم كشفها وتطبيق عنوان العلم والاحراز عليها، فتقوم بذلك مقام العلم
الطريقي بل الموضوعي إذا كان أخذه في موضوع الحكم على الوجه الطريقي لا الصفتي، وتصح أيضا حكومتها على أدلة الأصول
المأخوذ فيها المعرفة غاية للحكم الظاهري (ولكن) الجعل فيها انما هو بمعنى الادعاء لا الجعل الحقيقي، لما ذكرنا غير مرة من أن تمامية
الكشف ليست من الحقائق الجعلية التي تشريعها عين تكوين حقيقتها، وانما هي نظير الموت والحياة والفسق والعدالة من الأمور
الواقعية غير القابلة للتحقق بالجعل والتشريع (فمرجع) الجعل فيها إلى نحو عناية وادعاء مستتبع لتطبيق عنوان العلم والاحراز عليها،
نظير سائر الأمور الادعائية، ولذا لا بد في صحة هذا الادعاء والتنزيل من أثر شرعي مصحح له ولو في طرف المنزل كسائر
التنزيلات الشرعية.
(ومنها) الملكية والزوجية ونحوهما من منشئات العقود والايقاعات
(ولا شبهة) في أن هذه العناوين بحقائقها من الاعتباريات القصدية التي تكون حقيقتها بجعل من ينفذ جعله واعتباره بحيث بعد تمامية
جعلها يكون لها نحو تقرر في الواقع وكان الاعتبار الذهني طريقا إليها على نحو يلتفت إليها تارة ويغفل عنها أخرى، نظير العلاقة و
الاختصاص الحاصل بين اللفظ والمعنى، والملازمات الذاتية بين الأشياء المحفوظة في عالم تقررها (لا انها) من الاعتباريات الصرفة
المتقومة بالاعتبار والمنقطعة بانقطاعه التي لا تكون لها واقعية حتى بعد انشاء النفس إياها، كأنياب الأغوال والوجودات الادعائية
التنزيلية (فان) كونها أمورا اعتبارية انما هو بمعنى ان الجعل منشأ لاحداثها في قبال الإضافات المقولية والنسب الخارجية الموجبة
لنحو وجود هيئة عينية في الخارج لطرفيها كالفوقية والتحتية ونحوهما، لا بمعنى
101

بذاتها متقومة بالاعتبار، كالوجودات الادعائية التنزيلية، والا لزم كونها تابعة لاعتبار معتبرها حدوثا وبقاء، فيلزم انقطاعها بانقطاع
الاعتبار، بل وبانعدام شخص المعتبر لها، لقيام اعتباره بشخصه، الا بفرض اعتبار معتبر آخر لها كالمعتبر الأول.
(مع) ان الوجدان قاض بخلافه، إذ لا شبهة في بقاء هذه الأمور بعد جعلها بأسبابها في الوعاء المناسب لها وكونها مما له نحو تقرر في
الواقع بحيث كان اللحاظ طريقا إليها حتى من شخص المعتبر لها، لا انه مقوم ذاتها كالاعتبارات الصرفة (ففي الحقيقة) تكون هذه
الأمور وسطا بين الوجودات الادعائية، وبين الإضافات المقولية والنسب الخارجية (فمن حيث) عدم إحداثها لتغيير هيئة خارجية
لطرفيها من المالك والمملوك والزوج والزوجة، تشبه الاعتباريات الصرفة (ومن حيث) ان لها واقعية بنحو كان اللحاظ طريقا إليها
بعد جعلها، تشبه الإضافات المقولية (وعليه) فلا مجال لجعل مثل الملكية والزوجية وأضرابهما من منشئات العقود والايقاعات من سنخ
الوجودات الادعائية بمحض عدم كونها من الاعتبارات الذهنية، ولا من الإضافات المقولية والنسب الخارجية (بدعوى) ان لمفهوم
الملكية وأضرابها نحو ان من من الوجود، وجود حقيقي ووجود ادعائي هو من منشئات العقود والايقاعات (كما) ان مجرد اختلاف
العرف والشرع، بل واختلاف أهل العرف في اعتبار الملكية في الموارد الخاصة لا يقتضى نفي واقعيتها (إذ مرجع) اختلافهم انما هو
إلى تخطئة العرف بعضهم بعضا فيما يرونه منشأ لاعتبار الملكية، بلحاظ ان ما يكون منشأ لصحة الجعل عند بعضهم ليس بمنشأ عند
بعض آخر (وكذلك) في اختلاف العرف والشرع (والا) فعلى فرض التوافق على منشئية المنشأ لصحة الجعل لا اختلاف العرف والشرع
(والا) فعلى فرض التوافق على منشئية المنشأ لصحة الجعل لا اختلاف بينهم في اعتبار الملكية عند تحقق المنشأ (وحينئذ) فلا ينبغي
الاشكال في مجعولية هذه الأمور وتقررها النفس الامري في الوعاء المناسب لها عند حصول أسبابها على وجه تكون بحقائقها
محفوظة قبل التكليف (لا انها) انتزاعية من التكليف الشرعي كما يظهر من الشيخ قدس سره (إذ ذلك) مضافا إلى كونه خلاف الوجدان و
عدم تماميته في نحو ما دل على سببية الحيازة للملكية بمثل قوله من حاز ملك الا بإتعاب النفس لاثبات حكم تكليفي
102

ينتزع عنه الملكية، يلزمه عدم إمضاء الشارع مضامين العقود على طبق ما يقصده المتعاقدان (فلا بد) اما من جعل الأدلة كاشفة عن
ارتباط خاص واقعي غير ما يقصده المتعاقدان بإنشائهما، أو حاكية عن إضافة خاصة ناشئة من التكليف الخاص المتوجه بالنسبة إلى
المبيع أو الزوجة كإباحة التصرفات في المبيع للمشتري وبعوضه للبائع، وإباحة الاستمتاعات للزوج عند تحقق الانشاء من المتعاقدين
(وهما) كما ترى غير مرتبطين بما يقصده المتعاقدان في أبواب المعاملات من التوصل بإنشائهما إلى تحقق هذه الأمور (مع أن) ما أفاده
قدس سره ينافي ظواهر الأدلة المأخوذ فيها تلك الإضافات موضوعا للتكليف، من نحو ما دل على حرمة التصرف في مال الغير بدون
اذنه ورضاه، وسلطنة الناس على أموالهم (إذ بعد) ان يكون الموضوع للسلطنة والحرمة في نحو هذه الأدلة هو المال المضاف إلى
الشخص أو الغير، نقول: إن نشوء هذه الإضافة والاختصاص، اما ان يكون من نفس ذلك التكليف المتعلق بالموضوع المزبور، واما ان
يكون نشوها من تكليف آخر في الرتبة السابقة عن الإضافة المزبورة، واما ان يكون نشوها من صرف جعلها قبل تعلق التكليف بها (و
الأولان) لا سبيل إليهما، لكون الأول منهما مستحيل ذاتا، واستلزام الثاني لاجتماع المثلين، أحدهما محقق الإضافة المزبورة في المرتبة
السابقة والاخر مترتب عليها في المرتبة اللاحقة فيتعين الثالث وهو المطلوب خصوصا في نحو قوله من حاز ملك الذي لا يكون في
مورده حكم قابل لان ينتزع منه الملكية (فتلخص) انه لا وجه لانكار الجعلية في مثل الملكية ونحوها من مضامين العقود والايقاعات و
إتعاب النفس فيها بنحو من التكلفات للالتزام بانتزاعيتها من التكليف (خصوصا) بعد تداول تلك الاعتبارات بين العرف والعقلاء من
ذوي الأديان وغيرهم ممن لا يلتزم بشرع ولا شريعة، وكونها لديهم من الاعتبارات المتأصلة بالجعل والمتحققة بصرف جعلها بقول
أو فعل، نظير سائر اعتباراتهم الجعلية من التعظيم والتوهين وأمثالهما (فالتحقيق) في نحو هذه الاعتبارات العرفية ما ذكرناه من
كونها أمورا مجعولة بالاستقلال، قد أمضاها الشارع.
(واما القضاوة والولاية)
فهما أيضا من الاعتبارات المتأصلة بالجعل كالملكية ونحوها وليستا منتزعتين من التكليف ولا كانتا من الأمور الواقعية، وقياسهما
يمثل
103

النبوة والإمامة الثابتة لبعض الاشخاص لأجل ما لهم من خصوصية كمال النفس كما ترى (بداهة) وضوح الفرق بين مثل النبوة والإمامة
الناشئة من أقصى مرتبة كمال النفس، وبين الولاية والقضاوة الجعلية.
(وكذلك الوكالة والنيابة)
فهما أيضا من الاعتبارات العرفية الجعلية التي يقصد التوصل إليها بإنشائها المخصوص (فان) مرجعهما إلى جعل نحو ولاية للغير على
مال أو نفس (على إشكال) في الأخير لامكان دعوى خروج النيابة من الأحكام الوضعية وكونها من سنخ الحقائق الادعائية والوجودات
التنزيلية بلحاظ رجوع حقيقتها إلى تنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه بادعاء كونه هو هو بالنسبة إلى ما يصدر منه من الأمور
الراجعة إلى المنوب عنه، لا إلى جعل الولاية للغير بما هو غير وتفويض الامر إليه (بخلاف) الوكالة فان مرجعها إلى جعل الولاية للغير
بما هو غير وتفويض الامر إليه (بخلاف) الوكالة فان مرجعها إلى جعل الغير بما هو غير وليا وسلطانا على التصرف في مال الموكل
أو نفسه، ومن هنا لا يحتاج الوكيل في إيقاع العمل الموكل فيه إلى قصد وقوعه عن موكله بل هو بعد تحقق وكالته يستقل في إيقاع
العمل الموكل فيه عقدا كان أو إيقاعا فيتصرف بما هو هو في مال موكله أو في نفسه بإجارة أو تزويج ونحو ذلك (وبالجملة) فرق
واضح بين جعل الغير بما هو غير وليا وسلطانا على العمل الموكل فيه، وبين جعله عناية منزلة المنوب عنه بادعاء كونه هو هو فيما
يصدر منه من الأعمال كما في باب النيابة (ومن المعلوم) عدم ارتباط مثله بالأحكام الوضعية والاعتبارات الجعلية (إذ مرجع) الجعل فيها
انما هو إلى تكوين حقيقتها المصطلحة عند الحكيم بالجعل، بخلاف الأمور الادعائية، فان الجعل فيها راجع إلى تكوين حقيقتها الادعائية
المصطلحة في المعاني والبيان (نعم) نفس الادعاء والتنزيل فيها يكون متحققا بالجعل والانشاء بمثل قوله جعلتك نائبا، ولكن مجرد
ذلك لا يوجب كونها من الأحكام الوضعية، والا لاقتضى عدم حصرها، لان باب الادعاء والتنزيل واسع، فيلزم ان يكون جميع التنزيلات
الشرعية من الأحكام الوضعية وهو كما ترى (هذا تمام الكلام في الأحكام الوضعية.
104

(وينبغي التنبيه على أمور)
(التنبيه الأول)
قد تقدم سابقا انه يعتبر في الاستصحاب اليقين بثبوت المستصحب سابقا والشك في بقائه لاحقا (اما الأخير) فاعتباره ظاهر لكونه
مما به قوام حقيقته (وفي اعتبار) خصوص الشك الفعلي أو كفاية الشك التقديري، كلام قد تقدم تحقيق القول فيه وفيما تترتب عليه من
الثمرة وقد ذكرنا ان المختار هو اعتبار خصوص الشك الفعلي فلا موجب لإعادته (واما الأول) وهو اليقين السابق، فاعتباره أيضا في
صحة جريانه مما لا إشكال فيه خصوصا على مبنى أخذه من الاخبار كما هو المختار (وانما الكلام) في أن اعتباره من جهة كونه مما به
قوام حقيقة الاستصحاب، أو من جهة كونه مما به قوام تطبيقه على المورد لا قوام حقيقته (ولقد) تقدم تحقيق القول فيه أيضا، وانه على
المختار من أخذ اليقين في لا تنقض على نحو العنوانية ولو بما هو طريق، لا بما هو صفة خاصة يكون مما به قوام حقيقة الاستصحاب
كالشك اللاحق زائدا عن دخله في مقام تطبيقه على المورد فلا نطيل الكلام بإعادته.
(التنبيه الثاني)
لا فرق في صحة الاستصحاب بين ان يكون المستصحب محرزا باليقين الوجداني أو بغيره من الطرق والامارات بل الأصول المحرزة
أيضا كالاستصحاب (اما) على المختار في مفاد أدلة حجية الامارات من كونه ناظرا إلى تتميم الكشف وإثبات الاحراز فظاهر، حيث إنها
بتكفلها لتتميم الكشف بعناية التنزيل يوسع دائرة اليقين المنقوض والناقض في الاستصحاب بما يعم الوجداني والتعبدي وبذلك
يكون المستصحب عند قيام الامارة أو الطريق عليه محرزا باليقين التعبدي، فمع الشك في بقائه في الزمان المتأخر يجري فيه
الاستصحاب لا محالة لتمامية أركانه من الاحراز السابق والشك اللاحق، قلنا إن اليقين في لا تنقض ملحوظ على نحو العنوانية كما هو
المختار أو على وجه المرآتية للمتيقن.
105

(كما أنه) بقيام الامارة على ارتفاع المستصحب في الزمان المتأخر تتحقق الغاية واليقين الناقض من غير احتياج إلى جعل اليقين في لا
تنقض عبارة عن مطلق الاحراز كما أفيد، لما عرفت من أن المطلوب يتم ولو بجعل اليقين في دليله عبارة عن اليقين الوجداني (والا
لاقتضى) المصير إلى تقديم الامارة على الاستصحاب بمناط الورود، وهو مما لا يلتزم به القائل المزبور، لان بنائه انما هو على تقديمها
عليه بمناط الحكومة، فحفظ هذه الجهة لا يكون الا بإبقاء اليقين في لا تنقض ناقضا ومنقوضا على ظاهره من اليقين الوجداني مع البناء
على اقتضاء الامارة بمعونة دليل اعتبارها لليقين بثبوت مؤداها (فإنه) بذلك تتم حكومة الامارات على الاستصحاب ويرتفع الاشكال
أيضا عن جريان الاستصحاب في مؤدياتها (هذا) على المختار في مفاد أدلة الامارات من كونه ناظرا بعناية التنزيل إلى تتميم الكشف و
إثبات الاحراز.
(واما) بناء على استفادة كونه ناظرا إلى تنزيل المؤدى والامر بالمعاملة معه معاملة الواقع، بلا نظر منه إلى تتميم كشف الامارة و
إثبات إحراز الواقع بها (فان) قلنا إن النقض في لا تنقض اليقين متعلق بالمتيقن واقعا وان اليقين فيه ملحوظ عبرة ومرآتا للمتيقن
(فيمكن ان يقال): انه بقيام الامارة على الحالة السابقة يجري الاستصحاب، لان مقتضى الامارة السابقة بمعونة دليل اعتبارها وجوب
ترتيب آثار الواقع على المؤدى، ومن جملتها حرمة نقض اليقين به بالشك فيه اللهم الا ان يقال: إن تعلق حرمة النقض بعد إن كان بغير
هذه الحرمة من سائر آثار وجود الشئ فلا جرم مع الشك في وجوده يشك في هذه الحرمة أيضا فلا يصح تطبيق الاستصحاب على
المورد، وعليه فلا يكون المحرك الفعلي على حرمة نقض آثار المتيقن الا الامارة لا نفس حرمة النقض فتدبر (نعم) على ذلك يشكل
الامر في تقديم الامارة اللاحقة على الاستصحاب بمناط الحكومة كما أشرنا إليه غير مرة (وان قلنا) ان حرمة النقض متعلق بنفس اليقين
وان اليقين ملحوظ فيه مستقلا على نحو العنوانية ولو على الوجه الطريقي لا الصفتي، فيشكل الاكتفاء بالامارة السابقة في صحة
الاستصحاب، نظرا إلى انتفاء الكاشف وعدم تحققه لا وجدانا ولا تعبدا (وأشكل) منه، ما إذا قلنا في دليل الامارة بكونه ناظرا إلى
مجرد جعل الحجية المستتبعة لتنجيز
106

الواقع عقلا على تقدير ثبوته بلا نظر إلى تنزيل المؤدى والتعبد بكونه هو الواقع، ولا إلى إثبات العلم بالواقع كما هو مختار الكفاية،
فإنه على المسلكين في مفاد حرمة النقض لا مجال للاستصحاب في مؤديات الامارات (اما) على مسلك رجوع التنزيل فيه إلى المتيقن
فظاهر، للشك الوجداني حينئذ في كون المؤدى هو الواقع، وعدم تكفل دليل الامارة حسب الفرض لتنزيل المؤدى منزلة الواقع ولا
لاثبات العلم به، ومع الشك المزبور يشك لا محالة في توجيه التكليف بحرمة النقض إلى المكلف (ومجرد) استتباع جعل الحجية تنجيزا
للواقع المحتمل على فرض ثبوته لا يقتضى إثبات ان المؤدى هو الواقع ولا ترتيب آثار الواقع عليه الا من باب الاحتياط، نظير ما إذا
وجب الاحتياط على المكلف عند احتمال مطابقة الامارة للواقع (ومن الواضح) ان مثل هذا الحكم الاحتياطي أجنبي عن الحكم
الاستصحابي الذي هو من آثار الواقع، لأنه حكم في ظرف الشك في وجوب ترتيب آثار الواقع وفي مرتبة متأخرة عنه (نعم) على تقدير
مطابقة الامارة للواقع يكون التكليف الاستصحابي أعني حرمة النقض منجزا عليه بمقتضى جعل الحجية (ولكن) الشك في مطابقة الامارة
بعد إن كان شكا في ثبوت موضوع حرمة النقض فلا مجال لتطبيق حرمة النقض على المورد (هذا) على تقدير تعلق حرمة النقض بنفس
المتيقن واقعا (واما) على تقدير تعلقه بنفس اليقين فالاشكال أوضح، إذ حينئذ يقطع بعدم توجيه التكليف بحرمة النقض إليه في الواقع و
نفس الامر، لانتفاء موضوعه الذي هو اليقين وعدم تحققه لا بالوجدان ولا بالتعبد.
لا يقال: إنه كذلك إذا كان اليقين في لا تنقض ملحوظا من حيث الكاشفية عن الواقع (واما) لو كان مأخوذا من حيث المنجزية والقاطعية
للعذر فلا محذور في الاستصحاب، لان مفاد كبرى المزبورة حينئذ هو ان ما قام عليه المنجز يحرم نقضه بالشك، ودليل الامارة حسب
اقتضائه لجعل الحجية موجب لقيام الامارة مقام العلم من حيث منجزيته فيرتفع بذلك الاشكال المزبور (فإنه يقال):
ان موضوع حرمة النقض انما هو التكليف الذي قام عليه المنجز، فمع الشك الوجداني
107

في مطابقة الامارة للواقع يشك لا محالة في ثبوت موضوع الحرمة (وبعد) عدم تكفل دليل الامارة لاثبات العلم بالواقع، ولا لاثبات ان
المؤدى هو الواقع، لا مجال لتطبيق حرمة النقض على المورد (فلا يفرق) حينئذ في المنع عن جريان الاستصحاب على هذا المسلك بين ان
يكون اليقين في لا تنقض ملحوظا على نحو المرآتية للمتعلق، أو العنوانية (ولا في الثاني) بين ان يكون ملحوظا من حيث كاشفيته و
طريقيته للواقع، أو من حيث منجزيته له، فعلى جميع هذه الفروض لا يصح تطبيق حرمة النقض على المورد (اما) للقطع بانتفاء موضوع
الحرمة، أو للشك في ثبوته وتحققه واقعا (فما عن بعض الأعاظم قده) حينئذ من صحة الاستصحاب في فرض كون اليقين في لا تنقض
ملحوظا من حيث منجزيته ولو مع عدم تكفل دليل الامارة لتتميم الكشف منظور فيه (وهكذا) الكلام فيما لو كان دليل الامارة بلسان
مجرد إيجاب العمل على طبق المؤدى بلا تكفله لاثبات كونه هو الواقع ولا لاثبات العلم به، فإنه على جميع المسالك في مدلول حرمة
النقض لا مجال لتطبيق الاستصحاب في موارد الامارات.
(وبما ذكرنا) ظهر ان ما أفاده المحقق الخراساني قده من الاشكال في صحة الاستصحاب في المقام
على مسلكه في باب الطرق والامارات من أن المجعول فيها هي الحجية في غاية المتانة، وانه لا يمكن الذب عنها الا بما أفاده من كفاية
الشك في البقاء على تقدير الثبوت في صحة الاستصحاب وجريانه بلا احتياج إلى إحراز ثبوت المستصحب واقعا (لان) شأن
الاستصحاب انما هو مجرد إثبات البقاء التعبدي للشئ على تقدير ثبوته الراجع إلى جعل الملازمة الظاهرية بين ثبوت الشئ وبقائه (و
لكن) الاشكال كله في أصل هذا المبني (فان التحقيق) في مفاد أدلة الطرق والامارات ما أشرنا إليه غير مرة من كونه بنحو تتميم
الكشف وإثبات الاحراز التعبدي للواقع، لا بنحو تنزيل المؤدي، ولا جعل الحجية، وعليه فلا قصور في استصحاب الاحكام التي قامت
الامارات على ثبوتها قلنا إن اليقين في لا تنقض اليقين ملحوظ على نحو العنوانية، أو المرآتية (لان) دليل الامارة بعناية تكفله لاثبات
العلم والاحراز
108

يوسع دائرة اليقين الناقض والمنقوض في الاستصحاب وبذلك يجري الاستصحاب في مؤديات الامارات لكونها محرزة حينئذ
بالاحراز التعبدي، كما أنه به يتم حكومتها عليه عند قيامها على بقاء الحالة السابقة أو ارتفاعها، بلا احتياج إلى جعل اليقين في لا تنقض
كناية عن مطلق الاحراز كي يلزم تقدم الامارة عليه بمناط الورود لا الحكومة، ولا إلى دعوى كفاية الشك في البقاء على تقدير الثبوت
في صحة الاستصحاب.
ثم إن بعض الأعاظم قده أورد على المحقق الخراساني قده على ما في التقرير تارة على كلامه بان المجعول في الطرق والامارات انما
هو الحجية المستتبعة لتنجيز الواقع لا الاحراز والوسطية، بما حاصله امتناع جعل التنجيز والمعذرية (بتقريب) ان التنجيز انما تدور
مدار وصول التكليف إلى المكلف ولو بطريقه فالتكليف إن كان وأصلا إلى المكلف ولو بطريقه لا يمكن ان لا يكون منجزا، وان لم
يكن وأصلا إليه بنفسه أو بطريقه لا يمكن ان يكون منجزا، بل المكلف كان معذورا لا محالة، فالتنجيز والمعذورية مما لا تناله يد
الجعل الشرعي لكونهما من اللوازم العقلية المترتبة على وصول التكليف وعدمه (وأخرى) على ما أفاده في دفع الاشكال عن جريان
الاستصحاب في مؤديات الطرق والامارات من كفاية الشك في البقاء على تقدير الحدوث في صحة الاستصحاب (بان ذلك) لا يحسم
مادة الاشكال، لان حقيقة الاستصحاب وإن كان هو التعبد بالبقاء الا ان التعبد انما هو ببقاء ما ثبت عند الشك فيه ولا معنى للتعبد
بالبقاء على تقدير الحدوث، لان الملازمة كالسببية مما لا تناله يد الجعل الشرعي (فان) الذي يقبل الجعل هو التعبد بوجود الشئ على
تقدير آخر فينتزع من ذلك السببية والملازمة، فصحة الاستصحاب يتوقف على إحراز الحدوث ليصح التعبد ببقاء الحادث عند الشك
في بقائه، ولا معنى للتعبد ببقاء ما شك في حدوثه الا ان يرد أولا التعبد بالحدوث ليكون الحدوث محرزا بوجه ثم يرد التعبد بالبقاء.
أقول ولا يخفى عليك ما في هذين الاشكالين (اما الأول)
فإن كان المقصود من تبعية التنجيز والمعذورية لوصول التكليف وعدمه عدم قابليتهما بنفسهما للوقوع تحت الجعل بدوا فهو مما لا
يدعيه المحقق الخراساني أيضا.
109

فان تمام نظره إلى أن الحجية كالملكية من الاعتباريات الجعلية التي تستتبع جعلها عقلا للتنجيز والمعذورية، لا ان المجعول بدوا هو
نفس التنجيز والمعذورية، وليس في الاشكال المزبور أيضا ما يقتضي امتناع جعل الحجية (وإن كان) المقصود ان التكليف الواقعي لا
يكون منجزا على المكلف بنحو يستتبع العقوبة على مخالفته الا بوصوله إلى المكلف ولو بطريقه، فهذا مما لا إشكال فيه (ولكن)
المدعى انه يكفي في وصول الشئ بطريقه وصول الحجة عليه ولو جعلية وهي أيضا على مسلكه حاصلة (وإن كان) المقصود انه لا
يكون التنجز الا بالاحراز الوجداني أو الجعلي وبدونهما لا يعقل التنجز، فهو مع أنه مصادرة محضة، مناف لما أفاده في أول هذا التنبيه
بقوله إذا أخذ العلم موضوعا من حيث اقتضائه للتنجيز والمعذورية تقوم مقامه الطرق والأصول المحرزة وغير المحرزة (إذ على هذا)
البيان أي أصل غير محرز يقوم مقام العلم من حيث التنجيز (وإن كان) المقصود غير ذلك فلا بد من بيانه
(واما الاشكال) الثاني،
فإن كان المقصود منه ان في التعبد بالبقاء يحتاج إلى إحراز الحدوث وانه لا يكفيه الشك في البقاء على تقدير الحدوث، ففيه انه
مصادرة محضة يطالب بالدليل (فان) شأن الاستصحاب على مرامه قده، في لا تنقض من أخذ اليقين فيه مرآة إلى المتيقن ووصلة لا
لايصال النقض إليه انما هو إثبات الملازمة الظاهرية بين ثبوت الشئ واقعا و بقائه، وفي هذا المقدار لا يحتاج فعلية التعبد بالبقاء إلى
إحراز الحدوث، نعم في مرحلة محركية التعبد المزبور لا بد من إحراز الحدوث اما بالعلم الوجداني أو بقيام الحجة عليه حيث كان الحجة
على الملزوم حجة على لازمه التعبدي (وإن كان) المقصود هو عدم جعلية الملازمة المزبورة وانها كالسببية من الأمور الواقعية التي لا
تنالها يد الجعل والرفع، ففيه انه كذلك في الملازمة الحقيقية الواقعية بين حدوث الشئ وبقائه واقعا (واما الملازمة) الظاهرية بين
ثبوت الشئ وبقائه التعبدي فجعليتها بمكان من الامكان (كيف) وان شأن الاستصحاب على مسلكه ومرام كل من عرفه بإبقاء ما كان
بعد إن كان إثبات البقاء التعبدي للواقع يلزمه قهرا كون البقاء التعبدي من آثار الواقع (ولازم) ذلك صيرورة الملازمة المزبورة
كملازمة كل حكم لموضوعه مجعولة بعين جعل الحكم لموضوعه (وإن كان)
110

المقصود هو توقف صحة التعبد بالبقاء على إحراز المستصحب لأجل انه بدونه لا ينتهى التعبد المزبور إلى العمل فيلزم لغوية التعبد
بالبقاء (ففيه) ان اللغو انما هو التعبد بشي لا ينتهى امره إلى إحراز صغراه رأسا، والا فمع الانتهاء إلى إحراز صغراه أحيانا فلا قصور
في صحة التعبد به (فإنه) يكفي هذا المقدار في خروجه عن اللغوية، كما هو الشأن في التعبد بجميع الطرق المنوط صحته على إحراز
الطريق لدى المكلف، فكون خبر الواحد أو البينة حجة بنحو القضية الحقيقية لا يقتضى الا إناطة فعلية التعبد بوجودهما واقعا غير المنفك
كثيرا عن الجهل بهما، وبالعلم بالصغرى يصير التعبد بالخبر والبينة منتهيا إلى العمل ومحركا فعليا نحوه وخارجا عن اللغوية (وفي
المقام) تكون الامارة على حدوث المستصحب حجة على لازمه الشرعي من الابقاء التعبدي، فيترتب عليه عند الشك فيه آثار البقاء من
نحو وجوب الإطاعة ونحوه كما هو ظاهر فتدبر.
(ثم إنه) قد يقرب الاستصحاب بوجه آخر يسلم عن الاشكال المزبور ولو مع البناء على استفادة جعل الحجية من دليل الامارات (و
حاصله) تطبيقه على كلي الوجوب أو الحرمة الجامع بين الواقعي والظاهري (بتقريب) انه بقيام الامارة على وجوب شئ يقطع بمطلق
وجوبه على تقدير مطابقة الامارة للواقع ومخالفته له (حيث) انه على تقدير يكون المتحقق هو الوجوب الواقعي، وعلى تقدير آخر
يكون المتحقق هو الوجوب الظاهري، فإذا شك في ارتفاعه يجري فيه الاستصحاب (وفيه) انه لو تم ذلك فإنما هو على القول بالسببية و
الموضوعية في الطرق والامارات، والا فعلى ما هو المشهور والمختار من الطريقية فيها، فلا يصح ذلك (لان) مرجع الحكم الطريقي إلى
كونه إيجابا حقيقيا على تقدير، وصوريا على تقدير آخر، وبعد عدم تصور جامع ذاتي بين الايجاب الحقيقي والصوري يندرج
الاستصحاب المزبور لا محالة في استصحاب الفرد المردد بين ما له الأثر وما ليس له الأثر، لا في استصحاب الكلي (ومثله) لا يجري
فيه الأصل، لعدم تعلق اليقين والشك فيه بموضوع له الأثر، لان ما له الأثر انما هو الوجوب الواقعي وهو مما يشك في ثبوته من الأول
111

مخالفة الامارة للواقع.
وقد يقرب الاستصحاب بوجه ثالث، وهو تطبيقه على الحكم الظاهري الذي هو مفاد دليل التعبد بالامارة (بتقريب) انه بقيام الامارة أو
البينة على وجوب شئ أو طهارته ونجاسته يقطع بثبوت الحكم الظاهري ووجوب ترتيب آثار الواقع من الطهارة أو النجاسة، فإذا
شك بعد ذلك في نجاسة ما قامت الامارة على طهارته لاحتمال ملاقاته مع النجاسة في الزمان الثاني يستصحب تلك الطهارة الظاهرية
لتحقق أركانه جميعا من اليقين السابق والشك اللاحق، ولا يحتاج إلى إحراز الطهارة الواقعية التي هي مؤدى الامارة كي يشكل عليه
بعدم إحراز الحدوث (وفيه) انه يتجه ذلك إذا لم يكن منشأ احتمال مخالفة الامارة للواقع منحصرا بجهة مخصوصة، والا فمع حصره
بجهة مخصوصة، فلا مجال للاستصحاب، للقطع بانتفاء الحكم الظاهري حينئذ من غير تلك الجهة، مثلا لو فرضنا انه شك في طهارة ماء
ونجاسته في الصبح من جهة احتمال ملاقاته مع الدم بحيث يكون منشأ الشك في نجاسته منحصرا بالاحتمال المزبور، فقامت البينة على
طهارته في الصبح، فلا شبهة في أن ما يقتضيه التعبد بالبينة من الطهارة الظاهرية للماء المزبور انما هو طهارته من الجهة المزبورة لا
مطلقا ولو من غير تلك الجهة (إذ لازم) حصر منشأ الشك في نجاسته عند الصبح بالجهة المزبورة هو اليقين بعدم نجاسته من الجهات الأخر
، ومع هذا اليقين يمتنع اقتضاء التعبد بالبنية طهارة الماء حتى من الجهة المعلومة، فلو شك في بقاء طهارته من غير تلك الجهة
المشكوكة أولا في ثاني الزمان بل من جهة احتمال ملاقاته مع البول أو غيره من النجاسات فلا يجري فيه الاستصحاب للقطع بانتفاء
الحكم الظاهري من الأول من غير الجهة المشكوكة أولا (وحينئذ) فلو لا إجراء الاستصحاب في الحكم الواقعي الذي هو مؤدي البينة لا
مجال لاجرائه في الحكم الظاهري الذي هو مفاد دليل التعبد بها كما هو ظاهر (هذا كله) في استصحاب مؤديات الطرق والامارات، و
قد عرفت نفى الاشكال عن جريانه فيها على المختار في مفاد أدلة الامارات من كونه على نحو تتميم الكشف وإثبات الاحراز التعبدي
حتى على القول بتعلق حرمة النقض في لا تنقض بنفس المتيقن
112

فضلا عما هو المختار من تعلقه بعنوان اليقين.
(واما الاستصحاب) في مؤديات الأصول المحرزة كالاستصحاب وقاعدة الطهارة على وجه قوى، ففي جريانه فيها إشكال أقواه العدم،
وذلك لا من جهة عدم إحراز ثبوت المستصحب فيها، لأنه على المختار في لا تنقض من تعلقه بنفس اليقين، لا قصور في قيامه مقام القطع
الطريقي (بل من جهة) حصر الغاية فيها باليقين بالخلاف في قوله عليه السلام ولكن انقضه بيقين آخر (فان لازم) غائية اليقين بالخلاف
فيها هو بقاء الحكم المجعول بالأصل واستمراره إلى حين اليقين بالانتقاض، فمع عدم اليقين بالخلاف لا وجدانا ولا تعبدا كان الحكم
المجعول بالاستصحاب السابق باقيا، ومع بقائه لا يبقى المجال لاجراء الاستصحاب بالنسبة إلى مؤدياتها، لان الغرض من استصحابها
انما هو إثبات الحكم الظاهري وترتيب آثار البقاء عليها وهو حاصل بالاستصحاب السابق الجاري أولا.
(وأشكل) من ذلك استصحاب مؤديات الأصول غير المحرزة كقاعدة الحلية والطهارة على وجه آخر، بلحاظ عدم كون مؤدياتها الا
مجرد إثبات الطهارة أو الحلية الظاهرية للشئ في ظرف الشك فيهما بلا نظر منها إلى إثبات ان المؤدى هو الواقع (واما) استصحاب
الحكم الظاهري المجعول في موردها، فهو أيضا مما لا مجرى له، لانتفاء الشك الذي هو من أركانه، للقطع ببقاء الحكم الظاهري
المجعول في مواردها ما دام بقاء الشك وعدم حصول الغاية التي هي العلم بالخلاف.
التنبيه الثالث
المستصحب اما ان يكون كليا أو شخصيا، (وعلى الثاني) اما ان يكون فردا معينا قد شك في بقائه، أو يكون فردا مرددا من طبيعة
واحدة أو طبيعتين أو طبائع، كما أنه على الأول (تارة) يكون الشك في بقاء الكلي من جهة الشك في بقاء الفرد الذي كان الكلي متحققا
في ضمنه (وأخرى) من جهة تردد الخاص الذي كان
113

الكلي في ضمنه بين ما هو مقطوع الارتفاع وما هو مقطوع البقاء، كالحدث المردد بين الأصغر والأكبر مع فعل ما يوجب رفع الحدث
الأصغر، والحيوان المردد بين كونه قصير العمر أو طويلة مع مضي زمان يقطع عادة بعدم بقاء القصير في طول هذا الزمان (وثالثة)
من جهة احتمال وجود فرد آخر للكلي غير الفرد الذي علم بحدوثه وارتفاعه، (وهذا) أيضا على قسمين، فان الفرد الآخر المحتمل، تارة
يحتمل وجوده في زمان الفرد الآخر، وأخرى يحتمل حدوثه مقارنا لارتفاعه، وذلك أيضا (تارة) في الافراد المتواطئة (وأخرى)
المشككة (ثم) الأثر الشرعي في فرض كون المستصحب من الموضوعات (تارة) مترتب على نفس الكلي والجامع بين الفردين (وأخرى)
على أحد الفردين بلا ترتبه على عنوان الجامع (وثالثة) على كل منهما، فهذه جهات وصور لهذا التقسيم.
ولنقدم الكلام في الاستصحاب الشخصي (فنقول):
اما إذا كان المستصحب شخصا معينا فلا إشكال في صحة استصحابه لتمامية أركانه جميعا من اليقين السابق والشك اللاحق (واما) إذا
كان شخصا مرددا بين الشخصين كأحد الفردين أو الانأين في مثال العلم الاجمالي بوجوب أحدهما أو نجاسته (فتارة) يكون الشك في
بقاء المعلوم بالاجمال من جهة ارتفاع أحد الفردين أو خروجه عن الابتلاء (وأخرى) من غير تلك الجهة (فإن كان) الشك في البقاء من
جهة ارتفاع أحد فردي الترديد، فلا يجري فيه الاستصحاب (لا لتوهم) عدم اجتماع أركانه فيه من اليقين بالوجود والشك في البقاء (بل
لعدم) تعلق اليقين والشك بموضوع ذي أثر شرعي (لأنه) يعتبر في صحة التعبد بالشئ تعلق اليقين والشك به بالعنوان الذي يكون
بذلك العنوان موضوعا للأثر الشرعي، والا فلا يكفي تعلق الشك بغيره من العناوين التي لم يكن كذلك (والأثر الشرعي) في أمثال
المقام انما هو لمصداق الفرد بماله من العنوان التفصيلي، كصلاة الظهر والجمعة، والقصر والتمام، ونجاسة هذا الاناء وذاك الاخر
بواقعه وعنوانه التفصيلي، ومثله مما اختل فيه أحد أركانه وهو الشك في البقاء، لكونه بين ما هو مقطوع البقاء وبين ما هو مقطوع
الارتفاع، بل ويختل فيه كلا ركنية
114

جميعا (واما العنوان) الاجمالي العرضي، كعنوان أحد الفردين أو الفرد المردد، أو ما هو موضوع الأثر ونحوها من العناوين العرضية
الاجمالية، فهي وإن كانت متعلقة لليقين والشك، ولكنها بأسرها خارجة عن موضوع الأثر (إذ لم يترتب) أثر شرعي في الأدلة على
شئ من هذه العناوين العرضية، فلا يجري الاستصحاب حينئذ لا في في الأدلة على شئ من هذه العناوين العرضية، فلا يجري
الاستصحاب حينئذ لا في العنوان الاجمالي، ولا في العناوين التفصيلية، لانتفاء الأثر الشرعي في الأول، وانتفاء الشك في البقاء في
الثاني.
(وبهذه) الجهة منعنا عن جريان الاستصحاب في المفاهيم المجملة المرددة بين المتباينين أو الأقل والأكثر، كالشك في مفهوم زيد
المردد بين زيد بن عمرو وزيد ابن خالد، والشك في أن النهار تنتهي بغياب القرض أو بذهاب الحمرة المشرقية، والشك في مفهوم
الرضاع الموجب لنشر الحرمة في أنه ما بلغ عشر رضعات، أو خمسة عشر رضعة، وفي مفهوم الكر المردد قدره بين ما يساوي سبعة و
عشرين شبرا، أو ثلاثة وأربعين تقريبا، إلى غير ذلك من الأمثلة، فلا يصح استصحاب المفهوم المردد بين المفهومين بعد موت زيد بن
عمرو، ولا استصحاب النهار بعد غياب القرض، ولا استصحاب عدم تحقق الرضاع المحرم بعد تحقق عشر رضعات، ولا عدم كرية
الماء بعد بلوغه الحد الأول، كل ذلك لما ذكرنا من انتفاء الأثر الشرعي فيما هو المشكوك، وانتفاء الشك في البقاء فيما له الأثر
الشرعي، لكونه دائرا بين المقطوعين
(وبذلك) أيضا يتضح الفرق بين الفرد المردد، وبين القسم الثاني من الكلي،
كالحدث المردد بين الأصغر والأكبر (فان) صحة الاستصحاب هناك انما هو من جهة ان لنفس الكلي أثر شرعي وهو المانعية عن
الصلاة مثلا، بخلاف الفرد المردد، فان الأثر الشرعي فيه انما يكون للشخص لا لعنوان أحد الشخصين والفرد المردد (وهذه) الجهة هي
العمدة في الفرق بين المقامين، لا بصرف كون الجامع المتعلق للشك واليقين ذاتيا هناك وعرضيا هنا (ولذا) لو فرض ترتب أثر شرعي
هنا أيضا على مثل هذا الجامع العرضي نقول: فيه بجريان الاستصحاب (كما) ان في طرف الكلي لو كان الأثر الشرعي لنفس الحصة أو
الفرد لا للكلي والجامع الذاتي بين الفردين نقول فيه بعدم
115

جريان الاستصحاب.
(وتوهم) ان الأصل انما لا يجري في الفرد المردد إذا كان العنوان الاجمالي بما هو هو وفي حيال ذاته مقصودا في الاستصحاب (واما)
إذا كان ملحوظا على وجه الطريقية والمشيرية إلى ما هو الموضوع للأثر بنحو الاجمال، فلا محذور في استصحابه، لأنه بهذا اللحاظ
يكون وسيلة لا لايصال التعبد بالبقاء إلى ما هو الموضوع للأثر الشرعي (مدفوع) بأنه لو سلم ذلك فإنما هو في فرض قابلية ما يحكى
عنه العنوان الاجمالي لا عمال التعبد فيه، والمفروض عدم قابليته لذلك، لعدم تعلق الشك بعنوان من العناوين التفصيلية (فإنه) ان أخذ
كونه وجها وعنوانا لهذا الفرد كان مقطوع البقاء (وان) أخذ كونه عنوانا للفرد الاخر كان مقطوع الارتفاع (فعلى كل تقدير) لا شك
في البقاء الا بعنوان أحد الفردين أو الفرد المردد أو بغيرهما من العناوين الاجمالية العرضية، وبعد خروج مثلها عن حيز الأثر الشرعي
فلا يجري الاستصحاب فيها كما هو ظاهر.
(ومن التأمل) فيما ذكرنا ظهر الحال فيما لو كان الشك في بقاء الفرد المردد من غير جهة اليقين بارتفاع أحد الفردين، كما لو علم
إجمالا بنجاسة أحد الانأين مع احتمال زوال نجاسته بورود مطهر عليه من مطر ونحوه، فإنه على ما ذكرنا لا يجري فيه الاستصحاب
أيضا، لا في العنوان الاجمالي، لاعتبار قيد الأثر في متعلقه، ولا في كل واحد من الانأين، لانتفاء اليقين بالنجاسة بالنسبة إليهما (لان)
اليقين انما تعلق بأحدهما إجمالا المردد انطباقه على هذا الاناء وذاك الاخر (وبعد) احتمال طهارة كلا الانأين فعلا، يرجع فيهما إلى
قاعدة الطهارة، بل استصحابها لاجتماع أركانه فيهما من اليقين بالطهارة والشك في البقاء (وان أبيت) الا عن جريان استصحاب
النجاسة في هذه الصورة فليكن ذلك بإجرائه في كل واحد من الطرفين لا في العنوان الاجمالي الذي لا أثر له (بتقريب) استتباع العلم
الاجمالي المزبور لليقين بنجاسة كل واحد منهما في فرض انطباق المعلوم عليه، فإنه مع هذا اليقين المنوط بكل واحد منهما يتحد متعلق
الشك واليقين فيهما فيجري فيهما الاستصحاب، وبالعلم الاجمالي بتحقق المعلق عليه في
116

أحدهما يعلم بتنجز أحد الاستصحابين فيترتب عليه الأثر فتأمل (ولكن) مثل هذا التقريب لا يجري في فرض اليقين بارتفاع أحد
الفردين، إذ لا يعلم بتحقق المعلق عليه في طرف المشكوك الباقي، كي يترتب عليه أثر عملي كما هو ظاهر.
ثم إن ما ذكرنا من المنع المذكور لا يختص بالاستصحاب، بل يجري في عامة الأصول، لاطراد وجه المنع في جميعها (ويترتب) على
ذلك أنه لو صلى عند اشتباه القبلة إلى الجهات الأربع وبعد الفراغ منها علم بفساد واحدة منها معينة، فإنه على ما ذكرنا لا يجوز
الاكتفاء بالبقية في تفريغ الذمة، بل تجب إعادة تلك الصلاة بعينها، لعدم جريان قاعدة الفراغ في العنوان الاجمالي المردد، كالصلاة
إلى القبلة المرددة، أو ما هو المأمورية بهذا العنوان الاجمالي، وعدم إثمار جريانها في البقية لعدم العلم بان القبلة فيها (بخلاف) ما إذا
علم بفساد واحدة منها مرددة، فإنه على ما ذكرنا لا يجوز الاكتفاء بالبقية في تفريغ الذمة، بل تجب إعادة تلك الصلاة بعينها، لعدم
جريان قاعدة الفراغ في العنوان الاجمالي المردد، كالصلاة إلى القبلة المرددة، أو ما هو المأمورية بهذا العنوان الاجمالي، وعدم إثمار
جريانها في البقية لعدم العلم بان القبلة فيها (بخلاف) ما إذا علم بفساد واحدة منها مرددة، فإنه لا يجب إعادة الصلاة، لجريان قاعدة
الفراغ بالنسبة إلى كل واحدة من الصلوات المأتية (فان) كل واحدة منها في فرض كونها إلى القبلة مما يشك في صحته وفساده بشك
حادث بعد الفراغ فتجري فيها القاعدة (غاية الأمر) يعلم إجمالا بمخالفة أحد هذه الأصول للواقع، وهو أيضا غير ضائر لاحتمال كون
الفاسدة هي المأتية إلى غير القبلة (ومثل هذا) التفصيل من نتائج عدم جريان الأصل في العنوان الاجمالي المردد، لاختصاص موضوعه
بالشك المتعلق بماله الأثر بعنوانه التفصيلي (والا) فعلى فرض إطلاقه بالنسبة إلى الشك بكل عنوان لا مجال للتفصيل المزبور (بل
اللازم) هو المصير إلى جريان القاعدة حتى في فرض العلم بفساد واحدة منها معينة (إذ حينئذ) يصدق الشك في صحة ما هو المأمور به و
فساده بهذا العنوان الاجمالي بشك حاصل بعد الفراغ، مع أنه لا يظن التزامه من أحد، وعليه فلا يتم التفصيل المزبور بين فرضي المسألة
الا بما ذكرناه.
ثم إنه لو قلنا بكفاية مرآتية العنوان الاجمالي المشكوك لما له الأثر الشرعي في صحة التعبد ببقائه، لا يرد عليه إشكال بعض الأعاظم
قده باختلاله في أحد
117

أركانه، لانتقاء الشك ببقاء العنوان المردد بما هو كذلك بعد العلم بارتفاع أحد الفردين وبقاء الاخر، واستلزامه التعبد بما هو معلوم
البقاء وبما هو معلوم العدم (بتقريب) ان معنى استصحاب الفرد المردد انما هو التعبد ببقاء الحادث على ما هو عليه من الترديد وهو
يقتضي الحكم ببقاء الحادث على كل تقدير سوأ كان هو الفرد الزائل أو الباقي وهو ينافي العلم بارتفاع الحادث على تقدير وبقائه
على تقدير آخر (إذ فيه) ان هذا الاشكال يتجه في فرض سراية اليقين والشك من متعلقه الذي هو العنوان الاجمالي إلى عناوين الأطراف
التفصيلية (والا) ففي فرض وقوفهما على العنوان الاجمالي وعدم سرايتهما إلى العناوين التفصيلية ولا إلى المعنونات الخارجية كما
حققناه في مبحث البراءة والاشتغال بشهادة اجتماع الشك واليقين في العلوم الاجمالية، فلا مجال لهذا الاشكال، (فإنه) كما أن اليقين
الاجمالي بالعنوان المردد لا ينافي الشك التفصيلي بكل واحد من الأطراف بل يجتمع معه (كذلك) الشك الاجمالي ببقاء العنوان المزبور
لا ينافي اليقين التفصيلي بارتفاع بعض الأطراف وبقاء البعض الاخر، ومعه لا قصور في استصحاب العنوان المردد لاجتماع أركانه فيه
من اليقين السابق والشك اللاحق (فإنه) من جهة احتمال انطباقه على الفرد الزائل يشك في بقاء ما تعلق به اليقين السابق فيجري فيه
التعبد بالبقاء من دون اقتضائه التعدي إلى العناوين التفصيلية كي يلزم التعبد بما هو معلوم الوجود وما هو معلوم العدم (كيف) وان
التعبد الاستصحابي تابع يقينه وشكه وبعد عدم تعديهما من العنوان الاجمالي إلى العناوين التفصيلية لا يكاد يتعدى التعبد بالبقاء
أيضا عن مورد يقينه وشكه كما هو ظاهر (ولعمري) ان المنشأ كله للاشكال المزبور انما هو تخيل اعتبار كون المستصحب في الفرد
المردد مشكوك البقاء في الزمان المتأخر بجميع عناوينه حتى بعنوانه التفصيلي المنطبق على الفرد الزائل أو الباقي (ولكنه) كما ترى
فان القدر المستفاد من قوله عليه السلام لا تنقض اليقين بالشك انما هو اعتبار مجرد تعلق الشك في الزمان المتأخر بعين ما تعلق به
اليقين السابق من العنوان، فإذا كان المتعلق للعلم هو العنوان الاجمالي المردد انطباقه على أحد الفردين، يكون معنى الشك فيه عبارة
عن الشك ببقاء ذاك
118

العنوان المردد انطباقه على أحد المعلومين، لا ان معناه كونه مشكوك البقاء بجميع العناوين حتى بالعنوان التفصيلي المنطبق على الفرد
الزائل أو الباقي (كيف) ولازم البيان المزبور هو الاشكال في استصحاب القسم الثاني من الكلي المردد بين القصير والطويل.
فإنه بعد إن كان الكلي بعروض التشخصات عليه يتحصص في الخارج بحصص متعددة بحيث يصير مع كل شخص وخصوصية حصته
من الطبيعي غير الحصة الأخرى مع شخص فرد آخر، كما اشتهر بان مع كل فرد أب من الطبيعي، لان نسبة الطبيعي إلى الافراد كنسبة
الاباء إلى الأولاد، لا كالأب الواحد، فلا محالة يكون مرجع العلم الاجمالي في الكلي إلى العلم بحدوث حصة من الطبيعي متخصصة
بخصوصية خاصة مرددة بين كونها مقطوع الارتفاع وبين كونها مقطوع البقاء، فيجئ فيه أيضا ما في الفرد المردد من الاشكال (و
هو) كما ترى (إذ هو) مع كونه خلاف ما عليه المعظم، لا يلتزم به المستشكل المزبور أيضا (وحينئذ) فكما يدفع الاشكال في الكلي بعدم
إضرار اليقين بارتفاع أحد الفردين وبقاء الاخر في أركان استصحابه، بدعوى تعلق اليقين والشك فيه بالجامع الاجمالي المحتمل
الانطباق على كل واحد من الفردين لا بالعناوين التفصيلية، ولا بالمحكيات الخارجية، فلا ينافي اليقين بارتفاع أحد الفردين وبقاء
الاخر مع اجتماع اليقين والشك في نفس الكلي والجامع المحتمل الانطباق على كل واحد من الفردين (كذلك) يدفع به الاشكال في
الفرد المردد (إذ لا فرق) بينهما الا من جهة كون الجامع المتعلق للعلم ذاتيا في الكلي وعرضيا في الفرد المردد، وهو أيضا غير فارق
بعد وقوف اليقين في المقامين على نفس الجامع الاجمالي وعدم سرايته إلى الخارج ولا إلى العناوين التفصيلية للافراد (ولازم) ذلك
بعد تعلق الشك ببقاء العنوان المزبور ولو من جهة الشك في انطباقه على الفرد الزائل أو الباقي هو جريان الاستصحاب فيه بعين
جريانه في الكلي، لولا شبهة انتفاء الأثر الشرعي فيه (وقد تفطن) المستشكل المزبور لهذا الاشكال في الكلي، فأورد على نفسه بان
اليقين في الكلي أيضا لم يتعلق الا بحدوث حصة من الكلي متخصصة بخصوصية
119

خاصة وتلك الحصة امرها يدور بين ما يكون مقطوع البقاء، وما يكون مقطوع الارتفاع فيكون حال الكلي الموجود في ضمن الفرد
المردد حال نفس الفرد المردد (ولكنه) أجاب عنه بان وجود الكلي وإن كان بوجود الفرد وزواله بزواله، الا انه ليس الكلي مما ينتزع
عن الفرد، بل هو متأصل الوجود في الخارج على ما هو التحقيق من وجود الكلي الطبيعي، من دون فرق بين الأمور العينية التكوينية، و
بين الأمور الاعتبارية أو الشرعية (فالعلم) بوجود الفرد المردد يكون منشأ للعلم بوجود الكلي والقدر المشترك خارجا، وارتفاع أحد
الفردين يصير منشأ للشك في بقاء الكلي، فيثبت كلا ركني الاستصحاب (أقول): وفيه ان المقصود من تأصل الكلي الطبيعي في الخارج،
إن كان وجوده في ضمن الفرد بوجود شخصي مستقل قبال الخصوصيات الفردية، ففساده أوضح من أن يبين، فان لازمه اتحاد جميع
الافراد المتحدة مع الطبيعي في وجود واحد شخصي (وإن كان) المقصود وجوده بوجود نوعي أو جنسي، فهو أوضح فسادا، بداهة انه لا
وجود للكلي بوصف الكلية الصادقة على الكثيرين في الخارج وانما صقعه بهذا النحو في موطن الذهن لا الخارج، فالخارج هو موطن
الحصص المعروضة للتقيدات والتفحصات (وإن كان) المقصود من وجوده باعتبار وجود حصصه المقرونة بالخصوصيات الفردية،
نظرا إلى تكثر الطبيعي في الخارج بعروض التشخصات عليه وتحصصه بحصص متعددة بنحو يصير مع كل فرد حصة من الطبيعي
تغاير الحصة الأخرى الموجودة في ضمن الفرد الآخر، غاية الأمر ان العقل ينتزع من هذه الحصص بلحاظ وحدتها السنخية وكونها تحت
جنس واحد وفصل فارد مفهوما واحدا فيناله في الذهن بنحو الكلية الصادقة على الكثيرين، فهو متين جدا (ولكن) يتوجه عليه سؤال
الفرق بين الكلي وبين الفرد المردد، في أنه بعد عدم إضرار اليقين بارتفاع إحدى الحصتين وبقاء الأخرى في أركان الاستصحاب في
الكلي ولو من جهة دعوى تعلق اليقين بنفس الكلي بصورته الذهنية ووقوفه على الجامع المحتمل الانطباق في الخارج على كل واحد من
الفردين، وعدم سرايته إلى عناوين الحصص الفردية (فليكن) كذلك في الفرد المردد، لان فيه أيضا يكون
120

اليقين متعلقا بالجامع العرضي والعنوان الاجمالي المحتمل الانطباق على كل واحد من الفردين المعلوم ارتفاع أحدهما وبقاء الاخر (إذ
لا فرق) بينهما الا بصرف كون الجامع المعروض للعلم ذاتيا في أحدهما وعرضيا في الاخر (وتوهم) ان الوحدة السنخية بين الحصص
التي هي منشأ انتزاع مفهوم واحد بعد أن تكون جهة زائدة عن الحصص فلا بد من وجودها خارجا، فلا يمكن انتزاع مفهوم واحد منها
مع تغاير كل واحدة من الحصص مع الأخرى (مدفوع) بمنع كونها جهة زائدة عنها بنحو يكون لها وجود مستقل قبال وجودات الحصص،
بل هي جهة ذاتية لها وان وجودها بعين وجود الحصص لا بوجود زائد عن وجودها كما هو واضح (ولعله) إليه نظر من يقول بان وجود
الطبيعي بمعنى وجود افراده فيكون المقصود عينية وجوده مع وجود حصصه المحفوظة في ضمن الافراد وانه لا وجود له مستقلا في
الخارج في قبال وجودات الحصص، لا ان المقصود هو عينية وجوده لوجود افراده، والا فمن الواضح انه بالنسبة إلى الافراد يكون
وجوده ضمنيا لا عينيا (وحينئذ) فالعمدة في الاشكال على استصحاب الفرد المردد ما ذكرناه من انتفاء الأثر الشرعي فيما تم فيه
أركانه وهو العنوان الاجمالي العرضي وعدم تمامية أركانه فيما له الأثر الشرعي، هذا كله في استصحاب الفرد المردد
(واما الاستصحاب الكلي) فهو على أقسام.
(القسم الأول) استصحاب الكلي المتحقق في ضمن فرد بعينه
كالانسان المتحقق في ضمن زيد ولا إشكال في صحة استصحابه (فإنه بعد) ما يلازم العلم بوجود الفرد للعلم بوجود الكلي المتحقق في
ضمنه ويلازم الشك في بقاء الفرد للشك في بقاء الكلي، فلا محاله يجري الاستصحاب في كل من الفرد والكلي لتمامية أركانه فيهما
(نعم) لا بد في صحة الاستصحاب من لحاظ ما يترتب عليه الأثر الشرعي، فان الأثر الشرعي تارة
121

لكل من الفرد والكلي، وأخرى لخصوص الكلي دون الفرد، وثالثة بعكس ذلك، ورابعة يكون الأثر لمجموع الفرد والكلي بنحو يكون
كل من الفرد والكلي جز الموضوع للأثر (فعلى الأول) يجري الاستصحاب في كل من الفرد والكلي، ويترتب على استصحاب كل
منهما اثره الخاص (وعلى الثاني) يجري الاستصحاب في خصوص الكلي دون الفرد (وعلى الثالث) بالعكس (وعلى الرابع) يجري
الأصل في كل من الفرد والكلي باعتبار اثره الضمني على ما هو التحقيق من كفاية هذا المقدار من الأثر في صحة التعبد بالشئ، كما
يجري في مجموع الفرد والكلي.
(القسم الثاني من أقسام الكلي)
استصحاب الكلي المتيقن وجوده في ضمن أحد الفردين الذين يعلم بزوال أحدهما بعينه على تقدير حدوثه وبقاء الاخر كذلك، كالحدث
المردد بين الأصغر والأكبر، والحيوان المردد بين قصير العمر وطويلة، حيث إنه بارتفاع أحد الفردين يشك في بقاء الكلي المتيقن
وجوده في ضمن أحدهما (ولا ينبغي الاشكال) في جريان الاستصحاب في هذا القسم أيضا لتمامية أركانه فيه من اليقين السابق والشك
اللاحق، فان العلم بحدوث أحد فردي الترديد علم بوجود الكلي والقدر المشترك بينهما، والقطع بزوال أحد الفردين لو كان هو
الحادث وبقاء الاخر كذلك موجب للشك في بقاء الكلي، لاحتمال ان يكون الحادث هو الفرد الباقي الذي يلازم بقائه بقاء الكلي (فإذا)
كان الكلي بنفسه أثرا شرعيا أو موضوعا لاثر شرعي، كالحدث المردد بين الأصغر والأكبر، والحيوان المردد بين قصير العمر و
طويلة، فيجري فيه الاستصحاب، ويترتب على استصحابه ما له من الآثار، كالمانعية عن الدخول في الصلاة وحرمة مس كتابة القرآن
في نحو الحدث المردد (نعم) لا يترتب على استصحابه الآثار الشرعية المترتبة على خصوصية الفرد من نحو حرمة الدخول في المسجد و
المكث فيه وحرمة قراءة
122

العزائم، لأنها من آثار كون الحادث هو الحدث الأكبر والأصل الجاري في الكلي القدر المشترك لا يثبت مثل تلك الآثار.
ثم لا فرق فيما ذكرنا بين ان يكون العلم بوجود الكلي المردد بين الفردين قبل العلم بارتفاع أحد فردي الترديد، وبين ان يكون بعد
العلم بارتفاعه، كما لو خرج منه بلل تخيل كونه بولا فتوضأ ثم بعد ذلك حصل له العلم الاجمالي بان البلل بول أو مني، كما لا فرق بين ان
يكون الأثر مترتبا على صرف وجود الكلي، وبين ان يكون مترتبا على وجود الساري على إشكال في الأخير كما سنذكره (وتوهم)
خروج الفرض الأول عن مجرى الاستصحاب بلحاظ ان أثر المانعية عن الدخول في الصلاة وعدم جواز مس كتابة القرآن مترتب بنفس
العلم الاجمالي بالحدث المردد بين الأصغر والأكبر في المرتبة السابقة على تحقق موضوع الاستصحاب وهو الشك في بقاء الحادث
خصوصا على القول بعلية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية، فيكون فعل ما يوجب رفع الحدث الأصغر بمنزلة تلف أحد الأطراف
بعد العلم الاجمالي في تأثيره في التنجيز، فلا ينتهي النوبة معه إلى إثبات المانعية باستصحاب بقاء الحدث (مدفوع) غاية الدفع، فان
مجرد علية العلم الاجمالي لحكم العقل بالاشتغال ووجوب الموافقة القطعية لا يمنع عن جريان استصحاب الحدث بعد حكومة الأصل
المزبور على قاعدة الاشتغال نعم ثمرة الاستصحاب تظهر في صورة حدوث العلم الاجمالي بعد تلف أحد الفردين ولكن ذلك لا يقتضي
تخصيص جريانه في هذه الصورة.
ثم إنه أورد على استصحاب الكلي بوجوه
(منها)
ان الشك في بقاء الكلي مسبب عن الشك في حدوث الفرد الباقي وأصالة عدم حدوثه ترفع الشك عن الكلي، لان الأصل الجاري في
السبب رافع ومزيل لموضوع الأصل الجاري في المسبب ومع جريان الأصل فيه لا مجال لجريانه في الكلي والقدر المشترك (وقد)
أجاب عنه الشيخ قدس سره بان ارتفاع القدر المشترك انما هو من لوازم كون الحادث الفرد المقطوع الارتفاع، لا من لوازم عدم
حدوث الفرد الباقي، وانما لازمه ارتفاع القدر المشترك الذي كان في ضمنه لا ارتفاع القدر المشترك بين الامرين وبينهما فرق
123

واضح (وفيه انه) كما أن احتمال ارتفاع القدر المشترك من لوازم كون الحادث هو الفرد الزائل، كذلك احتمال بقائه من لوازم كون
الحادث هو الفرد الباقي، فلا وجه لجعل الشك في بقاء الكلي من لوازم خصوص احتمال كون الحادث هو الفرد الزائل (فالأولى) في
الجواب عن الشبهة منع السببية والمسببية بينهما (بدعوى) ان الشك في بقاء الكلي وارتفاعه انما كان مسببا عن العلم الاجمالي بان
الحادث هو الفرد الزائل أو الباقي، ولا أصل يصلح لتعيين ما هو الحادث (فان) أصالة عدم كون الحادث هو الفرد الطويل بنحو مفاد
ليس الناقصة مع أنها لا مجرى لها في نفسها لانتفاء ركنها الذي هو اليقين السابق، لا يثبت كون الحادث هو الفرد القصير، ولا ارتفاع
القدر المشترك (واما) أصالة عدم حدوث الفرد الطويل بنحو مفاد ليس التامة فهي أيضا غير مثبتة لارتفاع القدر المشترك ولو على
فرض السببية والمسببية بينهما، (لان) الترتب بينهما عقلي لا شرعي، بداهة عدم كون الترتب بين الكلي والفرد في الوجود والعدم من
المجعولات الشرعية وانما هو عقلي محض حتى في مثل الحدث والجنابة (لان) ما هو مترتب عليها انما هو طبيعة الحدوث مهملة، لا
الطبيعة المطلقة والقدر المشترك بينها وبين غيرها، وترتب عدم هذه على عدم الجنابة عقلي لا شرعي، فتجري حينئذ أصالة بقاء الكلي
والقدر المشترك بلا مزاحم (نعم) لو أغمض النظر عن هذه الجهة وقيل بشرعية الترتب بين وجود الكلي ووجود الفرد اما مطلقا أو في
بعض المقامات (فلا مجال) لاشكال بعض الأعاظم عليه بمعارضة الأصل فيه مع أصالة عدم حدوث الفرد القصير فيبقى استصحاب بقاء
الكلي والقدر المشترك بحاله بعد تساقطهما (إذ فيه) انه مع خروج الفرد الزائل عن مورد الابتلاء لا يجري فيه الأصل كي يعارض مع
الأصل الجاري في الفرد الطويل (ودعوى) انه بمجرد العلم بحدوث أحد الفردين والشك فيما هو الحادث تجري أصالة عدم الحدوث
في كل منهما فتسقط بالمعارضة (مدفوع) بأنه كذلك إذا كان العلم الاجمالي حاصلا قبل خروج أحد الفردين عن مورد الابتلاء، لا ما إذا
كان حاصلا بعد تلفه وخروجه عن الابتلاء (وحينئذ) لا معنى لجريان أصل العدم في طرف التالف والخارج عن الابتلاء، مع أن ثمرة
استصحاب الكلي انما
124

تظهر في هذه الصورة، والا ففي الصورة الأولى تكفي قاعدة الاشتغال لاثبات المطلوب وان لم نقل بجريان استصحاب الكلي كما هو
واضح.
ومنها
ان الكلي الطبيعي مما ينتزع عن الفرد ولا وجود له في الخارج حتى يتعلق العلم بوجوده وانما الخارج موطن منشأ انتزاعه من الافراد
الخاصة الجزئية وهي التي تكون موضوعا للآثار الشرعية (ومع ذاك) كيف يجري الاستصحاب في الكلي بما هو كلي (ويظهر) فساده
مما قدمناه سابقا، فان المراد من الكلي الذي هو معروض الاحكام هو ما يكون منشأ لانتزاع هذا المفهوم أعني الجهة المشتركة
المحفوظة بين الحصص الموجودة الخارجية ولا إشكال في تحققه في الخارج بعين وجود الحصص المقرونة بالتشخصات الفردية (نعم)
هي بنحو الكلية وسعة الانطباق على كل فرد لا يكون موطنها الا الذهن، حيث ينال العقل من شخص الموجود الخارجي الواجد لحيثية
الطبيعي ولحيثيات أخرى صرف الجهة المشتركة بينه وبين غيره فتجئ في الذهن مجردة عن العلائق والضمائم بنحو تكون لها سعة
الانطباق على كل فرد من غير أن يكون ما في الذهن من الصورة المجردة مخالفا مع ما في الخارج من صرف الشئ المقرون
بالتشخصات كما هو ظاهر.
ومنها
انه مع احتمال كون الكلي في ضمن الفرد القصير الذي يعلم بارتفاعه لو كان هو الحادث، يحتمل انتقاض اليقين السابق بيقين آخر، ومع
هذا الاحتمال لا مجال للتمسك بعموم حرمة نقض اليقين بالشك، لأنه من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لنفس العام لا
للمخصص المنفصل (وفيه) ما لا يخفى، فان غاية ما يقتضيه اليقين بانعدام شخص الفرد انما هو اليقين بانعدام الطبيعي المحفوظ في
ضمنه، لا اليقين بانعدام الطبيعي المحفوظ في الفردين أعني الجهة المشتركة بينهما، ومتعلق اليقين السابق انما هو الجهة المحفوظة
بينهما على نحو يكون له نحو تعلق بكل واحد منهما (ومثله) من المستحيل ان يتعلق به اليقين الناقض بمحض تعلقه بفرد واحد، ومعه
كيف يحتمل انتقاض اليقين السابق المتعلق بالجهة المشتركة بين الفردين بمحض اليقين بانعدام أحد الفردين كي يكون التمسك بعموم
لا تنقض قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية
125

لنفس العام.
ومنها
معارضة استصحاب الكلي بأصالة عدمه المتحقق في ضمن الفرد الطويل بضميمة عدمه المحرز بالوجدان بالإضافة إلى الفرد القصير،
حيث إنه بذلك يثبت عدم الكلي فيترتب عليه نقيض الأثر المترتب على وجود الكلي، نظير الموضوع المركب المحرز بعضه بالوجدان و
بعضه بالأصل فيتعارضان.
توضيح ذلك هو ان وجود الطبيعي إذا كان عين وجود افراده يكون عدمه أيضا عين عدم افراده بحيث يتسع ويتضيق دائرته وجودا و
عدما بكثرة الافراد وقلتها (غير أن) في طرف الوجود يكون تحقق الطبيعي بوجود فرد واحد، وفي طرف العدم يكون عدمه بانعدام
جميع الافراد، بلحاظ ان عدمه هو العدم المنبسط في ضمن عدم تمام الافراد بنحو يكون لهذا العدم الواحد مراتب متفاوتة على حسب قلة
افراده وكثرتها (وبهذه) الجهة قلنا بجريان البراءة العقلية في موارد تعلق التكليف النفسي أو الغيري بعدم الطبيعي في الشبهات
المصداقية عند الشك في كون الشئ من افراد الطبيعي المأخوذ عدمه قيدا للمأمور به، كالشك في كون الحيوان المأخوذ منه الوبر من
مصاديق غير المأكول، نظرا إلى اندراجه بذلك في صغريات الأقل والأكثر الارتباطيين، باعتبار مراتب عدم الطبيعي (حيث) يعلم بتعلق
التكليف بمرتبة من العدم المنطبق على عدم الافراد المعلومة ويشك في تعلقه بمرتبة أخرى من العدم المنطبق على عدم ما شك كونه من
افراده ومصاديقه (وعلى ذلك) نقول إنه بعد إن كان لعدم الطبيعي المنبسط على إعدام الافراد مراتب متفاوتة حسب تكثر إعدام الافراد
وقلتها، فلا جرم يصير بمنزلة الامر البسيط الذي له مراتب، فإذا شك في تحقق مرتبة منه مع العلم ببقية المراتب، يكون كالمركب
المحرز بعضه بالأصل وبعضه بالوجدان فيجري فيه أصل العدم بالإضافة إلى الجهة المشكوكة، وبضميمة الجزم بانتفاء الفرد القصير
يثبت عدم الكلي والقدر المشترك بينهما في قبال استصحاب بقاء الكلي، وان لم يثبت به عدم حدوث الجامع من قبل الحادث
المشكوك، ولذا يبقى الشك فيه بحاله ويكون منشأ لجريان استصحاب بقاء الجامع (وبذلك) انقدح انه
126

ليس المقصود من عدم الطبيعي عدمه المستند إلى عدم الحدوث رأسا، كي يشكل بانتقاضه بالعلم الاجمالي بالحدوث، بل ولا العدم
المستند إلى الارتفاع أيضا، كي يشكل بان أصالة عدم حدوث الفرد الطويل لا يثبت ارتفاع الكلي والقدر المشترك، اما لعدم السببية و
المسببية بينهما، واما لكون الترتب بينهما عقليا لا شرعيا (بل المقصود) هو العدم الملفق من الارتفاع ببعض المراتب، ومن عدم
الحدوث ببعض المراتب الاخر (وبمثل) هذين العدمين يثبت عدم الطبيعي الذي هو نقيض الكلي، فيترتب عليه نقيض الأثر المترتب على
وجود الكلي، وبعد عدم إمكان الجمع بين التعبدين في طرفي النقيض يقع بينها التعارض فيتساقطان (نعم) لو كان عدم الطبيعي عبارة
عن مرتبة خاصة من العدم الملازم لعدم الافراد خارجا لا عين عدم الافراد، أمكن الاشكال فيه بمثبتية الأصل المزبور (ولكن) ليس
كذلك جزما، والا لاقتضى كونه في طرف الوجود كذلك، وهو كما ترى خلاف التحقيق، وحينئذ فإذا كان وجود الطبيعي بعين وجود
افراده فلا محالة يكون عدمه أيضا بعين عدمها، ومعه يتسجل إشكال المعارضة المزبورة (هذا غاية) ما يمكن ان يقال في تشييد هذا
الاشكال.
ولكن التحقيق ان يقال إن ما أفيد من عينية عدم الطبيعي لعدم جميع الافراد انما يصح بالنسبة إلى غير صرف الوجود مما كان له قابلية
الانطباق عرضيا على كل واحد من وجودات الافراد المتعاقبة كالطبيعة المهملة والسارية (واما بالنسبة) إلى صرف الوجود الذي ليس
له قابلية انطباقه الا على أول وجود الطبيعي لا ثانيه فلا يصح ذلك في مفروض البحث، لان وجود الطبيعي بهذا المعنى هو ما يكون
ملازما للسبق بالعدم، ومن الواضح ان نقيض هذا المعنى لا يكون الا العدم الخاص الملازم للسبق بنفسه لاعدام الافراد لا عينها، فان
نقيض كل شئ رفعه، فإذا كان صرف الوجود عبارة عن الوجود الخاص الملازم للسبق بالعدم، فنقيضه ليس الا رفع هذا المعنى، ولا
يكون ذلك الا العدم الخاص الملازم للسبق لاعدام الافراد لا عينها (وحينئذ) فإذا كان الأثر الشرعي مترتبا على صرف الوجود،
كالمانعية وعدم جواز مس كتابة القرآن في مثال الحدث يكون نقيض الأثر مترتبا على نقيض صرف الوجود
127

الذي هو العدم الخاص (ومثله) مما لا يمكن إثباته بأصالة عدم حدوث الفرد الطويل بضميمة الجزم بزوال الفرد القصير، ولا يجري فيه
حكم المركب المحرز بعضه بالوجدان وبعضه بالأصل، ولو مع جريانه في البسائط بالنسبة إلى مراتبه فيبقى استصحاب بقاء الكلي
حينئذ بحاله (وان شئت) قلت إن ما يمكن إثباته من ضم الوجدان والأصل على فرض جريان حكم المركب المحرز بعضه بالوجدان و
بعضه بالأصل في البسائط التي لها مراتب انما هو العدم المطلق، وهو من جهة عدم كونه نقيضا لصرف الوجود لا يكون موضوعا للأثر
الشرعي، وما يكون موضوعا للأثر الشرعي انما هو العدم الخاص الذي هو نقيض صرف الوجود، ومثله مما لا يمكن إثباته بأصالة عدم
حدوث الفرد الطويل بعد عدم جريان حكم المركب المحرز بعضه بالأصل وبعضه بالوجدان فيه، فتجري أصالة بقاء الكلي حينئذ بلا
معارض ويترتب على استصحابه آثاره، فتدبر فيما ذكرنا فإنه دقيق وبالتحقيق حقيق.
ثم إنه لا فرق في جريان الاستصحاب في هذا القسم بين ان يكون الكلي موضوعا للأثر الشرعي، كما في مثال الحيوان المردد بين طويل
العمر وقصيره إذا فرض ترتب أثر شرعي عليه، ومثال الحدث المردد بين الأصغر والأكبر، وبين ان يكون بنفسه حكما وأثرا شرعيا
(كالمردد) بين كونه واجبا نفسيا، أو واجبا غيريا لواجب آخر قد علم بارتفاعه بنسخ ونحوه، وكما في العلم الاجمالي بوجوب الظهر
أو الجمعة مع الاتيان بالجمعة، فإنه على المختار في مفاد حرمة النقض من رجوعه إلى الامر بالمعاملة مع اليقين الزائل أو المتيقن معاملة
الباقي من حيث الجري العملي، يجري الاستصحاب بالنسبة إلى الكلي والقدر المشترك ويترتب عليه آثاره، سوأ فيه بين ان يكون
الكلي موضوعا لاثر شرعي، وبين ان يكون بنفسه تكليفا وأثرا شرعيا، كمثال الوجوب المردد بين الغيري والنفسي ووجوب الصلاة
المردد بين الظهر والجمعة (نعم) على القول برجوع هذه التنزيلات إلى جعل الأثر والمماثل، يشكل جريان الاستصحاب في الكلي فيما
كان أثرا شرعيا، ينشأ ذلك من امتناع جعل كلي الأثر والقدر المشترك بلا كونه في ضمن فصل خاص (فإنه) كما يستحيل جعل الوجوب
الواقعي مجردا عن الخصوصية النفسية والغيرية، كذلك يستحيل جعل الوجوب
128

الظاهري مجردا عن إحدى الخصوصتين (فلا بد) حينئذ، اما من الالتزام بعدم جريان الاستصحاب فيه رأسا، أو الالتزام بجريانه مع
المصير إلى كونه محدودا قهرا بالحد النفسي بالملازمة العقلية، كما التزم به بعض الأعاظم قده على ما حكى عنه (بدعوى) ان ذلك من
لوازم الأعم من الواقع والظاهر، فمتى جرى الاستصحاب بالنسبة إلى الكلي وامتنع تحدده بالحد الغيري لمكان اليقين بارتفاع ما ثبت
وجوبه لأجله بنسخ ونحوه يتعين كونه محدودا بالحد النفسي (ولكنهما) كما ترى، فان الالتزام بعدم جريان الاستصحاب في الكلي في
نحو المثال مشكل، كما أن الالتزام بجريانه فيه واقتضائه بالملازمة العقلية لكونه وجوبا نفسيا أشكل.
ولكن الذي يهون الخطب هو فساد أصل المبنى، لابتنائه على كون المتكفل للتنزيل في أمثال المقام هو الشارع نظير قوله الطواف
بالبيت صلاة (والا) فبناء على تكفل المكلف لذلك بإيجاب من الشارع بالبناء على بقاء اليقين أو المتيقن عملا الراجع إلى الامر بالمعاملة
مع اليقين الزائل أو المتيقن السابق معاملة الباقي عند الشك في بقائه بالجري العملي على طبقه من حيث الحركة أو السكون، فلا مجال
لاستفادة جعل الأثر أو المماثل من نحو هذه الأوامر الظاهرية، لوضوح ان التنزيل الناشئ من كل شخص لا بد من أن يكون بلحاظ الأثر
الناشئ من قبله، والأثر الناشئ من قبل المكلف في أمثال المقام لا يكون الا عمله، لا جعل الأثر والمماثل كما هو ظاهر (ولا فرق) في
ذلك بين القول برجوع النقض في لا تنقض إلى نفس عنوان المتيقن، أو إلى المتيقن بلحاظ اليقين مرآة إلى المتيقن في إرجاع النقض
إليه، إذ هو على الأول ظاهر لعدم ترتب أثر شرعي على اليقين الطريقي حتى يكون التنزيل راجعا إلى جعل حقيقة الأثر أو المماثل،
فتعين رجوعه إلى الامر بالمعاملة بإبقائه عملا، (وكذلك) على الثاني، فإنه وان أمكن تصدى الشارع بنفسه للتنزيل بلحاظ جعل حقيقة
الأثر أو المماثل، الا انه يلزم كون النهي المستفاد من الهيئة إرشاديا محضا، نظير قوله أطيعوا الله، لان التنزيل مستفاد حينئذ من مادة
النقض فيكون النهي المستفاد من الهيئة إرشاديا (بخلاف) ما ذكرناه، فإنه عليه تكون الهيئة على ظاهرها من المولوية (وعليه) ترتفع
الشبهة المتقدمة في استصحاب
129

الكلي في نفس الآثار.
وهم، ودفع
قد يورد على استصحاب الكلي في هذا القسم باستلزامه المصير إلى نجاسة الملاقى لأطراف العلم الاجمالي في فرض وقوع الملاقاة بعد
تطهير أحد أطرافه معينا، كما لو علم بنجاسة أحد جانبي عباءة من الأسفل أو الا على فغسل منها جانب معين يحتمل كونه هو الجانب
المتنجس.
ثم لاقي بدن المصلى مع الرطوبة كلا من جانبيها المطهر وغير المطهر (حيث) ان لازم صحة استصحاب الكلي في الفرض المزبور هو
الحكم بنجاسة الملاقى لجانبي العباءة المطهر وغير المطهر، لان ملاقى مستصحب النجاسة كالملاقي للنجس محكوم شرعا بالنجاسة
(مع) انه باطل قطعا، ضرورة انه لا يحكم بنجاسة الملاقى للطرف غير المغسول منها، للشك في ملاقاته مع النجس، فكيف يحكم بنجاسته
بضميمة ملاقاته للطرف المطهر منها، مع وضوح عدم تأثير ملاقاته للجانب المطهر في نجاسته (وهذه) الشبهة مما أورده السيد المحقق
السيد إسماعيل الصدر (قده) في بعض مجالسه في النجف الأشرف وقد اشتهرت بالشبهة العبائية.
وقد أجيب عنها بوجوه (منها) ما عن بعض الأعاظم قدس سره حيث أفاد في المنع عن جريان الاستصحاب في الفرض المزبور على ما
في تقرير بعض تلاميذه بان محل الكلام في استصحاب في الفرض المزبور على ما في تقرير بعض تلاميذه بان محل الكلام في
استصحاب الكلي هو ما يكون المتيقن السابق مما بماهوتيه وحقيقته مرددا بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع (واما) إذا
كان الاجمال والترديد في محل المتيقن وموضوعه لا في نفسه وهويته، فلا يكون من استصحاب الكلي، بل يكون كاستصحاب الفرد
المردد الذي تقدم المنع عن جريان الاستصحاب فيه عند ارتفاع أحد الفردين، كما لو علم بوجود الحيوان الخاص في الدار وتردد بين
ان يكون في الجانب الشرقي أو الغربي ثم انهدم الجانب الغربي واحتمل ان يكون الحيوان في الجانب الغربي وتلف بانهدامه (أو علم)
بوجود درهم خاص لزيد فيما بين الدراهم العشر ثم ضاع درهم من الدراهم واحتمل كونه درهم زيد (أو علم) بإصابة العباءة نجاسة
خاصة وتردد بين كونها في الطرف الأسفل أو الاعلى ثم، طهر طرفها
130

الأسفل، ففي جميع هذه الأمثلة استصحاب بقاء المتيقن لا يجري، ولا يكون من استصحاب الكلي، لان المتيقن السابق أمر جزئي حقيقي لا
ترديد فيه، وانما الترديد في المحل والموضوع، فهو أشبه شئ باستصحاب الفرد المردد عند ارتفاع أحد فردي الترديد وليس من
الاستصحاب الكلي، ثم قال: ومنه يظهر الجواب عن الشبهة العبائية المعروفة (أقول): ولا يخفى ما فيه (اما المثال) الأول، فهو وإن كانت
تام المطابقة مع الممثل في أن الترديد فيه في محل المستصحب لا في حقيقته وهويته (ولكن نقول) انه بعد ما كان الشك في المحل
موجبا للشك في وجود ما هو معلوم الهوية، فلا قصور في استصحابه وإذ هو نظير ما لو علم بوجود زيد في الدار وقد علم بأنه شرب
مائعا مرددا بين كونه ماء أو سما قاتلا من حيث اقتضاء الترديد في المشروب الترديد في حياته (فكما) يجري فيه الاستصحاب و
يترتب على بقائه في الزمان المتأخر آثاره الشرعية من حرمة تزويج زوجته وعدم جواز تقسيم أمواله ونحو ذلك (كذلك) في نحو
المثال، ومجرد عدم كونه من باب الاستصحاب الكلي غير ضائر بالمقصود، لان المقصود جريان الاستصحاب في نحو المثال المزبور
وان لم يكن من استصحاب الكلي المردد في هويته، بل كان من باب الاستصحاب الشخصي (واما المثالين) الأخيرين، (ففيه) أو لا في
كونهما من قبيل المثال الأول مناقشة واضحة، وذلك في الأول منهما وهو مثال الدرهم ظاهر (لوضوح) ان الترديد فيه انما يكون من
الترديد في الوجود الملازم للترديد في الهوية، لا من الترديد في محل المتيقن وموضوعه، فكان الاجمال والترديد في شخص الدرهم
الذي كان لزيد في كونه هو الدرهم التالف أو الباقي (وكذلك) المثال الأخير، فإنه بعد الجزم بان النجاسة كالقذارات الخارجية من
سنخ الاعراض الخارجية المتقومة بالموضوع والمحل والجزم أيضا بامتناع انتقال العرض القائم بالمحل المتقوم به إلى محل آخر
(نقول) ان الترديد المتصور في المثال يكون من الترديد بين الوجودين الراجع إلى الترديد في الهوية المتصور في المثال يكون من
الترديد بين الوجودين الراجع إلى الترديد في الهوية لا من الترديد في المحل والموضوع، حيث كان مرجع ذلك إلى تردد تلك النجاسة
المعلومة في المثال بين الوجودين أحدهما مقطوع البقاء والاخر مقطوع الارتفاع، فلا يرتبط ذلك
131

إجمال موضوع المتيقن ومحله كما في مثال الحيوان المردد كونه في جانب الشرقي من الدار أو الغربي منها كما هو واضح (وثانيا)
على فرض تمامية الأمثلة المزبورة في كونها من باب الترديد في محل المتيقن وموضوعه لا في حقيقته (نقول): ان الترديد في المحل
بعد ما كان موجبا للترديد في وجود ما هو المتيقن سابقا بشخصيته وهويته، فلا قصور في استصحابه لتمامية أركانه فيه من اليقين
بالوجود والشك في البقاء، فيستصحب بقاء شخص الدرهم الذي كان لزيد، وبقاء شخص تلك النجاسة التي أصابت العباءة بعد غسل
الجانب الأسفل منها، فيترتب على بقائها في الزمان المتأخر آثارها الشرعية من المانعية عن صحة الصلاة معها، فيتوجه حينئذ الشبهة
المعروفة (إذ هي) غير مبتنية على كون الاستصحاب المزبور من باب الاستصحاب الكلي، بل هي جارية ولو على فرض كونه من باب
الاستصحاب الشخصي (واما) دعوى عدم جريان الاستصحاب في أمثال المقام ولو شخصيا حتى بلحاظ أثر المانعية عن صحة الصلاة،
فهو كما ترى.
فالانصاف ان إيراد ما أفيد تقريبا للاشكال أولى من كونه دفعا له (فالتحقيق) في دفع الشبهة ان يقال: إنه بعد الجزم بان الطهارة و
النجاسة من سنخ الاعراض الخارجية الطارية على الموجودات الخارجية بحيث لا بد في عروضها على الشئ من كونه في ظرف الفراغ
عن وجوده خارجا، لا من سنخ الأحكام التكليفية المتعلقة بالطبيعة الصرفة القابلة للانطباق خارجا (والجزم) أيضا بان في صحة
استصحاب الشئ والتعبد ببقائه لا بد من لحاظ الأثر الشرعي المصحح له في كونه من آثار وجوده بنحو مفاد كان التامة أو من آثاره
بنحو مفاد كان الناقصة (ان عدم الحكم) بنجاسته الملاقى في الفرض المزبور انما هو لأجل ان نجاسة الملاقى من آثار نجاسة الملاقى
بالفتح بنحو مفاد كان الناقصة، لا من آثار صرف وجود النجاسة بنحو مفاد كان التامة (ومن المعلوم) ان مثل هذا العنوان لم يتعلق به
اليقين السابق حتى يجري فيه الاستصحاب، إذ كل واحد من طرفي العباءة من الأسفل والا على يكون مشكوك النجاسة من الأزل، و
القدر الجامع بين المحلين أيضا بمقتضى المقدمة
132

الأولى لا يكون معروضا للنجاسة وانما المعروض لها هو الطبيعي الموجود في ظرف انطباقه على الفرد وهو لا يكون الا هذا الفرد و
المحل أو ذاك الفرد والمحل الاخر الذي عرفت عدم تعلق اليقين به (واما) استصحاب نجاسة القطعة الشخصية المرددة فهو من
استصحاب الفرد المردد الذي عرفت عدم جريانه فيه (واما) صرف وجود النجاسة في العباءة بنحو مفاد كان التامة، فاستصحابه وإن كان
جاريا لتمامية أركانه فيه من اليقين بالوجود، والشك في البقاء (ولكنه) بهذا العنوان لا يجدى في الحكم بنجاسة الملاقى بالكسر إذ
هي من آثار كون الملاقى بالفتح نجسا بنحو مفاد كان الناقصة بحكم سراية النجاسة من الملاقي إلى الملاقي بالكسر (نعم) هو بهذا
العنوان موضوع لاثر المانعية عن صحة الصلاة، فإنها على ما يستفاد من الاخبار وكلمات الأصحاب من آثار وجود النجاسة في ثوب
المصلى أو بدنه بمفاد كان التامة، فيجري فيه الاستصحاب بلحاظ الأثر المزبور، لا بلحاظ أثر نجاسة الملاقى (وحينئذ) تندفع الشبهة
المعروفة، إذ لا يلزم من استصحاب طبيعة النجاسة المرددة انطباقها على الجانب الأسفل من العباءة أو الاعلى بلحاظ أثر المانعية بعد
تطهير الجانب المعين منه نجاسة الملاقى لطرفي الزائل والباقي كي ترد الشبهة المعروفة فافهم واغتنم (هذا كله) فيما يتعلق بالقسم
الثاني من استصحاب الكلي.
(القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي)
ما يكون الشك في بقاء الكلي لاحتمال قيام فرد آخر مقام الفرد المعلوم الذي كان الكلي في ضمنه (وهذا) يتصور على وجوه (فان)
الفرد المحتمل الاخر (تارة) يحتمل وجوده مع الفرد المعلوم حدوثه وارتفاعه، كما لو علم بوجود زيد في الدار يوم الجمعة وخروجه
عنها يوم السبت واحتمل وجود عمرو في الدار في حال وجود زيد فيها بحيث بقي هو فيها بعد خروج زيد عنها (وأخرى) يحتمل
حدوثه مقارنا لارتفاع الفرد المعلوم، كما لو احتمل دخول عمرو في الدار مقارنا لخروج زيد
133

عنها (وفي هذا القسم) (تارة) يكون المحتمل بقائه فردا مباينا في الوجود مع الفرد المعلوم وان اشتركا في النوع أو الجنس، كالمثال
المتقدم (وأخرى) يكون من مراتبه، كالسواد الضعيف المحتمل قيامه مقام السواد الشديد، مع كونه (تارة) بمثابة يعد كونه عرفا من
مراتب الموجود السابق (وأخرى) بنحو يعد كونه عرفا مباينا معه، كالحمرة الشديدة التي زالت بورود الماء عليها ولم يبق منها الا
مرتبة ضعيفة كادت تلحق بالصفرة، وهذان القسمان تختصان بالتشكيكيات بخلاف الأول فإنه مختص بالمتواطئات وفيه يكون الشك
في تبدل فرد بفرد آخر مغاير معه في الوجود، وفيهما في تبدل حد بحد آخر (فهذه) وجوه متصورة للقسم الثالث من أقسام الكلي (و
في جريان) الاستصحاب في الجمع، أو عدم جريانه كذلك، أو التفصيل فيها بجريانه في الوجهين الأخيرين دون الأولين، أو جريانه في
الوجه الثالث وهو ما يكون المشكوك اللاحق على نحو يعد عرفا من مراتب الموجود السابق، دون الأولين والوجه الرابع، وجوه وأقوال
(أقواها الأخير)
اما عدم جريانه في الوجهين الأولين،
وهما صورتا كون الشك في بقاء الكلي لأجل احتمال وجود فرد آخر مع الفرد المعلوم حدوثه وارتفاعه، أو حدوثه مقارنا لارتفاعه
(فلانه) لا منشأ لتوهم جريان الاستصحاب الكلي فيهما الا تخيل ان الطبيعي بعد ما كان وجوده في الخارج بعين وجود فرده وحصته،
فلا محالة يكون العلم بوجود الفرد والحصة ملازما للعلم بوجود الكلي في الخارج، وبارتفاع الفرد المعلوم والشك في وجود فرد آخر
مقارنا لوجود الفرد الأول أو مقارنا لارتفاعه، يشك في بقاء الكلي وارتفاعه، فيجري فيه الاستصحاب لاجتماع أركانه جميعا من اليقين
بالوجود والشك في البقاء (ولكنه) تخيل فاسد، فان الطبيعي وإن كان موجودا في الخارج بعين وجود فرده لا بوجود آخر ممتاز عن
وجود فرده (ولكن) بعد ما يغاير وجوده في الخارج في ضمن كل فرد وجوده في ضمن الفرد الآخر وكان بقائه أيضا كحدوثه تابع
بقاء الفرد وحدوثه بلحاظ ان بقاء الشئ هو عين حدوثه حدا في كونه من تبعات الخصوصية الفردية حدوثا وبقاء، فلا محالة يكون
العلم بانعدام الفرد ملازما مع العلم بارتفاع وجود الطبيعي
134

الذي حدث في ضمنه (لاستحالة) بقائه بحده بحدوث فرد آخر منه، لان ما حدث في ضمن فرد آخر انما هو وجود آخر للكلي غير ما علم
بحدوثه في ضمن الفرد السابق (وحينئذ) فاحتمال وجود فرد آخر للكلي وإن كان احتمالا لوجود الكلي في الخارج في الزمان اللاحق،
ولكن الوجود المشكوك لا يكون بقاء للوجود المعلوم سابقا، لأنه مما علم بارتفاعه الفرد المعلوم، فلا يكون الشك في الوجود
المشكوك شكا في بقاء ما علم بحدوثه حدا حتى يجري فيه الاستصحاب (وبذلك) يتضح الفرق بين هذا القسم من الكلي وبين القسم
السابق، فان في القسم السابق يكون نفس الكلي والقدر المشترك بين الفردين بوجوده المتحقق في ضمن أحد الفردين مشكوك البقاء
والارتفاع في الزمان المتأخر من جهة احتمال كون الحادث هو الفرد الباقي، ففيه يكون وجود الكلي بحده مركزا لليقين والشك،
بخلاف هذا القسم فان الشك فيه لم يتعلق بعين ما تعلق به اليقين السابق، وانما هو متعلق بوجود آخر للكلي غير ما علم بحدوثه، فلذلك لا
يجري فيه الاستصحاب (نعم) غاية ما تقتضيه العينية بينهما انما هو العينية الذاتية (ولكن) مثله لا يكون مدارا لصدق النقض والابقاء في
باب الاستصحاب كما لا يخفى.
وقد أورد على الاستصحاب المزبور بوجه آخر وحاصله منع ملازمة العلم بوجود الفرد للعلم لوجود الكلي والقدر المشترك، بدعوى
ان العلم بوجود الفرد انما يلازم العلم بوجود حصة من الكلي المتحقق في ضمنه، لا العلم بوجود الكلي بما هو هو، فمع تغاير الحصص لا
مجال لجريان الاستصحاب، لان ما علم بوجوده هي الحصة المتحققة في ضمن الفرد المعلوم، وقد علم بارتفاعها، وما شك فيه هي
الحصة الأخرى من الكلي غير الحصة المعلومة سابقا (وفيه) ما لا يخفى، فان الكلي بعد ما كان بنفسه موجودا في الخارج بعين وجود
فرده وحصته، لا بوجود آخر مغاير لوجود فرده، لا وجه للمنع عن ملازمة العلم بوجود الفرد والحصة للعلم بوجود الكلي والقدر
المشترك الذي هو منشأ انتزاع هذا المفهوم (كيف) ولازم المنع المزبور هو المنع عن استصحاب الكلي في القسم الثاني أيضا، بلحاظ
اقتضاء تغاير الحصص لتردد
135

المعلوم بين الحصتين الموجب لعدم جريان الاستصحاب فيه بعين ما التزم في المنع عن استصحاب الفرد المردد كما أشرنا إليه سابقا
(وحينئذ) فالعمدة في المنع عن استصحاب الكلي في هذا القسم هو ما ذكرناه (هذا كله) في استصحاب الوجه الأول والثاني من القسم
الثالث من استصحاب الكلي.
واما الوجه الثالث من القسم المزبور،
وهو ما كان الشك في البقاء لأجل احتمال بقاء مرتبة من المستصحب بعد اليقين بارتفاعه بمرتبة أخرى، كالسواد الشديد الذي علم
بورود الماء عليه فشك في زواله بالمرة أو بقائه بمرتبة أخرى دونه، فقد عرفت كونه على وجهين من حيث إن المرتبة التي تحتمل
بقائها تارة تكون في الضعف بمثابة يحسبها العرف مباينة مع الموجود السابق، وأخرى بمثابة تعد كونها عرفا من مراتبه (اما الوجه)
الأول، فجريان الاستصحاب فيه مبني على كفاية وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة بالمداقة العقلية في جريان الاستصحاب، والا فعلى
ما سيأتي من عدم كفاية ذلك واعتبار وحدتهما بالانظار العرفية، فلا يجري فيه الاستصحاب (واما) الوجه الثاني، فيجري فيه
الاستصحاب بلا كلام لاجتماع أركانه فيه من اليقين بالوجود والشك في البقاء واتحاد القضيتين بالمداقة العقلية والانظار العرفية،
حيث إنه بعد عدم اقتضاء تبادل الحدود اختلافا في ذات المحدود، كان الموجود السابق بذاته وهويته محفوظا في جميع المراتب
المتبادلة شدة وضعفا، لان التبادل انما كان ممحضا في خصوص الحدود الموجبة لتشخص المرتبة وتميزها عما عداه، لا في ذات
المحدود المحفوظ في جميع المراتب (فإذا) احتمل بقاء المستصحب ولو بمرتبة ضعيفة، فلا جرم يجري فيه الاستصحاب الكلي لصدق
البقاء في مثله على كل من النظر الدقي والعرفي (بل إن تأملت) ترى اندراج مثل الفرض في القسم الأول من أقسام استصحاب الكلي
الجاري فيه استصحاب كل من الشخص والكلي، لانحفاظ الموجود الأول بهويته وشخصيته في جميع المراتب المتبادلة وعدم كون
الحدودات المختلفة الا من الحدودات العارضة على الفرد فارغا عن فرديته للطبيعي لا من الحدودات المقومة لفردية الفرد فتأمل.
136

(تذنيبان)
(الأول)
لو كان هناك أثر بسيط للجامع بين الفردين المتفقين في الحقيقة بنحو الطبيعة السارية، لا صرف الوجود، وقد علم بوجود فرد للكلي
المزبور في زمان وارتفاعه في زمان فشك في وجود فرد آخر للكلي في حال وجود الفرد المعلوم أو حدوثه مقارنا لارتفاعه بلا تخلل
عدم بينهما، فبالنسبة إلى السبب لا شبهة في أنه لا يجري فيه الاستصحاب، لما تقدم من انتفاء الشك في البقاء (واما) بالنسبة إلى المسبب
فالظاهر أنه لا قصور في استصحابه لاجتماع جميع أركانه فيه من اليقين بالوجود والشك في البقاء واتحاد متعلق الوصفين، حيث
يصدق انه كان على اليقين من وجود الأثر فشك في بقائه بارتفاع الفرد المعلوم الحدوث، لاحتمال قيام فرد آخر مقام الفرد المعلوم
حدوثه وارتفاعه، نظير استصحاب بقاء هيئة الخيمة بحالها عند احتمال قيام عمود آخر مقام العمود الأول (واما الاشكال) عليه
باستلزامه المصير إلى الاستصحاب في نظائره من الأسباب والمسببات الشرعية في أبواب التكاليف والأوضاع، كالزوجية والوكالة
والولاية ونحوها، (كما لو علم) انه تزوج زيد هندا بعقد الانقطاع إلى مدة قد علم بانقضائها فشك في بقاء زوجيتها بعد ذلك، لاحتمال
تزويجها ثانيا مقارنا لانقضاء الأول بعقد جديد، أو علم بوكالة زيد لعمرو في التصرف في ماله في زمان محدود فشك بعد انقضاء
الزمان في بقاء وكالته، لاحتمال انشاء وكالة جديدة له مقارنا لانقضاء الأول (وكذا) لو علم بوجوب الصوم عليه إلى مدة معينة بنذر و
شبهه فشك في حدوث نذر آخر منه متعلق بصومه من حين انقضاء المدة إلى مدة أخرى إلى غير ذلك من الأمثلة (حيث) ان لازم البيان
المزبور هو الالتزام بجريان الاستصحاب في نحو الأمثلة المزبورة، وهو كما ترى لا يظن التزامه من أحد (فمدفوع) بالفرق بين ما
ذكرناه وبين تلك الأمثلة، فان الاستصحاب الجاري فيها
137

انما هو من استصحاب الوجه الأول والثاني من القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي، لان المعلوم السابق فيها فرد من الزوجية و
الوكالة وهو مما علم بارتفاعه بانقضاء أجله، وما شك فيه فرد آخر من الزوجية والوكالة احتمل حدوثه بسب جديد، فلا يكون
المشكوك في الزمان المتأخر عين الفرد المعلوم السابق، بل مقتضى الأصل فيها هو عدم حدوث ما شك في وجوده في الزمان المتأخر
(وأين ذلك) وما ذكرنا من استصحاب المسبب في نحو مثال هيئة الخيمة، فان المستصحب فيه أمر وحداني شخصي لا يتغير عما هو
عليه من الوحدة الشخصية ولا يتعدد وجوده بتبادل أعمدة الخيمة (مع أن) بين مفروض الكلام والأمثلة المزبورة فرق آخر، وهو ابتلا
الأصل الجاري فيها بالأصل الحاكم عليه وهو استصحاب عدم وجود السبب الجديد، فإنه يترتب على استصحابه بضم الوجدان السابق
عدم وجود المسبب شرعا (بخلاف) ما فرضناه من نحو مثال الخيمة، فإنه من جهة كونه من الأسباب والمسببات الخارجية لا يجري فيه
الأصل في السبب حتى يقدم على استصحاب المسبب أو يعارضه، لعدم كون الترتب في مثله الا عقليا محضا، بخلاف الأمثلة المزبورة،
فإنها من جهة كونها من قبيل الأسباب والمسببات الشرعية يكون الترتب فيها شرعيا لا محالة، وبذلك يجري فيها الأصل في السبب و
بانضمام ذلك مع الوجدان السابق يترتب انتفاء المسبب فتدبر.
(التذنيب الثاني)
قد جرى ديدن الاعلام على التمثيل لاستصحاب القسم الثاني من الكلي باستصحاب الحدث المردد بين الأكبر والأصغر عند خروج البلل
المردد بين البول والمني (وحيث) ان للفرض المزبور شقوق متعددة، من حيث الجهل بالحالة السابقة على خروج البلل، أو العلم بها من
حيث الطهارة أو الحدث من الأكبر أو الأصغر (فالحري) هو التعرض لتلك الشقوق وافراد كل واحد منها بالبحث من حيث كونه مجرى
للاستصحاب وعدمه (فنقول): اما إذا لم يعلم بالحالة السابقة أو علم بها وكانت هي الطهارة، فلا شبهة في كونه مجرى لاستصحاب
الحدث، بل هو المتيقن من مورد كلماتهم، فإنه حين خروج البلل المردد يعلم بتحقق طبيعة الحدث والحالة المانعة عن صحة الصلاة، و
بعد فعل الوضوء يشك في ارتفاع الحدث فيجري فيه
138

الاستصحاب بلحاظ آثار الجامع والقدر المشترك بين الفردين من نحو المانعية عن الصلاة وعدم جواز مس كتابة القرآن، وان لم
يترتب عليه آثار خصوصية الحدث الأكبر، كحرمة دخوله في المسجد ومكثه فيه، وحرمة قراءة العزائم (واما) إذا كانت الحالة السابقة
هي الحدث (فان) كان الحدث المعلوم هو الأكبر أي الجنابة، فلا شبهة في عدم كونه مجرى للاستصحاب الكلي، بل هو خارج عن فرض
كلامهم في المقام الذي هو فرض الشك في بقاء الحدث بعد فعل الوضوء قطعا، بداهة عدم كون مثل الفرض من موارد العلم بالحدث
المردد بين الزائل والباقي، فلا محيص حينئذ من الغسل، وبدونه يقطع تفصيلا ببقاء الحدث السابق ولو مع الاتيان بالوضوء، من غير
فرق بين القول بعدم تأثير الحدث بعد الحدث أو القول بتأثيره كما هو واضح (واما إن كان) الحدث السابق هو الأصغر (فان قلنا) بعدم
المضادة بين الحدثين وإمكان اجتماعهما في زمان واحد في محلين بحيث عند طرو الأكبر يكون المتحقق شخصان من الحدث، غاية الأمر
انه مع اجتماعهما لا تأثير للأصغر في إيجاب الوضوء، لانحصار الرافع حينئذ بما يقتضيه الأكبر وهو الغسل، فلا مجال أيضا
لاستصحاب الكلي، لأنه من استصحاب الوجه الأول من القسم الثالث من أقسام الكلي الذي كان الشك في بقائه لأجل الشك في مقارنة
فرد آخر للفرد المعلوم وجوده سابقا، فإنه حين صدور البلل المشتبه يقطع بوجود شخص حدث ويشك في حدوث شخص حدث آخر،
فاستصحابه بعد الوضوء يكون من استصحاب القسم الثالث الذي قلنا بعدم جريانه فيه (فيكتفي) حينئذ بصرف الوضوء في فعل كل ما
اشترط في صحته أو جوازه بالطهارة، ولا أثر للعلم الاجمالي حين خروج البلل المشتبه، إذ لا يعلم بتوجيه خطاب جديد من قبل البلل
الحادث بعد تردده بين ماله الأثر وما ليس له الأثر، واحتمال كونه منيا شبهة بدوية مدفوعة بالأصل، حيث تجري أصالة عدم حدوث
سبب الجنابة، ولا يعارضها أصالة عدم صدور البول، لأنه لا أثر له بعد كونه محدثا بالحدث الأصغر (وكذلك) الامر فيما لو احتملنا عدم
المضادة بين الحدثين، فإنه وان علم حين خروج البلل بالحدث المردد بين الوجودين أو وجود واحد مردد بين الأصغر والأكبر بلا علم
تفصيلي بما يوجب
139

انحلاله (ولكن) بعد احتمال اجتماعهما وجودا وبقاء الأصغر بحده الخاص لا يجري الاستصحاب الكلي، لعدم إحراز كون المشكوك
الباقي بعد الوضوء عين المتيقن السابق، لاحتمال كون المعلوم السابق غيره، فيكتفي بموجب الحدث الأصغر وهو الوضوء في فعل كل ما
اشترط فيه الطهارة، باستصحاب بقاء الأصغر بحده الخاص إلى حين خروج البلل المشتبه بضميمة أصالة عدم صدور الحدث الأكبر (و
ان قلنا) بالمضادة بين الحدثين، فتارة تكون المضادة بينهما في خصوص حديهما لا في ذاتيهما بحيث يكون الأصغر عند طرو الأكبر
محفوظا بذاته في ضمنه لا بحده، نظير السواد الضعيف المندك في ضمن الشديد منه (وأخرى) تكون المضادة حتى بالقياس إلى ذاتيهما،
نظير ارتفاع لون بطرو لون آخر مضاد له (فعلى الأول) لا قصور ظاهرا في استصحاب الكلي بعد الاتيان بالوضوء، إذ حين طرو البلل
يعلم إجمالا بوجود الحدث المردد بين الحدين، وبعد الوضوء يشك في ارتفاعه، فيستصحب بقائه، بل ويجري فيه الاستصحاب
الشخصي أيضا، بناء على عدم ارتفاع الأصغر المقرون مع الأكبر الا بالغسل، واختصاص رافعية الوضوء له بحال انفراده عن الحدث
الأكبر، إذ حينئذ مع الشك في وجود الأكبر لأجل البلل المردد يشك في ارتفاعه بالوضوء فيستصحب بقائه (نعم) لو قلنا برافعية الوضوء
للأصغر مطلقا ولو في ظرف وجود الأكبر، مؤيدا ذلك بما ورد من مشروعية الوضوء للحائض في أوقات الصلوات ولنوم الجنب لا
يجري استصحاب الشخص للقطع بارتفاعه بالوضوء على كل حال، فينحصر مجرى الاستصحاب حينئذ في الكلي والقدر المشترك بين
الأصغر والأكبر، ولازمه هو الجمع بين الطهارتين وعدم الاكتفاء بصرف الوضوء في رفع مانعيته للصلاة (اللهم) الا ان يمنع عن هذا
الأصل بكونه من استصحاب القسم الثالث الذي كان الشك في بقاء الكلي لأجل الشك في مقارنة فرد آخر مع الفرد المعلوم سابقا، لمكان
العلم التفصيلي حين طرو البلل بثبوت الحدث الأصغر ولولا بحده الخاص، والشك في حدوث الأكبر، فأصالة عدم حدوثه محكمة و
مقتضاها عدم الحاجة إلى الغسل وجواز الاكتفاء بصرف الوضوء في صحة الصلاة (واما على الثاني) من فرض تضاد
140

الحدثين ذاتا وحدا، فيجري فيه استصحاب الكلي في الحدث المعلوم المردد وجوده حال خروج البلل بين الأصغر والأكبر لكونه من
استصحاب القسم الثاني من أقسام الكلي (حيث إنه) بإتيان الوضوء يشك في ارتفاع الحدث المعلوم وجوده إجمالا والأصل يقتضى بقائه،
ولازمه وجوب الغسل وعدم جواز الاكتفاء بصرف الوضوء في رفع أثر المانعية (وأصالة) عدم حدوث الأكبر غير مجدية، لعدم كونها
رافعة في رفع أثر المانعية (وأصالة) عدم حدوث الأكبر غير مجدية، لعدم كونها رافعة للشك في بقاء الكلي والقدر المشترك، ولا لرفع
اثره من مانعيته للصلاة الا على القول بالأصول المثبتة، كما أن أصالة بقاء الأصغر بحده الخاص حال خروج البلل المردد غير مجدية
أيضا لرفع الشك الوجداني عن بقاء الجامع، ولا لرفع اثره، بل ولا للاكتفاء بصرف الوضوء في صحة الدخول في الصلاة (لوضوح) ان
رافعية الوضوء للحدث في هذا الحال انما هو من لوازم انحصار طبيعة الحدث بالأصغر وجدانا، والا فشأنه ليس الا رفع الحدث الأصغر
بخصوصه، وإثبات هذه الجهة من الانحصار خارج عن عهدة الأصل المزبور، الا على فرض القول بالمثبت (وحينئذ) فيجري استصحاب
كلي الحدث المعلوم بالاجمال حال خروج البلل المشتبه، ولازمه بحكم العقل هو الجمع بين الطهارتين تحصيلا لليقين بارتفاع الحدث،
هذا (ولكن) الظاهر هو عدم التزامهم بذلك، حيث إن بنائهم على الاكتفاء بالوضوء محضا لمن كان محدثا بالأصغر واحتمل طرو
الجنابة عليه لأجل البلل المردد بين البول والمني، نظرا منهم إلى قاعدة الاستصحاب (فلا بد) حينئذ اما من الكشف عن بنائهم على عدم
التضاد بين الحدثين رأسا، أو يكون التضاد بينهما في خصوص حديهما لا في ذاتيها، كما لعله هو الظاهر المستفاد من الأدلة أيضا من
مثل قوله عليه السلام الوضوء نور وان الوضوء بعد الوضوء نور على نور، وقوله عليه السلام أي وضوء أنقى من الغسل، حيث إن
المستفاد منها هو ان الوضوء والغسل ولو باعتبار الأثر الحاصل منهما وهو النورية والنظافة المعنوية من سنخ الحقائق التشكيكية التي
لها مراتب متفاوتة شدة وضعفا، فيستفاد بقرينة المقابلة ان الحدث الذي هو من القذارة المعنوية والكسالة الروحية أيضا من الحقائق
التشكيكية المختلفة حدا ومرتبة، كما يومي إليه قوله عليه السلام في المرأة التي ترى الدم وهي جنب قد
141

ما هو أعظم من ذلك (واما) من دعوى ان موضوع وجوب الوضوء على ما يستفاد من الأدلة عبارة عن المركب من أمر وجودي وهو
النوم مثلا، وامر عدمي وهو عدم الجنابة، فيندرج المثال في الموضوعات المركبة التي يحرز بعضها بالوجدان وبعضها بالأصل، فان
النائم الذي احتمل جنابته من جهة البلل المردد بين البول والمني، قد أحرز جزئي الموضوع لوجوب الوضوء، أحدهما وهو النوم
بالوجدان، وثانيهما عدم الجنابة بالأصل فيجب عليه الوضوء ويكتفى به في صحة صلاته، كان هناك استصحاب حدث أم لا (ولكن)
دعوى الأخير مبنى على أن لا يكون الطهارة شرطا للصلاة ولا الحدث مانعا، بل كان الشرط هو نفس الوضوء عند تحقق موجبه وهو
النوم ونحوه، ونفس الغسل عند تحقق الجنابة (والا) فعلى فرض شرطية الطهارة للصلاة كما هو مقتضى قوله عليه السلام: لا صلاة الا
بطهور، أو مانعية الحدث عن صحة الصلاة، فلا يجدي هذا التقريب للاكتفاء بصرف الوضوء في صحة الصلاة نظرا إلى الشك في مؤثرية
الوضوء في هذا الحال في الطهارة ورافعيته للحدث المعلوم وجوده بإجمال فتأمل.
(تذييل)
الذي يظهر من كلمات الأصحاب قدس أسرارهم هو التسالم على جريان أصالة عدم التذكية عند الشك في تذكية الحيوان وإثباتهم بها
حرمة لحمه ونجاسته (وقد خالف) في ذلك جماعة منهم الفاضل التوني قده، حيث أورد على المشهور في حكمهم بنجاسة الجلد
المطروح باستصحاب عدم التذكية، بان عدم المذبوحية لازم لامرين الحياة، والموت حتف الانف (والموجب) للنجاسة ليس هذا اللازم
من حيث هو، بل ملزومه الثاني وهو الموت حتف الانف، فعدم المذبوحية لازم أعم لموجب النجاسة (فعدم) المذبوحية اللازم للحياة
مغاير لعدم المذبوحية اللازم للموت حتف الانف، والمعلوم ثبوته في الزمان السابق هو الأول، لا الثاني إلخ
(وقد استدل) عليه أيضا بوجهين آخرين
(الأول)
ان الموضوع لكل من حرمة لحم الحيوان ونجاسته وحليته وطهارته أمر وجودي، فموضوع الحرمة والنجاسة هي الميتة التي هي
عبارة عن الحيوان الذي مات حتف أنفه، كما أن موضوع الحلية والطهارة عبارة عن المذكى، فهما امران وجوديان ولا بد من
إحرازهما، وأصالة عدم
142

التذكية بعد ما لم يثبت عنوان الميتة، بلحاظ عدم اقتضاء نفي أحد الضدين بالأصل لاثبات الضد الاخر الا على المثبت، فلا جرم يجري
استصحاب العدم من الطرفين، وبعد تساقط الأصلين بالمعارضة يرجع إلى أصالة الحل والطهارة في اللحم المشكوك
(الثاني)
انه على تقدير ان يكون الموضوع للحرمة والنجاسة هو نفس عدم التذكية لا عنوان الميتة التي هي أمر وجودي (فلا شبهة) في أنه ليس
الموضوع للحرمة والنجاسة مطلق عدم التذكية وعدم المذبوحية، بل هو العدم المقيد في حال خروج روح الحيوان، فلعنوان الحالية
أيضا دخل في موضوع الحكم (وواضح) انه ليس لهذا العنوان المقيد حالة سابقة حتى يستصحب (لان) خروج الروح اما ان يكون عن
تذكية، واما لا عن تذكية، فلم يتحقق زمان كان فيه خروج الروح اما ان يكون عن تذكية، واما لا عن تذكية، فلم يتحقق زمان كان فيه
خروج روح الحيوان ولم يكن عن تذكية حتى يجري فيه الأصل (واما) عدم التذكية في حال حياة الحيوان بمفاد ليس التامة فهو وإن كان
على يقين منه سابقا، ولكن الأصل فيه لا يثبت العدم الخاص الا على القول بالأصول المثبتة فينتهي الامر حينئذ إلى أصالة الحل و
الطهارة، هذا (ولكن) لا يخفى ما في هذين الوجهين.
اما الوجه الأول
ففيه أولا منع كون الميتة هي خصوص ما مات حتف الانف، بل هي في عرف الشارع عبارة عن مطلق ما لم يقع عليه التذكية بشرائطها
المقررة من الذبح بالحديد وكونه مع التسمية ومستقبل القبلة مع إسلام الذابح، فمتى اختل أحد هذه الأمور كان الحيوان ميتة وان لم
يزهق روحه حتف أنفه (وعلى فرض) أن تكون الميتة خصوص الموت حتف الانف، فلا ريب في عدم اختصاص موضوع الحرمة و
النجاسة بالعنوان المزبور، فان الحكم بالحرمة والنجاسة كما رتب في الأدلة على عنوان الميتة، كذلك رتب على عدم المذكى في قوله
سبحانه: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) وقوله تعالى: (وكلوا مما ذكيتم) فيكفي أصالة عدم التذكية في المشكوك لاثبات
الحرمة بل النجاسة، وان لم يثبت بها عنوان الميتة (ومع) الإغماض عن ذلك أيضا لا وجه للرجوع إلى أصل الحل والطهارة فيما شك في
تذكيته عند تعارض الأصلين، بل اللازم حينئذ هو الرجوع إلى أصالة الحرمة
143

والطهارة الثابتتين للحيوان في حال حياته لحكومتهما على قاعدتي الحلية والطهارة والتفكيك بين الطهارة والحلية في الظاهر غير
ضائر، لأنه غير عزيز في الاحكام الظاهرية، فيمكن التعبد بطهارة ما شك في تذكيته وحرمة أكله، وان لم يمكن ذلك بحسب الواقع (و
هذا) أيضا بناء على تلازم الحكمين في غير المذكى في نفس الامر والواقع، والا فعلى احتمال اختصاص موضوع النجاسة بعنوان الميتة
والموت حتف الانف فالامر أظهر.
(واما الوجه الثاني)
ففيه أيضا منع دخل الإضافة الحالية في المقام في موضوع الحرمة بل الموضوع لها عبارة عن الجزين المجتمعين في زمان واحد أعني
زهوق روح الحيوان وعدم تذكيته والتعبير بعنوان الحالية انما هو لمجرد الظرفية واجتماعهما في الزمان، لا من جهة دخل تلك
الإضافة في موضوع الحكم، فيمكن حينئذ إثبات موضوع الحرمة والنجاسة باستصحاب عدم تذكية الحيوان إلى زمان خروج روحه،
لكونه كسائر الموضوعات المركبة المحرزة بعضها بالوجدان وبعضها بالأصل (وكون) عدم تذكية الحيوان في حال حياته مما لا أثر له
شرعا غير ضائر بعد كونه في ظرف خروج الروح ذا أثر شرعي (وعلى فرض) ان يكون لإضافة الحالية دخل في ترتب الحكم، نقول: إن
المقصود من عنوان الحال في نحو هذه المقامات انما هو مجرد إضافة الشئ المشروط إلى شرطه وقيده الأعم من الواقع والظاهر،
نظير الصلاة في حال الطهارة وغيرها من المشروطات والمقيدات، فيمكن إثباتها باستصحاب عدم التذكية إلى حين زهوق الروح،
فإنه كما أن بوجود القيد واقعا يعتبر العقل الإضافة بين الشيئين، كذلك يعتبرها بإحراز وجوده ظاهرا وتعبدا، ولا يرتبط ذلك بباب
المثبت (ولذا) لم يستشكل أحد في الحكم بصحة الصلاة عند الشك في الطهارة باستصحابها إلى حين الدخول في الصلاة بمثبتية الأصل
المزبور، ولا يكون ذلك الا من جهة كون مثل هذه التقيدات من لوازم الأعم من وجدان القيد واقعا أو تعبدا وتنزيلا (وان) شئت قلت إن
اعتبار مثل هذه الإضافات تابع تحقق طرفيها فمتى تحقق طرفاها بالوجدان أو التعبد يعتبر العقل تلك الإضافة الخاصة بينهما ولا
يكون ذلك مرتبطا بباب المثبت (نعم) انما يكون كذلك فيما كان الموضوع هو الذات المتصف بالوصف العنواني
144

بان كان القيد مأخوذا نعتا لموضوع الحكم لا مجرد كونه طرف إضافته (ولكن) اني بإثباته في نحو المقام فتأمل.
(التنبيه الرابع)
قد يستشكل في جريان الاستصحاب في الأمور التدريجية غير القارة، كالزمان والزمانيات المبنية على التجدد والانصرام (بتوهم) ان
مورد الاستصحاب كما يقتضيه تعريفه ويستفاد من أدلته انما يكون في فرض الشك في بقاء ما كان، ولا يتصور البقاء في مثل الزمان،
ولا في الزمانيات من الموجودات التصرمية التي توجد وتنصرم البقاء في مثل الزمان، ولا في الزمانيات من الموجودات التصرمية التي
توجد وتنصرم شيئا فشيئا على التدريج كالحركة والتكلم ونحوهما حتى يشك في بقائها، فيجري فيها الاستصحاب (لان) بقاء الشئ
عبارة عن استمرار وجود الشئ بجميع حدوده في الان الثاني بعين وجوده في آن حدوثه وهو غير متصور في الموجودات التصرمية
زمانا كانت أو زمانية، فإنها بقطعتها الموجودة سابقا كانت من عدمة في الان الثاني وبقطعتها الأخرى تكون مشكوكة الحدوث، فلا
يجري فيها الاستصحاب، بل ولا في القار الذي كان الزمان قيدا له (ونظير) هذا الاشكال، الاشكال المعروف في مبحث المشتق في نحو
أسماء الزمان كالمقتل وغيره. حيث قيل بخروجها عن محل النزاع بلحاظ ان الذات المتلبسة بالمبدأ فيها بنفسها متقضية مع المبدأ لا ان
الانقضاء مختص باتصافها بالمبدأ، فلا يصدق على الزمان الفعلي الموجود انه ذات انقضى عنها المبدأ كي يجري فيها النزاع (ولكن)
التحقيق صحة الاستصحاب فيها كغيرها من الأمور القارة
(وتنقيح) المرام يستدعى عقد الكلام في مقامات.
(المقام الأول) في استصحاب الزمان
وما يعرضها من العنوان الطاري كاليوم والليل والشهر ونحوها من العناوين المنتزعة من مجموع الأزمنة المتعاقبة المحدودة بين
الحدين والمحصورة بين الحاصرين (ولا ينبغي) الاشكال في جريان الاستصحاب فيها
145

فان الانات والأزمنة المتعاقبة وإن كانت في الحقيقة وجودات متعددة متحدة سنخا، ولكنها لما كانت على نهج الاتصال ولم يتخلل
سكون بينها، كان الجميع بنظر العرف موجودا واحدا مستمرا، وبهذا الاعتبار يعد الموجود اللاحق بقاء لما حدث أولا، فيصدق عليه
الشك في بقاء ما حدث وتتحد القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة، وان لم يكن كذلك بحسب الحقيقة والدقة (وحينئذ) إذا صدق
الموجود الواحد المستمر على الوجودات المتعاقبة على نعت الاتصال، وكان مدار الوحدة في متعلق الوصفين على الانظار العرفية لا على
المداقة العقلية، فلا جرم يجري فيها الاستصحاب كجريانه في الأمور القارة لتمامية أركانه جميعا من اليقين السابق بالوجود والشك
اللاحق في البقاء (بل) يمكن ان يقال: إنه ليس لعنوان البقاء أثر في أدلة الاستصحاب، فان الموجود فيها هو النهي عن نقض اليقين بالشك،
ولا ريب في أن دائرة صدق النقض عرفا أوسع من البقاء الحقيقي والمسامحي، فيكون رفع اليد عن ترتب الأثر على الامر التدريجي
الذي ينعدم ويوجد على التعاقب بالشك في انقطاع سلسلة وجوداته، نقضا لليقين بالشك عرفا (مع أن) الانصرام والتجدد المانع عن
الاستصحاب كما أفاده المحقق الخراساني انما هو في الحركة القطعية في الأين وغيره المنتزعة من الأكوان المتعاقبة على نهج الاتصال
الموافية للحدود الواقعة بين المبدأ والمنتهى، وهي الصورة الممتدة المرتسمة في الوهم المجتمعة الاجزاء في مرحلة الخيال والمتفرقة
في الخارج، كحركة الجوالة الموجبة لارتسام دائرة في الخيال، فهي باعتبار منشأ انتزاعها الذي هي الأكوان المتعاقبة المتفرقة في
الخارج تدريجية، فيأتي فيها الاشكال المزبور (واما الحركة) التوسطية وهي الكون بين المبدأ والمنتهي والآن السيال في الزمان، فلا
قصور في جريان الاستصحاب فيها (إذ هي) بهذا الاعتبار من الأمور القارة، فيصدق عليها البقاء حقيقة لا مسامحة، هذا (ولكن) الانصاف
انه لا سبيل إلى دعوى صدق القار على الحركة بمعنى التوسط كي يتصور فيها البقاء الحقيقي، لما عرفت من أن البقاء الحقيقي للشئ
عبارة عن استمرار وجوده في ثاني زمان حدوثه بماله من المراتب والحدود المشخصة له في آن حدوثه (ومثله) غير متصور في
الحركة التوسطية في مثل
146

الزمان ونحوه بداهة انها ليست بحقيقتها الا عين التجدد والانقضاء والخروج من القوة إلى الفعل، فالموجود المتحقق منها في الخارج
انما هو الحصول في حد معين وهو أمر آني لا قرار له، فهي بهذا الاعتبار عين الوجودات المتعاقبة والحصولات المتدرجة الموافية
للحدود المعينة، لان كل واحد منها كون واقع بين المبدأ والمنتهى وفرد للحركة التوسطية ومرتبة من مراتب وجودها خارجا (ومعه)
كيف يمكن التفكيك بين الحركتين وجعلها بمعنى التوسط من القار الذي يتصور له البقاء الحقيقي (فلا محيص) حينئذ من دفع شبهة
البقاء بما ذكرناه من كفاية الوحدة العرفية الناشئة من كون الوجودات المتعاقبة على نعت الاتصال وعدم تخلل السكون بينها، في صدق
البقاء الحقيقي أو دعوى كفاية كون الوجودات التصرمية على نهج الاتصال في صدق النقض عرفا على رفع اليد عن الامر التدريجي
بالشك في انقطاع سلسلة الوجودات، لا وسعية صدق النقض عرفا من البقاء الحقيقي والمسامحي (وعلى كل) من التقريبين لا فرق بين
الحركة بمعنى القطع أو التوسط (فان) المصحح للاستصحاب حقيقة انما هو الاتصال المزبور الموجب لصدق البقاء الحقيقي أو العرفي، و
هو كما يجدى في الحركة بمعنى التوسط، كذلك يجدى في الحركة بمعنى القطع (وعليه) فلا إشكال في جريان الاستصحاب في نفس
الزمان (وكذا) الكلام فيما يعرضه من العناوين الطارية المنتزعة من مجموع الأزمنة المتعاقبة المحدودة بين الحدين كاليوم والليل و
نحوهما، فإنه بهذا الاعتبار يكون كل آن جز من الليل والنهار فيكون وجود الليل والنهار عرفا بوجود أول جز منهما وبقائهما
بتلاحق بقية الانات المحدودة كونها بين الحدين، فإذا شك في بقائهما يجري فيهما الاستصحاب لاجتماع أركانه من اليقين بالوجود و
الشك في البقاء واتحاد القضيتين، هذا إذا كان الشك في البقاء من جهة الشبهة المصداقية (واما) لو كان الشك فيه من جهة الشبهة
المفهومية، كالشك في أن النهار ينتهى حده إلى آن غروب الشمس أو إلى ذهاب الحمرة المشرقية بعد القطع بغيبوبة الشمس فلا يجري
فيه الاستصحاب، لكونه من استصحاب العنوان الاجمالي الذي لا يكون مثله موضوعا لاثر شرعي، لان ما له الأثر انما هو المحدود بأحد
الحدين، ولا شك فيه في البقاء،
147

لكونه مقطوع البقاء على تقدير ومقطوع الارتفاع على تقدير آخر.
ثم إن ما ذكرناه من جريان الاستصحاب عند الشك في حدوث الزمان أو بقائه من الليل أو النهار أو الشهر ونحوها انما هو إذا كان
الأثر الشرعي مترتبا عليه بنحو مفاد كان أوليس التامة (واما) إذا كان الأثر مترتبا عليه بمفاد كان أوليس الناقصة، ككون الزمان
الحاضر من الليل أو النهار أو من رمضان، ففي جريان الاستصحاب إشكال، ينشأ من أن المتصف بمفاد كان أوليس الناقصة ليس له
حالة سابقة حتى يستصحب، لان الزمان الحاضر الذي شك في ليليته أو نهاريته حدث اما من الليل واما من النهار، فلا يقين باتصافه
بكونه من الليل أو النهار (واستصحاب) بقاء الليل والنهار بمفاد كان التامة لا يثبت نهارية الزمان الحاضر أو ليليته حتى يترتب عليه
اثره الخاص من وقوع متعلق التكليف أو موضوعه في الزمان الذي أخذ كونه ظرفا لامتثاله (ولأجل ذلك يشكل الامر في كلية الموقتات
كالصلوات اليومية والصوم في رمضان ونحوهما، نظرا إلى أن غاية ما يقتضيه استصحاب الليل أو النهار بمفاد كان التامة في مثل تلك
الموقتات انما هو إثبات بقاء التكليف بالموقتات ووجوب الاتيان بها (واما) إثبات وقوعها في الليل أو النهار أو رمضان الذي أخذ
ظرفا لها ليترتب عليه الامتثال والخروج عن العهدة فلا (لان) صدق كون العمل واقعا في الوقت المضروب له شرعا مبني على إثبات
نهارية الزمان الحاضر أو ليليته أو رمضانيته، (وبعد) عدم إثبات الأصل المزبور نهارية الزمان الحاضر أو ليليته، فلا يترتب عليه
الامتثال والخروج عن عهدة التكليف بالموقت (وبذلك) تقل فائدة استصحاب الوقت والزمان، لان الأثر المهم فيه انما هو في
الموقتات.
(ولكن) يمكن دفع الاشكال، (اما شبهة) استصحاب مفاد كان الناقصة فبأن يقال: إن ذوات الانات المتعاقبة كما تكون تدريجية، كذلك
وصف الليلية والنهارية الثابتة لها أيضا تدريجية، تكون حادثة بحدوث الانات وباقية ببقائها، فإذا اتصف بعض هذه الانات بالليلية و
النهارية وشك في اتصاف الزمان الحاضر بالليلية أو النهارية، فكما يجري الاستصحاب في نفس الزمان، ويدفع شبهة الحدوث فيما
كان
148

اسما لمجموع ما بين الحدين، كذلك يجري الاستصحاب في وصف الليلية أو النهارية الثابتة للزمان، لان صدق البقاء في الزمان كما
يكون بتلاحق بقية الانات بالانات السابقة ولحاظ المجموع من جهة كونها على نعت الاتصال وجودا واحدا ممتدا، كذلك بقاء وصف
ليلتها يكون بتلاحق القطعة من الوصف الثابت للزمان الحاضر بقطعات الوصف الثابت للانات السابقة، فلو شك حينئذ في ليلية الزمان
الحاضر، فلا قصور في استصحاب الليلية الثابتة للانات السابقة وجرها إلى زمان الحاضر، لرجوع الشك المزبور بعد اليقين باتصاف
الانات السابقة وجرها إلى زمان الحاضر، لرجوع الشك المزبور بعد اليقين باتصاف الانات السابقة بالليلية أو النهارية إلى الشك في
البقاء لا في الحدوث فيقال: بعد إلغاء خصوصية القطعات ولحاظ مجموع الانات من جهة اتصالها أمرا واحدا مستمرا، ان هذا الزمان
الممتد كان متصفا بالليلية أو النهارية سابقا والآن كما كان، فيثبت بذلك اتصاف الان المشكوك ليليته أو نهاريته بالليلية أو النهارية
(والا) فلو فتحنا باب هذا الاشكال يلزم سد باب الاستصحاب في الزمان في مثل الليل والنهار ولو بمفاد كان التامة، لجريان الاشكال
المزبور فيه أيضا من حيث عدم تصور اليقين بالحدوث في مثل الليل والنهار الذي هو اسم لمجموع ما بين الحدين من حيث المجموع و
كون القطعة الحاضرة من الزمان غير القطعة الموجودة سابقا، (وكما يصح) استصحاب الليل والنهار بمفاد كان التامة، وتدفع شبهة
عدم اليقين بالحدوث، بكفاية اليقين بوجود أول جز من الليل عرفا في إحراز وجود الليل، كذلك يصح استصحاب اتصاف الزمان
الشخصي الممتد إلى زمان الحاضر بالليلية أو النهارية.
واما شبهة المثبتية في استصحاب الزمان بمفاد كان التامة في الموقتات، فتندفع أيضا بما سيتضح لك من بيان كيفية أخذ الزمان في
أدلة الموقتات (فنقول): ان صور أخذ الزمان في أدلة الموقتات بنحو القيدية أو المقارنة والمعية أربعة، لأنه اما ان يكون راجعا إلى الهيئة
والوجوب بناء على ما حققناه في محله من إمكانه (واما) ان يكون راجعا إلى المادة (وكل) منهما باعتبار القيدية أو الظرفية، أو
المقارنة والمعية ينقسم إلى قسمين، فتكون الصور أربعة (وبعد ذلك) نقول: اما ما كان راجعا بحسب ظاهر الدليل إلى الهيئة والوجوب
بنحو القيدية أو المقارنة والمعية، فلا شبهة
149

في صحة استصحابه عند الشك في بقائه وانه يترتب عليه الوجوب بلا كونه مرتبطا بباب المثبت، لأنه من قبيل استصحاب الموضوع و
إثبات الحكم الفعلي به.
واما ما كان راجعا إلى الموضوع والمادة، فإن كان على نحو المقارنة والمعية، كما لعله الظاهر في أكثر أدلة التوقيت في الموقتات،
من نحو قوله عليه السلام: إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة، وقوله سبحانه أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل، حيث كان
المستفاد منها مجرد لزوم وقوع المأمور به صلاة أو صوما عند تحقق أوقاتها، بلا اقتضائها لكون الوقوع في الوقت المضروب لها
شرطا شرعيا، فلا إشكال في جريان الاستصحاب، فإنه باستصحاب بقاء الليل أو النهار أو رمضان يترتب وجوب الاتيان بالصوم أو
الصلاة، ويترتب عليه تحقق الامتثال والخروج عن عهدة التكليف عقلا بإتيان المأمور به في الوقت المستصحب، لكونه من اللوازم
العقلية المترتبة على الأعم من الواقع والظاهر، وان لم يتحقق معنى الظرفية والقيدية ولا يصدق على المأتي به عنوان وقوعه في الزمان
الذي كان من الليل أو النهار أو رمضان (إذ لا يحتاج) إلى إثبات هذا العنوان بعد عدم أخذ عنوان الظرفية قيدا لموضوع التكليف شرعا.
واما إذا كان الزمان مأخوذا في المأمور به على نحو القيدية أو الظرفية بحيث اعتبر عنوان وقوع الفعل في الوقت المضروب شرطا
شرعيا وفيمكن تصحيحه أيضا بما بيناه من صحة استصحاب الليلية والنهارية للانات التدريجية (إذ حينئذ) يصدق وقوع الفعل في
الزمان كان ذلك الزمان ليلا أو نهارا، فإنه لا نعنى من القيدية المزبورة الا إضافة الفعل إلى زمان متصف بالليلية أو النهارية، فوقوع
أصل الفعل في زمان كان محرزا بالوجدان واتصاف ذلك الزمان بالليلية أو النهارية كان محرزا بالأصل فيترتب عليه الامتثال و
الخروج عن عهدة التكليف (ويمكن) إجراء الاستصحاب أيضا في نفس العمل المظروف أو المقيد، بتقريب ان هذا العمل الشخصي لو أتى
به سابقا قبل الان المشكوك ليليته أو نهاريته لوقع متصفا بعنوان كذا والآن كما كان،
150

وهذا التقريب أولى مما أفاده في الكفاية من استصحاب بقاء الامساك النهاري قبل ذلك على حاله في الان المشكوك، وذلك، لما يرد
عليه من أنه يتم بالنسبة إلى ما يترتب على بقاء الامساك النهاري بمفاد كان التامة، لا بالنسبة إلى ما يترتب على كون شخص الامساك
الموجود إمساكا نهاريا بمفاد كان الناقصة، ولعله إلى ذلك أشار بقوله فتأمل.
(المقام الثاني) في استصحاب الزمانيات
المتدرجة المبنية على التقضي والتصرم، كالحركة والتكلم وجريان الماء وسيلان الدم ونحوها (وملخص) الكلام فيها هو ان الشك
في بقاء الزماني التدريجي (تارة) يكون لأجل الشك في انتهاء حركته وبلوغه إلى المنتهى أو بقائه بعد على صفة الجريان (وأخرى)
يكون لأجل الشك في طرو ما يمنع عن حركته وجريانه مع القطع باستعداده للبقاء، كما لو شك في بقاء التكلم لأجل احتمال طرو
صارف عن الداعي الذي اقتضى التكلم، وكما لو شك في جريان الماء وسيلان الدم من عروق الأرض وباطن الرحم لاحتمال وجود ما
يمنع عن ذلك (وثالثة) يكون لأجل الشك في كمية المبدأ ومقدار استعداده، كما لو شك في مقدار استعداد عروق الأرض وباطن الرحم
لجريان الماء وسيلان الدم (ورابعة) لأجل احتمال قيام مبدأ آخر مقام المبدأ الأول مع العلم بارتفاعه، كما لو شك في بقاء التكلم من
جهة احتمال انقداح داع آخر للمتكلم يقتضى التكلم بعد القطع بارتفاع الداعي الأول، وكما لو شك في جريان الماء لاحتمال قيام منبع
آخر مقام المنبع الأول الذي علم بنفاد مائه (وهذا) يتصور على وجهين (فان) المبدأ الاخر الذي احتمل قيامه مقام المبدأ الأول (تارة)
على نحو يوجب تغييرا في عنوان المستصحب أو في
151

المقومة لفرديته عرفا، بحيث يعد معه الموجود اللاحق فردا مغايرا مع الموجود السابق نظير تغيير عنوان التكلم من مثل القرآن إلى
الأدعية، أو الخطبة أو الزيارة أو تغييره من فرد إلى فرد آخر (وأخرى) على نحو لا يوجب ذلك، نظير تبدل أعمدة الخيمة غير الموجب
لتغيير في هيئتها، كما في تبدل عرق الأرض الجاري منه الماء إلى عرق آخر غير موجب لتغيير في الماء وجريانه (فهذه) صور خمسة
للشك في بقاء الامر الزماني التدريجي.
(ولا ينبغي) الاشكال في جريان الاستصحاب في الصورة الأولى والثانية (واما الصورة) الثالثة، فجريان الاستصحاب فيها أيضا مما لا
غبار فيه، لولا شبهة كونه من الشك في المقتضى، وهي أيضا مندفعة بما حققناه في بعض المباحث المتقدمة من عموم حجية الاستصحاب
حتى في مورد الشك في المقتضى (واما الصورة) الرابعة، ففي الوجه الأول منها لا يجري الاستصحاب، لكونه من استصحاب الوجه الثاني
من القسم الثالث من أقسام الكلي الذي عرفت عدم جريان الاستصحاب فيه (واما الوجه) الثاني منها، فلا قصور في جريان الاستصحاب
فيه، لكونه مما تم فيه أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق واتحاد متعلق الوصفين، نظير استصحاب بقاء هيئة الخيمة عند الشك في
قيام عمود آخر مقام العمود الأول المنتفي قطعا (ولعل) من هذا القبيل استصحاب بقاء جريان الماء وسيلان الدم عند الشك في قيام
مبدأ آخر مقام المبدأ الأول الذي علم بارتفاعه، فان مجرد اختلاف المبادئ لا يمنع عن جريان الاستصحاب فيها ما لم يوجب اختلافها
تغييرا في عنوان المستصحب عرفا أو في الخصوصية المقومة له بنحو يعد الموجود اللاحق مغايرا مع الموجود السابق عرفا (وكذا)
الحال في مثل التكلم والقرأة في بعض أفرادهما فلا يمنع عن جريان الاستصحاب فيها مجرد تعدد الدواعي (وحينئذ) فلا وجه لما في
التقرير عن بعض الأعاظم قده من إطلاق القول بالمنع عن جريان الاستصحاب في الصورة الرابعة
152

وإدراجها بقول مطلق في استصحاب الوجه الثاني من القسم الثالث من أقسام الكلي، بل لا بد من التفصيل حسب ما أشرنا إليه بين ما
يكون اختلافه من قبيل اختلاف عمود الخيمة بالنسبة إلى هيئتها المخصوصة غير الموجب لتغيير فيها، وبين ما يكون موجبا لتغيير في
المستصحب اما في عنوانه أو في خصوصيته المقومة لفرديته على نحو يعد الموجود اللاحق عرفا فردا آخرا مغايرا للموجود السابق،
كتغيير عنوان التكلم من القرآن إلى الخطبة أو الزيارة أو تغيير الخطبة إلى فرد آخر مغاير للفرد الأول عرفا، بتخصيص المنع عن
الاستصحاب بالثاني دون الأول (وحيث) انه يختلف ذلك باختلاف الموارد حتى في مثل التكلم وجريان الماء وسيلان الدم، فلا بد في
تجويز الاستصحاب أو المنع عنه من ملاحظة خصوصيات الموارد (والضابط) في ذلك هو بقاء الوحدة العرفية بين القضيتين وعدم
بقائها كذلك، فكل مورد اقتضى تعدد المبدأ أو الداعي اختلافا في المستصحب على وجه لا يصدق عليه البقاء عرفا لا يجري فيه
الاستصحاب، وكل مورد لا يقتضي تعددهما اختلافا فيه ولا تشكيكا في صدق البقاء عرفا على الموجود السابق يجري فيه الاستصحاب.
(المقام الثالث) في استصحاب الأمور المقيدة بالزمان
كما لو وجب الجلوس إلى الزوال مثلا، فشك في وجوبه بعد الزوال (وقد وقع) فيه الخلاف بين الاعلام (وتحقيق) الكلام في المقام ان
يقال: إن الشك في ثبوت الحكم الشرعي في المقيدات بالزمان، تارة يكون من جهة الشك في بقاء القيد، كالشك في بقاء الليل أو النهار
(وأخرى) يكون من غير تلك الجهة مع القطع بانتفائه كما في نحو المثال فيما لو شك في بقاء الوجوب لاحتمال كون القيد من علل
حدوثه وقيام علة أخرى تقتضي بقائه، أو احتمال كون الواجب بنحو تعدد المطلوب (وعلى الأول) فالشك في بقاء القيد (تارة) يكون من
جهة الشبهة المصداقية (وأخرى) من جهة الشبهة المفهومية مع القطع ببقائه بمعنى، وزواله بمعنى آخر، كالشك في أن النهار ينتهي
بغياب القرص أو بذهاب الحمرة المشرقية (وثالثة) من جهة الشك في أخذ أي واحد من القيدين المبينين مفهوما (وعلى التقادير) اما ان
يكون الزمان في ظاهر الدليل
153

مأخوذا ظرفا أو قيدا مقوما لنفس الحكم، واما ان يكون مأخوذا في الموضوع كذلك، فهذه شقوق متصورة للشك في بقاء الحكم الشرعي
في المقيدات بالزمان.
وبعد ذلك نقول، انه لو كان الشك في بقاء الحكم الشرعي من جهة الشك في بقاء القيد المبين مفهوما، فلا شبهة في أنه يجري
الاستصحاب في نفس القيد الذي هو الزمان الخاص، كالنهار الذي قيد به الصوم، فيترتب عليه وجوب الامساك وعدم جواز الافطار، من
غير فرق بين ان يكون الزمان مأخوذا ظرفا أو قيدا مقوما، لنفس الحكم، أو لموضوعه كذلك، فإنه باستصحابه يثبت المقيد، فيترتب
عليه حكمه، كما أنه يجري الاستصحاب في نفس المقيد، هذا إذا كان الأثر الشرعي لوجود القيد أو المقيد بمفاد كان التامة (واما) لو كان
الأثر لوجوده بمفاد كان الناقصة، ففيه الاشكال السابق من عدم إحراز الحالة السابقة لهذا المعنى وعدم اقتضاء الأصل في الوقت
المستصحب أو المقيد بمفاد كان التامة لاثبات نهارية الزمان الحاضر أو رمضانيته، ويأتي فيه أيضا ما دفعنا به الاشكال المزبور على
كل من تقريبي الاستصحاب بمفاد كان التامة والناقصة فراجع (واما) إذا كان الشك في الحكم الشرعي ناشئا من الشك في القيد من
جهة الشبهة المفهومية، كتردد النهار بين كونه منتهيا إلى غياب القرص، أو إلى ذهاب الحمرة المشرقية، كما لو شك في وجوب الامساك
في النهار بعد غياب القرص، فلا يجري الاستصحاب لا في القيد ولا في المقيد، فإنه بالنسبة إلى ما تم فيه أركانه وهو العنوان الاجمالي
المأخوذ في موضوع الحكم، لا يكون موردا للأثر الشرعي حتى يستصحب، وبالنسبة إلى ما هو المورد للأثر الشرعي يكون من قبيل
استصحاب الفرد المردد الذي تقدم في طي استصحاب الكلي المنع عن جريان الاستصحاب في أمثاله (ومثله) الكلام فيما لو كان الشك
في بقاء الحكم من جهة الشبهة الحكمية في أخذ أحد المعنيين المبينين مفهوما قيدا لموضوع الحكم، ففيه أيضا لا يجري الاستصحاب لا في
القيد ولا في المقيد، لعدم تصور الشك في البقاء فيما هو موضوع الأثر بعد تردد القيد بين الزائل والباقي، فينتهى الامر حينئذ إلى
استصحاب نفس الحكم الشرعي، ولا بأس بجريان الاستصحاب
154

فيه بناء على فهم العرف ظرفية القيد لا مقوميته لموضوعه، والا فلا يجري فيه الاستصحاب لرجوع الشك في أخذ أحد القيدين المردد
بين الزائل والباقي إلى الشك في بقاء موضوع التكليف (هذا كله) إذا كان الشك في بقاء الحكم الشرعي ناشئا من الشك في بقاء القيد من
جهة الشبهة الموضوعية أو الشبهة المفهومية في القيد أو الشبهة الحكمية في أخذ أحد المعنيين قيدا للتكليف أو لموضوعه
(واما) إذا كان الشك فيه ناشئا من جهة أخرى،
بان كان الحكم مبهما من حيث الأمد بحيث يحتمل بقائه بعد انقضاء الزمان الخاص (فإن كان) الزمان مأخوذا في ظاهر الدليل على وجه
الظرفية أو القيدية للحكم الشرعي، كقوله: يجب الجلوس في المسجد في النهار، يجري فيه استصحاب الوجود، دون العدم (اما) جريان
استصحاب الوجود، فعلى الظرفية ظاهر، وكذلك على القيدية لاجتماع أركانه فيه (فان) شخص الحكم الخاص الثابت لموضوع كذلك
مما علم بثبوته سابقا فشك في بقائه بعد انقضاء النهار، لاحتمال كون القيد الخاص من علل حدوثه وقيام علة أخرى تقتضي بقائه في
الليل، أو لاحتمال قيديته لبعض مراتبه، لا لاصله حتى ينتفي بزواله (وتوهم) انه على القيدية يكون الوجوب المجعول وجوبا موقتا ولا
يعقل بقائه بشخصه بعد ارتفاع قيده، وانما المعقول هو ثبوت شخص وجوب آخر مقارنا لارتفاع الوجوب الموقت، ومعه يكون
الاستصحاب المزبور من استصحاب الوجه الثاني من القسم الثالث من أقسام الكلي الذي تقدم المنع عن استصحاب الوجه الثاني من
القسم الثالث من أقسام الكلي الذي تقدم المنع عن جريانه (مدفوع) بأنه كذلك إذا كان الحكم الثابت في الوقت محدودا ومبينا بالتفصيل
بداية ونهاية، ولكنه خارج عن مفروض البحث بينهم (إذ على ذلك) لا يتصور الشك في بقاء الحكم المجعول حتى يتأتى فيه النزاع بينهم
في استصحابه حتى على فرض ظرفية الزمان للحكم المجعول (فلا بد) حينئذ من فرض البحث بينهم في مورد يكون الحكم والتكليف
مبهما من جهة الأمد بحيث يحتمل بقائه بعد ارتفاع قيده بأحد الوجهين المتقدمين، وفي هذا الفرض لا قصور في استصحابه على كل من
الظرفية والقيدية، فان قيدية الزمان ليس الا كسائر القيود المأخوذة في طي الخطاب للحكم أو لموضوعه، فيجري فيه استصحاب
الشخص والكلي القسم الأول (واما عدم
155

جريان) استصحاب العدم فيه، فللعلم الوجداني بانتقاض العدم الأزلي المطلق بصرف الوجود وانقلابه بالنقيض (واما توهم) لزوم كون
القيود الراجعة إلى الحكم في ظاهر الدليل قيودا للموضوع، اما لما أفاده الشيخ قدس سره من أن معنى الهيئة معنى حرفي وهو لجزئيته
غير قابل للاطلاق والتقييد، واما لما أفاده في الكفاية من أن ما يكون قيدا للحكم لا بد من كونه قيدا للموضوع أيضا، لاستحالة أوسعية
دائرة الموضوع من دائرة حكمه، ومع تقييده به يتعدد الموضوع لا محالة، فيمتنع استصحاب الوجود لكونه من إسراء حكم ثابت
لموضوع خاص إلى موضوع آخر، ومع امتناع استصحابه يتعين كونه مجرى لاستصحاب العدم (فمدفوع) اما التقريب الأول، فبما
حققناه في محله من أن تقييد الهيئة بمكان من الامكان، لعموم المعنى والموضوع له في الحروف والهيئات (واما التقريب) الثاني فبمنع
اقتضاء تقييد الحكم والهيئة تقييد الموضوع والمادة، بل هو من المستحيل لاستحالة قيدية شئ لكل من الهيئة والمادة، لما يلزمه من
لزوم كون الشئ الواحد في مرتبتين (فان) لازم قيدية شئ للموضوع هو ان يكون ملحوظا في المرتبة السابقة على الحكم المتعلق به
للزوم تأخر كل حكم عن موضوعه ومتعلقه بماله من القيود كما هو الشأن في كل عرض بالنسبة إلى معروضه (ولازم) قيديته لنفس
الحكم كونه ملحوظا في رتبة متأخرة، فيلزم من قيدية الشئ لكل من الحكم والموضوع ان يكون ملحوظا في مرتبتين، وهذا مما لا
خفاء في بطلانه واستحالته (نعم) قضية لزوم تطابق دائرة الحكم والموضوع في مفروض البحث هو عدم إطلاق موضوع الحكم و
لزوم اختصاصه بحصة من الذات التوأمة مع وجود القيد، ولكن ذلك غير تقييده به كما هو ظاهر (وعليه) فلا قصور في استصحاب
الحكم الثابت لتلك الذات إلى ما بعد القيد لاتحاد موضوع القضيتين ولو على النظر الدقي العقلي فضلا عن العرفي التسامحي، فيقال: انه
كان على يقين بحكم الذات في الوقت فشك في بقاء حكمه بعده من جهة احتمال كون الوقت المحدود من علل حدوث الحكم، أو احتمال
كونه قيدا لبعض مراتبه لا قيدا لاصله، ولا ينقض اليقين بالشك، هذا إذا كان الزمان في ظاهر الدليل مأخوذا في الحكم على وجه الظرفية
أو القيدية.
156

واما إذا كان مأخوذا في الموضوع، فإن كان على وجه الظرفية، فاما ان يكون المطلوب صرف وجود الطبيعي الذي لا تعدد فيه ولا
تكثر ولو بالتعمل والتحليل، أو يكون هو الطبيعة السارية في ضمن كل فرد التي لازمها انحلال الحكم المتعلق بها إلى أحكام متعددة و
اختصاص كل فرد بحكم شخصي مستقل غير مرتبط بالآخر في مقام الإطاعة والمعصية، ومرحلة المثوبة والعقوبة (فعلى الأول) لا
يجري فيه الا استصحاب الوجود، دون العدم للقطع بانتقاض العدم الأزلي بصرف الوجود (وعلى الثاني) يجري فيه كلا الاستصحابين
استصحاب الوجود، والعدم (اما) استصحاب الوجود فباعتبار ذلك الحكم المنشأ والمجعول الحقيقي الذي من شأنه الانحلال إلى أحكام
متعددة حسب تعدد افراد الموضوع بتعدد الانات والأزمنة، حيث إنه من جهة إهمال أمد ذلك الحكم المنشأ الذي من شأنه الانحلال و
قابليته للزيادة والشمول للافراد الحادثة بعد الوقت يشك في بقائه، فيجري فيه الاستصحاب واما جريان استصحاب العدم فباعتبار
اشخاص حصص الحكم المختصة بالافراد الحادثة بعد الوقت المضروب، حيث إن كل واحد منها تبعا لموضوعاتها المقدرة وجودها كان
مسبوقا بالعدم الأزلي، وبعد وجود موضوعاتها يشك في انقلابه إلى الوجود فيستصحب، فيقع التعارض بين الاستصحابين كما ذهب
إليه النراقي قدس سره فيما حكى عنه (وعلى هذا) التقريب لا يتوجه إشكال لزوم الجمع بين النظرين المختلفين مع وحدة الملحوظ، إذ
على ما ذكرنا يكون الملحوظ أيضا متعددا كاللحاظ، أحدهما انقلاب عدم الحكم في الجملة إلى الوجود، وثانيهما عدم معلومية انقلابه
بالوجود مطلقا حتى بالنسبة إلى الافراد الحادثة بعد انقضاء الوقت (هذا) إذا كان الزمان مأخوذا في الموضوع على وجه الظرفية (واما
إذا كان) مأخوذا فيه على وجه القيدية والمفردية بنحو يقتضي تعدد الموضوع بحسب الوقت وخارجه، فلا مجال فيه لاستصحاب الحكم
وإثباته لذات الموضوع بعد انقضاء الوقت، لمباينة الموضوع مع عدم القيد للموضوع المقيد، فلا يكون إثبات الحكم له حينئذ إبقاء
للحكم الأول الثابت للمقيد، لأنه مما قطع بارتفاع موضوعه المقيد بزوال قيده، بل إحداثا له في موضوع آخر
157

(الا ان يقال): ان كون الزمان قيدا مقوما للموضوع انما هو بحسب لسان الدليل والنظر العقلي (واما) بالنظر العرفي المسامحي يكون
من حالات الموضوع لا من مقوماته، فيمكن حينئذ استصحابه (أو يقال): انه من المحتمل ان يكون ثبوت الحكم للذات المتقيدة بالزمان من
باب تعدد المطلوب بان يكون لذات الامساك مثلا مطلقا مصلحة ملزمة تقتضي مطلوبيته، ولخصوصية كونه في النهار مصلحة أخرى
ملزمة غير المصلحة القائمة بذات الامساك، فتنبعث من هاتين المصلحتين إرادة قوية نحو المقيد بالنهار وبعد ارتفاع الخصوصية تبقى
المصلحة الأولى بحالها فتقتضي مطولبية ذات الامساك، فإنه مع هذا الاحتمال لا يقين بارتفاع أصل الحكم الثابت للمقيد بزوال قيده، بل
يحتمل بقاء مرتبة من الحكم الأول المتعلق بنفس الذات حتى مع اليقين بزوال القيد، غاية الأمر يتبدل حده من الضمني إلى الاستقلالي، و
ذلك أيضا بضميمة فهم العرف عدم المغايرة بين الذات في الوقت وخارجه الا بصرف الوجدان للقيد والفقدان له، وبذلك يجري فيه
استصحاب الوجود لتمامية أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق ووحدة القضيتين فتأمل (واما) استصحاب العدم فيجري فيه بلا
كلام، لان مرجع أخذ الزمان قيدا مفردا للموضوع بعد إن كان إلى تعدد الموضوع وكون الوجوب الثابت للذات مع القيد غير الوجوب
الثابت للذات مع عدم القيد، فلا محاله مهما يشك في ثبوته للفرد الفاقد للقيد، يجري فيه استصحاب العدم لليقين بالعدم سابقا والشك
في البقاء لاحقا، لان ما علم بانتقاضه بالوجود انما هو عدم شخص الحكم المختص بالموضوع المقيد، لا عدم طبيعي الحكم الجامع بينه و
بين غيره كما هو ظاهر (ولكن) الذي يظهر من بعض الأعاظم قدس سره على ما في التقرير المناقشة في الاستصحاب المزبور، (فأورد
عليه) بما ملخصه ان الحكم الثابت للشئ على نحو القضية الحقيقية ينحل إلى أحكام تقديرية ثابتة لموضوعات مقدرة الوجود دائرة
مدارها في الفعلية والشأنية، فإذا كان وجود الحكم الثابت للمقيد تبعا لموضوعه مقيدا بقيد خاص من الزمان أو الزماني، فلا بد من أن
يكون عدمه أيضا مقيدا بذلك القيد، لان نقيض الوجود المقيد بشي هو العدم المقيد بذلك الشئ لا العدم المطلق، فنقيض
158

الوجود المقيد كالوجود المقيد يكون متقوما بوجود القيد، ثم استنتج من ذلك في المقام بأنه إذ أوجب الجلوس في المسجد إلى الزوال
على نحو كان الزوال قيدا للحكم أو الموضوع، فشك في وجوبه بعد الزوال فوجوب الجلوس بعد الزوال حسب مفردية الزمان وإن كان
من الحوادث المسبوقة بالعدم، ولكن عدمه المسبوق به لا يكون هو العدم الأزلي المطلق، لأنه مما انتقض بالوجود قطعا بوجوب
الجلوس قبل الزوال، وانما هو العدم الخاص والمقيد ببعد الزوال، وهذا العدم الخاص باعتبار كونه كالوجود الخاص مما قوام تحققه
بوجود القيد، فقبل الزوال لا يكون الوجوب المقيد بما بعد الزوال متحققا ولا عدم الوجوب المقيد به متحققا حتى يصح استصحابه الا
بنحو السالبة بانتفاء الموضوع (وبالجملة) العدم المتحقق سابقا انما هو العدم المطلق وهو مع أنه منتقض بالوجود قطعا، لا يكون
نقيضا للوجود المقيد بما بعد الزوال، وانما النقيض هو العدم الخاص الذي موطنه بعد الزوال، وهذا قبل تحقق موطنه لا يكون له تحقق
الا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع فلذلك لا يجري فيه استصحاب الوجود ولا العدم، بل لا بد من الرجوع فيه عند الشك إلى البراءة أو
الاشتغال (ثم قال) نعم لا بأس باستصحاب عدم الجعل بالنسبة إلى هذا الموطن، لأنه لا مانع من انشاء وجوب الجلوس يوم الجمعة من
يوم الخميس، بل انشاء الأحكام الشرعية كلها أزلية، فإذا شك في انشاء وجوب الجلوس يوم الجمعة وجعله أزلا، فالأصل عدم الجعل، لان
كل جعل شرعي مسبوق بالعدم، من غير فرق بين أخذ الزمان قيدا أو ظرفا، غاية الأمر انه على القيدية لوجوب الجلوس لم يعلم انتقاض
عدم الجعل بالنسبة إلى يوم الجمعة أو بعد الزوال، لأنه على القيدية يحتاج وجوب الجلوس يوم الجمعة أو بعد الزوال إلى جعل آخر
مغاير لجعل الوجوب يوم الخميس أو بعد الزوال (وحيث) انه يشك في جعل الوجوب يوم الجمعة أو بعد الزوال، فالأصل عدمه، الا انه لا
أثر لاستصحاب عدم الجعل الا باعتبار ما يلزمه من عدم المجعول، وإثبات عدم المجعول باستصحاب عدم الجعل يكون من أوضح افراد
المثبت انتهى ملخص كلامه (وفيه ما لا يخفى) فان مرجع كون الزمان قيدا للموضوع ومفردا له بعد إن كان إلى تعدد الموضوع بحسب
159

الأزمنة واختصاص كل موضوع بحكم شخصي مستقل غير الحكم المختص بالآخر، فلا جرم يكون المجعول في المقام فردين من
الوجوب الثابت أحدهما للمقيد بما قبل الزوال والاخر للمقيد بما بعد الزوال، غاية الأمر يكون الفرد ان تبعا لتدريجية موضوعهما
المقيدين بالزمان تدريجيين.
وحينئذ فإذا كان الفرد ان من الحوادث المسبوقة بالعدم وكان مرجع الحدوث في كل شئ إلى سبقه بعدم نفسه، لا بعدم الطبيعي
الجامع بنيه وبين غيره ويكون الفرد الثاني أيضا حادثا مسبوقا بعدم نفسه الراجع إلى سبقه بالعدم المضاف إلى المقيد، لا إلى العدم
المقيد بنحو التوصيف، إذ العدم المقيد لا يكون نقيضا للوجود المقيد وانما نقيضه عدم المقيد بالإضافة لا بالتوصيف، والا يلزم ارتفاع
النقيضين بارتفاع القيد وهو كما ترى من المستحيل (وبالجملة) نقول إن مرجع القيد في أمثال هذه القضايا إلى كونه مأخوذا في ذات
الماهية المسبوقة في اللحاظ على طرو الوجود عليها، وان الوجود والعدم كانا طارئين على الماهية المقيدة، لا ان القيد مأخوذ في طرف
الوجود نفسه ليكون النقيض هو العدم المقيد (فلا بد) حينئذ من جعل الوجود والعدم مرسلين عن القيد في مرحلة طروهما على المقيد،
لاستحالة تقييدهما بما هو مأخوذ في معروضهما (غاية الأمر) يكون تقييد المعروض مانعا عن إطلاقهما كما هو الشأن في كل عرض
بالنسبة إلى معروضه، لا انه موجب لتقييدهما (وحينئذ) فإذا كان القيد مأخوذا في ذات الموضوع الملحوظ كونه في الرتبة السابقة على
طرو الوجود عليه وكان الوجود مرسلا من القيد في مرحلة طروه على المقيد، فقهرا يصير النقيض للوجود المزبور هو العدم المضاف
إلى المقيد، لا العدم المقيد بالتوصيف (وحيث) ان هذا العدم المضاف لا يكون الا أزليا، لان ما ليس بأزلي هو العدم المقيد، فلا محالة
يجري فيه الاستصحاب لتحقق أركانه فيه، حيث إن شخص وجوب الجلوس بعد الزوال من الحوادث المسبوقة بعدم نفسه أزلا، فإذا شك
قبل الزوال أو حينه في ثبوته للمقيد ببعد الزوال يجري فيه استصحاب العدم (ولعمري) ان المنشأ كله للمناقشة المزبورة هو تخيل
رجوع القيود في نحو هذه القضايا إلى
160

نفس العدم لا إلى المعدوم، ولأجل ذلك أنكر الاستصحاب في المقام وفي كلية الاعدام الأزلية (والا) فعلى ما ذكرنا من رجوعها إلى
المعدوم، فلا مجال للمناقشة المزبورة كما هو ظاهر، وتنقيح الكلام بأزيد من ذلك موكول إلى محله (واما) ما أفاده من المنع عن
استصحاب عدم الجعل، لعدم ترتب أثر شرعي عليه في نفسه، وعدم إثباته لعدم المجعول ولكون الترتب فيه عقليا لا شرعيا (ففيه) أولا
ان الجعل والمجعول نظير الايجاد والوجود، ليسا الا حقيقة واحدة وان التغاير بينهما انما هو بصرف الاعتبار (وثانيا) على فرض
تغايرهما بحسب الحقيقة نقول: إن شدة التلازم بينهما لما كانت بمثابة لا يرى العرف تفكيكا بينهما حتى في مقام التعبد والتنزيل،
بحيث يرى التعبد بأحدهما تعبدا بالآخر، نظير المتضايفين كالأبوة والبنوة، فلا قصور في استصحابه حيث يكون التعبد بعدمه تعبدا
بعدم المجعول (وحينئذ) فعلى ما ذكرنا من التقريب في صحة استصحاب الوجود أيضا يتوجه إشكال الفاضل النراقي قدس سره من
التعارض بين الأصلين.
(التنبيه الخامس)
قد يطلق على بعض الاستصحابات الاستصحاب التعليقي تارة، والمشروط أخرى، باعتبار كون القضية المستصحبة قضية تعليقية حكم
فيها بوجود الحكم على تقدير أمر آخر كالحكم بحرمة عصير العنبي ونجاسته على تقدير غليانه (وقد وقع) فيه الخلاف بين الاعلام في
جريان الاستصحاب وعدمه (فقيل): بالعدم، لان الاستصحاب فرع الثبوت سابقا ولا ثبوت للمستصحب في القضايا التعليقية قبل وجود
المعلق عليه الا فرضا، فان القضايا الطلبية المتضمنة للأحكام المجعولة انما تكون من سنخ القضايا الحقيقية التي تكون الحكم فيها في
الفعلية والشأنية تابعا لفعلية وجود موضوعه. وشأنيته، فما لم بتحقق الموضوع بقيوده في الخارج لا يكون الحكم الا فرضيا لامتناع
فعلية الحكم والتكليف
161

وجود موضوعه، ففي مثل قوله: العنب يحرم مائه إذا غلى يكون الموضوع للحرمة هو العنب المغلي لرجوع قيود الحكم طرا إلى
الموضوع، فلو شك قبل تحقق الغليان في بقاء الحرمة لأجل تبدل بعض حالات الموضوع لا يجري فيه الاستصحاب، إذ لا ثبوت
للمستصحب سابقا (ولكن) الأقوى خلافه
(وتحقيق) الكلام في المقام يستدعي تقديم أمور:
(الأول)
ان الحكم المستصحب اما ان يكون مطلقا غير معلق على شئ حتى بالنسبة إلى وجود موضوعه بحيث يقتضي وجوب تحصيله مهما أمكن
بماله من القيود المعتبرة فيه ولو بإيجاده وتكوينه في الخارج، نظير الامر بشرب الدواء، واما ان يكون معلقا بشي هو وجود
موضوعه، أو قيوده وحالاته، أوامر خارج عن حدود موضوعه (وعلى الأخير) فالتعليق اما ان يكون واردا في لسان الدليل، كقوله: العنب
يحرم مائه إذا غلى، واما ان يكون منتزعا من كيفية جعل الحكم الشرعي لعنوان مخصوص بنحو التنجيز كقوله: يجب إكرام العالم، حيث إن
العقل ينتزع من مثل هذا الحكم المنشأ قضية تعليقية بأنه لو وجد إنسان وكان عالما لوجب إكرامه ولا يحكم بوجوب تحصيله مقدمة
للاكرام الواجب (ولا فرق) ظاهرا في اعتبار الاستصحاب على القول به في القضايا التعليقية بين القسمين المزبورين، إذ لا وجه
لتخصيص اعتباره بالأول دون الثاني الا توهم ان القضية المستصحبة في مثله ليست شرعية ولا لها أثر شرعي، بل عقلية محضة (ولكنه)
مندفع بما بيناه مرارا من أنه يكفي في شرعية الأثر في باب الاستصحاب مجرد كون الشئ مما أمر رفعه ووضعه بيد الشارع ولو
بالواسطة، فإذا كان منشأ انتزاع هذه القضية العقلية التعليقية قضية شرعية يجري فيها الاستصحاب (وبذلك) قلنا: إن البحث في جعلية
الأحكام الوضعية وانتزاعيتها من التكليف قليل الجدوى في باب الاستصحاب، لأنه على الانتزاعية أيضا يجري فيها الاستصحاب، لكفاية
مجرد انتهائها إلى الشارع وضعا ورفعا في الشرعية المعتبرة في باب الاستصحاب.
الأمر الثاني
قد تكرر منا مرارا الفرق بين القيود الراجعة إلى مفاد الخطاب أعني الحكم والتكليف، وبين القيود الراجعة إلى موضوعه، فان
162

القيدين وان كانا مشتركين في الدخل في مصلحة المتعلق الا انهما مختلفان في كيفية الدخل فيها، (حيث إن) دخل الأول فيها يكون من
قبيل دخل الشئ في أصل الاحتياج إلى الشئ واتصافه بكونه صلاحا، وبذلك يكون من الجهات التعليلية لطرو الحكم على الموضوع،
بخلاف الثاني فان دخله انما يكون في وجود ما هو المتصف بكونه صلاحا ومحتاجا إليه فارغا عن أصل اتصافه بكونه صلاحا (ومن
الواضح) حينئذ انه لو ثبت في مورد قيدية شئ للوجوب الذي هو مفاد الخطاب في الواجبات المشروطة لا يكاد صلوحه للقيدية
لموضوعه، لاستحالة تقييد الموضوع بحكمه أو بما هو من علله وبالعكس (نعم) تقييد الحكم به موجب لضيق قهري في موضوعه واللزوم
تطابق سعة دائرة كل حكم مع موضوعه وامتناع أوسعية أحدهما من الاخر، كما هو الشأن في كل معروض بالنسبة إلى عرضه في
الاعراض الخارجية وغيرها، ولكنه غير تقييده به (وحينئذ) فإرجاع القيود المأخوذة في مفاد الخطاب في القضايا المشروطة إلى
موضوع الخطاب بجعله مركبا من الذات والوصف كما عن بعض منظور فيه، فإنه ناشئ عن الخلط بين نحوي القيد في كيفية الدخل في
مصلحة المتعلق.
الأمر الثالث
قد تقدم في بعض التنبيهات السابقة ان حقيقة الأحكام التكليفية المستفادة من الخطابات الشرعية ليست الا الإرادة التشريعية المبرزة
بأحد مظهراتها من القول أو الفعل، وان عنوان مثل البعث والتحريك والايجاب والوجوب ونحوها من العناوين اعتباريات محضة
منتزعة من مقام إبراز الإرادة، حيث إنه بإبراز المولى إرادة الشئ واشتياقه إليه باخبار أو انشاء من قول أو فعل، ينتزع العقل من
إرادته المبرزة منه عنوان البعث والوجوب واللزوم، كل باعتبار خاص، لا انها هي الأحكام التكليفية المستفادة من الخطابات، ولذا
ترى صحة انتزاع تلك العناوين بمحض وصول إرادة المولى إلى مقام البروز بإنشائه أو اخباره ولو لم يخطر ببال المولى التسبب
بإنشائه إلى تحقق تلك العناوين (وبذلك) قلنا: إن الأحكام التكليفية بحقيقتها التي هي الإرادة التشريعية المظهرة بأحد مظهراتها،
أجنبية بجميع مباديها عن الجعليات المتصورة في باب الأوضاع، لان الحقائق الجعلية عبارة عن أمور اعتبارية التي قوام تحققها في
الوعاء
163

المناسب لها بالانشاء والقصد بحيث كان الانشاء والقصد من قبيل الجز الأخير من العلة التامة لتحققها، نظير الملكية والزوجية و
نحوهما، فان روح الجعل فيها عبارة عن تكوين حقائقها بالانشاء والقصد بحيث لولا قصد التسبب بإنشائها إلى تحققها في الوعاء
المناسب لها لما كان لها تحقق أصلا، فكان الجعل والانشاء فيها واسطة بينها وبين إرادتها (وهذا المعنى) غير متصور في الأحكام التكليفية
، لا بالنسبة إلى نفس الإرادة، لأنها أمر واقعي تدور في تحققها مدار تحقق مباديها من العلم بالمصلحة والعزم والجزم، ولا
بالنسبة إلى حيث إبرازها بإنشاء أو اخبار، لكونها من الأمور المتأصلة الخارجية ومن مقولة الفعل، فلم يبق الامر حلة البعث والتحريك
والوجوب، وقد عرفت ان هذه أمور اعتبارية انتزاعية ينتزعها العقل من مجرد إبراز الإرادة من المولى فلا ترتبط بالحقائق الجعلية
(نعم) لا بأس بدعوى الجعل بمعنى التكوين فيها باعتبار إيجاد ما هو المنشأ القهري لا القصدي للاعتبارات المزبورة أعني الاعلام
بالإرادة وإظهارها خارجا باخبار أو انشاء فعلي أو قولي، فإنه بهذه العناية تكون الأمور المزبورة منسوبة إلى الجعل التكويني و
تابعة لما بيد الشارع وضعه ورفعه وهو الامر الذي عين الانشاء الاختياري والتشريع، ولكن هذا المقدار لا يوجب كونها جعلية
بالمعنى المتصور في الأحكام الوضعية كما هو واضح (وبما ذكرنا) انقدح ان ما اشتهر وانغرس في بعض الأذهان من أن القضايا
الشرعية والاحكام الطلبية من سنخ القضايا الحقيقية التي تكون فرض وجود الموضوع فيها موجبا لفرض محموله، فلا يكون الحكم فيها
فعليا الا في ظرف فعلية موضوعه بقيوده مما لا أصل له ولا أساس.
فان القضايا الحقيقية المصطلحة انما تصح في مثل الأحكام الوضعية المجعولة والاعراض الخارجية التي يكون الخارج فيها ظرفا
للعروض والاتصاف، لا في الأوصاف الوجدانية التي تكون ظرف عروضها هو الذهن وكان الخارج ظرفا لاتصافها محضا، كالإرادة و
الكراهة والحب والبغض والتمني ونحوها، فإنها من جهة قيامها بالوجودات الذهنية لا تحتاج في فعليتها بأي نحو يكون لها من التعلق
إلى وجود متعلقاتها في الخارج، ولذا قلنا كرارا ان معروضات تلك الصفات الوجدانية طرا لا يكون الا الصور
164

الذهنية، غايته بما انها ترى خارجية على وجه لا يلتفت إلى ذهنيتها كما يشهد له موارد تخلف القطع والظن عن الواقع، فالاحكام
التكليفية التي لبها الإرادة المبرزة حينئذ أجنبية عن القضايا الحقيقية المصطلحة حتى فيما كان منها بنحو الإناطة والاشتراط (فان)
مرجع الإناطة والاشتراط فيها بعد قيامها بالملحوظات الذهنية إلى اشتياق فعلى منوط بوجود الشئ في فرض الامر ولحاظه المتحقق
في حال الانشاء في قبال الاشتياق الفعلي المطلق نحو الشئ غير منوط بشي حتى في فرضه ولحاظه (لا إلى) اشتياق تقديري، فالمنوط
به فيها دائما هو الشئ بوجوده الفرضي اللحاظي لا بوجوده العيني الخارجي، كما هو الشأن في إناطة الإرادة بموضوعه، ومع فرض
وجوده في لحاظ الامر يكون المبرز بالخطاب حتى في المشروطات فعليا دائما، غايته كونه منوطا بوجود المنوط به في لحاظ الامر بلا
احتياج في فعليتها إلى وجود المنوط به خارجا (نعم) مرتبة محركية هذه الإرادة وفاعليتها منوطة بالعلم بوجود الموضوع والمنوط به
خارجا، لأنها من تبعات تطبيق العقل عنوان الموضوع والمنوط به على الخارج وبدونه لا يحكم بوجوب الانبعاث (ولكن) ذلك لا يوجب
إناطة أصل التكليف في فعليته بوجوده خارجا (كيف) وهذه المرتبة مرتبة تأثير الخطاب في حكم العقل بلزوم الانبعاث من بعث
المولى، لا مرتبة نفس الخطاب ومضمونه، ولذا ترى إناطة هذه المرتبة بالعلم بالخطاب أيضا، مع وضوح حفظ مضمونه في ظرف
الجهل جزما (والا يلزم) اختصاص مضمون الخطاب بالعالم به وهو كما ترى (نعم) لو بنينا على جعلية الأحكام التكليفية كالاحكام
الوضعية في أبواب العقود أمكن دعوى كونها من سنخ القضايا الحقيقية التي يكون فرض وجود الموضوع فيها موجبا لفرض محموله، و
لكن عرفت كونه بمعزل عن التحقيق (فتلخص) ان المبرز بالخطاب التكليفي الذي هو روح الحكم المتجسم بإبرازه في جميع المقامات
حتى في المشروطات فعلي دائما قائم بالوجودات الحاظية وانه لا يحتاج في فعليته بأي نحو يكون له من التعلق بقيده أو موضوعه إلى
فعلية وجود قيده وموضوعه خارجا. (وحيث اتضح) هذه الأمور (نقول) انه بعد فعلية الإرادة في الخطابات المشروطة
165

لرجوع الإناطة والاشتراط فيها إلى اشتياق فعلي في ظرف لحاظ الشئ خارجيا لا إلى اشتياق تقديري، فلا قصور في جريان
الاستصحاب التعليقي فيها قبل حصول المعلق عليه في الخارج لعموم أدلته الشامل لمثله، غاية الأمر انه لا أثر له الا في ظرف وجود
المنوط به خارجا الذي هو ظرف تطبيق الخطاب وظرف محركيته (ولكن) ذلك لا يمنع عن استصحابه، لان في الاستصحاب لا يحتاج
الا إلى اليقين بوجود المستصحب وما هو مفاد الخطاب سابقا والشك في بقائه لاحقا، فإذا فرضنا ان مفاد الخطاب في المشروطات
حكم فعلي منوط بوجود الشئ في فرض الامر ولحاظه، لا انه حكم فرضي تقديري بفرض وجود المنوط به خارجا فلا محالة يجري فيه
الاستصحاب لتمامية أركانه، من غير فرق بين أن تكون الإناطة والتعليق فيه بوجود موضوعه، أو بأمر خارج عنه، ولا بين ان يكون
التعليق بأمر وجداني بسيط، أو بأمر مقيد أو مركب من أمرين أو غير ذلك، ولا بين ان يكون الحكم المعلق كليا أو جزئيا (فلو علم) حينئذ
بترتب الحرمة والنجاسة على العنب في ظرف غليانه أو على العنب المغلي، فشك بعد تبدله بالزبيب قبل غليانه في بقاء تلك الحرمة و
النجاسة الثابتتين للعنب على تقدير غليانه، يجري فيهما الاستصحاب لا محالة بعد جعل وصف العنبية والزبيبية من حالات الموضوع لا
من مقوماته، سوأ فيه بين أخذ الغليان وصفا للموضوع، كقوله: العنب المغلي يحرم أو ينجس، أو شرطا للحكم كقوله: العنب يحرم و
ينجس إذا غلى، وبذلك ينقدح فساد ما أفيد في المنع عن الاستصحاب المزبور، من أن الحكم المترتب على الموضوع المركب انما يكون
وجوده وتقرره بوجود موضوعه بما له من الاجزاء والقيود، لان نسبة الموضوع إلى الحكم نسبة العلة إلى المعلول، ولا يعقل ان يتقدم
الحكم على موضوعه، والموضوع في مثال العنب يكون مركبا من جزين العنب والغليان لان شرط الحكم يرجع إلى الموضوع ويكون
من قيوده، فقبل فرض غليان العنب لا يمكن فرض وجود الحكم ومع عدم فرض وجود الحكم لا معنى لاستصحابه، لأنه يعتبر في
الاستصحاب الوجودي ان يكون المستصحب شاغلا لصفحة الوجود في الوعاء المناسب له، فبوجود أحد جزئي المركب، لا يترتب عليه
166

الحكم الشرعي ما لم ينظم إليه الجز الاخر، نعم الأثر المترتب على أحد جزئي المركب هو انه لو انضم إليه الجز الاخر لترتب عليه الأثر،
وهذا المعنى مع أنه عقلي، يكون مقطوع البقاء في كل مركب وجد أحد جزئيه فلا معنى لاستصحابه (وجه الفساد) ما عرفت أولا من منع
رجوع شرائط الحكم في القضايا المشروطة إلى كونها قيودا للموضوع بحسب اللب ليكون الموضوع فيها هو الذات المتقيد، وانما هي
من الجهات التعليلية لطرو الحكم على ذات الموضوع (ومجرد) اقتضائها لاخراج الذات عن الاطلاق، غير تقييدها بنفس الحكم أو بما
أنيط به الحكم (بل الموضوع) في نحو هذه القضايا هو الذات المجردة عن القيد، غايته على نحو لا إطلاق لها ولا تقييد.
وثانيا على فرض تسليم رجوع قيود الحكم إلى الموضوع نمنع توقف فعلية الحكم على فعلية وجود موضوعه باجزائه وقيوده (لما
عرفت) من أن حقيقة الحكم وهي الإرادة التشريعية المبرزة بالخطاب، فعلية دائما في الخطابات المشروطة وغيرها، وان مرجع
الإناطة والاشتراط فيها إلى فعلية الإرادة والاشتياق التام في فرض لحاظ الشئ خارجيا قبال الإرادة المطلقة الراجعة إلى الاشتياق إلى
الشئ لا في ظرف وجود شئ آخر في لحاظه (لا ان) مرجع الإناطة فيها إلى اشتياق تقديري بفرض وجود المنوط به خارجا (نعم)
مرتبة محركية مثل هذه الإرادة منوطة بوجود المنوط به خارجا كإناطتها بالعلم به أيضا، ولكنه غير مرتبة فعلية أصل الإرادة (نعم) ما
أفيد من عدم فعلية الحكم الا في فرض فعلية موضوعه انما يتم في فرض مجعولية الأحكام التكليفية كما هو المعروف مع البناء على أن
حقيقة الحكم التكليفي عبارة عن نفس البعث والايجاب، لا الإرادة التشريعية المبرزة بالخطاب، فإنه على هذا المبنى، أمكن دعوى كون
المجعول في باب التكاليف من سنخ القضايا الحقيقية التي يتبع المجعول فيها وجود موضوعه بقيوده في الفعلية والفرضية، وهذا أيضا
لولا دعوى كون المجعول حينئذ على وفق الإرادة في كونه فعليا منوطا بفرض وجود القيد في لحاظه (وبالجملة) فعلى، هذا المبنى يتجه
الاشكال في استصحاب الحكم التعليقي قبل وجود المعلق عليه خارجا، بناء على اعتبار لزوم كون المستصحب فعليا شاغلا لصفحة
الوجود
167

خارجا، إذ حينئذ لا فعلية للحكم المستصحب في نحو المثال قبل تحقق الغليان حتى يمكن استصحابه (ولكن) على ذلك يلزم المنع عن
الاستصحاب في الاحكام الكلية أيضا قبل وجود موضوعاتها فيما لو شك فيها لأجل احتمال نسخ أو تغيير بعض حالات الموضوع (إذ
بعد) اعتبار كون المستصحب شاغلا لصفحة الوجود خارجا (لا فرق) في المنع عن الاستصحاب، بين الاحكام الكلية، والجزئية مع أن
المستشكل المزبور ملتزم بجريانه في الاحكام الكلية قبل وجود موضوعاتها (فإذا التزم) فيها بكفاية فرضية وجود الحكم في صحة
استصحاب الحكم الكلي، يلزمه الاكتفاء به في استصحاب الحكم الجزئي (وبالجملة) احتياج الاستصحاب في جريانه إلى وجود الموضوع
خارجا بما له من الاجزاء والقيود يستلزم المنع عنه حتى في الاحكام الكلية قبل تحقق موضوعاتها سوأ كان الشك فيها من جهة الشك
في النسخ أو من جهة أخرى (كما) ان الاكتفاء بصرف فرضية وجود الموضوع في استصحاب الحكم الكلي، يستلزم الاكتفاء به في
استصحاب الحكم الجزئي أيضا (إذ لا فرق) في فرضية الحكم بفرضية وجود موضوعه، بين فرضية تمام موضوعه باجزائه وشروطه، و
بين فرضية بعضه (فعلى) كل تقدير لا وجه للتفصيل المزبور، بل لا محيص اما من المنع عن استصحاب الحكم التعليقي قبل تحقق
الموضوع والمعلق عليه مطلقا حتى في الحكم الكلي، واما من الالتزام بجريانه مطلقا حتى في الحكم الجزئي بناء على الاكتفاء في جريانه
بصرف وجوده فرضا في زمان يقينه، هذا (مع) إمكان إجراء الاستصحاب حينئذ في نفس القضية التعليقية والحرمة أو النجاسة
التقديرية الثابتة للعنب قبل الغليان، فإنه يصدق عليه قبل الغليان انه يحرم أو ينجس على تقدير غليانه وبعد صيرورته زبيبا يشك في
بقاء تلك القضية التعليقية بحالها فيستصحب إذ لا قصور في أدلته للشمول لمثل الفرض (ودعوى) انها ليست بشرعية لأنها عبارة عن
الملازمة بين وجود الشئ ووجود الحكم فهي اعتبار عقلي منتزع من جعل الشارع وإنشائه الحرمة والنجاسة على العنب المغلي، و
دليل الاستصحاب غير ناظر إلى مثله، مضافا إلى أن الملازمة انما هي بين الحكم وتمام الموضوع، ولا يعقل الشك في بقائها الا من جهة
الشك في نسخ الملازمة، فيرجع إلى استصحاب عدم النسخ الذي لا إشكال فيه، وهو غير الاستصحاب التعليقي
168

(مدفوع) بما ذكرنا مرارا من أنه يكفي في الشرعية في باب الاستصحاب مجرد كون المستصحب مما أمر رفعه ووضعه بيد الشارع و
لو بتوسيط منشئه، فإذا كانت القضية التعليقية والملازمة المزبورة منتهية إلى كيفية إرادة الشارع وجعله على نحو خاص، بحيث لولا
الجعل الشرعي لما يعتبر العقل تلك الملازمة، فلا محالة يجري فيها الاستصحاب والتعبد بعدم نقض اليقين بالشك بعد انتهائه إلى الأثر
العملي، كما في السببية في الأمور الجعلية حسب ما شرحناه سابقا خصوصا على المبنى المختار في لا تنقض من كونه ناظرا إلى نفس
اليقين بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال حتى في الأحكام المجعولة، لا إلى المتيقن ولو بتوسيط اليقين بنحو جعل المماثل، أو الامر
بالمعاملة مع المتيقن معاملة الواقع (وعليه) فلا يحتاج في إجراء الاستصحاب في نحو هذه التعليقيات وشرعيتها إلى إتعاب النفس
لاثبات ان لها مرتبة من الوجود كي يورد عليه بأنها كالملازمات الواقعية بين الشيئين ليست من الموجودات الخارجية وانما هي
اعتبارات عقلية منتزعة من مجرد امتناع انفكاك أحد الشيئين عن الاخر (نعم) ما لا يكون جعليا انما هي الملازمة والسببية في الأمور
الواقعية التكوينية التي لا يكون لها مساس بالجعل الشرعي ولو بالواسطة، لا مثل هذه التعليقيات التي عرفت انتهائها بالآخرة إلى
الجعل الشرعي، كما هو ظاهر (واما شبهة) عدم تصور الشك في بقاء الملازمة الا من جهة الشك في النسخ وبدونه يقطع ببقائها لكونها
كالصحة التأهلية لجز المركب (فمدفوع بان المقطوع انما هو الحكم الثابت للذات في حال العنبية لا مطلقا حتى في حال الزبيبية، إذ هو
في هذا الحال مشكوك لا مقطوع، والمستصحب هو هذا الحكم الضمني الفرضي الثابت للذات في حال العنبية وبقائه مشكوك لا مقطوع.
ثم إنه أورد على الاستصحاب المزبور بوجهين آخرين
(أحدهما)
من جهة تغاير الموضوع في القضيتين، بدعوى ان الموضوع للحرمة والنجاسة المعلقة بالغليان في القضية المتيقنة انما هو ماء العنب وقد
انعدم بصيرورته زبيبا، وفي القضية المشكوكة هو الجرم الخاص وليس هو موضوعا للحرمة والنجاسة (والثاني). بمعارضة
الاستصحاب المزبور مع استصحاب الطهارة والحلية الثابتة قبل الغليان، فان
169

الاستصحاب التعليقي كما يقتضى حرمة الزبيب ونجاسته بعد الغليان كذلك الاستصحاب التنجيزي للطهارة والحلية الفعلية يقتضى
حليته وطهارته بعد الغليان وحيث إن الشك في أحد الاستصحابين لا يكون مسببا عن الاخر يسقط الاستصحابان فيرجع فيه إلى قاعدة
الحلية والطهارة (ولكن) الأول مندفع بفهم العرف كون الموضوع للحرمة والنجاسة هو الجسم الخاص وان وصف العنبية والزبيبية
من حالات الموضوع لا من مقوماته.
واما الثاني
ففيه ان المعارضة انما تتم إذا كان المستفاد من دليل الغليان مجرد سببيته للحرمة والنجاسة المشروطة بلا غائيته للطهارة والحلية
الثابتتين للعنب قبل الغليان بحيث يكون ارتفاع الحلية والطهارة الثابتة قبل الغليان عند فعلية الحرمة أو النجاسة المشروطة بالغليان
بمناط المضادة (واما) إذا كان المستفاد من دليل الغليان علاوة عن شرطية الغليان وسببيته للحرمة والنجاسة، كونه غاية أيضا شرعا
للحكم المضاد أعني الحلية والطهارة الفعلية الثابتتين للعنب قبل الغليان، (فلا مجال) لتوهم المعارضة بين الاستصحابين، نظرا إلى
حكومة الاستصحاب التعليقي حينئذ على الاستصحاب التنجيزي للحلية والطهارة، فإنه بعد ان يكون الحلية والطهارة مغياة شرعا بعدم
طرو الغليان الذي هو سبب النجاسة والحرمة، فلا جرم بالاستصحاب التعليقي يرتفع الشك في الحلية والطهارة ولا يبقى معه المجال
لاستصحابهما أصلا (ففي الحقيقة) مرجع استصحاب الحرمة والنجاسة المشروطة إلى استصحاب بقاء الشرطية للحرمة والنجاسة و
لعدم الحكم الاخر المضاد لهما المعبر عنه بالغاية، فما هو الحاكم على هذا الاستصحاب في الحقيقة هو استصحاب الشرطية والغائية
الحاصل في ضمن استصحاب الحرمة المشروطة، والا فأحد الحكمين كان في عرض الاخر بلا طولية بينهما ولا سببية والمسببية، وما
هو في طولهما هو حيث بقاء الشرطية والغائية التوأمين في الثبوت للقيد المزبور (وحينئذ) فلا بد في الحكم بتعارض الأصلين وعدمه
من لحاظ ان الغليان كما أنه شرط للحرمة والنجاسة المجعولة، كذلك يكون غاية شرعا للحلية والطهارة، أم لا يكون كذلك، بل كان
غائيته للحلية والطهارة بحكم العقل محضا بلحاظ مضادة
170

الحكمين وامتناع تحقق أحدهما في ظرف تحقق الاخر.
فعلى الأول كما هو التحقيق لا محيص من حكومة الاستصحاب التعليقي بالبيان المتقدم.
وعلى الثاني تستقر المعارضة بين الأصلين، لان الحكمين حينئذ عرضيان والشرطية والغائية أيضا عرضيتان (لان) ما هو في طول
الحرمة هو وجود الشرط والغاية، والأول وإن كان شرعيا فيترتب عليه اثره الذي هو الحرمة الا ان الثاني لا يكون كذلك، فلا مجال
لرفع اليد عن استصحاب الحلية باستصحاب الحرمة المشروطة كما هو ظاهر.
وبما ذكرنا يظهر النظر فيما أفاده بعض الأعاظم قدس سره في تقريب السببية والمسببية بين الأصلين، (ببيان) ان الشك في حلية
الزبيب وطهارته الفعلية بعد الغليان وان لم يكن مسببا عن الشك في نجاسته وحرمته الفعلية بعد الغليان وانما كان الشك في أحدهما
ملازما للشك في الاخر، الا ان الشك في الطهارة والحلية الفعلية في الزبيب المغلي مسبب عن الشك في كون المجعول الشرعي هو
نجاسة العنب المغلي وحرمته مطلقا حتى في حال كونه زبيبا، أو ان المجعول الشرعي خصوص نجاسة العنب المغلي وحرمته ولا يعم
الزبيب المغلي، فإذا حكم الشارع بالنجاسة والحرمة المطلقة بمقتضى الاستصحاب التعليقي يرتفع الشك في حلية الزبيب المغلي و
طهارته وجه النظر ان إطلاق الحرمة المشروطة بالغليان لحال الزبيبية وثبوت ضده في هذه الحالة من المتضادين الملازم لكونهما في
مرتبة واحدة من دون ان يكون لعدم أحدهما تقدم على وجود الاخر، ولا لوجود أحدهما تقدم على عدم الاخر، ومعه لا سببية ولا
مسببية بينهما، بل يقال: حينئذ انه لم لا تعكس الامر، فإنه كما أن التعبد ببقاء الحرمة المطلقة الشامل لحال الزبيبة ملازم لارتفاع الحلية
السابقة عقلا في هذا الحال، كذلك التعبد ببقاء الحلية السابقة في هذا الحال ملازم عقلا للتعبد بارتفاع الحرمة التعليقية في هذا الحال (و
لقد تفطن) هو قدس سره لهذا الاشكال، حيث أورد على نفسه بان عدم الحلية والطهارة لا تكون من الآثار الشرعية المترتبة على حرمة
171

المغلي ونجاسته وانما هو من اللوازم العقلية لجعل الحرمة للعنب المغلي مطلقا لمكان امتناع اجتماع الضدين (ولكنه) أجاب عنه بالفرق
بين السببية والمسببية في الموضوعات وبينهما في الاحكام، فقال: ان شرطية ترتب المسبب على السبب شرعا انما هي في
الاستصحابات الموضوعية، واما في الاستصحابات الحكمية فعدم ترتب الحكم الاخر على ثبوت حكم آخر من لوازم نفس استصحابه و
التعبد به، فإذا جرى فيه الاستصحاب يترتب عليه جميع الآثار حتى العقلية لا خصوص الآثار الشرعية (فاستصحاب) الحرمة التعليقية بما
له من المراتب التي منها مرتبة كونه زبيبا والتعبد ببقائه مما يلازم عقلا للتعبد بارتفاع حليته وطهارته، إذ لا معنى للتعبد بحرمته و
نجاسته في هذا الحال الا إلغاء حليته وطهارته في هذا الحال، والا يكون التعبد به لغوا، فبذلك فبذلك يكون استصحاب الحرمة و
النجاسة التعليقية حاكما على استصحاب الحلية والطهارة انتهى ملخص ما أفاده بطوله.
وأنت خبير بما فيه (إذ مضافا) إلى أنه لا فرق في شرعية ترتب المسبب بين الأصول الموضوعية والحكمية، يمنع الطولية والسببية و
المسببية بينهما لما عرفت من المضادة بين الحكمين عقلا المستتبع لملازمة وجود أحدهما لعدم الاخر، فلو اكتفي بهذا المقدار في الحكم
بارتفاع الحلية والطهارة الفعلية باستصحاب الحرمة والنجاسة التعليقية للعنب بما له من المراتب التي منها المرتبة الزبيبية، فلم لا
تعكس الامر، لان التعبد بالحرمة التعليقية كما يقتضى التعبد بعدم الحلية الفعلية بعد الغليان، كذلك التعبد ببقاء الحلية الفعلية الثابتة
للعنب بعد الغليان في هذا الحال يقتضي التعبد بارتفاع الحرمة التعليقية في هذا الحال، لان لازم تضاد الحكمين انما هو ملازمة وجود
أحدهما لعدم الاخر واقعا وظاهرا، ومع إمكان العكس أين يبقى المجال لتقديم الاستصحاب التعليقي وترتيب لازمه ظاهرا من نفي
الحلية والطهارة كما هو ظاهر (وحينئذ) فالعمدة في تقديم الاستصحاب التعليقي في المقام على الاستصحاب التنجيزي للحلية و
الطهارة هو ما ذكرناه من الحكومة بالتقريب المتقدم الراجع استصحابه إلى استصحاب بقاء الشرطية والغائية للحلية السابقة الموجب
لثبوت ما هو الغاية للحلية والطهارة، حيث إنه باستصحابه
172

يرتفع الشك في الحلية والطهارة تعبدا، ومعه لا يبقى مجال لاستصحابهما فتدبر.
وبما ذكرنا يظهر النظر فيما أفاده المحقق الخراساني قدس سره في نفى التعارض بين الأصلين رأسا، من أن التعارض انما يتصور
بينهما في فرض اقتضاء بقاء الحلية إلى حين الشك بها اجتماعها مع الحرمة التعليقية المضادة لها بحيث يلزم من جريان الاستصحابين
العلم بمخالفة أحدهما للواقع، وليس كذلك، فإنه كما أن الحرمة منوطة بوجود الغليان، كذلك الحلية السابقة منوطة أيضا بعدم الغليان، و
من المعلوم ان القطع ببقاء القضيتين وجدانا لا يوجب أولهما إلى اجتماع الضدين فضلا عن استصحابهما (إذ فيه) ان القطع بالحلية
المغياة بالغليان وإن كان يجتمع مع الحرمة المنوطة بالغليان، حيث كان العنب دائما يثبت له الحلية والحرمة المنوطة بالغليان بلا أول
مثله إلي اجتماع الحكمين الفعليين في زمان بلحاظ ان الغليان الذي هو غاية للحلية وشرط للحرمة بوجوده ينفي الأول ويثبت الثاني (و
لكن) القطع بالحلية المغياة قبل حصول الغاية لما يلازم القطع بالحلية الفعلية للعنب فلا جرم مهما شك في ارتفاعها ولو من جهة احتمال
بقائها في الزمان اللاحق بلا تعليق على عدم الغليان يجري استصحاب تلك الحلية الفعلية، كما لو شك في ارتفاعها يمثل مواجهة الشمس
أو غيرها من محتمل الرافعية، فالمعارض لاستصحاب الحرمة التعليقية حينئذ هو هذا الاستصحاب، لا استصحاب الحلية المنوطة بعدم
الغليان كي يقال: إن القطع ببقائها غير ضائر فضلا عن استصحابها (وعليه) فالحري هو إبدأ أصل المعارضة بين الاستصحابين ثم علاج
التعارض بينهما بحكومة الاستصحاب التعليقي على الاستصحاب الفعلي بالتقريب الذي ذكرناه.
(التنبيه السادس)
لا إشكال في استصحاب الحكم الشرعي عند الشك في النسخ إذا كان المستصحب من أحكام هذه الشريعة المقدسة
(واما) إذا كان من أحكام الشرائع السابقة، فقد يناقش فيه بوجهين
173

الأول من جهة اختلاف الموضوع
(بتقريب) ان المكلف باحكام كل شريعة انما هو المدرك لتلك الشريعة، والمدرك للشرائع السابقة قد انقرضوا، واما المدرك لهذه
الشريعة مع عدم دركه للشرائع السابقة فلم يعلم كونهم مرادا من العمومات الثابتة في الشرائع السابقة، فلا يجري الاستصحاب في حقهم
(وبتقرير أوضح) ان استصحاب بقاء الحكم عند الشك في النسخ انما يجري وينفع في فرض المفروغية عن شمول حكم العام من الأول
لجميع الافراد المتدرجة الزمانية وهو متفرع على عدم اختصاص حكم العام بزمان دون زمان، والا فعلى فرض اختصاصه من الأول
بالزمان السابق ولو من جهة ان النسخ تخصيص في الأزمان يستحيل دخول الافراد التدريجية الحادثة في الشريعة اللاحقة في العام
السابق أو إطلاقه (وحيث) ان الشك في النسخ يستتبع الشك في دخول الافراد الحادثة في الشريعة اللاحقة في العام من الأول، فلا يجتمع
الشك في النسخ مع العلم بدخول الافراد اللاحقة بعد زمان النسخ في العام من الأول، ومعه لا يثمر استصحاب بقاء الحكم الثابت لعنوان
عام يشك في دخول الافراد الفعلية فيه لاثبات حكم العام في حقهم، إذ مثل هذا المعنى لو كان جزميا غير مثمر لا ثبات الحكم في حقهم
فضلا عن استصحابه (نعم) مثل هذا الاستصحاب يثمر في النسخ بمعنى البدأ المتصور في حق المخلوقين، فإنه عليه يمكن دعوى الجزم
بدخول الافراد الفعلية في المراد من العام من الأول، فمع الشك في البدأ ونسخ الحكم الأول يجري استصحاب بقائه وعدم نسخه (و
لكن) هذا المعنى غير متصور بالنسبة إليه سبحانه لأنه غير منفك عن الجهل بمصالح الأمور تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
الثاني
من جهة العلم الاجمالي بنسخ كثير من الأحكام الثابتة في الشرائع السابقة في هذه الشريعة، حيث إن هذا العلم الاجمالي يمنع عن جريان
الأصل في أطرافه
(أقول) ولا يخفى ما عليك في هذين الوجهين.
اما الوجه الأول
فمع انه جار في استصحاب أحكام هذه الشريعة عند الشك في نسخها بالنسبة إلى الموجودين في الأزمنة المتأخرة من دفع، بان الاشكال
انما يتوجه إذا كان الحكم الثابت في الشريعة السابقة بنحو القضايا الخارجية المتكفلة للحكم على
174

الافراد المحققة الوجود في زمان خاص، إذ حينئذ لا يقين بثبوت الحكم من الأول للافراد الموجودة في الأزمنة المتأخرة وانما المتيقن
ثبوته بالنسبة إلى الافراد الموجودة في الزمان السابق (واما) إذا كان بنحو القضية الطبيعية المتكفلة للحكم على طبيعة المكلفين بنحو
السريان في الافراد الفعلية المحققة الوجود والفرضية المقدرة وجودها، فلا يلزم إشكال، إذ بعد إن كان مقتضى العموم ثبوت الحكم
من الأول لجميع الافراد الفعلية والفرضية لولا النسخ فلا جرم عند الشك في النسخ وعدم عموم لفظي يقتضي استمراره في جميع
الأزمنة يجري فيه استصحاب البقاء وعدم النسخ ولازمه ثبوته للافراد الموجودة في الشريعة اللاحقة، لان منشأ الشك في ثبوته فعلا
للافراد الموجودة في الأزمنة المتأخرة انما يكون هو النسخ لا غيره، فاستصحاب عدمه يكفي لنفي هذه الجهة من الشك، بلا احتياج إلى
إثبات كونهم مرادا من العام بمثل هذا الأصل كي يجي فيه شبهة مثبتية الأصل المزبور (وبالجملة) الغرض من استصحاب حكم العام
انما هو استصحاب الحكم الثابت لجميع الافراد من غير جهة النسخ بلحاظ ان الشك في بقائه يكون من جهة احتمال النسخ فبالاستصحاب
المزبور يترتب ثبوت الحكم العام على الافراد الموجودة في الأزمنة المتأخرة (واما توهم) ان الأحكام الثابتة للفرضيات ليست بفعلية و
انما هي اقتضائية محضة فاستصحابها لا يفيد في إثبات فعلية الحكم بالنسبة إلى الموجودات في الأزمنة المتأخرة الا على الأصول المثبتة
(فمدفوع) بما تقدم مرارا من منع عدم فعليتها بالنسبة إليها، إذ لا قصور في فعلية الإرادة وتوجيهها نحو الفرضيات عند تمامية المصلحة
(نعم) الممنوع انما هو محركية هذه الإرادة بالنسبة إلى الافراد الفرضية قبل وجوداتها بلحاظ ان محركيتها من شؤون حكم العقل بلزوم
الامتثال المتوقف على وجود المكلف خارجا، وترتب هذه على الاستصحاب المزبور لا يكون من المثبت، لأنه من اللوازم الأعم من
الواقع والظاهر، فمتى يثبت حكم على فرد وجدانا أو تعبدا يترتب عليه حكم العقل العقل بوجوب الامتثال (نعم) يتم هذا الاشكال على
من التزم بان حقيقة الحكم التكليفي عبارة عن البعث والزجر الفعليين المنتزعين عن مرحلة محركية الإرادة والكراهة نحو المرام،
175

فإنه بعد ما لا يمكن توجيه الحكم الفعلي بالمعنى المزبور إلى الوجودات الفرضية حين الخطاب، لا بد من الالتزام باقتضائية الحكم
بالنسبة إلى الفرضيات، فيتوجه عليه الاشكال المزبور، ولكن نحن في فسحة من هذا الاشكال (ثم إن ذلك) في فرض إجراء الاستصحاب
في الحكم التنجيزي، واما الاستصحاب التعليقي بناء على صحته كما هو المختار، فلا غبار في جريانه بالنسبة إلى الموجودين في
الشريعة اللاحقة فيقال: انهم كانوا سابقا بحيث لو وجدوا كانوا محكمين بكذا والآن بقاؤهم على ما كانوا عليه، فان مرجع الشك في نسخ
حكم العام السابق إلى الشك في بقاء القضية التعليقة والملازمة المزبورة، وبالاستصحاب المزبور يحكم عليهم بوجوب كذا (وعلى
ذلك) لا يحتاج في إثبات حكم العام السابق في حق الموجودين في الشريعة اللاحقة إلى فرض وجود المدرك للشريعتين بإجراء
الاستصحاب في حقه وإلحاق البقية به بعدم الفصل كي يحتاج إلى إثبات الاشتراك حتى في الحكم الظاهري، فيشكل، عليه بان الاجماع
على الاشتراك انما هو في الحكم الواقعي لا في الحكم الظاهري (هذا كله) فيما يتعلق بالجواب عن الوجه الأول.
(واما الجواب) عن الوجه الثاني
فبانحلال العلم الاجمالي المزبور بالظفر بمقدار من الاحكام المنسوخة التي يمكن انطباق المعلوم بالاجمال عليها، فتكون الشبهة فيما
عداها بدوية يجري فيه الأصل بلا مزاحم (ثم) ان ذلك فيما إذا كان العلم الاجمالي بالنسخ بتبدل الوجوب بالحرمة أو بالعكس، واما إذا
كان العلم الاجمالي بتبدل الوجوب إلى عدم الوجوب والحرمة إلى عدمها، فعلى ما اخترناه من جريان الأصول المثبتة للتكليف في
أطراف العلم الاجمالي لا يحتاج إلى دعوى الانحلال بل يجري الاستصحاب فيها ولو مع وجود العلم الاجمالي وعدم انحلاله إلى الأبد،
بلحاظ ان المانع عن جريان الأصول في أطراف العلم حينئذ انما هو استتباعه لمحذور المخالفة العملية، لا لمانعية العلم بذاته عن جريانها
في الأطراف، فمع فرض انتفاء هذا المحذور يكون وجود العلم الاجمالي كعدمه، فتجري الأصول المثبتة في جميع الأطراف.
(ثم إن) في التقرير إشكالا آخر على الاستصحاب المزبور (وحاصله) انه لا جدوى
176

لاستصحاب حكم الشريعة السابقة، فإنه على فرض بقائه في هذه الشريعة لا بد من أن يكون بإمضاء من الصادع به على ما يدل عليه قوله
صلى الله عليه وآله ما من شئ يقربكم إلى الجنة ويبعدكم عن النار الا وقد أمرتكم به، فمع عدم العلم بالامضاء لا جدوى لاستصحاب
بقاء حكم الشريعة السابقة (ولكن) فيه انه بعد ما كان حكم كل شريعة حكما إلهيا ناشئا عن مصلحة تامة في حق العباد فبقاؤه في
الشريعة اللاحقة ملازم لامضائه في تلك الشريعة، لان بقائه كاشف عن تمامية ملاكه ومعه يستحيل عدم إمضائه، لأن عدم إمضائه
مساوق لعدم تمامية ملاكه في الشريعة اللاحقة وهو خلف، فان المفروض كونه على تقدير بقائه واجدا للملاك في حق الموجودين في
الشريعة اللاحقة بلا مزاحم (ومعه) كيف يمكن فرض عدم إمضائه في الشريعة اللاحقة الا بفرض جهل الصادع بها وهو من المستحيل، و
حينئذ يكون مرجع الشك في بقاء الحكم الثابت في الشريعة السابقة إلى الشك في بقاء ما هو ممضاة في الشريعة اللاحقة، و
بالاستصحاب المزبور يثبت بقائه كما هو واضح ولعل الامر بالتأمل في كلامه إشارة إلى ما ذكرنا.
(التنبيه السابع)
قد اختلفوا في اعتبار مثبتات الأصول وعدم اعتبارها على قولين بعد الوفاق منهم ظاهرا على اعتبارها في الامارات، و المشهور بين
المتأخرين العدم وهو الأقوى خلافا لما يظهر من بعض المتقدمين (و تنقيح المقال) في المقام ان يقال: إن مرجع التنزيلات الواردة في
أدلة الأصول بل الامارات (اما) ان يكون إلى تنزيل من الشارع في مقام التشريع، نظير قوله: الطواف بالبيت صلاة، ونحوه من
التنزيلات الراجعة إلى جعل حقيقة المماثل أو الأثر الثابت للمنزل عليه (واما) ان يكون إلى الامر بالبناء على أن المشكوك هو الواقع
بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال المتمشية من المكلف بلا نظر إلى جعل الأثر أو المماثل أصلا فيكون مرجع حرمة النقض في
الاستصحاب إلى وجوب المعاملة مع اليقين أو المتيقن السابق معاملة بقائه
177

من حيث الجري العملي على طبقه حركة أو سكونا الراجع في الحقيقة إلى نحو ادعاء منه لبقاء اليقين أو المتيقن السابق وتوسعته بلحاظ
ما يترتب عليه من الأعمال المقصودة، لا بلحاظ جعل الأثر الشرعي، (فشرعية) تلك الأعمال كانت مستفادة من الامر بالنبأ بلحاظ
استتباع الامر بالبناء وتلك المعاملة بعنوان كونها أعمالا شرعية، لكونها محكومة بالأحكام الخمسة الظاهرية (وحيثما عرفت) ذلك
نقول: إنه على المعنى الأول الراجع إلى جعل الأثر الحقيقي أو المماثل لا مجال لتصحيح المثبت أصلا، وذلك لا لقصور في إطلاق التنزيل،
بل لعدم إمكان شموله لغير الآثار الشرعية، لوضوح ان التنزيل من كل شخص لا بد وأن يكون بلحاظ الآثار المتمشية من قبله، والأثر
المتمشى من الشارع في تنزيلاته الواردة في مقام التشريع لا يكون الا الآثار التي تنالها يد الجعل والرفع التشريعي فلا يمكن شمولها
لغيرها من الآثار العقلية أو العادية (فالمعقول) من حكم الشارع وتعبده بحياة زيد في استصحابها انما هو إثبات وجوب الانفاق من
ماله على زوجته وعدم جواز تقسيم ما له على ورثته ونحوهما من الآثار الشرعية الثابتة لعنوان المستصحب، لا ما يلازمه من الأمور
العقلية أو العادية كنموه ونبات لحيته، لعدم كون هذه من الأمور القابلة للجعل والرفع التشريعي، (ولا الآثار) الشرعية المترتبة عليه
بتوسيط الأمور العادية أو العقلية، كوجوب التصدق المترتب بعنوان النذر على عنوان نموه ونبات لحيته، لان ترتب هذه لا بد وأن يكون
بتوسيط جعل الواسطة وقد فرضنا انه غير معقول، فلا يمكن شمول التنزيل حينئذ لمثل تلك الآثار (لا يقال): هذا إذا أريد من جعل
تلك الآثار جعلها بتوسط جعل الواسطة (واما) لو أريد جعلها بلا توسيط جعل الواسطة، فهو أمر معقول في نفسه، فان للشارع في
استصحاب حياة زيد جعل مطلق ما يترتب عليها من الآثار الشرعية أعم من كونه بلا واسطة أو معها، ومع إمكانه في نفسه يتمسك
بإطلاق التنزيل لاثبات تلك الآثار (فإنه يقال): ان ذلك وإن كان ممكنا في نفسه، ولكن المنصرف منه هو خصوص الآثار المترتبة على
المستصحب بلا واسطة (ان قلت) على ذلك يلزم عدم شمول عموم التنزيل للآثار الشرعية مع الواسطة ولو
178

كانت الواسطة أثرا شرعيا كما لو نذر ان يصلي ركعتين يوم الجمعة على تقدير حياة ولده يوم الجمعة ونذر أيضا ان يتصدق بما له على
تقدير وجوب الصلاة عليه يوم الجمعة وهكذا، مع أنه ليس كذلك قطعا (قلت): ان شمول التنزيل لهذه الآثار الطولية انما هو من جهة ان
قضية جعل الأثر في استصحاب الحياة لما كانت بعناية انه الأثر الواقعي يستتبع قهرا لتنزيل آخر بالنسبة إلى الأثر وهو وجوب الصلاة
من حيث موضوعيته لوجوب التصدق ومثله مستتبع لجعل أثر آخر بالعناية المزبورة وهكذا (وهذا بخلاف) ما لو كانت الواسطة أمرا
عاديا أو عقليا كنموه أو نبات لحيته، فإنه لا يمكن شمول التنزيل للآثار الشرعية المترتبة بتوسيط الأمور المزبورة الا بفرض وقوع
نفس الواسطة مستقلا موردا لتنزيل مستقل من استصحاب أو غيره (وحينئذ) فعلى هذا المسلك لا محيص من القول بعدم حجية المثبت
(هذا) كله بناء على رجوع مفاد التنزيل في لا تنقض إلى جعل الأثر أو المماثل (واما) على ما هو التحقيق من رجوعه إلى وجوب المعاملة
مع المتيقن السابق معاملة بقائه بلحاظ ما يترتب عليه من الأعمال بلا نظر إلى جعل الأثر خصوصا على المختار من تعلق النقض بنفس
اليقين لا بالمتيقن ولو بتوسيط اليقين (فقد يقال): انه من الممكن حينئذ تصحيح الأصول المثبتة (بدعوى) ان مرجع التعبد بالبقاء في
استصحاب الموضوع إلى التوسعة الصورية للمتيقن من حيث موضوعيته للأثر بلحاظ الأعمال المترتبة عليه، لا بلحاظ جعل الأثر الحقيقي
أو المماثل للمتيقن أو لاثره، فلا قصور في شمول التنزيل والتعبد ببقاء المتيقن لمطلق ما يترتب عليه من العمل ولو بواسطة أثر عقلي
أو عادي بأحد الوجهين المتقدمين، فإنه من الممكن حينئذ التعبد ببقاء الحياة وتوسعتها بلحاظ اثره الشرعي أو العقلي والعادي والتعبد
به أيضا بلحاظ التعبد بأثره إلى أن ينتهي إلى العمل ولو بوسائط عديدة، لان التعبد بالشئ بلحاظ موضوعيته للأثر عين التعبد بأثره و
وجود محموله أو ملازم له بملازمة عرفية موجبة للانتقال من التعبد به إلى التعبد بأثره ووجود محموله، وهكذا التعبد بوجود
المحمول من حيث موضوعيته إلى أن ينتهي إلى العمل (وبعد) كفاية مجرد الانتهاء إلى الأثر العملي في صحة التعبد بالشئ من أول
179

السلسلة المنتهى إليه ولو بوسائط عديدة، فلا بأس بالتشبث بإطلاق دليل التنزيل لمطلق ما يترتب عليه من الأثر الشرعي ولو بوسائط
عديدة (ولا مجال) حينئذ للتشبث في نفي الأصول المثبتة بما تقدم من أن التعبد بالشئ لا بد وأن يكون بلحاظ التعبد بأثره الشرعي لا
العقلي والعادي لعدم كونهما مما تناله يد الجعل والرفع التشريعي، إذ ذلك انما يتوجه إذا كان التنزيل في المقام راجعا إلى انشاء جعل
الأثر الحقيقي كما هو المسلك الأول، لا إلى مجرد التعبد بوجود المتيقن الراجع إلى التوسعة الصورية لوجوده بلحاظ ما يترتب عليه من
العمل، فان مثل هذا النحو من التوسعة في الآثار العقلية والعادية بلحاظ ما يترتب عليها من العمل أمر ممكن وتكون من شؤون الشارع
نظير توسعة الموضوعات الخارجية (كما أنه) لا مجال لنفي اعتبارها من جهة الانصراف المدعي في المقام إلى الأثر بلا واسطة، فإنه على
ما ذكرناه من التقريب يكون التعبد بالشئ من حيث موضوعيته للأثر من أول السلسلة المنتهى بوسائط عديدة إلى العمل تعبدا بالأثر
بلا واسطة كما هو ذلك في فرض كون الوسائط أمورا شرعية ولذا يكتفي في ترتب الأثر مع الواسطة بالاستصحاب الجاري في أول
السلسلة المنتهى إلى العمل بالتقريب المتقدم (وحينئذ) فلا يندفع هذه الشبهة الا بدعوى انصراف هذه التنزيلات إلى تطبيق القضايا
الشرعية وتوسعة موضوعاتها، والا فمع الانصراف المزبور لا يكاد شمولها لغيرها من القضايا العقلية والعادية كما هو الشأن في مثل
حديث الرفع ونحوه (وبذلك) يفرق بين ان يكون الأثر الشرعي المترتب على المتيقن بتوسيط أمر شرعي، فيترتب عليه بالاستصحاب
الجاري في أول السلسلة، وبين ان يكون مترتبا عليه بتوسيط أمر غير شرعي فلا يترتب عليه باستصحابه، حيث كان الفارق بين
الفرضين ما ذكرناه من الانصراف المزبور، (ولعمري) ان مثل هذه الجهة هو العمدة في رفضهم الأصول المثبتة رأسا واقتصارهم على
نفس مؤدى الأصل أو ما يترتب عليه من القضايا الشرعية بلا واسطة عقلية أو عادية وعدم إثباتهم شيئا من لوازم المؤدى وملزوماته و
لو كانت شرعية (لا ان ذلك) من جهة دعوى انصراف التنزيل إلى الأثر بلا واسطة، أو كون مؤدي دليل الأصل مجرد تطبيق العمل على
المؤدى كما توهم (والا) يلزم عدم شموله
180

في الأصول الموضوعية للآثار الشرعية المترتبة على الآثار الشرعية الخارجة عن ابتلا المكلف في زمان التعبد بالمؤدى، كما في الماء
التالف الذي غسل به الثوب النجس سابقا أو توضأ به غافلا فشك بعد خروجه عن الابتلاء بتلف ونحوه في طهارته أو في إطلاقه (هذا)
إذا أريد من تطبيق العمل على المؤدى تطبيقه عليه بجميع لوازمه (واما) لو أريد به التطبيق في الجملة ولو بانتهائه إلى الأثر الشرعي
(فيتوجه) عليه إشكال التفكيك بين اللوازم الشرعية المترتبة على المستصحب بتوسيط أمر شرعي، وبين اللوازم الشرعية المترتبة
بتوسيط أثر عقلي أو عادي بعد فرض اشتراكهما في الانتهاء إلى الأثر العملي (وبما ذكرنا) انقدح بطلان المسلك الأول الراجع إلى جعل
مفاد التنزيل من باب جعل الأثر والمماثل بلا واسطة (إذ لازمه) تخصيص حجية الاستصحاب في الموضوعات بما إذا كان الموضوع
مورد ابتلا المكلف حين توجيه التكليف بعدم النقض، ولازمه عدم صحة استصحاب طهارة الماء التالف، أو إطلاقه في فرض ابتلا
المكلف بأثره وملاقيه حين الشك في طهارته، أو إطلاقه، لامتناع جعل الأثر الحقيقي للماء التالف فعلا خصوصا لو قيل بان الطهارة
منتزعة من أحكام تكليفية قائمة بذات الموضوع من نحو جواز شربه وجواز استعماله في الوضوء ونحوه، وهو كما ترى (مضافا) إلى
اقتضائه عدم جريانه في القسم الثاني من أقسام الكلي فيما لو كان المستصحب تكليفا وأثرا شرعيا، كالوجوب المردد بين النفسي أو
الغيري لواجب آخر قد علم بارتفاعه بنسخ ونحوه، لامتناع جعل كلي الأثر والقدر المشترك بلا كونه في ضمن فصل خاص، فإنه كما
يمتنع جعل الوجوب الواقعي عاريا عن الخصوصية النفسية أو الغيرية (كذلك) يمتنع جعل الوجوب الظاهري بلا كونه في ضمن إحدى
الخصوصيتين (وهذا) بخلاف المسلك المختار الراجع إلى كون نتيجة التنزيل مجرد التعبد بالمؤدى والامر بالمعاملة مع المتيقن السابق
معاملة الباقي من حيث الجري العملي على طبقه حركة وسكونا، فإنه عليه لا محذور في جريان الاستصحاب في الخارج عن الابتلاء في
زمان الشك بلحاظ التعبد بأثره المبتلى به في زمان الشك من نحو طهارة الثوب المغسول به، وصحة الوضوء السابق وصلاته، كما لا
محذور في التعبد
181

القدر المشترك في المثال بلحاظ الجري العمل على طبقه، كما أنه على هذا المسلك بمقتضى الانصراف المدعي إلى القضايا الشرعية يصح
التفكيك في الآثار مع الواسطة بين ما يكون ترتبه على المستصحب بواسطة شرعية، وبين ما لا يكون كذلك (نعم) لو أغمض عن
الانصراف المزبور لا مجال لنفي الأصول المثبتة من جهة ابتلائها بوجود المعارض من طرف استصحاب العدم الجاري في الأثر العقلي
المسبوق بالعدم (إذ ذلك) انما يتوجه في فرض كون مبنى حجية المثبت إطلاق التنزيل بلحاظ جعل الأثر الحقيقي ولو بالواسطة (والا
فعلى المختار) في مفاد هذه التنزيلات من كونه مجرد التعبد بوجود الشئ وتوسعته من حيث موضوعيته للتعبد بأثره بلا واسطة، و
كذا التعبد به من حيث موضوعيته لاثر آخر إلى أن ينتهي إلى الأثر الشرعي العملي، فلا يتوجه الاشكال المزبور (فان) الشك في وجود
الأثر العقلي الذي هو أحد الوسائط بعد إن كان مسببا عن الشك في وجود موضوعه و سببه وهو الحياة مثلا، فلا محالة يكون الأصل
الجاري فيها من حيث موضوعيته للأثر حاكما على الأصل الجاري في نفس الأثر ورافعا للشك عن وجوده، فيخرج بذلك عن عموم لا
تنقض فلا يجري فيه أصل العدم حتى يعارض استصحاب الحياة (نعم) لو كان مقتضى الأصل الجاري في الأثر الذي هو النمو أو نبات
اللحية توسعته حتى من حيث أثريته للحياة لا من حيث ذاته فقط، بحيث يستتبع توسعته من هذه الجهة توسعة في موضوعه وسببه، لكان
للمعارضة المزبورة مجال، لاقتضاء كل من استصحاب الموضوع والأثر نفي الشك عن الاخر وإخراجه عن عموم لا تنقض (ولكن) دون
إثباته خرط القتاد، ومعه يبقي الأصل الجاري في الموضوع بلا معارض (وحينئذ) فالعمدة في المنع عن اعتبار المثبت ما ذكرناه من
انصراف هذه التنزيلات إلى تطبيق خصوص القضايا الشرعية المترتبة على المؤدى بلا واسطة، بلا نظر لها إلى غيرها من القضايا
العقلية أو العادية كي يقتضى توسعته بلحاظ مطلق ما يترتب عليه من الأثر ولو بواسطة عقلية أو عادية.
ثم إن ما ذكرناه من الانصراف المزبور غير مختص بمفاد خصوص
182

التنزيلات الواردة في الأصول، بل هو جار في كل دليل مثبت لمثل هذه التنزيلات سوأ فيه الأصول أو الامارات فلا فرق بينهما من هذه
الجهة (وانما الفرق) بينهما في التزامهم بحجية المثبت في الامارات دون الأصول من جهة اقتضاء الطرق والامارات حكايات متعددة
بالنسبة إلى المؤدى ولوازمه وملزوماته وملازماته، حيث إنه بهذا الاعتبار ينطبق موضوع التنزيل على جميع تلك الحكايات فتكون
الامارة الواحدة باعتبار تعدد حكايتها بمنزلة أمارات متعددة قائمة بعضها على المؤدى وبعضها على لوازمه وبعضها على ملزوماته و
ملازماته في أنها باشتمالها على كل حكاية تكون مشمولة لدليل التصديق مستقلا بلحاظ التعبد بأثره في عرض الحكاية الأخرى، مع
انصراف دليل التصديق في كل حكاية كما في التعبد بالأصول إلى توسعة خصوص القضايا الشرعية المترتبة عليه بلا واسطة عقلية أو
عادية (وهذا) بخلاف الأصول فإنها من جهة عدم كشفها عن المؤدى ولوازمه وملزوماته يكون التنزيل فيها مقصورا على خصوص
المؤدى بلحاظ التعبد بأثره الشرعي بلا واسطة عقلية أو عادية، فلا يكون المتعبد به في استصحاب الحياة مثلا الا عنوان المتيقن من
حيث تيقنه به، بلحاظ ما يترتب عليه من الأثر الشرعي بلا واسطة، دون غيره مما هو لازمه أو ملزومه (فتكون) الأصول من هذه الجهة
نظير ما هو المشهور في باب الرضاع من اختصاص حرمة النشر في قوله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب بما إذا تحقق من قبل
الرضاع إحدى العناوين المحرمة بالنسب كعنوان الام وعنوان الأخت أو العمة أو الخالة ونحوها، دون غيرها من العناوين الملازمة لها
كعنوان أخت الأخت مثلا، وإن كان بينهما فرق من جهة أخرى من حيث كون الاشكال في الأصول المثبتة من جهة قصور دليل التنزيل
عن الشمول للعناوين الملازمة، بلا إشكال في ثبوت أصل الكبرى، بخلاف باب الرضاع فان الاشكال فيه يكون من جهة ثبوت أصل
الكبرى وهي حرمة أخت الأخت بهذا العنوان في باب النسب، بلا قصور في دليل التنزيل في الشمول لكل ما ثبت من الكبرى في النسب،
ففي الحقيقة يكون بين البابين تمام المعاكسة من جهة الملاك والمناط، ولكن مثل هذه التفرقة لا يضر بما نحن بصدده من تنظير أحد
البابين بالآخر، إذ يكفي في صحته مجرد اشتراكهما في عدم إثبات
183

اللوازم وإن كان ذلك في كل باب بمناط غير المناط في الباب الاخر.
واما المنع عن تعدد الحكاية في الطرق والامارات، بتوهم عدم حكايتها الا عن خصوص المؤدى دون لوازمه وملزوماته وملازماته،
بدعوى ان المخبر عن الشئ كالموت والحياة قد لا يلتفت إلى لوازمه كالنمو ونبات اللحية فضلا عما يستتبعه من اللوازم الشرعية مع
وضوح ان حكاية الخبر عن الشئ فرع التفات المخبر إليه وبدونه يستحيل الحكاية (فمدفوع) بان الامر كذلك في الحكاية التصديقية
الموجبة للاذعان بكون المؤدى مرادا للمتكلم لا مطلقا حتى بالنسبة إلى الحكاية التصورية (واعتبار) خصوصها حتى في لوازم المؤدى
وملزوماته ممنوع جدا (بل نقول): انه بعد إحراز الحكاية التصديقية بالنسبة إلى المؤدى والمدلول المطابقي يكفي في صحة الاخذ
بلوازمه وملزوماته، مجرد حكاية الخبر عنها ولو تصورية الملائمة مع القطع بعدم التفات المخبر والمتكلم إليها (ولذا ترى) بناء
العرف والعقلاء في محاوراتهم وفي باب الاقرار وغيره على الاخذ بلوازم الكلام الصادر من الغير وإلزامهم إياه بما يقتضيه كلامه من
اللوازم حتى مع قطعهم بعدم التفات المتكلم إلى تلك اللوازم وغفلته عنها (ومن الواضح) انه لولا كفاية مجرد الدلالة التصورية في صحة
الاخذ بلوازم المؤدى وملزوماته لما صح منهم الاخذ بلوازم الكلام الصادر عن الغير وأخذه بما يقتضيه كلامه من اللوازم (نعم) لا بد في
صحة الاخذ بها من إحراز الدلالة التصديقية بالنسبة إلى المؤدى والمدلول المطابقي، وبعد إحراز هذه الجهة ولو بالأصول العقلائية
يؤخذ بجميع ما له من اللوازم والملزومات بمقتضى الدلالة التصورية (وعلى فرض) تسليم اعتبار الدلالة التصديقية حتى بالنسبة إلى
لوازم المؤدى وملزوماته، نقول: إنه يكفي في الحكاية المزبورة مجرد التفات المخبر والمتكلم إلى لوازم المؤدى وملزوماته ولو
بنحو الاجمال، بان لكلامه لازم وملزوم ولا يحتاج إلى الالتفات التفصيلي بالنسبة إليها، ومع تحقق ذلك بنحو الاجمال، لا قصور في
شمول دليل التعبد بالامارة لجميع ما يحكي عنه من المؤدى ولوازمه وملزوماته (وبذلك) تمتاز الامارات والأدلة الاجتهادية عن
الأصول في حجية المثبتات فيهما دون الأصول (والا) فمع المنع عن تعدد الحكاية فيهما يشكل التفرقة
184

بينهما وبين الأصول في حجية المثبتات. (وأقصى) ما قيل حينئذ في الفرق بينهما امران (أحدهما) ان الامارة على الشئ وان لم تكن
حاكية الا عن نفس المؤدى ولا كان التعبد بها الا تعبدا واحدا بمدلولها المطابقي (ولكن) التعبد بالمؤدى يشمل اللوازم المترتبة عليه و
لو بوسائط عقلية أو عادية (وفيه ما لا يخفى) فإنه بعد عدم كون التعبد بها الا تعبدا بمدلولها المطابقي، كيف يمكن دعوى شموله لما
يتبعه من اللوازم، مع أن هذا الملاك موجود في الأصول أيضا، فلم لا يقال به فيها، فيطالب بالفرق بينهما (وثانيهما) ما عن بعض الأعاظم
قدس سره فإنه بعد التزامه بان للامارة على الشئ كحياة زيد لا تكون الا حكاية واحدة عن المؤدى وهو الحياة لا حكايات متعددة
حكاية عن حياة زيد وحكاية عن نموه ونبات لحيته، قال: إن الوجه في حجية مثبتات الامارة دون الأصول، هو ان الامارة تكون محرزة
للمؤدى وكاشفة عنه كشفا ظنيا وان الشارع بأدلة اعتبارها قد أكمل جهة نقصها فصارت الامارة ببركة دليل اعتبارها كاشفة عن
الواقع ومحرزة له كالعلم الوجداني وبعد انكشاف المؤدى يترتب عليه جميع ما له من الخواص والآثار على قواعد سلسلة العلل و
المعلولات (وحاصل) ما أفاده هو مقايسته الامارة بالعلم الوجداني، بدعوى انه كما أن بالعلم الوجداني بشي كحياة زيد مثلا يترتب
جميع ما للمعلوم من اللوازم والآثار، كذلك بقيام الامارة عليه، فإنه بعد إن كان المجعول فيها هو الطريقية والكاشفية والوسطية في
الاثبات، تصير الامارة لا محالة ببركة دليل تتميم كشفها كاشفة عن الواقع كالعلم الوجداني فإذا قامت على حياة زيد فبنفس إثباتها
للحياة يثبت قهرا جميع مالها من الخواص والآثار ولو بألف واسطة عقلية أو عادية على قواعد سلسلة العلل والمعلولات ولا يحتاج في
إثبات اللوازم إلى حكاية الامارة عنها كحكايتها عن المؤدى (بخلاف) الأصول العملية، فإنه ليس فيها جهة كشف عن الواقع ولو ناقصا
كي يكون المجعول فيها هو الطريقية، وانما المجعول فيها مجرد تطبيق العمل على المؤدى، اما بالبناء على أنه هو الواقع كالأصول
المحرزة أو بدونه كما في الأصول غير المحرزة، فلا يمكن المصير فيها إلى حجية المثبتات لعدم اقتضاء أدلتها أزيد من إثبات نفس
المؤدى أو ما يترتب عليه من الحكم
185

الشرعي بلا واسطة عقلية أو عادية (وفيه ما لا يخفى) فان حيثية الطريقية والكاشفية والمحرزية بعد ما كانت بحقيقتها من الأمور
التكوينية الخارجية، لا من الحقائق الاعتبارية الجعلية، فلا محالة يكون مرجع جعل الطريقية والكاشفية للامارة تأسيسا أو إمضاء إلى
الجعل بمعنى الادعاء والتنزيل بادعاء ما ليس بكاشف تام حقيقة كاشفا تاما المستلزم لتطبيق عنوانه على المورد بنحو من الادعاء و
العناية، نظير جعل الحياة أو العدالة لزيد بالجعل التشريعي، ومرجع ذلك بعد احتياج التنزيل إلى الأثر الشرعي المصحح له ولو في
طرف المنزل إلى الامر بالمعاملة مع ما أدت إليه الامارة معاملة الواقع في الجري العملي على طبقه وعدم الاعتناء باحتمال مخالفته
للواقع، لكونه هو الذي زمام أمر رفعه ووضعه بيد الشارع ويصلح أيضا لتنجيز الواقع وقد تقدم تفصيل ذلك في الجز الثالث من
الكتاب عند البحث عن قيام الطرق والأصول مقام القطع فراجع (وحينئذ) نقول: إنه بعد عدم حكاية الطرق والامارات على ملزوم
المؤدى وملازمانه، لا مجال لترتب تلك اللوازم والآثار بمحض التعبد بانكشاف المؤدى والبناء على أنه الواقع بداهة عدم اقتضاء
التعبد المزبور الا تطبيق عنوان الكشف والاحراز في مورده، لا تطبيقه على لوازمه وآثاره مع الشك الوجداني فيها وعدم العلم بها لا
وجدانا ولا تعبدا وتنزيلا. (وبذلك) يظهر فساد مقايسة المقام بالعلم الوجداني بالشئ، فان ترتب تلك اللوازم في مورده انما هو من
جهة ملازمة العلم بالشئ كالحياة للعلم بلوازمه وملزوماته كنبات اللحية، لا انه من جهة اقتضاء مجرد العلم بالملزوم مع قطع النظر عن
استتباعه للعلم باللازم كي تصح المقايسة المزبورة، ولذا لو فرض في مورد عدم استتباع العلم بالملزوم للعلم بلازمه لا يحكم بترتب
اللازم عليه بمحض الملازمة الواقعية، لان لزوم ترتبه منوط عقلا بقيام الطريق عليه من علم وجداني أو تعبدي (وحينئذ) فإذا لم يكن
العلم الوجداني بالملزوم بنفسه مقتضيا لترتب لوازمه وآثاره الا من جهة استتباع العلم به للعلم بلازمه، فكيف يقتضيه مجرد العلم
التعبدي بالملزوم مع الشك الوجداني في اللازم وعدم العلم به لا وجدانا ولا تعبدا، ومعه لا مجال لترتب اللوازم والآثار في الامارات
دون الأصول الا بفرض كون اللازم من آثار كشف الحياة
186

تعبدا، أو كون التعبد بكشف اللازم من لوازم التعبد بكشف الحياة، ولكنهما من الأغلاط (إذا الأول) منهما ظاهر (والثاني) أيضا كذلك
لعدم الملازمة بين التعبد بكشف الملزوم، والتعبد بكشف اللازم (فلا محيص) حينئذ من إبدأ الفرق في حجية مثبتات الطرق والامارات
دون الأصول بما ذكرناه من اشتمال كل من الطرق والامارات على حكايات متعددة كل واحدة منها في عرض الأخرى مشمولة لتعبد
مستقل بخلاف مفاد الأصول كالاستصحاب، فإنه لا يشمل الا ما هو متيقن سابقا ومشكوك لاحقا.
بقي التنبيه على أمور:
(الأمر الأول)
ان ما ذكرنا من عدم اعتبار مثبتات الأصل انما هو فيما يلازم المستصحب واقعا من الأمور العقلية وما يترتب عليها من الآثار الشرعية
(واما) الآثار العقلية المترتبة على ما يعم الواقع والظاهر، فهي مما يترتب قهرا لثبوت موضوعها وجدانا، كوجوب الإطاعة في الاحكام،
فإذا كان المستصحب حكما شرعيا يترتب باستصحابه جميع ما له من الأثر شرعيا كان أم عقليا، كوجوب الإطاعة عقلا ووجوب
تحصيل مقدمته وحرمة ضده وفساده إذا كان عبادة بناء على اقتضاء الامر بالشئ النهي عن ضده، بل ذلك غير مرتبط بباب المثبت،
لان مورد الكلام في المثبت اللوازم العقلية المترتبة على وجود المستصحب واقعا، والاشكال فيها انما كان من جهة عدم إحراز
موضوعها ولو تعبدا بمعونة التنزيل الجاري في المستصحب، وأين ذلك ولوازم الامر الظاهري المتحقق بالوجدان كما هو ظاهر (و
من هذا القبيل) باب تطبيق الكليات على الجزئيات كما في استصحاب الاحكام الكلية الثابتة لموضوعاتها، حيث إن تطبيقها على مواردها
يكون من شؤون العقل ولا يرتبط مثل هذا التطبيق العقلي باب المثبت (وحينئذ) فلا مجال لمقايسة مثل هذه الآثار العقلية باللوازم
العقلية المترتبة على وجود المستصحب واقعا إزاحة شبهة، قد يورد على ما ذكرنا من ترتب الآثار العقلية المترتبة على ما يعم الواقع و
الظاهر، بأنه يصح ذلك على مسلك إرجاع التنزيل في لا تنقض إلى جعل المماثل (والا) فعلى مسلك إرجاعه إلى مجرد الامر بالبناء على
وجود الأثر لا إلى جعله حقيقة فلا
187

يكون التنزيل الا مثبتا لوجوب الشئ ادعاء، ومثله لا يكون موضوعا لحكم العقل بوجوب الإطاعة ووجوب مقدمته وحرمة ضده، لان
ترتب هذه انما هو على الوجوب الحقيقي ولو ظاهرا، لا على الوجوب الادعائي الذي هو نتيجة التنزيل بلحاظ الأعمال (ولكن) يندفع
ذلك بما حققناه من رجوع الخطابات الظاهرية طرا بأي لسان كانت، إلى كونها أحكاما طريقية راجعة في صورة المصادفة إلى كونها
عين الأحكام الواقعية المبرزة بالخطابات الأولية وفي صورة عدم المصادفة إلى كونها أحكاما صورية وإنشاءات محضة خالية عن
الإرادة الجدية، حيث إن كونها أحكاما طريقية مبرزة عن الإرادة الواقعية في فرض المصادفة، يكفي في ترتب تلك اللوازم والآثار، و
قد تقدم ما يوضح ذلك في أوائل الجز الثالث من الكتاب وعند البحث عن وجه منجزية أوامر الطرق والأصول.
الأمر الثاني
يظهر من جماعة منهم العلامة الأنصاري قدس سره اعتبار الأصل المثبت إذا كانت الواسطة خفية خفاء يعد الآثار المترتبة عليها بالدقة و
الحقيقة عند العرف آثارا لذي الواسطة لا لها وقد ذكر الشيخ قدس سره لذلك أمثلة وهو كما أفادوه، فان ما ذكرنا من قصور أدلة
التنزيل بمقتضى الانصراف عن الشمول للآثار الشرعية المترتبة بواسطة عقلية أو عادية انما هو في صورة عدم خفاء الواسطة بنحو يعد
الأثر في العرف أثرا للواسطة (واما) في صورة خفائها الموجب لعد الأثر في العرف أثرا لذي الواسطة، فلا قصور في شمول دليل
التنزيل لها على كل من مسلك جعل المماثل والامر بالبناء على بقاء المستصحب بلحاظ العمل (واما) الاشكال عليه بأنه لا أثر لخفاء
الواسطة في التفصيل المزبور، بتقريب ان الأثر إن كان أثرا لذي الواسطة حقيقة وبحسب ما ارتكز عند العرف من مناسبات الحكم و
الموضوع بحيث تكون الواسطة من قبيل الجهات التعليلية لترتبه على ذي الواسطة، فحجية الأصل بالنسبة إليه وإن كان مما لا مجال
لانكارها الا انه لا يكون تفصيلا في المثبت، لأنه لا يرجع إلى المثبت (وإن كان) أثرا لنفس الواسطة حقيقة لا لذيها، فهو وإن كان من
المثبت، ولكنه لا مجال لاثباته بالأصل الجاري في ذي الواسطة، ولا ينفع فيه
188

تسامح العرف فيه بعدهم إياه أثرا لذي الواسطة، إذ لا عبرة بالمسامحات العرفية فيما هو من هذا القبيل (والانظار) العرفية انما تكون
متبعة في فهم مداليل الألفاظ واستفادة المرادات من حيث الأعمية والأخصية بحسب ما ارتكز في أذهانهم من مناسبات الحكم و
الموضوع، لا في مقام تطبيق المفاهيم على المصاديق بالنظر المسامحي على خلاف ما يقتضيه النظر الدقي العقلي (فمدفوع) بمنع رجوع
المسامحة العرفية في المقام إلى مقام التطبيق، وانما هي راجعة إلى تحديد مفهوم حرمة النقض (فان) قوله لا تنقض اليقين بالشك بعد إن كان
مسوقا بالنسبة إلى ما كان نقضا له بالانظار العرفية، لا بحسب الحقيقة والدقة، فلا محالة تصير المسامحة العرفية مرجعا في
تحديد مفهوم حرمة النقض والتعبد ببقاء المتيقن، لا في تطبيق الكبرى المستفادة من لا تنقض على المورد، فإذا كان الأثر من جهة خفاء
الواسطة مما يعد كونه بنظر العرف أثرا للمستصحب، لا للواسطة وإن كان أثرا لها بحسب الدقة والحقيقة، فلا بد من ترتبه عليه
بمقتضى حرمة النقض المسوقة بالنسبة إلى ما يعد كونه نقضا بالانظار العرفية، ولا يرتبط مثل هذا التسامح بالتسامح في مقام تطبيق
المفهوم على المورد كما هو ظاهر (ثم) ان المحقق الخراساني قدس سره الحق جلا الواسطة بخفائها في اعتبار المثبت فيما إذا كان
التلازم بينهما في الوضوح بمثابة لا يرى العرف التفكيك بينهما حتى في مقام التنزيل كالأبوة والبنوة، وما أفاده قدس سره متين جدا
في فرض تمامية الصغرى والا فلا إشكال في أصل الكبرى.
الأمر الثالث
في الفروع التي توهم ابتنائها على المثبت الممنوع حجيته
(فمنها)
ما ذكره المحقق قده وغيره من أنه لو اتفق الوارثان على إسلام أحدهما المعين في أول شعبان والاخر في غرة رمضان، واختلفا
فادعى أحدهما موت المورث في شعبان، والاخر موته في أثناء رمضان كان المال بينهما نصفين لأصالة بقاء حياة المورث، مع أن
الأصل المزبور مثبت لموضوع التوارث بلحاظ، ان موضوعه انما هو موت المورث عن وارث مسلم بحيث كان للإضافة الحاصلة من
اجتماع موت المورث وإسلام الوارث في زمان دخل في موضوع التوارث، ومثله لا يثبت بأصالة بقاء
189

حياة المورث إلى غرة رمضان الا على القول بالمثبت (وفيه) منع دخل الإضافة المزبورة في موضوع التوارث، بل الموضوع فيه مجرد
إسلام الوارث في ظرف حياة مورثه (وبعبارة) أخرى اجتماع إسلام الوارث مع حياة مورثه في زمان موضوع للإرث ولا بأس بإثباته
بالأصل المزبور، ولا يكون مرتبطا بباب المثبت، لكونه من قبيل الموضوعات المركبة المحرزة بعضها بالوجدان وهو إسلام الوارث
في غرة رمضان وبعضها وهو حياة المورث إلى أثناء رمضان بالأصل.
ومنها
حكمهم بضمان من كان يده على مال الغير مع الشك في اذن صاحبه لأصالة عدم الرضا من المالك حين وضع اليد على المال، حيث توهم
ابتناء حكمهم بالضمان على اعتبار المثبت، بلحاظ ان موضوع الضمان هو اليد العادية والأصل المزبور غير مثبت لعنوان العدوان (و
فيه) منع دخل عنوان العدوان في موضوع الضمان (وانما) موضوعه وضع اليد على مال الغير من دون اذن مالكه أو رضاه، فيكون مركبا
من أمرين:
أحدهما اليد، والاخر عدم اذن صاحب المال، فيدخل في الموضوعات المركبة المحرزة بعضها بالوجدان، وبعضها بالأصل.
ومنها
ما عن بعض من استصحاب رطوبة النجس من المتلاقيين مع جفاف الاخر لاثبات نجاسة الطاهر منهما، واستصحاب رطوبة الذبابة التي
طارت عن النجاسة لاثبات نجاسة الثوب الذي طارت إليه، حيث إن نجاسة الملاقى بالفتح في الفرضين انما يكون من لوازم سراية
الرطوبة من الملاقي بالكسر إليه وإثباته بالأصل المزبور من أظهر افراد المثبت (ويمكن ان يقال): ان المستصحب حينئذ هي الرطوبة
المسرية لا الرطوبة الصرفة واستصحابها وإن كان مثبتا في الحقيقة الا انه يمكن الاعتذار عنه بخفاء الواسطة في مثله، إذ العرف لا يفهم
من بقاء الرطوبة المسرية في أحد المتلاقيين إلى حين الملاقاة الا سراية النجاسة إلى الطاهر منهما (ولا يقاس) ذلك باستصحاب بقاء
الماء في الحوض في الحكم بطهارة الثوب النجس الواقع فيه (للفرق) الواضح بينهما فان طهارة الثوب من لوازم جريان الماء على الثوب
وانغساله به، ومثله أمر خارج عند العرف ملازم لبقاء ماء الحوض إلى حين وقوع الثوب في الحوض عرفا لا عين بقائه،
190

فاستصحاب بقاء الماء في الحوض لا يثبت ذلك، بخلاف بقاء الرطوبة المسرية إلى حين الملاقاة فان العرف لا يفهم من بقاء الرطوبة
المسرية إلى حين الملاقاة الا سراية الرطوبة إلى الملاقي لكونها أي السراية بأنظارهم عين بقاء الرطوبة المسرية إلى حين الملاقاة، بلا
نظر منهم إلى أمر ثالث هو الواسطة، فتدبر.
ومنها
ما ذكره في التحرير من أنه لو اختلف الولي والجاني في سراية الجناية، فقال الولي: ان المجني عليه مات بالسراية، وقال الجاني: بل
مات بسبب آخر من شرب سم ونحوه وان جنايته وقعت على الميت، أو انه كان ميتا قبل الجناية، ففي ثبوت الضمان وعدمه وجهان من
أصالة عدم الضمان، ومن استصحاب بقاء حياة المجني عليه إلى زمان وقوع الجناية عليه (أقول): لا ريب في أنه لا يمكن تصحيح القول
بالضمان في المثال بالأصل المزبور الا على القول بالمثبت، إذ ليس الموضوع للضمان مركبا من الجناية وحياة المجني عليه إلى حين
ورود الجناية عليه ليندرج في الموضوعات المركبة المحرزة بعضها بالوجدان، وبعضها بالأصل (وانما) موضوعه عبارة عن أمر بسيط
من القتل أو السراية ونحو ذلك، وترتب مثله على أصالة بقاء حياة المجني عليه إلى زمان ورود الجناية عقلي محض، ولا يمكن إثباته
بالأصل المزبور، لكونه من أشنع افراد المثبت، ولعل صدور هذا الاحتمال من العلامة قدس سره لكونه ممن يرى الاستصحاب من
الامارات المفيدة للظن النوعي.
ومنها
استصحاب عدم الحاجب عند الشك في وجوده في محال الغسل أو المسح، حيث إن بناءهم عند الشك في وجود الحاجب لا في حاجبية
الموجود على إجراء أصالة العدم فيه، وعدم الاعتناء باحتمال وجوده والحكم بصحة الوضوء والغسل، مع أن صحة الوضوء والغسل من
لوازم وصول الماء إلى البشرة وانغسالها به، ومثله من اللوازم العادية لعدم وجود الحاجب (وفيه) ان بنائهم وإن كان على الاخذ
بأصالة العدم في الفرض المزبور، ولكن نمنع كونه من جهة الاستصحاب أو من جهة قاعدة المقتضى والمانع، بل من المحتمل قويا كون
الأصل المزبور نظير أصالة عدم القرينة أصلا عقلائيا برأسه غير مربوط بالاستصحاب، وان مدركه هو الغلبة،
191

هو كذلك في أصالة عدم القرينة (فإذا) كان الغالب خلو البشرة عن وجود ما يمنع عن وصول الماء إليها، فعند الشك في وجوده في محال
الغسل أو المسح يلحق المشكوك بالغالب (ولذا) نمنع بنائهم على الاخذ بالأصل المزبور في موارد غلبة وجود الحاجب على البشرة كما
في بعض ذي الصنائع، كالبناء المباشر للجص والطين والمستعمل للزفت والقير لاصلاح الحياض (ومع الإغماض) عن ذلك يمكن ان
يقال: إنه من استصحاب بقاء الماء المصبوب على محال الوضوء أو الغسل على وصف الجريان على البشرة (أو من باب) اندراج مثله في
خفاء الواسطة، كما يؤيده عدم تعديهم إلى صورة الشك في حاجبية الموجود (والا) فعلى فرض كونه من باب العمل بالمثبت فلا يفرق
بين صورة الشك في وجود الحاجب وبين صورة الشك في حاجبية الموجود (ولكن) التحقيق ما ذكرناه أولا من كون الأصل المزبور
أصلا عقلائيا برأسه مدركه الغلبة النوعية
(ومنها)
أصالة عدم تحقق الرد من المالك في عقد الفضول المانع عن إضافته إليه بالإجازة، حيث إن بنائهم على التمسك بالأصل المزبور عند
الشك في رد المالك إياه قبل إجازته، مع أنه مثبت بالنسبة إلى إضافة العقد إليه بالإجازة (وفيه) مضافا إلى إمكان دعوى كون الأصل
المزبور قاعدة عقلائية برأسها قد أمضاها الشارع في أمثال المورد، نمنع كونه من باب المثبت، بل انما ذلك من جهة اندراج المورد في
الموضوع المركب المحرز بعضه بالوجدان وبعضه بالأصل، حيث إن كل عقد صادر من الفضول يصح ويضاف إلى المالك بإجازته إياه
إذا لم يسبقها رده، فكان القيد العدمي محرزا بالأصل والباقي بالوجدان فتدبر.
ومنها
استصحاب عدم دخول هلال شوال في يوم الشك المثبت لكون الغد يوم العيد، حيث إن بنائهم على التمسك بالأصل المزبور لا ثبات
كون الغد يوم العيد، وترتيب أحكامه عليه من الصلاة والغسل والفطرة، مع أن الأصل المزبور غير مثبت لذلك، بل ولا لكون اليوم
المشكوك فيه من رمضان ليترتب عليه وجوب الصوم، لان كون الزمان المشكوك فيه من رمضان وكون غده يوم العيد وأول شوال
من مفاد كان الناقصة ولا يثبت مثله بأصالة بقاء رمضان أو عدم دخول هلال
192

شوال الذي هو مفاد كان وليس التامتين، نظير (أصالة) بقاء الكر بالنسبة إلى كرية الموجود (وفيه) منع كون مبنى التسالم المزبور هو
الاستصحاب، بل العمدة في ذلك هي القاعدة المضروبة في المقام المستفادة من قوله عليه السلام صم للرؤية وأفطر للرؤية مكنيا بذلك
عن اعتبار العلم بدخول رمضان وشوال في ترتب وجوب الصوم والافطار، اما برؤية الهلال، أو بمضي ثلاثين يوما، فأولية الشهر الذي
هو موضوع الأحكام الخاصة من وجوب الصوم أو الافطار عبارة عن اليوم الذي ليلته ليلة رؤية الهلال، أو الذي سبقه من الشهر الماضي
ثلاثون يوما، كما أن آخريته عبارة عن اليوم الذي ينتهي إلى ليلة رؤية الهلال، أو اليوم الثلاثين من ذلك الشهر فتدبر (ويمكن) تطبيقه
على الاستصحاب بنحو لا يلزم منه شبهة المثبتية، باستصحاب رمضانية يوم الشك بمفاد كان الناقصة بالتقريب المتقدم في استصحاب
الأمور التدريجية.
الأمر الرابع
ان الاستصحاب كما يجري فيما هو تمام الموضوع للحكم الشرعي، كذلك يجري فيما هو جزئه أو قيده (فإذا) كان الموضوع مركبا من
جزين أو أكثر وكان بعض اجزائه مشكوكا يجري فيه الأصل ويترتب عليه الأثر الشرعي إذا كان الجز الاخر محرزا أيضا اما
بالوجدان أو بأصل آخر، حيث إنه باستصحابه يتحقق الموضوع المركب، فيترتب عليه الأثر الشرعي، وهذا مما لا إشكال فيه (كما لا
إشكال) في جريانه فيما هو من قيود الحكم الذي أنيط به الحكم الشرعي في لسان الخطاب، كالاستطاعة بالنسبة إلى وجوب الحج، فإنه
مهما شك فيها يجري فيها الأصل وجودا وعدما بلا كلام ويترتب عليه الحكم الشرعي من غير أن يرتبط ذلك بالمثبت، (فإنه) بإناطة
الوجوب بالقيد والشرط، تصير الإناطة والتقيد مجعولا وتكون مما أمر رفعه ووضعه بيد الشارع كما في إناطة الحكم بموضوعه، فمع
الشك فيه وجودا أو عدما يجري فيه الاستصحاب ويترتب على استصحابه ما له من الأثر نفيا وإثباتا (نعم) الاشكال انما هو في شرائط
الواجب وقيود المأمور به (ينشأ) من عدم خلو استصحابها عن شبهة المثبتية.
وتوضيح المقال فيه هو ان مرجع القيود المأخوذة في الواجب والمأمور به
193

في ظاهر الخطاب، كالطهارة والستر ونحوهما (اما) ان يكون إلى دخل التقيد بها في المأمور به على نحو تكون الإضافة والتقيد
بالقيد والشرط جز للمأمور به ومشمولا بحسب التحليل للامر النفسي الضمني كما هو المشهور بحيث يكون مرجع الامر بالصلاة مع
الطهارة إلى إيجاب ذات الصلاة مع التقيد بالطهارة ويكون وجوب تحصيل القيد لأجل مقدمتيها للتقيد المأخوذ في الواجب بنحو
الجزئية لا لذات الصلاة (واما) ان يكون راجعا إلى كونها بنفسها مما له الدخل في تحقق المشروط والمقيد نظير العلة بالنسبة إلى
المعلول، ونظير شرائط الوجوب بالنسبة إلى الوجوب من غير أن يكون للإضافة والتقيد بهما دخل في المأمور به كما في الفرض
الأول، كي يلزمه انحلال الواجب إلى الذات والتقيد بقيد كذا، فيكون الواجب هو ذات الصلاة غير أن الشارع اعتبر كونها حسب إناطتها
بالستر والطهارة على وجه لا يكاد يتحقق الا في ظرف الستر والطهارة، فتكون الطهارة وكذا الستر مقدمة محضة للمأمور به و
خارجة عنه (وبعد ذلك) نقول: إنه على الفرض الأول ربما يتأتى الاشكال في استصحاب شرائط الواجب وقيوده عند الشك فيها،
بتقريب ان الإضافة والتقيد المأخوذ في الواجب أمر واقعي كذات المقيد، ولا تكون من الجعليات التشريعية وانما التشريع في دخل
مثلها في موضوع الحكم، والاستصحاب الجاري في ذات القيد والشرط مثبت بالنسبة إليها فلا يجدى الاستصحاب المزبور لا ثبات
مثلها الا على القول بالمثبت، أو دعوى خفاء الواسطة (بخلاف) الفرض الثاني فإنه لا قصور في استصحاب القيد والشرط عند الشك
فيهما، (إذ) بإناطة موضوع الحكم بكونه في ظرف وجود القيد تصير الإناطة لا محالة شرعية لكونها مما أمر رفعه ووضعه بيد الشارع
ويصير القيد طرفا لها، وبهذا الاعتبار يعتبر العقل منه جهة المقدمية للواجب، وحينئذ فحيث ان الشك في وجود القيد يستتبع الشك في
تحقق الإناطة يجري فيه الاستصحاب ويترتب عليه جهة الإناطة المزبورة عقلا لكونها من لوازم الأعم من الواقع والظاهر، حيث يعتبر
العقل بضم الوجدان إلى الأصل تحقق الامر المقيد بكونه في ظرف وجود كذا (فيكون) الفارق بين الفرضين في جريان الاستصحاب في
قيود الواجب وعدم
194

جريانه من جهة شرعية الإناطة وعدم شرعيتها، ففي الفرض الثاني لما كانت الإناطة بين موضوع الحكم وقيده شرعية يجري
الاستصحاب في القيد والشرط وتترتب على استصحابها الإناطة بين موضوع الحكم وقيده عقلا، بخلاف الفرض الأول فإنه تكون
الإضافة والتقيد القائم بين الشيئين أمرا واقعيا كذات الموضوع ولا يقتضى الاستصحاب الجاري في القيد إثبات التقيد المزبور الا على
القول بالمثبت (ولا دافع) لهذا الاشكال، الا دعوى كونه من باب خفاء الواسطة أو جلائها، أو دعوى كشف حجية المثبت في نحو هذه
الموارد من جهة تطبيق الإمام عليه السلام الاستصحاب على الطهارة الحدثية والخبثية ونحوهما هذا (ولكن) يندفع هذا الاشكال بأنه لا
نعني من التقيد المأخوذ في الواجب على هذا المسلك الا الإضافة الخاصة المتقومة بذات المقيد والقيد، ومن الواضح انه كما أن بوجدان
القيد واقعا يعتبر العقل تلك الإضافة الخاصة فيحكم بتحقق الصلاة المتقيدة بالطهور والستر مثلا، كذلك باستصحابه وتعبد الشارع
بما هو طرف هذه الإضافة، فيعتبر العقل باستصحابه أيضا تلك الإضافة والقيد المزبور (وبالجملة) ان حكم العقل بتحقق الإضافة و
التقيد تابع إحراز تحقق طرفيها فمتى أحرز تحقق طرفيها وجدانا أو تعبدا يعتبر العقل الإضافة الخاصة ولا يرتبط ذلك بباب المثبت
كي يحتاج إلى التشبث بخفاء الواسطة أو جلائها، فلا فرق حينئذ بين المسلكين من هذه الجهة (وانما الفرق) بينهما في مقام الجعل من
حيث جعلية الإناطة على أحد المسلكين وعدم جعليتها على المسلك الاخر لكونها أمرا واقعيا فتدبر.
(التنبيه الثامن)
يعتبر في صحة الاستصحاب ان يكون المستصحب موضوعا كان أم حكما ذا أثر عملي بلحاظ بقائه حين توجيه الخطاب بعدم النقض إلى
المكلف الذي هو ظرف التنزيل، لأنه الذي يقتضيه التعبد ببقاء الشئ عملا، فلا بد في صحة هذا التنزيل من لحاظ الأثر الثابت للشئ
حين التعبد بالبقاء والا فلا يكفي في صحة الاستصحاب
195

مجرد كون المستصحب ذا أثر في الحدوث ما لم يكن ذا أثر عملي في بقائه، لان ذلك أجنبي عن هذا التنزيل، ولذا يكتفى في جريان
الاستصحاب بمجرد كون المستصحب ذا أثر عملي في بقائه ولو لم يكن لحدوثه أثر شرعي أو عملي أصلا ووجهه ما أشرنا إليه.
(التنبيه التاسع)
لا فرق في جريان الاستصحاب بين ان يكون المستصحب مشكوك الحدوث في الزمان اللاحق رأسا، كالشك في الطهارة بعد العلم
بالحدث وبالعكس، وبين ان يكون مشكوك الحدوث في جز من الزمان ومن حيث ظرفه مع الجزم بأصل حدوثه في الجملة، كالشك
في تقدم حدوث الشئ وتأخره (فكما) يجري الاستصحاب في الأول يجري أيضا في الثاني (فلو علم) يوم الجمعة بموت زيد وشك في أن
حدوثه فيه أو فيما قبله يجري فيه استصحاب العدم في الأزمنة المشكوك حدوثه فيها إلى زمان اليقين بأصل الحدوث إجمالا، و
يترتب عليه الآثار الشرعية المترتبة على عدم حدوثه فيها، ولا يضر به احتمال انطباق زمان الحدوث الاجمالي على الأزمنة السابقة
المتصلة بزمان علمه، لان ذلك لا يخرجه عن المشكوكية واقعا بعد عدم سراية اليقين الاجمالي من متعلقه الذي هو العنوان الاجمالي إلى
المحتملات التفصيلية (نعم) لا يثبت بمثله حدوثه في الزمان المتأخر لأنه من المثبت الذي نفينا اعتباره في التنبيه السابق، الا بدعوى ان
الحدوث هو الوجود المسبوق بالعدم، فإذا أحرز وجود الشئ في زمان وثبت بالأصل عدمه قبل ذلك الزمان يتحقق مفهوم الحدوث،
لاندراجه في الموضوعات المركبة المحرزة بعضها بالوجدان وبعضها بالأصل، ولكنه ضعيف جدا (نعم) لا يجري فيه أصالة عدم حدوثه
في الزمان المتأخر الذي هو زمان العلم بحدوث الحادث، اما فيه، أو فيما قبله، لا بالنسبة إلى طبيعي الحدوث ولا بالنسبة إلى شخص
الحدوث المحتمل تحققه في زمان العلم (والأول) ظاهر للجزم بانتقاض عدم الطبيعي في ذلك الزمان بيقين
196

آخر (وكذلك الثاني) لأن الشك المتصور فيه انما هو من حيث حده المنتزع عن سبق وجوده بالعدم، والا فاصل وجوده في الزمان
المتأخر معلوم تفصيلا (ومن الواضح) ان الحد المزبور لم يكن معلوم العدم سابقا حتى يجري فيه الأصل، وعلى فرض اليقين به لا يصلح
ذلك أمر الاستصحاب لوضوح ان اليقين به كذلك ملازم مع اليقين بوجوده سابقا فكيف يمكن ان يجري فيه الاستصحاب (وحينئذ)
فتبقى أصالة عدم حدوثه إلى زمان العلم بلا معارض (هذا) إذا كان الحادث على فرض حدوثه في زمان مقطوع البقاء، كالموت والحياة
بحيث أخذ حدوثاته في الأزمنة المتعددة على نحو البدلية (واما) إذا كان الحادث من الأمور الآنية التي يمكن ان يفرض له حدوثات
عرضية وعلم إجمالا بتحقق أحدها فيجري فيه أيضا أصالة العدم بالنسبة إلى كل واحد من الحدوثات لتحقق أركانه فيها، غاية الأمر العلم
الاجمالي بتحقق أحدها موجب لتعارض تلك الأصول، وذلك في فرض اقتضاء جريان الجميع طرح تكليف إلزامي لا مطلقا كما هو ظاهر
(هذا كله) إذا كان الأثر الشرعي مترتبا على الحادث بلحاظ إضافته إلى أجزأ الزمان.
واما إذا كان الأثر الشرعي مترتبا عليه بلحاظ إضافته إلى حادث آخر من حيث التقدم أو التقارن أو التأخر، ففي جريان الاستصحاب
فيه خلاف بين الاعلام (وحيث) ان للفرض شقوق وصور عدية فلا بأس بالتعرض لها وبيان أحكامها (فنقول): ان كل حادث أضيف إلى
حادث آخر بالقياس إلى أجزأ الزمان (اما) ان يكون متقدما عليه أو متأخرا عنه، أو مقارنا معه في الزمان (ثم العنوان) الذي يكون
موضوعا للأثر، اما ان يكون نفس تلك العناوين أعني تقدم الشئ أو تأخره أو تقارنه للشئ الاخر بنحو مفاد كان أوليس التامة
كالموت المتقدم للأب على موت الابن وبالعكس (واما) ان يكون هو الشئ المتصف بكونه متقدما على الحادث الاخر أو متأخرا عنه أو
مقارنا معه بنحو مفاد كان أوليس الناقصة (واما) ان يكون هو الشئ في ظرف تقدمه أو تأخره أو تقارنه لحادث آخر بحيث أخذ تلك
الأزمنة ظرفا محضا لموضوع الأثر، أو قيدا ووصفا له (وكذلك) حال
197

الحادث الاخر بالإضافة إلى هذا الحادث (فإنه) يكون له هذه الأقسام بعينها (فهذه) أقسام متصورة في مفروض البحث للعنوان الذي
يكون موضوعا للأثر.
واما حكم هذه الأقسام
(اما القسم) الأول منها،
فان قلنا في مثل هذه الإضافات ان لها حظا خارجيا عند وجود طرفيها غير متوقفة على الاعتبار بحيث كان الخارج ظرفا لنفسها ولولا
لوجودها كما هو التحقيق، فلا شبهة في جريان أصالة العدم في كل من التقدم والتأخر والتقارن بنحو مفاد ليس التامة، لكونها من
الخارجيات المسبوقة بالعدم أزلا، غاية الأمر بالعلم الاجمالي بانقلاب أحد هذه الاعدام المستصحبة يسقط الجميع بالمعارضة عند
استلزام جريانه فيها طرح تكليف إلزامي، وذلك في فرض ترتب الأثر الملزم على كل واحد من عنوان التقدم والتأخر والتقارن أو
لحادث آخر كذلك (والا) فمع فرض كون الأثر المهم لخصوص عنوان التقدم أو التأخر أو التقارن، لا لكل واحد منها، ولا لحادث آخر
كذلك، فلا معارضة في البين (واما لو قلنا) ان هذه الإضافات من خارجات المحمول التي لاحظ لنفسها في الخارج وان الخارج موطن
منشأ انتزاعها من الحدوثات الزمانية الخاصة بلا جهة زائدة فيها، فلا مجال لجريان أصالة العدم فيها، لعدم كونها بنفسها من
الخارجيات المسبوقة بالعدم، بل لا بد حينئذ من جعل محط أصل العدم في منشأ انتزاعها الذي هو الحدوثات الخاصة الزمانية، لأنها هي
التي تقوم بها المصلحة والمفسدة وتكون موضوعة للأثر، فيجري استصحاب الحادث بحسب أجزأ الزمان المتقدم على الحادث الاخر
والمقارن له دون المتأخر عنه للعلم الاجمالي حينئذ بانقلابه بالنقيض اما مقدما واما مقارنا واما مؤخرا (وبذلك) لا يبقى مجال توهم
المعارضة بين تلك الأصول، إذ هي فرع جريان أصالة عدم الحادث في الزمان المتأخر (والا) فمع عدم جريانه فيه للعلم المزبور تنتفي
المعارضة بين الأصول (ولا مجال) في هذا الفرض لجريان أصالة عدم الحدوث المتأخر بلحاظ بقاء وصف التأخر، إذ ذلك فرع خارجية
مثل هذه الإضافات، والا فمع عدم خارجيتها كما هو المفروض فلا يكون محط الأصل الا شخص الحدوث الخاص بخصوصيته الذاتية، و
المفروض انتقاض العدم الخاص المتيقن
198

في ضمن اليقين بعدم الجامع بين الحدوثات باليقين بالوجود كما ذكرناه في أصالة عدم الحدوث بالقياس إلى أجزأ الزمان (واما عدم)
شخص الحدوث الخاص في هذا الزمان فهو أيضا مما لا يجري فيه الأصل، لما ذكرنا من أن الشك المتصور فيه انما هو بلحاظ حده
المنتزع عن سبقه بالعدم، لا بلحاظ أصل وجوده، لكونه معلوما بالتفصيل، وهذا المعنى مع أنه غير متيقن سابقا لا يصلح أمر الاستصحاب
بلحاظ ان اليقين به كذلك ملازم لليقين بوجوده سابقا (وحينئذ) فإلقاء المعارضة بين الأصول الجارية في إعدام الحدوثات الخاصة
الموصوفة بالتقدم والتأخر والتقارن مبني على جعل هذه الإضافات من الخارجيات غير المتوقفة على الاعتبار الزائدة على الحدوثات
الخاصة الزمانية (والا) فعلى مسلك جعلها من الاعتبارات المنتزعة التي لا يكون الخارج الا ظرفا لمنشأ انتزاعها من الحدوثات الخاصة
الزمانية، فلا يتم المعارضة بين الأصول، الا بفرض كون الشئ من الأمور الآنية التي يتصور فيه حدوثات متعددة عرضية، إذ حينئذ
بالعلم الاجمالي بتحقق أحدها تتحقق المعارضة بين الأصول الجارية في إعدام الحدوثات الخاصة الزمانية، وذلك في فرض اقتضاء
جريان الأصل في الجميع طرح تكليف ملزم (والا فلا) لما تقرر غير مرة من عدم مانعية مجرد العلم الاجمالي عن جريان الأصول في
أطرافه (وعليه) فلا مجال لما في الكفاية من إلقاء المعارضة بين تلك الأصول مع بنائه على اعتبارية تلك الأوصاف وكونها من خارجات
المحمول المنتزعة من الذوات الخاصة، خصوصا مع تمثيله في المقام بمثل موت المتوارثين الذي ليست حدوثاته الا بدلية، وقد عرفت انه
على هذا المبنى لا يكون مجرى الأصل الا الحدوثات الخاصة الزمانية التي هي المناشئ لهذه الاعتبارات لكونها هي الموضوعات للآثار
الخاصة، وان مجرى الأصل لا يكون الا عدم الحادث بلحاظ أجزأ الزمان المتقدم على الحادث الاخر أو التقارن دون تأخره عنه
(ومن التأمل) فيما ذكرنا انقدح حال القسم الثاني
وهو ما كان الأثر مترتبا على اتصاف الذات بهذه الصفات بنحو مفاد كان أوليس الناقصة، فإنه على مبنى اعتبارية هذه الإضافات على
وجه لا يكون الخارج ظرفا لها، بل لمناشئها أي الوجودات الخاصة
199

بحدودها الذاتية وخصوصياتها الواقعية لا مجال لجريان الاستصحاب في إعدام اتصاف الذوات بهذه الأوصاف بنحو السلب المحصل،
بلحاظ ان الذوات الخاصة بالخصوصيات الذاتية التي هي موضوع الأثر حقيقة غير صالحة للانفكاك عن ذاتياتها حتى في عالم تقررها
فلا يمكن سلب ذاتياتها في عالم من العوالم ولو قبل وجوداتها (لان) ما يمكن سلبه عن الشئ ولو قبل وجوده انما هي اللوازم الزائدة
عن حقيقة الشئ اللاحقة لوجوده، دون اللوازم الذاتية الثابتة للشئ في عالم تقرره (ومن هنا) لا يجري الأصل العدم في لوازم الماهية
لأنها لا تنفك عنها ولو قبل وجودها فلا يكون لها حالة سابقة (واما على المختار) في أمثال هذه النسب والإضافات من كونها أمورا
خارجية، كالفوقية والتحتية مسبوقة بنفسها بالاعدام الأزلية زائدا عن عدم طرفيها فعليه وان لم يكن مجال لاستصحاب وجود
المتصف بالتقدم والتقارن أو بعدمهما، لعدم اليقين بالحالة السابقة (ولكن) في طرف العدم لا بأس باستصحاب عدم اتصاف الحادث
بالتقدم أو التقارن ولو قبل وجوده بنحو القضية السالبة المحصلة، فيقال في الشئ الكذائي انه قبل وجوده لم يكن متصفا بكذا فشك
في اتصافه به حال وجوده والأصل بقائه على ما كان، فإذا كان الأثر مترتبا على الذات المتصفة بكذا بحيث كان لحيث الاتصاف المزبور
دخل في ترتبه، فلا محالة يكفي في نفي الأثر نفي اتصاف الذات بالوصف ولو قبل وجودها (لان) نقيض اتصاف الشئ بشي عدم
اتصافه به لا اتصافه بعدمه بنحو القضية المعدولة كي يقتضى وجود الموصوف خارجا كالقضايا الموجبة ويكون الأصل المزبور مثبتا
بالنسبة إليه (وحينئذ) فبعد كفاية مجرد نقيض الأثر المترتب على النقيض في استصحاب كل طرف من النقيضين بلا احتياج إلى ترتب
الأثر على نفس المستصحب، فلا قصور في استصحاب عدم اتصاف الذات بالوصف ولو قبل وجودها بنحو السلب المحصل لنفي الأثر
المترتب على الذات المتصفة، وبذلك نلتزم بجريان استصحاب العدم بمفاد ليس الناقصة فيما هو من نظائره من مثل القرشية ونحوها
(نعم) انما يثمر هذا الاستصحاب فيما إذا اعتبر قيدية الوصف في صقع ذات الموضوع السابق في لحاظ العقل على وجودهما بنحو قابل
لحمل الوجود على المقيد
200

بالوصف تارة، والعدم أخرى، كما في القضايا التصورية، حيث إن من نتائج التقييد في هذه المرحلة قابلية حيث التقيد أيضا تبعا للذات
للاتصاف بالوجود والعدم المستتبع لاعتبار نقيضه ما دامت الذات محفوظة في عالم تقررها (ولازم) ذلك توسعة نقيض التقيد و
الاتصاف بل القيد بما هو قيد على نحو يصدق مع السلب بانتفاء الموضوع أيضا بلا انحصاره بخصوص السلب بانتفاء المحمول، فيجري
فيه استصحاب العدم بكل من مفاد ليس التامة والناقصة، من غير فرق في ذلك بين ان يكون الوصف ملحوظا بما هو شئ في حيال
ذاته، أو بما هو نعت لموصوفه وقائم به خارجا، فان مجرد كون الوصف نعتا لموصوفه ومتأخرا عن وجوده خارجا لا يقتضى تأخر
قيديته المساوق لاعتبار تقييد الموصوف به كي يمنع عن جريان استصحاب عدمه (والا) لاقتضى المنع عنه ولو مع لحاظ الوصف في
حيال ذاته المعبر عن وجوده بالوجود المقارن وعن عدمه بالعدم المقارن (وحينئذ) فبعد فرض اعتبار قيدية الوصف في صقع ذات
الموصوف بنحو القضية التصورية السابق في لحاظ العقل على مرتبة وجودهما، فلا محالة عند الشك في اتصاف الموضوع حين وجوده
بالوصف، تجري أصالة العدم في اتصافه ولو قبل وجوده، كجريانه في ذات القيد والوصف بما هو قيد بنحو السلب المحصل بكل من
مفاد ليس التامة والناقصة لتحقق أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق، فيقال: ان الذات الكذائية قبل وجودها لم تكن متصفة بكذا
فشك في اتصافها به حين وجودها والأصل بقائها على ما كانت (والوجه) فيه ما عرفت من أن من لوازم اعتبار التقييد في هذه المرتبة
قابلية حيث التقيد أيضا تبعا للذات للاتصاف بالوجود والعدم ولازمه توسعة دائرة نقيض التقيد المزبور بنحو يصدق مع السلب بانتفاء
الموضوع بلا انحصار نقيضه بالسلب بانتفاء المحمول (هذا) إذا اعتبر قيدية الوصف في مرتبة ذات الموصوف السابق في لحاظ العقل
على مرتبة وجوده.
(واما) إذا اعتبر قيديته للذات في المرتبة المتأخرة
عن وجودها بنحو القضية التصديقية بحيث أخذ في الموصوف في مقام اعتبار التقييد صفة الموجودية للذات، كما إذا أخذ الموضوع في
طي القضية الشرطية مشروطا بالوجود ثم
201

بقيد وجودي أو عدمي بمثل قوله إن وجد زيد وكان راكبا فكذا، ففي مثله لا مجال لجريان استصحاب العدم الثابت في حال عدم
الموصوف، لا في حيث الاتصاف، ولا في ذات القيد والوصف بما هو قيد (لوضوح) ان اعتبار قيدية الوصف في المرتبة المزبورة يقتضى
خروج مرتبة ذات الموضوع عن صقع التقيد، إذ صقع التقيد حينئذ انما هو في ظرف وجود الذات على نحو القضية التصديقية بنحو يرى
حيث التقيد في المرتبة المتأخرة عن وجود الذات، ومع خروج مرتبة الذات عن صقع التقيد لا يكاد يصدق نقيض التقيد ولا القيد في
ظرف عدم الموضوع، لان نقيض كل شئ ما كان في مرتبة وجوده، فإذا كان صقع التقيد في المرتبة المتأخرة عن وجود الموضوع فلا
يكون نقيضه إلا العدم في هذه المرتبة دون العدم في مرتبة الذات، (ولاجله) يتضيق دائرة القيد بما هو قيد أيضا وجود أو عدما بما
يكون في المرتبة المتأخرة عن وجود الموضوع (ومن الواضح) حينئذ انه لا مجال في مثله لجريان استصحاب العدم الأزلي، لان ما كان
نقيضا لموضوع الأثر وهو العدم في ظرف وجود الموضوع لا يكون موردا لليقين السابق بالثبوت حتى يجري فيه الاستصحاب، وما
كان موردا لليقين بالثبوت انما هو القضية السالبة بانتفاء الموضوع، وهي من جهة عدم كونها نقيضا لموضوع الأثر لا يجري فيها
الاستصحاب، كما أن إبقاءها تعبدا إلى زمان وجود الموضوع لا يثبت العدم الخاص الذي هو نقيض موضوع الأثر الا بالملازمة العقلية
التي لا نقول به (بل إن تأملت) ترى عدم إجراء الأصل المزبور ولو على القول بالمثبت، لمكان عدم الملازمة بين بقاء المستصحب أعني
العدم المحفوظ في المرتبة السابقة على وجود الموضوع، وبين العدم الخاص المتأخر عن وجود الموضوع، إذ في مثله لا يكاد يجدي
أصالة عدمه الثابت في مرتبة الذات لا ثبات العدم الخاص المتأخر عن وجود الموضوع ولو على القول بالمثبت (وحينئذ) فعلى كل
تقدير لا يجري استصحاب العدم في الفرض المزبور (من غير فرق) بين ان يكون الوصف ملحوظا في عالم اعتبار القيدية نعتا
للموضوع المعبر عنه بالوجود النعتي وعن عدمه بالعدم النعتي، وبين ان يكون ملحوظا بما هو في حيال ذاته المعبر عنه
202

بالوجود المقارن وعن عدمه بالعدم المقارن.
(وبما ذكرنا) انقدح ما هو المناط في جريان الاستصحاب في الاعدام الأزلية في نحو هذه القضايا التوصيفية وعدم جريانها وانه
يختلف باختلاف مرحلة اعتبار صقع القيدية للوصف المأخوذ في موضوع الأثر، (فمناط) جريان الاستصحاب فيها انما يكون باعتبار
القيدية في ظاهر الخطاب في صقع الذات السابق في لحاظ العقل على مرحلة وجودهما بنحو قابل لحمل الوجود على المقيد بالوصف،
تارة، والعدم أخرى، كما في موارد أخذ الذات بمعناه التصوري في طي التقييد (كما أن مناط) عدم جريانه انما هو باعتبار القيدية في
المرتبة المتأخرة عن وجود الذات (لما عرفت) من أن من نتائج اعتبار القيدية في هذه المرتبة، خروج مرتبة الذات بالمرة عن صقع
التقييد الموجب لخروج العدم الثابت في مرتبة الذات عن كونه نقيضا لموضوع الأثر، فلا يجري فيه استصحاب العدم الأزلي (من غير
فرق) في الصورتين بين ان يكون الوصف ملحوظا في عالم القيدية بما هو في حيال ذاته أو بما هو نعتا لموضوعه (لا ان) المناط فيه
وجودا بمجرد لحاظ الوصف في حيال ذاته، وعدما بلحاظه نعتا لموضوعه وقائما به كما توهم، لما عرفت من أن مجرد لحاظ الوصف
شيئا في حيال ذاته لا يقتضى جريان أصالة العدم فيه بنحو السلب المحصل لامكان اعتبار القيدية حينئذ في الصقع المتأخر عن وجود
الموضوع، كما أن مجرد لحاظه نعتا لموصوفه وقائما به لا يقتضى المنع عن استصحاب عدمه الثابت حال عدم الموضوع، لامكان
اعتبار التقييد في مرتبة ذات الموضوع السابقة في لحاظ العقل على وجودهما بلا لحاظ تقدم وجود الموصوف في مقام اعتبار التقييد
في مرحلة الموضوعية للأثر كما هو ظاهر (وتنقيح الكلام) بأزيد من ذلك موكول إلى محل آخر (فان) المقصود في المقام مجرد
الإشارة إلى بيان مجرى الاستصحاب العدم الأزلي، وانه انما يكون بلحاظ اعتبار التقييد في مرحلة الموضوعية للأثر في صقع الذات، لا
بلحاظ مرحلة الاتصاف الخارجي وانما أطلنا الكلام فيه حرصا لدفع بعض الشبهات عن الأذهان الصافية.
ثم إن ما ذكرنا من جريان أصالة العدم بالسلب المحصل من نحو أصالة عدم
203

اتصاف المرأة بالقرشية وعدم اتصاف الحادث حين وجوده بعنوان التقدم والتأخر والتقارن بالقياس إلى حادث آخر، انما هو إذا كان
الأثر لسلب الاتصاف لا للمعنى المتصف بالعدم بنحو القضية المعدولة (والا فعلى) فرض ان موضوع الأثر هو الامر المتصف بالعدم في
زمان الاخر، فلا مجري فيه للأصل لعدم اليقين بالحالة السابقة من ارتباط الموضوع واتصافه بالعدم، إذ الوجود من الأول غير معلوم
الاتصاف بالعدم المذكور لأنه، اما وجد متأخرا عن زمان وجود الاخر، أو متقدما عليه، أو مقارنا له، وأصالة عدم اتصافه بالتقدم أو
التقارن أو التأخر بنحو السلب المحصل الراجع إلى سلب الاتصاف لا يثبت الموضوع المتصف بالسلب الذي هو مفاد المعدولة الا على
القول بالمثبت، ومجرد وحدة منشأ هذه المفاهيم في الخارج غير كاف في جريان الاستصحاب في بعضها بلحاظ الأثر المترتب على
بعض آخر كما هو ظاهر.
(ثم إن ذلك) كله في فرض ترتب الأثر على وجود أحد الحادثين بلحاظ إضافته إلى الحادث الاخر بكل من عنوان التقدم، والتأخر أو
التقارن، وقد عرفت انه على المختار في مثل تلك الإضافات من كونها بنفسها أمورا خارجية وصفاتا زائدة على الذوات الخارجية
مسبوقة بأعدامها الأزلية، لا قصور في جريان أصالة العدم فيها بمفاد ليس التامة والناقصة وترتب نقيض الأثر المترتب على النقيض
عليه ما لم يكن معارضا بجريانه في الحادث الاخر أو فيه بعنوان آخر (واما) لو كان الأثر لعدم أحدهما في زمان وجود الاخر بحيث
يكون زمان الاخر ظرفا لما هو موضوع الأثر، كإسلام الوارث وموت المورث، وكبيع الراهن ورجوع المرتهن عن اذنه وقد شك في
تقدم أحد الحادثين على الاخر وتأخره عنه أو تقارنه (فتارة) يعلم بتاريخ أحدهما المعين ويشك في تاريخ الاخر في أنه قبله أو بعده أو
مقارن له (وأخرى) يكون كل منهما مجهول التاريخ (فعلى الأول) لا قصور في جريان استصحاب العدم في مجهول التاريخ في الأزمنة
المشكوك حدوثه فيها إلى زمان يقطع فيه بوجوده، ففي المثال المتقدم لو علم بموت المورث في يوم الخميس مثلا وشك في إسلام
الوارث في أنه قبل يوم الخميس الذي هو زمان موت المورث يجري الأصل في المجهول فيترتب عليه آثار عدم إسلامه إلى زمان
204

موت مورثه التي منها عدم إرثه منه، حيث إنه يثبت به بضم وجدان موت المورث في الزمان المعين اجتماع عدم إسلام الوارث وموت
المورث في الزمان (وكذلك) الامر فيما لو انعكس الفرض بان علم بإسلام الوارث في يوم معين ويشك في موت المورث في أنه قبله أو
فيه أو بعده، فإنه باستصحاب عدم موته أو حياته إلى زمان إسلام الوارث يثبت موضوع التوارث الذي هو اجتماع الاسلام وحياة
المورث في الزمان. هذا إذا كان الأثر لمجرد عدم أحد الحادثين في زمان الاخر (واما) إذا كان الأثر لوجود أحدهما المتصف بالعدم
في زمان الاخر، فلا يجري فيه أصالة بالعدم لعدم اليقين بالحالة السابقة، وعدم إثمار استصحاب ذات عدم الامر الكذائي إلى زمان
الحادث الاخر لاثبات ارتباط الموجود واتصافه بالعدم، لان غاية ما يثبت به هو ان زمان وجود الحادث المعلوم، زمان عدم الاخر، و
أين ذلك وإثبات موضوع الأثر الذي هو الذات المتصف بالعدم في زمان الاخر (وإلى ذلك) نظر المحقق الخراساني قدس سره في
تفصيله بين ان يكون الأثر للحادث المتصف بالعدم في زمان كذا، وبين ان يكون الأثر لذات عدم أحدهما في زمان الاخر (هذا) في
مجهول التاريخ.
واما في معلوم التاريخ
منهما فلا مجرى فيه للاستصحاب، لانتفاء الشك اللاحق بالنسبة إليه فإنه قبل يوم الخميس الذي هو ظرف حدوث الاسلام مثلا كان
إسلام الوارث معلوم العدم وفي يوم الخميس كان معلوم التحقق فلا يتصور الشك فيه في زمان كي يجري فيه استصحاب العدم (وقد
يتوهم) ان المعلوم انما هو وجوده بالإضافة إلى أجزأ الزمان، واما بالإضافة إلى زمان الواقعي لحدوث الاخر، فحدوثه مشكوك فيه
فيستصحب عدمه بهذا الاعتبار، فيعارض مع الأصل الجاري في مجهول التاريخ (وأجيب عنه) بأنه ان أريد لحاظه بالإضافة إليه على وجه
يكون زمان الاخر ظرفا محضا لوجوده على وجه الاجمال فهو عبارة أخرى عن لحاظه بالإضافة إلى أجزأ الزمان، وقد عرفت انه مع
العلم بتاريخ حدوثه لا شك في وجوده حتى يستصحب (وان أريد) لحاظه بالإضافة إليه على وجه يكون زمان الاخر قيدا ووصفا
لوجوده فلا حالة له سابقا حتى يستصحب، ولذا يمنع عن استصحاب وجود المتصف بالتقدم
205

أو بعدمه لمكان عدم الحالة السابقة (أقول): ولا يخفى ان مجرد كون زمان الاخر ظرفا له لا يمنع عن استصحابه بعد صدق الشك في
بقاء عدمه بالإضافة إلى زمان وجود الاخر واقعا، فإنه يصح ان يقال في معلوم التاريخ: ان بقاء عدمه في زمان الواقعي لوجود الاخر
مشكوك (واما) على القيدية وان لم يجر فيه الاستصحاب لمكان عدم الحالة السابقة، الا انه لا بأس بجريان الاستصحاب لسلب اتصاف
المعلوم به ولو قبل وجوده، لما ذكرنا من أن الأثر إذا كان للذات المتصف بكذا، كان لحيث الاتصاف دخل في ترتبه، فيكفي في نفي
الأثر المترتب على الذات المتصف نفي اتصافها به ولو قبل الوجود إلى حين وجودها، فيترتب عليه نقيض أثر النقيض الكافي هذا
المقدار في باب الاستصحاب.
فالأولى في دفع الشبهة ان يقال: إن عدم جريان الأصل ولو على الظرفية في معلوم التاريخ بلحاظ زمان الواقعي لوجود الاخر انما هو
لأجل عدم إحراز مقارنة الابقاء التعبدي مع زمان وجود الاخر، لان معنى إبقاء شئ وجودا أو عدما إلى زمان الواقعي لوجود غيره، هو
إبقاؤه إلى زمان يقطع فيه بكونه ذاك الزمان الواقعي لوجود الاخر، والا فبدون اليقين به لا يمكن تطبيق كبرى الأثر على المورد (و
حينئذ) مع تردد زمان وجود الاخر بين زمانين لا يكاد يمكن الجزم بالتطبيق الا بفرض جر عدم المعلوم في جميع محتملات أزمنة
وجود مجهول التاريخ، وهو غير ممكن (لان) من محتملات زمان وجوده زمان اليقين بارتفاع المستصحب وانقلابه بالنقيض، فلا يمكن
جر عدمه إلى هذا الزمان، ومع عدم جره كذلك كان البقاء التعبدي فيه مشكوك المقارنة مع زمان وجود الغير، ومع الشك المزبور لا
يثمر الأصل في ترتيب أثر البقاء المقارن لزمان وجود الغير (هذا كله) إذا كان أحدهما المعين معلوم التاريخ والاخر مجهوله.
(واما إذا كانا) مجهولي التاريخ،
فالذي يظهر من جماعة منهم العلامة الأنصاري قدس سره جريان الاستصحاب فيهما ذاتا، غاية الأمر سقوطهما بالمعارضة في فرض
ترتب الأثر المهم على كل منهما كما في الأمثلة المتقدمة من مثال موت المتوارثين
206

الوالد والولد غير مقترنين والشك في المتقدم والمتأخر، أو موت المورث وإسلام الوارث كذلك ونحوهما من الأمثلة التي أوردها
الشيخ قدس سره.
ولكن التحقيق خلافه وانه لا مجرى للاستصحاب في واحد منهما ولو بلا معارض (وذلك) لا لما أفاده المحقق الخراساني من شبهة
الانفصال باليقين بالانتقاض (بل لما أشرنا) إليه آنفا من عدم إجرائه في التطبيق على موضوع الأثر في فرض إمكان جر المستصحب، و
عدم إمكان جره في فرض إحراز التطبيق (ولتوضيح) المرام نفرض الأزمنة في الأمثلة المذكورة ثلاثة أيام (الأول) يوم الخميس الذي
هو زمان اليقين بعدم موت المورث وعدم إسلام الوارث فيه (الثاني) يوم الجمعة الذي هو زمان الشك في حدوث موت المورث وإسلام
الوارث فيه (الثالث) يوم السبت الذي هو زمان اليقين بحدوث كل من موت المورث وإسلام الوارث بنحو الاجمال مرددا كل منهما بان
يكون حدوثه فيه أو في زمان سابق عليه وهو يوم الجمعة (وبعد ذلك) نقول: إن شأن الاستصحاب بعد إن كان جر المستصحب و
امتداده إلى زمان الشك، لا إلى زمان اليقين بالانتقاض (فتارة) يكون منشأ الشك في بقاء شئ وجودا أو عدما إلى زمان وجود غيره،
من جهة الشك في أصل بقائه في الأزمنة المتأخرة عن زمان اليقين به، مع الجزم بان الزمان المتأخر، الذي حكم فيه بامتداد المستصحب
وبقائه فيه هو زمان وجود الاخر، كما في فرض العلم بتاريخ أحدهما المعين، فإنه لو حكم ببقاء مجهول التاريخ إلى ذلك الزمان يجزم
بمقارنة بقائه التعبدي لزمان وجود الاخر (وأخرى) يكون منشأ الشك فيه من جهة الشك في مقارنة البقاء التعبدي لزمان وجود الغير
(وبعبارة) أخرى يكون الشك فيه من جهة الشك في كون الزمان الذي حكم ببقاء المستصحب فيه هو زمان وجود غيره بلحاظ تردد
زمانه بين الزمانين، حيث إنه بذلك يشك في مقارنة بقائه التعبدي في زمان مع زمان وجود غيره (فإن كان) الشك في بقاء المستصحب
إلى زمان وجود غيره ممحضا بالجهة الأولى، فلا قصور في جريان الاستصحاب، فيستصحب في المثال عدم كل من إسلام الوارث و
موت المورث إلى زمان وجود الاخر ويترتب على كل منهما اثره في فرض الجزم
207

بالمقارنة مع زمان وجود الاخر (واما) إن كان الشك من الجهتين أو من الجهة الأخيرة، فلا يجري الاستصحاب في واحد منهما ولو بلا
معارض (لوضوح) ان شأن الاستصحاب انما هو مجرد إلغاء الشك من جهة خصوص امتداد المستصحب إلى الأزمنة المتأخرة عن زمان
اليقين به، لا إلغاء الشك فيه من جهة اقتران حيثية بقائه ولو تعبدا في زمان مع زمان وجود غيره (وحينئذ) فمع تردد الزمان الذي هو
ظرف وجود الاخر بين الزمانين، زمان الشك في وجود بديله الذي هو الزمان الثاني، وزمان يقينه الذي هو الزمان الثالث، يكون الشك
في مقارنة البقاء التعبدي للمستصحب مع زمان وجود الاخر على حاله، فلو أريد من الابقاء إبقاؤه إلى الزمان الثاني، فلا يجزم حينئذ
بتطبيق كبرى الأثر على المورد، الا بفرض جر المستصحب في جميع محتملات أزمنة وجود الاخر التي منها الزمان الثالث، وهو أيضا
غير ممكن، لان الزمان الثالث زمان انتقاض اليقين بكل منهما بيقين آخر، فكيف يمكن جر المستصحب إلى الزمان الذي هو زمان
انتقاض يقينه بيقين آخر؟ (ومجرد) كونه زمان الشك في حدوثه أو حدوث غيره لا يجدي في إمكان الجر إلى هذا الزمان بعد كونه
زمان انتقاض يقينه كما هو واضح.
وحيث اتضح ذلك نقول: إن المقام من هذا القبيل، ففي المثال المزبور يكون منشأ الشك في حياة الوارث أو إسلامه إلى زمان موت
مورثه كلا الامرين أعني الشك في أصل بقاء حياة الوارث أو عدم إسلامه في الزمان الثاني الذي فرضناه يوم الجمعة، والشك في حيثية
مقارنة بقاء المستصحب ولو تعبدا فيه لزمان موت المورث بلحاظ تردد حدوثه بين الزمانين (ولقد) عرفت عدم جريان الاستصحاب
في مثله على وجه يجدي في ترتيب الأثر المترتب على البقاء المقارن لزمان وجود الغير، لان ما يمكن جره بالاستصحاب انما هو جر
عدم إسلام الوارث أو حياته إلى الزمان المتأخر عن زمان يقينه أعني الزمان الثاني، ومثله لا يثمر في تطبيق كبرى الأثر على المورد،
لعدم إحراز كون البقاء التعبدي مقارنا مع زمان وجود الغير، وعدم تكفل دليل الاستصحاب الا لالغاء الشك من جهة خصوص الامتداد
دون غيره، وما يثمر
208

في التطبيق انما هو جر المستصحب إلى الزمان الثالث الذي فرضناه يوم السبت وهو غير ممكن لان زمان الثالث زمان انتقاض اليقين
بكل واحد منهما بيقين آخر، فكيف يمكن جر المستصحب إلى مثل هذا الزمان الذي هو زمان انتقاض يقينه.
لا يقال ذلك انما يكون إذا قيس استصحاب عدم أحد الامرين بالنسبة إلى الأزمنة التفصيلية (واما) لو قيس ذلك بالنسبة إلى الزمان
الواقعي الاجمالي لوجود الاخر، فلا قصور في استصحاب بقاء كل منهما إلى زمان الواقعي لوجود بديله، إذ يصدق على كل منهما
بالإضافة إليه الشك في البقاء إلى ذاك الزمان، فيستصحب في المثال عدم إسلام الوارث إلى زمان موت مورثه وبالعكس (غاية) الامر
يتعارض الاستصحابان (فإنه يقال): ان أريد من استصحاب عدم إسلام الوارث أو حياة مورثه إلى الزمان الاجمالي، جره إلى زمان
يشك فيه في انطباق المجمل عليه فهو غير مثمر في تطبيق كبرى الأثر على المورد، لعدم تكفل دليل الأصل لالغاء الشك من هذه الجهة
(وان أريد) جره إلى زمان يقطع فيه بانطباق الزمان الاجمالي عليه بنحو الاجمال، فهو وإن كان مثمرا في التطبيق، ولكنه يحتاج إلى
جره في جميع محتملاته من الأزمنة التي منها الزمان الثالث، وهو غير ممكن، وبدون جره كذلك لا يحرز كون البقاء التعبدي مقارنا مع
زمان وجود غيره (مع أنه) لو كان هذا المقدار كافيا في جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ، فلم لا يلتزم بكفايته في جريانه في
معلوم التاريخ في الفرض المتقدم، فإنه يصدق عليه أيضا بالإضافة إلى زمان الواقعي في مجهول التاريخ الشك في بقاء عدمه إلى زمان
الواقعي لوجود الاخر (ومن المعلوم) انه لا يكون الوجه فيه الا ما ذكرناه، فتدبر فيما قلناه بعين الانصاف فإنه دقيق وبالقبول حقيق.
(ثم إن للمحقق الخراساني قدس سره) تقريبا آخرا في منع جريان الأصل في مجهولي التاريخ من جهة شبهة الانفصال باليقين الناقض
الموجب لكون التمسك بعموم لا تنقض من باب التمسك بالعام مع الشك في انطباق عنوانه على المورد (وملخص) ما أفاد في تقريب
الشبهة بتوضيح منا هو ان في فرض العلم بحدوث الحادثين كإسلام
209

الوارث وموت المورث والشك في المتقدم منهما والمتأخر، لا بد من فرض الأزمنة التفصيلية ثلاثة بفرض الزمان الأول زمان اليقين
بعدمهما، والزمان الثاني زمان العلم بحدوث أحدهما فيه إجمالا، اما إسلام الوارث، واما موت مورثه، والزمان الثالث زمان اليقين
بتحقق الاسلام والموت فيه مع اليقين الاجمالي بكونه ظرفا لحدوث أحدهما، اما إسلام الوارث، واما موت مورثه (وهناك) زمانان
إجماليان أيضا: (أحدهما) زمان إسلام الوارث المحتمل الانطباق على كل من الزمان الثاني والثالث على البدل، والثاني زمان موت
مورثه المحتمل الانطباق أيضا على كل واحد من الزمانين على البدل بحيث لو انطبق أحدهما على الزمان الثاني، كان الاخر منطبقا على
الزمان الثالث، حسب العلم بتقدم زمان حدوث أحدهما على زمان حدوث الاخر (وحينئذ) فبعد احتمال كون الزمان الثاني أعني يوم
الجمعة مثلا ظرفا لحدوث الاسلام أو الموت، لا مجال لاستصحاب عدم إسلام الوارث المعلوم يوم الخميس إلى زمان موت مورثه،
لاحتمال ان يكون زمان موت المورث يوم السبت الذي هو الزمان الثالث ويكون زمان الاسلام يوم الجمعة الذي هو زمان انتقاض يقينه
باليقين بالخلاف، ومع هذا الاحتمال لا يمكن جر المستصحب من زمان يقينه إلى زمان الاخر المحتمل كونه بعد زمان اليقين بارتفاعه،
وهكذا في استصحاب عدم موت المورث إلى زمان إسلام الوارث، فإنه مع احتمال كون زمان الاسلام بعد زمان موت المورث يحتمل
انتقاض يقينه باليقين بالخلاف (وبعد تذيل) بعض اخبار الباب بقوله: ولكن انقضه بيقين آخر الذي هو من القيود المتصلة بالكلام، لا بد
في التمسك بعموم دليل الاستصحاب من إحراز تطبيق عنوانه بقيوده على المورد، فمع الشك في مثل هذا القيد يشك في تطبيق عنوانه، و
في مثله لا مجال للتمسك بعموم لا تنقض حتى بناء على جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية للمخصصات المنفصلة (هذا ملخص)
المقال في تقرير الشبهة المزبورة.
(ولكن) فيه ان الناقض لليقين السابق ليس الا اليقين بارتفاع المتيقن، لا نفس ارتفاعه واقعا ولم يتخلل بين اليقين بعدم حدوث كل من
الحادثين والشك في
210

الحدوث يقين آخر بالحدوث ليوجب عدم اتصال زمان الشك بالحدوث في كل منهما باليقين به (واما) اليقين الاجمالي بارتفاع
المستصحب في أحد الزمانين، اما الزمان الثاني، أو الثالث فهو غير قابل للفصل بين اليقين بالمستصحب والشك في بقائه في زمان
وجود الغير الا في فرض قابلية انطباقه على الزمان الثاني الذي هو أحد طرفي العلم ولكنه من المستحيل جدا (لما عرفت) غير مرة من أن
قوام العلم والشك بل جميع الصفات الوجدانية كالإرادة والكراهة والتمني والترجي وغيرها انما هو بنفس العناوين والصور
الذهنية بما هي ملحوظة كونها خارجية بلا سراية منها إلى المعنون الخارجي، لان الخارج انما هو ظرف اتصافها بالمعلومية، لا ظرف
عروضها بشهادة انه قد لا يكون للمعنون وجود خارجي أصلا كما في موارد تخلف العلم عن الواقع، فمعروض العلم في جميع موارد
العلوم الاجمالية عبارة عن عنوان وصورة إجمالية مباينة مع ما هو معروض الشك والترديد، حيث إن معروضه عبارة عن صور
تفصيلية كهذا الاناء وذاك الاناء الاخر مثلا بعنوانهما التفصيلي مع وقوف كل من الوصفين في عالم عروضهما على نفس معروضه من
الصور الذهنية، من غير أن يكون وحدة المنشأ والمعنون الخارجي لهما موجبا لسراية أحد الوصفين من معروضه إلى معروض الاخر،
بشهادة اجتماع اليقين الاجمالي مع الشك التفصيلي بكل واحد من الأطراف، مع وضوح المضادة بين الوصفين (وبعد) ذلك نقول: إنه بعد
استحالة انطباق المعلوم بالاجمال بما هو معلوم على طرفيه، فلا يعقل احتمال الفصل باليقين بارتفاع المستصحب في أحد الزمانين بين
زمان اليقين بعدم المستصحب وزمان الذي يراد جر المستصحب إليه، فان المفروض ان الزمان الفاصل بين زمان اليقين بالمستصحب
سابقا وزمان وجود غيره الذي يراد جره إليه بالاستصحاب ليس الا ما هو طرف العلم الاجمالي بين الزمانين وهو الزمان الثاني، ومع
استحالة قابلية انطباق المعلوم بوصف معلوميته على هذا الزمان الذي هو طرف العلم الاجمالي، كيف يحتمل الفصل باليقين الناقض بين
زمان اليقين بالمستصحب وزمان الذي يراد جره إليه ليكون التمسك بدليل الاستصحاب في المقام تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية
للعام المزبور، بلحاظ الشك في
211

المتصل به.
(نعم) ما هو محتمل الفصل باليقين الناقض انما هو في عالم الاتصاف والانطباق خارجا، حيث يحتمل انطباق ما هو المعلوم بالاجمال في
موطن الخارج على ما انطبق عليه معروض الشك، ولكنه مع عدم كونه فصلا باليقين حقيقة الا على توهم مرفوض وهو سراية العلم من
معروضه الذهني إلى موطن الخارج، لا يمنع هذا المقدار عن جريان استصحاب العدم في كل من الحادثين (والا) لاقتضى المنع عن
جريانه في مجهول التاريخ منهما أيضا بلحاظ ان حدوثه بعد إن كان مرددا بين ما قبل معلوم التاريخ وما بعده كان زمان الشك بعدمه
وهو زمان حدوث معلوم التاريخ غير محرز الاتصال بزمان يقينه لاحتمال انفصاله عنه بانطباق زمان اليقين بالاجمال بحدوثه على
ذلك الزمان، بل وكذلك في جميع فروض العلوم الاجمالية (وحينئذ) فلو لا ما ذكرناه من الوجه للمنع عن جريان استصحاب العدم في
مجهولي التاريخ من لزوم إحراز مقارنة زمان بقاء المستصحب ولو تعبدا مع زمان وجود غيره، وعدم صلاحية جريان الاستصحاب
إلى الزمان الثاني لرفع الشك في المقارنة المزبورة، وعدم جريانه إلى الزمان الثالث الذي هو زمان اليقين بوجود الغير لكونه زمان
اليقين بارتفاع المستصحب، لما يمنع عنه، شبهة الفصل المزبور.
(ثم لا فرق) فيما ذكرنا من عدم صلاحية العلم الاجمالي بالارتفاع في الزمان الاجمالي للفاصلية بين ان يكون المعلوم بالاجمال من الأول
مجملا مرددا بين أمرين كأحد الانأين أو الثوبين في العلم الاجمالي بنجاسة أحدهما، وبين ان يكون من الأول عنوانا تفصيليا كإناء زيد
أو الاناء الشرقي، فطرأ عليه الاجمال والترديد من جهة اشتباهه بغيره، كما لو علم بنجاسة إناء زيد بخصوصه وطهارة غيره ثم اشتبه
بالاناء الاخر، أو علم بنجاسة الاناء الشرقي وطهارة الاناء الغربي فاشتبه أحدهما بالآخر، فإنه مع تقوم الصفات الوجدانية التي منها
العلم والشك بالصور الذهنية ولولا بما يلتفت إلى ذهنيتها، بل بما انها ترى خارجية، يكون معروض العلم الاجمالي بما هو معروضه في
جميع تلك الفروض عبارة عن صورة إجمالية مباينة مع الصورة التي هي معروض الشك
212

ذهنا بنحو يستحيل اتحادهما في عالم المعروضية للشك واليقين وان كانتا متحدتين وجودا خارجا، كاستحالة سراية كل من الوصفين
من معروضه إلى معروض الاخر، أو سرايتهما إلى موطن الخارج (لا يعقل) الفصل باليقين الناقض في شئ من هذه الفروض كي يمنع
عن جريان الاستصحاب (نعم) ما هو محتمل الفصل باليقين في جميع هذه الفروض انما هو في عالم الاتصاف والانطباق خارجا، حيث
يحتمل انطباق ما هو معروض اليقين في الخارج على ما انطبق عليه معروض الشك (ولكنه) مع عدم كونه فصلا باليقين حقيقة، لا يمنع
هذا المقدار عن جريان الاستصحاب (والا) لاقتضى المنع عن جريانه في كل علم إجمالي بالنسبة إلى طرفه ولو كان المعلوم بالاجمال
من الأول عنوانا عرضيا كعنوان أحدهما (وعليه) فما عن بعض الاعلام من تشقيق تلك الفروض وتسليم احتمال الفصل باليقين الناقض
المانع عن الاستصحاب فيما كان من قبيل الاناء الشرقي المتميز عن الاناء الغربي، اما بفرض الترديد والاجمال مقارنا للعلم، كالعلم
بإصابة المطر لما هو في الطرف الشرقي، واما بطرو الاجمال والترديد بعد ما علم بإصابة المطر له، وعدم تسليمه فيما كان المعلوم
بالاجمال من الأول عنوانا عرضيا كالعلم بإصابة المطر لاحد الانأين اما الشرقي أو الغربي، منظور فيه (نعم) لا بأس بذلك في عالم
الاتصاف والانطباق الخارجي، ولكنه لا يختص بالأمثلة المزبورة بل يجري في جميع موارد العلم الاجمالي ولو كان المعلوم بالاجمال
من الأول عنوانا عرضيا كعنوان أحدهما (وحينئذ) فالعمدة في المنع عن جريان مثل هذا الاستصحاب ما ذكرناه، والا فلا قصور في
الاستصحاب إذ لا يمنع عنه الا المعارضة بجريانه في الاخر في فرض ترتب الأثر على كل منهما.
(بقي الكلام) (في تعاقب الحادثين المتضادين)
مع الشك في المتقدم منهما والمتأخر من حيث جريان الاستصحاب فيهما وعدمه، كالطهارة والنجاسة، والطهارة والحدث في المسألة
المعروفة (وفيه) أيضا تجري
213

الشقوق السابقة من الجهل بتاريخهما، تارة وبأحدهما، أخرى (والمقصود) بالكلام في المقام هو الاستصحاب الوجودي دون العدمي
(كما أن) المقصود هو استصحاب وجود كل منهما في حد نفسه، لا بلحاظ كونه إلى زمان وجود الاخر أو عدمه (فنقول): انه لو علم
بالطهارة والحدث وشك في المتقدم والمتأخر منهما فمع الجهل بتاريخهما، قد يظهر من الشيخ قدس سره بل نسب إلى المشهور
جريان الاستصحاب في كل من الطهارة والحدث وتساقطهما بالتعارض (وأورد) عليه المحقق الخراساني قدس سره بما تقدم من
شبهة الفصل باليقين الناقض لاحتمال انفصال زمان الشك في بقاء الطهارة عن زمان اليقين بها بزمان اليقين بالحدث بان يكون
الطهارة في الساعة الأولى والحدث في الساعة الثانية وكذلك الامر بالعكس (ولقد) تقدم الجواب عنه بما لا مزيد عليه.
(والتحقيق) في المقام عدم جريان الاستصحاب فيهما أيضا ولو مع قطع النظر عن التعارض (لعدم اتصال) زمان الشك فيه بزمان
اليقين بتقريبات (ولتوضيح) المرام نقول: إنه حفظا لموضوع الاستصحاب الذي هو الشك في وجود ما انطبق عليه البقاء لا بد من فرض
الأزمنة فيه ثلاث ساعات مثلا، الأولى والثانية زمان اليقين الاجمالي بتحقق كل من الحادثين الطهارة والحدث، والثالثة زمان الشك في
بقاء كل منهما، والا فلو فرض انه ما مضى الا الزمانان اللذان علم بحدوث الطهارة والحدث فيهما وشك في المتقدم والمتأخر منهما،
فلا مجال لتوهم جريان الاستصحاب فيهما لعدم تصور الشك في البقاء حينئذ، لان في الزمان الأول لا يقين بحدوث الطهارة، ولا
بالحدث، وفي الزمان الثاني وان علم بحدوثهما ولكن أمر كل واحد منهما فيه مردد بين الحدوث والارتفاع، فلا يتصور الشك في
البقاء في واحد منهما، وهذا بخلاف فرض الأزمنة ثلاثة، حيث إن في الزمان الثالث يتصور الشك في البقاء في كل واحد منهما، فكان
موضوع الاستصحاب الذي هو الشك في وجود ما ينطبق عليه البقاء محرزا (وبعد ذلك)
نقول: إن عدم جريان الاستصحاب في المتضادين المجهولين تاريخهما لوجوه.
214

الأول
ان المستفاد من أدلة الباب بمقتضى لزوم وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة موضوعا، اعتبار اتصال زمان الشك في بقاء المستصحب
بزمان اليقين بوجوده بحيث يصدق الشك في البقاء على الحادث في الزمان المشكوك فيه وليس هنا كذلك (لان) ما حدث وهو
الطهارة في المثال بعد إن كان زمانه زمانا إجماليا مرددا بين زمان الأول والثاني، فقهرا يكون زمانه المتصل لحدوثه أيضا مرددا بين
زمان الثاني والثالث، وهكذا في طرف الحدث، ففي الزمان الثالث لم يحرز اتصاله بزمان اليقين، لأن الطهارة إن كانت واقعة في
الساعة الأولى ففي الساعة الثانية كانت مرتفعة قطعا فيكون الزمان الثالث الذي هو زمان الشك في البقاء منفصلا عنه، وإن كانت واقعة
في الساعة الثانية، فزمان الثالث وإن كان متصلا بزمان حدوثهما، الا انه على هذا التقدير لا يكون الزمان الثالث زمان الشك في البقاء
والارتفاع للقطع حينئذ ببقاء الطهارة فيه (وان شئت قلت) بانتفاء الشك في البقاء في الزمان الثالث بالنسبة إلى كل واحد من الطهارة
والحدث، لأنه على تقدير يقطع بارتفاعه، وعلى تقدير يقطع ببقائه، فان ما يتصور من الشك في البقاء فيه انما هو من جهة الشك في
الحدوث المتصل به لا من جهة الشك في نفس بقاء ما هو الحادث فارغا عن حدوثه المتصل به، وموضوع الاستصحاب صرفا أو انصرافا
انما كان هو الثاني لا الأول، ولا مطلق الشك في البقاء ولو كان من جهة الشك في الحدوث في الان المتصل به (وحينئذ) فلا ينتقض ما
ذكرناه بموارد الشكوك البدوية (فإنه) لو علم بالطهارة في ساعة فشك في بقائها في الساعة الأخرى كان زمان الشك في البقاء متصلا
بزمان اليقين بحدوثها حيث يحتمل ملازمة حدوثها في الساعة الأولى لبقائها في الساعة الثانية ويحتمل عدم ملازمة حدوثها للبقاء، و
شأن الاستصحاب إبقاء ما شك في بقائها في الزمان المتصل بالحدوث.
الثاني
انه لا شبهة في أن الشك الذي هو موضوع الاستصحاب هو الشك في بقاء المستصحب وارتفاعه في الزمان المتصل بزمان اليقين
بحدوثه، بحيث يحتمل ملازمة حدوثه في الزمان الأول مع بقائه في الزمان الثاني، ويحتمل عدم
215

ملازمته وانفكاك وجوده في الزمان الثاني عن حدوثه في الزمان الأول (ومثل) هذا المعنى لا شك في تحققه في الشكوك البدوية
(بخلاف المقام) فإنه لا يتصور فيه احتمال بقاء المستصحب وارتفاعه في الزمان الثالث الذي أريد جر المستصحب إليه (فإنه على
تقدير) ان يكون حدوث الطهارة في الساعة الأولى، يقطع بارتفاعها في الساعة الثانية بحدوث ضده الذي هو الحدث، فلا يحتمل فيها
البقاء في الساعة الثالثة (وعلى تقدير) ان يكون حدوثها في الساعة الثانية يقطع ببقائها في الساعة الثالثة، فلا يحتمل انفكاك حدوثه
عن بقائه في الزمان الثالث، وهكذا بالنسبة إلى إلى الحدث، ومع انتفاء الشك في البقاء والارتفاع لا يجري فيه الاستصحاب (واما) ما
يرى من الشك في البقاء والارتفاع بالنسبة إلى كل من الطهارة والحدث، فقد عرفت رجوعه في الحقيقة إلى الشك في زمان حدوثه
المتصل به، لا انه من جهة الشك في انقطاع ما هو الحادث فارغا عن حدوثه في الزمان المتصل به كما هو ظاهر.
الثالث
ان المنصرف من دليل الاستصحاب هو ان يكون زمان الذي أريد جر المستصحب إليه على نحو لو تقهقرنا منه إلى ما قبله من الأزمنة
لعثرنا على زمان اليقين بوجود المستصحب كما في جميع موارد الاستصحابات الجارية في الشكوك البدوية (وليس المقام) من هذا
القبيل، فان في كل من الطهارة والحدث لو تقهقرنا من زمان الشك الذي هو الساعة الثالثة لم نعثر على زمان اليقين بوجود
المستصحب، بل الذي نعثر عليه فيما قبله من الأزمنة انما هو زمان اليقين بعدم حدوث المستصحب من الطهارة أو الحدث (لان) كلا من
الساعة الثانية، والأولى إذا لاحظنا فيه المستصحب طهارة أو حدثا يرى كونها ظرفا للشك في وجوده إلى أن ينتهى إلى الزمان الخارج
عن دائرة العلم الاجمالي الذي هو زمان اليقين بعدم كل منهما (وحيث) انه لم نعثر في تقهقرنا على زمان تفصيلي نعلم فيه بالطهارة أو
الحدث، امتنع الاستصحاب لانصراف الدليل عنه (هذا بالنسبة) إلى الأزمنة التفصيلية (واما بالنسبة) إلى الزمان الاجمالي المشار إليه
بكونه بعد زمان اليقين بحدوث المستصحب، فاتصاله بزمان اليقين وإن كان متحققا بنحو الاجمال، ولا مانع من هذه الجهة من
استصحاب
216

كل من الطهارة والحدث إلى الزمان الثاني الاجمالي المتصل بزمان اليقين بالحدوث في كل منهما، ولكنه انما يثمر إذا لم يحتج إلى
التطبيق على الأزمنة التفصيلية كما لو كان الأثر لمجرد بقاء الطهارة أو الحدث في زمان ما إجمالا، والا فعلى فرض الاحتياج إلى
التطبيق على الأزمنة التفصيلية بلحاظ ترتب الأثر المهم من نحو صحة الصلاة على ثبوت الطهارة في زمان تفصيلي (فلا مجال) لهذا
الاستصحاب، لعدم إثماره في التطبيق على واحد من الأزمنة بخصوصه، بل عدم صحته، (لما عرفت) من أن الزمان الثاني الذي هو طرف
العلم لا يحتمل فيه البقاء لكونه مرددا بين زمان الحدوث والارتفاع (والزمان) الثالث وان احتمل فيه البقاء لكن لا يحتمل فيه الارتفاع،
لكونه على تقدير مقطوع البقاء، وعلى تقدير آخر مقطوع الارتفاع فيه (هذا) (وقال الأستاذ قدس سره ان المحقق الخراساني قدس
في سالف الزمان في مجلس بحثه قرر شبهة الانفصال بمثل ما ذكرناه) (ولكنه) قررها في الكفاية من جهة شبهة الفصل باليقين
الناقض.
(إشكال ودفع)
اما الاشكال فقد يورد على ما ذكرنا من شبهة عدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين بوجود المستصحب، بان لازم اعتبار الاتصال
بالمعنى المزبور في صحة الاستصحاب عدم جريانه حتى في الشك البدوي في الرافع الوارد على المعلوم بالاجمال من حيث الزمان، كما
لو علم إجمالا بطهارته اما في الساعة الأولى أو الثانية وشك بشبهة بدوية في حدوث حدث بعده في الزمان الأخير الذي هو طرف العلم
على فرض حدوث المعلوم في الزمان الأول أو مطلقا، حيث إنه بمقتضى البيان المزبور لا يجري استصحاب الطهارة، لا في الزمان
الثاني الذي هو طرف العلم بحدوث الطهارة لكونها مرددة فيه بين الحدوث والارتفاع، ولا في الزمان الثالث، لعدم إحراز الاتصال
بالمعنى المزبور، إذ لو انتقلنا من زمان الشك إلى الوراء متقهقرا لم نعثر الا على زمان اليقين بعدم المستصحب، لان كل واحدة من
الساعة الأولى والثانية التي هي قبل زمان الشك إذا لوحظت يرى كونها زمان الشك في حدوث المستصحب من حيث احتمال حدوث
المعلوم بالاجمال من حيث الزمان فيه أو فيما قبله أو ما بعده، مع
217

انه لا يظن التزامه من أحد.
واما الدفع ففيه أو لا ان بنائهم على جريان الاستصحاب في مثله ليس باعتبار الأزمنة التفصيلية كي يصير نقضا على ما ذكرنا، بل هو
باعتبار جريانه في الأزمنة الاجمالية لحدوث المستصحب المستتبع لليقين في الزمان الثاني التفصيلي الذي هو طرف العلم الاجمالي، اما
بالطهارة الواقعية أو التعبدية (ومن الواضح) عدم جريان هذا التقريب في فرض العلم بحدوث الحدث مع الشك في تقدمه على الطهارة
وتأخره عنه (وثانيا) يمكن دعوى جريان الاستصحاب التقديري في مفروض النقض، فإنه على تقدير عدم حدوثها في الزمان الأخير
الذي هو طرف العلم يشك في بقائه فيه فيستصحب ولازمه العلم الاجمالي في زمان الاخر بوجود طهارة واقعية أو ظاهرية (وهذا)
التقريب غير جار في المقام أيضا (إذ في) فرض العلم بالناقض والشك في المتقدم والمتأخر يكون أمر كل واحد من الطهارة والحدث
في الزمان الثاني مرددا بين الحدوث والارتفاع، لا في البقاء والارتفاع (ودعوى) ان الاستصحاب التقديري في مفروض النقض انما
يجري في فرض كون موضوع حرمة النقض هو نفس الشئ بوجوده الواقعي ولولا بما هو معلوم، والا فعلى فرض دخل اليقين في
موضوع حرمة النقض فلا يجري الاستصحاب، لعدم اليقين الفعلي حينئذ بوجود المستصحب (مدفوع) بان ما هو غير متحقق فعلا انما هو
اليقين المطلق، لا مطلق اليقين به ولو منوطا، ولا شبهة في تحقق اليقين الفعلي المنوط فيه (فإنه) في فرض عدم حدوث المستصحب في
الزمان الثاني الذي هو طرف العلم يصدق انه كان على يقين فعلى بوجوده غايته منوطا بالتقدير المزبور، وهذا المقدار من اليقين
المنوط يكفي في تحقق موضوع حرمة النقض فتدبر (فتلخص) مما ذكرنا انه لا مجال لجريان الاستصحاب في واحد من الحالتين
المتضادتين ولو مع قطع النظر عن المعارضة (هذا كله) في صورة الجهل بتاريخ الحالتين المتضادتين.
واما صورة العلم بتاريخ إحداهما،
فعلى تقرير شبهة الانفصال بما
218

أفاده المحقق الخراساني قدس من احتمال الفصل بالانتقاض باليقين لا يجري الاستصحاب في هذا الفرض أيضا لا في مجهوله ولا في
معلومه (واما) بناء على تقريرها بما ذكرناه من اعتبار اتصال زمان الشك بزمان اليقين بوجود المستصحب فيمكن التفصيل بينهما
بجريان الاستصحاب في معلومه دون مجهوله لعدم الاتصال فيه.
(التنبيه العاشر)
يعتبر في صحة الاستصحاب ان يكون المستصحب موضوعا كان أم حكما تكليفيا كان أم وضعيا ذا أثر عملي حين الاستصحاب ولو
بوسائط عديدة كوجوب قضاء الفريضة باستصحاب نجاسة الماء الذي توضأ به (واما) ما لا يقتضى عملا بالفعل، كالخارج عن ابتلا
المكلف رأسا ولو بلحاظ اثره، والحكم التعليقي قبل حصول المعلق عليه، فلا يجري فيه الاستصحاب لعدم كفاية مجرد شرعية الأثر بلا
انتهائه إلى ترتب أثر عملي في جريانه، واعتبار هذا الشرط على ما اخترناه من رجوع لا تنقض إلى الامر بالمعاملة مع المشكوك معاملة
المتيقن من حيث الجري العملي ظاهر، فإنه بدونه يمتنع التعبد للغويته (واما بناء) على القول برجوعه إلى جعل المماثل أو الأثر فمن جهة
ظهور اخبار الباب صرفا أو انصرافا بمقتضى ورودها في مقام بيان الوظيفة الفعلية العملية للشاك والجاهل المتحير في وظيفته في
الاختصاص بمورد يترتب عليه أثر عملي حين توجيه الخطاب بحرمة النقض إلى المكلف وهذا مما لا إشكال فيه، كما لا إشكال في لزوم
كون الأثر من لوازم نفس الواقع أو الواقع المعلوم من حيث طريقيته لا من حيث نوريته في نفسه، والا فلو كان الأثر من لوازم الواقع
المعلوم من حيث كونه نورا في نفسه وصفة خاصة قائمة بالنفس، فلا مجال للاستصحاب ووجهه واضح (كما أن) الامر كذلك لو كان
المأخوذ في موضوع الأثر عدم استتاره، كما لعله من هذا القبيل باب الشهادة، لوضوح ان الاستصحاب انما يجري ويحرز الموضوع في
ظرف الشك
219

بالواقع واستتاره، فلا يمكن ان يكون رافعا لاستتاره (وبهذه) الجهة يمتاز الاستصحاب بناء على أخذه من الاخبار عن الامارة، فان
الامارة بمقتضى لسان دليل اعتبارها الدال على تتميم كشفها ترفع سترة الواقع، بخلاف الاستصحاب فإنه باعتبار أخذ الشك في
موضوعه يمتنع ان يكون رافعا لسترة الواقع، لامتناع ان يكون الحكم رافعا لموضوعه، وبهذه الجهة تكون الامارة حاكمة عليه لكونها
رافعة للشك المأخوذ في موضوعه (وحينئذ) فلا بد من ملاحظة كبريات الآثار الواقعية في أنها ثبتت بأي كيفية، والا فبعد الفراغ عن
إحراز كيفية ثبوتها لا إشكال في جريان الاستصحاب على بعض التقادير وعدم جريانه على بعض التقادير الاخر حسب ما عرفت من
التفصيل.
التنبيه الحادي عشر
لا فرق في الاستصحاب بين ان يكون المستصحب من الموضوعات الخارجية، أو اللغوية، أو الأحكام الشرعية، أصولية أم فرعية، وبين ان
يكون من الأمور الاعتقادية التي كان المطلوب فيها عمل الجوانح من نحو التسليم والانقياد والاعتقاد بمعنى عقد القلب على نبوة نبي أو
إمامة امام، فيجري فيها الاستصحاب موضوعا وحكما في فرض تحقق أركانه (فلو شك) في نبوة شخص أو إمامته بعد اليقين بثبوتهما
له سابقا يجري فيهما الاستصحاب ويترتب على استصحابهما الآثار المزبورة من لزوم الانقياد وعقد القلب بناء على كونها من آثار
البنوة الواقعية لا من آثار النبوة المعلومة بوصف معلوميتها (والا) فلا مجال للاستصحاب وان فرض تمامية أركانه من اليقين السابق و
الشك اللاحق كما تقدم في التنبيه السابق (من غير فرق) في ذلك بين أن تكون النبوة وكذا الإمامة من المناصب الجعلية الإلهية، أو من
الأمور الواقعية الناشئة من كمال نفسه الشريفة وبلوغها إلى مرتبة عالية التي بها صار سببا متصلا بين الخالق والمخلوق وواسطة في
إبلاغ الأحكام الإلهية (فإنه) على كل تقدير
220

يمكن تصور الشك فيهما، لامكان تطرق الشك في النبوة أو الإمامة عقلا على فرض الجعلية، لاحتمال كونهما محدودة في الواقع إلى
وقت خاص، وعلى فرض الواقعية، لاحتمال الانحطاط عن الرتبة، أو لوجود من هو أكمل من السابق (وحينئذ) فمتى فرضنا ترتب أثر
عملي من الأعمال الخارجية أو الجوانحية من مثل عقد القلب ونحوه على واقع النبوة أو الإمامة القابل لترتيبه بالاستصحاب يجري فيهما
الاستصحاب ويترتب عليهما الأثر، وان قلنا بأنهما من الأمور التكوينية الناشئة من كمال النفس، ومتى لم يكن أثر عملي لواقع النبوة أو
الإمامة بان كانت الآثار المزبورة من لوازم النبوة المعلومة بوصف معلوميتها، لا مجال لجريان الاستصحاب فيها، وان قلنا بأنها من
المناصب المجعولة، لان مجرد جعليتها لا يجدي في صحة الاستصحاب ما لم يترتب عليها أثر عملي (هذا) ولكن من البعيد جدا كون تلك
الآثار من لوازم النبوة المعلومة، إذ لم يساعده الدليل ولا الاعتبار، بل الظاهر كونها آثارا لنفس النبوة الواقعية الثابتة في ظرف العلم و
الجهل بها، لأنها من مراتب شكر المنعم ووسائط النعم الحاكم به العقل السليم والذوق المستقيم، ولازمه بعد الفحص واليأس إمكان
ترتبها ببركة الامارة أو الأصل المنقح لموضوعها، لولا دعوى عدم تمشي التسليم والانقياد الحقيقي لنبي أو امام مع التزلزل في نبوته
أو إمامته، وان أمكن دفعه بان ما لا يتمشى مع الشك انما هو التسليم والانقياد الجزمي، واما التسليم والانقياد له بعنوان كونه نبيا أو
إماما ظاهرا بمقتضى الامارة أو الأصل المنقح فلا بأس به.
ولكن الذي يسهل الخطب انتفاء الشك الذي هو ركن الاستصحاب في نحو هذه الاستصحابات، فان المسلم المتدين بالاسلام لا يكون
شاكا في بقاء نبوة عيسى عليه السلام، بل هو بمقتضى تدينه قاطع بانقطاع نبوته ونسخ شريعته بمجئ نبينا صلى الله عليه وآله
(كيف) ولا طريق له إلى اليقين بنبوة عيسى عليه السلام ولو في سالف الزمان الا القرآن واخبار نبينا صلى الله عليه وآله، والا فمع
قطع النظر عن ذلك لا يقين له بأصل نبوته بمحض تدين جماعة بدينه، ومن المعلوم ان القرآن وكذا نبينا صلى الله عليه وآله كما أخبرا
221

نبوته سابقا، كذلك أخبرا باختتام نبوته ونسخ شريعته، ومعه (كيف) يتصور للمسلم المتدين بنبوة النبي اللاحق، الشك في بقاء نبوة
النبي السابق وبقاء شريعته كي ينتهى المجال إلى الاستصحاب، كما أن المتدين بدين النصارى والمتثبت فيه قاطع ببقاء شريعة عيسى
عليه السلام (نعم) قد يتصور الشك في البقاء بالنسبة إلى بعض النصارى ممن اطلع على مزايا الاسلام على ساير الأديان، فان مثله ربما
يشك في نبوة نبينا صلى الله عليه وآله، فيشك في بقاء نبوة نبي السابق وشريعته (ولكن) الاخذ بالاستصحاب لمثل هذا الشاك في
الشريعتين لو يجدى فإنما هو فيما يرجع إلى عمل نفسه، ولا ينفع في إلزامه المتدين بدين الاسلام (لان) الاستصحاب وظيفة عملية
للشاك والمتحير، ولا شك للمسلم في بقاء نبوة السابق لكونه قاطعا بانقطاع نبوته ونسخ شريعته بمجئ النبي اللاحق، ولا حجة
للجاهل على العالم (كما أن) صحة أخذه بالاستصحاب ولو في عمل نفسه انما هو في فرض علمه بحجية الاستصحاب في الشريعتين لعلمه
إجمالا حينئذ اما ببقاء السابق واقعا أو بكونه محكوما بالبقاء بحكم الاستصحاب (والا) فعلى فرض عدم علمه بحجيته الا في الشريعة
السابقة أو في خصوص الشريعة اللاحقة، فلا يجديه الاستصحاب ولو لعمل شخص نفسه، لان علمه بحجية على الأول دوري، وعلى
الثاني غير مجد لمكان جزمه بمخالفة الاستصحاب حينئذ للواقع بلحاظ ملازمة حجيته في الشريعة اللاحقة لنسخ الشريعة السابقة، فلا
يحصل له العلم الاجمالي ببقاء الشريعة السابقة اما واقعا أو استصحابا كما هو واضح.
وبما ذكرنا ظهر ان تمسك الكتابي بالاستصحاب
في مناظرته مع السيد المتبحر السيد باقر القزويني في بلدة ذي الكفل إن كان لأجل إقناع نفسه في عمله بالشريعة السابقة فما ارتكب
في دعواه شططا، واما إن كان ذلك لأجل إلزامه المسلمين على التدين بدين النصرانية، ففساده غني عن البيان، لما عرفت من أنهم وان
كانوا مذعنين بنبوة عيسى عليه السلام حسب اخبار نبينا الصادق الأمين صلى الله عليه وآله بذلك وتصديقهم إياه في كل ما قال، الا انهم
عالمون بانقطاع نبوته ونسخ شريعته فلا شك لهم في ذلك
222

كي ينتهى المجال إلى إلزامهم بالالتزام بالشريعة السابقة بمقتضى الاستصحاب المعلوم حجيته لديهم، (وإن كان) لا هذا ولا ذاك، بل
لأجل إلزام المسلمين على إقامة الدليل على مدعاهم من الدين الجديد، فله وجه وجيه، الا ان مدعى بقاء الدين السابق أيضا يحتاج إلى
إقامة الدليل على بقائه، ولا يكفيه الاخذ بالاستصحاب الذي هو الوظيفة الفعلية العملية للمتحير الشاك في إثبات البقاء، ولكن هذا
المعنى خلاف ما هو المحكي عنه من قوله فعليكم كذا وكذا، فإنه ظاهر بل صريح في أن غرضه إلزام المسلمين على الاخذ بالدين السابق
بالاستصحاب بمقتضى يقينهم السابق بنبوة عيسى عليه السلام، ولذا أفاد السيد الجليل في جوابه في مجلس المناظرة بما هو مضمون ما
ذكره الرضا عليه السلام في جواب جاثليق من انا نعترف بنبوة كل موسى وعيسى إلخ، وعليه عرفت ما فيه من أن الاستصحاب وظيفة
عملية للشاك في البقاء والارتفاع لا للمتيقن بالارتفاع، وإليه يرجع ما أفاده السيد قدس سره من الجواب في مجلس المناظرة من انا
نؤمن ونعترف بنبوة كل موسى وعيسى أقر بنبوة نبينا صلى الله عليه وآله، فكان الغرض من هذا الجواب بيان ان علمنا بنبوة الشخص
الخارجي المسمى بموسى أو عيسى عليه السلام لا يلزمنا البقاء على شريعتهما، لأنا كما نقطع بنبوتهما سابقا كذلك نقطع بنسخ
شريعتهما، بل وباعترافهما بنبوة نبينا صلى الله عليه وآله حسب تصديقنا النبوة للنبي الجديد صلى الله عليه وآله وتصديقنا إياه في
كل ما قال الذي منها اخباره بإخبارهما بمجئ نبي بعدهما اسمه أحمد، بل ووجوب البشارة عليهما لا متهما بمجئ نبينا صلى الله عليه و
آله، فكان المقصود من ذكر القيد أخذه معرفا للشخص الخارجي المسمى بموسى وعيسى كسائر معرفاته من كونه طويلا أو أسمر
اللون ونحو ذلك، لا ان المقصود أخذه منوعا قد جي به تضييقا لدائرة الكلي كي يتوجه عليه الاشكال بان موسى أو عيسى موجود واحد
جزئي اعترف المسلمون وأهل الكتاب بنبوته (ومن الواضح) ان اعتراف المسلمين بنبوة هذا الشخص المبشر لا يكاد يضرهم ولا ينفع
الكتابي أيضا فتدبر فيه فإنه ظاهر واضح.
223

التنبيه الثاني عشر
إذا ورد عام افرادي يتضمن العموم الزماني وخرج بعض افراد العام عن الحكم بالتخصيص في بعض الأزمنة فشك في أن خروجه عنه
في تمام الأزمنة أو في بعضها، فهل المرجع بعد انقضاء الأمد المتيقن خروجه عنه هو عموم العام كما عن بعض، أو استصحاب حكم
المخصص كما عن بعض آخر، وجهان (وقد) عد من ذلك قوله سبحانه أوفوا بالعقود باعتبار أدلة الخيارات كخيار الغبن ونحوه إذا
شك في أنه للفور أو التراخي
(وتنقيح) الكلام فيه يستدعى تقديم أمور.
الأمر الأول
ان الزمان في دليل العام اما ان يكون قيدا للموضوع أو الحكم، واما ان يكون ظرفا لهما (وعلى الأول) تارة يكون مجموع آنات الزمان
لوحظ على وجه الارتباطية قيدا واحدا، نظير العام المجموعي بحيث لو خلا آن واحد عن وجود الموضوع أو الحكم لا ارتفع الموضوع و
الحكم من أصله، كما لعله من هذا القبيل باب الصوم من حيث إن حقيقة الصوم المأمور به هو الامساك المتقيد بكونه في مجموع آنات
النهار من طلوع الفجر إلى الغروب من حيث المجموع بنحو يتحقق العصيان وينتفي المأمور به بخلو آن من آنات النهار عن الامساك
تعمدا (وانما قلنا) ان منه باب الصوم احتمالا لا جزما، لقوة احتمال عدم كونه من باب التقييد بالزمان (بل من باب) كونه عبارة عن
مرتبة خاصة من الامساك المحدود بالحدين أوله بما يقارن الفجر وآخره بما يقارن الغروب بنحو يكون الفجر والغروب معينين
للحدين وكاشفين عنهما بنحو كشف اللازم عن الملزوم وكان النهار من أوله إلى آخره ملازما لتلك المرتبة من الامساك الخاص، لا انه
أخذ قيدا فيه (وعلى كل حال) فعلى القيدية، اما ان يكون مجموع الأزمنة من حيث المجموع على نحو الارتباطية لوحظ قيدا
224

واحدا للموضوع أو الحكم، واما ان يكون لوحظ كل آن من آنات الزمان قيدا مستقلا بنحو يتكثر الموضوع أو الحكم بتكثر آنات
الزمان ويصير الموضوع الوحداني الخارجي باعتبار تكثر الانات موضوعات متعددة يتبعها أحكام عديدة نظير العام الأصولي كما لو
ورد في الخطاب يجب إكرام زيد في كل زمان، أو ان إكرام زيد واجب في كل زمان، فان تقسيم العام إلى المجموعي والأصولي كما
يجري في العموم الافرادي، كذلك يجري في العموم الا زماني، غير أن الارتباط والاستقلال في العموم الافرادي يلاحظان بالنسبة إلى
الافراد، وفي العموم الزماني يلاحظان بالنسبة إلى أجزأ الزمان وآناته، من غير فرق بين سعة دائرة الزمان بكونها ما دام العمر، أو
محدودة بالسنة أو الشهر أو اليوم (والفرق) بين هذين القسمين انما هو من حيث وحدة الإطاعة والمعصية وتعددهما التابع لوحدة
التكليف والموضوع وتعدده.
وعلى الثاني وهو الظرفية للموضوع أو الحكم (فتارة) يكون مفاد العام إثبات حكم شخصي مستمر وحداني لكل فرد من افراد
موضوعه المستمر على نحو غير قابل للتكثر ولو تحليلا بحيث لو انقطع هذا الشخص لم يكن الخطاب متكفلا لحكم آخر لشخص
موضوعه (وأخرى) يكون مفاده إثبات حكم سنخي لذات كل فرد بما هي سارية في جميع الحالات والأزمان على وجه قابل للانحلال
حسب القطعات المتصورة للفرد الشخصي بحسب الأحوال والأزمان إلى أحكام متعددة ثابتة لكل قطعة من القطعات الموجودة للفرد
الشخصي المستمر، من غير نظر في تكفله لثبوت ذلك الحكم السنخي لذات كل فرد إلى كل زمان ليكون قطعات الزمان افرادا مستقلة
للعام كما يقتضيه فرض أخذ الزمان قيدا للموضوع أو الحكم (وثالثة) يكون مفاد العام إثبات حكم سنخي لطبيعة الموضوع القابل
للانطباق على كل فرد على وجه الاطلاق والسريان بالنسبة إلى الحالات والأزمان مع فرض كون الزمان في جميع هذه الفروض ظرفا
بحيث لو أخذ في لسان الدليل كان لمحض الإشارة إلى أمد استمرار الحكم أو موضوعه.
ومن نتائج هذه الفروض انه على الأول لو ورد دليل على نفي الحكم عن فرد في زمان معين فشك في ثبوت الحكم له بعد زمان
التخصيص، لا مجال للتشبث بدليل
225

العموم لاثبات حكمه بعد زمان التخصيص (بل لا بد) حينئذ من التماس دليل آخر (والا) فالدليل الأول لم يتكفل الا لاثبات حكم شخصي
مستمر زمانا لموضوع شخصي مستمر ومثله انقطع بالدليل المخرج (بخلاف) الأخيرين، فان الدليل الأول بلحاظ تكفله لاثبات الحكم
الشخصي القابل للانحلال لذات الفرد أو الطبيعي الجامع على نحو الاطلاق والسريان بالنسبة إلى الحالات والأزمان يكون مثبتا لحكم
هذا الفرد فيما بعد زمان التخصيص، ومن هذه الجهة لا قصور في التشبث به لثبوت حكمه بعد التقطيع (من غير فرق) بين ان يكون
التقطيع من الوسط أو من الأول (والسر في ذلك) هو ان ما يقتضيه نفس دليل الحكم انما هو ثبوت الحكم لذات الفرد أو الطبيعي في
الجملة بحيث لو شك فيه بالنسبة إلى بعض الأحوال أو الأزمان يرجع فيه إلى الأصول العملية (واما) ثبوته له مستمرا إلى الأبد وفي جميع
الأحوال فإنما هو بمقتضي إطلاق دليله، وبذلك يستكشف من الدليل المخصص المزبور المخرج للزمان، تحديده من الأول إلى الزمان
الخاص، فيكون الدليل المخصص في الحقيقة محددا له إلى زمان خاص، لا انه مخصص ومخرج للفرد عن حكم العام، والا يلزم عدم
ثبوت حكم العام من الأول لمثل هذا الفرد، وليس كذلك بل العام باق على عمومه حتى بالنسبة إلى هذا الفرد (غاية الأمر) يرفع اليد عن
إطلاقه بالنسبة إلى بعض الأزمنة ويؤخذ بإطلاقه فبما عداه، إذ لا وجه لرفع اليد عن إطلاقه بالنسبة إلى غير هذا الزمان، لأن المطلق لا
يخرج عن الحجية بمجرد ورود تقييد على بعض جهاته (و بهذه) الجهة نفرق في الفرض الأول بين منقطع الوسط ومنقطع الأول و
الأخير، حيث نقول بمرجعية العام بإطلاقه المتكفل لشخص الحكم في الأخيرين بلحاظ عدم خروج الحكم الشخصي الثابت للفرد بعد
التقطيع المزبور بالنسبة إلى غير زمان المخرج عن الوحدة والشخصية (بخلاف) التقطيع من الوسط فإنه من المستحيل بقاء الحكم
المزبور على وحدته مع تخلل العدم بينهما (فلو) ثبت له حكم بعد الزمان المخرج، يلزم تكفل دليل العام لاثبات الحكمين، والمفروض
عدم تكفله الا لا ثبات حكم وحداني شخصي كما هو ظاهر.
الأمر الثاني
لا إشكال في أن اعتبار العموم الزماني بنحو القيدية أو
226

الظرفية لنفس الحكم أو لمتعلقه لا بد وأن يكون بقيام الدليل عليه، والدليل المتكفل لذلك (كما أنه) قد يكون هو الدليل الخارجي
(كذلك) قد يكون نفس الدليل المتكفل للحكم (فإنه) يمكن ان يكون هو المتكفل للعموم الزماني بالنصوصية أو بقضية إطلاقه (من غير
فرق) في هذه الجهة بين ان يكون مصب العموم الزمان متعلق الحكم الذي هو فعل المكلف كقوله يجب إكرام العالم في كل زمان أو دائما
ومستمرا إلى الأبد، وبين ان يكون مصبه نفس الحكم من الوجوب أو الحرمة كقوله يجب مستمرا أو في كل زمان إكرام العالم، أو ان
إكرام العالم واجب في كل آن، أو واجب بوجوب مستمر في كل زمان مع إقامة القرينة الحافة بكلامه على وجه يصير ظاهرا في رجوع
القيد إلى نفس الحكم دون متعلقه (فعلى كل تقدير) يمكن ان يتكفل اعتباره نفس دليل الحكم بلا احتياج إلى التماس دليل آخر منفصل
كما هو ظاهر.
ولكن الذي يظهر من بعض الأعاظم قدس سره على ما في التقرير عدم إمكان تكفل نفس دليل الحكم لبيان التقييد إذا كان مصب
العموم الزماني نفس الحكم (بتقريب) ان استمرار الحكم ودوام وجوده انما هو فرع أصل ثبوته ووجوده، فنسبة الحكم إلى عموم أزمنة
وجوده نسبة الحكم والموضوع، والعرض والمعروض، إذ العموم الزماني كان واردا على الحكم وواقعا فوق دائرته فلا يمكن ان
يكون الدليل المثبت لأصل ثبوت الحكم متكفلا لبيان أزمنة وجوده (بل لا بد) من التماس دليل آخر منفصل يكون هو المتكفل لبيانه
(بخلاف) ما لو كان مصب العموم المزبور متعلق الحكم، فإنه يمكن ان يكون المتكفل لبيانه نفس دليل الحكم، لان العموم الزماني حينئذ
كان تحت دائرة الحكم وكان الحكم واردا عليه كوروده على المتعلق، فلو شك حينئذ في أصل التخصيص أو في مقداره يجوز التمسك
بعموم العام الازماني في فرض كون مصب العموم هو المتعلق، بخلاف فرض كون مصبه نفس الحكم، فإنه لا يجوز التمسك بدليل الحكم
لعدم إمكان تكفله لأزمنة وجوده، ولا بما دل على عموم أزمنة وجوده، بلحاظ ان الشك في أصل التخصيص الزماني، أو في مقداره
مستتبع للشك في وجود الحكم (وحيث) ان وجود الحكم بمنزلة الموضوع للعموم الزماني، فلا يمكن تكفل
227

العموم الزماني لوجود الحكم مع الشك فيه، لأنه يكون بمنزلة إثبات الموضوع بالحكم انتهى ملخص مرامه بطوله.
وفيه ان استمرار كل شئ ودوامه موضوعا كان أو حكما ليس الا عبارة عن سعة دائرة وجوده في أزمنة بعد حدوثه فعنوان البقاء وإن كان
بمنشأ انتزاعه متأخرا عن الحدوث، ولكنه ليس من قبيل تأخر المعلول عن علته والحكم عن موضوعه والعرض عن معروضه بنحو
موجب لتخلل فأ بينهما الكاشف عن اختلاف مرتبتهما، بل تأخره عن الحدوث انما كان ذاتا لا مرتبة، لوضوح انه انما ينتزع عن وجود
الشئ في ثاني زمان حدوثه وثالثة، والا فالباقي عين الحادث وجود أو مرتبة (وحينئذ) فإذا كان ذلك شأن الحدوث والبقاء (نقول)
ان كل مورد يكون مصب العموم الزماني نفس الحكم لا بد من جعل الحكم الذي هو مصب هذا العموم مهملة عن هذا القيد ليكون العموم
واردا عليه، كما هو شأن كل موضوع بالنسبة إلى المحمول الوارد عليه (وحينئذ) فكلمة يجب في قوله يجب إكرام كل عالم مستمرا انما
تدل على ثبوت هذا الحكم المهمل من حيث القيد المزبور لكل فرد، ويكون الدوام والاستمرار من عوارض هذه الطبيعة المهملة.
واما استفادة العموم الزماني فإنما هو من استمرار وجود هذه الطبيعة المهملة من هذه الجهة في الأزمنة المتمادية لا من نفسها، لأنها
ليست الا المعنى المهمل من هذه الجهة، فلا يمكن استفادة العموم الزماني منها (بل لا فرق) في هذه الجهة بين ان يكون مصب العموم
الزماني نفس الحكم أو المتعلق (فإنه) على كل تقدير لا بد من تجريد مصبه حكما كان أو موضوعا من هذه الجهة (ومعه) يكون استفادة
العموم الزماني ممحضا بما دل على استمرار وجوده في أزمنة بعد حدوثه، لا من نفس ما طر عليه العموم (وعليه) فالتفصيل بين كون
مصب العموم الزماني هو المتعلق وبين كونه نفس الحكم في إمكان تكفل دليل الحكم لبيان العموم الزماني في الأول وعدم إمكانه في
الثاني واحتياجه إلى دليل منفصل عنه (منظور فيه) لما عرفت من احتياج كل منهما في استفادة العموم الزماني إلى ما دل على استمرار
وجوده زائدا عما دل على ما طر
228

عليه العموم (وبما ذكرنا) انقدح عدم تمامية ما أفيد من التفريع على التفصيل المزبور أيضا من مرجعية أصالة العموم عند الشك في أصل
التخصيص أو مقداره في فرض كون مصب العموم الزماني هو المتعلق، وعدم مرجعية العموم ولزوم الرجوع إلى استصحاب حكم العام
عند الشك في التخصيص، و استصحاب حكم المخصص في فرض كون مصبه نفس الحكم (إذ نقول) ان العموم وإن كان من قبيل
المحمول بالنسبة إلى الحكم، الا ان دليل الحكم بعد ما لم يكن متكفلا الا للطبيعة المهملة لا الطبيعة السارية في الأزمنة المتمادية، بل كان
المتكفل لحيث الاستمرار الحاكي عن انبساط وجود الحكم في جميع الأزمنة، غير الدليل المتكفل لأصل ثبوته، فلا جرم عند الشك في
انقطاع هذا الاستمرار يكون المرجع هو الدليل المتكفل لعمومه الزماني بلا احتياج إلى دليل منفصل (ومعه) لا يكاد رجوع الشك فيه
إلى الشك في أصل وجود الحكم المهمل لان وجوده انما كان محرزا بدليله، وانما الشك في سعة وجود الحكم من جهة الزمان (ولا
ملازمة) بين الشك في استمرار الحكم وعمومه، وبين الشك في أصل وجوده (وان شئت) مزيد بيان لذلك فاستوضح بالمثال المعروف
من أوفوا بالعقود في ما لو شك في وجوب الوفاء في زمان بعقد من العقود (فإنه) بعد إن كان له عموم افرادي متكفل لثبوت الحكم لكل
فرد من العقود بنحو الاجمال، وعموم زماني متكفل لسريان الحكم الثابت لكل فرد في جميع الأزمنة، وكان عمومه الازماني تابعا
للعموم الافرادي لكونه واردا عليه ورود الحكم على موضوعه، بحيث لو لم يكن له عموم افرادي يقتضى ثبوت وجوب الوفاء لكل عقد لا
يتصور له عموم أزماني (فتارة يكون الشك في حكم فرد من العقود من جهة احتمال التخصيص في عمومه الافرادي بنحو يوجب خروج
الفرد عن حكم العام (وأخرى) يكون الشك في سعة وجود الحكم الثابت لكل فرد واستمراره في الأزمنة المتمادية (فإن كان) الشك من
الجهة الأولى، فلا شبهة في أن الرافع لهذا الشك لا يكون الا ما يقتضي عمومه الافرادي، والا فدليل العموم الازماني غير متكفل لرفع هذا
الشك، لما عرفت من أن العموم الازماني وارد عليه ورود الحكم على موضوعه، فعلى فرض هذا التخصيص يكون
229

الفرد المزبور خارجا من أصل الحكم فلا يتحقق موضوع للعموم الازماني بالنسبة إليه (وإن كان) الشك من الجهة الثانية فالرافع لهذا
الشك انما يكون هو الدليل المثبت لعمومه الازماني بلا حاجة إلى التماس دليل آخر منفصل (ولا مجال) حينئذ لدعوى استتباع الشك في
العموم الزماني بالنسبة إلى هذا الفرد للشك في أصل ثبوت حكم العام لهذا الفرد (لان) الشك في الاستمرار والعموم الزماني فرع
دخوله في العموم الافرادي، فكان هذا التخصيص كتعميمه فرع عمومه الافرادي (ففي المثال) المزبور لو خرج فرد من العقود عن الحكم
في زمان وشك في أن خروجه للتالي أو في بعض الأزمنة، فمقتضي تبعية العموم الازماني للعموم الافرادي وإن كان لا مجال بدوا
للعموم الازماني (ولكن) بعد إن كان العموم الافرادي مثبتا للحكم بالنسبة إلى هذا الفرد، يرجع فيه إلى عمومه الازماني المثبت
لاستمرار حكمه في بقية الأزمنة، ومعه لا يكاد انتهاء الأمر إلى استصحاب حكم المخصص كما هو واضح.
الأمر الثالث
كل ما ذكرنا من الشقوق في دليل العام يجري في دليل المخصص، ففيه أيضا تارة يكون الزمان مأخوذا في دليله قيدا للموضوع أو
الحكم على نحو المفردية بنحو يقتضى تكثر الحكم والموضوع حسب تكثر الأزمنة، كقوله:
لا تكرم زيدا في كل يوم أو زمان بعد قوله: أكرم العلماء في كل يوم أو زمان، (وأخرى) على وجه الظرفية للموضوع أو الحكم بنحو
موجب لا ثبات حكم مستمر لموضوعه المستمر، (وكونه) على الثاني تارة في مقام إثبات حكم شخصي تبع استمرار موضوعه (وأخرى)
إثبات حكم سنخي لذات موضوعة المطلق بما هي سارية في جميع الأحوال والأزمان كما هو الشأن في كل مطلق متكفل لاثبات الحكم
للطبيعة المطلقة السارية في جميع الأحوال والأزمان على وجه قابل للانحلال حسب قطعات موضوعه الساري في أجزأ الزمان، مع كون
مفاد دليله، تارة نقيضا لحكم العام، وضدا له أخرى (وحيث) اتضح هذه الجهات
(نقول): ان الدليل المتكفل للعموم الزماني قسمان
(قسم) يكون الزمان فيه ملحوظا على وجه العموم بحيث يكون كل فرد من افراده بالنسبة إلى كل قطعة من قطعات الزمان موضوعا
مستقلا لحكم
230

مستقل على وجه لو خرج فرد في قطعة من الزمان عن حكم العام كان العام المزبور وافيا لاثبات حكمه في بقية القطعات، نظير العموم
الافرادي (وقسم) منه يكون الزمان ملحوظا فيه على وجه الاستمرار والدوام بالنظر الوحداني (فمن الأول) ما لو كان العموم بلسان كل
يوم أو كل زمان كقوله: أكرم العلماء في كل يوم أو زمان (ومن الثاني) ما لو كان بلسان الدوام والاستمرار كقوله: أكرم العلماء دائما
أو مستمرا أو ما يفيد ذلك
(اما القسم الأول)
فلا شبهة في أنه إذا خصص بعض افراد هذا العام في بعض الأزمنة وشك في خروجه للتالي يكون المرجع فيه بالنسبة إلى الأزمنة
المشكوكة هو العموم الزماني، كمرجعية العموم الافرادي فيما لو شك في أصل التخصيص الفردي أو في زيادة التخصيص (ومن غير
فرق) بين أن يكون الزمان ملحوظا في دليله على وجه القيدية والمفردية للموضوع أو الحكم، وبين أن يكون ملحوظا فيهما على وجه
الظرفية (إذ لا ملازمة) بين تكثر الحكم والموضوع حينئذ، وبين قيدية الزمان ومفرديته، لامكان تعدد الحكم والموضوع حينئذ ولو
مع لحاظ الزمان على وجه الظرفية، بان يكون المشخص لكل فرد من الاكرامات المتصورة في قطعات الزمان أمرا آخرا ملازما مع
قطعات الزمان، فلا يكون تعدد الموضوع والحكم دائرا مدار القيدية كما لا يكون وحدتهما دائرة مدار الظرفية (ومن غير فرق) بين
أن يكون الزمان مأخوذا في دليل المخصص على نحو القيدية أو على نحو الظرفية (ولا بين) أن يكون الخروج من وسط الأزمنة أو من
أولها أو آخرها، فان المرجع على كل تقدير عند الشك في غير مورد دلالة المخصص على الخروج هو العموم الازماني المتكفل لنحو
ثبوت الحكم في كل قطعة من قطعات الزماني، لبقائه على حجيته في غير ما دل عليه المخصص، كان استفادة مثل هذا العموم من العموم
اللغوي، أو من قضية الاطلاق المنزل عليه بدليل الحكمة، ومعه لا ينتهى المجال إلى جريان الاستصحاب مع وجود العموم الذي هو من
الأدلة الاجتهادية، لا في طرف المخصص، ولا في طرف العام (بل في بعض) هذه الفروض لا مورد لجريان الاستصحاب ولو مع قطع
النظر عن وجود هذا العام لكونه من إسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر بل في مثله يكون المرجع استصحاب عدم ثبوت
231

العام له في القطعات المشكوكة من الزمان بلحاظ سبق وجوب كل قطعة بالعدم الأزلي، الا في فرض أخذ الزمان في طرف المخصص
ظرفا محضا، فإنه حينئذ لولا وجود العام أمكن المجال لاستصحاب حكم المخصص (ومثل) هذا العموم الزماني، ما إذا كان هناك مطلق
متكفل لا ثبات الحكم للطبيعة المطلقة بما هي سارية في جميع الأحوال وجميع قطعات الزمان، بلا نظر منه في سريان الطبيعي بحسب
الحالات والأزمان إلى كون قطعات الأزمنة قيدا، فإنه لو قيد مثل هذا الاطلاق بخروج فرد منه في بعض الأحوال أو الأزمان فشك في
خروجه، للتالي، كان مثل هذا المطلق كالعموم الزماني وافيا لا ثبات حكمه في بقية الحالات والأزمان، اقتصارا، في تقييده بقدر ما
يقتضيه الدليل الدال عليه، ولو مع الجزم بظرفية الزمان فيه كما هو الشأن في سائر المطلقات (ومن هنا) نقول في المطلقات الواردة
لاثبات القصر في القصر في السفر انه لو خرج المسافر المقيم عن بلد الإقامة أو ما بحكمه كالثلاثين مترددا بعد قطع حكم سفره
بالإقامة (لا يحتاج) في وجوب القصر عليه إلى انشاء سفر جديد، بل يكفيه مثل هذه المطلقات في وجوب القصر عليه، لولا دعوى اقتضاء
إطلاق التنزيل لاجراء جميع آثار الوطن الحقيقي على إقامته في محل حتى قصد المسافة الجديدة، وإن كان مثل هذا الدعوى لا يخلو عن
إشكال، لمكان عدم كون مثل هذه الجهة من الآثار الشرعية للوطن الحقيقي كي يكون التنزيل ناظرا إليه، وانما هي من جهة اقتضاء طبع
الوطن لتقطيع أصل السفر عند مروره إليه، مع اختصاص مثل هذا التنزيل بالإقامة عشرا في محل وعدم شموله لمثل الثلثين مترددا و
نحوه (ولكن) المسألة فقهية تنقيحها موكول إلى محل آخر (والمقصود) في المقام بيان وفاء هذا النحو من المطلقات كالعموم الزماني
لتكفل إثبات الحكم لما بعد زمان الخارج من الأزمنة المتأخرة ولو مع الجزم بظرفية الزمان وانه مع وجوده لا ينتهى الامر إلى
الاستصحاب
(واما القسم الثاني)
وهو ما كان الزمان ملحوظا في العموم الازماني على وجه الاستمرار والدوام كقوله: أكرم العلماء دائما أو مستمرا، فإن كان العنوان
المزبور ملحوظا في الموضوع أو المتعلق على نحو القيدية أو الظرفية وكان العام ناظرا إلى إثبات حكم سنخي لذات موضوعه المستمر
232

في أجزأ الزمان على نحو قابل للتكثر تحليلا، فلا إشكال أيضا في أن المرجع عند الشك هو عموم هذا العام دون الاستصحاب، من غير
فرق بين أن يكون التقطيع من الأول أو الوسط. فان الموضوع حينئذ وإن كان واحدا شخصيا مستمرا إلا أن وحدته الشخصية لا ينافي
تعدد الحكم المتعلق به تحليلا باعتبار قطعات وجوده التحليلي بالإضافة إلى أجزأ الزمان، بل يكفي مجرد قابليته لذلك في حمل الدليل
المتكفل لحكم العام على بيان سنخ الحكم لا شخصه الأبي عن التعدد ولو تحليلا (وحينئذ) فإذا خرج بعض أفراد هذا العام عن الحكم في
زمان وشك في أن خروجه في جميع الأزمنة أو في بعضها، فلا قصور في مرجعية العموم المزبور بالنسبة إلى الأزمنة المتأخرة عن
زمان اليقين بخروجه، لوفاته حينئذ في التكفل لحكم الفرد الخارج في زمان، في الأزمنة المتأخرة، ومعه لا يبقى مجال لجريان
الاستصحاب لا في مفاد العام، ولا في مفاد المخصص.
(نعم) لو كان دليل العام في تكفله لاثبات الحكم لكل فرد ناظرا إلى حيث وحدة الحكم وشخصيته بنحو غير قابل للتكثر ولو تحليلا،
كان للمنع عن الرجوع إلى العام كمال مجال، لارتفاع ما تكفله دليل العام من الحكم الشخصي المستمر بالتقطيع في بعض الأزمنة، و
عدم تكفله أيضا لا ثبات حكم آخر له بعد التقطيع المزبور (إذ حينئذ) لا محيص من الرجوع إلى استصحاب حكم المخصص، لا إلى عموم
العام، بل ولا إلى استصحاب مفاده، للقطع بعدم إمكان بقائه على وحدته الشخصية بعد انقطاعه وتخلل العدم في البين (ولكن) ذلك في
فرض كون التقطيع من الوسط (والا) ففي فرض كونه من الأول أو الاخر لا قصور في مرجعية دليل العام كما ذكرناه (وبما ذكرنا)
يظهر الحال فيما لو كان العموم الزماني بنحو الدوام والاستمرار مأخوذا في الحكم لا في الموضوع أو المتعلق، فإنه يأتي فيه أيضا ما
ذكرناه من التشقيق في الدليل المتكفل لثبوته، من حيث كون النظر فيه، تارة إلى حيث وحدته واستمراره على نحو غير قابل للتكثر و
لو تحليلا، وأخرى إلى صرف ثبوت الحكم الشخصي لذات موضوعه بما هي سارية في جميع الأحوال والانات بلا نظر منه في إثباته إلى
حيث وحدته الشخصية
233

ولا إلى خصوصية استمراره إلى أمد مخصوص، بل تمام النظر في قوله دائما أو مستمرا إلى بيان إطلاقه في نحو ثبوته لذات موضوعه
الساري في جميع الانات والأحوال (فعلى الأول) يكون المرجع عند الشك هو الاستصحاب في مفاد المخصص في فرض كون الزمان
ظرفا بالنسبة إليه لا قيدا مكثرا، ولا مجال للتشبث بدليل العام، بل ولا باستصحابه ولو مع عدم جريان استصحاب الخاص (وعلى
الثاني) يكون المرجع في غير مورد دلالة الخاص هو دليل العام، نظرا إلى وفائه لا ثبات حكم الفرد الخارج في زمان في الانات
المتأخرة (ومعه) لا يكاد انتهاء الأمر إلى الاستصحاب لا في مفاد العام ولا في مفاد الخاص كما هو ظاهر (ولكن) مرجع ذلك في
الحقيقة إلى التمسك بقضية الاطلاق الناشئ من تعليق الحكم على طبيعة موضوعه من حيث هي السارية في جميع الأزمنة والأحوال،
فالعموم الزماني كان مستفادا من هذا الاطلاق لا من جهة أخذ الزمان ولو بنحو الدوام والاستمرار قيد للحكم (نعم) يكفي هذا المقدار
في الرجوع إلى حكم العام ولو بإطلاقه الأحوالي الراجع إلى تعليق الحكم بذات موضوعه الساري في جميع الأزمنة (ومن التأمل) فيما
ذكرنا ينقدح ما في كلام الشيخ (قدس سره) من إطلاق القول بمرجعية استصحاب الخاص في فرض كون العموم الازماني على نحو
الدوام والاستمرار مع إطلاق القول في طرف المخصص من حيث كون الزمان فيه مأخوذا ظرفا أو قيدا مكثرا (فان) مجرد أخذ العموم
الازماني في دليل العام بنحو الدوام والاستمرار المستلزم لكون جميع الانات ملحوظا بلحاظ واحد لا بلحاظات متعددة لا يقتضي
سقوط العام عن المرجعية بقول مطلق حتى في فرض عدم تكفل دليله لحيث وحدة الحكم بنحو غير قابل للتكثر ولو تحليلا، كما أن
مجرد فرض تكفله لوحدة الحكم على النحو المزبور لا يوجب صحة التمسك باستصحاب حكم المخصص على الاطلاق (لوضوح) ان مدار
الاستصحاب حينئذ على ملاحظة دليل المخصص من حيث ظرفية الزمان فيه وقيديته، ولا ملازمة بين لحاظ الزمان في طرف العام
ظرفا أو قيدا مكثرا، وبين لحاظه كذلك في دليل الخاص (فإنه) يمكن ان يكون الزمان
234

في العام مأخوذا على نحو الظرفية والاستمرار، وفي طرف الخاص مأخوذا على نحو القيدية والمكثرية، كما أنه يمكن أن يكون الامر
بالعكس (وحينئذ) فإذا كان الاستصحاب تابعا لدليل المستصحب لا لغيره، فلا بد في استصحاب حكم المخصص من ملاحظة دليل
المخصص من حيث ظرفية الزمان فيه أو قيديته، فإذا كان الزمان مأخوذا فيه قيدا مكثرا لا مجال لاستصحابه لكونه من إسراء حكم
موضوع إلى موضوع آخر (من غير فرق) بين أن يكون مفاد المخصص نقيضا لحكم العام أو ضدا له.
تكملة
بعد ما تبين لك تشخيص موارد التمسك بالعموم الزماني، وموارد التمسك بالاستصحاب عند تبين العموم الزماني بنحو المفردية أو
الاستمرار وتبين مصبه، يبقى الكلام فيما يقتضيه الأصل عند الشك في أصل العموم الزماني أو في مصبه (فنقول) انه تارة يكون الشك
في أصل العموم الزماني للحكم أو المتعلق، وأخرى يكون الشك في مصبه بعد اليقين بأصله (اما لو كان) الشك في أصل العموم الزماني
بنحو المفردية أو الاستمرار كما لو قال أكرم العلماء وشك في استمرار وجوبه في جميع الأيام (ففيه صور) فإنه، اما ان يعلم بوجوب
الاكرام في خصوص اليوم الأول وانما الشك في تعميم الخطاب حكما أو موضوعا فيما عداه، واما لا يعلم بوجوبه فيه بخصوصه (وعلى
الثاني) اما ان يتم البيان ولو بمقدمات الحكمة لا ثبات الوجوب لصرف الطبيعة الجامعة بين افراد الأيام وكان الشك في وجوب كل فرد
بحسب الأزمنة، واما أن لا يتم البيان بالنسبة إلى صرف الطبيعة أيضا (فعلى الأول) يرجع فيما عدا اليوم الأول الذي ثبت فيه الوجوب
إلى البراءة، لان أخذ العموم الزماني بنحو الاستمرار أو المفردية في المتعلق أو الحكم يحتاج إلى لحاظه ثبوتا وبيانه إثباتا، فإذا لم يقم
عليه بيان فمقتضى الأصل البراءة عن التكليف فيما عدا اليوم الأول (وعلى الثاني) ينتهى الامر إلى العلم الاجمالي في الأيام التدريجية
فيجب الاحتياط بإكرام العلماء في
235

جميع الأيام ما لم ينته إلى غير المحصور (وهذا الفرض) وإن كان بعيدا في نفسه، ولكن المقصود من هذا التشقيق بيان عدم صحة
إطلاق القول بوجوب خصوص اليوم الأول والرجوع إلى البراءة في غيره كما أفاده بعض الاعلام، وانه يصح في الفرض الأول دون بقية
الفروض، مع احتياجه أيضا إلى قيام دليل عليه يقتضى وجوب خصوصه (والا) فصرف الخطاب لا يقتضى الا وجوب إكرام كل فرد في
الجملة المساوق لمطلوبية صرف الجامع بين الافراد التدريجية (ثم إن) ما ذكرنا من مرجعية البراءة عند الشك انما هو إذا لم يلزم من
عدم العموم الزماني لغوية تشريع الحكم (والا) فربما تقتضي الحكمة عدم كون الحكم في الخطاب بنحو صرف الوجود، بل على نحو
الدوام والاستمرار خصوصا إذا كان العام افراديا، فان مقدمات الحكمة تقتضي عدم الاهمال بالنسبة إلى الزمان كما في قوله تعالى
أوفوا بالعقود (وحينئذ) فإذا كان للعام عموم زماني إجمالا فهل الحكمة تقتضي كونه على نحو العموم الافرادي الملازم للمفردية أو على
نحو العموم المجموعي الملازم للاستمرار (وجهان) أقربهما عند العرف الثاني (وعليه) فلو شك في التخصيص، فإن كان الشك في أصل
التخصيص فالمرجع هو العموم، وإن كان الشك في زيادة التخصيص، ففيه التفصيل المتقدم بين كون الحكم سنخيا أو شخصيا غير
قابل للتكثر ولو تحليلا بالرجوع إلى العموم في الأول وإلى الاستصحاب في مفاد المخصص في الثاني (وذلك) أيضا في فرض كون
التقطيع وسطا لا أولا كما ذكرناه (هذا) إذا كان الشك في أصل العموم الزماني (واما) لو كان الشك في مصبه في كونه هو المتعلق أو
الحكم بعد العلم بأصل العموم بأحد الوجهين من المفردية أو الاستمرار (فان) علم كونه على نحو المفردية، فالمرجع هو العموم على كلا
تقديري كون مصبه هو المتعلق أو الحكم (ولكن) يظهر من بعض الأعاظم قده تعين رجوعه إلى الحكم حينئذ من جهة جريان أصالة
الاطلاق في المتعلق مبتنيا ذلك على ما تقدم منه، من دعوى عدم إمكان تكفل دليل الحكم لبيان أزمنة وجوده، وانه لا بد من كونه بدليل
آخر منفصل، فعلى هذا الأساس، التزم في المقام بأن مقتضى الأصل اللفظي و هو
236

أصالة الاطلاق، عدم اعتبار العموم الزماني في المتعلق فيتعين ان يكون مصبه نفس الحكم الشرعي، والتزم لأجله بعدم جواز التمسك
بالعموم عند الشك في أصل التخصيص أو في مقداره، وانه لا بد من الرجوع إلى الاستصحاب باستصحاب حكم العام في الأول، و
استصحاب حكم المخصص في الثاني (ولكن) قد عرفت فساد أصل المبني بما لا مزيد عليه فراجع، مع أنه على مختاره من كون مصب
العموم الزماني نفس الحكم لا معنى لمرجعية الاستصحاب عند الشك في التخصيص أو في مقداره، إذ لا قصور حينئذ في التمسك بما دل
على عمومه واستمراره الثابت لموضوعه ولو بدليل آخر كما هو ظاهر (هذا إذا كان) العموم الزماني الذي شك في مصبه على نحو
المفردية، وقد عرفت انه على المختار لا أصل يقتضي اعتباره في خصوص المتعلق أو الحكم، فكان اعتبار هذا المعنى من السريان في
جميع الأزمنة المتمادية مشكوكا في كل من المتعلق والحكم، وإن كان لا ثمرة مهمة على المختار تترتب على هذه الجهة، باعتبار
مرجعية دليل العموم على كل تقدير (واما لو كان) العموم الزماني على نحو العموم المجموعي الملازم للاستمرار فشك في مصبه في
كونه هو المتعلق أو نفس الحكم الشرعي، ففيه أيضا لا أصل يقتضي تعيين أحد الامرين (ولكن) عند الشك في التخصيص يكون المرجع
أصالة العموم (وكذا) الشك في مقداره إذا كان التخصيص من الأول لا من الوسط، والا فالمرجع استصحاب حكم المخصص إذا لم يكن
الزمان مأخوذا في طرف المخصص قيدا مكثرا، فان احتمال كون المفيد نفس الحكم الشرعي دون متعلقه كاف حينئذ في المنع عن
الرجوع إلى العموم كما شرحناه سابقا (وبذلك) يظهر حال ما لو علم برجوعه إلى الحكم وشك في مفردية العموم أو استمراريته، فان
احتمال عدم مفرديته كاف في المنع من الرجوع إلى العموم (وهذا) بخلاف ما لو علم برجوعه إلى المتعلق وشك في مفرديته و
استمراريته، فان المرجع حينئذ عند الشك في مقدار التخصيص كالشك في أصله هو العموم ولا يرجع مع وجوده إلى الاستصحاب، لما
تقدم من إمكان كون الحكم المتعلق به حكما سنخيا مستمرا بتبع استمرار شخص موضوعه على نحو قابل للتعدد
237

تحليلا حسب القطعات التحليلية لموضوعه في الأزمنة المتمادية، ومعه لا قصور في التمسك بما دل على استمرار هذا الحكم الثابت
لموضوعه (هذا) في الأحكام التكليفية (واما) الأحكام الوضعية، فما كان منها متعلقا بالأعيان الخارجية كالملكية والزوجية والطهارة و
النجاسة، فيمكن ان يقال فيها بأنه من جهة عدم قابلية الأعيان الخارجية عرفا للتقطيع بحسب الزمان يكون مصب العموم الزماني فيها
نفس الحكم الوضعي دون الموضوع (واما) ما كان منها متعلقا بغير الأعيان كالمنافع في مثل سكنى الدار ونحوه، فحيث انها كانت
قابلة للتقطيع في الزمان عرفا، فلا قصور في جعل مثلها مصبا للعموم الزماني، فإذا شك فيها في مصب العموم الزماني يجري فيها ما
ذكرناه في تأسيس الأصل، ولا مجال حينئذ لاطلاق القول بكون مصب العموم الزماني في الأحكام الوضعية نفس الحكم الوضعي دون
المتعلق فتدبر.
(التنبيه الثالث عشر)
في استصحاب صحة العبادة (وقد) وقع هذا التنبيه في كلمات السابقين في مواضع عديدة، ونحن وان ذكرنا شطرا من الكلام فيها في
ذيل تنبيهات الأقل والأكثر الا انه لا بأس بالتعرض لها ثانيا لعدم خلوه عن الفائدة
(وتوضيح) المرام يحتاج إلى بيان أمرين
(الأول)
ان طرو الفساد في العبادة يتصور على وجوه، فإنه تارة يكون من جهة وجود ما هو ضد للعبادة ومناف لها جعلا أو عقلا أو عرفا
باعتبار محدوديتها عند الجاعل أو العقل أو العرف بحد ينافيها بعض الأمور كالوثبة في الصلاة مثلا والأكل والشرب ونحوها مما
يضاد وجودها مع العبادة (وأخرى) من جهة فقد ما اعتبر وجوده في العبادة شرطا، كالطهارة والستر ونحوهما (وثالثة) من جهة
وجود ما اعتبر عدمه قيدا فيها المعبر عنه بالمانع (ورابعة) من جهة وجود ما يكون قاطعا للهيئة الخاصة المعتبرة فيها (والفرق) بينه و
بين المانع ظاهر، فان المانع بنفسه يقدح في العبادة ولو بملاحظة دخل عدمه في صحتها، بخلاف القاطع فإنه بنفسه لا يمنع عن صحة
العبادة وانما شأنه الاخلال بما اعتبر فيها وهو الجز الصوري
238

المعبر عنه بالهيئة الاتصالية (وقد يفرق) بينهما يوجه آخر وهو كون المانع قادحا في صحة العبادة إذا تحقق في حال الاشتغال
بالاجزاء، بخلاف القاطع فإنه يقدح وجوده في صحتها مطلقا ولو كان في حال السكونات المتخللة بين الاجزاء (وفيه نظر) جدا، فان
المانع كما يمكن ثبوتا كونه مانعا عن صحة العبادة في خصوص حال الاشتغال بالاجزاء، كذلك يمكن ثبوتا كونه مانعا مطلقا ولو في
حال السكونات المتخللة بين الاجزاء، لكونه تابعا لكيفية اعتبار الشارع إياه، وهكذا الامر في القاطع فإنه يتصور فيه ثبوتا كونه قاطعا
مطلقا أو في خصوص حال الاشتغال بالاجزاء، هذا في مقام الثبوت (واما) في مقام الاثبات فلا بد في استفادة أحد الامرين من ملاحظة
كيفية لسان الأدلة الواردة في باب الموانع والقواطع (ولا يبعد) دعوى استفادة المانعية والقاطعية المطلقة مما ورد بلسان النهي عن
إيجاد المانع أو القاطع في الصلاة بنحو تكون الصلاة ظرفا لعدم وقوع المانع أو القاطع فيها ومع انتهاء الأمر إلى الشك يندرج في
الأقل والأكثر الارتباطيين
(الأمر الثاني)
ان الصحة في أجزأ المركب التدريجي، تارة يطلق ويراد بها الصحة التأهلية الاقتضائية وهي كون الجز بحيث لو انضم إليه سائر الأجزاء
لا التأم منها الكل وتتصف بالمؤثرية الفعلية (ولا يخفى) ان الصحة بهذا المعنى انما يتوقف على تمامية الجز في نفسه ولا يعتبر
فيها لحوق بقية الأجزاء والشرائط، (لوضوح صدق هذه القضية الشرطية ولو مع اليقين بعدم لحوق بقية الأجزاء، ومن هذه الجهة لا يطرأ
فيها الشك ولا ينفع استصحابها أيضا) وأخرى يطلق ويراد بها الصحة بمعنى المؤثرية الفعلية، وهذا المعنى من الصحة في الدفعيات و
الاجزاء المجتمعة في الوجود، والا ففي التدريجيات لا يتصور اتصاف جز منها بالمؤثرية الفعلية الا بفرض تدريجية الأثر أيضا
بحصوله شيئا فشيئا (وثالثة) يطلق ويراد بها الصحة بمعنى قابلية الأجزاء السابقة للحوق الاجزاء اللاحقة منها بنحو يلتئم منها المركب و
يترتب عليه الأثر (وبعد) ما اتضح ذلك (نقول) ان منشأ الشك في صحة العبادة بعد إن كان أحد الأمور المتقدمة (فلا بد) عند الشك من
لحاظ المنشأ المزبور (فإذا) تسبب الشك في
239

الصحة من جهة احتمال انتفاء ما اعتبر وجوده قيدا في العبادة كالشرط، أو احتمال وجود ما اعتبر عدمه قيدا لها كالمانع، أو احتمال
وجود ما هو القاطع للهيئة المعتبرة فيها، فلا شبهة في أنه يجري الأصل في طرف السبب ويستغنى به عن جريانه في المسبب وهو
الصحة، لان بجريان الأصل فيه يترتب صحة العبادة (واما) لو تسبب الشك فيها من جهة احتمال وجود القاطع (فان قلنا) ان القاطع اعتبر
عدمه شرطا للهيئة المعتبرة في الصلاة فلا شبهة في أنه مع الشك يجري فيه الأصل ويترتب عليه بقاء الهيئة والصحة (وان قلنا) انه لم
يعتبر عدمه شرطا لها شرعا وانما قاطعيته من جهة مضادة وجوده عقلا أو عرفا مع الهيئة المعتبرة في الصلاة فلا مجرى فيه للأصل
لعدم إجرائه في إثبات ترتب بقاء الهيئة والصحة الفعلية إلا على القول بالمثبت، فينتهي الامر حينئذ إلى جريانه في نفس الهيئة الاتصالية
المعتبرة في العبادة، ويترتب على جريانه فيها الصحة الفعلية، فان الهيئة حينئذ كسائر الاجزاء والشرائط، فمتى أحرزت ولو بالأصل
يترتب عليها الصحة (واما إذا) تسبب الشك في الصحة من جهة احتمال وجود ما يكون ضدا للعبادة، فلا يجري الأصل بالنسبة إلى نفس
السبب الذي هو الضد لمكان عدم إجرائه لا ثبات صحة العبادة بعد كون الترتب فيه عقليا لا شرعيا (واما) بالنسبة إلى المسبب وهو
الصحة، ففي جريان الأصل فيها (خلاف مشهور) والذي اختاره الشيخ (قدس سره) هو المنع عنه (ومحصل) ما أفاده (قد سره) في تقريب
المنع هو ان المراد من الصحة المستصحبة للاجزاء، إن كان هو الصحة الشأنية فهي مما لا يطرأ فيه الشك حتى يستصحب للقطع ببقائها و
لو مع القطع بعدم انضمام بقية الأجزاء والشرائط إلى الاجزاء الماضية فضلا عن الشك في ذلك (وإن كان) المراد منها الصحة بمعنى
المؤثرية الفعلية، فهي مما لا سبيل إلى استصحابها لعدم كون الصحة بهذا المعنى مما له حالة سابقة، لأنها انما تكون في ظرف الاتيان
بالمأمور به بما له من الاجزاء والشرائط وعدم الموانع والأضداد (ومع الشك) في مانعية الموجود لا يقين بالصحة الفعلية بمعنى
المؤثرية للاجزاء السابقة حتى يستصحب (ولكن فيه) ان ما أفيد في غاية المتانة إذا كان الأثر المترتب
240

عليها دفعي الحصول والتحقق عند تحقق الجز الأخير من المركب، اما لكون المؤثر الفعلي هو الجز الأخير، أو لكون مؤثرية الفعلية لها
منوطة بتحقق الجز الأخير (والا) فعلى فرض تدرجية حصوله شيئا فشيئا من قبل الاجزاء بحيث يكون كل جز مؤثرا في مرتبة منه إلى أن
يتم أجزأ المركب، فيتحقق تلك المرتبة من الأثر الخاص المترتب على المجموع، كما لو كان الأثر من الحقائق التشكيكية المترتبة كل
مرتبة منه على وجود جز من أجزأ المركب التدريجي، فلا قصور في استصحاب الصحة للاجزاء السابقة، فإنه بتحقق أول جز من
العبادة تحقق الصحة والمؤثرية الفعلية فيتصف الجز المأتي به بالمؤثرية، وبوقوع مشكوك المانعية في الأثناء يشك في بقاء الصحة و
انقطاعها، فيجري فيها الاستصحاب كسائر الأمور التدريجية (وان شئت) قلت إن الصحة بالمعنى المزبور تبعا لمنشأ انتزاعها التدريجي
تكون تدريجية، فإذا علم بتحقق جز أو جزين يقطع بتحقق الصحة وبعد تحقق المشكوك المانعية يشك في بقاء الصحة بتلاحق بقية الأجزاء
والشرائط، فتستصحب (ومن هذا البيان) ظهر الحال في الصحة بمعنى موافقة الامر، فإنه على ما ذكرنا لا قصور في استصحابها
أيضا (من دون) فرق بين القول بإمكان المعلق وفعلية التكليف الجز الأخير من المركب في ظرف الاتيان بالجز الأول منه ولو
بالتفكيك بين فعلية الامر المتعلق بالاجزاء وفاعليته، وبين القول بعد إمكانه والمصير إلى تدريجية فعلية التكليف المتعلق باجزاء
المركب بجعل فعلية التكليف بكل جز في ظرف فاعليته الذي هو طرف الاتيان به (وهذا) على الأول ظاهر (وكذلك) على الثاني فإنه
بتبع تدريجية التكليف المتعلق بالاجراء يتدرج الموافقة الفعلية أيضا وبإيجاد مشكوك المانعية مثلا في الأثناء يشك في بقاء الموافقة
الفعلية التدريجية، فيجري فيها الاستصحاب على نحو جريانه في سائر الأمور التدريجية (واما توهم) عدم شرعية المستصحب حينئذ
لكونه أمرا عقليا (يدفعه) كونه مما أمر وضعه ورفعه بيد الشارع ولو بتوسيط منشئه الذي هو أمره و تكليفه، ويكفي هذا المقدار من
شرعية الأثر في باب الاستصحاب (وبما ذكرنا) ظهر الحال في الصحة بمعنى قابلية الاجزاء
241

المأتي بها للحوق بقية الأجزاء بها واتصافها بلحوق البقية بالمؤثرية في الفرض (فإنها) أيضا مما تم فيه أركانه، لأنها أي الأجزاء السابقة
قبل احتمال وجود المانع أو طرو مشكوك المانعية كانت مقطوعة صحتها بالمعنى المزبور وبعد احتمال وجود المانع يشك في بقائها
على القابلية المزبورة فتستصحب (والصحة) بهذا المعنى واسطة في الحقيقة بين الصحة الاقتضائية المحضة المجامعة مع اليقين بوجود
المانع، وبين الصحة الفعلية الدفعية أو التدريجية (نعم) قد يتوجه على هذا الاستصحاب إشكال المثبتية بلحاظ كون ترتب الصحة الفعلية
للكل على بقاء القابلية المزبورة عقليا، لا شرعيا (ويمكن) دفعه بأنه من باب تطبيق الكبرى الشرعي على الصغريات فلا يكون من
المثبت الممنوع فتأمل.
(التنبيه الرابع عشر)
قد عرفت تمامية اخبار الباب في الدلالة على حجية الاستصحاب خصوصا بملاحظة الظاهر من الأسئلة فيها (وانما الكلام) في استفادة
قاعدة اليقين منها، وذلك بعد الجزم بعدم إمكان شمولها لكل من القاعدة والاستصحاب بالخصوص، بلحاظ ان قوام حقيقة
الاستصحاب بإرجاع الشك إلى المتيقن مسامحة وقوام القاعدة بإرجاعه إليه دقة مع عدم تحمل عبارة واحدة في قوله لا تنقض اليقين
بالشك لكلا النظرين واللحاظين (فنقول) ان قصارى ما قيل أو يمكن ان يقال في شمول الاخبار لمورد القاعدتين دعوى كون اليقين
فيها عبارة عن مطلق اليقين بشي الأعم من الزائل والباقي حين الحكم بحرمة النقض، مع أخذ متعلق اليقين والشك المقدر في العبارة
مطلق الشئ الأعم من حدوثه وبقائه (إذ يستفاد) من مثله حكم صورة اليقين بالحدوث والشك فيه و صورة اليقين بالحدوث والشك
في البقاء، والأول مورد القاعدة، والثاني مورد الاستصحاب (وعلى هذا) التقريب لا يرد عليه ما أفيد
242

في المنع عن شمول الاخبار لكل من الاستصحاب والقاعدة من دعوى عدم إمكان الجمع بينهما في اللحاظ، لا من جهة اليقين، ولا من جهة
المتيقن، ولا من جهة النقض، ولا من جهة الحكم (اما) من جهة اليقين فلانه في الاستصحاب ملحوظ من حيث كونه طريقا، وفي القاعدة
يكون ملحوظا من حيث نفسه لبطلان كشفه مع تبدله بالشك (واما) من جهة المتيقن فلانه في الاستصحاب كان معرى عن الزمان وغير
مقيد به، وفي القاعدة يكون مقيدا بالزمان (واما) من جهة النقض فلكونه في الاستصحاب باعتبار ما يقتضيه اليقين من الجري العملي
على طبق المتيقن، وفي القاعدة باعتبار نفس اليقين (واما) من جهة الحكم فلان المجعول في الاستصحاب هو البناء العملي على ثبوت
المتيقن في زمان الشك، وفي القاعدة البناء العملي على ثبوته في زمان اليقين، ومع تباين القاعدة مع الاستصحاب في هذه الجهات فلا
يمكن ان يعمها اخبار الباب (إذ فيه) ان اليقين في كلا البابين لم يؤخذ الا طريقا وكاشفا في زمان وجوده فعلا أم سابقا، كما أن المتيقن
في البابين مجرد عن الزمان، إذ لا يحتاج في القاعدة إلى أزيد من تعلق اليقين بالحدوث والشك فيه، وحينئذ للقائل بالجمع بينهما
يجامع واحدان يقول إن المتيقن هو طبيعة العدالة مثلا الجامعة بين الحدوث والبقاء فان هذا المعنى ينطبق على مورد القاعدة و
الاستصحاب ولا يريد القائل باستفادتهما من عموم الاخبار الا هذا المقدار (واما) من جهة النقض والحكم فالمراد بهما أيضا عدم نقض
اليقين الجامع بين الزائل والباقي ولزوم الجري العملي على طبقه وان لم يكن اليقين موجودا حين الجري العملي كما في مورد القاعدة
(فالأولى) حينئذ الاشكال على أخذ الجامع بين القاعدتين في استفادتهما من الاخبار بما ذكرناه أولا، من محذور الجمع بين اللحاظين
في عبارة واحدة في اللحاظ المقوم لاطلاق النقض في إرجاع الشك إلى المتيقن لكونه في القاعدة حقيقي وفي الاستصحاب مسامحي
لعدم تعلق الشك فيه بعين ما تعلق به اليقين دقة بل بقطعة أخرى تكون عينه مسامحة لا دقة (وبعد) عدم إمكان الجمع بين هذين
اللحاظين في كلام واحد فلا بد من أن يكون بأحد النحوين، اما الدقي أو المسامحي (وفي مثله) يتعين استفادة خصوص الاستصحاب
243

بقرينة الأسئلة الواردة في اخبار الباب وتطبيق الإمام عليه السلام حرمة النقض على الاستصحاب، فلا يمكن حينئذ استفادة القاعدة منها
(ومع الغض) عن ذلك نقول إن قوام الاستصحاب بعد إن كان باليقين بالثبوت والشك في البقاء، كان التعبد به تعبدا ببقاء الشئ في
ظرف الفراغ عن أصل ثبوته، بخلافه في القاعدة فان التعبد بها ناظر إلى الحكم بأصل ثبوته (ومن المعلوم) حينئذ اقتضاء الجمع بينهما
للجمع بين لحاظ المتيقن في مرحلة التعبد مفروغ الثبوت والتحقق تارة، وعدم لحاظه كذلك أخرى وحيث لا يمكن ذلك، فلا بد من أن
يكون بأحد النحوين اما بإرادة خصوص القاعدة أو الاستصحاب، فيتعين الثاني بقرينة الأسئلة والتطبيقات الواردة في تلك الأخبار (و
هنا) تقريب آخر في وجه عدم شمول الاخبار للقاعدة، وهو ان الظاهر من كل عنوان مأخوذ في حيز الخطاب ومنه عنوان اليقين و
الشك في اخبار الباب ان يكون جريه بلحاظ حال النسبة الحكمية في الكلام، ولازمه كونهما فعليا في ظرف الحكم والتعبد بعدم النقض،
ومثله مختص بالاستصحاب، لان في مورد القاعدة لا يكون اليقين فعليا في ظرف التعبد بعدم النقض (نعم) يتوجه على هذا التقريب
شبهة معارضة هذا الظهور مع ظهور النقض في النقض الحقيقي الملازم لحملها على إرادة القاعدة (ولكن) يمكن ترجيح الأول بملاحظة
التطبيقات على النقض الادعائي فتدبر.
(تذنيبان)
(الأول)
انه أورد الشيخ (قدس سره) إشكالا على القاعدة على تقدير شمول اخبار الباب لها، وحاصله معارضة القاعدة دائما مع الاستصحاب،
لأنه ما من مورد يشك في ثبوت ما تيقن به سابقا كعدالة زيد يوم الجمعة الا ويعلم بعدم وجوده قبله، ومع هذا العلم بالعدم والشك في
الثبوت يجري فيه استصحاب عدمه، كما تجري فيه القاعدة فيتعارضان، لان مقتضى القاعدة ترتيب أثر عدالة زيد يوم الجمعة، و
مقتضى الاستصحاب المزبور عدم ترتب أثر عدالته يوم الجمعة، ومع هذه المعارضة الدائمية لا يثمر شمول الاخبار لها شيئا (وقد أورد
عليه) بانتقاض اليقين السابق بالعدم باليقين بالوجود في ظرف حدوث اليقين، فكانت القاعدة
244

مقتضية لاعتبار هذا اليقين الناقض لليقين السابق (ويدفعه) انه بعد تبدل اليقين بالوجود فعلا بالشك، يكون انتقاض اليقين السابق
بالعدم مشكوكا فعلا، حيث يشك في بقاء العدم السابق واستمراره إلى زمان اليقين الزائل وبعده فيستصحب (نعم) يمكن ان يجاب عن
إشكال الشيخ (قده) بمنع كون المعارضة دائمية كي توجب إلغاء القاعدة بالمرة، لأنه كثيرا يمكن فرض عدم جريان الاستصحاب، اما
لأجل توارد الحالتين أو من جهة عدم اليقين السابق، اما لفرض الغفلة، واما من جهة عدم الحالة السابقة، فان في مثل تلك الموارد تجري
القاعدة بلا معارضتها مع الاستصحاب
(الثاني)
انه لو بنينا على شمول اخبار الباب للقاعدة فلا شبهة في مورد اليقين بالثبوت والشك فيه كما في اليقين بعدالة زيد يوم الجمعة والشك
فيها يوم الجمعة فيترتب آثار عدالته في يوم الجمعة من صحة الطلاق ونحوه (وانما) الكلام في صحة ترتيب أثر الاستصحاب عليه في
فرض الشك في بقاء الحادث على تقدير حدوثه، كما لو علم عدالة زيد يوم الجمعة فحصل له الشك بعد ذلك تارة في أصل عدالته، و
أخرى في بقائها على تقدير ثبوتها، حيث إن فيه (وجهين) أقربهما في النظر الجواز، فان مجرد كون تطبيق إحدى القاعدتين على
المورد في طول تطبيق الأخرى عليه لا يمنع عن ذلك، إذ القاعدة على فرض مشموليتها للاخبار تكون بمنزلة الامارة المثبتة لأصل
الثبوت وبذلك يتحقق موضوع الاستصحاب، لان مفاد لا تنقض انما هو التعبد ببقاء ما ثبت عند الشك في بقائه، فكل ثابت كان ثبوته
بالوجدان أو بالتعبد إذا شك في بقائه يشمله دليل الاستصحاب (وحينئذ) فإذا جرت القاعدة وأثبتت عدالة زيد يوم الجمعة تترتب على
ثبوت عدالته يوم الجمعة جميع الآثار التي منها وجوب التعبد بالبقاء (بل يمكن) دعوى عدم الفرق بين ان يكون للقاعدة أثر عملي آخر
غير وجوب التعبد بالبقاء الذي هو مفاد كبرى حرمة النقض، وبين ان لا يكون لها أثر الا هذا الأثر الاستصحابي، كما لو كان الأثر
العملي لخصوص البقاء لا للحدوث فتجري القاعدة وبعد جريانها يترتب الحكم بالبقاء بمقتضى الاستصحاب فتأمل.
245

(التنبيه الخامس عشر)
قد أجرى بعضهم الاستصحاب عند تعذر بعض أجزأ المركب الارتباطي لا ثبات وجوب الباقي المتمكن منها (وقد تقدم) منا تفصيل
الكلام في تنبيهات الأقل والأكثر، وإجمال الكلام فيه في المقام، هو انه بعد بعد ما استشكل وجوب الاتيان بما عدى الجز المتعذر
نظرا إلى ارتفاع التكليف المتعلق بالمركب لأجل تعذر بعض اجزائه وعدم إطلاق لدليله يقتضي وجوب الاتيان بما عدى الجز المتعذر
(استدل) لوجوب الاتيان بالباقي الممكن، بوجوه (منها) الاستصحاب، وتقريب التمسك به من وجوه (الأول) استصحاب مطلق الوجوب
الجامع بين النفسي والغيري الثابت لما عدى الجز المتعذر قبل تعذر الجز وبعد طرو الاضطرار يشك في ارتفاع مطلق الوجوب
الثابت للاجزاء الممكنة منها، لاحتمال بقاء وجوبها ولو بتغيير صفة وجوبها فيستصحب (الثاني) استصحاب الوجوب النفسي الثابت
للكل بتسامح من العرف في موضوعه بجعله عبارة عن الأعم من الواجد للجز المتعذر أو الفاقد له نظير استصحاب كرية الماء الذي
نقص منه مقدار (الثالث) استصحاب الوجوب النفسي المردد بين تعلقه بالمركب على أن يكون المتعذر جز له مطلقا ليسقط الوجوب عن
البقية بتعذر الجز، وبين تعلقه به على أن يكون المتعذر جزا اختياريا له ليبقى الوجوب بعد تعذره بحاله (الرابع) استصحاب الوجوب
الضمني النفسي الثابت للاجزاء الممكنة منها سابقا في ضمن وجوب الكل، حيث يشك في بقاء هذه المرتبة من الوجوب وارتفاعها
فيستصحب وإن كان يستتبع بقائه عند ارتفاع الوجوب عن الجز المتعذر تبدل حده السابق بحد آخر، نظير استصحاب بقاء مرتبة من
اللون المتحقق في ضمن اللون الشديد المقطوع ارتفاعه إذا شك في ارتفاعها أو بقائها ولو بحد آخر ضعيف (ولكن) يرد على التقريب
الأول مضافا إلى ما فيه من منع كون وجوب الجز وجوبا غيريا، لمنع مناط المقدمية للاجزاء كما حققناه في
246

محله (انه انما يجري) الاستصحاب ويكون من استصحاب القسم الثاني من استصحاب الكلي إذا كان ثبوت كل واحد من نحوي الوجوب
مشكوكا بحيث يكون الثابت مرددا من الأول بين ما هو مقطوع الارتفاع في الزمان الثاني، وما هو مقطوع البقاء، كالحدث المردد بين
الأصغر والأكبر بعد فعل ما يوجب رفع الأصغر، وليس الامر كذلك في المقام (وانما) هو من قبيل استصحاب القسم الثالث من الكلي
الذي كان الشك في بقاء الكلي لاحتمال وجود فرد آخر مقارنا لارتفاع الفرد المعلوم حدوثه (فان) ما علم ثبوته سابقا انما هو الوجوب
الغيري الذي علم بارتفاعه، والمحتمل بقائه هو الوجوب النفسي لاحتمال مقارنة مناطه لمناط الغيرية أو قيام مناطه مقام مناطها، و
الاستصحاب في مثله غير جار قطعا الا إذا كان المحتمل بقائه من مراتب الفرد الذي ارتفع، بان يكون من الحقائق التشكيكية شدة و
ضعفا، وليس المقام من ذلك أيضا لوضوح مباينة الوجوب النفسي وكونه غير سنخ الوجوب الغيري (وثانيا) ان الشك في بقاء وجوب
الاجزاء المتمكن منها مسبب عن الشك في بقاء المتعذر على جزئيته حال تعذره، فأصالة بقاء جزئيته للمركب يقتضى سقوط التكليف عن
البقية، ومعه لا ينتهي المجال إلى استصحاب بقاء وجوبها (ودعوى) مثبتية الأصل المزبور باعتبار ان ترتب سقوط التكليف عن البقية
من اللوازم العقلية للاضطرار إلى ترك الكل الذي هو من اللوازم العقلية لترك الجز (مدفوع) بأنه كذلك لولا كونه من اللوازم الأعم من
الواقع والظاهر، والا فلا ضير في ذلك، نظير وجوب الإطاعة الذي هو من لوازم مطلق الوجوب الأعم من الواقع والظاهر، فإنه كما أن
من لوازم ثبوت الجزئية المطلقة للمتعذر واقعا سقوط التكليف عن الكل بتعذره لاقتضاء تعذره تعذر الكل والمركب، كذلك من لوازم
الجزئية الظاهرية أيضا سقوط التكليف الظاهري عن الكل بالاضطرار إلى ترك الجز (وتوهم) انه لا معنى لاستصحاب الجزئية
للمتعذر في حال تعذره، لأنه بحسب مقام الدخل في المصلحة أمر تكويني لا تناله يد التشريع، وبالنسبة إلى التكليف الفعلي الذي هو
منشأ انتزاع جزئيته الفعلية للمأمور به لا يكون التكليف قابلا للثبوت للقطع بارتفاعه
247

بتعذره (مدفوع) بان الجزئية لا يختص اعتبارها بالنحوين المزبورين، بل لها اعتبار ثالث وهو اعتبار دخلها في المجعول عند جعل
المركب واختراعه، وفي هذه المرحلة كانت مما أمر رفعه ووضعه بيد الشارع فان للشارع في مرحلة جعل المركب اعتباره بنحو يدخل
فيه الجز المتعذر، كما أن له اعتباره بنحو لا يدخل فيه، وإن كان منشأ هذا الاعتبار هي المصالح الواقعية، وحينئذ فإذا كانت بهذا
الاعتبار من المجعولات الشرعية فلا جرم يجري فيها الاستصحاب (واما التقريب) الثاني، فيرد عليه انه لو يجدي، فإنما هو إذا كان
المتعذر من غير الاجزاء الركنية، والا فيقطع بارتفاع الحكم، ومعه لا بد وأن يكون الشك في البقاء متعلقا بشخص حكم آخر محتمل
التحقق حين وجود الحكم الأول أو محتمل الحدوث حين ارتفاعه ولو لاحتمال حدوث مناط آخر في البين، مع وضوح الفرق بين المقام و
بين استصحاب الكرية للماء، فان منشأ الشك في ذهاب الكرية هناك انما هو ذهاب البعض الذي احتمل دخله في وصف الكرية، بخلاف
المقام فان منشأ الشك في وجوب البقية ليس هو تعذر الجز، وانما منشأه هو الشك في جزئية المتعذر للمركب في حال تعذره مع الجزم
بجزئيته للمركب قبل تعذره ودخله في شخص التكليف المتعلق بالمركب، ومع هذا لا مجال لمقايسته المقام بما هناك فتدبر (واما
التقريب الثالث) فقد أورد عليه بأنه من أردأ أنحاء المثبت، ولعله من جهة اقتضائه لا ثبات كون متعلق التكليف عند تعذر الجز، ما عدى
الجز المتعذر، والا فلا نفهم وجها لمثبتيته (ولكن) يمكن ان يقال إن المقصود في المقام من الاستصحاب انما هو مجرد إثبات التكليف
للبقية، لا إثبات كون موضوع التكليف من الأول هو الواجد للجز في خصوص حال التمكن كي يتوجه شبهة المثبتية (ولما التقريب)
الرابع للاستصحاب، فالظاهر أنه لا بأس به في بعض فروض المسألة فيما كان الشك في بقاء وجوب البقية من جهة احتمال وجود مناط
آخر يقتضي تبدل حده الضمني بحد آخر مستقل أو احتمال تبدل المناط السابق عند تعذر الجز بمناط آخر مستقل يقتضي استقلال
البقية في الوجوب، إذ في أمثال ذلك لا مانع من جريان الاستصحاب، لكونه من استصحاب الذات
248

المحفوظة بين الحدين الباقية دقة ولو في ضمن حد آخر، نظير استصحاب بقاء أصل اللون المتحقق في ضمن الشديد منه سابقا فتدبر.
249